النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة

ابن تغري بردي

[الجزء الأول] بسم الله الرّحمن الرّحيم مقدّمة لكتب التراث العربى بقلم السيد الدكتور محمد عبد القادر حاتم وزير الثقافة والإرشاد القومى إن الأمم العظيمة لا ترضى، ولا تستطيع، أن تنسلخ عن تاريخها، وتاريخها هو وعاء ثقافتها وحضارتها، فى حقب هذا التاريخ نشأت ونمت وتطوّرت، واجتازت محنا، وحققت مجدا. وكما أن سجل هذه الأحداث تشهد به الآثار الباقية من عمارة ومشروعات فإن الكلمة المكتوبة كانت منذ قديم سجلا لتراث الأمم، سردا لتاريخها، وتصويرا لآمالها وعواطفها شعرا ونثرا، وتسجيلا للآراء السائدة فى عصورها المختلفة، مما يرتفع أحيانا الى مرتبة الحكمة والمذهب الفلسفى، ومما لا يزيد على أن يكون خطرات لأفراد. ونهضتنا الحاضرة، التى انبثقت فى جميع ميادين الحياة، منذ فجر 23 يوليو سنة 1952، لم تتنكر لماضى أمتنا العربية، ولم تغفل تراثنا الاسلامى العريق. ففى الوقت الذي تعمل فيه على التطوّر تحت راية العلم، وفى ركبه الزاحف، ترعى تراثها العريق الذي كانت أشعته تضىء ظلام العالم فى أيام ازدهار ماضينا. فكما أن رئيسنا وقائد ثورتنا يعلن فى" الميثاق الوطنى" أن العلم هو السلاح الحقيقى للإرادة الثورية، ومن هنا الدور العظيم الذي لا بد للجامعات ولمراكز العلم على مستوياتها المختلفة أن تقوم به...... والعلم هو السلاح الذي يحقق النصر الثورى، يعلن كذلك أن العمل العظيم الذي تمكن الشعب من إنجازه بالثورة الشاملة ذات الاتجاهات المتعدّدة، قد تحقق بفضل ضمانات تمكن النضال الشعبى من توفيرها، ومنها وعيه العميق بالتاريخ وأثره على الإنسان المعاصر من ناحية، ومن ناحية أخرى لقدرة هذا الإنسان على التأثير فى التاريخ؛ ومنها إيمان لا يتزعزع بالله، وبرسله، ورسالاته القدسية التى بعثها بالحق والهدى إلى الإنسان فى كل زمان ومكان. وأن مشعل الحضارة انتقل من بلد إلى بلد، لكنه فى كل بلد كان يحصل على زيت جديد يقوى به ضوءه على امتداد الزمان. وأن شعبنا، إلى جانب ما قام به من تحمل المسئولية المادية والعسكرية فى صدّ أول موجات الاستعمار الأوربى، وردّ غزوات التتار، قد تحمل كذلك المسئولية الأدبية فى حفظ التراث الحضارى العربى وذخائره الحافلة. وأنه يتعين علينا أن نذكر دائما أن الطاقات الروحية التى تستمدها الشعوب من مثلها العليا النابعة من أديانها السماوية، أو من تراثها الحضارى، قادرة على صنع المعجزات. وفى ضوء هذه التوجيهات تقوم المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر بمساهمتها فى نشر التراث العربى، كجزء من برامجها التى تساهم فيها بنشر الثقافة الحديثة بجميع فروعها. وهى فى ذلك تقدم هذه الخدمة الثقافية للأمة العربية فى جميع أجزاء الوطن العربى الكبير، فإن هذا التراث ثمرة العقول العربية فى خمسة عشر قرنا من الزمان، وفى جميع الوطن العربى من غربيه إلى شرقيه، ومن شماليه إلى جنوبيه، متضمنا ما كتبه أسلافنا فى إفريقيا وآسيا وأوروبا نفسها فى الأندلس العظيمة. وحسبنا فى بيان أهمية هذا التراث أنه باللغة العظيمة التى تجمعنا- نحن العرب جميعا- وأنه يتصل بتاريخنا، نحن العرب جميعا. فلقد قال الرئيس جمال عبد الناصر فى" الميثاق الوطنى": " يكفى أن الأمة العربية تملك وحدة اللغة التى تصنع وحدة الفكر والعقل ... ويكفى أن الأمة العربية تملك وحدة التاريخ التى تصنع وحدة الضمير والوجدان". والله الموفق فيما نقصد وما نعمل. الدكتور محمد عبد القادر حاتم القاهرة فى المحرم سنة 1383 هـ يونيه (حزيران) 1963 م بسم الله الرّحمن الرّحيم كتاب النجوم الزاهرة تصدير هذا كتاب كبير يؤرخ لمصر منذ الفتح الإسلامى من سنة 20 هـ إلى خلال سنة 872 هـ ألفه جمال الدين يوسف بن تغرى بردى الأتابكى القاهرى المولد والوفاة. وقبل أن يصدر القسم الأدبى بدار الكتب الجزء الأوّل من هذا الكتاب كان المستشرق الهولندى «يونبل» قد نشر منه بين سنتى (1851، 1855) مجلدين كبيرين يشتملان على الأحداث من سنة 20 هـ إلى سنة 365 هـ، ومن بعده نشر المستشرق الإمريكي «وليم پوپر» عشرة مجلدات تبدأ من حيث انتهى سلفه المستشرق الهولندى وتنتهى إلى آخر الكتاب أى سنة 872 هـ، غير أنها تنقصها الأحداث من سنة 565 هـ إلى سنة 800 هـ. وحين استقبل القسم الأدبى بدار الكتب المصرية العمل فى هذا الكتاب استقبله بإضافات جديدة: 1- فقد استأنس بمخطوطة جديدة. 2- وحرّر من متنه الكثير بالرجوع إلى الأمهات المنقول عنها. 3- وضم إليه دراسات علمية جديدة عن الأماكن المذكورة فيه. 4- وعرض لمغلقه بالشروح الكثيرة. 5- ثم أضاف إلى كل جزء فهرسا جامعا خاصا به. €

ولقد تسلمت المؤسسة الكتاب بأجزائه التى لم يتم تحقيقها- فيما تسلمته من القسم الأدبى- وكان منهجها فيه بعد أن لم تجد له مخطوطات أخرى: 1- أن تصوّر الأجزاء التى طبعت منه محذوفا منها فهارسها. 2- وأن تصوّر الأجزاء المحققة ليكون الكتاب كله على نسق واحد. 3- وأن تضم الفهارس كلها فى قسم مستقل. 4- وأن تضم إلى هذا القسم الأخير تصحيح ما وقع فى الأجزاء التى طبعت من الكتاب من أخطاء، وكذلك الاستدراكات التى تهدى إليها إعادة النظر فى الكتاب. وبهذا يخرج الكتاب كاملا بفهارس موحدة جامعة. والله ولى التوفيق ها المحرّم سنة 1383 هـ المؤسسة المصرية العامة يونيه (حزيران) 1963 م للتأليف والترجمة والطباعة والنشر €

بسم الله الرّحمن الرّحيم مقدمة الحمد لله والصلاة والسلام على خاتم رسله سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وبعد، فهذا هو الجزء الأوّل من كتاب «النجوم الزاهرة» لأبى المحاسن بن تغرى بردى الذي تقوم بطبعه دار الكتب المصرية مع بقية الموسوعات العلمية والأدبية والتاريخية فى عهد حامل لواء النهضة فى مصر حضرة صاحب الجلالة مولانا المليك المعظم «فؤاد الأوّل» حفظه الله. وإنا نضعه بين أيدى القرّاء بعد أن بذلنا الجهد فى سبيل إصداره على هذا النحو خاليا، على ما نعتقد، من التحريف والتصحيف اللذين ملئ بهما أصلاه، وهما النسخة الأوربية والنسخة الفتو غرافية اللتان اعتمدنا عليهما كمصدرين لطبع هذا الكتاب. وصفه هو كتاب كبير جمّ الفائدة فى تاريخ مصر مرتب على السنين، ابتدأ فيه مؤلفه بفتح عمرو بن العاص من سنة 20 هـ (640 م) إلى أثناء سنة 872 هـ (1367 م) وقد ذكر فيه من ولى مصر من الملوك والسلاطين والنوّاب ذكرا وافيا مع ذكر ملوك الأطراف بطريق إجمالىّ، آتيا فى كل سنيه على ما وقع من الحوادث المهمة، ومن €

توفى من رجالات الأمة الإسلامية. وقد انفرد بعد أبى بكر «1» بن عبد الله بن أيبك مؤرّخ مصر بإشارته فى آخر كل سنة إلى زيادة النيل ونقصانه، حتى كاد يكون كتابه المرجع الوحيد لحضرة صاحب السعادة الأستاذ أمين سامى باشا فى كتابه: «تقويم النيل» . ومن الأصل العربى لهذا الكتاب نسخ فى الأستانة وبرلين وغوطا وأبسالا وبطرسبورج وباريس والمتحف البريطانى. ترجمته الى اللغات الأوربية وقد ترجم هذا الأثر الجليل الى اللغة اللاتينية والى لغات أوروبية أخرى عدّة مرات «2» . ترجمته إلى اللغة التركية ولما فتح السلطان سليم العثمانى مصر واطلع على هذا الكتاب أمر بنقله إلى التركية فنقله شمس الدين أحمد بن سليمان بن كمال باشا قاضى العسكر بالأناضول يومئذ فترجم فى منزله جزءا وبيضه المولى حسن المعروف بآشجي زاده ثم عرضه على السلطان فى الطريق فأعجبه وأمر بنقله هكذا الى تمامه «3» . €

اختصاره وقد لخص المؤلف كتابه وسماه «الكواكب الباهرة من النجوم الزاهرة» وذكر أنه اختصره حذرا من أن يختصره غيره على تبويبه وفصوله واقتدى فى ذلك بجماعة من العلماء المؤلفين كالذهبى والمقريزى وغيرهما «1» . اهتمام علماء أوروبا بنشره ولما كان هذا الكتاب من أهمّ المصادر التاريخية، اهتم بنشره علماء أوروبا فنشر المستشرق جونبل الهولاندى منه مجلدين ضخمين فى أربعة أجزء بمطبعة بريل فى مدينة ليدن من سنة 1851- 1855 م؛ ويبتدئ الجزء الأوّل من سنة 20 من الهجرة لغاية سنة 253 هـ، والجزء الثانى من سنة 254- 365 هـ. وقد صدّرهما بمقدّمة وملاحظات باللغة اللاتينية. ونشر المستشرق وليم بوبر العالم الإمريكي منه عشرة مجلدات مع مقدّمة باللغة الانجليزية لكل جزء من أجزائه، وطبعت بجامعة كاليفورنيا من سنة 1909- 1915 ومن سنة 1916- 1923 وسنة 1926 وسنة 1929، وتشتمل على السنين من سنة 365- 566 هـ ومن سنة 801- 872 هـ. ويتبين من هذا أن باقى الأجزاء التى تشتمل على السنين من سنة 567- 800 هـ لم تطبع بعد. اهتمام دار الكتب المصرية بنقل نسخة منه ولذا اهتمت دار الكتب المصرية بنقل نسخة منه بالتصوير الشمسى عن النسخة الخطية المحفوظة بمكتبة أياصوفيا بالآستانة تحت رقمى 3498، 3499 €

وهى محفوظة بدار الكتب تحت رقم 1343 تاريخ، وتشمل سبعة مجلدات ينقصها المجلد الثانى، وبيانها كالآتى: المجلد الأوّل: القسم الأوّل- من سنة 20- 146 هـ: القسم الثانى- من سنة 147- 254 الثالث: القسم الأوّل- من سنة 524- 637: القسم الثانى- من سنة 637- 675 الرابع: القسم الأوّل- من سنة 676- 723: القسم الثانى- من سنة 723- 745 الخامس: القسم الأوّل- من سنة 746- 782: القسم الثانى- من سنة 783- 799 السادس: القسم الأوّل- من سنة 800- 815: القسم الثانى- من سنة 816- 836 السابع: القسم الأوّل- من سنة 836- 854: القسم الثانى- من سنة 854- 872 اهتمام الحكومة المصرية بطبعه ولما كان اهتمام علماء أوروبا بنشر هذا الكتاب وطبعه بلغ شأنا كبيرا لأنه خاص بتاريخ مصر وهى أكبر دولة شرقية إسلامية لها من الحضارة والمدنية ما لم يبلغه سواها من الأمم الشرقية الأخرى، كان جديرا بحكومة الدولة المصرية أن تقوم بطبع هذا الكتاب على نفقتها، ولذا أشار رئيس الحكومة وقتئذ ساكن الجنان المغفور له عبد الخالق ثروت باشا على دار الكتب المصرية بطبع هذا الكتاب القيّم €

ضمن مطبوعاتها، فلبت طلبه وباشرت طبعه بمطبعتها لا سيما بعد أن حصلت على نسخة منه بالتصوير الشمسى. العناية التامة بتصحيحه ولذلك قام القسم الأدبى بترقيمه وضبطه وتصحيحه، متوخّيا فيه تحقيق الأعلام وأسماء البلدان والوقائع بمراجعة المصادر التاريخية المطبوعة والمخطوطة لتحرّى الصواب مع كتابة التعليقات وذكر المراجع. وطالما وفّق فى مراجعته إلى أكثر الكتب التى نقل عنها المؤلف، لتكون هذه الطبعة أصح نسخة يعوّل عليها. ويجدر بنا أن نذكر أسماء الكتب التى نقل عنها المؤلف وراجعناها فيما صححناه من كتابه مع بعض المصادر الأخرى التى اعتمدنا عليها فى تصحيح هذا الكتاب: (1) تاريخ ابن كثير المسمى بالبداية والنهاية- نسخة فتوغرافية محفوظة بدار الكتب تحت رقم 1110 تاريخ. (2) تاريخ الإسلام للذهبى- نسخة مخطوطة تحت رقم 42 تاريخ. (3) عقد الجمان فى تاريخ أهل الزمان للعينى- نسخة فتو غرافية تحت رقم 1584 تاريخ. (4) مرآة الزمان للحافظ شمس الدين يوسف بن قزأوغلى- نسخة فتوغرافية تحت رقم 551 تاريخ. (5) فتوح مصر وأخبارها لابن عبد الحكم- نسخة طبعة أوروبا رقم 1129 تاريخ. (6) تاريخ الرسل والملوك للطبرى- نسخة طبعة أوروبا. (7) التاريخ الكامل لابن الأثير- نسخة طبعة أوروبا. €

(8) فضائل مصر للكندى- نسخة طبعة أوروبا. (9) الطبقات الكبرى لابن سعد- نسخة طبعة أوروبا. (10) المشتبه فى أسماء الرجال للذهبى- نسخة طبعة أوروبا. (11) فتوح البلدان للبلاذرى- نسخة طبعة أوروبا. (12) معجم البلدان لياقوت- نسخة طبعة أوروبا. (13) معجم ما استعجم للبكرى- نسخة طبعة أوروبا. (14) ولاة مصر وقضاتها للكندى- نسخة طبعة بيروت. (15) أسد الغابة فى معرفة الصحابة لابن الجزرى- نسخة طبعة مصر. (16) الإصابة فى تمييز الصحابة لابن حجر العسقلانى- نسخة طبعة مصر. (17) تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلانى- نسخة طبعة مصر. (18) مروج الذهب للمسعودى- نسخة طبعة بولاق. (19) الخطط للمقريزى- نسخة طبعة بولاق. (20) وفيات الأعيان لابن خلكان- نسخة طبعة بولاق. (21) صحيح مسلم- نسخة طبعة بولاق. (22) حوادث الدهور لابن تغرى بردى المؤلف- الجزء الأوّل بالتصوير الشمسى تحت رقم 2397 تاريخ. وما الى ذلك من المصادر الأخرى من كتب التاريخ والأدب واللغة لضبط الأعلام والأماكن وتصحيح العبارات. وقد خصصنا فهرسا شاملا لكل هذه الكتب التى راجعناها فى نهاية هذا الجزء مع فهارس أخرى. €

ترجمة المؤلف كتبها تلميذه وصديقه أحمد بن حسين التركمانى المعروف بالمرجى بآخر كتاب «المنهل «1» الصافى» للمؤلف وقد كتبه بخطه، قال: ذكر نبذة من ترجمة مؤلف هذا التاريخ أسبغ الله عليه ظلاله، وختم بالصالحات أعماله. قال كاتب هذه النسخة تلميذ المؤلف، وغرس نعمه، وأكبر محبّيه، وأصغر خدمه «أحمد بن حسين التركمانى الحنفى الشهير بالمرجى» لطف الله به: لما اتصلت بخدمة مؤلف هذا الكتاب الجناب العالى المولوىّ الأميرىّ الكبيرىّ الفاضلىّ الكاملىّ الرئيسىّ الأوحدىّ العضدىّ الذّخرىّ النصيرىّ؛ نادرة الزمان، وعين الأعيان، وعمدة المؤرّخين، ورأس الرؤساء المعتبرين، وأهّلنى لكتابة هذا التاريخ، فضلا وإحسانا منه وصدقة علىّ. استوعبته كتابة ومطالعة وتأمّلا، فلم أر فيه مثله فى زمانه، لاختبارى ما اشتمل عليه من المحاسن التى لم توجد فى مثله من أبناء عصره، من لطيف المحاضرة، وفكاهة المنادمة، والعقل التامّ، وكرامة الأصالة الكريمة، والحرمة الوافرة، والعظمة الزائدة، وحسن الخلق، وبشاشة الوجه، وحسن الملتقى، والشكالة الحسنة التى يضرب بها المثل. وعلى ما قلته بلسان التقصير، وأعظم من ذلك من الأوصاف الجميلة التى لو استوعبها منطلق اللسان لملأ منها كتبا مجلدة، جميع من جالسه وحاضره من المتردّدين الى بابه، ومشنّفى أسماعهم بحسن €

منادمته وخطابه؛ فأحببت ألا يخلو مثل هذا التاريخ من ترجمة مثل هذا المؤرّخ، إذ جرت العادة أن المؤرّخين لا يترجمون أنفسهم؛ ورأيت من بعض ما يجب على أن أذكر نبذة من ذكر بعض أحواله على سبيل الاختصار فأقول: هو يوسف بن تغرى بردى بن عبد الله الأمير جمال الدين أبو المحاسن بن الأمير الكبير سيف الدين تغرى بردى اليشبغاوى الظاهرى أتابك العساكر بالديار المصرية، ثم كافل المملكة الشامية. سألته عن مولده فقال: مولدى بالقاهرة بدار الأمير منجك «1» اليوسفى بجوار مدرسة السلطان حسن، فى حدود سنة اثنتى عشرة وثمانمائة تقريبا. قلت: وتوفى والده الأمير الكبير تغرى بردى المذكور بدمشق على نيابتها فى محرّم سنة خمس عشرة وثمانمائة، فربّاه زوج أخته قاضى القضاة ناصر الدين محمد بن «2» العديم الحنفى الى أن مات ابن العديم المذكور فى سنة تسع عشرة وثمانمائة، وتزوّج بأخته شيخ الإسلام قاضي القضاة جلال الدين «3» عبد الرحمن البلقينى الشافعى، فتولى تربيته وحفّظه القرآن العزيز الى أن كبر وانتشا وترعرع، وحفظ مختصر القدورى فى الفقه، وطلب العلم وتفقه بالشيخ شمس الدين محمد الرومى الحنفى، وبقاضى القضاة €

بهاء الدين أبى البقاء الحنفى قاضى مكة، وبقاضى القضاة بدر الدين محمود «1» العينى الحنفى. وأخذ النحو عن شيخنا العلامة تقىّ الدين «2» الشّمنّى الحنفى، ولازمه كثيرا وتفقه عليه أيضا. وأخذ التصريف عن الشيخ علاء الدين الرومى وغيرهم. وقرأ المقامات الحريرية على العلامة قوام الدين «3» الحنفى وأخذ عنه العربية أيضا وقطعة جيّدة من علم الهيئة. وأخذ البديع والأدبيّات عن العلامة شهاب الدين أحمد «4» بن عربشاه الدمشقىّ الحنفىّ وغيره. وكتب عن شيخ الاسلام حافظ عصره شهاب الدين أحمد «5» €

ابن حجر كثيرا من شعره، وحضر دروسه، وانتفع بمجالسته. وعن قاضى القضاة جلال الدين «1» أبى السعادات بن ظهيرة قاضى مكة من شعره وشعر غيره. وعن العلامة بدر الدين «2» بن العليف، والشيخ قطب الدين أبى الخير «3» بن عبد القوى شاعرى مكة كثيرا من شعرهما. وكتب عن شعراء عصره واجتهد وحصل ونثر ونظم وبرع فى عدّة علوم وشارك فى عدّة فنون. ثم حبّب اليه علم التاريخ فلازم مؤرّخى عصره مثل قاضى القضاة بدر الدين محمود العينى، والشيخ تقىّ الدين «4» المقريزى، واجتهد فى ذلك الى الغاية، وساعده جودة ذهنه، وحسن تصوّره، وصحيح فهمه، حتى برع ومهر وكتب وحصّل وصنّف وألّف وانتهت اليه رياسة هذا الشأن فى عصره. €

سمع الحديث واستجاز، ومن مسموعاته العوالى كتاب «السنن لأبى داود» على المشايخ الثلاثة المسندين المعمرين: زين الدين عبد الرحمن «1» بن يوسف بن أحمد بن الطحان الدمشقى الحنبلى المشهور بابن قريج (بقاف وجيم مصغر) ، وعلاء الدين على «2» ابن إسماعيل بن محمد بن بردس البعلبكى الحنبلى أيضا، وشهاب «3» الدين أحمد بن عبد الرحمن المشهور بابن الناظر الصاحبة الحنبلى أيضا. وكتاب «جامع الترمذى» سمعه على الشيخين الأخيرين ابن بردس وابن ناظر الصاحبة بعد موت ابن الطحان، وسمع عليهما أيضا «شمائل المصطفى للترمذى» ومشيخة الفخر بن البخارى، و «مسند ابن عباس» ، وقطعة كبيرة من «مسند أحمد» فى عدّة مجالس. ومن مسموعاته العوالى أيضا كتاب «فضل الخيل» للحافظ شرف الدين الدمياطى سمعه على الحافظ تقىّ الدين المقريزى بسماعه على الشيخ المسند ناصر الدين محمد بن يوسف بن طبرزد الحراوى بسماعه من مؤلفه، وله مسموعات كثيرة بالطالع والنازل. €

وأجازه بالقاهرة حافظ العصر شيخ الاسلام قاضى القضاة شهاب الدين أحمد ابن حجر، والشيخ الحافظ تقي الدين أحمد بن على بن عبد القادر المقريزى الشافعى، والحافظ العلامة أبو محمد محمود بن أحمد العينى الحنفى، وأحمد بن عبد الرحمن بن أحمد الحنبلى، وأبو ذرّ عبد الرحمن «1» بن محمد الزركشى الحنبلى، وعز الدين عبد «2» الرحيم ابن الفرات الحنفى، وإبراهيم بن «3» صدقة بن إبراهيم بن إسماعيل الصالحى الحنبلى، ومحمد بن يحيى بن محمد الحنبلى، وأحمد بن محمد بن محمد الحنفى، وأحمد بن محمد بن إبراهيم الفيشى «4» المالكى، والمسند محمد بن عبد «5» الله الرشيدى، وعبد الله «6» بن محمد الميمونى €

وعبد الله بن أحمد «1» القمنى، وجلال الدين عبد الرحمن «2» بن على بن عمر بن الملقّن، والحافظ أبو النعيم زين الدين رضوان «3» بن محمد بن يوسف العقبى المستملى، وقاضى القضاة بدر الدين محمد «4» أحمد بن محمد بن محمد، والعلامة شمس الدين «5» محمد النواجى، والشيخ عز الدين أحمد «6» بن إبراهيم بن نصر الله الحنبلى، ومحمد «7» بن على بن أحمد الشهير بابن المغيربى وآخرون. €

وبالحجاز قاضى القضاة جلال الدين أبو السعادات أحمد بن محمد بن ظهيرة الشافعى المكى، وقاضى القضاة بهاء الدين محمد أبو البقاء الحنفى المكى، وشاعرا مكة بدر الدين بن العليف، والشيخ أبو الخير بن عبد القوى وغيرهم. وأجازه من حلب العلامة شهاب الدين أحمد «1» بن أبى بكر المرعشى الحنفى، وابن الشماع وغيرهما. وبرع فى فنون الفروسية كلعب الرمح ورمى النشّاب وسوق البرجاس ولعب الكرة والمحمل. وأخذ هذه الفنون عن عظماء هذا الشأن، وفاق فيهم على أنداده، وساد على أقرانه علما وعملا؛ هذا مع الديانة والصيانة والعفّة عن المنكرات والفروج والاعتكاف «2» عن الناس، وترك الترداد الى أعيان الدولة حتى ولا الى السلطان؛ مع حسن المحاضرة، ولطيف المنادمة، والحشمة الزائدة، والحياء الكثير، واتساع الباع فى علوم الآداب والتاريخ وأيام الناس، قلّ أن يخلو مجلسه من مذكّرات العلوم، جالسته كثيرا وتأدّبت بتربيته، وحسن رأيه وسياسته وتدبيره. يضرب به المثل فى الحياء والسكون، ما سمعته شتم أحدا من غلمانه، ولا من حاشيته، ولا تكبّر على أحد من جلسائه قط، كبيرا كان أو صغيرا، جليلا كان أو حقيرا. وصحب بعض الأصلاء الأعيان كالقاضى كمال الدين بن البارزى، وقاضى القضاة شهاب الدين بن حجر وغيرهما من العلماء والرؤساء، ونكرّر ترداد غالبهم الى بابه، وحضروا مجلسه كثيرا وأحبّوه محبة زائدة. €

هذا مع ما اشتمل عليه من الكرم الزائد، والميل الى الخير، ومحبته أهل العلم والفضل والصلاح، والإحسان اليهم بما تصل القدرة اليه. وله اليد الطولى فى علم النغم والضروب والإيقاع حتى لعلّه لم يكن فيه مثله فى زمانه، انتهت اليه الرياسة فى ذلك وكتب كثيرا وحصّل وصنّف وألّف. ومن مصنفاته هذا الكتاب الجليل وهو المسمى ب «المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى» فى سبعة مجلدات، هذه الستة ومجلد آخر يسمى «بالكنى» استوعب فيه ذكر الأعيان المشهورين بكنيتهم على هذا الشرط، وهو من أوّل دولة الترك ومختصره المسمى «بالدليل الشافى على المنهمل الصافى» ومختصره سماه «مورد اللطافة فى ذكر من ولى السلطنة والخلافة» وذيل على الإشارة للحافظ الذهبى مختصرا سماه «بالبشارة فى تكملة الإشارة» وكتاب «حلية الصفات فى الأسماء والصناعات» مرتبا على الحروف، يشتمل على مقاطيع وتواريخ وأدبيات، بديع فى معناه، وغير ذلك. كل ذلك فى عنفوان شبيبته. ونرجو، إن أطال الله عمره وفسح فى أجله، ليملأنّ خزائن من العلوم والمصنفات فى كل فنّ، لعلمى باتساع باعه فى التصنيف والتأليف. ومن شعره ما أنشدنى من لفظه لنفسه- حفظه الله تعالى- فى مليح اسمه «حسن» قوله: طرفه الأحور زاه شاقنى ... وبه قد ضاع علمى بالوسن جوره عدل علينا فى الهوى ... كلّ فعل منه لى فهو حسن €

وله أيضا: تجارة الصبّ غدت ... فى حبّ خود كاسده ورأس مالى هبة ... لفرحتى بفائده وله أيضا: أيبك قطز يعقبو بيبرس ذو الإكمال ... بعدو قلاوون بعدو كتبغا المفضال لاجين بيبرس برقوق شيخ ذو الإفضال ... ططر برسباى جقمق ذو العلا إينال ترجمة المؤلف عن الضوء اللامع فى أعيان القرن التاسع للسخاوى «1» يوسف بن تغرى بردى الجمال أبو المحاسن بن الأتابكى بالديار المصرية، ثم نائب الشام اليشبغاوى الظاهرىّ القاهرىّ الحنفىّ. ولد فى شوّال تحقيقا سنة ثلاث عشرة وثمانمائة تقريبا بدار منجك اليوسفى، جوار المدرسة الحسنيّة، ومات أبوه بدمشق على نيابتها وهو صغير، فنشأ فى حجر أخته عند زوجها الناصرىّ بن العديم الحنفىّ، ثم عند الجلال البلقينى، لكونه كان خلفه عليها. وحفظ القرآن، ثم فى كبره- فيما زعم- مختصر القدورى وألفية النحو وإيساغوجى، واشتغل يسيرا وقال إنه قرأ فى الفقه على الشمس والعلاء الروميين، وفى الصرف على ثانيهما، وكذا اشتغل فى الفقه على العينى وأبى البقاء بن الضياء المكى والشمنى ولازمه أكثر، وعليه اشتغل فى شرح الألفية لابن عقيل والكافياجى €

وعليه حضر فى الكشاف والزين قاسم، واختص به كثيرا وتدرّب به، وقرأ فى العروض على النّواجى، والمقامات الحريرية على القوام الحنفى، وعليه اشتغل فى النحو أيضا بل أخذ عنه قطعة جيدة من علم الهيئة، وقرأ أقراباذين فى الطب على سلام الله، وفى البديع وبعض الأدبيات على الشهاب بن عربشاه، وكتب عن شيخنا من شعره وحضر دروسه وانتفع، فيما زعم، بمجالسته؛ وكذا كتب بمكة عن قاضيها أبى السعادات بن ظهيرة من شعره وشعر غيره، وعن البدر بن العليف وأبى الخير بن عبد القوىّ وغيرهم من شعراء القاهرة؛ وتدرّب كما ذكر فى الفنّ بالمقريزى والعينى وسمع عليهما الحديث، وكذا بالقلعة عند نائبها تغرى برمش الفقيه على بن الطحان وابن بردس وابن ناظر الصاحبة، وأجاز له الزين الزركشى وابن الفرات وآخرون. وحج غير مرة أوّلها فى سنة ست وعشرين، واعتنى بكتابة الحوادث من سنة أربعين، وزعم أنه أوقف شيخه المقريزى على شىء من تعليقه فيها فقال: دنا الأجل، إشارة إلى وجود قائم بأعباء ذلك بعده، وأنه كان يرجع إلى قوله فيما يذكره له من الصواب بحيث يصلح ما كان كتبه أوّلا فى تصانيفه، بل سمعته يرجح نفسه على من تقدّمه من المؤرّخين من ثلاثمائة سنة بالنسبة لاختصاصه دونهم بمعرفة الترك وأحوالهم ولغاتهم، ورأيته إذ أرّخ وفاة العينى قال فى ترجمته: إن البدر البغدادى الحنبلى قال له وهما فى الجنازة: خلا الجوّ، إشارة إلى أنه تفرّد؛ وما رأيته ارتضى وصفه له بذلك من حينئذ فقط، فانه قال إنه رجع من الجنازة فأرسل له ما يدل على أن العينى كان يستفيد منه، بل سمعته يصف نفسه بالبراعة فى فنون الفروسية كلعب الرمح ورمى النشّاب وسوق البرجاس ولعب الكرة والمحمل ونحو ذلك. €

وبالجملة فقد كان حسن العشرة، تامّ العقل- إلا فى دعواه فهو حمق- والسكون، لطيف المذاكرة، حافظا لأشياء من النظم ونحوه، بارعا حسبما كنت أتوهّمه فى أحوال الترك ومناصبهم وغالب أحوالهم، منفردا بذلك لا عهد له بمن عداهم، ولذلك تكثر فيه أوهامه، وتختلط ألفاظه وأقلامه، مع سلوك أغراضه، وتحاشيه عن مجاهرة من أدبر عنه بإعراضه، وما عسى أن يصل اليه تركى!. وقد تقدّم عند الجمالى ناظر الخاص بسبب ما كان يطريه به فى الحوادث، وتأثّل منه دنيا، وصار بعده الى جانبك الجداوى فزادت وجاهته، واشتهرت عند أكثر الأتراك ومن يلوذ بهم من المباشرين وشبههم فى التاريخ براعته. وبسفارته عند جانبك خلص البقاعى من ترسيمه حين ادعى عليه عنده بما فى جهته لجامع الفكّاهين، لكون البقاعى ممن كان يكثر التردّد لبابه، ويسامره بلفظه وخطابه؛ وربما حمله على إثبات مالا يليق فى الوقائع والحوادث مما يكون موافقا لغرضه، خصوصا فى تراجم الناس وأوصافهم، لما عنده من الضّغن والحقد، كما وقع له فى أبى العباس الواعظ وابن أبى السعود. وكان إذا سافر يستخلف فى كتابة الحوادث ونحوها التقىّ القلقشندى. وقد صنف المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى فى ستة مجلدات تراجم خاصة على حروف المعجم من أوّل دولة الترك؛ والدليل الشافى على المنهل الصافى؛ ومورد اللطافة فيمن ولى السلطنة والخلافة؛ والبشارة فى تكملة الإشارة للذهبى؛ وحلية الصفات فى الأسماء والصناعات، مشتمل على مقاطيع وتواريخ وأدبيات، رتبه على حروف المعجم وغير ذلك «1» . €

وفيها الوهم الكثير والخلط الغزير مما يعرفه النقاد، والكثير من ذلك ظاهر لكل. ومنه السّقط فى الأنساب كتسمية الحجار أحمد بن نعمة مع كون نعمة جدّه الأعلى. وكحذفه ما يتكرر من الأسماء فى النسب أو الزيادة فيه بأن يكون فى النسب ثلاثة محمدين فيجعلهم أربعة، أو أربعة فيجعلهم خمسة. والقلب كأن يكون المترجم طالبا لواحد فيجعله شيخا له. والتصحيف والتحريف كالغرافى بالفاء والغين المعجمة يجعله مرة بالقاف، ومرة بالعين والقاف مخففا، وكالحسامية بالخسابية، وتسعين بسبعين وعكسه، وابن سكّر حيث ضبطه بالشين المعجمة، وفريد الدين بمؤيد الدين. والتغيير كسليمان من سلمان وعكسه، وعبد الله من أبى عبد الله، وسعد من سعد الله، وثبا «1» حيث جعله عليا، وعبد الغفار صاحب الحاوى حيث جعله عبد الوهاب، وابن أبى جمرة الولى الشهير حيث جعله محمدا، وصلاح الدين خليل بن السابق أحد رؤساء الشام سماه محمدا، وعبد الرحمن البوتيجى الشهير جعله أبا بكر، وأحمد بن على القلقشندى صاحب صبح الأعشى سمى والده عبد الله. والتكرير فيكتب الرجل فى موضعين مرة فى إبراهيم ومرة فى أحمد، وربما تنبه لذلك فيجوّز كونه أخا ثانيا. وإشهار المترجم بما لا يكون به مشهورا حيث يروم التشبه بابن خلكان أو الصفدى فيما يكتبانه بهامش أوّل الترجمة لسهولة الكشف عنه ككتابته مقابل ترجمة أحمد بن محمد بن عبد المعطى جدّ قاضى المالكية بمكة المحيوى عبد القادر ما نصه: ابن طراد النحوى الحجازى. أو وصفه بما لم يتصف به كالصلاح بن أبى عمر حيث وصفه بالحافظ، والجمال الحنبلى بالعلامة، وناصر الدين ابن المخلّطة بقوله: إنه لم يخلف بعده مثله ضخامة وعلما ومعرفة ودينا وعفة. وتعبيره €

بما لا يطابق الواقع كقوله فى البرهان بن خضر: تفقه بابن حجر. أو شرحه لبعض الألقاب بما لا أصل له حيث قال فى ابن حجر: نسبة الى آل حجر يسكنون الجنوب الآخر على بلاد الخربة وأرضهم قابس. أو لحنه الواضح وما أشبهه كأزوجه فى زوّجه، والحياة فى الحيا، والمجاز فى المزاح، وأجعزه فى أزعجه، والكيابة فى الكآبة، والحطيط فى الحضيض، ومنتضمة فى منتظمة، وظنين فى ضنين. بل ويذكر فى الحوادث ما لم يتفق كأنه كان يكتب بمجرّد السماع كقوله فى الشهاب ابن عربشاه- مع زعمه أنه من شيوخه-: إنه استقر فى قضاء الحنفية بحماة فى صفر سنة أربع وخمسين عوضا عن ابن الصوّاف، وإن ابن الصوّاف قدم فى العشر الثانى من الشهر الذي يليه فأعيد فى أواخر جمادى الآخرة، وهذا لم يتفق كما أخبرنى به الجمالى بن السابق الحموى، وكفى به عمدة سيما فى أخبار بلده. وكقوله عن جانم: إنه لما أمر برجوعه من الخانقاه الى الشام توجه كاتب السر ابن الشّحنة لتحليفه فى يوم الثلاثاء ثامن عشر رمضان سنة خمس وستين، فإن هذا كما قال ابن الشحنة المشار إليه لم يقع. وكقوله: إن صلاح الدين بن الكويز استقرّ فى وكالة بيت المال عوضا عن الشرف الأنصارى فى رجب سنة ثلاث وستين، وفى ظنى أن المستقرّ حينئذ فيها إنما هو الزين بن مزهر. ويذكر فى الوفيات تعيين محالّ دفن المترجمين فيغلط: كقوله فى نصر الله الرويانى: إنه دفن بزاويته، الى غير ذلك من تراجمه التى يقلد فيها بعض المتعصبين كما تقدّم. أو يسلك فيها الهوى، كترجمته لمنصور بن صفىّ وجانبك الجداوى، بل سمعت غير واحد من أعيان الترك ونقادهم العارفين بالحوادث والذوات يصفونه بمزيد الخلل فى ذلك. وحينئذ فما بقى ركون لشىء مما يبديه، وعلى كل حال فقد كان لهم به جمال. وقد اجتمعت به مرارا وكان يبالغ €

فى إجلالى اذا قدمت عليه ويخصنى بتكرمة للجلوس، والتمس منى اختصار الخطط للمقريزى، وكتبت عنه ما قال إنه من نظمه فيمن اسمها «فائدة» وهو: تجارة الصبّ غدت ... فى حبّ خود كاسده ورأس مالى هبة ... لفرحتى بفائده وابتنى له تربة هائلة بالقرب من تربة الأشرف إينال، ووقف كتبه وتصانيفه بها وتعلل قبل موته بنحو سنة بالقولنج واشتدّ به الأمر من أواخر رمضان بإسهال دموىّ بحيث انتحل وتزايد كربه، وتمنى الموت لما قاساه من شدّة الألم إلى أن قضى فى يوم الثلاثاء خامس ذى الحجة سنة أربع وسبعين ودفن من الغد بتربته، وعسى أن يكون كفّر عنه، رحمه الله وعفا عنه وإيانا «1» . €

ترجمة المؤلف عن شذرات الذهب فى أخبار من ذهب «1» لابن العماد الحنبلى فى حوادث سنة 874 هـ جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن الأمير الكبير سيف الدين تغرى بردى الحنفى الإمام العلامة. ولد بالقاهرة سنة اثنتى عشرة وثمانمائة ورباه زوج أخته قاضى القضاة ناصر الدين بن العديم الحنفى إلى أن مات، فتروّج بأخته جلال الدين البلقينى الشافعى فتولى تربيته وحفظ القرآن العزيز. ولما كبر اشتغل بفقه الحنفية وحفظ القدورى وتفقّه بشمس الدين محمد الرومى وبالعينى وغيرهما، وأخذ النحو عن التقىّ الشّمنّى ولازمه كثيرا وتفقه به أيضا، وأخذ التصريف عن الشيخ علاء الدين الرومى وغيره، وقرأ المقامات الحريرية على قوام الدين الحنفىّ وأخذ عنه العربية أيضا وقطعة جيدة من علم الهيئة، وأخذ البديع والأدبيات عن الشهاب بن عربشاه الحنفىّ وغيره، €

وحصر على ابن حجر العسقلانى وانتفع به، وأخذ عن أبى السعادات بن ظهيرة وابن العليف وغيرهما. ثم حبّب إليه علم التاريخ فلازم مؤرّخى عصره مثل العينىّ والمقريزىّ، واجتهد فى ذلك إلى الغاية وساعدته جودة ذهنه وحسن تصوّره وصحة فهمه، ومهر وكتب وحصّل وصنّف وانتهت إليه رآسة هذا الشأن فى عصره، وسمع شيئا كثيرا من كتب الحديث، وأجازه جماعات لا تحصى مثل ابن حجر والمقريزىّ والعينىّ. ومن مصنفاته كتاب المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى فى ستة مجلدات، ومختصره المسمى بالذيل الشافى على المنهل الصافى، ومختصر سماه مورد اللطافة فى ذكر من ولى السلطنة والخلافة، والنجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، وذيل على الإشارة للحافظ الذهبى سماه بالبشارة فى تكملة الإشارة، وكتاب حلية الصفات فى الأسماء والصناعات مرتبا على الحروف، وغير ذلك. ومن شعره: تجارة الحب غدت ... فى حب خود كاسده ورأس مالى هبة ... لفرحتى بفائده ومنه مواليا فى عدّة ملوك الترك: أبيك قطز يعقب بيبرس ذو الإكمال ... بعدو قلاوون بعدو كتبغا المفضال لاچين بيبرس برقوق شيخ ذو الإفضال ... ططر برسباى چقمق ذو العلا إينال وتوفى فى ذى الحجة. حديث ابن إياس عن المؤلف وقد أشار ابن إياس فى تاريخه (ج 2 ص 118) الى ترجمته عند ذكر وفاته فى حوادث سنة أربع وسبعين وثمانمائة فقال: €

«وفيه كانت وفاة الجمالى يوسف بن الأتابكى تغرى بردى اليشبغاوى الرومى نائب الشام. وكان الجمالى يوسف رئيسا حشما فاضلا حنفىّ المذهب وله اشتغال بالعلم، وكان مشغوفا بكتابة التاريخ وألف فى ذلك عدّة تواريخ منها تاريخه الكبير الموسوم بالنجوم الزاهرة؛ والمنهل الصافى؛ ومورد اللطافة فيمن ولى السلطنة والخلافة؛ وله تاريخ فى وقائع الأحوال على حروف الهجاء؛ وله غير ذلك عدّة مصنفات. وكان نادرة فى أولاد الناس. ومولده سنة ثلاث عشرة وثمانمائة» اهـ. مؤلفاته ولابن تغرى بردى عدا كتاب «النجوم الزاهرة» الكتب الآتية «1» : 1- مورد اللطافة فيمن ولى السلطنة والخلافة: اقتصر فيه على ذكر الخلفاء والسلاطين بغير مزيد، واستفتح بذكر النّبيّ صلى الله عليه وسلم فالخلفاء الراشدين الى الخليفة القائم بأمر الله. ثم ذكر العبيديين ومن خلفهم على مصر الى أيامه. منه نسخة فى مكتبة محمد الفاتح ومكتبة بشير أغا فى الأستانة، وفى غوطا مع ذيل الى سنة 906 هـ، وفى باريس وأكسفورد وكمبريدچ وتونس. وطبع فى كمبريدچ سنة 1792 م وله ذيول منها: «منهل الظرافة، لذيل مورد اللطافة» بأسماء أمراء مصر الى سنة 884 هـ فى برلين. 2- منشأ اللطافة، فى ذكر من ولى الخلافة: وهو تاريخ مصر من أقدم أزمانها الى سنة 719 هـ فى باريس. €

3- المنهل الصافى، والمستوفى بعد الوافى: هو معجم لمشاهير الرجال العظام من سنة 650 هـ الى آخر أيام المؤلف، أراد به أن يكون ذيلا للوافى تأليف الصفدى. منه نسخة فى دار الكتب المصرية فى ثلاثة مجلدات كبيرة صفحاتها نحو 3000 صفحة منقولة عن مكتبة عارف بك بالمدينة. ترجم فيها مئات من الأعيان والعلماء، وأسند كل رواية الى صاحبها. ومن لطيف ما جاء فى مقدّمته- وقد خالف به أكثر مؤلفى عصره- قوله: «كنت قد اطلعت على نبذ من سيرهم وأخبارهم (يعنى رجال التاريخ) ووقفت فى كتب التاريخ على الكثير من آثارهم فحملنى ذلك على سلوك هذه المسالك، وإثبات شىء من أخبار أمم الممالك، غير مستدعى الى ذلك من أحد من أعيان الزمان، ولا مطالب به من الأصدقاء والخلّان، ولا مكلّف لتأليفه وترصيفه من أمير ولا سلطان؛ بل اصطفيته لنفسى، وجعلت حديقته مختصة بباسقات غرسى؛ ليكون فى الوحدة لى جليسا، وبين الجلساء مسامرا وأنيسا ... الخ» . وهذا يخالف طريقة سائر المؤلفين فى ذلك العهد، وقد اختصره فى كتاب سماه: «الدليل الشافى على المنهل الصافى» منه نسخة فى مكتبة بشير أغا بالآستانة. 4- نزهة الرائى فى التاريخ: هو تاريخ مفصل على السنين والشهور والأيام فى عدّة مجلدات، منها الجزء التاسع فى اكسفورد لحوادث سنة 678- 747 5- حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور: جعله ذيلا على كتاب السلوك للمقريزى بدأ به حيث انتهى ذاك الى سنة 856 هـ، لكنه خالف المقريزى فى طريقته فأطال فى التراجم إلا ما جاء ذكره منها فى المنهل الصافى. منه نسخ فى برلين والمتحف البريطانى وأيا صوفيا. €

6- البحر الزاخر فى علم الأوائل والأواخر: مطوّل فى التاريخ على السنين، منه جزء صغير فى باريس من سنة 32- 71 هـ. فهارس الكتاب وإتماما للفائدة وتعميما للنفع قام القسم الأدبى بعمل فهارس وافية لهذا الجزء شملت ذكر الولاة الذين ولوا حكم مصر والأعلام التى وردت فيه والقبائل والأماكن ووفاء النيل وغير ذلك مرتبة على حروف المعجم، وقد بذل كل من حضرتى محمد عبد الجواد الأصمعىّ افندى وعلى أحمد الشهداوىّ افندى المصححين بالقسم الأدبى مجهودا فى هذا الشأن يستحقان عليه الثناء. أحمد زكى العروى رئيس قسم التصحيح بنار الكتب المصرية

الجزء الأول

[خطبة المؤلف] بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحابته وسلم الحمد لله الذي أيد الإسلام بمبعث سيد الأنام، وجعل مدده شاملا لكل خليفة وإمام، فهم ظل الله فى أرضه يأوى اليه كل ملهوف، والزعماء القائمون بنهى كلّ منكر وأمر كل معروف؛ قلّبهم فى أطوارها دولا، وخالف بينهم اعتقادا وقولا وعملا؛ وجعل قصصهم عبرة لأولى الألباب، وتذكرة فى كل خبر وكتاب؛ فمن عدل منهم كان أوّل السبعة «1» ، ومن ظلم كان فى أخباره شنعة؛ أحمده حمدا كثيرا على أن عرّفنا من صلح منهم ومن فسد، ومن هو فى الوغى مدد، وبين الأنام عدد؛ ونشكره على أن أخّرنا عن كل الأمم، وهذا لعمرى من أعظم الإحسان وأسبغ النعم؛ لنعاين ممن «2» تقدّم آثارهم، ونشاهد منازلهم وديارهم، ونسمع كما وقعت وجرت أخبارهم؛ أعظم بها من منّة جليلة، وكرامة وفضيلة؛ إذ أخبرنا عنهم ما لم يخبروه عنا، ورأينا منهم ما لم يروه منا؛ فلنقابل هذه المنة بالإنصاف، فى كل مترجم ومن اليه انضاف؛ فنخبر بذلك من تأخر عصره من الأقوام، بأفواه المحابر وألسن الأقلام؛

ليقتدى كل ملك يأتى بعدهم بجميل الخصال، ويتجنب ما صدر منهم من اقتراح «1» المظالم وقبيح الفعال؛ ولم أقل كمقالة الغير إننى مستدعى الى ذلك من أمير أو سلطان، ولا مطّلب به من الأصدقاء والإخوان؛ بل ألّفته لنفسى، وأينعته بباسقات غرسى؛ ليكون لى فى الوحدة جليسا، وبين الجلساء مسامرا وأنيسا؛ ولا أنزّهه من خلل وإن حوى أحسن الخلال، ولا من زلل وإن طاب مورده الزلال؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ شهادة لا ينقص قدر إيمانها بعد تأكده، ولا يخفض مجد إتقانها بعد تشيّده؛ وأشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي كان لقول الحق أهلا، ومن جعل بتشريعه طرق الفلاح لسالك سننه سهلا؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذرّيته وأتباعه. أما بعد فلما كان لمصر ميزة على كل بلد بخدمة الحرمين الشريفين، أحببت أن أجعل تاريخا لملوكها مستوعبا من غير مين؛ فحملنى ذلك على تأليف هذا الكتاب وإنشائه، وقمت بتصنيفه وأعبائه؛ واستفتحته بفتح مصر وما وقع لهم فى المسالك، ومن حضرها من الصحابة ومن كان المتولّى لذلك؛ وعلى أىّ وجه فتحت: صلح أم عنوة من أصحابها، وأجمع فى ذلك أقوال من اختلف من المؤرّخين وأهل الأخبار وأربابها؛ وذلك بعد اتصال سندى الى من لى عنه منهم رواية، ليجمع الواقف عليه بين صحة النقل والدراية؛ وأطلق عنان القلم فيما جاء فى فضلها وذكرها من الكتاب العزيز، وما ورد فى حقها من الأحاديث وما اختصت به من المحاسن فصار لها على غيرها بذلك التمييز؛ ثم أذكر من وليها من يوم فتحت وما وقع فى دولته من العجب، واحدا بعد واحد لا أقدّم أحدا منهم على أحد باسم ولا كنية ولا لقب؛ ثم أذكر أيضا فى كل ترجمة ما أحدث صاحبها فى أيام ولايته من الأمور، وما جدّده من

مقدمة

القواعد والوظائف والولايات فى مدى الدهور؛ ولا أقتصر على ذلك بل أستطرد الى ذكر ما بنى فيها من المبانى الزاهرة، كالميادين والجوامع ومقياس النيل وعمارة القاهرة؛ أوّلا بأوّل أذكره فى يوم مبناه وفى زمان سلطانه، مستوعبا لهذا المعنى ضابطا لشانه؛ على أننى أذكر من توفى من الأعيان فى دولة كل خليفة وسلطان باقتصار، بعد فراغ ترجمة المقصود من الملوك مع ذكر بعض الحوادث فى مدّة ولاية المذكور فى أيما قطر من الأقطار؛ وأبدأ فيه بعد التعريف بأحوال مصر بولاية عمرو ابن العاص فى المملكة الإسلامية، ثم ملك بعد ملك كل واحد على حدته وما وقع فى أيامه الى الدولة الأشرفية الإينالية؛ وسميته: «النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة» والله الموفّق والمنّان وبالله المستعان.

ذكر فتح مصر لابن عبد الحكم وغيره

ذكر فتح مصر لابن عبد الحكم وغيره قال المؤلف: أخبرنا حافظ العصر قاضي القضاة شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي مشافهة عن أبي هريرة بن الذهبي قال: أخبرنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي روى خليفة عن غير واحد: «أن في سنة عشرين كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص أن يسير إلى مصر، فسار وبعث عمر الزبير بن العوام مردفاً له ومعه بسر بن أبى «1» أرطاة وعمير بن وهب الجمحي وخارجة بن حذافة العدوي حتى أتى بابليون «2» ، فحصنوا، فافتتحها عنوة وصالحه أهل الحصن؛ وكان الزبير أول من ارتقى سور المدينة ثم تبعه الناس، فكلم الزبير عمرًا أن يقسمها بين من افتتحها، فكتب عمرو إلى عمر بذلك ثم رقي إلى المنبر وقال: «لقد قعدت مقعدي هذا وما لأحد من قبط مصر علي عهد ولا عقد، إن شئت قتلت، وإن شئت بعت، وإن شئت خمست» . انتهى كلام الذهبىّ.

اختصاره

وقال علي- وعليّ مصغر- بن رباح: المغرب «1» كله عنوة، فتدخل مصر فيها اهـ. وقال ابن عمر: افتتحت مصر بغير عهد. وقال يزيد بن أبي حبيب: مصر كلها صلح إلا الإسكندرية. وأما فتوح مصر لابن عبد الحكم فقد أخبرنا به حافظ العصر شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي مشافهة قال: قرأت على أبي المعالي عبد الله بن عمر بن علي أخبرنا، إجازة إن لم يكن سماعًا، عن زهرة بنت عمر أخبرنا الكمال أبو الحسن عليّ بن شجاع أخبرنا أبو القاسم هبة الله ابن علي البوصيري أخبرنا أبو صادق مرشد بن يحيى المديني أخبرنا أبو الحسن علي بن منير الخلال وأبو بكر محمد بن أحمد بن الفرج الأنصاري أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن بن خلف بن قديد الأزدي أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله ابن عبد الحكم قال: لما قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجابية «2» قام إليه عمرو بن العاص رضي الله عنه فخلا به وقال: يا أمير المؤمنين، ائذن لي أن أسير إلى مصر، وحرضه عليها وقال: إنك إن فتحتها كانت قوة للمسلمين وعونًا لهم، وهي أكثر الأرض أموالا وأعجز [ها] «3» عن القتال والحرب، فتخوف عمر بن الخطاب على المسلمين وكره ذلك، فلم يزل عمرو يعظم أمرها عنده ويخبره بحالها ويهون عليه فتحها، حتى ركن إليه عمر وعقد له على أربعة آلاف رجل [كلهم من «4» عك] ، ويقال: [بل] «5»

اهتمام الحكومة المصرية بطبعه

ثلاثة آلاف وخمسمائة، وقال له عمر: سر وأنا مستخير الله في مسيرك، وسيأتيك كتابي سريعًا إن شاء الله تعالى، فإن أدركك كتابي آمرك فيه بالانصراف عن مصر قبل أن تدخلها أو شيئاً من أرضها فانصرف، وإن أنت دخلتها قبل أن يأتيك كتابي فامض لوجهك واستعن بالله واستنصره. فسار عمرو بن العاص من جوف الليل ولم يشعر به أحد من الناس فاستخار عمر «1» وكاتبه يتخوف على المسلمين بالرجوع، فأدرك الكتاب عمرا وهو برمح؛ فتخوف عمرو إن هو أخذ الكتاب وفتحه أن يجد فيه الانصراف كما عهد إليه عمر، فلم يأخذ الكتاب من الرسول ودافعه وسار كما هو حتى نزل قرية فيما بين رفح والعريش، فسأل [عنها] «2» فقيل: إنها من أرض مصر، فدعا بالكتاب وقرأه على المسلمين؛ فقال عمرو لمن معه: ألستم تعلمون أنّ هذه القرية من أرض مصر؟ قالوا: بلى، قال: فإن أمير المؤمنين عهد إلي وأمرني إن لحقني كتابه ولم أدخل أرض مصر أن أرجع، ولم يلحقني كتابه حتى دخلنا أرض مصر، فسيروا وامضوا على بركة الله. وقيل غير ذلك: وهو أن عمر أمره بالرجوع وخشن عليه في القول. وروي نحو مما ذكرنا من وجه آخر، من ذلك: أن عثمان بن عفان رضي الله عنه دخل على عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، فقال عمر له: كتبت إلى عمرو بن العاص أن يسير إلى مصر من الشأم، فقال عثمان: يا أمير المؤمنين، إن عمراً لمجرأ وفيه إقدام وحب للإمارة، فأخشى أن يخرج في غير ثقة ولا جماعة فيعرض المسلمين للهلكة رجاء فرصة لا يدرى تكون أم لا، فندم عمر على كتابه إلى

العناية التامة بتصحيحه

عمرو إشفاقاً على المسلمين، ثم قال عثمان: فاكتب إليه: إن أدركك كتابي هذا قبل أن تدخل مصر فارجع إلى موضعك، وإن كنت دخلت فامض لوجهك. فلما بلغ المقوقس قدوم عمرو بن العاص إلى مصر توجه إلى موضع الفسطاط، فكان يجهز على عمرو الجيوش وكان على القصر (يعني قصر الشمع الذي بمصر القديمة) رجل من الروم يقال له الأعيرج والياً عليه، وكان تحت يد المقوقس، واسمه: جريج بن مينا، وأقبل عمرو حتى إذا كان بالعريش، فكان أول موضع قوتل فيه الفرما «1» قاتلته الروم قتالاً شديدًا نحواً من شهر ثم فتح الله على يديه، وكان عبد الله ابن سعد على ميمنة عمرو منذ خروجه من قيسارية إلى أن فرغ من حربه؛ ثم مضى عمرو نحو مصر وكان بالإسكندرية أسقف للقبط يقال له: أبو ميامين، فلما بلغه قدوم عمرو إلى مصر كتب إلى قبط مصر يعلمهم أنه لا يكون للروم دولة وأن ملكهم قد أنقطع، وأمرهم بتلقي عمرو. ويقال: إن القبط الذين كانوا بالفرما كانوا يومئذ لعمرو أعواناً؛ ثم توجه عمرو لا يدافع إلا بالأمر الأخف حتى نزل القواصر، فسمع رجل من لخم نفراً من القبط يقول بعضهم لبعض: ألا تعجبون من هؤلاء القوم يقدمون على جموع الروم وإنما هم في قلة من الناس! فأجابه رجل منهم فقال: إن هؤلاء القوم لا يتوجهون إلى أحد إلا ظهروا عليه حتى يقتلوا أخيرهم؛ ثم تقدم عمرو أيضا لا يدافع إلا بالأمر

الخفيف حتى أتى بلبيس فقاتل نحواً من شهر حتى فتح الله عليه؛ ثم مضى لا يدافع إلا بالأمر الخفيف حتى أتى أم دنين «1» ، فقاتلوا من بها قتالاً شديداً وأبطأ عليه الفتح، فكتب إلى عمر رضي الله عنه يستمده فأمده بأربعة ّآلاف تمام ثمانية آلاف مع عمرو، فوصلوا إليه إرسالاً يتبع بعضهم بعضاً ثم أحاط المسلمون بالحصن وأميره يومئذ المندقور الذي يقال له الأعيرج من قبل المقوقس وهو ابن قرقب اليونانيّ وكان المقوقس ينزل بالإسكندرية وهو فى سلطان هرقل غير أنه كان حاضراً الحصن حين حاصره المسلمون، فقاتل عمرو بن العاص من بالحصن، وجاء رجل إلى عمرو وقال: اندب معي خيلاً حتى آتي من ورائهم عند القتال، فأخرج معه عمرو خمسمائة فارس عليهم خارجة بن حذافة، في قول، فساروا من وراء الجبل حتى وصلوا مغار بني وائل قبل الصبح، وكانت الروم قد خندقوا خندقاً وجعلوا له أبواباً وبثوا في أفنيتها حسك «2» الحديد، فالتقاهم القوم حين أصبحوا وخرج خارجة من ورائهم فانهزموا حتى دخلوا الحصن وقاتلهم قتالا شديدا بصبحهم وعشيهم، فلما أبطأ الفتح على عمرو كتب إلى عمر رضي الله عنه يستمده ويعلمه بذلك، فأمده بأربعة آلاف رجل على كل ألف رجل منهم رجل مقام الألف: الزبير بن العوام، والمقداد بن الأسود» ، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد- في قول- وقيل: خارجة بن حذافة الرابع، لا يعدون مسلمة. وقال عمر له: اعلم أن معك أثنى عشر ألفًا ولن تغلب اثنا عشر ألفاً من قلة.

ترجمة المؤلف

وقيل غير ذلك، وهو أن الزبير رضي الله عنه قدم إلى عمرو في اثني عشر ألفاً وأن عمراً لما قدم من الشأم كان في عدة قليلة فكان يفرق أصحابه ليرى العدو أنهم أكثر مما هم، فلما انتهى إلى الخندق بادره رجل بأن قال: قد رأينا ما صنعت وإنما معك من أصحابك كذا وكذا فلم يخطئوا برجل واحد، فأقام عمرو على ذلك أياماً يغدو في السحر فيصف أصحابه على أفواه الخندق عليهم السلاح، فبينماهم على ذلك إذ جاءه خبر الزبير بن العوام في اثني عشر ألفًا فتلقاه عمرو، ثم أقبلا فلم يلبث الزبير أن ركب وطاف بالخندق ثم فرق الرجال حول الخندق وألح عمرو على القصر ووضع عليه المنجنيق. ودخل عمرو إلى صاحب الحصن فتناظرا في شيء مما هم فيه، فقال عمرو: أخرج وأستشير أصحابي، وقد كان صاحب الحصن أوصى الذي على الباب إذا مر به عمرو أن يلقي عليه صخرة فيقتله، فمر عمرو وهو يزيد الخروج برجل من العرب فقال له: قد دخلت فأنظر كيف تخرج، فرجع عمرو إلى صاحب الحصن فقال له: إني أريد أن آتيك بنفر من أصحابي حتى يسمعوا منك مثل الذي سمعت، فقال العلج في نفسه: قتل جماعة أحب إلي من قتل واحد، فأرسل إلى الذي كان أمره بما أمره من أمر عمرو ألا يتعرض له رجاء أن يأتيه بأصحابه فيقتلهم، فخرج عمرو. وبينما عبادة بن الصامت في ناحية يصلي وفرسه عنده رآه قوم من الروم فخرجوا إليه وعليهم حلية وبزة، فلما دنوا منه سلم من الصلاة ووثب على فرسه ثم حمل عليهم، فلما رأوه ولوا هاربين وتبعهم، فجعلوا يلقون مناطقهم ومتاعهم ليشغلوه بذلك عن طلبهم، فصار لا يلتفت إليه حتى دخلوا إلى الحصن، ورمي عبادة من فوق الحصن بالحجارة، فرجع ولم يتعرض لشيء مما طرحوه من متاعهم حتى رجع إلى موضعه الذي كان فيه فاستقبل الصلاة؛ وخرج الروم إلى متاعهم وجمعوه.

فلما أبطأ الفتح على عمرو قال الزبير: إني أهب نفسي لله تعالى وأرجو أن يفتح الله بذلك على المسلمين، فوضع سلماً إلى جانب الحصن من ناحية سوق الحمام ثم صعد وأمرهم إذا سمعوا تكبيره يجيبونه جميعا؛ فما شعروا إلا والزبير على رأس الحصن يكبر ومعه السيف، وتحامل الناس على السلم حتى نهاهم عمرو خوفاً أن ينكسر السلم، وكبر الزبير تكبيرة فأجابه المسلمون من خارج، فلم يشك أهل الحصن أن العرب قد اقتحموا جميعاً الحصن فهربوا وعمد الزبير بأصحابه إلى باب الحصن ففتحوه واقتحم المسلمون الحصن. فلما خاف المقوقس على نفسه ومن معه سأل عمرو ابن العاص الصلح ودعاه إليه على أن يفرض للعرب على القبط دينارين دينارين على كل رجل منهم، فأجابه عمرو إلى ذلك. وكان مكثهم على القتال حتى فتح الله عليهم سبعة أشهر. انتهى كلام ابن عبد الحكم باختصار. وقال غيره في الفتح وجهاً آخر قال: لما حصر المسلمون بابليون وكان به جماعة من الروم وأكابر القبط ورؤسائهم وعليهم المقوقس فقاتلوهم شهراً، فلما رأى القوم الجد من العرب على فتحه والحرص، ورأوا من صبرهم على القتال ورغبتهم فيه خافوا أن يظهروا عليهم، فتنحى المقوقس وجماعة من أكابر الأقباط وخرجوا من باب القصر القبلي وتركوا به جماعة يقاتلون العرب، فلحقوا بالجزيرة (موضع «1» الصناعة اليوم) وأمروا بقطع الجسر وذلك في جري النيل. ويقال: إن الأعيرج تخلف بالحصن بعد المقوقس؛ فأرسل المقوقس إلى عمرو: «إنكم قد ولجتم في بلادنا وألححتم على قتالنا، وطال مقامكم في أرضنا وإنما أنتم عصبة يسيرة، وقد أظلتكم الروم وجهزوا إليكم ومعهم من العدة والسلاح، وقد

أحاط بكم هذا النيل. وإنما أنتم أسارى في أيدينا، فابعثوا إلينا رجالاً منكم نسمع من كلامهم فلعله أن يأتي الأمر فيما بيننا وبينكم على ما تحبون ونحب وينقطع عنا وعنكم القتال قبل أن يغشاكم جموع الروم، فلا ينفعنا الكلام ولا نقدر عليه. ولعلكم أن تندموا إن كان الأمر مخالفا لمطلبكم ورجائكم، فابعثوا إلينا رجالاً من أصحابكم نعاملهم على ما نرضى نحن وهم به من شيء» . فلما أتت عمراً رسل المقوقس حبسهم عنده يومين وليلتين حتى خاف عليهم المقوقس فقال لأصحابه: أترون أنهم يقتلون الرسل [ويحبسونهم «1» ] ويستحلون ذلك في دينهم! وإنما أراد عمرو بذلك أنهم يرون حال المسلمين. فرد عليهم عمرو مع رسلهم: إنه ليس بيني وبينكم إلا إحدى ثلاث خصال: إما أن دخلتم فى الإسلام فكنتم إخواننا وكان لكم ما لنا. وإن أبيتم فأعطيتم «2» الجزية عن يد وأنتم صاغرون. وإما أن جاهدناكم بالصبر والقتال حتى يحكم الله بيننا وبينكم وهو خير الحاكمين. فلما جاءت رسل المقوقس إليه قال: كيف رأيتموهم؟ قالوا: رأينا قوما الموت أحب إلى أحدهم من الحياة، والتواضع أحب إليهم من الرفعة، ليس لأحدهم فى الدنيا رغبة ولا نهمة، وإنما جلوسهم على التراب وأكلهم على ركبهم وأميرهم كواحد منهم، ما يعرف رفيعهم من وضيعهم ولا السيد من العبد، وإذا حضرت الصلاة لم يتخلف عنها منهم أحد؛ يغسلون أطرافهم بالماء ويخشعون في صلاتهم.

فقال عند ذلك المقوقس: والذي يحلف به لو أن هؤلاء استقبلوا الجبال لأزالوها وما يقوى على قتال هؤلاء أحد! ولئن لم نغتنم صلحهم اليوم وهم محصورون بهذا النيل لم يجيبونا بعد اليوم إذا أمكنتهم الأرض وقووا على الخروج من موضعهم. فرد إليهم المقوقس رسله يقول لهم: ابعثوا إلينا رسلاً منكم نعاملهم ونتداعى نحن وهم إلى ما عساه يكون فيه صلاح لنا ولكم. فبعث عمرو بن العاص عشرة نفر أحدهم عبادة بن الصامت، وكان طوله عشرة أشبار، وأمره عمرو أن يكون متكلم القوم وألا يجيبهم إلى شيء دعوه اليه إلا إحدى هذه الثلاث الخصال، فإن أمير المؤمنين قد تقدم إلي في ذلك وأمرني ألا أقبل شيئا إلا خصلة من هذه الثلاث الخصال، وكان عبادة أسود، فلما ركبوا السفن إلى المقوقس ودخلوا عليه تقدم عبادة، فهابه المقوقس لسواده وقال: نحوا عني هذا الأسود وقدموا غيره يكلمني؛ فقالوا جميعاً: إن هذا الأسود أفضلنا رأياً وعلماً وهو سيدنا وخيرنا والمقدم علينا، وإنما نرجع جميعا إلى قوله ورأيه وقد أمره الأمير دوننا بما أمره وأمرنا ألا نخالف رأيه وقوله. فقال: وكيف رضيتم أن يكون هذا الأسود أفضلكم وإنما ينبغي أن يكون هو دونكم؟ قالوا: كلا! إنه وإن كان أسود كما ترى فإنه من أفضلنا موضعاً وأفضلنا سابقة وعقلاً ورأياً وليس ينكر السواد فينا؛ فقال المقوقس لعبادة: تقدم يا أسود وكلمني برفق فإنني أهاب سوادك وإن اشتد كلامك علي ازددت لك هيبة، فتقدم إليه عبادة فقال: قد سمعت مقالتك وإن فيمن خلفت من أصحابي ألف رجل كلهم مثلي وأشد سواداً مني وأفظع منظراً ولو رأيتهم لكنت أهيب لهم مني، وأنا قد وليت وأدبر

شبابي، وإني مع ذلك بحمد الله ما أهاب مائة رجل من عدوي لو استقبلوني جميعاً وكذلك أصحابي، وذلك إنما رغبتنا وهمتنا الجهاد في الله وأتباع رضوانه، وليس غزونا عدواً ممن حارب الله لرغبة في الدنيا ولا حاجة للاستكثار منها إلا أن الله عز وجل قد أحل ذلك لنا وجعل ما غنمنا من ذلك حلالاً، وما يبالي أحدنا أكان له قناطير من ذهب أم كان لا يملك إلا درهماً، لأن غاية أحدنا من الدنيا أكلة يأكلها يسد بها جوعته ليلته ونهاره، وشملة يلتحفها، وإن كان أحدنا لا يملك إلا ذلك كفاه، وإن كان له قنطار من ذهب أنفقه في طاعة الله تعالى، واقتصر على هذه «1» بيده ويبلغه ما كان في الدنيا لأن نعيم الدنيا ليس بنعيم ورخاءها ليس برخاء، إنما النعيم والرخاء في الآخرة، بذلك أمرنا الله وأمرنا به نبينا وعهد إلينا ألا تكون همة أحدنا في الدنيا إلا ما يمسك جوعته ويستر عورته، وتكون همته وشغله في رضاء ربه وجهاد عدوه. فلما سمع المقوقس ذلك منه قال لمن حوله: هل سمعتم مثل كلام هذا الرجل قط! لقد هبت منظره وإن قوله لأهيب عندي من منظره، إن هذا وأصحابه أخرجهم الله لخراب الأرض وما أظن ملكهم إلا سيغلب على الأرض كلها. ثم أقبل المقوقس على عبادة بن الصامت فقال: أيها الرجل الصالح، قد سمعت مقالتك وما ذكرت عنك وعن أصحابك، ولعمري ما بلغتم ما بلغتم إلا بما ذكرت، وما ظهرتم على من ظهرتم عليه إلا لحبهم الدنيا ورغبتهم فيها، وقد توجه إلينا لقتالكم من جمع الروم ما لا يحصى عدده، قوم معروفون بالنجدة والشدة ممن لا يبالي أحدهم من لقي ولا من قاتل، وإنّا لنعلم أنكم لم تقووا

عليهم ولن تطيقوهم لضعفكم وقلتكم، وقد أقمتم بين أظهرنا أشهراً وأنتم في ضيق وشدة من معاشكم وحالكم، ونحن نرق عليكم لضعفكم وقلتكم وقلة ما بأيديكم، ونحن تطيب أنفسنا أن نصالحكم على أن نفرض لكل رجل منكم دينارين دينارين ولأميركم مائة دينار ولخليفتكم ألف دينار، فتقبضونها وتنصرفون إلى بلادكم قبل أن يغشاكم ما لا قوة لكم به. فقال عبادة: يا هذا، لا تغرّنّ نفسك ولا أصحابك. أما ما تخوفنا به من جمع الروم وعددهم وكثرتهم وأنا لا نقوى عليهم، فلعمري ما هذا بالذي تخوفنا به ولا بالذي يكسرنا عما نحن فيه، إن كان ما قلتم حقا فذلك والله أرغب ما يكون في قتالهم وأشد لحرصنا عليهم، لأن ذلك أعذر لنا عند الله إذا قدمنا عليه إن قتلنا عن آخرنا كان أمكن لنا من رضوانه وجنته، وما من شيء أقر لأعيننا ولا أحب إلينا من ذلك، وإنّا منكم حينئذ على إحدى الحسنيين، إما أن تعظم لنا بذلك غنيمة الدنيا إن ظفرنا بكم، أو غنيمة الآخرة إن ظفرتم بنا، وإنها لأحب الخصلتين إلينا بعد الاجتهاد منا، وإن الله عز وجل قال لنا في كتابه: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ وما منا رجل إلا وهو يدعو ربه صباحاً ومساء أن يرزقه الشهادة وألا يرده إلى بلده ولا إلى أرضه ولا إلى أهله وولده، وليس لأحد منا هم فيما خلفه وقد استودع كل واحد منا ربه أهله وولده وإنما همنا [ما «1» ] أمامنا. وأما قولك إنا في ضيق وشدة من معاشنا وحالنا فنحن في أوسع السعة لو كانت الدنيا كلّها لنا ما أردنا منها لأنفسنا أكثر مما نحن فيه، فانظر الذي تريد فبينه لنا فليس بيننا وبينك خصلة نقبلها منك ولا نجيبك إليها إلا خصلة من ثلاث،

فاختر أيتها شئت ولا تطمع نفسك في الباطل، بذلك أمرني الأمير وبها أمره أمير المؤمنين وهو عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبله إلينا. إما إجابتكم إلى الإسلام الذي هو الدين الذي لا يقبل الله غيره وهو دين نبينا وأنبيائه ورسله وملائكته- صلوات الله عليهم- أمرنا الله تعالى أن نقاتل من خالفه ورغب عنه حتى يدخل فيه، فإن فعل كان له ما لنا وعليه ما علينا وكان أخانا في دين الإسلام، فإن قبلت ذلك أنت وأصحابك فقد سعدتم في الدنيا والآخرة ورجعنا عن قتالكم ولم نستحل أذاكم ولا التعرض لكم؛ وإن أبيتم إلا الجزية فأدّوا إلينا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، نعاملكم على شيء نرضاه نحن وأنتم في كل عام أبدا ما بقينا وبقيتم ونقاتل عنكم من ناوأكم وعرض لكم في شيء من أرضكم ودمائكم وأموالكم ونقوم بذلك عنكم إذ كنتم فى ذمّتنا وكان لكم به عهد علينا؛ وإن أبيتم فليس بيننا وبينكم إلا المحاكمة بالسيف حتى نموت عن أخرنا أو نصيب ما نريد منكم. هذا ديننا الذي ندين الله تعالى به ولا يجوز لنا فيما بيننا وبينه غيره، فانظروا لأنفسكم. فقال المقوقس: هذا لا يكون أبداً، ما تريدون إلا أن تتخذونا عبيداً ما كانت الدنيا. فقال عبادة: هو ذلك فاختر ما شئت. فقال المقوقس: أفلا تجيبونا الى خصلة غير هذه الثلاث الخصال؟ فرفع عبادة يديه وقال: لا ورب هذه السماء ورب هذه الأرض ورب كل شيء، ما لكم عندنا خصلة غيرها، فاختاروا لأنفسكم. فالتفت المقوقس عند ذلك لأصحابه وقال: قد فرغ القوم فما ترون؟ فقالوا: أو يرضى أحد بهذا الذل! أما ما أرادوا من دخولنا إلى دينهم فهذا ما لا يكون أبدا، نترك دين المسيح بن مريم وندخل في دين لا نعرفه! وأما ما أرادوا من أن

يسبونا ويجعلونا عبيداً فالموت أيسر من ذلك، لو رضوا منا أن نضعف لهم ما أعطيناهم مراراً كان أهون علينا. قال المقوقس لعبادة: قد أبى القوم فما ترى؟ فراجع صاحبك على أن نعطيكم في مرتكم هذه ما تمنيتم وتنصرفون. فقام عبادة وأصحابه. فقال المقوقس لأصحابه: أطيعوني وأجيبوا القوم إلى خصلة واحدة من هذه الثلاث، فو الله ما لكم بهم طاقة! ولئن لم تجيبوا إليها طائعين لتجيبنهم إلى ما هو أعظم كارهين. فقالوا: وأي خصلة نجيبهم إليها؟ قال: إذا أخبركم، أما دخولكم في غير دينكم فلا آمركم به؛ وأما قتالهم فأنا أعلم أنكم لن تقووا عليهم ولن تصبروا صبرهم؛ ولا بد من الثالثة؛ قالوا: فنكون لهم عبيداً أبداً؟ قال: نعم، تكونون عبيداً مسلطين في بلادكم آمنين على أنفسكم وأموالكم وذراريكم [خير «1» لكم من أن تموتوا من آخركم وتكونوا عبيداً تباعوا وتمزقوا في البلاد مستعبدين أبداً أنتم وأهلكم وذراريكم] . قالوا: فالموت أهون علينا. وأمروا بقطع الجسر من الفسطاط والجزيرة؛ وبالقصر من جمع القبط والروم كثير. فألح المسلمون عند ذلك بالقتال على من بالقصر حتى ظفروا بهم وأمكن الله منهم، فقتل منهم خلق كثير وأسر من أسر منهم وانحازت السفن كلها إلى الجزيرة، وصار المسلمون قد أحدق بهم الماء من كل وجه لا يقدرون على أن يتقدموا نحو الصعيد ولا إلى غير ذلك من المدائن والقرى، والمقوقس يقول لأصحابه: ألم أعلمكم هذا وأخافه عليكم، ما تنتظرون! فو الله لتجيبنهم إلى ما أرادوا طوعاً أو لتجيبنهم إلى ما هو أعظم من ذلك كرهاً، فأطيعوني من قبل أن تندموا. فلما رأوا منهم ما رأوا وقال لهم المقوقس ما قال أذعنوا بالجزية ورضوا بذلك على صلح يكون بينهم يعرفونه.

وأرسل المقوقس الى عمرو بن العاص رضي الله عنه: إني لم أزل حريصاً على إجابتك إلى خصلة من تلك الخصال التي أرسلت إلي بها، فأبى علي من حضرني من الروم والقبط، فلم يكن لي أن أفتات عليهم في أموالهم وقد عرفوا نصحي لهم وحبي صلاحهم ورجعوا إلى قولي؛ فأعطنى أمانا أجتمع أنا وأنت في نفر من أصحابي وأنت في نفر من أصحابك، فإن استقام الأمر بيننا تم [لنا «1» ] ذلك جميعا، وإن لم يتم رجعنا إلى ما كنا عليه. فاستشار عمرو أصحابه في ذلك، فقالوا: لا نجيبهم إلى شيء من الصلح ولا الجزية حتى يفتح الله علينا [وتصير «2» الأرض كلها لنا فيئا وغنيمة كما صار لنا القصر وما فيه] فقال: قد علمتم ما عهد إلي أمير المؤمنين في عهده، فإن أجابوا إلى خصلة من الخصال الثلاث التي عهد إلي فيها أجبتهم إليها وقبلت منهم مع ما قد حال هذا الماء بيننا وبين ما نريد من قتالهم. فاجتمعوا على عهد بينهم واصطلحوا على أن يفرض على جميع من بمصر أعلاها وأسفلها من القبط دينارين دينارين على كل نفس شريفهم ووضيعهم ممن بلغ منهم الحلم، ليس على الشيخ الفاني ولا على الصغير الذي لم يبلغ الحلم ولا على النساء شيء؛ وعلى أن للمسلمين عليهم النزل بجماعتهم حيث نزلوا، ومن نزل عليه ضيف واحد من المسلمين أو أكثر من ذلك، كانت لهم ضيافة ثلاثة أيام مفترضة عليهم، وأن لهم أرضهم وأموالهم لا يتعرض لهم في شيء منها. فشرط ذلك كله على القبط خاصة. وأحصوا عدد القبط يومئذ خاصة من بلغ منهم الجزية وفرض عليهم الديناران؛ رفع ذلك عرفاؤهم بالأيمان المؤكدة.

ترجمة المؤلف عن الضوء اللامع فى أعيان القرن التاسع للسخاوى

فكان جميع من أحصي يومئذ بمصر أعلاها وأسفلها من جميع القبط فيما أحصوا وكتبوا أكثر من ستة آلاف «1» نفس، فكانت فريضتهم يومئذ اثني عشر ألف دينار في كل سنة؛ وقيل غير ذلك. وقال عبد الله بن لهيعة عن يحيى بن ميمون الحضرمي: لما فتح عمرو مصر، صالح أهلها عن جميع من فيها من الرجال من القبط ممن راهق الحلم إلى ما فوق ذلك، ليس فيهم امرأة ولا شيخ ولا صبي، فأحصوا بذلك على دينارين دينارين، فبلغت عدتهم ثمانية آلاف ألف. قال: وشرط المقوقس للروم أن يخيروا، فمن أحب

منهم أن يقيم على مثل هذا أقام على ذلك لازما له مفترضا عليه ممن أقام بالإسكندرية وما حولها من أرض مصر كلها، ومن أراد الخروج منها إلى أرض الروم خرج؛ وعلى أن المقوقس له الخيار في الروم خاصة حتى يكتب إلى ملك الروم يعلمه بما فعل؛ فإن قبل ذلك ورضيه جاز عليهم، وإلا كانوا جميعا على ما كانوا عليه. قلت: وقد اختلف بعد ذلك في فتح مصر: هل فتحت صلحاً أم عنوة، فمن قال: إن مصر فتحت بصلح، احتج بما ذكرناه ونحوه بمثل ما ذكره القضاعي وغيره، وقالوا: إن الأمر لم يتم إلا بما جرى بين عبادة بن الصامت وبين المقوقس؛ وعلى ذلك أكثر علماء أهل مصر، منهم عقبة بن عامر ويزيد بن أبى حبيب والليث ابن سعد وغيرهم. وذهب الذي قال إنها فتحت عنوة إلى أن الحصن فتح عنوة وكان حكم جميع الأرض كذلك؛ وهم عبيد الله بن المغيرة الشيباني ومالك بن أنس وعبد الله ابن وهب وغيرهم. وذهب قوم إلى أن بعضها فتح عنوة، وبعضها فتح صلحاً، منهم عبد الله ابن لهيعة وابن شهاب الزهري وغيرهما. قال عبيد الله بن أبي جعفر حدثني رجل ممن أدرك عمرو بن العاص قال: للقبط عهد عند فلان، وعهد عند فلان؛ فسمى ثلاثة نفر. وفي رواية: إن عهد أهل مصر كان عند كبرائهم. قال: وسألت شيخاً من القدماء عن فتح مصر، قلت له: فإن ناساً يذكرون أنه لم يكن لهم عهد؛ فقال: ما يبالي ألا يصلّى من قال إنه ليس لهم عهد؛ فقلت: فهل كان لهم كتاب؟ فقال: نعم، كتب ثلاثة: كتاب عند طلما صاحب إخنا،

وكتاب عند قزمان صاحب رشيد، وكتاب عند يحنس صاحب البرلس؛ قلت: كيف كان صلحهم؟ قال: دينارين على كل إنسان جزية وأرزاق المسلمين؛ قلت: أفتعلم ما كان من الشروط؟ قال: نعم، ستة شروط: لا يخرجون من ديارهم، ولا تنزع نساؤهم، ولا أولادهم، ولا كنوزهم، ولا أراضيهم، ولا يزاد عليهم. وكان فتح مصر يوم الجمعة مستهل المحرم سنة عشرين من الهجرة. وقال ابن كثير في تاريخه: قال محمد بن إسحاق: فيها (يعني سنة عشرين من الهجرة) كان فتح مصر. وكذا قال الواقدي: إنها فتحت هي والإسكندرية فى هذه السنة. وقال أبو معشر: فتحت مصر سنة عشرين والإسكندرية في سنة خمس وعشرين. وقال سيف: فتحت مصر والإسكندرية في ربيع الأول سنة ست عشرة. ورجح ذلك أبو الحسن بن الأثير في الكامل لقصة بعث عمرو الميرة من مصر عام الرمادة. وهو معذور فيما رجحه. انتهى كلام ابن كثير. وقال أيضاً في قول آخر: فتحت الإسكندرية في سنة خمس وعشرين بعد محاصرة ثلاثة أشهر عنوة، وقيل: صلحاً على اثني عشر ألف دينار، وشهد فتحها جماعة كثيرة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. قال ابن عبد الحكم: وكان من حفظ من الذين شهدوا فتح مصر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش وغيرهم ومن لم يكن له برسول الله صلى الله عليه وسلم صحبة، وذكرهم جملة واحدة، فقال: الزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وعمرو بن العاص، وكان أمير القوم، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وخارجة بن حذافة العدوي، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وقيس بن أبى العاص السهمي، والمقداد بن الأسود، وعبد الله بن سعد بن أبى سرح العامرىّ، ونافع

ابن عبد قيس الفهري، وأبو رافع، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن عبدة، وعبد الرحمن وربيعة ابنا شرحبيل بن حسنة، ووردان، مولى عمرو ابن العاص، وكان حامل لواء عمرو بن العاص، رضي الله عنهم. وقد اختلف في سعد بن أبي وقاص فقيل: إنما دخلها بعد الفتح. وشهد الفتح من الأنصار عبادة بن الصامت، وقد شهد بدراً وبيعة العقبة، ومحمد بن مسلمة الأنصاري، وقد شهد بدرا، وهو الذي أرسله عمر بن الخطاب رضي الله عنه الى مصر فقاسم عمرو بن العاص ماله، وهو أحد من كان صعد الحصن مع الزبير بن العوام، ومسلمة بن مخلد الأنصاري، يقال: له صحبة، وأبو أيوب خالد بن زيد «1» الأنصاري، وأبو الدرداء عويمر بن عامر، وقيل: عويمر بن زيد. ومن أحياء القبائل: أبو بصرة «2» حميل بن بصرة الغفاري، وأبو ذرّ جندب ابن جنادة الغفاري. وشهد الفتح مع عمرو بن العاص هبيب بن مغفل، وإليه ينسب وادي هبيب الذي بالمغرب، وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، وكعب بن ضنة «3» العبسي،

ويقال: كعب بن يسار بن ضنة، وعقبة بن عامر الجهني، وهو كان رسول عمر ابن الخطاب الى عمرو بن العاص حين كتب إليه [يأمره «1» ] أن يرجع إن لم يكن دخل أرض مصر، وأبو زمعة «2» البلوي، وبرح «3» بن عسكل ويقال: برح بن عسكر، شهد فتح مصر واختط بها، وجنادة بن أبي أمية الأزدي، وسفيان بن وهب الخولاني وله صحبة، ومعاوية بن حديح الكندىّ، وهو كان رسول عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب بفتح الإسكندرية، وقد اختلف فيه، فقال قوم: له صحبة، وقال آخرون: ليست له صحبة، وعامر، مولى حمل الذي يقال له: عامر حمل، شهد الفتح وهو مملوك، وعمار بن ياسر، ولكن دخل بعد الفتح في أيام عثمان، وجهه إليها في بعض أموره. انتهى كلام «4» ابن عبد الحكم باختصار. وقال ابن كثير: في فتح مصر وجه آخر على ما أخبرنا به شيخ الإسلام قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن بن عمر البلقيني الشافعي مشافهة بإجازته من الحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير مجموعاً من كلام ابن إسحاق وغيره، قالوا:

لما استكمل المسلمون فتح الشأم، بعث عمر بن الخطاب عمرو بن العاص إلى مصر. وزعم سيف: أنه بعثه بعد فتح بيت المقدس، وأردفه بالزبير بن العوام وفي صحبته بسر بن أبي «1» أرطاة وخارجة بن حذافة وعمير «2» بن وهب الجمحي، فاجتمعوا على باب مصر، فلقيهم أبو مريم جاثليق «3» مصر ومعه الأسقف أبو مريام في أهل البنيات، بعثه المقوقس صاحب الإسكندرية لمنع بلادهم. فلما تصافّوا قال عمرو بن العاص: لا تعجلوا حتى نعذر إليكم، ليبرز إلي أبو مريم وأبو مريام راهبا هذه البلاد [فبرزا «4» إليه، فقال لهما عمرو: أنتما راهبا هذه البلاد] فاسمعا: إن الله بعث محمدًا بالحق وأمره به وأمرنا به محمد وأدى إلينا كل الذي أمر به، ثم مضى وتركنا على الواضحة، وكان مما أمرنا به الأعذار إلى الناس، فنحن ندعوكم إلى الإسلام، فمن أجابنا فمثلنا، ومن لم يجبنا عرضنا عليه الجزية وبذلنا له المنعة. وقد أعلمنا أننا مفتتحوكم وأوصينا بكم حفظا لرحمنا منكم، وأن لكم إن أجبتمونا بذلك ذمة إلى ذمة؛ ومما عهد الينا أميرنا: «استوصوا بالقبطين خيراً» فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصانا بالقبطيين خيراً، لأن لهم ذمة ورحماً. فقالوا: قرابة بعيدة لا يصل «5» مثلها إلا الأنبياء، معروفة شريفة كانت ابنة ملكنا وكانت من أهل منف والملك منهم، فأديل عليهم أهل عين شمس فقتلوهم وسلبوهم ملكهم وأغربوا، فلذلك صارت إلى إبراهيم عليه السلام. مرحبا به وأهلا وأمنا حتى نرجع إليك.

ترجمة المؤلف عن شذرات الذهب فى أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلى فى حوادث سنة 874 هـ

فقال عمرو: إن مثلي لا يخدع، ولكني أؤجلكما ثلاثاً، لتنظرا ولتناظرا قومكما، وإلا ناجزتكم؛ قالا: زدنا، فزادهم يوماً؛ فقالا: زدنا، فزادهم يوماً، فرجعا إلى المقوقس، فأبى أرطبون «1» أن يجيبهما، وأمر بمناهدتهم، وقال لأهل مصر: أما نحن فنجتهد أن ندفع عنكم، لا نرجع إليهم، وقد بقيت أربعة أيام؛ وأشار عليهم بأن يبيّتوا المسلمين؛ فقال الملأ منهم: ما تقاتلون من قوم قتلوا كسرى وقيصر وغلبوهم على بلادهم! فألح الأرطبون فى أن يبيّتوا المسلمين؛ ففعلوا فلم يظفروا بشيء، بل قتل منهم طائفة، منهم الأرطبون. وحاصر المسلمون عين شمس من مصر في اليوم الرابع، وارتقى الزبير عليهم سور البلد. فلما أحسوا بذلك خرجوا إلى عمرو من الباب الآخر فصالحوه؛ واخترق الزبير البلد حتى خرج من الباب الذي عليه عمرو. فأمضوا الصلح وكتب لهم عمرو كتاب أمان: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبهم وبرهم وبحرهم لا يدخل عليهم شيء من ذلك ولا ينتقض ولا تساكنهم النوبة. وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية إذا اجتمعوا على هذا الصلح وانتهت زيادة نهرهم خمسين ألف ألف، وعليهم ما جنى لصوتهم «2» ؛ فإن أبى أحد منهم أن يجيب رفع عنهم من الجزية بقدرهم؛ وذمتنا ممن أبى بريئة. وإن نقص نهرهم من غايته إذا انتهى رفع عنهم بقدر ذلك؛ ومن دخل في صلحهم من الروم والنوبة فله مثل ما لهم وعليه مثل ما عليهم؛ ومن أبى [منهم «3» ] واختار الذهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه أو يخرج من سلطاننا؛ عليهم

حديث ابن إياس عن المؤلف

ما عليهم أثلاثا [فى كل «1» ثلث جباية ثلث ما عليهم] على ما في هذا الكتاب، عهد الله وذمة رسوله وذمة الخليفة أمير المؤمنين وذمم المؤمنين، وعلى النوبة الذين استجابوا أن يعينوا بكذا وكذا رأسا، وكذا وكذا فرسا، على ألا يغزوا ولا يمنعوا من تجارة «2» صادرة ولا واردة» . وشهد عليه الزبير وعبد الله ومحمد ابناه، وكتب وردان وحضر. فدخل في ذلك أهل مصر كلهم وقبلوا الصلح واجتمعت الخيول بمصر وعمروا الفسطاط. وظهر أبو مريم وأبو مريام فكلما عمرا في السبايا التي أصيبت بعد المعركة؛ فأبى عمرو أن يردها عليهما وأمر بطردهما وإخراجهما من بين يديه. فلما بلغ ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أمر أن كل سبي أخذ في الخمسة الأيام التي آمنهم فيها أن يرد عليهم، وكل شيء أخذ ممن لم يقاتل فكذلك، ومن قاتل فلا ترد عليه سباياه. وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عتاب حدثنا عبد الله أخبرني عبد الله بن عقبة- وهو عبد الله بن لهيعة بن عقبة- حدثني يزيد بن أبي حبيب عمّن سمع عبد الله ابن المغيرة بن أبي بردة يقول: سمعت سفيان بن وهب الخولاني يقول: لما افتتحنا مصر بغير عهد قام الزبير بن العوام فقال: يا عمرو بن العاص، اقسمها، فقال عمرو: لا أقسمها؛ فقال الزبير: والله لتقسمنها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، فقال عمرو: والله لا أقسمها حتى أكتب إلى أمير المؤمنين، وكتب إلى عمر؛ فكتب إليه عمر: أقرها حتى يغزو منها حبل «3» الحبلة. تفرد به أحمد، وفي إسناده

مؤلفاته ولابن تغرى بردى عدا كتاب «النجوم الزاهرة» الكتب الآتية:

ضعف من جهة ابن لهيعة لكنه عليم بأمور مصر ومن جهة المبهم الذي لم يسم، فلو صح لدل على فتحها عنوة ولدل على أن الإمام يخير في الأراضي العنوة، إن شاء قسمها، وإن شاء أبقاها. قلت: قد رواه الطحاوىّ بسند صحيح. وذكر سيف: أن عمرو بن العاص لما التقى مع المقوقس جعل كثير من المسلمين يفر من الزحف، فجعل عمرو يذمرهم ويحثهم على الثبات؛ فقال له رجل من أهل اليمن: إنا لم نخلق من حجارة ولا حديد! فقال له عمرو: اسكت، فإنما أنت كلب؛ فقال له الرجل: فأنت إذا أمير الكلاب! فأعرض عنه عمرو، ونادى بطلب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما اجتمع إليه من هناك من الصحابة، قال لهم عمرو: تقدموا فبكم ينصر الله المسلمين؛ فهدوا إلى القوم ففتح الله عليهم وظفروا أتم الظفر. انتهى كلام ابن كثير وغيره. وقد سقنا ما ذكره ابن كثير هنا لزيادة فيما ذكره، ولكونه حافظاً محدثاً، فيصير بذلك ما ذكرناه من فتح مصر من طرق عديدة لتكثر في هذا الكتاب الفائدة إن شاء الله تعالى.

ذكر ما ورد فى فضل مصر من الآيات الشريفة والأحاديث النبوية

ذكر ما ورد في فضل مصر من الآيات الشريفة والأحاديث النبوية قال الكندي وغيره من المؤرخين: فمن فضائل مصر أن الله عز وجل ذكرها في كتابه العزيز في أربعة وعشرين موضعاً، منها ما هو بصريح اللفظ، ومنها ما دلت عليه القرائن والتفاسير. فأما صريح اللفظ فمنه قوله تعالى: اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ ، وقوله تعالى يخبر عن فرعون: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ، وقوله تعالى: وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً ومنه قوله عز وجل مخبراً عن نبيه يوسف عليه السلام: ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ. وأما ما دلت عليه القرائن فمنه قوله عز وجل: وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ . وقوله عز وجل: وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ . قال ابن عباس وسعيد بن المسيب ووهب بن منبه وغيرهم: هي مصر «1» . وقوله تعالى: فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ وقوله تعالى: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها . يعني مصر. وقوله تعالى: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ . يعني قوم فرعون، وأن بني إسرائيل

فهارس الكتاب

أورثوا مصر. وقوله تعالى: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ . وقوله عز وجل مخبراً عن نبيه موسى عليه السلام: يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ وقوله عز وجل مخبرا عن فرعون: يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ . وقوله عز وجل: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ . وقوله تعالى مخبراً عن فرعون: أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ، يعنى أرض مصر. وقوله تعالى مخبرا عن نبيه يوسف عليه السلام: اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ، وقوله تعالى: وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وقوله تعالى مخبرا عن بني إسرائيل: رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وقوله تعالى مخبراً عن نبيه موسى عليه السلام: عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ وقوله تعالى: أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ . يعني أرض مصر. وقوله تعالى: وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى . وقوله عز وجل: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً . وقوله تعالى مخبرا عن ابن يعقوب عليه السلام: فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ . يعني مصر. وقوله تعالى: إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ. وأما ما ورد في حقها من الأحاديث النبوية فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ستفتح عليكم بعدي مصر فاستوصوا بقبطها خيراً فإن لهم «1» ذمة

ورحماً» قال ابن كثير رحمه الله: والمراد بالرحم أنهم أخوال إسماعيل بن إبراهيم الخليل، عليهما السلام، أمه هاجر القبطية، وهو الذبيح على الصحيح، وهو والد عرب الحجاز الذين منهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأخوال إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمه مارية القبطية من سنى كورة أنصنا «1» ، وقد وضع عنهم معاوية الجزية إكراما لإبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى كلام ابن كثير. وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جنداً كثيفاً فذلك الجند خير أجناد الأرض» فقال له أبو بكر رضي الله عنه: ولم [ذلك «2» ] يا رسول الله؟ فقال: «لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة» وعنه صلى الله عليه وسلم، وذكر مصر: «ما كادهم أحد إلا كفاهم الله مئونته» . وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أهل مصر أكرم الأعاجم كلها، وأسمحهم يداً، وأفضلهم عنصراً، وأقربهم رحماً بالعرب عامة، وبقريش خاصة. وقال أيضا: لما خلق الله آدم، مثّل له الدنيا: شرقها وغربها وسهلها وجبلها وأنهارها وبحارها وعامرها وخرابها، ومن يسكنها من الأمم، ومن يملكها من الملوك؛

فلما رأى مصر، رآها أرضاً سهلة ذات نهر جارٍ، مادته من الجنة تنحدر فيه البركة، ورأى جبلاً من جبالها مكسواً نوراً لا يخلو من نظر الرب عز وجل إليه بالرحمة، في سفحه أشجار مثمرة، فروعها في الجنة تسقى بماء الرحمة، فدعا آدم في النيل بالبركة، ودعا في أرض مصر بالرحمة والبر والتقوى، وبارك على نيلها وجبلها سبع مرات؛ قال: «يا أيها الجبل المرحوم، سفحك جنة، وتربتك مسكة، تدفن فيها عرائس الجنة، أرض حافظة مطبقة رحيمة، لا خلتك يا مصر بركة، ولا زال بك حفظة، ولا زال منك ملك «1» وعز، يا أرض مصر، فيك الخبايا والكنوز، ولك البر والثروة، سال نهرك عسلاً، كثر الله رزقك، ودر ضرعك، وزكا نباتك، وعظمت بركتك وخصبت، ولا زال فيك يا مصر خير ما لم تتجبري وتتكبّرى أو تخونى؛ فإذا فعلت ذلك، عداك «2» شر ثم يغور خيرك» . فكان عليه السلام أول من دعا لها بالرحمة والخصب والرأفة والبركة. وقال عبد الله بن عباس: دعا نوح عليه السلام لابنه بيصر بن حام- وهو أبو مصر الذي سميت مصر على اسمه- فقال: اللهم إنه قد أجاب دعوتي، فبارك فيه وفي ذريته، وأسكنه الأرض الطيبة المباركة التى هى أمّ البلاد. وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: لما قسم نوح عليه السلام الأرض بين ولده، جعل لحامٍ مصر وسواحلها والغرب وشاطئ النيل، فلما قدم بيصر ابن حام وبلغ العريش، قال: «اللهم إن كانت هذه الأرض التي وعدتنا على لسان نبيك نوح وجعلتها لنا منزلاً، فاصرف عنا وباها «3» ، وطيب لنا ثراها، واجمع ماها «4» ، وأنبت كلاها «5» ، وبارك لنا فيها، وتمم لنا وعدك؛ إنك على كل شيء قدير، وإنك

لا تخلف الميعاد» وجعلها بيصر لابنه مصر وسماها به. يأتي ذكر ذلك عند ذكر من ملك مصر قبل الإسلام في هذا المحل إن شاء الله تعالى. والقبط ولد مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام. وقال كعب الأحبار: لولا رغبتي في بيت المقدس لما سكنت إلا مصر؛ فقيل له: ولم؟ قال: لأنها معافاة من الفتن، ومن أراد بها سوءاً كبه «1» الله على وجهه، وهو بلد مبارك لأهله فيه. وروى ابن يونس عنه قال: من أراد أن ينظر إلى شبه الجنة فلينظر إلى مصر إذا زخرفت؛ وفي رواية: إذا أزهرت. وروى ابن يونس بإسناده إلى أبي بصرة الغفاري قال: سلطان مصر سلطان الأرض كلها. قلت: ولهذا الخبر الصحيح جعلنا في آخر تراجم ملوك مصر حوادث سائر الأقطار كلها. وقال: في التوراة مكتوب: مصر خزائن الأرض كلها، فمن أراد بها سوءاً قصمه الله. وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: خلقت الدنيا على خمس صور: على صورة الطير برأسه وصدره وجناحيه وذنبه؛ فالرأس مكة والمدينة واليمن،

والصدر الشأم ومصر، بالجناح الأيمن العراق، وخلف العراق أمة يقال لها: واق واق «1» وخلف ذلك من الأمم ما لا يعلمه إلا الله، والجناح الأيسر السند والهند، وخلف الهند أمة يقال لها: باسك، وخلف باسك أمة يقال لها: منسك، وخلف ذلك من الأمم ما لا يعلمه إلا الله، والذّنب من ذات الحمام إلى مغرب الشمس؛ وشر ما في الطير الذنب. وقال ابن عبد الحكم حدثنا أشهب بن عبد العزيز وعبد الملك بن مسلمة قالا حدّثنا مالك عن ابن شهاب عن كعب بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيراً فإن لهم ذمة ورحماً» ثم ساق ابن عبد الحكم عدة أحاديث أخر بأسانيد مختلفة في حق مصر ونيلها في هذا المعنى. وقال أبو حازم عبد الحميد بن عبد العزيز قاضي العراق: سألت أحمد بن المدبر عن مصر، فقال: كشفتها فوجدت غامرها أضعاف عامرها، ولو عمرها السلطان لوفت له بخراج الدنيا. وقال بعض المؤرخين: إنه لما استقر عمرو بن العاص رضي الله عنه على ولاية مصر كتب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن صف لي مصر؛ فكتب إليه: ورد كتاب أمير المؤمنين أطال الله بقاءه يسألني عن مصر: اعلم يا أمير المؤمنين أن مصر قرية غبراء، وشجرة خضراء؛ طولها شهر، وعرضها عشر «2» ؛ يكنفها جبل أغبر، ورمل أعفر؛ يخطّ وسطها نيل مبارك الغدوات، ميمون الروحات؛ تجري فيه الزيادة والنقصان كجري الشمس والقمر؛ له أوان يدرّ حلابه، ويكثر فيه دبابه، تمده عيون الأرض وينابيعها حتى إذا ما اصلخم عجاجه، وتعظمت أمواجه، فاض

ذكر ما ورد فى نيل مصر

على جانبيه فلم يمكن التخلص من القرى بعضها إلى بعض إلا في صغار المراكب، وخفاف القوارب، وزوارق كأنهن في المخايل ورق الأصائل؛ فإذا تكامل في زيادته، نكص على عقبيه كأول ما بدأ في جريته، وطما في درته؛ فعند ذلك تخرج أهل ملة محقورة، وذمة مخفورة، يحرثون بطون الأرض ويبذرون بها الحب، يرجون بذلك النماء من الرب؛ لغيرهم ما سعوا من كدهم، فناله منهم بغير جدهم؛ فإذا أحدق الزرع وأشرق، سقاه الندى وغذاه من تحته الثرى؛ فبينما مصر يا أمير المؤمنين لؤلؤة بيضاء، إذا هي عنبرة سوداء، فإذا هي زمردة خضراء، فإذا هى ديباجة رقشاء، فتبارك الله الخالق لما يشاء. الذي يصلح هذه البلاد وينميها ويقر قاطنيها فيها، ألّا يقبل قول خسيسها في رئيسها، وألا يستأدى خراج ثمرة إلا في أوانها، وأن يصرف ثلث ارتفاعها، في عمل جسورها وترعها؛ فإذا تقرر الحال مع العمال في هذه الأحوال، تضاعف ارتفاع المال؛ والله تعالى يوفق في المبدأ والمآل. فلما ورد الكتاب على عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لله درك يا بن العاص! لقد وصفت لي خبراً كأني أشاهده. وقال المسعودي في تاريخه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بأهل مصر خيراً فإن لهم نسباً وصهراً» أراد بالنسب: هاجر زوجة إبراهيم الخليل عليه السلام وأم ولده إسماعيل. وأراد بالصهر: مارية القبطية أم ولد النبي صلى الله عليه وسلم التى أهداها له المقوقس اهـ. ذكر ما ورد في نيل مصر روى يزيد بن أبي حبيب: أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه سأل كعب الأحبار: هل تجد لهذا النيل في كتاب الله خبرا؟ قال: إى والذي فلق البحر لموسى

عليه السلام! إني لأجد في كتاب الله عز وجل أن الله يوحي إليه في كل عام مرتين: يوحي إليه عند جريه: إن الله يأمرك أن تجري، فيجري ما كتب الله؛ ثم يوحي إليه بعد ذلك: يا نيل عد حميداً. وروى ابن يونس من طريق حفص بن عاصم عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «النيل وسيحان وجيحان والفرات من أنهار الجنة» . وعن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن كعب الأحبار أنه كان يقول: أربعة أنهار من الجنة وضعها الله عز وجل في الدنيا، فالنيل نهر العسل في الجنة، والفرات نهر الخمر في الجنة، وسيحان نهر الماء في الجنة، وجيحان نهر اللبن في الجنة. وقد روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: نيل مصر سيد الأنهار، وسخر الله له كل نهر من المشرق إلى المغرب، فإذا أراد الله تعالى أن يجري نيل مصر أمر الله كل نهر أن يمده فأمدته الأنهار بمائها، وفجر الله له الأرض عيونًا، فإذا انتهت جريته إلى ما أراد الله عز وجل أوحى الله إلى كل ماء أن يرجع إلى عنصره. وقد ورد أن مصر كنانة الله في أرضه. وعن أبي جنادة الضبىّ: أنه سمع عليا يقول: النيل في الآخرة عسل أغزر ما يكون من الأنهار التي سمى الله عز وجل؛ ودجلة (يعني جيحان) في الآخرة لبن أغزر ما يكون من الأنهار التي سمى الله عز وجل؛ والفرات خمر أغزر ما يكون من الأنهار التي سمى الله عز وجل؛ وسيحان ماء أغزر ما يكون من الأنهار التي سمى الله عز وجل. وقال بعض الحكماء: مصر ثلاثة أشهر لؤلؤة بيضاء، فإن في شهر أبيب (وهو تموز) ومسرى (وهو آب) وتوت (وهو أيلول) يركبها الماء فيها فترى الدنيا بيضاء

وضياعها على رواب وتلال مثل الكواكب، وقد أحاطت بها المياه من كل وجه؛ وثلاثة أشهر مسكة سوداء، فإن في شهر بابه (وهو تشرين الأول) وهاتور (وهو تشرين الثاني) وكيهك (وهو كانون الأول) ينكشف الماء عنها فتصير أرضها سوداء وفيها تقع الزراعات؛ وثلاثة أشهر زمردة خضراء، فإن في شهر طوبة (وهو كانون الثانى) وأمشير (وهو شباط) وبرمهات (وهو آذار) تلمع ويكثر حشيشها ونباتها، فتصير مصر خضراء كالزمردة؛ وثلاثة أشهر سبيكة حمراء وهو وقت إدراك الزرع وهو شهر برمودة (وهو نيسان) وبشنس (وهو أيار) وبؤونة (وهو حزيران) ، ففي هذه الشهور تبيض الزروع ويتورد العشب فهو مثل السبيكة الذهب. وقيل: إنه لما ولي عمرو بن العاص رضي الله عنه مصر أتاه أهلها حين دخل بؤونة من أشهر القبط المذكورة فقالوا له: أيها الأمير، إن لنيلنا عادة أو سنة لا يجري إلا بها؛ فقال لهم: وما ذاك؟ قالوا: إنه إذا كان في اثنتي عشرة ليلة تخلو من هذا الشهر (يعني بؤونة) عمدنا إلى جارية بكر من عند أبويها وأرضينا أبويها وأخذناها وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في هذا النيل فيجري؛ فقال لهم عمرو ابن العاص: إن هذا لا يكون في الإسلام، وإن الإسلام يهدم ما كان قبله. فأقاموا بؤونة وأبيب ومسرى لا يجري النيل قليلاً ولا كثيرا حتى هموا بالجلاء؛ فلما رأى ذلك عمرو كتب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكتب إليه عمر بن الخطاب: قد أصبت، إن الإسلام يهدم ما قبله، وقد أرسلنا إليك ببطاقة ترميها في داخل النيل إذا أتاك كتابي. فلما قدم الكتاب على عمرو بن العاص رضي الله عنه فتح البطاقة فإذا فيها: «من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر.

أما بعد، فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر، وإن كان الله الواحد القهار الذي يجريك، فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك» . فعرّفهم عمرو بكتاب أمير المؤمنين وبالبطافة؛ ثم ألقى عمرو البطاقة في النيل قبل يوم عيد الصليب بيوم، وقد تهيأ أهل مصر للجلاء والخروج منها لأنه لا يقيم بمصالحهم فيها إلا النيل، فأصبحوا يوم عيد الصليب وقد أجراه الله ستة عشر ذراعاً في ليلة واحدة، وقطع تلك السنة القبيحة عن أهل مصر ببركة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ونظير ذلك أمر قرافة مصر ودفن المسلمين بها. فقد روينا بإسناد عن ابن عبد الحكم حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث بن سعد: سأل المقوقس عمرو ابن العاص أن يبيعه سفح المقطم بسبعين ألف دينار، فعجب عمرو من ذلك وقال: أكتب في ذلك إلى أمير المؤمنين، فكتب بذلك إلى عمر، فكتب إليه عمر: سله لم أعطاك به ما أعطاك، وهي لا تزرع ولا يستنبط بها ماء ولا ينتفع بها! فسأله، فقال: إنا لنجد صفتها في الكتب أن فيها غراس الجنة؛ فكتب بذلك إلى عمر، فكتب إليه عمر: إنا لا نعلم غراس الجنة ألا للمؤمنين، فاقبر فيها من مات قبلك من المسلمين ولا تبعه بشيء. فكان أول من قبر فيها رجل من المعافر يقال له: عامر [فقيل عمرت «1» ] . قلت: والقرافة سميت بطائفة من المعافر يقال لهم القرافة، نزلوا هناك. *** وقال بعض علماء الهيئة: إن مصر واقعة من المعمورة في قسم الإقليم الثاني والإقليم الثالث، ومعظمها في الثالث. وقال أبو الصلت: هي مسافة أربعين يوماً طولاً في ثلاثين يوماً عرضاً.

وقال غيره: هي مسافة شهر طولاً في شهر عرضاً. وطولها من الشجرتين اللتين ما بين رفح والعريش إلى مدينة أسوان من صعيد مصر الأعلى؛ وعرضها من آيلة إلى برقة، ويكتنفها جبلان متقاربان من مدينة أسوان المذكورة إلى أن ينتهيا إلى الفسطاط (يعني إلى مصر) ، ثم يتسع بعد ذلك ما بينهما وينفرج قليلا، ويأخذ الجبل المقطم منهما مشرقاً والآخر مغرباً على وراب متسع من مصر إلى ساحل البحر الرومي، وهناك تنقطع في عرضها الذي هو مسافة ما بين أوغلها فى الجنوب وأوغلها في الشمال. وقال بعض الحكماء: ليس في الدنيا نهر يصب في بحر الروم والصين والهند غير النيل. وليس في الدنيا نهر يصب من الجنوب إلى الشمال غير النيل. وليس فى الدنيا نهر يزيد فى أشدّ ما يكون من الحر غير النيل. وليس في الدنيا نهر يزيد وينقص على ترتيبٍ فيهما غير النيل. وليس في الدنيا نهر يزيد إذا نقص مياه الدنيا غير النيل. وبهذا النيل أشياء لم تكن في غيره من الأنهار، من ذلك: السمكة الرّعّادة التي إذا وضع الشخص يده عليها اضطرب جسمه جميعه حتى يرفع يده عنها، ومنها التمساح ولم يكن في غيره من المياه؛ وفي مصر أعاجيب كثيرة. وقال الكندي في حق مصر وأعمالها: جبلها مقدس، ونيلها مبارك، وبها الطور حيث كلم الله تعالى نبيه موسى، وبها الوادي المقدس، وبها ألقى موسى عصاه وبها فلق الله البحر لموسى، وبها ولد موسى وهارون عليهما السلام ويوشع بن نون ودانيال وأرميا ولقمان وعيسى بن مريم، ولدته أمه بأهناس، وبها النخلة التي ذكرها الله تعالى لمريم؛ ولما سار عيسى إلى الشأم وأخذ على سفح المقطم ماشياً، عليه جبة صوف مربوط الوسط بشريط وأمه تمشي خلفه، فالتفت إليها وقال: يا أماه،

هذه مقبرة أمة محمد؛ وكان بمصر إبراهيم الخليل وإسماعيل ويعقوب ويوسف واثنا عشر سبطاً. ومن فضائلها: أنها فرضة الدنيا يحمل من خيرها إلى سواحلها؛ وبها ملك يوسف عليه السلام؛ وبها مساجد إبراهيم ويعقوب وموسى ويوسف عليهم السلام؛ وبها البرابي العجيبة والهرمان، وليس على وجه الأرض بناء باليد حجراً على حجر أطول منهما. وقال أبو الصّلت: طول كل عمود منهما ثلثمائة وسبعة عشر ذراعاً، ولكل أربعة أسطحة ملسات متساويات الأضلاع، طول كل ضلع أربعمائة وسبعون ذراعاً؛ واختلف فيمن بناهما، فقيل: شداد بن عاد «1» ، وقيل: سويرد، وقيل: سويد، بناهما في ستة أشهر وغشاهما بالديباج الملون، وأودعهما الأموال والذخائر والعلوم خوفاً من طوفان يأتي. وقال الأستاذ إبراهيم بن وصيف شاه الكاتب: بناهما سويرد بن سلهوق بن سرياق بن ترميل دون بن قدرشان بن هو صال، أحد ملوك مصر قبل الطوفان الذين كانوا يسكنون مدينة الاشمونين. والقبط تنكر أن تكون العادية دخلت بلادهم لقوة سحرهم. وهذا يؤيد قول من قال بعدم بناء شداد بن عاد لهما. قال: وسبب بناء الهرمين العظيمين اللذين بمصر أنه كان قبل الطوفان بثلاثمائة سنة قد رأى سو يرد في منامه كأن الأرض قد انقلبت بأهلها، وكأن الناس قد هربوا على وجوههم، وكأن الكواكب تتساقط ويصدم «2» بعضها بعضاً بأصوات هائلة، فأغمه ذلك ولم يذكره

لأحد، وعلم أنه سيحدث في العالم أمر عظيم؛ ثم رأى بعد مدة مناماً آخر أزعجه أكثر من الأول، فدخل إلى هيكل الشمس وتضرع ومرغ وجهه على التراب وبكى، فلما أصبح جمع رؤساء الكهنة من جميع أهل مصر، وكانوا مائة وثلاثين كاهناً، فخلا بهم وذكر لهم ما رآه أولاً وآخراً، فأولوه بأمر عظيم يحدث في العالم؛ ثم حكى بعض الكهنة أيضاً: أنه رأى مناماً أعظم من هذا المنام في معناه، ثم أخذوا الارتفاع وأخبروه بالطوفان وبعده بالنار التي تخرج من برج الأسد؛ فقال: انظروا، هل تلحق هذه الآفة بلادنا؟ فقالوا: نعم، فأمر ببناء الأهرام وجعل في داخله الطلسمات والأموال وأجساد ملوكهم، وأمر الكهنة أن يزبروا عليها جميع ما قالته الحكماء، فزبروا فيها وفي سقوفها وحيطانها جميع العلوم الماضية، وصوروا فيها صور الكواكب وعليها الطلسمات، وجعل طول كل هرم مائة ذراع، بالذراع الملكي (وهو خمسمائة ذراع بذراعنا الآن «1» ) . ولما فرغت كساها الديباج الملون وعمل لهم عيداً حضره أهل ملتهم؛ ثم عمل فى الهرم الغربىّ حجارة صوان ملونة ملئت بالأموال الجمة، والآلات والتماثيل المعمولة من الجواهر النفيسة، وآلات الحديد الفاخرة، والسلاح الذي لا يصدأ، والزجاج الذي ينطوى ولا ينكسر، وأصناف العقاقير والسموم القاتلة؛ ثم عمل في الهرم الشرقي أصناف القباب الفلكية والكواكب، وما عمله أجداده من أشياء يطول شرحها اهـ. [ويقال «2» : إنّ هرمس المثلث بالحكمة وهو الذي تسميه العبرانيون خنوخ وهو إدريس عليه السلام استدل من أحوال الكواكب على كون الطوفان، فأمر ببناء الأهرام وإيداعها الأموال وصحائف العلوم، وما يخاف عليه الذهاب والدّثور؛ وكل

هرم منها ارتفاعه ثلثمائة ذراع وسبعة عشر ذراعاً، يحيط به أربعة سطوح متساويات الأضلاع، كل ضلع منها أربعمائة ذراع وستون ذراعاً، ويرتفع إلى أن يكون سطحه مقدار ستة أذرع في مثلها. ويقال: إنه كان عليه حجر شبه المكبة فرمته الرياح العواصف، وطول الحجر منها خمسة أذرع في سمك ذراعين. ويقال: إن لهما أبوابا مقبية في الأرض، وكل باب من حجر واحد يدور بلولب إذا أطبق لم يعلم أنه باب، يدخل من كل باب منها إلى سبعة بيوت، كل بيت على اسم كوكب من الكواكب السبعة، وكلها مقفلة بأقفال حديد؛ وحذاء كل بيت منها صنم من ذهب مجوف إحدى يديه على فيه، وفي جبهته كتابة بالمسند إذا قرئت انفتح فوه، فيوجد فيه مفاتيح ذلك القفل فيفتح بها. والقبط يزعمون أنهما والهرم الصغير قبور ملوكهم وأكابرهم. ولما ولي المأمون الخلافة وورد مصر أمر بفتح واحد منها ففتح بعد طويل، واتفق لسعادته أنه وقع النقب على مكان يسلك منه إلى الغرض المطلوب وهو زلاقة ضيقة من الحجر الصوان المانع الذي لا يعمل فيه الحديد بين حاجزين ملتصقين بالحائط، قد نقر في الزلاقة حفر يتمسك السالك بتلك الحفر ويستعين بها على المشي في الزلاقة لئلا يزلق، وأسفل الزلاقة بئر عظيمة بعيدة القعر؛ ويقال: إن أسفل البئر أبواب يدخل منها إلى مواضع كثيرة وبيوت ومخادع وعجائب، وانتهت بهم الزلاقة إلى موضع مربع في وسطه حوض من حجر مغطى، فلما كشف عنه غطاؤه لم يوجد فيه إلا رمة بالية، فأمر المأمون بالكف عما سواه. وهذا الموضع يدخله الناس إلى وقتنا هذا. ويقال: إن المأمون أنفق على النقب جملة اختلف المؤرخون في كميتها. فلما انتهى به النقب إلى الموضع المربع المذكور وجد فيه جاماً من زمرد مغطى، فكشف فوجد فيه ذلك المقدار الذي أنفقه من غير زيادة على ذلك- واستمر ذلك

إلجام في ذخائر الخلفاء إلى وقعة هولاكو ببغداد- فقال: الحمد لله الذي رد علينا ما أنفقناه] . وقيل: إن الأمير أحمد بن طولون سأل بعض علماء الأقباط المعمرين ممن رأى الرابع عشر من ولد ولده عن الأهرام؛ فقال: إنها قبور الملوك، كان الملك منهم إذا مات وضع في حوض حجارة يسمّى الجرون، ثم يبنى عليه الهرم، ثم يقنطر عليه البنيان والقباب، ثم يرفعون البناء على هذا المقدار الذي ترونه ويجعل باب الهرم تحت الهرم، ثم يجعل له طريق في الأرض بعقد أزج، فيكون طول الأزج تحت الأرض مائة ذراع أو أكثر، ولكل هرم من هذه الأهرام باب مدخله على ما وصفت؛ فقيل له: كيف بنيت هذه الأهرام المملسه، وعلى أي شيء كانوا يصعدون ويبنون، وعلى أي شيء كانوا يضعون الآلات ويحملون الحجارة العظيمة التي لا يقدر أهل زماننا هذا على أن يحركوا الحجر الواحد إلا بجهد؟ فقال: كان القوم يبنون الهرم مدرجا فإذا فرغوا منه نحتوه من فوق إلى أسفل، قلت: وهذا أصعب من الأول، قال: فكانت هذه حيلتهم، وكانوا مع هذا لهم قدرة وصبر وطاعة لملوكهم ديانة؛ فقيل له: ما بال هذه الكتابة التي على الأهرام والبرابي لا تقرأ؟ قال: ذهب الحكماء الذين كان هذا قلمهم «1» ، وتداول أرض مصر الأمم، فغلب على أهلها القلم الرومي كأشكال أحرف القبط والروم؛ فالقبط تقرؤه على حسب تعارفها إياه وخلطها لأحرف الروم بأحرفها على حسب ما ولدوا من الكتابة بين الرومي والقبطي الأول، فذهب عنهم كتابة آبائهم السالفة وصاروا لا يعرفونها، وهي هذه الكتابة التي على الأهرام وغيرها. انتهى أمر الهرم.

[و «1» قد نظم عمارة اليمنىّ فيهما فقال: خليلي ما تحت السماء بنية ... تماثل في إتقانها هرمي مصر بناء يخاف الدهر منه وكل ما ... على ظاهر الدنيا يخاف من الدهر تنزه طرفي في بديع بنائها ... ولم يتنزه في المراد بها فكري وقال سعد الدين بن جبارة فى المعنى: لله أي غريبة وعجيبةٍ ... في صنعة الأهرام للألباب أخفت عن الأسماع قصة أهلها ... ونضت عن الإبداع كل نقاب فكأنما هي كالخيام مقامة ... من غير ما عمدٍ ولا أطناب وبالقرب من الأهرام صنم على صورة إنسان تسميه العامة «أبا الهول» لعظمه، والقبط يزعمون أنه طلسم للرمل الذي هناك لئلا يغلب على أرض الجيزة] . وأما السحرة الذين كانوا بمصر في زمان فرعون فكانوا، كما ذكر يزيد بن أبي حبيب، اثني عشر ساحراً رؤساء، وتحت يد كل ساحر منهم عشرون عريفاً، تحت يد كل عريف منهم ألف من السحرة؛ فكان جميع السحرة مائتي ألف وأربعين ألفا ومائتين واثنين وخمسين إنسانا بالرؤساء والعرفاء. وعن محمد بن المنكدر: كان السحرة ثمانين ألفاً، فلما عاينوا ما عاينوا أيقنوا أن ذلك من السماء وأن السحر لا يقوم أمر الله، فخر الرؤساء الاثنا عشر عند ذلك سجدا، فاتبعهم العرفاء واتبع العرفاء من بقي؛ قالوا: آمنا برب العالمين رب موسى وهارون، وكانوا من أصحاب موسى ولم يفتتن أحد منهم مع من افتتن من بني إسرائيل فى عبادة العجل.

وأما ما بمصر من الأعاجيب والمباني- فبها عمود مدينة عين شمس الذي تسميه العامة «مسلة فرعون» . وبها «صدع أبي قير» ، وهو موضع في الجبل يجتمع إليه في يوم مخصوص في السنة جميع جنس الطير، وبالجبل طاقة يدخل فيها كل طير يأتي إليه ثم يخرج من وقته حتى ينتهي إلى آخر الطير فتقبض عليه ويموت فيها. وبها «مجمع البحرين» وهو البرزخ، وهما بحر الروم والصين، والحاجز بينهما مسيرة ليلة واحدة ما بين القلزم والفرما. وبها ما ليس في غيرها، وهو حيوان السقنقور والنمس ولولاه أكلت الثعابين أهلها؛ وهو كقنافذ سجستان لأهلها. وبها «دهن البلسان» ، وليس ينبت عرقه إلا بمصر خاصة. وبها «معدن الذهب والزمرد» ، وليس في الدنيا معدن زمرد سواه. وبها «معدن النفط والشب والبرام والرخام» . وبها «الأفيون» ، وهو عصارة الخشخاش؛ وقيل: بها سائر المعادن؛ وبها «الأبنوس» . وبها «حجر السّنباذج» الذي بقطع به سائر الأحجار؛ وأشياء غير ذلك سكتنا عنها خوف الإطالة. *** وأما مصر تلك الأيام فكان مبانيها وأماكنها في غير مصر الآن. وموضع مصر قديماً هي البقعة الآن الخراب عند حدرة ابن قميحة والكيمان التي عند قبر القاضي بكار إلى المشهد النفيسي. وأما قطائع ابن طولون فيأتي ذكرها في ترجمته وبيان أماكنها. قال الشريف النسابة الثقة محمد بن أسعد الجوّانىّ فى كتابه المسمى «بالنّقط لمعجم ما أشكل من الخطط» : سمعت الأمير تأييد الدولة تميم بن محمد المعروف بالصمصام يقول: في سنة تسع وثلاثين وخمسمائة حدثني القاضي أبو الحسن علي بن الحسين الخلعي «1» عن

القاضي القضاعي «2» أبي عبد الله أنه قال: كان في مصر من المساجد ستة وثلاثون ألف مسجد، وثمانية آلاف شارع مسلوك، وألف ومائة وسبعون حماما؛ وأنّ أبا الحسن ابن حمزة الحسني ذكر أنه عرض له دخول حمام سالم الذي عند درب سالم في أول القرافة، يعني حمام جنادة بن عيسى المعافري الذي عند مصبغة الحفارين المعروفة بفسقية ابن طولون- قلت: وفسقية ابن طولون هي عند المقبرة الكبيرة على يسرة المتوجه إلى القرافة بالقرب من قبر القاضى بكّارا هـ- قال: وإنه ما وصل إليه إلا بعد عناء من الزحام، وإنه كانت قبالة الحمام في كل يوم جمعة خمسمائة درهم. قلت: وكانت الخمسمائة درهم يوم ذاك نحو اثنين وأربعين دينارا إلا ثلثاً، لأن الدينار كان صرفه يوم ذاك اثني عشر درهماً. انتهى كلام الشريف. قلت: وذهبت تلك الأماكن بأجمعها عند خراب قطائع ابن طولون لمّا أخر بها محمد بن سليمان الكاتب، لا سيما لما بنيت القاهرة فى سنة ثمان وخمسين وثلثمائة، على ما يأتي ذكر ذلك في ترجمة جوهر القائد. *** وأما ظاهر القاهرة من جهاتها الأربع فقد تجدد ذلك كله في الدولة التركية، ومعظمه في دولة ابن قلاوون محمد، على ما يأتي بيان ذلك في ترجمته، لأننا نذكر كل مكان تجدد في أيام سلطانه كما شرطناه في أول هذا الكتاب. اهـ.

*** وأما محاسن مصر فكثيرة: من ذلك ما قاله الشيخ الإمام الفقيه أبو محمد الحسن ابن إبراهيم بن زولاق: إن من محاسن مصر اعتدال هوائها في حرها وبردها؛ وإن مزاج هوائها لا يقطع أحدا عن التصرف كما يقطع حر بغداد أهلها عن التصرف في معايشهم، ويخلو أكثر الطرقات بها نهاراً، وكذلك بردها، وإن برد مصر ربيع وحرها قيظ. وقدم رجل من بغداد إلى مصر فقيل له: ما أقدمك؟ فقال: فررت من كثرة الصياح في كل ليلة: «يا غافلين الصلاة» لاختفائهم من الحر والبرد، فإن حر بغداد وبردها يقطعان أهلها عن التصرف حتى إنهم يكمنون في بطن الأرض من شدة الحر في الصيف، وتطوف الحراس في بعض المواضع نهاراً لاختفاء الناس في بطون الأرض من شدة الحر. انتهى كلام ابن زولاق. قلت: وأما برد الشمال والروم فلا حاجة لذكره لعظم البرد وكثرة الثلوج والأمطار وغير ذلك. قال ابن زولاق أيضاً: ومن ذلك الأقوات والميرة التي لا قوام لأحد في بلد إلا بها، فإن مصر تمير أهلها والساكنين بها وبأعمالها، وتمير الحرمين الشريفين والوافدين إليها من الأقطار، وما تجد بلداً إلا وتصل إليها ميرة مصر؛ وبغداد لا تمير أهلها فضلاً عن غيرهم لأن طعامها وأقوات ساكنيها من الموصل وأعماله والفرات وأعماله وديار مضر وربيعة. وأما بغداد فإنها تميز نفسها أربعة أشهر، وتميرها الموصل أربعة أشهر، وتميرها واسط أربعة أشهر؛ وكذلك البصرة أيضاً لا تمير نفسها، وإنما تميرها واسط والأهواز؛ ولما حل الغلاء ببغداد نزح عنها أهلها وأثر فيها إلى اليوم، وكان بمصر

غلاء في سنة ثلاث وسبعين ومائتين، وغلاء في سنة أربع عشرة وثلاثمائة، وغلاء في سنة عشرين وثلاثمائة، وغلاء في سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة، وغلاء في سنه ست وسبع وثمان وخمسين وثلثمائة، فما أثر ذلك فيها. قلت: هذا، وما وصل القائل إلى غلاء سني المستنصر بالديار المصرية من سنة ست وخمسين إلى سنة خمس وستين وخمسمائة التي شبهت بأيام يوسف عليه السلام، ولم يقع بمصر غلاء مثله قبله ولا بعده، وبعد ذلك تراجع أمر مصر فى مدّة يسيرة وعادت إلى ما كانت عليه أولاً. يأتي ذكر هذا الغلاء وغيره في ترجمة الخليفة المعز العبيدي في هذا الكتاب، إن شاء الله تعالى. قلت: وهذا القياس الذي ذكرناه بين مصر وبغداد إنما كان تلك الأيام التي كان بها يومئذ عظماء خلفاء بني العباس، وكانت مصر تلك الأيام يليها عامل من قبل أمير من أمراء الخلفاء؛ وأما يومنا هذا فلا تقاس مصر بالعراق جميعه بل تزيد محاسنها على جميع أقطار الأرض، ولولا خشية الإطالة لبينا ذلك، ولكن فيما ذكرناه من محاسن مصر وما اشتملت عليه من الطرائف كفاية عن الإطناب فيها. *** وأما خراج مصر قديماً فقيل: إن كيقاوس أحد ملوك القبط الأول جبى خراجها فجاء مائة ألف ألف وثلاثين ألف دينار، وجباه عزيز مصر مائة ألف ألف دينار، وجباه عمرو بن العاص رضي الله عنه في الإسلام اثني عشر ألف ألف دينار، ثم رذل «1» إلى أن جباه أحمد بن طولون في سنة ستين ومائتين أربعة آلاف ألف دينار وثلثمائة ألف دينار مع ما يضاف إليه من ضياع الأمراء، ثم جباه جوهر القائد خادم المعز العبيدي ثلاثة آلاف ألف دينار ومائتي ألف دينار فى سنة ستين وثلثمائة.

وسبب نزول خراج مصر أن الملوك لم تسمح نفوسهم بما كان ينفق في حفر ترعها وإتقان جسورها، وإزالة ما هو شاغل للأرض عن الزراعة كالقصب والحلفاء والقضاب وغير ذلك. وحكى عبد الله بن لهيعة: أن المرتبين لذلك كانوا مائة ألف وعشرين ألف رجل: سبعون ألفاً بصعيد مصر، وخمسون ألفاً بالوجه البحري. وحكى ابن زولاق: أن أحمد بن المدبر لما ولي خراج مصر كشف أرضها فوجد غامرها أكثر من عامرها، فقال: والله لو عمرها السلطان لوفت له بخراج الدنيا. وقيل: إنها مسحت في أيام هشام بن عبد الملك فكان ما يركبه الماء الغامر والعامر مائة ألف ألف فدان، والفدان أربعمائة قصبة، والقصبة عشرة أذرع. وقيل: إن أحمد بن المدبر المذكور اعتبر ما يصلح للزراعة بمصر فوجده أربعة وعشرين ألف ألف فدان، والباقي مستبحر وتلف من قلة الزراعة، واعتبر أيضا مدة الحرث فوجدها ستين يوماً؛ والحراث يحرث خمسين «1» فدانا، فكانت محتاجة إلى أربعمائة ألف وثمانين ألف حرّاث، اهـ. قلت: هذا خلاف ما رئي من الجزائر في الإسلام مثل جزيرة بني نصر وجزيرة الذهب وغيرهما قبلي وبحري؛ وأيضا خلاف إقليم البحيرة، والبحيرة كان أصلها كرماً لامرأة المقوقس، وكانت تأخذ خراجها الخمر بفريضة عليهم، فكثر الخمر عليها فقالت: لا حاجة لي بالخمر، أعطوني دنانير، فلم تجدها معهم، فأرسلت على الكرم الماء فغرقتها، فصارت بحيرة يصاد بها السمك حتى استخرجها بنو العباس،

ذكر ما قيل فى سبب تسمية مصر بمصر

فسدوا جسورها وزرعوها ونمت واستمرت في زيادة إلى يومنا هذا، وبقي ذلك اسما عليها لا تعرف إلا بالبحيرة. ذكر ما قيل في سبب تسمية مصر بمصر قيل: إنه كان اسمها في الدهر الأول زجلة «1» من المزاجلة، وقال قوم: سميت بمصريم بن مركائيل «2» بن دواييل بن غرياب بن آدم، وهذا هو مصر الأول؛ وقيل: بل سميت بمصر الثاني، وهو مصرام بن نقراوش «3» الجبار بن مصريم الأول المقدم ذكره؛ وقيل: سميت بعد الطوفان بمصر الثالث، وهو مصر بن بيصر بن حام بن نوح، وهو اسم أعجمي لا ينصرف؛ وقيل: هو اسم عربي مشتق، ولكل قائل دليل؛ وقيل: غير ذلك أقوال كثيرة يأتي ذكر بعضها. قال المسعودي في تاريخه: إن بني آدم لما تحاسدوا وبغى عليهم بنو قابيل بن آدم ركب نقراوش الجبار ابن مصريم المقدم ذكره في نيف وسبعين راكباً من بني غرياب بن آدم، جبابرة كلهم يطلبون موضعاً من الأرض ليقطنوا فيه، فلم يزالوا يمشون حتى وصلوا إلى النيل فأطالوا المشي عليه، فلما رأوا سعة هذا البلد أعجبهم، وقالوا: هذا بلد زرع وعمارة، فأقاموا فيه واستوطنوه وبنوا فيه الأبنية المحكمة والمصانع العجيبة، وبنى نقراوش بن مصريم [مصر «4» وسماها باسم أبيه مصريم] ثم لما ملك قال لبنيه: إني أريد أن أصنع مدينة، ثم أمرهم ببنيان مدينة في موضع خيمته، فقطعوا الصخور من الجبال، وأثاروا معادن الرصاص، وبنوا دورا وزرعوا وعمروا الأرض، ثم أمرهم ببناء المدائن والقرى وأسكن كل ناحية من الأرض من

رأى، ثم حفروا النيل حتى أخرجوا ماءه إليهم، ولم يكن قبل ذلك معتدل الجري، وإنما كان ينبطح ويتفرق في الأرض، فهندسوه وشقوا منه أنهاراً إلى مواضع كثيرة من مدنهم التي بنوها، وشقوا منه نهراً إلى مدينتهم أمسوس يجري في وسطها، ثم سميت مصر بعد الطوفان بمصر بن بيصر بن حام بن نوح على ما نذكره هنا أيضاً. ويقال: إن مصر هذا غرس الأشجار بيده فجاءت ثمارها عظيمةً بحيث إنه كان يشق الأترجة نصفين لنوح يحمل البعير نصفها، وكان القثاء يومئذ في طول أربعة عشر شبراً؛ ويقال: إنه أول من وضع السفن وإنّ سفينته كانت ثلثمائة ذراع في عرض مائة ذراع. ويقال: إن مصرايم نكح امرأة من بنات الكهنة فولدت ولداً يقال له قبطيم، ونكح قبطيم بعد سبعين سنه من عمره امرأة ولدت له أربعة نفر: قفطريم، وأشمون، وأتريب، وصا؛ فكثروا وعمروا الأرض وبورك لهم فيها. وقيل: إنه كان عدد من وصل معهم ثلاثون رجلا فبنوا مدينة سموها مافة ومعين، (ومافة ثلاثون بلغتهم) وهي مدينة منف التي تسمى الأن: «منوف العليا» ، وكشف لهم أصحاب قليمون الكاهن عن كنوز مصر وعلومهم والطلسمات والمعادن، ووصفوا لهم عمل الصنعة «1» وبنوا على عبر البحر مدناً: منها رقودة «2» مكان الإسكندرية؛ ولما حضرت مصرايم الوفاة عهد إلى ولده قبطيم، وكان قد قسم أرض مصر بين بنيه، فجعل لقفطريم من قفط إلى أسوان، ولأشمون من أشمون إلى منف، ولأتريب الحوف كله، ولصا من ناحية صا البحيرة إلى قرب برقة؛ وقال لأخيه فارق: لك من برقة إلى المغرب، فهو صاحب إفريقية وأولاده الأفارق؛ وأمر كل واحد من بنيه أن يبني لنفسه مدينة في موضعه، وأمرهم عند موته أن يحفروا له في الأرض سرباً وأن يفرشوه بالمرمر الأبيض ويجعلوا فيه جسده، ويدفنوا معه جميع ما في خزائنه

من الذهب والجوهر، ويزبروا «1» عليه أسماء الله المانعة من أخذه «2» ، فحفروا له سرباً طوله مائة وخمسون ذراعاً، وجعلوا في وسطه مجلساً مصفحاً بصفائح الذهب، وجعلوا له أربعة أبواب على كل باب منها تمثال من ذهب، عليه مانع مرصع بالجوهر، وهو جالس على كرسي من ذهب، قوائمه من زمرذ، وزبروا في صدر كل تمثال آيات مانعة، وجعلوا جسده في جرن مرمر مصفح بالذهب، وكانت وفاة مصرايم المذكور بعد الطوفان بسبعمائة سنة، ومات ولم يعبد الأصنام، وجعلوا معه في ذلك المجلس ألف قطعة من الزبرجد المخروط، وألف تمثال من الجوهر النفيس، وألف برنية مملوءة من الدر الفاخر والعقاقير والطلسمات العجيبة وسبائك الذهب، وسقفوا ذلك بالصخور وهالوا فوقها الرمال بين جبلين، وولي ابنه قبطيم الملك. *** ودخل مصر من الصحابة ممن تقدم ذكرهم فى فتح مصر وغيرهم جماعة: الزبير ابن العوام، والمقداد بن الأسود، وعبادة بن الصامت، وأبو الدرداء، وفضالة ابن عبيد، وعمرو بن العاص، وعمرو بن علقمة، وشرحبيل بن حسنة، وسعد ابن أبي وقاص، وعبد الله بن عمرو، وخارجة بن حذافة، ومحمد بن مسلمة، وأبو رافع، ومسلمة بن مخلد، وأبو أيوب، ونافع بن مالك «3» ، ومعاوية بن حديج، وعمار بن ياسر، وخالد بن الوليد، وغيرهم رضوان الله عليهم أجمعين. ودخلها من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين: يعقوب وأولاده، وهم: يوسف، ويهوذا، وروبيل، ولاوي، وزبالون، وشمعون، ويسحر «4» ،

ودنيا، ودانا، وديفتابيل «1» ، وجاد، وبنيامين. ودخلها موسى وهرون؛ وبها ولد عيسى بن مريم. وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه سأل كعب الأحبار عن طبائع البلدان وأخلاق سكانها، فقال: إن الله عز وجل لما خلق الأشياء جعل كل شىء لشىء؛ فقال العقل: أنا لاحق بالشأم، فقالت الفتنة: وأنا معك؛ فقال الخصب: أنا لاحق بمصر، فقال الذل: وأنا معك؛ وقال الشقاء: أنا لاحق بالبادية، فقالت الصحة: وأنا معك؛ وقال البخل: أنا لاحق بالمغرب، فقال سوء الخلق: وأنا معك. ويقال: لما خلق الله الخلق خلق معهم عشرة أخلاق: الإيمان، والحياء، والنجدة، والفتنة، والكبر، والنفاق، والغنى، والفقر، والذل، والشقاء؛ فقال الإيمان: أنا لاحق باليمن، فقال الحياء: وأنا معك؛ وقالت النجدة: وأنا لاحقة بالشأم، فقالت الفتنة: وأنا معك، وقال الكبر: أنا لاحق بالعراق، فقال النفاق: وأنا معك؛ وقال الغنى: أنا لاحق بمصر، فقال الذل: وأنا معك؛ وقال الفقر: أنا لاحق بالبادية، فقال الشقاء: وأنا معك. وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: المكر عشرة أجزاء: تسعة منها في القبط، وواحد فى سائر الناس. اهـ. *** ووصف ابن القرية مصر فقال: عبيد لمن غلب، أكيس الناس صغارا وأجلّهم كباراً. وقال المسعودي في تاريخه: قال بعض الشعراء يصف مصر: مصر ومصر شأنها عجيب ... ونيلها يجري به الجنوب

قلت: وقد قيل في مصر عدة قصائد ومقطعات ذكرنا منها نبذة في تاريخنا «حوادث الدهور» عند وفاء النيل في كل سنة: منها ما قاله الشيخ صلاح الدين خليل بن أيبك الصّفدىّ: لم لا أهيم بمصرٍ ... وأرتضيها وأعشق وما ترى العين أحلى ... من مائها إن تملق وفي المعنى للشيخ زين الدين عمر بن الوردي رضي الله عنه: ديار مصر هي الدنيا وساكنها ... هم الأنام فقابلها بتقبيل يا من يباهي ببغدادٍ ودجلتها ... مصر مقدمة والشرح للنيل وأبدع منه ما قيل في المعنى أيضا لابن سلّار: لعمرك ما مصر بمصرٍ وإنما ... هي الجنة العليا لمن يتذكر وأولادها الولدان من نسل أدم ... وروضتها الفردوس والنيل كوثر وللقاضي شهاب الدين أحمد بن فضل الله العمري في هذا المعنى: ما مثل مصر فى زمان ربيعها ... لصفاء ماءٍ واعتدال نسيم أقسمت ما تحوي البلاد نظيرها ... لما نظرت إلى جمال وسيم وله أيضاً رضي الله عنه وأبدع: لمصر فضل باهر ... لعيشها الرغد النضر في كل سفح يلتقي ... ماء الحياة والخضر [و «1» للصّفىّ الحلّى في القاهرة: لله قاهرة المعز فإنها ... بلد تخصص بالمسرة والهنا أو ما ترى في كل قطر منيةً ... من جانبيها فهي مجتمع المنى

ولأبي الحسن علي بن بهاء الدين الموصلي الحنبلي في المعنى: بها ما تلذ العين من حسن منظرٍ ... وما ترتضيه النفس من شهواتها وتربتها تبر يلوح وعنبر ... يفوح وتلقى بعد بعد حياتها زمردة خضراء قد زين قرطها ... بلؤلؤة بيضاء من زهراتها ولابن الصائغ الحنفي في المعنى وأجاد: ارض بمصرٍ فتلك أرض ... من كل فن بها فنون ونيلها العذب ذاك بحر ... ما نظرت مثله العيون وللشيخ برهان الدين القيراطي: روت لنا مصر عن فواكهها ... أخبار صدقٍ صحيحة الخبر وكل ما صحّ من محاسنها ... أرويه من خوخها عن الزهري وله أيضا: جلا نيل مصر وهو شهد ومن يذق ... حلاوته يوما من الناس يشهد «1» أيا بردى بالشأم إن ذبت حسرةً ... وغيظاً فلا تهلك أسًى وتجلّد وقال غيره فى المعنى «2» : النيل قال وقوله ... إذ قال ملء مسامعي فى غيظ من طلب العلا ... عم البلاد منافعي وعيونهم بعد الوفا ... قلعتها بأصابعى]

وللشريف العقيلي في المعنى رضي الله عنه: أحن إلى الفسطاط شوقاً وإنني ... لأدعو لها ألا يحل بها القطر وهل في الحيا من حاجةٍ لجنابها ... وفي كل قطر من جوانبها نهر تبدت عروساً والمقطم تاجها ... ومن نيلها عقد كما انتظم الدر [فائدة «1» : إذا أردت أن تعلم كم تكون زيادة النيل في السنة فاحسب يوم عيد ميكائيل، وهو ثاني عشر بؤونة، كم يكون في الشهر العربي من يوم، وزد فوقه تسعين يوماً وخذ سدس الجميع، تكون عدّة أذرع النيل فى تلك السنة اهـ] . ولولا خشية الإطالة لذكرنا من هذا نبذاً كثيرة؛ ومن أراد الإكثار من ذلك فليراجع تاريخنا «حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور» فإنني ذكرت من ذلك عدة مقطعات عند وفاء النيل في كل سنة. ونعود الآن إلى كلام المسعودي، قال: وهي مصر، واسمها كمعناها، وعلى اسمها سميت الأمصار، ومنها اشتق هذا الاسم عند علماء المصريين. ثم ذكر المسعودي زيادة النيل ونقصانه نحواً مما ذكرناه، إلى أن قال: فإذا انتهت الزيادة إلى ست عشرة ذراعا ففيه تمام الخراج، وفي سبع عشرة ذراعاً كفايتها وري جميع أرضها، وإذا زاد على السبع عشرة وبلغ الثمان عشرة ذراعاً وأغلقها استبحر من أرض مصر الربع، وفي ذلك ضرر لبعض الضياع لما ذكرناه من وجه الاستبحار وغير ذلك، وإذا كانت الزيادة ثمان عشرة ذراعاً كانت العاقبة في انصرافه حدوث وباء بمصر، وأكثر الزيادات ثمان عشرة ذراعاً، وقد كان النيل بلغ في زيادته تسع عشرة ذراعاً سنة تسع وتسعين في خلافة عمر بن عبد العزيز.

قلت: وكلام المسعودي بهذا القول في عصر الأربعمائة من الهجرة قبل أن تعلو الأراضي ويحتاج إلى بلوغه إحدى وعشرين ذراعاً وأكثر؛ ولو رأى عصرنا هذا لكان يرجع فيه عن مقالته وطلب الزيادة. اهـ. قال: ومساحة الذراع إلى أن يبلغ اثني عشر ذراعاً ثمان وعشرون إصبعاًِ، ومن اثني عشر ذراعاً إلى ما فوق يصير الذراع أربعاً وعشرين إصبعاً. قال: وأقل ما يبقى في قاع المقياس من الماء ثلاث أذرع، وفى نيل تلك السنة يكون الماء قليلا. قال: والأذرع التى يستسقى عليها هى ذراعان، تسميان بمنكر ونكير، وهى ذراع «1» ثلاثة عشر ذراعا وذراع أربعة عشر ذراعا، فإذا انصرف الماء في هذين الذراعين (أعني ثلاثة عشر وأربعة عشر) وزيادة نصف ذراع من الخمسة عشر واستسقى الناس بمصر، كان الضرر شاملاً لكل البلدان، وإذا تم خمس عشرة ودخل في ست عشرة ذراعاً كان فيه صلاح لبعض البلاد ولا يستسقى فيه، وكان ذلك نقصاً من خراج السلطان. قلت: ونذكر أيضاً من أخبار نيل مصر وما كان بها من المقاييس في الجاهلية والإسلام عند ما نذكر بناء المتوكل لمقياس مصر المعهود الآن في ترجمة يزيد بن عبد الله التركي لما ولي إمرة مصر في شهر رجب سنة اثنتين وأربعين ومائتين هجرية بأوسع من هذا، فلينظر هناك، اهـ. قال: والترع التي بغيضة مصر أربع أمهات، أسماؤها: ترعة ذنب التمساح، وترعة بلقينة، وخليج سردوس، وخليج ذات الساحل؛ وتفتح هذه الترع إذا كان الماء زائداً في عيد الصليب، وهو لأربع عشرة تخلو من توت، وهو أوّل أيلول.

قال: وكان بمصر سبع خلجانات: فمنها خليج الإسكندرية، وخليج سخا، وخليج دمياط، وخليج منف، وخليج الفيوم، وخليج سردوس، وخليج المنهى. وكانت مصر فيما يذكر أهل الخبرة أكثر البلاد جناناً، وذلك أن جنانها كانت متصلة بحافتي النيل من أوّله الى آخره الى حد أسوان إلى رشيد، وكان الماء إذا بلغ في زيادته تسع أذرع دخل خليج المنهى وخليج الفيوم وخليج سردوس وخليج سخا. وكان الذي ولي حفر خليج سردوس لفرعون عدو الله هامان، فلما ابتدأ في حفره أتاه أهل القرى يسألونه أن يجري الخليج تحت قراهم ويعطون على ذلك ما أراد من المال، فكان يعمل ذلك حتى اجتمعت له أموال عظيمة، فحمل تلك الأموال إلى فرعون، فسأله فرعون عنها، فأخبره الخبر، فقال فرعون: إنه ينبغي للسيد أن يعطف على عبيده ويفيض عليهم معروفه ولا يرغب فيما في أيديهم، ونحن أحق بمن يفعل هذا بعبيده، فاردد على أهل كل قرية ما أخذته منهم، ففعل هامان ذلك. وليس في خلجان مصر أكثر عطوفاً وعراقيل من خليج سردوس. وأما خليج الفيوم وخليج المنهى فإن الذي حفرهما يوسف بن يعقوب صلى الله عليهما وسلم. اهـ. قلت: والآن نأتي بما وعدنا بذكره من أخبار من ملك مصر قبل الإسلام، على أنه ليس في شرطنا من هذا الكتاب، وإنما نذكره على سبيل الاختصار لتعلم بذلك أحوال مصر قديماً وحديثاً كما ذكرنا؛ هذا كله ليعلم الناظر فيه أمورها على سبيل الاستطراد إلى أن نذكر ما صنف هذا الكتاب بسببه وهم ملوك مصر، وأول من نذكر منهم عمرو بن العاص رضي الله عنه، ثم نسوق التاريخ من حينئذ على منواله دولاً دولاً، لا نخرج منه إلى غيره إلا ما مست الحاجة إلى ذكره استطراداً، والله الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب.

ذكر من ملك مصر قبل الاسلام

*** [ذكر من ملك مصر قبل الإسلام] فأما من ملك مصر بعد من نقدّم ذكره من أولادهم وغيرهم فقال المسعودي: وكان بيصر بن حام بن نوح قد كبرت سنه فأوصى إلى الأكبر من ولده وهو مصر وأجمع الناس على أنه ملك من حد رفح من أرض فلسطين من بلاد الشأم، وقيل: من العريش، وقيل: من الموضع المعروف بالشجرة وهو آخر أرض مصر، والفرق «1» بينها وبين الشأم، وهو الموضع المشهور بين العريش ورفح إلى بلاد أسوان من بلاد الصعيد طولاً، ومن آيلة وهي تخوم الحجاز إلى برقة عرضاً. وكان لمصر أولاد أربعة وهم: قبط «2» ، وأشمون، وأتريب، وصا. وقد تقدم ذكر ذلك، غير أننا نذكره في سياق كلام المسعودي أيضاً، إذ لا يتم المراد إلا بذكره، ليتناسق الأسلوب. قال: وقسم مصر بين ولده الأربعة الأرض أرباعاً، وعهد إلى الأكبر من ولده وهو قبط، وأقباط مصر يضافون في النسب إلى أبيهم قبط بن مصر، وأضيفت المواضع إلى سكانها وعرفت بأسمائهم، واختلطت الأنساب وكثر ولد قبط وهم الأقباط، فغلبوا على سائر الأرض، ودخل غيرهم في أنسابهم. ولما هلك قبط بن مصر ملك بعده أشمون بن مصر؛ ثم ملك بعده صا بن مصر؛ ثم ملك بعده أتريب بن مصر؛ ثم ملك بعده ماليق بن دارس؛ ثم ملك بعده حرايا بن ماليق؛ ثم ملك بعده كلكي بن حرايا، وأقام في الملك نحواً من مائة سنة؛ ثم ملك بعده أخ له يقال له: ماليا بن حرايا؛ ثم ملك بعده لوطس بن ماليا نحواً من سبعين سنة؛ ثم ملكت بعده ابنة له يقال لها: حوريا بنت لوطس بن ماليا نحواً من ثلاثين سنة؛ ثم ملكت بعدها امرأة أخرى يقال لها: ماموم. ثم كثر ولد بيصر بن حام بن نوح بأرض مصر

وتشعبوا وملكوا النساء، فطمعت فيهم ملوك الأرض، فسار إليهم من الشأم ملك من العماليق يقال له: الوليد بن درمع «1» ، فكانت له بها حروب حتى غلب على الملك وانقادوا إليه واستقام له الأمر حتى هلك؛ ثم ملك بعده الريان بن الوليد العملاقي، وهو فرعون يوسف عليه السلام؛ ثم ملك بعده دارم بن الريان العملاقي؛ ثم ملك بعده كامس بن معدان العملاقي؛ ثم ملك بعده الوليد بن مصعب، وهو فرعون موسى عليه السلام، وقد اختلف فيه، فمن الناس من يقول: إنه من العماليق، ومنهم من رأى أنه من لخم من بلاد الشأم، ومنهم من رأى أنه من الأقباط من ولد مصر بن بيصر، وكان يعرف بظلما؛ وهلك فرعون غرقاً حين خرج في طلب بني إسرائيل، ولما غرق فرعون ومن كان معه من الجنود خشي من بقي بأرض مصر من الذراري والنساء والصبيان والعبيد أن يغزوهم ملوك الشأم والمغرب، فملكوا عليهم امرأة ذات رأي وحزم يقال لها: دلوكة، فبنت على ديار مصر حائطاً يحيط بجميع أرضها والبلاد، وجعلت عليه المحارس والأجراس والرجال متصلة أصواتهم بقرب بعضهم من بعض، وأثر هذا الحائط باق إلى هذا اليوم، وهو يعرف بحائط العجوز؛ وقيل: إنما بنته خوفاً على ولدها، فإنه كان كثير الصيد فخافت عليه سباع البر والبحر واغتيال من جاوز أرضهم من الملوك، فحوطت الحائط من التماسيح وغيرها، وقد قيل في ذلك غير هذا أيضاً. فملكتهم دلوكة المذكورة ثلاثين سنة واتخذت بمصر البرابي والصور، وأحكمت آلات السحر، وجعلت في البرابي صور من يرد من كل ناحية ودوابهم إبلاً كانت أم خيلاً، وصورت فيها أيضاً من يرد في البحر من المراكب من بحر المغرب والشأم، وجمعت في هذه البرابي العظيمة المشيدة البنيان أسرار الطبيعة وخواص الأحجار والنبات والحيوان، وجعلت ذلك في أوقات حركات فلكية واتصالها بالمؤثرات العلوية، فكانوا إذا ورد إليهم جيش من نحو

الحجاز واليمن عورت تلك الصور التي في البرابي من الإبل وغيرها، فيتعور ما في ذلك الجيش وينقطع عنهم ناسه وحيوانه، وإذا كان الجيش من نحو الشأم فعلت تلك الصور أيضاً ما فعلت كما وصفنا، وكذلك من أتاهم في المراكب؛ فهابتهم الأمم والملوك ومنعوا ناحيتهم من عدوهم، فاتصل ملكهم بتدبير هذه العجوز إلى عدة أقطار، ثم عرفت بمجيء الطوفان ثانية، فخافت على هذه الصور والعلوم أن تذهب فبنت عدة برابٍ، وجعلت فيها علومها من الصور والتماثيل والكتابة، وجعلت بنيانها نوعين: طيناً وحجراً، وفرزت ما يبنى بالطين مما يبنى بالحجر، وقالت: إن كان هذا الطوفان ناراً استحجر ما بنينا بالطين وبقيت هذه العلوم، وإن كان الطوفان الوارد ماءً ذهب ما بنينا بالطين وبقي ما بنينا بالحجارة، وإن كان الطوفان سيفاً بقي كلا النوعين. ولما ماتت دلوكة العجوز المذكورة ملك مصر بعدها دركوس بن بلطيوس؛ ثم ملك بعده بورس بن دركوس؛ ثم ملك بعده لعس بن نورس نحوا من خمسين سنة؛ ثم ملك بعده دنيا «1» بن نورس نحوا من عشرين سنة؛ ثم ملك بعده نلوطس عشر سنين؛ ثم ملك بعده مما كيل بن بلوطس، ثم ملك بعده يلونة بن مماكيل وكانت له حروب ومسير في الأرض، وهو فرعون الأعرج الذي غزا بني إسرائيل وخرب بيت المقدس؛ ثم ملك بعده مرينوس وكانت له أيضاً حروب بالمغرب، ثم ملك بعده نقاس بن مرينوس ثمانين سنة، ثم ملك بعده قويس بن نقاس عشر سنين؛ ثم ملك بعده كاميل، وكانت له أيضاً حروب مع ملوك المغرب وغزاه البخت نصّر مرزبان المغرب من قبل ملك فارس، فخرب أرضه وقتل رجاله وسار البخت نصر إلى نحو المغرب. ولما زال أمر البخت نصر ومن كان معه من جنود فارس ملكت الروم مصر وغلبت عليها، فتنصر أهلها، فلم يزالوا على ذلك

إلى أن ملك كسرى أنو شروان، فغلبت جيوشه على الشأم وسارت نحو مصر فملكوها، وغلبوا على أهلها نحواً من عشرين سنة، فكانت بين الروم وفارس حروب كثيرة، وكان أهل مصر يؤدون خراجين عن بلادهم: خراجاً لفارس، وخراجاً للروم؛ ثم انجلت فارس عن مصر والشأم [لأمر «1» حدث في دار مملكتهم فغلبت الروم على مصر والشأم] وأشهروا النصرانية فشمل ذلك من في الشأم ومصر إلى أن أتى الله بالإسلام، وكان من أمر المقوقس صاحب مصر مع النبي صلى الله عليه وسلم من الهدايا ما كان إلى أن افتتحها عمرو بن العاص بمن كان معه من الصحابة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حسبما ذكرناه في أول ذلك الكتاب. وكان المقوقس ملك مصر وصاحب القبط نزيل الإسكندرية في بعض فصول السنة، وفي بعضها مدينة منف، وفي بعضها قصر الشمع، وقصر الشمع في وسط مدينة الفسطاط. والمقصود من ذكر ذلك أن الذين ملكوا مصر باتفاق كثير من أهل التاريخ على اختلاف بينهم، من الفراعنة وغيرهم: اثنان وثلاثون فرعوناً؛ ومن ملوك بابل ممن ملك مصر: خمسة؛ ومن العماليق وهم الذين قدموا إليها من الشأم: أربعة؛ ومن الروم: سبعة؛ ومن اليونانيين: عشرة؛ وذلك قبل ظهور المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، وملكها أناس من ملوك الفرس من الأكاسرة، فكانت مدة من ملك مصر من بني نوح والفراعنة والعماليق والروم واليونانيين ألف سنة وثلثمائة سنة. قلت: وهذا الذي ذكرناه على سبيل الاستطراد، وشرط كنابنا هذا ألا نذكر فيه إلا من ملك مصر في الإسلام، ومن ذكرناه من هؤلاء زيادة ليست بمنكرة لتحصيل الفائدة.

ذكر ولاية عمرو بن العاص الأولى على مصر

قال المسعودي: وسألت جماعة من أقباط مصر بالصعيد وغيره من أهل الخبرة عن تفسير اسم فرعون فلم يخبروني عن معنى ذلك ولا تحصل لي في لغتهم، فيمكن- والله أعلم- أن هذا الاسم كان سمة لملوك تلك الأعصار، وأن تلك اللغة تغيرت كتغير الفهلوية، وهي الفارسية الأولى إلى الفارسية الثانية، وكاليونانية إلى الرومية، وتغير الحميرية وغير ذلك من اللغات. انتهى كلام المسعودي. قلت: وليس بمستبعد هذه المقالة لأن لسان العرب وهو أشرف الألسن وبه نزل القرآن الكريم قد تغير الآن غالبه، وصارت العامة وغيرها تتكلم بكلام لو سمعه بعض أعراب ذلك الزمان لما فهموه لتغير ألفاظه، وكذلك اللغة التركية، فإن لسان المغل الآن لا يعرفه جند زماننا هذا ولا يتحدثون به، ولو سمعوه لما فهموه، وأشياء كثيرة من هذا. اهـ. ونشرع الآن بذكر ما نحن بصدده، ومن لأجله صنف هذا الكتاب، وهم ملوك مصر والقاهرة، ونبدأ بترجمة عمرو بن العاص رضي الله عنه، لأنها «1» فتحت على يديه، وهو أوّل من وليها من المسلمين. ذكر ولاية عمرو بن العاص الأولى على مصر هو عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص ابن كعب بن لؤي بن غالب، أبو عبد الله، وقيل: أبو محمد القرشىّ السّهمىّ الصحابىّ؛ أسلم يوم الهدنة وهاجر، واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش غزوة ذات السلاسل، وفيه أبو بكر وعمر، لخبرته بمكيذة الحرب، ثم ولي الإمرة في غزوة الشأم لأبي بكر وعمر، ثم افتتح مصر حسبما تقدم ذكره ووليها لعمر أولاً، ثم وليها لمعاوية ابن أبي سفيان ثانياً على ما يأتي ذكره.

وحكى ابن سعد في كتاب الطبقات: أنه أسلم بعد الحديبية هو وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة. قال الحافظ أبو عبد الله شمس الدين محمد الذهبي في تاريخ الإسلام: وله عدة أحاديث، روى عنه ابناه عبد الله ومحمد، وأبو عثمان النهدي، وقبيصة بن ذؤيب، وعلي بن رباح، وعبد الرحمن بن شماسة، وآخرون؛ وقدم دمشق رسولاً من أبي بكر إلى هرقل، وله بدمشق دار عند سقيفة كردوس، ودار عند باب الجابية تعرف ببني حجيجة، ودار عند عين الحمار «1» ، وأمه عنزية، وكان قصيرا يخضب بالسواد. حدثنا ابن لهيعة عن مشرح عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص» رواه الترمذي. وقال ابن أبي مليكة قال طلحة بن عبيد الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «عمرو بن العاص من صالحي قريش» أخرجه الترمذي وفيه انقطاع. وقال حمّاد ابن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ابنا العاص مؤمنان هشام وعمرو» . وقال ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أخبرني سويد بن قيس عن قيس بن شفىّ: أن عمرو بن العاص قال: يا رسول الله، أبايعك على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي؟ قال: «إن الإسلام والهجرة يجبّان ما كان قبلهما» قال: فو الله ما ملأت عيني منه ولا راجعته بما أريد حتى لحق بالله، حياءً منه. وقال الحسن البصري: قال رجل لعمرو بن العاص: أرأيت رجلاً مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحبه، أليس رجلاً صالحاً؟ قال: بلى، قال: قد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحبك، وقد استعملك؛ قال: بلى،

فو الله ما أدري أحباً كان لي منه أو استعانةً بي، ولكن سأحدثك برجلين مات وهو يحبهما: عبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر؛ فقال الرجل: ذاك قتيلكم يوم صفين، قال: قد والله فعلنا. وروي أن عمراً لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان على عمان، فأتاه كتاب أبي بكر بذلك. قال ضمرة عن الليث بن سعد: إن عمر رضي الله عنه نظر إلى عمرو ابن العاص يمشي، فقال: ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميراً. قال الذهبي بعد كلام ساقه: ثم إن عمراً قال لمعاوية- يعني في أيام وقعة صفين-: يا معاوية، أحرقت كبدي بقصصك، أترى أنا خالفنا علياً لفضلٍ منا عليه! لا والله، إن هي إلا الدنيا نتكالب عليها، وأيم الله لتقطعن لي قطعة من دنياك، أو لأنابذنك، قال: فأعطاه مصر، يعطي أهلها عطاءهم وما بقي فله. ويروى أن علياً كتب إلى عمرو يتألفه، فلما أتاه الكتاب أقرأه معاوية، وقال: قد ترى، فإما أن ترضيني، وإما أن ألحق به! قال: فما تريد؟ قال: مصر، فجعلها له. وعن يزيد بن أبي حبيب وغيره؛ أن الأمر لما صار لمعاوية استكثر طعمة مصر لعمرو، ورأى عمرو أن الأمر كله قد صلح به وبتدبيره وعنائه، وظن أن معاوية سيزيده الشأم مع مصر فلم يفعل معاوية، فتنكر له عمرو فاختلفا وتغالظا، فدخل بينهما معاوية بن حديج فأصلح بينهما، وكتب بينهما كتاباً: إن لعمرو ولاية مصر سبع سنين وأشهد عليهما شهوداً، ثم مضى عمرو إليها سنة تسع وثلاثين (أعني في ولايته الثانية) ، فما مكث نحو ثلاث سنين حتى مات.

قال: وكان عمرو من أفراد الدهر دهاء وجلادة وحزماً ورأياً وفصاحة. ذكر محمد بن سلام الجمحي: أن عمر بن الخطاب كان إذا رأى رجلاً يتلجلج في كلامه يقول: خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد. وقال مجالد عن الشعبي عن قبيصة عن جابر قال: صحبت عمر بن الخطاب فما رأيت أقرأ لكتاب الله منه، ولا أفقه في دين الله منه، ولا أحسن مداراةً منه؛ وصحبت طلحة بن عبيد الله فما رأيت رجلاً أعطى للجزيل منه من غير مسئلة؛ وصحبت معاوية فما رأيت رجلاً أحلم منه؛ وصحبت عمرو بن العاص فما رأيت رجلاً أبين، أو قال أنصع، «1» ظرفاً منه، ولا أكرم جليساً، ولا أشبه سريرة بعلانيةٍ منه؛ وصحبت المغيرة بن شعبة فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلا بمكر لخرج من أبوابها كلها. وقال موسى بن علي بن رباح حدثنا أبي حدثنا أبو قيس مولى عمرو بن العاص: أن عمراً كان يسرد الصوم، وقلما كان يصيب من العشاء أول الليل، أكثر ما كان يأكل في السحر. وقال عمرو بن دينار: وقع بين المغيرة بن شعبة وبين عمرو بن العاص كلام فسبه المغيرة، فقال عمرو: يا آل هصيص، أيسبني ابن شعبة! فقال عبد الله ابنه: إنا لله! دعوت بدعوى القبائل وقد نهي عنها! فأعتق عمرو ثلاثين رقبة. انتهى كلام الذهبي باختصار. قلت: ولما ولي عمرو بن العاص مصر ودخلها سكن الفسطاط. ولسبب تسمية مصر بالفسطاط أقول كثيرة، منها: أن عمراً لما أراد التوجه لفتح الإسكندرية أمر بنزع فسطاطه (أعني خيمته) فإذا فيه يمامة قد فرخت، فقال عمرو: لقد تحرّم منا بمتحرّم، فأمر به فأقرّ كما هو، وأوصى به صاحب القصر، فلما قفل المسلمون

من الإسكندرية قالوا: أين ننزل؟ قالوا: الفسطاط- يعنون فسطاط عمرو الذي خلفه بمصر مضروباً لأجل اليمامة فغلب عليه ذلك- وكان موضع الفسطاط المذكور موضع الدار التى تعرف اليوم بدار الحصار «1» عند دار عمرو الصغيرة بمصر. وقال الشريف محمد بن سعد الجوّانىّ: كان فسطاط عمرو عند درب حمّام «2» شمول بخط الجامع، اهـ. ولما رجع عمرو من الإسكندرية في سنة إحدى وعشرين أو غيرها نزل موضع فسطاطه وتنافست «3» القبائل بعضها مع بعض في المواضع، فولى عمرو بن العاص معاوية بن حديج التجيبي «4» ، وشريك بن سمي الغطيفي، وعمرو بن قحزم «5» الخولاني، وحيويل «6» بن ناشرة المعافري على الخطط، وكانوا هم الذين نزلوا الناس وفصلوا بين القبائل. وذلك في سنة إحدى وعشرين من الهجرة، واستمر عمرو على عمله بمصر، وشرع في بناء جامعه بمصر إلى أن عزله عثمان عن ولاية مصر في سنة خمس وعشرين بعبد الله بن سعد بن أبي سرح بعد أن أنتقض صلح أهل الإسكندرية وغزاه عمرو في السنة المذكورة. وسبب ذلك أن ملك الروم بعث إليهم منويل الخصي في مراكب من البحر، فطمعوا في النصرة ونقضوا دينهم، فغزاهم عمرو في ربيع الأول سنة خمس وعشرين

[ذكر بناء جامع عمرو بن العاص بمصر رضى الله عنه

فافتتح الأرض عنوة والمدينة صلحاً، ثم استأذن عمراً عبد الله بن سعد بن أبي سرح في غزوة إفريقية، فأذن له عمرو بن العاص؛ وبعد قليل عزله عثمان في هذه السنة بعبد الله بن أبي سرح المذكور- وعبد الله بن أبى سرح أخو عثمان لأمه- وقيل: إن ذلك كان في سنة سبع وعشرين، والذي قلنا الأقوى؛ وهذه ولاية عمرو بن العاص على مصر الأولى. وتأتي بقية ترجمته ووفاته في ولايته الثانية، إن شاء الله تعالى. وسبب عزل عمرو بن العاص عن ولاية مصر أنه قدم على عثمان لما تخلف وكان قدم على عمر مرتين استخلف في إحداهما زكريا بن جهم العبدري «1» ، وفي الثانية ابنه عبد الله، فلما قدم عمرو على عثمان سأله عزل عبد الله بن سعد ابن أبي سرح عن صعيد مصر، وكان عمر قد ولاه صعيد مصر، فامتنع عثمان من ذلك وعزله عن مصر وعقد لعبد الله بن سعد بن أبي سرح على مصر كلها مضافةً للصعيد وغيره، فكانت ولاية عمرو بن العاص على مصر في المرة الأولى أربع سنين وأشهرا. [ذكر «2» بناء جامع عمرو بن العاص بمصر رضى الله عنه كان خاناً والذي حاز موضعه قيسبة «3» بن كلثوم التجيبي أبو عبد الله أحد بني سوم، فلما رجعوا من الإسكندرية سأل عمرو قيسبة المذكور في منزله هذا يجعله مسجداً؛ فقال له قيسبة: فإني أتصدق به على المسلمين، فسلمه إليهم؛ واختط مع قومه بني سوم في [تجيب «4» ] وبني الجامع في سنة إحدى وعشرين، وكان طوله

خمسين ذراعاً في عرض ثلاثين؛ ويقال: إنه وقف على إقامة قبلته ثمانون رجلاً من الصحابة، منهم: الزبير بن العوام، والمقداد بن الأسود، وعبادة بن الصامت، وأبو الدرداء، وأبو ذر الغفاري، وأبو بصرة الغفاري، ومحمية «1» بن جزء الزّبيدى، ونبيه ابن صواب وغيرهم، وكانت القبلة مشرقة «2» جداً، وإن قرة بن شريك لما هدم المسجد المذكور وبناه في زمان الوليد بن عبد الملك بن مروان تيامن بها قليلا. وذكر الليث بن سعد وعبد الله بن لهيعة: [أنهما «3» ] كانا يتيامنان إذا صليا في المسجد الجامع، ولم يكن للمسجد الذي بناه عمرو محراب مجوّف، وإنما قرة بن شريك المذكور جعل المحراب المجوف. وأول من أحدث ذلك عمر بن عبد العزيز، وهو يومئذ عامل الوليد بن عبد الملك على المدينة ليالي أسس مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هدم وزاد فيه. وكان لمسجد عمرو بابان يقابلان دار عمرو بن العاص، وبابان في بحريه، وبابان في غربيه؛ وكان الخارج من زقاق القناديل يجد ركن الجامع الشرقي محاذياً لركن دار عمرو الغربىّ، وكان طوله من القبلة إلى البحري مثل طول دار عمرو، وسقفه مطأطأ جدّا ولا صحن له؛ وكان الناس يصطفون بفنائه؛ وكان بينه وبين دار عمرو سبعه أذرع؛ وكان الطريق محيطاً به من جميع جوانبه، وكان عمرو قد اتخذ منبراً فكتب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعزم عليه في كسره ويقول: أما بحسبك أن تقوم قائما والمسلمون تحت عقبيك! فكسره عمرو.

وأول من صلي عليه من الموتى به في داخله أبو الحسين سعيد «1» بن عثمان صاحب الشرطة في النصف من صفر، وكانت وفاته فجأة فأخرج وصلي عليه خلف المقصورة وكبر عليه خمساً، ولم يعلم أحد قبله صلي عليه بالجامع وأنكر الناس ذلك. وأول من زاد في الجامع المذكور مسلمة بن مخلد الأنصاري أمير مصر في أيام معاوية سنة ثلاث وخمسين «2» ، فزاد فيه من بحريه وجعله رحبة في البحري وبيضه وزخرفه، ولم يغير البناء القديم ولا أحدث في قبليه ولا غربيه شيئاً. وذكر أنه زاد فيه من شرقيه حتى ضاق الطريق بينه وبين دار عمرو بن العاص وفرشه بالحضر وكان مفروشاً قبل ذلك بالحصباء. وقيل: إن مسلمة نقض ما كان عمرو بناه وزاد فيه من شرقيه وجعل له صوامع، وبنى فيه أربع صوامع في أركانه الأربعة، وأمر ببناء المنار في جميع المساجد، وأمر مسلمة أن يكتب اسمه على المنائر، وأمر مؤذني المسجد الجامع أن يؤذنوا للفجر إذا مضى نصف الليل، فإذا فرغوا من آذانهم أذن كل مؤذن في الفسطاط في وقت واحد، فكان لآذانهم دوي شديد، وأمر ألا يضرب بناقوس عند وقت الأذان، أعني الفجر. ثم إن عبد العزيز بن مروان هدمه سنة تسع وسبعين، وهو أمير مصر من قبل أخيه عبد الملك بن مروان، وزاد فيه من ناحية الغرب وأدخل فيه الرحبة التي كانت في بحريه ولم يجد في شرقيه موضعا يوسعه به.

وذكر الكندي في كتاب الأمراء: أنه زاد فيه من جوانبه كلها، ويقال: إن عبد العزيز المذكور لما أكمل بناء المسجد المذكور خرج من دار الذهب عند طلوع الفجر فدخل المسجد فرأى في أهله خفة فأمر بأخذ الأبواب على من فيه، ثم دعاهم رجلاً رجلاً، يقول للرجل: ألك زوجة؟ فيقول: لا، فيقول: زوجوه؛ ألك خادم؟ فيقول: لا، فيقول: اخدموه؛ أحججت؟ فيقول: لا، [فيقول «1» ] : أحجوه؛ أعليك دين؟ فيقول: نعم، فيقول: اقضوا دينه، فأقام المسجد بعد ذلك دهراً عامراً ثم الى اليوم. وأمر عبد العزيز المذكور برفع سقف الجامع وكان مطأطأ في سنه تسع وثمانين «2» ، ثم إن قرة بن شريك العبسي بن قيس عيلان هدمه في مستهل سنة اثنتين وتسعين بأمر الوليد بن عبد الملك بن مروان، وقرة أمير على مصر من قبله، وابتدأ في بنائه في شعبان من السنة المذكورة، وجعل على بنائه يحبى بن حنظلة مولى بنى عامر ابن لؤي، وكانوا يجمعون الجمعة في قيسارية العسل حتى فرغ من بنائه في رمضان سنة ثلاث وتسعين ونصب المنبر الجديد في سنة أربع وتسعين ونزع المنبر الذي كان في المسجد؛ وذكر أن عمرو بن العاص كان جعله فيه. قلت: ولعله كان وضعه بعد وفاة عمر بن الخطاب، فإنه كان منعه حسبما ذكرناه؛ وقيل: هو منبر عبد العزيز بن مروان. وذكر أنه حمل إليه من بعض كنائس مصر. وذكر أن زكريا بن مرقى «3» ملك النوبة أهداه إلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح وبعث معه نجارا يسمّى «بقطر» حتى

ركبه، ولم يزل هذا المنبر في الجامع إلى أن زاد قرة بن شريك المذكور في الجامع، فنصب منبراً سواه، ولم يكن إذ ذاك يخطب في القرى إلا على العصي إلى أن ولي [عبد الملك بن مروان «1» ] بن موسى بن نصير اللخمي مصر من قبل مروان بن محمد فأمر باتخاذ المنابر فى القرى، وذلك فى ستة اثنتين وثلاثين ومائة، ولا يعرف منبر أقدم من منبر قرة بن شريك بعد منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل كذلك إلى أن قلع وكسر أيام العزيز بالله نزار العبيدي بنظر الوزير ابن كلس في يوم الخميس لعشر بقين من شهر ربيع الأوّل سنة تسع وسبعين وثلثمائة وجعل مكانه منبر مذهب، ثم أخرج هذا المنبر إلى الإسكندرية وجعل بجامع عمرو بن العاص الذي بها، ثم أنزل المنبر الكبير إلى الجامع المذكور في أيام الحاكم بأمر الله العبيدي في شهر ربيع الأول سنة خمس وأربعمائة، وصرف بنو عبد السميع عن الخطابة وجعلت خطابته لجعفر بن الحسن بن خداع الحسيني، وجعل إلى أخيه الخطابة في الجامع الأزهر، وصرف بنو عبد السميع من جميع المنابر؛ ثم وجد بعد ذلك المنبر الجديد الذي نصب بالجامع قد لطّخ بالقذر فوكّل به من يحفظه وعمل له غشاء من أدم مذهب، وخطب عليه ابن خداع وهو مغشى؛ وكانت زيادة قرة بن شريك من القبلي والشرقي وأخذ بعض دار عمرو بن العاص وابنه عبد الله فأدخله في المسجد وأخذ منهما الطريق التي بين المسجد وبينهما، وعوض أولاد عمرو ما هو في أيديهم من الرباع التي في زقاق مليح في النحاسين وقشرة، وأمر قرة بعمل المحراب المجوف، وهو المحراب المعروف بمحراب عمرو؛ [لأنه في سمت محراب] «2» المسجد القديم الذي بناه عمرو، وكانت قبلة المسجد القديم عند العمد المذهبة في صف التوابيت، وهي

أربعة عمد: اثنان في مقابلة اثنين؛ وكان قرّة قد أذهب رءوسها، ولم يكن في المسجد عمد مذهبة غيرها، وكانت قديما [حلقة أهل المدينة «1» ] ثم زوق أكثر العمد وطوق في أيام الإخشيد سنة أربع وعشرين وثلثمائة، ولم يكن للمسجد أيام قرة غير هذا المحراب. فأما المحراب الأوسط فيعرف بمحراب عمر بن مروان أخي عبد الملك بن مروان الخليفة، ولعله أحدثه في الجدار بعد قرة؛ وذكر قوم أن قرة عمل هذين المحرابين، وصار للجامع أربعة أبواب في شرقيه، آخرها باب إسرائيل، وهو باب النحاسين؛ وفي غربيه أربعة أبواب شارعة في زقاق يعرف بزقاق البلاط؛ وفي بحريه ثلاثة أبواب. انتهى ما أوردناه من أمر جامع عمرو بن العاص المذكور رضى الله عنه. *** وأما بناء عمرو بن العاص لبيت المال بالفسطاط- فالأصح أنما بناه أسامة بن زيد التنوخي متولي الخراج بمصر في سنة سبع وتسعين في خلافة سليمان بن عبد الملك بن مروان، وأمير مصر يوم ذاك عبد الملك بن رفاعة الآتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى. وقد خرجنا عن المقصود لطلب الفائدة ونعود إلى ذكر عمرو بن العاص رضي الله عنه. قيل: إنه رئي وهو على بغلة هرمة، وهو إذ ذاك أمير مصر، فقيل له: أتركب هذه وأنت أمير مصر؟ فقال: لا ملل عندي لدابتي ما حملتني، ولا لامرأتي ما أحسنت عشرتي، ولا لصديقي ما حفظ سري؛ إن الملل من كواذب الأخلاق.

وعن عمرو قيل له: صف الأمصار، قال: أهل الشام أطوع الناس للمخلوق وأعصاه للخالق؛ وأهل مصر أكيسهم صغاراً وأحمقهم كباراً؛ وأهل الحجاز أسرع الناس إلى الفتنة وأعجزهم عنها؛ وأهل العراق أطلبهم للعلم وأبعدهم منه. قال مجالد عن الشعبي قال: دهاة العرب أربعة: معاوية، وعمرو، والمغيرة ابن شعبة، وزياد بن أبيه؛ فأما معاوية فللأناة والحلم، وأما عمرو فللمعضلات، وأما المغيرة فللمبادرة، وأما زياد بن أبيه فللصغير والكبير. وقال أبو عمران بن عبد البر: كان عمرو من فرسان قريش وأبطالهم في الجاهلية، مذكوراً فيهم بذلك، وكان شاعراً محسناً حفظ عنه فيه الكثير في مشاهد شتى، وله يخاطب عمارة بن الوليد بن شعبة عند النجاشىّ: إذا المرء لم يترك طعاماً يحبه ... ولم ينه قلباً غاوياً حيث يمما قضى وطراً منه وغادر سنة ... إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما وقال الذهبي في التذهيب: روى أحمد بن حنبل عن أبي عبد الله البصري عن أبي مليكة قال قال عمرو بن العاص: إني لأذكر الليلة التي ولد فيها عمر. قلت: ما قال هذا إلا لأنه أسن من عمر فلعل بينهما نحو خمسين سنة. انتهى كلام الذهبىّ باختصار. وقال ابن عبد الحكم في تاريخه: خطبة عمرو. حدّثنا عبد الرحمن حدّثنا سعيد ابن ميسرة عن إسحاق بن الفرات عن ابن لهيعة عن الأسود بن مالك الحميري عن بحير بن ذاخر «1» المعافري قال:

رحت أنا ووالدي إلى صلاة الجمعة [تهجيراً «1» ] وذلك آخر الشتاء بعد حميم «2» النصارى بأيام يسيرة، فأطلنا الركوع، إذ أقبل رجال بأيديهم السياط يزجرون الناس، فذعرت؛ فقلت: يا أبت، من هؤلاء؟ قال: يا بني، هؤلاء الشرط، فأقام المؤذنون الصلاة، فقام عمرو بن العاص على المنبر، فرأيت رجلا ربعة قصد «3» القامة، وافر الهامة، أدعج أبلج، عليه ثياب موشية كأن به العقيان يأتلق، عليه حلة وعمامة وجبة، فحمد الله وأثنى عليه حمداً موجزاً وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ووعظ الناس وأمرهم ونهاهم، فسمعته يحض على الزكاة وصلة الأرحام ويأمر بالاقتصاد وينهى عن الفضول وكثرة العيال وقال في ذلك: يا معشر الناس، إياكم وخلالاً أربعة، فإنها تدعو إلى النصب بعد الراحة، وإلى الضيق بعد السعة، وإلى المذلة بعد العزة. إياكم وكثرة العيال، وإخفاض الحال، وتضييع المال، والقيل بعد القال، فى غير درك ولا نوال؛ ثم إنه لا بد من فراغ يؤول إليه المرء في توديع جسمه والتدبير لشأنه، وتخليته بين نفسه وبين شهواتها، ومن صار إلى ذلك فليأخذ بالقصد والنصيب الأقل، ولا يضيع المرء في فراغه نصيب العلم من نفسه، فيحور من الخير عاطلاً، وعن حلال الله وحرامه غافلاً. يا معشر الناس، إنه قد تدلت الجوزاء، وذكت الشعرى، وأقلعت السماء، وارتفع الوباء، وقل الندى، وطاب المرعى، ووضعت الحوامل، ودرجت السخائل، وعلى الراعي بحسن رعيته حسن النظر، فحي لكم على بركة الله إلى ريفكم فنالوا من خيره ولبنه وخرافه وصيده؛ وأربعوا خيلكم وأسمنوها وصونوها وأكرموها، فإنها جنتكم من عدوكم وبها مغانمكم وأنفالكم، واستوصوا بمن جاورتموه من القبط خيراً؛ وإياكم والمسومات «4» والمعسولات فإنهن يفسدن الدين ويقصرن الهمم.

حدثني عمر أمير المؤمنين أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله سيفتح عليكم بعدي مصر فاستوصوا بقبطها خيراً فإن لكم منهم صهراً وذمة» ؛ فكفوا أيديكم وعفوا فروجكم وغضوا أبصاركم، ولا أعلمن ما أتى رجل قد أسمن جسمه وأهزل فرسه؛ واعلموا أني معترض الخيل كاعتراض الرجال، فمن أهزل فرسه من غير علة حططته من فريضته قدر ذلك؛ واعلموا أنكم في رباط إلى يوم القيامة لكثرة الأعداء حولكم وتشوق قلوبهم إليكم وإلى داركم معدن الزرع والمال والخير الواسع والبركة النامية. وحدثني عمر أمير المؤمنين أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جنداً كثيفاً فذلك الجند خير أجناد الأرض» فقال له أبو بكر: ولم يا رسول الله؟ قال: «لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة» . فاحمدوا الله معشر الناس على ما أولاكم، فتمتعوا في ريفكم ما طاب لكم، فإذا يبس العود وسخن العمود وكثر الذباب وحمض اللبن وصوح البقل وانقطع الورد من الشجر، فحي إلى فسطاطكم على بركة الله؛ ولا يقدمن أحد منكم ذو عيال على عياله إلا ومعه تحفة لعياله على ما أطاق من سعته أو عسرته؛ أقول قولي هذا وأستحفظ الله عليكم. قال: فحفظت ذلك عنه، فقال والدي بعد انصرافنا إلى المنزل- لما حكيت له خطبته- إنه يا بني يحدو الناس إذا انصرفوا إليه على الرباط كما حداهم على الريف والدعة] . *** السنة الأولى من ولاية عمرو بن العاص الأولى على مصر وهي سنة عشرين من الهجرة- فيها كانت غزوة تستر؛ وفيها توفي بلال بن رباح الحبشي مولى أبي بكر الصديق، وحمامة أمه، وكان من السابقين الأولين وممن عذب في الإسلام

وشهد بدراً وكان مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم؛ مات بدمشق بالطاعون في هذه السنة، وقيل في التي قبلها ودفن بدمشق بالباب الصغير، وله بضع وستون سنة رضي الله عنه؛ وفيها توفيت زينب بنت جحش بن رباب الأسدي- أسد خزيمة- أم المؤمنين، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث وقيل سنة خمس وقيل سنة أربع وهو الأصح؛ وفيها توفي البراء بن مالك الأنصارىّ أخو أنس بن مالك الأنصارىّ النجاري، كان أحد الأبطال الأفراد في الصحابة رضي الله عنهم؛ وفيها توفي عياض بن غنم أبو سعد من المهاجرين الأولين، شهد بدراً وغيرها رضي الله عنه؛ وفيها توفي سعيد ابن عامر بن حذيم الجمحي، كان من أشراف بنى جمح، له صحبة ورواية، قال الذهبي: روى عنه عبد الرحمن بن سابط؛ وفيها توفي أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان رضيع النبي وشبيهه؛ وفيها توفي هرقل عظيم الروم وقام ابنه قسطنطين مكانه. أمر النيل في هذه السنة، الماء القديم أربعة أذرع وتسعة أصابع، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وإحدى وعشرون إصبعاً. *** السنة الثانية من ولاية عمرو بن العاص الأولى على مصر وهي سنة إحدى وعشرين من الهجرة- فيها فتحت الإسكندرية في مستهلها على يد عمرو بن العاص بعد أمور وحروب، وفي آخرها افتتح عمرو بن العاص برقة وصالحهم على ثلاثة عشر ألف دينار؛ وفيها اشتكى أهل الكوفة سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فصرفه عمر وولى عليهم عمار بن ياسر على الصلاة، وولى عبد الله بن مسعود على بيت المال، وولى عثمان بن حنيف على مساحة أرض السواد؛ وفيها كان فتح نهاوند، واستشهد أمير الجيش الذي توجّه اليها، وهو النعمان بن مقرن المزني، واستشهد

أيضا يومئذ طليحة بن خويلد بن نوفل وفتحت تستر؛ وفيها صالح أبو هاشم بن عتبة ابن ربيعة بن عبد شمس على أنطاكية وملطية وغيرهما؛ وفيها توفّى خالد بن الوليد ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي أبو سليمان سيف الله، كذا لقبه النبي صلى الله عليه وسلم، وأمه لبابة أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين ودفن بحمص، وقبره مشهور يقصد للزيارة؛ وفيها توفي العلاء بن الحضرمي، واسم الحضرمي عبد الله بن عباد بن أكبر بن ربيعة بن مقنع بن حضرموت حليف بني أمية، وإلى أخيه تنسب بئر ميمونة التي بأعلى مكة احتفرها في الجاهلية؛ وفيها توفي الجارود العبدي سيد عبد القيس، وكنيته أبو عتاب، وقيل أبو المنذر، وقيل اسمه بشر ولقب جاروداً لأنه أغار على بكر بن وائل فأصابهم وجردهم، أسلم سنة عشر من الهجرة وفرح النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه. أمر النيل في هذه السنة، الماء القديم خمسة أذرع وإصبعان، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وخمسة أصابع. *** السنة الثالثة من ولاية عمرو الأولى على مصر وهي سنة اثنتين وعشرين من الهجرة- فيها افتتح عمرو بن العاص طرابلس الغرب، وقيل في التي بعدها؛ وفيها غزا حذيفة مدينة الدّينور فافتتحها عنوة، وقد كانت فتحت قبل لسعد ثم انتقضت؛ وفيها أيضا غزا حذيفة ما سبذان فافتتحها عنوة، وقيل كان افتتحها سعد ثم نقضوا؛ وقال طارق بن شهاب: غزا أهل البصرة ماه، فأمدهم أهل الكوفة وعليهم عمار بن ياسر فأرادوا أن يشركوا في الغنائم فأبى أهل البصرة، ثم كتب إليهم عمر: الغنيمة لمن شهد الوقعة؛ وفيها فتحت همذان قاله ابن جرير وغيره؛ وفيها فتحت الري وما بعدها، ثم فتحت أذربيجان في قول الواقدي وأبي معشر، وقال سيف: كانت فى سنة

ثماني عشرة، وكان بين أهل هذه البلاد والمسلمين حروب كثيرة حتى فتح الله عليهم؛ وفيها توفي أبي بن كعب، في قول الواقدىّ وابن نمير والدّيلمى واليزيدي، وقيل في سنة تسع عشرة. أمر النيل في هذه السنة الماء القديم، أعني القاعدة، ستة أذرع واثنا عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة فيها ستة عشر ذراعاً وثمانية عشر إصبعاً. *** السنة الرابعة من ولاية عمرو الأولى على مصر، وهي سنة ثلاث وعشرين من الهجرة- فيها فتح كرمان، وكان أميرها سهل بن عدي؛ وفيها فتحت سجستان وكان أمير الجيش عاصم بن عمر؛ وفيها فتحت مكران، وكان أمير الجيش لفتحها الحكم بن عثمان وهي من بلاد الجبل؛ وفيها- ذكر سيف عن مشايخه-: أنّ سارية ابن زنيم قصد فسا ودارابجرد واجتمع له جموع من الفرس والأكراد عظيمة ودهم المسلمين منهم أمر عظيم، ورأى عمر بن الخطاب في تلك الليلة فيما يرى النائم معركتهم وعددهم في وقت من نهار وأنهم في صحراء، وهناك جبل إن استندوا إليه لم يؤتوا إلا من جهة واحدة، فنادى عمر من الغداة للصلاة جماعة حتى إذا كانت الساعة التي كان رأى أنهم اجتمعوا فيها خرج إلى الناس، فصعد المنبر فخطب الناس وأخبرهم بما رأى ثم قال: يا سارية، الجبل الجبل، ثم قال: إن لله جنوداً ولعل بعضها أن يبلغهم؛ قال: ففعلوا ما قال عمر، فنصرهم الله على عدوهم وفتحوا البلد؛ وقيل في رواية أخرى: إنما كان عمر في خطبة الجمعة؛ وفيها حج عمر بن الخطاب بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهي آخر حجة حجها؛ وفيها غزا معاوية بن أبي سفيان الصائفة حتى بلغ عمورية؛ وفيها توفي قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر ابن سواد بن كعب واسمه ظفر بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس أبو عمرو

الأنصاري الظفري أخو أبي سعيد الخدري لأمه وقتادة الأكبر، شهد قتادة وقعة بدر، وأصيبت عينه ووقعت على خده في يوم أحد فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فغمز حدقته وردها إلى موضعها فكانت أصح عينيه؛ وفيها توفى أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب ابن لؤي أبو حفص القرشي العدوي الفاروق، استشهد في يوم الأربعاء لثمان بقين من ذي الحجة وقيل لأربع، وسنه يوم مات نيفت على ستين سنة، وقيل غير ذلك على أقوال كثيرة، ضربه أبو لؤلؤة واسمه فيروز عبد المغيرة بن شعبة بخنجر في خاصرته وهو في صلاة الصبح فمات بعد ثلاثة أيام، وتولى الخلافة بعده عثمان بن عفان رضي الله عنهما، وكانت خلافته عشر سنين ونصف لأنه ولي بعد وفاة أبي بكر الصديق في ثامن جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة. قلت: ويضيق هذا المحل عن ذكر شىء من بعض مناقبه وما ورد في حقه من الأحاديث، وقد ذكرنا ذلك في غير هذا المكان. أمر النيل في هذه السنة، الماء القديم ثلاثة أذرع وثمانية عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً واثنا عشر إصبعاً. *** السنة الخامسة من ولاية عمرو بن العاص الأولى على مصر وهي سنة أربع وعشرين من الهجرة- فيها سار منويل الخصي إلى الإسكندرية فسأل أهل مصر عثمان إرسال عمرو بن العاص لقتال منويل المذكور، فجاء إليها عمرو وحارب حتى افتتحها الفتح الثاني في هذه السنة، وقيل: بل كان ذلك في سنة خمس وعشرين وهو الأصح؛ وفيها حج بالناس عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ وفيها- في قول سيف- عزل عثمان سعداً عن الكوفة وولى الوليد بن عقبة بن أبي معيط

ذكر ولاية ابن أبى سرح على مصر

مكانه، فكان هذا مما نقم على عثمان، وكنيته أبو وهب، وهو أخو عثمان لأمه، وله صحبة ورواية، روى عنه أبو موسى الهمذانىّ والشّعبىّ؛ وفيها فتح معاوية بن أبي سفيان الحصون وولد له ابنه يزيد؛ وفيها توفي سراقة بن مالك بن جعشم أبو سفيان المدلجي. أمر النيل في هذه السنة، الماء القديم ذراعان وأربعة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وستة أصابع. ذكر ولاية أبن أبي سرح على مصر هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح واسمه الحسام (وسرح بالسين والحاء المهملتين) والحسام بن الحارث بن حبيب (بالحاء المهملة مصغراً) بن جذيمة «1» ابن نصر بن مالك بن حسل «2» بن عامر بن لؤي، أبو يحيى العامري عامر قريش، ولي إمرة مصر بعد عزل عمرو بن العاص في سنة خمس وعشرين، كما تقدم ذكره، من قبل عثمان بن عفان، وجاءه الكتاب بولايته وهو بالفيوم، فجعل لأهل الجواب جعلاً فقدموا به مصر، وسكن الفسطاط ومكث أميراً على مصر مدة ولاية عثمان بن عفان كلها وهو أخو عثمان لأمه؛ قاله ابن كثير، قال: وهو الذي شفع له يوم الفتح حين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدر دمه، يأتي ذكر ذلك مفصّلا في آخر ترجمته من كلام ابن حجر بعد أن نذكر نبذة من أموره. ولما ولي مصر أحسن السيرة في الرعية، وكان جواداً كريماً، ثم أمره عثمان أن يغزو إفريقية، فإذا افتتحها كان له خمس الخمس من الغنيمة نفلاً، فسار عبد الله بن

أبي سرح المذكور إلى إفريقية في عشرة آلاف وغزاها حتى افتتح سهلها وجبلها وقتل خلقاً كثيراً من أهلها، ثم اجتمعوا على الطاعة والإسلام وحسن إسلامهم، وأخذ عبد الله بن أبي سرح المذكور خمس الخمس من الغنيمة وبعث بأربعة أخماسه إلى عثمان، وقسم أربعة أخماس الغنيمة في الجيش فأصاب الفارس ثلاثة آلاف دينار والراجل ألف دينار. قال الواقدي: وصالحه بطريقها على ألفي ألف دينار وخمسمائة ألف دينار وعشرين ألف دينار، فأطلقها عثمان كلها في يوم واحد في آل الحكم، ويقال: في آل مروان؛ ثم غزا عبد الله بن سعد بن أبي سرح المذكور إفريقية ثانية في سنة ثلاث وثلاثين حين نقض أهلها العهد حتى أقرهم على الإسلام والجزية؛ واستشهد معه في هذه المرة بإفريقية جماعة منهم: معبد بن العباس بن عبد المطلب وغيره. ثم غزا في سنة أربع وثلاثين غزوة ذات الصواري في البحر من ناحية الإسكندرية، فلقيه قسطنطين بن هرقل في ألف مركب، وقيل في سبعمائة، والمسلمون في مائتي مركب، وتقاتلا فانتصر الأمير عبد الله هذا وهزم الروم؛ وإنما سميت غزوة ذات الصواري لكثرة صواري المراكب واجتماعها. وعاد إلى مصر فبلغه في سنة خمس وثلاثين خبر من ثار على عثمان رضي الله عنه، ودخل منهم طائفة إلى مصر بأمر عثمان، فإنه كان أخرج منهم جماعة إلى البصرة والشام ومصر، فلما قدم من قدم منهم إلى مصر وافقهم جماعة من المصريين على خلاف عثمان كرهاً في ابن أبي سرح هذا لكونه ولي بعد عمرو بن العاص، وأيضاً لاشتغاله عنهم بقتال أهل المغرب وفتح بلاد البربر وأندلس وإفريقية وغيرها، ونشأ بمصر طائفة من أبناء الصحابة يؤلبون الناس على حرب عثمان وحرب عبد الله بن أبي سرح المذكور،

واجتمعوا واستنفروا من مصر في ستمائة راكب يذهبون إلى المدينة في صفة معتمرين في شهر رجب لينكروا على عثمان وساروا إلى المدينة تحت أربع رايات، وأمر الجميع إلى عمرو بن بديل بن ورقاء الخزاعي وعبد الرحمن التجيبي، وأقبل معهم محمد بن أبي بكر الصديق، وأقام بمصر محمد بن حذيفة يؤلب الناس ويدافع عن هؤلاء، فكتب ابن أبي سرح إلى عثمان يعلمه بقدوم هؤلاء القوم منكرين عليه في صفة معتمرين، فوقع لهم مع عثمان رضي الله عنه أمور يطول شرحها إلى أن سألوا عثمان عزل عبد الله ابن أبي سرح هذا عن ولاية مصر ويولي عليهم محمد بن أبي بكر الصديق، فأجابهم الى ذلك، فلما رجعوا وجدوا في الطريق بريدياً يسير فأخذوه وفتشوه، فإذا معه في إداوة كتاب كتبه مروان بن الحكم كاتب عثمان وابن عمه، والكتاب على لسان عثمان، فيه الأمر بقتل طائفة منهم وصلب آخرين وقطع أيدي آخرين منهم وأرجلهم؛ وكان على الكتاب طبع خاتم عثمان، والبريد أحد غلمان عثمان على جمله، فلما رجعوا جاءوا بالكتاب إلى المدينة وداروا به على الناس، فكلم الناس عثمان في أمر الكتاب؛ فقال عثمان ما معناه: إنه دلس عليه الكتاب ثم قال: والله لا كتبته ولا أمليته ولا دريت بشيء من ذلك والخاتم قد يزور على الخاتم، فصدقه الصادقون وكذبه الكاذبون في ذلك؛ واستمر عبد الله بن أبي سرح على عمله على كرهٍ من المصريين إلى أن خرج من مصر متوجهاً إلى عثمان بعد أن استخلف عليها عقبة بن عامر الجهني وقتل عثمان رضي الله عنه واستخلف علي رضي الله عنه، فعزل عبد الله بن أبي سرح هذا عن مصر وولاها لقيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما؛ ثم استولى على مصر جماعة من قبل علي بن أبي طالب وقاتلوا عقبة بن عامر على ما سيأتي ذكره بعد أن نذكر من توفي في أيام ولاية عبد الله بن سعد بن أبي سرح هذا على مصر كما هو عادة كتابنا

هذا، وكان عزل عبد الله بن أبي سرح عن مصر في سنة ست وثلاثين بعد أن حكمها نحواً من عشر سنين. وأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح صاحب الترجمة فلم أقف له على خبر بعد ذلك، غير أن بعض المؤرخين ذكروا أنه توفي بفلسطين في سنة ست وثلاثين المذكورة، ويقال غير ذلك أقوال كثيرة؛ منها: قال الحافظ شهاب الدين بن حجر العسقلاني في الإصابة: روى الحاكم من طريق السدي عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: لما كان يوم فتح مكة أمن النبي صلى الله عليه وسلم الناس كلهم إلا أربعة نفر وامرأتين: عكرمة وابن خطل ومقيس بن صبابة وابن أبي سرح، وذكر الحديث، قال: فأما عبد الله فاختبأ عند عثمان فجاء به عثمان حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبايع الناس، فقال: يا رسول الله، بايع عبد الله، فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه فقال: «أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن مبايعته فيقتله» . ومن طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان عبد الله بن سعد ابن أبي سرح يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، فزين له الشيطان فلحق بالكفار، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل (يعني يوم الفتح) فاستجار بعثمان، فأجاره النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه أبو داود. وروى ابن سعد من طريق ابن المسيّب قال: كان رجل من الأنصار نذر إن رأى ابن أبي سرح أن يقتله، فذكر نحواً من حديث مصعب بن سعد عن أبيه. وروى الدار قطنىّ من حديث سعيد بن يربوع المخزومي نحو ذلك؛ ومن طريق الحكم بن عبد الله عن قتادة بن أنس بمعناه؛ وأوردها ابن عساكر من حديث

عثمان بن عفان أيضاً؛ وأفاد سبط ابن الجوزي في «مرآة الزمان» : أن الأنصاري الذي قال: فهلّا أو مأت إلينا، هو عباد بن بشر، ثم قال: وقيل: إن الذي قال هو عمر. وقال ابن يونس: شهد فتح مصر واختط بها، وكان صاحب الميمنة في الحرب مع عمرو بن العاص في فتح مصر، وله مواقف محمودة في الفتوح، وأمره عثمان على مصر، ولما وقعت الفتنة سكن عسقلان ولم يبايع لأحد، ومات بها سنة ست وثلاثين، وقيل: كان قد سار من مصر إلى عثمان واستخلف السائب بن هشام بن عمرو فبلغه قتله، فرجع فتغلب على مصر محمد بن أبي حذيفة فمنعه من دخولها، فمضى إلى عسقلان، وقيل إلى الرملة، وقيل بل شهد صفين، وعاش إلى سنة سبع وخمسين ذكره ابن منده. وقال البغوي «1» : له عن النبي صلّى الله عليه وسلم حديث واحد وخرجه، ووقع لنا بعلو في المعرفة لابن منده. انتهى كلام ابن حجر باختصار، وتأتي بقية ترجمة ابن أبي سرح هذا في حوادث سنيه. *** السنة الأولى من ولاية عبد الله بن سعد بن أبي سرح على مصر وهي سنة خمس وعشرين من الهجرة- فيها في قول سيف عزل عثمان سعداً عن الكوفة؛ وفيها سار الجيش من الكوفة وعليهم سليمان بن ربيعة إلى برذعة، فقتل وسبى؛ وفيها حج بالناس عثمان بن عفان رضي الله عنه. أمر النيل في هذه السنة، الماء القديم ستة أذرع واثنا عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وخمسة أصابع.

*** السنة الثانية من ولاية عبد الله بن سعد بن أبي سرح على مصر وهي سنة ست وعشرين من الهجرة- فيها فتحت سابور وكان أمير الجيش عثمان بن أبي العاص الثقفي، صالحهم على ثلاثة آلاف ألف وثلثمائة ألف؛ وفيها زاد عثمان ابن عفان رضي الله عنه في المسجد الحرام ووسعه واشترى الزيادة من قوم وأبى آخرون، فهدم عليهم ووضع الأثمان في بيت المال، فصاحوا بعثمان، فأمر بهم إلى الحبس وقال: ما جرأكم علي إلا حلمي، وقد فعل هذا عمر فلم تصيحوا عليه؛ وفيها حج عثمان بن عفان بالناس. أمر النيل في هذه السنة، الماء القديم خمسة أذرع وعشرون إصبعاً، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وأربعة أصابع، وقيل خمسة عشر إصبعاً. *** السنة الثالثة من ولاية ابن أبي سرح على مصر وهي سنة سبع وعشرين- فيها توفي عبد الله بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول، وكنيته أبو يحيى، وقيل: أبو الحارث، صحابي شهد بدراً؛ وفيها فتحت الأندلس «1» ، وكان أمير الجيش عبد الله بن الحصين وعبد الله بن عبد القيس، أتياها من قبل البحر، كتب إليهما عثمان رضي الله عنه يقول: إن القسطنطينية إنما تفتح من قبل البحر، وأنتم إذا فتحتم الأندلس فأنتم شركاء لمن يفتح قسطنطينية في الأجر آخر الزمان والسلام. قال ابن جرير: قال بعضهم وفي هذه السنة غزا معاوية قبرس. وقال الواقدي: كان ذلك في سنة ثمان وعشرين. وقال أبو معشر: غزاها معلوية

سنة ثلاث وثلاثين والله أعلم. وقال الواقدي: في هذه السنة فتحت اصطخر ثانياً على يدى عثمان بن أبي العاص. وقال الذهبي: فيها غزا معاوية قبرس وكان معه عبادة بن الصامت وزوجة عبادة أم حرام بنت ملحان الأنصارية فاستشهدت، كان النبي صلى الله عليه وسلم يغشاها ويقيل عندها وبشرها بالشهادة؛ وفيها صالح عثمان بن أبي العاص أهل أرجان على ألفي ألف ومائتى ألف، وصالح أهل دارابجرد على ألف ألف وثمانين ألفاً؛ وفيها غزا أمير مصر ابن أبي سرح صاحب الترجمة إفريقية حسبما تقدم، وكان معه عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو ابن العاص وعبد الله بن الزبير بن العوام، وكان المسلمون في عشرين ألفاً، وكان العدو (يعني جرجير) في مائتي ألف مقاتل، وفتح الله وغنم المسلمون شيئاً كثيراً؛ وفيها حج بالناس عثمان رضي الله عنه. أمر النيل في هذه السنة، الماء القديم أربعة أذرع وثلاثة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وخمسة عشر إصبعاً. *** السنة الرابعة من ولاية ابن أبي سرح على مصر وهي سنة ثمان وعشرين- فيها فتحت قبرس على يد معاوية، قاله الذهبي في قول، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه منع المسلمين من الغزو في البحر شفقة عليهم، فلما ولي عثمان استأذنه معاوية فأذن له ففتح الله على يده؛ وفيها غزا حبيب بن مسلمة سورية من أرض الروم، قاله الواقدي، وفيها غزا الوليد بن عقبة أذربيجان. فصالحهم مثل صلح حذيفة؛ وفيها حج بالناس أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه. أمر النيل في هذه السنة، الماء القديم ثلاثة عشر ذراعاً وثمانية عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعاً.

*** السنة الخامسة من ولاية ابن أبي سرح على مصر وهي سنة تسع وعشرين- فيها افتتح عبد الله بن عامر اصطخر، في قول، عنوة فقتل وسبى، وكان على مقدمته عبد الله بن معمر بن عثمان التيمي وكلاهما صحابي؛ وفيها عزل عثمان أبا موسى الأشعري عن البصرة بعد عمالة ست سنين، وقيل ثلاث، وولى عليها عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، وهو ابن خال عثمان؛ وجمع له بين جند أبي موسى وجند عثمان بن أبي العاص، وله من العمر خمس وعشرون سنة فأقام بها ست سنين؛ وفيها وسع عثمان بن عفان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وبناه بالقصّة (وهى الكلس) كان يؤتى به من نخلة، والحجارة المنقوشة وجعل عمده حجارة مرصعة وسقفه بالساج، وجعل طوله ستين ومائة ذراع وعرضه خمسين ومائة ذراع، وجعل أبوابه ستة على ما كانت عليه في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ وفيها حج بالناس عثمان بن عفان رضي الله عنه وضرب له بمنى فسطاط، فكان أول فسطاط ضربه عثمان بمنى، وأتم الصلاة عامه هذا، فأنكر ذلك عليه غير واحد من الصحابة كعلي وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود؛ وفيها نقضت أذربيجان فغزاهم سعيد بن العاص حتى افتتحها ثانياً؛ وفيها فتحت أصبهان؛ وفيها عزل عثمان الوليد بن عقبة بن أبي معيط عن الكوفة وولاها سعيد بن العاص. أمر النيل في هذه السنة، الماء القديم خمسة أذرع وستة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وثمانية عشر إصبعاً. *** السنة السادسة من ولاية ابن أبي سرح على مصر وهي سنة ثلاثين بعد الهجرة- فيها افتتح عبد الله بن عامر مدينة هور من أرض فارس وغنم منها شيئاً كثيرا،

ثم افتتح عبد الله المذكور أيضاً بلاداً كثيرة من أرض خراسان، ثم افتتح نيسابور صلحاً، ويقال عنوة، ثم صالح أهل سرخس على مائة وخمسين ألفاً، وصالح أهل مرو على ألفي ألف ومائتي ألف، ولما فتح عبد الله بن عامر هذه البلاد الواسعة كثر الخراج على عثمان وأتاه المال من كل وجه حتى اتخذ الخزائن وزاد الأرزاق؛ وفيها نقض أهل خراسان وتجمعوا، فنهض لقتالهم الأحنف بن قيس وقاتلهم حتى هزمهم، وكانت وقعة مشهورة؛ وفيها توفي الطفيل بن الحارث بن عبد المطلب المطلبي، وهو أخو عبيدة بن الحارث والحصين بن الحارث، وكان ممن شهد بدراً مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ وفيها توفي أبي بن كعب في قول الواقدي، وقد تقدم، وهذا أثبت الأقوال في موته؛ وفيها توفي حاطب بن أبي بلتعة اللخمي حليف بني أسد بن عبد العزى، وهو صحابي شهد بدراً رضي الله عنه؛ وفيها توفي عبد الله بن كعب بن عمرو المازني الأنصاري البدري أيضاً، كنيته أبو الحارث وقيل أبو يحيى، شهد بدراً وكان على الخمس يوم بدر رضي الله عنه؛ وفيها توفي عياض بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال أبو سعد القرشي، كان أيضاً ممن شهد بدراً والمشاهد بعدها، هكذا قال ابن سعد وفرق بينه وبين ابن أخيه عياض ابن غنم بن زهير الفهري أمير الشام المتوفى سنة عشرين؛ وفيها توفي معمر بن أبي سرح، واسمه ربيعة بن هلال القرشي الفهري أبو سعيد، وقيل اسمه عمرو، وهو أيضاً ممن شهد بدراً؛ وفيها توفي مسعود بن ربيعة، وقيل ابن الربيع أبو عمير القاري، والقارة حلفاء بني زهرة، وهو أيضاً ممن شهد بدراً وغيرها رضي الله عنه. أمر النيل في هذه السنة، الماء القديم أربعة أذرع وستة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة أربعة عشر ذراعاً وإحدى وعشرون إصبعاً.

*** السنة السابعة من ولاية ابن أبي سرح على مصر وهي سنة إحدى وثلاثين من الهجرة- فيها توفي أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي القرشي، أسلم أبو سفيان يوم الفتح وشهد حنيناً وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم من الغنائم مائة من الإبل وأربعين أوقية، وقد فقئت عينه يوم الطائف، ثم شهد غزوة اليرموك، وفيها توفي أبو الدرداء، واسمه عويمر بن يزيد، وقيل عبد الله بن قيس بن ثعلبة بن أمية بن مالك بن عامر بن عدي بن كعب بن الخزرج الأنصاري الصحابي المشهور رضي الله عنه؛ وفيها توفي نعيم بن مسعود بن عامر الأشجعي، كنيته أبو سلمة له صحبة ورواية رضي الله عنه؛ وفيها توفي كسرى ملك فارس وهو يزدجرد بن شهريار، وسبب هلاكه أنه هرب من كرمان إلى مرو فلم يتم له ذلك، فخرج أيضاً هارباً إلى أن نزل برجل ينقر الأرحاء فأوى إليه، فقتله الرجل وأخذ ما عليه من الجواهر. أمر النيل في هذه السنة، الماء القديم ذراعان وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعاً واثنا عشر إصبعاً. *** السنة الثامنة من ولاية ابن أبي سرح على مصر وهي سنة اثنتين وثلاثين- فيها سار عبد الله بن عامر من البصرة إلى المشرق فافتتح بها بلاداً كثيرة: الطالقان وجرجان وبلخ وطخارستان، وكان على مقدمته الأحنف بن قيس، وقيل بل جهز عبد الله بن عامر الأحنف وأقام هو بالبصرة يمده بالمال والرجال؛ وفيها غزا عبد الرحمن بن ربيعة بلنجر، وكان صاحبها نازلاً قريباً من باب الأبواب وبعث يطلب من سعيد بن العاص المدد فأمده بحبيب بن مسلمة الفهري فأبطأ حبيب على

عبد الرحمن فسار عبد الرحمن نحو بلنجر المذكورة وحصرها؛ وفيها توفي أبو ذر «1» الغفاري، واسمه جندب بن جنادة بن كعيب بن صعير بن الوقعة بن حرام بن سفيان بن عبيد ابن حرام، كان من أحد السابقين الأولين وكان خامساً في الإسلام رضي الله عنه: وفيها توفي العباس بن عبد المطلب بن هاشم أبو الفضل، عم النبي صلى الله عليه وسلم، وولد قبل النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين أو بثلاث، أسلم بعد وقعة بدر رضي الله عنه، وقد استسقى به عمر بن الخطاب في أيام خلافته في بعض السنين؛ وفيها توفي عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فأر بن مخزوم بن صاهلة ابن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر، أبو عبد الرحمن الهذلي حليف بني زهرة، أسلم قبل عمر، وكان سبب إسلامه مرور النبي صلى الله عليه وسلم به وقصته مشهورة، وهو أحد كبار الصحابة رضي الله عنه، وهو من السابقين الأولين وشهد بدراً والمشاهد كلها؛ وفيها توفي عبد الرحمن بن عوف ابن الحارث بن زهرة بن كلاب، أبو محمد القرشي الزهري، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الثمانية الذين سبقوا للإسلام، وأحد الستة أصحاب الشورى بعد موت عمر لأجل الخلافة؛ وفيها توفي أبو الدرداء عويمر وقد تقدم ذكره، والصحيح أنه توفي في هذه السنة؛ وفيها توفى الحكم بن العاص بن أمية بن عبد شمس، عم عثمان ابن عفان رضي الله عنه، وأبو مروان بن الحكم، نفاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف فدام به إلى أن أستقدمه عثمان في خلافته، وسمي الحكم هذا طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعينه؛ وفيها توفي سلمان الفارسي، وكنيته أبو عبد الله، ويقال له سليمان الخير، أصله من اصطخر، وقيل من أهل أصبهان، من قرية يقال لها جىّ، وهو من الطبقة الثانية من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، كان

من المهاجرين، شهد بدرا وأحدا؛ وفيها توفي سنان بن أبي سنان بن محصن الأسدي من الطبقة الأولى من الصحابة، كان من المهاجرين، شهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وفيها توفي عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدىّ ابن سعد بن سهم، كنيته أبو حذافة، كان ممن هاجر الهجرتين وشهد بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها، وهو رسول النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى؛ وفيها توفي كعب الأحبار بن نافع الحميري من مسلمي أهل الكتاب، كنيته أبو إسحاق، أسلم على يد أبي بكر الصديق، وقيل على يد عمر رضي الله عنهما، وهو من الطبقة الأولى من التابعين؛ وفيها توفي أبو مسلم الجبلي (بالجيم) وهو من جبل صيدا بساحل دمشق، أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقيل بعد ذلك، وهو من الطبقة الأولى من التابعين؛ وفيها توفي معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي الأزدي، حليف بني عبد شمس بن عبد مناف، أسلم بمكة قديماً وهاجر إلى الحبشة وشهد خيبر رضي الله عنه. أمر النيل في هذه السنة، الماء القديم خمسة أذرع وثلاثة أصابع، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وتسعة أصابع. *** السنة التاسعة من ولاية ابن أبي سرح على مصر وهي سنة ثلاث وثلاثين- فيها نفى عثمان رضي الله عنه جماعة من أهل الكوفة إلى الشام كانوا يعيبون عليه ويطعنون فيه ويسبون سعيد بن العاص والي الكوفة، فكتب سعيد إلى عثمان بذلك، فكتب إليه عثمان يسيرهم إلى الشام، فسيرهم وفيهم عروة بن الجعد البارقي ومالك بن الحارث الأشتر النخعي وجندب بن زهير وعمرو بن الحمق وابن أبي زياد وغيرهم؛ وفيها غزا معاوية بن أبي سفيان بلاد الروم ووصل إلى

حصن المرأة من أعمال ملطية وافتتحه؛ وفيها غزا عبد الله بن سعد بن أبي سرح إفريقية وكانوا نقضوا كما تقدم في ترجمته؛ وفيها بعث عبد الله بن عامر الأحنف ابن قيس إلى خراسان وكانوا أيضاً قد نقضوا العهد فقاتلهم وظفر بهم ولحقه عبد الله ابن عامر فهدم مدينتها؛ وفيها توفي المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة الكندي، وكنيته أبو معبد، ويقال له ابن الأسود لأنه كان حالف الأسود بن عبد يغوث في الجاهلية فتبناه، وإنما قيل له الكندي لأن أباه كان حالف كندة، وهو في الصحابة من الطبقة الأولى، كان من المهاجرين الأولين، شهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها، وكان يقال له فارس الإسلام رضي الله عنه. أمر النيل في هذه السنة، الماء القديم ذراعان وعشرون إصبعاً، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعاً واثنا عشر إصبعاً. *** السنة العاشرة من ولاية ابن أبي سرح على مصر وهي سنة أربع وثلاثين- فيها غزا أمير مصر صاحب الترجمة غزوة ذات الصواري وانتصر على الروم حسبما تقدم ذكره؛ وفيها سارت ركائب المنحرفين عن عثمان وكان جمهورهم من أهل الكوفة؛ وفيها توفي إياس بن أبي البكير الكناني حليف بني عدي، كان من المهاجرين، شهد بدراً هو وإخوته: خالد وعاقل وعامر، ولم يشهد بدراً إخوة أربعة سواهم، وقد شهد إياس هذا فتح مصر رضي الله عنه؛ وفيها توفى عبادة ابن الصامت في قول، وقد تقدم ذكره وهو أحد النقباء ليلة العقبة ومن كبار الصحابة؛ وفيها توفي مسطح بن أثاثة بن عبد المطلب بن عبد مناف المطلبي المذكور في حديث الإفك، شهد بدراً والمشاهد بعدها، وكان فقيراً ينفق عليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه؛ وفيها توفي أبو عبس بن جبر بن عمرو الأنصاري الأوسي،

واسمه على الأصح عبد الرحمن، وكان اسمه في الجاهلية عبد العزى فغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من الذين قتلوا كعب بن الأشرف اليهودي وشهد بدراً وغيرها؛ وفيها توفي أبو طلحة الأنصاري، واسمه زيد بن سهل بن الأسود، أحد بني مالك بن النجار، كان من النقباء ليلة العقبة، شهد بدراً والمشاهد بعدها. أمر النيل في هذه السنة، الماء القديم ستة أذرع وتسعة أصابع، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وستة أصابع. *** السنة الحادية عشرة من ولاية عبد الله بن سعد بن أبي سرح على مصر وهي سنة خمس وثلاثين- فيها عزل عبد الله بن أبي سرح عن مصر في قول؛ وفيها كانت غزوة ذي خشب وأمير المسلمين فيها معاوية بن أبي سفيان؛ وفيها كان خروج أمير مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح من مصر متوجهاً إلى عثمان، واستخلف على مصر عقبة بن عامر الجهني، وقيل السائب بن هشام العامري، وجعل على خراجها سليم بن عتر «1» التجيبي، وكان ذلك في رجب من سنة خمس وثلاثين وسار إلى عثمان فاستمر أمر مصر مستقيماً إلى شوال من السنة؛ وفيها خرج محمد ابن [أبي «2» ] حذيفة بن عتبة بن ربيعة على عقبة بن عامر خليفة عبد الله بن أبي سرح على مصر، وملك مصر على ما سيأتي ذكره؛ وفيها كانت مقتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه في ذي الحجة منها وقصته مشهورة، وقد استوعب ذلك جماعة من المؤرخين في عدة كراريس لا سبيل إلى تلخيصها في هذا المحل، غير أننا نذكر نسبته ومدة خلافته لا غير، فنقول:

هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس أمير المؤمنين، أبو عمزو، وقيل أبو عبد الله القرشي الأموي؛ وأمه أروى، هو أحد السابقين الأولين وذو النورين وصاحب الهجرتين وزوج الابنتين، مولده قبل عام الفيل بستة أعوام، وقيل بعده بستة أعوام، وخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر لمرض زوجته رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم فتوفيت بعد بدر بليال، وضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهم من بدر وآجره، ثم زوجه بالبنت الأخرى أم كلثوم. قال الذهبي: روى عطية عن أبي سعيد قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعاً يديه يدعو لعثمان، وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار في ثوبه حين جهز جيش العسرة، فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقلبها بيده ويقول: «ما ضر عثمان بعد اليوم ما عمل» رواه أحمد في مسنده، وفضائله كثيرة يضيق هذا المحل عن ذكر شيء منها. قلت: بويع عثمان بالخلافة لما مات عمر في ذي الحجة سنة أربع وعشرين من الهجرة، فدام في الخلافة حتى قتل في هذه السنة رضي الله عنه، وتولى الخلافة من بعده علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ وفيها توفى كعب «1» الأحبار، وكان أسلم في خلافة أبي بكر الصديق، وكان من أوعية العلم؛ وفيها توفي عبادة بن الصامت الأنصاري الصحابي المشهور أحد النقباء مات بالرملة. أمر النيل في هذه السنة، الماء القديم ثلاثة أذرع وأربعة وعشرون إصبعاً، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وإصبعان.

ذكر استيلاء محمد بن [أبى] حذيفة على مصر

ذكر استيلاء محمد بن [أبي] حذيفة على مصر هو محمد بن [أبي] حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، وثب على مصر وملكها من غير ولاية من خليفة، فلذلك لم يعده المؤرخون من أمراء مصر، وكان من خبره أنه جمع جمعاً وركب بهم على عقبة بن عامر الجهني خليفة عبد الله بن سعد بن أبي سرح وقاتله وهزمه وأخرجه من الفسطاط، ثم دعا الناس لخلع عثمان من الخلافة وصار يعدد أفعاله بكل شيء يقدر عليه، فاعتزله شيعة عثمان وقاتلوه وهم: معاوية بن حديج وخارجة بن حذافة السهمي وبسر بن أبى أرطاة ومسلمة بن مخلّد في جمع كثير من الناس، وبعثوا إلى عثمان بذلك، وبينا أن يأتي الخبر من عثمان قويت شوكة محمد هذا، ثم حضر من عند عثمان سعد بن أبي وقاص ليصلح أمرهم ويتألف الناس، فخرج إليه جماعة من أعوان محمد بن أبي حذيفة المذكور وكلموه وخاشنوه، ثم قلبوا عليه فسطاطه وشجوه ونهبوه، فركب من وقته وعاد راجعاً ودعا عليهم لما فعلوه به، ثم عاد إلى مصر عبد الله بن أبي سرح راجعاً فمنعه أن يدخل إلى مصر وقاتلوه، فكر راجعاً إلى عسقلان ثم قتل في هذه الأيام بفلسطين، وقيل بالرملة حسبما ذكرناه في آخر ترجمته في هذا الكتاب، ثم أراد محمد ابن أبي حذيفة أن يبعث جيشا إلى عثمان فجهز إليه ستمائة رجل عليهم عبد الرحمن ابن عديس البلوي، وبينما هم في ذلك إذ قدم عليهم الخبر بقتل عثمان رضي الله عنه في ذي الحجة من السنة، فلما وصل الخبر بذلك ثار شيعة عثمان بمصر وعقدوا لمعاوية ابن حديج وبايعوه على الطلب بدم عثمان وساروا الى الصعيد، فبعث اليهم محمد ابن أبي حذيفة جماعة كثيرة فتقاتلا فهزمت جيش محمد وافترقا، وتوجه معاوية بأصحابه إلى جهة برقة فأقام بها مدة ثم عاد إلى الإسكندرية، فبعث اليه محمد ابن أبي حذيفة بجيش آخر فاقتتلوا بخربتا أول شهر رمضان من سنة ست وثلاثين

ذكر ولاية قيس بن سعد بن عبادة على مصر

فانهزم جيش محمد أيضاً، وأقامت شيعة عثمان بخربتا إلى أن قدم معاوية بن أبي سفيان من الشأم إلى مصر، فخرج إليه محمد بن أبي حذيفة بأصحابه ومنعوه من الدخول إلى الفسطاط، ثم اتفقا على أن يجعلا رهناً ويتركا الحرب، فاستخلف محمد ابن أبي حذيفة على مصر الحكم بن الصلت وخرج فى الرهن هو وابن عديس وعدة من قتلة عثمان، فلما وصلوا إلى معاوية قبض عليهم وحبسهم وسار إلى دمشق فهربوا من السجن، فتتبعهم أمير فلسطين حتى ظفر بهم وقتلهم في ذي الحجة سنة ست وثلاثين، فلما بلغ الخبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمصاب محمد بن جذيفة ولى على مصر قيس بن سعد بن عبادة الأنصارى رضى الله عنه. ذكر ولاية قيس بن سعد بن عبادة على مصر هو قيس بن سعد بن عبادة بن دليم الأنصاري الخزرجي المدني؛ قال الذهبي: كان من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة، وله عدة أحاديث، روى عنه عبد الرحمن بن أبي ليلى وعروة بن الزبير والشعبىّ وميمون بن أبى شبيب وغريب ابن حميد الهمدانىّ وجماعة، وكان ضخما جسما طويلاً جداً سيداً مطاعاً كثير المال جواداً كريماً يعد من دهاة العرب. قال عمرو بن دينار: كان ضخماً جسيماً صغير الرأس ليست له لحية، وإذا ركب الحمار خطت رجلاه الأرض؛ روى عنه أنه قال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المكر والخديعة في النار» لكنت من أمكر هذه الأمة. وقال الزهري: أخبرنا ثعلبة بن أبى مالك أنّ قيس ابن سعد كان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال جويرية بن أسماء: كان قيس يستدين ويطعمهم، فقال أبو بكر وعمر: إن تركنا هذا الفتى أهلك مال

أبيه، فمشيا في الناس فصلى النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقام سعد بن عبادة خلفه، فقال: من يعذرني من ابن أبي قحافة وابن الخطاب يبخلان علي ابني اهـ. وقال موسى بن عقبة: وقفت على قيس عجوز فقالت: أشكو إليك قلة الجرذان، فقال: ما أحسن هذه الكناية! املئوا بيتها خبزاً ولحماً وسمناً وتمراً. وقال أبو تميلة «1» يحيى بن واضح: أخبرنا أبو عثمان من ولد الحارث بن الصمة قال: بعث قيصر إلى معاوية: ابعث إلي سراويل أطول رجل من العرب، فقال لقيس بن سعد: ما أظن إلا قد احتجنا إلى سراويلك، فقام وتنحى وجاء بها فألقاها، فقال: ألا ذهبت إلى منزلك ثم بعثت بها! فقال: أردت بها أن يعلم الناس أنها ... سراويل قيس والوفود شهود وألا يقولوا غاب قيس وهذه ... سراويل عادي نمته ثمود وإني من الحي اليماني لسيد ... وما الناس إلا سيد ومسود فكدهم بمثلي إن مثلي عليهم ... شديد وخلقي في الرجال مديد فأمر معاوية أطول رجل في الجيش فوضعها على أنفه، قال: فوقفت بالأرض اهـ. ولما ولاه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على مصر لما ولي الخلافة بعد قتل عثمان وبعثه إلى مصر فوصل إليها في مستهل شهر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين فدخلها قيس ومهد أمورها واستمال الخارجية بخربتا من شيعة عثمان ورد عليهم أرزاقهم، وقدموا عليه بمصر فأكرمهم وأنعم عليهم، وكان عنده رأي ومعرفة ودهاء، فعظم على معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ولايته لمصر فإنه كان من حزب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، واجتهدا كثيراً ليخرجاه منها فلم يقدرا على ذلك

حتى عمل معاوية على قيس من قبل علي بن أبي طالب وأشاع أن قيساً من شيعته ومن حزبه، وأنه يبعث إليه بالكتب والنصيحة سراً، ولا زال يظهر ذلك حتى بلغ علياً، وساعده في ذلك محمد بن أبي بكر الصديق لحبه مصر أو لإمرتها وعبد الله بن جعفر، فما زالا بعلي حتى كتب لقيس بن سعد يأمره بالقدوم عليه، وعزله عن مصر، فكانت ولايته على مصر من يوم دخلها إلى أن صرف عنها أربعة أشهر وخمسة أيام وكان عزله في خامس رجب من سنة سبع وثلاثين، وولي عليها الأشتر النخعي. وروينا عن أبى المظفر شمس الدين يوسف بن قزأ وغلى كما أخبرنا أبو الحسن علي بن صدقة الشافعي أخبرنا القاضي الإمام تاج الدين أحمد الفرغاني الحنفي أخبرنا حيدرة بن المحيا العباسي حدثنا صالح بن الصباغ أخبرنا أبو المؤيد محمود قال حدثنا الحافظ شمس الدين يوسف بن قزأوغلى إجازة بكتابه «مرآة الزمان» قال: خرج قيس ابن سعد بن عبادة من عند علي حتى دخل مصر في سبعة نفر وصعد المنبر وقعد عليه وقرأ كتاب علي على الناس، وفيه: «من عبد الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين إلى من بلغه كتابي هذا من المسلمين والمؤمنين سلام عليكم، أما بعد، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وأصلي على رسوله صلى الله عليه وسلم، وذكر الأنبياء وأن الله توفى رسوله وأستخلف بعده خليفتين صالحين عملا بالكتاب والسنة وأحسنا السيرة ثم توفاهما الله تعالى على ما كانا عليه، ثم ولي بعدهما والٍ أحدث أحداثاً فوجدت عليه الأمة مقالاً [فقالوا ثم «1» ] نقموا عليه وغيروه، ثم جاءونى وبايعوني، ولله علي العمل بكتابه وسنة رسوله والنصح للرعية ما بقيت والله المستعان، وبعثت إليكم بقيس بن سعد بن عبادة أميراً، فوازروه وعاشروه وأعينوه على الحق، وقد أمرته بالإحسان

إلى محسنكم والشدة على مريبكم والرفق بعوامكم وخواصكم، وهو ممن أرضى هديه وأرجو صلاحه ونصيحته، وأسأل الله لنا ولكم عملاً صالحاً وثواباً جزيلاً ورحمةً واسعة والسلام عليكم. وكتبه عبد الله «1» بن أبي طالب في رابع صفر سنة ست وثلاثين» ثم قال قيس: أيها الناس قد جاء الحق وزهق الباطل، وبايعنا خير من نعلم بعد نبينا صلى الله عليه وسلم فقوموا فبايعوا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن نحن لم نعمل بذلك فلا بيعة لنا عليكم، فقام الناس وبايعوا واستقامت مصر، وبعث عليها عماله إلا قرية من قرى مصر يقال لها: «خربتا» فيها أناس قد أعظموا قتل عثمان، وبها رجل من كنانة من بني مدلج يقال له: يزيد بن الحارث بن مدلج، فأرسلوه إلى قيس بن سعد: إنا لا نقاتلك فابعث عمالك فالأرض أرضك، ولكن أقرنا على حالنا حتى ننظر ما يصير إليه أمر الناس. ووثب مسلمة بن مخلد الأنصاري فنعى عثمان ودعا إلى الطلب بدمه، فأرسل إليه قيس بن سعد: ويحك! علىّ تثب! فو الله ما أحب أن لي ملك مصر إلى الشأم وأني قتلتك فبعث إليه مسلمة يقول: إني كاف عنك ما دمت والي مصر، وكان قيس بن سعد له رأي وحزم، فبعث إلى الذين بخربتا: إني لا أكرهكم على البيعة وأكف عنكم، فهادنهم وهادن مسلمة ابن مخلد وأقام قيس يجبي الخراج ولا ينازعه أحد من الناس، وخرج أمير المؤمنين إلى وقعة الجمل ورجع إلى الكوفة وقيس مكانه، فكان قيس أثقل خلق الله على معاوية بن أبى سفيان لفربه من الشأم مخافة أن يقفل عليه علي بن أبي طالب من العراق ويقبل إليه قيس بأهل مصر فيقع معاوية بينهما فأخذ يخدعه. فكتب معاوية إلى قيس:

«من معاوية بن أبي سفيان إلى قيس بن سعد بن عبادة: سلام عليك، أما بعد، فإنكم إن كنتم نقمتم على عثمان في أمور رأيتموها أو ضربة سوط ضربها أو شتمة شتمها أو في سيرٍ سيره أو في استعماله الفيء فقد علمتم أن دمه لم يكن حلالاً لكم، فقد ركبتم عظيما من الأمر وجئتم شيئا إدّا، فتب إلى الله يا قيس بن سعد، فإنك ممن أعان على قتل عثمان، إن كانت التوبة من قتل المؤمن تغني شيئاً؛ وأما صاحبك فقد تيقنا أنه الذي أغرى به وحملهم على قتله حتى قتلوه، وأنه لم يسلم من دمه عظم قومك، فإن استطعت أن تكون ممن يطلب بدم عثمان فافعل، فأن بايعتنا على هذا الأمر فلك سلطان العراقين، ولمن شئت من أهلك سلطان الحجاز ما دام لي سلطان، وسلني غير هذا مما تحب، فإنك لا تسألني شيئاً إلا أوتيته، واكتب إلي برأيك فيما كتبت به إليك والسلام» . فلما جاءه كتاب معاوية أحب قيس أن يدافعه ولا يبدي له أمره ولا يتعجل حربه؛ فكتب إليه: «أما بعد، فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت فيه، فأما ما ذكرت من أمر عثمان فذلك أمر لم أقار «1» به ولم أتنطف «2» به؛ وأما قولك: إن صاحبي أغرى الناس بعثمان فهذا أمر لم أطلع عليه، وذكرت أن معظم عشيرتي لم يسلموا من دم عثمان، فأول الناس فيه قياماً عشيرتي ولهم أسوة غيرهم؛ وأما ما ذكرت من مبايعتي إياك وما عرضت علي فلي فيه نظر وفكرة وليس هذا مما يسارع إليه، وأنا كاف عنك ولن يبدو لك من قبلي شيء مما تكره والسلام» .

فلما قرأ كتابه معاوية لم يره إلا مباعداً مفارقاً فلم يأمن مكره ومكيدته، فكتب إليه ثانياً: «أما بعد، فقد قرأت كتابك فلم أرك تدنو فأعدك سلماً، ولم أرك مباعداً فأعدك حرباً، وليس مثلي من يخدع وبيده أعنة الخيل ومعه أعداد الرجال والسلام» . فلما قرأ قيس كتابه ورأى أنه لا يقبل منه المدافعة والمماطلة أظهر له ما في نفسه، وكتب إليه: «أما بعد، فالعجب من اغترارك بي يا معاوية وطمعك في تسومني الخروج عن طاعة أولى الناس بالإمرة، وأقربهم بالخلافة، وأقولهم بالحق، وأهداهم سبيلاً، وأقربهم إلى رسوله وسيلة، وأوفرهم فضيلة، وتأمرني بالدخول في طاعتك طاعة أبعد الناس من هذا الأمر، وأقولهم بالزور وأضلهم سبيلاً، وأبعدهم من الله ورسوله [وسيلة «1» ] ولد ضالين مضلين طاغوت «2» من طواغيت إبليس، وأما قولك: معك أعنة الخيل وأعداد الرجال لتشتغلن بنفسك حتى العدم. وقال هشام: ولما رأى معاوية أن قيس بن سعد لا يلين له كاده من قبل علي؛ وكذا روى عبد الله بن أحمد بن حنبل باسناده اهـ. وقال هشام بن محمد: عن أبي مخنف وجه آخر في حديث قيس بن سعد ومعاوية، قال: لما أيس معاوية من قيس بن سعد شقّ عليه لما يعرف من حزمه وبأسه، فأظهر للناس أن قيساً قد بايعه، واختلق معاوية كتاباً فقرأه على أهل الشأم وفيه:

أما بعد، لما نظرت أنه لا يسعني مظاهرة قوم قتلوا إمامهم محرماً مسلماً برأ تقيا مستغفرا وإنى معكم على قتله بما أحببتم من الأموال والرجال متى شئتم عجلت إليكم. قال: فشاع في أهل الشأم أن قيساً قد بايع معاوية وبلغ علياً ذلك فأكبره وأعظمه، فقال له عبد الله بن جعفر: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، اعزل قيساً عن مصر، فقال علي: والله ما أصدق هذا على قيس، ثم عزله وولى الأشتر، وقيل محمد بن أبي بكر الصديق في قول ابن سيرين، فلما عزله عرف قيس أن علياً قد خدع وتوجه إليه وصار معه؛ قال عروة: وكان قيس بن سعد مع علي في مقدّمته ومعه خمسة آلاف قد حلقوا رءوسهم بعد موت علي، فلما دخل الجيش في بيعة معاوية أبى قيس أن يدخل، وقال لأصحابه: ما شئتم، إن شئتم جالدت بكم أبداً حتى يموت الأعجل، وإن شئتم أخذت لكم أماناً، قالوا: خذ لنا ففعل؛ فلما ارتحل نحو المدينة جعل ينحر كل يوم جزوراً. قال الواقدي وغيره: إنه توفي في آخر خلافة معاوية رضي الله عنهم أجمعين. السنة التي حكم في بعضها قيس بن سعد بن عبادة على مصر وهي سنة ست وثلاثين- فيها كانت وقعة الجمل بين علي رضي الله عنه وبين عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ومعها طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وغيرهما، وكانت فيها مقتلةً عظيمة قتل فيها عدة من الصحابة وغيرهم؛ قال البلاذري: التقوا بمكان يقال له «الخريبة» في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين اهـ. قلت: وممن قتل في هذه الوقعة طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب ابن سعد بن تيم بن مرة التيمي، أحد السابقين الأولين، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أهل الشورى بعد موت عمر بن الخطاب قتله مروان بن الحكم

ذكر ولاية الأشتر النخعى على مصر

في منصرفه من وقعة الجمل بساعة، وكان مروان مع عائشة أيضاً غير أنه لما رأى انصرافه رمى عليه بسهم قتله، وقال لأبان بن عثمان بن عفان: قد كفيتك بعض قتلى أبيك- يعني أنه كان موارياً على عثمان في أول الأمر- وفيها قتل الزبير بن العوّام ابن خالد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب أبو عبد الله القرشىّ الأسدىّ المكي حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته صفية، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أهل الشورى، شهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها، أسلم وهو ابن ست عشرة سنة وهو من السابقين، قتله عمير «1» بن جرموز بعد انصرافه من وقعة الجمل بساعة؛ وفيها توفي حذيفة بن اليمان واسم اليمان حسيل (ويقال حسيل بالتصغير) بن جابر بن أسيد، وقيل ابن عمرو، أبو عبد الله العبسي حليف الأنصار، صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وفيها توفي سلمان الفارسي رضي الله عنه في قول وقد تقدم ذكره. أمر النيل في هذه السنة، الماء القديم سبعة أذرع وثمانية عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا وإصبعان. ذكر ولاية الأشتر النخعي على مصر وفي ولاية الأشتر هذا على مصر قبل محمد بن أبي بكر الصديق اختلاف كثير، حكى جماعة كثيرة من المؤرخين وذكروا ما يدل على أنّ ولاية محمد بن أبي بكر كانت هي السابقة بعد عزل قيس بن سعد بن عبادة، وجماعة قدموا ولاية الأشتر هذا، ولكل منهما استدلال قوي، والذين قدموا الأشتر هم الأكثر، وقد رأيت في عدة كتب ولاية الأشتر هي المقدمة فقدّمته لذلك.

والأشتر اسمه مالك بن الحارث، قال أبو المظفر في مرآة الزمان: قال علماء السيرة كابن إسحاق وهشام والواقدي قالوا: لما اختل أمر مصر على محمد بن أبي بكر الصديق وبلغ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال: ما لمصر إلا أحد الرجلين، صاحبنا الذي عزلناه عنها- يعني قيس بن سعد بن عبادة- أو مالك ابن الحارث- يعني الأشتر هذا. قلت: وهذا مما يدل على أن ولاية محمد بن أبي بكر الصديق كانت هي السابقة، اللهم إلا إن كان لما اختل أمر مصر على محمد عزله علي رضي الله عنه بالأشتر، ثم استمر محمد ثانياً بعد موت الأشتر على عمله حتى وقع من أمره ما سنذكره، وهذا هو أقرب للجمع بين الأقوال لأن الأشتر توفي قبل دخوله إلى مصر والله أعلم؛ وكان علىّ رضى الله عنه حين انصرف من صفين رد الأشتر إلى عمله على الجزيرة وكان عاملا عليها، فكتب إليه وهو يومئذ بنصيبين: سلام عليك يا مالك، فإنك ممن استظهرتك على إقامة الدين؛ وكنت قد وليت محمد بن أبي بكر مصر فخرجت عليه خوارج، وهو غلام حدث السن غر ليس بذي تجربة للحرب ولا مجرب للأشياء، فاقدم علي لننظر في ذلك كما ينبغي واستخلف على عملك أهل الثقة والنصفة من أصحابك والسلام. فأقبل مالك- أعني الأشتر- على علي رضي الله عنه فأخبره بحديث محمد وما جرى عليه، وقال: ليس لها غيرك، فاخرج رحمك الله فإني إن لم أوصك اكتفيت برأيك فاستعن بالله على ما أهمك، واخلط الشدة باللين وارفق ما كان الرفق أبلغ. فخرج الأشتر من عند علي وأتى رحله وتهيأ للخروج إلى مصر، وكتب عيون معاوية إليه بولاية الأشتر على مصر فشق عليه وعظم ذلك لديه، وكان قد طمع في مصر وعلم أن الأشتر متى قدمها كان أشد عليه، فكتب معاوية إلى الخانسيار «1»

(رجل من أهل الخراج، وقيل كان دهقان القلزم) يقول: إن الأشتر واصل إلى مصر قد وليها، فإن أنت كفيتني إياه لم آخذ منك خراجاً ما بقيت، فأقبل لهلاكه بكل ما تقدر عليه؛ فخرج الخانسيار حتى قدم القلزم فأقام به، وخرج الأشتر من العراق يريد مصر حتى قدم إلى القلزم فاستقبله الخانسيار فقال له: انزل فإني رجل من أهل الخراج وقد أحضرت ما عندي، فنزل الأشتر فأتاه بطعام وعلف وسقاه شربة من عسل جعل فيها سماً، فلما شربه مات، وبعث الخانسيار [من «1» ] أخبر بموته معاوية، فلما بلغ معاوية وعمرو بن العاص موت الأشتر قال عمرو بن العاص: إن لله جنوداً من عسل. وقال ابن الكلبي عن أبيه: لما سار الأشتر إلى مصر أخذ في طريق الحجاز فقدم المدينة، فجاءه مولى لعثمان بن عفان يقال له نافع، وأظهر له الود وقال له: أنا مولى عمر بن الخطاب، فأدناه الأشتر وقرّ به ووثق به وولاه أمره، فلم يزل معه إلى عين شمس (أعني المدينة الخراب خارج مصر بالقرب من المطرية) وفيها ذلك العمود المذكور في أول أحوال مصر من هذا الكتاب، فلما وصل إلى عين شمس تلقاه أهل مصر بالهدايا؟؟؟ وسقاه نافع المذكور العسل فمات منه. وقال ابن سعد: إنه سم بالعرش؛ وقال الصوري: صوابه بالقلزم؛ وقال أبو اليقظان: كان الأشتر قد ثقل على أمير المؤمنين علي أمره، وكان متجريا عليه مع شدة محبته له. وحكي عن عبد الله بن جعفر قال: كان علي قد غضب على الأشتر وقلاه واستثقله، فكلمني أن أكلمه فيه، فقلت: يا أمير المؤمنين، وله مصر فإن ظفروا به استرحت منه فولاه، وكانت عائشة رضي الله عنها قد دعت عليه فقالت: اللهم

ارمه بسهم من سهامك؛ واختلفوا في وفاة الأشتر، فقال ابن يونس: مات مسموماً سنة سبع وثلاثين، وقال هشام: سنة ثمان وثلاثين في رجب؛ وكان الأشتر شجاعاً مقداماً، وقصته مع عبد الله بن الزبير مشهورة، وقول ابن الزبير بسببه: اقتلاني ومالكاً ... واقتلا مالكاً معي حتى صار هذا البيت مثلاً. وشرح ذلك: أن مالك بن الحارث (أعني الأشتر النخعي) كان من الشجعان الأبطال المشهورين، وكان من أصحاب علي وكان معه في يوم وقعة الجمل، فتماسك في الوقعة هو وعبد الله بن الزبير بن العوام، وكان عبد الله أيضاً من الشجعان المشهورين، وكان عبد الله بن الزبير من حزب أبيه، وخالته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهم، وكانوا يحاربون علياً رضي الله عنه فلما تماسكا صار كل واحد منهما إذا قوي على الآخر جعله تحته وركب صدره، وفعلا ذلك مراراً وابن الزبير يقول: اقتلاني ومالكاً ... واقتلا مالكاً معي يريد قتل الأشتر بهذا القول والمساعدة عليه حتى افترقا من غير أن يقتل أحدهما الآخر؛ وقال عبد الله بن الزبير المذكور: لقيت الأشتر النّخعىّ يوم الجمل فما ضربته ضربة إلا ضربني ستاً أو سبعاً، ثم أخذ رجلي وألقاني في الخندق وقال: والله لولا قرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اجتمع منك عضو إلى عضو أبداً. وقال ابن قيس: دخلت مع عبد الله بن الزبير الحمام واذا فى رأسه ضربة لو صبّ فيها قارورة لاستقر، فقال: أتدري من ضربني هذه الضربة؟ قلت: لا، قال: ابن عمك الأشتر النخعىّ.

ذكر ولاية محمد بن أبى بكر الصديق رضى الله عنه على مصر

وقال أبو بكر بن أبي شيبة: أعطت عائشة رضي الله عنها لمن بشرها بسلامة ابن أختها عبد الله بن الزبير لما لاقى الأشتر عشرة آلاف درهم. وقيل: أن الأشتر دخل بعد ذلك على عائشة رضي الله عنها، فقالت له: يا أشتر، أنت الذي أردت قتل ابن أختي يوم الوقعة، فأنشد: أعائش لولا أنني كنت طاوياً ... ثلاثاً لألفيت ابن أختك هالكا غداة ينادي والرماح تنوشه ... بأخر صوتٍ اقتلاني ومالكا فنجاه مني أكله وسنانه ... وخلوة جوف لم يكن متمالكا ذكر ولاية محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه على مصر هو محمد بن أبي بكر الصديق، واسم أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة، واسم أبي قحافة عثمان؛ أسلم أبو قحافة يوم الفتح فأتى به ابنه أبو بكر الصديق إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقوده لكبر سنه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لم لا تركت الشيخ حتى نأتيه» إجلالاً لأبي بكر رضى الله عنه. اهـ. وأبو قحافة المذكور ابن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي، وكنية محمد هذا (أعني صاحب الترجمة) أبو القاسم، وأمه أسماء بنت عميس الخثعمية، ومولده سنة حجة الوداع بذي الحليفة في عقب ذى القعدة، فأراد أبو بكر أن يردّ أسماء إلى المدينة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «مرها أن تغتسل وتهل» وكان محمد هذا في حجر علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما تزوج أمه أسماء بعد وفاة أبي بكر الصديق فتولى تربيته، ولما سار علي إلى وقعة الجمل كان محمد هذا معه على الرجالة، ثم شهد معه وقعة صفين،

ثم ولاه مصر فتوجه إليها ودخلها في النصف من شهر رمضان سنة سبع وثلاثين، فتلقاه قيس بن سعد المعزول عن ولاية مصر، وقال له: يا أبا القاسم، إنك قد جئت من عند أمير لا رأي له، وليس عزله إياي بمانعي أن أنصح لك وله، وأنا من أمركم هذا على بصيرة، وإني أدلك على الذي كنت أكيد به معاوية وعمراً وأهل خربتا فكايدهم به، فإنّك إن كايدتهم بغيره تهلك، ووصف له المكايدة التى يكايدهم بها فاستغشه محمد بن أبي بكر وخالفه في كل شيء أمره به، ثم كتب إليه علي يشجعه ويقوي عزمه، ففتك محمد في المصريين وهدم دور شيعة عثمان بن عفان ونهب دورهم وأموالهم وهتك ذراريهم، فنصبوا له الحرب وحاربوه، ثم صالحهم على أن يسيرهم إلى معاوية، فلحقوا بمعاوية في الشام، وكان أهل الشام لما انصرفوا من وقعة صفين ينتظرون ما يأتي به الحكمان؛ فلما اختلف الناس بالعراق على علي رضي الله عنه طمع معاوية في مصر، وكان أهل خربتا عثمانية ومن كان من الشيعة كان أكثر منهم، فكان معاوية يهاب مصر لأجل الشيعة وقصد معاوية أن يستعين بأخذ مصر على حرب علي رضي الله عنه قال: فاستشار معاوية أصحابه عمرو بن العاص وحبيب بن مسلمة وبسر بن أبي أرطاة والضحاك بن قيس وعبد الرحمن ابن خالد وأبا الأعور عمرو بن سفيان السلمي وغيرهم (وهؤلاء المذكورين كانوا خواصّه) فجمع المذكورين وقال: هل تدرون ما أدعوكم إليه؟ قالوا: لا يعلم الغيب إلا الله، فقال له عمرو بن العاص: نعم، أهمك أمر مصر وخراجها الكثير وعدد أهلها فتدعونا لنشير عليك فيها فاعزم وانهض، في افتتاحها عزك وعز أصحابك وكبت عدوك، فقال له: يا بن العاص، إنما أهمك الذي كان بيننا (يعني أنه كان أعطاه مصر لما صالحه على قتال علي) وقال معاوية للقوم: ما ترون؟ قالوا: ما نرى إلا رأي عمرو، قال: فكيف أصنع؟ فقال عمرو: ابعث جيشاً كثيفاً

عليهم رجل حازم صارم تثق إليه فيأتي إلى مصر، فإنه سيأتيه من كان من أهلها على رأينا فنظاهره على من كان بها من أعدائنا، قال معاوية: أو غير ذلك؟ قال: وما هو؟ قال: نكاتب من بها من شيعتنا نأمرهم على أمرهم ونمنيهم قدومنا عليهم فتقوى قلوبهم ونعلم صديقنا من عدوّنا، وإنّك يا بن العاص بورك لك فى العجلة، قال عمرو: فاعمل برأيك فو الله ما أرى أمرك إلا صائراً للحرب، قال: فكتب إليهم معاوية كتاباً يثني عليهم ويقول: هنيئاً لكم بطلب دم الخليفة المظلوم وجهادكم أهل البغي، وقال في آخره: فاثبتوا فإن الجيش واصل إليكم والسلام. وبعث بالكتاب مع مولى يقال له سبيع فقدم مصر، وأميرها محمد بن أبي بكر الصديق، فدفع الكتاب إلى مسلمة بن مخلد الأنصاري وإلى معاوية بن حديج، فكتبا جوابه: أما بعد، فعجل علينا بخيلك ورجلك، فإن عدونا قد أصبحوا لنا هائبين، فإن أتانا المدد من قبلك يفتح الله علينا، وذكرا كلاماً طويلاً؛ وكان مسلمة ومعاوية ابن حديج يقيمان بخربتا في عشرة آلاف، وقد باينوا محمد بن أبي بكر ولم يحسن محمد تدبيرهم كما كان يفعله معهم قيس بن سعد بن عبادة أيام ولايته على مصر، فلذلك انتقضت على محمد الأمور وزالت دولته؛ ولما وقف معاوية على جوابهما وكان يومئذ بفلسطين جهز عمرو بن العاص في ستة آلاف وخرج معه معاوية يودعه وأوصاه بما يفعل، وقال له: عليك بتقوى الله والرفق فإنه يمن والعجلة من الشيطان، وأن تقبل ممن أقبل وتعفو عمن أدبر، فإن قبل فهذه نعمة، وإن أبى فإن السطوة بعد المعذرة أقطع من الحجة، وادع الناس إلى الصلح والجماعة؛ فسار عمرو حتى وصل الى مصر واجتمعت العثمانية عليه، فكتب عمرو إلى محمد بن أبي بكر صاحب مصر.

أما بعد، فنحّ عنّى بدمك فإني لا أحب أن يصيبك مني قلامة ظفر، والناس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك [وهم مسلموك «1» ] فاخرج منها إني لك من الناصحين؛ ومعه كتاب معاوية يقول: يا محمد، إن [غب «2» ] البغي والظلم عظيم الوبال، وسفك الدماء الحرام من النقمة في الدنيا والآخرة، وإنا لا نعلم أحداً كان على عثمان أشد منك، فسعيت عليه مع الساعين وسفكت دمه مع السافكين، ثم أنت تظن أني نائم عنك وناس سيئاتك، وكلام طويل من هذا النمط حتى قال: ولن يسلمك الله من القصاص أينما كنت والسلام. فطوى محمد الكتابين وبعث بهما إلى علي بن أبي طالب وفي ضمنهما يستنجده ويطلب منه المدد والرجال، فرد عليه الجواب من عند علي بن أبي طالب بالوصية والشدة، ولم يمده بأحد. ثم كتب محمد إلى معاوية وعمرو كتاباً خشن لهما فيه في القول، ثم قام محمد في الناس خطيباً فقال: أما بعد، فإن القوم الذين ينتهكون الحرمة ويشبّون نار الفتنة قد نصبوا لكم العداوة وساروا إليكم بجيوشهم، فمن أراد الجنة فليخرج اليهم فليجاهدهم في الله، انتدبوا مع كنانة بن بشر؛ فانتدب مع كنانة نحواً من ألفي رجل، ثم خرج محمد بن أبي بكر في ألفي رجل، واستقبل عمرو بن العاص كنانة وهو على مقدمة محمد، وكنانة «3» يسرح لعمرو الكتائب، فلما رأى عمرو ذلك بعث إلى معاوية بن حديج السكوني. وفي رواية لما رأى عمرو كنانة سرح إليه الكتائب من أهل الشام كتيبة بعد كتيبة وكنانة يهزمها فاستنجد عمرو بمعاوية بن حديج السكوني فسار في أصحابه وأهل الشام فأحاطوا بكنانة.

فلما رأى كنانة ذلك ترجل عن فرسه وترجل أصحابه، وقرأ وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا إلى قوله وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ فقاتل حتى قتل بعد أن قتل من أهل الشام مقتلة عظيمة، فلما رأى أصحاب محمد ذلك تفرقوا عنه فنزل محمد عن فرسه ومشى حتى انتهى إلى خربة فأوى إليها، وجاء عمرو بن العاص ودخل الفسطاط؛ وخرج معاوية بن حديج فى طلب محمد بن أبي بكر، فسأل قوماً من العلوج وكانوا على الطريق فقال: هل رأيتم رجلاً من صفته كذا وكذا؟ فقال واحد منهم: قد دخل تلك الخربة، فدخلوها فإذا برجل جالس، فقال معاوية بن حديج: هو ورب الكعبة، فدخلوها واستخرجوه وقد كاد يموت عطشاً، فأقبلوا به على الفسطاط ووثب أخوه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق إلى عمرو بن العاص وكان في جنده، فقال: أيقتل أخي صبراً؟ فأرسل عمرو إلى معاوية بن حديج يأمره أن يأتيه بمحمد بن أبي بكر كرامة لأخيه عبد الرحمن ابن أبي بكر، فقال معاوية: أيقتل كنانة بن بشر وأخلي أنا محمداً هيهات هيهات! فقال محمد: اسقوني ماء، فقال معاوية بن حديج: لا سقاني الله إن سقيتك قطرة، إنكم منعتم عثمان الماء، ثم قتلتموه صائماً فتلقاه الله بالرحيق المختوم، والله لأقتلنّك يا بن أبي بكر فليسقك الله من الجحيم؛ فقال محمد لمعاوية: يا بن اليهودية النساجة ليس ذلك إليك، أما والله لو كان سيفي بيدي ما بلغتم بي هذا؛ فقال له معاوية: أتدري ما أصنع بك؟ أدخلك في جوف حمار، ثم أحرقه عليك بالنار؛ قال محمد: إن فعلتم ذلك لطالما فعلتموه بأولياء الله تعالى؛ ثم طال الكلام بينهما حتى أخذ معاوية محمداً ثم ألقاه في جيفة حمار ميت ثم حرقه بالنار؛ وقيل: إنه قطع رأسه وأرسله إلى معاوية بن أبي سفيان بدمشق وطيف به «1» ، وهو أول رأس طيف به «2»

في الإسلام. ولما بلغ عائشة رضي الله عنها قتل أخيها محمد بن أبي بكر هذا وجدت عليه وجداً عظيماً وأخذت أولاده وعياله وتولت تربيتهم. وقال أبو مخنف بإسناده: ولما بلغ علي بن أبي طالب مقتل محمد بن أبي بكر وما كان من الأمر بمصر وتملك عمرو لها واجتماع الناس عليه وعلى معاوية قام في الناس خطيباً فحثهم على الجهاد والصبر والسير إلى أعدائهم من الشاميين والمصريين، وواعدهم الجرعة بين الكوفة والحيرة. فلما كان من الغد خرج يمشي إليها حتى نزلها فلم يخرج إليه أحد من الجيش، فلما كان العشي بعث إلى أشراف الناس فدخلوا عليه وهو حزين كئيب فقام فيهم خطيباً فقال: الحمد لله على ما قضى من أمر وقدر من فعل، وابتلاني بكم وبمن لا يطيع إذا أمرت ولا يجيب إذا دعوت، أو ليس عجيباً أنّ معاوية يدعو الجفاة الطّغام فيتّبعونه بغير عطاء ويجيبونه في السنة المرتين والثلاث إلى أي وجه شاء! وأنا أدعوكم وأنتم أولو النهى وبقية الناس على معاوية «1» وطائفة من العطاء فتتفرقون عني وتعصونني وتختلفون علي! فقام مالك بن كعب الأرحبي فندب الناس إلى امتثال أمر علي والسمع والطاعة له، فانتدب ألفان فأمر عليهم مالك بن كعب هذا فسار بهم خمساً؛ ثم قدم على علي جماعة ممن كان مع محمد بن أبي بكر الصديق بمصر، فأخبروه كيف وقع الأمر وكيف قتل محمد بن أبي بكر وكيف استقر أمر عمرو فيها، فبعث إلى مالك بن كعب فرده من الطريق، وذلك لأنه خشي عليهم من أهل الشام قبل وصولهم إلى مصر، واستقر أمر العراقين على خلاف علي فيما يأمرهم به وينهاهم

عنه والخروج عليه والتنقد على أحكامه وأقواله وأفعاله لجهلهم وقلة عقلهم وجفائهم وغلظتهم وفجور كثير منهم، فكتب علي عند ذلك إلى ابن عباس رضي الله عنه وهو نائبه على البصرة يشكو اليه ما يلقاه من الناس من المخالفة والمعاندة، فرد عليه ابن عباس يسليه في ذلك ويعزيه في محمد بن أبى بكر ويحثّه على تلاقى الناس والصبر على مسيئهم، فإن ثواب الجنة خير من الدنيا، ثم ركب ابن عباس إلى الكوفة إلى علي واستخلف على البصرة زياداً؛ وقد خرجنا عن المقصود. *** السنة التي حكم فيها محمد بن أبي بكر الصديق وغيره على مصر وهي سنة سبع وثلاثين من الهجرة- فيها كانت وقعة صفين بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبين معاوية بن أبي سفيان؛ وفيها قتل عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة المدلجي العبسي أبو اليقظان، كان من نجباء الصحابة وشهد بدراً والمشاهد كلها وقتل في صفين، وكان من أصحاب علي رضي الله عنه؛ وفيها توفي خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة التيمي «1» مولى أم سباع بنت أنمار، كنيته أبو عبد الله، كان من المهاجرين الأولين، شهد بدراً والمشاهد بعدها وروي عنه أحاديث؛ وفيها أيضاً قتل بصفين من أصحاب علي رضي الله عنه أويس بن عامر المرادي القرني الزاهد سيد التابعين، كنيته أبو عمرو، أسلم في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ وفيها قتل في وقعة صفين من أصحاب علي رضي الله عنه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري؛ وفيها توفي عبيد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما؛ وفيها قتل كريب بن صباح الحميري، أحد الأبطال من أصحاب معاوية.

ذكر ولاية عمرو بن العاص ثانيا على مصر

أمر اليل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وثلاثة أصابع، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وثلاثة أصابع. ذكر ولاية عمرو بن العاص ثانياً على مصر قد تقدم الكلام في أول ولايته على نسبه وصحبته للنبىّ صلى الله عليه وسلم ثم أخذه مصر ثانياً في ترجمة محمد بن أبي بكر الصديق وكيفية قتاله وكيف ملك مصر منه. وولاية عمرو بن العاص هذا في هذه المرة من قبل معاوية بن أبى سفيان، وكان دخوله إلى مصر في شهر ربيع الأول من سنة ثمان وثلاثين، وجمع إليه معاوية الصلاة والخراج في ولايته هذه. وسبب انتماء عمرو إلى معاوية أن عمراً كان لما عزله عثمان بن عفان عن مصر بعبد الله بن سعد بن أبي سرح المقدم ذكره توجه عمرو وأقام بمكة منكفاً عن الناس حتى كانت وقعة الجمل. قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي قال جويرية بن أسماء حدثني عبد الوهاب ابن يحيى بن عبد الله بن الزبير حدثنا أشياخنا أن الفتنة وقعت وما رجل من قريش له نباهة أعمى فيها من عمرو بن العاص، وما زال مقيماً بمكة ليس في شيء مما فيه الناس حتى كانت وقعة الجمل، فلما فرغت بعث إلى ولديه عبد الله ومحمد فقال: إني قد رأيت رأياً ولستما باللذين ترداني عن رأيي ولكن أشيرا علي، إني رأيت العرب صاروا عنزين يضطربان، وأنا طارح نفسي بين جزاري مكة ولست أرضى بهذه المنزلة، فإلى أي الفريقين أعمد؟ قال له ابنه عبد الله: إن كنت لا بد فاعلاً فإلى علي؛ قال: إني إن أتيت علياً قال: إنما أنت رجل من المسلمين، وإن أتيت معاوية يخلطني بنفسه ويشركني في أمره، فأتى معاوية وعن عروة وغيره قال: دعا عمرو ابنيه، فأشار عليه عبد الله أن يلزم بيته لأنه أسلم له؛ فقال محمد: أنت شريف من أشراف العرب وناب من أنيابها، لا أرى

أن تتخلف؛ فقال عمرو لابنه عبد الله: أما أنت فأشرت علي بما هو خير لي في آخرتي؛ وأما أنت يا محمد فأشرت علىّ بما هو أنبه لذكرى، ارتحلا؛ فارتحلوا إلى الشام غدوة وعشية حتى أتوا الشام. فقال: يأهل الشام، إنكم على خير وإلى خير، تطلبون بدم عثمان، خليفة قتل مظلوماً؛ فمن عاش منكم فإلى خير، ومن مات فإلى خير. فما زال مع معاوية حتى وقع من أمره ما حكيناه في أول ترجمته وغيرها. ودخل مصر ووليها بعد محمد بن أبي بكر الصديق ومهد أمورها، ثم خرج منها وافداً على معاوية بالشام واستخلف على مصر ولده عبد الله بن عمرو، وقيل خارجة بن حذافة، وحضر أمر الحكمين، ثم رجع إلى مصر على ولايته، ودام بها إلى أن كانت قصة الخوارج الذين خرجوا لقتل علي ومعاوية وعمرو هذا، فخرج عبد الرحمن بن ملجم لقتل علي رضي الله عنه، وقيس إلى معاوية، ويزيد إلى عمرو بن العاص، وسار الثلاثة كل واحد إلى جهة من هو متوجه لقتله، وتواعد الجميع أن يثب كل واحد على صاحبه في سابع عشر شهر رمضان؛ فأما عبد الرحمن فإنه وثب على علىّ ابن أبي طالب رضي الله عنه وقتله حسبما نذكره فى ترجمته؛ و [أما] «1» قيس فوثب على معاوية وضربه فلم تؤثر فيه الضربة غير أنه جرح؛ وأما يزيد فإنه توجه إلى عمرو هذا فعرضت لعمرو علة تلك الليلة منعته من الصلاة فصلى خارجة بالناس، فوثب عليه يزيد يظنه عمراً وقتله، وأخذ يزيد وأدخل على عمرو فقال يزيد: أما والله ما أردت غيرك؛ فقال عمرو: ولكن الله أراد خارجة؛ فصار مثلاً: «أردت عمراً وأراد الله خارجة» . وأقام عمرو بعد ذلك مدة سنين حتى مات بها فيما نذكره إن شاء الله تعالى في آخر هذه الترجمة.

قيل: إنه لما حضر عمرو بن العاص الوفاة بكى؛ فقال له ابنه: أتبكي جزعاً من الموت؟ فقال: لا والله؛ وجعل ابنه يذكّره بصحبته رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتوحه الشام؛ قال عمرو: تركت أفضل من ذلك: شهادة أن لا إله إلا الله، إني كنت على ثلاثة أطباق ليس منها طبقة إلا عرفت نفسي فيها: كنت أول شيء كافراً وكنت أشدّ الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلومتّ حينئذ لوجبت لي النار؛ فلما بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت أشد الناس منه حياءً ما ملأت عيني منه، فلو مت حينئذ لقال الناس: هنيئاً لعمرو أسلم على خير ومات على خير أحواله، ثم تلبست بعد ذلك بأشياء فلا أدري أعلي أم لي، فإذا أنا مت فلا يبكى علي ولا تتبعوني ناراً، وشدوا علي إزاري فإني مخاصم، فإذا أوليتموني فاقعدوا عندي قدر نحر جزور وتقطيعها أستأنس بكم حتى أعلم ما أراجع به رسل ربي. قال الذهبي: أخرجه أبو عوانة في مسنده. وفي رواية: أنه بعدها حول وجهه إلى الجدار وهو يقول: اللهم أمرتنا فعصينا، ونهيتنا فما انتهينا، ولا يسعنا إلا عفوك. وفي رواية: أنه وضع يده على موضع الغل من عنقه ورفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم لا قوي فأنتصر، ولا بريء فأعتذر، ولا مستكبر بل مستغفر، لا إله إلا أنت؛ فلم يزل يرددها حتى مات رضي الله عنه. وقال الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو أن أباه قال: اللهم أمرت بأمور ونهيت عن أمور، فتركنا كثيراً مما أمرت ووقعنا في كثير مما نهيت، اللهم لا إله إلا أنت؛ ثم أخذ بإبهامه فلم يزل يهلل حتى توفي. قال الذهبي، وأيده الطحاوي، حدثنا المزني سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول: دخل ابن عباس على عمرو بن العاص وهو مريض فقال: كيف أصبحت؟ قال:

أصبحت وقد أصلحت من دنياي قليلاً، وأفسدت من ديني كثيراً، فلو كان ما أصلحت هو ما أفسدت لفزت، ولو كان ينفعني أن أطلب طلبت، ولو كان ينجيني أن أهرب لهربت، فعظني بموعظة أنتفع بها يا بن أخي؛ فقال: هيهات يا أبا عبد الله! فقال: اللهم إن ابن عباس يقنطني من رحمتك فخذ مني حتى ترضى. وكانت وفاة عمرو المذكور في ليلة عيد الفطر سنة ثلاث وأربعين فصلى عليه ابنه ودفنه ثم صلى بالناس صلاة العيد. قاله أبو فراس مولى عبد الله بن عمرو. وقال الليث بن سعد والهيثم بن عدي والواقدي وابن بكير: وسنه نحو مائة سنة. وقال أحمد العجلي وغيره: تسع وتسعون سنة. وقال ابن نمير: توفي سنة اثنتين وأربعين. قلت: والأول هو المتواتر. وكان عمرو رضي الله عنه من أدهى العرب وأحسنهم رأياً وتدبيراً. قيل: إنه اجتمع مع معاوية بن أبي سفيان مرة فقال له معاوية: من الناس؟ فقال: أنا وأنت والمغيرة بن شعبة وزياد؛ قال معاوية: كيف ذلك؟ قال عمرو: أما أنت فللتأني؛ وأما أنا فللبديهة؛ وأما المغيرة فللمعضلات؛ وأما زياد فللصغير والكبير؛ قال معاوية: أما ذانك فقد غابا فهات بديهتك يا عمرو؛ قال: وتريد ذلك؟ قال نعم؛ قال: فأخرج من عندك، فأخرجهم معاوية؛ فقال عمرو: يا أمير المؤمنين أسارك، فأدنى معاوية رأسه منه؛ فقال عمرو: هذا من ذاك، من معنا في البيت حتى أسارك! ولما مات عمرو ولي مصر عتبة بن أبي سفيان من قبل أخيه معاوية *** السنة الأولى من ولاية عمرو بن العاص الثانية على مصر وهي سنة ثمان وثلاثين من الهجرة- فيها توجه عبد الله بن الحضرمي من قبل معاوية إلى البصرة ليأخذها، وكان بها زياد بن أبيه ووقع بينهما أمور. وفيها سارت الخوارج لقتال علىّ

رضي الله عنه، وكان كبيرهم عبد الله بن وهب، فهزمهم علي وقتل أكثرهم وقتل ابن وهب المذكور، وقتل من أصحاب علي رضي الله عنه اثنا عشر رجلاً، وكانت الوقعة في شعبان من هذه السنة. وفيها توفي صهيب بن سنان بن مالك الرومي، سبته الروم فجلب إلى مكة فاشتراه عبد الله بن جدعان التيمي، وقيل: بل هرب من الروم فقدم مكة وحالف ابن جدعان، وكان صهيب من السابقين الأولين شهد بدراً والمشاهد كلها، روى عنه أولاده حبيب «1» وزياد وحمزة؛ وسعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن أبي ليلى وكعب الأحبار، وكنيته أبو يحيى، توفي بالمدينة في شوال. ونشأ صهيب بالروم فبقيت «2» فيه عجمة. وفيها توفي سهل بن حنيف «3» بن واهب الأنصاري كان من أهل مسجد قباء، وكنيته أبو سهل وقيل أبو عبد الله، وهو من الطبقة الأولى من الأنصار آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين علي بن أبي طالب، وهو ممن شهد بدراً وأحداً والخندق. وفيها توفيت أسماء بنت عميس بن معد بن تميم «4» بن الحارث بن كعب بن مالك، أسلمت قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بمكة وبايعت وهاجرت إلى الحبشة مع زوجها جعفر بن أبى طالب، وولد هناك عبد الله بن جعفر، ثم تزوجها بعد جعفر أبو بكر الصديق، فاستولدها محمداً أمير مصر المقدم ذكره، ثم تزوجها بعد أبي بكر علي بن أبي طالب، فولدت منه يحيى وعوفا. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وخمسة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وتسعة أصابع. وفي كتاب درر التيجان: تسعة عشر إصبعاً.

*** السنة الثانية من ولاية عمرو الثانية على مصر وهي سنة تسع وثلاثين- فيها أيضاً كانت وقعة الخوارج مع علي بن أبي طالب بحروراء وبالنّخيلة، قاتلهم علىّ فكسرهم وقتل رءوسهم، وسجد لله شكراً لما أتي بمخدج «1» اليد مقتولا، وكان رءوس الخوارج زيد بن حفص «2» الطائي وشريح بن «3» أوفى العبسي وكانا على المجنبتين، وكان رأسهم عبد الله بن وهب الراسبي، وقد تقدم ذكرها في السنة الماضية، والأصح أنها في هذه السنه؛ وكان على رجالتهم حرقوص بن زهير. وفيها بعث معاوية يزيد ابن شجرة الرّهاىّ ليقيم الحج، فنازعه قثم بن عباس ومانعه، وكان من جهة علي، فتوسط بينهما أبو سعيد الخدري وغيره، فاصطلحا على أن يقيم الموسم شيبة «4» بن عثمان العبدري حاجب الكعبة. وفيها أيضاً بعث معاوية ابن عوف في ستة آلاف فارس وأمره أن يأتي هيت والأنبار والمدائن، وكان بهيت أشرس بن حسان البلوي «5» من جهة علي وقد تفرق عنه أصحابه ولم يبق معه سوى ثلاثين رجلاً، فخرج إليهم وقاتلهم وقتل ابن أشرس وأصحابه. وفيها أرسل معاوية الضحاك بن قيس في ثلاثة آلاف وأمره بالغارة على من هو في طاعة علي من الأعراب. وفيها توفي سعد بن عابد ويعرف بسعد القرظ مولى عمار بن ياسر (والقرظ: ورق السّلم كان يجلبه وييعه للدباغ فسمي به) وكان سعد يؤذن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء ثم أذن على عهد أبي بكر وعمر، وهو من الصحابة وله رواية.

أمر النيل فى هذه السنة- الماء الفديم خمسة أذرع وإصبعان، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وخمسة أصابع. *** السنة الثالثة من ولاية عمرو بن العاص الثانية على مصر وهي سنة أربعين- فيها بعث معاوية بسر بن أبي أرطاة في ثلاثة آلاف من المقاتلة إلى الحجاز، فقدم المدينة وعامل علي متوليها وهو أبو أيوب الأنصاري فنفر منها أبو أيوب. وفيها قتل أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب، واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب، واسم عبد المطلب شيبة الجمد بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية، وهي بنت عم أبي طالب كانت من المهاجرات، توفيت في حياة النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وهو أحد السابقين الأولين وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة؛ وأما ما ورد في حقه من الأحاديث وما وقع له في الغزوات فيضيق هذا المحل عن ذكر شيء منها، وفي شهرته رضي الله عنه ما يغني عن الإطناب في ذكره؛ قتله عبد الرحمن بن ملجم، جلس له مقابل السدة «1» التي يخرج منها علي إلى الصلاة، فلما أن خرج علي إلى صلاة الصبح شد عليه عبد الرحمن المذكور فضربه بسكين كانت معه أو بسيف في جبهته وفي رأسه فحمل من وقته وقبض على عبد الرحمن المذكور، فقال علي: أطعموه واسقوه فإن عشت فأنا ولي دمي، إن شئت قتلت وإن شئت عفوت؛ وإن مت فاقتلوه قتلتي ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين. وكان عبد الرحمن قد سم سيفه، فتم علي رضي الله عنه جريحاً يوم الجمعة والسبت وتوفي ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقين من شهر رمضان من السنة، وتولى الخلافة من بعده ابنه الحسن بن علي رضي الله عنهما، وكانت خلافة علي رضي الله عنه أربع سنين وتسعة أشهر. ولما دفن علي أحضر عبد الرحمن بن ملجم

فاجتمع الناس وجاءوا بالنفط والبواري، فقال محمد بن الحنفية والحسن والحسين ولدا علي وعبد الله بن جعفر ابن أخيه: دعونا نشتف منه، فقطع عبد الله يديه ورجليه فلم يجزع ولم يتكلم وكحل عينيه، وجعل يقول: إنك لتكحل عيني عمك هذا «1» ، وعيناه تسيلان على خديه، ثم أمر به فعولج على قطع لسانه، فجزع، فقيل له في ذلك؛ فقال: ما لذاك أجزع ولكن أكره أن أبقى في الدنيا لا أذكر الله! فقطعوا لسانه، ثم أخرجوه في قوصرة «2» ؛ وكان- قبحه الله ولعنه- أسمر حسن الوجه أفلج في جبهته أثر السجود. وقال جعفر بن محمد عن أبيه قال: صلى الحسن على علي رضي الله عنه ودفن بالكوفة عند قصر الإمارة وعمي قبره لئلا تنبشه الخوارج. وقال شريك وغيره: نقله الحسن إلى المدينة. وذكر المبرد عن محمد بن حبيب، قال: أول من حول من قبر إلى قبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وفيها توفي لبيد بن ربيعة بن كلاب بن مالك بن جعفر بن كلاب الصحابي العامري الشاعر المشهور، كنيته أبو عقيل، ذكره ابن سعد في الطبقة الرابعة من القبائل الذين أسلموا بعد الفتح، ووفد على النّبيّ صلى الله عليه وسلم سنة تسع من الهجرة وأسلم. وفيها توفي تميم بن أوس ابن خارجة أبو رقية اللخمي الداري الصحابي المشهور، واختلف فى نسبه الى الدار ابن هانئ أحد بني لخم. أسلم تميم سنة تسع، رضي الله عنه. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثمانية أذرع وستة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعاً وسبعة عشر إصبعاً؛ وفي كتاب درر التيجان: وستة أصابع.

*** السنة الرابعة من ولاية عمرو بن العاص الثانية على مصر وهي سنة إحدى وأربعين، وتسمى هذه السنة عام الجماعة لاجتماع الأمة فيه على خليفة واحد وهو معاوية بن أبي سفيان- فيها (أعني في سنة إحدى وأربعين) بايع الحسن بن علي رضي الله عنه بالخلافة معاوية وخلع نفسه. وسببه: أنه لما ولي الخلافة بعد وفاة والده علي رضي الله عنه أحبه الناس حباً شديداً زائداً واجتمعوا على طاعته، واستمر في الخلافة أشهراً، فلما رأى الأمر مآله للقتال مع معاوية وألح عليه أهل العراق حتى خرج في جموعه إلى نحو الشام وخرج معاوية أيضاً بجيوشه في طلب الحسن رضى الله عنه، ثم أرسل معاوية إلى الحسن يطلب الصلح. قال خليفة: فاجتمعا بمسكن؛ وهي بأرض السواد من ناحية الأنبار، فاصطلحا في ربيع الآخر وسلم الحسن الأمر إلى معاوية، لا من جزع بل شفقة على المسلمين، فإن الذي كان اجتمع للحسن من العساكر أكثر مما كان اجتمع لأبيه ولكن ترك ذلك خوفاً من سفك الدماء. ولما وقع ذلك دخل على الحسن سفيان أحد أصحابه وقال: السلام عليك يا مذل المؤمنين؛ فقال الحسن: لا تقل ذلك، إني كرهت أن أقتلكم في طلب الملك. قال الحافظ الذهبي قال أبو بكرة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن ابن علي إلى جنبه وهو يقول: «إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» . أخرجه البخاري. وفيها توفي صفوان بن أمية بن خلف الجمحي، شهد حنيناً مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أسلم بعدها، وأعار النّبيّ صلى الله عليه وسلم سلاحاً كثيراً. وفيها توفيت حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ذكر ولاية عتبة بن أبى سفيان على مصر

أمر النيل في هذه- السنة الماء القديم ثمانية أذرع وستة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعاً وسبعة أصابع. *** السنة الخامسة من ولاية عمرو بن العاص الثانية على مصر وهي سنة اثنتين وأربعين- فيها بعث معاوية المغيرة بن شعبة الى زياد بن أبيه فخدعه وأنزله من قلعته. وفيها ولى معاوية مروان بن الحكم المدينة فاستقضى مروان عبد الله بن الحارث بن نوفل. وفيها تحرّكت الخوارج الذين بقوا من يوم النهروان. وفيها توفي حبيب بن مسلمة بن مالك الأكبر بن وهب بن ثعلبة بن واثلة بن عمرو بن سفيان «1» ابن حارث أبو عبد الرحمن وقيل أبو مسلمة، ذكره ابن سعد في الطبقة الخامسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيها توفي عثمان بن طلحة بن أبي طلحة بن عبد الدار بن قصي الجمحي، ذكره ابن سعد في الطبقة الثالثة من المهاجرين ممن أسلم في هدنة الحديبية. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وثلاثة أصابع، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وخمسة أصابع. وفي درر التيجان: أربعة أذرع وثلاثة أصابع. ذكر ولاية عتبة بن أبي سفيان على مصر هو عتبة بن أبي سفيان- واسم أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس- أخو معاوية بن أبي سفيان لأبيه. ولاه أخوه معاوية إمارة مصر بعد وفاة عمرو بن العاص رضي الله عنه في شوال سنة ثلاث وأربعين. ودخل عتبة مصر

في ذي القعدة منها. وكان عتبة هذا شهد مع عثمان بن عفان يوم الدار. قال الحافظ ابن عساكر في تاريخه: قدم على أخيه معاوية بدمشق، وكان له بها في درب الحمالين «1» دار، وولي المدينة والطائف والموسم لأخيه معاوية غير مرة، وشهد وقعة الجمل مع عائشة رضي الله عنها ثم انهزم، فعيره عبد الرحمن بن الحكم «2» : لعمري والأمور لها دواعٍ ... لقد أبعدت يا عتب الفرارا وقال ابن عساكر عن الهيثم بن عدي قال: ذكر ابن عباس عتبة بن أبي سفيان في العور، ذهبت عينه يوم الجمل مع عائشة. وقال أبو بكر الخطيب: حج عتبة ابن أبي سفيان بالناس سنة إحدى وأربعين وسنة اثنتين وأربعين. وقال الأصمعي: الخطباء من بني أمية: عتبة بن أبي سفيان، وعبد الملك بن مروان. وقال أبو حاتم: أوصى «3» عتبة بن أبي سفيان مؤدب ولده فقال: ليكن أول إصلاحك بني إصلاحك لنفسك، فإن عيوبهم معقودة بعيبك، فالحسن عندهم ما فعلت، والقبيح ما تركت، وعلمهم كتاب الله ولا تملهم فيتركوا، ولا تدعهم منه فيهجروا؛ وروهم من الحديث أشرفه، ومن الشعر أعفه؛ ولا تخرجهم من علم «4» إلى علم حتى يحكموه، فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم «5» ؛ وهددهم بي وأدبهم دوني؛ وكن بهم كالطبيب الرفيق الذي لا يعجل بالدواء حتى يعرف الداء، وامنعهم من محادثة النساء، واشغلهم بسير الحكماء؛ واستزدني بآدابهم أزدك، ولا تتكلن على عذر مني فقد اتكلت على كفاية منك. انتهى.

ولما قدم عتبة إلى مصر في ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين أقام بها أشهراً ثم خرج منها وافداً على أخيه معاوية بدمشق، واستخلف على مصر عبد الله بن قيس ابن الحارث، وكانت في عبد الله المذكور شدة فكرهه الناس بمصر، فبلغ ذلك عتبة هذا فرجع الى مصر وصعد المنبر وقال: يأهل مصر، قد كنتم تعذرون ببعض المنع منكم لبعض الجور عليكم، وقد وليكم من إن قال فعل، فإن أبيتم درأكم «1» بيده، فإن أبيتم؟؟؟ درأكم بسيفه؛ ثم جاء في الآخر «2» ما أدرك في الأول، إن البيعة شائعة «3» ، لنا عليكم السمع والطاعة، ولكم علينا العدل، فأينا غدر فلا ذمة له عند صاحبه؛ فناداه المصريون من جنبات المسجد: سمعاً سمعاً؛ فناداهم عتبة: عدلاً عدلاً. ثم نزل. فجمع له أخوه معاوية الصلاة والخراج؛ وعقد عتبة هذا لعلقمة بن يزيد على الإسكندرية في اثني عشر ألفاً من آهل الديوان تكون بها مرابطة، ثم خرج إليها عتبة بعد ذلك مرابطاً في ذي القعدة وقيل في ذي الحجة، وهو الأشهر، سنة أربع وأربعين من الهجرة، فمات بها في الشهر المذكور. وتولى مصر بعده عقبة بن عامر الجهني، وكانت ولاية عتبة على مصر سنة واحدة وشهراً واحداً. *** السنة التي حكم فيها عتبة بن أبي سفيان على مصر وهي سنة ثلاث وأربعين- فيها شتى بسر بن أبي أرطاة بأرض الروم مرابطاً: وفيها فتح عبد الرحمن بن سمرة

الزرنج «1» وغيرها من بلاد سجستان. وفيها افتتح عقبة بن نافع الفهري كوراً من بلاد السودان ووردان من بلاد برقة. وفيها توفي عبد الله بن سلام الإسرائيلي- ذكره ابن سعد في الطبقة الثالثة من الأنصار، وقال: كنيته أبو يوسف، وكان اسمه الحصين، فلما أسلم في السنة الأولى من الهجرة سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله. وهو رجل من بني إسرائيل من ولد يوسف بن يعقوب عليهما السلام، وهو صاحب القصة مع اليهود. وفيها توفي محمد بن مسلمة بن خالد الأنصاري الصحابي، مذكور في الطبقة الأولى من الأنصار، أسلم بالمدينة على يد مصعب ابن عمير، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح وشهد بدراً والمشاهد كلها ومات في صفر. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم تسعة أذرع وثلاثة أصابع، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وخمسة أصابع. وذكر في درر التيجان: أن الماء القديم في هذه السنة أربعة أذرع وثلاثة أصابع. *** السنة الثانية من ولاية عتبة بن أبي سفيان على مصر وهي سنة أربع وأربعين- فيها توفي عتبة صاحب الترجمة حسبما تقدم ذكره. وفيها غزا المهلب بن أبي صفرة أرض الهند وسار إلى قندابيل «2» وكسر العدو وسلم وغنم، وهي أول غزواته. وفيها حج الخليفة معاوية بن أبي سفيان بالناس من الشام. وفيها زاد معاوية في مقصورة جامع دمشق، وكان قد أحدثها لما وثب عليه البرك ليقتله. ثم أحدث في هذه السنة أيضاً مروان بن الحكم مقصورة المدينة وهو والٍ عليها. وفيها أوغل عبد الرحمن بن خالد بن الوليد في بلاد الروم وشتى بها. وفيها غزا بسر

ذكر ولاية عقبة بن عامر على مصر

ابن أبي أرطاة في البحر. وفيها عزل معاوية عبد الله بن عامر عن البصرة. وفيها توفي الحارث بن خزمة بن عدي بن أبىّ بن «1» غنم الأشهلي أبو بشير الصحابي، هو من الطبقة الأولى من الأنصار، شهد بدرا والمشاهد كلها، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين إياس بن أبي البكير. وفيها توفيت أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان على الصحيح، واسمها رملة، وهي أخت معاوية لأبيه، وأمها صفية بنت أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، وهي ابنة عمة عثمان بن عفان، وكان تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحبشة، وذلك في سنة ست من الهجرة أو سبع. وفيها توفي أبو بردة بن نيار بن عمرو بن عبيد بن عمرو بن كلاب، وهو من الطبقة الأولى من الأنصار من الصحابة، شهد العقبة مع السبعين وشهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيها توفي أبو موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس بن سليم اليماني، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدم عليه مسلماً مع أصحاب السفينتين واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على زبيد وعدن، ثم ولي الكوفة والبصرة. لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما. ومات في ذي الحجة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وثمانية عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعاً وإصبع واحد. ذكر ولاية عقبة بن عامر على مصر هو عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو بن عدي بن رفاعة بن مودوعة بن عدي ابن غنم بن الربعة بن رشدان بن قيس بن جهينة الجهني، أبو حماد الصحابىّ،

شهد فتح مصر مع عمرو بن العاص ثم وليها من قبل معاوية بن أبي سفيان بعد موت أخيه عتبة بن أبي سفيان في سنة أربع وأربعين، وكان يخضب بالسواد. قال صاحب البغية: ودام بمصر إلى أن قدم مسلمة بن مخلد على معاوية بدمشق، فولاه مصر وأمره أن يكتم ذلك عن عقبة بن عامر، ثم سيره إلى مصر وأمر معاوية عقبة بغزو رودس ومعه مسلمة بن مخلد المذكور، وخرجا إلى الإسكندرية ثم توجها في البحر، فلما سار عقبة استولى مسلمة على سرير إمرته، فبلغ ذلك عقبة ابن عامر، وكان ذلك لعشرٍ بقين من ربيع الأول سنة سبع وأربعين، وكانت ولايته سنتين وثلاثة أشهر، وتولى مسلمة. وآخر من روى عن عقبة بمصر أبو قبيل. انتهى. وقال الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر في الإصابة: روى عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين، منهم ابن عباس وأبو أمامة وجبير بن نفير وبعجة بن عبد الله الجهني وأبو إدريس الخولاني وخلق من أهل مصر. قال أبو سعيد بن يونس: كان قارئاً عالماً بالفرائض والفقه صحيح اللسان شاعراً كاتباً، وهو آخر من جمع القرآن. قال: ورأيت مصحفه بمصر على غير تأليف مصحف عثمان، وفي آخره: كتبه عقبة بن عامر بيده. وفي صحيح مسلم من طريق قيس بن أبي حازم عن عقبة بن عامر قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا في غنم لي أرعاها فتركتها ثم ذهبت إليه فقلت: بايعني فبايعني على الهجرة. وهذا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي. وشهد عقبة بن عامر الفتوح، وكان هو الرائد إلى عمر بفتح دمشق. وشهد صفين مع معاوية وأمره بعد ذلك على مصر.

وقال أبو عمر الكندي: جمع له معاوية في إمرة مصر بين الخراج والصلاة، فلما أراد عزله كتب إليه أن يغزو رودس، فلما توجه مسافراً استولى مسلمة، فبلغ عقبة فقال: أغربةً وعزلاً! وذلك في سنة سبع وأربعين. ومات في خلافة معاوية على الصحيح. وحكى أبو زرعة في تاريخه عن عباد بن بشر قال: رأيت رجلاً يحدث في خلافة عبد الملك فقلت: من هذا؟ فقالوا: عقبة بن عامر الجهني. قال أبو زرعة: فذكرته لأحمد بن صالح، فقال: هذا غلط، مات عقبة في خلافة معاوية. وكذلك أرخه الواقدي وغيره، زاد في آخرها: وأما قول خليفة بن خياط: قتل في النهروان من أصحاب علي، أبو عمرو «1» عقبة بن عامر الجهني فهو آخر، بدليل قول خليفة في تاريخه في سنة ثمان وخمسين مات عقبة بن عامر الجهني. انتهى كلام شيخ الإسلام ابن حجر. وقال صاحب كتاب «العقود الدرية في الأمراء المصرية» : توفي عقبة في سنة ثمان وخمسين بمصر، وقبره يزار بالقرافة. وقال صاحب كتاب «مهذب الطالبين إلى قبور الصالحين» : عقبة بن عامر الجهني من أعلام الصحابة معدود من خدّام النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وكان يأخذ بزمام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقودها في الأسفار، وعدد له رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل المعوذتين وحثه على قراءتهما؛ وهو أحد من شهد فتح مصر من الصحابة، وولي مصر لمعاوية بن أبي سفيان بعد عتبة بن أبي سفيان، ثم غزا في البحر سنة سبع وأربعين. وهو أول من نشر الرايات على السفن، فلما خرج إلى الغزو جاء كتاب معاوية بعزله وولاية مسلمة، فلم يظهر مسلمة ولايته، فقال عقبة: ما لي أرى الأمر أبطأ علي؟ قالوا: ولى مسلمة بن مخلد، قال عقبة: ما أنصفنا معاوية عزلنا وغرّبنا.

قال: ولأهل مصر فيه اعتقاد عظيم، ولهم عنه نحو مائة حديث. وقد ذكر ابن عبد الحكم أحاديثه التي رواها عنه أهل مصر. الحديث الأول- منها: «من توضأ فأحسن وضوءه ثم صلى [صلاةً «1» ] غير ساهٍ ولا لاهٍ كفر عنه ما كان قبلها من سيئاته «2» » . الحديث الثاني- قال عقبة: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «تعجب «3» ربك من شاب ليس له صبوة» الحديث الثالث- قال «4» عقبة: كنت آخذ بزمام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غاب المدينة، فقال لي: «يا عقبة ألا تركب» فأشفقت أن تكون معصية، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وركبت هنيهة، ثم ركب فقال: «ألا أعلمك سورتين» فقلت: بلى يا رسول الله، قال: فأقرأنى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ، ثم أقيمت الصلاة فتقدم وصلى بهما وقال: «اقرأهما كلما نمت وقمت» . ثم قال: وليس في الجبانة قبر صحابي مقطوع به إلا قبر عقبة فإنه زاره الخلف عن السلف. وقال الشيخ الموفّق ابن عثمان في تاريخه المرشد ناقلاً عن حرملة من أصحاب الشافعي: إن البقعة التي دفن فيها عقبة المذكور بها أيضاً قبر عمرو بن العاص وقبر

أبي بصرة الصحابيين، تحويهم القبة التي هدمها السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ثم بناها البناء المعهود الآن. ورئي بعض الأمراء في النوم ممن جاوره، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بمجاورة عقبة. وروي له من البركات روايات كثيرة: منها أن رجلاً أسر له ولد فأتى قبر عقبة ودعا الله عز وجل فقام من عند قبره فلقي ابنه في الطريق. انتهى كلام صاحب مهذب الطالبين. *** السنة الأولى من ولاية عقبة بن عامر الجهني على مصر وهي سنة خمس وأربعين- فيها غزا معاوية بن حديج إفريقية من بلاد المغرب. وفيها سار عبد الله بن سوار العبدي فافتتح القيقان وغنم وسلم وعاد. وفيها عزل عبد الله ابن عامر عن البصرة، فاستعمل عليها معاوية الحارث بن عمرو الأزدي ثم عزل عن قريب وولّى عليها زياد بن أبيه، فبادر زياد وقتل سهم بن غالب الذي كان خرج في أول الأمر على معاوية وصلبه. وفيها توفيت أم المؤمنين حفصة بنت عمر ابن الخطاب زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمها زينب بنت مظعون أخت عثمان بن مظعون. قال ابن سعد بإسناده: ولدت حفصة وقريش تبني البيت قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس سنين. وذكر الذهبي وفاتها في سنة إحدى وأربعين وتابعه جماعة على ذلك. وفيها توفّى زيد بن ثابت بن الضحّاك ابن زيد الأنصاري الصحابي، وهو من الطبقة الثالثة من الأنصار، كنيته أبو سعيد وقيل أبو خارجة. قال الإمام أحمد بن حنبل حدثنا وكيع عن سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرحم أمتي أبو بكر وأشدها في دين الله عمر وأصدقها حياءً عثمان وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت» .

قلت: وهو من كتاب الوحي والقراء. وفيها توفّى سلمة بن سلامة وكنيته أبو عوف. وقيل أبو ثابت. وهو من الطبقة الأولى من الأنصار، صحابي مشهور، شهد العقبتين وبدراً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيها توفّى سهل ابن عمرو بن زيد بن جشم الأنصاري، ذكره ابن سعد في الطبقة الثالثة من الصحابة ممن شهد أحداً «1» والخندق وما بعدهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيها توفّى عاصم ابن عدي، وهو من الطبقة الأولى من الأنصار، وكنيته أبو عمرو «2» وقيل أبو عبد الله، وهو الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر إلى قباء. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وسبعة أصابع. وقال صاحب درر التيجان: وسبعة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وخمسة أصابع. *** السنة الثانية من ولاية عقبة بن عامر الجهني على مصر وهي سنة ست وأربعين- فيها عزل الخليفة معاوية عبد الرحمن بن سمرة عن سجستان وولاها الربيع بن زياد الحارثي، فخاف الترك وجمع ملكهم «كابل شاه» الجموع وزحف على المسلمين فنزح المسلمون عن مدينة كابل، ثم لقيهم الربيع هذا وقاتلهم (أعني الترك) فهزمهم الله تعالى؛ وساق وراءهم المسلمين إلى الرخج، وغنموا منهم شيئاً كثيراً. وشتى المسلمون بأرض الروم في هذه السنة. وفيها توفي عبد الرحمن بن خالد بن الوليد لما رجع من بلاد الروم إلى حمص، وكان قد شتى بالروم وفتح حصوناً كثيرة، فسقاه ابن أثال «3» النصراني شربة مسمومة فمات منها. وهو ممن أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم

ذكر ولاية مسلمة بن مخلد على مصر

وقيل إنه مات في سنة تسع وأربعين. وفيها توفي هرم بن حيان العبدي «1» البصري ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من الفقهاء المحدثين والزهاد من أهل البصرة، وهو أحد الزهاد الثمانية. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وسبعة «2» أصابع، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وتسعة أصابع. وفي الدرر: ثمانية عشر ذراعاً وتسعة أصابع. *** السنة الثالثة من ولاية عقبة بن عامر الجهني على مصر وهي سنة سبع وأربعين- فيها عزل عقبة المذكور عن مصر. وفيها سار رويفع بن ثابت الأنصاري من طرابلس الغرب ودخل إفريقية ثم عاد من سنته. وفيها غزا عبد الله بن سوار العبدي القيقان أيضاً، فجمع له الترك والتقوا معه فاستشهد عبد الله وسائر من كان معه من الجيوش. وفيها شتى مالك بن هبيرة بأرض الروم. وفيها أقام الموسم عنبسة ابن أبي سفيان. وفيها توفي قيس بن عاصم بن سنان؛ ذكره ابن سعد في الطبقة الرابعة في الصحابة ممن أسلم من العرب ورجع إلى بلاد قومه، وكنيته أبو علي وقيل أبو قبيصة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وثلاثة عشر إصبعاً. وفي درر التيجان: وثلاثة وعشرون إصبعاً، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وسبعة أصابع. ذكر ولاية مسلمة بن مخلد على مصر هو مسلمة بن مخلّد بن صامت بن نياز بن لوذان بن عبد ودّ بن زيد بن ثعلبة ابن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج بن حارثة، أبو معن «3» وقيل أبو سعيد،

الصحابي الأنصاري (ومسلمة بفتح الميم وسكون السين المهملة، ومخلد بضم الميم وتشديد اللام) . ولاه معاوية بن أبي سفيان مصر بعد عزل عقبة بن عامر الجهني في سنة سبع وأربعين حسبما تقدم ذكره في أخر ترجمة عقبة، وجمع له معاوية الصلاة والخراج وبلاد المغرب. فلما ولي مسلمة مصر انتظمت غزواته في البر والبحر: منها غزوة القسطنطينية الآتي ذكرها، ولم يحضرها غير أنه حسن لمعاوية غزوها. وفي أيام ولايته على مصر نزلت الروم البرلس «1» في سنة ثلاث وخمسين فاستشهد في الوقعة وردان مولى عمرو بن العاص في جمع من المسلمين. وفي إمرته لمصر أيضاً هدم ما كان عمرو بن العاص بناه من المسجد بمصر وبناه هو وأمر ببناء منار المسجد، وهو أول من أحدث المنار بالمساجد والجوامع. وخرج مسلمة إلى الإسكندرية في سنة ستين واستخلف على مصر عابس بن سعيد، فجاءه الخبر بموت معاوية بن أبي سفيان في شهر رجب منها واستخلاف يزيد بن معاوية بعد أبيه، وكتب إليه يزيد بن معاوية وأقره على عمل مصر، وكتب إليه أيضاً بأخذ البيعة له؛ فندب مسلمة عابساً وكتب إليه من الإسكندرية بذلك؛ فطلب عابس أهل مصر وبايع ليزيد فبايعه الجند والناس إلا عبد الله بن عمرو بن العاص، فدعا عابس بالنار ليحرق عليه بابه، فحينئذ بايع عبد الله بن عمرو ليزيد على كره منه. ثم قدم مسلمة من الإسكندرية فجمع لعابس مع الشرطة القضاء في أوّل سنة إحدى وستين. اهـ. وقال الذهبي: مسلمة بن مخلد الأنصاري له صحبة ورواية، وحدّث عنه شيبان ابن أمية وعلي بن رباح ومجاهد وعبد الرحمن بن شماسة وغيرهم، قال: ولدت حين

قدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة، وقد ولي ديار مصر لمعاوية. انتهى كلام الذهبي. وقال ابن عبد «1» الحكم: مسلمة بن مخلد الأنصاري لهم عنه حديث واحد ليس [لهم «2» ] عنه غيره، وهو حديث موسى بن علي عن أبيه أنه سمعه يقول وهو على المنبر: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين. لم يرو عنه غير أهل مصر، وأهل «3» البصرة لهم عنه حديث واحد، وهو حديث أبي هلال الراسبي قال حدثنا جبلة ابن عطية عن مسلمة بن مخلد: أنه رأى معاوية يأكل، فقال لعمرو بن العاص: إن ابن عمك لمخضد، ثم قال: أما إني أقول هذا وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم علمه الكتاب ومكن له في البلاد ووقه العذاب» . وربما أدخل بعض المحدثين بين جبلة بن عطية وبين مسلمة رجلاً. وقد ولي مسلمة بن مخلد مصر، وهو أول من جمع له مصر والمغرب، وتوفي سنة اثنتين وستين، وكان يكنى أبا سعيد. انتهى كلام ابن عبد الحكم. وكان مسلمة كثير العبادة. قلت: وأما غزوة القسطنطينية التي وعدنا بذكرها فإنها كانت في سنة تسع وأربعين؛ وكان مسلمة هذا حرض معاوية عليها، فأرسل إليها معاوية جيشاً كثيفاً وأمر عليهم سفيان بن عوف وأمر ابنه يزيد بالغزاة معهم، فتثاقل يزيد واعتذر، فأمسك عنه أبوه، فأصاب الناس في غزاتهم جوع ومرض شديد؛ فأنشد يزيد يقول:

ما إن أبالي بما لاقت جموعهم ... بالغذقذونة «1» من حمى ومن موم إذا اتكأت على الأنماط مرتفقاً ... بدير مران عندي أم كلثوم - وأم كلثوم امرأته وهي ابنة عبد الله بن عامر- فبلغ معاوية شعره فأقسم عليه ليلحقن بسفيان بأرض الروم ليصيبه ما أصاب الناس، فسار ومعه جمع كبير. وكان في هذا الجيش ابن عباس وابن عمرو ابن عمرو «2» وابن الزبير وأبو أيوب الأنصاري وغيرهم، فأوغلوا في بلاد الروم [حتى بلغوا القسطنطينية «3» ] ، فاقتتل المسلمون والروم واشتد الحرب بينهم، فلم يزل عبد العزيز يتعرض للشهادة فلم يقتل، ثم حمل بعد ذلك عليهم وانغمس بينهم. فشجره الروم برماحهم حتى قتلوه، فبلغ معاوية قتله فقال لأبيه: هلك والله فتى العرب! فقال أبوه لمعاوية: ابني أم ابنك؟ فقال: ابنك، فآجرك الله؛ فقال: فإن يكن الموت أودى به ... وأصبح مخ الكلابي زيرا فكل فتى شارب كأسه ... فإما صغيراً وإما كبيرا قال مجاهد: صليت خلف مسلمة بن مخلد، فقرأ سورة البقرة فما ترك ألفاً ولا واواً. وقال ابن سعد في كتاب الطبقات الكبرى من تصنيفه: حدثنا معن بن عيسى حدثنا موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن مسلمة بن مخلد قال: أسلمت وأنا ابن أربع سنين، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن أربعة عشرة سنة.

وقال محمد بن عمرو: «1» يروي مسلمة بن مخلّد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال: وتحول إلى مصر ونزلها، وكان مع أهل خربتا، وكانوا «2» أشدّ أهل المغرب [وأعده] «3» ، وكان له بها ذكر ونباهة؛ ثم صار إلى المدينة فمات بها فى خلافة معاوية. اهـ. قلت: وهذا القول يخالف فيه الجمهور. والذي قاله المؤرخون: إنه استمر على عمله حتى توفي لخمس بقين من شهر رجب سنة اثنتين وستين. وكانت ولايته على مصر خمس عشرة سنة وأربعة أشهر. وتولى مصر من بعده سعيد بن يزيد. وقال الحافظ أبو سعيد عبد الرحمن بن يونس على ما أخبرنا: شهد مسلمة فتح مصر واختط بها، وولي الجند لمعاوية بن أبي سفيان ولابنه يزيد بن معاوية؛ وروى عنه من أهل مصر علي بن رباح وهشام بن أبي رقيّة وأبو قبيل وهلال ابن عبد الرحمن ومحمد بن كعب وغيرهم، توفي بالإسكندرية سنة اثنتين وستين في ذي القعدة. حدثنا علي بن سعيد الرازي حدثنا عثمان بن أبي شيبة أخبرنا وكيع حدثنا موسى ابن علي عن أبيه قال: سمعت مسلمة بن مخلّد يقول: ولدت حين قدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة، وتوفي وأنا ابن عشر سنين. قال ابن يونس: هذا الحديث غريب، وقد رواه معن بن عيسى وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهما عن موسى ابن علي. انتهى كلام ابن يونس. هذا ما وقع لنا من أخبار مسلمة بن مخلد المذكور، ويأتي ذكره أيضاً في سني ولايته على مصر كما هي عادتنا في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

*** السنة الأولى من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة ثمان وأربعين- فيها كتب معاوية بن أبي سفيان الخليفة إلى زياد لما بلغه قتل عبد الله بن سوار: أنظر لي رجلاً يصلح لثغر الهند أوجهه إليه؛ فوجه إليه زياد سنان بن سلمة «1» الهذلي، فولاه معاوية الهند. وفيها عزل معاوية مروان بن الحكم عن إمرة المدينة بسعيد بن العاص الأموي. وفيها قتل بالهند عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي. وفيها توفي الحارث بن قيس الجعفي الفقيه صاحب عبد الله بن مسعود، وقيل: إنه مات في غير هذه السنة. وفيها كان مشتى عبد الرحمن القيني «2» بإنطاكية. وفيها كانت صائفة عبد الله بن قيس الفزاري. وفيها كانت غزوة مالك بن هبيرة السكوني في البحر. وفيها استعمل زياد غالب بن فضالة الليثي على خراسان، وكانت له صحبة. وفيها حج بالناس مروان بن الحكم، وهو يتوقع العزل لموجدةٍ كانت من معاوية عليه، وارتجع معاوية منه فدك وكان وهبها له. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستة أذرع وعشرون إصبعاً، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعاً وإصبعان. *** السنة الثانية من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة تسع وأربعين- فيها شتى مالك بن هبيرة بأرض الروم، وقيل ما شتى بها إلا فضالة بن عبيد الأنصاري. وفيها حج بالناس سعيد بن العاص؛ وفيها قتل زياد بالبصرة الخطيم الباهلىّ الخارجىّ.

وفيها خرج على المغيرة بن شعبة وهو والي الكوفة شبيب بن بجرة الأشجعي، وهو غير شبيب الذي خرج على الحجاج بن يوسف، فوجه إليه المغيرة كثير بن شهاب الحارثي فقتله بأذربيجان. وكان شبيب ممن شهد النهروان. وفيها كانت غزوة فضالة بن عبيد جربة «1» وشتى بها، وفتحت على يده وأصاب فيها سبايا كثيرة. وفيها كانت صائفة عبد الله بن كرز البجلي. وفيها كانت غزوة يزيد بن شجرة الرهاوي بالبحر فشتى بأهل الشام. وفيها كانت غزوة عقبة بن نافع في البحر فشتى بأهل مصر. وفيها عزل مروان عن المدينة بسعيد بن العاص في شهر ربيع الأول، فكانت ولاية مروان ثماني سنين وشهرين، وكان على قضاء المدينة عبد الله بن الحارث بن نوفل فعزله سعيد حين ولي واستقضى أبا سلمة بن عبد الرحمن. وفيها توفي الحسن بن علي، والأصح أنه في الآتية، كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وإصبعان، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وستة أصابع. *** السنة الثالثة من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة خمسين من الهجرة- فيها وجّه زياد الربيع الحارثي إلى خراسان فغزا بلخ وكانت قد انتقضت بعد رواح الأحنف بن قيس عنها فصالحوا الربيع هذا ورحل عنها وغزا قوهستان فافتتحها عنوة. وفيها أراد معاوية نقل منبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم من المدينة وأن يحمل إلى الشام، وقال: لا يترك هو وعصا النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهم قتلة عثمان، فطلب العصا وهي عند سعد القرظ، وحرك المنبر فكسفت

الشمس حتى رئيت النجوم باديةً «1» ، فأعظم الناس ذلك فتركه. وقيل: بل أتاه جابر وأبو هريرة فقالا له: يا أمير المؤمنين، لا يصلح أن يخرج منبر النبي صلى الله عليه وسلم من موضع وضعه وتنقل عصاه إلى الشام، فانقل المسجد؛ فتركه معاوية وزاد فيه ست درجات واعتذر مما صنع. وفيها افتتح معاوية بن حديج (بضم الحاء المهملة مصغراً) فتحاً كبيراً بالمغرب، وكان قد جاءه عبد الملك بن مروان في مدد أهل المدينة. وهذه أول غزوة لعبد الملك بن مروان. وفيها ولى معاوية زياداً البصرة والكوفة معاً بعد موت المغيرة بن شعبة، فعزل زياد الربيع عن سجستان وولاها لعبيد الله بن أبي بكرة. وفيها غزا يزيد بن معاوية القسطنطينية وكان معه فيها وجوه الناس، وممن كان معه أبو أيوب الأنصاري وقد ذكرناها (أعني هذه الغزوة فى أصل الترجمة) . وفيها توفى السيد حسن بن علىّ ابن أبي طالب رضي الله عنه، وكنيته أبو محمد الهاشمي، القرشي السيد ابن السيد ابن السيدة فاطمة الزّهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد في شعبان سنة ثلاث من الهجرة، وقيل في نصف شهر رمضان منها، قاله الواقدىّ. وكان ريحانة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وشبيهاً به. ولي الخلافة بعد موت أبيه علي بن أبي طالب في شهر رمضان سنة أربعين؛ واجتمع عليه المسلمون وأحبوه حباً شديداً وألزموه حرب معاوية، فسار على كرهٍ منه، فلما كان في بعض الطريق اختلف عليه بعض أصحابه فضاق صدره، ثم أرسل إلى معاوية يسأله الصلح ويسلم له الأمر، فوقع ذلك وشق على أصحابه وكادت نفوسهم تذهب، ودخل عليه سفيان أحد أصحابه وقال له: السلام عليك

يا مذل المؤمنين؛ فقال الحسن: لا تقل ذلك، إني كرهت أن أقتلكم في طلب الملك. قال الحافظ الذهبي قال أبو بكرة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقول: «إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين» أخرجه البخاري. وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» صححه الترمذي. قلت: ومناقب الحسن كثيرة يضيق هذا المحل عن ذكرها، وكانت وفاته بالمدينة في شهر ربيع الأول ودفن بالبقيع رضي الله عنه. وفيها توفيت أم المؤمنين صفية بنت حيىّ بن أخطب بن سعية «1» من سبط لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، ثم من ولد هارون أخي موسى عليهما السلام؛ سباها النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر، وجعل عتقها صداقها وتزوجها، وماتت في هذه السنة وقيل في سنة ست وثلاثين، والأول أشهر. وفيها كانت بناية مدينة القيروان بالمغرب. وفيها كان الطاعون العظيم بالكوفة وأميرها المغيرة بن شعبة، ومات فيه بعد أن فر منه. وهذا الطاعون رابع طاعون مشهور وقع في الإسلام؛ فإن الأول كان بالمدائن فى عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ والثاني طاعون عمواس «2» في زمان عمر رضي الله عنه؛ والثالث بالكوفة وأميرها أبو موسى الأشعري؛ ثم هذا الطاعون أيضاً بالكوفة. وفيها توفي المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود، أبو عيسى ويقال أبو محمد،

صحابي مشهور، وكان من دهاة العرب، يقال له: مغيرة الرأي، وكان كثير الزواج. قال المغيرة: تزوجت بسبعين امرأة. وقال مالك: كان المغيرة نكاحاً للنساء، ويقول: صاحب المرأة إن مرضت مرض وإن حاضت حاض؛ وصاحب المرأتين بين نارين تشعلان. وقال ابن المبارك: كان تحت المغيرة أربع نسوة فصفهن بين يديه وقال: أنتن حسان الأخلاق، طويلات الأعناق، ولكني رجل مطلاق، فأنتنّ الطلاق. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وستة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وأربعة أصابع. *** السنة الرابعة من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة إحدى وخمسين من الهجرة- فيها حج بالناس معاوية وأخذهم ببيعة ابنه يزيد. وفيها كانت مقتلة حجر بن عدي وعمرو بن الحمق وأصحابهما. قال ابن الأثير في تاريخه الكامل قال الحسن «1» : أربع خصال كن في معاوية لو لم تكن فيه إلّا واحدة لكانت موبقة: انتزاؤه «2» على هذه الأمة بالسيف حتى أخذ الأمر من غير مشهورة وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة، واستخلافه ابنه بعده سكيراً خميراً يلبس الحرير ويضرب بالطنابير، وادعاؤه زيادا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» ، وقتله حجراً وأصحاب حجر، فيا ويلاه من حجر! ويا ويلاه من أصحاب حجر!! وفيها توفي سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى أبو الأعور القرشي العدوي الصحابي؛

أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، كان أميراً على ريع «1» المهاجرين، وولي دمشق نيابة عن أبي عبيدة بن الجراح وشهد فتحها، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها بعد بدر. وقال الواقدي: توفي سنة إحدى وخمسين، وهو ابن بضع وسبعين سنة، وقبره بالمدينة ونزل في قبره سعد وابن عمر، وكان رجلاً آدم طويلاً أشعر. وفيها توفي أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد [بن «2» ] عوف بن غنم بن مالك بن النجار، الخزرجىّ النجّارىّ المدني الصحابي، شهد بدراً والعقبة، وعليه نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة فبقي في داره شهراً حتى بنيت حجرته ومسجده، وكان من نجباء الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. وفيها توفيت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة سبع من الهجرة، وروى عنها مولياها عطاء وسليمان ابنا يسار وابن أختها يزيد بن الأصم وابن أختها عبد الله بن عباس وابن أختها عبد الله ابن شداد بن الهاد وجماعة أخر؛ وكانت قبل النبي صلى الله عليه وسلم عند أبى رهم ابن عبد العزّى العامرىّ فتأيّمت منه، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت أمرها إلى العباس فزوجها منه، وبنى بها بسرف بطريق مكة لما رجع من عمرة القضاء، وهي أخت لبابة الكبرى زوجة العباس ولبابة الصغرى آم خالد بن الوليد، وأخت أسماء بنت عميس لأمها، وأخت زينب بنت خزيمة أيضاً لأمها. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وخمسة أصابع، مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعاً وثلاثة وعشرون إصبعاً. وفي درر التيجان: وستة وعشرون إصبعا.

*** السنة الخامسة من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة اثنتين وخمسين- فيها شتى بسر بن أبي أرطاة بأرض الروم (وهو بضم الموحدة وسكون السين المهملة) . وفيها حج بالناس سعيد بن العاص. وفيها توفي أبو أيوب الأنصاري، واسمه خالد بن زيد فى قول بن الأثير، كان من نجباء الصحابة، شهد العقبة وبدراً وأحداً وقد تقدم ذكره ووفاته في سنة تسع وأربعين. وفيها توفي كعب بن عجرة ولد خمس وسبعون سنة. وفيها صالح عبيد الله بن أبى بكرة الثقفىّ رتبيل «1» وبلاده على ألف ألف درهم. وفيها ولد يزيد بن أبي حبيب فقيه أهل مصر. وفيها توفي عمران بن الحصين بن عبيد ابن خلف، أبو نجيد (بضم النون مصغراً) ، الخزاعي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولي قضاء البصرة، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعثه إليهم ليفقههم. وفيها توفي معاوية بن حديج التجيبي الكندي، وقد تقدم من أخباره نبذ كثيرة فيما تقدم. وهو من كبار العثمانية وممن كان بخربتا وحارب جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقتل محمد بن أبي بكر الصديق وكان من أنياب العرب وكبارها. وفيها خرج زياد بن خراش العجلىّ فى ثلثمائة فارس فأتى أرض مسكن من السواد، فسير إليه زياد خيلاً عليها سعد بن حذيفة أو غيره. فقتلوهم وقد صاروا إلى ماه. وخرج أيضاً على زياد رجل من طيّئ يقال له معاذ، فأتى نهر عبد الرحمن بن أم الحكم في ثلاثين رجلاً، فبعث اليه زياد من قتله وقتل أصحابه، وقيل بل حل لواءه واستأمن؛ ويقال لهم أصحاب نهر عبد الرحمن. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وثلاثة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وعشرون إصبعاً.

*** السنة السادسة من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة ثلاث وخمسين- فيها أستعمل معاوية على الكوفة الضحاك بن قيس الفهرىّ بعد موت زياد بن أبيه، واستعمل على البصرة سمرة بن جندب، وعزل عبيد الله ابن أبي بكرة عن سجستان وولاها لعباد بن زياد بن أبيه، فغزا عباد المذكور قندهار حتى بلغ بيت الذهب، فجمع له الهند جمعاً هائلاً، فقاتلهم عباد حتى هزمهم، ولم يزل على إمرة سجستان حتى توفي معاوية بن أبي سفيان. وفيها توفّى عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق في نومة نامها، واسم أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان التيمي القرشي الصحابي، مات بمكة وكان شجاعاً رامياً، أسلم قبل الفتح. وفيها توفي عمرو بن حزم الخزرجي الصحابي، استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على نجران، وكان من نجباء «1» الصحابة. وفيها شتى عبد الرحمن بن أم الحكم بأرض الروم. وفيها أقام الموسم سعيد بن العاص. وفيها أمر معاوية على خراسان عبيد الله بن زياد. وفيها قتل عابد بن ثعلبة البلوي أحد الصحابة، قتله الروم بالبرلس. وفيها فتحت رودس (جزيرة في البحر) فتحها جنادة بن أبي أمية الأزدي ونزلها المسلمون وهم على حذر من الروم، وكانوا أشد شيء على الروم يعترضونهم في البحر ويأخذون سفنهم، وكان معاوية يدر لهم العطاء، وكان العدو قد خافهم، فلما مات معاوية أقفلهم ابنه يزيد. وفيها توفّى زياد بن أبيه، كان ولي الكوفة والبصرة والعراق لمعاوية، وكان من دهاته» ؛ وقال مسكين الدارمىّ يرثيه بقوله: رأيت زيادة الإسلام ولت ... جهاراً حين ودعنا زياد

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وسبعة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وأربعة أصابع. *** السنة السابعة من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة أربع وخمسين- فيها عزل معاوية سعيد بن العاص عن إمرة المدينة وولاها لمروان بن الحكم ثانية. وفيها غزا عبيد الله بن زياد وقطع النهر وعدى إلى بخارا على الإبل، فكان أوّل عربىّ قطع النهر، وافتتح بها البلاد. وفيها وجه الضحاك بن قيس من الكوفة ابن هبيرة الشيباني إلى غزو طبرستان، فصالحه أهلها على خمسمائة ألف درهم. وفيها عزل معاوية سمرة ابن جندب عن البصرة وولاها لعبد الله بن عمرو بن غيلان الثقفي. وفيها حج بالناس مروان بن الحكم أمير المدينة، وقال ابن الأثير «1» : سعيد بن العاص، وكان عامل المدينة. وفيها توفي أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبىّ، حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه ومولاه، كنيته أبو زيد، وقيل أبو محمد، وقيل أبو حارثة. ففي الصحيح عن أسامة قال: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يأخذني والحسين ويقول: «اللهم إني أحبهما فأحبهما» . وأمة أم أيمن بركة حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاته، وكان أسود كالليل وأبوه أبيض أشقر، قاله إبراهيم بن سعد. وفيها توفي ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيها توفي جبير «2» بن مطعم بن عدي بن نوفل النوفلي الصحابي، أسلم بعد بدر وحضر عدّة مشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم. وفيها توفي حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام

النجّارىّ الصحابىّ شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤيد بروح القدس وعاش هو وأبوه وجده وجد أبيه كل واحد مائة وعشرين سنة. وفيها توفي سعيد بن يربوع المخزومي الصحابي عن مائة وعشرين سنة أيضاً، أسلم في الفتح. وفيها توفّى عبد الله ابن أنيس الجهني الصحابي حليف الأنصار شهد العقبة. وفيها توفّى حكيم بن حزام ابن خويلد بن أسد أبو خالد الأسدي الصحابي ابن أخى خديجة زوجة النّبيّ صلى الله عليه وسلم، أسلم في الفتح وكان سيداً شريفاً، ولد في جوف الكعبة وأعتق في الجاهلية والإسلام مائتي رقبة وجاوز مائة السنة من العمر. وفيها توفي أبو قتادة الأنصاري السلمي فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسمه الحارث بن ربعي. وكان من نجباء الصحابة رضي الله عنهم. وفيها توفي مخرمة بن نوفل الزهري الصحابي عن مائة وخمس عشرة سنة، وكان من المؤلفة قلوبهم، والمسور هو ابنه. وفيها مات فيروز «1» الديلمي وكانت له صحبة وكان مع معاوية وأستعمله على صنعاء. وفيها مات فضالة ابن عبيد الأنصاري بدمشق وكان قاضيها، وقيل في موته غير ذلك، شهد أحداً وما بعدها. وخرجت «2» هذه السنة وعلى الكوفة عبد الله بن خالد بن أسيد، وعلى البصرة سمرة، وعلى خراسان خليد بن يربوع الحنفي (وأسيد بفتح الهمزة وكسر السين المهملة وسكون الياء المعجمة باثنتين من تحت) . أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وثلاثة عشر إصبعا، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وثمانية أصابع.

*** السنة الثامنة من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة خمس وخمسين- فيها عزل معاوية عن البصرة عبد الله الثقفي وولاها لعبيد الله بن زياد. وفيها حج بالناس مروان بن الحكم أمير المدينة. وفيها عزل معاوية عبد الله بن خالد عن الكوفة وولّاها الضحّاك بن قيس. وفيها توقى أبو اليسر (بفتح الياء المثناة من تحت والسين) السّلمىّ (بفتحتين أيضا) اسمه كعب بن عمرو، وهو من أعيان الصحابة الأنصار، وهو الذي أسر العباس يوم بدر وشهد العقبة مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم وله عشرون سنة. وفيها توفي سعد بن أبي وقاص وأسمه مالك بن أهيب بن عبد مناف ابن زهرة بن كلاب بن مرة، كنيته أبو إسحاق الزهري، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد السابقين الأوّلين، كان يقال له: فارس الإسلام، وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله، وكأن مقدم الجيوش في فتح العراق، وكان مجاب الدعوة كثير المناقب وشهد بدراً. وروى عثمان بن عبد الرحمن عن الزهري قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيها سعد بن أبي وقاص إلى رابغ وهي من جانب الجحفة، فانكفأ المشركون على المسلمين فحماهم سعد يومئذ بسهامه، وهو أول قتال كان فى الإسلام؛ فقال سعد: ألا هل «1» آتى رسول الله أني ... حميت صحابتي بصدور نبلي فما يعتد رامٍ في عدو ... بسهمٍ يا رسول الله قبلي وفيها توفي الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي، وهو الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يختفي في داره بمكة، وكان عمره ثمانين سنة وزيادة، وقيل مات يوم مات أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستة أذرع وإصبعان، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وستة أصابع. *** السنة التاسعة من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة ست وخمسين- فيها عزل معاوية عبيد الله بن زياد عن خراسان وولى عليها سعيد بن عثمان بن عفان، فغزا سعيد سمرقند ومعه المهلب بن أبي صفرة الأزدي وطلحة الطلحات وأوس بن ثعلبة، وخرج إليه الصّغد «1» فقاتلوه فألجأهم إلى مدينتهم، فصالحوه وأعطوه رهائن. وفيها شتى المسلمون بأرض الروم. وفيها توفيت أم المؤمنين جويرية المصطلقية، وقيل: إنها ماتت في سنة خمسين، وهي جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار المصطلقي، سباها النبي صلى الله عليه وسلم يوم المريسيع في السنة الخامسة، وكان اسمها برة فغير النبي صلى الله عليه وسلم اسمها وتزوجها وجعل صداقها عتق جماعة من قومها، ثم قدم أبوها الحارث بن أبي ضرار على النبي صلى الله عليه وسلم. وعن جويرية قالت: تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت عشرين سنة، وكانت قبل النبى صلى الله عليه وسلم عند ابن عمّهاصفوان ذى «2» الشفر. وفيها غزا يزيد بن شجرة في البحر، وفي البر عياض بن الحارث. وفيها اعتمر معاوية في رجب. وحج بالناس الوليد بن عتبة بن أبي سفيان. وفيها كانت البيعة ليزيد بن معاوية بولاية العهد. وفيها توفي عبد الله بن قرط الأزدي الصحابي أمير حمص.

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم سبعة أذرع وسبعة أصابع، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وإصبعان. *** السنة العاشرة من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة سبع وخمسين- فيها وجه معاوية حسان بن النعمان الغساني إلى إفريقية، فصالحوه «1» من يليه من البربر وضرب عليهم الخراج وبقي عليها حتى توفي معاوية وتخلف ابنه يزيد. وفيها عزل معاوية الضحاك عن الكوفة وولاها عبد الرحمن بن أم الحكم. وفيها عزل معاوية مروان بن الحكم عن المدينة وأمر عليها الوليد بن عتبة بن أبي سفيان. وفيها عزل معاوية سعيد بن عثمان عن خراسان وأعاد عليها عبيد الله بن زياد. وفيها شتى عبد الله بن قيس بأرض الروم. وفيها توفي السائب بن أبي وداعة السهمي الصحابي وكان أسر يوم بدر وأسلم بعد ذلك. وفيها توفى عثمان بن طلحة ابن شيبة العبدري، وقيل في سنة تسع وخمسين وهو جد بني شيبة حجبة الكعبة، وأسلم يوم الفتح، وقيل يوم حنين. وفيها غزا مالك بن عبد الله الخثعمي أرض الروم وعمرو بن يزيد «2» الجهني في البحر، وقيل جنادة بن أبي أمية. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع واثنا عشر إصبعا، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وخمسة عشر إصبعاً.

*** السنة الحادية عشرة من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة ثمان وخمسين- فيها غزا عقبة بن نافع من قبل مسلمة بن مخلد القيروان واختط عقبة مدينة القيروان وابتناها. وفيها توفيت أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما فقيهة نساء هذه الأمة، وكنيتها أم عبد الله التيمية، دخل بها النبي صلى الله عليه وسلم في شوال بعد بدر ولها من العمر تسع سنين، وهي أحب نساء النبي صلى الله عليه وسلم «1» إليه بعد خديجة، روى عنها جماعة كثيرة من الصحابة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» ، وقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً: «يا عائشة هذا جبريل يقرئك السلام» فقالت: عليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى ما لا أرى. وعن عائشة: أن جبريل جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه زوجتك في الدنيا والآخرة. رواه الترمذي وحسنه. قلت: وفضل ومناقب عائشة كثيرة وكانت وفاتها في شهر رمضان، وقال الواقدي: في ليلة سابع عشر رمضان ودفنت بالبقيع ليلا، فلم ترليلة أكثر ناساً منها، وصلى عليها أبو هريرة، وماتت ولها ست وستون سنة رضي الله عنها. وفيها عزل معاوية الضحاك بن قيس عن الكوفة وأستعمل عوضه عبد الرحمن بن عبد الله الثقفي وهو ابن أم الحكم وهو ابن أخت معاوية، وفي عمله في هذه السنة خرجت الخوارج الذين كان المغيرة بن شعبة حبسهم، فجمعهم حيان بن ظبيان السلمي ومعاذ بن جوين

الطائي فخطباهم وحثاهم على الجهاد، فبايعوا حيان بن ظبيان وخرجوا [إلى بانقيا «1» ] فسار الجيش إليهم من الكوفة فقتلوهم جميعاً؛ ثم إن عبد الرحمن بن أم الحكم طرده أهل الكوفة لسوء سيرته فلحق بخاله معاوية فولاه مصر فاستقبله معاوية بن حديج على مرحلتين من مصر فقال: ارجع إلى خالك فلا «2» تسرفينا سيرتك في إخواننا أهل الكوفة، فرجع إلى معاوية؛ ثم توجه ابن حديج إلى معاوية في السنة يعاتبه كما نذكره إن شاء الله تعالى بعد وفاة أبي هريرة. وفيها توفي أبو هريرة وقيل في التي بعدها، والأكثر على أن وفاته في هذه السنة. وفي اسم أبي هريرة واسم أبيه أقوال كثيرة. قال أبو عبد الله الذهبي: أشهرها عبد الرحمن بن صخر، وكان اسمه قبل الإسلام عبد شمس. وقال: كناني أبي بأبي هريرة لأني كنت أرعى غنماً فوجدت أولاد هرة وحشية فأخذتها «3» ، فقال: أنت أبو هريرة. وهو من المكثرين من الصحابة، وهو دوسي، ودوس: قبيلة من الأزد، ومات وله ثمان وسبعون سنة. وفيها وفد معاوية ابن حديج على معاوية بن أبي سفيان الخليفة، وكان إذا قدم معاوية على معاوية زينت له الطرق [بقباب «4» الريحان] تعظيماً لشأنه، فدخل على معاوية وعنده أخته أم الحكم، فقالت: من هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال: بخٍ بخٍ! هذا معاوية بن حديج؛ فقالت: لا مرحبا «سماعك بالمعيدي خير من أن تراه» ؛ فسمعها معاوية ابن حديج فقال: على رسلك يا أم الحكم، والله لقد تزوجت فما أكرمت، وولدت

فما أنجبت «1» ، أردت أن يلي ابنك الفاسق علينا فيسير فينا كما سار في أهل الكوفة! ما كان الله ليريه ذلك، ولو فعله لضربناه ضربا يطأطئ منه ولو كره هذا القاعد (يعني خاله معاوية) ؛ فالتفت إليها معاوية وقال لها: كفي، فكفت عن الكلام. وفيها توفي عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب، أحد الأجواد وله صحبة ورواية. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وأربعة عشر إصبعاً. وفي درر التيجان: وأربعة وعشرون إصبعاً، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعاً وأحد عشر إصبعاً. *** السنة الثانية عشرة من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة تسع وخمسين- فيها شتى عمرو بن مرة بأرض الروم في البر. وفيها حج بالناس الوليد بن عتبة، وقيل عثمان بن محمد بن أبي سفيان. وفيها غزا أبو المهاجر دينار فنزل على قرطاجنة وخرج إليه أهلها فالتقوا وكثر القتل بين الفريقين حتى حجز الليل بينهم، وانحاز المسلمون من ليلتهم فنزلوا جبلاً في قيلة بولس، ثم عاودوهم وصالحوهم على أن يخلوا لهم الجزيرة، ثم افتتح أبو المهاجر المذكور ميلة «2» ، وكانت إقامته بها في هذا الغزو نحواً من سنتين. وفيها توفي عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس القرشي العبشمي أبو عبد الرحمن. قال الذهبي: رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وله حديث، وهو: «من قتل دون ماله فهو شهيد» ، وروى عنه حنظلة بن قيس. وأسلم والده يوم الفتح. وفيها توفي مرة بن كعب البهزي السلمي «3» له صحبة. وفيها توفي سعيد بن العاص بن أبى أحيحة بن سعيد

ابن العاص بن أمية، أمير الكوفة لعثمان، وكان فصيحاً سخياً، ولد بعيد الهجرة، وهلك أبوه يوم بدر. وفيها توفي شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدري حاجب الكعبة ابن أخت مصعب بن عمير، شهد خيبر كافراً ونيته اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم ثم أسلم يومئذ. وفيها توفي أبو محذورة، واسمه الياس وقيل سمرة ابن معير الجمحي، مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم وكان من أندى الناس صوتاً. وخرجت هذه السنة والوالي على الكوفة النعمان بن بشير، وعلى البصرة عبيد الله بن زياد، وعلى المدينة الوليد بن عتبة، وعلى خراسان عبد الرحمن «1» بن زياد، وعلى سجستان عباد بن زياد، وعلى كرمان شريك بن الأعور. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وسبعة عشر إصبعاً. وفي كتاب درر التيجان: وسبعة وعشرون إصبعاً، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وأحد عشر إصبعاً. *** السنة الثالثة عشرة من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة ستين- فيها توفي الخليفة أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان، واسم أبى سفيان صخر بن حرب ابن أمية بن عبد شمس أبو عبد الرحمن القرشي الأموي، وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة، وأسلم معاوية قبل أبيه في عمرة القضاء، وبقي يخاف من الخروج إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أبيه، ولي إمرة الشام لعمر ثم لعثمان، ثم نازع علياً الخلافة حتى وليها من بعده في سنة أربعين من الهجرة بعد موت علي بن أبي طالب وبعد أن سلم إليه الحسن بن علي الأمر، بعد أمور وقعت مع علي وابنه الحسن رضي الله

عنهما. قال الذهبي: وأظهر إسلامه يوم الفتح، وكان رجلاً طويلاً أبيض جميلاً مهيلاً «1» إذا ضحك انقلبت شفته العليا، وكان يخضب بالصفرة اهـ. قلت: وهو كاتب النبي صلى الله عليه وسلم وأخو زوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان المقدم ذكرها. وكانت وفاة معاوية في شهر رجب وله سبع وسبعون سنة، وتولى ابنه يزيد الخلافة من بعده. وفيها كانت غزوة مالك بن عبد الله سورية. وفيها أيضاً كان دخول جنادة رودس وهدم بيوتها في قول بعضهم. وفيها توفي أبو عبد الرحمن بلال بن الحارث المزني الذي أقطعه النبي صلى الله عليه وسلم معادن القبلية «2» ، عاش ثمانين سنة. وفيها توفي أبو حميد الساعدي المدني الصحابي أحد من نزل البصرة من الصحابة، وهو الذي وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم. وفيها توفي سمرة بن جندب الصحابي الفزاري. وفيها حج بالناس عمرو بن سعيد الأشدق، وكان العامل على مكة والمدينة. وفيها توفيت الكلابية التي استعاذت من النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها ففارقها، وكان قد أصابها جنون. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستة أذرع وعشرون إصبعاً، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وثلاثة أصابع *** السنة الرابعة عشرة من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة إحدى وستين- فيها كانت مقتلة السيد الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ريحانة النبي صلى الله عليه وسلم وابن بنته فاطمة بكربلاء في يوم عاشوراء، وقصته

طويلة يجرح ذكرها القلوب، غير أننا نختصر منها ما نعرف به وفاته وكيفية خروجه حتى ظفر به. وهو أنه لما ولي يزيد بن معاوية الخلافة بعد موت أبيه بايع الناس السيد الحسين بالخلافة وخرج في جموعه بعد أن خلع الفاسق يزيد المذكور من الخلافة، فانتدب لقتاله بأمر يزيد ابن مرجانة (أعني عبيد الله بن زياد) وقاتله حتى ظفر به وقتله بعد أمور وحروب. وكان قاتل الحسين رضي الله عنه الشمر «1» اللعين الطريد من رحمة الله، قتله بكربلاء. وقتل مع الحسين من إخوته لأبيه جعفر وعتيق ومحمد والعباس الأكبر بنو علي، وابن الحسين الأكبر علي، وهو غير علي زين العابدين، وابنه عبد الله، وابن أخيه القاسم بن الحسن، ومحمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأخوه عون، وقتل معه أيضاً عبد الله وعبد الرحمن ابنا مسلم بن عقيل رضي الله عنهم أجمعين. ولما جيء برأس الحسين إلى عبيد الله بن زياد جعل ينكت بقضيب على ثناياه وقال: إن كان لحسن الثغر! فقال له أنس «2» : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل موضع قضيبك من فيه. ثم بعث بالرأس إلى يزيد بن معاوية، فلما حضروا برأس الحسين عند يزيد أنشد. نفلّق هاماً من أناس أعزةٍ ... علينا وهم كانوا أعق وأظلما وفيها توفي عثمان بن زياد بن أبيه أخو عبيد الله بن زياد المذكور، مات شاباً وسنه ثلاث وثلاثون سنة. وفيها توفيت أم المؤمنين أم سلمة، واسمها هند بنت

أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومية، زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وهي بنت عم أبي جهل وبنت عم خالد بن الوليد، بنى بها النبي صلى الله عليه وسلم في سنة ثلاث من الهجرة، وكانت قبله عند الرجل الصالح أبي سلمة بن عبد الأسد وهو أخو النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت من أجمل النساء، وطال عمرها وعاشت تسعين سنة وأكثر، وهي آخر أمهات المؤمنين وفاة، وقد حزنت على الحسين وبكت عليه كثيرا. وفيها توفى حمزة بن عمرو الأسلمىّ المدني الذي له صحبة. وفيها حج بالناس الوليد بن عتبة. وفيها توفي جابر بن عتيك الأنصاري، وقيل جبر، «1» وله إحدى وتسعون سنة وشهد بدراً. وفيها توفي علقمة بن قيس النخعىّ صاحب عبد الله ابن مسعود على خلف في وفاته. وفيها توفي خالد بن عرفطة العذري الصحابي له صحبة ورواية، روى عنه عبد الله بن يسار وأبو إسحاق، وكان ولي الكوفة لزياد ابن أبيه. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم سبعة أذرع وستة أصابع، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وأربعة أصابع. وفي درر التيجان: وثمانية أصابع. *** السنة الخامسة عشرة من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة اثنتين وستين- وهي التي مات فيها مسلمة بن مخلد صاحب الترجمة. وفيها توفي أبو مسلم الخولاني اليماني «2» الزاهد سيد التابعين بالشأم، واسمه عبد الله بن ثوب، وقيل ابن عبيد، وقيل ابن مشكم «3» ، وقيل اسمه يعقوب بن عوف؛ قدم المدينة من

ذكر ولاية سعيد بن يزيد على مصر

اليمن في خلافة أبي بكر الصديق، وكان أسلم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. وفيها ولى عبيد الله بن زياد أمير العراق المنذر بن الجارود العبدي على السند. وفيها غزا سالم خوارزم فصالحوه على مال. وفيها حج بالناس عثمان بن محمد بن أبي سفيان بن حرب، وقال ابن الأثير: الوليد بن عتبة. وفيها توفي علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك أبو شبل النخعي الكوفي الفقيه المشهور خال إبراهيم النخعي، قال الذهبي: أدرك الجاهلية وسمع عمر وعثمان وعلياً وابن مسعود وأبا الدرداء وسعد بن أبي وقاص وعائشة وجماعة أخر، وقد ألقاه الأسود الكذاب في النار فلم تضرّه. قاله إسماعيل ابن عياش عن شرحبيل بن مسلم. قلت: الأسود الذي «1» كان ادعى النبوة. وفيها ولد محمد بن علي بن عبد الله بن عباس والد السفاح والمنصور. وفيها توفي بريدة بن الحصيب الأسلمي الصحابي مات بمرو، وكان أسلم قبل بدر. وفيها توفى عبد المطلب ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ابن ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، له صحبة، وأخرج له مسلم. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وثلاثة أصابع، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وأربعة أصابع. ذكر ولاية سعيد بن يزيد على مصر هو سعيد بن يزيد بن علقمة بن يزيد بن عوف الأزدي أمير مصر من أهل فلسطين، ولي إمرة مصر بعد موت مسلمة بن مخلد من قبل يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ودخلها في مستهل شهر رمضان سنة اثنتين وستين من الهجرة، وتلقاه أهل مصر ووجوه الناس وفيهم عمرو الخولاني، فلما رآه قال: يغفر الله

لأمير المؤمنين، أما كان فينا مائة شاب كلهم مثلك يولي علينا أحدهم! ثم دخلوا معه. ولم يزل أهل مصر على الشنآن له والإعراض عنه والتكبر عليه حتى توفي يزيد ابن معاوية ودعا عبد الله بن الزبير الناس لبيعته وقامت أهل مصر بدعوته وسار منهم جماعة كثيرة إليه، فبعث عبد الله بن الزبير عبد الرحمن بن جحدم أميراً على مصر، واعتزل سعيد المذكور، فكانت ولايته سنتين إلا شهراً واحداً. وقال صاحب كتاب «البغية والاغتباط فيمن ملك الفسطاط» : ولاه يزيد ابن معاوية على مصر «1» فقدمها في استهلال شهر رمضان سنة اثنتين وستين، فأقر عابساً على الشرطة؛ ثم ساق نحواً مما قلناه، إلى أن قال: وكانت مدّته على مصر سنتين وأشهرا. قلت: وفي مدة هاتين السنتين وقع له حروب كثيرة شرقاً وغرباً، فأما من جهة الشرق فكانت الفتن ثائرة بين ابن الزبير وبين الأموية حتى قدم ابن جحدم إلى مصر وملكها منه ودعا بها لابن الزبير، هذا مع الفتن التي كانت ببلاد المغرب من خروج كسيلة البربري وتجرد بسببه غير مرة إلى برقة وغيرها. وأمر كسيلة البربري: أنه كان أسلم لما ولي أبو المهاجر إفريقية وحسن إسلامه، فكان من أكابر البربر وصحب أبا المهاجر، فلما ولي عقبة بن نافع إفريقية عرفه أبو المهاجر محل كسيلة وأمره بحفظه، فلم يقبل واستخف به، وأتى عقبة بغنم فأمر كسيلة بذبحها وسلخها مع السلّاخين؛ فقال كسيلة: هؤلاء غلمانى يكفوننى المؤونة؛ فشتمه عقبة وأمره بسلخها ففعل؛ فنصح أبو المهاجر عقبة فلم يسمع؛ فقال: وإن كان لا بد فأوثقه فإني أخاف عليك منه فتهاون به عقبة فأضمر كسيلة

الغدر، فلمّا كان الآن ورأى القوم «1» قلة مع عقبة توثب، وكان في عسكر عقبة جماعة وافقوا كسيلة، ثم راسلته الروم فأظهر كسيلة منذ ذلك ما كان أضمر وجمع أهله وبني عمه وقصد عقبة؛ فقال أبو المهاجر لعقبة: عاجله قبل أن يقوى جمعه، وكان أبو المهاجر موثقاً في الحديد مع عقبة، فزحف عنه عقبة إلى كسيلة، فتنحى كسيلة عن طريقه ليكثر جمعه ويتعب عقبة؛ فلما رأى أبو المهاجر ذلك تمثل بقول أبي محجن الثقفىّ: كفى حزناً أن تطعن «2» الخيل بالقنا ... وأترك مشدوداً علي وثاقيا إذا قمت عناني الحديد وأغلقت ... مصارع من دوني تصم المناديا فبلغ عقبة ذلك، فأطلقه وقال له: الحق بالمسلمين فقم بأمرهم وأنا أغتنم الشهادة؛ فلم يفعل وقال «3» : وأنا أيضاً أريد الشهادة؛ فكسر عقبة والمسلمون أجفان سيوفهم وتقدموا إلى البربر وقاتلوهم حتى قتل المسلمون جميعهم ولم يفلت منهم أحد، وأسر محمد بن أوس الأنصاري في نفر يسير فخلصهم صاحب قفصة وبعث بهم إلى القيروان، فعزم زهير بن قيس البلوي على القتال فلم يوافقه جيش الصنعاني وعاد إلى مصر وتبعه أكثر الناس من العساكر المصرية من جند سعيد صاحب مصر، فاضطر زهير إلى العود معهم فسار إلى برقة وأقام بها، وبعث يستمد المصريين، ووقع له أمور إلى أن ملك إفريقية في سنة تسع وستين.

وأما كسيلة فاجتمع إليه جميع أهل إفريقية وقصد القيروان، وبها أصحاب الأثقال «1» والذراري من المسلمين، فطلبوا الأمان من كسيلة فآمنهم، ودخل القيروان واستولى على إفريقية وأقام بها من غير مدافع إلى أن قوي أمر عبد الملك بن مروان وندب زهيراً ثانية وأمده بالعساكر حتى استولى على إفريقية ودعا بها لعبد الملك ابن مروان. وكان زهير بن قيس المذكور في هذه المدة مرابطاً ببرقة ومن ولي من أمراء مصر يعضده إلى أن كان ما كان. *** السنة الأولى من ولاية سعيد بن يزيد على مصر وهى سنة ثلاث وستين- فيها غزا عقبة بن نافع القيروان وسار حتى دخل السوس «2» الأقصى وغنم وسلم ورد من القيروان، فلفيه كسيلة النصراني فدافعه عقبة بمن معه فاستشهد عقبة بن نافع المذكور في الوقعة وأبو المهاجر مولى الأنصار وعامة أصحابهما، ثم سار كسيلة فخرج لحربه زهير بن قيس البلوي خليفة عقبة على القيروان وواقعه، فانهزم زهير إلى برقة وأقام بها سنين إلى أن ندبه عبد الملك بن مروان لقتاله ثانياً، فتوجه إليه وواقعه، فقتل اللعين كسيلة وهزم جنوده وقتلت منهم مقتلة عظيمة، وقد مر ذلك كله في أول الترجمة مفصلاً. وفيها بعث سالم بن زياد بن أبيه طلحة بن عبد الله الخزاعي والياً على سجستان وأمره أن يفدي إخاه من الآسر ففداه بخمسمائة ألف وأقدمه على أخيه. وفيها كانت وقعة الحرة على باب طيبة، وهو أن يزيد بن معاوية بعث إليها جيشا عليهم مسلم بن عقبة حين خالفوا عليه وأمره بهتك حرمة المدينة،

وكان مع مسلم اثنا عشر ألفاً، فوصل مسلم المذكور إلى المدينة وفعل فيها ما لا يفعله مسلم، فإنه قتل في هذه الوقعة خلقاً من المهاجرين والأنصار وانتهكت حرمة المدينة وآنتهبت وآفتضت فيها ألف عذراء، واستشهد فيها عبد الله بن حنظلة الغسيل «1» في ثمانية من بيته، وله صحبة ورواية، وقتل فيها أيضاً معقل بن سنان الأشجعي صبراً، وأستشهد أيضاً عبد الله بن زيد بن عاصم المازني النجاري، وله صحبة ورواية، وأستشهد فيها أيضاً أفلح مولى أبي أيوب، ومحمد بن عمرو بن حزم الأنصاري ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ومحمد بن ثابت بن قيس بن شماس حنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم بريقه، ومعاذ بن الحارث الأنصاري أبو حليمة القاري الذي أقامه عمر يصلّى التراويح، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله ست سنين، ومحمد بن أبي الجهم بن حذيفة، ومحمد بن أبي حذيفة العدوي؛ كل هؤلاء قتلوا يومئذ؛ وهذا مما اختصرته من مقالة الذهبي. وقد ذكر هذه الواقعة أيضاً أبو المظفر، وساق فيها أموراً شنيعة إلى الغاية، وفيها ذكرناه كفاية يعرف منها حال مسلم بن عقبة المذكور. ويكفيك أنه من يومئذ سمي مسلم المذكور «مسرف بن عقبة» . وقيل: إنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، يأتي ذكر ذلك في وفاته قريباً. انتهى أمر مسرف بن عقبة. وقال خليفة: جميع من أصيب من قريش والأنصار يوم الحرة ثلاثمائة وستة رجال، ثم سرد أسماءهم في ثلاث أوراق. وفيها توفي مسروق بن الأجدع، واسم الأجدع عبد الرحمن بن مالك بن أمية أبو عائشة الهمداني ثم الوداعي الكوفي مخضرم (أعني أنه ولد في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم بعد ذلك) وسمع أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم.

وممن قتل أيضاً في الحرة زيد بن عاصم وليس هو بصاحب الأذان، ذاك زيد بن ثعلبة، والزبير بن عبد الرحمن بن عوف. وحج بالناس عبد الله بن الزبير. وفيها توفي ربيعة بن كعب الأسلمي من أهل الصفة، روى له مسلم. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وسبعة أصابع، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وأربعة أصابع. *** السنة الثانية من ولاية سعيد بن يزيد على مصر وهي سنة أربع وستين- فيها حج بالناس عبد الله بن الزبير، وكان عامله على المدينة أخوه عبيدة «1» بن الزبير، وعلى الكوفة عبد الله بن يزيد الخطمي، وولى قضاءها سعيد بن نمران، وأبى شريح أن يقضي في الفتنة، وعلى البصرة عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي، وعلى قضائها هشام بن هبيرة، وعلى خراسان عبد الله بن خازم. وفيها توفي مسلم بن عقبة المسمى مسرفاً المقدم ذكره في وقعة الحرة. قال محمد بن جرير الطبري: ولما فرغ مسلم من وقعة الحرة توجه إلى مكة، واستخلف على المدينة روح بن زنباع الجذامىّ، فأدرك مسلماً الموت فعهد بالأمر إلى الحصين بن نمير. وذكر الذهبي رحمه الله: أن مسلماً هذا أدرك النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: ولهذا أمسكنا عن الكلام في أمره. وشهد مسلم صفين مع معاوية وكان على الرجالة. وفيها توفي الخليفة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وقد تقدم نسبه في ترجمة أبيه معاوية، مات في نصف شهر ربيع الأوّل، وكان بويع بالخلافة بعد موت أبيه

ذكر خلافة معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبى سفيان الأموى ثالث خلفاء بنى أمية ووفاته

معاوية في شهر رجب سنة ستين، فكانت خلافته ثلاث سنين وسبعة أشهر وأياماً، وكان فاسقاً قليل الدين مدمن الخمر، وهو القائل: أقول لصحبٍ ضمت الكأس شملهم ... وداعي صبابات الهوى يترنّم خذوا بنصيبٍ من نعيم ولذةٍ ... فكل وإن طال المدى يتصرم وله أشياء كثيرة غير ذلك غير أننى أضربت عنها لشهرة فسمه ومعرفة الناس بأحواله. وقد قيل: إن رجلاً قال في مجلس عمر بن عبد العزيز عن يزيد هذا أمير المؤمنين؛ فقال له عمر بن عبد العزيز: تقول: أمير المؤمنين! وأمر به فضرب عشرين سوطاً تعزيراً له. ولما مات يزيد هذا ولي الخلافة من بعده ابنه معاوية ابن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ثالث خلفاء بنى أميّة، وكان رجلاً صالحاً فلم يرد الخلافة وخلع نفسه منها، ومات بعد قليل. ذكر خلافة معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي ثالث خلفاء بني أمية ووفاته كنيته أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو يزيد. بويع بالخلافة بعد موت أبيه يزيد بعهد منه إليه، وذلك في شهر ربيع الأول من سنة أربع وستين، وكان مولده سنة ثلاث وأربعين فلم تطل مدته في الخلافة. قال أبو حفص الفلاس «1» : ملك أربعين ليلة ثم خلع نفسه، فإنه كان رجلاً صالحاً؛ ولهذا يقال في حق أبيه: يزيد شر بين خيرين، يعنون بذلك بين

أبيه معاوية بن أبي سفيان وابنه معاوية هذا. وقيل: إن معاوية هذا لما أراد خلع نفسه جمع الناس وقال: أيها الناس، ضعفت عن أمركم فاختاروا من أحببتم؛ فقالوا: ول أخاك خالداً؛ فقال: والله ما ذقت حلاوة خلافتكم فلا أتقلد وزرها، ثم صعد المنبر فقال: أيها الناس، إن جدي معاوية نازع الأمر أهله ومن هو أحق به منه لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو علي بن أبي طالب، وركب بكم ما تعلمون حتى أتته منيته، فصار في قبره رهيناً بذنوبه وأسيراً بخطاياه؛ ثم قلد أبي الأمر فكان غير أهل لذلك، وركب هواه وأخلفه الأمل، وقصر عنه الأجل. وصار في قبره رهيناً بذنوبه، وأسيراً بجرمه؛ ثم بكى حتى جرت دموعه على خديه ثم قال: إن من أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه وبئس منقلبه، وقد قتل عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأباح الحرم وخرب الكعبة، وما أنا بالمتقلّد ولا بالمتحمل تبعاتكم، فشأنكم أمركم؛ والله لئن كانت الدنيا خيراً فلقد نلنا منها حظاً ولئن كانت شراً فكفى ذرية أبي سفيان ما أصابوا منها، ألا فليصل بالناس حسان ابن مالك، وشاوروا في خلافتكم رحمكم الله. ثم دخل منزله وتغيب حتى مات في سنته بعد أيام. وفيها توفي شداد بن أوس بن ثابت وهو ابن أخي حسان بن ثابت. وفيها توفّى المسور بن مخزمة بمكة في اليوم الذي ورد فيه خبر موت يزيد بن معاوية، وكان سبب موته أنه أصابه حجر منجنيق في جانب وجهه فمرض أياما ومات. وفيها وثب مروان ابن الحكم على الأمر وبويع له بالخلاقة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وثمانية عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وسبعة أصابع.

ذكر ولاية عبد الرحمن بن جحدم على مصر

ذكر ولاية عبد الرحمن بن جحدم على مصر هو عبد الرحمن بن عقبة «1» بن إياس بن الحارث بن عبد [بن] «2» أسد بن جحدم (بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة وفتح الدال المهملة أيضاً وبعدها ميم ساكنة) الفهري أمير مصر، وليها من قبل عبد الله بن الزبير بن العوام لما بويع بالخلافة في مكة وبايعه المصريون وتوجه إليه منهم جماعة كثيرة وبايعوه، فأرسل إليهم عبد الرحمن هذا فوصل إلى مصر في شعبان سنة أربع وستين التي ذكرنا حوادثها فى إمرة سعيد ابن يزيد المقدم ذكره، ودخل معه مصر جماعة كثيرة من الخوارج وأظهروا دعوة عبد الله بن الزبير بمصر ودعوا الناس لبيعته، فتابعهم الناس والجند على ما في قلوبهم من الحب في الباطن لبني أمية. ولما دخل عبد الرحمن المذكور إلى مصر وتم أمره أقرّ عابسا على الشّرطة والقضاء بمصر، فبينما هم في ذلك وصل الخبر من الشأم ببيعة مروان بن الحكم بالخلافة وأن أمره تم، فصارت مصر معه في الباطن، وفي الظاهر لابن الزبير، حتى جهز مروان بن الحكم جيشاً مع ابنه عبد العزيز إلى أيلة ليدخل مصر من هناك، ثم ركب مروان بن الحكم في جيوشه وجموعه وقصد مصر؛ فلما بلغ عبد الرحمن بن جحدم ذلك استعدّ لحربه وحفر خندقاً في شهر، أو قريب من شهر، وهو الذي بالقرافة، وسار مروان حتى نزل مدينة عين شمس (أعني المطرية خارج القاهرة) فخرج إليه عبد الرحمن، فتحاربوا يوماً أو يومين، فكانت بين الفريقين مقتلة كبيرة، ثم آل الأمر بينهما إلى الصلح واصطلحا على أن مروان يقر عبد الرحمن ويدفع إليه مالاً وكسوة؛ ودخل مروان مصر في غرة جمادى الأولى سنة خمس وستين.

وقال صاحب البغية في آخر جمادى الأولى من السنة: ومدة مقام ابن جحدم فيها إلى أن دخل مروان «1» تسعة أشهر، وبايعه الناس إلا قليلاً فضرب أعناقهم، وجعل على الشرطة في مدة مقامه عمرو بن سعيد بن العاص، وخرج منها (يعني مروان) لهلال رجب سنة خمس وستين. انتهى كلام صاحب البغية. وقال غيره: وعزل مروان عبد الرحمن بن جحدم عن إمرة مصر، وكانت مدة ولايته عليها تسعة أشهر وأياماً، وفتح مروان خزائنه ووضع العطاء، فبايعه الناس إلا نفراً من المعافر قالوا: لا نخلع بيعة عبد الله بن الزبير، فضرب مروان أعناقهم وكانوا ثمانين رجلاً، وذلك في نصف جمادى الآخرة. وكان في ذلك اليوم موت عبد الله بن عمرو بن العاص فلم يستطع أحد أن يخرج بجنازته إلى المقبرة، فدفنوه بداره لشغب الجند على مروان، ثم ضرب مروان عنق الأكدر «2» بن حمام اللخمي سيد لخم، وكان من قتلة عثمان رضي الله عنه، ثم ولى مروان ابنه عبد العزيز بن مروان على مصر وجمع له الصلاة والخراج معاً، ثم خرج منها مروان يريد الشأم بعد أن أوصى ولده عبد العزيز بوصايا كثيرة مضمونها الرفق بأهل مصر، وكان خروج مروان من مصر في أول يوم من شهر رجب. وقال ابن كثير: وفيها (يعني سنة خمس وستين) دخل مروان بن الحكم وعمرو بن سعيد الأشدق إلى مصر فأخذاها من نائبها لعبد الله بن الزبير. وكان سبب ذلك أن مروان قصدها فخرج إليه نائبها عبد الرحمن بن جحدم، فقابله مروان ليقاتله فاشتغل به وخلص عمرو بن سعيد بطائفة من الجيش من وراء عبد الرحمن بن

جحدم، فدخل مصر وملكها وهرب عبد الرحمن بن جحدم، ودخل مروان إلى مصر فتملكها وجعل عليها ولده عبد العزيز بن مروان. انتهى كلام ابن كثير برمته. وقال ابن الأثير في كتابه الكامل «1» : (ذكر فتح مروان مصر) ، قال: ولما قتل الضحاك وأصحابه وأستقر «2» الشأم لمروان سار إلى مصر، فقدمها وعليها عبد الرحمن ابن جحدم القرشي يدعو إلى ابن الزبير، فخرج إلى مروان فيمن معه، وبعث مروان عمرو بن سعيد من ورائه حتى دخل مصر، فقيل لابن جحدم ذلك فرجع، وبايع الناس مروان ورجع إلى دمشق؛ فلما دنا منها بلغه أن ابن الزبير قد بعث إليه أخاه مصعباً في جيش، فأرسل إليه مروان عمرو بن سعيد قبل أن يدخل الشأم [فقاتله «3» ] فانهزم مصعب وأصحابه، وكان مصعب شجاعاً، ثم عاد مروان إلى دمشق فاستقر بها. وكان الحصين بن نمير ومالك بن هبيرة قد اشترطا على مروان شروطاً لهما ولخالد ابن يزيد، فلما توطد ملكه قال ذات يوم ومالك عنده: إن قوماً يدعون شروطاً منهم عطارة مكحلة (يعني مالكاً فإنه كان يتطيب ويتكحل) ، فقال مالك هذا: ولما تردي تهامة ويبلغ الحزام الطّبيين! فقال مروان: مهلا أبا سليمان إنما داعبناك «4» ؛ فقال: هو ذاك. انتهى كلام ابن الأثير برمته. قلت: وكانت أيام عبد الرحمن هذا على مصر مع قصر مدته كثيرة الفتن والحروب من أولها إلى آخرها، غير أنه حج بالناس من مصر فى أيامه، وبنى عبد الله ابن الزبير الكعبة ولم يحج أحد من الشأم في هذه السنة.

قال ابن الأثير: لما احترقت الكعبة حين غزا أهل الشأم عبد الله بن الزبير أيام يزيد بن معاوية تركها ابن الزبير يشنع بذلك على أهل الشأم، فلما مات يزيد واستقر الأمر لابن الزبير شرع في بنائها، فأمر بهدمها حتى التحقت بالأرض وكانت قد مالت حيطانها من حجارة المنجنيق، وجعل «الحجر الأسود» عنده، وكان الناس يطوفون من وراء الأساس وضرب عليها السور «1» وأدخل فيها الحجر، واحتج بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها: «لولا حدثان عهد قومك بالكفر لرددت الكعبة على أساس إبراهيم- عليه السلام- وأزيد فيها من الحجر» . فحفر ابن الزبير فوجد أساسا أمثال الجبال فحركوا منها صخرة فبرقت بارقة؛ فقال: أقروها على أساسها وبنائها، وجعل لها بابين يدخل من أحدهما ويخرج من الآخر، وقيل كانت عمارتها سنة أربع وستين. *** السنة التي حكم فيها عبد الرحمن بن جحدم على مصر من قبل عبد الله بن الزبير وهي سنة خمس وستين- فيها وقع الطاعون الجارف بالبصرة في قول ابن الأثير وعليها عبد الله بن عبيد الله بن معمر، فهلك خلق كثير وماتت أم عبيد الله فلم يجدوا لها من يحملها. وفيها حج بالناس عبد الله بن الزبير وكان على المدينة أخوه مصعب بن الزبير وعلى الكوفة ابن مطيع وعلى البصرة الحارث بن أبي ربيعة المخزومي وعلى خراسان عبد الله بن خازم. وفيها وجه مروان بن الحكم الخليفة حبيش ابن دلجة في أربعة آلاف إلى المدينة وقال له: أنت على ما كان عليه مسلم بن عقبة، فسار حبيش ومعه عبيد الله بن الحكم أخو مروان وأبو الحجاج يوسف الثقفي وابنه الحجاج وهو شاب، فجهز متولي البصرة من جهة ابن الزبير، وهو عبيد الله التيمي، جيشاً

من البصرة، فالتقوا مع حبيش بن دلجة في أول شهر رمضان فقتل حبيش بن دلجة وعبيد الله بن الحكم وأكثر الجيش، وهرب من بقي وهرب يوسف وابنه الحجاج. وفيها دعا عبد الله بن الزبير محمد بن الحنفية إلى بيعته فأبى محمد فحصره في شعب بني هاشم في جماعته وتوعدهم. وفيها دخل المهلب بن أبي صفرة إلى خراسان أميراً عليها من قبل ابن الزبير وحارب الأزارقة أصحاب ابن الأزرق وقاتلهم حتى كسرهم وقتل منهم أربعة آلاف وثمانمائة. قال الذهبي: ووقع أيضاً في هذه السنة بين مروان وبين ابن الزبير حروب كثيرة حتى توفي مروان حسبما يأتي ذكره. وفيها توفي مالك بن هبيرة السكوني، له صحبة برسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيها توفي الخليفة مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس أبو عبد الملك القرشي الأموي، ويقال أبو القاسم وأبو الحكم؛ ولد بمكة بعد عبد الله بن الزبير بأربعة أشهر. قال الذهبي: ولم يصح له سماع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن له رؤية إن شاء الله. اهـ. قلت: وهو ابن عم عثمان بن عفان وكاتبه؛ ومن أجله كان ابتداء فتنة عثمان رضي الله عنه وقتله، ثم انضم إلى ابن عمه معاوية بن أبي سفيان وتولى عدة أعمال، إلى أن وثب على الأمر بعد أولاد يزيد بن معاوية (أعني معاوية وخالداً) وبويع بالخلافة فلم تطل مدته ومات في أول شهر رمضان. وفي سبب موته خلاف كثير؛ وعهد بالخلافة من بعده إلى ابنه عبد الملك، ثم من بعده إلى ابنه عبد العزيز أمير مصر؛ وكان أولاً أراد أن يعهد لخالد بن يزيد بن معاوية فإنه كان خلعه من الخلافة وتزوج بأمه، ثم بدا له أن يعهد لولديه عبد الملك وعبد العزيز؛ ثم ما كفاه

فزبره «1» وقال: تنح يا بن رطبة الإست! والله مالك عقل؛ وبلغ أم خالد ذلك فأضمرت له السوء؛ فدخل مروان عليها وقال لها: هل قال لك خالد شيئاً؟ فأنكرت فنام عندها، فوثبت هي وجواريها فعمدت إلى وسادة فوضعتها على وجهه وغمرته هي والجواري حتى مات، ثم صرخن وقلن: مات فجأة. وقال الهيثم: إنه مات مطعوناً بدمشق. والله أعلم. وفي حدودها توفي قيس بن ذريح أبو زيد الليثي الشاعر المشهور، كان من بادية الحجاز، وهو الذي كان يشبب بأم معمر لبنى بنت الحباب الكعبية ثم إنه تزوج بها، وقيل: إنه كان أخا الحسين بن علي رضي الله عنهما من الرضاعة، ثم أمر قيساً هذا أبوه بطلاق لبنى فطلقها وفارقها، ثم قال فيها تلك الأشعار الرائقة؛ من ذلك قوله: ولو أنّنى أسطيع صبراً وسلوةً ... تناسيت لبنى غير ما مضمرٍ حقدا ولكن قلبى قد تقسمه الهوى ... شتاتاً فما ألفى صبوراً ولا جلدا وله بيت مفرد: وكل ملمات الزمان وجدتها ... سوى فرقة الأحباب هينة الخطب وفي حدودها أيضاً توفي قيس بن معاذ المجنون، ومن ثم يقاس الجنون بمجنون ليلى، وقيل اسمه البختري «2» بن الجعد وقيل غير ذلك. وليلى محبوبته: هي ليلى بنت مهدي أم مالك العامرية الربعية. وهو من بني عامر بن صعصعة وقيل من بنى كعب ابن سعد، قيل إنه علق بليلى علاقة الصبا لأنهما كانا صغيرين يرعيان أغناماً لقومهما، فعلق كل واحد منهما بالآخر، فلما كبرا احتجبت عنه ليلى فزال عقله؛ وفي ذلك يقول:

ذكر ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر

تعلقت ليلى وهي ذات ذؤابةٍ «1» ... ولم يبد للأتراب من ثديها حجم صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا ... إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم ثم عظم الأمر به إلى أن صار أمره إلى ما هو أشهر من أن يذكر. وقيل إنهما ماتا في سنة ثمانٍ وستين. وفيها توفي عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم، وقد تقدم بقية نسبه في ترجمة أبيه عمرو بن العاص الأموي الصحابي، وكنيته أبو محمد، ويقال أبو عبد الرحمن، القرشي السهمي، كان من نجباء الصحابة وعلمائهم، وهو من المكثرين لحديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ ذكرنا يوم وفاته في دخول مروان بن الحكم الى مصر عند ما أزال عنها عبد الرحمن بن جحدم. وفيها توفي النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة أبو عبد الله، ويقال أبو محمد، الأنصاري الخزرجي الصحابي، ابن أخت عبد الله بن رواحة. ولد سنة اثنتين من الهجرة وحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، وولي قضاء دمشق لمعاوية بن أبي سفيان. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع واثنا عشر إصبعاً. وفي درر التيجان: خمسة أذرع وستة أصابع، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وخمسة عشر إصبعاً. ذكر ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر هو عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية القرشي الأموي أمير مصر، كنيته أبو الأصبغ، مولده بالمدينة، ثم دخل الشام مع أبيه مروان

وكانت داره بدمشق، هى الدار التى الصوفيّة الآن المعروفة بالسميساطية «1» ثم كانت لابنه عمر بن عبد العزيز بعده. وولي إمرة مصر لأبيه مروان في غرة شهر رجب سنة خمس وستين على الصلاة والخراج معاً بعد ما عهد له بالخلافة بعد أخيه عبد الملك. وكان السبب في بيعتهما أن عمرو بن سعيد بن العاص لما هزم مصعب بن الزبير، حين وجهه أخوه عبد الله إلى فلسطين، رجع إلى مروان وهو بدمشق، فبلغ مروان أن عمراً يقول: إن الأمر لي بعد مروان، فدعا مروان حسان بن ثابت فأخبره بما بلغه عن عمرو؛ فقال: أنا أكفيك عمراً؛ فلما اجتمع الناس عند مروان عشياً قام حسان فقال: إنه بلغنا أن رجالاً يتمنون أماني، قوموا فبايعوا لعبد الملك ثم لعبد العزيز من بعده، فبايعوا إلى آخرهم. ومات أبوه بعد مدة يسيرة حسبما تقدم ذكره، واستقر أخوه عبد الملك بن مروان في الخلافة من بعده، فأقر عبد العزيز هذا على عمل مصر على عادته. وقد روى عبد العزيز هذا الحديث عن أبيه وعبد الله بن الزبير وعقبة بن عامر وأبي هريرة، وروى عنه ابنه عمر بن عبد العزيز والزهري وعلي بن رباح وجماعة. قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث. وقال غيره: كان يلحن في كلامه ثم تعلم العربية فأحسن تعلمها، وكان فصيحاً جواداً ذا مروءة وكرم؛ وكان أبوه مروان عقد له البيعة بعد عبد الملك ثم ولاه مصر؛ وهو معدود من الطبقة الثالثة من تابعي أهل الشام. وكان عبد العزيز هذا قد حده عمرو بن سعيد

الأشدق في شراب شربه فوجد عليه ابنه عمر بن عبد العزيز؛ فلما ولي عمر المدينة وجد إسحاق بن علي بن عبد الله بن جعفر في بيت خليدة العرجاء، فحدّه عمر حدّ الخمر؛ فقال إسحاق: يا عمر، كل الناس جلدوا فى الخمر؛ يعرّض بأبيه عبد العزيز. اهـ. ولما أقام عبد العزيز بمصر وقع بها الطاعون في سنة سبعين، فخرج عبد العزيز من مصر ونزل بحلوان فأعجبته فاتخذها سكناً، وجعل بها الحرس والأعوان وبنى بها الدور والمساجد وعمرها أحسن عمارة وغرس نخلها وكرمها، ثم جهز البعث لقتال ابن الزبير في البحر في سنة اثنتين وسبعين. ثم لما طالت أيام عبد الملك في الخلافة بعد قتل عبد الله بن الزبير ثقل عليه أمر عبد العزيز هذا وأراد أن يخلعه من ولاية العهد ويجعلها عبد الملك لولديه الوليد وسليمان من بعده؛ فمنعه قبيصة بن ذؤيب من ذلك، وكان قبيصة على خاتم عبد الملك، وقال له: لا تفعل ذلك، فإنك باعث على نفسك صوتاً، ولعل الموت يأتيه فتستريح منه؛ فكف عن ذلك ونفسه تنازعه، حتى دخل عليه روح بن زنباع الجذامي، وكان أجل الناس عند عبد الملك، فشاوره في ذلك، فقال روح: لو خلعته ما انتطح فيها عنزان؛ فبينما هما على ذلك، وقد نام عبد الملك وروح تلك الليلة عنده، إذ دخل عليهما قبيصة ليلاً، وكان لا يحجب عن عبد الملك، وكانت الأخبار والكتب تأتيه فيقرؤها قبل عبد الملك؛ فقيل له: قد جاء قبيصة؛ فدخل قبيصة فقال: آجرك الله يا أمير المؤمنين في عبد العزيز، فاسترجع عبد الملك وقال لروح: يا أبا زرعة، كفانا الله ما أجمعنا عليه؛ فقال له قبيصة: فداك ما أردت ولم تقطع رحم أبيك، ولم تأت ما تعاب به، ولم يظهر عليك غدر. وقيل غير ذلك: وهو أن عبد الملك كتب لأخيه عبد العزيز هذا: يا أخي، إن رأيت أن تصير الأمر لابن أخيك الوليد فافعل؛ فأبى عبد العزيز؛ فكتب إليه عبد الملك ثانية: فاجعله من بعدك، فإنه أعز الخلق إلي؛ فكتب إليه عبد العزيز:

إني أرى في أبي بكر بن عبد العزيز (يعني ابنه) ما تراه في الوليد؛ فكتب عبد الملك إليه ثالثة: فاحمل خراج مصر إلي؛ فكتب إليه عبد العزيز: إني وإياك قد بلغنا سناً لم يبلغها أحد من أهلنا، وإنا لا ندري أينا يأتيه الموت أوّلا، فإن رأيت ألّا تغثث «1» علي بقية عمري ولا يأتيني الموت إلا وأنت واصل فافعل؛ فرق له عبد الملك وقال: لا أغثّث «2» عليه بقية عمره، وقال لابنيه الوليد وسليمان: إن يرد الله أن يعطيكماها لم يقدر أحد من الخلق على ردها عنكما، ثم قال لهما: هل قارفتما حراماً قط؟ قالا: لا والله؛ فقال عبد الملك: نلتماها ورب الكعبة. وقيل: إنّ عبد العزيز لما ردّ كلام عبد الملك، قال عبد الملك: اللهم إنه قد قطعني فاقطعه. فلما مات عبد العزيز قال أهل الشام: رد على أمير المؤمنين أمره، فدعا عليه فاستجيب له فيه. قلت: وكانت وفاة عبد العزيز في ثالث عشر جمادى الأولى سنة ست وثمانين من الهجرة، وقيل سنة خمس وثمانين؛ فكانت ولايته على مصر عشرين سنة وعشرة أشهر وثلاثة عشر يوماً. وتولى مصر من بعده عبد الله بن عبد الملك بن مروان. وقال محمد بن الحارث المخزوميّ: دخل رجل على عبد العزيز في ولايته على مصر يشكو إليه صهراً له، فقال: إن ختني ظلمني؛ فقال له عبد العزيز: من ختنك؟ فقال: الرجل الختان الذي يختن الناس؛ فقال عبد العزيز لكاتبه: ما هذا الجواب؟

فقال: أيها الأمير، إنك لحنت والرجل يعرف اللحن، وكان ينبغي أن تقول: من ختنك (بالضم) ؛ فقال عبد العزيز: أتراني أتكلم بكلام لا تعرفه العرب؟ والله لا شاهدت الناس حتى أعرف اللحن؛ فأقام في بيتٍ جمعةً لا يظهر ومعه من يعلمه النحو فصلى بالناس الجمعة الأخرى وهو أفصح الناس. وقال الذهبي في كتابه «تذهيب التهذيب» بعد أن ساق نبذة من نسبه وولايته وروايته بنحو ما قلناه إلى أن قال: «روى ابن عجلان عن القعقاع بن حكيم أن عبد العزيز بن مروان كتب إلى ابن عمر: ارفع إلي حاجتك؛ فكتب إليه ابن عمر (يعني عبد الله) : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اليد العليا خير من اليد السفلى. وابدأ بمن تعول» ، ولست أسألك شيئاً ولا أرد رزقاً رزقنيه الله عز وجل. وقال؟؟؟ نريد ابن أبي حبيب عن سويد بن قيس: بعثني عبد العزيز بن مروان بألف دينار لابن عمر فجئته بها ففرقها. وقال محمد بن هانئ الطائي عن محمد بن أبي سعيد قال: قال عبد العزيز بن مروان: ما نظر إلي رجل قط فتأملني إلا سألته عن حاجته. ثم قال بعد كلام آخر: وكان يقول عبد العزيز بن مروان: وا عجبا من مؤمن يوقن أن الله يرزقه ويوقن أن الله يخلف عليه، كيف يدخر مالاً عن عظيم أجر أو حسن سماع!. قلت: وكان عبد العزيز جواداً ممدحاً سيوساً حازماً. قال ابن سعد: مات بمصر سنة خمس وثمانين قبل أخيه عبد الملك بسنة. وقال الحافظ بن يونس: ولي مصر عشرين سنة. وقال الليث بن سعد: توفي في جمادى الآخرة سنة ست وثمانين، وله حديث وهو: سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شر ما في الرجل شح هالع وجبن خالع» انتهى كلام الذهبي باختصار.

قلت: وعبد العزيز هذا هو الذي أشار على أخيه عبد الملك بضرب الدراهم والدنانير، فضربها في سنة ست وسبعين. وعبد الملك أول «1» من أحدث ضربها في الإسلام فانتفع الناس بذلك. وكان سبب ضربها أنه كتب فى صدر كتاب الى [ملك «2» ] الروم: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وذكر النبي صلى الله عليه وسلم مع التاريخ؛ فكتب إليه ملك الروم: إنكم قد أحدثتم «3» كذا وكذا فاتركوه وإلا أتاكم في دنانيرنا من ذكر نبيّكم

ما تكرهون؛ فعظم ذلك عليه فأحضر خالد بن يزيد بن معاوية فاستشاره فيه، فقال: حرم دنانيرهم واضرب للناس سكة وفيها ذكر الله تعالى، ثم استشار أخاه عبد العزيز فأشار عليه أيضاً بذلك؛ فضرب الدنانير والدراهم. ثم إن الحجاج ضرب الدراهم ونقش فيها: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فكره الناس ذلك لمكان القرآن، فإن الجنب والحائض يمسها؛ ونهى أن يضرب أحد غيره؛ فضرب سمير اليهودي فأخذه الحجاج ليقتله، فقال له: عيار دراهمي أجود من عيار دراهمك فلم تقتلني؟ فلم يتركه، فوضع للناس سنج الأوزان ليتركه فلم يفعل؛ وكان الناس لا يعرفون الوزن بل يزنون بعضها ببعض، فلما وضع لهم سمير السنج كف بعضهم عن [غبن «1» ] بعض. وأول من شدد «2» في أمر الوزن وخلص الفضة أبلغ من تخليص من كان قبله عمر ابن هبيرة أيام يزيد بن عبد الملك وجود الدراهم؛ ثم خالد بن عبد الله القسري أيام هشام بن عبد الملك، فاشتد فيه أكثر من ابن هبيرة. ثم ولي يوسف بن عمر فأفرط في الشدة، وامتحن يوماً العيار فوجد درهماً ينقص حبة، فضرب كل صانع ألف سوط. وكانوا مائة صانع، فضرب فى حبة مائة ألف سوط. وكانت الدراهم الهبيرية والخالدية واليوسفية أجود نقود بني أمية، ولم يكن أبو جعفر المنصور يقبل في الخراج غيرها، فسميت الدراهم الأولى مكروهة. وقيل: إن الدراهم المكروهة هي الدراهم التي ضربها الحجاج ونقش عليها: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فكرهها «3» العلماء. وكانت دراهم الأعاجم مختلفة كباراً وصغاراً، فكانوا يضربون منها المثقال وزن عشرين قيراطاً واثني عشر قيراطا وعشرة قراريط، فلما ضربوا الدراهم في الإسلام أخذ الوسط من

ثلث هذا العدد، وهو أربعة عشر قيراطاً، فصار الدرهم العربي أربعة عشر قيراطاً، ووزن كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل. *** السنة الأولى من ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر وهي سنة ست وستين- فيها عزل عبد الله بن الزبير عن الكوفة أميرها وأرسل عليها عبد الله بن مطيع، وفي أثناء هذا الأمر خرج المختار الكذاب من السجن والتف عليه خلق من الشيعة وقويت شوكته وضعف أمر عبد الله بن مطيع معه، ثم إنه توثب بالكوفة فقاتله طائفة من أهل الكوفة فهزمهم وقتل منهم رفاعة بن شداد وعبد الله بن سعد بن قيس وغلب على الكوفة، وهرب منه عبد الله بن مطيع إلى ابن الزبير، وجعل المختار يتتبع قتلة الحسين بن علي، فقتل عمرو بن سعد بن أبي وقاص وشمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين بن علي؛ ثم افترى المختار على الله أنه يأتيه جبريل بالوحي، فلهذا قيل عنه: المختار الكذاب. وفيه يقول سراقة بن مرداس: كفرت بوحيكم وجعلت نذراً ... علي هجاءكم «1» حتى الممات أري عيني ما لم ترأياه ... كلانا عالم بالترهات وفيها أيضاً التقى المختار مع عبيد الله بن زياد فقتل عبيد الله بن زياد وقتل معه شرحبيل بن ذي الكلاع وحصين بن نمير السكوني، واصطلم المختار جيشهم وقتل خلقا كثيرا وطيف برءوس هؤلاء؛ وقيل إن ذلك في الآتية. وفيها حج بالناس عبد الله بن الزبير وكان عامله على المدينة أخاه مصعب بن الزبير، وعامله على البصرة عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، وكان بالكوفة المختار متغلباً عليها، وبخراسان

عبد الله بن خازم. وفيها توفي أسماء بن حارثة الأسلمي (وحارثة بالحاء) ، وله صحبة وهو من أصحاب الصفة، وقيل: إنه مات قبل ذلك. وفيها توفي جابر بن سمرة، وهو ابن أخت سعد بن أبي وقاص، على خلف في وفاته. وفيها توفي أسماء بن خارجة ابن حصين بن حذيفة بن بدر الفزاري سيد قومه في قول. وفيها كان الطاعون بمصر ومات فيه خلائق عظيمة، وهذا خامس طاعون مشهور في الإسلام. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم سبعة أذرع وسبعة أصابع، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وإصبعان. *** السنة الثانية من ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر وهي سنة سبع وستين- فيها كانت الوقعة بين إبراهيم بن الأشتر النخعي وبين عبيد الله ابن زياد، وكان ابن الأشتر من حزب المختار، وكان في ثمانية آلاف من الكوفيين، وكان عبيد الله بن زياد في أربعين ألفاً من الشاميين؛ فأسرع ابن الأشتر إلى أهل الشام قبل أن يدخلوا أرض العراق فسبقهم ودخل الموصل، فالتقوا على خمسة فراسخ من الموصل بالخازر «1» ، فانتهز ابن الأشتر وقتله وقتل من أصحابه خلائق ممن ذكرناهم في الماضية وغيرهم. وكان من غرق منهم في نهر الخازر أكثر ممن قتل؛ ودخل ابن الأشتر الموصل واستعمل عليها وعلى نصيبين وسنجار العمال، ثمّ بعث برءوس عبيد الله بن زياد والحصين وشرحبيل بن ذي الكلاع إلى المختار فأمر بهم المختار فنصبوا بمكّة.

قلت: وعبيد الله بن زياد هذا هو الذي قاتل الحسين بن علي حتى قتله. وفيها عزل عبد الله بن الزبير أخاه مصعب بن الزبير عن العراق وولاه لابنه حمزة بن عبد الله بن الزبير؛ وكان حمزة جوادا مخلّطا يجود أحياناً حتى لا يدع شيئاً يملكه ويمنع أحياناً ما لا يمنع مثله، وظهر منه بالبصرة خفة وضعف؛ فعزله أبوه وأعاد أخاه مصعباً في الثانية. وفيها وجه المختار أربعة آلاف فارس عليهم أبو عبد الله الجدلي وعقبة بن طارق، فكلم الجدلي عبد الله بن الزبير في محمد بن الحنفية، وأخرجوه من الشعب «1» فلم يقدر ابن الزبير على منعهم، وأقاموا في خدمة محمد بن الحنفية ثمانية أشهر حتى قتل المختار وسار محمد بن الحنفية إلى الشام. وأما ابن الزبير فإنه غضب من المختار لكونه انتصر لمحمد بن الحنفية وندب لقتاله أخاه مصعب بن الزبير وولاه جميع العراق، فتوجه مصعب وحصر المختار في قصر الإمارة بالكوفة حتى قتله طريف «2» وطراف (أخوان من بني حنيفة) في شهر رمضان وأتيا برأسه إلى مصعب. وقتل في حرب المختار جماعة من الأشراف منهم عمر وعبيد الله ابنا علي بن أبي طالب وزائدة بن عمير الثقفي ومحمد بن الأشعث بن قيس الكندي سبط أبي بكر الصديق. وفيها توفي عدي بن حاتم بن عبد الله الطائي، أسلم سنة سبع من الهجرة، وكان كبير طيّئ. وفيها توفي أبو شريح الخزاعي الكعبي الصحابي واسمه، على الأصح، خويلد بن عمرو، أسلم يوم الفتح. وفيها حج بالناس عبد الله بن الزبير، وكان عامله على الكوفة والبصرة ابنه حمزة، وكان على قضاء البصرة عبد الله بن عتبة بن مسعود وعلى الكوفة (أعني قاضيها) هشام بن هبيرة، والخليفة بالشام عبد الملك بن مروان

أخو صاحب الترجمة، وبخراسان عبد الله بن خازم. وفيها توفي الأحنف بن قيس بالكوفة مع مصعب بن الزبير، وقيل: مات سنة إحدى وسبعين لما سار مصعب لقتال عبد الملك بن مروان. وفيها توفي جنادة بن أبي أمية، أدرك الجاهلية وليست له صحبة. وفيها قتل مصعب بن الزبير عبد الرحمن وعبد «1» الرب ابني حجر بن عدي وعمران بن حذيفة بن اليمان، قتلهم صبراً بعد قتل المختار وأصحابه. وفيها توفي أبو واقد الليثي، له صحبة وأحاديث. ويقال فيها أيضاً توفي زيد بن أرقم، وقيل: إن وفاة هؤلاء في السنة الآتية وهو الأصح. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع واثنا عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وخمسة عشر إصبعاً. *** السنة الثالثة من ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر وهي سنة ثمان وستين- فيها عزل عبد الله بن الزبير أخاه مصعب بن الزبير عن العراق وولي عليها ابنه حمزة ابن عبد الله بن الزبير وقد مر ذلك في الماضية. وفيها استعمل عبد الله بن الزبير جابر بن الأسود الزهري على المدينة، فأراد جابر أن يبايع سعيد بن المسيب لابن الزبير فامتنع فضربه سبعين سوطاً، قاله خليفة بن خياط. وفي هذه السنة وافى عرفات أربعة ألوية: لواء ابن الزبير وأصحابه، ولواء ابن الحنفية وأصحابه، ولواء بني أمية، ولواء النجدة الحروري، ولم يكن بينهم حرب ولا فتنة. وكان العامل على المدينة لابن الزبير جابر بن الأسود بن عوف الزهري، وعلى الكوفة والبصرة أخوه مصعب، وعلى خراسان عبد الله بن خازم؛ وكان عبد الملك بن مروان مشاقّا لابن

الزبير. وفيها توفي عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي القرشي، أبو العباس ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأبو الخلفاء العباسيين. ولد في شعب بني هاشم قبل الهجرة بثلاث سنين، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة مرتين. وكان يسمى الحبر لكثرة علومه، ومات وله سبعون سنة، رضي الله عنه. وفيها توفي عابس بن سعيد الغطيفي قاضي مصر، ولى القضاء والشرطة بمصر لمسلمة ابن مخلد عدة سنين. وفيها توفي قيس بن ذريح وقيس مجنون ليلى، وقد تقدم ذكرهما في سنة خمس وستين. وفيها توفي ملك الروم قسطنطين. وفيها توفي عبد الرحمن بن حاطب «1» بن أبي بلتعة. وفيها توفي أبو شريح الخزاعي، وأبو واقد الليثي، وقد تقدم ذكرهما في الماضية. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وأربعة عشر إصبعاً. وفي درر التيجان: وأربعة وعشرون إصبعاً، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعاً وأربعة أصابع. *** السنة الرابعة من ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر وهي سنة تسع وستين- فيها كان بالبصرة طاعون الجارف. قال المدائني: حدثني من أدرك الجارف قال: كان ثلاثة أيام مات فيها في كل يوم سبعون ألفاً. وقال خليفة قال أبو اليقظان: مات لأنس بن مالك ثمانون ولداً ويقال سبعون ولداً؛ وقيل مات لعبد الرحمن بن أبي بكرة في الطاعون المذكور أربعون ولداً. وقل الناس بالبصرة جداً حتى إنه ماتت أم أمير البصرة فلم يجدوا من يحملها إلا أربعة بالجهد. ومات لصدقة بن عامر العامري في يوم واحد سبعة بنين، فقال: اللهم إني مسلم مسلم. ولما كان يوم الجمعة

خطب الخطيب وليس في المسجد إلا سبعة أنفس وامرأة، فقال الخطيب: ما فعلت الوجوه؟ فقالت المرأة: تحت التراب. وقيل: إنه توفي في هذا الطاعون عشرون ألف عروس. وقد اختلف في سنة هذا الطاعون فمنهم من قال في هذه السنة، وقال بعضهم: في سنة سبعين، وقال آخر: في سنة اثنتين وسبعين، وقيل غير ذلك. وهذا الطاعون يكون سابع طاعون في الإسلام، فإن الأول كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والثاني طاعون عمواس في عهد عمر رضي الله عنه، والثالث بالكوفة في زمن أبي موسى الأشعري، والرابع بالكوفة أيضاً في زمن المغيرة ابن شعبة، والخامس الطاعون الذي مات فيه زياد، ثم الطاعون بمصر فى سنة ست وستين. وفيها شرع الخليفة عبد الملك بن مروان في عمارة القبة على صخرة بيت المقدس وعمارة جامع الأقصى، وقيل: بل كان شروعه في ذلك سنة سبعين. وفيها عزل عبد الله بن الزبير ابنه حمزة عن إمرة العراق وأعاد أخاه مصعب بن الزبير، فقدمها مصعب وتجهز وخرج يريد الشام لقتال عبد الملك بن مروان، وخرج عبد الملك أيضاً من الشام يريد مصعب بن الزبير، فسار كل منهما إلى آخر ولايته وهجم عليهما الشتاء، فرجع كل منهما إلى ولايته. قال خليفة: وكانا يفعلان ذلك في كل سنة حتى قتل مصعب. وفيها عقد عبد العزيز بن مروان صاحب الترجمة لحسان الغساني على غزو إفريقية. وفيها اجتمعت الروم واستجاشوا على من بالشام، فصالح الخليفة عبد الملك بن مروان [ملكهم «1» ] على أن يؤدي إليه في كل جمعة ألف دينار خوفاً منه على المسلمين. هكذا ذكر ابن الأثير هذه الواقعة في هذه السنة، وقال غيره: إنها في غير السنة. وفيها توجه مصعب بن الزبير إلى مكة ومعه

أموال كثيرة ودواب كثيرة، فقسم في قومه وغيرهم ونحر بدناً كثيرة. وفيها «1» حكم رجل من الخوارج بمًنى وسل سيفه، وكانوا جماعة، فأمسك الله بأيديهم فقتل ذلك الرجل عند الجمرة. وفيها حج بالناس مصعب بن الزبير؛ وكان على قضاء الكوفة شريح، وعلى قضاء البصرة هشام بن هبيرة. وفيها توفي الأحنف بن قيس التميمي البصري أبو بحر؛ واسمه الضحاك بن قيس بن معاوية بن الحصين، وكان أحنف الرجلين (والحنف: الميل) ، وهو من الطبقة الأولى من التابعين من أهل البصرة، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره. قلت: وأخبار الأحنف مشهورة تغني عن الإطناب في ذكره، وقد تقدم ذكر وفاته، والصحيح في هذه السنة. وفيها توفي أبو الأسود الدؤلي البصري الكناني واسمه ظالم بن عمرو بن سفيان، وهو من الطبقة الأولى من تابعي البصرة، وهو أول من وضع علم النحو، ومات بالطاعون. وفيها قتل عبد الملك بن مروان عمرو بن سعيد بن العاص بن سعيد «2» أبي أحيحة بن العاص بن أمية الأشدق، سمي الأشدق لأنه كان خطيباً مفلقاً، وقيل: لاتساع شدقه، وهو من الطبقة الثانية من تابعي أهل المدينة. وفيها توفي قبيصة بن جابر بن وهب بن مالك أبو العلاء الأسدي، من الطبقة الأولى من التابعين من أهل الكوفة، وكانت أرضعته هند أم معاوية بن أبي سفيان. وفيها توفي مالك بن يخامر «3» السكسكي الألهانى الحمصي، من الطبقة الأولى من تابعي أهل الشام، وقيل: له صحبة ورواية. وفيها توفي يزيد بن ربيعة بن مفرغ أبو عنان الحميري البصري، كان شاعراً مجيداً، والسيد الحميري من ولده.

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ذراعان وثلاثة أصابع، مبلغ الزيادة ثلاثة عشر ذراعاً وستة أصابع. *** السنة الخامسة من ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر وهي سنة سبعين- فيها كان الوباء بمصر، وقيل فيها كان طاعون الحارف؟؟؟ المقدّم ذكره فى الماضية. وفيها تحول عبد العزيز بن مروان صاحب الترجمة من مصر إلى حلوان حسبما ذكرناه في أول ترجمته، واشتراها من القبط بعشرة آلاف دينار. وفيها حج بالناس عبد الله بن الزبير. وفيها كانت مقتلة عمير بن الحباب بن جعدة السلمي. وفيها تحركت الروم على أهل الشام وعجز عبد الملك بن مروان عنهم لاشتغاله بقتال عبد الله بن الزبير، فصالح ملك الروم على أن يؤدي له في كل جمعة ألف دينار. وفيها وفد مصعب بن الزبير على أخيه عبد الله بن الزبير بأموال العراق. وفيها بعث عبد الملك بن مروان خالد بن عبد الله بن أسيد بن أبي العاص بن أمية إلى البصرة ليأخذها في غيبة مصعب بن الزبير. وفيها توفي الحارث بن عبد الله بن كعب بن أسد الهمداني الكوفي الأعور، راوية علي رضي الله عنه، وهو من الطبقة الأولى من التابعين من أهل الكوفة، وقيل: توفي سنة ثلاث وستين. وفيها توفي عاصم بن عمر بن الخطاب، وأمه جميلة أخت «1» عاصم بن ثابت بن أبى أقلح الأنصاري، وكان اسمها عاصمة، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جميلة. وعاصم هذا هو جدّ عمر ابن عبد العزيز الأموي لأمه.

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وثمانية أصابع، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وواحد وعشرون إصبعاً. وفي درر التيجان: ثمانية عشر إصبعاً. *** السنة السادسة من ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر وهي سنة إحدى وسبعين- فيها حج بالناس أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير، وعرف «1» بمصر عبد العزيز بن مروان صاحب الترجمة، وهو أول من عرف بها فقام من قبل أخيه أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان وعرف بمصر. قلت: ومن خلافة مروان بن الحكم إلى هذه الأيام والممالك مقسومة بين خليفتين: عبد الله بن الزبير، وعبد الملك بن مروان: أما الحرمان والعراق كله فبيد عبد الله بن الزبير؛ والشام ومصر وما يليهما بيد عبد الملك بن مروان، والفتن قائمة بينهما والحروب واقعة في كل سنة. وفيها افتتح الخليفة عبد الملك بن مروان قيسارية الروم في قول الواقدي. وفيها نزع عبد الله بن الزبير جابر بن الأسود ابن عوف عن المدينة واستعمل عليها طلحة بن عبد الله بن عوف، وهو آخر وال كان له على المدينة، فدام على المدينة حتى أتاه طارق بن عمرو مولى عثمان، فهرب طلحة وأقام طارق بها حتى سار إلى مكة لقتال ابن الزبير. وفيها توفي شتير بن شكل القيسي الكوفي من أصحاب علي بن أبي طالب وابن مسعود رضي الله عنهما. (وشتير بضم الشين المعجمة وفتح التاء فوقها نقطتان وبعدها ياء تحتها نقطتان، وشكل بفتح الشين المعجمة والكاف وآخره لام) . وفيها خرج عبد الله بن ثور أحد بنى قيس

ابن ثعلبة من جهة مصعب بن الزبير بالبحر، فانتدب لقتله عبد الرحمن الإسكاف والتقوا [بجواثا «1» ] فانهزم عبد الرحمن. وفيها توفي البراء بن عازب بن الحارث بن عدي أبو عمارة، وهو من الطبقة الثالثة من الأنصار من الصحابة، مات بالكوفة في أيام مصعب بن الزبير. وفيها توفي عبد الله بن خازم بن أسماء بن الصلت السلمي أبو صالح أمير خراسان، صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عنه، وكان مشهوراً بالشجاعة، وأصله من البصرة. (وخازم بالخاء المعجمة والزاي) . وفيها توفي عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي «2» الصحابي، من الطبقة الثانية من المهاجرين، فأول مشهد شهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديبية ثم خيبر وما بعدها. وفيها كانت الوقعة بين عبد الملك بن مروان وبين مصعب بن الزبير، وقتل مصعب في المعركة، وكان مصعب من أجمل الناس وأشجعهم، وهو من الطبقة الثانية من تابعي أهل المدينة، وكنيته أبو عبد الله والمشهور أبو عيسى، وكان مصعب يجالس أبا هريرة؛ ورآه جميل بثينة بعرفات فقال: إن هاهنا لشابا أكره أن تراه بثينة (أعني لجماله) . ولما قتل مصعب بن الزبير أخذ أمر أخيه عبد الله بن الزبير في إدباره. وقيل: إن قتلة مصعب كانت في سنة اثنتين وسبعين، وهو الأشهر. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم سبعة أذرع وخمسة أصابع، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعاً وتسعة عشر إصبعاً. وفي درر التيجان: وسبعة عشر إصبعاً.

*** السنة السابعة من ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر وهي سنة اثنتين وسبعين- فيها بنى عبد الملك بن مروان قبة الصخرة بالقدس والجامع الأقصى، وقد ذكرناه في الماضية، والأصح أنه في هذه السنة. وسبب بناء عبد الملك أن عبد الله بن الزبير لما دعا لنفسه بمكة فكان يخطب في أيام منى وعرفة وينال من عبد الملك ويذكر مثالب بني أمية، ويذكر أن جده الحكم كان طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعينه، فمال أكثر أهل الشأم إلى ابن الزبير؛ فمنع عبد الملك الناس من الحج فضجوا، فبنى لهم القبة على الصخرة والجامع الأقصى ليصرفهم «1» بذلك عن الحج والعمرة، فصاروا يطوفون حول الصخرة كما يطوفون حول الكعبة وينحرون يوم العيد ضحاياهم؛ وصار أخوه عبد العزيز بن مروان صاحب مصر يعرف بالناس بمصر ويقف بهم يوم عرفة. وفيها ولّى عبد الملك ابن مروان طارق بن عمرو مولى عثمان على المدينة، فسار إليها وغلب عليها وأخرج منها طلحة بن عبد الله بن عوف عامل ابن الزبير، وقد تقدم ذلك في الماضية. وفيها بعث عبد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف الثقفي إلى مكة لقتال عبد الله ابن الزبير فتوجه إلى مكة وحاصر ابن الزبير إلى أن قتل ابن الزبير في سنة ثلاث وسبعين، على ما يأتي ذكره في محله. وفيها كان العامل على المدينة طارقاً لعبد الملك بن مروان، وعلى الكوفة بشر بن مروان، وعلى قضائها عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة، وكان على خراسان- في قول بعضهم- بكير بن وشاح.

وفيها توفي عبيدة بن عمرو السلماني «1» المرادي، أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وكان من كبار الفقهاء، أخذ عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود. (وعبيدة بفتح العين وكسر الباء الموحدة) . وفيها على الصحيح مقتلة مصعب ابن الزبير، طعنه زائدة الثقفي وقتل معه ابنه عيسى وإبراهيم بن الأشتر ومسلم ابن عمرو الباهلي، وقد مر من أخباره في الماضية ما يغني عن ذكره هنا ثانية. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وعشرة أصابع، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعاً وتسعة عشر إصبعاً. وفي درر التيجان: سبعة عشر ذراعاً وستة عشر إصبعاً. *** السنة الثامنة من ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر وهى سنة ثلاث وسبعين- فيها قتل أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، أبو بكر، وقيل أبو خبيب، القرشي الأسدي، أول مولود ولد في الإسلام بالمدينة، وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق، له صحبة ورواية، حاصره الحجاج بن يوسف الثقفي بالبيت الحرام أشهراً ونصب على الكعبة المنجنيق ورمى به على البيت غير مرة حتى قتل ابن الزبير وصلبه. قيل: إن الحسن البصري سئل عن عبد الملك بن مروان، فقال الحسن: ما أقول في رجل الحجاج سيئة من سيئاته. وقتل مع عبد الله بن الزبير هؤلاء الثلاثة: وهم عبد الله ابن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي، وعبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي، وعبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي، فهؤلاء من الأشراف، وأما غيرهم

فكثير. ومن يوم قتل عبد الله بن الزبير صار في الإسلام خليفة واحد وهو عبد الملك ابن مروان. قلت: ومناقب عبد الله بن الزبير كثيرة يضيق هذا المحل عن ذكرها. وفيها توفيت أسماء بنت أبي بكر أم عبد الله بن الزبير المذكور بعد ابنها عبد الله بمدة يسيرة. وفيها غزا محمد بن مروان الروم صائفة في أربعة آلاف، فساروا إليه في ستين ألفاً فهزمهم محمد واستباح عسكرهم، وقيل: إن هذا كان من ناحية أرمينية. وفيها توفي إياس بن قتادة بن أوفى، من الطبقة الأولى من التابعين، وكان لأبيه قتادة صحبة. وفيها توفى سلم بن زياد بن أبيه أمير خراسان، وكان جواداً ممدحاً يعطي ألف ألف الدرهم، مات بالبصرة. وفيها توفي مالك بن أوس بن الحدثان أحد بني نصر ابن معاوية بن هارون، قيل له صحبة، وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من التابعين. وفيها استعمل عبد الملك بن مروان أخاه محمداً على الجزيرة وأرمينية «1» ، وكانت [بحيرة «2» الطريخ التي بأرمينية] مباحة لم يتعرض إليها أحد بل كان يأخذ منها من شاء، فمنع من صيدها وجعل عليها من يأخذه [ويبيعه «3» ] ويأخذ ثمنه، وصارت بعده لابنه مروان؛ ثم أخذت منه لما انتقلت الدولة الأموية، وهي الآن على ذلك الحجر. ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أوزارهم شيء. وهذا الطريخ «4» من عجائب الدنيا فإنه سمك صغار له كل سنة موسم يخرج من هذه البحيرة في نهر يصب إليها كثيراً يؤخذ بالأيدي وغيرها، فإذا انقضى موسمه لا يوجد منه شيء. وفيها عزل عبد الملك خالد بن عبد الله

عن البصرة وولاها أخاه بشراً في قول. وفيها توفي مالك بن مسمع «1» بن غسان الربعي البصري، من الطبقة الأولى من التابعين، ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم سبعة أذرع وتسعة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وثلاثة أصابع. *** السنة التاسعة من ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر وهي سنة أربع وسبعين- فيها سار الحجاج من مكّة، بعد ما بنى البيت الحرام، إلى المدينة، فأقام بها ثلاثة أشهر يتعنت «2» أهلها، وبنى بها مسجداً في بني سلمة يعرف به، وأخذ بعض الصحابة وختم عليهم في أعناقهم. روى الواقدي عن ابن أبي ذؤيب عمن رأى جابر بن عبد الله مختوماً [في «3» يده ورأى أنس بن مالك مختوما] في عنقه، يذلهما بذلك. قال الواقدي: وحدثني شرحبيل بن أبي عون عن أبيه قال: رأيت الحجاج أرسل إلى سهل بن سعد الساعدي فقال: ما منعك أن تنصر أمير المؤمنين عثمان؟ فقال: قد فعلت؛ قال: كذبت، ثم أمر به فختم في عنقه برصاص. وفيها توفي بشر بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية وهو متولي البصرة، وكان ولي العراق والكوفة قبل ذلك، وقحط الناس أيام بشر فاستسقى فمطروا؛ ثم مر بشر بسراقة، وكان سراقة قد عمل فيها أبياتاً، فرأى سراقة يحول الماء من داره؛

فقال بشر: ما هذا يا سراقة؟ فقال: هذا ولم ترفع يديك في الدعاء، فلو رفعتهما لجاءنا الطوفان. ومات بشر المذكور من البلاذر، فإنه شربه بطوس فاعتل ولزم الفراش حتى مات. وفيها توفي رافع بن خديج بن رافع بن عدي الأنصاري الصحابي من الطبقة الثالثة من الأنصار، شهد أحداً وما بعدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنيته أبو عبد الله، وأمه حليمة بنت عروة بن مسعود. وفيها توفي أبو سعيد الخدري، واسمه سعد بن مالك بن سنان بن ثعلبة، الصحابي من الطبقة الثالثة من الأنصار، واستصغر يوم أحد فرد. قال أبو سعيد: فخرجنا نتلقّى رسول الله عليه وسلم حين أقبل من أحد ببطن قباء، فنظر إلي وقال: «سعد بن مالك» ؟ فقلت: نعم بأبي أنت وأمي، فدنوت منه وقبلت ركبته «1» ، فقال: «آجرك الله في أبيك» ، وكان قتل يومئذ شهيداً. وفيها توفي سلمة بن الأكوع، وكنيته أبو مسلم «2» ، الصحابي، من الطبقة الثالثة من المهاجرين. قال سلمة: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات. وفيها توفي عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أبو عبد الرحمن القرشي العدوي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من الطبقة الثانية من المهاجرين، وأمه زينب بنت مظعون بن حبيب، وهو شقيق حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أسلم عبد الله قديماً بمكة قبل البلوغ، وهو من العبادلة الأربعة: وهم عبد الله ابن عمر هذا، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين، وهو من المكثرين في رواية الحديث. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وإصبعان، مبلغ الزيادة أربعة عشر ذراعاً وخمسة عشر إصبعا.

*** السنة العاشرة من ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر وهي سنة خمس وسبعين- فيها حج بالناس الخليفة عبد الملك بن مروان وخطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأظنها أول حجته في الخلافة. وفيها ولى الخليفة عبد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف على العراق. وفيها خرج عبد العزيز بن مروان صاحب الترجمة من مصر وافداً على أخيه الخليفة عبد الملك بن مروان بالشام واستخلف على مصر زياد بن حنظلة التجيبي، وتوفي زياد بعد ذلك بمدة يسيرة في شوال؛ وتخلف على مصر الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان حتى قدم أبوه عبد العزيز من الشام. وفيها ولى عبد الملك المدينة يحيى بن الحكم بن أبي العاص بن أمية. وفيها خرج ملك الروم بجيوشه ونزل على مرعش من أعمال حلب، فندب عبد الملك لقتاله أخاه محمد بن مروان فهزم محمد الروم وغلبهم. وفيها ضرب عبد الملك بن مروان على الدينار والدرهم اسم الله تعالى، وسببه أنه وجد دراهم ودنانير تاريخها قبل الإسلام بثلاثمائة سنة أو بأربعمائة سنة مكتوب عليها: باسم الأب والابن وروح القدس. قال الزهري: كانت الدراهم على ثلاثة أصناف: الوافية وزن الدرهم مثقال، والبغلية «1» وزن الدرهم نصف مثقال، والزيادية وزن العشرة ستة مثاقيل، فجمع عبد الملك هذه الأصناف وضربها على ما هي الآن عليه. وفيها توفي توبة بن الحمير بن عقيل بن كعب بن ربيعة الخفاجي أحد عشاق العرب صاحب ليلى الأخيلية بنت عبد الله ابن الرحال بن شداد بن كعب، وكانت أشعر نساء زمانها لا يقدم عليها غير الخنساء.

قيل: إن ليلى هذه دخلت على عبد الملك بن مروان فقال لها: ما رأى منك توبة حتى عشقك؟ فقالت: ما رأى الناس منك حين جعلوك خليفة!. وقال الشعبي: ودخلت «1» ليلى الأخيلية على الحجاج وأنا حاضر، فقال: ما الذي أقدمك علينا؟ فقالت: إخلاف النجوم، وقلة الغيوم؛ وكلب البرد، وشدة الجهد، وأنت لنا بعد الله الرفد؛ فقال لها: صفي حال البلاد؛ فقالت: أما الفجاج فمغبرة، وأما الأرض فمقشعرة، ثم ذكرت أشياء من هذه المقولة إلى أن قالت: وقد أصابتنا سنون لم تدع لنا هبعاً «2» ، ولا ربعاً؛ ولا عافطةً، ولا نافطةً؛ ذهبت الأموال، ونزحت الرجال اهـ. وأما أشعار توبة المذكور فيها وتشبيبه بها فكثيرة ليس هذا موضع ذكرها. وفيها توفي أبو ثعلبة الخشني «3» القضاعي، واسمه جرثوم، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز إلى غزوة حنين، وقيل: إنه شهد بيعة الرضوان وحنيناً ونزل الشام وتوفي بها. وفيها توفي سليم بن عتر «4» التجيبي المصري أبو سلمة عالم مصر وقاضيها، من الطبقة الأولى من التابعين، وهو أول من قضى بمصر في سنة تسع وثلاثين وشهد فتح مصر. وفيها توفي «5» شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم بن معاوية ابن عامر أبو أمية قاضي الكوفة، من الطبقة الأولى من التابعين الكوفيين، وقيل إنه صحابي. وفيها كان وقوع الطاعون بالكوفة. وفيها توفي صلة بن أشيم العدوي أبو الصهباء، من الطبقة الأولى من تابعي الصحابة بالبصرة. وفيها توفي العرباض

ابن سارية أبو نجيح السلمي، من الطبقة الثالثة من الصحابة المهاجرين. وفيها توفي عمرو بن ميمون الأودي (أود بني صعب بن سعد) من الطبقة الأولى من التابعين، أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلقه. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وسبعة أصابع، مبلغ الزيادة ثلاثة عشر ذراعاً وتسعة أصابع. *** السنة الحادية عشرة من ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر وهي سنة ست وسبعين- فيها خرج صالح بن مسرح التميمي وكان رجلاً صالحاً ناسكاً لكنه كان يحط على الخليفتين عثمان وعلي رضى الله عنهما كهيئة الخوارج، فوقع له حروب في هذه السنة إلى أن توفي من جرح أصابه فى حروبه بعد مدّة فى حمادى الآخرة وعهد لشبيب بن يزيد؛ فوقع لشبيب المذكور مع الحجاج بن يوسف حروب ووقائع كثيرة أكثرها لشبيب على الحجاج حتى دخل شبيب في هذه السنة الكوفة ومعه امرأته غزالة، وكانت غزالة المذكورة تدخل مع زوجها في الحروب، وربما قصدت الحجاج فهرب منها. وفيها وفد يحيى بن الحكم على الخليفة عبد الملك بن مروان. وفيها كان الحجاج على العراق وفعل تلك الأفعال القبيحة، وكان على خراسان أمية بن عبد الله بن خالد، وعلى قضاء الكوفة شريح، وعلى قضاء البصرة زرارة ابن أوفى. وفيها غزا محمد بن مروان الروم من ناحية ملطية. وفيها توفي حبة بن جوين العرني صاحب علي (وحبة بالحاء المهملة والباء الموحدة) وهو منسوب إلى عرنة (بالعين المهملة المضمومة والراء المهملة والنون) . وفيها حج بالناس أبان بن عثمان بن عفان أمير المدينة بعد أن ولاه عبد الملك إمرتها في أول السنة. وفيها

ولد مروان بن محمد الجعدي المعروف بالحمار آخر خلفاء بني أمية الآتي ذكره في محله. وفيها استشهد زهير بن قيس البلوي المصرى أبو شداد في واقعة الروم، وقد تقدم ذكره في واقعة إفريقية مع كسيلة وغيره. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وأربعة أصابع، مبلغ الزيادة أربعة عشر ذراعاً وسبعة أصابع. *** السنة الثانية عشرة من ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر وهي سنة سبع وسبعين- فيها قتل شبيب بن يزيد بن نعيم بعد أن وقع له وقائع مع الحجاج وعماله، وهو شبيب بن يزيد بن نعيم بن قيس بن عمرو بن الصلت الشيباني الخارجي، خرج بالموصل فبعث إليه الحجاج خمسة قواد فقتلهم واحداً بعد واحد، ثم قاتل الحجاج وحاصره وكسره غير مرة، وكانت امرأة شبيب غزالة من الشجعان الفرسان حتى إنها قصدت الحجاج فهرب منها، فعيّره بعض الناس بقوله: أسد علي وفي الحروب نعامة ... فتخاء تنفر من صفير الصافر هلا برزت إلى غزالة في الوغى ... بل كان قلبك في جناحي طائر وفيها خرج مطرف بن المغيرة بن شعبة على الحجاج، وخلع عبد الملك بن مروان من الخلافة وحارب الحجاج إلى أن قتل. وفيها عبر أمية نهر بلخ للغزو فحوصر حتى جهد هو وأصحابه ثم نجوا بعد ما أشرفوا على الهلاك ورجعوا إلى مرو. وفيها حج بالناس أبان بن عثمان بن عفان وهو أمير المدينة، وكان على البصرة والكوفة الحجّاج ابن يوسف الثقفي، وعلى خراسان أمية المذكور. وفيها غزا الصائفة الوليد بن عبد الملك بن مروان. وفيها توفي جابر بن عبد الله بن عمرو الأنصاري في قول. وفيها

توفي عبيد بن عمير بن قتادة الليثي المكي أبو عاصم، من الطبقة الأولى من التابعين من أهل مكة، قال عطاء: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة رضى الله عنها فقالت: من هذا؟ فقال: أنا عبيد بن عمير، قالت: أفمن أهل مكة؟ قال: نعم، قالت: خفف فإن الذكر ثقيل. قال مجاهد «1» : كنا نفتخر بفقيهنا ابن عباس، وقاضينا عبيد بن عمير. وفيها توفي قطري بن الفجأة المازنىّ وقيل التميمىّ، كان أحد رءوس الخوارج، حارب المهلب بن أبي صفرة سنين، وسلم عليه بأمير المؤمنين. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وعشرة أصابع، مبلغ الزيادة ثلاثة عشر ذراعاً وسبعة عشر إصبعاً. *** السنة الثالثة عشرة من ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر وهي سنة ثمان وسبعين- فيها ولي المهلب بن أبي صفرة خراسان نيابة عن الحجاج وهو يوم ذاك أمير البصرة والكوفة وخراسان وكرمان. وفيها توفي عبد الرحمن بن عبد «2» القاري، وله ثمان وسبعون سنة، ومسح النبي صلى الله عليه وسلم برأسه (والقاري بالياء المشددة) . وفيها غزا محرز بن أبي محرز أرض الروم وفتح ارقدة «3» ، فلما رجع بعسكره، أصابهم مطر شديد من وراء درب «4» الحدث فأصيب منه ناس كثيرة.

وفيها ولي إمرة الغرب كلها موسى بن نصير اللخمي، فسار إليه وقدم إلى طنجة وقدم على مقدمته طارق بن زياد الصدفي مولاهم الذي افتتح الأندلس، وأصاب فيها المائدة التي يزعم أهل الكتاب أنها مائدة سليمان عليه السلام. وفيها حج بالناس الوليد بن عبد الملك بن مروان، وقيل أبان بن عثمان بن عفان أمير المدينة. وفيها فرغ الحجاج بن يوسف من بناء واسط، وإنما سمّيت واسط لأنها بين الكوفة بناء واسط والبصرة، منها إلى الكوفة خمسون فرسخاً وإلى البصرة كذلك. وفيها عزل عبد الملك عامل خراسان وضم ولايتها وولاية سجستان إلى الحجاج، فسار الحجاج إلى البصرة واستخلف عليها المغيرة بن عبد الله بن [أبي «1» ] عقيل. وفيها قدم المهلب على الحجاج فأجلسه معه على سريره وأعطى أصحابه الأموال وقال: هؤلاء حماة الثغور. وفيها توفّى جابر ابن عبد الله بن عمرو الأنصاري الصحابي أبو عبد الله، وهو من الطبقة الأولى من الأنصار، شهد العقبة الثانية مع الأنصار وكان أصغرهم سناً، وأسلم قبل العقبة الأولى بعام، وأراد أن يشهد بدراً فخلفه أبوه على إخوته. وفيها توفّى عبد الرحمن ابن غنم بن كريب «2» الأشعري، اختلفوا في صحبته، ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من أنصار أهل الشام بعد الصحابة، وقيل: هو تابعي ثقة، وقيل: إنه أسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلقه. قال ابن الأثير: أدرك الجاهلية وليست له صحبة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستة أذرع وثمانية أصابع، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وعشرون إصبعاً.

*** السنة الرابعة عشرة من ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر وهي سنة تسع وسبعين- فيها استولى الحجاج بن يوسف على البحرين واستعمل عليها محمد ابن صعصعة الكلابي وضم إليه عمان، فخرج عليه الريان البكري فهرب محمد وركب البحر حتى قدم على الحجاج. وفيها غزا الوليد بن عبد الملك بن مروان ملطية فغنم وسبى وعاد إلى أبيه عبد الملك. وفيها كان الطاعون العظيم بالشام. وفيها حج بالناس أبان بن عثمان بن عفان أمير المدينة. وفيها قتل الخليفة عبد الملك بن مروان الحارث ابن عبد الرحمن بن سعد الدمشقي الذي ادعى النبوة، وكان انضم عليه جماعة كبيرة. وفيها توفي عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي، كان من الطبقة الأولى من التابعين من أهل الكوفة، روى عن علي بن أبي طالب وابن مسعود. وفيها أصاب الناس طاعون شديد حتى كادوا يفنون فلم يغز أحد تلك السنة فيما قيل. وفيها أصاب الروم أهل أنطاكية وظفروا بهم. وفيها استعفى شريح بن الحارث من القضاء فأعفاه الحجاج واستعمل على القضاء أبا بردة بن أبي موسى الأشعري. وفيها توفي النابغة الجعدي، واسمه قيس بن عبد الله بن عديس، وقيل عبد الله ابن قيس، وقيل حسان بن قيس، وكنيته أبو ليلى، وكان من شعراء الجاهلية ولحق الأخطل ونازعه بالشعر، وله صحبة ووفادة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الذهبي: وقال يعلى بن الأشدق- وليس بثقة-: سمعت النابغة يقول: أنشد ف؟؟؟ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: بلغنا السماء مجدنا وجدودنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا فقال: «أين المظهر يا أبا ليلى» ؟ فقلت: الجنة، قال: «أجل إن شاء الله» ثم قلت أيضاً:

ولا خير في حلم إذا لم تكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يفضض الله فاك» مرتين. ومات النابغة بأصبهان وله مائة وعشرون سنة، وقيل مائة وستون سنة، وقيل مائتا سنة. وفيها توفّى محمود ابن الربيع، وكنيته أبو إبراهيم، ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وخمسة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعاً وسبعة عشر إصبعاً. *** السنة الخامسة عشرة من ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر وهي سنة ثمانين- فيها كان سيل الجحاف بمكة وهلك فيه خلق كثير من الحجاج، فكان يحمل الإبل وعليها الأحمال والرجال والنساء ما لأحد منهم حيلة، وغرقت بيوت مكة وبلغ السيل الركن، فسمي ذلك العام عام الجحاف. وفيها كان طاعون الجارف بالبصرة في قول بعضهم. وفيها خرج عبد الواحد بن أبي الكنود من الإسكندرية وركب البحر وغزا الفرنج حتى وصل إلى قبرس. وفيها هلك أليون عظيم الروم وملكها. وفيها صلب عبد الملك سعيد بن عبد الله بن عليم الجهني على إنكاره القدر، قاله سعيد بن عفير. وفيها توفي جبير بن نفير بن مالك أبو عبد «1» الله اليحصبي الحضرمي، من الطبقة الأولى من تابعي أهل الشام؛ أسلم في خلافة الصديق رضي الله عنه. وفيها توفي جنادة بن أبي أمية الأزدي، من الطبقة الأولى من تابعي أهل الشام. وفيها توفي حسان بن النعمان الغساني من أولاد ملوك غسان، ويقال:

إنه ابن المنذر، صاحب الفتوحات بالمغرب، ولاه معاوية بن أبي سفيان إفريقية. وفيها توفي زيد «1» بن وهب بن خالد أبو سليمان الجهني، من الطبقة الأولى من تابعي أهل الكوفة. وفيها توفي السائب بن يزيد بن سعيد الكندي أبو يزيد، من الطبقة الخامسة من المخضرمين، مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حدث الأسنان. وفيها توفي شريح بن هانئ بن يزيد بن نهبك «2» بن دريد بن الحارث بن كعب، من الطبقة الأولى من التابعين من أهل الكوفة، كان من أصحاب علي رضي الله عنه وشهد معه مشاهده، وكان قاضي الكوفة وبه يضرب المثل. قال الذهبي: إنه مات سنة ثمان وسبعين. وفيها حج بالناس أمير المدينة أبان بن عثمان، وكان على العراق والشرق الحجاج. وفيها قتل معبد بن عبد الله بن عليم الذي يروي حديث الدباغ، وهو أول من قال بالقدر في البصرة، قتله الحجاج وقيل قتله عبد الملك الخليفة بدمشق. وفيها توفي شقيق بن سلمة الأزدي أبو وائل، أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يره، وهو من الطبقة الأولى من التابعين من أهل الكوفة. وفيها توفي أبو إدريس الخولاني، واسمه عائذ الله بن عبد الله، وقيل عبد الله بن إدريس بن عائذ الله، قاضي دمشق في أيام معاوية وغيره، وهو من الطبقة الثانية من التابعين من أهل الشام. وفيها توفي عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، أبو جعفر وقيل أبو محمد، وأمه أسماء بنت عميس ولدته بالحبشة في الهجرة، وهو أول مولود ولد في الإسلام بالحبشة، وهو من الطبقة الخامسة، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حدث الأسنان، وقيل إنه كان له يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين. وفيها توفي

عبيد الله بن أبي بكرة الثقفي، وكنيته أبو حاتم، من الطبقة الثالثة من التابعين من أهل البصرة، وأمه هولة بنت غليظ من بني عجل، وهو أول من قرأ القرآن بالألحان، وولي قضاء البصرة، وأوفده الحجاج على الخليفة عبد الملك فسأله أن يولي الحجاج خراسان وسجستان. وفيها توفي العلاء بن زياد بن مطر بن شريح العدوي، وهو من الطبقة الثانية من التابعين من أهل البصرة، وكان من العباد الخائفين. وفيها توفي معاوية ابن قرة بن إياس بن هلال المزني أبو إياس، من الطبقة الثانية من التابعين من أهل البصرة، كان زاهداً عابداً ورعاً. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستة أذرع وثمانية أصابع، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وسبعة عشر إصبعاً. *** السنة السادسة عشرة من ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر وهي سنة إحدى وثمانين- فيها حج بالناس سليمان بن عبد الملك بن مروان وحجّت معه أمّ الدرداء. وفيها خرج عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث على الحجاج بن يوسف وخلع عبد الملك بن مروان من الخلافة، ووقع له بسبب ذلك مع الحجاج حروب، ووافقه جماعة كثيرة على ذلك وكاد أمره أن يتم. وفيها غزا عبد الله بن عبيد الله بلاد الروم ووصل إلى قاليقلا ففتحها، ويقال: إن أصل الفرات من عندها يجتمع. وفيها توفى محمد بن علىّ بن أبى طالب المعروف بابن الحنفية، والحنفية اسم أمه، ولها اسم آخر: خولة بنت جعفر بن قيس، ومحمد هذا من الطبقة الأولى من التابعين من أهل المدينة، وكنيته أبو القاسم؛ ولد في خلافة أبي بكر، وقيل لثلاث سنين أو لسنتين بقين من خلافة عمر، وهي السنة التي ولد فيها سعيد بن المسيب، وكان ديناً عابداً

صاحب رأي وقوة شديدة إلى الغاية. وفيها كانت مقتلة بحير بن ورقاء الصريمي. وفيها كان دخول الديلم قزوين، وسببه أن العساكر كانت لا تبرح مرابطة بها، فلما كان في هذه السنة كان من جملة من رابط بها محمد بن أبي سبرة الجعفي، وكان فارساً شجاعاً، فلما قدم قزوين رأى الناس لا ينامون الليل، فقال لهم: أتخافون أن يدخل عليكم العدو؟ قالوا: نعم، قال: لقد أنصفوكم إن فعلوا، افتحوا الأبواب ففتحوها؛ وبلغ ذلك الديلم فبيتوهم وهجموا [على] البلد وتصايح الناس، فقال محمد بن أبي سبرة: أغلقوا الأبواب فقد أنصفونا، فأغلقوا الأبواب التي للمدينة فقاتلوهم. وأبلى محمد بلاء حسنا حتى ظفر بهم المسلمون ولم يفلت من الديلم أحد، ولم يعد الديلم بعدها؛ فصار محمد فارس ذلك الثغر، وكان يدمن شرب الخمر، وبقي كذلك إلى أيام عمر بن عبد العزيز فأمر بتسييره إلى داره، وهى دار الفسّاق بالكوفة، فسيّر إليها، فأغارت الديلم بعده على قزوين ونالت من المسلمين وظهر الخلل بعده حتى طلب ثانية وأعيد الى قزوين. وفيها توفى سويد بن غفلة، وكنيته أبو أمية كناه بها عمر بن الخطاب، وهو من الطبقة الأولى من تابعي أهل الكوفة، أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفد عليه فوجده قد قبض، وأدرك دفنه وهم ينفضون أيديهم من التراب. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وثلاثة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وثمانية أصابع. *** السنة السابعة عشرة من ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر وهي سنة اثنتين وثمانين- فيها كانت وقعة الزاوية بين محمد بن الأشعث وبين الحجاج بالبصرة، وكان لابن الأشعث مع الحجاج في السنة الماضية وفي هذه السنة عدّة

وقائع منها: وقعة دجيل يوم عيد الأضحى، وهي وقعة دير الجماجم، ثم وقعة الأهواز، ويقال: إنه خرج مع ابن الأشعث ثلاثة وثلاثون ألف فارس ومائة وعشرون ألف راجل، فيهم علماء وفقهاء وصالحون. وقيل: إنه كان بينهما أربع وثمانون وقعة في مائة يوم، فكانت منها ثلاث وثمانون على الحجاج وواحدة له، فعند ما انكسر ابن الأشعث خرج إلى الملك زنبيل «1» والتجأ إليه حتى مات بعد ذلك في سنة أربع وثمانين، وفي موته أقوال كثيرة. وفيها عزل الخليفة عبد الملك بن مروان أبان بن عثمان بن عفان عن المدينة في جمادى الآخرة واستعمل عليها هشام بن إسماعيل المخزومىّ، فعزل هشام ابن مساحق عن القضاء بالمدينة وولى عوضه عمرو بن خالد الزّرقىّ. وفيها غزا محمد بن مروان بن الحكم أخو الخليفة عبد الملك أرمينية، فهزم أهلها فسألوه الصلح فصالحهم، وولى عليهم أبا شيخ بن عبد الله فغدروا به وقتلوه. وقيل بل قتل سنة ثلاث وثمانين. وفيها توفي أسماء بن خارجة بن مالك الفزاري الكوفي أحد الأجواد، وفد على الخليفة عبد الملك فقال له عبد الملك: بلغني عنك خصال شريفة فأخبرني بها؛ قال أسماء: ما سألني أحد حاجة إلا وقضيتها، ولا أكل رجل من طعامي إلا رأيت له الفضل علي، ولا أقبل علي رجل بحديث إلا وأقبلت عليه بسمعي وبصري؛ فقال له عبد الملك: حق لك أن تشرف وتسود. وفيها توفي أبو الشعثاء سليم «2» بن أسود بن حنظلة المحاربي، من الطبقة الأولى من تابعي أهل الكوفة. وقيل: إن وفاة أبي الشعثاء في غير هذه السنة والأصح فيها. وفيها توفي عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي أبو بكر، من الطبقة الأولى من تابعي أهل الكوفة، كان يسجد على كور عمامته قد حالت بين جبهته والأرض. وفيها توفى

المغيرة بن المهلب بن أبي صفرة، واسم أبي صفرة ظالم بن سراقة، وكنيته أبو خداش، كان خليفة أبيه على مرو فمات فى شهر رجب، وكان المغبرة جواداً سيداً شجاعأ، ولما وصل الخبر إلى أبيه وجد عليه وجداً عظيماً أثر فيه ذلك، ثم استناب ابنه يزيد بن المهلب على مرو. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وعشرون إصبعاً، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وسبعة عشر إصبعاً. *** السنة الثامنة عشرة من ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر وهي سنة ثلاث وثمانين- فيها حج بالناس أمير المدينة هشام بن إسماعيل المخزومي. وفيها توفي أبو الجوزاء «1» أوس بن خالد الربعي البصري، وقيل خالد بن سمير، من الطبقة الثانية من التابعين من أهل البصرة. وفيها توفي روح بن زنباع أبو زرعة الجذامي الشامي، من الطبقة الأولى من تابعي أهل الشام، وكان متميزاً عند الناس فخاف منه معاوية فعزم على قتله ثم خلى عنه، وكان عظيم دولة عبد الملك بن مروان، وهو الذي قدم الحجاج بن يوسف الثقفي عند عبد الملك حتى صار من أمره ما صار، وقصته مع الحجاج المذكور مشهورة من قتل عبيده وإحراق خيامه عند ما ولي الحجاج حرب مصعب بن الزبير. وروح هذا هو زوج هند بنت النعمان بن بشير، وكانت تكرهه، وهى القائلة: وما هند إلا مهرة عربية ... سليلة أفراسٍ تجللها «2» بغل فإن نتجت مهراً كريماً فبالحرى ... وإن يك إقراف فمن قبل الفحل «3»

وقد شاع ذلك في زمانها حتى قال بعض الشعراء فى صاحب سأّلة: لي صاحب مثل داء البطن صحبته ... يودني كوداد الذّيب للبرأعى يثني علي جزاه الله صالحةً ... ثناء هندٍ على روح بن زنباع وفيها توفي زاذان «1» الكوفي أبو عبد الله مولى كندة، من الطبقة الأولى من تابعي أهل الكوفة، وكان صالحاً صاحب نسك وعبادة وكان بزازاً. وفيها توفي عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث «2» بن عبد المطلب، أبو محمد الهاشمي، من الطبقة الأولى من التابعين، وأمه هند بنت أبي سفيان؛ ولد في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتت به أمه إلى أختها أم حبيبة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها فقال: «من هذا» ؟ فقالت: ابن عمك وابن أختي، فتفل في فيه ودعا له. وفيها توفي عبد الله بن شداد بن الهاد «3» ، واسم الهاد عمرو الليثي، وسمي الهاد لأنه كان يوقد ناره للأضياف ليلاً ولمن سلك الطريق، وهو من الطبقة الأولى من تابعي المدينة، وأمه سلمى بنت عميس الخثعمية أخت أسماء. وفيها توفي عبد الرحمن بن يسار أو بلال أبي ليلى، صحب أبوه رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد معه أحداً وما بعدها. وأما عبد الرحمن هذا فإنه تابعي من أهل الكوفة، من الطبقة الأولى، وكان عالماً زاهداً خرج على الحجاج بن يوسف، قتل بدجيل وقيل بل غرق في نهر دجيل مع ابن الأشعث. وفيها توفي معبد الجهني من أهل البصرة وهو أول من تكلم في القدر، وهو من الطبقة الثانية من تابعي أهل البصرة، وحضر التحكيم بدومة الجندل. وفيها توفي المهلب بن أبي صفرة اسمه ظالم

ابن سراق بن صبح الأزدي العتكي «1» البصري، وفي اسم المهلب أقوال كثيرة، قيل: اسمه سارق بن ظالم، وقيل بالعكس، وقيل طارق بن سارق، وقيل قاطع بن سارق وقيل الذي ذكرناه أولاً؛ الأمير أبو سعيد أحد أشراف أهل البصرة ووجوههم وفرسانهم، ولد عام الفتح في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وولي الأعمال الجليلة، وله مواقف مع الروم وغيرها إلى أن توفي. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم سبعة أذرع وثمانية أصابع، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا وواحد وعشرون إصبعاً. *** السنة التاسعة عشرة من ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر وهي سنة أربع وثمانين- فيها فتحت المصيصة على يد عبد الله بن عبد الملك بن مروان. وفيها افتتح موسى بن نصير ملك درنة من بلاد المغرب، فقتل وسبى حتى قيل: إن السبي بلغ خمسين ألفاً. وفيها غزا محمد بن مروان أرمينية فهزمهم وحرق كنائسهم، وتسمى سنة الحريق. وفيها قتل الحجاج أيوب بن القرية وكان من فصحاء العرب وبلغائهم وأجوادهم، كان خرج أيضاً مع محمد بن الأشعث، واسمه أيوب ابن زيد بن قيس أبو سليمان الهلالي، ثم ندم الحجاج على قتله. وابن القرية هذا له حكايات كثيرة في الجود والكرم والفصاحة، منها: أنه لما أحضره الحجاج ليقتله، فقال له ابن القرية: أقلني عثرتي، واسقني ريقي فإنه «ليس «2» جواد إلا له كبوة، ولا شجاع إلا له هبوة، ولا صارم إلا له نبوة» ؛ فقال الحجاج: كلا! والله لأزيرنك «3»

جهنم؛ قال: فأرحني فإني أجد حرها، فأمر به فضربت عنقه، فلما رآه قتيلاً قال: لو تركناه حتى نسمع من كلامه!. وفيها ولي إمرة الإسكندرية عياض بن غنم التجيبي. وفيها بعث عبد الملك بن مروان بالشعبي إلى أخيه عبد العزيز صاحب الترجمة إلى مصر بسبب البيعة للوليد بن عبد الملك حسبما ذكرناه في صدر ترجمة عبد العزيز. وفيها حج بالناس هشام بن إسماعيل. وفيها ظفر الحجاج برأس محمد بن الأشعث وطيف بها في الأقاليم. وفيها قتل الحجاج حطيطاً الزيات الكوفي، كان عابداً زاهداً يصدع بالحق، قتله الحجاج لتشيعه ولميله لابن الأشعث. قيل: إنه لما أحضره بين يديه قال له الحجاج: ما تقول في أبي بكر وعمر؟ قال: أقول فيهما خيراً، قال: ما تقول في عثمان؟ قال: ما ولدت في زمانه، فقال له الحجاج: يا بن اللخناء، ولدت في زمان أبي بكر وعمر ولم تولد في زمن عثمان! فقال له حطيط: يا بن اللخناء، إني وجدت الناس اجتمعوا في أبي بكر وعمر فقلت بقولهم، ووجدت الناس اختلفوا في عثمان فوسعني السكوت، فقال معد لعنه الله (معد صاحب عذاب الحجاج) : إني أريد أن تدفعه إلي، فو الله لأسمعنك صياحه، فسلمه إليه فجعل يعذبه ليلته كلها وهو ساكت، فلما كان وقت الصبح كسر ساق حطيط، ثم دخل عليه الحجاج لعنه الله فقال له: ما فعلت بأسيرك، فقال: إن رأى الأمير أن يأخذه مني، فقد أفسد علي أهل سجني، فقال له الحجاج: علي به فعذبه بأنواع العذاب وهو صابر، فكان يأتي بالمسال فيغرزها في جسمه وهو صابر، ثم لفه في بارية وألقاه حتى مات. وفيها توفي أبو عمرو سعد بن إياس الشيباني صاحب العربية وأيام الناس، كان إماماً فيهما، وهو من الطبقة الأولى من تابعي أهل الكوفة، شهد القادسية وروى عن عمر وعلي وابن مسعود وغيرهم.

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستة أذرع ونصف، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وواحد وعشرون إصبعاً. *** السنة العشرون من ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر وهي سنة خمس وثمانين- فيها كانت وفاة عبد العزيز بن مروان صاحب الترجمة، حسبما تقدم ذكره، في الطاعون العظيم الذي كان في هذه السنة بمصر وأعمالها، وهو ثامن طاعون كان في الإسلام على قول بعضهم، وقد ذكرنا ذلك فيما مضى في حوادث سنة ست وستين. وفيها غزا محمد بن مروان إرمينية فأقام بها سنة وولى عليها عبد العزيز بن حاتم بن النعمان الباهلي، فبنى مدينة أردبيل ومدينة برذعة. وفيها جهز عبد الله بن عبد الملك بن مروان يزيد بن حنين في جيش فلقيه الروم فى جيش كثير فأصيب الناس، وقتل ميمون الجرجاني في ألف نفس من أهل أنطاكية. وفيها عزل يزيد بن المهلب بن أبي صفرة عن خراسان، وولي الفضل أخوه مدة يسيرة ثم عزل أيضاً، وولي قتيبة بن مسلم. وفيها قتل موسى بن عبد الله بن خازم «1» السلمي وكان بطلاً شجاعاً وسيداً مطاعاً، كان غلب على ترمذ وما وراء النهر مدة سنين وحارب العرب من هذه الجهة والترك من تلك الجهة، وجرت له وقعات عظيمة، وآخر الأمر أنه خرج ليلة في هذه السنة بعساكره ليغير على جيش فعثر به فرسه فابتدره ناس من ذلك الجيش وقتلوه. وفيها حج بالناس هشام بن إسماعيل المخزومي. وفيها توفي عبد الله بن عامر بن ربيعة حليف بني عدي، وكان له لما مات النّبيّ صلى الله عليه وسلم أربع سنين. وفيها توفي واثلة بن الأسقع

ذكر ولاية عبد الله بن عبد الملك على مصر

ابن عبد العزّى بن عبدياليل، من الطبقة الثالثة من المهاجرين، وكان ينزل ناحية المدينة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى معه الصبح وبايعه. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وخمسة عشر إصبعا، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وواحد وعشرون إصبعا. ذكر ولاية عبد الله بن عبد الملك على مصر هو عبد الله ابن الخليفة عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أميّة ابن عبد شمس، القرشي الأموي الأمير أبو [عمر «1» ] ، ولد في حدود سنة ستين ونشأ بدمشق تحت كنف والده عبد الملك، وندبه أبوه في خلافته إلى عدة غزوات، وافتتح المصيصة في سنة أربع وثمانين وقتل وسبى وغنم؛ ثم ولاه أبوه إمرة مصر بعد موت عمه عبد العزيز بن مروان في سنة خمس وثمانين، فتوجه إليها ودخلها في يوم الاثنين لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة من سنة خمس وثمانين، وقيل من سنة ست وثمانين. ودخل مصر ابن سبع وعشرين سنة، وكان أبوه عبد الملك أمره أن يعفي آثار عبد العزيز؛ فأول ما دخل عبد الله المذكور استبدل العمال بعمال غيرهم والأصحاب بأصحاب أخر، واستعمل على شرطة مصر عبد الأعلى، ومنع من لبس البرانس، وكان فيه شدة بأس. فلم يكن إلا أشهر وتوفي أبوه عبد الملك بن مروان وولي الخلافة من بعده أخوه الوليد بن عبد الملك، فأقره الوليد على إمرة مصر على عادته؛ فأمر عبد الله المذكور أن تنسخ دواوين مصر بالعربية، وكانت تكتب بالقبطية، ففعل ذلك. ثم وقع في سنة سبع وثمانين الشراقى بمصر وعلت الأشعار بها إلى الغاية، حتى قيل: إن أهل مصر لم يروا في عمرهم مثل

تلك الأيام، وقاست أهل مصر شدائد بسبب الغلاء، فاستشأمت الناس بكعبه. هذا مع ما كان عليه من الجور؛ فإنه كان يرتشي ويأخذ الأموال من الخراج وغيره. ولما شاع ذلك عنه طلبه أخوه الوليد من مصر، فخرج عبد الله من مصر إليه بدمشق في صفر سنة ثمان وثمانين، واستخلف على مصر عبد الرحمن بن عمرو بن مخزوم الخولاني. هذا وأهل مصر في شدة عظيمة من عظم الغلاء؛ فأقام عند الوليد مدة يسيرة ثم عاد إلى مصر حتى عزله أخوه الوليد بن عبد الملك عن إمرة مصر في سنة تسعين، وولى عوضه على مصر قرة بن شريك الآتي ذكره. فكانت ولاية عبد الله هذا على مصر ثلاث سنين وعشرة أشهر. وبعد عزله توجه إلى دمشق عند أخيه الوليد. وخرج من مصر بجميع أمواله واستصحب معه الهدايا والتحف إلى أخيه الوليد. فلما وصل إلى الأردن أحيط به من قبل أخيه الوليد فأخذ جميع ما كان معه، وحمل عبد الله المذكور إلى أخيه الوليد. وعبد الله هذا أمه أم ولد لأن أكبر إخوته الوليد ثم سليمان ثم مروان الأكبر- درج «1» - وعائشة، وأمهم ولادة بنت العباس بن جزء بن الحارث بن زهير بن خزيمة؛ ثم يزيد ومروان الأصغر ومعاوية وأم كلثوم، وأمهم عاتكة بنت يزيد بن معاوية بن أبي سفيان؛ ثم هشام وأمه أم هشام بنت إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومية واسمها عائشة؛ ثم أبو بكر، وكان يعرف ببكار، وأمه عائشة بنت موسى بن طلحة بن عبيد الله؛ ثم الحكم وأمه أم أيوب بنت عمرو بن عثمان بن عفان؛ ثم فاطمة وأمها أم المغيرة بنت المغيرة بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة؛ ثم عبد الله هذا صاحب الترجمة، ومسلمة والنّذر وعنبسة ومحمد وسعيد الخير والحجاج لأمهات الأولاد.

*** السنة الأولى من ولاية عبد الله بن عبد الملك بن مروان على مصر وهي سنة ست وثمانين- فيها كان طاعون القينات، سمي بذلك لأنه بدأ في النساء، وكان بالشام وواسط والبصرة. وفيها سار قتيبة بن مسلم متوجها إلى ولايته فدخل خراسان وتلقاه دهاقين بلخ وساروا معه، وأتاه أيضاً أهل صاغان بهدايا ومفتاح من ذهب وسلموا له بلادهم بالأمان. وفيها افتتح مسلمة بن عبد الملك حصن بولق «1» وحصن الأخرم. وفيها توفي الخليفة عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أميّة ابن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، أمير المؤمنين أبو الوليد، القرشي الأموي، والد عبد الله هذا صاحب الترجمة؛ بويع بالخلافة بعهد من أبيه مروان بن الحكم، وكان ذلك بعد أن دعا عبد الله بن الزبير لنفسه بالخلافة، وتم أمر عبد الملك المذكور في الخلافة وبقي على مصر والشام، وابن الزبير على باقي البلاد، مدة سبع سنين والحروب ثائرة بينهم، ثم غلب عبد الملك على العراق وما والاها بعد قتل مصعب بن الزبير، ثم ولى الحجاج بن يوسف الثقفي العراق ومحاربة عبد الله ابن الزبير حتى قتله، واستوثق الأمر بقتل عبد الله بن الزبير لعبد الملك، ودام في الخلافة حتى توفي بدمشق في شوال. وخلافته المجمع عليها (أعني بعد قتل عبد الله ابن الزبير) من وسط سنة ثلاث وسبعين. وقال الشعبي: خطب عبد الملك فقال: اللهم إن ذنوبي عظام، وإنها صغار في جنب عفوك، فاغفرها لي يا كريم. وكان مولد عبد الملك سنة ست وعشرين من الهجرة، وكان عابداً ناسكاً قبل الخلافة، فلما أتته الخلافة تغير عن ذلك كله وولى الحجاج على العراق. قيل: إن الحسن البصري سئل عن عبد الملك هذا فقال: ما أقول في رجلٍ الحجاج سيئة من سيئاته!. وفيها هلك ملك الروم الأحرم بورى

قبل عبد الملك بن مروان بشهر. وفيها حج بالناس هشام بن إسماعيل المخزومي. وفيها توفي بشر بن عقربة الجهني أبو اليمان. قال الواقدي: قتل أبوه عقربة يوم أحد، قال بشر: فلقينى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال: «يا حبيب ما يبكيك» فقلت: قتل أبي، قال: «ما ترضى أن أكون أباك وعائشة أمك» ومسح على رأسي بيده، فكان أثريده من رأسي أسود وسائره أبيض. وفيها توفي عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي، من الطبقة الثالثة من المهاجرين، وكان ممن بايع تحت الشجرة وشهد مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم غزوة بني النضير والخندق والقريظة. وفيها توفي أبو أمامة «1» صدي بن عجلان الباهلي، من الطبقة الرابعة من الصحابة. وفيها حبس الحجاج يزيد بن المهلب بن أبي صفرة وعزل حبيب بن المهلب عن كرمان، وعزل عبد الملك عن شرطته، وكان الحجاج أمير العراق كله والشرق في هذه السنة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وخمسة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ثلاثة عشر ذراعاً وثمانية عشر إصبعاً. *** السنة الثانية من ولاية عبد الله بن عبد الملك بن مروان على مصر وهي سنة سبع وثمانين- فيها افتتح قتيبة بن مسلم أمير خراسان بيكند. وفيها شرع الخليفة الوليد بن عبد الملك بن مروان في بناء جامع دمشق الأموي وكان نصفه كنيسة النصارى، وعلى ذلك صالحهم أبو عبيدة بن الجراح؛ فقال لهم الوليد: إنا قد أخذنا كنيسة مريم عنوة فأنا أهدمها، فرضوا بهدم هذه الكنيسة وإبقاء كنيسة مريم؛ والمحراب الكبير هو مكان باب الكنيسة. ثم كتب الوليد إلى ابن عمه عمر بن

عبد العزيز بن مروان وهو أمير المدينة ببناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. وكانت ولاية عمر بن عبد العزيز على المدينة في أوائل هذه السنة أيضاً وله من العمر خمس وعشرون سنة بعد أن صرف عنها؟؟؟ بن إسماعيل المخزومي؛ ودام عمر بن عبد العزيز على إمرة المدينة إلى أن عزله الوليد أيضاً بأبي بكر بن [عمرو بن «1» ] حزم. وفيها حج بالناس عمر بن عبد العزيز وهو أمير المدينة؛ وكان على قضاء المدينة أبو بكر ابن عمرو بن حزم. وفيها توفي أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد «2» . وفيها قدم نيزك طرخان على قتيبة بن مسلم فصالحه وأطلق ما في يده من أسارى المسلمين. وفيها غزا قتيبة المذكور نواحي بخارا فكانت ملحمة عظيمة هزم الله فيها المشركين. وفيها غزا مسلمة بن عبد الملك فافتتح قمقم «3» وبحيرة الفرسان، فقتل وسبى، ويسر الله تعالى في هذا العام بفتوحات كبار على الإسلام. وفيها توفى قبيصة بن ذؤيب ابن حلحلة بن عمرو الخزاعي، من الطبقة الأولى من التابعين من أهل المدينة والثانية من أهل الشام، ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح، وكان على خاتم الخليفة عبد الملك بن مروان وصاحب أمره وأقرب الناس إليه. وفيها توفي مطرف بن عبد الله بن الشخير بن عوف بن كعب، أبو عبد الله الحرشي، من الطبقة الثانية من تابعي أهل البصرة، وكان له فضل وورع ورواية، وكان بعيداً من الفتن. وفيها توفي أبو الأبيض العنسىّ وهو من التابعين، كان كثير الغزو والجهاد. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وستة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وعشرون إصبعاً.

*** السنة الثالثة من ولاية عبد الله بن عبد الملك بن مروان على مصر وهي سنة ثمان وثمانين- فيها جمع الروم جمعاً عظيماً وأقبلوا فالتقاهم قتيبة بن مسلم ومعه العباس ابن الخليفة الوليد، فهزم الله الروم وقتل منهم خلق كثير، وافتتح المسلمون سوسنة وطوانة. وفيها غزا قتيبة أيضاً الترك فزحفوا إليه ومعهم أهل فرغانة وعليهم ابن أخت ملك الصين، ويقال: بلغ جمعهم مائتي ألف، فكسرهم قتيبة، وكانت ملحمة عظيمة أيضاً. وفيها توفي عبد الله بن أبي قتادة بن ربعي الأنصاري الخزرجي من الطبقة الثانية من تابعي أهل المدينة. وفيها كان فتح طوانة من أرض الروم على يد مسلمة بن عبد الملك والعباس بن الوليد بن عبد الملك. وفيها حج بالناس أمير المدينة عمر بن عبد العزيز ووصل جماعةً من قريش، وساق معه بدناً وأحرم من ذي الحليفة، فلما كان بالتنعيم أخبر أن مكة قليلة الماء وأنهم يخافون على الحاج العطش، فقال عمر: تعالوا ندع الله تعالى، فدعا ودعا الناس معه، فما وصلوا إلى البيت إلا مع المطر، وسال الوادي فخاف أهل مكة من شدته، ومطرت عرفة ومكة وكثر الخصب. وفيها كتب الوليد إلى عمر بن عبد العزيز يأمره بإدخال حجر أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم في المسجد وأن يشترى ما بنواحيه، حتى يكون مائتي ذراع في مائتي ذراع وأن يقدم القبلة، ففعل عمر ذلك. وفيها توفي عبد الله بن بسر المازني (مازن بن منصور) وكان ممن صلى إلى القبلتين، وهو آخر من مات بالشام من الصحابة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وواحد وعشرون إصبعاً، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وعشرون إصبعاً.

*** السنة الرابعة من ولاية عبد الله بن عبد الملك بن مروان على مصر وهي سنة تسع وثمانين فيها افتتح موسى بن نصير جزيرتى ما يرقة «1» ومنرقة، وهما جزيرتان في البحر بين جزيرة صقلية وجزيرة الأندلس، وتسمى هذه الغزوة غزوة الأشراف لكثرة الأشراف التي كانوا بها (أعني أشراف العرب) . وفيها غزا قتيبة «وردان خذاه» ملك بخارا فلم يطقهم ورجع. وفيها غزا مسلمة بن عبد الملك عمورية فلقي جمعاً من الروم فهزمهم الله. وفيها ولي خالد بن عبد الله القسري مكة وهي أول ولايته. وفيها غزا مسلمة أيضاً والعباس بن الوليد بن عبد الملك الروم، فافتتح مسلمة حصن سورية وافتتح العباس مدينة أذرولية «2» . وفيها حج بالناس عمر بن عبد العزيز. وفيها توفي ظليم مولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح بإفريقية. وفيها عزل عمران بن عبد الرحمن عن قضاء مصر بعبد الواحد بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج وله خمس وعشرون سنة. وفيها توفي عمران بن حطان «3» السدوسي الخارجي، كان شاعر الخوارج؛ وروى عن أبي موسى وعائشة رضي الله عنهما، وكان عمران فصيحاً «4» قبيح الشكل، وكانت زوجته جميلة، فدخل عليها يوماً وهي بزينتها فأعجبته وعلمت منه ذلك، فقالت: أبشر فإني وإياك في الجنة؛ قال: ومن أين علمت؟ قالت: لأنك أعطيت مثلي فشكرت، وأنا ابتليت بمثلك فصبرت، والصابر والشاكر في الجنة. ومن شعره فى عبد الرحمن ابن ملجم وقومه: يا ضربةً من تقي ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

ذكر ولاية قرة بن شريك على مصر

إنّى لأذكره يوما فأحسبه ... أو فى البرية عند الله ميزانا أكرم بقومٍ بطون الطير أقبرهم ... لم يخلطوا دينهم بغياً وعدوانا قلت: وهذا مذهب الخوارج، فإنهم يكفرون بالمعصية. وفيها توفي يحيى بن يعمر أبو سليمان الليثي البصري، وكان عالماً بالقراءات والعربية، وهو أول من نقط المصاحف، وكان ولاه الحجاج [من بره «1» ] قضاء مرو، وكان يقضى بالشاهد واليمين اهـ. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع واثنا عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا واثنان وعشرون إصبعا. ذكر ولاية قرة بن شريك على مصر هو قرة بن شريك بن مرثد بن حازم «2» بن الحارث بن حبش بن سفيان بن عبد الله ابن ناشب بن هدم «3» بن عوذ بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان العبسي أمير مصر؛ ولي مصر بعد عزل عبد الله بن عبد الملك بن مروان من قبل الوليد بن عبد الملك بن مروان على صلاة مصر وخراجها، ودخلها يوم الاثنين ثالث شهر ربيع الأول سنة تسعين. قال العلامة شمس الدين يوسف بن قرأوغلى في تاريخه «مرآة الزمان» : كان قرة من أمراء بني أمية وولاه الوليد مصر، وكان سيئ التدبير خبيثاً ظالماً غشوماً فاسقاً منهمكاً، وهو من أهل قنسرين، قدم مصر سنة تسع وثمانين أو سنة تسعين، وكان الوليد عزل أخاه عبد الله بن عبد الملك بن مروان، وولى قرة وأمره ببناء جامع مصر والزيادة فيه سنة اثنتين وتسعين، فأقام في بنائه سنتين. قلت: وقد قدمنا في ترجمة عمرو بن العاص عند ذكر بنائه جامعه نبذة من ذلك اهـ.

قال: وكان الناس يصلون الجمعة في قيسارية العسل حتى فرغ قرة من بنائه، وكان الصناع إذا انصرفوا من البناء دعا بالخمور والزمور والطبول فيشرب الخمر في المسجد طول الليل، ويقول: لنا الليل ولهم النهار؛ وكان أشر خلق الله؛ وتحالفت الأزارقة على قتله فعلم فقتلهم؛ وكان عمر بن عبد العزيز يعتب على الوليد لتوليته مصر. ومات قرة في سنة خمس وتسعين بمصر. وورد على الوليد البريد في يوم واحد بموت الحجاج بن يوسف وموت قرة، فصعد المنبر وهو حاسر شعثان الرأس فنعاهما إلى الناس، وقال: والله لأشفعن لهما شفاعة تنفعهما؛ فقال عمر بن العزيز رضي الله عنه وهو ابن عم الوليد المذكور: انظروا إلى هذا الخبيث، لا أناله الله شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم وألحقه بهما، فاستجاب الله دعاءه وأهلك الوليد بعدهما بثمانية أشهر أو أقل. انتهى كلام صاحب «مرآة الزمان» بعد ما ساق وفاته في سنة خمس وتسعين؛ والأصح ما سنذكره في وفاته من قول الذهبي وغيره من المؤرخين. وأما قوله: إن الوليد مات بعد وفاة قرة بثمانية أشهر، فليس كذلك؛ لأن وفاة قرة في ليلة الخميس لست بقين من شهر ربيع الأول سنة ست وتسعين؛ ووفاة الوليد في نصف جمادى الآخرة، قاله خليفة بن خيّاط اهـ. وقيل: إن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ذكر عنده ظلم الحجاج وغيره من ولاة الأمصار أيام الوليد بن عبد الملك، فقال: الحجاج بالعراق! والوليد بالشأم! وقرة بن شريك بمصر! وعثمان بالمدينة! وخالد بمكة! اللهم قد امتلأت الدنيا ظلماً وجوراً فأرح؟؟؟ الناس!. فلم يمض غير قليل حتى توفّى الحجاج وقرّة بن؟؟؟ في شهر واحد، ثم تبعهم الوليد، وعزل عثمان وخالد، فاستجاب الله لعمر.

قال ابن الأثير: وما أشبه هذه القصة بقصة ابن عمر مع زياد بن أبيه حيث كتب إلى معاوية يقول: قد ضبطت العراق بشمالي؛ ويميني فارغة- يعرض بذلك أن شماله للعراق وتكون يمينه بإمارة الحجاز- فقل ابن عمر لما بلغه ذلك: اللهم أرحنا من يمين زياد وأرح أهل العراق من شماله؛ فكان أول خبر جاءه موت زياد. ولما كان قرة على مصر أمره الوليد بهدم ما بناه عمه عبد العزيز بن مروان لما كان أمير مصر ففعل قرة ذلك؛ ثم أخذ بركة «1» الحبش وأحياها وغرس بها القصب، فقيل لها «إسطبل قرة» . وقال الحافظ أبو سعيد بن يونس، بعد ما ذكر نسبه بنحو مما ذكرناه، كان أمير مصر للوليد بن عبد الملك وكان خليعاً، روى عن سعيد بن المسيب حديثاً واحداً، رواه عنه حكيم بن عبد الله بن قيس. وتوفي قرة بمصر وهو وال عليها في شهر ربيع الأول سنة ست وتسعين، وكان الوليد بن عبد الملك ولى قرة مصر وعزل عنها أخاه عبد الله ابن عبد الملك؛ فقال رجل من أهل مصر شعراً وكتب به إلى الوليد بن عبد الملك: عجباً ما عجبت حين أتانا ... أن قد أمرت قرة بن شريك وعزلت الفتى المبارك عنا ... ثم فيلت «2» فيه رأي أبيك

ثم قال ابن يونس: حدثني أبو أحمد بن يونس بن عبد الأعلى وكهمس ابن معمر وعيسى بن أحمد الصدفي وغيرهم، قالوا: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ابن عبد الله بن قيس عن قرة بن شريك: أنه سأل ابن المسيب عن الرجل ينكح عبده وليدته ثم يريد أن يفرق بينهما؛ قال: ليس له أن يفرق بينهما. قال ابن يونس: ليس لقرة بن شريك غير هذا الحديث الواحد. انتهى كلام ابن يونس. قلت: وكانت ولاية قرة على مصر ست سنين إلا أياماً. وتولى إمرة مصر بعده عبد الملك بن رفاعة الآتي ذكره؛ وكان من عظماء أمراء الوليد بن عبد الملك، وكان الوليد عند أهل الشأم من أفضل خلفائهم، بنى المساجد: مسجد دمشق ومسجد المدينة، ووضع المنابر، وأعطى المجذمين أموالاً ومنعهم من سؤال الناس، وأعطى كل مقعد خادماً، وكل ضرير قائداً، وفتح في ولايته فتوحات عظاما: منها الأندلس وكاشعر والهند؛ وكان يمر بالبقال فيقف عليه ويأخذ منه حزمة بقل فيقول: بكم هذه؟ فيقول: بفلس، فيقول: زد فيها. وكان صاحب بناء واتخاذ للمصانع؟؟؟ والضياع، فكان الناس يلتقون في زمانه فيسأل بعضهم بعضاً عن البناء. وكان سليمان ابن عبد الملك صاحب طعام ونكاح. فكان الناس يسأل بعضهم بعضاً عن النكاح والطعام. وكان عمر بن عبد العزيز صاحب عبادة، فكان الناس يسأل بعضهم بعضاً في أيامه: ما وزدك الليلة، وكم تحفظ من القرآن، وما تصوم من الشهر؟ قلت: ولم أذكر هذا كله إلا لما قدمناه من الحط على الوليد من أقوال المؤرخين، فأردت أن أذكر من محاسنه أيضا ما نقله غيرهم اهـ.

*** السنة الأولى من ولاية قرة بن شريك على مصر وهي سنة تسعين- فيها غزا قتيبة بن مسلم «وردان «1» خذاه» الغزوة الثانية، فاستصرخ وردان خذاه على قتيبة بالترك، فالتقاهم قتيبة وهزمهم الله تعالى وفض جمعهم. ثم غزا قتيبة أيضاً في السنة أهل الطالقان بخراسان فقتل منهم مقتلة عظيمة. وفيها غزا العباس ابن الخليفة الوليد ابن عبد الملك بن مروان فبلغ إلى أرزن «2» ثم رجع. وفيها توفي خالد بن يزيد بن معاوية ابن أبي سفيان، أبو هاشم الأموي الدمشقي أخو معاوية الرجل الصالح وعبد الله. قيل: إن خالداً هذا بويع بالخلافة بعد أخيه معاوية بن يزيد بن معاوية فلم يتم أمره، ووثب مروان بن الحكم على الأمر وخلع خالداً هذا وتزوج بأمه، وقد مر ذكر قتلها له في ترجمة مروان. وكان خالد المذكور موصوفاً بالعلم والعقل والشجاعة، وكان مولعاً بالكيمياء. وقيل: إنه هو الذي وضع حديث السفياني «3» «إنه يأتي في آخر الزمان ... » لما سمع بحديث المهدي. انتهى. وفيها توفي عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة ابن نوفل بن أهيب بن عبد مناف، وهو من الطبقة الثانية من تابعي أهل المدينة، وكان فقيهاً شاعراً. وفيها توفي أبو الخير مرثد «4» بن عبد الله اليزني. وفيها فتحت بخارا على يد قتيبة، ثم صالح قتيبة أهل الصغد ورجع بهم ملكهم طرخون إلى بلاده. وفيها غزا مسلمة بن عبد الملك أرض الروم وافتتح الحصون الخمسة [التي بسورية «5» ] . وفيها أسرت الروم خالد بن كيسان صاحب البحر، فأهداه ملكهم إلى الوليد.

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وتسعة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً واثنان وعشرون إصبعاً. *** السنة الثانية من ولاية قرة بن شريك على مصر وهي سنة إحدى وتسعين- فيها سار قتيبة بن مسلم الى أن وصل الى فارياب «1» فخرج إليه ملكها سامعاً مطيعاً، فاستعمل عليها قتيبة عامر بن مالك ورجع. وفيها عزل الوليد عمه محمد بن مروان عن الجزيرة وأذربيجان وولاها أخاه مسلمة بن عبد الملك بن مروان؛ فقدم مسلمة وانتدب إلى الغزو فغزا إلى أن وصل في هذه السنة إلى الباب من بحر أذربيجان، فافتتح مدائن وحصوناً كثيرة. وفيها افتتح قتيبة بن مسلم أمير خراسان شومان وكش ونسف، وامتنع عليه أهل فارياب فأحرقها، وجهز أخاه عبد الرحمن بن مسلم إلى طرخون ملك تلك البلاد، فجرت له معه حروب ومواقف؛ ثم صالحه عبد الرحمن وأعطاه «2» طرخون أموالاً، وتقهقر إلى أخيه قتيبة إلى بخارا، فانصرفوا حتى قدموا مرو؛ فقالت الصغد لطرخون ملكهم: إنك رضيت بالذل والجزية وأنت شيخ كبير لا حاجة لنا فيك، وعزلوه عنهم. وفيها غزا موسى بن نصير طليطلة (مدينة بالأندلس من بلاد الغرب) بعد ما أستولي على الجزيرة وأفتتح حصونها، ودخل طليطلة عنوةً، فوجد في دار المملكة مائدة سليمان بن داود عليهما السلام؛ وهي من خليطين ذهب وفضة وعليها ثلاثة أطواق من لؤلؤ وجوهر. وقال الهيثم: افتتحها طارق في سنة اثنتين وتسعين، وقيل غير ذلك. وفيها أيضاً قتل قتيبة طرخان ملك الترك وبعث برأسه الى الحجاج ابن يوسف الثقفي. وفيها قدم محمد بن يوسف الثقفي أخو الحجاج من اليمن بهدايا

عظيمة، فأرسلت أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان زوجة الوليد وبنت عمه تطلبها منه؛ فقال محمد أخو الحجاج: حتى يراها أمير المؤمنين فغضبت، ثم رآها الوليد وبعث بها إلى أم البنين فلم تقبلها، وقالت: قد غصبها من أموال الناس؛ فسأله الوليد؛ فقال: معاذ الله! فأحلقه الوليد بين الركن والمقام خمسين يميناً أنه ما ظلم أحداً ولا غصبه حتى قبلتها أم البنين. وكان محمد هذا عامل صنعاء، وكان يسب علي بن أبي طالب رضي الله عنه على المنابر؛ ولهذا كان يقول عمر بن عبد العزيز: «الحجاج بالعراق! وأخوه محمد باليمن! وعثمان بن حيان بالحجاز! والوليد بالشأم! وقرة بن شريك بمصر! امتلأت بلاد الله جورا!. وفيها حج بالناس الوليد ابن عبد الملك، فلما دخل إلى المدينة غدا إلى المسجد ينظر إلى بنائه وأخرج الناس منه ولم يبق غير سعيد بن المسيب، فلم يجسر أحد من الحرس أن يخرجه، فقيل له: لو قمت! فقال: لا أقوم حتى يأتي الوقت الذي أقوم فيه؛ قيل: فلو سلمت على أمير المؤمنين! قال: والله لا أقوم إليه؛ قال عمر بن عبد العزيز: فجعلت أعدل بالوليد في ناحية المسجد لئلا يراه، فالتفت الوليد إلى القبلة فقال: من ذلك الشيخ؟ أهو سعيد؟ قال عمر: نعم، ومن حاله كذا وكذا، ولو علم بمكانك لقام فسلم عليك وهو ضعيف البصر؛ فقال الوليد: قد علمنا حاله ونحن نأتيه، فدار في المسجد ثم أتاه، فقال: كيف أنت أيها الشيخ؟ - فو الله ما تحرك سعيد- فقال: بخير والحمد لله، فكيف أمير المؤمنين وكيف حاله؟ فانصرف الوليد وهو يقول: هذا بقية الناس. وصلى الوليد الجمعة بالمدينة فخطب الناس الخطبة الأولى جالساً. ثم قام فخطب الثانية قائماً. قال إسحاق بن يحيى: فقلت لرجاء بن حيوة وهو معه: أهكذا يصنعون؟ قال: هكذا صنع معاوية وهلم جرا؛ قال فقلت: ألا تكلمه! قال: أخبرني قبيصة بن

ذؤيب أنه كلم عبد الملك فلم يترك القعود وقال: هكذا خطب عثمان؛ قال فقلت: والله ما خطب إلا قائماً؛ قال رجاء: روى لهم شىء فأخذوا به. وفيها توفي أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم «1» بن عدي بن النجار، أبو حمزة الأنصاري النجاري الخزرجىّ خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وآخرهم موتاً، وهو من المكثرين، مات في هذه السنة؛ قاله الإمام أحمد، وكذا قال الهيثم بن عدي وسعيد بن عفير وأبو عبيد. وقال الواقدي: سنة اثنتين وتسعين، وتابعه معن بن عيسى عن ابن لأنس ابن مالك. وقال سعيد بن عامر وإسماعيل بن علية وأبو نعيم والمدائني والفلاس وخليفة وقعنب وغيرهم: سنة ثلاث وتسعين. وقال محمد بن عبد الله الأنصاري: اختلف علينا مشيختنا في سن أنس: فقال بعضهم: بلغ مائة وثلاث سنين، وقال بعضهم: بلغ مائة وسبع سنين، وقال يحيى بن بكير: توفي أنس وهو ابن مائة وسنة، ومات له في الطاعون الجارف ثمانون ولداً. قلت: وهذا بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه دعا له: «اللهم ارزقه مالاً وولداً وبارك له فيه» . قال أنس: فإني لمن أكثر الأنصار مالا، وحدّثنى ابنتي آسية «2» أنه دفن من صلبي إلى مقدم الحجاج البصرة تسعة وعشرون ومائة. وفيها توفى محمد ابن يوسف الثقفي أخو الحجاج عامل صنعاء باليمن، وقد تقدم ذكر هديته إلى الوليد. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع واثنا عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وسبعة عشر إصبعاً.

*** السنة الثالثة من ولاية قرة بن شريك على مصر وهي سنة اثنتين وتسعين- فيها حج بالناس الرجل الصالح عمر بن عبد العزيز. وفيها غزا عمر بن الوليد ومسلمة ابن عبد الملك بلاد الروم وفتح مسلمة حصوناً كثيرة، يقال: إنه بلغ إلى الخليج وفتح سوسنة. وفيها توفي إبراهيم بن يزيد بن شريك من تيم الرباب «1» ، أبو أسماء، من الطبقة الثانية من تابعي أهل الكوفة، وكان يقصّ على الناس. وفيها توفّى بلال ابن أبي الدرداء أبو محمد الأنصاري، من الطبقة الأولى من تابعي أهل الشأم، كان قاضياً على دمشق في زمان يزيد بن معاوية وبعده إلى أن عزله عبد الملك بن مروان بأبي إدريس الخولاني. وفيها توفي عبد الرحمن بن يزيد بن جارية «2» بن عامر بن مجمع أبو محمد «3» الأنصاري، من الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة، وأمه جميلة بنت ثابت ابن أبي الأقلح، وأخوه لأمه عاصم بن عمر بن الخطاب؛ وولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيها توفي طويس المغني صاحب الألحان، وهو أول من غنى بالألحان في الإسلام، وهو تصغير طاوس. وفيها فتحت جزيرة الأندلس على يد طارق بن زياد مولى موسى بن نصير. وفيها فتحت جزيرة سردانية على يد جيش موسى بن نصير، وهذه الجزيرة في بحر الروم، وهى من أكبر الجزائر ما عدا جزيرة صقلّيّة وأقريطش، وهي كثيرة الفواكه. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع واثنا عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وعشرة أصابع.

*** السنة الرابعة من ولاية قرة بن شريك على مصر وهي سنة ثلاث وتسعين- فيها افتتح قتيبة خوارزم وسمرقند، وكان ساكنها الصغد، وبنى بها مسجداً وخطب بنفسه فيه، وأخذ من أهلها عن رقبتهم ستة آلاف ألفٍ وثلاثين ألفاً، ووجد في سمرقند جارية من ولد يزدجرد فبعث بها إلى الحجاج فأرسلها الحجاج إلى الوليد بن عبد الملك فأولدها يزيد بن الوليد. وفيها غزا مسلمة بن عبد الملك بلاد الروم وفتح حصن الحديد وقلعة غزالة. وفيها غزا العباس بن الوليد ففتح سميساط «1» وطرسوس والمرزبان «2» . وفيها عزل الوليد عمر بن عبد العزيز عن المدينة بسبب أن عمر كتب إلى الوليد يخبره بظلم الحجاج وسفكه الدماء وما يفعل بأهل العراق وخوفه عواقبه. وفيها توفي وضاح اليمن، واسمه عبد الله بن إسماعيل بن عبد كلال، كان من أهل صنعاء من الأنبار، وقيل: اسمه عبد الرحمن بن إسماعيل بن عبد كلال؛ ووضاح اليمن لقب له لجمال وجهه، وهو صاحب القصة مع أم البنين زوجة الوليد بن عبد الملك بن مروان التي ذكرها ابن خلكان في تاريخه. وفيها فتحت طليطلة. قال أبو جعفر: وفي هذه السنة غضب موسى بن نصير على مولاه طارق، فسار إليه في رجب منها، واستخلف على إفريقيّة ابنه عبد الله بن موسى، وعبر موسى إلى طارق في عشرة آلاف، فتلقاه طارق وترضاه فرضي عنه وقبل عذره وسيره إلى طليطلة، وهي من عظام مدائن الأندلس، وهي من قرطبة على خمسة «3» أيام، ففتحها وأصاب فيها مائدة سليمان بن داود عليهما السلام، وفيها من الذهب والجوهر ما الله أعلم به.

وفيها غزا العباس بن الوليد الروم ففتح سميساط والمرزبان «1» . وفيها حج بالناس عبد العزيز بن الوليد. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستة أذرع وإصبعان، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وعشرون إصبعاً. *** السنة الخامسة من ولاية قرة بن شريك على مصر وهي سنة أربع وتسعين- فيها غزا قتيبة بن مسلم بلد كابل فحصرها حتى فتحها، ثم افتتح أيضاً فرغانة بعد أن حصرها وأخذها عنوة، وبعث جيشاً فافتتحوا الشاش. وفيها قتل محمد الثقفي صصة بن ذاهر. قيل: إن صصة هذا هو الذي اقترخ الشّطرنج. وفيها افتتح مسلمة ابن عبد الملك سندرة «2» من أرض الروم. وفيها غزا العباس بن الوليد بن عبد الملك أرض الروم وافتتح أنطاكية. وفيها افتتح القاسم بن محمد الثقفي أرض الهند. وفيها حج بالناس مسلمة بن عبد الملك. وفي أيام الوليد بن عبد الملك فتح الله على الإسلام فتوحاً عظيمة، وعاد الجهاد شبيهاً بأيام عمر رضي الله عنه. وفيها كانت بالشأم زلازل عظيمة دامت في غالب البلاد أربعين يوماً، وكان أولها من عشرين من آذار فهدمت الأبنية ووقع معظم أنطاكية. وفيها هرب يزيد بن المهلب وإخوته من حبس الحجاج إلى الشأم. وفيها غزا قتيبة ما وراء النهر وفتح فرغانة وخجندة. وفيها توفى الحسن ابن محمد بن الحنفية، وأمه جمال بنت قيس بن مخرمة، وكنيته أبو محمد، وهو من الطبقة الثالثة من تابعي أهل المدينة، وكان من ظرفاء بني هاشم، وكان يقدم على أخيه

أبي هاشم عبد الله بن محمد في الفضل والهيبة. وفيها قتل الحجاج سعيد بن جبير مولى بني والبة، وهو من الطبقة الثانية من تابعي أهل الكوفة، كان من كبار العلماء الزهاد، وكان ابن عباس يعظمه، وكان خرج مع محمد بن الأشعث على الحجاج، ثم انحاز بعد قتل ابن الأشعث إلى أصبهان، وكان عامل أصبهان ديناً، فأمر سعيدا بالخروج من بلده بما ألح عليه الحجاج في طلبه، فخرج إلى أذربيجان مدة ثم توجه إلى مكة مستجيراً بالله وملتجئاً إلى حرم الله، فبعث به خالد القسري إلى الحجاج. وكان الحجاج كتب إلى الوليد أنّ جماعة من التابعين قد التجئوا إلى مكة، فكتب الوليد إلى عامل مكة خالد القسري: احملهم إلى الحجاج، وكانوا خمسة: سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد وعمرو بن دينار وطلق بن حبيب، فأما عمرو وعطاء فأطلقا، وأما طلق فمات في الطريق، وأما مجاهد فحبس حتى مات الحجاج، لا عفا الله عنه، وأما سعيد بن جبير فقتل. وقصة قتلته طويلة وهي أشهر من أن تذكر. وفيها توفي سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن «1» عائذ بن عمران بن مخزوم، وأمه أم سعيد بنت عثمان بن حكيم السلمي، وكنيته أبو محمد- أعني ابن المسيب- وهو من الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة، وكان يقال له فقيه الفقهاء وعالم العلماء، وهو أحد الفقهاء السبعة، وقد نظمهم بعض الشعراء: ألا كل من لا يقتدي بأئمةٍ ... فقسمته ضيزى عن الحق خارجه فخذهم: عبيد الله، عروة، قاسم ... سعيد، سليمان، أبو بكر، خارجة وفيها توفي عروة بن الزبير بن العوام، أبو عبد الله الأسدي، هو أيضاً أحد الفقهاء السبعة وهو المشار إليه في ثاني اسم من البيت الثاني، وهو من الطبقة

الثانية من تابعي أهل المدينة، وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق، وهو شقيق عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم؛ وبينه وبين عبد الله المذكور عشرون سنة، وكان ابتلى بالأكلة فى رجله فقطعنت وهو صائم، فصبر على ذلك وحمد الله عليه، رضي الله عنه؛ وفي سنة وفاته اختلاف كثير. وفيها توفي عطاء بن يسار مولى ميمونة زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وكنيته أبو محمد، وقيل أبو يسار، وهو من الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة. قال ابن «1» بكير: كان بالمدينة ثلاثة إخوة لا ندري أيهم أفضل: عطاء وسليمان وعبد الله بنو يسار، وثلاثة إخوة: محمد وأبو بكر وعمر بنو المنذر، وثلاثة إخوة: بكير ويعقوب وعمر بنو عبد الله الأشج «2» . وفيها توفي علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الملقب بزين العابدين، وكنيته أبو محمد، وهو من الطبقة الثانية من تابعي أهل المدينة، وأمه أم ولد يقال لها غزالة، وقيل سلامة، وقيل سلافة، وقيل شاه زنان، وكانت سندية، وكان علي هذا باراً بها، رضي الله عنه وعن أسلافه. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وخمسة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة أربعة عشر ذراعاً وإصبع واحد. *** السنة السادسة من ولاية قرة بن شريك على مصر وهي سنة خمس وتسعين- فيها وفد موسى بن نصير من بلاد المغرب على الوليد بالشأم ومعه الأموال وثلاثون ألف رأس من الرقيق. وفيها افتتح مسلمة بن عبد الملك مدينة الباب من إرمينية وخربها ثم بناها بعد ذلك مسلمة المذكور. وفيها ولد أبو جعفر المنصور ثاني خلفاء

بني العباس. وفيها غزا العباس بن الوليد أرض الروم ففتح هرقلة وغيرها. وفيها حج بالناس بشر بن الوليد بن عبد الملك. وفيها توفي جعفر بن عمرو بن أمية الضّمرىّ وهو أخو عبد الملك بن مروان من الرضاعة. وفيها توفي الخبيث الحجاج بن يوسف ابن الحكم بن [أبي «1» ] عقيل بن مسعود بن عامر، أبو محمد الثقفي. قال الشعبي: كان بين الحجاج وبين الجلندا الذي ذكره [الله] في كتابه العزيز في قوله تعالى: وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً سبعون جداً. وقيل: إنه كان من ولد عبد «2» من عبيد الطائف لبني ثقيف ولد أبي رغال دليل أبرهة إلى الكعبة. قلت: هو مشبئوم؟؟؟ هو وأجداده، وعليهم اللعنة والخزي، فإنه كان مع ظلمه وإسرافه فى القتل مشئوم الطلعة؛ [ «3» وكان فى أيامه طاعون الإسراف، مات فيه خلائق لا تحصر؛ حتى قيل: لا يكون الطاعون والحجاج! وكان معظم الطاعون بواسط] . وقيل: كان اسم الحجاج أولاً كليب، ومولده سنة تسع وثلاثين، وقيل سنة أربعين، وقيل سنة إحدى وأربعين، بمصر بدرب «4» السراجين، ثم خرج به أبوه يوسف مع

ذكر ولاية عبد الملك بن رفاعة الأولى على مصر

مروان بن الحكم إلى الشأم. ولم أدر ما أذكر من مساوئ هذا الخبيث في هذا المختصر، فإن مساوئه لا تحصر، غير أنني أكتفي فيه بما شاع عنه في الآفاق من قبيح الفعال، وسوء الخصال. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستة أذرع وسبعة أصابع، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً واثنا عشر إصبعاً. ذكر ولاية عبد الملك بن رفاعة الأولى على مصر هو عبد الملك بن رفاعة بن خالد بن ثابت الفهمي المصري أمير مصر، ولي مصر بعد موت قرة بن شريك من قبل الوليد بن عبد الملك بن مروان، وليها في شهر ربيع الآخر سنة ست وتسعين على الصلاة، فلم يكن بعد ولايته إلا أيام ومات الوليد ابن عبد الملك وتخلف أخوه سليمان بن عبد الملك، فأقر عبد الملك هذا على عمل مصر، فدام على ذلك وحسنت سيرته، فإنه كان عفيفاً عن الأموال ديناً وفيه عدل في الرعية، وكان ثقة أميناً فاضلاً، روى عنه الليث بن سعد وغيره. قال الليث بن سعد: كان يقول عبد الملك بن رفاعة: «إذا دخلت الهدية من الباب خرجت الأمانة من الطاق» يعني بهذا الكلام في حق كل عامل على بلد. قلت: وهذا أيضاً في حق كل حاكم كائن من كان. وفى الجملة فبينه «1» وبين قرّة لبن شريك زحام. وكان المتولي في أيام عبد الملك بن رفاعة على خراج مصر أسامة ابن زيد التنوخي، وعلى الشرطة أخاه الوليد بن رفاعة. قال الكندي: كتب سليمان بن عبد الملك بن مروان إلى أسامة: احلب الدر حتى ينقطع، وأحلب الدم حتى ينصرم. قال: فذلك أول شدة دخلت على أهل مصر. وقال يوماً سليمان بن عبد الملك- وقد أعجبه فعل أسامة بن زيد المذكور-:

هذا أسامة لا يرتشي ديناراً ولا درهماً؛ فقال له ابن عمه عمر بن عبد العزيز بن مروان: أنا أذلّك على من هو شر من أسامة ولا يرتشي ديناراً ولا درهماً؛ قال سليمان: ومن هو؟ قال عمر: عدو الله إبليس؛ فغضب سليمان وقام من مجلسه. ولما مات سليمان بن عبد الملك وتولى عمر بن عبد العزيز الخلافة وجه في عزل أسامة بن زيد المذكور قبل دفن سليمان، وأقر عبد الملك بن رفاعة على عمله بمصر مدة، ثم عزله بأيوب بن شرحبيل في شهر ربيع الأول سنة تسع وتسعين. وكانت ولاية عبد الملك بن رفاعة على مصر في هذه المرة ثلاث سنين تخميناً. وتأتي بقية ترجمته في ولايته الثانية إن شاء الله تعالى. وفي أيام عبد الملك هذا قتل عبد العزيز ابن موسى بن نصير، وكان أبوه استعمله على الأندلس لما قدم الشأم، وكان سببه أنه تزوج بامرأة رذريق «1» فحملته على أن يأخذ أصحابه ورعيته بالسجود له عند الدخول عليه كما كان يفعل لزوجها، فقال: إن ذلك ليس في ديننا، وكان ديناً فاضلاً، فلم تزل به حتى أمر بفتح باب قصير «2» ، فكان أحدهم إذا دخل عليه طأطأ رأسه فيصير كالراكع له، فرضيت به وقالت له: الآن لحقت بالملوك، وبقي أن أعمل لك تاجاً مما عندي من الذهب واللؤلؤ فأبى، فلم تزل به حتى فعل، فانكشف ذلك للمسلمين «3» ، فقيل: إنه تنصر، فثاروا عليه وقتلوه بدسيسة من عند عبد الملك هذا بآمر سليمان بن عبد الملك، فدخلوا عليه، وهو يصلي الصبح في المحراب وقد قرأ الفاتحة وسورة الواقعة، فضربوه بالسيوف ضربة واحدة واحتزوا رأسه وسيروه إلى سليمان، فعرضه سليمان على أبيه فتجلد للمصيبة وقال: هنيئاً له الشهادة، فقد قتلتموه والله صواماً قواماً. فعد الناس ذلك من زلات سليمان بن عبد الملك اهـ.

*** السنة الأولى من ولاية عبد الملك بن رفاعة الأولى على مصر وهي سنة ست وتسعين- فيها غزا مسلمة بن عبد الملك الصائفة. وفيها افتتح العباس ابن الوليد بن عبد الملك طرسوس. وفيها عزم الوليد قبل موته بمدة يسيرة على خلع أخيه سليمان بن عبد الملك من ولاية العهد، وكان الوليد قد شاور الحجاج في ذلك فأشار عليه بخلعه، فكتب الوليد إلى أخيه سليمان بذلك فامتنع، وكان بفلسطين، فعرض عليه الوليد أموالاً كثيرة فأبى، فكتب الوليد إلى عماله أن يخلعوا سليمان ويبايعوا لابنه عبد العزيز بن الوليد، فلم يجبه إلى ذلك سوى الحجاج وقتيبة بن مسلم؛ ثم قال لعمر بن عبد العزيز: بايع لابن أختك عبد العزيز، فإنّ عبد العزيز ابن الوليد كانت أمه أخت عمر بن عبد العزيز، فقال له عمر: إنما بايعناك وسليمان في عقد واحد، فكيف نخلعه ونتركك! فأخذ الوليد منديلا وجعله في عنق عمر بن عبد العزيز ولواه حتى كاد أن يموت، فصاحت أخته أم البنين زوجة الوليد حتى أطلقه وحبسه في بيتٍ ثلاثة أيام إلى أن قالت له أم البنين: أخرج أخي فأخرجه وقد كاد أن يموت، وقد التوى عنقه، فقالت أم البنين: اللهم لا تبلغ الوليد في ولد عبد العزيز ما أمله. وفيها قتل قتيبة بن مسلم بن عمرو بن الحصين بن أسيد «1» بن زيد ابن قضاعة الباهلي، وهو من التابعين، وكنيته أبو صالح، كان من كبار أمراء بني أمية، ولاه الحجاج خراسان، وفتح الفتوحات؛ فلما ولي سليمان بن عبد الملك الخلافة نقم عليه لكونه كان خلعه في أيام أخيه الوليد، فبعث إليه من قتله بعد أمور وحروب. وفيها توفي الحكم بن أيوب بن الحكم بن أبي عقيل ابن عم الحجاج، كان ولاه الحجاج البصرة وزوجه أخته زينب بنت يوسف. وفيها توفي عبد الله بن عمرو بن عثمان

ابن عفان، وأمه حفصة بنت عبد الله بن عمر بن الخطاب، كان من الطبقة الثالثة من تابعي أهل المدينة. وفيها افتتح قتيبة مدينة كاشغر «1» . وفيها حج بالناس أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وهو أمير المدينة، وكان على مكة عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد (بفتح الهمزة وكسر السين المهملة) ، وكان على حرب العراق وصلاتها يزيد بن المهلب، وعلى خراجها صالح بن عبد الرحمن، وعلى البصرة سفيان بن عبد الله الكندي من قبل يزيد بن المهلب، وعلى حرب خراسان وكيع بن أبى مسعود. وفيها توفى الحليفة الوليد بن عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين أبو العباس الأموي الدمشقي، من الطبقة الثالثة من تابعي أهل الشام، وكان الوليد عند أهل الشأم أفضل خلفائهم من كونه بنى المساجد والجوامع وبنى جامع دمشق ومسجد المدينة، وهو أول من اتخذ دار الضيافة للقادمين، وبنى البيمارستانات للمرضى، وساق المياه إلى مكة والمدينة، ووضع المنابر في الأمصار، غير أنه كان له مساوئ من كونه كان أقر الحجاج على العراق وأشياء غير ذلك؛ وتولى الخلافة من بعده أخوه سليمان بن عبد الملك. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع واثنا عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وثلاثة وعشرون إصبعاً. *** السنة الثانية من ولاية عبد الملك بن رفاعة على مصر وهي سنة سبع وتسعين- فيها غزا يزيد بن المهلب جرجان. قال المدائني: غزاها ولم تكن يومئذ [مدينة» ] إنما هي جبال محيطة بها. وفيها حج بالناس الخليفة سليمان بن عبد الملك. وفيها غزا مسلمة بن عبد الملك

ذكر وفاة موسى بن نصير المذكور

برجمة وحصن ابن عوف وافتتح أيضاً حصن الحديد وسردا «1» ، وشتى بنواحي الروم. وفيها بعث سليمان بن عبد الملك على الغرب محمد بن يزيد مولى قريش فولي سنتين وعدل، ولكنه عسف على موسى بن نصير وقبض على ابنه عبد الله وسجنه ثم جاء البريد بأن يقتله؛ فتولى قتله عبيد الله بن خالد بن صابي «2» ، وكان أخوه عبد العزيز بن موسى على الأندلس، ثم ثاروا عليه فقتلوه في سنة تسع وتسعين لكونه خلع طاعة سليمان، قتله وهو في صلاة الفجر حبيب بن أبي عبيد بن عقبة بن نافع الفهرىّ. ذكر وفاة موسى بن نصير المذكور هو صاحب فتوحات الغرب، وكنيته أبو عبد الرحمن. قيل: أصله من عين التمر «3» ، وقيل: هو مولى لبني أمية، وقيل: لامرأة من لخم، مات بطريق مكة مع الخليفة سليمان بن عبد الملك. مولده بقرية كفرتوثا «4» من قرى الجزيرة في سنة تسع عشرة؛ وولاه معاوية بن أبي سفيان غزو البحر فغزا قبرس وبنى بها حصوناً ثم غزا غيرها؛ وطالت أيامه وفتح الفتوحات العظيمة ببلاد المغرب، وكان شجاعاً مقداماً جواداً. وفيها جهز الخليفة سليمان بن عبد الملك الجيوش إلى القسطنطينية واستعمل ابنه داود على الصائفة فافتتح حصن المرأة. وفيها غزا عمر بن هبيرة أرض الروم في البحر وشتى بها. وفيها عزل سليمان داود بن طلحة الحضرمىّ عن إمرة مكة، وكان عمله «5» عليها ستة أشهر؛ وولى عوضه عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وثلاثة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وخمسة أصابع.

*** السنة الثالثة من ولاية عبد الملك بن رفاعة على مصر وهي سنة ثمان وتسعين- فيها غزا يزيد بن المهلب بن أبي صفرة طبرستان، فصالحه صاحبها الأصبهبذ «1» على سبعمائة ألف، وقيل: خمسمائة ألف في السنة. وفيها غدر أهل جرجان وقتلوا عاملهم وجماعةً من المسلمين، فسار اليهم يزيد بن المهلب بن أبي صفرة وقاتلهم شهراً حتى نزلوا على حكمه، فقتل المقاتلة وصلب منهم فرسخين [عن «2» يمين الطريق ويساره] وقاد منهم اثني عشر ألف نفس إلى وادي جرجان فقتلهم وأجرى الدماء في الوادي. وفيها غزا داود بن سليمان بن عبد الملك أرض الروم وفتح حصن المرأة مما يلي ملطية. وفيها عادت الزلازل أربعين يوماً، وقيل: ستة أشهر، فهدمت القلاع والأماكن العالية. وفيها استعمل سليمان عروة بن محمد بن عطية السعدي على اليمن. وفيها توفي أيوب ابن الخليفة سليمان بن عبد الملك بن مروان؛ وأم أيوب المذكور أم أبان بنت سليمان ابن الحكم، وقيل: بنت خالد بن الحكم، وكان شابّا جليلا. وفيها توفى عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وكنيته أبو عبد الله، وهو من الطبقة الثانية من تابعي أهل المدينة، وكان عالماً زاهداً، وهو أحد الفقهاء السبعة المشار إليه في الأبيات السابقة بعبيد الله، وكان الزهري يلازمه ويأخذ عنه. وفيها فتحت مدينة الصقالبة ببلاد المغرب. وفيها حج بالناس عبد العزيز بن عبد الله بن خالد ابن أسيد وهو أمير مكة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وتسعة أصابع، مبلغ الزيادة سبعة عشرة ذراعاً وستة أصابع.

ذكر ولاية أيوب بن شرحبيل على مصر

ذكر ولاية أيوب بن شرحبيل على مصر هو أيوب بن شرحبيل بن أكشوم «1» بن أبرهة بن الصباح أمير مصر. قال الحافظ أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس في تاريخه: أيوب بن شرحبيل بن أكشوم بن أبرهة بن الصباح بن لهيعة بن شرحبيل بن مرثد بن الصبّاح ابن معديكرب بن يعفر بن ينوف «2» بن شراحيل بن «3» أبى شمر بن شرحبيل بن ياشر ابن أشغر «4» بن ملكيكرب بن شراحيل بن يعفر بن عمير بن أبي كرب بن يعفر بن أسعد بن ملكيكرب بن شمير «5» بن أشغر بن ينوف بن أصبح الأصبحي. وأمه أم أيوب بنت مالك بن نويرة بن الصباح. وأيوب هذا أحد أمراء مصر وليها لعمر بن عبد العزيز. روى عنه أبو قبيل وعبد الرحمن بن مهران، وتوفي في رمضان سنة إحدى ومائة. حدثني موسى بن هارون بن كامل أخبرنا عبد الله بن محمد البردي حدثنا أبي حدثنا ابن أبي ذئب «6» حدثنا عبد الرحمن بن مهران عن أيوب بن شرحبيل قال: كتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى عامله على مصر: أن خذ من المسلمين من كل أربعين ديناراً، ومن أهل الكتاب من كل عشرين ديناراً إذا قبلوها في كل عام، فإنه حدثني من سمعه عمن سمعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى كلام ابن يونس باختصار

قلت: وكانت ولاية أيوب هذا على مصر بعد عبد الملك بن رفاعة من قبل عمر ابن عبد العزيز في شهر ربيع الأول سنة تسع وتسعين. فلما ولي أيوب هذا مصر جعل الفتيا بمصر إلى جعفر بن ربيعة ويزيد بن أبي حبيب وعبيد الله بن أبي جعفر، وجعل على الشرطة الحسن بن يزيد الرعيني، وزيد في عطايا الناس عامة، وعطلت حانات الخمر وكسرت بإشارة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، ونزحت القبط عن الكور، واستعملت [عليها] المسلمون، ونزعت أيديهم أيضاً عن المواريث واستعمل عليها المسلمون، وحسنت أحوال الديار المصرية في أيامه، وأخذ أيوب هذا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح الأمور. وبينما هو في ذلك قدم عليه الخبر بموت الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في شهر رجب سنة إحدى ومائة وتولية يزيد بن عبد الملك بن مروان الخلافة، وأن يزيد أقر أيوب بن شرحبيل المذكور على عمله بمصر على الصلاة على عادته؛ فلم تطل مدة أيوب بعد ذلك، ومات في يوم سابع عشر شهر رمضان من سنة إحدى ومائة المذكورة، وقيل: لإحدى عشرة خلت من شهر رمضان؛ فكانت ولايته على مصر سنتين ونصف سنة؛ وتولى مصر بعده بشر بن صفوان الآتي ذكره. وقال صاحب كتاب «البغية والاغتباط فيمن ولي الفسطاط» : إنه عزل (يعني أيوب هذا) في التاريخ المذكور من الشهر والسنة؛ غير أنه خالف ما ذكرناه من موته، وقال: «عزل» والله أعلم، ووافقه غيره على ذلك. والصحيح ما نقلناه، أنه توفي. غير أن يزيد لما ولي الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز غير غالب ما كان قرره عمر. وسببه أن عمر لما احتضر قيل له: اكتب إلى يزيد ابن عمك وأوصه بالأمة، قال: بماذا أوصيه! إنه من بني عبد الملك؛ ثم كتب إليه: «أما بعد، فاتق الله يا يزيد، واتق الصرعة بعد الغفلة حين لا تقال العثرة ولا تقدر على الرجعة، إنك تترك ما تترك

لمن لا يحمدك، وتصير إلى من لا يعذرك، والسلام» . فلما ولي يزيد نزع أبا بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم عن المدينة، واستعمل عبد الرحمن بن الضحّاك بن قيس الفهرىّ عليها، فاستقضى عبد الرحمن بن سلمة بن عبد الله بن عبد الأسد المخزومىّ، وأراد معارضة ابن حزم فلم يجد عليه سبيلاً حتى شكا عثمان بن حيان إلى يزيد من ابن حزم أنه ضربه حدين وطلب منه أن يقيده «1» منه. ثم عمد يزيد إلى كل ما صنعه ابن عمه عمر بن عبد العزيز مما لم يوافق هواه فرده، ولم يخف شناعةً عاجلةً ولا إثماً آجلاً. فمن ذلك أن محمد بن يوسف أخا الحجاج بن يوسف كان عاملاً على اليمن، فجعل عليهم خراجاً محدداً «2» ، فلما ولي عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامله باليمن يأمره بالاقتصار على العشر ونصف العشر وترك ما حدده محمد، وقال: لأن يأتيني من اليمن حفنة ذرة أحب إلي من تقرير هذه الوظيفة. فلما ولي يزيد بعد عمر أمر بردها، وقال لعامله: خذها منهم ولو صاروا حرضاً «3» ، والسلام. ثم عزل جماعةً من العمال. فمن قال بعزل أيوب عن مصر فهو يستدل بما ذكرناه، والأصح أنه مات في التاريخ المذكور المقدم ذكره. *** السنة الأولى من ولاية أيوب بن شرحبيل على مصر وهي سنة تسع وتسعين- فيها أغارت الخزر على أرمينية وأذربيجان، وأمير تلك البلاد يوم ذاك عبد العزيز بن حاتم الباهلي، وكان بينهم وقعة قتل الله فيها عامة الخزر، وكتب عبد العزيز الباهلي إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز بذلك. وفيها حج بالناس أبو بكر بن حزم. وفيها استقضى عمر بن عبد العزيز الشّع؟؟؟ ىّ على الكوفة. وفيها قدم يزيد بن المهلب بن أبى

صفرة من خراسان، فما قطع الجسر إلا وهو معزول. وتوجه عدي بن أرطاة والياً من قبل عمر بن عبد العزيز على البصرة، فأبى يزيد بن المهلب أن يسلم عليه، فقبض عليه عدي بن أرطاة وقيده وبعث به إلى عمر بن عبد العزيز، فحبسه عمر بن عبد العزيز حتى مات. وفيها أسلم ملك الهند. قال ابن عساكر: كتب ملك الهند إلى عمر بن عبد العزيز: «من ملك الهند والسند، ملك الأملاك الذي هو ابن ألف ملك وتحته ابنة ألف ملك، والذي في مملكته نهران ينبتان العود والكافور والأكرة التي يوجد ريحها من اثني عشر فرسخاً، والذي في مربطه ألف فيل وتحت يده ألف ملك، إلى ملك العرب: أما بعد، فإن الله قد هداني إلى الإسلام فابعث إلي رجلاً يعلمني الإسلام والقرآن وشرائع الإسلام، وقد أهديت لك هدية من المسك والعنبر والند والكافور فاقبلها، فإنما أنا أخوك في الإسلام، والسلام» . وفيها توفي سعيد بن أبي الحسن أخو الحسن البصري، وكان أصغر من الحسن، وهو من الطبقة الثانية من تابعي أهل البصرة، وحزن على موته أخوه الحسن حزناً عظيماً وأمسك عن الكلام حتى كلم في ذلك، فقال أول ما تكلم: الحمد لله الذي لم يجعل الحزن عاراً على يعقوب. وفيها توفي الخليفة سليمان بن عبد الملك ابن مروان الأموي الهاشمي، وأمه ولادة بنت العباس، وهي أم الوليد أيضاً، وكنيته أبو أيوب، ولي الخلافة بعد أخيه الوليد بن عبد الملك سنة ست وتسعين، وكان فصيحاً لسناً جميلاً حسن السيرة مفتاحاً للخير، أذهب الله به ظلم الحجاج، وأطلق من كان في حبس الحجاج، فأنصف المظلومين، وبنى مدينة الرملة و؟؟؟؟ ها، ثم ح؟؟؟ م أفعاله باستخلافه ابن عمه عمر بن عبد العزيز على المسلمين قبل أخويه يزيد وهشام،

وكان سليمان هذا أكولاً، وحكاياته في كثرة الأكل مشهورة، منها: أنه حج مرة فنزل بالطائف فأكل سبعين رمّانة، ثم جاءوه بخروف مشوىّ وست دجاجات فأكلها، ثم جاءوه بزبيب فأكل منه شيئاً كثيراً؛ ثم نعس وانتبه فأتاه الطباخ فأخبره أن الطعام استوى، فقال: اعرضه علي قدراً قدراً، فصار يأكل من كل قدرة «1» اللقمة واللقمتين واللحمة واللحمتين، وكانت ثمانين قدراً؛ ثم مد السماط فأكل على عادته كأنه ما أكل شيئا. اهـ، وكانت وفاته بدابق «2» في صفر سنة تسع وتسعين عن خمس وأربعين سنة. وكانت خلافته دون ثلاث سنين، رحمه الله. وفيها وجه عمر بن عبد العزيز إلى مسلمة وهو بأرض الروم يأمره بالقفول منها بمن معه من المسلمين، ووجه لهم خيلاً وطعاماً كثيراً، وحث الناس على معونتهم. وفيها أغارت الترك على أذربيجان فقتلوا من المسلمين جماعة؛ فوجه عمر بن عبد العزيز حاتم بن النعمان الباهلي فقتل أولئك الترك، ولم يفلت منهم إلا اليسير. وفيها توفي سهل بن عبد العزيز ابن مروان أخو الخليفة عمر بن عبد العزيز، وكان فاضلاً ديناً زاهداً. وفيها توفي قيس بن أبي حازم عوف بن الحارث الأحمسي، من الطبقة الأولى من تابعي أهل الكوفة، شهد مع خالد بن الوليد حين صالح أهل الحيرة والقادسيّة. وفيها توفي القاسم بن مخيمرة الهمداني، وهو من الطبقة الثانية من تابعي أهل الكوفة، وكان يدعو بالموت، فلما نزل به كرهه، وكان ثقةً مع علم وزهد وورع. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستة أذرع وخمسة أصابع، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وعشرون إصبعاً.

*** السنة الثانية من ولاية أيوب بن شرحبيل على مصر وهي سنة مائة- فيها حج بالناس أبو بكر بن حزم. وفيها غزا الصائفة الوليد بن هشام المعيطي؛ وفيها خرج شوذب الخارجي واسمه بسطام من بني يشكر. وفيها أمر عمر بن عبد العزيز أهل طرندة «1» بالقفول عنها إلى ملطية، وكان عبد الله بن عبد الملك قد أسكنها المسلمين بعد أن غزاها سنة ثلاث وثمانين، وملطية يومئذ خراب، وكان يأتيهم جند من الجزيرة يقيمون عندهم إلى أن ينزل الثلج ويعودون إلى بلادهم؛ فلم يزالوا كذلك إلى أن ولي عمر بن عبد العزيز فأمرهم بالعود إلى ملطية وإخلاء طرندة خوفاً على المسلمين [من العدو «2» ] وأخرب طرندة. وفيها تزوج محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الحارثية، فولدت له السفاح أول خلفاء بني العباس الآتي ذكرهم إن شاء الله تعالى. وفيها كانت الزلازل، فكتب الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار وواعدهم يوماً بعينه، ثم خرج هو بنفسه رضي الله عنه في ذلك اليوم وخرج معه الناس، فدعا عمر وتضرع إلى الله فسكنت الزلازل ببركته. وقيل: إن في أول هذه السنة كانت أول دعوة بني العباس بخراسان لمحمد بن علي بن عبد الله بن العباس، فلم يظهر أمره غير أنه شاع ذلك في الأقطار، ثم وقعت أمور إلى أن ظهرت دعوتهم في سنة مائة واثنتين وثلاثين، كما سيأتي ذكره في محله. وفيها توفي خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري، وأمه جميلة بنت سعد بن الربيع الخزرجي، وهو من الطبقة الثانية من تابعي أهل المدينة، وكذا جميع إخوته، وكنيته أبو زيد، وكان عالماً زاهدا،

وهو أحد الفقهاء السبعة. وفيها توفي الشاب الصالح الناسك عبد الملك ابن الخليفة عمر بن عبد العزيز بن مروان، مات في خلافة أبيه عمر بن عبد العزيز. قال بعض أهل الشام: كنا نرى أن عمر بن عبد العزيز إنما أدخله في العبادة ما رأى من ابنه عبد الملك المذكور هذا. ومات عبد الملك المذكور وله تسع عشرة سنة رحمه الله. وفيها كان طاعون عدىّ بن أرطاة، ومات فيه خلائق. وفيها توفي أبو رجاء العطاردي، من الطبقة الأولى من تابعي أهل البصرة، واسمه عمران بن تيم، وقيل: ابن ملحان، وقيل: عطارد بن ثور «1» . وفيها توفي أبو طفيل عامر بن واثلة بن عبد الله ابن عمرو الليثي الكناني الصحابي، آخر من رأى فى الدنيا النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالإجماع، وكان من شيعة علي، روى عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم استلامه الركن. وفيها كتب عمر بن عبد العزيز إلى ملوك السند «2» يدعوهم إلى الإسلام على أن يملكهم بلادهم، ولهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم؛ وقد كانت سيرته بلغتهم، فأسلم جيشبة «3» بن ذاهر وعده ملوك وتسموا بأسماء العرب. وكان استعمل عمر على ذلك الثغر عمرو بن مسلم أخا قتيبة، فغزا عمرو بعض الهند وظفر حتى بقي ملوك السند مسلمين، فبقوا على ذلك إلى خلافة هشام، [ثم] ارتدوا عن الإسلام لأمر وقع من هشام. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثمانية أذرع وعشرون إصبعاً، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا وعشرون «4» إصبعا.

ذكر ولاية بشر بن صفوان على مصر

ذكر ولاية بشر بن صفوان على مصر هو بشر بن صفوان بن تويل (بفتح التاء المثناة) بن بشر بن حنظلة بن علقمة بن شرحبيل بن عرين «1» بن أبي جابر بن زهير الكلبي، أمير مصر. وليها من قبل يزيد بن عبد الملك بعد موت أيوب بن شرحبيل في سابع عشر شهر رمضان سنة إحدى ومائة. قال ابن يونس: وحدث عنه عبد الله بن لهيعة، ويروي عن أبي فراس. انتهى كلام ابن يونس، ولم يذكر وفاته ولا عزله. وقال غيره: وفي أيام بشر على مصر نزل الروم تنيس وأقام بعد ذلك مدة، وولاه الخليفة يزيد بن عبد الملك على إفريقية بالغرب، فخرج إليها من مصر في شوال سنة اثنتين ومائة واستخلف أخاه حنظلة بن صفوان على مصر، فأقره يزيد بن عبد الملك على إمرة مصر عوضاً عن أخيه بشر المذكور. وقال صاحب كتاب «البغية والاغتباط، فيمن ولى الفسطاط» بعد ما ذكر نسبه إلى جده، قال: ولاه يزيد بن عبد الملك، وقدمها (يعني مصر) لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة إحدى ومائة، فجعل على شرطته شعيب بن حميد ابن أبى الرّبذاء «2» البلوي. وفي إمرته نزلت الروم تنيس، وكتب يزيد بمنع الزيادات التي زادها عمر بن عبد العزيز، ودون التدوين الرابع «3» ، ثم خرج إلى إفريقية بإشارة يزيد بن عبد الملك في شوال سنة اثنتين ومائة، واستخلف أخاه حنظلة. اهـ. وسبب

عزل بشر بن صفوان وتوجهه إلى إفريقية قتل يزيد بن أبي مسلم؛ وكان الخليفة يزيد بن عبد الملك بن مروان استعمل يزيد بن أبي مسلم كاتب الحجاج على إفريقية سنة إحدى ومائة، بعد عزل محمد بن يزيد مولى الأنصار، فلما ولي يزيد على إفريقية عزم أن يسير فيهم بسيرة الحجاج في أهل الإسلام الذين سكنوا الأمصار ممن كان أصله من السواد من أهل الذمة فأسلم بالعراق؛ فإن الحجاج كان ردهم إلى قراهم ووضع الجزية على رقابهم على نحو ما كانت تؤخذ منهم وهم كفار، فأراد يزيد بن أبي مسلم [أن] يفعل بأهل سواد إفريقية كذلك؛ فكلموه في ذلك فلم يسمع وعزم على ما عزم عليه؛ فلما تحققوا ذلك أجمع رأيهم على قتله، فوثبوا عليه وقاتلوه وقتلوه، وولوا على أنفسهم الوالي الذي كان عليهم قبل يزيد المذكور، وهو محمد بن يزيد مولى الأنصار، وكان عندهم؛ وكتبوا إلى الخليفة يزيد بن عبد الملك: إنا لم نخلع أيدينا من الطاعة، ولكن يزيد بن أبي مسلم سامنا ما لا يرضاه الله والمسلمون فقتلناه وأعدنا علينا محمد بن يزيد؛ فكتب إليهم يزيد: إني لم أرض بما صنع يزيد بن أبي مسلم، وأقر محمد بن يزيد على عمله مدة أيام، ثم بدا له إرسال بشر بن صفوان هذا إلى إفريقية فكتب إليه بالتوجه، وأقر أخاه حنظلة بن صفوان على إمرة مصر عوضه برغبة أخيه بشر في ذلك. وخرج بشر إلى إفريقية ووقع له بها أمور يطول شرحها إلى أن غزا جزيرة صقلية في سنة تسع ومائة وغنم منها شيئاً كثيراً، ثم رجع من غزاته إلى القيروان فتوفي بها من سنته. فاستعمل هشام بعده عبيدة بن عبد الرحمن بن أبي الأغر السلمي. انتهت ترجمة بشر بن صفوان. *** السنة الأولى من ولاية بشر بن صفوان على مصر وهي سنة إحدى ومائة- فيها استخلف يزيد بن عبد الملك بعد موت ابن عمه عمر بن عبد العزيز فى شهر

رجب. وفيها ولى الخليفة يزيد بن عبد الملك عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري على المدينة، وعزل عنها أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، فحج عبد الرحمن بالناس، وكان عامل مكة في هذه السنة عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد، وكان على الكوفة عبد الحميد، وعلى قضائها الشعبي، وكانت البصرة قد غلب عليها [ابن] المهلب، وكان على خراسان عبد الرحمن بن نعيم. وفيها لحق يزيد بن المهلب بن أبي صفرة بالبصرة وغلب عليها وحبس عاملها عدي بن أرطاة الفزاري وخلع يزيد بن عبد الملك من الخلافة وخرج عن طاعته- وكان يزيد هذا من حبسه عمر بن عبد العزيز في أيام خلافته كما تقدم ذكره- فجهز الخليفة يزيد بن عبد الملك لحرب يزيد بن المهلب الجيوش، ووقع لجيش يزيد بن عبد الملك مع يزيد بن المهلب وقائع آلت إلى أن قتل يزيد بن المهلب المذكور. وفيها توفي أبو صالح السمان وهو المعروف بالزيات، واسمه ذكوان، مولى غطفان، من الطبقة الثانية من الموالي بالمدينة، أسند عن جماعة من الصحابة وروى عنه خلق كثير. وفيها توفي أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم القرشي الأموي أبو حفص، ولي الخلافة بعد موت ابن عمه سليمان بن عبد الملك بعهده إليه بحيلة وضعها سليمان بن عبد الملك حتى بايعه يزيد وهشام ابنا عبد الملك وتم أمره. ومولده بالمدينة سنة ستين عام توفي الخليفة معاوية بن أبي سفيان أو بعدها بسنة، وأمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، فسار عمر بن عبد العزيز في الخلافة سيرة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم من التقلل والتقشف والعدل في الرعية والإنصاف، إلى أن توفي يوم الجمعة لخمس بقين من شهر رجب بدير سمعان وصلى عليه ابن عمه يزيد بن عبد الملك بن مروان الذي تخلف بعده؛ ومات عمر بن عبد العزيز وله تسع وثلاثون سنة وستة أشهر.

قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي: عن يوسف بن ماهك قال: بينما نحن نسوي التراب على قبر عمر بن عبد العزيز إذ سقط علينا كتاب رق من السماء فيه: بسم الله الرحمن الرحيم أمان من الله لعمر بن عبد العزيز من النار. قلت: وفي هذه كفاية عن ذكر شيء من مناقبه رحمه الله. وفيها توفي عمر ابن عبد الله بن أبى ربيعة المخزومىّ الشاعر المشهور، وكنيته أبو الخطاب؛ ولد في الليلة التي مات فيها الخليفة عمر بن الخطاب. وكان الحسن البصري يقول: أي حق رفع، وأي باطل وضع. وكانت العرب تقر لقريش بالتقدم عليها في كل شيء إلا في الشعر حتى أتى عمر هذا فأقرت لها بالشعر. قال ابن خلكان: لم يكن في قريش أشعر منه، وهو كثير الغزل والنوادر والوقائع والمجون والخلاعة، وله في ذلك حكايات مشهورة. قلت: وتشبيبه بالنساء وحكايته مع فاطمة «1» بنت عبد الملك بن مروان مشهورة. ومن شعره: حي طيفاً من الأحبة زارا ... بعد ما صرع الكرى السمارا طارقاً في المنام تحت دجى اللّي ... ل ضنيناً بأن يزور نهارا قلت ما بالنا جفينا وكنا ... قبل ذاك الأسماع والأبصارا قال إنا كما عهدت ولكن ... «شغل الحلي أهله أن يعارا «2» »

وفيها توفي ذو الرمة الشاعر المشهور، وكنيته أبو الحارث، واسمه غيلان بن عقبة، وهو من الطبقة الثانية من شعراء الإسلام. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وخمسة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعاً واثنان وعشرون إصبعاً. *** السنة الثانية من ولاية بشر بن صفوان على مصر وهي سنة اثنتين ومائة- فيها وقعة كانت بين يزيد بن المهلب بن أبي صفرة وبين مسلمة بن عبد الملك بن مروان قتل فيها يزيد بن المهلب المذكور وكسر جيشه وانهزم آل المهلب، ثم ظفر بهم مسلمة فقتل فيهم وبدع وقل من نجا منهم. وفيها غزا عمر بن هبيرة الروم من ناحية إرمينية وهو على الجزيرة قبل أن بلى العراق، فهزمهم وأسر منهم خلقاً كثيراً نحو سبعمائة أسير. وفيها غزا العباس بن الوليد بن عبد الملك بن مروان الروم فافتتح دلسة. وفيها حج بالناس أمير المدينة عبد الرحمن بن الضحاك. وفيها توفي محمد بن مروان بن الحكم والد مروان الحمار آخر خلفاء بني أمية الآتي ذكره. وفيها توفي الضحاك بن مزاحم الهلالىّ، [و] هو من رهط زينب زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنيته أبو القاسم، وهو من الطبقة الثالثة من تابعى أهل الكوفة. وفيها توفّى يزيد ابن [أبي «1» ] مسلم كاتب الحجاج، وكنيته أبو العلاء «2» ، وكان على نمط الحجاج في الجبروت وسفك الدماء، ولما مات الحجاج أقره الوليد بن عبد الملك على العراق أربعة أشهر؛ فلما مات الوليد وولي أخوه سليمان الخلافة عزله بيزيد بن المهلب بن أبي صفرة المقدم ذكره؛ وأمره سليمان بمسكه وإرساله إليه، فأرسله إليه فحبسه إلى أن أخرجه

يزيد بن عبد الملك وولاه إفريقية فقتل هناك في هذه السنة. وقد حكينا ترجمته وقتلته في أول ترجمة بشر بن صفوان. وفيها توفي عدي بن زيد بن الخمار «1» العبادي التميمي الشاعر المشهور، وهو جاهلي نصراني من فحول الشعراء، ذكره محمد بن سلام في الطبقة الرابعة من شعراء الجاهلية، وقال: وهم أربعة فحول: طرفة بن العبد وعبيد بن الأبرص وعلقمة بن عبدة وعدي بن زيد بن الخمار. قال أبو الفرج صاحب الأغاني: الخمار بخاء معجمة مضمومة. وفي وفاته أقوال: قيل إنه مات قبل الإسلام، وقيل في زمن الخلفاء الراشدين، وقيل غير ذلك. ومن شعره: أين أهل الديار من قوم نوحٍ ... ثم عاد من بعدهم وثمود أين آباؤنا وأين بنوهم ... أين آباؤهم وأين الجدود سلكوا منهج المنايا فبادوا ... وأرانا قد كان منا ورود بينما هم على الأسرّة والأن ... ؟؟؟ اط أفضت إلى التراب الخدود ثم لم ينقض الحديث ولكن ... بعد ذاك الوعيد والموعود ومنها: وصحيح أضحى يعود مريضاً ... هو أدنى للموت ممن يعود أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع واثنان وعشرون إصبعأ، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعاً وتسعة عشر إصبعا.

ذكر ولاية حنظلة بن صفوان الأولى على مصر

ذكر ولاية حنظلة بن صفوان الأولى على مصر ولي حنظلة إمرة مصر باستخلاف أخيه بشر بن صفوان له لما ولاه الخليفة يزيد بن عبد الملك إمرة إفريقية وكتب ليزيد بذلك، فأقره يزيد على إمرة مصر وذلك في شوال سنة اثنتين ومائة. وحنظلة هذا من بنى كلب، ولمّا ولى مصر مهد أمورها ودام بها إلى سنة ثلاث ومائة [ثم] خرج إلى الإسكندرية واستخلف على مصر عقبة بن مسلم التجيبي؛ ثم ورد عليه كتاب الخليفة يزيد بن عبد الملك بن مروان بكسر الأصنام والتماثيل، فكسرت كلها ومحيت التماثيل من ديار مصر وغيرها في أيامه. قال الحافظ أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس: حنظلة بن صفوان الكلبي أمير مصر لهشام بن عبد الملك، روى عنه أبو قبيل آخر ما عندنا «1» من أخباره. وقدومه من الغرب سنة سبع وعشرين ومائة، وكان أخرجه عبد الرحمن بن حبيب الفهرىّ. قلت: وقوله «أمير مصر» لهشام يعني في ولايته الثانية على مصر. اهـ. قال: وكان حنظلة حسن السيرة في سلطانه «2» . حدثني مسلمة «3» بن عمرو بن حفص المرادي وأبو قرة محمد بن حميد الرعيني حدثني النضر بن عبد الجبار أخبرنا ضمام بن إسماعيل عن أبي قبيل، قال: أرسل إلي حنظلة بن صفوان فأتيته في حديث طويل. هذا ما ذكره ابن يونس في ترجمة حنظلة بتمامه وكماله. قلت: واستمر حنظلة على عمله بمصر حتى توفي يزيد بن عبد الملك واستقر أخوه هشام بن عبد الملك فى الخلافة، [ثم «4» ] صرف حنظلة هذا بأخيه محمد بن عبد الملك

ابن مروان، وذلك في شوال سنة خمس ومائة؛ فكانت مدته على مصر ثلاث سنين. وتأتي بقية ترجمته في ولايته الثانية على مصر إن شاء الله تعالى. وسبب عزل حنظلة عن مصر أمور، منها: أن هشاماً عزله وأراد أن يولي عقفان على مصر عوضه ثم ثنى عزمه عن ذلك وولى عقفان الصدقة وولى أخاه محمداً مصر. وعقفان المذكور حروري [اسمه عقفان «1» ] ، خرج في أيام يزيد بن عبد الملك في ثلاثين «2» رجلاً، فأراد يزيد أن يرسل إليه جنداً يقاتلونه، فقيل له: إن قتل عقفان بهذه البلاد اتخذها الخوارج دار هجرة، والرأي أن تبعث لكل رجل من أصحابه رجلاً من قومه يكلمه فيرده؛ ففعل يزيد ذلك؛ فقال لهم أهلوهم: إنا نخاف أن نؤخذ بكم؛ وأومنوا فرجعوا وبقي عقفان وحده، فبعث إليه يزيد أخاه فاستعطفه ورده. فلما ولي هشام الخلافة. ولاه أمر العصاة بعد أن أراد أن يوليه إمرة مصر، ولما ولي عقفان أمر العصاة وعظم أمره قدم ابنه من خراسان عاصياً، فشده وثاقاً وبعث به إلى الخليفة هشام، فأطلقه هشام لأبيه، وقال: لو خاننا عقفان لكتم أمر ابنه عنا، فاستعمله على الصدقة، فبقي عقفان على الصدقة إلى أن مات هشام وولي الخلافة مروان الجعدي الحمار. *** السنة الأولى من ولاية حنظلة بن صفوان الكلبي على مصر وهي سنة ثلاث ومائة- فيها قتل أمير الأندلس السمح بن مالك الخولاني، قتله الروم يوم التروية. وفيها أغارث الترك «3» على اللان «4» . وفيها غزا العباس بن الوليد الروم

ففتح مدينة يقال لها رسلة «1» . وفيها جمعت مكة والمدينة لعبد الرحمن بن الضحاك. وفيها ولّى عبد الواحد بن عبد الله النضرىّ «2» الطائف بعد عزل عبد العزيز بن عبد الله ابن خالد عنه وعن مكة. وفيها حج بالناس عبد الرحمن بن الضحاك، وكان أمير العراق في هذه السنة عمر بن هبيرة، وعلى خراسان الحرشي. وفيها توفي يحيى بن وثاب الأسدىّ مولاهم قارئ الكوفة أحد القراء، أخذ القراءة عرضاً عن علقمة والأسود وعبيد ومسروق وغيرهم. قال الأعمش: كان يحيى بن وثاب لا يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم في عرض ولا في غيره. وفيها توفي أبو الشعثاء جابر بن زيد الأزدي، من الطبقة الثانية من تابعي أهل البصرة، وكان فقيهاً عالماً يفتي أهل البصرة في غيبة الحسن البصري وفي حضوره. وفيها توفي خالد بن معدان بن أبي كريب «3» ، أبو عبد الله الكلاعي، من الطبقة الثانية من تابعي أهل الشأم كان عابداً ورعاً، وكان يكره الشهرة. وفيها توفي سليمان «4» بن يسار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: إنه كان مكاتباً لها فأدى وعتق، ووهبت ميمونة ولاءه لابن عباس، وهو من الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة، وكنيته أبو أيوب، وقيل أبو محمد، وهو أحد الفقهاء السبعة، وكانوا يفضلونه على سعيد بن المسيب. وفيها توفي أبو بردة بن أبي موسى الأشعري، واسمه عامر بن عبد الله بن قيس، من الطبقة الثانية من تابعي أهل الكوفة، وولي قضاء الكوفة بعد شريح، وكان سعيد بن جبير قتيل الحجاج كاتبه.

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وثمانية عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعاً وستة أصابع. السنة الثانية من ولاية حنظلة بن صفوان على مصر وهي سنة أربع ومائة- فيها كانت وقعة نهر أران «1» ، فالتقى المسلمون والكفار وكان أمير المسلمين الجراح بن عبد الله الحكمي، وعلى الكفار ابن الخاقان، وكانت الوقعة بقرب باب الأبواب، ونصر الله المسلمين وركبوا أقفية الترك قتلاً وأسراً وسبياً. وفيها عزل الخليفة يزيد ابن عبد الملك عبد الرحمن بن الضحاك عن المدينة ومكّة وولّى عليهما عبد الواحد النّضرىّ «2» . وفيها توفي أبان بن عثمان بن عفان، وأمه أم عمرو بنت جندب بن عمرو، وكنيته أبو سعيد، وهو من الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة، وكان فقيهاً، وولي إمرة المدينة لعبد الملك بن مروان. وفيها توفي الشعبي واسمه عامر بن شراحيل أبو عمرو الشعبي، شعب همدان، كان علامة أهل الكوفة في زمانه، ولد في خلافة عمر بن الخطاب، وروى عن علي يسيراً وعن المغيرة بن شعبة وعائشة وأبي هريرة وغيرهم. وقال أبو بكر بن عياش عن الحسن قال: ما رأيت أفقه من الشعبي؛ قلت: ولا شريح؟ قال: تريد أن تكذبني!. وفيها توفي ربعي بن حراش بن جحش الغطفاني الكوفي، من الطبقة الثانية من تابعي أهل الكوفة، وكان لا يكذب قط؛ وكان له ابنان عاصيان على الحجاج بن

يوسف الثقفىّ، فقيل للحجاج: إن أباهما لا يكذب قط فسله عنهما؛ فأرسل إليه الحجاج قال: أين ابناك؟ فقال: في البيت، قال الحجاج: قد عفونا عنهما بصدقك. وفيها توفي أبو قلابة الجرمي واسمه عبد الله بن زيد، من الطبقة الثانية من تابعي أهل البصرة، وكان فقيهاً عابداً طلب إلى القضاء فهرب إلى الشأم وأقام به. وفيها حج بالناس عبد الواحد بن عبد الله النّضرىّ عامل الطائف، وكان عامل العراق كله في هذه السنة عمر بن هبيرة مضافاً للمشرق كله، وكان على قضاء الكوفة حسين بن حسن الكندي، وعلى قضاء البصرة أبو قلابة الجرمي. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع سواء، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعاً وأحد عشر إصبعاً. *** السنة الثالثة من ولاية حنظلة بن صفوان على مصر وهي سنة خمس ومائة- فيها أيضاً زحف الخاقان ملك الترك وخرج من الباب «1» في جمع عظيم من الترك وقصد أرمينية، فسار إليه الجراح الحكمي فاقتتلوا أياماً ثم كانت الهزيمة على الكفار، وكان ذلك في شهر رمضان. وفيها غزا سعيد بن عبد الملك بن مروان بلاد الروم فقتل وسبى. وفيها غزا الجراح الحكمي اللان حتى جاز ذلك إلى مدائن وحصون وأصاب غنائم كثيرة. وفيها غزا مروان بن محمد الصائفة اليمنى فافتتح قونية من أرض الروم وكماخ «2» . وفيها حج بالناس إبراهيم بن هشام خال هشام بن عبد الملك، فأرسل

إلى عطاء متى أخطب؟ قال: بعد الظهر قبل التروية بيوم، فخطب قبل الظهر وقال: أخبرني رسولي عن عطاء؛ فقال عطاء: ما أمرته إلا بعد الظهر، فاستحيا إبراهيم. وفيها توفي الخليفة يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم أمير المؤمنين، أبو خالد القرشي الأموي الدمشقي. ولي الخلافة بعد ابن عمه عمر بن عبد العزيز بن مروان بعهد من أخيه سليمان معقود في تولية عمر بن عبد العزيز؛ ولهذا قلنا في ترجمة عمر ابن عبد العزيز: «بحيلة من سليمان» ، فإن سليمان كان عهد لعمر بن عبد العزيز بالخلافة فخاف من إخوته ومن الناس، فأخفى ذلك وبايع الناس لما هو مكتتب، فقالوا: نبايع على أن يكون فيه ولد عبد الملك، فبايعوا فإذا فيه عمر بن عبد العزيز، ثم من بعده ليزيد وهشام، فتمت البيعة؛ وأم يزيد هذا عاتكة بنت يزيد بن معاوية، ومولده سنة إحدى وسبعين أو اثنتين وسبعين. ودام في الخلافة إلى أن مات في الخامس والعشرين من شعبان بسواد الأردن. وكانت خلافته أربع سنين وشهراً، وتولى الخلافة بعده أخوه هشام بن عبد الملك. وكان سبب موته أنه كان يحب جارية من جواريه يقال لها حبابة، وكانت مغنية، وكان يزيد صاحب لهو وطرب، فلما ولي يزيد الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز أقام يسير بسيرة عمر أربعين يوماً وترك اللهو والشرب، فقالت حبابة المذكورة لخصي ليزيد، وهو صاحب أمره،: ويحك! قربني منه حيث يسمع كلامي ولك عشرة آلاف درهم، ففعل، فلما مرّ بها يزيد أنشدت: بكيت الصبا جهدي فمن شاء لامني ... ومن شاء آسى في البكاء وأسعدا وأبياتاً أخر بالألحان، والشعر للأحوص، فلما سمعها يزيد قال: ويحك يا خصي! قل لصاحب الشرطة يصلي بالناس، ودخل إليها وعاد إلى انهماكه ولذاته. فلما كان بعض الليالي شرقت حبابة فماتت، فحزن عليها يزيد حزنا عظما،

وخلاها يزيد ثلاثة أيام لم يدفنها وهو ينظر إليها، ثم دفنها خمسة أيام فلم يطق ذلك، فنبشها وأخرجها من القبر وجعل يقلبها ويبكي؛ فقوي عليه الحزن حتى قتله بعد سبعة عشر يوماً. وفيها توفي كثير عزة، واسمه كثير بن عبد الرحمن بن الأسود، وهو من الطبقة الثانية من شعراء المدينة، وكان شيعياً، قال ابن ماكولا: كان يتقلب في المذاهب. قلت: ولولا تقلبه في المذاهب ما قربه بنو أمية فإنهم كانوا يكرهون الشيعة. قلت: وهو أحد العشاق وصاحب عزة. قيل: إن عزة دخلت على أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز وزوجة الخليفة الوليد بن عبد الملك بن مروان، فقالت لها أم البنين: ما معنى قول كثيّر: قضى كل ذي دين فوفى غريمه ... وعزة ممطول معنى غريمها ما كان هذا الدين؟ قالت: وعدته بقبلة ثم رجعت عنها، فقالت: أنجزيها وعلي إثمها، فأنجزته، فأعتقت أم البنين أربعين عبداً عند الكعبة، وقالت: اللهم إني أبرأ إليك مما قلته لعزة. وفيها توفي سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وكنيته أبو عمير، وقيل أبو عبد الله، من الطبقة الثانية من تابعي أهل المدينة وأمه أم ولد، وكان من خيار قريش وفقهائهم وزهّادهم. وفيها توفى محمد بن شعيب بن شابور- بالمعجمة- القرشي، وكان جده مولى الوليد بن عبد الملك بن مروان. ومحمد هذا من الطبقة الخامسة، وقيل السادسة من تابعي أهل الشأم، وكان أحد الأئمة، وذكره يحيى بن معين بالإرجاء «1» . قاله صاحب المرآة. والصحيح أن مولده سنة ست عشرة ومائة، وتوفي سنة مائتين، وقيل: سنة ثمان وتسعين ومائة، وقيل غير ذلك.

ذكر ولاية محمد بن عبد الملك على مصر

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وعشرون إصبعاً، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وسبعة عشر إصبعا. ذكر ولاية محمد بن عبد الملك على مصر هو محمد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي أمير مصر. وليها بعد عزل حنظلة بن صفوان من قبل أخيه الخليفة هشام بن عبد الملك على الصلاة، ودخل إليها يوم الأحد «1» لإحدى عشرة ليلة خلت من شوال من سنة خمس ومائة المقدم ذكرها. ومحمد هذا هو أخو سعيد ابن عبد الملك لأبويه، وهو من الطبقة الرابعة من تابعي أهل دمشق، وكان ناسكاً كثير العبادة حسن السيرة جواداً، كان يكره من أخيه هشام وغيره حتى يلي الأعمال، ولما ولي مصر جعل على شرطته حفص بن الوليد الحضرمي. وحدث عن رجل عن أبي هريرة وسمع من المغيرة بن شعبة. وقال أبو حاتم: روى عمن سمع معاوية وعن المغيرة مرسلاً، وروى عنه الأوزاعي وغيره، وكان ثقة مأموناً. وحين وصوله «2» إلى مصر وقع بها وباء ففر منها محمد إلى الصعيد فلم تطل مدته بالصعيد وعاد بعد أيام إلى مصر؛ ثم خرج منها بسرعة إلى الأردن واستعفى فأعفي، وصرف عن إمرة مصر بالحر بن يوسف، فكانت ولايته شهراً واحداً؛ وسكن الأردن، ودام في دولة أخيه هشام على ذلك إلى أن حج بالناس في سنة ثلاثين ومائة، وعاد من الحج فوجد الفتن قائمة بالشأم من جهة بني العباس، فاستمر عند ابن عمه مروان بن محمد بن مروان المعروف بالحمار إلى أن

ذكر ولاية الحر بن يوسف على مصر

هزم مروان المذكور في وقعة العراق من أبي مسلم الخراساني، وقبض على محمد هذا وعلى أخيه مع مروان الحمار، فقتلهما عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس؛ قتلهما بنهر أبي فطرس «1» ، وقيل: إنه صاحب الواقعة مع عبد الله بن علي العباسي يوم هزم مروان عند نهر الزاب، وهو أنه لما كانت الهزيمة على بني أمية رأى عبد الله بن علي فتى عليه أبهة الشرف يقاتل مستقتلاً، فناداه عبد الله: يا فتى، لك الأمان ولو كنت مروان بن محمد، فقال الفتى: إن لم أكنه فلست بدونه؛ قال: فلك الأمان ولو كنت من كنت، فأطرق ملياً ثم رفع رأسه فقال: أذل الحياة وكره الممات ... وكلا أراه طعاماً وبيلا فإن لم يكن غير إحداهما ... فسيراً إلى الموت سيراً جميلا ثم قاتل حتى قتل، فإذا هو محمد بن عبد الملك، وقيل: ابن لمسلمة بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم، عفا الله عنه. ذكر ولاية الحر بن يوسف على مصر هو الحر بن يوسف بن يحيى بن الحكم بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي أمير مصر (والحر بضم الحاء المهملة وتشديد الراء المهملة) . وليها بعد عزل محمد بن عبد الملك من قبل هشام بن عبد الملك على الصلاة؛ وكان المتولي على خراج مصر في هذه السنين كلها عبيد الله «2» بن الحبحاب، فدخل الحر بن يوسف هذا إلى مصر لثلاث خلون من ذي الحجة سنة خمس ومائة وباشر أمورها، وأقرّ

حفص بن الوليد على شرطة مصر على عادته. وفى أيامه تناقض القبط بمصر في سنة سبع ومائة ووقع له معهم أمور طويلة، ثم خرج من مصر مرابطاً إلى دمياط، فأقام بها ثلاثة أشهر مغازياً؛ ثم عاد إلى مصر وأقام بها أياماً، ثم خرج منها ووفد على الخليفة هشام بن عبد الملك بالشأم، واستخلف حفص بن الوليد على الصلاة بمصر. فأقام عند الخليفة مدة يسيرة وعاد إلى مصر في ذي القعدة من سنة سبع ومائة وقد انكشف أراضيها من النيل، فأخذ في إصلاح أحوالها وتدبير أمورها. ودام بها إلى ذي القعدة من سنة ثمان ومائة، وصرف عنها في ذي القعدة باستعفائه لمغاضبة وقعت بينه وبين عبيد الله بن الحبحاب متولي خراج مصر. فكانت ولاية الحر هذا على مصر ثلاث سنين سواء. وتولى من بعده على مصر حفص بن الوليد الذي كان استخلفه الحر هذا على الصلاة لما وفد على الخليفة هشام. ولما عزل الحر عن إمرة مصر ولاه هشام الموصل، وهو الذي بنى المنقوشة داراً ليسكنها، وإنما سميت المنقوشة لأنها كانت منقوشة بالساج والرخام والفصوص الملونة وما شاكلها. وهو الذي عمل النهر الذي كان بالموصل. وسبب ذلك أنه رأى امرأة تحمل جرة فيها ماء، وهي تحملها ساعة ثم تستريح قليلاً لبعد [الماء «1» ] ، فلما رأى الحر ذلك كتب إلى هشام بذلك فأمره أن يحفر نهراً إلى البلد، فحفره؛ فكان أكثر شرب أهل البلد منه؛ وعليه كان الشارع المعروف بشارع النهر «2» ، وبقي العمل فيه عدة سنين. ومات الحر هذا في سنة ثلاث عشرة ومائة، وكان أجل أمراء بني أمية شجاعة وكرماً وسؤدداً.

*** السنة الأولى من ولاية الحر بن يوسف الأموي على مصر، وهي سنة ست ومائة- فيها عزل الخليفة هشام متولي العراق عمر بن هبيرة الفزارىّ بخالد ابن عبد الله القسري، فدخل خالد بغتة وبها ابن هبيرة يتهيأ لصلاة الجمعة ويسرح لحيته، فقال عمر بن هبيرة: هكذا تقوم الساعة بغتةً. فقيده خالد القسري وألبسه مدرعة من صوف وحبسه؛ ثم إن غلمان ابن هبيرة اكتروا داراً إلى جانب السجن فنقبوا سرداباً إلى السجن وأخرجوه منه، فهرب إلى الشأم واستجار بالأمير مسلمة ابن عبد الملك بن مروان فأجاره، وكلم أخاه هشاماً في أمره فعفا عنه، فلم تطل أيام عمر بن هبيرة ومات بعد مدة يسيرة. وفيها غزا مسلمة بن سعيد بن أسلم فرغانة فلقيه ابن خاقان ملك الترك في جمع كبير، فكانت بينهم وقعة قتل فيها ابن خاقان في طائفة كبيرة من الترك. وفيها حج بالناس الخليفة هشام بن عبد الملك. وفيها استعمل خالد القسري أخاه أسد بن عبد الله على إقليم خراسان نيابةً عنه. وفيها توفي طاوس بن كيسان أبو عبد الرحمن اليماني الجندي أحد الأعلام، كان من أبناء الفرس الذين سيرهم كسرى إلى اليمن، وهو من فقهاء التابعين. قال سفيان الثّورىّ عن رجل قال: كان من دعاء طاوس: اللهم اخرمنى المال والولد وارزقني الإيمان والعمل. وفيها توفي أبو مجلز لاحق بن حميد في قول الذهبي. وفيها «1» حج بالناس الخليفة هشام بن عبد الملك فلقيه إبراهيم بن محمد بن طلحة في الحجر فقال له: أسألك بالله وبحرمة هذا البيت الذي خرجت معظماً له إلا رددت علي ظلامتي، قال هشام: أي ظلامة؟ قال: داري؛ قال: فأين كنت من أمير المؤمنين عبد الملك؟ قال: ظلمني، قال: فالوليد وسليمان؟ قال: ظلماني، قال: فعمر؟ قال: [رحمه الله «2» ] ردها علي، قال: فيزيد بن عبد الملك؛ قال: ظلمني وقبضها مني بعد قبضي لها فهى

في يدك؛ فقال هشام: لو كان فيك ضرب لضربتك! فقال: في والله ضرب بالسيف والسوط، فانصرف هشام [والأبرش «1» خلفه فقال: أبا مجاشع] ، كيف سمعت هذا اللسان؟ قال: ما أجوده! قال: هي قريش وألسنتها. ولا يزال في الناس بقايا! ما رأيت مثل هذا!. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وعشرة أصابع، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعاً وأربعة أصابع. *** السنة الثانية من ولاية الحر بن يوسف على مصر وهي سنة سبع ومائة- فيها عزل الجراح الحكمي عن إمرة أذربيجان بالأمير مسلمة بن عبد الملك بن مروان، فغزا مسلمة قيسارية الروم وافتتحها بالسيف. وفيها غزا أسد بن عبد الله القسري متولي خراسان بلاد سجستان، فانكسر المسلمون واستشهد طائفة ورجع الجيش مجهودين «2» . وفيها كان بالشأم طاعون شديد فخاف الناس كثيراً. وفيها غزا أسد بن عبد الله القسري جبال الطالقان والغور، وكان أهلها خرجوا بأموالهم وأهلهم إلى كهف عظيم في جبل [شاهق «3» ] شامخ ليس فيه طريق مسلوك، فعمل أسد توابيت وربطها بالسلاسل ودلاها عليهم، فظفر بهم وعاد سالماً غانماً، فنزل بلخ وبنى مدينتها وولاها برمك أبا خالد البرمكي ونقل إليها الجند والأمراء. وفيها غزا مسلمة بن عبد الملك الروم مما يلي الجزيرة ففتح قيسارية وهي مدينة مشهورة. وفيها غزا معاوية بن هشام الخليفة ومعه أهل الشأم وصحبته ميمون بن مهران فقطعوا البحر إلى قبرس. وفيها حج بالناس إبراهيم بن هشام وهو على المدينة ومكة والطائف. وفيها توفّى موسى بن محمد

ابن علي بن عبد الله بن عباس ببلاد الروم غازياً، وكان عمره سبعاً وعشرين سنة، قاله ابن الأثير؛ والأصح أنه مات في القابلة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع سواء، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وإصبعان. *** السنة الثالثة من ولاية الحر بن يوسف على مصر وهي سنة ثمان ومائة- في ذي الحجة منها حكم بمصر حفص بن الوليد. وفيها غزا ولد الحليفة معاوية بن هشام أرض الروم وجهز بين يديه الأبطال «1» الى حنجر «2» فافتتحها. وفيها غزا أخو الخليفة مسلمة بن عبد الملك بلاد الروم فافتتح قيسارية «3» . وفيها وقع حريق عظيم بدابق، احترقت المواشي والدواب والرجال. وفيها حج بالناس إبراهيم بن هشام المخزومي. وفيها توفي موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس أبو عيسى الهاشمي وهو أخو السفاح والمنصور لأبيهما وأخو إبراهيم لأمه وأبيه، مات في حياة أبيه محمد غازياً في بلاد الروم وله ثمان عشرة سنة. وفيها توفي نصيب بن رباح أبو محجن الشاعر المشهور مولى عبد العزيز بن مروان، وأمه نوبية فجاءت به أسود فباعه عمه وكان من العرب من بنى الحاف بن قضاعة، وقيل: إنه هرب فدخل على عبد العزيز ومدحه، فقال: ما حاجتك؟ فقال: أنا عبد «4» ، فقال عبد العزيز للمقومين: قوموه، فقالوا: عبد أسود ليس له قيمة، قيمته مائة دينار، قال أبو محجن عن نفسه: إنه راعي إبل يحسن القيام عليها، قالوا: مائتا دينار، قال: إنه يبري النّبل ويريشها، قالوا: ثلثمائة دينار، قال: إنه يرمي ويصيب، قالوا: أربعمائة دينار،

ذكر ولاية حفص بن الوليد الأولى على مصر

قال: إنه راوية الأشعار، قالوا: خمسمائة دينار، قال: أصلح الله الأمير، أين جائزتي؟ فأعطاه ألف دينار، فاشترى أمه وأهله وأعتقهم. وذكره محمد بن سلام في الطبقة الثانية من شعراء الإسلام. وفيها توفي عطاء بن يسار أبو محمد المدني الفقيه، مولى «1» ميمونة أم المؤمنين؛ وعطاء أخو سليمان وعبد الله وعبد الملك، وكان قاصاً «2» واعظاً ثقةً جليل القدر، وقال الذهبي: إنه مات في الماضية. وفيها حج بالناس إبراهيم بن هشام المقدم ذكره. وفيها توفي عكرمة البربري ثم المدني أبو عبد الله مولى ابن عباس أحد العلماء الربانيين، روى عن ابن عباس وعائشة وعلي بن أبي طالب وغيرهم؛ قال الهيثم بن عدي وغيره: مات سنة ست ومائة. وقال أبو نعيم وأبو بكر بن أبي شيبة وجماعة: سنة سبع ومائة؛ وقال يحيى بن معين والمدائني: سنة خمس عشرة ومائة، وقال غيرهم: في هذه السنة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع سواء، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعاً وأربعة أصابع. ذكر ولاية حفص بن الوليد الأولى على مصر هو حفص بن الوليد بن سيف «3» بن عبد الله بن الحارث بن جبل بن كليب ابن عوف بن معاهر «4» بن عمرو بن زيد بن مالك بن زيد بن الحارث بن عمرو بن حجر ابن قيس بن كعب بن سهل بن زيد بن حضرموت، الأمير أبو بكر الحضرمي القاري أمير مصر، وليها بعد عزل الحر بن يوسف من قبل هشام بن عبد الملك على الصلاة مكرهاً على ذلك. وكان حفص وجيهاً عند بني أمية ومن أكابر أمرائهم، وكان

ذكر ولاية عبد الملك بن رفاعة الثانية على مصر

فاضلاً ثقة، روى عن الزهري وغيره، وروى عنه الليث بن سعد وجماعة أخر، ولم تطل مدته على ولاية مصر في هذه المرة وعزل بعد جمعتين يوم عيد الأضحى وقيل آخر ذي الحجة سنة ثمان ومائة. قلت: وعلى القولين لم تطل ولايته بل ولا وصلت إلى أربعين يوماً، وكان سبب عزله عن إمرة مصر بسرعة شكوى عبيد الله بن الحبحاب صاحب خراج مصر عليه للخليفة هشام بن عبد الملك، وشكوى جماعة أخر من أوباش المصريين، فعزله هشام عن مصر بعبد الملك بن رفاعة، ثم ندم أهل مصر على عزله وطلبوا منه إعادته عليهم، يأتي ذكر ذلك كله في ولايته الثانية على مصر فإنه وليها بعد ذلك ثانياً وثالثاً حتى قتله الحوثرة في سنة ثمان وعشرين ومائة. وكان حفص شريفاً مطاعاً محبباً للناس ولديه معرفة وفضيلة، واستقدمه هشام بعد عزله عن مصر وأراد أن يوليه خراسان عوضاً عن أسد بن عبد الله القسري، فامتنع حفص من ذلك. وكان سبب عزل أسد عن خراسان أنه خطبهم يوماً فقال: قبح الله هذه الوجوه وجوه أهل الشقاق والنفاق والشغب والفساد، اللهم فرق بيني وبينهم وأخرجني إلى مهاجري ووطني؛ فبلغ قوله هشاماً، فكتب إلى خالد بن عبد الله القسري: اعزل أخاك، فعزله. وأراد هشام أن يولي حفصاً فامتنع، فولى خراسان الحكم بن عوانة الكلبي، ثم عزله هشام واستعمل عليها أشرس بن عبد الله وأمره أن يكاتب خالدا، وكان الأشرس فاضلا خيرا، كان يسمونه الكامل لفضله، فلما قدم خراسان فرحوا. وقد خرجنا عن المقصود استطرادا. ذكر ولاية عبد الملك بن رفاعة الثانية على مصر قلت: تقدم التعريف بعبد الملك هذا في أول ولايته على مصر بعد موت قرّة ابن شريك سنة ست وتسعين. وكانت ولاية عبد الملك أيضاً على الصلاة لا غير،

ذكر ولاية الوليد بن رفاعة على مصر

والخراج عليه عبيد الله بن الحبحاب على عادته، فقدم عبد الملك المذكور من الشأم إلى مصر عليلاً في أول المحرم، وقيل: اثنتي عشرة ليلة خلت من المحرم سنة تسع ومائة [والأول أصح] «1» وكان أخوه الوليد بن رفاعة يخلفه على الصلاة بمصر من أول المحرم السنة المذكورة (أعني من أول يوم ولايته) ، فلما دخل عبد الملك إلى مصر لم يطق الصلاة بالناس لشدة «2» مرضه، فاستمر أخوه الوليد بن رفاعة يصلي بالناس وعبد الملك ملازم الفراش إلى أن توفي نصف المحرم من السنة المذكورة، فكانت ولايته هذه الثانية على مصر خمس عشرة ليلة على أنه دخل مصر في أول المحرم؛ وتولى مصر بعده أخوه الوليد بن رفاعة. ذكر ولاية الوليد بن رفاعة على مصر هو الوليد بن رفاعة بن خالد بن ثابت [بن ظاعن «3» ] الفهمي المصري أمير مصر، وليها باستخلاف أخيه عبد الملك إليه فأقره الخليفة هشام بن عبد الملك على إمرة مصر وعلى الصلاة. وجعل الوليد هذا على شرطة مصر عبد الله بن [أبي «4» ] سمير الفهمي ثم عزله وولى خالد بن عبد الرحمن الفهمي؛ واستمر على إمرة مصر وطالت أيامه ووقع له بها أمور ووقعت في أيامه حوادث. وفي أيامه نقلت قيس إلى مصر ولم يكن بها أحد منهم قبل ذلك. وفي أيامه أيضاً خرج وهيب اليحصبي من مصر في سنة سبع عشرة ومائة من أجل أن الوليد هذا أذن للنصارى في عمارة كنيسة يوحنا «5» بالحمراء، فلم يكن بعد أيام قليلة إلا ومرض الوليد ولزم الفراش حتى مات في يوم الثلاثاء في مستهل جمادى الآخرة سنة سبع عشرة ومائة، واستخلف عبد الرحمن بن خالد على الصلاة

بمصر، وكانت إمرته على مصر تسع سنين وخمسة أشهر، وولي مصر بعده عبد الرحمن ابن خالد المذكور. ولم تطل مدة الوليد هذا على مصر إلا لخروج عبيد الله بن الحبحاب المتولي على خراج مصر منها، وقد تقدم عزل جماعة كبيرة من العمال بمصر بسبب عبيد الله المذكور، فدبر عليه الوليد هذا حتى أخرجه هشام من مصر واستعمله على إفريقية، فسار إليها عبيد الله بن الحبحاب واشتغل بها عن خراج مصر، فإنه في أول خروجه سير جيشاً إلى صقلية، «1» فلقيهم مراكب الروم فاقتتلوا قتالاً شديداً وانهزم الروم، وكانوا قد أسروا جماعةً من المسلمين فيهم عبد الله بن زياد فبقي أسيراً إلى سنة إحدى وعشرين ومائة، ثم استعمل عبيد الله بن الحبحاب عقبة بن الحجاج العبسي على الأندلس فسار إليها وملكها، ثم سير عبيد الله جيشاً إلى السوس «2» وأرض السودان فغنموا وظفروا وعادوا. ولما خرج عبيد الله بن الحبحاب من مصر جمع له الخليفة خراج مصر وصلاتها وعظم أمره ومهد البلاد وساس الناس ومالت إليه الرعية، ثم عزل عن الخراج أيضاً واستقل بصلاة مصر على عادته أولاً إلى أن مات في التاريخ المقدم ذكره. *** السنة التي حكم في محرمها عبد الملك بن رفاعة على مصر ثم في باقيها الوليد بن رفاعة وهي سنة تسع ومائة- فيها غزا أسد بن عبد الله القسري الترك فهزم خاقان وافتتح قزوين «3» . وفيها غزا معاوية ابن الخليفة أمير المؤمنين هشام بن

عبد الملك الروم وفتح حصناً يقال له: الطينة «1» . وفيها توفي لاحق بن حميد بن سعيد السدوسي البصري في قول الفلاس وهو أبو مجلز المقدم ذكره، وهو من الطبقة الثانية، وكان بمرو لما قتل قتيبة بن مسلم، فولاه أهل مرو أمرهم حتى قدم وكيع ابن أبي سود «2» ، وكان لاحق هذا يركب مع قتيبة في موكبه فيسبح الله اثنتي عشرة ألف تسبيحة يعدها على أصابعه لا يعلم به أحد. وفيها حج بالناس إبراهيم بن هشام وهو عامل مكة والمدينة والطائف، وخطب الناس وقال: سلونى فإنكم لا تسألون أحداً أعلم مني؛ فسأله رجل من أهل العراق [عن] «3» الأضحيّة [أ] «4» واجبة هي؟ فما درى ولا أجاب ونزل ولم يتكلم. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وخمسة عشر إصبعاً مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وخمسة أصابع. *** السنة الثانية من ولاية الوليد بن رفاعة على مصر وهي سنة عشر ومائة- فيها غزا مسلمة بن عبد الملك بلاد الخزر، وتسمى هذه الغزوة غزوة الطين، والتقى مسلمة مع ملك الخزر واقتتلوا أياماً وكانت ملحمة عظيمة هزم الله فيها الكفار في سابع جمادى الآخرة. وفيها افتتح معاوية ابن الخليفة هشام بن عبد الملك حصنين كبيرين من أرض الروم. وفيها توفي الحسن بن أبي الحسن يسار أبو سعيد المعروف بالحسن البصري، كنيته أبو سعيد مولى زيد بن ثابت، ويقال: مولى حميد بن قحطبة. وكان الحسن إمام أهل البصرة، وهو من الطبقة الثانية من تابعي أهل البصرة؛ قال

الذهبي: بل كان إمام أهل العصر، ولد بالمدينة سنة إحدى وعشرين في خلافة عمر، وكانت أمه مولاةً لأم سلمة أم المؤمنين، فكانت تذهب أمه لأم سلمة في الحاجة فتشاغله أم سلمة بثديها فربما در عليه. قال: وقد سمع من عثمان وهو يخطب وشهد يوم الدار «1» ، ورأى طلحة وعلياً، وروى عن عمران بن حصين والمغيرة بن شعبة وعبد الرحمن بن سمرة وأبي بكرة والنعمان بن بشير وخلق كثير من الصحابة وغيرهم؛ ومناقب الحسن كثيرة ومحاسنه غزيرة وعلومه مشهورة. وفيها توفي محمد بن سيرين أبو بكر الأنصاري البصري الإمام الرباني، من الطبقة الثانية من تابعي أهل البصرة، مولى أنس بن مالك، وهو صاحب التعبير، وكان أبوه سيرين من سبي جرجرايا «2» فكاتب أنساً على مال جزيل فوفاه له؛ ومولده لسنتين بقيتا من خلافة عمر رضي الله عنه. وفيها جمع خالد القسري الصلاة والأحداث والشرطة والقضاء بالبصرة لبلال ابن أبي بردة وعزل ثمامة عن القضاء. وفيها حج بالناس إبراهيم بن هشام. وفيها توفي الفرزدق مقدم شعراء عصره، وكنيته أبو فراس، واسمه همّام بن غالب بن صعصعة ابن ناجية التميمي البصري، روى عن علي بن أبي طالب وغيره، وكان يرسل «3» ، وروى عن أبي هريرة وعن جماعة، وكان يقال: الفرزدق أشعر الناس عامة وجرير أشعر الناس خاصة. قال محمد بن سلام: أتى الفرزدق إلى الحسن البصري فقال: إني قد هجوت إبليس فاسمع، قال: لا حاجة لنا بما تقول، قال: لتسمعن أو لأخرجن فلأقولن للناس إن الحسن ينهى عن هجاء إبليس، قال: فاسكت فإنك عن لسانه تنطق. وللفرزدق هذا مع زوجته النّوار حكايات ظريفة. ومن شعره:

إن المهالبة الكرام تحملوا ... دفع المكاره عن ذوي المكروه زانوا قديمهم بحسن حديثهم ... وكريم أخلاق بحسن وجوه وفيها توفى جرير [بن] الخطفي، وهو جرير بن عطية بن حذيفة «1» بن بدر بن سلمة أبو حزرة التميمي البصري الشاعر المشهور، هو من الطبقة الأولى من شعراء الإسلام، مدح يزيد بن معاوية ومن بعده من الأمويين. قال محمد بن سلام: ذاكرت مروان بن أبي حفصة فقال: ذهب الفرزدق بالفخار وإنما ... حلو القريض ومره لجرير وعن هشام بن الكلبي عن أبيه: أن أعرابياً مدح عبد الملك بن مروان فأحسن فقال له عبد الملك: [هل] تعرف أهجى بيتٍ في الإسلام؟ قال: نعم، قول جرير: فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا قال: أصبت، فهل تعرف أرق بيت قيل في الإسلام؟ قال: نعم، قول جرير: إن العيون التي في طرفها مرض ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهن أضعف خلق الله إنسانا قال: أحسنت؛ فهل تعرف جريراً؟ قال: لا والله؟ وإني إلى رؤيته لمشتاق، قال: فهذا جرير وهذا الأخطل وهذا الفرزدق، فأنشأ الأعرابي يقول: فحيا الإله أبا حزرةٍ ... وأرغم أنفك يا أخطل وجد الفرزدق أتعس به ... ودقّ خياشيمه الجندل فأنشأ الفرزدق يقول: بل أرغم الله أنفا أنت حامله ... ياذا الخنا ومقال الزور والخطل

ما أنت بالحكم الترضى حكومته ... ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل فغضب جرير وقال أبياتاً، ثم وثب وقبل رأس الأعرابي وقال: يا أمير المؤمنين جائزتي له، وكانت كل سنة خمسة عشر ألفاً، فقال له عبد الملك: وله مثلها مني. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وخمسة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وستة عشر إصبعاً. *** السنة الثالثة من ولاية الوليد بن رفاعة على مصر وهي سنة إحدى عشرة ومائة- فيها عزل الخليفة هشام بن عبد الملك أشرس بن عبد الله السّلمىّ عن خراسان وولاها الجنيد بن عبد «1» الرحمن المرّىّ، وسبب عزل أشرس لما فعله بالمدينة وكيف انتقضت عليه السّغد، وتخلف أهل بخارا واستجاشوا عليه بخاقان ملك الترك، وفتح على المسلمين باباً واسعاً ذهبت فيه الأموال وضعفت العساكر من سوء تدبيره. وفيها غزا معاوية ابن الخليفة هشام الصائفة ووغل في بلاد الروم، وغزا أيضاً أخوه سعيد بن هشام فوصل إلى قيسارية. وفيها ولى هشام الجراح بن عبد الله الحكمي على أرمينية. وفيها حج بالناس إبراهيم بن هشام. وفيها توفي يزيد بن عبد الله بن الشّخّير أبو العلاء من الطبقة الثانية من تابعي أهل البصرة، وكان من كلامه يقول: لأن أعافى فأشكر، أحبّ إلىّ من أن أبتلى فأصبر. وفيها غزا في البحر عبد الله بن أبي مريم. وفيها سارت الترك إلى أذربيجان فلقيهم الحارث بن عمرو فهزمهم بعد قتال كثير واستباح عسكرهم. وفيها عزل عبيدة بن عبد الرحمن عامل إفريقيّة عثمان ابن أبي نسعة عن الأندلس واستعمل عليها الهيثم بن عبد الله «2» الكناني.

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع سواء، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وستة عشر إصبعاً. *** السنة الرابعة من ولاية الوليد بن رفاعة على مصر وهي سنة اثنتا عشرة ومائة- فيها زحف الجراح بن عبد الله الحكمي بالمسلمين من برذعة «1» إلى ابن خاقان ليدفعه عن أردبيل «2» ، فالتقى الجمعان وعظم القتال واشتد البلاء وانكسر المسلمون وقتل منهم خلق، منهم أمير الجيش الجراح بن عبد الله الحكمي المذكور، وكان أحد الأبطال، وغلبت الخزر على أذربيجان وحصل وهن عظيم على الإسلام. وفيها توفي رجاء بن حيوة أبو المقدام الكندي الأزدي، كان ثقةً فاضلاً كثير الحديث وكان سيد أهل زمانه؛ قال ابن عون: ثلاثة لم أر مثلهم كأنهم التقوا فتواصوا: ابن سيرين بالعراق، والقاسم بن محمد بالحجاز، ورجاء بن حيوة بالشأم. وكان رجاء عظيما عند بنى أميّة لا سيما عند عمر بن عبد العزيز، كان إذا قدمت لعمر بن عبد العزيز حلل يعزل منها حلة ويقول: هذه لخليلي رجاء بن حيوة. وفيها توفي شهر بن حوشب أبو عبد الله الأشعري وقيل أبو الجعد «3» ، من الطبقة الثانية من تابعي أهل الشأم، قرأ القرآن على عبد الله بن عباس سبع مرات. وفيها توفي طلحة بن مصرف بن عمرو أبو عبد الله وقيل أبو محمد، الكوفي الهمداني، من الطبقة الثالثة من تابعي أهل الكوفة، كان قارئ أهل الكوفة يقرءون عليه، فلما كثروا عليه كأنه كره ذلك، فمشى إلى الأعمش وقرأ عليه، فمال الناس إلى الأعمش وتركوه. وفيها غزا معاوية بن هشام الصائفة

فافتتح مدينة خرشنة «1» . وفيها حج بالناس إبراهيم بن هشام المخزومي، وقيل: سليمان بن هشام بن عبد الملك، أعني ابن الخليفة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع سواء، مبلغ الزيادة سنة عشر ذراعاً وأربعة عشر إصبعاً. *** السنة الخامسة من ولاية الوليد بن رفاعة على مصر وهى سنة ثلاث عشرة ومائة- فيها غزا الجنيد المري ناحية طخارستان، فجاشت الترك بسمرقند فالتقاهم الجنيد بقرب سمرقند فاقتتلوا قتالاً شديداً، فكتب الجنيد من البحر إلى سورة الدّارمىّ، بنجدة على سمرقند، فخرج سورة في جنده، فلقيته الترك على غرة فقتلته، فعاد الجنيد أيضاً لقتال الترك بعد قتل سورة ثانياً وقاتلهم حتى هزمهم ودخل سمرقند. وفيها توفي مكحول الشامي أبو عبد الله، من الطبقة الثانية «2» من تابعي أهل الشأم، قال: كنت مولى لعمرو بن سعيد بن العاص فوهبني لرجل من هذيل، فأنعم علي بها، فما خرجت من مصر حتى ظننت أنه ليس بها علم إلا سمعته، ثم أتيت المدينة، وقال كما قال أوّلا، ثم أتيت الشعبي ولم أر مثله. وفيها حج بالناس الخليفة هشام بن عبد الملك. وفيها دخل جماعة من دعاة بني العباس إلى خراسان فأخذهم الجنيد ومثل بهم وقتلهم. وفيها توفي أبو محمد «3» البطال وقيل: أبو يحيى «4» ، واسمه عبد الله، أحد الموصوفين بالشجاعة والإقدام، ومن سارت بذكره الركبان، كان أحد أمراء

بني أمية، وكان على طلائع مسلمة بن عبد الملك بن مروان في غزواته، وكان ينزل بأنطاكية، شهد عدة حروب وأوطأ الروم خوفاً وذلاً. قلت: والعامة تكذب على أبي محمد هذا بأقوال كثيرة، ويسمونه البطال، في سير كثيرة لا صحة لها. وفيها حج بالناس سليمان بن [هشام «1» بن] عبد الملك وقيل إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي. وفيها توفي حرام بن سعد بن محيصة أبو سعيد، وعمره سبعون سنة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع سواء، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعاً سواء. *** السنة السادسة من ولاية الوليد بن رفاعة على مصر وهي سنة أربع عشرة ومائة- فيها عزل الخليفة هشام أخاه مسلمة بن عبد الملك عن إمرة أذربيجان والجزيرة بابن عمه مروان بن محمد المعروف بالحمار آخر خلفاء بني أمية الأتي ذكره، فسار مروان بن محمد المذكور بجيشه حتى جاوز الروم فقتل وسبى من الترك. وفيها غزا الجنيد بلاد الصّغانيان «2» من الترك فرجع ولم يلق كيداً. وفيها ولي إمرة المغرب عبيد الله بن الحبحاب السكوني «3» صاحب خراج مصر، فتوجه إليها وبقي عليها تسع سنين. وفيها توفي عطاء بن أبي رباح المكي أبو محمد بن أسلم «4» مولى قريش أحد أعلام التابعين، ولد في خلافة عثمان، وسمع من كبار الصحابة. وفيها توفي محمد الباقر، وكنيته أبو جعفر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الهاشمي العلوي

سيد بني هاشم في زمانه، روى عن ابن عباس وغيره، وهو أحد [الأئمة «1» ] الاثني عشر الذين تعتقد الرافضة عصمتهم، مولده في سنة ست وخمسين. ولمحمد هذا إخوة أربعة «2» ، وهم: زيد الذي صلب، وعمر، وحسين «3» ، وعبد الله، الجميع بنو زين العابدين، رضي الله عنهم. وفيها عزل الخليفة هشام بن عبد الملك إبراهيم بن هشام عن إمرة المدينة وولاها خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص؛ وإبراهيم المعزول هو خال الخليفة هشام بن عبد الملك. وفيها غزا معاوية ابن الخليفة هشام ابن عبد الملك الصائفة اليسرى فأصاب شيئاً كثيراً، وأن عبد الله البطال التقى هو وقسطنطين في جمع فهزمهم البطال وأسر قسطنطين. وفيها غزا سليمان ابن الخليفة هشام الصائفةٍ اليمنى فبلغ قيساريّة. وفي هذه «4» السنة عزل هشام إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي عن إمرة المدينة واستعمل عليها خالد بن عبد الملك بن الحارث ابن الحكم في ربيع الأول، وكانت إمرة إبراهيم على المدينة ثمان سنين، وعزل إبراهيم أيضاً عن مكة وعن الطائف، واستعمل عليها محمد بن هشام المخزومىّ. وفيها وقع الطاعون بواسط. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وخمسة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وعشرون إصبعاً. *** السنة السابعة من ولاية الوليد بن رفاعة على مصر وهي سنة خمس عشرة ومائة- فيها خرج الحارث بن سريج «5» عن طاعة الخليفة وتغلب على مرو وجوزجان «6» ،

فسار إليه أسد بن عبد الله القسري، فالتقوا فآنهزم الحارث، وأسر أسد عدة من أصحاب الحارث وبدع فيهم. وفيها وقع بخراسان قحط شديد ومجاعة عظيمة. وفيها توفي عمرو بن مروان بن الحكم الأمير أبو حفص، وأمه زينب بنت عمر بن أبي سلمة المخزومىّ؛ كان عمرو من خيار بني أمية، ولم يكن بمصر في أيام بني أمية أفضل منه. وفيها غزا معاوية ابن الخليفة هشام أرض الروم وافتتح حصوناً. وفيها وقع الطاعون بالشأم. وفيها حج بالناس محمد بن هشام المخزومىّ، وكان الأمير بخراسان الجنيد. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع سواء، مبلغ الزيادة أربعة عشر ذراعاً وعشرون إصبعاً. *** السنة الثامنة من ولاية الوليد بن رفاعة على مصر وهي سنة ست عشرة ومائة- فيها بعث عبيد الله بن الحبحاب أمير إفريقية ببلاد المغرب جيشاً إلى بلاد السودان فغنموا وسبوا. وفيها غزا المسلمون في البحر مما يلي صقلية فأصيبوا. وفيها تزوج الجنيد فاضلة بنت المهلب بن أبي صفرة، وبلغ [ذلك] الخليفة هشاماً فغضب وعزل الجنيد عن خراسان وولاها عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي، وقال له: إن أدركته حياً فأزهق نفسه، فقدم عاصم خراسان وقد مات الجنيد، وكان بالجنيد مرض البطن. وفيها توفيت حفصة بنت سيرين أخت محمد بن سيرين؛ وكانت زاهدةً عابدة، قرأت القرآن وهي بنت اثنتي عشرة سنة وماتت وهي بنت تسعين سنة. وفيها توفي نافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو من الطبقة الثالثة من التابعين، وكان عبد الله بن جعفر أعطى ابن عمر فيه اثني عشر ألف درهم فأبى وأعتقه، وكان نافع عند عبد الله بن عمر كبعض ولده، وكان نافع ثقة كثير الحديث. وفيها غزا

معاوية بن هشام بن عبد الملك أرض الروم الصائفة. وفيها كان الطاعون بالعراق وكان أشده بمدينة واسط وسواحلها. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع سواء، مبلغ الزيادة أربعة عشر ذراعاً ونصف إصبع. *** السنة التاسعة من ولاية الوليد بن رفاعة على مصر وهي سنة سبع عشرة ومائة- فيها جاشت الترك بخراسان، ومعهم الحارث بن سريج الخارجي، وعليهم الخاقان الكبير، فعاثوا وأفسدوا ووصلوا إلى بلد مرو الروذ، فسار إليهم أسد القسرىّ فالتقاهم وقاتلهم حتى هزمهم، وكانت وقعة هائلة قتل فيها من الترك خلائق. وفيها افتتح مروان بن محمد المعروف بالحمار متولي أذربيجان ثلاثة حصون، وأسر تومانشاه «1» وبعث به إلى الخليفة هشام بن عبد الملك، فمن عليه وأعاده إلى مملكته. وفيها غزا عبيد الله بن الحبحاب أمير إفريقية عدة بلاد من المغرب فغنم وسلم. وفيها توفيت سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب، واسمها آمنة، وأمّها الرّباب بنت امرئ القيس بن عدي، وكانت من أجمل نساء عصرها. وفيها توفي عبد الرحمن بن هرمز الأعرج مولى محمد بن ربيعة، وكنيته أبو داود، من الطبقة الثانية من تابعي أهل المدينة. وذكر الذهبي في هذه السنة وفاة جماعة أخر، قال: وتوفي سعيد بن يسار، وقد ذكره عبد الله بن أبي زكريا الخزاعىّ، وتوفى شريح ابن صفوان بمصر، وعبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، وعائشة بنت سعد، وعمر ابن الحكم بن ثوبان، وفاطمة بنت علي بن أبي طالب، وقتادة بن دعامة المفسر

ذكر ولاية عبد الرحمن بن خالد على مصر

وقيل بعدها، ومحمد بن كعب القرظي في قول الواقدي، وتوفي موسى بن وردان القاضي بمصر، وميمون بن مهران أو فى عام أول. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وأربعة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة أربعة عشر ذراعاً وعشرون إصبعاً ونصف إصبع. ذكر ولاية عبد الرحمن بن خالد على مصر هو عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، الأمير أبو خالد، وقيل أبو الوليد، الفهمي المصري، أمير مصر لهشام بن عبد الملك بن مروان، وكان استخلفه الوليد بن رفاعة قبل موته على صلاة مصر، وكان قبل ذلك أيضاً ولي شرطتها مدة سنين، فلما مات الوليد بن رفاعة أقره الخليفة هشام على إمرة مصر عوضاً عن الوليد بن رفاعة على الصلاة، وكان ذلك في جمادى الآخرة من سنة سبع عشرة ومائة، ولما تم أمره جعل على شرطته عبد الله بن بشار الفهمي. وكان في عبد الرحمن هذا لين. وفي ولايته على مصر نزلت الروم بنواحى مصر وأسروا منها خاتما كثيراً، فلما بلغ هشاماً ذلك عزله عن إمرة مصر وأعاد حنظلة بن صفوان ثانياً على مصر، وذلك في سنة ثمان عشرة ومائة، فكانت مدة ولايته على مصر سبعة أشهر وخمسة أيام. وقال الحافظ أبو عبد الله الذهبي في كتابه «تذهيب التهذيب» بعد ما قال أمير مصر لهشام: والليث بن سعد أحد مواليه، قال: روى عن الزهري وروى عنه الليث بن سعد ويحيى بن أيوب. قال ابن معين: كان عنده عن الزهرىّ كتاب فيه مائتا حديث أو ثلثمائة حديث كان الليث يحدث بها عنه. وقال النسائي: ليس به بأس. وقال ابن يونس: ولي مصر سنة ثمان عشرة ومائة وعزل سنة تسع عشرة ومائة. قلت: والذي ذكرناه في تاريخ ولايته وعزله هو الأشهر. قال: وكان ثبتاً في الحديث، وتوفي سنة سبع وعشرين ومائة. اهـ.

وقيل: إن سبب عزله عن مصر أن دعاة بني العباس أرسلوا إليه سراً، فأكرمهم ووعدهم، فبلغ ذلك هشاماً فعزله. وكان من أمر دعاة بني العباس أنه وجه بكير ابن ماهان عمار بن زيد «1» إلى خراسان والياً عليها على شيعة بني العباس، فنزل مرو وغير اسمه وتسمى بخداش ودعا الناس إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، فتسارع الناس إليه وأطاعوه، ثم غير ما دعاهم إليه وأظهر دين الخرمية «2» ورخص لبعضهم في نساء بعض، وقال: إنه لا صوم ولا صلاة ولا حج، وإن تأويل الصوم أن يضام عن ذكر الإمام فلا يباح باسمه، والصلاة: الدعاء له، والحج: القصد إليه؛ وكان يتأول من القرآن قوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ، فنفر من كان أطاعه عنه. وكان خداش المذكور نصرانياً بالكوفة وأسلم ولحق بخراسان، وكان ممّن اتبعه على مقالته مالك بن الهيثم والحريش بن سليم الأعجمي وغيرهما وأخبرهم أن محمد بن علي أمره بذلك، فبلغ خبره أسد بن عبد الله القسري فظفر به، فأغلظ القول لأسد فقطع لسانه وسمل عينيه بعد أن سأله عمن وافقه، فذكر جماعةً، منهم أمير مصر عبد الرحمن هذا، وليس ذلك بصحيح، ثم أمر أسد بيحيى بن نعيم الشّيبانىّ فصلب، ثم أتى أسد بحزوّر «3» مولى المهاجر بن دارة الضّبىّ فضرب عتقه بشاطئ النهر.

*** ذكر السنة التي حكم في أولها عبد الرحمن بن خالد ثم في باقيها حنظلة بن صفوان وهي سنة ثمان عشرة ومائة- فيها غزا معاوية ابن الخليفة هشام أرض الروم وقتل وسبى. وفيها غزا مروان الحمار ناحية ورتنيس «1» وظفر بملكهم وقتل وسبى. وفيها حج بالناس محمد ابن هشام بن إسماعيل وهو أمير المدينة، وقيل: كان هذه السنة على المدينة خالد بن عبد الملك. وفيها توفي علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب أبو محمد الهاشمي المدني العباسي المعروف بالسجاد، كان يصلي كل يوم ألف ركعة، وهو والد الخلفاء العباسية، وكانت كنيته أبا الحسن، فكناه عبد الملك بن مروان أبا محمد، وقال: لا أحتمل لك الاسم والكنية جميعاً. وكان لعلي هذا أولاد كثيرة وهم: محمد والد الخلفاء، وعيسى وداود وسليمان وإسماعيل وعبد الصمد وصالح وعبد الله. وولد علي هذا في أيام قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه فسمي باسمه. وفيها توفي عبد الله ابن عامر بن يزيد بن تميم أبو عمران اليحصبىّ مقرئ أهل الشأم، قيل: إنه قرأ القرآن على أبي الدرداء وتولى قضاء دمشق بعد أبي إدريس الخولاني، ومات يوم عاشوراء وله سبع وتسعون سنة. وفيها عزل الخليفة هشام بن عبد الملك خالد ابن عبد الله القسري عن المدينة واستعمل عليها محمد بن هشام. وفيها توفي ثابت بن أسلم البناني، وبنانة اسم امرأة كانت تحت سعد بن لؤي بن غالب بن فهر، وهو من الطبقة الثالثة (أعني ثابتاً) من أهل البصرة؛ وكان ثابت من أعبد أهل زمانه، وبه يضرب المثل في العبادة.

ذكر ولاية حنظلة بن صفوان الثانية على مصر

قال أنس بن مالك رضي الله عنه: «إن لكل شيء مفتاحاً وإن ثابتاً من مفاتيح الخير» وكانت عيناه تشبه عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال له أنس ابن مالك: ما أشبه عينيك بعيني رسول الله صلى الله عليه وسلم! فما زال يبكي حتى عمشت. وذكر الذهبي وفاة جماعة أخر، قال: وتوفي في هذه السنة أبو صخرة جامع ابن شداد، وحكيم بن عبد الله بن قيس، وأبو عشانة حي بن يؤمن المعافري، وعبادة بن نسي الكندي، وعبد الله بن عامر مقرئ الشأم. قلت: هو الذي ذكرناه آنفاً. قال: وعبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي، وعبد الرحمن بن سابط الجمحي (بضم الجيم نسبة لبني جمح) وعثمان بن عبد الله بن سراقة المدني، وعلي بن عبد الله بن العباس الهاشمي. قلت: وقد تقدم ذكره في غير هذه السنة. قال: ومعاذ بن عبد الله الجهني، ومعبد بن خالد الجدلي الكوفي، وأبو جعفر محمد بن علي الباقر في قول ابن معين. قلت: وقد تقدم ذكره في غير هذه السنة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وستة أصابع، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وعشرون إصبعا. ذكر ولاية حنظلة بن صفوان الثانية على مصر قلت: تقدم التعريف به في ولايته الأولى على مصر في سنة اثنتين ومائة، وكان سبب ولايته هذه على مصر ثانياً أنه لما ضعف أمر عبد الرحمن بن خالد أمير مصر المقدم ذكره شكا منه أهل مصر إلى هشام بن عبد الملك، وكان شكواهم من لينه لا لسوء سيرته، فعزله الخليفة هشام لهذا المقتضى وغيره وولى حنظلة

ابن صفوان هذا ثانياً على إمرة مصر على صلاتها، فقدمها حنظلة في خامس المحرم سنة تسع عشرة ومائة، وتم أمره ورتب أمور الديار المصرية ودام بها إلى سنة إحدى وعشرين ومائة، [و] فيها انتقض عليه قبط مصر، فحاربهم حنظلة المذكور حتى هزمهم، ثم في سنة اثنتين وعشرين ومائة قدم عليه بمصر رأس زيد بن علي زين العابدين فأمر حنظلة بتعليقها وطيف بها؛ ثم استمر على إمرة مصر إلى أن عزله عنها الخليفة هشام بن عبد الملك وولاه إفريقية، فاستخلف حنظلة على صلاة مصر حفص بن الوليد الحضرمىّ المعزول عن إمرة مصر قبل تاريخه، وخرج حنظلة من مصر لسبع خلون من شهر ربيع الآخر سنة أربع وعشرين ومائة، فكانت ولايته على مصر في هذه المرة الثانية خمس سنين وثمانية أشهر. وذكر صاحب كتاب «البغية والاغتباط، فيمن ولي الفسطاط» قال بعد ما سماه: ولي ثانياً من قبل هشام على الصلاة، فقدم يوم الجمعة لخمس خلون من المحرم سنة تسع عشرة ومائة، وجعل على شرطته عياض بن خترمة «1» بن سعد الكلبي. ثم ذكر نحواً مما ذكرناه من عزله وخروجه إلى إفريقية. ولما ولي حنظلة إفريقية أمره الخليفة هشام بتولية أبي الخطار حسام بن ضرار الكلبي إمرة الأندلس، فولاه في شهر رجب. وكان أبو الخطار لما تتابع ولاة الأندلس من قيس قال شعراً وعرض فيه بيوم مرج «2» راهط، وما كان من بلاء كلب فيه مع مروان بن الحكم، وقيام القيسية مع الضحاك بن قيس الفهري على مروان، فلما بلغ شعره هشام ابن عبد الملك سأل عنه فأعلم أنه رجل من كلب، فأمر هشام بن عبد الملك حنظلة أن يولي أبا الخطار الأندلس فولاه وسيّره اليها، فدخل قرطبة فرأى ثعلبة

ابن سلامة «1» أميرها قد أحضر الألف الأسارى من البربر ليقتلهم، فلما دخل أبو الخطار دفع الأسارى إليه، فكانت ولايته سبباً لحياتهم. ومهد أبو الخطار بلاد الأندلس. وفي ولايته خرج عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع بالأندلس، فأرسل إليه حنظلة رسالة يدعوه إلى مراجعة الطاعة فقبضهم «2» وأخذهم معه إلى القيروان «3» ، وقال: إن رمي أحد من أهل القيروان بحجر قتلت من عندي أجمعين فلم يقاتله أحد، واستفحل أمره. وكان حنظلة لا يرى القتال إلا لكافر أو خارجي. فلما قوي أمر عبد الرحمن خرج حنظلة إلى الشأم ودعا على عبد الرحمن وأهل إفريقية فاستجيب له، فوقع الوباء والطاعون ببلادهم سبع سنين لم يفارقهم إلا في أوقات متفرقة، وثار على عبد الرحمن هذا جماعة من العرب والبربر ثم قتل بعد ذلك. هذا بعد أن وقع له مع أبي الخطار حروب ووقائع. وكان ممن خرج على عبد الرحمن عروة بن الوليد الصدفي واستولى على تونس، وثابت الصنهاجي بناحية أخرى، وأما حنظلة فإنه أستمر بالشأم إلى «4» أن مات. السنة الأولى من ولاية حنظلة الثانية على مصر وهي سنة تسع عشرة ومائة- فيها حج بالناس مسلمة بن عبد الملك أخو الخليفة هشام. وفيها غزا مروان بن محمد المعروف بالحمار غزوة السابحة «5» فدخل بجيشه من باب اللان، فلم يزل حتى خرج من بلاد الخزر، ثم انتهى إلى البيضاء مدينة الخاقان. وفيها جهز عبيد الله بن الحبحاب

أمير إفريقية جيشاً، عليهم قثم بن عوانة، فأخذوا قلعة سردانية من بلاد المغرب ورجعوا، فغرق قثم بن عوانة وجماعته في البحر. وفيها توفّى عبد الله بن كثير مقرئ أهل مكة أبو معبد مولى عمرو بن علقمة الكناني، أصله فارسي، ويقال له: الداري (والداري: العطار، نسبة إلى عطر دارين) ، وقال البخاري: هو مولى قريش من بني عبد الدار، وقال أبو بكر بن أبي داود: الدار: بطن من لخم، منهم تميم الداري، قرأ القرآن على مجاهد وغيره، وقيل: إن وفاته سنة عشرين، وهو الأصح. وفيها قصد خاقان أسد بن عبد الله القسري بجموع الترك، فالتقاهم أسد بن عبد الله وواقعهم فقتل خاقان وأصحابه، وغنم أسد أموالاً عظيمة وفتح بلاداً لم يصل إليها غيره. وفيها خرج المغيرة بن سعيد بالكوفة، وكان ساحراً متشيعاً، فحكى عنه الأعمش أنه كان يقول: لو أراد علي بن أبي «1» طالب أن يحيي عاداً وثموداً «2» وقروناً بين ذلك كثيراً لفعل. وبلغ خالد بن عبد الله القسري خبره، فأرسل إليه فجيء به وأمر خالد بالنار والنفط وأحرقه ومن كان معه. وفيها غزا أسد بن عبد الله الختل «3» وقتل ملكها بدير «4» طرخان. وفيها توفي حبيب بن محمد العجمي، ويعرف بالفارسي، البصري، من الطبقة الرابعة من تابعي أهل البصرة، وهو أحد الزهاد الذي يضرب بزهده المثل. وفيها حج بالناس مسلمة بن عبد الملك. وأما الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة فهم جماعة كثيرة، قال: وتوفي إياس بن سلمة بن الأكوع، وحبيب بن أبي ثابت في قولٍ، وحماد بن أبي سليمان

الفقيه في قولٍ، وسليمان بن موسى الفقيه بدمشق، وقيس بن سعد الفقيه بمكة، ومعاوية بن هشام الأمير بأرض الروم. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع ونصف، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعاً وستة أصابع. *** السنة الثانية من ولاية حنظلة بن صفوان على مصر وهي سنة عشرين ومائة- فيها عزل خالد بن عبد الله القسري عن إمرة العراق بيوسف بن عمر الثقفي، وكانت مدة ولاية خالد على العراق أربع عشرة سنة، فلما استخلف الوليد ابن يزيد بن عبد الملك بعد موت عمه هشام بن عبد الملك بعث بخالد إلى يوسف هذا فقتله. وفيها توفي أسد بن عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز بن عامر البجلي القسري، وهو أخو خالد بن عبد الله القسري المقدم ذكره أعلاه. وكان أسد هذا ولي خراسان مرتين، وغزا عدة غزوات وافتتح البلاد، وبنى مدينة بلخ، وتوفي قبل عزل أخيه خالد بن عبد الله القسري بيسير. وفيها توفي حماد بن أبي سليمان فقيه أهل الكوفة، وقد ذكر الذهبي وفاته في الخالية، وهو من الطبقة الثالثة من التابعين. قيل لإبراهيم النخعي: من نسأل بعدك؟ قال: حماد بن أبي سليمان. وعنه أخذ أبو حنيفة العلم، وهو أول من حلق حلقة للاشتغال «1» . وفيها توفي سليمان بن ثابت الداراني الدمشقي المحاربي من الطبقة الثالثة من التابعين، كان يقال له: قاضي الخلفاء لأنه أقام قاضياً على دمشق ثلاثين سنة، قضى لتسعة من خلفاء بني أمية، وقيل لسبعة، وهو الأصح. وفيها توفي محمد بن واسع بن جابر أبو عبد الله الأزدي، من الطبقة

الثالثة من تابعي أهل البصرة، كان لا يقدم عليه أحد في زمانه في العبادة والزهد والورع، كان يصوم الدهر ويخفيه. قيل: إنه دخل هو ومالك بن دينار إلى دار الحسن البصري فلم يجداه في الدار، فرأى محمد بن واسع طعاماً للحسن فأكل منه من غير إذن الحسن، وعزم على مالك فلم يوافقه مالك وقال: حتى يأذن لي صاحبه، وبينما هما في ذلك دخل الحسن البصري فأعجبه فعل محمد بن واسع وقال: هكذا كنا نفعل مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جئتنا يامويلك. وذكر الذهبي جماعة أخر وفيهم من تكرر ذكره لاختلاف المؤرخين، قال: وتوفي أنس بن سيرين على الصحيح، وأسد بن عبد الله القسري الأمير، والجلاح أبو «1» كثير القاضي، والجارود «2» الهذلي، وحماد بن أبي سليمان في قولٍ، وأبو معشر «3» زياد ابن كليب الكوفي، وعاصم بن عمر بن قتادة الظّفرىّ، وعبد «4» الله بن كثير مقرئ أهل مكة، وعبد الرحمن بن ثروان الأودي «5» ، وعدي بن عدي بن عميرة الكندي، وعلقمة بن مرثد الكوفي، وعلي بن مدرك النخعي الكوفي، وقيس بن مسلم الجدلي الكوفي، ومحمد بن إبراهيم التيمي المدني الفقيه في قول، ومحمد بن كعب القرظي في قولٍ، ومسلمة بن عبد الملك، وواصل الأحدب، ويزيد «6» بن رومان على الصحيح، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم على الصحيح. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع سواء، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وإصبعان ونصف.

*** السنة الثالثة من ولاية حنظلة بن صفوان على مصر وهي سنة إحدى وعشرين ومائة- فيها غزا مروان الحمار من أرمينية إلى أن بلغ قلعة بيت السرير من بلاد الروم فقتل وسبى، ثم أتى قلعة ثانية فقتل أيضاً وأسر، ثم دخل الحصن الذي فيه سرير الملك فهرب منه الملك حتى صالحوا مروان في السنة على ألف رأس ومائة ألف مديٍ «1» ، ثم سار مروان في السنة حتى دخل أرض أرز «2» وبلاد بطران «3» فصالحوه ثم صالحه أهل بلاد تومان، ثم أتى حمزين «4» فقاتلهم ولازم الحصار عليهم شهرين حتى صالحوه، ثم افتتح مروان مسدار وغيرها. وذكر خليفة بن خياط أن أبا محمد البطال قتل فيها. وفيها غزا الصائفة مسلمة ابن الخليفة هشام بن عبد الملك فسار حتى أتى ملطية، ومات مسلمة هذا في دولة أبيه هشام. وفيها غزا نصر بن سيار ما وراء النهر وقتل ملك الترك كورصول، وكان كورصول المدكور ملكاً عظيماً غزا في المسلمين اثنتين وسبعين غزوة، ولما قبض عليه نصر أراد أن يفدي نفسه بألف جمل بختي وبألف برذون، فلم يقبل نصر وقتله. وفيها خرج زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبى طالب رضي الله عنهم، ووقع له مع جيش الخليفة أمور وحروب وآل أمره إلى أن انكسر واختفى حتى ظفر به وقتل في سنة اثنتين وعشرين ومائة. وفيها توفي الربيع بن أبي راشد أبو عبد الله الزاهد، من الطبقة الثالثة من تابعي

أهل الكوفة، كان يقول: لو فارق ذكر الموت قلبي ساعة لخشيت أن يفسد علي قلبي. وفيها توفي عطاء السليمي، من الطبقة الرابعة من تابعي أهل البصرة، وكان من التابعين المجتهدين، أقام أربعين سنة لم يرفع رأسه إلى السماء حياء من الله تعالى ولم يضحك، ورفع رأسه مرة ففتق في بطنه فتق؛ وكان إذا أراد أن يتوضأ ارتعد وبكى، فقيل له: في ذلك، فقال: إني أريد أن أقدم على أمر عظيم قبل أن أقوم بين يدي الله تعالى. وفيها توفي نمير بن أوس الأشعري قاضي دمشق، من الطبقة الرابعة من التابعين، ولاه الخليفة هشام القضاء ثم استعفاه فأعفاه. وفيها توفّى محارب ابن دثار السدوسي الشيباني أبو المطرف؛ من الطبقة الثالثة من تابعي أهل الكوفة؛ قال: لما أكرهت على القضاء بكيت وبكى عيالي، فلما عزلت عن القضاء بكيت وبكى عيالي. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وعشرون إصبعاً، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وثلاثة عشر إصبعاً. *** السنة الرابعة من ولاية حنظلة بن صفوان على مصر وهي سنة اثنتين وعشرين ومائة- فيها خرج بالمغرب ميسرة الحقير وعبد الأعلى مولى «1» موسى بن نصير متعاضدين ومعهما خلائق [من الصفرية «2» ] ، فخرج لقتالهم متولي إفريقية عبيد الله بن الحبحاب وقاتلهم واستظهر عليهم والي إفريقية، لكن قتل ابنه إسماعيل، ثم جهز لهم عبيد الله بن الحبحاب جيشاً ثانياً عليه أبو الأصم خالد، فقتل أبو الأصم المذكور

في جماعة من الأشراف في آخر السنة، واستفحل أمر الصفرية وبايعوا الشيخ عبد الواحد بالخلافة، فلم يتم أمره وقتل بعد حروب كثيرة. وقتل في هذه الواقعة وغيرها في هذه السنة خلائق كثيرة. وكان عبيد الله بن الحبحاب قد جهز جيشاً آخر مع حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة الفهري إلى جزيرة صقلية فظفر حبيب المذكور ظفراً ما سمع بمثله، وسار حتى نزل على أكبر مدائن صقلية، وهي مدينة سرقوسة «1» ، وهابته النصارى وذلوا لإعطاء الجزية، ووقع بالمغرب في هذه السنة حروب مهولة متداولة. وفيها توفي شهيداً زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم وصلب مدة طويلة، وقد تقدم ذكر واقعته في سنة إحدى وعشرين ومائة. وفيها توفي إياس بن معاوية بن قرة بن إياس المزني البصري، من الطبقة الثالثة من تابعي أهل البصرة، وكنيته أبو واثلة، وكان قاضياً على البصرة، وكان سيداً فاضلاً ذكياً، له نوادر غريبة، كان يقول: أذكر ليلة ولدت وضعت أمي على رأسي جفنة. قال إياس: قلت لأمي: ما شيء سمعته عند ولادتي يا أمي «2» ؟ فقالت: طست وقع من أعلى الدار ففزعت فولدتك في تلك الساعة. قلت: وعلى هذا يكون سماعه لذلك وهو في بطن أمه، فإنها لما سمعت الضجة ولدت من الفزع. فيكون سماع إياس لذلك قبل أن ينزل من بطن أمه. اهـ. وفيها توفي بلال بن سعد بن تميم السكوني «3» (بفتح السين المهملة) من الطبقة الرابعة من تابعي أهل الشأم، كان بالشأم مثل الحسن البصري في العراق، وكان إمام جامع دمشق، فكان إذا كبر سمع صوته من الأوزاع (قرية على باب الفراديس) ولم يكن البنيان يومئذ متصلاً؛ هكذا نقل أبو المظفر في تاريخه «مرآة الزمان» . وفيها توفي الأمير مسلمة ابن الخليفة عبد الملك

ابن مروان أبو شاكر «1» ، وقيل: أبو سعيد وقيل: أبو الأصبع «2» ، كان شجاعاً صاحب همة وعزيمة، وله غزوات كثيرة من ولاية أبيه عبد الملك إلى هذه السنة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وستة أصابع، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعاً وثمانية عشر إصبعاً. *** السنة الخامسة من ولاية حنظلة بن صفوان على مصر وهي سنة ثلاث وعشرين ومائة- فيها كانت وقعة عظيمة بين البربر وبين كلثوم بن عياض، فقتل كلثوم في المصاف واستبيح عسكره، كسرهم أبو يوسف الأزدي رأس الصّفريّة (والصفرية «3» هم منسوبون إلى بني المهلب بن أبي صفرة) ، ثم وقعت أمور ووقائع بالمغرب في هذه السنة أيضاً يطول شرحها. وفيها حج بالناس يزيد ابن الخليفة هشام بن عبد الملك وصحبه الزهري بن شهاب، فهناك لقى الزهرىّ مالك بن أنس وسفيان ابن عيينة. وفيها خرج خمسة وعشرون ألفاً من الروم ونزلوا بملطية، فبعث إليهم

هشام بن عبد الملك الجيوش فقتلوا منهم مقتلةً عظيمة، ولله الحمد. وفيها توفيت عائشة بنت طلحة بن عبيد الله التيمي، وأمها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق؛ وأول أزواج عائشة عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، ثم تزوجها مصعب ابن الزبير فاصدقها مائة ألف «1» دينار. وعن الكلبي قال: قال عبد الملك بن مروان يوماً لجلسائه: من أشجع العرب؟ قيل: شبيب، وقيل: فلان وفلان؛ فقال: إن أشجع العرب رجل ولي العراقين خمس سنين فأصاب ألف ألف وألف ألف وألف ألف، وتزوج سكينة بنت الحسين بن علي وعائشة بنت طلحة، وابنة «2» الحميد بنت عبد الله بن «3» عامر بن كريز، وابنة «4» ريان بن أنيف الكلبي، وأعطي الأمان فأبى ومشى بسيفه حتى مات، ذاك مصعب بن الزبير. وأظنها تزوجت بعد مصعب. وأما الذين ذكر وفاتهم الذهبي في هذه السنة فجماعة مختلف فيهم، قال: توفي ثابت البناني، وقد تقدم ذكره، وتوفي ربيعة بن يزيد القصير بدمشق، وأبو يونس سليم مولى أبي هريرة، وسماك بن حرب الذهلي، وسعيد بن أبي سعيد المقبري، وشرحبيل بن سعد المدنىّ، وأبو عمران الجونىّ عبد الملك بن حبيب، وأبن محيصن مقرئ مكة، ومحمد بن واسع عابد البصرة، وقد تقدم ذكره، ومالك بن دينار، يأتي ذكره. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان سواء، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعاً وثلاثة عشر إصبعا.

ذكر ولاية حفص بن الوليد ثانيا على مصر

ذكر ولاية حفص بن الوليد ثانياً على مصر قلت: تقدم التعريف بحفص هذا في أول ترجمته لما ولي مصر في سنة ثمان ومائة. وكان سبب ولايته هذه الثانية على مصر أن حنظلة بن صفوان لما ولي إفريقية أقر حفصاً هذا على صلاة مصر وتوجّه الى إفريقيّة، فأقرّه الخليفة هشام ابن عبد الملك على إمرة مصر على الصلاة، وذلك فى سابع شهر ربيع الآخر سنة أربع وعشرين ومائة. وقال صاحب «البغية» : فأقره هشام (يعني على إمرة مصر) ، ثم جمع له بين الصلاة والخراج في ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شعبان سنة أربع وعشرين ومائة، فجعل على شرطته عقبة بن نعيم الرعيني، وجعل على الديوان يحيى بن عمرو العسقلاني، وعلى الزمام «1» عيسى بن عمرو، ثم صرفه الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك عن الخراج وولاه عيسى بن أبي عطاء يوم الثلاثاء لسبع بقين من شوال سنة خمس وعشرين ومائة، وانفرد بالصلاة، ثم استعفى مروان بن محمد بن مروان فأعفاه، فكانت ولايته هذه ثلاث سنين إلا شهرا. اهـ. وقال غيره: جمع له هشام بن عبد الملك الصلاة والخراج معاً، وكان لأمراء مصر مدة سنين [أن] يلي الأمير على الصلاة لا غير، فلما جمع لحفص بين الصلاة والخراج وقع في أيامه شراقي وقحط بالديار المصرية، فاستسقى حفص بالناس وخطب ودعا الله سبحانه وتعالى وصلى، ثم عاد إلى منزله، فلم يكن إلا القليل وورد عليه موت الخليفة هشام بن عبد الملك، واستخلف من بعده الوليد بن يزيد ابن عبد الملك بن مروان، فأقر الوليد حفصاً هذا على ما كان عليه من إمرة مصر على الصلاة والخراج أياماً قليلة، ثم صرفه عن الخراج بعيسى بن أبي عطاء في ثالث عشرين شوال سنة خمس وعشرين ومائة وانفرد حفص بالصلاة. ثم خرج حفص

من مصر إلى الشأم ووفد على الوليد بن يزيد بعد أن أستخلف على صلاة مصر عقبة ابن نعيم الرعيني، وعند وصول حفص إلى دمشق اختلف الناس على الوليد وخلعوه من الخلافة ثم قتلوه، لسوء سيرته وقبيح أفعاله، كل ذلك وحفص بالشأم، وبويع بالخلافة ابن عمه يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان. ولما ولي يزيد المذكور الخلافة أقر حفصاً هذا على عمله وأمره بالعود إلى مصر وأن يفرض للجند ثلاثين ألفاً، فعاد حفص إلى مصر وفرض الفروض وبعث بيعة أهل مصر إلى يزيد بن الوليد. فلم تطل مدة أيام يزيد وتوفي وبويع بالخلافة من بعده إبراهيم بن الوليد، فلم يتم عليه أمره وتغلب عليه مروان بن محمد بن مروان الجعدي المعروف بالحمار، ودعا لنفسه وتم له ذلك؛ فلما بلغ حفصاً ذلك بعث يستعفيه من ولاية مصر فأعفاه مروان وولّى مكانه حسّان بن عتاهية. اهـ. وكانت ولاية حفص هذه الثانية نحو ثلاث سنين. وقال الحافظ أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس فى تاريخه بعد ما ذكر نسبه بنحو ما ذكرناه في ولايته الأولى على مصر لكنه زاد فقال: الحضرمي، ثم من بني عوف بن معاذ، كان أشرف حضرمي بمصر في أيامه، ولم يكن خليفة من بعد الوليد إلا وقد استعمله، كان هشام بن عبد الملك قد شرفه ونوه بذكره وولاه مصر بعد الحر بن يوسف بن يحيى بن الحكم نحواً من شهر ثم عزله، فدخل على هشام فألفاه في التجهيز إلى الترك فولاه الصائفة فغزا ثم رجع فولّى نحو مصر سنة تسع عشرة ومائة وسنة عشرين ومائة وسنة إحدى وعشرين ومائة وسنة اثنتين وعشرين ومائة، فلما قتل كلثوم بن عياض القشيري عامل هشام على إفريقية، وكان قتله في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين ومائة، كتب هشام إلى حنظلة بن صفوان الكلبي عامله على جند مصر بولايته على إفريقية فشخص إليها، وكتب إلى حفص بن الوليد بولاية جند مصر وأرضها، فولي حفص عليها بقية خلافة هشام، وخلافة الوليد بن يزيد، وخلافة

يزيد بن الوليد، وإبراهيم بن الوليد، ومروان بن محمد إلى سنة ثمان وعشرين ومائة؛ وحدث عنه يزيد بن أبي حبيب، وعمرو بن الحارث، والليث بن سعد، وعبد الله ابن لهيعة وغيرهم، وكان ممن خلع مروان مع رجاء بن الأشيم الحميرىّ «1» وثابت بن نعيم ابن زيد «2» بن روح بن سلامة الجذامىّ وزامل بن عمرو الحراني «3» في عدة من أهل مصر والشام، فقتله حوثرة بن سهيل الباهلي بمصر في شوال سنة ثمان وعشرين ومائة، وخبر مقتله يطول. وقال المسور الخولاني يحذر أبن عم له من مروان ويذكر قتل مروان حفص ابن الوليد ورجاء بن الأشيم ومن قتل معهما من أشراف أهل مصر: وإن أمير المؤمنين مسلط ... على قتل أشراف البلاد فأعلم فإياك لا تجني من الشر غلطة ... فتودى «4» كحفص أو رجاء بن الاشيم فلا خير في الدنيا ولا العيش بعدهم ... وكيف وقد أضحوا بسفح المقطم قال ابن يونس: حدثنا أحمد بن شعيب حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث حدثني أبي عن جدي عن يزيد بن أبي حبيب عن حفص بن الوليد عن محمد بن مسلم عن عبيد الله بن عبد الله حدثه أن ابن عباس حدثه: أن شاة ميتة كانت لمولاة ميمونة من الصدقة فأبصرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «انزعوا جلدها فانتفعوا به» قالوا: إنها ميتة، قال: «إنما حرم أكلها» . قال أبو سعيد بن يونس: أسند حفص غير هذا الحديث: حدثني أبي عن جدي أنه حدثه ابن وهب حدثني الليث: أن حفص بن الوليد أول ولايته بمصر

أمر بقسم مواريث أهل الذمة على قسم مواريث المسلمين، وكانوا قبل حفص يقسمون مواريثهم بقسم أهل دينهم، انتهى كلام ابن يونس. وقد ساق ابن يونس ترجمة حفص على سياق واحد ولم يدع لولايته الثالثة على مصر شيئاً. ولا بد من ذكر ولايته الثالثة هنا لما شرطناه في كتابنا هذا من ذكر كل والٍ في وقته وزمانه، ونذكره إن شاء الله تعالى بزيادات أخر. *** السنة الأولى من ولاية حفص بن الوليد الثانية على مصر وهي سنة أربع وعشرين ومائة- فيها عاثت الصفرية ببلاد المغرب وحاصروا قابساً «1» ونصبوا عليها المجانيق، وافترقت الصفرية بعد قتل ميسرة فرقتين، ثم ولى الخليفة حنظلة أمير مصر أمر إفريقية لما بلغه قتل كلثوم، كما تقدم ذكره. وفيها قدم جماعة من شيعة بني العباس من خراسان إلى الكوفة يريدون أخذ البيعة لبني العباس فأخذوا وحبسوا ثم أطلقوا. وفيها غزا سليمان بن هشام الصائفة والتقاه ملك الروم فهزمه سليمان وغنم «2» . وفيها قتل كلثوم بن عياض أمير المغرب، من الطبقة الرابعة من تابعي أهل الشأم، وكان جليلاً نبيلاً فصيحاً له خطب ومواعظ، قتل بالمغرب في وقعة كانت بينه وبين ميسرة الصفري، ثم مات ميسرة أيضاً في آخر السنة. وفيها توفي الزهري واسمه محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة، الإمام أبو بكر القرشي الزهري المدني أحد الأعلام، من تابعي أهل المدينة من الطبقة الرابعة، كان حافظ زمانه. قال الليث بن سعد قال

ابن شهاب: ما صبر أحد على العلم صبري، ولا نشره أحد نشري، ولد سنة خمسين، وطلب العلم في أواخر عصر الصحابة، وله نيف وعشرون سنة، فروى عن ابن عمر حديثين، وروى عن جماعة كثيرة من الصحابة والتابعين، وروى عنه الجمّ الغفير اهـ. وذكر الذهبي جماعة أخر، قال: توفي عبد الله بن قيس الجهني، وعمرو بن سليم الزرقي أبو طلحة، والقاسم بن أبي بزة المكي، ومحمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وقد تقدم ذكره، ومحمد بن علي بن عبد الله ابن عباس، وأبو جمرة (بالجيم والراء) نصر بن عمران الضبعي. أمر النيل في هذه السنة الماء القديم ثلاثة أذرع واثنا عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعاً وثلاثة «1» عشر إصبعا. *** السنة الثانية من ولاية خفص بن الوليد الثانية على مصر وهي سنة خمس وعشرين ومائة: فيها كانت فتن كثيرة بالمغرب بين الأمير حنظلة بن صفوان المعزول عن إمرة مصر والمتولي إفريقية وبين عكاشة الخارجي، فكانت بينهم وقعة لم يسمع بمثلها، وانهزم عكّاشة وقتل من البربر ما لا يحصى، ثم التقى حنظلة ثانياً مع عبد الواحد على فرسخ من القيروان، وجمع عبد الواحد ثلثمائة ألف مقاتل، فبذل حنظلة الأموال وضج الناس والنساء والأطفال بالدعاء، وبقي حنظلة يسير بين الصفوف بنفسه ويحرض على القتال، وكسر أصحاب حنظلة أغماد سيوفهم والتحمت الحرب وانكسرت ميسرة الإسلام، وحنظلة على تحريضه حتى تراجعوا، وهزم الله

عبد الواحد وجيوشه ثم قتل، وأتي حنظلة برأسه، وقتل من البربر مقتلة عظيمة لم يسمع بمثلها، فكانت هذه ملحمة مشهودة، ثم أسر عكاشة وأتي به إلى حنظلة فقتله وقتل جماعة كثيرة من أصحابه. وقيل: أحصي من قتل في هذه الوقعة فبلغوا مائة ألف وثمانين ألفاً. وهذه الملحمة أعظم ملحمة وقعت في الإسلام بالمغرب. وفيها عقد الوليد بن يزيد بن عبد الملك البيعة لابنيه الحكم وعثمان في شهر رجب بعد أن ولي الخلافة بشهر واحد، وكتب بذلك إلى الآفاق. وفيما؟؟؟ توفّى محمد «1» بن علي ابن عبد الله بن عباس العباسي الهاشمي، ومحمد هذا هو والد السفاح أول خلفاء بني العباس، وكنيته أبو عبد الله، وكان أصغر من أبيه علي بأربع عشرة سنة، فلما شابا خضب أبوه علي بالسواد وابنه محمد هذا بالحناء، فلم يفرّق بينهما إلا بالخضاب لتشابههما. ومولد محمد هذا بالقرب من أرض البلقاء سنة ثمان وخمسين وقيل: سنة ستين. وفي الليلة التي مات فيها محمد هذا ولد فيها محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور، فسمي المهدي على اسم جده محمد المذكور وكني بكنيته. وكان محمد هذا بويع بالخلافة سراً وفرق الدعاة في البلاد، فلم يتم أمره ومات. وفيها توفي الخليفة أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية ابن عبد شمس، الأموي القرشي الدمشقي أبو الوليد، ولد سنة نيف وسبعين واستخلف بعهد من أخيه يزيد بن عبد الملك، واستخلف وعمره أربع وثلاثون سنة، ودام في الخلافة تسع عشرة سنة وسبعة أشهر وأياماً، وكان جميل الصورة يخضب بالسواد، وبعينيه حول مع كيس، وأمه فاطمة بنت هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومىّ.

قال مصعب الزبيري: زعموا أن عبد الملك رأى في منامه أنه بال في المحراب أربع مرات، فدس من يسأل سعيد بن المسيب عنها، وكان يعبر الرؤيا، وعظمت على عبد الملك، فقال سعيد بن المسيب: يملك من ولده لصلبه أربعة، فكان هشام هذا آخرهم، لأن أولهم الوليد، ثم سليمان، ثم يزيد، ثم هشام. قال حماد الراوية: لما ولي هشام الخلافة طلبني فحضرت عنده فوجدته جالساً في فرش قد غرق فيه، وبين يديه صحفة من ذهب مملوءة مسكاً مذوباً بماء ورد وهو يقلبه بيده فتفوح رائحته، فسلمت عليه فرد علي السلام، وقال: يا حماد، إني ذكرت بيتاً من الشعر ما عرفت قائله وهو هذا: ودعوا بالصبوح يوماً فجاءت ... قينة في يمينها إبريق فقلت: هو لعدي بن زيد، فقال: أنشدني القصيدة، فأنشدته إياها، فقال: سل حاجتك، وكان على رأسه جاريتان كأنهما أقمار، وفي أذن كل واحدة منهما جوهرتان يضيء منهما المنزل، فقلت: يا أمير المؤمنين، جارية من هاتين، فقال: هما لك، وأمر لي بمائة ألف درهم. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وثمانية أصابع، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وثلاثة عشر إصبعاً. السنة الثالثة من ولاية حفص بن الوليد الثانية على مصر وهي سنة ست وعشرين ومائة- فيها خرج يزيد بن الوليد بن عبد الملك على أبن عمه الخليفة الوليد ابن يزيد بن عبد الملك لما أنتهك الوليد المذكور الحرمات وكثر فسقه وسئمته الرعية على قصر مدته، فبويع يزيد هذا بالمزة «1» ووثب على دمشق وجهز عسكراً لقتال الخليفة

الوليد، وكان الوليد بتدمر قد أنهزم إليها عاكفاً على المعاصي بها، فخرج الوليد وقاتل العسكر وانكسر وقتل بنواحي تدمر، على ما يأتي ذكره، وتم أمر يزيد في الخلافة، وسمي بالناقص، لكنه لم تطل مدته أيضاً ومات، على ما يأتي ذكره أيضاً. وفيها توفّى خالد ابن عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز بن عامر البجلي القسري، ولي خالد المذكور أعمالاً جليلة مثل مكة المشرفة والعراق وغيرهما، وكانت أمه نصرانية فكان يعير بها، وكان بخيلاً على الطعام جداً، ذكر عنه أبو المظفر أموراً شنيعة من هذا الباب. وفيها توفي الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية (الهاشمي) «1» الأموي الدمشقي المعروف بالفاسق، ولد سنة تسعين وقيل سنة اثنتين وتسعين. ولما احتضر أبوه يزيد بن عبد الملك لم يمكنه أن يستخلفه لأنه صبي، فعهد إلى أخيه هشام بن عبد الملك وجعل ابنه هذا الوليد ولي العهد من بعد هشام، وأم الوليد بنت محمد بن يوسف الثقفي، فالحجاج عم أمه. ولما مات عمه هشام ولي الخلافة وصدرت عنه تلك الأمور القبيحة المشهورة عنه: من شرب الخمر والفجور وتخريق المصحف بالنشاب. وذكر عنه بعض أهل التاريخ أموراً أستبعد وقوعها، منها: أنه دخل يوماً فوجد ابنته جالسة مع دادتها «2» فبرك عليها وأزال بكارتها، فقالت له دادتها: هذا دين المجوس، فأنشد: من «3» راقب الناس مات غماً ... وفاز باللذة الجسور

قال: وأخذ يوما المصحف وفتحه، فأوّل ما طلع له وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ، فقال: أتوعدني! ثم علقه ولا زال يضربه بالنشاب حتى خرقه ومزّقه وهو ينشد: أتوعد كل جبار عنيد ... فهأنا ذاك جبار عنيد إذا لاقيت ربك يوم حشر ... فقل يا رب خرقني الوليد ولما كثر فسقه خلعوه من الخلافة بابن عمه يزيد بن الوليد وقتلوه في جمادى الآخرة، وكانت خلافته سنة وثلاثة أشهر، وتوفي ابن عمه يزيد المذكور بعده بمدة يسيرة، كما سيأتي ذكره. وفيها توفي سعيد «1» بن مسروق والد سفيان الثوري؛ وفيها توفي الخليفة أمير المؤمنين يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، الهاشمي «2» الأموي الدمشقي أبو خالد، المعروف بيزيد الناقص، لأنه نقص الجند من عطائهم لما ولي الخلافة، وكان الوليد ابن عمه زاد الجند زيادات كثيرة فنقصها يزيد هذا لما ولي الخلافة ومشى الأمور على عاداتها. وثب يزيد على الخلافة لما كثر فسق ابن عمه الوليد، وتم أمره بعد قتل الوليد، وبويع بالخلافة في جمادى الآخرة من سنة ست وعشرين ومائة المذكورة. وأم يزيد هذا شاه «3» فرند بنت فيروز بن يزدجرد، حكي أن قتيبة بن مسلم ظفر بما وراء النهر بابنتي فيروز فبعث بهما إلى الحجاج بن يوسف، فبعث الحجاج بإحداهما، وهي شاه فرند، إلى الخليفة الوليد بن عبد الملك فأولدها يزيد هذا، وكانت أم فيروز بن يزدجرد بنت شيرويه بن كسرى، وأم شيرويه بنت خاقان، وأم أم فيروز هي بنت قيصر عظيم الروم، ولهذا كان يزيد يفتخر ويقول:

ذكر ولاية حسان بن عتاهية على مصر

أنا ابن كسرى وجدّى مروان ... وقيصر جدي وجدي خاقان قلت: وكان يزيد هذا لا بأس به، غير أن أيامه لم تطل، ومات في سابع ذي الحجة من سنة ست المذكورة. وذكر الذهبي وفاة جماعة كثيرة في هذه السنة مختلف في وفاتهم، كما هي عادة سياقه، فإنه يذكر الواحد في عدة أماكن، فنحن نذكر مقالته ولا نتقيد بها، ومن وقع لنا ممن ذكره ترجمناه على عادة كتابنا هذا في محله، قدمه الذهبي أو أخره، فقال: توفي جبلة بن سحيم، وخالد بن عبد الله القسري الأمير، ودراج أبو السمح، وسعيد بن مسروق والد سفيان الثوري، وسليمان بن حبيب المحاربي، وقد تكرر في عدة سنين، وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد، والكميت بن زيد الشاعر، وعبيد الله بن أبي يزيد المكي، وعمرو بن دينار، والوليد قتل في جمادى الآخرة فكانت خلافته خمسة عشر شهراً، ويزيد بن الوليد الناقص مات في ذي الحجة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وستة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا واثنى عشر إصبعا. ذكر ولاية حسان بن عتاهية على مصر هو حسان بن عتاهية بن عبد الرحمن بن حسان بن عتاهية بن خزز بن سعد ابن معاوية التجيبي؛ وقال صاحب «البغية» : حسان بن عتاهية بن عبد الرحمن. اهـ. ولّاه مروان بن محمد بن مروان المعروف بالحمار على إمرة مصر وهو بالشأم، فأرسل حسان من الشأم بكتاب إلى ابن نعيم باستخلافه على صلاة مصر إلى أن يحضر من الشأم، فسلم حفص بن الوليد الأمر إلى أبن نعيم، ثم قدم حسان المذكور إلى مصر في ثاني عشر جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين ومائة على الصلاة لا غير.

وزاد صاحب «البغية» وقال: قدم في يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة. اهـ. وكان عيسى بن أبي عطاء على الخراج، فلما أستقر أمر حسان في إمرة مصر أسقط الفروض التي كان قررها حفص بن الوليد في ولايته وقطع [فروض «1» ] الجند كلها، فوثبوا عليه وقاتلوه وقالوا: لا نرضى إلا بحفص، وركبوا إلى المسجد ودعوا إلى خلع مروان الحمار من الخلافة وحصروا حسان في داره، وقالوا له: اخرج عنا، فإننا لا نقيم معك ببلد، ثم أخرجوا عيسى بن أبي عطاء صاحب الخراج من مصر، كل ذلك في آخر جمادى الأخرة، ثم أخرجوا حفصاً من سجنه وولوه أمرهم. وتوجه حسان هذا إلى الشأم ودام بها من جملة أمراء بني أمية إلى أن زالت دولة بني أمية وتولت العباسية. قتل حسان هذا مع من قتل بمصر من أعوان بني أمية في سنة اثنتين وثلاثين ومائة. وكانت ولاية حسان على مصر ستة عشر يوماً وقيل: إن حسان كان من أعوان بني العباس، والأول أشهر، وتولى بعده حفص بن الوليد ثالثاً. وقال الحافظ أبو سعيد بن يونس: شهد حسان بن عتاهية جد عتاهية والد صاحب الترجمة فتح مصر وصحب عمر بن الخطاب؛ وابنه عبد الرحمن بن حسان ابن عتاهية يروي عنه مخيس بن ظبيان، وفي نسخة: عبد الغني. وحدثني أحمد بن علي بن دارح بن رجب الخولاني حدثني عمي عاصم بن دارح حدثنا عبيد الله بن سعيد بن كثير بن عفير حدثني أبي حدثني عمرو بن يحيى السدي حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج قال: سألني أبو جعفر المنصور: ما فعل حسان بن عتاهية؟ قلت: قتله شعبة «2» . قال: قتله الله. كان لنا جليساً

ذكر ولاية حفص بن الوليد الثالثة على مصر

عند عطاء بن أبي رباح. قال سعيد بن كثير: شعبة هذا هو ابن عثمان التميمي، كان على المصرية «1» ، وهو أول من قدم مصر من قواد المسودة «2» ، وكان على مقدمة عامر بن إسماعيل المرادي الجرجاني الذي قتل مروان بن محمد الحمار. ضبط الأسماء الغريبة في هذه الترجمة: (عتاهية) بفتح العين المهملة والتاء المثناة، و (خزز) بفتح «3» الخاء المعجمة والزاي الأولى وسكون الزاي الثانية، و (التجيبى) بضم التاء المثناة من فوق وكسر الجيم وياء ساكنة وباء ثانية الحروف. ذكر ولاية حفص بن الوليد الثالثة على مصر ولما ثار أهل مصر على حسان بن عتاهية وأخرجوه منها لحق بالخليفة مروان ابن محمد بن مروان المعروف بالحمار في الشأم، وذكر له حسان ما وقع له مع أهل مصر؛ واستمر حفص بن الوليد على صلاة مصر شهر رجب وشعبان، وقدم الأمير حنظلة بن صفوان من إفريقية، وقد أخرجه أهلها فنزل بالجيزة غربي مدينة مصر، ودام هناك إلى أن قدم عليه كتاب الخليفة مروان الحمار بولايته على مصر، فامتنع المصريون من ولاية حنظلة بن صفوان عليهم، ومنعوه من الدخول إلى مصر وأظهروا الخلاف، ثم أخرجوا حنظلة من الجيزة إلى الوجه الشرقي، ومنعوه من المقام بالفسطاط، وحاربوه فحاربهم فهزم، وتم أمر حفص؛ وسكت مروان عن مصر بقية سنة سبع وعشرين ومائة، ثم عزل حفص في مستهل سنة ثمان وعشرين ومائة وولي عوضه على مصر الحوثرة بن سهيل أخو عجلان الباهلي، وواقع الحوثرة حفصاً وقتله، كما ذكره ابن يونس وغيره في ترجمته الثانية، وكان قتل حفص المذكور في يوم

الثلاثاء لليلتين خلتا من شوال سنة ثمان وعشرين ومائة، ورثاه صديقه أبو بحر مولى عبد الله بن إسحاق مولى آل الحضرمي من حلفاء عبد شمس بعدة قصائد، وكان أبو بحر أمأمأ في النحو واللغة، تعلم ذلك من يحيى بن يعمر، ومات في سنة سبع «1» وعشرين ومائة، وكان أبو بحر يعيب الفرزدق في شعره وينسبه إلى اللحن، فهجاه الفرزدق بقوله: فلو كان عبد الله مولًى هجوته ... ولكن عبد الله مولى مواليا فقال له أبو بحر عبد الله المذكور: قد لحنت أيضاً يا فرزدق في قولك: مولى مواليا، بل كان ينبغي أن تقول: مولى موالٍ. *** السنة الأولى من ولاية حفص بن الوليد الثالثة على مصر وهي سنة سبع وعشرين ومائة، على أن حسان بن عتاهية حكم منها على مصر ستة عشر يوماً في جمادى الآخرة- فيها وقع بالشأم وغيره عدة فتن وحروب من قبل مروان الحمار وغيره حتى ولي الخلافة وخلع إبراهيم بن الوليد الذي كان تخلف بعد موت أخيه يزيد بن الوليد الناقص ولم يتم أمره، وكان مروان المذكور متولي أذربيجان وأرمينية، فلما بلغه موت يزيد جمع الأبطال والعساكر وأنفق عليهم الأموال حتى بلغ قصده وولي الخلافة وتم أمره، وفي آخر السنة المذكورة بايع مروان لابنيه عبيد الله وعبد الله بالعهد من بعده وزوجهما بابنتي هشام بن عبد الملك، ولم يدر ما خبئ له في الغيب من زوال دولته ببني العباس. وفيها حج بالناس عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز الأموي وهو أمير مكة والمدينة والطائف. وفيها خلع سليمان بن هشام

مروان الحمار من الخلافة، وكان سليمان بمدينة الرصافة، ووقع له مع مروان أمور وحروب. وفيها توفي الحكم بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي، وكان الوليد عقد له ولأخيه عثمان ولاية العهد بعده، وأستعمل الحكم هذا على دمشق وعثمان على حمص حتى عزلهما يزيد بن الوليد الناقص. وفيها توفي عبد العزيز بن عبد الملك بن مروان أبو الأصبع، وهو الذي تولى قتل الوليد بن يزيد، فولاه يزيد الناقص العهد بعد أخيه إبراهيم. وفيها توفي مالك بن دينار العابد الزاهد أبو يحيى البصري، أحد الأعلام الزهاد، قيل: إن أدم مالك المذكور كان في السنة بفلسين ملحاً، وكان يلبس إزار صوف وعباءة خفيفة وفي الشتاء فروةً، وكان ينسخ المصحف فى أربعة أشهر، وفي شهرته ما يغني عن الإطناب في ذكره. وفي هذه السنة أيضاً كان الطاعون بالشأم ومات فيه خلائق لا تحصى، وكان هذا الطاعون يسمى «بطاعون غراب» . ذكر الذين ذكر الذهبي وفاتهم على القاعدة المتقدم ذكرها في سنة ست وعشرين ومائة، قال: وتوفي إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، وبكير بن عبد الله بن الأشج على الأصح، وسعد بن إبراهيم في قول، وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهري، وعبد الكريم بن مالك الجزري، وعبد الله بن دينار المدني، وعمرو بن عبد الله أبو إسحاق السّبيعىّ، وعمير بن هانئ العنسي، ومالك بن دينار الزاهد في قولٍ، ومحمد ابن واسع في قول خليفة، ووهب بن كيسان أيضاً. أمر النيل- الماء القديم ذراعان وثلاثة أصابع، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً واثنا عشر إصبعا.

ذكر ولاية حوثرة بن سهيل على مصر

ذكر ولاية حوثرة بن سهيل على مصر هو حوثرة بن سهيل أخو عجلان «1» بن سهيل الباهلي أمير مصر، ولاه مروان الحمار على إمرة مصر بعد أن عزل عنها حفص بن الوليد المقدّم ذكره، وجهّز صحبته العساكر لقتال حفص بن الوليد، فخرج حوثرة من الشأم وسار منها بالعساكر حتى وصل إلى مصر في يوم الأربعاء لاثنتي عشرة ليلةً خلت من المحرم سنة ثمان وعشرين ومائة وزاد صاحب «البغية» فقال: ومعه سبعة آلاف فارس، وولاه مروان على الصلاة وعيسى بن أبى عطاء على الخراج. اهـ. ولما وصل حوثرة إلى مصر أجمع «2» جند مصر وأهلها على منعه من الدخول إلى مصر فأبى عليهم حفص بن الوليد ونهاهم عن ذلك فخافوا حوثرة وسألوه الأمان فأمنهم ونزل بظاهر الفسطاط، وقد اطمأنوا إليه، فخرج إليه حفص بن الوليد في وجوه الجند فقبض حوثرة عليهم وقيدهم وأوسع الجند سباً فانهزم الجند، فقام حوثرة من وقته ودخل إلى مصر ومعه عيسى بن أبي عطاء وهو على الخراج على عادته وحوثرة على الصلاة لا غير، وبعث حوثرة في طلب رؤساء مصر فجمعوا له فضرب أعناقهم وفيهم رجاء بن الأشيم الحميري «3» من كبار المصريين، ثم أخذ حفص بن الوليد فقتله وأخذ في تمهيد أمور مصر، وتم أمره إلى سنة إحدى وثلاثين ومائة [ثم] «4» عزله مروان الحمار عن إمرة مصر وبعثه إلى العراق لقتال الخراسانية دعاة بني العباس فقتل هناك، وكان استخلف على مصر أبا الجراح بشر بن أوس، وكان خروجه من مصر لعشر خلون من شهر رجب سنة إحدى وثلاثين ومائة، فكانت ولايته على مصر ثلاث سنين وستة أشهر، وولي مصر من بعده

المغيرة بن عبيد «1» الله الآتي ذكره. ولما توجه حوثرة إلى الشأم ووجهه مروان الحمار إلى العراق نجدةً لابن هبيرة فتوجه إلى العراق ووقع له بها أمور، ولم يزل مع مروان الحمار إلى أن انكسر مروان من أبي مسلم الخراساني صاحب دعوة بني العباس، وقيل: فقتل حوثرة هذا مع من قتل من أعوان بني أمية فإنه كان مولى لبني أمية ومن كبار أمرائهم، يقال: إنهم طحنوه طحناً لما ظفروا به حتى مات، فإنه كان شجاعاً مقداماً صاحب رأي وتدبير وقوّة وخبرة بالحروب. اهـ. وأما أمر حوثرة لما توجه إلى العراق لابن هبيرة فإنه وصل إليه وفي وصوله له قدم على يزيد «2» بن هبيرة ابنه داود منهزماً، فخرج يزيد بن هبيرة ومعه حوثرة هذا إلى نحو قحطبة في عدد كثير لا يحصى وساروا حتى نزلوا جلولاء «3» ، واحتفر ابن هبيرة الخندق الذي كانت العرب «4» اختفرته أيام وقعة جلولاء، وأقام به، وأقبل قحطبة إلى جهة ابن هبيرة فارتحل ابن هبيرة وحوثرة بمن معهما إلى الكوفة لقحطبة، وقدم حوثرة هذا أمامه في خمسة عشر ألفاً إلى الكوفة، وقيل: إن حوثرة لم يفارق يزيد بن هبيرة، وأرسل قحطبة طائفةً من أصحابه الى الأنبار وغيرها وأمرهم بإحدار ما فيها من السفن ليعبر الفرات فبعثوا إليه كل سفينة كانت هناك، فقطع قحطبة الفرات حتى صار في غربيه، ثم سار يريد الكوفة حتى انتهى إلى الموضع الذي فيه ابن هبيرة وحوثرة، وذلك في محرم سنة اثنتين وثلاثين ومائة لثمان مضين منه، وكان ابن هبيرة قد عسكر على فم الفرات من [أرض «5» ] الفلوجة «6» العليا على ثلاثة وعشرين فرسخاً من الكوفة، وكان قدم عليه أيضاً ابن ضبارة «7» نجدةً بعد حوثرة بن سهيل الباهلي المذكور، فقال حوثرة لابن هبيرة:

إن قحطبة قد مضى يريد الكوفة فاقصد أنت خراسان ودعه ومروان فإنك تكسره وبآلحرى أن يتبعك، قال ابن هبيرة: ما كان ليتبعنى ويدع الكوفة، ولكن الرأى أن أبادره إلى الكوفة، فعبر الدجلة من المدائن يريد الكوفة، واستعمل على مقدمته حوثرة المذكور وأمره أن يسير إلى الكوفة، والفريقان يسيران على جانبي الفرات، وقد قال قحطبة لأصحابه: إن الإمام أخبرني أن لي بهذا المكان وقعةً يكون النصر [فيها «1» ] لنا، ثم عبر قحطبة من مخاضة وقاتل حوثرة ومحمد بن نباتة فانهزم حوثرة ومحمد بن نباتة وأخوه ولحقوا بابن هبيرة، فانهزم ابن هبيرة بهزيمتهم ولحقوا بواسط وتركوا عسكرهم وما فيه من الأموال والسلاح وغير ذلك، وقيل: إن حوثرة كان بالكوفة فبلغه هزيمة يزيد بن هبيرة فسار إليه بمن معه. وأما أمر قحطبة فإنه فقد من عسكره بعد هزيمة عساكر ابن هبيرة، فقال أصحاب قحطبة: من عنده عهد من قحطبة فليخبر به، فقال مقاتل بن مالك العكي: سمعت قحطبة يقول: إن حدث بي حدث فالحسن ابني أمير الناس، فبايع الناس حميد بن قحطبة لأخيه الحسن، وكان قد سيره أبوه قحطبة في سرية؛ ثم أرسلوا إليه وأحضروه وسلموا إليه الأمر ثم بعثوا «2» على قحطبة فوجدوه في جدول هو وحرب بن سالم بن أحوز «3» قتيلين، فظنوا أن كل واحد منهما قتل صاحبه. وقيل: إن معن بن زائدة ضرب قحطبة على عاتقه فسقط في الماء فأخرجوه، فقال: شدوا يدي إذا أنا مت وألقوني في الماء لئلا يعلم الناس بقتلي ثم كونوا في أمركم، فوقع ذلك حتى انهزم «4» عسكر ابن هبيرة.

*** السنة الأولى من ولاية حوثرة بن سهيل على مصر وهي سنة ثمان وعشرين ومائة- فيها بعث إبراهيم العباسي أبا مسلم إلى خراسان وأمره على أصحابه وكتب إليهم بذلك، فأتاهم فلم يقبلوا منه، وخرج من قابل إلى مكة وأخبره أبو مسلم بذلك، ثم أرسله ثانياً كما سيأتي ذكره. وفيها توفي إسماعيل بن عبد الرحمن السدي صاحب التفسير والمغازي والسير، كان إماماً عارفاً بالوقائع وأيام الناس، من الطبقة الثانية من تابعي أهل الكوفة، وقيل: إنه مات سنة سبع وعشرين ومائة، وفيها توفي جابر بن يزيد الجعفي، من الطبقة الرابعة من تابعي أهل الكوفة وقد تكلم فيه وضعفه بعضهم. وفيها توفي حيىّ بن هانئ المعافري، أبو قبيل (وأبو قبيل بفتح القاف وكسر الموحدة) غزا أبو قبيل البحر مع جنادة والغرب في زمان معاوية، وكان شجاعاً ديناً متواضعاً، يخرج إلى السوق إلى حاجته بنفسه، روى عنه الليث بن سعد وغيره ومات بمصر. وفيها توفي سعيد بن مسروق الثوري أبو سفيان، من الطبقة الثالثة من تابعي أهل الكوفة، كان عالماً زاهداً. وفيها توفي عبد الواحد بن زيد أبو عبيدة واعظ البصرة، من الطبقة الرابعة من تابعي أهل البصرة، كان من الزهاد وكان يحضر مجالس مالك بن دينار. قال أبو نعيم: صلى عبد الواحد الغداة بوضوء العتمة أربعين سنة. وفيها توفي عثمان بن عاصم بن حصين «1» [أبو حصين «2» ] (بفتح الحاء) الأسدي، من الطبقة الرابعة من تابعى أهل الكوفة، قرئ القرآن عليه بمسجد الكوفة خمسين سنة. وفيها توفي يزيد بن أبي حبيب، من الطبقة الثالثة. من تابعي أهل مصر، وهو أول من أظهر بها الحلال والحرام والفقه، وإنما كانوا يتحدثون بالملاحم والفتن، وكان الليث بن سعد يثني عليه ويقول: ابن أبي حبيب سيّدنا.

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان واثنان وعشرون إصبعاً، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وإصبع واحد. *** السنة الثانية من ولاية حوثرة على مصر وهي سنة تسع وعشرين ومائة- فيها خرج بحضرموت طالب الحق عبد الله بن يحيى الكندىّ «1» الأعور، تغلب عليها واجتمع عليه الأباضية، ثم سار إلى صنعاء وبها القاسم بن عمر الثقفي فوقع بينهم قتال كثير، انتصر فيه طالب الحق وهرب القاسم وقتل أخوه الصلت، واستولى طالب الحق على صنعاء وأعمالها، ثم جهز إلى مكة عشرة آلاف وبها عبد الواحد ابن سليمان بن عبد الملك بن مروان فغلبوا على مكة وخرج «2» منها عبد الواحد المذكور. وفيها كتب ابن هبيرة أمير العراق «3» إلى عامر بن ضبارة فسار حتى أتى خراسان «4» وقد ظهر بها أبو مسلم الخراساني صاحب دعوة بني العباس في شهر رمضان، وكان قد ظهر هناك عبد الله بن معاوية الهاشمي فقبض عليه أبو مسلم وسجنه وسجن معه خلقاً من شيعته. وفيها توفي سالم بن أبي أمية أبو النضر مولى عمر بن عبيد الله ابن معمر التيمي، من الطبقة الرابعة من تابعي أهل المدينة، كان يفد على عمر بن عبد العزيز ويعظه، فقال له يوماً: يا أمير المؤمنين، عبد خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وأسكنه جنته عصاه مرة واحدة فأخرجه من الجنة بتلك الخطيئة الواحدة، وأنا وأنت نعصي الله كل يوم مراراً، ونتمنى على الله الجنة! وكانت وفاته بالمدينة.

ذكر من ذكر الذهبي وفاته في هذه السنة، قال: فيها توفي أزهر بن سعيد الحرازي بحمص، والحارث بن عبد الرحمن بالمدينة، وخالد بن أبي عمران التجيبي قاضي إفريقية، وسالم أبو النضر المدني، وعلي بن زيد بن جدعان التّيمىّ، وقيس ابن الحجاج السلفي، ومطر بن طهمان الوراق، ويحيى بن أبى كثير اليمانىّ، وبشر ابن حرب الندبي وآخرون. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وتسعة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وثلاثة عشر إصبعاً. *** السنة الثالثة من ولاية حوثرة بن سهيل على مصر وهي سنة ثلاثين ومائة- فيها اصطلح نصر بن سيار وجديع بن علي الكرماني على قتال أبي مسلم الخراساني، فدس أبو مسلم الخراساني إلى ابن علي الكرماني من خدعه واجتمعا وقاتلا نصر بن سيار فقوي جيش أبي مسلم الخراساني وتقهقر نصر بن سيار بين يديه، فأخذ أبو مسلم أثقاله ثم أخذ مرو وقتل عاملها شيبان الحروري «1» ، فأقبلت سعادة بني العباس وأخذ من يومئذ أمر بني أمية في إدبار، ثم استولى أبو مسلم في هذه السنة على أكثر مدن خراسان، ثم ظفر بعبد الله بن معاوية الهاشمي فقتله، ثم كتب نصر بن سيار إلى ابن هبيرة نائب العراق يستنجده ويستصرخ به إلى الخليفة مروان الحمار. وفيها استولى جيش طالب الحق على مكة، فكتب عبد الواحد أمير المدينة إلى الخليفة مروان الحمار يخبره بخذلان أهل مكة، ثم جهز جيشاً إلى مكة فبرز لحربهم أعوان

طالب الحق وعليهم أبو حمزة والتقى الجمعان بقديد «1» في صفر فانهزم جيش عبد الواحد وساق أبو حمزة فاستولى على المدينة أيضاً، وقتل يوم وقعة القديد هذه ثلثمائة نفس من قريش: منهم حمزة بن مصعب بن الزبير بن العوام، وابنه عمارة، وابن أخيه مصعب حتى قالت بعض النوائح: ما للزمان وما ليه ... أفنى قديد رجاليه ثم إن مروان الحمار بعث جيشاً عليه عبد الملك بن محمد بن عطية، فسار ابن عطية المذكور والتقى مع أبي حمزة مقدم عساكر طالب الحق فكسره، وقتل أبرهة الذي كان ولاه طالب الحق على مكة عند بئر ميمونة، فبلغ طالب الحق فأقبل من اليمن في ثلاثين ألفاً، فخرج إليه عبد الملك بن محمد المذكور بعساكر مروان فكانت بينهم وقعة عظيمة انهزم فيها طالب الحق، ثم ألتقوا ثانياً، وثالثاً قتل فيها طالب الحقّ فى نحو من ألف حضرمىّ، وبعث عبد الملك بن محمد برأسه إلى الخليفة مروان الحمار. وفيها كانت زلازل شديدة بالشام وأخربت بيت المقدس وأهلكت» أولاد شداد بن أوس فيمن هلك، وخرج أهل الشأم إلى البرية وأقاموا أربعين يوماً على ذلك، وقيل: كان ذلك في سنة إحدى وثلاثين ومائة. وفيها توفي الخليل ابن أحمد بن عمرو الفراهيدي أبو عبد الرحمن النحوىّ البصرىّ. قال ابن قرأوغلى: ولم يكن بعد الصحابة أذكى من الخليل هذا ولا أجمع، وكان قد برع في علم الأدب، وهو أول من صنف العروض، وكان من أزهد الناس. قلت: ولعل ابن قرأوغلى واهم في وفاة الخليل هذا، والذي أعرفه أنه كان في عصر أبي حنيفة وغيره. وذكر الذهبي وفاته في سنة ستين ومائة، وقال ابن

خلكان: كانت ولادته يعني الخليل في سنة مائة من الهجرة وتوفي في سنة سبعين ومائة وقيل خمس وسبعين ومائة، وقال ابن قانع في تاريخه المرتب على السنين: إنه توفي سنة ستين ومائة، وقال ابن الجوزي في كتابه الذي سماه «شذور العقود» : إنه مات سنة ثلاثين ومائة وهذا غلط قطعاً، والصحيح أنه عاش لبعد الستين ومائة، ويقال: إنه كان له ولد فدخل عليه فوجده يقطع بيت شعر بأوزان العروض، فخرج إلى الناس فقال: إن أبي جن فدخلوا إليه وأخبروه، فقال مخاطبا لابنه: لو كنت تعلم ما أقول عذرتني ... أو كنت تعلم ما تقول عذلتكا لكن جهلت مقالتي فعذلتني ... وعلمت أنك جاهل فعذرتكا أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وثلاثة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وأربعة أصابع ونصف إصبع. *** السنة الرابعة من ولاية الحوثرة على مصر إلى شهر رجب، ومن رجب حكمها المغيرة بن عبيد الله الآتي ذكره وهي سنة إحدى وثلاثين ومائة- فيها كانت وقعة بين ابن هبيرة وبين عامر بن ضبارة، فالتقوا بنواحي أصبهان في شهر رجب فقتل ابن ضبارة في المصاف. وذكر محمد بن جرير الطبري: أن عامر بن ضبارة كان في مائة ألف، ثم بعث ابن هبيرة إلى مروان الحمار يخبره بقتله عامر بن ضبارة وطلب منه المدد فأمده بأمير مصر صاحب الترجمة حوثرة بن سهيل الباهلي بعد أن عزله عن إمرة مصر وبعثه في عشرة آلاف من قيس، ثم تجمعت جيوش مروان الحمار بنهاوند وعليهم مالك ابن أدهم فضايقهم قحطبة أربعة أشهر حتى خرجوا بالأمان في شوال، ثم قتل قحطبة وجوهاً من عسكر أهل مصر، ثم أقبل قحطبة يريد العراق فخرج إليه متوليها ابن هبيرة

وانضم إليه المصريون والمنهزمون حتى صار في ثلاثة وخمسين ألفاً ونزل جلولاء، ونزل قحطبة في آخر العام بخانقين «1» ، فوقع بين الطائفتين عدة وقائع وبقوا على ذلك إلى السنة الآتية. وفيها كان الطاعون العظيم، هلك فيه خلق كثير، حتى قيل: إنه مات في يوم واحد سبعون ألفاً قاله ابن الجوزي، وكان هذا الطاعون يسمى: «طاعون أسلم بن قتيبة» . قال المدائني: كان بالبصرة في شهر رجب واشتد في رمضان ثم خف في شوال وبلغ كل يوم ألف جنازة، وهذا خامس عشر طاعوناً وقع في الإسلام حسبما تقدم ذكره في هذا الكتاب، قال المدائني: وهذا كله في دولة بني أمية، بل نقل بعض المؤرخين أن الطواعين في زمن بني أمية كانت لا تنقطع بالشأم حتى كان خلفاء بني أمية إذا جاء زمن الطاعون يخرجون إلى الصحراء، ومن ثم اتخذ هشام بن عبد الملك الرصافة منزلاً، وكانت الرصافة بلدة قديمة للروم، ثم خف الطاعون في الدولة العباسية، فيقال: إن بعض أمراء بني العباس بالشأم خطب فقال: احمدوا الله الذي رفع عنكم الطاعون منذ ولينا عليكم، فقام بعض من له جرأة فقال: إن الله أعدل من أن يجمعكم علينا والطاعون اهـ. وفيها تحول أبو مسلم الخراساني عن مرو ونزل نيسابور واستولى على عامة خراسان. وفيها توفي واصل بن عطاء أبو حذيفة البصري مولى بني مخزوم، وقيل: مولى بني ضبة، ولد سنة ثمانين بالمدينة، وكان أحد البلغاء لكنه كان يلثغ بالراء يبدلها غيناً، وكان لاقتداره على العربية وتوسعه في الكلام يتجنب الراء في خطابه، وفي هذا المعنى يقول بعض الشعراء: وجعلت وصلي الراء لم تنطق به ... وقطعتني حتى كأنك واصل

ذكر ولاية المغيرة بن عبيد الله على مصر

وواصل هذا هو رأس المعتزلة، والخوارج لما كفرت بالكبائر، قال واصل: بل الفاسق لا مؤمن ولا كافر منزلة «1» بين المنزلتين، فلذلك طرده الحسن البصري، عن مجلسه، فجلس عند واصل عمرو بن عبيد واعتزلا مجلس الحسن البصري فمن يومئذ قيل لهم: المعتزلة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وتسعة أصابع، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وأربعة أصابع. ذكر ولاية المغيرة بن عبيد الله على مصر هو المغيرة بن عبيد الله بن المغيرة بن عبيد الله بن سعد «2» بن حكم «3» [بن مالك «4» ] بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جوية بن لوذان بن ثعلبة بن [عدي «5» ] بن فزارة الفزاري. وقال صاحب «البغية» : المغيرة بن عبيد الله بن مسعدة خالف فى الجدّ. اهـ. ولاه الخليفة مروان الحمار على مصر «6» بعد عزل حوثرة وتوجهه إلى العراق نجدةً لابن هبيرة، فقدم المغيرة إلى مصر في سادس عشر من شهر رجب سنة إحدى وثلاثين ومائة على الصلاة. وقال صاحب «البغية» : ولاه مروان بن محمد على الصلاة فقدم يوم الأربعاء لست بقين من رجب سنة إحدى وثلاثين ومائة فجعل على شرطته ابنه عبد الله وكان ليناً محبباً للناس. وقال غيره: ولما دخل مصر أقام بها مدة يسيرة وخرج إلى الإسكندرية واستخلف على صلاة مصر أبا الجراح الحرشي «7» ، ثم عاد بعد مدة ولم تطل مدته،

وتوفي يوم السبت ثاني عشر جمادى الأولى سنة اثنتين وثلاثين ومائة واستخلف ابنه الوليد بن المغيرة على إمرة مصر وصلاتها فلم يقره الخليفة مروان الحمار على ذلك، وولي مصر عبد الملك بن مروان بن موسى، فكانت ولاية المغيرة على مصر عشرة أشهر إلا أياماً ثلاثة «1» . وقال صاحب «البغية» : وتوفي يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى وذكر السنة، فكانت ولايته عشرة أشهر، فأجمع الجمع على أن يولوا عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج على الشرطة إلى أن يأتي أمر مروان ابن محمد، وانصرف الوليد للنصف من جمادى الآخرة، وكان المغيرة ديناً فاضلاً عدلاً محبباً للرعية، وهو أجل أمراء بني أمية وولي لهم الأعمال الجليلة، وحضر وقعة شهرزور، لما وجه قحطبة أبا عون عبد الملك بن يزيد الخراساني ومالك بن طريف «2» الخراشي فى أربعة آلاف الى شهرزور وبها عثمان بن سفيان، والمغيرة هذا على مقدمة عبد الله بن مروان بن محمد فنزلوا «3» على فرسخين من شهرزور وقاتلوا عثمان وانهزم عثمان وقتل، وقام أبو عون ببلاد الموصل، وقيل إن عثمان لم يقتل وهرب هو والمغيرة هذا إلى عبد الله بن مروان وغنم أبو عون عسكره وقتل من أصحابه مقتلة عظيمة، ثم سير خطبة العساكر إلى أبي عون فاجتمع معه ثلاثون ألفاً، ولما بلغ مروان الخليفة خبر أبي عون سار بنفسه بجميع عساكر ممالكه وأقبل نحو أبي عون فوقع له حروب وأمور يطول شرحها.

ذكر ولاية عبد الملك بن مروان على مصر

ذكر ولاية عبد الملك بن مروان على مصر هو عبد الملك بن مروان بن موسى بن نصير اللخمي أمير مصر، ولاه الخليفة مروان بن محمد بن مروان المعروف بالحمار على الصلاة والخراج معاً بعد موت المغيرة ابن عبيد الله الفزاري، وكان عبد الملك هذا قد ولي خراج مصر قبل أن يلي الإمرة والصلاة، فلما مات المغيرة جمع له مروان الخراج والصلاة، وذلك في جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاثين ومائة، ولما تم أمره جعل أخاه معاوية على الشرطة، ثم ولى عكرمة بن عبد الله الخولاني، ثم إن عبد الملك المذكور أمر باتخاذ المنابر في الجوامع ولم يكن قبل ذلك منبر، وإنما كانت ولاة مصر يخطبون على العصي إلى جانب القبلة، ثم خرج عليه قبط مصر بعد ذلك واجتمعوا «1» على قتاله فحاربهم وقتل كثيراً منهم وانهزم من بقي [منهم «2» ] ثم خالف بعد ذلك في أيامه عمرو بن سهيل بن عبد العزيز بن مروان على مروان الحمار ودعا لنفسه واجتمع عليه جمع من قيس في الحوف الشرقي من أعمال مصر، فبعث إليهم عبد الملك هذا [بجيش «3» ] فلم تقع بينهم حرب، وبينما هم في ذلك إذ قدم عليهم الخليفة مروان الحمار من أرض الشام وقد انهزم من أبي مسلم الخراساني صاحب دعوة بني العباس في يوم الثلاثاء لثمانٍ بقين من شوال، وقيل لثلاث بقين من شوال سنة اثنتين وثلاثين ومائة. ولما دخل مروان مصر وجد أهل الحوف الشرقي من بلاد مصر وأهل الإسكندرية [والصعيد «4» ] قد صاروا مسودة- أعني صاروا من أعوان بني العباس ولبسوا السواد- فعزم مروان الحمار على تعدية النيل فعدى إلى الجيزة وأحرق الجسرين والدار المذهبة «5» وبعث بجيش إلى الاسكندرية

فاقتتلوا مع من كان بها بالكريون «1» ، وبينما هو في ذلك خالفت القبط، فبعث إليهم مروان من قاتلهم أيضاً وهزمهم، ثم بعث جيشاً إلى الصعيد، وبينما هو في ذلك قدم صالح بن علي بن عبد الله بن عباس في طلب مروان ومع صالح أبو عون عبد الملك بن يزيد، وكان قدوم عبد الملك إلى الديار المصرية في يوم الثلاثاء النصف من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائة المذكورة فلم يثبت مروان الحمار لصالح المذكور، وتوجه إلى بوصير بالجيزة ومعه عبد الملك صاحب مصر وغيره من حواشيه وأمرائه وأقار به من بني أمية، فلحقه صالح بها فالتقاه مروان الحمار بمن معه وقاتله حتى انهزم وقتل في يوم الجمعة لتسع بقين من ذي الحجة، ثم عاد صالح بن علي المذكور ودخل الفسطاط في يوم الأحد لثمان خلون من المحرم سنة ثلاث وثلاثين ومائة، وبعث برأس مروان إلى الشام والعراق وزالت دولة بني أمية. وأما عبد الملك بن مروان أمير مصر صاحب الترجمة فإنه كان لما ولي مصر أحسن السيرة ولم يفحش في حق بني العباس فأمنه صالح وأمن أخاه معاوية وعفا عنهما، ثم قتل حوثرة بن سهيل وحسان بن عتاهية اللذين كانا كل منهما ولي على مصر قبل عبد الملك، وعبد الملك هذا هو آخر أمير ولي مصر من قبل بني أمية وزالت في هذه السنة بقتل مروان الحمار دولة بني أمية، وبويع السفاح عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بالخلافة، وهو أول خلفاء بني العباس، ولا بد من ذكر كيفية انفصال دولة بني أمية وابتداء دولة بني العباس في هذه الترجمة فإن ذلك من أعظم ما يذكر من الوقائع وإن كان ذلك غير ما نحن فيه من شرط هذا الكتاب فنذكره على سبيل الاستطراد في ترجمة عبد الملك أمير مصر فإنه آخر من ولى من أمراء بنى أميّة.

ذكر بيعة السفاح بالخلافة

ذكر بيعة السفاح بالخلافة لما كان المحرم سنة اثنتين وثلاثين ومائة بلغ ابن هبيرة أمير العراقين لبني أمية أن قحطبة أحد دعاة بني العباس توجه نحو الموصل يريد الكوفة فرحل ابن هبيرة بأصحابه نحو الكوفة، وسار كل منهما حتى تواقعا، فجاءت قحطبة طعنة فوقع في الفرات فهلك ولم يعلم به قومه، وانهزم أيضاً أصحاب ابن هبيرة وغرق خلق منهم في المخايض. وقال بيهس بن حبيب: [قلت «1» ] لجمع الناس بعد أن جاوزنا الفرات: من أراد الشام فهلم فذهب معه جمع «2» من الناس، ونادى آخر: من أراد الجزيرة، فتبعه خلق، ونادى آخر: من أراد الكوفة، فذهب كل جند إلى ناحية «3» ، فقلت: من أراد واسط فهلم فاجتمعنا على ابن هبيرة وسرنا حتى دخلنا واسط يوم عاشوراء وأصبح وأصبحوا المسودة وقد فقدوا قائدهم قحطبة، ثم استخرجوه من الماء وأمروا عليهم ابنه الحسن فقصد بهم الكوفة فدخلوها يوم عاشوراء أيضاً وهرب متوليها من قبل بني أمية وهو زياد بن صالح، فاستعمل ابن قحطبة على الكوفة أبا سلمة الخلال ثم قصد واسط فنزلها وخندق على جيشه، فعبأ ابن هبيرة عساكره فالتقوا فانهزم عسكر ابن هبيرة وتحصنوا بواسط، وقتل في الوقعة حكيم بن المسيب الجدلي، ثم وثب أبو مسلم صاحب دعوة بني العباس على ابن الكرماني فقتله بنيسابور وجلس في دست الملك وخطب للسفاح وأخذ في أسباب بيعة السفاح بالخلافة، فلما كان يوم ثالث شهر ربيع الأول من سنة اثنتين وثلاثين ومائة بويع بالخلافة فى دار مولاهم الوليد

ابن سعد ولم ينتطح في ذلك عنزان، وبلغ ذلك خليفة الوقت مروان بن محمد بن مروان الأموي المعروف بالحمار، فسار من الشام فى مائة الف حتى نزل الرأس دون الموصل، فجهز السفاح عمه عبد الله بن علي في جيش فالتقى الجمعان على كشاف «1» في جمادى الآخرة فانكسر مروان وتقهقر إلى الجزيرة وقطع وراءه الجسر وقصد الشام ليتقوى «2» ويلتقي ثانياً بالمسودة، ودخل عبد الله بن علي العباسي الجزيرة فاستعمل عليها موسى بن كعب التميمي ثم طلب الشام مجداً، وأمده السفّاح بعمّه الآخر صالح ابن علي، فسار عبد الله حتى نزل دمشق فعجز مروان عن ملاقاته، وفر إلى غزة فحوصرت دمشق مدة ثم أخذت في شهر رمضان، وقتل خلق من بني أمية وجندهم لا يدخل تحت حصر، فلما بلغ مروان ذلك هرب إلى مصر ثم قتل في آخر السنة ببوصير حسبما ذكرناه، وهرب ابناه عبد الله وعبيد الله إلى النوبة، ووقع ما ذكرناه في ترجمة عبد الملك أمير مصر من قتل حوثرة وحسان وغير ذلك. قال محمد بن جرير الطبري: كان بدء أمر بني العباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر عنه، أعلم العباس عمه أن الخلافة تؤول إلى ولده، فلم يزل ولده يتوقّعون ذلك. وعن رشيد «3» بن كريب أن أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية خرج إلى الشام فلقي محمد بن علي بن عبد الله بن عباس فقال: يا بن عم، إن عندي علماً أريد أن أبديه إليك فلا تطلعن عليه أحداً، إن هذا الأمر الذي يرتجيه الناس فيكم، قال: قد علمته فلا يسمعنه منك أحد. وروى المدائني عن جماعة أن الإمام محمد بن علي بن عبد الله بن عباس قال: لنا ثلاثة أوقات: موت يزيد بن معاوية، ورأس المائة، وفتق بإفريقية، فعند

ذلك يدعو لنا دعاة ثم تقبل أنصارنا من المشرق حتى ترد خيولهم المغرب؛ فلما قتل يزيد بن أبي مسلم بإفريقية ونقضت البربر، بعث محمد الإمام رجلاً إلى خراسان وأمره أن يدعو إلى الرضى من آل محمد صلى الله عليه وسلم ولا يسمي أحداً ثم توجه أبو مسلم وغيره وكتب إلى النقباء فقبلوا كتبه، ثم وقع في يد مروان الحمار كتاب إبراهيم بن محمد الإمام إلى أبي مسلم، جواب كتاب يأمره بقتل كل من يتكلم بالعربية بخراسان فقبض مروان على إبراهيم، وقد كان مروان وصف له صفة السفاح التي كان يجدها في الكتب، فلما جيء بإبراهيم قال: ليست هذه الصفة التي وجدت، ثم ردهم وشرع في طلب الموصوف له، فإذا بالسفاح وإخوته وعمومته قد هربوا إلى العراق، فيقال: إن إبراهيم كان قد نعى إليهم نفسه وأمرهم بالهرب فساروا حتى نزلوا في الحميمة «1» في أرض البلقاء، ثم قدموا الكوفة فأنزلهم أبو سلمة الخلال دار الوليد بن سعد، فبلغ الخبر أبا الجهم، فاجتمع بموسى بن كعب وعبد الحميد بن ربعي وسلمة بن محمد وإبراهيم بن سلمة وعبد الله الطائي وإسحاق بن إبراهيم وشراحيل [وعبد الله «2» ] بن بسام وجماعة من كبار شيعتهم، فدخلوا على آل العباس فقالوا: آيكم عبد الله بن محمد ابن الحارثية؟ فأشاروا إلى السفاح فسلموا عليه بالخلافة، ثم خرج السفاح يوم جمعة على برذون أبلق فصلى بالناس بالكوفة ثم عاد السفاح إلى المنبر ثانياً وقال: الحمد لله الذي اصطفى الإسلام لنفسه فشرفه، وكرمه وعظمه، واختاره لنا، وأيده بنا، وجعلنا أهله وكهفه وحصنه، والقوام به والذابين عنه. ثم ذكر قرابتهم في آيات من القرآن الشريف إلى أن قال: فلما قبض الله نبيه قام بالأمر أصحابه الى أن وتب بنو حرب وبنو مروان، فجاروا واستأثروا فأملى الله لهم حيناً حتى أسفوه فانتقم منهم

بأيدينا، ورد علينا حقنا، ليمن بنا على الذين استضعفوا في الأرض، وختم بنا كما افتتح بنا؛ وما توفيقنا أهل البيت إلا بالله. يأهل الكوفة، أنتم محل محبتنا، ومنزل مودتنا؛ أنتم الذين لم تتغيروا «1» عن ذلك ولم يثنكم عنه تحامل أهل الجور، فأنتم أسعد الناس بنا، وأكرمهم علينا، وقد زدت في أعطياتكم مائة «2» مائة فاستعدوا فأنا السفاح المبيح والثائر المبير «3» . وكان السفاح موعوكاً فجلس، فقام عمه داود بن علي فخطب وأبلغ وقال: إن أمير المؤمنين نصره الله نصراً عزيزاً إنما عاد إلى المنبر لأنه كره أن يخلط بكلام الجمعة غيره، وإنما قطعه عن استتمام الكلام شدة الوعك فادعوا له بالعافية، فقد أبدلكم الله بمروان عدو الرحمن وخليفة الشيطان المتّبع لسلفه المفسدين فى الأرض الشابّ المتكهّل وسماه، فضج الناس له بالدعاء «4» . وأما إبراهيم بن محمد (أعني أخا السفاح) الذي وقع له مع مروان ما ذكرناه، فإن مروان قتله بعد ذلك غيلة، وقيل: بل مات في السجن بحران بالطاعون، انتهى ما أوردناه من انفصال الدولتين *** السنة الأولى من ولاية عبد الملك بن مروان بن موسى على مصر وهي سنة اثنتين وثلاثين ومائة- فيها كانت وقائع كثيرة بالعراق وغيره قتل فيها خلائق، ففي المحرم كانت الوقعة بين قحطبة وابن هبيرة حسبما تقدم ذكره في أول بيعة السفاح. وفيها في ثالث شهر ربيع الأول بويع السفاح عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله

ابن عباس بالخلافة، وقد تقدم أيضاً. وفيها كانت قتلة مروان الحمار، وقد تقدم ذكره أيضا، وهو مروان بن محمد بن مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس آخر خلفاء بني أمية، وكنيته أبو عبد الملك، القائم بحق الله، وأمه أم ولد كردية، كان يعرف بالحمار وبالجعدي، وتسميته بالجعدي نسبة لمؤدبه جعد بن درهم، وبالحمار، يقال فلان أصبر من حمار في الحروب، ولهذا لقب بالحمار، فإنه كان لا يفتر عن محاربة الخوارج، وقيل: سمي بالحمار لأن العرب تسمّى كل مائة سنة حمارا، فلما قارب ملك بني أمية مائة سنة لقبوا مروان هذا بالحمار، وأخذوا ذلك من قوله تعالى في موت حمار العزيز: وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ ... الآية وكان مولد مروان الحمار سنة اثنتين وسبعين بالجزيرة وأبوه متول عليها من قبل ابن عمه الخليفة عبد الملك بن مروان، فنشأ مروان في دولة أقار به وولي الولايات الجليلة، وافتتح عدة فتوحات حتى وثب على الأمر بعد إبراهيم بن الوليد، وبويع بالخلافة سنة سبع وعشرين ومائة، فلم يتهن بالخلافة لكثرة الحروب، وظهرت دعوة بني العباس وكان من أمرها ما كان وانقرض بموته دولة بني أمية. وفيها توفي خلائق يطول الشرح في ذكرهم ممن قتل في الحروب وأيضاً من أعوان بني أمية وغيرهم. وفيها توفي إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس أخو الخليفة السفاح لأبيه، وقد تقدم ذكر واقعته مع مروان الحمار في أمر الكتاب، وأمه أم ولد بربرية اسمها أسلم، وكان أبوه محمد أوصى إليه بالعهد فإنه كان بويع سراً فأدركته المنية، وكان شيعتهم يكاتبونه من خراسان حتى وقع له مع مروان ما حكيناه، وحبسه إلى أن مات في هذه السنة وقيل في الماضية، وبعد موته انضمت شيعته على عبد الله السفاح. وفيها قتل سعيد بن عبد الملك بن مروان أبو محمد، وكان يعرف بسعيد الخير، قتل بسيف عبد الله بن علي العباسي عم السفاح، وكان ديّنا خيّرا ولى لأقار به خلفاء بني أمية

ذكر ولاية صالح بن على العباسى الأولى على مصر

أعمالاً جليلة. وفيها توفي عبد الله بن عمر بن عبد العزيز بن مروان كان شجاعاً ديناً كريماً، وكان ولي العراق وحفر بالبصرة نهراً يعرف بنهر ابن عمر. وفيها توفّى محمد ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أبو عبد الملك الأنصاري، ولي قضاء المدينة. وفيها توفي محمد بن عبد الملك أخو سعيد لأبويه، تقدمت ترجمته في ولايته على مصر سنة خمس ومائة. وفيها توفي يزيد بن عمر بن هبيرة بن معاوية الأمير أبو خالد، وقيل أبو عمرو الفزاري، ولي الأعمال الجليلة وغزا القسطنطينية مع مسلمة بن عبد الملك وجمع له بين العراقين سنة ثلاث ومائة وكان خطيباً شاعراً شجاعاً، وكان السفاح أمنه فبعث إليه أبو مسلم الخراساني وحرضه على قتله فأمر بقتله فقتل هو وابنه داود وكاتبه عمر بن أيوب وعدة من مواليه. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وأربعة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وإصبع واحد. ذكر ولاية صالح بن علي العباسي الأولى على مصر هو صالح بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي العباسي، أول من ولي مصر من قبل خلفاء بني العباس، مولده بالسواد وقيل بالشراة «1» من أرض البلقاء سنة ست وتسعين من الهجرة، ولى مصر من قبل ابن أخيه أمير المؤمنين عبد الله السفاح بعد قتل مروان الحمار في أول محرم سنة ثلاث وثلاثين ومائة وقد تقدم ذكر قتاله مع مروان في ترجمة عبد الملك بن مروان بن موسى أمير مصر ولما ولي صالح مصر بعث ببيعة أهل مصر لأمير المؤمنين عبد الله السفاح، ثم أخذ صالح في إصلاح أمر مصر وقبض على جمع كثير من المصريين الأمويّين، منهم

عبد الملك بن مروان بن موسى أمير مصر وأخوه، وقتل كثيراً من شيعة بني أمية وحمل طائفة منهم إلى العراق وقتلوا بقلنسوة من أرض فلسطين، وأمر للناس بأعطياتهم للمقاتلة والعيال، وقسم الصدقات على الأيتام والمساكين وأبناء السبيل، وزاد في المسجد زيادة هائلة، وجعل على شرطته ابن هانئ» الكندي، ثم ورد عليه بعد مدة طويلة كتاب السفاح بإمارته على فلسطين والاستخلاف على مصر، فاستخلف على مصر أبا عون عبد الملك، وخرج منها في شعبان سنة ثلاث وثلاثين ومائة، وسار معه عبد الملك بن مروان بن موسى، الذي كان أمير مصر، مكرماً وعدة من أهل مصر- تأتي بقية ترجمة صالح بن علي هذا في ولايته الثانية على مصر إن شاء الله تعالى- فكانت ولاية صالح على مصر في هذه المرة سبعة أشهر وأياماً. *** السنة التي حكم فيها صالح على مصر وهي سنة ثلاث وثلاثين ومائة- فيها استعمل الخليفة السفاح على البصرة عمه سليمان بن علي، واستعمل على مكة خاله زياد بن عبيد الله، وعلى اليمن ابن خالة محمد بن زياد بن عبيد الله. وفيها وجه السفاح على إفريقية محمد بن الأشعث. وفيها خرج ببخارا شريك بن شيخ المهري «2» ، وكان قد نقم على أبي مسلم الخراساني تجبره فجهز إليه أبو مسلم جيشاً فحاربوه وقتلوه. وفيها خرج طاغية الروم قسطنطين بجيوشه وأخذ ملطية وهدم السور والجامع. وفيها قتل عبد الله بن علي عم السفاح الخليفة خلقا كثيرا من قواد بني أمية. وفيها توفي داود بن علي بن عبد الله بن العباس عم [الخليفة «3» ] السفاح، وكان ولي المدينة ومكة

ذكر ولاية أبى عون الأولى على مصر

وحج بالناس في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وهو أول أمير حج بالناس من بني العباس، وقتل داود هذا أيضاً في ولايته خلقاً من بني أمية وأعوانهم، ثم مات بعد أشهر، واستخلف حين احتضر على عمله ولده موسى، فاستعمل السفاح على مكة خاله زياداً المقدم ذكره، وموسى «1» بن داود على إمرة المدينة لا غير. وفيها قتل عبد الرحمن ابن يزيد بن المهلب بن أبي صفرة. وفيها قتل عبد الله بن علي عم السفاح ثعلبة وعبد الجبار ابني أبي سلمة بن عبد الرحمن. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وثمانية أصابع، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا وتسعة أصابع. ذكر ولاية أبي عون الأولى على مصر هو أبو عون، واسمه عبد الله وقيل عبد الملك بن يزيد الأمير أبو عون، أصله من أهل جرجان ولي صلاة مصر وخراجها باستخلاف صالح بن علي بن عبد الله بن العباس له في مستهل شعبان سنة ثلاث وثلاثين ومائة، واستمر أبو عون بمصر إلى أن وقع الوباء بها فخرج منها، واستخلف على مصر صاحب شرطته عكرمة بن عبد الله ابن عمرو بن قحزم (وقحزم بفتح القاف وسكون الحاء المهملة وفتح الزاي وبعدها ميم) ثم عاد أبو عون إلى مصر بعد الوباء وأقام بها إلى أن خرج منها ثانياً إلى دمياط في سنة خمس وثلاثين ومائة، واستخلف على مصر عكرمة أيضاً وجعل على الخراج عطاء بن شرحبيل. وفي هذه السنة خرج القبط عليه بسمنود بالوجه البحري من

أعمال مصر فبعث إليهم أبو عون جيشاً فحاربوهم وقتلوهم، وفي أيام أبي عون هذا سكنت أمراء مصر العسكر «1» . وسببه أنه لما قدم صالح بن علي العباسي وأبو عون هذا بجموعهم إلى مصر في طلب مروان الحمار نزلت عساكرهما الصحراء جنب جبل يشكر الذي هو الآن جامع أحمد بن طولون وكان فضاءً، فلما رأى أبو عون ذلك أمر أصحابه بالبناء فيه فبنوا وبنى هو به أيضاً دار الإمارة ومسجد عوف بجامع «2» العسكر، وعملت الشرطة «3» أيضاً في العسكر وقيل لها الشرطة العليا، وإلى جانبها بنى الأمير أحمد بن طولون جامعه «4» الموجود الآن، وسمي من يومئذ ذلك الفضاء

العسكر وصار منزلاً لأمراء مصر من بعد أبي عون وصار العسكر مدينة ذات أسواق ودور عظيمة، وفيه أيضاً بنى الأمير أحمد بن طولون بيمارستانه «1» ، وكان البيمارستان المذكور بالقرب من بركة قارون «2» التي صارت الآن كيماناً وبعضها بركة على يسار من مشى من حدرة ابن «3» قميحة يريد قنطرة السد، وعلى هذه البركة بنى كافور الإخشيدي داراً «4» صرف عليها مائة ألف دينار وسكنها، وزادت العمائر في العسكر إلى أن ولي أحمد بن طولون وقدم إلى مصر من العراق، فنزل على عادة الأمراء بدار الإمارة بالعسكر، فما زال بها أحمد بن طولون إلى أن بنى القصر والميدان «5»

بالقطائع «1» وتحول إليها، ودام بها إلى أن مات وولي ابنه خمارويه بن أحمد بن طولون وجعل دار الإمارة بالعسكر ديوان الخراج، يأتي ذكر ذلك في ترجمتهما إن شاء الله تعالى. فلما زالت دولة بني طولون وولي محمد بن سليمان الكاتب الأتي ذكره سكن بدار في العسكر عند المصلى القديمة حيث الكوم المطل الآن على قبر القاضي بكار «2» بن قتيبة، وما زالت الأمراء بعد ذلك تنزل بالعسكر إلى أن قدم القائد جوهر المعزي من المغرب إلى مصر وبنى القاهرة المعزّية فى سنة ثمان وخمسين وثلثمائة. انتهى أمر العسكر وسبب بنيانه باختصار، وهذا التعريف بالعسكر مقدمة لما يأتي بعد ذلك من سكن أمراء مصر به. وأما أبو عون فإنه لما أرسل وحارب القبط وقتلهم بسمنود عاد إلى مصر، وبينما هو كذلك في أموره ورد عليه كتاب الخليفة أبي العباس عبد الله السفاح بعزله وولاية صالح بن علي العباسي ثانياً على مصر على الصلاة والخراج، ومع ذلك ولاية فلسطين أيضاً والغرب، ثم وردت الجيوش من قبل السفاح مع صالح بن علي لغزو المغرب، وكانت ولاية أبي عون على مصر في هذه المرة الأولى ثلاث سنين إلا

أربعة أشهر، ويأتي بقية ترجمة أبي عون هذا في ولايته الثانية على مصر إن شاء الله تعالى. *** السنة الأولى من ولاية أبي عون على مصر وهي سنة أربع وثلاثين ومائة- على أنه حكم مصر أشهراً من سنة ثلاث وثلاثين ومائة التي ذكرناها فى حوادث صالح بن على. اهـ. فيها (أعني سنة أربع وثلاثين ومائة) تحول الخليفة السفاح من الحيرة ونزل الأنبار وسكنها. وحج بالناس في هذه السنة عيسى بن موسى العباسي. وفيها كانت حروب كثيرة من جهة ملك الصين وغيره كما هي عوائد أوائل الدول، والسفاح مشغول في تمهيد الممالك في هذه السنة والخالية. وأما عمال السفاح في هذه السنة: على الشأم عبد الله بن علي عم السفاح، وعلى مصر أبو عون صاحب الترجمة، وعلى الجزيرة وأذربيجان أخو الخليفة السفاح، وعلى ديوان الأموال خالد بن برمك، وعلى خراسان أبو مسلم الخراساني، وعلى البصرة سليمان بن علي عم السفاح. وفيها توفي يزيد بن يزيد «1» بن جابر الأزدي، كان من الزهاد الخائفين البكائين، أثنى عليه الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه. وفيها توفي يونس بن عبيد أبو عبد الله مولى عبد القيس من الطبقة الرابعة من تابعي أهل البصرة، كان يحدث ثم يقول: أستغفر الله ثلاثاً. وفيها كان الطاعون بالري وأعمالها ومات فيه خلق كثير. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستة أذرع وستة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا وعشرة أصابع.

*** السنة الثانية من ولاية أبي عون على مصر وهي سنة خمس وثلاثين ومائة- فيها خلع زياد طاعة الخليفة السفاح بما وراء النهر فتهيأ لحربه أبو مسلم الخراساني، وبعث نصر بن راشد إلى ترمذ «1» ليحصنها، فقاتلته طائفة من الخوارج، وسار أبو مسلم وحارب زياد بن صالح المذكور وقبض عليه. وذكر الذهبي هذه الواقعة في سنة خمس وثلاثين ومائة. وفيها أيضاً كانت حركة ملك الصين، وكان زياد بن صالح المذكور متولي سمرقند فتهيأ لقتاله وكتب إلى أبي مسلم الخراساني بذلك، ووقع لهم معه أمور وحروب إلى أن انهزم ملك الصين، كل ذلك قبل خروج زياد بن صالح عن الطاعة. وفيها توفيت رابعة «2» العدوية البصرية الزاهدة العابدة، وكانت مولاة لآل عتيك، وكان سفيان الثوري وأقرانه يتأدبون معها، وكانت رابعة تصلي الليل كله فإذا طلع الفجر هجعت في مصلاها هجعةً خفيفة حتى يسفر الفجر ثم تثب إلى الصلاة وتقول: يا نفس كم تنامين، وإلى كم لا تقومين «3» ؛ يوشك أن تنامين نومة لا تقومين منها إلا بصرخة «4» . وفيها قتل سليمان بن هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي، وكان سليمان مبايناً لمروان الحمار والتجأ لبنى العباس فأمنه السفاح وصار يجالسه، فأرسل إليه أبو مسلم الخراساني يقول: قد بقي من الشجرة الملعونة فرع، في كلام طويل، فلم يلتفت السفاح إلى كلامه فدس أبو مسلم إلى سديف الشاعر مالاً وقال له: قل في هذا المعنى شعراً، فأنشد سديف المذكور السفاح وأشار إلى سليمان:

ذكر ولاية صالح بن على العباسى ثانيا على مصر

لا يغرنك ما ترى من رجالٍ ... إن تحت الضلوع داءً دويا فضع السيف وارفع السوط حتى ... لا ترى فوق ظهرها أمويا فكان ذلك سبب قتله فضرب السفاح عنقه وعنق ولديه وصلبهم. وفيها توفي عطاء الخراساني البجلي أبو عثمان بن أبي مسلم ميسرة مولى المهلب بن أبي صفرة من الطبقة الثانية من تابعي أهل الشام، كان عالماً زاهداً فقيه أهل خراسان. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع واثنا عشر إصبعا، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وثلاثة أصابع. ذكر ولاية صالح بن علي العباسي ثانياً على مصر وليها ثانياً من قبل السفاح فقدم مصر بجيوش كثيرة من فلسطين لغزو بلاد المغرب، وكان قدومه إلى مصر في يوم خامس شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين ومائة، ولما دخل مصر أقر عكرمة على شرطته بالفسطاط وجعل على شرطته بالعسكر يزيد بن هانىء الكندي، وولى أبا عون المعزول عن إمرة مصر جيوش المغرب وقدمه صالح المذكور أمامه إلى نحو إفريقية، وكان خروج أبي عون بجيوشه إلى نحو المغرب في جمادى الآخرة من سنة ست وثلاثين وجهزت المراكب من إسكندرية إلى برقة، وبينما هم في ذلك قدم الخبر بموت أمير المؤمنين عبد الله السفاح في ذي الحجة واستخلاف أبي جعفر المنصور، فأقر أبو جعفر المنصور عمه صالح بن علي هذا على عمل مصر على عادته وكتب إلى أبي عون بالرجوع عن غزو إفريقية، فأرسل صالح إلى أبي عون بالخبر، فأقام أبو عون ببرقة أحد عشر شهراً ثم عاد إلى مصر بجيشه، فجهزه صالح هذا إلى فلسطين لحرب الخوارج بها، فسار أبو عون وحاربهم وهزمهم وقتل منهم مقتلة عظيمةً، وسير إلى مصر

منهم ثلاثة آلاف رأس، ثم خرج صالح بن علي بعد ذلك من مصر إلى فلسطين واستخلف ابنه الفضل على صلاة مصر، فسافر حتى بلغ بلبيس ثم رجع إلى مصر وأقام بها إلى أن خرج منها ثانياً لأربع خلون من شهر رمضان سنة سبع وثلاثين ومائة فلقى أبا عون فأمره على صلاة مصر وخراجها معاً ومضى إلى فلسطين، ودخل أبو عون الفسطاط لأربع بقين من شهر رمضان من سنة سبع وثلاثين ومائة وسكن العسكر ودام على إمرة مصر، واستمر صالح بن علي بفلسطين إلى أن أمره المنصور بالتوجه لغزو الروم في سنة ثمان وثلاثين ومائة فخرج صالح حتى نزل مرج دابق، وأقبلت جيوش الروم مع ملكهم قسطنطين في مائة ألف، فلقيه صالح هذا بالمسلمين ونصره الله تعالى على الروم فقتل منهم وسبى وغنم، ثم حج بالناس في سنة إحدى وأربعين ومائة ثم غزا الروم والصائفة غير مرة، وهو الذي بنى حصن دابق ومات وهو عامل حمص بقنسرين، وقيل مات بعين أباغ «1» ، وقد بلغ ثمانياً وخمسين سنة، واستخلف ابنه الفضل على حمص فأقره الخليفة أبو جعفر المنصور على ذلك، وكان صالح صالحاً فاضلاً، وله رواية أسند عن أبيه، وروى عنه ابناه إسماعيل وعبد الملك، وهو عم السفاح والمنصور. *** السنة الأولى من ولاية صالح بن علي العباسي الثانية على مصر وهي سنة ست وثلاثين ومائة- على أن أبا عون حكم منها أشهراً على مصر. فيها بايع أهل دمشق هاشم بن يزيد بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان لما بلغهم موت السفاح. وحكى الذهبي ذلك في سنة سبع وثلاثين ومائة اهـ، فتوجّه صالح ابن علي من فلسطين بالجيوش إلى الشام، فلما أظلهم صالح بالجيوش وهربوا ملك

صالح الشام بعد أمور صدرت. وفيها دعا عبد الله بن علي العباسي عم السفاح لنفسه وقال: إن السفاح قال: من انتدب لمروان الحمار فهو ولي عهدي من بعدي، وعلى هذا خرجت، فلما بلغ الخليفة أبا جعفر المنصور ذلك قال لأبي مسلم الخراساني: فإنما هو أنا وأنت؛ فسار أبو مسلم نحو عبد الله بن علي المذكور فوقع له معه وقعة هائلة كاد أن ينهزم فيها أبو مسلم، ثم كان النصر له وانهزم عبد الله ابن علي، فلما بلغ المنصور ذلك بعث لأبي مسلم الخراساني بولاية مصر والشأم معاً فأظهر أبو مسلم الغضب وقال: يوليني مصر والشام وأنا لي خراسان! وعزم على الشر، وقيل: بل شتم المنصور لما جاءه من عنده من يحصي الغنائم، وأجمع على الخلاف ثم طلب خراسان، وخرج المنصور إلى المدائن وكتب إلى أبي مسلم ليقدم عليه في طريقه، فرد عليه الجواب: إنه لم يبق لأمير المؤمنين عدو، وقد كنا نروي عن ملوك آل ساسان «1» أنه أخوف ما يكون الوزراء إذا سكنت الدهماء؛ فنحن نافرون من قربك، حريصون على الوفاء بعهدك ما وفيت، فإن أرضاك ذلك فإنا أحسن عبيدك، وإن أبيت نقضت ما أبرمت من عهدك «2» . فرد عليه المنصور الجواب يطمنه مع جرير بن يزيد البجلي، وكان واحد وقته فخدعه. وأما عبد الله بن علي وأخوه عبد الصمد، فقصد عبد الصمد الكوفة فاستأمن له عيسى بن موسى فأمنه المنصور، وتوجه عبد الله بن علي إلى أخيه سليمان بن علي متولي البصرة فاختفى عنده، والصحيح أن هذه الفتنة كان ابتداؤها في أواخر هذه السنة غير أن الوقعة والهرب كانا في سنة سبع وثلاثين ومائة. وفيها توفي الخليفة أمير المؤمنين أبو العباس عبد الله السفاح بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي العباسي، أول خلفاء بني العباس، مات في ذي الحجة وله ثلاث وثلاثون

سنة، وكانت خلافته أربع «1» سنين، فإنه ولي في سنة اثنتين وثلاثين ومائة قبل قتل مروان الحمار، وبه كان انقراض دولة بني أمية، وكان أبوه محمد بن علي، بويع بالخلافة قبل موته بسنتين «2» فلم يتم أمره، وعهد عند موته لابنه السفاح «3» هذا قبل أبي جعفر المنصور، وكان أسن من السفاح ولما مات [السفاح «4» ] هذا، ولي أخوه أبو جعفر المنصور الخلافة من بعده. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وثمانية أصابع، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعاً وثمانية أصابع. *** السنة الثانية من ولاية صالح بن علي العباسي على مصر وهي سنة سبع وثلاثين ومائة- فيها قدم الخليفة أبو جعفر المنصور الكوفة وتأخر بعده أبو مسلم الخراساني بأيام؛ وكانا تلك السنة معاً في الحج فأتاهما الخبر بموت السفاح وبخلافة المنصور. وقد ذكرنا خروج عبد الله بن علي العباسي على أبي جعفر المنصور في العام الماضى وهو وهم، وإن كان خروجه كان في آخر السنة الماضية فما واقعه أبو مسلم إلا في هذه السنة. اهـ. وفيها حج بالناس إسماعيل بن علي وهو أمير الموصل، وكان أمير المدينة في هذه السنة زياد بن علي، وأمير مكة العباس بن عبد الله، ومات في آخر السنة، فأضاف أبو جعفر المنصور مكة إلى زياد، وكان على

الكوفة عيسى بن موسى العباسي، وعلى البصرة سلمان بن علي عم المنصور، وعلى خراسان أبو داود، وعلى مصر صالح صاحب الترجمة، وعلى الجزيرة حميد بن قحطبة. وفيها قتل الخليفة أبو جعفر المنصور أبا مسلم الخراساني وولى أبا داود خالد بن إبراهيم خراسان عوضه، واسم أبي مسلم عبد الرحمن وهو صاحب دعوة بني العباس وأحد من قام بأمرهم حتى تم له ذلك ووطأ لهم البلاد وقتل العباد وقصة قتلته تطول. وكان أبو مسلم شاباً جباراً مقداماً شجاعاً عارفاً صاحب رأي وتدبير ودهاء ومكر وعقل وحذق، قيل إنه كان يجامع في السنة مرة واحدة مع كثرة جواريه، فقيل له في ذلك، فقال: يكفي الشخص أن يتجنن في السنة مرة. ويحكى أن أبا جعفر المنصور لما قتله أدرجه في بساط وطلب جعفر بن حنظلة، فقال أبو جعفر المنصور: ما تقول في أمر أبي مسلم؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إن كنت أخذت من رأسه شعرة فاقتل ثم اقتل، فقال المنصور: وفقك الله ها هو في البساط، فلما نظر إليه قتيلاً قال: يا أمير المؤمنين، هذا أول «1» خلافتك، فأنشد المنصور: فألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قر عيناً بالإياب المسافر «2» ثم أنشد المنصور ثانياً وبين يديه وجوه دولته وأعوان مملكته وأعيانها وأقاربه: زعمت أن الدين لا يقتضى ... فاستوف بالكيل أبا مجرم اشرب بكأس كنت تسقي بها ... أمر في الحلق من العلقم واختلف في اسم أبي مسلم واسم أبيه، فقيل: اسمه عبد الرحمن بن مسلم بن شقيرون بن إسفنديار، وقيل: عبد الرحمن بن عثمان بن يسار، وقيل: عبد الرحمن

ذكر ولاية أبى عون الثانية على مصر

ابن محمد، وسماه أبو بكر الخطيب إبراهيم بن عثمان بن يسار بن سدوس بن جودر «1» من ولد يزدجرد «2» ، وقيل: إنما سماه عبد الرحمن الإمام إبراهيم بن محمد بن علي العباسي، وكناه: أبا مسلم، وكانت كنيته: أبا اسحاق، وكان مولده سنة مائة بأصبهان. اهـ. وفيها توفي صفوان بن صالح بن صفوان أبو عبد الملك الدمشقي الثقفى ولد سنة ست وسبعين، وكان فقيهاً زاهداً عابداً، وكان يؤذن بجامع دمشق. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وستة أصابع، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعاً وستة أصابع. ذكر ولاية أبي عون الثانية على مصر كانت ولايته هذه الثانية على مصر من قبل صالح بن علي العباسي لما توجه إلى فلسطين كما تقدم ذكره، ثم أقره الخليفة أبو جعفر المنصور على إمرة مصر على صد؟؟؟ ها وخراجها معاً، وكان يوم دخول أبي عون المذكور إلى مصر يوم سادس عشرين شهر رمضان من سنة سبع وثلاثين ومائة، وجعل على شرطته عكرمة بن عبد الله وعلى الدواوين عطاء بن شرحبيل، ودام أبو عون على صلاة مصر وخراجها معاً إلى أن قدم الخليفة أبو جعفر المنصور إلى بيت المقدس، فكتب بطلب أبي عون المذكور إلى عنده ببيت المقدس وأمره بأن يستخلف على مصر، فاستخلف أبو عون المذكور عكرمة على الصلاة وعطاء بن شرحبيل على الخراج، وخرج من مصر في النصف من شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ومائة، فلما وصل أبو عون إلى المنصور ببيت المقدس عزله عن إمرة مصر وولى عليها موسى بن كعب، فكانت ولايته

هذه الثانية على مصر ثلاث سنين وستة أشهر، ودام أبو عون في صحبة الخليفة أبى جعفر المنصور، وحضر وقعة الراوندية مع المنصور، والراوندية: قوم من أهل خراسان على رأي أبي مسلم صاحب الدعوة يأتي ذكرهم في الحوادث في سنة الواقعة مع المنصور. *** السنة الأولى من ولاية أبي عون الثانية على مصر وهي سنة ثمان وثلاثين ومائة- فيها بعث أبو جعفر المنصور لقتال ملبد الشيباني خازم بن خزيمة، فسار خازم في ثمانية آلاف فارس، وكان ملبد هذا قد خرج على المنصور من أول خلافته فالتقوا فقتل ملبد بعد حروب كثيرة. وفيها غزا صالح بن علي الروم على دابق «1» ، وقد تقدم ذكر ذلك في ترجمته وأخذ ملطية، وكانت الروم أخذوها من مدة سنين. وفيها حج بالناس الفضل بن صالح بن علي العباسي من الشام من عند أبيه. وفيها توفّى زيد ابن واقد الدمشقي؛ وفيها ظهر عبد الله بن علي العباسي وبعث بالبيعة مع أخيه سليمان متولي البصرة إلى أبي جعفر المنصور فأمنه أبو جعفر المذكور وعفا عنه. وفيها دخل عبد الرحمن «2» بن معاوية الأموي إلى الأندلس واستولى عليها وامتدت أيامه وبقيت الأندلس في يد أولاده إلى بعد الأربعمائة، وكان هرب من بني العباس إلى المغرب ودخل الأندلس، فسمي بعبد الرحمن الداخل، يأتي ذكره وذكر أولاده من بعده في عدة أماكن من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. وذكر الذهبي وفاة جماعة كثيرة في هذه السنة، قال: وتوفي زيد بن واقد القرشي بدمشق، وسهيل بن أبي صالح في قولٍ، وسليمان بن فيروز أبو إسحاق

الشيباني «1» في قول، والعلاء بن عبد الرحمن المدني، وعبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله المخزومي في قول، وعلقمة بن أبي علقمة في قول، وعمرو بن أبي عمرو مولى المطلب في قول، وليث بن أبي سليم في قول «2» ، والمسور بن رفاعة القرظي المدني. أمر النيل في هذه السنة الماء القديم ثلاثة أذرع وأربعة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وسبعة أصابع. *** السنة الثانية من ولاية أبي عون الثانية على مصر وهي سنة تسع وثلاثين ومائة- فيها حج جعفر بن حنظلة البهراني «3» فأتى ملطية وهي خراب فعسكر بها، وأقبل الأمير عبد الواحد فنزل على ملطية فزرع أرضها وطبخ كلساً لبناء سورها، ثم خرج عنها لأمرٍ اقتضى ذلك، فأرسل طائفة الروم من أحرق الزرع. وفيها خرج الأمير صالح بن علي المقدم ذكره والعباس بن محمد فأوغلا في بلاد الروم، وغزتا معهما أم عيسى ولبابة أختا الأمير صالح بن علي المذكور وعمتا المنصور الخليفة، وكانتا نذرتا إن زال ملك بني أمية أن تجاهدا في سبيل الله، وبعد هذا العام لم يكن غزو إلى سنة ست وأربعين ومائة لاشتغال الخليفة المنصور بخروج ابني عبد الله بن الحسن عليه. وفيها عزل المنصور عمه سليمان بن علي عن البصرة وولّى عليها سفيان ابن سعيد. وفيها اختفى عبد الله بن علي وابنه خوفاً على أنفسهما، وعبد الله هذا هو الذي كان خرج على المنصور وأختفي عند أخيه سليمان الذي عزل عن البصرة في هذا العام ثم ظفر به المنصور وسجنه. وفيها حج بالناس العباس ابن أخي المنصور.

وفيها في قول صاحب المرآة: وصل عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك ابن مروان إلي جزيرة الأندلس وملكها، ويسمى عبد الرحمن الداخل، وكنيته أبو المطرف «1» ، وأمه أم ولدٍ وبويع بالأندلس في هذه السنة، وهو أول الخلفاء من بني أمية وأقام عليها ثلاثاً وثلاثين سنة، وقد تقدم ذكر عبد الرحمن هذا في الماضية في قول الذهبي. وفيها وسع الخليفة أبو جعفر المنصور المسجد الحرام مما يلي دار الندوة. وفيها توفي عثمان بن عبد الأعلى بن سراقة الأزدي قاضي دمشق في أيام الوليد بن يزيد. وفيها توفي عمرو بن مهاجر بن دينار أبو عبيد، من الطبقة الرابعة من تابعي أهل الشام. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وأحد عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة أربعة عشر ذراعاً وعشرون إصبعاً. *** السنة الثالثة من ولاية أبي عون الثانية على مصر وهي سنة أربعين ومائة- فيها بنى المصيصة «2» جبريل بن يحيى وسكنها الناس. وفيها ثار جمع من جند خراسان على أميرها أبي داود خالد بن إبراهيم ليلاً حتى وصلوا إلى داره فأشرف عليهم وجعل ينادي أصحابه فانكسرت به آجرة فوقع من أعلى داره فانكسر ظهره ومات من الغد، فبعث الخليفة أبو جعفر المنصور على إمرة خراسان عوضه عبد الجبار بن عبد الرحمن

الأزدي، فسار المذكور وقبض على جماعة من أهل خراسان وقتلهم. وفيها توجه الأمير عبد الوهاب بن إبراهيم بن محمد العباسي ابن أخي الخليفة أبي جعفر المنصور إلى ملطية فأقام بها سنة حتى بناها ورم شعثها وأسكنها الناس. وفيها حج بالناس الخليفة أبو جعفر المنصور وعاد من الحج فزار بيت المقدس وسلك الشأم في طريقه ونزل الرقة فقتل بها منصور بن جعفر العامري ثم سار إلى الهاشمية وهي مدينة الكوفة وأمر بالشروع فى بناء مدينة بغداد واختطّها. وذكر الذهبي بناء بغداد في سنة خمس وأربعين ومائة قال: وفي هذه السنة أسست مدينة السلام بغداد وهي التي تدعى مدينة المنصور، سار المنصور يطلب موضعاً يتخذه بلداً فبات ليلةً موضع القصر، فطاب له المبيت ولم ير إلا ما يحب، فقال: ها هنا ابنوا فإنه طيب ويأتيه مادة الفرات ودجلة والأنهار، فخط بغداد ووضع أول لبنة بيده وقال: بسم الله وبالله والحمد لله ابنوا على بركة الله؛ وسأل راهباً هناك عن أمر الأرض وصحتها وقال: هل تجدون في كتابكم «1» أن تبنى ها هنا مدينة؟ قال: نعم؛ يبنيها مقلاص «2» ، قال: فأنا «3» كنت أدعى بذلك، وطلب المنصور الصناع والفعلة من البلاد وأحضر المهندسين والحكماء والعلماء، وكان فيمن أحضر حجاج بن أرطاة وأبو حنيفة، ورسمت له بالرماد سورها وأبوابها وأسواقها، ثم بنيت حتى كمل المهم منها في عام والباقي في أربع سنين، وكانت بقعة بغداد مزرعة تدعى المباركة لستين نفسا فعوّضهم المنصور عنها وأرضاهم، وقيل: إنه ليس في الدنيا مدينة مدورة سواها، وعمل في وسطها دار المملكة بحيث إنه إذا كان في قصره كان

جميع أطراف البلد إليه سواء، وسكنها المنصور ونقل إليها خزائنه، وقيل سعتها مائة وثلاثون جريباً، وأنفق عليها مائة «1» ألف ألف درهم. وقال بدر المعتضدي قال لنا أمير المؤمنين: انظروا كم سعة مدينة المنصور؟ فحسبنا فإذا هي ميلان مكسران في ميلين، وقيل: مسافة ما بين كل باب وباب ألف ومائتا ذراع، وكلها مبنية بالآجر واللبن، واللبنة ذراع في ذراع، وزنتها مائة رطل وسبعة عشر رطلاً. ولها أربعة أبواب بين الباب والباب ثمانية وعشرون برجاً وعليها سوران، ثم بنى الجامع والقصر، وفي صدر القصر القبة الخضراء، ارتفاعها ثمانون ذراعاً، ودامت حتى سقط رأسها في ليلة مطر ورعد في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة؛ وكان لا يدخل هذه المدينة أحد راكباً سوى المنصور وابنه محمد المهدي «2» . وقال الصولي قال أحمد «3» بن أبي طاهر: ذرع بغداد- يعني الجديدة- ذرع الجانبين ثلاثة وخمسون ألف جريب، وفي نسخة أخرى غير رواية الصولي: أنها من الجانبين ثلاثة وأربعون ألف جريب وسبعمائة، قال الصولي وذكر ابن أبي طاهر: أن عدد حماماتها كانت ذلك الوقت ستين ألفاً، وقال: أقل ما يدير «4» كل حمام خمسة أنفس، وذكر أن بإزاء كل حمام خمسة مساجد. قال الذهبي: وكذا نقل الخطيب في تاريخه، وما أعتقد أنا هذا قط ولا عشر ذلك، ثم قال الخطيب: حدّثنى هلال بن الحسن «5» قال: كنت بحضرة جدّى إبراهيم

ذكر ولاية موسى بن كعب على مصر

ابن هلال الصابي فقال تاجر: يذكر أن ببغداد اليوم ثلاثة آلاف حمام فقال جدي: سبحان الله! هذا سدس ما كنا عددناه وحصرناه زمن الوزير المهلبي، ثم كانت في دولة عضد الدولة بن بويه خمسة آلاف. ونقل ابن خلكان أن استكمال بغداد كان في سنة تسع وأربعين ومائة، وهي بغداد القديمة التي بالجانب الغربي على دجلة، وبغداد اليوم هي الجديدة بالجانب الشرقي؛ وفيها دار الخلافة. انتهى كلام الذهبي وغيره باختصار. وقد خرجنا عن المقصود في هذا الكتاب لكثرة الفوائد. وفيها توفي منصور بن جعونة بن الحارث بن خالد العامري كان ممن خرج على بني العباس وامتنع عن بيعتهم. وذكر الذهبي وفاة جماعة في هذه السنة قال: وفيها توفي أيوب أبو العلاء القصاب، وداود «1» بن أبي هند في أولها، وأبو حازم سلمة «2» بن دينار الأعرج، وسهيل ابن أبي صالح، وسعد بن إسحاق بن كعب، وصالح بن كيسان، وعروة بن رويم. وقيل: وفيها توفي عمارة بن غزية الأنصاري، وعمرو «3» بن قيس السكوني الحمصي. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وثلاثة أصابع، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وعشرون إصبعا ونصف. ذكر ولاية موسى بن كعب على مصر هو موسى بن كعب الأمير أبو عيينة التميمي، أحد نقباء بني العباس، ولاه الخليفة أبو جعفر المنصور على إمرة مصر بعد عزل أبي عون، فدخل مصر

لأربع عشرة بقيت من شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين ومائة وسماه صاحب «البغية» موسى بن كعب بن عيينة. اهـ. قلت: وولي على صلاة مصر وخراجها معاً، ونزل العسكر المقدم ذكره وسكنه، وجعل على شرطته عكرمة بن عبد الله وباشر أمر مصر «1» بحرمة وافرة، ونهى الجند «2» أن «3» يتوجهوا إليه أو يتكلموا معه إلا في أمر مهم ولا يفعلوا به كما كانوا يفعلون بالأمراء من قبله، فانتهوا عنه حتى إنه لم يمكن «4» أحداً أن يجتاز ببابه إلا من له عنده حاجة أو أذن له في ذلك. وموسى هذا هو أول من بايع أبا العباس السفاح بالخلافة في مبدأ أمره وأخرجه إلى الناس، وكان هو القائم بأمر بني العباس مع أبي مسلم الخراساني، وكان موسى هذا يسافر إلى البلاد ويدعو الناس للقيام مع بني العباس حتى قبض «5» عليه أسد بن عبد الله القسري عامل خراسان يوم ذاك لبني أمية، فأمر به أسد فألجم بلجام وكسرت أسنانه وعوقب ثم أطلق بعد شدائد، فلما صار الأمر إلى بني العباس أمالوا الدنيا عليه، وكان قاسى الأهوال بسبب دعوتهم وعذب وحبس كما سيأتي ذكره، وكان يقول لما ولي مصر: كانت لنا أسنان وليس عندنا خبز، فلما جاء الخبز ذهبت الأسنان؛ وكان أبو جعفر المنصور يعظمه ويجل مقداره، وكان جعله على شرطته ثم ولاه مصر مكرهاً وأضاف له السند، فلم تطل مدته على إمرة مصر وعزله أبو جعفر المنصور في ذي القعدة كما سيأتي ذكره بمحمد بن الأشعث، وكتب إليه المنصور: إني عزلتك عن غير سخط، ولكن بلغني أن عاملاً «6»

يقتل بمصر يقال له موسى، فكرهت أن تكونه؛ فأخذ موسى كلام المنصور لغرض من الأغراض، فقتل بعد ذلك بسنين موسى بن مصعب، في خلافة محمد المهدي كما سيأتي ذكره إن شاء الله، ولما صرف موسى بن كعب عن إمرة مصر استخلف على الجند خالد بن حبيب وعلى الخراج نوفل بن الفرات، وخرج موسى هذا من مصر لست بقين من ذي القعدة سنة إحدى وأربعين ومائة، وكانت ولايته على مصر سبعة أشهر وأياماً، ولما خرج من مصر سار حتى قدم على الخليفة أبي جعفر المنصور فأكرم الخليفة نزله وولاه على الشرطة ثانياً، ومات بعد مدة يسيرة، وقيل: إنه توجه مريضاً فمات في أثناء قدومه ولم يل الشرطة ولا غيرها، وعلى القولين فأنه مات في هذه السنة رحمه الله تعالى. وأما أمر موسى هذا مع أسد وكان ذلك في سنة سبع عشرة ومائة فإنه كان خرج هو وسليمان بن كثير ومالك بن الهيثم ولاهرّ بن قريظ وخالد بن إبراهيم وطلحة ابن زريق فدعوا الناس لبني العباس، فظهر أمرهم فقبض عليهم أسد بن عبد الله وقال لهم: يا فسقة، ألم يقل الله تعالى: عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ فقال له سليمان بن كثير: نحن والله كما قال الشاعر: لو بغير الماء حلقى شرق ... كنت كالغصّان بالماء اعتصاري «1» صيدت والله العقارب بيديك. إنا أناس من قومك وإن المضرية رفعوا إليك هذا لأننا كنا أشدّ الناس على قتيبة ابن مسلم فطلبوا بثأرهم، فحبسهم وأطلق من كان معهم من أهل اليمن لأنه كان

منهم، وأراد قتل من كان من مضر، فدعا موسى بن كعب هذا وألجمه بلجام حمار وجذب اللجام فتحطمت أسنانه ودق وجهه وأنفه، ثم دعا لاهز بن قريظ وضربه ثلثمائة سوط «1» . *** السنة التي حكم فيها موسى بن كعب على مصر وهي سنة إحدى وأربعين ومائة فيها كان عزله وولايته. وفيها كانت وقعة الراوندية ببغداد، وهم قوم من خراسان على رأي أبي مسلم الخراساني، يقولون بتناسخ الأرواح، فيزعمون أن روح آدم عليه السلام حلّت فى عثمان بن نهيك، وأنّ المنصور هو ربهم، وأن الهيثم بن معاوية هو جبريل، وأتوا قصر المنصور وجعلوا يطوفون به، فقبض المنصور على مائتين منهم وحبسهم فغضب الباقون، فعمدوا إلى نعش فارغ وحملوه يزعمون أنها جنازة ومروا بها على باب السجن، فشدوا على أهل السجن بالسلاح حتى فتحوا باب السجن، وأخرجوا أصحابهم وقصدوا المنصور، فخرج إليهم المنصور على غفلة فكانت بينهم وقعة كاد المنصور أن يقتل فيها، وقتل عثمان بن نهيك بسهم ثم وضع المنصور فيهم السيف. وفيها عزل الخليفة أبو جعفر المنصور زياد بن عبيد الله «2» الحارثي عن مكة والمدينة والطائف وولى محمد بن خالد بن عبد الله القسري المدينة، وولى الهيثم بن معاوية مكة والطائف. وفيها توفي موسى بن عقبة بن أبي عياش المدني أبو محمد صاحب المغازي مولى أل الزبير بن العوام، ومغازيه في مجلد صغير، أدرك سهل بن سعد وحدث عن أم خالد بنت خالد وعن عروة وكريب وأبي سلمة بن عبد الرحمن والأعرج وحمزة بن عبد الله بن عمرو الزهري وخلقٍ، وحدث عنه ابن جريج والأمام مالك وعبد الله بن المبارك وابن عيينة وغيرهم.

ذكر ولاية محمد بن الأشعث على مصر

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وخمسة أصابع، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وثمانية أصابع. ذكر ولاية محمد بن الأشعث على مصر هو محمد بن الأشعث بن عقبة بن أهبان الخزاعي أمير مصر، وليها من قبل المنصور بعد عزل موسى بن كعب التميمي، ولاه أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور على الصلاة والخراج معاً وقدم مصر في يوم الاثنين خامس ذى الحجة من سنة إحدى وأربعين ومائة، وولى على شرطته المهاجر بن عثمان الخزاعي ثم عزله وجعل عوضه محمد بن معاوية الكلاعي مكانه. ولما استقر محمد بن الأشعث هذا في إمرة مصر، أرسل الخليفة أبو جعفر المنصور إلى نوفل بن الفرات أن يعرض على محمد بن الأشعث ضمان خراج مصر، فإن ضمنه فأشهد عليه وأشخص إلي الشهادة، وإن أبى فكن أنت على الخراج عادتك، فعرض نوفل على ابن الأشعث هذا الكلام فأبى من الضمان، فانتقل نوفل إلى الدواوين ففقد محمد بن الأشعث من عنده فسأل عنهم، فقيل له: هم عند صاحب الدواوين، فندم ابن الأشعث على ما وقع منه من ترك الخراج، ثم جهز ابن الأشعث جيشاً بعث به إلى المغرب فانهزم الجيش، وخرج ابن الأشعث يوم الأضحى سنة اثنتين وأربعين ومائة وتوجه إلى الإسكندرية واستخلف محمد بن معاوية صاحب شرطته على الصلاة ولم يكن إلا القليل وورد عليه البريد بعزله عن إمرة مصر، وولي مصر عوضه حميد بن قحطبة وذلك في أوائل سنة ثلاث وأربعين ومائة، وخرج محمد بن الأشعث بعد عزله عن مصر وتوجه إلى الخليفة المنصور فأكرمه أبو جعفر المنصور وجعله من أكابر أمرائه، ودام عنده حتى وجهه المنصور مع ابنه محمد المهدي إلى غزو الروم فتوجه محمد بن

الأشعث مع المهدي هو والحسن بن قحطبة، فمرض ابن الأشعث في أثناء الطريق ومات، فكانت ولايته على مصر سنة واحدة وشهراً واحداً، وكان عنده نباهةُ وشجاعة ومعرفة، وهو أحد أكابر أمراء بني العباس، وقد تقدم ذكره في عدة وقائع، منها واقعة جهور «1» بن مرار «2» العجلي، وأمره أنه خلع الخليفة المنصور بالري. وكان سبب ذلك أن جهوراً لما هزم سنباذ حوى ما كان في عسكره، وكان فيه خزائن أبي مسلم الخراساني فلم يوجهها إلى المنصور، ثم خاف من المنصور فخلعه من الخلافة، فوجه إليه أبو جعفر المنصور محمد بن الأشعث هذا في جيش عظيم، فسار محمد هذا إلى نحو الري، ففارقها جهور وسار نحو أصبهان، ودخل محمد الري وملك جهور أصبهان، فأرسل إليه محمد عسكراً وبقي هو بالري، فأشار على جهور بعض أصحابه أن يسير في نخبة من عسكره إلى جهة محمد بن الأشعث فإنه في قلة، فإن ظفر به فلم يكن [لمن «3» ] بعده بقية، فسار جهور إليه مجداً، وبلغ محمداً خبره فحذر واحتاط «4» وأتاه عسكر من خراسان فقوي بهم فالتقوا بقصر الفيروزان «5» بين الري وأصبهان فاقتتلوا قتالاً عظيماً، ومع جهور نخبة فرسان العجم، فهزم جهور وقتل من أصحابه خلق كثير، فهرب جهور ولحق بأذربيجان ثم قتل بعد ذلك بأسبار «6» قتله أصحابه وحملوا رأسه إلى أبي جعفر المنصور؛ ولمحمد هذا عدة مواقف وأمور يطول شرحها.

*** السنة التي حكم فيها محمد بن الأشعث على مصر وهي سنة اثنتين وأربعين ومائة- فيها خرج عيينة بن موسى متولي السند عن الطاعة، فخرج الخليفة أبو جعفر المنصور إلى البصرة وجهز عمرو بن حفص العتكي على السند لمحاربة ابن موسى المذكور، فسار وغلب على الهند والسند. وفيها نقض إصبهبذ طبرستان وقتل من بها من المسلمين، فانتدب لحربه خازم بن خزيمة وروح بن حاتم وأبو الخصيب مرزوق مولى المنصور، فحاصروه حتى ظفروا بالمدينة وقتلوا وسبوا «1» ، فلما رأى إصبهبذ ذلك مص سماً كان في خاتمه فهلك، وكان من جملة السبي شكلة أم إبراهيم ابن المهدى الآتى ذكرها وذكره فى الحوادث. وفيها ولى الخليفة أبو جعفر المنصور أخاه العباس بن محمد على الجزيرة. وفيها توفي حميد بن أبي حميد الطويل كان ثقة كثير الحديث، أسند عن أنس وغيره، وروى عنه الإمام مالك وغيره. وذكر الذهبي وفاة جماعة في هذه السنة، قال: وفيها توفي أسلم المنقرىّ، وحبيب بن أبى عمرة القصاب، والحسن بن عبيد الله، والحسن بن عمرو الفقيمى، وأبو هانئ حميد بن هانئ الخولاني المصري، وحميد الطويل في قول، وخالد الحذاء، وسعد بن إسحاق بن كعب في قول، والأمير سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس، وعاصم بن سليمان الأحول، وعمرو بن عبيد المعتزلي. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وإصبع واحد، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعاً وثلاثة عشر إصبعا.

ذكر ولاية حميد بن قحطبة على مصر

ذكر ولاية حميد بن قحطبة على مصر هو حميد بن قحطبة بن شبيب بن خالد بن معدان الطائي أمير مصر، وليها من قبل الخليفة أبي جعفر المنصور بعد عزل محمد بن الأشعث في أوائل سنة ثلاث وأربعين ومائة، جمع له أبو جعفر المنصور صلاة مصر وخراجها معاً، فدخل إلى مصر في عشرين ألفاً من الجند يوم الجمعة لخمسٍ خلون من شهر رمضان سنة ثلاث وأربعين ومائة، فجعل على الشرطة محمد بن معاوية بن بحير، وقبل أن تطول مدته بمصر ورد عليه عسكر آخر من قبل الخليفة لغزو إفريقية، وكان قدوم العسكر المذكور إلى مصر في شوال من السنة، فجهز حميد العساكر وجعل عليهم أبا الأحوص العبدي، وكان العسكر ستة آلاف فارس، فتوجه أبو الأحوص بمن معه من العساكر حتى التقى مع أبي الخطاب الأنماطي ببرقة فتقاتلا، فانهزم أبو الأحوص بمن معه إلى جهة الديار المصرية، فخرج حميد بن قحطبة بنفسه حتى وصل إلى برقة والتقى مع أبي الخطاب المذكور، فقاتله حتى هزمه وقتل أبا الخطاب المذكور وجماعة من أصحابه، ثم عاد إلى مصر منصوراً، فأقام بها إلى أن قدم إلى مصر علي بن محمد بن عبد الله ابن حسن بن الحسن داعيةً لأبيه فدس «1» إليه حميد هذا فتغيب، فكتب ذلك لأبي جعفر المنصور فغضب وصرفه عن إمرة مصر في ذي القعدة بيزيد بن حاتم،

فخرج حميد بن قحطبة من مصر لثمان بقين من ذى القعدة سنة أربع وأربعين ومائة، وكانت ولايته على مصر سنة واحدة وشهرين إلا أياماً. ولما خرج حميد بن قحطبة المذكور من مصر توجه إلى الخليفة أبي جعفر المنصور فأكرمه الخليفة وجعله من جملة أمرائه، ووجهه بعد ذلك لغزو إرمينية في سنة ثمان وأربعين ومائة فسار ثم عاد ولم يلق حرباً، ثم أرسله الخليفة أبو جعفر المنصور أيضاً في سنة اثنتين وخمسين ومائة لغزو كابل، ثم ولاه بعد ذلك إقليم خراسان مدة، ثم نقله إلى عمل خراسان فأقام بها مدة طويلة إلى أن مات في خلافة المهدي سنة تسع وخمسين ومائة، وكان أميراً شجاعاً مقداماً عارفاً بأمور الحروب والوقائع، وتنقل في الأعمال الجليلة، معظماً عند بني العباس، وقد تقدم ذكر ما حضره حميد هذا مع أبيه قحطبة من الوقائع في ابتداء دعوة بني العباس، ثم قام هو وأخوه الحسن بن قحطبة في دعوتهم، وقاتلوا جيوش مروان بن محمد؟؟؟ لى أن هزموه وتم أمر بني العباس؛ فعرفوا لحميد ذلك، وولوه الأعمال الجليلة إلى أن مات في التاريخ المقدم ذكره. *** السنة الأولى من ولاية حميد بن قحطبة على مصر وهي سنة ثلاث وأربعين ومائة- فيها بلغ المنصور أن الديلم قد أوقعوا بالمسلمين وقتلوا منهم خلائق، فندب أبو جعفر المنصور الناس للجهاد. وفيها عزل المنصور الهيثم عن إمرة مكة بالسري ابن عبد الله بن الحارث بن العباس العباسي. وفيها حج بالناس عيسى بن موسى ابن محمد بن علي الهاشمي العباسي أمير الكوفة.

قال الذهبي: وفي هذا العصر «1» شرع علماء الإسلام فى تدوين الحديث والفقه والتفسير، وصنف ابن جريج التصانيف بمكة، وصنف سعيد بن أبي عروبة وحماد بن سلمة وغيرهما بالبصرة، وصنف أبو حنيفة الفقه والرأي بالكوفة، وصنف الأوزاعي بالشأم، وصنف مالك الموطأ بالمدينة، وصنف ابن إسحاق المغازي، وصنف معمر باليمن، وصنف سفيان الثوري كتاب الجامع، ثم بعد يسير صنف هشام كتبه، وصنف الليث بن سعد وعبد الله بن لهيعة، ثم ابن المبارك والقاضي أبو يوسف يعقوب وابن وهب، وكثر تبويب العلم وتدوينه، ورتبت ودونت كتب العربية واللغة والتاريخ وأيام الناس، وقبل هذا العصر كان سائر العلماء يتكلمون عن حفظهم ويروون العلم عن صحف صحيحة غير مرتبة؛ فسهل ولله الحمد تناول العلم فأخذ الحفظ يتناقص، فلله الأمر كله انتهى كلام الذهبىّ. وفيها توفّى سليمان ابن طرخان أبو القاسم التيمي، من الطبقة الرابعة من تابعي [أهل «2» ] البصرة، كان من العباد المجتهدين، وكان يصلي الغداة بوضوء العشاء سنين عديدة. وفيها توفي يحيى ابن سعيد أبو سعيد الأنصاري القاضي الفقيه، من الطبقة الخامسة من أهل المدينة، قدم على الخليفة أبي جعفر المنصور بالكوفة فاستقضاه على الهاشميّة.

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وثلاثة أصابع، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وعشرة أصابع سواء. *** السنة الثانية من ولاية حميد بن قحطبة على مصر وهي سنة أربع وأربعين ومائة- فيها غزا محمد بن أبى العباس السفاح الديلم بجيش الكوفة والبصرة وواسط والجزيرة. وفيها قدم محمد المهدي ابن الخليفة على أبيه أبي جعفر المنصور من خراسان وقد بنى بابنة عمه ريطة بنت السفاح. وفيها حج بالناس الخليفة أبو جعفر المنصور، وخلف على العسكر خازم بن خزيمة، فاستعمل على المدينة رياح بن عثمان المزنىّ وعزل محمد القسري. وكان المنصور قد أهمه شأن محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، لتخلفهما عن الحضور إلى عنده مع الأشراف، وما كفاه ذلك حتى قيل له: إن محمد بن عبد الله المذكور ذكر أن المنصور لما حج قبل أن يلي الخلافة في حياة أخيه السفاح وكان ممن بايع له ليلة اشتور «1» بنو هاشم بمكة فيمن يعقدون له الخلافة حين «2» اضطرب ملك بني أمية. قلت: لعل ذلك كان قبل أن يلي السفّاح الخلافة وقبل قتل مروان الحمار. اهـ. وكان أبو جعفر المنصور سأل زياداً متولي المدينة عنهما قبل ذلك؛ فقال: ما يهمك [من أمرهما «3» ] يا أمير المؤمنين، أنا آتيك بهما، فضمنه إياهما في سنة ست وثلاثين ومائة ولم يف زياد بالضمانة، وصار المنصور في أمر عظيم من جهة عبد الله وابنيه، وطال عليه الأمر، وعبد الله وولداه

في اختفائهم، حتى قبض المنصور على عبد الله المذكور وحبسه وحبس معه جماعةً كثيرة من بني حسن، وهم حسن وإبراهيم ابنا حسن بن الحسن، وحسن بن جعفر ابن حسن بن الحسن، وسليمان وعبد الله ابنا داود بن حسن بن الحسن، وسهيل وإسحاق ابنا إبراهيم المذكور، وعيسى بن حسن بن الحسن، وأخوه علي القائم «1» ؛ فقيد المنصور الجميع وحبسهم، [وجهر «2» على المنبر بسب محمد بن عبد الله وأخيه فسبح الناس وعظموا ما قال، فقال رياح: ألصق الله بوجوهكم الهوان، لأكتبن إلى خليفتكم غشكم وقلة نصحكم، فقالوا: لا نسمع منك يا بن المحدودة «3» ، وبادروه يرمونه بالحصى، فنزل واقتحم دار مروان وأغلق الباب، فخف بها الناس، فرموه وشتموه ثم إنهم كفوا، ثم إن آل حسن حملوا في أقيادهم إلى العراق] . وفيها توفي صالح بن كيسان أبو محمد، من الطبقة الرابعة من أهل المدينة «4» ، كان يؤدّب [ولد «5» ] عمر بن عبد العزيز بن مروان وأولاد الوليد بن عبد الملك، ثم ضمه عمر بن عبد العزيز إلى نفسه، وكان قد جمع بين الفقه والحديث والدين والمروءة. وفيها توفي عبد الله بن

شبرمة الضبي أبو شبرمة، من الطبقة الرابعة من أهل الكوفة، كان فقيهاً ديناً حسن الخلق قليل الحديث. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وأحد عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعاً واثنا عشر إصبعا. انتهى الجزء الأوّل من النجوم الزاهرة ويليه الجزء الثانى وأوّله ذكر ولاية يزيد بن حاتم على مصر

الجزء الثانى

[الجزء الثانى] [تتمة ما وقع من الحوادث سنة 144] بسم الله الرّحمن الرّحيم ذكر ولاية يزيد بن حاتم على مصر هو يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي الطائي المهلبي أمير مصر، ولاه الخليفة أبو جعفر المنصور على الصلاة والخراج معا بعد عزل حميد ابن قحطبة عن إمرة مصر سنة أربع وأربعين ومائة، فقدم إلى مصر في يوم الاثنين النصف من ذي القعدة من السنة المذكورة، فأقر على شرطته عبد الله بن عبد الرحمن، وعلى الخراج معاوية بن مروان بن موسى بن نصير «1» . وكان يزيد جواداً ممدحاً شجاعاً. قال يزيد: كنت يوماً واقفاً بباب المنصور أنا ويزيد بن أسيد السلمي إذ فتح باب القصر وخرج خادم لأبي جعفر المنصور، فنظر إلينا ثم انصرف فدخل وأخرج رأسه من طاق وقال: لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليم والأغر ابن حاتم فلا يحسب التمتام أنّى هجوته ... ولكنّنى فضّلت أهل المكارم فقال له يزيد بن حاتم: نعم نعم على رغم أنفك وأنف من بعثك؛ فخرج الخادم وأبلغها الخليفة أبا جعفر، فضحك حتى استلقى. وهذا الشعر لربيعة بن ثابت الرقي يمدح يزيد هذا. وفي أيام يزيد بن حاتم المذكور ظهرت بمصر دعوة بني الحسن بن علي ابن أبي طالب وتكلم بها الناس وبايع كثير منهم لبني الحسن في الباطن

وماجت الناس بمصر وكاد أمر بني الحسن أن؟؟؟، والبيعة كانت باسم على بن محمد ابن عبد الله، وبينما الناس في ذلك قدم البريد برأس إبراهيم بن عبد الله بن حسن ابن الحسن بن علي بن أبي طالب في ذي الحجة سنة خمس وأربعين ومائة فنصب في المسجد أياماً. وكان يزيد هذا قد منع أهل مصر من الحج بسبب خروج هؤلاء العلويين، فلما قتل إبراهيم أذن لهم: الحج؛ وكان يزيد مقصداً للناس محباً للشعر وأهله، مدحه عدة من الشعراء. قيل: إن ربيعة المقدم ذكره، صاحب البيتين المقدم ذكرهما، قصده فاشتغل عنه يزيد، فخرج وهو يقول: أراني ولا كفران لله راجعاً ... بخفي حنين من نوال ابن حاتم فبلغ يزيد فرده وملأ خفيه ذهباً، فقال فيه قصيدته المشهورة لما عزل عن إمرة مصر، التي أولها: بكى أهل مصر بالدموع السواجم ... غداة غدا عنها الأغر (3) ابن حاتم ثم ورد عليه كتاب الخليفة المنصور يأمره بالتحوّل من المعسكر الى الفسط كما كانت عادة أمراء مصر قبل بناء المعسكر، وأن يجعل الدواوين في كنائس القصر- يعني قصر الشمع «1» - وذلك في سنة ست وأربعين ومائة. وقصد يزيد ابن حاتم من الشعراء محمد بن عبد «2» الله بن مسلم ومدحه بقصيدة طنّانة أوّلها: وإذا تباع كريمة أو تشترى ... فسواك بائعها وأنت المشترى

ما وقع من الحوادث سنة 145

وكان يزيد منع الناس من الحج في سنة خمس وأربعين ومائة، كما تقدم ذكره، فلم يحجّ فى تلك السنة أحد من مصر ولا من الشام لما كان بالحجاز من الاضطراب من أمر بني الحسن، ثم حج يزيد هذا في سنة سبع وأربعين ومائة فاستخلف على مصر عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج صاحب شرطته، ولما عاد من الحج بعث جيشاً لغزو الحبشة من أجل خارجي ظهر هناك، فتوجه إليه الجيش وقاتلوه وظفروا به وقدم رأس الخارجي المذكور إلى مصر في عدّة رءوس، فنصبت الرءوس أياماً بمصر ثم حملوها إلى بغداد، فضم الخليفة أبو جعفر المنصور عند ذلك ليزيد هذا برقة زيادة على عمل مصر؛ وهو أول من ضم له برقة على مصر، وكان ذلك في سنة تسع وأربعين ومائة. ثم خرج في أيام يزيد القبط بسخا بالوجه البحري، فجهز إليهم يزيد جيشاً كثيفاً فقاتله القبط وكسروه فرد الجيش منهزماً، فصرفه أبو جعفر المنصور عن إمرة مصر في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين ومائة، فكانت ولايته على مصر سبع سنين وأربعة أشهر. وتولى من بعده مصر عبد الله ابن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج، ثم ولي يزيد بن حاتم هذا بعد ذلك إفريقية من بلاد المغرب، فتوجه إليها وغزا بها عدة غزوات، ولا زال بها حتى توفي سنة سبعين ومائة، واستخلف على إفريقية ابنه داود بن يزيد، فأقره الخليفة هارون الرشيد على ذلك، ودام إلى أن عزله في سنة اثنتين وسبعين ومائة بعمه روح بن حاتم. اهـ *** [ما وقع من الحوادث سنة 145] السنة الأولى من ولاية يزيد بن حاتم المهلبي على مصر وهي سنة خمس وأربعين ومائة- فيها قتل الخليفة أبو جعفر المنصور محمداً وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب واحداً بعد واحد، فقتل محمد بالمدينة وبعده بمدة قتل إبراهيم؛ وكان إبراهيم خرج أيضاً بعد خروج أخيه محمد على المنصور بالبصرة، وانضم عليه

خلائق من العلماء والفقهاء وأعيان بني الحسن، فلما ورد عليه الخبر بقتل أخيه محمد عظم شأنه وكاد أمره أن يتم، ووقع بينه وبين جيش المنصور أمور ووقائع إلى أن قبض عليه وقتل. وفيها أيضاً مات والدهما عبد الله بن الحسن في حبس المنصور. قال الهيثم: حبسهم أبو جعفر المنصور في سرداب (يعني عبد الله المذكور وأقاربه من بني الحسن) - وقد قدمنا ذكر من حبس مع عبد الله من أقاربه بأسمائهم في سنة أربع وأربعين ومائة- قال: حبسهم في سرداب تحت الأرض لا يعرفون ليلاً ولا نهاراً- والسرداب عند قنطرة الكوفة وهو موضع يزار- ولم يكن عندهم بئر للماء ولا سقاية، فكانوا يبولون ويتغوطون في مواضعهم، وإذا مات منهم ميت لم يدفن بل يبلى وهم ينظرون إليه، فاشتد عليهم رائحة البول والغائط، فكان الورم يبدو في أقدامهم ثم يترقى إلى قلوبهم فيموتون. ويقال: إن أبا جعفر المنصور ردم عليهم السرداب فماتوا، وكان يسمع أنينهم أياماً. وذكر الذهبي وفاة جماعة في هذه السنة، قال: وفيها توفي محمد بن عبد الله ابن حسن وأخوه إبراهيم قتلاً، والأجلح الكندي، وإسماعيل بن أبي خالد، وإسماعيل بن عبد الله بن جعفر، وأنيس بن أبي يحيى الأسلمي، وحبيب بن الشهيد، وحجاج بن أرطاة، والحسن بن ثوبان، والحسن بن الحسن بن الحسن في سجن المنصور، ورؤبة بن العجاج التميمي، وعبد الرحمن بن حرملة الأسلمي، وعبد الملك «1» بن أبي سليمان الكوفي، وعمر بن عبد الله مولى غفرة (بالمعجمة والفاء) وعمرو بن ميمون

ما وقع من الحوادث سنة 146

ابن مهران «1» الجزري، ومحمد بن عبد الله الديباج «2» ، ومحمد بن عمرو بن علقمة، وهشام ابن عروة فى قول، ونصر بن حاجب الخراساني، ويحيى بن سعيد أبو حيان التيمي. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وثمانية أصابع، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعاً وأربعة عشر إصبعاً. *** [ما وقع من الحوادث سنة 146] السنة الثانية من ولاية يزيد بن حاتم على مصر وهي سنة ست وأربعين ومائة- فيها كان فراغ بناء بغداد وتحول إليها الخليفة أبو جعفر المنصور في صفر، وكان خالد بن برمك أشار على المنصور ببنائها، وقيل: إن حجاج بن أرطاة هو الذي اختط جامعها، وقبلتها منحرفة، ولما دخلها الخليفة أبو جعفر المنصور أمر أن يكتب إلى الآفاق أن يرد عليه الخطباء والعلماء والشعراء؛ وكان لا يدخل أحد المدينة راكباً، فشكا إلى المنصور عمه عيسى بن علي أن المشي يشق عليه، فلم يأذن له في الركوب؛ ثم بعد مدّة أمر المنصور بإحراج الأسواق من المدينة، خوفاً من مبيت صاحب خبر «3» بها، فبنيت الكرخ «4» وباب «5» المحول وغير ذلك. وظهر شح المنصور في بناء بغداد، وبالغ في المحاسبة، حتى قال خالد بن الصلت، وكان على بناء ربع بغداد: رفعت إليه الحساب فبقيت علي خمسة عشر درهماً فحبسنى

ما وقع من الحوادث سنة 147

حتى أدّيتها [وعند ما «1» دخل المنصور بغداد وقع بها الطاعون. وقد تقدم أن الطاعون غير الوباء، فالوباء هو الذي تتنوع فيه الأمراض، والطاعون هو الطعن الذي ذكر في الحديث «2» ] . وفيها توفي ضيغم بن مالك العابد كان من الخائفين البكائين، وهو من الطبقة الخامسة من أهل البصرة؛ وكان ورده في كل يوم أربعمائة ركعة. وفيها توفي عمرو بن قيس الملائي من الطبقة الرابعة من أهل الكوفة، كان من الأبدال، وكان يقول: حديث أرقق [به] قلبي وأبلغ به إلى ربي أحب إلي من خمسين قضية من قضايا شريح. وذكر الذهبي وفاة جماعة أخر، قال: وتوفي أشعث بن عبد الملك الحمراني، والحارث [بن عبد «3» الرحمن] بن عبد الله بن أبي ذباب المدني، وحبيب «4» بن الشّهيد، وسنان [بن يزيد التميمي «5» أبو حكيم] الرهاوي، وعبد الله بن سعيد بن أبي هند المدنى، وعوف الأعرابي، ومحمد بن السائب الكلبي، ومحمد بن أبى يحيى الأسلمىّ، وهشام ابن عروة على الصحيح، ويزيد بن أبي عبيد، ويحيى بن أبي أنيسة الجزري. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراع وستة عشر إصبعا، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا وستة عشر إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 147] السنة الثالثة من ولاية يزيد بن حاتم على مصر وهي سنة سبع وأربعين ومائة- فيها حج الخليفة أبو جعفر المنصور وعزم على قبض جعفر بن محمد بن علي بن الحسين

ابن على بن أبى طالب- أعنى جعفر الصادق- فلم يتم له ذلك. وفيها آنتثرت الكواكب من أول الليل إلى الصباح فخاف الناس عاقبة ذلك. وفيها خلع الخليفة أبو جعفر المنصور ابن أخيه عيسى بن موسى من ولاية العهد وولاها لابنه محمد المهدي، وجعل عيسى المذكور بعد المهدي؛ وكان السفاح قد عهد إلى أبي جعفر المنصور بالخلافة ثم من بعده إلى عيسى بن موسى هذا. وفيها أغارت الترك مع استرخان الخوارزمي على مدينة تفليس، وكان بها حرب بن عبد الله الريوندي «1» الذي تنسب إليه الحربية «2» ببغداد، فخرج إليهم حرب المذكور وقاتلهم فقتلوه وقتلوا خلقاً كثيراً من المسلمين وسبوا. وفيها توفي عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي العباسي عم الخليفة أبي جعفر المنصور، وأمه بربرية «3» يقال لها هنادة، ولد سنة ثلاث ومائة وقيل: آثنتين ومائة في آخر ذي الحجة. وهو الذي هزم مروان الحمار بالزاب وتبعه إلى دمشق وفتحها وهدم سورها وجعل جامعها سبعين يوماً لدوابه وجماله، وقتل من أعيان بني أمية ثمانين رجلاً بنهر أبي فطرس من أرض الرملة، ثم ولي دمشق للسفاح، فلما ولي المنصور خرج عليه عبد الله ودعا لنفسه فهزمه أبو مسلم الخراساني فشفع له إخوته وأخذوا له أمانا من الخليفة أبي جعفر المنصور،

ما وقع من الحوادث سنة 148

فلما قدم عليه حبسه مدة حتى مات في حبسه؛ قيل: إن أبا جعفر المنصور بنى له داراً حبسه فيها وجعل في أساسها ملحاً، فلما سكنها عبد الله وحبس فيها أطلق عليها ماء فذاب الملح فوقعت الدار عليه فمات. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان واثنان وعشرون إصبعا، مبلغ الزياده أربعة عشر ذراعاً وتسعة عشر إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 148] السنة الرابعة من ولاية يزيد بن حاتم على مصر وهي سنة ثمان وأربعين ومائة- فيها حج بالناس الخليفة أبو جعفر المنصور. وفيها توجه حميد بن قحطبة إلى ثغر أرمينية فلم يلق بأساً، وتوطأت الممالك لأبي جعفر المنصور وثبتت قدمه في الخلافة وعظمت هيبته في النفوس ودانت له الأمصار؛ ولم يبق خارجاً عنه سوى جزيرة الأندلس من بلاد المغرب فقط، فإنها تغلب عليها عبد الرحمن بن معاوية المرواني الأموي المعروف بالداخل لكونه دخل المغرب لما هرب من بني العباس، وقد تقدم ذكره في هذا الكتاب، لكنه لم يتلقب بأمير المؤمنين بل بالأمير فقط، وكذلك بنوه من بعده، ويأتى ذكرهم في محلهم من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. وفيها توفي جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبى طالب رضي الله عنهم، الإمام السيد أبو عبد الله الهاشمي العلوي الحسيني المدني، يقال: مولده سنة ثمانين من الهجرة؛ وهو من الطبقة الخامسة من تابعي أهل المدينة، وكان يلقب بالصابر، والفاضل، والطاهر، وأشهر ألقابه الصادق؛ وهو سبط القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، فإن أمه هي أم فروة بنت القاسم بن محمد المذكور، وأمها أم أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، ولهذا كان جعفر يقول: أنا ابن الصديق مرتين، وهو يروي عن جده لأمه القاسم بن محمد ولم يرو

عن جده لأبيه علي زين العابدين، وقد أدركه وهو مراهق، وروى عن أبيه وعروة ابن الزبير وعطاء ونافع والزهري، وحدث عنه أبو حنيفة وابن جريج وشعبة والسفيانان ومالك وغيرهم. وعن أبي حنيفة قال: ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد. وروي عن علي بن الجعد عن زهير بن محمد قال: قال أبي لجعفر بن محمد- يعني الصادق-: إن لي جارا يزعم أنك تبرأ من أبي بكر بن أبي قحافة وعمر، فقال: جعفر: برئ الله من جارك، والله إني لأرجو أن ينفعني الله بقرابتي من أبي بكر. وذكر الذهبي بإسناد عن محمد بن فضيل عن سالم بن أبي حفصة قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي وابنه جعفراً عن أبي بكر وعمر، فقالا: يا سالم تولهما وابرأ من عدوهما، فإنهما كانا إمامي هدى رضي الله عنهما. وقال لي جعفر: يا سالم، أيسب الرجل جده! أبو بكر جدي، فلا نالتنى شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما وأبرأ من عدوهما. قال الذهبي: هذا إسناد صحيح؛ وسالم وابن فضيل شيعيّان. هـ. قلت: * والفضل ما شهدت به الأعداء* وأي عذر أبقى جعفر الصادق بعد ذلك للرافضة! أخزاهم الله تعالى. وفيها توفي سليمان بن مهران الإمام أبو محمد الأسدي الكاهلي المحدث المعروف بالأعمش، من الطبقة الرابعة من تابعي أهل الكوفة، ولد بقرية أمه «1» من عمل طبرستان في سنة إحدى وستين.

قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي: وقد رأى أنس بن مالك وهو يصلي، ولم يثبت أنه يمع منه، مع أن أنساً لما توفي كان للأعمش نيف وثلاثون سنة، وكان يمكنه السماع من جماعة من الصحابة. ثم ذكر الذهبي روايته عن جماعة كثيرة جدا، وذكر أيضاً من روى عنه أكثر وأمعن «1» ؛ ثم ذكر من خفة روحه ودعابته أشياء، منها: قال وقال عيسى بن يونس: خرج الأعمش فإذا بجندي فسخره ليعبر به نهراً، فلما ركبه- قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا الآية، فلما توسط به الأعمش في الماء قال: وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ثم رمى به. وقال محمد بن عبيد الطنافسي: جاء رجل نبيل كبير اللحية إلى الأعمش فسأله عن مسألة خفيفة من الصلاة، فالتفت إلينا الأعمش فقال: انظروا إليه، لحيته تحتمل حفظ أربعة آلاف حديث ومسألته مسألة صبيان الكتاب اهـ وذكر الذهبي في هذه السنة وفاة جماعة كثيرة، قال: وتوفي جعفر بن محمد الصادق، وسليمان الأعمش، وشبل بن عبّاد مقرئ مكة، وزكريا بن أبي زائدة في قول، وعمرو بن الحارث الفقيه بمصر، وعبد الله بن يزيد بن هرمز؛ وعبد الجليل بن حميد اليحصبي، وعمار بن سعد المصري، والعوام بن حوشب، ومحمد بن عبد الرحمن ابن أبى ليلى القاضى- يأتى ذكره- قال: وحمد بن عجلان الفقيه المدني «2» ، ومحمد بن الوليد الزبيدي الفقيه، ونعيم بن حكيم المدائني «3» ، وأبو زرعة يحيى الشيباني. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم، ذراع وعشرون إصبعاً، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا وستة عشر إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 149

*** [ما وقع من الحوادث سنة 149] السنة الخامسة من ولاية يزيد بن حاتم على مصر وهي سنة تسع وأربعين ومائة- فيها حجّ بالناس محمد بن الإمام إبراهيم، وفيها ولي إمرة مكة عبد الصمد بن علي العباسي عم الخليفة المنصور ثم صرف عنها. وفيها غزا العباس بن محمد أرض الروم ومعه الحسن بن قحطبة ومحمد بن الأشعث، الذي كان ولي مصر قبل تاريخه، فمات ابن الأشعث في الطريق، وقد تقدم ذكر ذلك في ترجمته. وفيها كمل بناء بغداد. وفيها توفي سلم بن قتيبة بن مسلم بن عمرو بن الحصين أبو عبد الله الباهلي الخراساني والد سعيد بن سلم، ولي سلم هذا إمرة البصرة ليزيد بن عمر بن هبيرة في أيام مروان الحمار، ثم وليها في أيام أبي جعفر المنصور، وكان أميرا عاقلا عادلا في الرعية. وفيها توفي عيسى بن عمر النحوي الثقفي العالم صاحب الإكمال والجامع، وفيهما يقول الخليل بن أحمد صاحب العربيّة والعروض: بطل النحو جميعاً كله ... غير ما أحدث عيسى بن عمر ذاك إكمال وهذا جامع ... فهما للناس شمس وقمر وفيها توفي كرز بن وبرة الكوفي، كان يسكن جرجان، من الطبقة الرابعة من تابعي أهل الكوفة، كان زاهداً عابداً، سأل ربه أن يعطيه الاسم الأعظم على أن يسأل ربه به حاجة من الدنيا فأعطاه، فسأله الله أن يقويه على ختم القرآن، فكان يختم كل يوم وليلة ثلاث ختمات. وذكر الذهبي وفاة جماعة في هذه السنة، قال: وفيها توفى ثابت بن عمارة وزكرياء بن أبي زائدة في قول، وسلم بن قتيبة بن مسلم الباهلي الأمير،

ما وقع من الحوادث سنة 150

وعبد الحميد بن يزيد الجذامي، وكهمس بن الحسن التميمي، والمثنى بن الصباح، ومحمد بن الأشعث الخزاعي القائد، وأبو جناب «1» الكلبي، ومعروف بن سويد الجذامي «2» المصري، ويعقوب بن مجاهد في قول. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وإصبعان، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وثمانية أصابع ونصف. *** [ما وقع من الحوادث سنة 150] السنة السادسة من ولاية يزيد بن حاتم على مصر وهي سنة خمسين ومائة- فيها خرج اسباديس «3» في جموع كثيرة، يقال: كان في نحو ثلثمائة ألف مقاتل، وغلب على غالب خراسان؛ فخرج لقتالهم الأختم «4» المروروذي بأهل مرو الروذ، فاقتتلوا فقتل الأختم في جيشه؛ ثم خرج لقتاله خازم بن خزيمة، وتقاتلا أشد قتال وثبت كل من الفريقين حتى نصر الله الإسلام وهزم اسباديس وكثر القتل في جيشه فقتل منهم سبعون ألفا وأسر بضعة عشر ألفا وهرب اسباديس في طائفة من عسكره إلى الجبل. وفيها عزل الخليفة أبو جعفر المنصور جعفر بن سليمان عن إمرة المدينة وولى الحسن بن زيد بن الحسن بن الحسن بن علي العلوى. وفيها حجّ بالناس عبد الصمد ابن علي العباسي. وفيها توفي الإمام الأعظم أبو حنيفة، واسمه النعمان بن ثابت بن زوطى، الفقيه الكوفي صاحب المذهب؛ ولد سنة ثمانين من الهجرة ورأى أنس

ابن مالك الصحابي غير مرة بالكوفة لما قدمها أنس، قاله ابن سعد. وروى عن عطاء بن أبي رباح ونافع وسلمة وخلق كثير، وتفقه بحماد وغيره حتى برع في الفقه والرأي وساد أهل زمانه بلا مدافعة في علوم شتى. وقال عبد الله بن المبارك: أبو حنيفة أفقه الناس. وقال الشافعي: الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة. وقال يزيد بن هارون: ما رأيت أحداً أورع ولا أعقل من أبي حنيفة. وعن أسد بن عمرو أن أبا حنيفة صلى العشاء والصبح بوضوء واحد أربعين سنة. قال الذهبي: وقد روي من وجهين أنه ختم القرآن في ركعة. وعن النضر بن محمد قال: كان أبو حنيفة جميل الوجه نقي الثوب عطر الرائحة. وعن ابن المبارك واسمه عبد الله قال: ما رأيت رجلاً أوقر في مجلسه ولا أحسن سمتاً وحلماً من أبي حنيفة. وروى إبراهيم ابن سعيد «1» الجوهري عن المثنى أن رجلاً قال: جعل أبو حنيفة على نفسه إن حلف بالله صادقاً أن يتصدق بدينار. ويروى أن أبا حنيفة ختم القرآن في الموضع الذي مات فيه سبعة آلاف مرة. وروى محمد بن سماعة عن محمد بن الحسن عن القاسم بن معن: أن أبا حنيفة قام ليلة يردد قوله تعالى: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ ويبكي ويتضرع إلى الفجر. وقال يزيد بن هارون: ما رأيت أحداً أحلم من أبي حنيفة. وعن الحسن بن زياد: قال أبو حنيفة: إذا ارتشى القاضي فهو معزول وإن لم يعزل. وقال إسحاق بن إبراهيم الزهري عن بشر بن الوليد الكندىّ: طلب المنصور أبا حنيفة فأراده على القضاء وحلف ليلين، فأبى وحلف ألا يفعل ذلك؛ فقال الربيع حاجب المنصور: ترى أمير المؤمنين يحلف وأنت تحلف! قال: أمير المؤمنين على كفارة يمينه أقدر مني؛ فأمر به إلى السجن

فمات فيه ببغداد. وعن مغيث بن بديل قال: دعا المنصور أبا حنيفة إلى القضاء فامتنع؛ فقال: أترغب عما نحن فيه؟ فقال: لا أصلح؛ قال: كذبت؛ قال أبو حنيفة: فقد حكم أمير المؤمنين على أني لا أصلح، فإن كنت كاذباً فلا أصلح، وإن كنت صادقاً فقد أخبرتكم أني لا أصلح، فحبسه؛ ووقع لأبي حنيفة بسبب القضاء أمور مع المنصور وهو على امتناعه إلى أن مات. وقال أحمد بن الصباح: سمعت الشافعي يقول: قيل لمالك: هل رأيت أبا حنيفة؟ قال: نعم، رأيت رجلاً لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهباً لقام بحجته. وقال حبان «1» بن موسى: سئل ابن المبارك: أمالك أفقه أم أبو حنيفة؟ قال: أبو حنيفة. وقال الخريبي «2» : ما يقع في أبي حنيفة إلا حاسد أو جاهل. وقال يحيى القطان: لا نكذب الله، ما سمعنا بأحسن من أبي حنيفة، وقد أخذنا بأكثر أقواله. وقال علي بن عاصم: لو وزن علم أبي حنيفة بعلم أهل زمانه لرجح عليهم. وقال حفص بن غياث: كلام أبي حنيفة في الفقه أرق من الشعر لا يعيبه إلا جاهل. وقال الحميدي: سمعت ابن عيينة يقول: شيئان ما ظننتهما يجاوزان قنطرة الكوفة: قراءة حمزة وفقه أبي حنيفة، وقد بلغا الآفاق. وعن الأعمش أنه سئل عن مسألة فقال: إنما يحسن هذا النعمان بن ثابت، وأظنه بورك له في علمه. وقال جرير: قال لي مغيرة: جالس أبا حنيفة تتفقه، فإن إبراهيم النخعي لو كان حياً لجالسه. وقال محمد بن شجاع سمعت علي بن عاصم يقول: لو وزن عقل أبي حنيفة بعقل نصف الناس لرجح بهم.

قلت: ومناقب أبي حنيفة كثيرة، وعلمه غزير وفي شهرته ما يغني عن الإطناب في ذكره، ولو أطلقت عنان القلم في كثرة علومه ومناقبه لجمع من ذلك عدة مجلدات؛ وكانت وفاته رضي الله عنه في شهر رجب من هذه السنة، ودفن بمقابر بغداد، وأقام على ذلك سنين إلى أن بنى عليه شرف الملك أبو سعد محمد بن منصور الخوارزمي مستوفي مملكة السلطان ملك شاه السلجوقي مشهداً في سنة تسع وخمسين وأربعمائة وبنى على القبر قبة ومدرسة كبيرة للحنفية، فلما فرغ من عمارة ذلك جمع الفقهاء والعلماء والأعيان ليشاهدوا ما بناه، فبينما هم في ذلك إذ دخل عليهم الشريف أبو جعفر مسعود «1» البياضىّ الشاعر وأنشد: ألم تر أن العلم كان مبدداً ... فجمعه هذا الموسد في اللحد كذلك كانت هذه الأرض ميتة ... فأنشرما فعل العميد أبي سعد قلت: وأحسن من هذا ما قاله عبد الله بن المبارك في مدح أبي حنيفة، القصيدة المشهورة التي أوّلها: لقد زان البلاد ومن عليها ... إمام المسلمين أبو حنيفة وفيها توفي عبد العزيز بن سليمان أبو محمد الراسبي من الطبقة السادسة من تابعي أهل البصرة، كان عابداً زاهداً، كانت رابعة «2» تسميه سيد العابدين؛ كان إذا ذكر القيامة والموت صرخ كما تصرخ الثكلى ويصرخ الحاضرون من جوانب المسجد وربما وقع الميت والميتان من جوانب المسجد؛ قاله أبو المظفر في مرآة الزمان. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع سواء، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعاً وعشرون إصبعاً ونصف.

ما وقع من الحوادث سنة 151

*** [ما وقع من الحوادث سنة 151] السنة السابعة من ولاية يزيد بن حاتم على مصر وهي سنة إحدى وخمسين ومائة- وهي التي عزل فيها. وفيها عزل المنصور عمر بن حفص المهلبي عن السند بهشام بن عمرو التغلبي «1» ، وتولى المهلبي هذا إفريقية. وفيها ابتدأ الخليفة أبو جعفر المنصور بعمارة الرصافة بالجانب الشرقي وعمل لها سوراً وخندقاً وأجرى إليها الماء كما فعل ببغداد. وفيها جدد الخليفة أبو جعفر المنصور البيعة لولده محمد المهدي ثم لابن أخيه من بعده عيسى بن موسى، فكان من يبايعه يقبل يده ويد المهدي ثم يمسح على يد عيسى بن موسى ولا يقبلها. قلت: البلاء والرياء قديمان. وفيها توفي عبد الله بن عون بن أرطبان أبو عون مولى عبد الله بن درّة من الطبقة الرابعة من أهل البصرة؛ كان عثمانياً ثقة ورعاً كثير الحديث. ولد قبل الطاعون الجارف بثلاث سنين، وكان إذا مر بالقدرية «2» لا يسلم عليهم. وذكر الذهبي وفاة جماعة آخرين في هذه السنة، قال: وفيها توفي حنظلة ابن أبي سفيان المكي، وداود بن يزيد الأودي، وسيف بن سليمان في قول، وعبد الله بن عون في رجب، وعبد الله بن عامر الأسلمي يقال فيها، وعلي بن صالح المكي، وعيسى بن أبي عيسى الخياط الخباط الحناط فإنه باشر الصنائع الثلاث: الخياطة وبيع الخبط «3» وبيع الحنطة، ومحمد بن إسحاق بن يسار فيها على قول، وهو الأصح، ومعن بن زائدة الأمير، والوليد بن كثير المدني بالكوفة وصالح بن علىّ الأمير.

ذكر ولاية عبد الله بن عبد الرحمن على مصر

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وستة أصابع، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وستة عشر إصبعا. ذكر ولاية عبد الله بن عبد الرحمن على مصر هو عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج، وحديج (بضم الحاء المهملة وفي الآخر جيم) التجيبي [بضم التاء «1» المثناة من فوق] الأمير أبو عبد الرحمن أمير مصر وليها من قبل الخليفة أبي جعفر المنصور بعد عزل يزيد بن حاتم المهلبي عنها، على الصلاة في يوم السبت ثامن عشر شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وخمسين ومائة، ولم يول على الشرطة أحداً وباشر هو ذلك بنفسه؛ وكان عبد الله هذا قد ولي الشرطة لغير واحد من أمراء مصر. ولما استقر في إمرة مصر سكن المعسكر على عادة الأمراء، وهو أول من خطب بالسواد بمصر، فأقام بمصر مدة ثم خرج منها ووفد على الخليفة أبي جعفر المنصور ببغداد في سنة أربع وخمسين ومائة واستخلف أخاه محمد بن عبد الرحمن على الصلاة ثم رجع إلى مصر في آخر السنة المذكورة؛ ودام بها إلى أن توفي وهو على إمرة مصر في مستهل صفر سنة خمس وخمسين ومائة، واستخلف أخاه محمداً على صلاة «2» مصر فأقره الخليفة أبو جعفر المنصور على إمرة مصر بعده. فكانت ولاية عبد الله هذا على مصر ثلاث سنين تنقص أياماً. وعبد الله هذا وأبوه من أكابر المصريين من أعوان بني أمية غير أنه استأمن سليمان بن علي العباسي لما استأمنه عمرو بن معاوية بن عمرو بن سفيان بن عتبة ابن أبي سفيان. وسببه أنه لما قتل غالب بني أمية خاف عمرو المذكور فقال: اختفيت فكنت لا آتي مكاناً إلا عرفت به، فضاقت علي الدنيا فقصدت سليمان بن علي وهو

ما وقع من الحوادث سنة 152

لا يعرفني فقلت له: لفظتني البلاد إليك، ودلني فضلك عليك؛ فإما قتلتني فاسترحت، وإما رددتني سالماً فسلمت «1» ؛ فقال: [ومن أنت؟ فعرفته نفسي، فقال «2» ] : مرحباً بك، [ما «3» ] حاجتك؟ فقلت له: إن الحرم اللواتي أنت أولى [الناس «4» ] بهن وأقربهم إليهن قد خفن تخوفنا ومن خاف خيف عليه. قال: فبكى سليمان كثيراً ثم قال: بل يحقن الله دمك ويوفر مالك ويحفظ حرمك؛ ثم كتب إلى السفاح: يا أمير المؤمنين، إنه قد «5» دفت دافة من بني أمية علينا وإنا إنما قتلناهم على عقوقهم، لا على أرحامهم، فإننا يجمعنا وإياهم عبد مناف؛ فالرحم تبل «6» ولا تقتل وترفع ولا توضع؛ فإن رأى أمير المؤمنين أن يهبهم لي فليفعل، وإن فعل فليجعل كتاباً عاماً إلى البلدان شكر الله تعالى على نعمه. فأجابه إلى ما سأل. وكان هذا أول أمان لبني أمية ودخل فيه صاحب الترجمة وغيره. *** [ما وقع من الحوادث سنة 152] السنة الأولى من ولاية عبد الله بن عبد الرحمن على مصر وهي سنة اثنتين وخمسين ومائة- فيها حج بالناس الخليفة أبو جعفر المنصور. وفيها وثب الخوارج ببست «7» على عاملها معن بن زائدة الشيباني فقتلوه لجوره وعسفه. وفيها غزا حميد بن قحطبة كابل «8» وولاه المنصور إقليم خراسان. وفيها ولي البصرة يزيد بن

المنصور «1» . وفيها توفي «2» معن بن زائدة بن عبد الله بن زائدة بن مطر بن شريك الشيباني الأمير أبو الوليد وقيل أبو يزيد. كان أحد الأجواد وكان شجاعاً مقداماً ممدحاً. وحكاياته في الجود والكرم مشهورة. وكان أولاً مع ابن هبيرة ثم اختفى حتى كانت وقعة الراوندية مع المنصور المقدم ذكرها؛ فلما كانت الوقعة خرج معن وقاتل بين يدي المنصور قتالاً عظيماً، فولاه المنصور اليمن ثم سجستان؛ وقيل: إن معناً دخل مرة على الخليفة أبي جعفر المنصور: فقال له المنصور: هيه يا معن! تعطي مروان ابن أبي حفصة مائة ألف درهم على قوله: معن بن زائدة الذي زيدت به ... شرفاً على شرف بنو شيبان فقال: كلا يا أمير المؤمنين، إنما أعطيته على قوله في هذه القصيدة: ما زلت يوم الهاشمية «3» معلنا ... بالسيف دون خليفة الرحمن فمنعت حوزته وكنت وقاءه ... من وقع كل مهند وسنان فقال: أحسنت يا معن، ما أكثر وقوع الناس في قومك! فقال: يا أمير المؤمنين: إن العرانين تلقاها محسدة ... ولا ترى للئام الناس حسادا ودخل عليه يوماً وقد أسن فقال: كبرت يا معن، فقال: في طاعتك يا أمير المؤمنين؛ قال: وإنك لجلد [قال «4» ] : على أعدائك يا أمير المؤمنين؛ قال: وفيك بقية، قال: هي لك يا أمير المؤمنين. وعرض هذا الكلام على عبد الرحمن ابن يزيد» زاهد أهل البصرة فقال: ويح هذا! ما ترك لربه شيئاً.

ما وقع من الحوادث سنة 153

وذكر الذهبي وفاة جماعة أخر في هذه السنة، قال: وتوفى أبو عامر صالح ابن رستم الخزاز، وعبد الله «1» بن أبي يحيى الأسلمي، وعمر بن سعيد بن أبي الحسين المكي، وطلحة بن عمرو المكي، وعباد بن منصور الناجىّ، ويونس بن يزيد الأيلي في قول. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراع وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا وإصبع واحد ونصف إصبع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 153] السنة الثانية من ولاية عبد الله بن عبد الرحمن على مصر وهي سنة ثلاث وخمسين ومائة- فيها قتل متولي إفريقية عمر بن حفص بن عثمان بن أبي صفرة الأزدي، خرجت عليه أمم من البربر وعليهم أبو حاتم الأباضي وأبو عاد فيقال: إنهم كانوا في خمسة وثمانين «2» ألف فارس ومائتي ألف راجل، وكانوا بايعوا أبا قرة الصفري بالخلافة. وفيها ألزم الخليفة أبو جعفر المنصور رعيته بلبس القلانس الطوال المعروفة بالمدينة، وكانوا يعملونها بالقصب والورق ويلبسونها السواد، وفيها يقول أبو دلامة: وكنا نرجي من إمام زيادة ... فزاد الإمام المصطفى في القلانس تراها على هام الرجال كأنّها ... دنان يهود جلّلت بالبرانس وفيها غزا مسعود «3» بن عبد الله الجحدري الصائفة وفتح حصناً بالروم عنوة. وفيها ولي بكار «4» بن مسلم أرمينية. وفيها أغارت الحبشة على جدة فجهز إليهم الخليفة

ما وقع من الحوادث سنة 154

أبو جعفر المنصور المراكب. وفيها سخط المنصور على وزيره أبي أيوب المورياني «1» واستأصله وحبس معه أولاد أخيه سعيداً ومسعوداً ومحمداً ومخلداً؛ وقتل في السنة الآتية. وكان الذي سعى بأبي أيوب هذا هو كاتبه أبان بن صدقة. وفيها توفي شقيق بن ابراهيم الزاهد أبو علي البلخي الأزدي، كان من كبار مشايخ خراسان وله لسان في التوكل «2» ، وهو أوّل من تكلّم فئ التصوف وعلوم الأحوال بكورة خراسان؛ وهو أستاذ حاتم الأصم وكان لشقيق دنيا واسعة خرج عنها وتزهد وصحب إبراهيم بن أدهم. وفيها توفي وهيب بن الورد مولى بني مخزوم من الطبقة الثالثة من أهل مكة، وكان اسمه عبد الوهاب فصغر وهيباً؛ وكانت له أحاديث ومواعظ. روى عنه عبد الله بن المبارك وغيره، وكنيته أبو عثمان وقيل أبو أمية، وكان زاهداً ينظر في دقائق الورع. قال بشر الحافي «3» : أربعة رفعهم الله بطيب المطعم: وهيب بن الورد وإبراهيم ابن أدهم ويوسف بن أسباط وسلم «4» الخواص. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وثلاثة أصابع مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وعشرة أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 154] السنة الثالثة من ولاية عبد الله بن عبد الرحمن النّجيبى على مصر وهي سنة أربع وخمسين ومائة- فيها قدم الخليفة أبو جعفر المنصور الشام وزار بيت المقدس، ثم جهز يزيد بن حاتم في خمسين ألفاً لحرب الخوارج بإفريقية، وأنفق

المنصور على الجيش المذكور، مع شحه بالمال، ستين ألف ألف درهم وزيادة؛ ثم ولى قضاء دمشق ليحيى بن حمزة، فاعتل يحيى بأنه شاب؛ فقال: إني أرى أهل بلدك قد أجمعوا عليك فإياك والهدية، فبقي يحيى على قضاء دمشق ثلاثين سنة. قال الواقدي: وفيها نزلت صاعقة بالمسجد الحرام فأهلكت خمسة نفر. وفيها مات الوزير أبو أيوب المورياني، وكان المنصور صادره وسجنه وأخاه خالداً وبني أخيه في السنة الماضية، فلما مات ضرب المنصور أعناق بني أخيه. وفيها حج بالناس محمد بن الإمام إبراهيم العباسي أمير مكة. وفيها توفى الحكم بن أبان العدنىّ، هو من الطبقة الثالثة من أهل اليمن؛ كان سيد أهل اليمن في الزهد والعبادة والصلاح، كان يصلي الليل كله فإذا غلبه النوم ألقى نفسه في الماء وقال لنفسه: سبحي الله عز وجل مع الحيتان. وذكر الذهبي وفاة جماعة أخر، قال: وتوفي أشعب الطماع، وجعفر بن برقان، والحكم بن أبان العدني، وربيعة بن عثمان التيمي، وعبد الله بن نافع مولى ابن عمر، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر الدمشقي، وعبيد الله بن عبد الله بن موهب «1» ، وعلي بن صالح بن حي الكوفي، وعمر بن إسحاق بن يسار المدنىّ، وقرّة ابن خالد السدوسي، ومحمد بن عبد الله بن مهاجر الشعيثي، وأبو عمرو بن العلاء المازني، ومعمر في قول. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراع وستة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعاً وخمسة عشر إصبعا.

ذكر ولاية محمد بن عبد الرحمن على مصر

ذكر ولاية محمد بن عبد الرحمن على مصر هو محمد بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج التجيبي أمير مصر، وليها باستخلاف أخيه عبد الله بن عبد الرحمن له بعد موته، فأقره الخليفة أبو جعفر المنصور على ذلك وولاه مصر على الصلاة والخراج وذلك في سنة خمس وخمسين ومائة، فجعل على شرطته العباس «1» بن عبد الرحمن بن ميسرة؛ وسكن المعسكر وسار في الناس سيرة مشكورة غير أنه لم تطل أيامه، ومرض ولزم الفراش حتى مات في النصف من شوال من سنة خمس وخمسين ومائة. فكانت ولايته على إمرة مصر استقلالاً بعد موت أخيه عبد الله ثمانية أشهر ونصفاً. وتولى إمرة مصر من بعده موسى بن علي بن رباح باستخلاف محمد هذا له. وفي أيام ولايته على مصر خرجت عساكر مصر إلى إفريقية صحبتها يزيد بن حاتم، فقام محمد هذا بأمرهم أتم قيام وجهزهم وحمل إلى يزيد الأموال والخيل والسلاح والرواتب حتى سار إلى جهة المغرب وقاتل من بها وقتل أبا عاد وأبا حاتم وملك القيروان وسائر الغرب، وبعث إلى محمد هذا ليعرف الخليفة بذلك فوجده الرسول قد مات قبل وصوله بأيام. وقد تقدم ذكر نسب محمد هذا في ترجمة أخيه عبد الله بن عبد الرحمن فلا حاجة للإعادة. اهـ *** [ما وقع من الحوادث سنة 155] السنة التي حكم فيها محمد بن عبد الرحمن وغيره من الأمراء على مصر وهي سنة خمس وخمسين ومائة- فيها استنقذ يزيد بن حاتم المعزول عن إمرة مصر قبل تاريخه بلاد المغرب من يد الخوارج بعد حروب عظيمة، وقتل أبا عاد وأبا حاتم

ملكي الخوارج، ومهد إقليم المغرب وأصلح أموره، وبقي على إمرة المغرب خمسة عشر عاماً أميراً. وفيها عزل الخليفة أبو جعفر المنصور عن إمرة المدينة الحسن بن زيد العلوي بعبد الصمد بن علي العباسي عم الخليفة المنصور. وفيها بنى المنصور أسوار الكوفة والبصرة ونيسابور وأدار عليها الخندق من أموال أهلها. وفيها عزل الخليفة أبو جعفر المنصور أخاه العباس بن محمد عن الجزيرة وصادره وحبسه لشكوى أهل الجزيرة عليه. وفيها توفي أشعب «1» بن جبير الطماع، وأمه جعدة «2» وقيل أم حميد. وقيل إنه كان مولى عثمان بن عفان «3» رضي الله عنه، وقيل مولى سعيد بن العاص، وقيل مولى عبد الله بن الزبير، وقيل مولى فاطمة بنت الحسين؛ وكان أزرق العينين أحول أقرع نشأ بالمدينة، وقيل ولد سنة تسع من الهجرة وعاش دهراً طويلاً. وكان أشعب قد تعبد وقرأ القرآن وتنسك وروى الحديث، وكان حسن الصوت، وله أخبار كثيرة مستظرفة في الطمع وغيره. روى الأصمعي قال: عبث الصبيان بأشعب فقال: ويحكم! اذهبوا، سالم يقسم تمراً فعدوا، فعدا «4» معهم وقال: ما يدريني لعله حق.

ذكر ولاية موسى بن على على مصر

وقال أبو أمية الطرسوسي حدثنا ابن أبي عاصم النبيل عن أبيه قال: قلت لأشعب الطماع: أدركت التابعين فما كتبت شيئاً، فقال: حدثنا عكرمة عن ابن عباس قال: «لله على عبده نعمتان» ثم سكت؛ فقلت: اذكرهما، فقال: الواحدة نسيها عكرمة، والأخرى نسيتها أنا. وروى ابن أبي عبد الرحمن الغزي عن أبيه قال أشعب: ما خرجت في جنازة فرأيت اثنين يتساران إلا ظننت أن الميت أوصى لي «1» بشيء. وعن ابن أبي عاصم قال: مررت يوماً فإذا أشعب ورائي فقلت: مالك؟ قال: رأيت قلنسوتك قد مالت فقلت: لعلها تقع فآخذها، فأخذتها عن رأسي فدفعتها إليه. وحكايات أشعب في الطمع كثيرة مشهورة؛ وقيل إنه كان يجيد الغناء. وفيها توفي مسعر بن كدام بن ظهير بن عبيدة بن الحارث أبو سلمة الهلالي الكوفي الأحول الحافظ الزاهد. قال سفيان بن عيينة: رأيت مسعراً وربّما يحدثه الرجل بشيء هو أعلم به منه فيستمع له وينصت، وما لقيت أحداً أفضله عليه. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وعشرة أصابع، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا وثمانية عشر إصبعا. ذكر ولاية موسى بن علي على مصر هو موسى بن علي «2» بن رباح الأمير أبو عبد الرحمن اللخمي المصري أمير مصر، ولي إمرة مصر باستخلاف محمد بن عبد الرحمن التجيبي إليه، فأقره الخليفة أبو جعفر

المنصور على إمرة مصر [و] على الصلاة، وذلك في شوال سنة خمس وخمسين ومائة فجعل على شرطته أبا الصهباء محمد بن حسان الكلبي، وباشر إمرة مصر إلى سنة ست وخمسين ومائة؛ [وفي ولايته «1» ] خرج عليه قبط مصر وتجمعوا ببعض البلاد فبعث موسى هذا بعسكر فقاتلوهم حتى هزموهم وقتل منهم جماعة وعفا عن جماعة، ومهد أمور مصر؛ وكان فيه رفق بالرعية وتواضع، وكان يتوجه إلى المسجد ماشياً وصاحب شرطته بين يديه يحمل الحربة، وكان إذا أقام صاحب الشرطة الحدود بين يديه يقول له موسى هذا: أرحم «2» أهل البلاد؛ وكان يحدث فيكتب الناس عنه. قال الذهبي في «تذهيب التهذيب» : ولي الديار المصرية ست سنين وحدث عن أبيه، وعن الزهري، وعن ابن المنكدر، وجماعة؛ وحدث عنه أسامة بن زيد الليثي، والليث بن سعد، وعبد الله بن لهيعة، وابن المبارك، وابن وهب، ووكيع، وأبو عبد الرحمن المصري، وعبد الرحمن بن مهدي، ومحمد بن سنان العوقى، وروح بن صلاح الموصلي ثم المصري، وطائفة، آخرهم موتا القاسم بن هانئ الأعمى بمصر، ووثقه أحمد وابن معين والعجلي والنسائي. وقال أبو حاتم: كان رجلاً صالحاً يتقن حديثه لا يزيد ولا ينقص، صالح الحديث، من الثقات. وقال الحافظ أبو سعيد بن يونس: ولد بإفريقية سنة تسعين ومات بالإسكندرية سنة ثلاث وستين ومائة. اهـ. وقال غيره: أقام على إمرة مصر إلى أن توفي الخليفة أبو جعفر المنصور في سادس ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة، وولي الخلافة من بعده ابنه محمد المهدي فأقرّ

المهدىّ موسى هذا على إمرة مصر، فاستمر على ذلك إلى أن عزله المهدي بعد ذلك في سابع عشر ذي الحجة سنة إحدى وستين ومائة وولى بعده على مصر عيسى بن لقمان، فكانت ولايته على مصر ست سنين وشهرين. وقال صاحب «البغية» : ثم صرفه المهدي يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة سنة إحدى وستين ومائة، ومدة ولايته ست سنين وشهران. قلت: وافقنا صاحب «البغية» في المدة والسنة وخالفنا في شهر عزله. قلت: وفي أيامه كان خروج يوسف بن إبراهيم المعروف بالبرم «1» خرج ملتزماً بخراسان هو ومن معه منكراً على الخليفة محمد المهدي ونقم عليه في سيرته التي يسير بها، وكتب إلى موسى هذا ليوافقه فنهر قاصده وقبض عليه وكتب بذلك للمهدىّ، واجتمع مع البرم بشر كثير، فوجه إليه المهدي يزيد بن مزيد الشيباني، وهو ابن أخى معن ابن زائدة الشيباني، فلقيه يزيد فاقتتلا حتى صارا إلى المعانقة، فأسره يزيد المذكور وبعث به وبأصحابه إلى المهدي؛ فلما بلغوا النهروان حمل يوسف البرم على بعير قد حول وجهه إلى ذنبه وكذلك أصحابه، فأدخلوهم إلى الرصافة على تلك الحالة، وقطعت يدا يوسف ورجلاه ثم قتل هو وأصحابه وصلبوا على الجسر «2» . وقيل: إن يوسف المذكور كان حرورياً فتغلب على بوشنج «3» وعليها مصعب «4» جد طاهر بن الحسين فهرب منه، وكان تغلب أيضاً على مرو الروذ والطالقان وجوزجان «5» ، وقد كان من جملة أصحابه أبو معاذ الفاريابىّ فقبض عليه معه.

ما وقع من الحوادث سنة 156

*** [ما وقع من الحوادث سنة 156] السنة الأولى من ولاية موسى بن علي على مصر وهي سنة ست وخمسين ومائة- فيها عزل الخليفة أبو جعفر المنصور الهيثم بن معاوية عن إمرة البصرة بسوار بن عبد الله، فاستقر سوار على إمرتها والقضاء، جمع له بينهما؛ ولما عزل الهيثم قدم بغداد فأقام [بها] أيامأ ومات فجأة على صدر سريته وهو يجامع، فخرج المنصور في جنازته وصلى عليه ودفن في مقابر قريش. وفيها توفي حمزة بن حبيب بن عمارة أبو عمارة الزيات أحد القراء السبعة؛ كان الأعمش إذا رآه يقول: هذا حبر القرآن. وفيها توفي عبد الرحمن بن زياد أبو خالد الإفريقي المعافري قاضي إفريقية، كان فقيهاً زاهداً ورعاً؛ وهو أول مولود ولد بالإسلام بإفريقية، وهو من الطبقة الخامسة من أهل المغرب وفد على خلفاء بني أمية، وكان قوالاً بالحق مشكور السيرة عدلاً رحمه الله. وفيها توفي حماد الراوية أبو القاسم بن أبي ليلى، ولاؤه لبكر بن «1» وائل. وقيل اسم أبيه سابور بن مبارك الديلمي الكوفي، وكان إخبارياً عالماً علامة خبيراً بأيام العرب وشعرها؛ وامتحنه الوليد بن يزيد الخليفة في حفظ الشعر فتعب، فوكل به من يستوفي عليه فأنشد ألفين وسبعمائة «2» قصيدة مطولة، فأمر له الوليد بمائة ألف درهم. وفيها توفي أيضاً حماد عجرد، واسمه حماد بن يونس «3» بن كليب أبو يحيى «4» الكوفي وقيل: الواسطي، كان أيضاً إخبارياً علامة، وكان بينه وبين بشار بن برد الشاعر الأعمى الآتي ذكره أهاج ومفاوضات؛ وكان بالكوفة في عصر واحد الحمادون

الثلاثة: حماد الراوية المقدم ذكره وحماد عجرد هذا، وحماد بن «1» الزبرقان، فكانوا يشربون الخمر ويتهمون بالزندقة. قال خلف بن المثنى: كان يجتمع بالبصرة عشرة «2» في مجلس لا يعرف مثلهم: الخليل بن أحمد صاحب العروض سني، والسيد محمد» الحميري الشاعر رافضي «4» ، وصالح بن عبد القدوس ثنوي «5» ، وسفيان بن مجاشع صفري «6» ، وبشار بن برد خليع ماجن، وحماد عجرد زنديق، وابن رأس الجالوت الشاعر يهودي، وابن نظير النصراني متكلم، وعمرو ابن أخت المؤيد «7» مجوسي، وابن سنان الحراني الشاعر صابئي «8» ؛ فيتناشد الجماعة أشعاراً وأخباراً؛ فكان بشار يقول: أبياتك هذه يا فلان أحسن من سورة «9» كذا وكذا، وبهذا المزاح ونحوه كفروا بشاراً، وقيل: وفاة حماد عجرد سنة خمس وخمسين ومائة وقيل: سنة إحدى وستين ومائة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وخمسة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعاً واثنان وعشرون إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 157

*** [ما وقع من الحوادث سنة 157] السنة الثانية من ولاية موسى بن علي اللخمي على مصر وهي سنة سبع وخمسين ومائة- فيها أنشأ الخليفة أبو جعفر المنصور قصره الذي سمّاه الخلد على شاطئ دجلة. وفيها عرض المنصور جيوشه في السلاح والخيل وخرج وهو عليه درع وقلنسوة سوداء مصرية وفوقها الخوذة. وفيها نقل المنصور الأسواق من بغداد، وعملت بظاهرها بباب الكرخ، ووسع شوارع بغداد وهدم دوراً كثيرة لذلك. وفيها غزا الروم يزيد بن أسيد، فوجه على بعض جيشه سناناً مولى البطال، فسبى وقتل وغنم. وفيها توفي سوار بن عبد الله قاضي البصرة، كان عادلاً في حكمه، شكاه أهل البصرة إلى المنصور فاستقدمه المنصور، فلما قدم عليه جلس فعطس المنصور فلم يشمّته سوّار، فقال له المنصور: مالك لم تشمتني؟ فقال: لأنك لم تحمد الله، فقال المنصور: أنت ما حابيتني في عطسة تحابي غيري! ارجع إلى عملك. وفيها توفي عبد الوهاب ابن الإمام إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي العباسي ابن أخي المنصور، ولاه عمه المنصور دمشق وفلسطين والصائفة ولم تحمد ولايته وولي عدة أعمال غير ذلك. وكان أبوه إبراهيم بويع بالخلافة بعد موت أبيه فلم يتم أمره وقبض عليه مروان الحمار وحبسه حتى مات فعدل الناس بعده إلى أخيه السفاح وبايعوه فتم أمره. وفيها توفي عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد «1» الفقيه أبو عمرو الاوزاعي فقيه الشام وصاحب المذهب المشهور الذي ينسب إليه الأوزاعية قديماً، والأوزاع: بطن من همدان وقيل: من حمير الشام «2» وقيل قرية بدمشق، وقيل:

ما وقع من الحوادث سنة 158

إنما سمي الأوزاعي لأنه من أوزاع القبائل، ومولده ببعلبك، ونشأ بالبقاع، ونقلته أمه إلى بيروت فرابط بها إلى أن مات بها فجأة، فوجدوه يده اليمنى تحت خده وهو ميت؛ وكان فقيهاً ثقة فاضلاً عالماً كثير الحديث حجة رحمه الله. وفيها توفي محمد ابن طارق المكي من الطبقة الثالثة «1» من أهل مكة، كان من الزهاد العباد. قال محمد بن فضل «2» : رأيته في الطواف وقد انفرج له أهل الطواف فحزر «3» طوافه في اليوم والليلة فكان عشرة فراسخ. وبه ضرب ابن شبرمة المثل حيث قال: لو شئت كنت ككرز في تعبده ... أو كابن طارق حول البيت في الحرم قد حال دون لذيذ العيش خوفهما ... وسارعا في طلاب الفوز فالكرم وذكر الذهبي وفاة جماعة مختلف فيهم، فقال: وفيها توفى- قاضى مرو- الحسين ابن واقد، وسعيد بن أبي عروبة في قول، وطلحة بن أبي سعيد الإسكندراني، وعامر بن اسماعيل المسلى «4» الأمير، وفقيه الشام عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعىّ، ومحمد بن عبد الله بن أخي الزهري، ومصعب بن ثابت «5» بن الزبير فى قول، ويوسف ابن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي (بفتح السين) ، وأبو محنف «6» لوط في قول. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وثمانية عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 158] السنة الثالثة من ولاية موسى بن علي اللخمي على مصر وهي سنة ثمان وخمسين ومائة- فيها حج بالناس إبراهيم بن يحيى بن محمد العباسى بن أخي الخليفة أبي جعفر

المنصور وهو شاب أمرد. وفيها مات طاغية الروم. وفيها ولى الخليفة خالد بن برمك الجزيرة، وكان ألزمه الخليفة المنصور بثلاثة آلاف ألف درهم. وفيها توفي زفر بن الهذيل العنبري، الإمام الفقيه صاحب أبي حنيفة ومولده سنة عشر ومائة؛ روى علىّ بن المدرك عن الحسن بن زياد قال: كان زفر وداود الطائي متحابين، فأما داود فترك الفقه وأقبل على العبادة، وأما زفر فجمعهما. قال أبو نعيم: كنت أعرض الحديث على زفر فيقول: هذا ناسخ وهذا منسوخ، وهذا يؤخذ وهذا يرفض. وقال الحسن بن زياد: ما رأيت أحداً يناظر زفر إلا رحمته. قلت: يعني لكثرة علومه وبلاغته وقدرته على العلم. وهو أول أصحاب أبي حنيفة موتاً رحمه الله. وفيها توفي شيبان الراعي، وكان من كبار الفقهاء من الزّهاد والعبّاد، كان من أكابر أهل دمشق ثم ترك الدنيا وخرج إلى جبل لبنان، فانقطع به وأكل المباحات وصحب سفيان الثوري وغيره. قيل: إنه كان إذا حصل له جنابة أتته سحابة مطر فيغتسل منها؛ وكان إذا ذهب إلى الجمعة يخط على غنمه خطاً فيجيء فلم يجدها تتحرك. قال الهيثم: حج شيبان وسفيان الثوري فعرض لهما سبع، فقال سفيان: أما ترى السبع؟ فقال شيبان لا تخف غير الله عز وجل، فلما سمع السبع صوت شيبان جاء إليه وبصبص «1» فعرك شيبان أذنه بعد أن بصبص السبع، فقال له: اذهب. وفيها توفي الخليفة أمير المؤمنين عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس أبو جعفر المنصور الهاشمي العباسي، ولد فى سنة خمس وتسعين أو فى حدودها، وأمه أم ولد اسمها سلامة البربرية؛ وروى عن أبيه وجده، وروى عنه ولده محمد المهدي؛ وكان قبل أن يلي الخلافة يقال له: عبد الله الطويل؛ ولي الخلافة بعد

موت أخيه عبد الله السفاح، أتته البيعة وهو بمكة، فإنه كان حج تلك السنة بعهد السفاح إليه لما احتضر في سنة ست وثلاثين ومائة، فدام فيها اثنتين وعشرين سنة إلى أن مات في ذي الحجة. وولي الخلافة من بعده ابنه محمد المهدي بعهد منه إليه. وقال الربيع بن يونس الحاجب: سمعت المنصور يقول: الخلفاء أربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، والملوك أربعة: معاوية وعبد الملك وهشام وأنا. قال شباب «1» : أقام الحج للناس أبو جعفر المنصور سنة ست وثلاثين ومائة وسنة أربعين ومائة وسنة أربع وأربعين ومائة وسنة اثنتين وخمسين ومائة. وزاد الفسوي «2» أنه حج أيضاً سنة سبع وأربعين ومائة. قال أبو العيناء حدثنا الأصمعي: أن المنصور صعد المنبر فشرع في الخطبة؛ فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين، اذكر من أنت في ذكره، فقال له: مرحباً، لقد ذكرت جليلاً، وخوفت عظيماً، وأعوذ بالله أن أكون ممن إذا قيل له: اتق الله أخذته العزة بالإثم؛ والموعظة منا بدت ومن عندنا خرجت، وأنت يا قائلها فأحلف بالله ما الله أردت، إنما أردت أن يقال: قام فقال فعوقب فصبر، فأهون بها ويلك «3» ! وإياك وإياكم معشر الناس وأمثالها؛ ثم عاد إلى الخطبة وكأنما يقرأ من كتاب. وقال الربيع: كان المنصور يصلي الفجر ثم يجلس [وينظر] في مصالح الرعية إلى أن يصلي الظهر، ثم يعود إلى ذلك إلى أن يصلي العصر، ثم يعود إلى أن يصلي

ما وقع من الحوادث سنة 159

المغرب؛ فيقرأ ما بين المغرب والعشاء الآخرة «1» ، ثم يصلي العشاء ويجلس مع سماره إلى ثلث الليل الأول، فينام الثلث الأوسط ثم ينتبه إلى أن يصلي الفجر، ويقرأ في المصحف إلى أن ترتفع الشمس فيجلس للناس، فكان هذا دأبه. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان سواء، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وإصبعان ونصف. *** [ما وقع من الحوادث سنة 159] السنة الرابعة من ولاية موسى بن علي اللخمي على مصر وهي سنة تسع وخمسين ومائة. فيها خرج الخليفة محمد المهدي من بغداد فنزل البردان «2» وجهز الجيوش إلى الصائفة، وجعل على الجيوش عمه العباس بن محمد العباسي وبين يديه الحسن «3» بن وصيف في الموالي وقواد خراسان وغيرهم؛ فساروا إلى الروم حتى بلغوا أنقرة وفتحوا مدينة يقال لها: المطمورة «4» وعادوا سالمين غانمين. وفيها فتح الخليفة المهدي الخزائن وفرق الأموال. وذكر الربيع الحاجب قال: مات المنصور وفي بيت المال مائة ألف ألف درهم وستون ألف درهم فقسم ذلك المهدي وأنفقه. وفيها أمر المهدي بإطلاق من كان في حبس أبيه إلا من كان عليه دم وأشباه ذلك. وفيها أعتق المهدي جاريته الخيزران وتزوجها، وهي أم الهادي والرشيد. وفيها عزم المهدي

ما وقع من الحوادث سنة 160

على خلع ابن عمه عيسى بن موسى من ولاية العهد وتولية ولده موسى الهادي [فكتب «1» إلى عيسى بن موسى بالقدوم عليه] فامتنع عيسى من ذلك. وفيها توفي عبد العزيز مولى المغيرة بن المهلب بن أبي صفرة من الطبقة الرابعة من أهل مكة، وكان معروفاً بالعبادة والورع وله أحاديث. وفيها أطلق المهدي الحسن وأخاه ولدي إبراهيم بن عبد الله بن حسن وسلم الحسن إلى أمير يحتفظ به، فهرب الحسن فتلطف المهدي حتى وقع به بعد مدّة. وفيها عزل المهدي إسماعيل الثقفي عن الكوفة بعثمان ابن لقمان الجمحي وقيل بغيره. وفيها عزل المهدي خاله يزيد بن منصور عن اليمن وولاها رجاء بن روح. وذكر الذهبي وفاة جماعة أخر في هذه السنة، قال: وتوفي أصبغ بن زيد الواسطي، وحميد بن قحطبة الأمير، وعبد العزيز بن أبي رواد «2» بمكة، وعكرمة بن عمار اليمامي، وعمار بن رزيق «3» الضبي، ومالك بن مغول قيل في أولها، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، ويونس بن أبي إسحاق السبيعي، وأبو بكر الهذلي واسمه سلمى. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وثمانية أصابع، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا وإصبعان. *** [ما وقع من الحوادث سنة 160] السنة الخامسة من ولاية موسى بن علي اللّخمىّ على مصر وهى سنة سئين ومائة. فيها عزل المهدي أبا عون عن إمرة خراسان وولاها بعده معاذ بن

مسلم. وفيها حج بالناس الخليفة محمد المهدي ونزع المهدي كسوة البيت الحرام وكساه كسوة جديدة، فقيل: إن حجبة الكعبة أنهوا إليه أنهم يخافون على الكعبة أن تهدم لكثرة ما عليها من الأستار، فأمر بها فجردت عنها الستور، فلما انتهوا إلى كسوة هشام بن عبد الملك بن مروان وجدوها ديباجاً غليظاً إلى الغاية. ويقال: إن المهدي فرق في حجته هذه في أهل الحرمين ثلاثين ألف ألف درهم منها دنانير كثيرة، ووصل إليه من اليمن أربعمائة «1» ألف دينار فقسمها أيضاً في الناس، وفرق من الثياب الخام مائة ألف ثوب وخمسين ألف ثوب؛ ووسع في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وقرر في حرسه خمسمائة رجل من الأنصار ورفع أقدارهم. وفيها خلع المهدي ابن عمه عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس من ولاية العهد وجعلها في ولده موسى الهادي. وفيها توفي إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن جابر التميمي العجلي أبو إسحاق البلخي، وأصله من كورة بلخ من أبناء الملوك، حج أدهم ومعه امرأة فولدت بمكة إبراهيم هذا، فطاف به أبوه حول الكعبة ودار به على الخلق في المسجد وقال: ادعوا له. قال ابن مندة: سمعت عبد الله بن محمد البلخي، سمعت عبد الله بن محمد العابد، سمعت يونس بن سليمان البلخي يقول: كان إبراهيم بن أدهم من الأشراف، وكان أبوه شريفاً كثير المال والخدم والجنائب «2» والبزاة، فبينما إبراهيم يأخذ كلابه وبزاته للصيد وهو على فرسه يركضه إذ هو بصوت يناديه: يإبراهيم، ما هذا العبث! أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً. اتق الله وعليك بالزاد ليوم الفاقة، قال: فنزل عن دابته ورفض الدنيا.

ذكر ولاية عيسى بن لقمان على مصر

وذكر الذهبي بإسناد عن إبراهيم بن أدهم أنه قيل لإبراهيم بن أدهم: ما كرامة المؤمن على الله؟ قال: أن يقول للجبل تحرك فيتحرك، قال: فتحرك الجبل، فقال: ما إياك عنيت. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وثمانية أصابع، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا سواء. ذكر ولاية عيسى بن لقمان على مصر هو عيسى بن لقمان بن محمد بن حاطب الجمحي (بضم الجيم وتقدمها نسبة إلى جمح) أمير مصر، وليها بعد عزل موسى بن علي اللخمي من قبل أمير المؤمنين محمد المهدىّ على الصلاة والخراج معاً في سنة إحدى وستين ومائة، وكان دخوله إلى مصر في يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة بقين من ذي الحجة سنة إحدى وستين ومائة؛ فجعل على الشرطة الحارث بن الحارث الجمحي وهو من بني عمه، ثم سكن عيسى هذا المعسكر على عادة أمراء مصر ودام على إمرة مصر مدة يسيرة، ثم جاءه الخبر بعزله عن إمرة مصر في جمادى الآخرة «1» لاثنتي عشرة بقيت منها من سنة اثنتين وستين ومائة، وولاية واضح مولى أبي جعفر المنصور. فكانت ولاية عيسى هذا على مصر نحو خمسة أشهر، وهي بسفارة يعقوب بن داود. وكان سبب تقدم يعقوب بن داود عند المهدي لما أحضره المهدي عنده في أمر الحسن بن إبراهيم العلوي فقال يعقوب: يا أمير المؤمنين، إنك قد بسطت عدلك لرعيتك وأنصفتهم وأحسنت إليهم فعظم رجاؤهم، [وانفسحت آمالهم «2» ] ؛ وقد بقيت أشياء لو ذكرتها [لك «3» ] لم تدع النظر فيها، وأشياء خلف بابك يعمل فيها ولا تعلم بها، فإن جعلت

ما وقع من الحوادث سنة 161

لي السبيل إليك رفعتها؛ فأمره بذلك. فكان يدخل عليه كلما أراد ويرفع إليه النصائح في الأمور الحسنة الجميلة من أمور الثغور والولايات وبناء الحصون ونقوية الغزاة وتزويج العزاب وفكاك الأسرى والمحبسين والقضاء عن الغارمين والصدقة على المتعففين، فحظي عنده بذلك وتقدمت منزلته حتى سقطت منزلة أبي عبيد الله وحبس. وكتب المهدي توقيعاً بأنه اتخذه أخاً في الله ووصله بمائة ألف درهم. ولما عزل عيسى هذا عن إمرة مصر قربه إلى المهدي فأكرمه غاية الإكرام. *** [ما وقع من الحوادث سنة 161] السنة التي حكم فيها عيسى بن لقمان على مصر وهي سنة إحدى وستين ومائة على أنه ولي في آخرها غير أننا نذكرها في ترجمته، ونذكر سنة اثنتين وستين ومائة في ترجمة غيره لأن كلاً منهما ترجمته غير مستوفاة لقلة اعتناء المؤرخين بهما قديماً. فيها خرج المقنع الخارجي بخراسان واسمه عطاء، وقيل حكيم، بأعمال مرو وادّعى النبوّة، وكان يقول بتناسخ الأرواح، واستغوى خلقاً عظيماً وتوثب على بعض ما وراء النهر، فانتدب لحربه أمير خراسان معاذ بن مسلم والأمير جبريل بن يحيى وليث مولى المهدي وسعيد الحرسىّ، فجمع المقنّع الأقوات وتحصّن للحصار بقلعة من أعمال كش» على ما يأتي ذكره. وفيها ظفر نصر بن [محمد «2» بن] الأشعث الخزاعي بعبد الله ابن الخليفة مروان الحمار الأموي المكنى بأبي الحكم وهو أخو عبيد الله؛ وكانا وليّى عهد مروان، فلما قتل مروان حسبما ذكرناه بديار مصر هرب عبد الله هو وأخوه إلى الحبشة فقتل عبيد الله واختفى هذا إلى أن أتي به إلى المهدي فجلس له مجلسا

عاماً وقال: من يعرف هذا؟ فقام عبد العزيز العقيلي إلى جنبه، ثم قال له: أبو الحكم؟ قال: نعم، فسجنه المهدي. وفيها أمر المهدي بعمارة طريق مكة وبنى بها قصوراً «1» أوسع من القصور التي أنشأها عمه السفاح، وعمل البرك وجدد الأميال «2» ودام العمل في ذلك حتى تم في عشر سنين. ثم أمر المهدي بترك المقاصير التي في الجوامع وقصر المنابر وصيرها على مقدار منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيها حج بالناس موسى الهادي ولي عهد المهدي وابنه الأكبر. وفيها زاد الخليفة المهدي في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم. وفيها توفي أبو دلامة زند «3» بن الجون الكوفي الشاعر المشهور مولى بني أسد، كان عبداً حبشياً فصيحاً خليعاً ماجناً، وهو ممن ظهر ذكره في الدولة العباسية من الشعراء. ومن شعره وهو من نوع المقابلة ثلاثة بثلاثة: ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا ... وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل وذكر الذهبي وفاة جماعة أخر على اختلاف يرد عليه في وفاتهم. قال: وفيها مات أرطاة بن الحارث النخعي، وإسرائيل بن يونس، وحرب بن شداد أبو الخطاب، ورجاء بن أبي سلمة بالرملة «4» ، وزائدة بن قدامة في أولها، وسالم بن أبي المهاجر الرقي، وسعيد بن أبي «5» أيوب المصري، وسفيان بن سعيد الثوري، وعبد الحكم بن أعين المصري، ونصر بن مالك الخزاعي الأمير، ويزيد «6» بن إبراهيم التستري. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعاً وأربعة أصابع.

ذكر ولاية واضح المنصورى على مصر

ذكر ولاية واضح المنصوري على مصر هو واضح بن عبد الله المنصوري الخصي أمير مصر، وليها من قبل المهدي بعد عزل عيسى بن لقمان عن مصر في جمادى الأولى سنة اثنتين وستين ومائة. فدخلها واضح المذكور في يوم السبت لست بقين من جمادى الأولى سنة اثنتين وستين ومائة المذكورة؛ وجمع له المهدي صلاة مصر وخراجها معاً، ولما دخل مصر سكن المعسكر على عادة أمراء مصر وجعل على شرطته موسى بن زريق مولى بني تميم. وواضح هذا أصله من موالي صالح ابن الخليفة أبى جعفر المنصور. وكان خصيصاً عند المنصور إلى الغاية، وكان يندبه إلى المهمات لشجاعة كانت فيه وشدة. ولما ولي إمرة مصر شد على أهلها فشكوا منه فعزله المهدي عنهم في شهر رمضان من سنة اثنتين وستين ومائة المذكورة بمنصور بن يزيد. فكانت ولاية واضح هذا على مصر نحو أربعة أشهر. وقال صاحب «البغية» : ثلاثة شهور. واستمر واضح هذا على بريد مصر إلى أن خرج إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وكان واضح المذكور فيه ميل للعلوبّين فحمله واضح على البريد إلى الغرب فنزل إدريس بمدينة يقال لها وليلة «1» ، وكان إدريس هذا قد خرج أولاً مع الحسين صاحب فخ «2» ، فلما قتل الحسين هرب إدريس هذا إلى مصر واختفى بها إلى أن وجهه واضح هذا إلى الغرب، فلما وصل إدريس هذا إلى الغرب دعا لنفسه فأجابه من كان بها

ذكر ولاية منصور بن يزيد على مصر

وبنواحيها من البربر وعظم أمره وبلغ ذلك الخليفة الهادي موسى، فطلب واضحاً هذا وقتله وصلبه في سنة تسع وستين ومائة، وقيل: الذي قتله هارون الرشيد لما تخلف بعد موت أخيه موسى الهادي في أول خلافته. ذكر ولاية منصور بن يزيد على مصر هو منصور بن يزيد بن منصور بن عبد الله بن شهر بن يزيد الزنجاني الحميري الرعيني أمير مصر وهو ابن خال المهدي؛ ولاه المهدي إمرة مصر بعد عزل واضح عنها في سنة اثنتين وستين ومائة على الصلاة، فقدم مصر يوم الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة اثنتين وستين ومائة المذكورة، وسكن المعسكر على عادة أمراء مصر، وجعل على شرطته هاشم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية ابن حديج مدة يسيرة، ثم عزله وولى عبد الأعلى بن سعيد «1» الجيشاني، ثم عزله أيضاً وولى عسّامة بن عمرو؛ وكل ذلك في مدة يسيرة فإن ولاية منصور المذكور لم تطل على إمرة مصر وعزل عنها في النصف من ذي القعدة من سنة اثنتين وستين ومائة المذكورة بيحيى بن داود؛ فكانت مدة ولاية منصور بن يزيد هذا على مصر شهرين وثلاثة أيام، ولم أقف على وفاته بعد ذلك غير أنه ذكر في واقعة عبد السلام الخارجي أنه حضرها بقنسرين. وأمر عبد السلام بن هاشم اليشكري المذكور، [أنه] كان قد خرج بالجزيرة واشتدت شوكته وكثر أتباعه فلقي عدة من قوّاد المهدىّ فيهم عيسى «2» ابن موسى القائد فقتله بعد أمور في عدة ممن معه وهزم جماعة من القواد فيهم شبيب ابن واج «3» المرورّوذىّ، فندب المهدي إلى شبيب ألف فارس وأعطى كل رجل

ما وقع من الحوادث سنة 162

منهم ألف درهم معونة فوافوا شبيباً، فخرج بهم في طلب عبد السلام المذكور فهرب منه فأدركه بقنّسرين وقتله. *** [ما وقع من الحوادث سنة 162] السنة التي حكم فيها واضح مولى المنصور على مصر ثم من بعده منصور ابن يزيد الحميري الرعيني وهي سنة اثنتين وستين ومائة- فيها وضع الخليفة المهدي دواوين الأزمة وولى عليها عمرو «1» بن مربع، ولم يكن لبني أمية ذلك. (ومعنى دواوين الأزمة: أن يكون لكل ديوان زمام وهو رجل يضبطه، وقد كان قبل ذلك الدواوين مختلطة) . وفيها وصلت الروم إلى الحدث «2» فهدموا سورها فغزا الناس غزوة لم يسمع بمثلها، وكان مقدم الغزاة الحسن بن قحطبة سار إليهم في ثمانين ألف مقاتل سوى المطوعة؛ فأغار على ممالك الروم وأحرق وأخرب ولم يلق بأساً. وفيها ولي اليمن عبد الله بن سليمان. وفيها ظهرت المحمّرة «3» بجرجان ورأسهم عبد القهار فغلبوا على جرجان وقتلوا وأفسدوا؛ فسار لحربهم من طبرستان عمر بن العلاء فقتل عبد القهّار ورءوس أصحابه وتشتت باقي أصحابه. وفيها كان مقتل عبد السلام بن هاشم اليشكري الذي خرج بحلب وبالجزيرة، وكثرت جموعه وهزم الجيوش التي حاربته حتى انتدب لحربه شبيب بن واج في ألف فارس من الأبطال وأعطوا ألف ألف

درهم، ففر منهم اليشكري إلى حلب فلحقه بها شبيب وقتله. وفيها توفي أبو عتبة «1» عباد بن عباد الخواص كان من أهل المحبة وعنه أخذ مشايخ الطريقة، كان يمشي فى الأسواق ويصيح: وا شوقاه إلى من يراني ولا أراه! وكان صاحب أحوال وكرامات رحمه الله. وفيها توفي محمد بن جعفر بن عبيد «2» الله بن العباس العباسي الهاشمي، كان صاحب فضل ومروءة وكان بمنزلة عظيمة عند الخليفة أبي جعفر المنصور، وكان المنصور يعجب به ويحادثه، وكان لبيباً لسناً فصيحاً. وذكر الذهبي وفاة جماعة أخر ممن تقدم ذكرهم وغيرهم على اختلاف يرد في وفاتهم، قال: وفيها توفي إبراهيم بن أدهم الزاهد، وإبراهيم بن نشيط المصري في قول، وخالد ابن أبي بكر العمري «3» المدني، وداود بن نصير الطائي، وزهير بن محمد التميمي المروزي، وإسرائيل بن يونس بخلف، وعبد الله بن محمد بن أبي يحيى المدني سحبل، ويزيد بن إبراهيم التستري بخلف، ويعقوب بن محمد بن طحلاء المدني، وأبو بكر بن أبي سبرة القاضي، وأبو الأشهب العطاردي واسمه جعفر. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وعشرون إصبعاً، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا واثنا عشر إصبعا.

ذكر ولاية يحيى بن داود على مصر

ذكر ولاية يحيى بن داود على مصر هو يحيى بن داود الشهير بابن ممدود الأمير أبو صالح الخرسي «1» من أهل خراسان. وقال صاحب «البغية» : من أهل نيسابور. ولي مصر من قبل المهدي على الصلاة والخراج بعد عزل منصور بن يزيد عنها في ذي الحجة سنة اثنتين وستين ومائة، ولما قدم مصر سكن المعسكر على العادة، وجعل على شرطته عسامة بن عمرو، وكان أبو صالح المذكور تركياً وفيه شدة بأس وقوة جنان مع معرفة وتدبير؛ وكان لما قدم مصر وجد السبل بها مخيفة لكثرة المفسدين وقطاع الطريق، فأخذ أبو صالح هذا في أقماع المفسدين وأبادهم وقتل منهم جماعة كثيرة، فعظمت حرمته وتزايدت هيبته في قلوب الناس حتى تجاوز ذلك الحدّ؛ فكان يمنع الناس من غلق الدروب والأبواب وغلق الحوانيت حتى جعلوا عليها [شرائج «2» ] القصب والشباك لمنع الكلاب من دخولها في الليل، وهو أول من صنع ذلك بمصر؛ فكان ينادي بمصر ويقول: من ضاع له شيء فعلي أداؤه، ومنع حراس الحمامات أن يجلسوا فيها، وقال: من راح له شيء فأنا أقوم له به من مالي؛ فكان الرجل يدخل الحمّام فيضع ثيابه فى المسلخ «3» ثم يقول: يا أبا صالح احرس ثيابي ثم يدخل الحمام ولم يكن بها حارس ويقضي حاجته على مهل ويخرج فيلقى ثيابه كما هي لا يجسر أحد على أخذها من عظم حرمته، فإنه كان أشد الملوك حرمة وأعظمهم هيبة وأقدمهم على سفك الدماء وأنهكهم عقوبة؛ ثم إنه أمر أهل مصر من الأشراف والفقهاء والأعيان أن يلبسوا القلانس الطوال ويدخلوا بها عليه في يوم الاثنين والخميس بلا أردية؛ فقاسى أهل مصر منه شدائد، غير أن البلاد ومصر كانت

ما وقع من الحوادث سنة 163

في أيامه في غاية الأمن. قيل: إن أبا جعفر المنصور كان إذا ذكره يقول: هو رجل يخافني ولا يخاف الله. واستمر على إمرة مصر إلى أن عزله الخليفة محمد المهدىّ بسالم بن سوادة في محرم سنة أربع وستين ومائة، وفرح المصريون بعزله عنهم؛ فكانت ولايته على مصر سنة وشهراً إلا أياماً. وقال صاحب «البغية» : سلتين وشهراً، والأول أثبت. وهو أحد من مهد الديار المصرية وأباد أهل الحوف من قيس ويمن وغيرهم من قطاع الطريق؛ وكان من أجل أمراء مصر لولا شدة كانت فيه. *** [ما وقع من الحوادث سنة 163] السنة الأولى من ولاية أبي صالح يحيى بن داود على مصر وهي سنة ثلاث وستين ومائة- فيها جدّ الأمير سعيد الحرسىّ في حصار المقنع حتى أشرف على أخذ قلعته، فلما أحس المقنع بالهلاك مص سما وأسقى نساءه فتلف وتلفوا. وفيها عزل الخليفة محمد المهدي عبد الصمد بن علي عن إمرة الجزيرة وولاها زفر بن عاصم الهلالي. وفيها ولى المهدي ابنه هارون الرشيد بلاد المغرب كلها وأذربيجان وأرمينية، وجعل كاتبه على الخراج ثابت بن موسى، وعلى رسائله يحيى بن خالد بن برمك. وفيها قدم المهدي إلى حلب وجهز البعوث لغزو الروم، وكانت غزوة عظيمة، أمر عليها ابنه هارون الرشيد وضم إليه الربيع الحاجب وموسى «1» بن عيسى بن موسى والحسن بن قحطبة، فافتتح المسلمون فتحاً كبيراً. وفيها قتل المهدي جماعة من الزنادقة وصلبهم وأحضرت كتبهم فقطعت. وفيها زار المهدي القدس، وحج بالناس علي بن

ذكر ولاية سالم بن سوادة على مصر

المهدي. وفيها توفي الخليل بن أحمد بن عبد الرحمن الازدي الفراهيدي البصري صاحب العربية والعروض، وقد تقدم ذكره من قول صاحب مرآة الزمان في سنة ثلاثين ومائة؛ والأصح وفاته في هذه السنة. وفيها توفي أرطاة بن المنذر بن الأسود أبو عدي السكوني «1» الحمصي، قال: أتيت عمر بن عبد العزيز فعرض لي في خيله وقال: يا أرطاة: ألا أحدثك بحديث هو عندنا من العلم المخزون؟ قلت: بلى، قال: إذا توضأت عند البحر فالتفت إليه وقل: يا واسع المغفرة اغفر لي، فإنه لا يرتد إليك طرفك حتى يغفر لك ذنوبك. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراع وأربعة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعاً وخمسة عشر إصبعا. ذكر ولاية سالم بن سوادة على مصر هو سالم بن سوداة التميمي أمير مصر، وليها من قبل محمد المهدي بعد عزل يحيى بن داود في أول المحرم سنة أربع وستين ومائة، فقدمها يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة خلت من المحرم، وجعل على شرطته الأخضر بن مروان، وقدم معه أيضاً أبو قطيفة «2» إسماعيل بن إبراهيم على الخراج؛ ولما دخل سالم إلى مصر سكن بالمعسكر على العادة، ودام على إمرة مصر إلى أن مضت سنة أربع وستين ومائة ودخلت سنة خمس وستين ومائة؛ وورد عليه الخبر من قبل الخليفة محمد المهدي بصرفه عن إمرة مصر بإبراهيم بن صالح العباسي، فكانت ولايته على مصر نحو السنة.

ما وقع من الحوادث سنة 164

وقال صاحب «البغية» : صرف في سلخ ذي الحجة فكان مقامه بمصر سنة إلا ثمانية عشر يوماً. وفي أيامه كانت حروب كثيرة بمصر وبلاد المغرب، وجهز عساكر مصر نجدة إلى من كان في برقة ثم عادوا من غير قتال لما بلغتهم الفتنة التي كانت بالمغرب بين بربر بلنسية «1» وبربر شنت «2» برية من الأندلس وجرت بينهم حروب كثيرة قتل فيها خلق من الطائفتين، وكانت بينهم وقائع مشهورة دامت أشهرا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 164] السنة التي حكم فيها سالم بن سوادة، على مصر وهي سنة أربع وستين ومائة- فيها حج بالناس صالح بن المنصور. وفيها غزا هارون الرشيد ابن الخليفة المهدي الصائفة فوغل في بلاد الروم ووقع له بالروم حروب وافتتح عدة حصون حتى بلغ خليج قسطنطينية، وصالح ملك الروم في العام على سبعين ألف دينار مدة ثلاث سنين بعد أن غنم وسبى واستنقذ خلقاً من المسلمين من الأسر، وغنم ما لا يوصف من المواشي حتى بيع البرذون بدرهم والزردية بدرهم وعشرون سيفاً بدرهم؛ وقتل من العدو نحو خمسين ألفاً؛ قاله الذهبي، ثم رجع فسر به أبوه المهدي. وقيل: إن هذه الغزوة كانت فى سنة خمس وسنتين ومائة. وفيها عزل المهدي محمد بن سليمان عن البصرة وفارس واستعمل عليها صالح بن داود بن علي. وفيها خرج المهدي حاجاً فوصل العقبة فعطش الناس وجهد الحجيج.

وأخذت المهدي الحمى فرجع من العقبة، وغضب على يقطين بن موسى حيث لم يصلح المصانع على الوجه، ولاقى الناس شدة من قلة الماء. وفيها توفي شبيب بن شيبة أبو معمر المنقري «1» ، كان خطيباً لسناً فصيحاً دخل على المنصور فقال: يا شبيب عظني وأوجر، فقال: يا أمير المؤمنين، إن الله لم يرض أن يجعل أحداً من خلقه فوقك، فلا ترض لنفسك أن يكون أشكر له فى الأرض منك؛ فقال أحسنت وأوجرت!. وذكر الذهبي وفاة جماعة أخر في تاريخه مع خلاف يرد عليه، قال: وفيها توفي إسحاق بن يحيى بن طلحة التيمي، وسلام بن مسكين في قول، وسلام بن أبي مطيع في قول أيضاً، وعبد الله بن زيد بن أسلم العدوي، وعبد الله بن شعيب بن الحبحاب وعبد الله بن العلاء بن زئر؟؟؟ «2» ، وعبد الرحمن بن عيسى بن وردان، وعبد العزيز بن عبد الله بن الماجشون، وعبد المجيد بن أبي عبس «3» الأنصاري، وعمر «4» بن أبي زادة في قول الواقدي، وعمر بن «5» عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع، والقاسم بن معن المسعودي في قول خليفة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراع وستة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعاً وخمسة عشر إصبعاً.

ذكر ولاية ابراهيم بن صالح الأولى على مصر

ذكر ولاية إبراهيم بن صالح الأولى على مصر هو إبراهيم بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي العباسي أمير مصر، وليها من قبل ابن عمه المهدىّ على الصلاة والخراج معا؛ وقدم إلى مصر لإحدى عشرة ليلة خلت من المحرّم سنة خمس وستين ومائة ونزل المعسكر على عادة أمراء مصر في الدولة العباسية، ثم ابتنى دارا عظيمة بالموقف «1» من المعسكر، وجعل على شرطته عسامة بن عمرو، ودام إبراهيم بمصر إلى أن خرج دحية بن المعصب «2» بن الأصبغ «3» بن عبد العزيز ابن مروان بالصعيد ودعا لنفسه بالخلافة، فتراخى عنه إبراهيم هذا ولم يحفل بأمره حتى استفحل أمر دحية وملك غالب بلاد الصعيد وكاد أمره أن يتم ويفسد بلاد مصر وأمرها؛ فسخط المهدي عليه بسبب ذلك وعزله عزلاً قبيحا فى سابع ذى الحجّة سنة 167 هـ بموسى بن مصعب. فكانت ولاية إبراهيم بن صالح هذه على مصر ثلاث سنين إلا أياماً، وصادره المهدي بعد عزله وأخذ منه ومن عمّاله ثلثمائة وخمسين ألف دينار، ثم رضي عنه بعد ذلك وولاه غير مصر ثم أعاده الرشيد إلى عمل مصر ثانياً في سنة ست وسبعين ومائة. يأتي ذكر ذلك في ولايته الثانية ان شاء الله تعالى. *** [ما وقع من الحوادث سنة 165] السنة الأولى من ولاية إبراهيم بن صالح الأولى على مصر وهي سنة خمس وستين ومائة- فيها كانت غزوة هارون الرشيد ابن الخليفة المهدي السابق ذكرها

ما وقع من الحوادث سنة 166

على الأصح. وفيها حج بالناس صالح بن المنصور. وفيها توفي داود بن نصير أبو «1» سليمان الطائىّ العابد، كان كبير الشأن في العلم والورع والزهد وسمع الحديث كثيراً وتفقه على أبي حنيفة رضي الله عنه، وأحد أصحابه الكبار. وفيها توفي حماد بن أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، كان أحد الأعلام تفقه بأبيه وكان إماماً كثير الورع فقيهاً صالحاً. وفيها توفي خالد بن برمك والد البرامكة ووالد يحيى بن خالد وجد جعفر والفضل، وكان جليل القدر خصيصاً عند المنصور وابنه المهدي وولي الأعمال الجليلة، وكان عاقلاً مدبراً سيوساً. وذكر الذهبي وفاة جماعة على اختلاف فيهم، قال: وفيها توفي حماد «2» بن أبي حنيفة وخالد بن برمك والد البرامكة، وخارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت المدني، وسليمان بن المغيرة البصري، وداود الطائي الزاهد بخلف- وقول الذهبي بخلف، يعني أنه على اختلاف وقع في وفياتهم انتهى- وعبد الرحمن بن ثابت ابن ثوبان، ومعروف بن مشكان «3» قارئ مكة، ووهيب بن خالد بالبصرة، وأبو الأشهب العطاردي بخلف. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراع وعشرة أصابع، مبلغ الزيادة أربعة عشر ذراعا وإصبع واحد. *** [ما وقع من الحوادث سنة 166] السنة الثانية من ولاية إبراهيم بن صالح الأولى على مصر وهي سنة ست وستين ومائة- فيها خرج موسى بن المهدي الخليفة إلى جرجان واستقضى أبا يوسف

يعقوب صاحب أبي حنيفة. وفيها أمر الخليفة محمد المهدي بإقامة البريد من اليمن «1» إلى مكة ومن مكة إلى بغداد، ولم يكن البريد قبل ذلك بقطر من الأقطار. وفيها توفي عاصم بن عبد الحميد الفهري شيخ ابن وهب، كان إماماً فاضلاً رحمه الله. وفيها عزل المهدي عن قضاء البصرة عبيد الله بن الحسن وولاها خالد بن طليق بن عمران ابن حصين. وفيها غضب الخليفة المهدي على وزيره يعقوب بن داود بن طهمان وكان خصيصاً بن فحسده موالي المهدي وسعوا به حتى قبض عليه، وكان الوزير يعقوب كثير الأنهماك في اللذات، وكان المهدي لا يحب النبيذ لكن يتفرج على غلمانه وهم يشربون، فلما عظم أمر الوزير يعقوب وصار الحل والعقد بيده مع انهماكه، قال في ذلك بشار بن برد: بني أمية هبوا طال نومكم ... إن الخليفة يعقوب بن داود ضاعت خلافتكم يا قوم فاطلبوا «2» ... خليفة الله بين الدف والعود وفيها اضطربت خراسان على المسيب بن زهير فصرفه المهدىّ عن إمرتها بالفضل ابن سليمان الطوسي وأضاف إليه سجستان. وفيها قدم وضاح الشروي بعبد الله «3» ابن الوزير أبي عبيد الله يعقوب المقدم ذكره، وكان رمي بالزندقة فقتله المهدي بحضرة أبيه، وأباد المهدي الزنادقة في هذه السنة وقتل منهم خلائق.

ما وقع من الحوادث سنة 167

الذين ذكرهم الذهبي في وفيات هذه السنة. قال: وفيها توفي خالد بن يزيد المري، وخليد بن دعلج السدوسي، وصدقة بن عبد الله السمين، وعقبة بن عبد الله الرفاعي الأصم بخلف، وعقبة بن أبي الصهباء الباهلي البصريان، وعفير بن معدان «1» الحمصي، وعقبة بن نافع المعافري الإسكندراني في قول؛ والصواب في سنة ثلاث وستين ومائة، وعاصم بن عبد الحميد الفهري شيخ ابن وهب، ومعقل بن عبيد الله الجزري «2» . وفي أولها دفنوا أبا الأشهب العطاردي. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعاًن سواء، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وإصبع واحد. *** [ما وقع من الحوادث سنة 167] السنة الثالثة من ولاية إبراهيم بن صالح الأولى على مصر وهي سنة سبع وستين ومائة- فيها أمر المهدي بالزيادة الكبرى في المسجد الحرام، فدخلت في ذلك دور كثيرة وولّى البناء يقطين الأمير ومات المهدي ولم يتم بناؤه. وفيها أظلمت الدنيا ظلمة شديدة لليال بقين من ذي الحجة وأمطرت السماء رملاً أحمر، ثم وقع عقيبه وباء شديد هلك فيه معظم أهل بغداد والبصرة. وفيها حج بالناس إبراهيم بن يحيى بن محمد أمير المدينة، ثم توفي بعد عوده إلى المدينة بأيام، وتولى المدينة من بعده إسحاق بن عيسى ابن علي. وفيها عزل المهدي عن ديوان الرسائل أبا عبيد الله الأشعري «3» الذي كان وزيره

وقبض عليه في الماضية ثم أطلقه وولاه ديوان الرسائل فعزله في هذه السنة، وولى مكانه الربيع الحاجب، فاستناب الربيع فيه سعيد بن واقد «1» . وفيها جد المهدي في تتبع الزنادقة والبحث عنهم في الآفاق وقتل منهم خلائق. وفيها توفي بشار بن برد أبو معاذ العقيلي بالولاء، الضرير الشاعر المشهور، ولد أعمى جاحظ الحدقتين قد تغشاهما لحم أحمر. وكان ضخماً عظيم الخلقة والوجه مجدراً طويلا، وكان يرمى بالزندقة، ويروى عنه أنه كان يفضل النار على الأرض، ويصوب رأي إبليس في امتناعه من السجود لآدم صلوات الله عليه؛ وفى تفضيل النار يقول: الأرض مظلمة والنار مشرقة ... والنار معبودة مذ كانت النار ومن شعره في غير هذا: يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة ... والأذن تعشق قبل العين أحيانا قالوا بمن لا ترى تهذي «2» فقلت لهم ... الأذن كالعين توفي القلب ما كانا وله فى المشورة: إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن ... بحزم نصيح أو فصاحة حازم ولا تجعل الشورى عليك غضاضةً ... فإن «3» الخوافي قوة للقوادم وله في التشبيهات قوله: كأنّ مثار النّقع فوق رءوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى «4» كواكبه وفيها توفي عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الأمير الهاشمي العباسي، وهو ابن أخي السفاح والمنصور، وجعله السفاح ولي عهده بعد أخيه

ذكر ولاية موسى بن مصعب على مصر

المنصور، فلا زال به المنصور في أيام خلافته حتى جعل المهدي ابنه قبله في ولاية العهد ثم خلعه المهدي من ولاية العهد بالكلية بعد أمور صدرت؛ وكان عيسى هذا يلقب في أيام ولاية العهد بالمرتضى، وولي عيسى المذكور أعمالاً جليلة إلى أن توفي. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراع واحد وأربعة أصابع، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وثمانية عشر إصبعا. ذكر ولاية موسى بن مصعب على مصر هو موسى بن مصعب بن الربيع الخثعمي مولى خثعم أصله من أهل الموصل ولاه المهدي إمرة مصر- بعد عزل إبراهيم بن صالح عنها سنة سبع وستين ومائة- على الصلاة والخراج؛ وقدم مصر في يوم السبت سابع ذي الحجة من السنة المذكورة؛ وعند دخوله إلى مصر رد إبراهيم بن صالح معه إلى مصر بعد أن كان خرج منها، وقال: أمرني الخليفة بمصادرتك فصادره وأخذ منه ومن عمّاله ثلثمائة ألف دينار، ثم أمر إبراهيم بالمسير إلى بغداد فسار إليها؛ ولما دخل موسى هذا الى مصر سكن بالمعسكر. وجعل على شرطته عسامة بن عمرو، وأخذ موسى في أيام إمرته على مصر يتشدد على الناس في استخراج الخراج وزاد على كل فدان ضعف ما كان أولا، ولقي الناس منه شدائد وساءت سيرته وارتشى في الأحكام؛ ثم رتّب دراهم على أهل الأسهواق وعلى الدواب فكرهه الجند وتشغبوا عليه ونابذوه؛ وثارت قيس واليمانية وكاتبوا أهل مصر فاتفقوا عليه؛ ثم اشتغل موسى هذا بأمر دحية الأموي الخارج ببلاد الصعيد المقدم ذكره وجهز إليه جيوشا لقتاله؛ ثم خرج هو بنفسه في جميع جيوش مصر لقتال قيس واليمانية؛ فلما التقوا انهزم عنه أهل مصر بأجمعهم وأسلموه فقتل، ولم

ما وقع من الحوادث سنة 168

يتكلم أحد من أهل مصر لأجله كلمة واحدة؛ وكان قتله لسبع خلون من شوال سنة ثمان وستين ومائة؛ فكانت ولايته على مصر عشرة أشهر، وولي بعده عسامة بن عمرو، وكان موسى استخلفه بعد خروجه للقتال. وكان موسى هذا من شر ملوك مصر، كان ظالماً غاشماً، سمعه الليث بن سعد يقرأ في خطبته: (إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها) فقال الليث: اللهم لاتقه منها. ومن غريب الاتفاق: أن موسى بن كعب أمير مصر المقدم ذكره في موضعه لما عزله أبو جعفر المنصور عن إمرة مصر بمحمد بن الأشعث كتب إليه: إني قد عزلتك لا لسخط ولكن بلغني أن غلاما يقتل بمصر من أمرائها يقال له موسى فكرهت أن تكونه، فأخذ موسى كلام المنصور لغرض. وبقي أهل مصر يتذاكرون ذلك إلى أن قتل موسى هذا بعد ذلك بسبع وعشرين سنة. *** [ما وقع من الحوادث سنة 168] السنة التي حكم فيها موسى بن مصعب على مصر وهي سنة ثمان وستين ومائة- فيها جهز المهدي سعيداً الحرشي لغزو طبرستان في أربعين ألفا. وفيها حج بالناس علي بن المهدي. وفيها نقضت الروم الصلح بعد «1» فراغه بثلاثة أشهر، فتوجّه إليهم يزيد بن بدر بن أبي محمد البطال في سرية فغنموا وظفروا. وفيها مات عمر «2»

الكلواذاني عريف الزنادقة وتولى بعده حمدويه الميساني. وفيها توفي الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أبو محمد الهاشمي المدني، وأمه أم ولد كان عابداً ثقة، ولي المدينة لأبي جعفر المنصور خمس سنين، ثم غضب عليه أبو جعفر وعزله واستصفى أمواله وحبسه، فلم يزل محبوسا حتى مات المنصور فأخرجه المهدي ورد عليه كل شيء كان أخذ له؛ ولم يزل عند المهدي مقرباً إلى أن مات في هذه السنة. وفيها توفي حماد بن سلمة أبو سلمة البصري مولى بني تميم، كان من أهل البصرة وهو ابن أخت حميد الطويل، كان ثقة عالماً زاهداً صالحاً كبير الشأن. الذين ذكر وفاتهم الذهبي على اختلاف في وفاتهم، قال: وتوفى أبو أميّة [أيوب] ابن خوط «1» البصري، وجعفر الأحمر بخلف، وأبو الغصن «2» ثابت بن قيس المدني، والأمير الحسن بن زيد بن السيد الحسن سبط النبي صلى الله عليه وسلم. قلت وهو الذي ذكرناه في هذه السنة. قال: وتوفي خارجة بن مصعب السرخسي «3» ، وسعيد بن بشير بدمشق وقيل سنة تسع، وأبو مهدي سعيد بن سنان الحمصي، وطعمة بن عمرو الجعفري الكوفي، وعبيد الله بن الحسن العنبرىّ قاضي البصرة، وغوث بن سليمان بمصر، ومحمد بن صالح التمار، وأبو حمزة السكري في قول، ومفضل بن مهلهل «4» في قول، ونافع بن يزيد الكلاعي بمصر ويحيى بن أيوب المصري وقيل سنة ثلاث.

ذكر ولاية عسامة بن عمرو على مصر

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان سواء، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعاً وخمسة عشر إصبعاً. ذكر ولاية عسامة بن عمرو على مصر هو عسامة بن عمرو بن علقمة بن معلوم بن جبريل «1» بن أوس بن دحية المعافري الأمير أبو داجن أمير مصر (وعسامة بفتح العين المهملة والسين المهملة مشددة وبعد الألف ميم مفتوحة وهاء ساكنة) وليها باستخلاف موسى بن مصعب له، فلما قتل موسى أقره المهدي على إمرة مصر عوضه؛ وكان ذلك في شوال سنة ثمان وستين ومائة، وكان ولى الشّرطة بمصر لعدة من أمراء مصر؛ ولما ولي إمرة مصر افتتح إمرته بحرب دحية الأموي الخارج ببلاد الصعيد في إمرة موسى، فبعث إليه جيوشا مع أخيه بكار بن عمرو فحارب بكار المذكور يوسف بن نصير مقدمة جيش دحية المذكور وتطاعنا فوضع يوسف الرمح في خاصرة بكار ووضع بكار الرمح في خاصرة يوسف فقتلا معاً ورجع الجيشان منهزمين؛ وكان ذلك في ذي الحجة سنة ثمان وستين ومائة. فلم يقم عسامة بعد ذلك إلا أياماً يسيرة وورد عليه الخبر من الفضل بن صالح العباسي أنه ولي مصر وقد استخلف عسامة المذكور على صلاتها حتى يحضر، فخلفه عسامة على الصلاة حتى حضر الفضل في سلخ المحرم سنة تسع وستين ومائة؛ فكانت ولاية عسامة على مصر ثلاثة أشهر إلا أياما. واستمر عسامة بمصر بعد ذلك سنين إلى أن استخلفه إبراهيم بن صالح لما ولي مصر قبل أن يدخلها على الصلاة فخلفه عسامة المذكور أياما يسيرة بها حتى حضر إبراهيم، ثم أقام عسامة بعد ذلك بمصر إلى أن مات بها يوم الجمعة لست أو لسبع بقين من شهر ربيع الآخر سنة ست وسبعين ومائة.

ما وقع من الحوادث سنة 169

[ما وقع من الحوادث سنة 169] السنة التي حكم فيها عسامة وغيره على مصر وهي سنة تسع وستين ومائة- فيها خرج المهدىّ من بغداد يريد ما سبذان «1» واستخلف الربيع الحاجب على بغداد، وسبب خروجه أنه رأى تقديم ولده هارون على أخيه موسى وكلاهما أمه الخيزران، فأرسل المهدي إلى ولده موسى وكلاء وهو بجرجان فامتنع من المجيء، ثم أرسل إليه ثانياً فلم يأت، فسار إليه المهدي فمات في طريقه. ذكر وفاة المهدي ونسبه هو محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي العباسي أمير المؤمنين، وهو الثالث من خلفاء بني العباس، بويع بالخلافة بعد وفاة أبيه في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة ومولده سنة سبع وعشرين ومائة، وأمه بنت منصور الحميرية، ومات في المحرم من هذه السنة. وسبب موته قيل؛ إنه ساق في مسيره خلف صيد فاقتحم الصيد خربة فدخلت الكلاب خلفه وتبعهم المهدي فدق ظهره في باب الخربة مع شدة سوق الفرس فمات من ساعته، وقيل: بل سمه بعض حواشيه. وقيل: بل أكل أبخاصاً «2» فصاح: جوفي جوفي ومات من الغد بقرية من قرى ما سبذان، وقيل غير ذلك. فبويع موسى الهادي ولده بالخلافة، وركب البريد من جرجان إلى بغداد في عشرين يوما ولا يعرف خليفة ركب البريد سواه. وكان وصول الهادي إلى بغداد في عاشر صفر من سنة تسع وستين ومائة.

قلت: وينبغي أن نلحق قضية موسى الهادي في كتاب «الفرج بعد الشدة» فإنه كان أبوه يريد خلعه من ولاية العهد ويقدم الرشيد عليه فجاءته الخلافة دفعة واحدة. وفيها توفي الربيع الحاجب، كان من عظماء الدولة العباسية ونالته السعادة وطالت أيامه وولي حجوبية المنصور والمهدي، وولي نيابة بغداد وغيرها. وفيها حج بالناس سليمان بن أبي جعفر المنصور. وفيها توفي إبراهيم بن عثمان أبو شيبة قاضي واسط مولى بني عبس، كان كاتبه يزيد بن هارون، وكان عادلا في أحكامه حسن السيرة. وفيها توفي إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، كان خرج مع الحسين صاحب فخ فلما قتل الحسين هرب إدريس هذا إلى مصر، وكان على بريد مصر واضح، فحمله واضح المذكور إلى المغرب فنزل بمدينة وليلة وبايعه الناس والبربر وكاد أمره أن يتم؛ فدس عليه الهادي أو الرشيد الشماخ اليماني مولى المهدي، فخرج الشماخ إلى المغرب في صفة طبيب، فشكا إدريس من أسنانه فأعطاه الشماخ سنوناً «1» مسموماً وقال له: بعد صلاة الفجر استعمله وهرب الشماخ من يومه، فمات إدريس بعد أن استعمل السنون بيوم. وقد تقدم أيضاً ذكر إدريس هذا في ولاية واضح على مصر. وفيها قتل الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، صاحب فخ الذي كان خرج قبل هذه المرة، ثم ظهر ثانيا في هذه السنة بالمدينة، وكان متولي المدينة عمر بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فقاتله عمر المذكور، وآخر الأمر أن الحسين هذا قتل وقتل معه أصحابه، وكانت عدّة الرءوس التي حملت إلى الخليفة مائة رأس. وفيها توفي محمد بن عبد الرحمن بن هشام أبو خالد القاضي المكي، ولي قضاء مكة

ذكر ولاية الفضل بن صالح على مصر

وكان قصيرا دميما، وكان عنقه داخلاً في بدنه؛ سمعته امرأته يوماً وهو يقول: اللهم أعتق رقبتي من النار، فقالت: وأي رقبة لك! وقيل: إن أمه قالت له: يا ولدي، إنك قد خلقت خلقة لا تصلح معها لمعاشرة الفتيان، فعليك بالدّين والعلم فانّهما يتمّان النقائص، [ويرفعان «1» الخسائس؛ فنفعني الله بما قالت فتعلمت العلم حتى وليت القضاء] . أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وخمسة عشر إصبعا، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وخمسة عشر إصبعاً. ذكر ولاية الفضل بن صالح على مصر هو الفضل بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس الأمير أبو العباس الهاشمي العباسي، ولاه المهدي إمرة مصر بعد عزل عسامة بن عمرو على الصلاة والخراج؛ وقبل خروجه مات محمد المهدي في أول المحرم سنة تسع وستين ومائة، وولي الخلافة ابنه موسى الهادي فأقر الهادي الفضل هذا على عمل مصر وسفره، فسار الفضل حتى دخل إلى مصر في يوم الخميس سلخ المحرم المذكور؛ وكان الفضل استعمل عسامة المعزول عن إمرة مصر على الصلاة إلى أن حضر، فلما قدم الفضل استعمل عسامة أيضاً على عادته الأولى قبل أن يلي الإمرة؛ ولما دخل الفضل إلى مصر وجد أمر مصر مضطربا من عصيان أهل جزيرة الحوف، بالوجه البحري، وأيضاً من خروج دحية الأموي بالصعيد وقد طال أمره على أمراء مصر، وكان مع الفضل جيوش الشأم فحال قدومه جهز العساكر لحرب دحية المذكور. فقاتله العسكر وهزموه، وأسر دحية بعد أمور وحروب، وقدموا به إلى الفسطاط، فضرب

ذكر ولاية على بن سليمان على مصر

الفضل عنقه وصلب جثته وبعث برأسه إلى الهادي. وكان قتل دحية المذكور في جمادى الآخرة سنة تسع وستين ومائة، فكان الفضل يقول: أنا أولى الناس بولاية مصر لقيامي في أمر دحية وهزيمته وقتله وقد عجز عنه غيري، وكاد أمره أن يتم لطول مدته ولاجتماع الناس عليه لولا قيامي في أمره، وكان الفضل لما قدم مصر سكن المعسكر و [بنى «1» ] به الجامع، فلم يكن بعد قتله لدحية بمدة يسيرة إلا وقدم عليه البريد بعزله عن إمرة مصر بعلي بن سليمان؛ فلما سمع الفضل خبر عزله ندم على قتل دحية ندماً عظيماً فلم يفده ذلك. وكان عزل الفضل عن إمرة مصر في أواخر سنة تسع وستين ومائة المذكورة؛ فكانت ولايته على مصر دون السنة. وقد ولي الفضل هذا إمرة دمشق مدة. ولا أعلم ولايته على دمشق قبل ولايته على مصر أو بعدها. وهو الذي عمر أبواب جامع دمشق والقبة التي في الصحن وتعرف بقبة المال في أيام إمرته على دمشق. وكانت وفاة الفضل هذا في سنة اثنتين وسبعين ومائة وهو ابن خمسين سنة، وكان أميراً شجاعاً مقداماً شاعراً فصيحاً أديباً صاحب خطب وشعر، من ذلك قوله: عاش الهوى واستشهد الصبر ... وعاث في الحزن والضر وسهل التوديع يوم نوى ... ما كان قد وعّره الهجر ذكر ولاية علي بن سليمان على مصر هو علي بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس، الأمير أبو الحسن الهاشمي العباسي، ولي إمرة مصر بعد عزل الفضل بن صالح عنها؛ ولاه موسى الهادي على إمرة مصر وجمع له الصلاة والخراج معاً، ودخل علي بن سليمان هذا إلى مصر

في شوال سنة تسع وستين ومائة وسكن المعسكر، وجعل على شرطته عبد الرحمن ابن موسى اللخمي ثم عزله وولى الحسن بن يزيد الكندي. ولما قدم علي المذكور إلى مصر أقام مدة يسيرة وورد عليه الخبر بموت موسى الهادي في نصف شهر ربيع الأول سنة سبعين ومائة، وولاية هارون الرشيد الخلافة من بعده وأن الرشيد أخاه أقر علياً على عمل مصر على عادته؛ وكان علي بن سليمان المذكور عادلاً وفيه رفق بالرعية آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، ومنع في أيامه الملاهي والخمور، وهدم الكنائس بمصر وأعمالها، فتكلم القبط معه في تركها وأن يجعلوا له في مقابلة ذلك خمسين ألف دينار، فامتنع من ذلك وهدم الكنائس؛ وكان كثير الصدقة في الليل فمالت الناس إليه، فلما رأى ميل الناس إليه أظهر ما في نفسه من أنه يصلح للخلافة، وطمع في ذلك وحدثته نفسه بالوثوب، فكتب بعض أهل مصر إلى هارون الرشيد وعرفه بذلك، فسخط عليه هارون وعاجله بعزله؛ فعزله عن إمرة مصر في يوم الجمعة لأربع بقين من شهر ربيع الأول سنة إحدى وسبعين ومائة؛ وولى مصر بعده موسى بن عيسى. فكانت ولاية علي بن سليمان هذا على مصر نحو سنة وثلاثة أشهر، وقيل أكثر من ذلك. وتوجه علي بن سليمان إلى الرشيد فندبه لقتال يحيى بن عبد الله بالديلم وصحبته الفضل بن يحيى البرمكي- ويحيى بن عبد الله هو يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم- كان خرج بالديلم واشتدت شوكته وكثرت جموعه وأتاه الناس من الأمصار، فاغتمّ الرشيد لذلك، وندب إليه علي بن سليمان هذا بعد عزله وجعل أمر الجيش للفضل بن يحيى، وولاه جرجان وطبرستان والري وغيرها وسيرهما في خمسين ألفاً، وحمل معهما الأموال؛ فكاتبا يحيى بن عبد الله وتلطفا به وحذراه المخالفة وأشارا

ما وقع من الحوادث سنة 170

عليه بالطاعة؛ ونزل الفضل بن يحيى بالطالقان بمكان يقال له: آشب «1» ؛ ووالى كتبه إلى يحيى بن عبد الله العلوي المذكور، حتى أجاب يحيى إلى الصلح على أن يكتب له الرشيد أمانا بخطه يشهد عليه فيه القضاة والفقهاء وجلة بني العباس ومشايخهم، منهم عبد الصمد بن علي؛ فأجاب الرشيد إلى ذلك وسرّبه وعظمت منزلة الفضل عنده، وسير الرشيد الأمان إلى يحيى بن عبد الله مع هدايا وتحف فقدم يحيى مع الفضل وعلي بن سليمان إلى بغداد، فلقيه الرشيد بما أحب وأمر له بمال كثير، ثم بعد مدة قبض عليه وحبسه حتى مات في الحبس؛ وكان الرشيد قد عرض كتاب أمان يحيى بن عبد الله المذكور على الإمام محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة وعلى أبي البختري «2» القاضي؛ فقال محمد بن الحسن: الأمان صحيح، فحاجه الرشيد وأغلظ له فلم يرجع حتى حنق منه الرشيد وكاد يسطو عليه. وقال أبو البختري: هذا أمان منتقض من وجه كذا، فمزقه الرشيد. واستمر علي بن سليمان معظماً إلى أن مات. وتوفي بعد عزله عن مصر في سنة اثنتين وسبعين ومائة قاله الذهبي وقيل: سنة ثمان وسبعين ومائة. [ما وقع من الحوادث سنة 170] السنة التي حكم فيها علي بن سليمان على مصر وهي سنة سبعين ومائة- فيها توفي الخليفة موسى الهادي ابن الخليفة محمد المهدي ابن الخليفة أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس العباسي الهاشمي، أمير المؤمنين أبو جعفر وقيل أبو محمد، وقيل أبو موسى، الرابع من خلفاء بني العباس ببغداد، ولد سنة خمس

وأربعين ومائة، وقيل سنة ست وأربعين ومائة، وقيل سنة ثمان وأربعين ومائة؛ وأمه أم ولد تسمى الخيزران، وهي أم الرشيد أيضا؛ وكان موته من قرحة أصابته، وقيل: إن أمه الخيزران سمته لما أجمع على قتل أخيه هارون الرشيد، وكانت الخيزران مستبدة بالأمور الكبار حاكمة، وكانت المواكب تغدو إلى بابها فزجرهم الهادي ونهاهم عن ذلك وكلمها بكلام فج، وقال لها: متى وقف ببابك أمير ضربت عنقه، أما لك مغزل يشغلك أو مصحف يذكرك، أو سبحة! فقامت الخيزران وهي ما تعقل من الغضب، وقيل: إنه بعث إليها بسم أو طعام مسموم فأطعمت الخيزران منه كلباً فمات من وقته فعملت على قتله حتى قتلته: وقيل في وفاته غير ذلك، وكانت وفاته في نصف شهر ربيع الأول من السنة المذكورة، فكانت خلافته سنة واحدة وثلاثة أشهر وقيل سنة وشهراً، وبويع أخوه هارون الرشيد بالخلافة. وكان الهادي طويلاً جسيماً أبيض، بشفته العليا تقلص، وكان أبوه قد وكل به في صغره خادماً، فكلما رآه مفتوح الفم قال: موسى أطبق، فيضيق على نفسه ويضم شفته. حكى مصعب الزبيري عن أبيه قال: دخل مروان بن أبي حفصة شاعر وقته على الهادي فأنشد قصيدة فيها: تشابه يوما بأسه ونواله ... فما أحد يدري لأيهما الفضل فقال له الهادي: أيما أحب إليك، ثلاثون ألفاً معجلة أو مائة ألف درهم تدون في الدواوين؟ قال: تعجل الثلاثون، وتدون المائة ألف؛ قال: بل تعجلان لك. وفيها ولد للرشيد ابنه الأمين محمد من بنت عمه زبيدة وابنه المأمون عبد الله وأمه أم ولد- يأتي ذكرها في ترجمته-، وفيها عزل الرشيد عمر بن عبد العزيز [العمرىّ]

عن إمرة المدينة وولاها لإسحاق بن سليمان بن علي العباسي. وفيها فوض الرشيد أمور الخلافة إلى يحيى بن خالد بن برمك وقال له: قد قلدتك أمور الرعية وأخرجتها من عنقي فول من رأيت وافعل ما تراه، وسلم إليه خاتم الخلافة وكان الهادي قد حجر على أمه الخيزران فردها الرشيد إلى ما كانت عليه وزادها، فكان يحيى بن خالد يشاورها في الأمور. وفيها فرق الرشيد في أعمامه وأهله أموالاً لم يفرقها أحد من الخلفاء قبله. وفيها خرج من الطالبيين إبراهيم بن إسماعيل ويقال له طباطبا؛ وخرج أيضاً على الرشيد علي بن الحسن بن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن. وفيها حج الرشيد ماشيا كان يمشي على اللبود، كانت تبسط له من منزلة إلى منزلة؛ وسبب حجه ماشياً أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له: يا هارون، إن هذا الأمر صائر إليك فحج ماشياً، واغز «1» ووسع على أهل الحرمين. فأنفق فيهم الرشيد أموالاً عظيمة ولم يحج خليفة قبله ولا بعده ماشياً رحمه الله، ولقد كان من أحاسن «2» الخلفاء. وفيها توفيت جوهرة العابدة «3» الزاهدة زوجة أبي عبد الله البراثي الزاهد، كان زوجها أبو عبد الله منقطعا بقرية براثى غربي بغداد. وفيها توفى فتح بن محمد ابن وشاح أبو محمد الأزدي الموصلي الزاهد العابد، كان صاحب كرامات وأحوال. الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة، قال: وتوفي إسحاق بن سعيد بن عمرو الأموي، وعبد الله بن جعفر المخرمي المدني، وجرير بن حازم البصرىّ، والربيع ابن يونس الحاجب، وسعيد بن حسين الأزدي، وعبد الله بن المسيب أبو السوار المدني- بمصر يروي عن عكرمة-، وعبد الله بن المؤمل المخزومي، وعبد الله

ذكر ولاية موسى بن عيسى الأولى على مصر

ابن الخليفة مروان الأموي في السجن، وعمرو بن ثابت الكوفي. وفي «التذهيب» قال: مات سنة اثنتين وسبعين ومائة. وغطريف بن عطاء متولي اليمن، ومحمد بن أبان بن صالح الجعفي «1» ، ومحمد بن الزبير المعيطي إمام مسجد حران، ومحمد بن مسلم، أبو سعيد المؤدب بخلف، ومحمد بن مهاجر الأنصاري الحمصي، ومهدي بن ميمون في قول، وموسى الهادي بن المهدي الخليفة، وأبو معشر نجيح السندي المدني، ويزيد بن حاتم الأزدي متولي إفريقية. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وثلاثة أصابع، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وأربعة أصابع. ذكر ولاية موسى بن عيسى الأولى على مصر هو موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، الأمير أبو عيسى العباسي الهاشمي، «2» ولاه الخليفة هارون الرشيد إمرة مصر على الصلاة بعد عزل علي بن سليمان عنها؛ فقدم موسى إلى مصر في أحد الربيعين من سنة إحدى وسبعين ومائة وسكن بالمعسكر، وجعل على شرطته أخاه إسماعيل ثم عزله وولى عسامة بن عمرو، ثم وقع من موسى هذا أمور غير مقبولة، منها: أنه أذن للنصارى في بنيان الكنائس التي كان هدمها علي بن سليمان فبنيت بمشورة الليث بن سعد، وعبد الله بن لهيعة، وقالا: هى عمارة البلاد، واحتجا بأن الكنائس التي بمصر لم تبن إلا في الإسلام في زمان الصحابة والتابعين. وهذا كلام يتأول. وكان موسى المذكور عاقلاً جواداً ممدحاً ولي الحرمين لأبي جعفر المنصور والمهدي مدة طويلة، ثم ولي اليمن للمهدي أيضا، ثم ولي مصر لهارون الرشيد، وكان فيه رفق بالرعية

وتواضع؛ قيل: إنه دخل اليه ابن السمّاك الواعظ وذكره ثم وعظه حتى بكى بكاء شديداً، فقال ابن السماك: لتواضعك في شرفك أحب إلينا من شرفك؛ وقيل: إنه جلس يوماً بميدان مصر فأطال النظر في النيل ونواحيه، فقيل له: ما يرى الأمير؟ فقال «1» : أرى ميدان رهان، وجنان نخل، وبستان شجر، ومنازل سكنى، ودور خيل «2» وجبان أموات، ونهراً عجاجاً، وأرض زرع، ومرعى ماشية، ومرتع خيل، ومصايد بحر، وقانص «3» وحش، وملاح سفينة، وحادي إبل، ومفازة رمل، وسهلاً وجبلاً في أقل من ميل في ميل. قلت: لله دره فيما وصف من كلام كثرت معانيه وقل لفظه. واستمر موسى بعد ذلك على إمرة مصر إلى أن عزله الرشيد عنها بمسلمة بن يحيى لأربع عشرة خلت من شهر رمضان سنة اثنتين وسبعين ومائة. فكانت ولايته على مصر سنة واحدة وخمسة أشهر وخمسة عشر يوماً. وتوجه إلى الرشيد فلما قدم عليه ولاه الكوفة مدة ثم صرفه عن الكوفة وولاه دمشق، فأقام بها مدة أيضاً وصرف عنها وأعيد إلى إمرة مصر ثانياً كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى- لما «4» كانت الفتنة بدمشق بين المضرية «5» واليمانية، وهذه الفتنة هي سبب العداوة بين قيس وبين اليمن إلى يومنا هذا. وكان أول الفتنة بين المضرية واليمانية. وكان رأس المضرية أبا الهيذام «6»

ما وقع من الحوادث سنة 171

واسمه عامر بن عمارة المري أحد فرسان العرب. وكان سبب الفتنة أموراً: منها أن أحد غلمان الرشيد بسجستان قتل أخاً لأبي الهيذام، فرثى أبو الهيذام أخاه وجمع جمعاً وخرج إلى الشام، فاحتال عليه الرشيد بأخ له وأرغبه «1» حتى قبض عليه وكتفه، وأتى به إلى الرشيد فمن عليه وأطلقه؛ وقيل: إن أول ما هاجت الفتنة بالشام، أن رجلاً من القين خرج بطعام له يطحنه في الرحى بالبلقاء فمر بحائط رجل من لخم أو جذام وفيه بطيخ فتناول منه، فشتمه صاحبه وتضاربا، وسار القينىّ، فجمع صاحب البطيخ قوماً ليضربوه إذا عاد من اليمن، فلما عاد ضربوه، فقتل رجل من اليمانية فطلبوا بدمه واجتمعوا لذلك، فخاف الناس أن يتفاقم ذلك؛ فاجتمع الناس ليصلحوا بينهم فأتوا بني القين فكلموهم فأجابوهم، فأتوا اليمانية فقالوا: انصرفوا عنا حتى ننظر في أمرنا؛ ثم ساروا وبيتوا للقين فقتلوا منهم ستمائة وقيل ثلثمائة، فاستنجدت القين قضاعة وسليحاً «2» فلم ينجدوهم، فاسنجدت قيسا فأجابوهم، وساروا معهم فقتلوا من اليمانية ثمانمائة؛ وكثر القتال بينهم والتقوا غير مرة نحو سنتين ثم آصطلحوا ثم تقاتلوا؛ وتعصب لكل طائفة آخرون ودام ذلك إلى يومنا هذا بسائر بلاد الشام «3» . *** [ما وقع من الحوادث سنة 171] السنة الأولى من ولاية موسى بن عيسى الأولى على مصر وهي سنة إحدى وسبعين ومائة- فيها أخرج الرشيد من كان ببغداد من العلويين إلى المدينة. وفيها في شهر رمضان حجت الخيزران أم الرشيد وكان أمير الموسم عبد الصمد بن علي العباسي، وأقامت بمكة شهراً وتصدقت بأموال كثيرة. وفيها توفي اسماعيل بن

محمد بن زيد «1» بن ربيعة، أبو هاشم ويلقب بالسيد الحميري؛ كان شاعراً مجيداً وله ديوان شعر. وفيها توفي عيسى بن يزيد بن بكر بن دأب أبو الوليد التيمي «2» المدني، كان راوية العرب وافر الأدب عالماً بالنسب، أعطاه الخليفة موسى الهادي مرة ثلاثين ألف دينار. وفيها توفي المفضل «3» بن محمد بن يعلى الضبي، كان أحد الأئمة الفضلاء الثقات، وكان علامة في النسب وأيام العرب. قال جحظة: اجتمعنا عند الرشيد فقال للمفضل: أخبرني بأحسن ما قالت العرب في الذئب ولك هذا الخاتم وشراؤه ألف وستمائة دينار، فقال: أحسن ما قيل فيه: ينام بإحدى مقلتيه ويتقي ... بأخرى المنايا فهو يقظان نائم فقال الرشيد: ما ألقى الله هذا على لسانك إلا لذهاب الخاتم ورمى به إليه؛ فبلغ زبيدة فبعثت إلى المفضل بألف وستمائة دينار وأخذت الخاتم منه وبعثت به إلى الرشيد، وقالت: كنت أراك تعجب به؛ فألقاه إلى المفضل ثانياً وقال له: خذه وخذ الدنانير ما كنت لأهب شيئاً وأرجع فيه. الذين ذكر الذهبي وفاتهم على اختلاف في وفاتهم، قال: وفيها توفي إبراهيم بن سويد المدنىّ «4» ، وحبّان «5» بن علي بخلف، وحديج بن معاوية فيها أو بعدها، وأبو المنذر سلام القارئ، وعبد الله بن عمر العمري المديني، وعبد الرحمن بن الغسيل وله مائة

ما وقع من الحوادث سنة 172

وست سنين، وعدي بن الفضل البصري، وعمر بن ميمون بن الرمّاح، ومهدىّ ابن ميمون البصري بخلف، ويزيد بن حاتم المهلبي، في قول، وأبو الشهاب الحناط «1» عبد ربه بن نافع فيها أو فى الآتية. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وأربعة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 172] السنة الثانية من ولاية موسى بن عيسى الأولى على مصر وهي سنة اثنتين وسبعين ومائة- فيها حج بالناس يعقوب بن المنصور. وفيها عزل الرشيد عن أرمينية يزيد بن مزيد الشيباني وولى أخاه عبيد الله بن المهدي. وفيها زوج الرشيد أخته العباسة بنت المهدي بمحمد بن سليمان العباسي الهاشمي أمير البصرة. وفيها توفي عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، أبو المطرف الأموي المعروف بالداخل؛ مولده بدير حنين من عمل دمشق في سنة ثلاث عشرة ومائة ونشأ بالشام، فلما زال ملك بني أمية وقتلوا وتفرقوا فر عبد الرحمن هذا إلى المغرب بحواشيه وملك جزيرة الأندلس وتم أمره بها غير أنه لم يلقب بأمير المؤمنين، وقيل: إنه لقب به، والأول أصح لأن جماعة كثيرة ملكوا الأندلس من ذريته وليس فيهم من لقب بأمير المؤمنين، يأتي ذكرهم الجميع في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى؛ وولادة بنت المستكفي صاحبة ابن زيدون الشاعر هي من ذريته أيضاً.

ذكر ولاية مسلمة بن يحيى على مصر

الذين ذكرهم الذهبي في الوفيات، قال: وفيها توفي الحسن بن عياش أخو أبي بكر بن عياش بالكوفة، وروح بن مسافر البصري، وسليمان بن بلال، وصالح المري بخلف، وصاحب الأندلس عبد الرحمن الداخل الأموي، وابن عم المنصور علي بن سليمان بن علي، وابن عمه الآخر الفضل بن صالح بن علي، والوليد بن أبي ثور، والوليد بن المغيرة المصري «1» ، ويحيى بن سلمة «2» بن كهيل بخلف. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وستة أصابع، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا وإصبعان ونصف. ذكر ولاية مسلمة بن يحيى على مصر هو مسلمة بن يحيى بن قرة بن عبيد الله بن عتبة البجلي الخراساني أمير مصر، أصله من أهل خراسان وقيل من جرجان وخدم بني العباس وكان من أكابر القواد؛ ولاه هارون الرشيد على إمرة مصر على الصلاة والخراج معاً بعد عزل موسى بن عيسى العباسي في سنة اثنتين وسبعين ومائة، وقدم إلى مصر في شهر رمضان من السنة المذكورة في عشرة آلاف من الجند، وسكن المعسكر على عادة أمراء بني العباس؛ وجعل على الشرطة ابنه عبد الرحمن، فلم تطل مدته على مصر ووقع في ولايته على مصر أمور وفتن حتى عزله الخليفة هارون الرشيد في شعبان سنة ثلاث وسبعين ومائة بمحمد بن زهير الأزدي؛ فكانت ولايته على إمرة مصر أحد عشر شهراً، وكانت أيامه مع قصرها كثيرة الفتن؛ ووقع له أمور مع أهل الحوف ثم أخرج العساكر لحفظ البحيرة من الفتن التي كانت بالمغرب: منها خروج سعيد بن الحسين بن

ما وقع من الحوادث سنة 173

يحيى الأنصاري بالأندلس وتغلبه على أقاليم طرطوشة «1» في شرق الأندلس، وكان قد التجأ إليها حين قتل أبوه الحسين ودعا إلى اليمانية وتعصب لهم، فاجتمع له خلق كثير وملك مدينة طرطوشة وأخرج عاملها يوسف القيسي «2» فعارضه موسى بن فرتون «3» وقام بدعوة هشام الأموي ووافقته جماعة؛ وخرج أيضاً مطروح بن سليمان بن يقظان بمدينة برشلونة وخرج معه جمع كبير، فملك مدينة سرقسطة ومدينة وشقة وتغلب على تلك الناحية وقوي أمره. وكان هشام مشغولاً بمحاربة أخويه سليمان وعبد الله، ولم تزل الحرب قائمة بالغرب، وأمير مصر يتخوف من هجوم بعضهم إلى أن عزل مسلمة عن مصر. *** [ما وقع من الحوادث سنة 173] السنة التي حكم فيها مسلمة بن يحيى على مصر وهي سنة ثلاث وسبعين ومائة- فيها عزل الرشيد عن إمرة خراسان جعفر بن محمد بن الأشعث وولى عوضه ولده العباس بن جعفر بن محمد بن الأشعث. وفيها حج الرشيد بالناس ولما عاد أخذ معه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وحبسه إلى أن مات. وفيها توفيت الخيزران جارية المهدي وأم ولديه موسى الهادي وهارون الرشيد، كان اشتراها المهدي وأعتقها وتزوجها، ذكرنا ذلك في وقته من هذا الكتاب في محله، وكانت عاقلة لبيبة دينة؛ كان دخلها في السنة ستة آلاف وستين ألف ألف درهم، فكانت تنفقها في الصدقات وأبواب البر، وماتت ليلة الجمعة

لثلاث بقين من جمادى الآخرة، ومشى ابنها الرشيد في جنازتها وعليه طيلسان أزرق وقد شد وسطه وأخذ بقائمة التابوت حافياً يخوض في الطين والوحل من المطر الذي كان في ذلك اليوم حتى أتى مقابر قريش فغسل رجليه وصلى عليها ودخل قبرها ثم خرج وتمثل بقول متمم [بن نويرة] الأبيات المشهورة، التى أوّلها: وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا فلما تفرقنا كأني ومالكاً ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا ثم تصدق عنها بمال عظيم ولم يغير على جواريها وحواشيها شيئاً مما كان لهم. وفيها توفيت غادر جارية الهادي وكانت بارعة الجمال، وكان الهادي مشغوفاً بحبها فبينما هي تغنيه يوما فّكر وتغيّر لونه وقال: وقع في نفسي أني أموت ويتزوجها أخي هارون من بعدي، فأحضر هارون واستحلفه بالأيمان المغلظة من الحج ماشياً وغيره [أنه لا يتزوجها «1» ] ، ثم استحلفها أيضاً كذلك، ومكث الهادي بعد ذلك أقل من شهر ومات وتخلف هارون الرشيد فأرسل هارون الرشيد خطبها «2» ، فقالت له: وكيف يميني ويمينك؟ فقال: أكفر عن الكلّ، فتزوجته فزاد حب الرشيد لها على حب الهادي أخيه حتى إنها كانت تنام فتضع رأسها على حجره فلا يتحرك حتى تنتبه؛ فبينما هي ذات يوم نائمة [ورأسها «3» ] على ركبته انتبهت فزعة تبكي وقالت: رأيت الساعة أخاك الهادي وهو يقول وأنشدت أبياتاً منها: ونكحت عامدة أخي ... صدق الذي سماك غادر فلم تزل تبكي وتضطرب حتى ماتت وتنغص عليه عيشه بموتها. وقيل: إن الرشيد ما حج ماشياً إلا بسبب اليمين التي كانت حلفه [إياها] أخوه الهادي بسببها. وفيها توفي محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس، كان من وجوه بني العباس وتولّى

ذكر ولاية محمد بن زهير على مصر

الأعمال الجليلة، وهو الذي تزوج العباسة بنت المهدي أخت هارون الرشيد، وكان له خمسون ألف عبد، منهم عشرون ألفاً عتقاً. قاله أبو المظفر في مرآة الزمان. ذكر الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفي اسماعيل ابن زكرياء الخلقاني، وجويرية بن أسماء الضبعي، وأم الرشيد الخيزران، وسعيد ابن عبد الله المعافري، وسلام بن أبي مطيع، والسيد الحميري الشاعر، وزهير ابن معاوية بن كامل اللخمي المصري، وعبد الرحمن بن أبي الموالي مولى بني هاشم، والأمير محمد بن سليمان بن علي. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وستة أصابع، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعاً وثلاثة أصابع. ذكر ولاية محمد بن زهير على مصر هو محمد بن زهير الأزدي أمير مصر ولاه هارون الرشيد على إمرة مصر وجمع له بين الصلاة والخراج معاً، وذلك بعد عزل مسلمة بن يحيى لخمس خلون من شعبان سنة ثلاث وسبعين ومائة، وسكن المعسكر على عادة أمراء بني العباس واستعمل على خراج مصر عمر بن غيلان وعلى الشرطة حنك «1» بن العلاء ثم صرفه وولّى حبيب ابن أبان البجلي؛ ولما ولي عمر بن غيلان خراج مصر شدد على الناس وعلى أهل الخراج، فنفرت القلوب منه وثار عليه الجند وقاتلوه وحصروه في داره فلم يدافع عنه محمد بن زهير صاحب الترجمة، فانحطّ قدر عمر بن غيلان وتلاشى أمره مع الجند وغيرهم؛ وبلغ الخليفة هارون الرشيد ذلك فعظم عليه عدم قيام محمد بن زهير بنصرة عمر بن غيلان المذكور فعزله عن إمرة مصر بداود بن يزيد بن حاتم المهلبي فى سلخ

ذكر ولاية داود بن يزيد على مصر

ذى الحجّة من سنة ثلاث وسبعين ومائة؛ فكانت ولاية محمد بن زهير على إمرة مصر خمسة أشهر تنقص أياماً، وتوجه إلى الرشيد فزجره ثم جعله من جملة القواد وندبه للاستيلاء على مال محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس بالبصرة بعد موته، وكانت تركة محمد بن سليمان عظيمة: من المال والمتاع والدواب، فحملوا منها ما يصلح للخلافة وتركوا ما لا يصلح؛ وكان من جملة ما أخذوا له ستون ألف ألف درهم؛ فلما قدموا بذلك على الرشيد أطلق منه للندماء والمغنين شيئاً كثيراً ورفع الباقي إلى خزانته. وكان سبب أخذ الرشيد تركته أن أخاه جعفر بن سليمان كان يسعى به إلى الرشيد حسداً له ويقول: إنه لا مال له ولا ضيعة إلا وقد أخذ أكثر من ثمنها ليتقوى به على ما تحدثه به نفسه- يعني الخلافة- وأن أمواله حل طلق «1» لأمير المؤمنين. وكان الرشيد يأمر بالاحتفاظ بكتبه، فلما توفي محمد بن سليمان أخرجت الكتب الواردة من جعفر أخيه واحتج الرشيد عليه بها في أخذ أمواله ولم يكن له أخ لأبيه وأمه غيره، فأقر جعفر بالكتب، فأخذ الرشيد جميع المال ولم يعط جعفراً منها الدرهم الواحد. قلت: انظر إلى شؤم الحسد وسوء عاقبته، ولله در القائل: الحاسد ظالم في صفة مظلوم، مبتلى غير مرحوم. ودام محمد بن زهير عند الرشيد إلى أن كان ما سيأتى ذكره إن شاء الله تعالى. ذكر ولاية داود بن يزيد على مصر هو داود بن يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة المهلبي أمير مصر، ولاه الخليفة هارون الرشيد على إمرة مصر على الصلاة بعد عزل محمد بن زهير الأزدي، فقدم مصر لأربع عشرة ليلة خلت من المحرم سنة أربع وسبعين ومائة،

وقدم معه إبراهيم بن صالح بن علي العباسىّ على الخراج؛ فدخلا مصر معا وسكن داود المعسكر على العادة وجعل على شرطته عمّار بن مسلم الطائي، ثم أخذ داود في إصلاح أمر مصر وأخرج الجند الذين كانوا ثاروا على عمر بن غيلان صاحب خراج مصر في أيام محمد بن زهير المعزول عن إمرة مصر إلى بلاد المغرب، وأخرج بعضهم أيضاً إلى بلاد المشرق وكانوا عدة كبيرة. ثم ورد عليه الأمر من الرشيد أن يأخذ المصريين ببيعة ابنه الأمير محمد بن زبيدة ففعل ذلك. وكان الرشيد عقد لابنه محمد المذكور بولاية العهد ولقبه بالأمين وأخذ له البيعة من الناس وعمره خمس سنين وكتب بذلك إلى الأقطار. وكان سبب البيعة للأمين أن خاله عيسى بن جعفر بن المنصور جاء إلى الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك وسأله في ذلك وقال له: إنه ولدك وخلافته لك، وإن أختي زبيدة تسألك في ذلك، فوعده الفضل بذلك وسعى فيه عند الرشيد حتى بايع له الناس بولاية العهد وترك ولده المأمون وهو أسن من ولده محمد الأمين بشهر، ثم بعد ذلك عهد الرشيد للمأمون بولاية العهد بعد الأمين على ما سيأتي ذكره. وأما جند مصر الذين أخرجوا من مصر فإنهم ساروا إلى المغرب في البحر فأسرهم الفرنج بعد حروب، وسكن الحال بديار مصر وأمن الناس، واستمر داود على إمرة مصر إلى أن صرفه الرشيد عنها بعيسى بن موسى بن عيسى العباسي المعزول عن إمرة مصر قديماً، وذلك لست خلون من المحرم سنة خمس وسبعين ومائة، فكانت ولايته على مصر سنة واحدة ونصف شهر. وأما أمر الجند الذين أسرهم الفرنج فإن داود بن يزيد المذكور جهزهم نجدة إلى هشام بن عبد الرحمن الأموي فيما قيل، وسببه أن هشام بن عبد الرحمن صاحب الأندلس لما فرغ من حرب أخويه سليمان وعبد الله وأجلاهما عن الأندلس وخلا

ما وقع من الحوادث سنة 174

سره منهما انتدب لمطروح بن سليمان بن يقظان الذي كان خرج عليه وسير إليه جيشاً كثيفاً وجعل عليهم أبا عثمان عبيد الله بن عثمان، فساروا إلى مطروح، وهو بسرقسطة، فحصروه بها فلم يظفروا به، فرجع أبو عثمان ونزل بحصن طرطوشة بالقرب من سرقسطة وبث سراياه على أهل سرقسطة، ثم إن مطروحاً خرج في بعض الأيام يتصيد وأرسل البازي على طائر فاقتنصه، فنزل مطروح ليذبحه ومعه صاحبان له قد انفرد بهما فقتلاه وأتيا برأسه إلى أبي عثمان فأرسله أبو عثمان الى هشام. *** [ما وقع من الحوادث سنة 174] السنة التي حكم فيها داود بن يزيد على مصر وهي سنة أربع وسبعين ومائة- فيها حج بالناس هارون الرشيد على طريق البصرة ودخل البصرة ووسع في جامعها من ناحية القبلة. وفيها وقعت العصبية وثارت الفتن بين أهل السنة والرافضة. وفيها ولى الرشيد إسحاق بن سليمان العباسي إمرة السند ومكران. وفيها استقضى الرشيد يوسف ابن القاضي أبي يوسف يعقوب صاحب أبي حنيفة في حياة والده. وفيها توفي روح بن حاتم بن؟؟؟ صة بن المهلب بن أبي صفرة المهلبي الأمير، كان هو وأخوه من وجوه دولة بني العباس. ولي روح هذا إفريقية والبصرة وغيرهما، وكان جليلاً شجاعاً جواداً. وفيها توفي عبد الله بن لهيعة بن عقبة بن فرعان الإمام الحافظ عالم الديار المصرية وقاضيها ومحدثها أبو عبد الرحمن الحضرمىّ المصري، مولده سنة سبع وتسعين وقيل سنة ست وتسعين؛ ومات في يوم الأحد نصف شهر ربيع الأول من السنة وصلى عليه الأمير داود بن يزيد ودفن بالقرافة من جبّانة مصر وقبره معروف بها يقصد للزيارة. قال الذهبي: وكان ابن لهيعة من الكتابين للحديث والجماعين للعلم والرحالين فيه، ولقد حدثني شكر «1» أخبرنا يوسف بن مسلم عن بشر بن المنذر

ذكر ولاية موسى بن عيسى الثانية على مصر

قال: كان ابن لهيعة يكنى أبا خريطة، وذاك أنه كانت له خريطة معلقة في عنقه فكان يدور بمصر، فكلّما قدم قوم كان يدور عليهم، فكان إذا رأى شيخا سأله: من لقيت وعمن كتبت. وفيها توفي منصور مولى عيسى بن جعفر بن منصور، وكان منصور هذا يلقب بزلزل، وكان مغنياً يضرب بغنائه وضربه بالعود المثل، وكان الغناء يوم ذاك غير الموسيقى الآن، وإنما كانت زخمات عددية وأصوات مركبة في أنغام معروفة، وهو نوع من إنشاد زماننا هذا على الضروب لإنشاد المداح والوعاظ. وقد أوضحنا ذلك في غير هذا المحل في مصنف على حدته وبينا فيه الفرق بينه وبين الموسيقى. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وثمانية أصابع، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وثمانية أصابع ونصف. ذكر ولاية موسى بن عيسى الثانية على مصر هو موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي العباسي، ولي إمرة مصر ثانية من قبل الرشيد بعد عزل داود بن يزيد المهلبي وجمع له صلاة مصر وخراجها، فكتب موسى المذكور من بغداد إلى الأمير عسامة بن عمرو يستخلفه على الصلاة، ثم قدم خليفته على الحراج نصر بن كلثوم ثم قدم موسى إلى مصر في سابع صفر سنة خمس وسبعين ومائة وسكن بالمعسكر على العادة، وحدثته نفسه بالخروج على الرشيد فبلغ الرشيد ذلك. قال أبو المظفر بن قزأوغلي في تاريخه «مرآة الزمان» : وبلغ الرشيد أن موسى ابن عيسى يريد الخروج عليه فقال: والله لا عزلته إلا بأخس من على بابي؛ فقال لجعفر بن يحيى: ول مصر أحقر من على بابي وأخسهم، فنظر فإذا عمر بن مهران كاتب الخيزران وكان مشوه الخلقة ويلبس ثياباً خشنة ويركب بغلاً ويردف غلامه خلفه، فخرج إليه جعفر وقال: أتتولى مصر؛ فقال: نعم، فسار إليها فدخلها

وخلفه غلام على بغل للثقل «1» ، فقصد دار موسى بن عيسى فجلس في أخريات الناس، فلما انفض المجلس قال موسى: ألك حاجة؟ فرمى إليه بالكتاب، فلما قرأه قال: لعن الله فرعون حيث قال: (أليس لي ملك مصر) ! الآية، ثم سلم إليه ملك مصر فمهدها عمر المذكور ورجع إلى بغداد وهو على حاله. انتهى كلام أبي المظفر. قلت: لم يذكر عمر بن «2» مهران أحد من المؤرخين في أمراء مصر، والجمهور على أن موسى بن عيسى عزل بابراهيم بن صالح العباسي، ولعل الرشيد لم يرسل عمر هذا إلا لنكاية موسى؛ ثم أقر الرشيد إبراهيم بعد خروج المذكور من بغداد، فكانت ولاية عمر على مصر شبه الاستخلاف من إبراهيم بن صالح ولهذا أبطأ إبراهيم بن صالح عن الحضور إلى الديار المصرية بعد ولايته مصر عن موسى المذكور؛ أو كانت ولاية عمر بن مهران على خراج مصر وإبراهيم على الصلاة وهذا أوجه من الأول.

وقال الذهبي: ولى الرشيد مصر لجعفر بن يحيى البرمكي بعد عزل موسى، فعلى هذا يكون عمر نائباً عن جعفر ولم يصل جعفر إلى مصر في هذه السنة ولهذا لم يثبت ولايته أحد من المؤرخين انتهى. وكان عزل موسى بن عيسى عن إمرة مصر فى ثامن عشرين صفر سنة 176 هـ، فكانت ولايته هذه الثانية على مصر سنة واحدة إلا أياماً قليلة. قلت: ومما يؤيد قولي إنه كان على الخراج قول ابن الأثير في الكامل، وذكر ذلك في سنة 176 هـ قال: «وفيها عزل الرشيد موسى بن عيسى عن مصر ورد أمرها إلى جعفر بن يحيى بن خالد فاستعمل عليها جعفر عمر بن مهران. وكان سبب عزله أن الرشيد بلغه أن موسى عازم على الخلع فقال: والله لا أعز له آلا بأخس من على بابي، فأمر جعفراً فأحضر عمر بن مهران وكان أحول مشوه الخلق وكان لباسه خسيساً وكان يردف غلامه خلفه، فلما قال له الرشيد: أتسير إلى مصر أميرا؟ قال: أتولاها على شرائط إحداها أن يكون إذني إلى نفسي إذا أصلحت البلاد انصرفت، فأجابه إلى ذلك؛ فسار فلما وصل إليها أتى دار موسى فجلس في أخريات الناس، فلما تفرقوا قال: ألك حاجة؟ قال: نعم، ثم دفع إليه الكتب فلما قرأها قال: هل يقدم أبو حفص أبقاه الله؟ قال: أنا أبو حفص؛ فقال موسى: لعن الله فرعون حيث قال: (أليس لي ملك مصر) ثم سلم له العمل. فتقدم عمر إلى كاتبه ألا يقبل هدية إلا ما يدخل في الكيس «1» ، فبعث الناس بهداياهم، فلم يقبل دابة ولا جارية ولم يقبل إلا المال والثياب، فأخذها وكتب عليها أسماء أصحابها وتركها؛ وكان أهل مصر قد اعتادوا المطل بالخراج وكسره، فبدأ عمر برجل منهم فطالبه بالخراج فلواه «2» ، فأقسم ألا يؤديه

ما وقع من الحوادث سنة 175

إلا بمدينة السلام، فبذل الخراج فلم يقبله منه وحمله إلى بغداد فأدى الخراج بها فلم يمطله أحد، فأخذ النجم «1» الأول والنجم الثاني، فلما كان النجم الثالث وقعت المطاولة والمطل وشكوا الضيق، فأحضر تلك الهدايا وحسبها لأربابها وأمرهم بتعجيل الباقي فأسرعوا في ذلك فاستوفى خراج مصر عن آخره ولم يفعل ذلك غيره ثم انصرف إلى بغداد» . انتهى «2» كلام ابن الأثير برمّته. *** [ما وقع من الحوادث سنة 175] السنة التي حكم فيها موسى بن عيسى ثانياً على مصر وهي سنة خمس وسبعين ومائة- فيها عقد الرشيد البيعة بالخلافة من بعده لابنه محمد بن زبيدة ولقب بالأمين وعمره خمس سنين، وكانت أمه زبيدة حرضت الرشيد وأرضوا الجند بأموال عظيمة حتى سكتوا. وفيها خرج يحيى بن عبد الله بن الحسن العلوي بالديلم وقويت شوكته وتوجهت إليه الشيعة من الأقطار فاغتم الرشيد من ذلك واشتغل عن اللهو والشرب وندب لحربه الفضل بن يحيى بن خالد البرمكي في خمسين ألفاً وفرق فيهم الأموال، فانحلت عزائم يحيى المذكور وطلب الصلح من الرشيد فصالحه الرشيد وأمنه ثم حبسه بعد مدة إلى أن مات. وفيها هاجت العصبية بالشام بين القيسية «3» واليمانية وقتل منهم عدد كثير، وكان على إمرة الشام موسى ابن ولي العهد عيسى العباسي، فعزله الرشيد واستعمل على الشام موسى بن يحيى البرمكي فقدم موسى وأصلح بينهم. وفيها عزل الرشيد عن إمرة خراسان العباس بن جعفر وأمر عليها خاله «4» الغطريف بن عطاء.

وفيها توفي الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي، مولاهم الأصبهاني الأصل المصري، أحد الأعلام وشيخ إقليم مصر وعالمه، كنيته أبو الحارث، مولده في شعبان سنة أربع وتسعين. قال الذهبي: وحج سنة ثلاث عشرة ومائة فلقى عطاء ونافعا وابن أبى مليكة وأبا «1» سعيد المقبري وأبا الزبير وابن شهاب فأكثر عنهم، ثم ذكر جماعة كثيرة ممن روى عنه. انتهى. وكان كبير الديار المصرية ورئيسها وأمير من بها في عصره بحيث إن القاضي والنائب من تحت أمره ومشورته؛ وكان الشافعي يتأسف على فوات لقيه. قيل: إن الإمام مالكاً كتب إليه من المدينة: بلغني أنك تأكل الرقاق وتلبس الرقاق وتمشي في الأسواق، فكتب إليه الليث بن سعد: (قل من حرم زينة الله) الآية. وعن ابن الوزير قال: قد ولي الليث الجزيرة وكان أمراء مصر لا يقطعون أمراً إلا بمشورته، فقال أبو المسعد «2» وبعث بها إلى المنصور أبي جعفر: لعبد الله عبد الله عندي ... نصائح حكتها في السر وحدي أمير المؤمنين تلاف مصراً ... فإن أميرها ليث بن سعد وكانت وفاة الليث في رابع عشر شعبان. ذكر الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة، قال: وتوفي الحكم بن فصيل «3» الواسطي؛ والخليل بن أحمد فيما قيل وقد مر، وخشاف «4» الكوفي صاحب اللغة، والقاسم بن معن المسعودي الكوفي؛ والليث بن سعد فقيه مصر.

ذكر ولاية ابراهيم بن صالح ثانيا على مصر

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع سواء، مبلغ الزيادة أربعة عشر ذراعا وثمانية عشر إصبعاً. ذكر ولاية إبراهيم بن صالح ثانياً على مصر تقدم ذكر ترجمته في ولايته الأولى على مصر، أعاده الرشيد إلى ولاية مصر ثانيا بعد عزل موسى بن عيسى العباسىّ فى صفر سنة ست وسبعين ومائة. ولما ولي إبراهيم مصر، أرسل باستخلاف عسامة بن عمرو على الصلاة، إلى أن قدم نصر بن كلثوم على خراج مصر في مستهل شهر ربيع الأول سنة ست وسبعين ومائة. وتوفي عسامة بن عمرو لسبع بقين من شهر ربيع الآخر من السنة. ثم قدم إلى مصر روح بن زنباع خليفة لإبراهيم على الصلاة والخراج. وروح بن زنباع هذا أبوه حفيد روح بن زنباع وزير عبد الملك بن مروان، فدام روح بن زنباع المذكور على صلاة مصر وخراجها إلى أن قدمها إبراهيم بن صالح بعده بأيام في النصف من جمادى الأولى؛ كل ذلك من سنة ست وسبعين ومائة. وسكن إبراهيم المعسكر وجمع له الرشيد بين الصلاة والخراج، فلم تطل أيامه ومات لثلاث خلون من شعبان سنة ست وسبعين؛ وقام بأمر مصر بعد موته ابنه صالح بن إبراهيم بن صالح مع صاحب شرطته خالد بن يزيد إلى أن ولي مصر عبد الله بن المسيب. وكان «1» مقامه بها شهرين وثمانية عشر يوماً؛ وكان إبراهيم المذكور من وجوه بني العباس وولي الأعمال الجليلة مثل دمشق وفلسطين ومصر للمهدي أولاً، ثم ولي الجزيرة لموسى الهادي، ثم ولي مصر ثانيا في هذه المرة لهارون الرشيد، وكان خيراً ديناً ممدحاً، وفد عليه مرة عباد بن عباد الخواص فقال له إبراهيم هذا: عظني، فقال عباد: إن

ما وقع من الحوادث سنة 176

أعمال الأحياء تعرض على أقاربهم من الموتى، فانظر ماذا يعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم من عملك! فبكى إبراهيم حتى سالت دموعه على لحيته رحمه الله تعالى. *** [ما وقع من الحوادث سنة 176] السنة التي حكم فيها إبراهيم بن صالح على مصر وهي سنة ست وسبعين ومائة- فيها عقد الرشيد لابنه المأمون عبد الله العهد بعد أخيه محمد الأمين ولقبه المأمون، وولاه الشرق وكتب بينهما كتاباً وعلقه في الكعبة، وكان المأمون أسن من الأمين بشهر واحد غير أنّ الأمين أمّه زبيدة بنت جعفر هاشميّة، والمأمون أمّه أم ولد اسمها مراجل، ماتت أيام نفاسها به، ومولدهما في سنة سبعين ومائة. وفيها حج بالناس سليمان بن منصور العباسي. وفيها أيضاً حجت زبيدة بنت جعفر زوج الرشيد، وأمرت في هذه السنة ببناء المصانع والبرك في طريق الحج. وفيها عزل الرشيد الغطريف بن عطاء عن إمرة خراسان وولاها حمزة بن مالك الخزاعي، وكان حمزة يلقب بالعروس. وفيها توفي إبراهيم بن علي بن سلمة «1» بن عامر بن هرمة، أبو إسحاق الفهري الشاعر المشهور. كان الأصمعي يقول: ختم الشعراء بابن هرمة [و] هو آخر الحجج. وفيها توفي صالح بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد ابن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي العباسي، ولي عدة أعمال جليلة وكان من أعيان بني العباس. وفيها توفي أبو عوانة وآسمه الوضاح بن عبد الله البزاز الواسطي الحافظ، مولى يزيد بن عطاء اليشكري، ويقال من سبي جرجان، رأى الحسن البصري وابن سيرين. وتوفي بالبصرة في شهر ربيع الأول.

ذكر ولاية عبد الله بن المسيب على مصر

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وأربعة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا وستة عشر إصبعا. ذكر ولاية عبد الله بن المسيب على مصر هو عبد الله بن المسيب بن زهير بن عمرو «1» بن جميل الضبي أمير مصر، ولاه الرشيد مصر على الصلاة بعد موت إبراهيم بن صالح العباسي، فقدم إلى مصر لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة ستّ وسبعين ومائة وسكن المعسكر وجعل على شرطته أبا المكيس «2» ولم تطل ولاية عبد الله المذكور على إمرة مصر، وعزل بإسحاق بن سليمان في شهر رجب سنة سبع وسبعين ومائة، فكانت ولايته على إمرة مصر نحو عشرة أشهر، وأقام بمصر بطالاً من غير إمرة إلى أن وليها استخلافاً عن عبد الملك بن صالح العباسي في سنة ثمان وسبعين ومائة نحو الشهرين، وصرف عبد الملك بعبيد الله بن المهدي، فصرف عبد الله بن المسيب هذا عن استخلاف مصر بعزل عبد الملك بن صالح، فإنه كان خليفته على مصر ولزم عبد الله بن المسيب بيته إلى أن استخلفه ثانياً عبيد الله بن المهدي لما ولي مصر بعد عبد الملك بن صالح، فباشر عبد الله بن المسيب صلاة مصر قليلاً باستخلاف عبيد الله بن المهدي المذكور، ثم صرف ولزم داره إلى أن مات. وفي أيام ولايته على مصر مع قصرها وقع له حروب مع أهل الحوف. واستنجده هشام صاحب الأندلس فجهز له العساكر، وبينما هو في ذلك ورد عليه الخبر بعزله. وكان هشام أرسل جيشاً كثيفاً واستعمل عليه عبد الملك بن عبد الواحد

ما وقع من الحوادث سنة 177

ابن مغيث، فدخلوا بلاد العدو وبلغوا أربونة وجرندة «1» [فبدأ بجرندة «2» ] وكان بها حامية الفرنج، فقتل رجالها وهدم أسوارها وأبراجها وأشرف على فتحها فرحل عنها إلى أربونة ففعل بها مثل ذلك، وأوغل فى بلادهم ووطئ أرض بربطانية «3» فاستباح حريمها وقتل مقاتلتها، وجاس البلاد شهراً يحرق الحصون ويسبي ويغنم، وقد أجفل العدو من بين يديه هارباً، وأوغل في بلادهم ورجع سالماً ومعه من الغنائم ما لا يعلمه إلا الله تعالى. وهي من أشهر مغازى المسلمين بالأندلس. *** [ما وقع من الحوادث سنة 177] السنة التى حكم فيها على مصر عبد الله بن المسيب وهي سنة سبع وسبعين ومائة- فيها عزل الرشيد حمزة بن مالك الخزاعي عن إمرة خراسان وولاها الفضل ابن يحيى البرمكي مع سجستان والري. وفيها حج بالناس الرشيد، وكان هذا دأب الرشيد، فسنة يحج وسنة يغزو، وفي هذا المعنى قال بعض شعراء عصره: فمن يطلب لقاءك أو يرده ... فبالحرمين أو أقصى الثغور وفيها توفي شريك بن عبد الله بن أبي شريك أبو عبد الله القاضي النخعي، أصله من الكوفة، وبها توفي يوم السبت مستهل ذي القعدة، وكان إماماً عالما ديناً. قال ابن المبارك: شريك أحفظ لحديث الكوفيين من سفيان الثوري. وفيها توفي أبو الخطاب الأخفش الكبير في هذه السنة وقيل فى غيرها، واسمه عبد الحميد ابن عبد المجيد شيخ العربية، أخذ عنه سيبويه ولولا سيبويه لما كان يعرف، فإن

ذكر ولاية إسحاق بن سليمان على مصر

الأخفش الأوسط الذي أخذ عنه سيبويه أيضاً الأتي ذكره هو المشهور؛ ولأبي الخطاب الأخفش هذا أشياء غريبة ينفرد بها عن العرب، وقد أخذ عنه جماعة من العلماء، منهم: عيسى بن عمر النحوىّ، وأبو عبيدة معمر بن المثنى وغيرهم. الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها مات عبد العزيز بن أبي ثابت المدني، وعبد الواحد بن زياد «1» الزاهد العبدىّ فيما قيل، ومحمد بن جابر الحنفي اليمامي، ومحمد بن مسلم الطائفىّ، وموسى بن أعين الحراني، وهياج بن بسطام الهروي، ويزيد بن عطاء اليشكري معتق أبي عوانة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وأربعة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وستة عشر إصبعا. ذكر ولاية إسحاق بن سليمان على مصر هو إسحاق بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي العباسي أمير مصر، ولاه الرشيد إمرة مصر بعد عزل عبد الله بن المسيب في مستهل شهر رجب سنة سبع وسبعين ومائة، وجمع له الرشيد صلاة مصر وخراجها؛ ولما دخل مصر سكن المعسكر على عادة أمراء بني العباس، وجعل على شرطته بعض أصحابه، وهو مسلم بن «2» بكار العقيلي؛ وأخذ إسحاق في إصلاح أمر مصر وكشف [أمر «3» ] خراجها، فلم يرض بما كان يأخذه قبله الأمراء، وزاد على المزارعين زيادة أفحشت بهم فسئمته الناس وكرهته وخرج عليه جماعة من أهل الحوف «4» من قيس وقضاعة، فحاربهم

ذكر ولاية هرثمة بن أعين على مصر

إسحاق المذكور وقتل من حواشيه وأصحابه جماعة كبيرة؛ فكتب إسحاق يعلم الرشيد بذلك، فعظم على الرشيد ما ناله من أمر مصر وصرفه عن إمرتها وعقد الرشيد لهرثمة على إمرة مصر وأرسله في جيش كبير إلى مصر؛ وكان عزل إسحاق هذا عن إمرة مصر في شهر رجب من سنة ثمان وسبعين ومائة، فكانت ولايته على مصر سنة واحدة وأياماً وتوجه إلى الرشيد. وقال ابن الأثير: «وفي هذه السنة (يعني سنة ثمان وسبعين ومائة) وثبت الجوفيّة بمصر على عاملهم إسحاق بن سليمان وقاتلوه وأمدّه الرشيد بهرثمة بن أعين، وكان عامل فلسطين، فقاتلوا الحوفية وهم من قيس وقضاعة، فأذعنوا بالطاعة وأدوا ما عليهم للسلطان. فعزل الرشيد إسحاق عن مصر واستعمل عليها هرثمة مقدار شهر، ثم عزله واستعمل عليها عبد الملك بن صالح» . انتهى كلام ابن الأثير برمته. ذكر ولاية هرثمة بن أعين على مصر هو هرثمة بن أعين أحد أمراء الرشيد وخواص قواده، ولاه على إمرة مصر لما بلغه ما وقع لإسحاق بن سليمان العباسي مع أهل مصر، وبعثه إليها في جيش كبير وحرضه على قتال المصريين، وولاه على صلاة مصر وخراجها معاً؛ فخرج هرثمة من بغداد حتى قدم مصر ليومين خلوا من شعبان سنة ثمان وسبعين ومائة؛ فتلقاه أهل مصر بالطاعة وأذعنوا له، فقبل هرثمة منهم ذلك وأمنهم وأقر كل واحد على حاله. وأرسل يعلم الرشيد بذلك، ثم جعل هرثمة على شرطته ابنه حاتما فلم تطل مدّة هرثمة على إمرة مصر وورد عليه الخبر بعزله عن إمرة مصر وخروجه بالعساكر إلى نحو إفريقية في يوم ثاني عشر شوال من السنة المذكورة؛ فكانت إقامته على إمرة مصر شهرين ونصف شهر. وولي مصر بعده عبد الملك بن صالح العباسي، وتوجه هرثمة

إلى بلاد المغرب من مصر بجيوش عظيمة فلم يلق حرباً بل أذعن إليه من كان ببلاد المغرب من العصاة لعظم هيبة هرثمة المذكور، فإنه كان شجاعأ مقداماً مهيباً؛ و؟؟؟ م هرثمة بالمغرب سنين إلى أن استعفى فأعفاه الرشيد في سنة إحدى وثمانين ومائة وأذن له في القدوم عليه. وكان الرشيد يندب هرثمة للمهمات ووقع له بالمغرب أمور: منها أنه لما توجه إلى إفريقية سار صحبته يحيى بن موسى، فأمره هرثمة أن يتقدمه ويتلطف بابن الجارود ليعود إلى الطاعة قبل وصول هرثمة، فقدم يحيى القيروان فجرى بينه وبين ابن الجارود كلام كثير؛ حاصله أن ابن الجارود شق العصا ولم يظهر الطاعة، فخلا يحيى ب [محمد «1» ] بن الفارسي وعاتبه حتى استماله ووافقه على قتال ابن الجارود، وتقاتل يحيى وابن الفارسي مع ابن الجارود فقتل ابن الفارسي غدراً وعاد يحيى بن موسى إلى هرثمة بطرابلس الغرب؛ ثم سار هرثمة إلى ابن الجارود بجند طرابلس في محرم سنة تسع وسبعين ومائة فلما وصل قابس «2» تلقاه عامة الجند، وخرج ابن الجارود من القيروان في مستهل صفر، وكان العلاء بن سعيد عدوّ ابن الجارود ويحيى بن موسى يستبقان إلى القيروان كل منهما يريد أن [يكون «3» ] الذكر له؛ فسبقه العلاء ودخل القيروان وقتل جماعة من أصحاب ابن الجارود وصار إلى هرثمة، وسار ابن الجارود أيضاً إلى هرثمة فسيره هرثمة إلى الرشيد فاعتقله الرشيد ببغداد؛ وسار هرثمة إلى القيروان فأمن الناس وسكنهم وبنى القصر الكبير وبنى سور مدينة طرابلس الغرب مما يلي البحر. وكان إبراهيم بن الأغلب بولاية الزاب «4» فأكثر من الهدية إلى هرثمة

ذكر ولاية عبد الملك بن صالح على مصر

حتى أقرة هرثمة على الزاب فحسن أثره فيها. ثم إن عياض بن وهب الهواري وكليب ابن جميع الكلبي جمعا جموعاً وأرادا قتال هرثمة فسيّر إليهما هرثمة يحيى بن موسى في جيش كبير ففرق جموعهما وقتل كثيراً من أصحابهما ثم عاد إلى القيروان، فلما رأى هرثمة ما بإفريقية من الاختلاف واصل كتبه إلى الرشيد يستعفي حتى أعفاه، وقدم العراق حسبما تقدم ذكره. فكانت ولاية هرثمة على إفريقية سنتين ونصفا. ذكر ولاية عبد الملك بن صالح على مصر هو عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، الأمير أبو عبد الرحمن الهاشمي العباسي أمير مصر، وليها بعد توجه هرثمة بن أعين إلى إفريقية، ولاه الرشيد إمرة مصر وجمع له الصلاة والخراج معاً، فوليها عبد الملك هذا ولم يدخلها واستعمل عليها عبد الله بن المسيب الضبى المعزول عن إمرة مصر قديماً، وقد ذكرنا نيابته عن عبد الملك هذا في ترجمته أيضاً من هذا الكتاب؛ فجعل عبد الله بن المسيب على شرطته عمار بن مسلم، فلم تطل مدة عبد الملك هذا على ولاية مصر وصرف عنها في سلخ سنة ثمان وسبعين ومائة؛ وتولى مصر من بعده عبيد الله بن المهدي وقد ولي في هذه السنة على مصر ثلاثة أمراء وهي سنة ثمان وسبعين ومائة؛ وكان عبد الملك هذا شريفا نبيلا، وأمه أم ولد كانت لمروان بن محمد الحمار فشراها صالح بن علي فولدت له عبد الملك هذا. ويقال: إن الجارية حملت بعبد الملك هذا من مروان، ولهذا قال له الرشيد لما قبض عليه وحبسه: ما أنت لصالح، قال: فلمن أنا؟ قال: لمروان، قال: ما أبالي أي الفحلين غلب «1» علي. وكان أولاً معظماً عند الرشيد ولما ولاه دمشق سنة سبع

وسبعين ومائة، وخرج الرشيد وودعه قال له الرشيد: هل من حاجة؟ قال: نعم بيني وبينك بيت ابن الدّمينة حيث يقول: فكوني «1» على الواشين لداء شغبة ... كما أنا للواشي ألد شغوب فسكت الرشيد عن أمره حتى نقل عنه أنه يريد الخلافة فعزله عن دمشق في سنة ثمان وسبعين «2» ومائة، وكانت إقامته عليها أقل من سنة؛ وأظن أن في تلك الأيام أضيف إليه إمرة مصر، ثم أقدمه الرشيد إلى بغداد وكان قبل ذلك كتب الى الرشيد يقول: أخلاي بي شجو وليس بكم شجو ... وكل امرئ من شجو صاحبه خلو من أي نواحي الأرض أبغي رضاكم ... وأنتم أناس ما لمرضاتكم «3» نحو فلا حسن نأتي به تقبلونه ... ولا إن أسأنا كان عندكم عفو فقال الرشيد: والله لئن أنشأها لقد أحسن، ولئن رواها كان أحسن. وولي عبد الملك هذا الجزيرة مرتين وغزا الصائفة في سنة ثلاث وسبعين ومائة، وغرا الروم سنة خمس وسبعين ومائة، فأخذ سبعة آلاف رأس من الروم. ومات للرشيد ولد وولد له ولد في ليلة واحدة فدخل عليه عبد الملك هذا فقال:

ما وقع من الحوادث سنة 178

يا أمير المؤمنين، آجرك الله فيما ساءك ولا ساءك فيما سرك؛ وجعل هذه بتلك جزاء الشاكرين، وثواب الصابرين! وكان لعبد الملك لسان وبيان على فأفأة كانت فيه، وكانت وفاته بالرقة. *** [ما وقع من الحوادث سنة 178] السنة التى حكم فيها على مصر إسحاق بن سليمان، ثم هرثمة بن أعين، ثم عبد الملك بن صالح وهي سنة ثمان وسبعين ومائة- فيها وثب أهل المغرب وقاتلوا متولي إفريقية الفضل بن روح بن حاتم المهلبي فأمر الرشيد هرثمة بن أعين أن يتوجه من مصر إلى المغرب، وقد ذكرنا ذلك في ترجمة هرثمة وذكرنا توجهه واستيلاءه على بلاد المغرب، وأنهم أذعنوا إليه بالطاعة. وفيها فوض الرشيد أمور المملكة إلى يحيى بن خالد البرمكي. وفيها سار الفضل بن يحيى البرمكي إلى خراسان أميراً عليها فعدل في الرعية وأحسن السيرة بها. وفيها هاجت الحوفية بديار مصر بين قضاعة وقيس، وقد ذكرنا قصتهم مع إسحاق بن سليمان عامل مصر. وفيها غزا الصائفة معاوية بن زفر بن عاصم وغزا الشاتية سليمان بن راشد «1» ومعه البند بطريق صقلّيّة. وفيها حج بالناس محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي العباسي. وفيها خرج بالجزيرة الوليد بن طريف وفتك بإبراهيم بن خازم بن خزيمة بنصيبين وسار إلى أرمينية وكثرت جموعه. الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفي إبراهيم بن حميد الرّؤاسىّ الكوفي، وجعفر بن سليمان الضبعي، وخارجة بن مصعب، والصحيح قبل هذه بعشر سنين، وعليلة بن بدر البصري واسمه الربيع، وعليلة لقب له. وعيثر «2» بن

ذكر ولاية عبيد الله بن المهدى الأولى على مصر

القاسم الكوفي، وعبد الله بن جعفر أبو علي المديني، وعمر بن المغيرة بالمصيصة «1» ، والمفضل بن يونس يقال فيها. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع سواء، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا وستة عشر إصبعا. ذكر ولاية عبيد الله بن المهدي الأولى على مصر هو عبيد الله ابن الخليفة محمد المهدي ابن الخليفة أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس العباسي الهاشمي أمير مصر، ولي مصر بعد عزل عبد الملك بن صالح عنها، ولاه الرشيد وجمع له صلاة مصر وخراجها، وهو أخو الرشيد لأبيه محمد المهدي؛ ولما ولي عبيد الله مصر استخلف عليها داود بن «2» حبيش وأرسله أمامه، فقدم داود مصر لسبع خلون من جمادى الآخرة؛ ثم قدمها عبيد الله المذكور بعده في يوم الثلاثاء لأربع خلون من شعبان سنة تسع «3» وسبعين ومائة قاله صاحب «البغية» . وقال غيره: قدمها عبيد الله في يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من المحرم سنة تسع وسبعين ومائة. وجعل على شرطته معاوية بن صرد ثم عمار بن مسلم،

فأقام عبيد الله على إمرة مصر مدّة وخرج منها إلى جهة الإسكندرية لما بلغه أنّ الفرنج قصدوا الإسكندرية بعد انهزل بهم من الحكم بن هشام على ما نذكره في آخر هذه الترجمة؛ واستخلف على مصر عبد الله بن المسيب المقدم ذكره فغاب عبيد الله مدة ثم عاد إليها ودام على إمرة مصر إلى أن صرفه أخوه الرشيد عنها في شهر رمضان من [هذه] السنة. وخرج منها لليلتين خلتا من شوال، فكانت ولايته هذه المرة تسعة أشهر إلا أياماً قليلة، وولي عوضه الأمير موسى بن عيسى العباسي الهاشمي. وقال صاحب «البغية» : صرف عنها لثلاث خلون من شهر رمضان سنة إحدى وثمانين ومائة فوافق في الشهر وخالف في السنة. وأما ما وعدنا بذكره من انهزام الفرنج من الحكم بن هشام صاحب الأندلس الأموي فإنه ندب عبد الكريم بن مغيث إلى بلاد الفرنج وصحبته العساكر، فدخل بلاد الفرنج وبث سراياه في بلادهم يحرقون وينهبون ويأسرون، وسير سرية فجازوا خليجاً من البحر كان الماء قد جزر عنه؛ وكان الفرنج قد جعلوا أموالهم وأهاليهم وراء ذلك الخليج ظناً منهم أن أحداً لا يقدر أن يعبره، فجاءهم ما لم يكن في حسابهم فغنم المسلمون منهم جميع ما لهم وأسروا الرجال وقتلوا منهم فأكثروا وسبوا الحريم وعادوا سالمين إلى عبد الكريم المذكور؛ فسير عبد الكريم طائفة أخرى فخربوا كثيرا من بلاد فرنسية «1» وغنموا أموال أهلها وأسروا الرجال، فأخبره بعض الأسرى أن جماعة من ملوك الفرنج قد سبقوا المسلمين إلى واد وعر المسلك على طريقهم؛ فجمع عبد الكريم عساكره وسار على التعبئة وأجد السير، فلم يشعر الكفار إلا وقد خالطهم المسلمون ووضعوا السيف فيهم، فانهزموا وغنم ما معهم وعاد عبد الكريم سالما هو ومن معه؛ فلما وقع للفرنج

ما وقع من الحوادث سنة 179

ذلك أرادوا أن يهجموا على ثغر الإسكندرية وغيرها لينالوا من المسلمين بعض الغرض وركبوا البحر لقطع الطريق، فخرج عبيد الله بعساكره إلى ثغر الإسكندرية فلم يقدر أحد من الفرنج على التوجّه الى جهتها وعادوا بالذّلة والخزى. *** [ما وقع من الحوادث سنة 179] السنة التي حكم فيها عبيد الله بن المهدي على مصر وهي سنة تسع وسبعين ومائة- فيها ولى الرشيد إمرة خراسان لمنصور بن يزيد بن منصور الحميري. وفيها رجع الوليد بن طريف الشاري بجموعه من ناحية أرمينية إلى الجزيرة وقد عظم أمره وكثرت جيوشه، فسار لحربه يزيد بن مزيد الشيباني من قبل الرشيد فراوغه يزيد مدّة ثم التقاه على غرة بقرب هيت وقاتله حتى ظفر به وقتله وبعث برأسه إلى الرشيد، فرثته أخته الفارعة «1» بنت طريف بقصيدتها التى سارت بها الركبان التى أوّلها: أيا شجر الخابور ما لك مورقا ... كأنك لم تجزع على ابن طريف فتى لا يحب الزاد إلا من التقى ... ولا المال إلا من قنا وسيوف

حليف «1» الندى ما عاش يرضى به الندى ... فإن مات لم يرض الندى بحليف ومنها: فإن يك أرداه يزيد بن مزيد ... فرب زحوف لفها بزحوف عليه سلام الله وقفاً فإنني ... أرى الموت وقاعاً بكل شريف وفيها اعتمر الرشيد في رمضان ودام على إحرامه إلى أن حج ومشى من بيوت مكة إلى عرفات. وفيها في شهر ربيع الأول وصل هرثمة بن أعين أميراً على القيروان والمغرب فأمن الناس وسكنوا وأحسن سياستهم، وبنى القصر الكبير في سنة ثمانين ومائة وبنى سور طرابلس الغرب؛ ثم إنه رأى اختلاف الأهواء فطلب من الرشيد أن يعفيه وألح في ذلك حتى أعفاه. وفيها توفي الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن غيمان بن خثيل «2» بن عمرو بن الحارث، شيخ الإسلام وأحد الأعلام وإمام دار الهجرة وصاحب المذهب، أبو عبد الله المدني الأصبحي مولده سنة اثنتين وتسعين، وقيل سنة ثلاث وتسعين وهى السنة التى مات فيها أنس ابن مالك الصحابي، وكان الإمام مالك رحمه الله عظيم الجلالة كبير الوقار غزير العلم متشددا في دينه. قال الشافعي: إذا ذكر العلماء فما لك النجم. وقال في رواية أخرى: لولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز، وما في الأرض كتاب أكثر صواباً من الموطأ. وقال ابن مهدي: مالك أفقه من الحكم وحماد.

وقال ابن وهب عن مالك قال: دخلت على أبي جعفر مراراً وكان لا يدخل عليه أحد من الهاشميين وغيرهم إلا قبل يده فلم أقبل يده قط. وعن عيسى بن عمر المدني قال: ما رأيت بياضاً قط ولا حمرة أحسن من وجه مالك، ولا أشد بياضا من ثوب مالك. وقال غير واحد: كان مالك رجلاً طوالاً جسيماً عظيم الهامة أبيض الرأس واللحية أشقر أصلع عظيم اللحية عريضها، وكان لا يحفي شاربه ويراه مثله. قلت: ومناقب الإمام مالك كثيرة وفضله أشهر من أن يذكر. وكانت وفاته في صبيحة أربع عشرة خلت من شهر ربيع الأول، وقيل في حادي عشر ربيع الأول، وقيل في ثالث عشر؛ وأما السنة فمجمع عليها، أعنى فى سنة تسع وسبعين ومائة رحمه الله. وفيها توفي الهقل «1» بن زياد الدّمشقىّ نزيل بيروت أبو عبد الله، كان كاتب الأوزاعي وتلميذه وحامل علمه من بعده. الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفي حماد بن زيد، وخالد بن عبد الله الطحان، وعبد الله بن سالم الأشعري الحمصي، ومالك بن أنس الإمام، وفقيه دمشق هقل بن زياد، والوليد بن طريف الخارجي، وأبو الأحوص سلام بن سليم. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وعشرة أصابع.

ذكر ولاية موسى بن عيسى الثالثة على مصر

ذكر ولاية موسى بن عيسى الثالثة على مصر قلت: هذه ولاية موسى بن عيسى الهاشمي العباسي الثالثة على مصر، ولاه الرشيد على مصر بعد عزل أخيه عبيد الله بن المهدي على الصلاة؛ فلما ولي موسى من بغداد قدم أمامه ابنه يحيى بن موسى إلى مصر واستخلفه على صلاتها، فقدم يحيى ابن موسى إلى مصر لثلاث خلون من شهر رمضان سنة تسع وسبعين ومائة، ودام بمصر على صلاتها إلى أن قدمها والده موسى بن عيسى في آخر ذي القعدة من سنة تسع وسبعين ومائة المذكورة؛ وسكن المعسكر على العادة وأخذ في إصلاح أمور مصر وأصلح بين قيس ويمن من الحوف، واستمر على إمرة مصر إلى أن صرفه الرشيد عنها بعبيد الله بن المهدي ثانياً في جمادى الآخرة سنة ثمانين ومائة؛ فكانت ولاية موسى على مصر في هذه المرة الثالثة نحوا من عشرة أشهر. وخرج من مصر وتوجه إلى بغداد وصار من أكابر أمراء الرشيد، وحجّ بالناس من بغداد في السنة المذكورة. وفي سنة اثنتين وثمانين ومائة مات بعد عوده من الحج وله خمس وخمسون سنة. وقيل: كانت وفاته في سنة تسع وثمانين ومائة. ولما حج في سنة اثنتين وثمانين ومائة ندبه الرشيد ليقرأ عهد أولاده بالخلافة في مكة والمدينة لأن الرشيد كان بايع في هذه السنة لابنه عبد الله المأمون بولاية العهد بعد أخيه محمد الأمين؛ وولاه خراسان وما يتصل بها إلى همذان ولقبه بالمأمون وسلمه إلى جعفر بن يحيى. وهذا من العجائب لأن الرشيد رأى ما صنع أبوه وجده المنصور بعيسى بن موسى حتى خلع نفسه من ولاية العهد، ثم ما صنع به أخوه الهادي ليخلع نفسه من العهد، فلو لم يعاجله الموت لخلعه؛ ثم هو بعد ذلك يبايع للمأمون بعد الأمين حتى وقع لهما بعد موته ما فيه عبرة لمن اعتبر.

ما وقع من الحوادث سنة 180

قلت: وهذا البلاء والتدميغ إلى يومنا هذا، فإن كل ملك من الملوك إلى زماننا هذا يخلع ابن الملك الذي قبله ثم يعهد هو لابنه من غير أن يقعد له قاعدة يثبت ملكه بها، بل جل قصده العهد، ويدع الدنيا بعد ذلك تنقلب ظهراً لبطن. وكان أميراً جليلاً جواداً ممدحاً، تقدم التعريف بأحواله في ولايته الأولى والثانية على مصر من هذا الكتاب اهـ. *** [ما وقع من الحوادث سنة 180] السنة التي حكم فيها موسى بن عيسى العباسي على مصر وهي سنة ثمانين ومائة- فيها كانت الزلزلة العظيمة التي سقط منها رأس منارة الإسكندرية. وفيها تنقل الخليفة الرشيد من بغداد إلى الموصل ثم إلى الرقة فاستوطنها مدة وعمر بها دار الملك واستخلف على بغداد ابنه الأمين محمد بن زبيدة. وفيها حجّ بالناس موسى ابن عيسى العباسي المعزول عن إمرة مصر المقدم ذكره. وفيها هدم الرشيد سور الموصل لئلا يغلب عليها الخوارج. وفيها ولى الرشيد جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك خراسان وسجستان فولى عليهما جعفر محمد بن الحسن بن قحطبة ثم بعد مدة يسيرة عزل الرشيد جعفراً المذكور وولى عليهما عيسى بن جعفر. وفيها خرج خراشة «1» الشيباني متحكماً بالجزيرة فقتله مسلم بن بكار العقيلي. وفيها خرجت المحمرة «2» بجرجان هيجهم على الخروج زنديق يقال له؛ عمرو بن محمد العمركىّ «3» ، فقتل عمرو المذكور بأمر الرشيد بمدينة مرو. وفيها توفي سيبويه إمام النحاة أبو بشر عمرو بن عثمان البصري، أصله فارسي وطلب الفقه والحديث ثم مال إلى العربية حتى برع فيها وصار أفضل

أهل زمانه، وصنف فيها كتابه الكبير الذي لم يصنف مثله، وفي سنة وفاة سيبويه أقوال كثيرة، وقيل: إن مدة عمره كانت اثنتين وثلاثين سنة، وقيل: بل أزيد من أربعين سنة. وفيها توفي عافية بن يزيد بن قيس الكوفىّ الأودىّ «1» ، كان من أصحاب أبي حنيفة الذين يجالسونه ثم ولي القضاء، وكان فقيهاً ديناً صالحاً. وفيها توفي المبارك بن سعيد بن مسروق أخو سفيان الثورىّ، وكنيته أبو عبد الرحمن، ولد بالكوفة وسكن بغداد، وكان ثقة ديناً كف بصره بأخره «2» . وفيها توفي هشام بن عبد الرحمن الداخل بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي الهاشمي أمير الأندلس، وليها في سنة ثلاث وسبعين ومائة بعد وفاة أبيه، فكانت مدة ملكه بالأندلس سبع سنين وأياما، ومات في صغره وله تسع وثلاثون سنة. وقد تقدم التعريف به «3» : أن عبد الرحمن الداخل دخل المغرب جافلاً من بني العباس وملكه وسمي بالداخل. الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفي إسماعيل بن جعفر المدني، وبشر بن منصور السليمي الواعظ، وحفص بن سليمان المقرئ، ورابعة العدوية،. قلت: وقد تقدمت وفاتها في قول غير الذهبي. قال: وصدقة بن خالد الدمشقي بخلف، وعبد الوارث بن سعيد التنوري؛ وعبيد «4» الله بن عمرو الرقىّ، والمبارك ابن سعيد الثوري، وفضيل «5» بن سليمان بخلف، ومحمد بن الفضل بن عطية البخاري،

ذكر ولاية عبيد الله بن المهدى الثانية على مصر

ومسلم بن خالد الزنجي المكي، ومعاوية بن عبد الكريم الضال، وصاحب الأندلس هشام بن عبد الرحمن الأموي، وأبو المحياة يحيى بن يعلى التيمي؛ ويقال: مات فيها سيبويه شيخ النحو. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وأربعة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا وتسعة أصابع. ذكر ولاية عبيد الله بن المهدي الثانية على مصر تقدم التعريف به في أول ولايته على إمرة مصر ولما عزل الرشيد موسى بن عيسى العباسي أعاد أخاه عبيد الله هذا على إمرة مصر عوضه ثانياً، فأرسل عبيد الله هذا داود بن حبيش «1» خليفة له على صلاة مصر، فسار داود حتى وصل إلى مصر لسبع خلون من جمادى الآخرة من سنة «2» ثمانين ومائة، فخلفه داود على صلاة مصر إلى أن حضر إليها عبيد الله بن المهدي في يوم رابع شعبان من السنة، فلم تطل مدته على مصر ووقع له بها أمور حتى صرف عنها لثلاث خلون من شهر رمضان من سنة إحدى وثمانين ومائة؛ فكانت ولاية عبيد الله بن المهدي في هذه المرة الثانية على إمرة مصر سنة واحدة وشهرين تقريباً. وقيل: غير ذلك. وتوفي سنة أربع وتسعين ومائة، ولما عزل عن مصر توجه إلى الرشيد ودام عنده إلى أن خرج معه في سنة اثنتين وتسعين ومائة في مسيره إلى خراسان، فسار الرشيد من الرقة إلى بغداد يريد خراسان لحرب رافع بن الليث، وكان الرشيد مريضاً واستخلف على الرقة ابنه القاسم

ما وقع من الحوادث سنة 181

وضم إليه خزيمة بن خازم، وسار من بغداد إلى النهروان واستخلف على بغداد ابنه الأمين وأمر ابنه المأمون بالمقام ببغداد، فقال الفضل بن سهل للمأمون حين أراد الرشيد المسير: لست تدري ما يحدث بالرشيد، وخراسان ولايتك والأمين مقدّم عليك، وإنّ أحسن ما يصنع بك أن يخلعك وهو ابن زبيدة وأخواله بنو هاشم، وزبيدة وأموالها، فاطلب من أبيك الرشيد أن تسير معه، فطلب، فأجابه الرشيد بعد امتناع. فلما سار الرشيد سايره الصباح الطبري، فقال له الرشيد: يا صباح، لا أظنك تراني أبداً، فدعا له الصباح بالبقاء؛ فقال: يا صباح، ما أظنك تدري ما أجد؛ قال الصباح: لا والله؛ فعدل الرشيد عن الطريق واستظل بشجرة وأمر خواصه بالبعد عنه، ثم كشف عن بطنه فإذا عليه عصابة حرير، فقال: هذه علة أكتمها عن الناس ولكل واحد من ولدي علي رقيب؛ فمسرور رقيب المأمون، وجبريل بن بختيشوع رقيب الأمين، وما منهم أحد إلا وهو يحصي أنفاسي ويستطيل دهري، وإن أردت أن تعلم ذلك فالساعة أدعو بدابة فيأتونني بدابة أعجف قطوف «1» لتزيدني علة؛ ثم طلب الرشيد دابة فجاءوا بها على ما وصف. وكان أخوه عبيد الله هذا أشار عليه بعدم السفر، فلم يسمع منه وأخذه معه. *** [ما وقع من الحوادث سنة 181] السنة التي حكم فيها عبيد الله بن المهدي في ولايته الثانية على مصر وهي سنة إحدى وثمانين ومائة- فيها غزا الرشيد بلاد الروم وافتتح حصن الصفصاف «2» عنوة، وسار عبد الملك «3» بن صالح العباسي حتى بلغ أرض الروم وافتتح حضنابها. وفيها حجّ

بالناس الرشيد. وفيها استعفى يحيى بن خالد بن برمك من التحدث في أمور الممالك فأعفاه الرشيد وأخذ الخاتم منه وأذن له في المجاورة بمكة. وفيها كتب الرشيد إلى هرثمة بن أعين يعفيه عن إمرة المغرب وأذن له في المجاورة والقدوم عليه، واستعمل عوضه على المغرب محمد بن مقاتل العكي رضيع الرشيد، وكان أبوه مقاتل أحد من قام بالدعوة العباسية. وفيها أمر الرشيد أن يصدر في مكاتباته بعد البسملة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وفيها توفي عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي مولاهم التركي، ثم المروزي الحافظ فريد الزمان وشيخ الإسلام، وأمه خوارزمية مولده سنة ثمان عشرة ومائة. وقيل: سنة عشر ومائة، ورحل سنة إحدى وأربعين ومائة فلقي التابعين وأكثر الترحال في طلب العلم، وروى عن جماعة كثيرة، وروى عنه خلائق وتفقه بأبي حنيفة. وقال أبو إسحاق الفزاري: ابن المبارك إمام المسلمين. وعن إسماعيل ابن عياش قال: ما على وجه الأرض مثل ابن المبارك. وقال العباس بن مصعب المروزي: جمع ابن المبارك الحديث والفقه والعربية وأيام الناس والشجاعة والسخاء. وقال شعيب بن حرب: سمعت سفيان الثوري يقول: لو جهدت جهدي أن أكون في السنة ثلاثة أيام على ما عليه ابن المبارك لم أقدر. وقال الذهبي: قال عبد الله ابن محمد قاضي نصيبين حدثني محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة: أملى علي ابن المبارك بطرسوس- وودعته وأنفذها معي (يعني الورقة) إلى الفضيل بن عياض في سنة سبع وسبعين ومائة- هذه الأبيات: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا ... لعلمت أنك في العبادة تلعب من كان يخضب جيده بدموعه ... فنحورنا بدمائنا تتخضب أو كان يتعب خيله في باطل ... فخيولنا يوم الصبيحة تتعب ريح العبير لكم ونحن عبيرنا ... وتهج السنابك والغبار الأطيب

ولقد أتانا من مقال نبينا ... قول صحيح صادق لا يكذب لا «1» يستوي غبار خيل الله في ... أنف امرئ ودخان نار تلهب هذا كتاب الله ينطق بيننا ... ليس الشهيد بميت لا يكذب قال: فلقيت الفضيل بكتابه في الحرم، فلما قرأه ذرفت عيناه، ثم قال: صدق أبو عبد الرحمن ونصح. الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفي إبراهيم بن عطيّة الثقفىّ، واسماعيل بن عيّاش الحمصىّ، وأبو المليح الحسن بن عمر الرقّىّ، وحفص ابن ميسرة الصنعاني، والحسن بن قحطبة الأمير، وحمزة بن مالك، وسهل بن أسلم العدوي، وخلف بن خليفة الواسطي بها، وعباد بن عباد المهلّبىّ، وعبد الله ابن المبارك المروزي، وروح بن المسيب الكلبي، وسهيل بن صبرة العجلي، وعبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر، وعفان بن سيار قاضي جرجان، وعلىّ بن هاشم ابن البريد «2» الكوفي، وعيسى ابن الخليفة المنصور، وقران بن تمام الأسدي (بضم القاف وتشديد الراء) تخمينا، ومحمد بن حجّاح الواسطي، ومحمد بن سليمان الأصبهاني الكوفي، ومصعب بن ماهان المروزي، ومفضل بن فضالة قاضي مصر ويعقوب ابن عبد الرحمن القاري «3» ، وأم عروة بنت جعفر بن الزبير بن العوام. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وثمانية أصابع، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وثمانية أصابع ونصف.

ذكر ولاية اسماعيل بن صالح على مصر

ذكر ولاية إسماعيل بن صالح على مصر هو إسماعيل بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم، الهاشمي العباسي أمير مصر، ولاه الرشيد إمرة مصر على الصلاة في يوم الخميس لسبع خلون من شهر رمضان سنة اثنتين وثمانين ومائة بعد عزل عبيد الله بن المهدي عنها، فاستخلف إسماعيل على صلاة مصر عوف بن وهب الخزاعىّ فصلّى المذكور بالناس إلى أن حضر إسماعيل بن صالح إلى مصر لخمس بقين من شهر رمضان المذكور، ولما قدم إلى مصر سكن بالمعسكر وجعل على الشرطة سليمان بن الصمة المهلبي مدة ثم صرفه «1» بزيد بن عبد العزيز الغساني وأخذ في إصلاح أمر الديار المصرية، وكان شجاعاً فصيحاً عاقلاً أديباً. قال ابن عفير: ما رأيت على هذه الأعواد أخطب من إسماعيل بن صالح. واستمر إسماعيل بن صالح على إمرة مصر إلى أن صرف عنها لأمر اقتضى ذلك بإسماعيل بن عيسى في جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين ومائة. وقال صاحب «البغية» : إنه عزل بالليث بن الفضل وأن الليث عزل باسماعيل المذكور وسماه إسماعيل بن علي. والأقوى أن إسماعيل هذا عزل باسماعيل الذي سميته، وعلى هذا الترتيب ساق غالب من ذكر أمراء مصر. وكانت مدته على إمرة مصر ثمانية أشهر وعدة أيام تقارب شهرا اهـ. [ما وقع من الحوادث سنة 182] السنة التي حكم فيها إسماعيل بن صالح على مصر، وهي سنة اثنتين وثمانين ومائة- فيها حجّ بالناس عيسى «2» بن موسى العباسي. وفيها أخذ الرشيد البيعة بولاية

العهد ثانياً من بعد ولده الأمين محمد لولده الآخر عبد الله المأمون، وكان ذلك بالرقة، فسيره الرشيد إلى بغداد وفي خدمته عم الرشيد جعفر بن أبي جعفر المنصور وعبد الملك ابن صالح وعلي بن عيسى، وولى المأمون ممالك خراسان بأسرها وهو يومئذ مراهق. وفيها وثبت الروم على ملكهم قسطنطين فسملوه «1» وعقلوه وملكوا عليهم غيره. وفيها توفي عبد الله «2» بن عبد العزيز بن عبد الله [بن عبد «3» الله] بن عمر بن الخطاب، أبو عبد الله العمري العدوي، كان إماماً عالماً عابداً ناسكاً ورعاً. وفيها توفي مروان بن سليمان بن يحيى ابن أبى حفصة أبو السّمط- وقيل: أبو الهندام- الشاعر المشهور. كان أبو حفصة جد أبيه مولى مروان بن الحكم أعتقه يوم الدار «4» لأنه أبلى بلاء حسنا في ذلك اليوم، يقال: إنه كان يهودياً فأسلم على يد مروان، وقيل غير ذلك. ومولد مروان هذا صاحب الترجمة سنة خمس ومائة، وكان شاعراً مجيداً، مدح غالب خلفاء بني أمية وغيرهم، وما نال أحد من الشعراء ما ناله مروان لا سيما لما مدح معن بن زائدة الشيباني بقصيدته اللامية؛ يقال: إنه أخذ منه عليها مالاً كثيراً لا يقدر قدره، وهي القصيدة التي فضل بها على شعراء زمانه. قال ابن خلكان: والقصيدة طويلة تناهز الستين بيتاً، ولولا خوف الإطالة لذكرتها لكن «5» نأتي ببعض مديحها وهو من أثنائها: بنو مطر «6» يوم اللقاء كأنهم ... أسود لها في بطن خفان «7» أشبل

هم يمنعون الجار حتى كأنما ... لجارهم بين السماكين منزل بهاليل «1» في الإسلام سادوا ولم يكن ... كأولهم في الجاهلية أول هم القوم إن قالوا أصابوا وان دعوا ... أجابوا وان أعطوا أطابوا وأجزلوا وما يستطيع الفاعلون فعالهم ... وإن أحسنوا في النائبات وأجملوا وفيها توفي هشيم «2» بن بشير بن أبي خازم أبو معاوية الواسطي مولى بني سليم وكان بخاري الأصل، كان ثقة كثير الحديث ثبتاً، وكان يدلس في الحديث، وكان ديناً أقام يصلي الفجر بوضوء صلاة العشاء الآخرة سنين كثيرة، وتوفي ببغداد في يوم الأربعاء لعشر بقين من شهر رمضان أو شعبان. وفيها توفي شيخ الإسلام قاضي القضاة أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب [بن خنيس «3» ] بن سعد بن حبتة بن معاوية. وسعد بن حبتة من الصحابة أتى يوم الخندق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له ومسح على رأسه. ومولد أبى يوسف بالكوفة سنة ثلاث عشرة ومائة، وطلب العلم سنة نيف وثلاثين؛ وسمع من هشام بن عروة وعطاء بن السائب والأعمش وغيرهم. وروى عنه ابن سماعة ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل وخلق سواهم. وكان في ابتداء أمره يطلب الحديث، ثم لزم أبا حنيفة وتفقه به حتى صار المقدم في تلامذته، وبرع

في عدة علوم. قال الذهبي: وكان عالماً بالفقه والأحاديث والتفسير والسير وأيام العرب، وهو أول من دعي في الإسلام بقاضي القضاة. قلت: ولم يقع هذا الاسم على غيره كما وقع له فيه، فإنه كان قاضي المشرق والمغرب، فهو قاضي القضاة على الحقيقة. قال محمد بن الحسن: مرض أبو يوسف فعاده أبو حنيفة، فلمّا خرج قال: إن يمت هذا الفتى فهو أعلم من عليها (وأومأ إلى الأرض) . وقال ابن معين: ما رأيت في أصحاب «1» الرأي أثبت في الحديث، ولا أحفظ ولا أصح رواية من أبي يوسف. وروى أحمد بن عطية عن محمد بن سماعة قال: كان أبو يوسف بعد ما ولي القضاء يصلي كل يوم مائتي ركعة. وقال محمد بن سماعة المذكور: سمعت أبا يوسف يقول في اليوم الذي مات فيه: اللهم إنك تعلم أني لم أجر في حكم حكمت به متعمدا، وقد اجتهدت في الحكم بما وافق كتابك وسنة نبيك. وكان أبو يوسف عظيم الرتبة عند هارون الرشيد. قال أبو يوسف: دخلت على الرشيد وفي يده درتان يقلبهما فقال: هل رأيت أحسن منهما؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين؛ قال: وما هو؟ قلت: الوعاء الذي هما فيه، فرمى إلي بهما وقال: شأنك بهما. وكانت وفاته في يوم الخميس لخمس خلون من شهر ربيع الأول، وقيل: في ربيع الآخر. وفي يوم موته قال عباد بن العوام: ينبغي لأهل الإسلام أن يعزي بعضهم بعضاً بأبي يوسف. وفيها توفي يزيد بن زريع أبو معاوية العيشي «2» البصري، كان

ذكر ولاية اسماعيل بن عيسى على مصر

ثقة كثير الحديث عالماً فاضلاً صدوقاً، وكان أبوه والي البصرة، فمات فلم يأخذ من ميراثه شيئاً، وكان يتقوت من سف «1» الخوص بيده رحمه الله تعالى. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وتسعة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً سواء. ذكر ولاية إسماعيل بن عيسى على مصر هو إسماعيل بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن علي بن العباس، العباسي الهاشمي، أمير مصر. ولاه الرشيد على إمرة مصر بعد عزل إسماعيل بن صالح العباسي عنها على الصلاة، فقدم مصر لأربع عشرة بقيت من جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين ومائة. ولما دخل مصر سكن المعسكر على عادة أمراء مصر، ودام على إمرتها إلى أن صرفه الرشيد عنها بالليث بن الفضل في شهر رمضان سنة ثلاث وثمانين ومائة، فكانت ولايته على مصر ثلاثة أشهر تنقص أياماً. وتوجه إلى الرشيد فأكرمه ودام عنده إلى أن حج معه في سنة ست وثمانين ومائة تلك الحجة التي لم يحجها خليفة قبله. وخبرها أن الرشيد سار إلى مكة بأولاده وأكابر أقار به مثل إسماعيل هذا وغيره، وكان مسير الرشيد من الأنبار فبدأ بالمدينة فأعطي فيها ثلاثة أعطية: أعطى هو عطاء، وابنه محمد الأمين عطاء، وابنه عبد الله عطاء؛ وسار إلى مكة فأعطى أهلها فبلغ عطاؤهم بمكة والمدينة ألف ألف دينار وخمسين ألف دينار. وكان الرشيد قد ولى الأمين العراق والشأم إلى آخر المغرب، وولى المأمون من همذان إلى آخر المشرق، ثم بايع الرشيد لابنه القاسم بولاية العهد بعد المأمون ولقبه المؤتمن، وولاه الجزيرة والثغور والعواصم، وكان المؤتمن في حجر عبد الملك بن صالح وجعل خلعه وإثباته للمأمون؛ ولما وصل

ما وقع من الحوادث سنة 183

الرشيد إلى مكة ومعه أولاده وأقاربه والقضاة والفقهاء والقواد، كتب كتاباً أشهد فيه على محمد الأمين من حضر بالوفاء للمأمون، وكتب كتاباً أشهد عليه فيه بالوفاء للأمين، وعلق الكتابين في الكعبة وجدد عليهما العهود في الكعبة. ولما فعل الرشيد ذلك قال الناس: قد ألقى بينهم حرباً وخافوا عاقبة ذلك، فكان ما خافوه. ثم إن الرشيد في سنة تسع وثمانين ومائة قدم بغداد «1» وأشهد على نفسه من عنده من القضاة والفقهاء أن جميع ما في عسكره من الأموال والخزائن والسلاح وغير ذلك للمأمون وجدد له البيعة عليهم بعد الأمين. ثم بعد عود الرشيد وجه إسماعيل هذا إلى الغزو، فعاد «2» ودام عنده إلى أن وقع ما سنذكره. [ما وقع من الحوادث سنة 183] السنة التي حكم فيها إسماعيل بن عيسى على مصر وهي سنة ثلاث وثمانين ومائة- فيها حج بالناس العباس بن موسى الهادي الخليفة. وفيها تمرّد متولّى الغرب محمد ابن مقاتل العكي وظلم وعسف واقتطع من أرزاق الأجناد وآذى العامة، فخرج عليه تمام بن تميم التميمي نائبه على تونس، فزحف إليه وبرز لملتقاه العكي ووقع المصاف «3» ، فانهزم العكي وتحصّن بالقيروان في القصر وغلب تمام على البلد، ثم نزل العكي بأمان وانسحب إلى طرابلس؛ فنهض لنصرته إبراهيم بن الأغلب، فتقهقر تمام إلى تونس ودخل ابن الأغلب القيروان فصلى بالناس وخطب وحض على الطاعة؛ ثم التقى ابن الأغلب وتمام فانهزم تمام، واشتد بغض الناس للعكىّ وكاتبوا الرشيد فيه فعزله وأمّر عليهم إبراهيم بن الأغلب. وفيها توفي البهلول المجنون، واسم أبيه عمرو، وكنيته

أبو وهيب، الصيرفي الكوفي، تشوش عقله فكان يصحو في وقت ويختلط في آخر، وهو معدود من عقلاء المجانين، كان له كلام حسن وحكايات ظريفة. قال الذهبي: وقد حدث عن عمرو بن دينار وعاصم بن بهدلة وأيمن بن نابل «1» ، وما تعرضوا إليه بجرح ولا تعديل ولا كتب عنه الطلبة، وكان حيّا فى دولة الرشيد كلها. وقيل: إن الرشيد مر به، فقام إليه البهلول وناداه ووعظه، فأمر له الرشيد بمال؛ فقال: ما كنت لأسود وجه الوعظ، فلم يقبل. وأما حكاياته فكثيرة، وفي وفاته اختلاف كثير، والصحيح أنه مات في هذا العصر. وفيها توفي زياد بن عبد الله بن الطفيل، الحافظ أبو محمد البكائي العامري الكوفي صاحب رواية السيرة النبوية عن ابن إسحاق، وهو أتقن من روى عنه السيرة. وفيها توفي علي بن الفضيل بن عياض، مات شاباً لم يبلغ عشرين سنة في حياة والده فضيل، وكان شاباً عابداً زاهداً ورعاً وكان يصلي حتى يزحف إلى فراشه زحفاً، فيلتفت إلى أبيه فيقول: يا أبت سبقنا العابدون. وفيها توفي محمد بن صبيح «2» أبو العباس المذكر الواعظ، كان يعرف بابن السماك، كان له مقام عظيم عند الخلفاء؛ وعظ الرشيد مرة فقال: يا أمير المؤمنين، إن لك بين يدي الله تعالى مقاماً وإن لك من مقامك منصرفاً، فانظر إلى أين منصرفك، إلى الجنة أو إلى النار! فبكى الرشيد حتى قال بعض خواصه: ارفق بأمير المؤمنين؛ فقال: دعه فليمت حتى يقال: خليفة الله مات من مخافة الله تعالى! قال الذهبي: قال ثعلب: أخبرنا ابن الأعرابي قال: كان ابن السماك يتمثل بهذه الأبيات:

إذا خلا القبور ذو خطر ... فزره يوماً وانظر إلى خطره أبرزه الدهر من مساكنه ... ومن مقاصيره ومن حجره ومن كلام ابن السماك أيضاً قال: «الدنيا كلها قليل، والذي بقي منها في جنب الماضي قليل، والذي لك من الباقي قليل، ولم يبق من قليلك إلا القليل» . وفيها توفي الإمام موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن السيد الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين. كان موسى المذكور يدعى بالعبد الصالح لعبادته، وبالكاظم «1» لعلمه. ولد بالمدينة سنة ثمان أو تسع وعشرين ومائة، وكان سيداً عالماً فاضلاً سنياً جواداً ممدحاً مجاب الدعوة. الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفي إبراهيم بن سعد، وإبراهيم بن الزبرقان الكوفي، وأبو إسماعيل المؤدب إبراهيم بن سليمان، وإبراهيم ابن سلمة المصري، وأنيس بن سوار الحرمىّ «2» ، وبكار بن بلال الدمشقي، وبهلول ابن راشد للفقيه، وجابر بن نوح الحمّانىّ، وخاتم بن وردان، في قول، وحيوة بن معن التجيبي، وخالد بن يزيد الهدادي «3» ، وحبيش بن عامر؛ يروى عن أبي قبيل المعافري، وداود بن مهران الربعي الحراني، وزياد بن عبد الله البكائي، وسفيان بن حبيب البصري، وسليمان بن سليم الرفاعي العابد، وعباد بن العوام، فى قول، وعبد لله بن مراد المرادىّ، وعفيف بن سالم الموصلي، وعمرو بن يحيى الهمذاني «4» ، ومحمد بن السماك

ذكر ولاية الليث بن الفضل على مصر

الواعظ، ومحمد بن أبي عبيدة بن معن، وموسى الكاظم بن جعفر، وموسى بن عيسى الكوفىّ القارئ، والنعمان بن عبد السلام الأصبهاني، ونوح بن قيس البصري، وهشيم بن بشير، ويحيى بن حمزة قاضي دمشق، ويحيى بن [زكرياء «1» بن] أبي زائدة في قول، ويوسف بن [يعقوب بن عبد الله بن أبي سلمة «2» بن] الماجشون، قاله الواقدىّ، ويونس بن حبيب صاحب العربية. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وثمانية عشر إصبعا، مبلغ الزيادة أربعة عشر ذراعا وثلاثة وعشرون إصبعا. ذكر ولاية الليث بن الفضل على مصر هو الليث بن الفضل الأبيوردي أمير مصر، أصله من أبيورد «3» ، ولاه الرشيد على إمرة مصر على الصلاة والخراج معاً في شهر رمضان في سنة ثلاث وثمانين ومائة بعد عزل إسماعيل بن عيسى؛ وقدم إلى مصر لخمس خلون من شوال من السنة المذكورة، وسكن المعسكر، وجعل أخاه علي بن الفضل على الشرطة، ومهد أمور مصر واستوفى الخراج، ودام على ذلك إلى أن خرج من مصر وتوجه إلى الخليفة هارون الرشيد في سابع شهر رمضان سنة أربع وثمانين ومائة بالهدايا والتحف، واستخلف أخاه علي بن الفضل على صلاة مصر، فوفد على الرشيد وأقام عنده مدة ثم عاد إلى مصر على عمله في آخر السنة، واستمر على إمرة مصر إلى أن خرج منها ثانياً إلى الرشيد في اليوم الحادي «4» والعشرين من رمضان سنة خمس وثمانين ومائة.

واستخلف على صلاة مصر هشام «1» بن عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج، فتوجه إلى الرشيد لأمر اقتضى ذلك، ثم عاد إلى مصر في رابع عشر المحرم سنة ست وثمانين ومائة، وكان هذا دأبه كلما غلق «2» خراج سنة ونجز حسابها وفرق أرزاق الجند، أخذ ما بقي وتوجه به إلى الرشيد ومعه حساب السنة. ودام على ذلك إلى أن خرج عليه أهل الحوف بشرقي مصر وساروا إلى الفسطاط، فخرج إليهم الليث هذا في أربعة آلاف من جند مصر، وكان ذلك في الثامن والعشرين «3» من شعبان من سنة ست وثمانين ومائة المذكورة؛ واستخلف على مصر عبد الرحمن بن موسى بن علي بن رباح على الصلاة والخراج، فواقع أهل الحوف فانهزم عنه الجند وبقي هو في نحو المائتين من أصحابه، فحمل بهم على أهل الحوف حملة هزمهم فيها، فتولوا وتبع أقفيتهم فقتل منهم خلقاً كثيراً، وبعث إلى مصر بثمانين رأساً. ثم قدم إلى مصر فلم ينتج أمره بعد ذلك من خوف أهل الحوف منه، فخافوه ومنعوا الخراج فلم يجد الليث بداً من خروجه إلى الرشيد، فتوجه إليه وعرفه الحال وشكا له من منع الخراج وسأله أن يبعث معه جيشاً إلى مصر فإنه لا يقدر على استخراج الخراج من أهل الحوف إلا بجيش؛ فلم يسمح له الرشيد بذلك؛ وأرسل محفوظاً «4» إلى مصر، فقدم إليها محفوظ المذكور وضم خراجها من غير سوط ولا عصا، فولاه الرشيد عوضه على خراج مصر، ثم عزل الليث عن إمرة مصر بأحمد بن إسماعيل في جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين ومائة، فكانت ولاية الليث على مصر أربع سنين وسبعة أشهر، وتوجه إلى الرشيد، وكان ممن حضر الإيقاع بالبرامكة في سنة سبع وثمانين ومائة المذكورة.

ولنذكر أمر البرامكة هنا وإن كان ذلك غير ما نحن بصدده غير أنه في الجملة خبر يشتاقه الشخص فنقول على سبيل الاختصار من عدة أقاويل: كان من جملة أسباب القبض على جعفر أن الرشيد كان لا يصبر عن جعفر وعن أخته عباسة بنت المهدي، فقال لجعفر: أزوجها لك ليحل لك النظر إليها ولا تقربها؛ فقال: نعم، فزوجها منه، وكانا يحضران معه ويقوم الرشيد عنهما، فجامعها جعفر فحملت منه وولدت غلاماً، فخافت الرشيد فسيرت الولد مع حواضن إلى مكة ثم وقع بين العباسة وبعض جواريها [شر «1» ] ، فأنهت الجارية أمرها إلى الرشيد، وقيل: الذي أنهته زبيدة لبغضها لجعفر. وقيل في قتله سبب آخر وهو أن الرشيد دفع إليه عدوه يحيى بن عبد الله العلوي فحبسه جعفر ثم دعا به وسأله عن أمره فقال له: اتق الله في أمري، فرق له جعفر وأطلقه ووجه معه من أوصله الى بلاده؛ فنم على جعفر الفضل بن الربيع إلى الرشيد وأعلمه القصة من عين كانت للفضل على جعفر، فطلب الرشيد جعفراً على الطعام وصار يلقمه ويحدثه عن يحيى بن عبد الله، وجعفر يقول: هو بحاله في الحبس؛ فقال: بحياتي، ففطن جعفر وقال: لا وحياتك، وقص عليه أمره، فقال الرشيد: نعم ما فعلت! ما عدوت ما في نفسي! فلما قام عنه قال: قتلني الله إن لم أقتلك. وقيل غير ذلك، وهو أن جعفراً ابتنى داراً غرم عليها عشرين ألف ألف درهم؛ فقيل للرشيد: هذه غرامته على دار فما ظنك بنفقاته! وقيل: إن يحيى بن خالد لما حج تعلق بأستار الكعبة وقال: اللهم إن كان رضاك أن تسلبني نعمك فاسلبني، اللهم إن كان رضاك أن تسلبني مالي وأهلي وولدي فاسلبني إلا

ما وقع من الحوادث سنة 184

الفضل، ثم عاد واستثنى الفضل ثم دعا يحيى بن خالد بدعوات أخر، وكان الفضل عنده مقدماً على جعفر فإنه كان الأسن، فلما انصرف من الحج هو وأولاده ووصلوا إلى الأنبار نكبهم الرشيد، ولما أرسل للقبض على جعفر توجه إليه مسرور ومعه جماعة وجعفر فى لهوه ومغنّيه «1» يغنيه قوله: فلا تبعد فكل فتى سيأتي ... عليه الموت يطرق أو يغادي وكل ذخيرة لابد يوماً ... وإن كرمت «2» تصير الى نفاد قال مسرور: فقلت له: يا جعفر، الذي جئت له هو والله ذاك قد طرقك، فأجب أمير المؤمنين؛ فوقع على رجلي يقبلها وقال: حتى أدخل وأوصي! فقلت: أما الدخول فلا سبيل إليه، وأما الوصية فاصنع ما شئت، فأوصى. وأتيت الرشيد به فقال: ائتني برأسه، فأتيته به. [ما وقع من الحوادث سنة 184] السنة الأولى من ولاية الليث بن الفضل على مصر وهي سنة أربع وثمانين ومائة- فيها ولى الرشيد حماداً البربري إمرة مكة واليمن كله، وولى داود بن يزيد بن حاتم المهلبي السند، وولى ابن الأغلب المغرب، وولى مهرويه الرازي طبرستان. وفيها طلب أبو الخصيب الخارج بخراسان الأمان فأمنه علي بن عيسى بن ماهان وأكرمه. وفيها سار أحمد بن هارون الشيباني فأغار على ممالك الروم فغنم وسلم. وفيها توفي أحمد ابن الخليفة هارون الرشيد الشاب الصالح، كان قد ترك الدنيا وخرج على وجهه وتزهد وصار يعمل بالأجرة ولا يعلم به أحد، وكان أكبر أولاد الرشيد، وأمه أم ولد؛ ولم يزل أحمد هذا منقطعا إلى الله تعالى حتى مات ولم يعلم به أحد؛ وكان أحمد هذا

يعرف بالسبتي «1» ، وأحمد هذا خفي عن كثير من الناس، ومن الناس من يظنه البهلول الصالح ويقول: البهلول كان ابن الرشيد، وليس هو كذلك، وقد تقدم ذكر البهلول. وأحمد هذا هو ابن الرشيد، وله أيضاً حكايات كثيرة في الزهد والصلاح. على أن بعض أهل التاريخ ينكرون ذلك بالكلية، والله أعلم بحقيقة ذلك. وفيها توفي محمد بن يوسف بن معدان أبو عبد الله الأصبهاني؛ كان عبد الله بن المبارك يسميه عروس الزهاد وكان له كرامات وأحوال. وفيها توفي المعافى بن عمران أبو مسعود الموصلي الأزدي، رحل البلاد في طلب الحديث وجالس العلماء وجمع بين العلم والورع والسخاء والزهد ولزم سفيان الثوري وتفقه به وتأدب بآدابه، فكان يقول له: أنت معافى كاسمك. الذين ذكرهم الذهبي في الوفيات في هذه السنة، قال: وفيها توفي إبراهيم بن سعد الزهري في قول، وإبراهيم بن أبي يحيى المدنىّ، وحميد بن الأسود، وصدقة ابن خالد في قول، وعبد الله بن عبد العزيز الزاهد العمري، وعبد الله بن مصعب الزبيري، وعبد الرحيم بن سليمان الرازي «2» ، وعثمان بن عبد الرحمن الجمحي في قول، وعبد السلام بن شعيب بن الحبحاب، وعبد العزيز بن أبي حازم في قول، وعلي بن غراب القاضي، ومحمد بن يوسف الأصبهاني الزاهد، ومروان بن شجاع الجزري، ويوسف بن الماجشون قاله البخارىّ، وأبو أميّة بن يعلى قاله خليفة.

ما وقع من الحوادث سنة 185

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وأربعة أصابع. [ما وقع من الحوادث سنة 185] السنة الثانية من ولاية الليث بن الفضل على مصر وهي سنة خمس وثمانين ومائة- فيها وثب أهل طبرستان على متوليهم مهرويه فقتلوه فولّى عوضه الرشيد عبد الله ابن سعيد الحرشي «1» . وفيها وقعت بالمسجد الحرام صاعقة فقتلت رجلين. وفيها خرج الرشيد إلى الرقة على طريق الموصل والجزيرة. وفيها حج بالناس أخو الخليفة منصور ابن المهدي، وكان يحيى بن خالد البرمكي استأذن الرشيد في العمرة، فخرج يحيى بن خالد في شعبان وأقام بمكة واعتمر في شهر رمضان وخرج إلى جدة فأقام بها على نية الرباط إلى زمن الحج، فحج وعاد إلى العراق. وفيها توفي عم «2» جد الرشيد عبد الصمد بن علىّ ابن عبد الله بن العباس الأمير أبو محمد الهاشمي العباسي، ولد سنة خمس أو ست ومائة، وأمه أم ولد، ويقال: إن أمه كثيرة «3» التي شبب بها عبد الله بن قيس الرقيات. ولي عبد الصمد هذا إمرة دمشق والموسم غير مرة، وولي إمرة المدينة والبصرة. واجتمع مرة بالرشيد وعنده جماعة من أقار به، فقال: يا أمير المؤمنين، هذا مجلس فيه أمير المؤمنين وعمه وعم عمه وعم عم عمه؛ وكان في المجلس سليمان بن أبي جعفر المنصور وهو عم الرشيد، والعباس بن محمد وهو عم سليمان المذكور، وعبد الصمد هذا وهو عم العباس. ومات وليس بوجه الأرض عباسية إلا وهو محرم لها، رحمه الله. وفيها توفي محمد ابن الإمام إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الأمير

ما وقع من الحوادث سنة 186

أبو عبد الله الهاشمي العباسي. ولي إمرة دمشق لأبي جعفر المنصور ولولده المهدي؛ وحج بالناس عدة سنين، وكان عاقلاً جواداً ممدحاً. الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفي أبو إسحاق الفزاري في قول إبراهيم بن محمد، وخالد بن يزيد بن [عبد الرحمن «1» بن] أبي مالك الدمشقي، وصالح بن عمر الواسطي، وعبد الله بن صالح بن علي بسلمية «2» ، وعبد الواحد بن مسلم، وقاضي مصر محمد بن مسروق الكندي، والمسيب بن شريك، والمطلب بن زياد، ويزيد بن مزيد الشيباني، ويقطين بن موسى الأمير. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وعشرة أصابع، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وسبعة أصابع. [ما وقع من الحوادث سنة 186] السنة الثالثة من ولاية الليث بن الفضل على مصر وهي سنة ست وثمانين ومائة- فيها حج الرشيد ومعه ابناه: الأمين محمد والمأمون عبد الله وفرق بالحرمين الأموال. وفيها بايع الرشيد بولاية العهد لولده قاسم بعد الأخوين الأمين والمأمون، ولقبه المؤتمن وولاه الجزيرة والثغور وهو صبي، فلما قسم الرشيد الدنيا بين أولاده الثلاثة قال الشعراء في البيعة المدائح، ثم إنه علق نسخة البيعة في البيت العتيق، وفي ذلك يقول إبراهيم الموصلي: خير الأمور مغبّة ... وأحقّ أمر بالنّمام أمر قضى إحكامه الرّ ... حمن في البيت الحرام وفيها أيضاً سار علي بن عيسى بن ماهان من مرو لحرب أبي الخصيب، فالتقاه فقتل أبو الخصيب وغرقت جيوشه وسبيت حرمه واستقام أمر خراسان. وفيها

سجن الرشيد ثمامة بن الأشرس المتكلم لأنه وقف منه على شيء من «1» إعانة أحمد بن عيسى. وفيها توفي حماد- ويقال: سلم- بن عمرو بن حماد بن عطاء بن ياسر المعروف بسلم الخاسر الشاعر المشهور من أهل البصرة، سمّى الخاسر لأنه ورث من أبيه مصحفا فباعه واشترى بثمنه طنبورا، وقيل: اشترى شعر امرئ القيس، وقيل شعر الأعشى. وكان سلم من الشعراء المجيدين، وهو من تلامذة بشار بن برد المقدم ذكره. وفيها توفي العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، الأمير أبو الفضل الهاشمي العباسي أخو السفاح والمنصور لأبيهما، وأمه أم ولد. ولد في سنة ثمان عشرة ومائة وقيل سنة إحدى وعشرين ومائة، وولي دمشق والشأم كله والجزيرة، وحج بالناس غير مرة. وكان الرشيد يجله ويحبه. وفيها توفي يزيد بن هارون أبو خالد مولى بني سليم، ولد سنة ثمان عشرة ومائة، وكان من الزهاد العباد، كان إذا صلى العتمة لا يزال قائماً حتى يصلي الفجر بذلك الوضوء نيفاً وأربعين سنة. وفيها توفي الأمير يقطين بن موسى أحد دعاة بني العباس، ومن قرر أمرهم في الممالك والأقطار، وكان داهيةً عالماً حازماً شجاعاً عارفاً بالحروب والوقائع. ذكر الذين أثبت الذهبي وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفي حاتم بن إسماعيل، أو سنة سبع؛ والحارث بن عبيدة الحمصي، وحسان بن إبراهيم الكرماني، وخالد بن الحارث، وصالح بن قدامة الجمحي، وطيفور الأمير مولى المنصور «2» ، والعباد بن العوّام فى قول، والعباس بن الفضل المقرئ، وعبد الرحمن بن عبد الله ابن عمر المدني، وعيسى البخاري غنجار «3» ، والمسيب بن شريك بخلف، والمغيرة بن عبد الرحمن المخزومي.

ما وقع من الحوادث سنة 187

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان سواء، مبلغ الزيادة أربعة عشر ذراعاً واثنان وعشرون إصبعا. [ما وقع من الحوادث سنة 187] السنة الرابعة من ولاية الليث بن الفضل على مصر وهي سنة سبع وثمانين ومائة- فيها أوقع الرشيد بالبرامكة وقتل جعفراً ثم صلبه مدة وقطعت أعضاؤه وعلقت بأماكن، ثم بعد مدة أنزلت وأحرقت وذلك في صفر، وحبس الرشيد يحيى ابن خالد بن برمك، أعنى والد جعفر المذكور، وجميع أولاده وأحيط بجميع أموالهم. وطال حبس يحيى بن خالد المذكور وابنه الفضل إلى أن ماتا في الحبس. وفي سبب قتل جعفر البرمكي اختلاف كبير ليس لذكره «1» هنا محل. وفيها غزا الرشيد بلاد الروم وفتح هرقلة وولى ابنه القاسم الصائفة وأعطاه العواصم، فنازل حصن سنان، فبعث إليه قيصر وسأله أن يرحل عنه ويعطيه ثلثمائة وعشرين أسيراً من المسلمين، ففعل. وفيها قتل الرشيد إبراهيم بن عثمان بن نهيك. وسبب قتله أنه كان يبكي على قتل جعفر وما وقع للبرامكة، فكان إذا أخذ منه الشراب يقول لغلامه: هات سيفي فيسله ويصيح: وا جعفراه! ثم يقول: والله لآخذن ثأرك ولأقتلن قاتلك!. فنم عليه ابنه عثمان للفضل بن الربيع فأخبر الفضل الرشيد، فكان ذلك سبب قتله. وفيها توفي الفضيل بن عياض الإمام الجليل أبو علي التميمي اليربوعي. ولد بخراسان بكورة أبيورد وقدم الكوفة وهو كبير، فسمع الحديث من منصور وغيره ثم تعبد وتوجه إلى مكة وأقام بها إلى أن مات في يوم عاشوراء، قاله علي بن المديني وغيره. وكان ثقةً نبيلاً فاضلاً عابداً زاهداً كثير الحديث. وقيل: إن مولده بسمرقند. وذكر

بإسناده عن الفضل بن موسى قال: كان الفضيل بن عياض شاطراً «1» يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس. وكان سبب توبته أنه عشق جاريةً، فبينما هو يرتقي الجدران إليها سمع رجلاً يتلو: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِ فقال: يا رب قد آن، فرجع فآواه الليل إلى خربة فإذا فيها رفقة، فقال بعضهم: نرتحل، وقال قوم: حتى نصبح فإن فضيلا على الطريق. وقيل في توبته غير ذلك. وأما مناقبه فكثيرة: منها عن بشر الحافي قال: كنت بمكة مع الفضيل فجلس معنا إلى نصف الليل ثم قام يطوف إلى الصبح، فقلت: يا أبا علي ألا تنام؟ فقال: ويحك! وهل أحد يسمع بذكر النار وتطيب نفسه أن ينام!. وقال الأصمعي: نظر الفضيل إلى رجل يشكو إلى رجل، فقال الفضيل: تشكو من يرحمك الى من لا يرحمك!. وسئل الفضيل: ما الإخلاص؟ قال الفضيل: أخبرني من أطاع الله هل تضره معصية أحد؟ قال: لا؛ قال: فمن يعصي الله هل تنفعه طاعة أحد؟ قال: لا؛ قال: فهذا الإخلاص. وعن الفضيل قال: من ساء شان دينه وحسبه ومروءته. وعنه قال: لن يهلك عبد حتى يؤثر شهوته على نفسه ودينه. وقال: خصلتان تقسيان القلب: كثرة الكلام، وكثرة الأكل. وعنه قال: إذا أراد الله أن يتحف العبد سلط عليه من يظلمه. واجتمع مع الرشيد بمكة، فقال له الرشيد: إنما دعوناك لتحدثنا بشيء وتعظنا؛ قال: فأقبلت عليه وقلت:

يا حسن الخلق والوجه حساب الخلق كلهم عليك؛ قال: فبكى الرشيد وشهق، فرددت عليه حتى جاء الخدام فحملوني وأخرجوني. وعنه قال: الخوف أفضل من الرجاء ما دام الرجل صحيحاً، فإذا نزل به الموت فالرجاء أفضل. وقال الفضيل: قول العبد أستغفر الله يعني أقلني يا رب. قلت: روي عن علي بن أبى طالب رضى عنه أنه قال: أتعجب ممن يهلك ومعه النجاة، قيل: وما هو؟ قال: الاستغفار. وقال بعض المشايخ في دعائه: اللهم إني أطعتك في أحب الأشياء إليك وهو الاستغفار والإيمان، وعصيت الشيطان في أبغض الأشياء إليك وهو الشرك فاغفرلى ما بينهما. وكان بعض المشايخ يقول أيضا: اللهم إن حسناتي من عطائك وسيئاتي من قضائك، فجد بما أعطيت على ما به قضيت حتى يمحى ذلك بذلك. وفيها قتل جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك قتله الرشيد لأمر اقتضى ذلك واختلف الناس في سبب «1» قتله اختلافاً كبيراً يضيق هذا المحل عن ذكره. وكان قتله في أول صفر من هذه السنة، وصلبه على الجسر وسنه سبع وثلاثون سنة وقتل بعده جماعة كثيرة من أقاربه البرامكة. وكان أصله من الفرس، وكان جعفر جميلاً لسناً أديباً بليغاً عالماً يضرب بجوده الأمثال، إلا أنه كان مسرفا على نفسه غارقا في اللذات؛ تمكن من الرشيد حتى بلغ من الجاه والرفعة ما لم ينله أحد قبله وولي هو وأبوه وأخوه الفضل الأعمال الجليلة. وكان أبوه يحيى قد ضم جعفراً إلى القاضي أبي يوسف يعقوب حتى علمه وفقهه وصار نادرة عصره. يقال: إنه وقع في ليلة بحضرة الرشيد زيادة على ألف توقيع ونظر في جميعها، فلم يخرج شيئاً منها عن موجب الفقه والعربية. وكان جعفر مثل أخيه الفضل في السخاء وأعظم. وأما ما حكي من كرمه فكثير: من ذلك أن أبا علقمة الثقفي صاحب الغريب

ذكر ولاية أحمد بن إسماعيل على مصر

كان عند جعفر في مجلسه، فأقبلت إليه خنفساء، فقال أبو علقمة: أليس يقال: إن الخنفساء إذا أقبلت إلى رجل أصاب خيرا؟ قالوا: بلى؛ فقال جعفر: يا غلام، أعط الشيخ ألف دينار، ثم نحوها عنه، فأقبلت الخنفساء ثانياً، فقال: يا غلام أعطه ألفاً أخرى. وله من هذا أشياء كثيرة، ثم زالت عنه وعن أهله تلك النعم حتى احتاجت أمه إلى السؤال. قال الذهبي عن محمد بن عبد الرحمن الهاشمي صاحب صلاة الكوفة قال: دخلت على أمي يوم النحر وعندها امرأة في أثواب رثة، فقالت لي أمي: أتعرف هذه؟ قلت: لا؛ قالت: هذه عبادة أم جعفر البرمكي، فسلمت عليها ورحبت بها، ثم قلت: يا فلانة حدثينا بعض أمركم؛ قالت: أذكر لك جملة فيها عبرة، لقد هجم علي مثل هذا العيد وعلى رأسي أربعمائة جارية ونحرت في بيتي خاصة ثمانمائة رأس، وأنا أزعم أن ابني جعفراً عاق لي، وقد أتيتكم الآن يقنعني جلد شاتين أجعل أحدهما شعاراً «1» والآخر دثاراً. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة أربعة عشر ذراعا وإصبعان. ذكر ولاية أحمد بن إسماعيل على مصر هو أحمد بن إسماعيل بن علي بن عبد الله بن العباس الأمير أبو العباس الهاشمي العباسي أمير مصر. ولاه الرشيد على صلاة مصر بعد عزل الليث بن الفضل عنها في سنة سبع وثمانين ومائة، فقدمها يوم الاثنين لخمس بقين من جمادى الآخرة من السنة المذكورة، وسكن المعسكر على عادة أمراء بني العباس، وجعل على شرطته معاوية بن صرد. وفي ولايته استنجده إبراهيم بن الأغلب أمير إفريقية فأمده بالعساكر وتوجهوا إليه ثم عادوا.

ما وقع من الحوادث سنة 188

وكان سبب هذه التجريدة «1» أن أهل طرابلس الغرب كان كثر شغبهم على ولاتهم، وكان ابراهيم بن الأغلب المذكور قد استعمل عليهم عدة ولاة، فكانوا يشكون من ولاتهم فيعزلهم ويولي غيرهم إلى أن استعمل عليهم سفيان بن المضاء وهي ولايته الرابعة، فاتفق أهل البلد على إخراجه عنهم وإعادته إلى القيروان فزحفوا إليه، فأخذ سلاحه وقاتلهم هو وجماعة ممن معه، فأخرجوه من داره فدخل الجامع وقاتلهم فيه فقتلوا من أصحابه جماعة ثم أمنوه فخرج عنهم في شعبان [من هذه السنة «2» ] ، وكانت ولايته سبعاً وعشرين يوما، واستعمل جند طرابلس عليهم إبراهيم بن سفيان التميمي. ثم وقع أيضاً بين الأبناء بطرابلس وبين قوم يعرفون ببني أبي كنانة وبني يوسف حروب كثيرة وقتال حتى فسدت طرابلس؛ فبلغ ذلك إبراهيم بن الأغلب أمير إفريقية فاستنجد أحمد ابن إسماعيل أمير مصر وجمع جمعاً كبيراً وأمرهم أن يحضروا بني أبي كنانة والأبناء وبني يوسف فأحضروهم عنده بالقيروان، فلما قدموا عليه أراد قتلهم الجميع، فسألوه العفو عنهم في الذي فعلوه فعفا عنهم، وعادوا إلى بلادهم بعد أن أخذ عليهم العهود والمواثيق بالطاعة. واستمر أحمد هذا على إمرة مصر إلى أن صرف عنها بعبد الله بن محمد العباسي في يوم الاثنين لثمان عشرة خلت من شعبان سنة تسع وثمانين ومائة؛ فكانت ولايته على إمرة مصر سنتين وشهراً ونصف شهر. *** [ما وقع من الحوادث سنة 188] السنة الأولى من ولاية أحمد بن إسماعيل على مصر وهي سنة ثمان وثمانين ومائة- فيها غزا المسلمون الصائفة فبرز إليهم نقفور «3» بجموعه فالتقوا فجرح نقفور ثلاث جراحات وانهزم هو وأصحابه بعد أن قتل من الروم مقتلة عظيمة، فقيل: إن القتلى

بلغت أربعين ألفاً، وقيل: أربعة آلاف وسبعمائة. وفيها حج الرشيد بالناس وهي آخر حجة حجها، وكان الفضيل بن عياض قال له: استكثر من زيارة هذا البيت فإنه لا يحجه خليفة بعدك. وفيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة الفزاري، كان إماماً عالماً صاحب سنة وغزو وكان صاحب حال ولسان وكرامات. قال الفضيل بن عياض: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وإلى جانبه فرجة فذهبت لأجلس فيها، فقال: هذا مجلس أبى إسحاق الفزارىّ. وفيها توفّى إبراهيم ابن ماهان بن بهمن أبو إسحاق الأرجاني النديم المعروف بالموصلي، أصله من الفرس ودخل إلى العراق، ثم رحل إلى البلاد في طلب الأغاني، فبرع فيها بالعربية والعجمية؛ وكان مع ما انتهى إليه من الرياسة في الغناء فاضلاً عالماً أديباً شاعراً؛ نادم جماعة من خلفاء بني العباس؛ وكان ذا مال، يقال: إنه لما مات وجد له أربعة وعشرون ألف ألف درهم، وهو والد إسحاق النديم المغني أيضاً. حكي أن الرشيد كان يهوى جاريته ماردة؛ فغاضبها ودام على ذلك مدة، فأمر جعفر البرمكي العباس بن الأحنف أن يعمل في ذلك شيئاً، فعمل أبياتاً وألقاها إلى إبراهيم الموصلي هذا فغنى بها الرشيد، فلما سمعها بادر إلى ماردة فترضاها، فسألته عن السبب فقيل لها، فأمرت لكل واحد من العباس وإبراهيم بعشرة آلاف درهم، ثم سألت الرشيد أن يكافئهما، فأمر لهما بأربعين ألف درهم. والأبيات: العاشقان كلاهما متجنب ... وكلاهما متبعد متغضب صدت مغاضبة وصد مغاضباً ... وكلاهما مما يعالج متعب راجع أحبتك الذين هجرتهم ... إن المتيم قلما يتجنب إن التجنب إن تطاول منكما ... دب السلو له فعز المطلب

ما وقع من الحوادث سنة 189

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفي إسحاق بن مسور المرادي المصري، وجرير بن عبد الحميد الضبي، والحسين بن الحسن البصرىّ، وسليم ابن عيسى المقرئ، وعبد الملك بن ميسرة الصدفي، وعبدة بن سليمان الكوفي، وعتاب «1» بن بشير الحراني بخلف، وعقبة بن خالد السكوني، وعمر بن أيوب الموصلي، وعيسى بن يونس السبيعي، ومحمد بن يزيد الواسطي، ومعروف بن حسان الضبي، ومهران بن أبي عمر الرازي، ويحيى بن عبد الملك بن أبي غنية. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وسبعة أصابع، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وعشرة أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 189] السنة الثانية من ولاية أحمد بن إسماعيل على مصر وهي سنة تسع وثمانين ومائة- فيها سار الرشيد إلى الري بسبب شكوى أهل خراسان عاملهم علي بن عيسى بن ماهان، فقد «2» رموه بعظائم وذكروا أنه على نية الخروج عن طاعة الرشيد؛ فأقام الرشيد بالري أربعة أشهر حتى وافاه ابن عيسى بالأموال والجواهر والتحف للخليفة ولكبار القواد حتى رضي عنه الرشيد ورده إلى عمله، وخرج مشيعا له لما خرج إلى خراسان. قلت: لله درّ القائل فى هذا المعنى: بعثت في حاجتي رسولا ... يكنى أبا درهم فتمت ولو سواه بعثت فيها ... لم تحظ نفسي بما تمنت وفيها كان الفداء، حتى لم يبق بممالك الروم في الأسر مسلم. وفيها توفي العباس بن الأحنف بن الأسود بن طلحة أبو الفضل الشاعر المشهور حامل لواء

الشعراء في عصره، أصله من غرب خراسان ونشأ ببغداد وقال الشعر الفائق، وكان معظم شعره في الغزل والمديح، وله أخبار مع الخلفاء، وكان حلو المحاضرة مقبولاً عند الخاص والعام، وهو شاعر الرشيد، وخال إبراهيم بن العباس الصولي. قال ابن خلكان: وحكى عمر بن شبة قال: مات إبراهيم الموصلي المعروف بالنديم سنة ثمان وثمانين ومائة، ومات في ذلك اليوم الكسائي النحوي، والعباس بن الأحنف، وهشيمة «1» الخمارة، فرفع ذلك إلى الرشيد فأمر المأمون أن يصلّى عليهم، فخرج فصفوا بين يديه فقال: من هذا الأول؟ فقالوا: إبراهيم الموصلي؛ فقال: أخروه وقدموا العباس بن الأحنف، فقدم فصلى عليه، فلما فرغ دنا منه هاشم بن عبد الله بن مالك الخزاعي، فقال: يا سيدي، كيف آثرت العباس بن الأحنف بالتقدمة على من حضر! فقال: لقوله: وسعى «2» بها ناس وقالوا إنها ... لهي التي تشقى بها وتكابد «3» فجحدتهم ليكون غيرك ظنهم ... إني ليعجبني المحب الجاحد قلت: وفي موت الكسائىّ وابراهيم الموصلي والعباس بن الأحنف في يوم واحد نظر، والصحيح أن وفاة العباس هذا تأخرت عن وفاة هؤلاء المذكورين بمدة طويلة. ومما يدل على ذلك ما حكاه المسعودي في تاريخه عن جماعة من أهل البصرة، قالوا: خرجنا نريد الحج، فلما كنا ببعض الطريق إذا غلام واقف ينادي الناس: هل فيكم أحد من أهل البصرة؟ قالوا: فعدلنا إليه وقلنا: ما تريد؟ قال: إنّ مولاى يريد

أن يوصيكم؛ قالوا: فملنا معه وإذا شخص ملقى تحت شجرة لا يحير جواباً، فجلسنا حوله فأحس بنا فرفع طرفه وهو لا يكاد يرفعه ضعفا، وأنشأ يقول: يا غريب الدار عن وطنه ... مفرداً يبكي على شجنه كلّما جدّ «1» البكاء؟؟؟ هـ ... دبت الأسقام في بدنه ثم أغمي عليه طويلاً، ونحن جلوس حوله إذ أقبل طائر فوقع على أعلى الشجرة وجعل يغرد، ففتح عينيه فسمع تغريده ثم قال: ولقد زاد الفؤاد شجاً ... طائر يبكي على فننه شفه ما شفني فبكى ... كلنا يبكي على سكنه ثم تنفس تنفساً فاضت نفسه منه، فلم نبرح من عنده حتى غسلناه وكفناه وتولينا الصلاة عليه. فلما فرغنا من دفنه سألنا الغلام عنه، فقال: هذا العباس بن الأحنف رحمه الله. وذكر «2» أبو علىّ الفالى في «كتاب الأمالي» : قال بشار بن برد: ما زال غلام من بني حنيفة (يعني العباس) يدخل نفسه فينا ويخرجها منا حتى قال: أبكي الذين أذاقوني مودتهم ... حتى إذا أيقظوني للهوى رقدوا واستنهضوني فلما قمت منتصباً ... بثقل ما حملوني منهم قعدوا وقد خرجنا عن المقصود لطلب الفائدة، ونرجع الآن إلى ما نحن بصدده.

وفيها توفي علي بن حمزة «1» بن عبد الله بن بهمن بن فيروز مولى بني أسد، أبو الحسن المعروف بالكسائىّ النحوىّ المقرئ، وسمي بالكسائي لأنه أحرم في كساء. وهو معلم الرشيد وفقيهه وبعده لولديه الأمين والمأمون، وكان إماماً في فنون عديدة: النحو والعربية وأيام الناس، وقرأ القران على حمزة الزيات أربع مرات، واختار لنفسه قراءة صارت إحدى القراءات السبع، وتعلم النحو على كبر سنه، وخرج الى البصرة وجالس الخليل ابن أحمد. وذكر ابن الدورقي قال: اجتمع الكسائي واليزيدي عند الرشيد، فحضرت العشاء فقدموا الكسائي فأرتج عليه [فى] قراءة (قل يأيّها الكافرون) ؛ فقال اليزيدي: قراءة هذه السورة يرتج [فيها] على قارئ أهل الكوفة!. قال: فحضرت الصلاة فقدموا اليزيدي فارتج عليه في الحمد؛ فلما سلم قال: احفظ لسانك لا تقول فتبتلى ... إن البلاء موكل بالمنطق وكان الكسائي عند الرشيد بمنزلة رفيعة، سار معه إلى الري فمرض ومات بقرية رنبويه «2» ، ثم مات مع الرشيد محمد بن الحسن الفقية صاحب أبي حنيفة فقال الرشيد لما رجع إلى العراق: [اليوم» ] دفنت الفقه والنحو برنبويه. وفيها توفي محمد بن الحسن الفقيه ابن فرقد الشيباني مولاهم الكوفي الفقيه العلامة شيخ الإسلام وأحد العلماء الأعلام مفتى العراقين أبو عبد الله، قيل: إن أصله من حرستا «4» من غوطة دمشق، ومولده بواسط ونشأ بالكوفة وتفقه بأبي يوسف ثم بأبي حنيفة وسمع مسعراً ومالك

ذكر ولاية عبد الله بن محمد على مصر

ابن مغول والأوزاعي ومالك بن أنس؛ وأخذ عنه الشافعي وأبو عبيد وهشام بن عبيد الله وعلي بن مسلم الطوسي وخلق سواهم؛ وكان إماماً فقيهاً محدثاً مجتهداً ذكياً، انتهت إليه رياسة العلم في زمانه بعد موت أبي يوسف. قال أبو عبيد: ما رأيت أعلم بكتاب الله منه. وقال الشافعي: لو أشاء أن أقول نزل القرآن بلغة محمد بن الحسن لقلت لفصاحته، وقد حملت عنه وقر «1» بختي كتباً. وقال إبراهيم الحربي: قلت لأحمد بن حنبل: من أين لك هذه المسائل الدّقاق؟ قال: من كتب محمد ابن الحسن. وعن الشافعي قال: ما ناظرت أحداً إلا تغير وجهه ما خلا محمد بن الحسن. وقال أحمد بن محمد بن أبي رجاء: سمعت أبي يقول: رأيت محمد بن الحسن في النوم فقلت: إلام صرت؟ قال: غفرلى؛ قلت: بم؟ قال: قيل لي: لم نجعل هذا العلم فيك إلا ونحن نغفر لك. قلت: وقد تقدم في ترجمة الكسائي أنهما ماتا في صحبة الرشيد بقرية رنبويه من الري، فقال الرشيد: دفنت الفقه والعربية بالري. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وأربعة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وإصبعان. ذكر ولاية عبد الله بن محمد على مصر هو عبد «2» الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، الأمير أبو محمد الهاشمي العباسي المعروف بابن زينب، ولاه الرشيد إمرة مصر على الصلاة بعد عزل أحمد بن إسماعيل سنة تسع وثمانين ومائة. ولما ولي مصر أرسل يستخلف

على صلاة مصر لهيعة بن موسى «1» الحضرمي، فصلى لهيعة المذكور بالناس إلى أن قدم عبد الله بن محمد المذكور إلى مصر في يوم السبت للنصف من شوال سنة تسع وثمانين ومائة المذكورة؛ وسكن المعسكر على عادة أمراء بني العباس، ثم جعل على شرطته أحمد بن حوىّ «2» العذري مدة، ثم عزله وولى محمد بن عسّامة. ولم تطل مدة عبد الله المذكور على إمرة مصر وعزل بالحسين بن جميل لإحدى عشرة بقيت من شعبان سنة تسعين ومائة. وخرج عبد الله من مصر واستخلف على صلاتها هاشم بن عبد الله ابن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج؛ فكانت مدة ولاية عبد الله هذا على مصر ثمانية أشهر وتسعة عشر يوماً. وتوجه إلى الرشيد فأقره الرشيد من جملة قواده وأرسله على جماعة نجدة لعلي بن عيسى لقتال رافع بن الليث بن نصر بن سيار، وكان رافع ظهر بما وراء النهر مخالفاً للرشيد بسمرقند. وكان سبب خروج رافع أن يحيى بن الأشعث تزوج ابنة لعمه أبي النعمان وكانت ذات يسار ولسان، ثم تركها يحيى بن الأشعث بسمرقند وأقام ببغداد واتخذ السراري، فلما طال ذلك عليها أرادت التخلص منه، وبلغ رافعاً خبرها فطمع فيها وفي مالها،؟؟؟ دس إليها من قال لها: لا سبيل إلى الخلاص من زوجها إلا أن تشهد عليها قوماً أنها أشركت بالله ثم تتوب فينفسخ نكاحها وتحل للأزواج، ففعلت ذلك فتزوجها رافع. فبلغ الخبر يحيى بن الأشعث فشكا إلى الرشيد، فكتب الرشيد إلى علي بن عيسى يأمره أن يفرق بينهما وأن يعاقب رافعاً ويجلده الحد ويقيده ويطوف به في سمرقند على حمار [حتى يكون عظة «3» لغيره] ففعل به ذلك ولم يحدّه، وحبس رافع

ما وقع من الحوادث سنة 190

بسمرقند مدة، ثم هرب من الحبس فلحق بعلي بن عيسى ببلخ، فأراد ضرب عنقه فشفع فيه عيسى بن علي بن عيسى، وأمره بالانصراف إلى سمرقند، فرجع إليها ووثب بعامل علي بن عيسى عليها وقتله واستولى على سمرقند واستفحل أمره حتى خرجت إليه العساكر وأخذته وقتل بعد أمور. ولما عاد عبد الله صاحب الترجمة إلى الرشيد سأله في إمرة مصر ثانياً فأبى واستمر عند الرشيد الى أن مات. *** [ما وقع من الحوادث سنة 190] السنة التي حكم فيها عبد الله بن محمد العباسي على مصر وهي سنة تسعين ومائة- فيها افتتح الرشيد مدينة هرقلة «1» وبث جيوشه بأرض الروم وكان في مائة ألف فارس وخمسة وثلاثين ألفاً سوى المطوعة، وجال الأمير داود بن موسى بن عيسى العباسي في أرض الكفر وكان في سبعين ألفاً؛ وكان فتح هرقلة في شوال، وأخربها وسبى أهلها، وكان الحصار ثلاثين يوماً. وفيها افتتح شراحيل بن معن بن زائدة الشيباني حصن الصقالبة بالمغرب. وفيها أسلم الفضل بن سهل المجوسىّ على يد المأمون ابن الرشيد. وفيها بعث نقفور ملك الروم إلى الرشيد بالخراج «2» والجزية. وفيها نقضت أهل قبرس [العهد] ، فغزاهم ابن يحيى وقتل وسبى. وفيها افتتح يزيد بن مخلد الصفصاف «3» وملقونية «4» . وفيها توفي يحيى بن خالد بن برمك في حبس الرشيد، ويحيى هذا هو والد جعفر البرمكي- وقد تقدم ذكر جعفر وقتله في محله من هذا الكتاب-. وفيها توفى سعدون المجنون، كان صاحب محبة وحال، صام ستين عاماً حتى خفّ

ذكر ولاية الحسين بن جميل على مصر

دماغه فسماه الناس مجنوناً. قيل: إنه وقف يوماً على حلقة ذي النون [المصري] وهو يعظ الناس فسمع سعدون كلامه، فصرخ وقال: ولا خير في شكوى إلى غير مشتكى ... ولا بدّ من شكوى إذا لم يكن صبر الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها مات أسد بن عمرو البجلي الفقيه، وإسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين مقرئ مكة في قول، والحكم بن سنان الباهلي القربىّ «1» ، وشجاع بن أبى نصر البلخىّ المقرئ، وعبد الله بن عمر «2» بن غانم قاضي إفريقية، وأبو علقمة عبد الله بن محمد الفروي «3» المدني، وعبد الحميد بن كعب بن علقمة المصري، وعثمان بن عبد الحميد اللاحقي، وعبيدة بن حميد الكوفي الحذاء «4» ، وعطاء بن مسلم الحلبي الخفاف، وعمر بن علي المقدمي، ومحمد بن بشير المعافري بحلب، ومحمد بن يزيد الواسطي، ومخلد بن الحسين في رواية، ومسلمة بن علي الخشني «5» ، ويحيى بن أبي زكريا الغساني بواسط، ويحيى بن ميمون البغدادي التمار. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع واثنا عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وسبعة أصابع. ذكر ولاية الحسين بن جميل على مصر هو الحسين بن جميل مولى أبي جعفر المنصور أمير مصر، ولاه الرشيد إمرة مصر بعد عزل عبد الله بن محمد العباسي عنها على الصلاة في سنة تسعين ومائة، فقدم

مصر يوم الخميس لعشر خلون من شهر رمضان من السنة المذكورة وسكن المعسكر؛ وجعل على شرطته كاملاً الهنائي ثم معاوية بن صرد، ثم جمع له الرشيد بين الصلاة والخراج في يوم الأربعاء لسبع خلون من شهر رجب سنة إحدى وتسعين ومائة. ولما ولي الخراج تشدد فيه فخرج عليه أهل الحوف بالشرق من الوجه البحري وامتنعوا من أداء الخراج، وخرج عليهم أبو النداء بأيلة «1» في نحو ألف رجل وقطع الطريق وأخاف السبل، وتوجه من أيلة إلى مدين، وأغار على بعض نواحي قرى الشأم وآنضم إليه من جذام وغيرها جماعة كبيرة وأفسدوا غاية الإفساد، وبلغ أبو النداء المذكور من النهب والقتل مبلغاً عظيماً، حتى بلغ الرشيد أمره، فجهز إليه جيشاً من بغداد لقتاله. ثم بعث الحسين بن جميل هذا من مصر عبد العزيز الجززىّ «2» في عسكر آخر فالتقى عبد العزيز بأبي النداء المذكور بأيلة وقاتله بمن معه حتى هزمه وظفر به. وعند ما ظفر عبد العزيز بأبي النداء المذكور وصل جيش الخليفة الرشيد إلى بلبيس في شوال سنة إحدى وتسعين ومائة، فلما رأى أهل الحوف مسك كبيرهم ومجيء عسكر الخليفة أذعنوا بالطاعة وأدوا الخراج وحملوا ما كان انكسر عليهم بتمامه وكماله. فلما وقع ذلك عاد عسكر الرشيد إلى بغداد. وأخذ الحسين هذا في إصلاح أمور مصر. فبينما هو في ذلك قدم عليه الخبر بعزله عن إمرة مصر بمالك بن دلهم وذلك في يوم ثاني عشر شهر ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين ومائة، فكانت ولايته على مصر سنة واحدة وسبعة أشهر وأياما.

ما وقع من الحوادث سنة 191

*** [ما وقع من الحوادث سنة 191] السنة التي حكم فيها الحسين بن جميل على مصر وهي سنة إحدى وتسعين ومائة- فيها حج بالناس أمير مكة الفضل بن العباس. وفيها ولى الرشيد حمويه الخادم [بريد «1» ] خراسان. وفيها غزا يزيد بن مخلد الروم في عشرة آلاف مقاتل، فأخذ الروم عليه المضيق، فقتل بقرب طرسوس وقتل معه سبعون رجلاً من المقاتلة ورجع الباقون، فولى الرشيد غزو الصائفة هرثمة بن أعين المتقدم ذكره في أمراء مصر في محله، وضم إليه الرشيد ثلاثين ألفاً من جند خراسان، ووجه معه مسروراً الخادم، وإلى مسرور المذكور النفقات في الجيش المذكور وجميع أمور العسكر، خلا الرياسة على الجيش فإن ذلك لهرثمة بن أعين المذكور. وفيها نزل الرشيد بالرقة وأمر بهدم الكنائس التي بالثغور. ثم عزل علي بن عيسى بن ماهان عن إمرة خراسان بهرثمة بن أعين المذكور. وبعد هذه الغزوة لم يكن للمسلمين صائفة إلى سنة خمس عشرة ومائتين. وفيها توفي عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (بفتح السين المهملة) أبو عمرو الكوفي، كان محدثاً حافظاً زاهداً ورعاً. قال جعفر البرمكي: ما رأينا مثل ابن يونس، أرسلنا إليه فأتانا بالرقة، وحدث المأمون فاعتل قبل خروجه؛ فقلت: يا أبا عمرو، قد أمر لك بخمسين ألف درهم؛ فقال: لا حاجة لي فيها؛ فقلت: هي مائة ألف؛ فقال: لا والله، لا يتحدث أهل العلم أني أكلت للسنة ثمناً. وفيها توفى مخلد ابن الحسين أبو محمد البصري، كان من أهل البصرة فتحول إلى المصيصة ورابط بها، وكان عالماً زاهداً ورعاً حافظاً للسنة، لا يتكلم فيما لا يعنيه.

ذكر ولاية مالك بن دلهم على مصر

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفي خالد بن حيان الرقي الخراز «1» ، وسلمة بن الفضل الأبرش بالري، وعبد الرحمن بن القاسم المصري الفقيه، وعيسى بن يونس في قول خليفة وابن سعد، ومخلد بن الحسين المهلبي بالمصيصة، ومطرف بن مازن قاضى صنعاء، ومعمّر بن سليمان النّخعىّ الرّقّىّ. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وأربعة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وسبعة أصابع. ذكر ولاية مالك بن دلهم على مصر هو مالك بن دلهم بن عيسى «2» بن مالك الكلبي أمير مصر، ولاه الرشيد إمرة مصر بعد عزل الحسين بن جميل عنها، ولاه على الصلاة والخراج، فقدم مصر يوم الخميس لسبع بقين من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين ومائة. ولما دخل مالك هذا إلى مصر وافى خروج يحيى بن معاذ أمير جيش الرشيد الذي كان أرسله نجدة للحسين ابن جميل على قتال أبي النداء الخارجي. وكان يحيى بن معاذ خرج من مصر ثم عاد إليها بعد عزل الحسين بن جميل. ولما دخل يحيى المذكور الفسطاط كتب إلى أهل الأحواف أن اقدموا علي حتى أوصي بكم مالك بن دلهم أمير مصر، وكان مالك المذكور قد نزل بالمعسكر وسكنه على عادة أمراء مصر، فدخل رؤساء اليمانية والقيسية من الحوف، فأغلق عليهم يحيى الأبواب وقبض عليهم وقيدهم وسار بهم، وذلك في نصف شهر رجب من السنة. واستمر مالك بن دلهم على إمرة مصر بعد ذلك مدة، وجعل على شرطته محمد «3» بن توبة بن آدم الأودي من أهل حمص،

فاستمر على ذلك إلى أن صرفه الخليفة بالحسن بن البحباح «1» في يوم الأحد لأربع خلون من صفر سنة ثلاث وتسعين ومائة. فكانت ولايته على مصر سنة واحدة وخمسة أشهر تنقص أياماً لدخوله مصر وتزيد أياماً لولايته ببغداد من الرشيد. وكان سبب عزله أن الأمين أرسل إليه في أول خلافته بالدعاء على منابر مصر لابنه موسى، واستشاره في خلع أخيه المأمون من ولاية العهد فلم يشر عليه. وكان الذي أشار على الأمين بخلع أخيه المأمون الفضل بن الربيع الحاجب، وكان المأمون يغض من الفضل، فعلم الفضل إن أفضت الخلافة للمأمون وهو حي لم يبق عليه، فأخذ في إغراء الأمين بخلع أخيه المأمون والبيعة لابنه موسى بولاية العهد، ولم يكن ذلك في عزم الأمين، ووافقه على هذا علي بن عيسى بن ماهان والسندي وغيرهما؛ فرجع الأمين إلى قولهم وأحضر عبد الله بن خازم، فلم يزل في مناظرته إلى «2» الليل، فكان مما قال عبد الله بن خازم: أنشدك الله يا أمير المؤمنين أن تكون أول الخلفاء نكث عهد أبيه ونقض ميثاقه! ثم جمع الأمين القواد وعرض عليهم خلع المأمون فأبوا ذلك، وساعده قوم منهم، حتى بلغ إلى خزيمة بن خازم فقال: يا أمير المؤمنين، لم ينصحك من كذبك ولم يغشك من صدقك، لا «3» تجرّئ القواد على الخلع فيخلعوك ولا تحملهم على نكث العهد فينكثوا عهدك وبيعتك، فإن الغادر مخذول والناكث «4» مغلول. فأقبل الأمين على علي بن عيسى بن ماهان وتبسم وقال: لكن شيخ هذه الدعوة وناب «5» هذه الدولة لا يخالف على إمامه «6» ولا يوهن طاعته؛ لأنه هو والفضل ابن الربيع حملاه على خلع المأمون. ثم انبرم الأمر على أن يكتب للعمال بالدعاء لابنه

ما وقع من الحوادث سنة 192

موسى ثم بعد ذلك بخلع المأمون، فكتب بذلك لجميع العمال. فلما بلغ ذلك المأمون أسقط اسم الأمين من الطرز وبدت الوحشة بين الأخوين الخليفة الأمين ثم المأمون، وانقطعت البرد من بينهما، فأخذ الأمين يولي الأمصار من يثق به، فعزل مالكاً هذا عن مصر وولى عليها الحسن، كما سيأتي ذكره. *** [ما وقع من الحوادث سنة 192] السنة التي حكم فيها مالك بن دلهم على مصر وهي سنة اثنتين وتسعين ومائة- فيها قدم يحيى بن معاذ على الرشيد ومعه أبو النداء أسيراً فقتله. وفيها قتل الرشيد هيصماً اليماني «1» وكان قد خرج عليه. وفيها تحركت الخرمية «2» ببلاد أذربيجان، فسار إلى حربهم عبد الله بن مالك في عشرة آلاف فقتل وسبى وعاد منصوراً. وفيها توفي إسماعيل بن جامع بن إسماعيل بن عبد الله بن المطلب بن [أبي «3» ] وداعة أبو القاسم المكي، كان قد قرأ القرآن وسمع الحديث، ثم غلب عليه الغناء حتى فاق فيه أهل زمانه، وأخذ عن زلزل المغني وغيره. وفيها توفي عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن، أبو محمد الأودي، مولده سنة خمس عشرة ومائة، وقيل: سنة عشرين ومائة، وتوفي بالكوفة في عشر ذي الحجة. وكان ثقة إماماً زاهداً ورعاً حجة كثير الحديث صاحب سنة وجماعة، كان لا يستقضى أحداً يسمع عليه الحديث حاجة. وفيها توفي علي بن ظبيان أبو الحسن العبسي الكوفي، كان إماماً عالماً جليلاً نبيلاً متواضعاً زاهداً عارفا

بالفقه على مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه، تقلد قضاء القضاة عن الرشيد. وفيها «1» توفي الفضل بن يحيى بن خالد البرمكي في حبس الرشيد، كان قد حبسه الرشيد هو وأباه بعد قتل أخيه جعفر، فحبسا إلى أن مات أبوه يحيى، ثم مات الفضل هذا بعده وكلاهما في حبس الرشيد. وكان الفضل هذا متكبراً جداً عسر الخلق إلا أنه كان أجود من أخيه جعفر وأندى راحة؛ ومولده في ذي الحجة سنة سبع وأربعين ومائة، وكان أسن من هارون الرشيد بنحو شهر، لأن مولد الرشيد في أول يوم من المحرم سنة ثمان وأربعين ومائة، فأرضعت الخيزران أم الرشيد الفضل وأرضعت أم الفضل الرشيد أياماً، وأم الفضل هي زبيدة بنت منير بن يزيد من مولدات المدينة. ولما مات الفضل حزن الناس عليه وعلى أبيه وأخيه جعفر من قبله، وفيه يقول بعضهم: يا بني برمك واهاً لكم ... ولأيامكم المقتبله كانت الدنيا عروساً بكم ... وهي اليوم ملول أرمله وفيها توفي القاضي أبو يعقوب يوسف بن القاضي أبي يوسف يعقوب صاحب أبي حنيفة، كان ولي القضاء في حياة أبيه وكان إماماً عالماً. الذين ذكر الذهبي وفاتهم، قال: وفيها توفي صعصعة بن سلام خطيب قرطبة، وعبد الله بن إدريس الأودي، ويحيى بن كريب الرعيني المصري، ويوسف ابن القاضي أبي يوسف، وعرعرة بن البرند «2» السامي البصري. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وعشرون إصبعاً، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وستة عشر إصبعا.

ذكر ولاية الحسن بن البحباح على مصر

ذكر ولاية الحسن بن البحباح «1» على مصر هو الحسن بن البحباح أمير مصر، وليها بعد عزل مالك بن دلهم عنها في صفر سنة ثلاث وتسعين ومائة. ولما ولاه الرشيد على إمرة مصر جمع له بين الصلاة والخراج، فأرسل الحسن هذا يستخلف على صلاة مصر العلاء بن عاصم الخولاني حتى قدم مصر يوم الاثنين لثلاث خلون من شهر ربيع الأوّل من السنة، وسكن المعسكر، وجعل على شرطته محمد بن خالد «2» مدة، ثم عزله بصالح بن عبد الكريم ثم عزل صالح المذكور بسليمان بن غالب بن جبريل، واستمر الحسن هذا على إمرة مصر إلى أن توفي الخليفة هارون الرشيد في جمادى الآخرة من السنة وولي الخلافة ابنه الأمين محمد بن زبيدة، فثار جند مصر على الحسن هذا وقاتلوه، فقتل من «3» الفريقين مقتلة عظيمة حتى سكن الأمر، وجمع مال الخراج بمصر وأرسله إلى الخليفة. فوثب أهل الرملة «4» على أصحاب المال وأخذوا المال منهم. وبينما الحسن في ذلك ورد عليه الخبر بعزله عن مصر بحاتم بن هرثمة، فخرج من مصر بعد أن استخلف عوف ابن وهيب «5» على الصلاة، ومحمد بن زياد على الخراج، وسافر من طريق الحجاز لفساد طريق الشأم. وكان خروجه من مصر لثمان بقين من شهر ربيع الأول سنة أربع وتسعين ومائة. فكانت ولايته على مصر سنة واحدة وشهرا وثمانية وعشرين يوما. *** [ما وقع من الحوادث سنة 193] السنة التي حكم فيها الحسن بن البحباح على مصر وهي سنة ثلاث وتسعين ومائة- فيها وافى الرشيد جرجان، فأتته بها خزائن علي بن عيسى على ألف

وخمسمائة بعير، ثم رحل الرشيد منها في صفر وهو عليل إلى طوس فلم يزل بها إلى أن مات في ثالث جمادى الآخرة. وفيها كانت وقعة بين هرثمة وأصحاب رافع بن الليث فانتصر هرثمة وأسر أخا رافع وملك بخارا وقدم بأخي رافع إلى الرشيد فسبه ودعا بقصاب وقال: فصل أعضاءه، ففصله. وذكر بعضهم أن جبريل بن بختيشوع الحكيم غلط في مداواة الرشيد في علته التي مات فيها فهم الرشيد بأن يفصله كما فعل بأخي رافع ودعا به؛ فقال جبريل: أنظرني إلى غد يا أمير المؤمنين فإنك تصبح في عافية فأنظره فمات الرشيد في ذلك اليوم. وفيها قتل نقفور ملك الروم في حرب برجان «1» ، وكان له في المملكة تسع «2» سنين، وملك بعده ابنه استبراق شهرين وهلك فملك ميخائيل بن جورجس زوج أخته. وفيها توفي الخليفة أمير المؤمنين أبو جعفر هارون الرشيد بن الخليفة محمد المهدىّ بن الخليفة أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، العباسي الهاشمي البغدادي وهو الخامس من خلفاء بني العباس وأجلهم وأعظمهم، نال في الخلافة ما لم ينله خليفة قبله، استخلف بعهد من أبيه المهدي بعد وفاة أخيه موسى الهادي، فإن أباه المهدي كان جعله ولي عهده بعد أخيه الهادي، فلما مات الهادي حسبما تقدم ذكره ولي الرشيد بالعهد السابق من أبيه، وذلك في سنة سبعين ومائة، ومولده بالري لما كان أبوه أميراً عليها في أول يوم من محرم سنة ثمان وأربعين ومائة، ومات في ثالث جمادى الآخرة بطوس، وصلى عليه ابنه صالح ودفن بطوس؛ وأمه أم ولد تسمى الخيزران وهي أم أخيه الهادي أيضاً.

قال عبد الرزاق بن همام: كنت مع الفضيل بن عياض بمكة فمر هارون الرشيد، فقال الفضيل: الناس يكرهون هذا وما في الأرض أعز علي منه، لو مات لرأيت أموراً عظاماً. وقال الجاحظ: اجتمع للرشيد ما لم يجتمع لغيره: وزراؤه البرامكة، وقاضيه أبو يوسف، وشاعره مروان بن أبي حفصة، ونديمه العباس بن محمد عم أبيه، وحاجبه الفضل بن الربيع أتيه الناس وأعظمهم، ومغنيه إبراهيم الموصلىّ، وزوجته زبيدة بنت عمه جعفر اهـ. وكانت خلافته ثلاثاً وعشرين سنة وشهرين ونصفاً، وتولى الخلافة من بعده ابنه محمد الأمين بن زبيدة. ومات الرشيد وله خمس وأربعون سنة. وفيها نوفّى صالح [بن عمرو «1» ] بن محمد بن حبيب بن حسان، الحافظ أبو علي البغدادي مولى أسد بن خزيمة المعروف بجزرة (بجيم وزاي معجمة وراء مهملة) ، لقب بجزرة لأنه قرأ على بعض مشايخ الشأم: «كان لأبي أمامة جزرة يرقي بها المرضى» ، فصحف خرزة جزرة فسمي بذلك «2» ؛ وكان إماماً عالماً حافظاً ثقة صدوقاً. وفيها توفي غندر «3» واسمه محمد أبو عبد الله البصري الحافظ، سمع الكثير وروى عنه خلائق، وكان فيه سلامة باطن. قال ابن معين: اشترى غندر سمكاً وقال لأهله: أصلحوه، فأصلحوه وهو نائم وأكلوا ولطخوا يده وفمه؛ فلما انتبه قال: قدموا السمك، فقالوا: قد أكلت، فقال: لا، قالوا: فشم يدك، ففعل فقال: صدقتم، ولكني ما شبعت.

ذكر ولاية حاتم بن هرثمة على مصر

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفي إسماعيل «1» بن علية أبو بشر البصري، والعباس بن الأحنف الشاعر المشهور، والعباس بن الحسن العلوي، والعباس بن الفضل بن الربيع الحاجب، وعبد الله بن كليب المرادىّ بمصر، وعون بن عبد الله المسعودي، ومحمد بن جعفر البصري، ومروان بن معاوية الفزاري نزيل دمشق، وأبو بكر بن عيّاش المقرئ بالكوفة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وعشرون إصبعاً، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وستة عشر إصبعا. ذكر ولاية حاتم بن هرثمة على مصر هو حاتم بن هرثمة بن أعين أمير مصر، وليها بعد عزل الحسن بن البحباح عنها، ولاه الخليفة الأمين محمد على إمرة مصر وجمع له الصلاة والخراج؛ وسار من بغداد حتى قدم بلبيس في عساكره ونزل بها، وطلب أهل الأحواف فجاءوه وصالحوه على خراجهم، ثم انتقض ذلك وثاروا عليه واجتمعوا على قتاله وعسكروا؛ فبعث إليهم حاتم المذكور جيشاً فقاتلوهم وكسروهم ثم سار حاتم من بلبيس حتى دخل مصر يوم الأربعاء لأربع خلون من شوال سنة أربع وتسعين ومائة ومعه نحو مائة من الرهائن من أهل الحوف. وسكن حاتم المعسكر على عادة أمراء مصر وجعل على شرطه ابنه، ثم عزله بعلي بن المثنى، ثم عزل علياً أيضاً بعبيد الله الطرسوسي. واستمر على إمرة مصر ومهد أمورها وابتنى بها القبّة المعروفة بقبّة الهواء. ودام على ذلك حتى ورد عليه الخبر من الخليفة

ما وقع من الحوادث سنة 194

الأمين محمد بعزله عن إمرة مصر في جمادى الآخرة سنة خمس وتسعين ومائة. وتولى مصر بعده جابر بن الأشعث. فكانت ولاية حاتم هذا على إمرة مصر سنة واحدة ونصف سنة تنقص أياما. *** [ما وقع من الحوادث سنة 194] السنة التى حكم فيها حاتم بن هرثمة على مصر وهي سنة أربع وتسعين ومائة- فيها أمر الخليفة الأمين بالدعاء لابنه موسى على المنابر بعد ذكر المأمون والقاسم، فتنكر كل واحد من الأمين والمأمون لصاحبه وظهر الفساد بينهما وهذا أول الشر والفتنة بين الأخوين. ثم أرسل الأمين في أثناء السنة إلى المأمون يسأله أن يقدم ولد الأمين موسى المذكور على نفسه ويذكر له أنه سماه الناطق بالحق؛ فقويت الوحشة بينهما أكثر، ووقع أمور يأتي ذكر بعضها. ثم عزل الأمين أخاه القاسم عن الثغور والعواصم وولى عوضه خزيمة بن خازم، واستدعى القاسم إلى بغداد وأمره بالمقام عنده. وفيها ثار أهل حمص بعاملهم إسحاق بن سليمان فنزح إلى سلمية «1» فولى عليهم الأمين عبد الله بن سعيد الحرشي؛ فحبس عدة من وجوههم، وقتل عدّة وضرب النار في نواحي حمص؛ فسألوه الأمان فأمّنهم فسكنوا ثم هاجوا فقتل طائفة منهم. وفيها في شهر ربيع الأول بايع الأمين بولاية العهد لابنه موسى ولقبه بالناطق بالحق، وجعل وزيره علي بن عيسى بن ماهان. وكان المأمون لما بلغه عزل القاسم عن الثغور قطع البريد «2» عن الأمين وأسقطه اسمه من

الطرز والسكة «1» . وفيها وثب الروم على ملكهم ميخائيل فهرب وترهب، وكان ملك سنتين، فملكوا عليهم ليون القائد. وفيها توفي حفص بن غياث بن طلق أبو «2» عمر النخعي الكوفي قاضي بغداد بالوجه الشرقي، ولي القضاء مدة طويلة وحسنت سيرته إلى أن مات قاضياً في ذي الحجة، وكان ثقة ثبتاً مأموناً إلا أنه كان يدلس. وفيها توفي أبو نصر الجهني المصاب من أهل المدينة. قال محمد بن إسماعيل بن أبي فديك: كان يجلس مكان أهل الصفة من مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يكلم أحداً، فإذا سئل عن شيء أجاب بجواب حسن، ووقع له مع الرشيد أمور ودفع إليه أموالاً فلم يقبلها. الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفي سالم بن سالم البلخي العابد ضعيف، وسويد بن عبد العزيز قاضي بعلبك، وشقيق بن إبراهيم البلخي الزاهد، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وعبيد الله بن المهدي محمد بن المنصور، وأبو عبد الله محمد بن حرب الخولاني «3» الأبرش، ومحمد بن سعيد بن أبان الأموي الكوفي، ومحمد بن أبي عدي، ويحيى بن سعيد بن أبان الأموي، والقاسم بن يزيد الجرمي «4» . أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع سواء، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وخمسة عشر إصبعاً.

ما وقع من الحوادث سنة 195

*** [ما وقع من الحوادث سنة 195] السنة الثانية من ولاية حاتم بن هرثمة على مصر وهي سنة خمس وتسعين ومائة، وهي التي عزل فيها حاتم بن هرثمة المذكور- فيها لما تحقق المأمون خلعه من ولاية العهد تسمى بإمام المؤمنين. وفيها قال بعض الشعراء فيما جرى من ولاية العهد لموسى بن الأمين وهو طفل، وكان ذلك برأى الفضل وبكر بن المعتمر: أضاع الخلافة غش الوزير ... وفسق الأمير وجهل المشير ففضل وزير وبكر مشير ... يريدان ما فيه حتف الأمير في أبيات كثيرة. وفيها فى شهر ربيع الآخر عقد الأمين لعلي بن عيسى بن ماهان على بلاد الجبال: همذان ونهاوند وقم وأصبهان، وأمر له بمائتي ألف دينار وأعطى لجنده مالاً عظيماً. وخرج علي بن عيسى المذكور في نصف جمادى الآخرة من بغداد، وأخذ معه قيد فضة ليقيد به المأمون. ووقع لعلي هذا مع جيش المأمون أمور يطول شرحها. وفيها ظهر السفياني «1» بدمشق وبويع بالخلافة، واسمه علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، في ذي الحجة؛ وكنيته «2» أبو الحسن، وطرد عامل الأمين عن دمشق، وهو سليمان بن أبي جعفر بعد أن حصره السفياني بدمشق مدة ثم أفلت منه. وخالد بن يزيد جدّ السفياني هذا هو الذي وضع حديث السفياني في الأصل، فإنه ليس بحديث، غير أن خالداً لما سمع حديث المهدي من أولاد علي في آخر الزمان أحب أن يكون من بني سفيان من يظهر

ذكر ولاية جابر بن الأشعث على مصر

في آخر الزمان، فوضع حديث السفياني؛ فمشى ذلك على بعض العوام انتهى. وفيها توفي إسحاق بن يوسف بن «1» محمد، أبو محمد الأزرق الواسطي، كان من الفقهاء الثقات الصالحين المحدثين، أقام عشرين سنة لم يرفع رأسه إلى السماء حياء من الله، ومات بواسط. وفيها توفي بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، كان من أشراف قريش، وكان معظما عند الرشيد، ولاه إمرة المدينة فأقام عليها اثنتي عشرة سنة، وكان جواداً ممدحاً نبيلاً. الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفي بشر بن السري الواعظ بمكة، وعبد الرحمن بن محمد المحاربي الكوفي، وعبيد الله بن المهدي أمير مصر وقد تقدم ذكره. وفيها في قول عثام بن علي الكوفي، وقيل سنة أربع، ومحمد بن الفضيل الضبي الكوفي، والوليد بن مسلم في أولها، ويحيى بن سليم الطائفي بمكة، وأبو معاوية الضّرير محمد بن خارم «2» . أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وثمانية عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعاً وإحدى وعشرون إصبعاً ونصف إصبع. ذكر ولاية جابر بن الأشعث على مصر هو جابر بن الأشعث بن يحيى بن النقي «3» الطائي أمير مصر، وليها بعد عزل حاتم بن هرثمة عنها في جمادى الآخرة سنة خمس وتسعين ومائة. ولاه الأمين على إمرة مصر وجمع له الصلاة والخراج. وقدم مصر يوم الاثنين لخمس بقين من

جمادى الآخرة من السنة المذكورة، وسكن المعسكر على عادة الأمراء؛ واستخلف على صلاة مصر يحيى بن يزيد المرادي وكان ليناً. ولما دخل مصر وأقام بها وقعت الفتنة في العراق بين الأخوين الأمين والمأمون أولاد الرشيد، وكانت الوقعة بين جيش الأمين وعسكر المأمون، وكان على جيش الأمين علي بن عيسى بن ماهان في عسكر كثيف، وكان على عسكر المأمون طاهر بن الحسين، وهو في أقل من أربعة آلاف؛ فلما وصل ابن ماهان بعساكره إلى الري أشرف عليه طاهر بن الحسين المذكور وهم يلبسون السلاح وقد امتلأت بهم الصحراء وعليهم السلاح المذهّب؛ فقال طاهر ابن الحسين: هذا ما لا قبل لنا به ولكن نجعلها خارجية ونقصد «1» القلب؛ فهيأ سبعمائة من الخوارزمية. قال أحمد بن هشام الأمير: فقلنا لطاهر: نذكر علي بن عيسى البيعة التي أخذها هو علينا، وبيعة الرشيد للمأمون؟ قال: نعم، فعلقناهما على رمحين وقمت بين الصّفّين وقلت: الأمان، ثم قلت: يا علي بن عيسى ألا تتقي الله، أليست هذه نسخة البيعة التي أخذتها أنت خاصة؟ اتق الله فقد بلغت باب قبرك! قال: من أنت؟ قلت: أحمد بن هشام، فصاح: علىّ يأهل خراسان من جاء به فله ألف درهم، ثم وقع القتال وانهزم علي بن عيسى بن ماهان وأصحابه فتبعهم طاهر بمن معه فرسخين بعد أن تواقعوا اثنتي عشرة مرة؛ وعسكر المأمون ينتصر فيها حتى لحقهم طاهر بن التاجي ومعه رأس علي بن عيسى بن ماهان، وأخذوا جميع ما كان في عسكره؛ فأرسل طاهر بن الحسين الرأس إلى المأمون. فلما وصل إليه البريد بالرأس سلم عليه بالخلافة وطيف بالرأس في خراسان، ومن يومئذ استفحل أمر المأمون وقوي جأشه. وجاء الخبر بقتل علي بن عيسى بن ماهان إلى الأمين وهو يتصيد السمك، فقال للذي أخبره: ويحك! دعني فإن كوثراً قد صاد سمكتين

وأنا ما صدت شيئاً بعد، فلامه الناس حتى قام من مجلسه؛ ثم جهز لحرب طاهر ابن الحسين عبد الرحمن بن جبلة الأنباري أمير الدينور بالعدة والقوة، فسار حتى نزل همذان. هذا وقد اضطرب ملك الأمين وأرجف ببغداد إرجافاً شديداً وندم محمد الأمين على خلع أخيه المأمون؛ وطمع «1» الأمراء فيه وشغبوا جندهم بطلب أرزاقهم وازدحموا بالجسر يطلبون الأرزاق والجوائز، فقاتلهم حواشي الأمين ثم عجز عنهم فزاد في عطاياهم. ولما خرج عسكر الأمين ثانياً مع عبد الرحمن ووصل إلى همذان التقى مع طاهر وقاتله قتالاً شديداً ثم تقهقر ودخل مدينة همذان وتفرق عنه أكثر أصحابه فحصره طاهر بهمذان حتى طلب منه عبد الرحمن الأمان، ثم غدر عبد الرحمن وقاتل طاهراً ثانياً حتى قتل، وملك طاهر بن الحسين البلاد ودعا للمأمون وخلع الأمين. كل ذلك والأمين ببغداد لم يخرج منها حتى وافاه طاهر المذكور وقتله على ما سيأتي في ترجمة الأمين إن شاء الله تعالى. ولما ملك طاهر البلاد واستفحل أمره وبلغ المصريين ذلك وثب السري بن الحكم ومعه جماعة كبيرة من المصريّين عصبة للمأمون ودعا السري الناس لخلع الأمين فأجابوه وبايعوا المأمون؛ فقام جابر في أمر الأمين فقاتله السري بن الحكم المذكور حتى هزمه وأخرجه من مصر على أقبح وجه. فخرج جابر المذكور من مصر لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ست وتسعين ومائة، فكانت ولايته على مصر سنة واحدة تقريباً. وولي مصر بعده أبو نصر عباد بن محمد بن حيّان «2» من قبل المأمون.

ما وقع من الحوادث سنة 196

*** [ما وقع من الحوادث سنة 196] السنة التي حكم فيها جابر على مصر وهي سنة ست وتسعين ومائة- فيها وقع بين عسكر الأمين والمأمون وقائع يطول شرحها. وفيها رفع المأمون منزلة الفضل ابن سهل وعقد له على الشرق طولاً وعرضاً وجعل عمالته «1» ثلاثة آلاف ألف درهم وكتب على سيفه «ذا الرياستين» من جانب رياسة الحرب ومن جانب رياسة القلم والتدبير؛ فقام الفضل بأمر المأمون كما يجب. وولى المأمون أيضا أخاه الحسن ابن سهل دواوين الخراج. كل ذلك والأمين ببغداد في قيد الحياة وفي تعبئة العساكر لقتال المأمون غير أنه ضعف أمره إلى الغاية. وفيها ولى الأمين محمد عبد الملك بن صالح الجزيرة والشام. وفيها خلع الأمين وبويع المأمون ببغداد ثم أعيد الأمين. وسبب ذلك أنه لما مات عبد الملك بن صالح العباسىّ بالرقّة قام الحسين بن علىّ ابن عيسى بن ماهان فجمع الناس واستقل بالأمر بعد عبد الملك بن صالح، ونفق «2» في العساكر لأجل الأمين، ثم سار بهم إلى بغداد فاستقبله الأشراف والقواد وضربت له القباب ودخل بغداد في شهر رجب؛ فلما كان الليل بعث الأمين [فى] طلبه؛ فأعلظ الحسين لرسول الأمين وقال: لا أنا مغن ولا مسامر ولا مضحك حتى يطلبني في هذه الساعة! وأصبح فخلع الأمين ودعا للمأمون، فوقع بسبب ذلك أمور وحروب بينه وبين حواشي الأمين إلى أن ظفر به الأمين ثم أطلقه ورضي عنه، وأعيد الأمين للخلافة. ووقع للأمين مثل هذه الحكاية في هذه السنة غير مرة. وفيها وقع بين طاهر

ابن الحسين وبين جيش الأمين وقعة عظيمة قتل فيها محمد بن يزيد بن حاتم المهلبي. وطاهر من جهة المأمون وابن يزيد من جهة الأمين. وفيها توفي عبد الله بن مرزوق، أبو محمد الزاهد البغدادي، كان وزير الرشيد فخرج من ذلك وتخلى عن ماله وتزهّد رحمه الله تعالى. وفيها توفي أبو معاوية محمد بن خازم الضرير «1» الكوفي، ولد سنة ثلاث عشرة ومائة وذهب بصره وله أربع سنين. وهذا غير أبي معاوية الأسود، فإن الأسود اسمه اليمان. نزل أبو معاوية هذا طرسوس وصحب الثوري وغيره. وفيها توفي أبو الشيص محمد بن رزين، كان شاعراً فصيحاً. قال أبو بكر الأنباري: اجتمع أبو الشيص ودعبل وأبو نواس ومسلم بن الوليد وتناشدوا الأشعار في عصر «2» واحد. وحكي أن القاضي الوجيه أبا الحسن علي بن يحيى الذروي «3» دخل الحمام وكان ابن رزين هذا في الحمام، فأنشد ابن رزين بحضرة القاضى المذكور لنفسه: لله يوم بحمام نعمت به ... والماء من حوضه ما بيننا جاري كأنه فوق شقات الرخام ضحى ... ماء يسيل على أثواب قصار «4» فلما سمعه القاضي المذكور ضحك، ثم أنشد لنفسه فى واقعة الحال: وشاعر أوقد الطبع الذكاء له ... فكاد يحرقه من فرط إذكاء أقام يعمل أياما رويته ... وشبه الماء بعد الجهد بالماء

ذكر ولاية عباد بن محمد على مصر

ثم أنشد القاضي أيضاً ينعت الحمام بقوله: إن عيش الحمام أطيب عيش ... غير أن المقام فيه قليل جنة تكره الإقامة فيها ... وحجيم يطيب فيه الدخول فكأن الغريق فيها كليم ... وكأن الحريق فيه خليل وفيها توفي وكيع بن الجراح بن مليح بن عدي، أبو سفيان الرؤاسي الكوفي الأعور، كان إماماً محدثاً ثقة حافظا كثيرا الحديث؛ ومولده سنة تسع وعشرين ومائة وقيل سنة ثمان وعشرين ومائة. (ورؤاس بطن من قيس عيلان) وأصله من خراسان، وسمع من الأعمش وهشام بن عروة وغيرهما. قال يحيى بن معين: ما رأيت أفضل من وكيع! كان حافظاً يحفظ حديثه ويقوم الليل ويسرد الصوم ويفتي بقول أبي حنيفة؛ ويحيى [بن سعيد «1» ] القطان كان يفتي بقول أبي حنيفة أيضاً. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع سواء، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وستة أصابع. ذكر ولاية عباد بن محمد على مصر هو عباد بن محمد بن حيان البلخي، مولى كندة الأمير أبو نصر. ولاه المأمون على إمرة مصر بعد عزل جابر بن الأشعث عنها في شهر رجب سنة ست وتسعين ومائة. بكتاب هرثمة بن أعين، وكان عباد هذا وكيلاً على ضياع هرثمة بمصر. فسكن عبّاد

ما وقع من الحوادث سنة 197

المعسكر على عادة أمراء مصر وجعل على شرطته هبيرة بن هاشم بن حديج، ولما بلغ الأمين ولاية عباد هذا على مصر كتب الى ربيعة بن قيس رئيس قيس الحوف بولاية مصر، وكتب أيضاً إلى جماعة من المصريين بإعانته؛ فلما بلغهم ذلك قاموا ببيعة الأمين وخلعوا المأمون وساروا لمحاربة عباد أمير مصر وأصحابه، فخندق عباد على الفسطاط «1» ؛ وكانت بينهم حروب ووقائع آخرها الوقعة التي مسك فيها عباد وحمل إلى الأمين فقتله الأمين في صفر سنة ثمان وتسعين ومائة. فكانت ولايته على مصر سنة واحدة وسبعة أشهر. وتولى مصر من بعده المطلب بن عبد الله. وكان عباد هذا من أعيان القواد، قدمه هرثمة بن أعين حتى ولاه المأمون مصر، وكان فيه رفق بالرعية وعنده سياسة ومعرفة بالحروب. دخل مصر وغالب من بها ميله إلى الأمين فلا زال بهم حتى وافقه كثير منهم، وكاد أمره يتم لولا انتقاض أهل الحوف عليه وكثر جمعهم ووثبوا عليه، فجمع عباد عساكره وقاتلهم [من] عدة وجوه وهو في قلة إلى أن ظفروا به فلم يبق عليه الأمين وقال: هذا ناب من أنياب عساكر المأمون. ومع هذا كله ملكها المأمون وولى المأمون بها المطلب، ولم يقدر الأمين على أن يولي بها أحداً، وقتل بعد مدة يسيرة وتولّى المأمون الخلافة. *** [ما وقع من الحوادث سنة 197] السنة التي حكم فيها عباد على مصر وهي سنة سبع وتسعين ومائة- فيها لحق القاسم الملقب بالمؤتمن بن الرشيد بأخيه المأمون، ومحبه عمه المنصور بن المهدي. وفيها كانت وقائع بين عساكر الأمين والمأمون أسر في بعضها هرثمة بن أعين فحمل بعض أصحاب هرثمة على من أسره وضربه فقطع يده وخلص هرثمة هذا والحصار

عال «1» في بغداد في كل يوم نحو خمسة عشر شهراً، وكان المحاصر لها طاهر بن الحسين مقدم عساكر المأمون، والمأمون بالري، ومع طاهر بن الحسين الأمير هرثمة بن أعين وزهير بن المسيب. هذا والأمين ينفق الأموال على الجند وهو في غاية من الضيق والشدة، وقتل جماعة كبيرة من أهل بغداد، وخرج النساء من الخدور حاسرات، واشتدت شوكة المأمونية، وتفرق عن الأمين عساكره وأخذ أمره في إدبار إلى ما سيأتي ذكره. وفيها توفي بقية بن الوليد بن صاعد «2» بن كعب، أبو يحمد «3» الكلاعي «4» ، كان من أهل الشام، وكان ثقة في روايته عن الثقات ضعيفاً في غيرهم، مولده سنة عشر ومائة. وفيها توفي شعيب بن حرب أبو صالح المدائني الزاهد، كان أصله من أبناء خراسان ثم من أهل بغداد فتحول إلى المدائن ثم إلى مكة ودام بها إلى أن مات. وكان له فضل ودين متين وزهد وورع. وفيها توفي عبد الله بن وهب بن مسلم، أبو محمد مولى قريش من أهل مصر؛ كان كثير العلم ثقة ولد سنة خمس وعشرين ومائة. وفيها توفي ورش المقرئ واسمه عثمان بن سعيد بن عبد الله بن عمرو بن سليمان. وقيل عثمان بن سعيد بن عدي بن غزوان بن داود بن سابق القبطي المصري، إمام القراء أبو سعيد ويقال: أبو عمرو ويقال: أبو القاسم. أصله من القيروان، وشيخه نافع وهو الذي لقبه ورشاً لشدة بياضه. والورش: شيء يصنع من اللبن، وقيل: بل لقبه ورشان، وهو طائر معروف، فكان يعجبه هذا اللقب ويقول: أستاذي نافع سماني به. وانتهت إليه رياسة القراء بالديار المصرية، وكان بصيراً بالعربية، وكان أبيض

أشقر أزرق سميناً مربوعاً ويلبس ثياباً قصاراً ومولده سنة عشر ومائة. وفيها توفي «1» أبو نواس الحسن بن هانئ، وقيل: الحسن بن وهب «2» ، الحكمي «3» الشاعر المشهور حامل لواء الشعراء في زمانه، كان إماماً عالماً فاضلاً غلب عليه الشعر؛ قال شيخه أبو عبيدة: أبو نواس للمحدثين مثل امرئ القيس للمتقدمين. ولقب بأبي نواس لذؤابتين كانتا تنوسان «4» على قفاه، وإنما كان لقبه أولاً أبا علي. وفي سنة وفاته اختلاف كبير، فأقرب من قال في هذه السنة، وأبعد من قال سنة خمس ومائتين؛ وأما شعره فكثير مشهور ونوادره فكثيرة أيضاً، وديوان شعره كبير بأيدي الناس في عدة مجلدات. ومن أجود ما قال من الشعر قوله: ومستطيل على الصهباء باكرها ... في فتية باصطباح الراح حذاق فكل شيء رآه ظنه قدحا ... وكل شخص رآه ظنه الساقي وله: أذكى سراجاً وساقي الشر، يمزجها ... فلاح في البيت كالمصباح مصباح كدنا على علمنا والشك نسأله ... أراحنا نارنا أم نارنا راح أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم سبعة أذرع سواء، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وثمانية عشر إصبعا.

ذكر ولاية المطلب بن عبد الله الأولى على مصر

ذكر ولاية المطلب بن عبد الله الأولى على مصر هو المطلب بن عبد الله بن مالك بن الهيثم الخزاعي أمير مصر. ولاه المأمون على مصر بعد عزل عباد بن محمد عنها والقبض عليه في صفر سنة ثمان وتسعين ومائة، وجمع له صلاة مصر وخراجها معاً. وقدم إلى مصر من مكة في النصف من شهر ربيع الأول سنة ثمان وتسعين ومائة، وسكن المعسكر، وأقرّ على شرطته هبيرة ابن هاشم مدة قليلة، ثم عزله بمحمد بن عسامة، ثم عزل محمداً بعبد العزيز بن الوزير الجروي، ثم عزل عبد العزيز بإبراهيم بن عبد السلام الخراعىّ، ثم عزله بهبيرة ابن هاشم المذكور أولاً. كل ذلك لما كان في أيامه من كثرة الاضطراب بمصر، والفتن والحروب قائمة في كل قليل بديار مصر؛ فإن أهل مصر كانوا يوم ذاك فرقتين: فرقة من حزب الأمين محمد الخليفة، وفرقة من حزب أخيه المأمون. فقاسى المطلب هذا بمصر شدائد مع أنه لم تطل مدته وعزل بالعباس بن موسى في شوال سنة ثمان وتسعين ومائة. فكانت ولايته على إمرة مصر نحواً من سبعة أشهر ونصف شهر، وقبض عليه وحبس مدة طويلة بإذن المأمون. وتأتي بقية ترجمته في ولايته الثانية على مصر بعد خروجه من السجن عند عزل الأمير العباس بن موسى عن مصر إن شاء الله تعالى. *** [ما وقع من الحوادث سنة 198] السنة التي حكم فيها المطلب بن عبد الله على مصر وهي سنة ثمان وتسعين ومائة- فيها كان حصار الأمين ببغداد إلى أن ظفر به وقتل في المحرم صبراً وله عشرون سنة، وعلقت رأسه وطيف بها. وفيها ولى الخلافة المأمون ابن هارون الرشيد عوضاً عن أخيه محمد الأمين، وكانت كنيته أبا العباس؛ فلما

ولي الخلافة كني بأبي جعفر على كنية جد أبيه. وفيها في رمضان ثار أهل قرطبة بالأمير الحكم بن هشام الأموي وحاربوه لجوره وفسقه وأحاطوا بالقصر، وأشتد القتال وعظم الخطب واستظهروا عليه؛ فأمر الحكم أمراءه فحملوا عليهم وقاتلوهم حتى هزموهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة وصلب من وجوه القوم ثلثمائة على النهر منكسين؛ وبقي القتل والنهب والتحريق في قرطبة ثلاثة أيام، ثم أمنهم فهج «1» أهل قرطبة إلى البلاد. وفيها توفي سفيان بن عيينة بن أبي عمران، وأسم أبي عمران ميمون مولى محمد «2» بن مزاحم الهلالي أخى الضحاك المفسّر، كنيته- أعني سفيان- أبو محمد الكوفي ثم المكي، الإمام شيخ الإسلام، مولده سنة سبع ومائة في نصف شعبان، كان إماماً ثقة حجة عالماً صالحاً. قال الحسين بن عمران بن عيينة: حججت مع عمي سفيان آخر حجة حجها سنة سبع وتسعين ومائة. فلما كنا بجمع- يعني المزدلفة- استلقى على فراشه ثم قال: قد وافيت هذا الموضع سبعين عاماً أقول في كل سنة: اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا المكان، وإني قد استحييت من الله من كثرة ما أسأله ذلك، فرجع فتوفي في العام في شهر رجب. وكان سفيان يقول: لا يمنع أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه، فإن الله قد استجاب دعاء شر الخلق وهو إبليس قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ . وكان أيضاً يقول: يستحب للرجل أن يقول في دعائه: اللهم استرني بسترك الجميل، ومعنى الستر الجميل أن يستر على عباده في الدنيا والأخرة.

وقال غيره: إن الرجل ليحدث الذنب فلا يزال نادماً حتى يموت فيدخل الجنة فيقول إبليس: يا ليتني لم أوقعه فيه. وفيها توفي عبد الرحمن بن مهدي بن حسان، أبو سعيد العنبري البصري اللؤلؤي الإمام الحافظ، كان ثقة كثير الحديث من كبار العلماء الحفاظ؛ ولد سنة خمس وثلاثين ومائة وسمع الكثير. قال اسماعيل القاضى: سمعت ابن المدينىّ يقول: أعلم الناس بالحديث عبد الرحمن بن مهدي. قال أحمد بن سنان: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يتحدث في مجلسه ولا يبرى قلم ولا يقوم أحد قائماً، كأنّ على رءوسهم الطير وكأنهم في صلاة، فإذا رأى أحداً منهم يتبسم أو تحدث لبس نعله وخرج. وفيها توفي علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد ابن معاوية بن أبي سفيان، الأموي الهاشمي أبو الحسن المدعو بالسفياني المتغلب على دمشق، وكان يلقب بأبي العميطر لأنه قال لأصحابه يوماًَ: إيش لقب الجرذون؟ فقالوا: لا ندري، فقال: أبو العميطر، فلقب به. ولما خرج بدمشق ودعا لنفسه وتسمى بالسفياني كان ابن تسعين سنة، وبايعه أهل دمشق بالخلافة سنة خمس وتسعين ومائة، واشتغل عنه الخليفة الأمين بحرب أخيه المأمون؛ فانتهز السفياني هذه الفرصة وملك دمشق، حتى قاتله أعوان الخليفة وهزموه، فاختفى بالمزة وأقام بها أياماً ومات. وقد تقدم في سنة خروجه أن حديث السفياني موضوع وضعه خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان جدّ علىّ هذا. اهـ. وفيها كانت قتلة الخليفة أمير المؤمنين الأمين محمد، وكنيته أبو عبد الله. وقيل أبو موسى، ابن الخليفة هارون الرشيد ابن الخليفة محمد المهدي ابن الخليفة أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي العباسي البغدادي. وأمه زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور. قيل: إنه لم يل الخلافة بعد علىّ ابن أبى طالب والحسن ولده رضي الله عنهما ابن هاشمية غير الأمين هذا. وقد

تقدم ذكر ما وقع له مع أعوان أخيه المأمون من الحروب إلى أن حاصره طاهر بن الحسين ببغداد نحو خمسة عشر شهراً حتى ظفر به وقتله صبراً في المحرم من هذه السنة، وطيف برأسه. وقتل الأمين وله عشرون «1» سنة. وكان أخوه المأمون أسن منه بشهر واحد. وكان الأمين من أحسن الشباب صورة: كان أبيض طويلاً جميلاً ذا قوة مفرطة وبطش وشجاعة معروفة وفصاحة وأدب وفضيلة وبلاغة، لكنه كان سيىء التدبير ضعيف الرأى أرعن مبدّرا للاموال لا يصلح للخلافة؛ وكان مدمناً للخمر، منادماً للفساق والمغاني والمساخر، واشترى عريب «2» المغنية بمائة ألف دينار، واحتجب عن إخوانه وأهل بيته؛ وقسّم الأموال والجواهر في النساء والخصيان. ومحبته لخادمه كوثر مشهورة، منها: أنه لما كان في الحصار خرج كوثر المذكور ليرى الحرب فأصابته رجمة في وجهه فجلس يبكي، وجعل الأمين هذا يمسح الدم «3» عن وجهه، ثم أنشد: ضربوا قرة عيني ... ومن أجلي ضربوه أخذ الله لقلبي ... من أناس أحرقوه

ذكر ولاية العباس بن موسى على مصر

ولم يقدر على الزيادة، فأحضر عبد الله بن أيوب التيمي الشاعر، فقال له: قل عليهما، فقال: ما لمن أهوى شبيه ... فبه الدنيا تتيه وصله حلو ولكن ... هجره مر كريه من رأى الناس له الفض ... ل عليهم حسدوه مثل ما قد حسد القا ... ئم بالملك أخوه فقال الأمين: أحسنت! بحياتي يا عباس انظر، إن كان جاء على ظهر فأوقره «1» له، وإن كان جاء في زورق فأوقره؛ قال: فأوقروا له ثلاثة أبغل دراهم. قلت: وحكايات الأمين كثيرة، وجنونه وكرمه أشهر من أن يذكر. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثمانية أذرع سواء، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وخمسة أصابع. ذكر ولاية العباس بن موسى على مصر هو العباس بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي العباسي، ولي مصر بعد عزل المطلب عنها في شوال سنة ثمان وتسعين ومائة، ولاه المأمون على الصلاة والخراج، ولما ولي مصر قدم ابنه عبد الله أمامه إلى مصر خليفة له عليها؛ فقدم عبد الله إلى مصر ومعه الحسن بن عبيد بن لوط الأنصاري، ومحمد بن إدريس- أعني الإمام الشافعي- رحمه الله لليلتين بقيتا من شوال من السنة المذكورة. ولما دخل عبد الله المذكور والحسن ابن عبيد سجنا المطلب المعزول عن إمرة مصر قبل تاريخه. وسكن عبد الله المعسكر

ذكر ولاية المطلب الثانية على مصر

على العادة، وتشدد على أهل مصر فبغضوه وثاروا عليه، ووافقهم جند مصر؛ فقاتلهم عبد الله المذكور غير مرة، ومنعهم الحسن بن عبيد أعطياتهم وتهددهم لموافقتهم على حرب عبد الله. ثم تحامل الحسن المذكور على الرعية وعسفها وتهدد الجميع؛ فاجتمع الجميع وثاروا ووقفوا جملة واحدة؛ فخرج إليهم عبد الله وقاتلهم، فهزموه وأخرجوه من مصر؛ ثم عمدوا إلى المطلب بن عبد الله وأخرجوه من حبسه وأقاموه على إمرة مصر لأربع عشرة ليلة خلت من المحرم سنة تسع وتسعين ومائة. ولما بلغ العباس صاحب الترجمة ما وقع لابنه عبد الله بمصر قصد الديار المصرية حتى نزل بلبيس ودعا قيساً لنصرته ومضى إلى الحوف، ثم عاد مريضاً إلى بلبيس فمات به لثلاث عشرة بقيت من جمادى الآخرة من سنة تسع وتسعين ومائة. يقال: أن المطلب دس عليه سماً في طعامه فمات منه. وأما ابنه عبد الله فقال صاحب البغية: قتله الجند في يوم النحر سنة ثمان وتسعين ومائة. فكانت مدة إقامته خليفة عن أبيه شهرين ونصف شهر. قلت: وأما ولاية العباس على مصر أيام ناب عنه ابنه وزمان قتاله مع أهل مصر فكانت كلها حروباً وفتناً. ولعل العباس لم يدخل مصر ولا حكمها اهـ. ذكر ولاية المطلب الثانية على مصر قد تقدم ذكره في ولايته الأولى على مصر، وأما ولايته هذه فكانت بعد خروجه من السجن، لأنه لما قامت جند مصر والرعية على عبد الله بن العباس والحسن بن عبيد وأخرجوهما من مصر، وقيل بل قتلوا عبد الله بن العباس المذكور، ولوا عليهم المطلب هذا بعد أن أخرجوه من السجن، فاستولى على مصر ورفق بالرعية وأجزل لهم أعطياتهم وأحسن إليهم، فانضم عليه خلائق من الجند ومن أهل

ما وقع من الحوادث سنة 199

مصر وغيرهم؛ فاستفحل أمره بهم وقويت شوكته، وأخرج من كان بمصر من أصحاب العباس وابنه عبد الله، وتم أمره إلى أن قدم العباس بنفسه إلى مدينة بلبيس فلم يقدر على دخول مصر، ووقع له مع العباس أمور وحروب، إلى أن دس عليه المطلب هذا سماً فمات العباس منه، كما ذكرناه في ترجمته. ولما بلغ المأمون ذلك لم يجد بداً من أن يقره على إمرة مصر لشغله بقتال أخيه الأمين. فاستمر المطلب هذا على إمرة مصر إلى أن تم أمر المأمون في الخلافة وثبتت قدمه فعزله «1» عنها بالسري ابن الحكم في مستهل شهر رمضان سنة مائتين. وكان المطلب قد ولى على شرطته أحمد بن حوي «2» ، ثم عزله بهبيرة بن هاشم. فلما قدم السري بن الحكم إلى نحو مصر لم يطق المطلب هذا مدافعته عنها لكثرة جيوش السري وجموعه، فشاور أصحابه فأشاروا عليه بالثبات والقتال، فجمع هو أيضاً جمعاً هائلاً وقام بنصرته غالب جند مصر؛ والتقى مع السري وقاتله غير مرة، وقتل بين الطائفتين خلائق، حتى كانت الهزيمة على المطلب وأصحابه، وخرج هارباً من مصر إلي نحو مكة. ودافع الجند وأهل مصر عن نفوسهم حتى أمنهم السري، ودخل إلى مصر واستولى عليها. فكان حكم المطلب في هذه المرة الثانية على مصر سنة واحدة وسبعة أشهر. وقال صاحب البغية: وثمانية أشهر. *** [ما وقع من الحوادث سنة 199] السنة التي حكم في أولها العباس ثم المطلب بن عبد الله على مصر وهي سنة تسعة وتسعين ومائة- فيها قدم الحسن بن سهل من عند الخليفة المأمون إلى بغداد وفرق عماله في البلاد، ثم جهز أزهر بن زهير لقتال الهرش الخارجي في المحرم؛ فقتل

الهرش المذكور. وفيها في جمادى الآخرة خرج بالكوفة محمد بن إبراهيم بن طباطبا- واسم طباطبا إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب- يدعو إلى الرضى «1» من آل محمد صلى الله عليه وسلم، وكان القائم بأمره أبو السرايا السري بن منصور الشيباني، فهاجت الفتن وأسرع الناس إلى ابن طباطبا واستوسقت «2» له الكوفة؛ فجهز الحسن بن سهل لحربه زهير بن المسيب في عشرة آلاف، فالتقوا فانهزم زهير بن المسيب واستباحوا عسكره. فلما كان من الغد أصبح محمد بن إبراهيم المذكور ميتاً فجاءة، فأقام أبو السرايا في الحال شاباً أمرد اسمه محمد بن محمد بن زيد من العلويين، ثم جهز له الحسن جيشاً آخر وآخر. ووقع لأبي السرايا هذا مع عساكر الحسن بن سهل أمور ووقائع يأتي ذكر بعضها في محلها إن شاء الله تعالى. وفيها توفي سليمان بن أبي جعفر المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، الأمير أبو أيوب الهاشمي العباسي أمير دمشق وغيرها، كان حازماً عاقلاً جواداً ممدحاً. وفيها توفي علي بن بكار أبو الحسن البصري، كان إماماً عالماً زاهداً، انتقل من البصرة فنزل المصيصة فأقام مرابطاً، وكان صاحب كرامات واجتهاد. وفيها توفي عمارة ابن حمزة بن مالك بن يزيد بن عبد الله مولى العباس بن عبد الملك، كان أحد الكتاب البلغاء الأجواد، وكان ولاه أبو جعفر المنصور خراج البصرة، وكان فاضلاً بليغاً فصيحاً، آلا أنه كان فيه تيه شديد يضرب به المثل، حتى إنه كان يقال: أتيه من عمارة؛ وله في التيه والكرم حكايات كثيرة.

ذكر ولاية السرى بن الحكم الأولى على مصر

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفي إسحاق بن سليمان الرازي [أبو يحيى «1» ] ، وحفص بن عبد الرحمن قاضي نيسابور، والحكم بن عبد الله أبو مطيع البلخي، وسيار بن حاتم، وشعيب بن الليث بن سعد فى صفر، وعبد الله ابن نمير الخارفي الكوفي، وعمر بن حفص العبدي البصري، وعمرو بن محمد العنقزي الكوفي، ومحمد بن شعيب بن شابور ببيروت، والهيثم بن مروان العنسي الدمشقي، ويونس بن بكير الكوفي راوي المغازي. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وعشرة أصابع، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وإحدى عشرة إصبعاً. ذكر ولاية السري بن الحكم الأولى على مصر هو السري بن الحكم بن يوسف بن المقوم مولى من بني ضبة، وأصله من بلخ من قوم يقال لهم «الزط «2» » ، أمير مصر، وليها بإجماع الجند وأهل مصر على الصلاة والخراج معاً في مستهل شهر رمضان سنة مائتين بعد عزل المطلب عنها. وسكن المعسكر على عادة أمراء مصر، وجعل على شرطته محمد بن عسامة، وأخذ في إصلاح أمور مصر وقراها. وبينما هو في ذلك وثب عليه الجند في مستهل شهر ربيع الأول سنة إحدى ومائتين لأمر اقتضى ذلك، وحصل بينه وبينهم أمور ووقائع يطول شرحها، حتى ورد عليه الخبر من الخليفة المأمون عبد الله بعزله عن إمرة مصر بسليمان بن غالب في شهر ربيع الأول المذكور. وقيل: إنه هو الذي خرج من مصر

ما وقع من الحوادث سنة 200

واستعفى لأمور صدرت في حقه من الجند والرعية. وقيل: إن الجند قبضوا عليه بأمر الخليفة وحبسوه. وكانت ولايته على مصر نحواً من ستة أشهر تخمينا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 200] السنة التي حكم في أولها المطلب وفي آخرها السري بن الحكم على مصر وهي سنة مائتين من الهجرة- فيها في المحرم هرب أبو السرايا والطالبيون من الكوفة إلى القادسية، فدخل الكوفة هرثمة بن أعين ومنصور بن المهدي بعساكرهما وأمنوا أهلها؛ فتوجه أبو السرايا وحشد وجمع ورجع إلى نحو الكوفة وواقع القوم فانهزم وأمسك وأتي به إلى الحسن بن سهل، فقتله في عاشر شهر ربيع الأول بأمر الخليفة المأمون. وفيها هاج الجند ببغداد لكون الحسن بن سهل لم ينصفهم في العطاء، وبقيت الفتنة بينه وبينهم أياماً كثيرة ثم صلح الأمر بينهم. وفيها أحصي ولد العباس فبلغوا ثلاثة وثلاثين ألفاً ما بين ذكر وأنثى. وفيها قتلت الروم ملكهم ليون وكان له عليهم سبع سنين «1» ، وملكوا ميخائيل بن جورجيس. وفيها قتل الخليفة المأمون يحيى بن عامر بن إسماعيل، لكونه أغلظ في الكلام وقال: يا أمير الكافرين. وفيها توفي معاذ بن هشام الدستوائي «2» البصري الحافظ، روى عن أبيه وابن عون وأشعث بن عبد الملك وغيرهم، وروى عنه أحمد بن حنبل وإسحاق وبندار «3» وابن المديني وغيرهم. وقال العباس بن عبد العظيم الحافظ: كان عنده عن أبيه عشرة آلاف حديث. وفيها توفي زاهد الوقت معروف بن الفيرزان، وقيل: ابن

فيروز أبو محفوظ، وقيل: أبو الحسن، من أهل كرخ بغداد، كان إمام وقته وزاهد زمانه. ذكر معروف الكرخي عند أحمد بن حنبل فقالوا: قصير العلم، فقال للقائل: أمسك، وهل يراد من العلم إلا ما وصل اليه معروف! اهـ وكان أبواه من أعمال واسط من الصابئة. وعن أبي علي الدقاق قال: كان أبواه نصرانيين فأسلماه إلى مؤدب نصراني، فكان يقول له: قل ثالث ثلاثة، فيقول معروف: بل هو الواحد، فيضربه، فهرب ثم أسلم أبواه. ومن كلام معروف- رحمة الله عليه- قال: من كابر الله صرعه، ومن نازعه قمعه، ومن ماكره خدعه، ومن توكل عليه منعه «1» ، ومن تواضع له رفعه، وعنه قال: كلام العبد فيما لا يعنيه «2» خذلان من الله. وقال رجل: حضرت معروفا فاغتاب رجل [رجلاً «3» ] عنده؛ فقال معروف: اذكر القطن إذا وضع على عينيك. وعنه قال: ما أكثر الصالحين وما أقل الصادقين. قلت: ومناقب معروف كثيرة، وزهده وصلاحه مشهور، نفعنا الله ببركته. وفيها في أول المحرم قدم مكة حسين بن حسن الأفطس، ودخل الكعبة وجردها وأخذ جميع ما كان عليها وكساها ثوبين رقيقين من قز، كان أبو السرايا بعث بهما إليها، مكتوب عليهما: [أمر به الأصفر بن الأصفر «4» ] أبو السرايا داعية آل محمد لكسوة بيت الله الحرام، وأن تطرح عنها كسوة الظلمة من ولد العباس؛ ثم أخذ الحسين أموالاً كثيرة من أهل مكة وصادرهم وأبادهم. وفيها توفي أبان بن عبد الحميد

ذكر ولاية سليمان بن غالب على مصر

ابن لاحق اللاحقي، كان شاعراً فاضلاً بليغاً، قدم بغداد واتصل بالبرامكة، وله فيهم مدائح كثيرة، وصنف لهم كتاب «كليلة «1» ودمنة» وهو فرد في معناه. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وثمانية أصبع، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وسبعة عشر إصبعا. ذكر ولاية سليمان بن غالب على مصر هو سليمان بن غالب بن جميل بن يحيى بن قرّة البجلي الأمير أبو داود، ولي إمرة مصر على الصلاة والخراج معاً؛ بعد عزل السري بن الحكم وحبسه، بإجماع الجند وأهل مصر عليه في يوم الثلاثاء لأربع خلون من شهر ربيع الأول من سنة إحدى ومائتين. وسكن المعسكر، وجعل على شرطته أبا ذكر «2» بن جنادة بن عيسى المعافري، فشدد على المصريين، فعزله عن الشرطة بالعباس بن لهيعة الحضرمىّ. ثم وفع بين سليمان هذا وبين الجند أيضا وجشة فوثبوا عليه وقاتلوه، ووقع له معهم وقائع وحروب كثيرة آلت إلى عزله عن إمرة مصر، فصرفه المأمون عنها، وأعاد على إمرة مصر السري بن الحكم ثانية. فكانت ولاية سليمان هذا على إمرة مصر خمسة أشهر، فإنه صرف في مستهل شعبان سنة إحدى ومائتين، وتوجه إلى المأمون وصار من جملة القواد؛ وندبه المأمون لقتال بابك الخرمي، وهذا أول ظهور بابك الخرمي في الجاويدانية. وبابك هو من أصحاب الجاويدان بن سهل صاحب البذّ «3» ،

ما وقع من الحوادث سنة 201

وادعى بابك أن روح جاويدان دخلت فيه، وأخذ بابك في العبث والفساد- وتفسير جاويدان: الدائم الباقي. ومعنى خرم: فرج، وهي مقالات المجوس، والرجل منهم ينكح أمه وأخته، ولهذا يسمونه دين الفرج؛ ويعتقدون مذهب التناسخ وأن الأرواح تنتقل من جوف إلى غيره- وعاد سليمان صاحب الترجمة إلى الخليفة من غير أن يلقى حرباً؛ فإن بابك المذكور لما سمع بمجيء العساكر هرب؛ واستمر سليمان عند المأمون الى أن كان ما سنذكره. *** [ما وقع من الحوادث سنة 201] السنة التي حكم في أولها السري بن الحكم إلى مستهل ربيع الأول، ثم سليمان ابن غالب إلى شعبان، ثم السري بن الحكم ثانية على مصر وهي سنة إحدى ومائتين- فيها جعل المأمون ولي عهده في الخلافة من بعده علياً الرضى بن موسى الكاظم العلوي، وخلع أخاه القاسم من ولاية العهد، وترك لبس السواد ولبس الخضرة، وترك غالب شعار بني العباس أجداده ومال إلى العلوية؛ فشق ذلك على بني العباس وعلى القواد وجميع أهل الشرق لا سيما أهل بغداد، وخرج عليه جماعة كثيرة بسبب ذلك، وثارت الفتن لهذه الكائنة؛ وكلم المأمون أكابر بني العباس في ذلك فلم يلتفت إلى كلامهم. وفيها ولى المأمون زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب التميمي إمرة المغرب. وفيها كتب المأمون إلى إسماعيل بن جعفر بن سليمان العباسي أمير البصرة يأمره بلبس الخضرة، فامتنع ولم يبايع بالعهد لعلي الرضى؛ فبعث اليه المأمون عسكرا لحربه فسلم نفسه بلا قتال، فحمل هو وولداه «1» إلى خراسان، وفيها المأمون، فمات هناك. وفيها خرج منصور بن المهدي العباسي أيضاً بكلواذا «2» ونصب

نفسه ثانياً للمأمون ببغداد فسموه المرتضى وسلموا عليه بالخلافة؛ فامتنع من ذلك وقال: إنما أنا نائب للمأمون. فلما ضعف عن قبول ذلك عدلوا الى أخيه إبراهيم ابن المهدي فبايعوه بالخلافة. كل ذلك بسبب ميل المأمون إلى العلوية. وجرت فتنة كبيرة واختبط العراق سنين وخطب به باسم إبراهيم بن المهدي على المنابر. وفيها توفي عبد الله بن الفرج الشيخ أبو محمد القنطري العابد الزاهد، كان من كبار المجتهدين، كان بشر الحافي يحبه ويثني عليه ويزوره. وفيها توفي حمّاد بن أسامة ابن زيد الحافظ أبو أسامة الكوفي مولى بني هاشم، روى عن الأعمش وإسماعيل ابن أبي خالد وأسامة بن زيد الليثي وغيرهم؛ وروى عنه عبد الرحمن بن مهدي مع تقدمه وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني وأبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق الكوسج وغيرهم. وقال محمد بن عبد الله بن عمّار: كان أبو أسامة في زمن الثوري يعد من النساك. وفيها في ذي القعدة توفي علي بن عاصم بن صهيب الحافظ أبو الحسن مولى بنت محمد بن أبي بكر الصديق، كان من أهل واسط؛ ولد سنة ثمان ومائة، أو خمس ومائة؛ وكان محدثاً فاضلاً، روى عنه الإمام أحمد بن حنبل وطبقته، إلا أنهم قالوا: كان يخطئ فضعفوه. الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفي أبو أسامة الكوفي، وحرمي «1» بن عمارة، وحماد بن مسعدة، وعلي بن عاصم. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وعشرة أصابع، مبلغ الزيادة أربعة عشر ذراعا وثمانية عشر إصبعا.

ذكر ولاية السرى الثانية على مصر

ذكر ولاية السري الثانية على مصر تولى السري ثانياً على مصر من قبل الخليفة المأمون على الصلاة والخراج معاً. وقدم الخبر من المأمون بولايته في يوم الأربعاء لاثنتي عشرة خلت من شعبان سنة إحدى ومائتين، ففي الحال أخرج من السجن ولبس خلعة المأمون بإمرة مصر وتوجّه الى المعسكر وسكن به. وجعل على شرطته محمد بن عسّامة «1» ثم عزله بالحارث بن زرعة؛ فشكا منه الجند فعزله بابنه ميمون، ثم عزل ميموناً أيضاً بأبي ذكر بن المخارق «2» ، ثم عزله بأخيه صالح بن الحكم، ثم عزل صالحاً بأخيه إسماعيل، ثم عزل إسماعيل بأخيه داود؛ كل ذلك لتغلب أهل مصر عليه وهو يصغي إلى قولهم إلى أن أستفحل أمره. ولما ثبتت قدمه في إمرة مصر أخذ يتتبع من كان حاربه وعاداه في أول ولايته، فمسك منهم جماعة وأخرج جماعة، ومهد أمور مصر وأصلح أحوال أهل البلاد وأباد أهل الحوف. وأستمر على إمرة مصر إلى أن توفي بها في سلخ جمادى الأولى من سنة خمس ومائتين. وقال صاحب البغية: مات بالفسطاط يوم السبت لانسلاخ ربيع الأول من سنة خمس ومائتين. قلت: وعلى هذا القول كانت ولايته على مصر في هذه المرة الثانية ثلاث سنين وتسعة أشهر وثمانية عشر يوماً. وتولى إمرة مصر من بعده ابنه محمد بن السّمرىّ. وكان السرىّ أميرا جليلا معظّما فى الدّول، ولى الأعمال وتنقل في البلاد، وكان ممن

ما وقع من الحوادث سنة 202

أنضم على المأمون من القواد، ووقع له أمور بمصر ذكرنا بعضها إلى أن أعيد إليها ثانياً، واستمر بها إلى أن توفي، حسبما تقدّم ذكره. *** [ما وقع من الحوادث سنة 202] السنة الأولى من ولاية السري بن الحكم الثانية على مصر وهي سنة اثنتين ومائتين، على أنه حكم فيها من الخالية من شعبان إلى آخرها حسبما تقدم ذكره- فيها، أعني سنة اثنتين ومائتين، بايع العباسيون إبراهيم بن المهدي ولقبوه بالمبارك المنير. وأول من بايع إبراهيم بن المهدي المذكور عبد الله بن العباس بن محمد بن علي العباسي ثم أخوه منصور بن المهدي ثم بنو عمه ثم القواد؛ وخلعوا المأمون من الخلافة لكونه أخرج العباسيين من ولاية العهد وجعلها في العلويين، ولبس الخضرة وترك لبس السواد الذي هو شعار بني العباس. ووقع بولاية إبراهيم هذا أمور وفتن وحروب آلت إلى خلع إبراهيم هذا وهربه واختفائه، كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى. وفيها خرج المأمون من مرو يريد العراق، وكانت الحرب قائمة بين الحسن بن سهل وبين إبراهيم بن المهدي المذكور. وفيها توفي الحسن بن الوليد أبو علي النيسابوري، وقيل أبو عبد الله القرشي، كان من خراسان وقدم إلى بغداد وحدث بها؛ وكان يطعم أهل الحديث الفالوذج، وقرأ على الكسائي، وكان له ثروة ومال ينفقه على العلماء ويغزو الترك ويحج في كل عام. وفيها توفي الفضل بن سهل بن عبد الله، وزير المأمون وعظيم دولته، ذو الرياستين أبو عبد الله؛ كان أبوه سهل من أولاد ملوك المجوس، أسلم في أيام هارون الرشيد واتصل بيحيى البرمكي، واتصل ابناه الفضل هذا وأخوه الحسن بالفضل وبجعفر ابني يحيى البرمكي؛ فضم جعفر البرمكي الفضل هذا إلى المأمون وهو ولي عهد الخلافة، فغلب على المأمون بخلاله الجميلة من الوفاء والبلاغة والكتابة حتى صار أمر المأمون كله بيده، لا سيما [أنه] لما ولي الخلافة ولّاه

ما وقع من الحوادث سنة 203

الأعمال الجليلة. وكان الفضل هذا هو القائم بالتدبير في خلع الأمين وقتاله حتى تم له ذلك. وتولى الوزارة من بعده أخوه الحسن بن سهل. وكان موته بسرخس، قتله أربعة من حواشي المأمون في ليلة الجمعة ثالث شعبان في الحمام بسرخس، فتتبع المأمون قتلته حتى ظفر بهم وقتلهم. وقتل الفضل وهو ابن ستين سنة، وقيل إحدى وأربعين سنة. وفيها توفي يحيى بن المبارك بن المغيرة أبو عبد الله اليزيدي النحوي العدوي البصري، وسمي اليزيدي لأنه كان منقطعاً ليزيد بن منصور الحميري خال الخليفة محمد المهدي، كان إماماً في النحو واللغة والأدب ونقل النوادر وكلام العرب، وله تصانيف مفيدة، منها: كتاب الحيل، وكتاب مناقب بنى العباسى، وكتاب أخبار اليزيديين، وله أيضاً مختصر في النحو. ومات في جمادى الآخرة. رحمه الله. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وعشرون إصبعاً، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا وتسعة عشر إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 203] السنة الثانية من ولاية السري الثانية على مصر وهي سنة ثلاث ومائتين- فيها توجه المأمون إلى طوس فأقام بها عند قبر أبيه أياماً، وفي إقامة المأمون بطوس مات علي بن موسى الرضى العلوي ولي عهد المأمون، فدفن عند قبر الرشيد؛ واغتم المأمون لموته، ثم كتب لأهل بغداد يعلمهم بموت علي المذكور. وعلي هذا هو الذي كان المأمون عهد له وقامت تلك الحروب بسببه. ثم كتب المأمون لأهل بغداد ولبني العباس أنه يجعل العهد في بني العباس؛ فأجابوه بأغلظ جواب، وقالوا: لا نؤثر على إبراهيم بن المهدي أحداً. ثم وقع بينه وبين إبراهيم أمور آخرها أن إبراهيم

انكسر وهرب واختفى سنين إلى أن ظفر به المأمون وعفا عنه. وفيها غلبت السوداء على الوزير الحسن بن سهل وتغير عقله فقيد بالحديد وحبس في بيت بواسط؛ وأخبر المأمون بذلك فكتب بأن يكون على عسكر الحسن بن سهل دينار بن عبد الله، وأن المأمون واصل عقيب كتابه. وفيها كانت زلزلة عظيمة سقطت فيها منارة الجامع والمسجد ببلخ ونحو ربع المدينة. وفيها اختفى إبراهيم بن المهدي الذي كان بويع بالخلافة في سابع عشر ذي الحجة وبقي مختفياً عدة سنين. وكانت أيامه سنتين إلا بضعة عشر يوماً، وخلافته لم يثبتها المؤرخون ولا عده أحد من الخلفاء، غير أنه كان بنو العباس بايعوه لما جعل المأمون العلوي ولي عهده، فلم يتم أمره وهرب واختفى. وفيها وصل المأمون إلى همذان في آخر السنة. وفيها توفى حسين بن علىّ ابن الوليد الجعفىّ مولاهم الكوفىّ المقرئ الزاهد أبو عبد الله، وقيل أبو محمد، روى عن حمزة الزيات وقرأ عليه، وكان إماماً ثقة حافظاً محدثاً. وفيها توفي علي الرّضى ابن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبى طالب، الإمام أبو الحسن الهاشمىّ العلوىّ الحسينىّ، كان إماما عالما؛ روى عن أبيه وعن عبيد الله بن أرطاة، وروى عنه ابنه أبو جعفر محمد وأبو عثمان المازني والمأمون وطائفة. وأمه أم ولد؛ وله عدة إخوة كلهم من أمهات أولاد، وهم: ابراهيم والعباس والقاسم وإسماعيل وجعفر وهارون وحسن وأحمد ومحمد وعبيد الله وحمزة وزيد وعبد الله وإسحاق والحسين والفضل وسليمان وعدة بنات. وكان علي هذا سيد بني هاشم في زمانه وأجلّهم، وكان المأمون يعظمه ويبجله ويخضع له ويتغالى فيه حتى إنه جعله ولي عهده من بعده وكتب بذلك إلى الأفاق، فاضطربت مملكته بسببه، فلم يرجع عن ذلك حتى مات علىّ

ما وقع من الحوادث سنة 204

هذا؛ وبعد موته جعل المأمون العهد في بني العباس. وفي علي هذا يقول أبو نواس الحسن بن هانئ: قيل لي أنت أحسن الناس طراً ... في فنون من المقال النبيه لك من جيد الفريض مديح ... يثمر الدر في يدي مجتنيه قلت لا أستطيع مدح إمام ... كان جبريل خادماً لأبيه أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وثمانية عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وعشرة أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 204] السنة الثالثة من ولاية السري الثانية على مصر وهي سنة أربع ومائتين- فيها وصل المأمون إلى النهروان فتلقاه بنو هاشم والقواد، ودخل بغداد في نصف صفر؛ وبعد ثمانية أيام كلمه بنو العباس في ترك الخضرة ولبس السواد، ولا زالوا به حتى أذعن وترك الخضرة ولبس السواد. وفيها ولى المأمون أخاه أبا عيسى على الكوفة، وولى أخاه صالحاً على البصرة، وولى يحيى بن معاذ على الجزيرة؛ فتوجه يحيى بن معاذ إلى الجزيرة وواقع بابك الخرّمىّ الخارجي حتى أخرجه منها. وفيها توفي أشهب بن عبد العزيز بن داود بن إبراهيم الإمام العالم الفقيه أبو عمرو القيسي العامري المصري فقيه مصر، وقيل اسمه مسكين ولقبه أشهب، سمع مالكاً والليث ويحيى بن أيوب وسليمان بن بلال وغيرهم، وهو أحد أصحاب الإمام مالك رضي الله عنه الكبار. قال الشافعي: ما أخرجت مصر أفقه من أشهب لولا طيش فيه. وقال سحنون رحمه الله: أشهب ما كان يزيد في سماعه حرفاً واحداً. وفضله محمد بن عبد الله بن عبد الحكم على ابن القاسم في الرأي حتى إنه قال:

أشهب أفقه من ابن القاسم مائة مرة. وعن ابن عبد الحكم قال: سمعت أشهب في سجوده يدعو على الشافعي بالموت، فذكرت ذلك للشافعىّ فأنشد: تمنّى رجال أن أموت وإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى ... تهيأ لأخرى مثلها فكأن قد وكان مولد أشهب سنة أربعين ومائة، ومات في الثاني والعشرين من شعبان بعد موت الإمام الشافعي بثمانية عشر يوماً. وفيها توفي الإمام الشافعي محمد بن إدريس ابن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي، الإمام العالم صاحب المذهب أبو عبد الله الشافعي المكي؛ ولد سنة خمسين ومائة بغزة، وروى عن مسلم بن خالد الزنجي فقيه مكة وداود ابن عبد الرحمن العطار وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ومالك بن أنس صاحب المذهب وعرض عليه الموطأ، وخلق سواهم. وروى عنه أبو بكر الحميدي وأبو عبيد القاسم بن سلام وأحمد بن حنبل وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي وغيرهم. وتفقه بمالك ومحمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة وغيرهما، وبرع في الفقه والحديث والأدب والرمي. وقال محمد بن إسماعيل السلمي حدثني حسين الكرابيسي قال: بت مع الشافعي غير ليلة وكان يصلّى نحو ثلث الليل فما رأيته يزيد على خمسين آية، فإذا أكثر فمائة، وكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله، ولا يمر بآية عذاب إلا تعوذ منها. وقال إبراهيم بن محمد بن الحسن الأصبهاني حدثنا الربيع قال: كان الشافعي يختم القرآن ستين مرة في رمضان. وقال الميموني: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ستة أدعو لهم سحراً أحدهم الشافعي. وقال يونس بن عبد الأعلى: لو جمعت

أمة لوسعهم عقل الشافعي. وقال أبو ثور: ما رأيت مثل الشافعي ولا رأى هو مثل نفسه. قلت: ومناقب الشافعي رضي الله عنه كثيرة وفضله أشهر من أن يذكر. وكانت وفاته في يوم الخميس سلخ شهر رجب من هذه السنة، ودفن بالقرافة الصغرى، وله أربع وخمسون سنة. وكان موضع دفنه ساحة حتى عمر تلك الأماكن السلطان صلاح الدين يوسف، ثم أنشأ الملك الكامل محمد القبة على ضريحه وهى القبة الكائنة اليوم علي قبره رضى الله عنه. ومن شعره: يا راكباً قف بالمحصب من منى ... واهتف بقاعد خيفنا والناهض سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى ... فيضاً «1» كملتطم الفرات الفائض إن كان رفضاً حب آل محمد ... فليشهد الثقلان أني رافضي قال المبرد: دخل رجل على الشافعي فقال: إن أصحاب أبي حنيفة لفصحاء؛ فأنشأ الشافعى يقول: فلولا الشعر بالعلماء يزري ... لكنت اليوم أشعر من لبيد وأشجع في الوغى من كل ليث ... وآل مهلب «2» وأبي يزيد ولولا خشية الرحمن ربي ... حسبت «3» الناس كلهم عبيدي أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وأربعة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وخمسة أصابع.

ذكر ولاية محمد بن السرى على مصر

ذكر ولاية محمد «1» بن السري على مصر هو محمد بن السري بن الحكم بن يوسف الأمير أبو نصر الضبي البلخي، ولي إمرة مصر بعد وفاة أبيه السري بن الحكم في يوم الأحد مستهل جمادى الآخرة سنة خمس ومائتين؛ ولاه المأمون على الصلاة والخراج معا كما كان والده. وسكن المعسكر، وجعل على شرطته محمد بن قابس «2» ثم عزله وولّى أخاه عبيد الله. ولما ولي مصر كان الجروي قد غلب على أسفل أرض مصر وجمع جموعاً وخرج عن الطاعة فتهيأ محمد هذا لقتاله وجهز اليه العساكر المصرية، ثم خرج هو بنفسه لقتاله، ووقع له معه حروب ووقائع؛ وبينما هو في ذلك مرض ولزم الفراش حتى مات ليلة الاثنين لثمان خلون من شعبان سنة ست ومائتين. فكانت ولايته على مصر استقلالاً سنة واحدة وشهرين وثمانية أيام. وتولى مصر من بعده أخوه عبيد الله بن السري، وكان شاباً عاقلاً مدبراً حازماً سيوساً، مهد الديار المصرية في ولايته وأباد أهل الفساد وحارب الجروىّ غير مرة وأحبته الرعية، غير أنه لم تطل أيامه وعاجلته المنيّة. *** [ما وقع من الحوادث سنة 205] السنة الأولى من ولاية محمد بن السري على مصر وهي سنة خمس ومائتين- فيها حج بالناس عبيد الله بن الحسن العلوي وهو والى الحرمين مكّة والمدينة. وفيها ولى المأمون طاهر بن الحسين على جميع بلاد خراسان والمشرق وأعطاه عشرة آلاف ألف درهم، وكان ولده عبد الله بن طاهر قد قدم على المأمون من الرقة فولاه

على الجزيرة. ثم ولى المأمون عيسى بن محمد بن خالد على أذربيجان وإرمينية وأمره بقتل بابك الحرّمىّ. وفيها استعمل المأمون عيسى بن يزيد الجلودي على محاربة الزط، وكانوا قد طغوا وتجبروا. وفيها توفي يعقوب بن إسحاق بن زيد «1» بن عبد الله ابن أبي إسحاق الإمام أبو محمد الحضرمي مولاهم البصرىّ قارئ أهل البصرة بعد أبي عمرو بن العلاء وأحد الأئمة القراء العشرة، أخذ القرآن عن أبى المنذر سلّام الطويل وأبى الأشهب العطاردىّ ومهدي بن ميمون وغيرهم، وسمع حروفاً من حمزة، وتصدى للإقراء فقرأ عليه خلق، وكان أصغر من أخيه أحمد بن إسحاق، ومات في ذي الحجة. وفيه يقول محمد بن أحمد العجلىّ يمدحه: أبوه من القراء كان وجده ... ويعقوب في القراء كالكوكب الدري تفرده محض الصواب ووجهه ... فمن مثله في وقته وإلى الدهر وفيها توفي أبو سليمان الداراني، اسمه عبد الرحمن بن أحمد بن عطية، وقيل: عبد الرحمن بن عسكر العبسي الداراني، كان من واسط وتحول إلى الشام ونزل داريا (قرية غربي دمشق) ، وكان إماماً حافظاً كبير الشأن في علوم الحقائق والورع أثنى عليه الأئمة، وكان له الرياضات والسياحات، وله كرامات وأحوال. رحمه الله تعالى آمين. الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفي روح بن عبادة في جمادى الأولى، وأبو عامر العقدىّ [عبد الملك بن عمرو «2» ] ، ومحمد بن عبيد، ويعقوب الحضرمىّ، ومحمد بن عبيد الطنافسي. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع واثنان وعشرون إصبعاً، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وأربعة عشر إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 206

*** [ما وقع من الحوادث سنة 206] السنة الثانية من ولاية محمد بن السري على مصر وهي سنة ست ومائتين- فيها كان الماء الذي غرق منه أرض السواد وذهبت الغلات وغرقت قطيعة «1» أم جعفر، وقطيعة العباس. وفيها نكب الأمير عيسى بن محمد بن أبى خالد بابك الخرّمىّ وبيته «2» . وفيها استعمل المأمون على بغداد إسحاق بن إبراهيم. وفيها توفي بهيم العجلي الشيخ أبو بكر الزاهد العابد، كان رجلاً حزيناً يزفر الزفرة فيسمع زفيره على بعد، وكان من البكّائين الخابعين «3» . وفيها توفي الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل الأموي المغربي الأندلسي، ولي إمرة الأندلس يوم مات أبوه في صفر، سنة ثمانين ومائة وعمره اثنتان وعشرون سنة وشهر وأيام، ولقب بالمرتضى، وكنيته أبو العاص؛ وكان شجاعاً فاتكاً، ربط على باب قصره ألف فرس لخاصة نفسه. قلت: وقد تقدم الكلام على أصل هؤلاء أنهم من ذرية عبد الملك بن مروان وأن عبد الرحمن الداخل خرج في غفلة «4» بني العباس من الشأم إلى الغرب وملك الأندلس. وفيها توفي يزيد بن هارون الإمام الحافظ أبو خالد السلمي مولاهم الواسطي، ولد سنة ثمان عشرة ومائة. قال السراج: سمعت علي بن شعيب يقول: سمعت يزيد بن هارون يقول: أحفظ أربعة وعشرين ألف حديث بالإسناد ولا فخر، وكان مع هذا ديناً زاهداً صلى بوضوء العشاء صلاة الفجر نيفاً وأربعين سنة رحمه الله. [ومات في شهر ربيع الأول من السنة وله ثمان وثمانون سنة «5» ] .

ذكر ولاية عبيد الله بن السرى على مصر

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفي أبو حذيفة البخاري صاحب «المبتدأ» ، وحجاج الأعور، وشبابة بن سوار، ومحاضر بن «1» المورع، وقطرب النحوي صاحب سيبويه، وموسى بن اسماعيل، ووهب بن جرير، ويزيد ابن هارون، وعبد الله بن نافع الصائغ الفقيه صاحب مالك. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وأربعة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وثمانية عشر إصبعا. ذكر ولاية عبيد الله بن السري على مصر هو عبيد الله بن السري بن الحكم بن يوسف، ولي إمرة مصر بعد موت أخيه محمد بن السري بمبايعة الجند له في يوم الثلاثاء لتسع خلون من شعبان سنة ست ومائتين على الصلاة والخراج معاً. وسكن المعسكر، وجعل على شرطته محمد بن عقبه «2» المعافري، ولما ولي عبيد الله مصر وقع بينه وبين الجروي الخارجي المقدم ذكره حروب كثيرة، ثم حدّثته نفسه بالخروج عن طاعة المأمون وجمع وحشد؛ فبلغ المأمون ذلك وطلب عبد الله بن طاهر وقال له: إني استخرت الله تعالى منذ شهر، وقد رأيت أن الرجل يصف ابنه ليطريه وليرفعه، وقد رأيتك فوق ما وصفك أبوك، وقد مات السري وولى ابنه عبيد الله وليس بشيء، وقد رأيت تولينك مصر ومحاربة الخوارج بها؛ فقال عبد الله بن طاهر: السمع والطاعة، وأرجو أن يجعل الله الخير لأمير المؤمنين. فعقد له المأمون لواء مكتوباً عليه ألقاب عبد الله بن طاهر، وزاد فيه يا منصور؛ وركب الفضل بن الربيع الحاجب بين يديه إلى داره

ما وقع من الحوادث سنة 207

تكرمة له؛ ثم خرج عبد الله من العراق بجيوشه حتى قرب من مصر، فتهيأ عبيد الله ابن السري المذكور لحربه وعبأ جيوشه وحفر خندقاً عليه، ثم تقدم بعساكره إلى خارج مصر والتقى مع عبد الله بن طاهر وتقاتلا قتالاً شديداً وثبت كل من الفريقين ساعة كبيرة حتى كانت الهزيمة على عبيد الله بن السري أمير مصر، وانهزم إلى جهة مصر، وتبعه عبد الله بن طاهر بعساكره، فسقط غالب جند عبيد الله المذكور في الخندق الذي كان عبيد الله احتفره، ودخل هو بأناس قليلة إلى داخل مصر وتحصن به؛ فحاصره عبد الله بن طاهر وضيق عليه حتى أباده وأشرف على الهلاك، فطلب عبيد الله بن السري الأمان من عبد الله بن طاهر بشروطه، وبعث إليه بتقدمة من جملتها ألف وصيف ووصيفة مع كل وصيف ووصيفة ألف دينار في كيس حرير وبعث بهم ليلاً؛ فرد عبد الله بن طاهر ذلك عليه، وكتب إليه: لو قبلت هديتك نهاراً قبلتها ليلاً (بل أنتم بهديتكم تفرحون) الآية. فلما بلغه ذلك طلب الأمان من غير شرط؛ فأمنه عبد الله بن طاهر بعد أمور صدرت؛ فخرج إليه عبيد الله بن السري بالأمان وبذل إليه أموالاً كثيرة وأذعن له وسلم إليه الأمر، وذلك في آخر صفر سنة إحدى عشرة ومائتين. قال صاحب البغية: وعزله المأمون في ربيع الأول وذكر السنة انتهى. قلت: فكانت ولاية عبيد الله هذا على إمرة مصر أربع سنين وسبعة أشهر إلا ثمانية أيام. وتوجه عبيد الله إلى المأمون في السنة المذكورة فأكرمه وعفا عنه. *** [ما وقع من الحوادث سنة 207] السنة الأولى من ولاية عبيد الله بن السري وهي سنة سبع ومائتين- فيها حج بالناس أبو عيسى أخو الخليفة المأمون. وفيها ولى المأمون موسى بن حفص طبرستان. وفيها ظهر الصناديقي باليمن واستولى عليها وقتل النساء والولدان وادّعى

النبوة وتبعه خلق وآمنوا بنبوته وارتدوا عن الإسلام، فأهلكه الله بالطاعون بعد أمور رقعت منه. وفيها خرج عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علىّ ابن أبي طالب ببلاد عك من اليمن يدعو إلى الرضى من آل محمد صلى الله عليه وسلم، وكان خروجه من سوء سيرة عامل اليمن، فبايعه خلق؛ فوجه إليه المأمون لحربه دينار ابن عبد الله وكتب معه بأمانه؛ فحج دينار ثم سار إلى اليمن حتى قرب من عبد الرحمن المذكور، وبعث إليه بأمانه فقبله وعاد مع دينار إلى المأمون. وفيها خلع طاهر ابن الحسين المأمون من الخلافة باكر النهار من يوم الجمعة وقطع الدعاء له، فدعا الخطيب: «اللهم أصلح أمة محمد بما أصلحت به أولياءك، واكفها مؤونة من بغى عليها» ولم يزد على ذلك، ثم طرح طاهر لبس السواد فعرض له عارض فمات من ليلته فأتى الخبر بخلعه على المأمون أول النهار من النصحاء له، ووافى الخبر بموته ليلاً وكفى الله المأمون مؤونته. وقام بعده على خراسان ابنه طلحة فأقره المأمون مكان والده طاهر المذكور؛ وكان ذلك قبل تولية ابنه عبد الله بن طاهر مصر بمدة طويلة. وطاهر هذا هو الذي كان قام ببيعة المأمون وحاصر الأمين ببغداد تلك المدة الطويلة حتى ظفر به وقتله. وكان طاهر المذكور أعور، وكان يلقب بذي اليمينين؛ فقال فيه بعض الشعراء: يا ذا اليمينين وعين واحدة ... نقصان عين ويمين زائدة وكان في نفس المأمون منه شيء لكونه قتل أخاه الأمين محمداً بغير «1» مشورته لما ظفر به بعد حصار بغداد، ولم يرسله إلى أخيه المأمون ليرى فيه رأيه مراعاة لخاطر أمه زبيدة، فلما قتله طاهر المذكور لم يسع المأمون إلا السكوت لكون طاهر هو القائم بدولة المأمون وبنصرته على أخيه الأمين حتى تم له ذلك. وفيها

توفي الواقدي، واسمه محمد بن عمر بن واقد، الإمام أبو عبد الله الأسلمي، مولده سنة تسع وعشرين ومائة وكان إماماً عالماً بالمغازي والسير والفتوح وأيام الناس، وكان ولي القضاء للمأمون أربع سنين. وفيها توفي الأمير طاهر بن الحسين بن مصعب أبو طلحة الخزاعي الملقب ذا اليمينين، أحد قواد المأمون الكبار والقائم بأمره وخلع أخيه الأمين من الخلافة؛ ولاه المأمون خراسان وما يليها حتى خلع المأمون فمات من ليلته في جمادى الأولى فجاءة، أصابته حمى وحرارة فوجد على فراشه ميتاً. حكي أن عميه علي بن مصعب وحميد بن مصعب عاداه بغلس، فقال الخادم: هو نائم فانتظرا ساعة، فلما انبسط الفجر قالا للخادم: أيقظه؛ قال: لا أجسر؛ فدخلا عليه فوجداه ميتاً. وفيها توفي عمر بن حبيب العدوي القاضي الحنفي البصري هو من بنى عدىّ بن عبد مناة «1» ، قدم بغداد وولي قضاء الشرقية بها وقضاء البصرة، وكان إماماً عالماً بارعاً في فنون كثيرة مشكور السيرة محبباً إلى الناس. رحمه الله. وفيها توفي أبو عبيدة «2» معمر بن المثنى التيمي البصري النحوي العلامة مولى تيم قريش، كان من أعلم الناس بأنساب العرب وله مصنفات مشهورة في علوم كثيرة. وفيها توفي الهيثم بن عدي بن عبد الرحمن بن يزيد الكوفي صاحب التواريخ والأشعار، ولد بالكوفة ونشأ بها ثم انتقل إلى بغداد، وكان مليح الشكل نظيف الثوب طيب الرائحة حلو المحاضرة عالماً بارعاً. الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفي جعفر بن عون، وطاهر ابن الحسين الأمير بخراسان، وأبو قتادة الحراني، وعبد الصمد بن عبد الوارث،

ما وقع من الحوادث سنة 208

وعمر بن حبيب العدوي، وأبو نوح قراد، وكثير بن هشام، والواقدي، ومحمد بن كناسة، وهاشم بن القاسم، والهيثم بن عدي، والفراء النحوي. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وعشرون إصبعاً، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وسبعة عشر إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 208] السنة الثانية من ولاية عبيد الله على مصر وهي سنة ثمان ومائتين- فيها حج بالناس الأمير صالح أخو المأمون. وفيها استعفى محمد بن سماعة عن القضاء فأعفى، وولّى المأمون عوضه إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة. وفيها خرج الحسن بن الحسين أخو طاهر بن الحسين المقدم ذكره من خراسان إلى كرمان ممتنعاً بها، فسار إليه أحمد بن أبي خالد حتى أخذه وقدم به على المأمون فعفا عنه. وفيها ولى المأمون محمد بن عبد الرحمن المخزومي قضاء عسكر المهدية ثم عزله بعد مدة، وولى عوضه بشر بن الوليد الكندي. وفيها توفي صالح بن عبد الكريم البغدادي أحد الزهاد العباد الورعين. وفيها توفي الفضل بن الربيع بن يونس الحاجب الأمير أبو الفضل، مولده سنة أربعين ومائة وحجب للرشيد واستوزره. ولما مات الرشيد استولى على الخزائن وقدم بها إلى الأمين محمد ببغداد ومعه البردة والقضيب والخاتم فأكرمه الأمين وفوض إليه أموره، فصار إليه الأمر والنهي. ولما خلع الأمين أخاه المأمون من ولاية عهد الخلافة استخفى ثم ظهر في أيام المأمون، فأعاده المأمون إلى رتبته إلى أن مات. وفيها توفيت السيدة نفيسة ابنة الأمين الحسن بن زيد بن السيد الحسن بن علي بن أبي طالب، الهاشمية الحسنية الحسيبة النسيبة صاحبة المشهد بين مصر والقاهرة، وقد ولي أبوها إمرة المدينة لأبي جعفر المنصور مدة، ثم قبض عليه

وحبسه، إلى أن أطلقه المهدي لما تخلف ورد عليه جميع ما كان أخذه أبوه المنصور منه، وقد ذكرنا ذلك في محله. وتحولت السيدة نفيسة مع زوجها إسحاق بن جعفر الصادق من المدينة إلى مصر، فأقامت بها إلى أن ماتت في شهر رمضان من هذه السنة من غير خلف في وفاتها. وهي صاحبة الكرامات والبرهان، وقد شاع ذكرها شرقاً وغرباً. وفيها توفي العتابي واسمه كلثوم بن عمرو بن أيوب الشاعر المشهور أحد البلغاء، كان أصله من قنسرين، وقدم بغداد، ومدح الرشيد ثم أولاده الخلفاء من بعده؛ وكان منقطعاً إلى البرامكة، وكان يتزهد ويلبس الصوف. ومن شعره فيما قيل موالياً: يا ساقيا خصّنى بما تهواه ... لا تمزج اقداحي رعاك الله دعها صرفاً فإنني أمزجها ... إذ أشربها بذكر من أهواه قلت: وهذا يشبه قول القائل، ولم أدر لمن هو: نديمى «1» لا تسقنى ... سوى الصرف فهو ألهني ودع كأسها أطلساً «2» ... ولا تسقنى مع دني وفيها توفي مسلم بن الوليد الأنصاري مولى أسعد بن زرارة الخزرجي الشاعر المشهور، كان فصيحاً بليغاً. ومن شعره فيما قيل وقد رأيته لغيره وهو في مليح أعمى مضمّنا: بروحي مكفوف اللواحظ لم يدع ... سبيلاً إلى صب يفوز بخيره سوالفه تفني الورى خل لحظه ... ومن لم يمت بالسيف مات بغيره

ما وقع من الحوادث سنة 209

قلت: وهذا معنى ظريف فحضرني فيه مقطوع غير أنه من غير المادّة: كانتا مقلتاه قبل عماها ... لقتال الورى تسل نصالا فأمنا قتالها حين كفت ... وكفى الله المؤمنين القتالا وفيها توفي الأمير موسى ابن الخليفة الأمين محمد بن الرشيد هارون العباسي الهاشمي الذي كان ولاه أبوه الأمين العهد من بعده وسماه بالناطق بالحق وخلع المأمون وقامت تلك الحروب التي كان فيها هلاك الأمين. وكان موسى هذا عند جدته لأبيه زبيدة بنت جعفر، وأمه أم ولد ومات وسنه دون عشرين سنة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وأربعة عشر إصبعاً. مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وثمانية عشر إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 209] السنة الثالثة من ولاية عبيد الله بن السري على مصر وهي سنه تسع ومائتين- فيها قرب المأمون أهل الكلام وأمرهم بالمناظرة بحضرته وصار ينظر فيما يدل عليه العقل، وجالسه بشر بن غياث المريسي، وثمامة بن الأشرس وهؤلاء الجنوس. وفيها ولى المأمون علي بن صدقة إمرة أرمينية وأذربيجان وأمره بمحاربة بابك وأعانه بأحمد ابن الجنيد الإسكافي فقاتل بابك فأسره بابك، فولى المأمون عوضه إبراهيم بن الليث. وفيها حج بالناس أمير مكة صالح بن العباس بن محمد بن علي العباسي. وفيها توفي بشر بن منصور الشيخ أبو محمد، كان أحد العبّاد الزهّاد المجتهدين، كان يتجنّب الناس ويتورّى «1» بالخلوة. وفيها توفي الحسن بن موسى أبو علي الأشيب الحنفي الخراساني، كان ولي القضاء بالموصل ثم حمص في أيام الرشيد، ثم ولي قضاء طبرستان للمأمون

وكان عالما عارفا. وفيها توفي سعيد بن سلم «1» بن قتيبة أبو محمد الباهلي البصري، كان ولي بعض أعمال خراسان ثم قدم بغداد وحدث بها، وكان عالماً بالحديث والعربية وغيرهما رحمه الله. وفيها توفي الحسن بن زياد اللؤلؤي الإمام، أحد العلماء الأعلام فقيه عصره أبو علي أحد أصحاب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه؛ وكان أصله من الكوفة ونزل بغداد. قال محمد بن شجاع الثلجي «2» : سمعت الحسن بن أبي «3» مالك يقول: كان الحسن بن زياد إذا جاء إلى أبي يوسف أهمت أبا يوسف نفسه من كثرة سؤالاته. وقال أبن كاس النخعي «4» حدثنا أحمد بن عبد الحميد بن الحارث قال: ما رأيت أحسن خلقاً من الحسن بن زياد ولا أقرب ولا أسهل جانباً مع توفر فهمه وعلمه وزهده وورعه، وكان يكسو مماليكه كما يكسو نفسه. وقال جعفر بن محمد بن عبيد الله الهمداني «5» : سمعت يحيى بن آدم يقول: ما رأيت أفقه من الحسن بن زياد انتهى. وكان ديناً قوالاً بالحق، وقصته مع الرشيد في أمر يحيى العلوي ومحمد بن الحسن مشهورة. وكانت وفاته في هذه السنة، في قول، وقيل: في سنة أربع وهو الأصح رحمه الله. وفيها توفي سعيد بن وهب أبو عثمان «6» البصري مولى بني سامة بن لؤىّ كان شاعرا مجيدا أكثر شعره في الغزل والمجون وكان مقدماً عند البرامكة، ومن شعره فى سوداء:

ما وقع من الحوادث سنة 210

سوداء بيضاء الفعال كأنها ... نور العيون تخص بالأضواء قالوا جننت بحبها فأجبتهم ... أصل الجنون يكون بالسوداء قلت: وأحسن ما قيل في هذا المعنى قول القائل: يا من فؤادي فيها ... متيم لا يزال إن كان لليل بدر ... فأنت للصبح خال وفيها توفي عبد الله بن أيوب أبو محمد التيمي من تيم اللات بن ثعلبة أحد شعراء الدولة العباسية، مدح الأمين والمأمون وغيرهما وأجازه الأمين مرة بمائتي ألف درهم دفعة واحدة في قوله الأبيات المقدم ذكرها في ترجمة الأمين لما ضرب كوثر خادم الأمين، وأول الأبيات التي عملها عبد الله هذا: ما لمن أهوى شبيه ... فبه الدنيا تتيه وصله حلو ولكن ... هجره مر كريه وفيها هلك طاغية الروم ميخائيل بن جرجس وملك بعده ابنه توفيل. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وثمانية أصابع، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وثمانية عشر إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 210] السنة الرابعة من ولاية عبيد الله بن السرىّ على مصر وهي سنة عشر ومائتين- فيها ظفر المأمون بعمه إبراهيم بن المهدي المعروف بابن شكلة (أمه) الذي كان بويع بالخلافة وتلقب بالمبارك، ظفر به وهو بزي النساء فعاتبه عتاباً هيناً ثم عفا عنه.

وفي اختفاء إبراهيم هذا حكايات كثيرة. وفيها امتنع أهل قم «1» فوجه إليهم المأمون علي بن هشام فحاربهم حتى هزمهم ودخل البلد وهدم سورها وأستخرج منها سبعة آلاف ألف درهم. وفيها في شهر رمضان توجه المأمون إلى فم «2» الصلح وبنى ببوران بنت الحسن بن سهل، وكائنة المأمون مع بوران المذكورة وتزويجه بها مشهور. وفيها توفي حميد الطوسي كان من كبار قواد المأمون وكان جباراً وفيه قوّة وبطش وإقدام، كان يندبه المأمون للمهمات. وفيها توفي شهريار بن شروين «3» صاحب الديلم وملك بعده ابنه سابور فنازعه على الملك مازيار بن قارن «4» وقهره وأسره وقتله واستولى المذكور على الجبال والديلم. وفيها توفي الأصمعي واسمه عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع أبو سعيد الباهلي البصري، وقيل: إن اسم قريب عاصم. والأصمعي هذا هو صاحب العربية والغرائب والتصانيف المفيدة والملح واللغة وأيام الناس وأخبارهم، وكان مقرباً عند الرشيد وأختص بالبرامكة ونالته السعادة، وله مع الرشيد وغيره من الخلفاء ماجريات لطيفة. وذكر الذهبي وفاته في سنة ست عشرة ومائتين بخلاف ما أثبتناه هنا؛ وفي وفاته اختلاف كبير وأقوال كثيرة أقلها من هذه السنة وأبعدها إلى سنة ست عشرة ومائتين. وفيها توفي عفان بن مسلم أبو عثمان الصفار البصري مولى عزرة «5» بن ثابت الأنصاري، ولد سنة

ذكر ولاية عبد الله بن طاهر على مصر

أربع وثلاثين ومائة وكان قد جمع بين العلم والزهد والسنة. وفيها توفيت علية بنت المهدي عمة المأمون ومولدها سنة ستين ومائة، وكانت من أجمل النساء وأظرفهن وأكملهن أدباً وعقلاً وصيانة، وكان في جبهتها سعة تشين وجهها فاتخذت العصابة المكلّلة بالجوهر لتستر جبينها بها، وهي أول من اتخذتها وسميت شد جبين لذلك. الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفي أبو عمرو إسحاق الشيباني صاحب العربية، والحسن بن محمد بن أعين الحراني، وعبد الصمد ابن حسان المروزي، ومحمد بن صالح بن بيهس «1» أمير عرب الشام، وأبو عبيدة اللغوي. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وخمسة أصابع، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وثمانية عشر إصبعا. ذكر ولاية عبد الله بن طاهر على مصر هو عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب، الأمير أبو العباس الخزاعي المصيصي أمير خراسان وأجل أعمال المشرق ثم أمير مصر، ولي مصر من قبل المأمون بعد عزل عبيد الله بن السري على الصلاة والخراج معاً، ودخل مصر في يوم الثلاثاء لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة ومائتين بعد أن قاتل عبيد الله بن السري أياماً وأخذه بالأمان حسبما تقدم ذكره في ترجمة عبيد الله بن السري. ومولد عبد الله بن طاهر هذا سنة اثنتين وثمانين ومائة، وتأدب في صغره وقرأ العلم والفقه وسمع من وكيع وعبد الله المأمون؛ وروى عنه اسحاق ابن راهويه وهو أكبر منه، ونصر بن زياد وخلق سواهم. وكان بارع الأدب

حسن الشعر، وتقلد الأعمال الجليلة وأول ولايته مصر، ولما ولي مصر ودخلها أمر عبيد الله بن السري بالخروج إلى المأمون ببغداد، وأقام عبد الله بن طاهر هذا بعسكره إلى أن خرج عبيد الله بن السري من مصر في نصف جمادى الأولى من السنة المذكورة، ثم سكن عبد الله بن طاهر المعسكر وجعل على شرطته معاذ بن عزيز ثم عزله بعبدويه بن جبلة، ثم تهيأ للخروج إلى الإسكندرية فخرج إليها من مصر في مستهل صفر سنة اثنتي عشرة ومائتين واستخلف على صلاة مصر عيسى بن يزيد الجلودي. وكان قد نزل بالاسكندرية طائفة من المغازبة من الأندلس في المراكب وعليهم رجل كنيته أبو حفص «1» ، فتوجه إليهم عبد الله بن طاهر وقاتلهم حتى أجلاهم عن الإسكندرية. وقيل: بل نزحوا عنها قبل وصول عبد الله بن طاهر خوفاً منه وتوجهوا إلى جزيرة «2» أقريطش فسكنوها وبها بقايا من أولادهم إلى الآن، وبعد خروجهم من الإسكندرية عاد عبد الله بن طاهر إلى ديار مصر فى جمادى الآخرة وسكن بالمعسكر إلى أن ورد عليه كتاب المأمون يأمره بالزيادة في الجامع العتيق، فزيد فيه مثله وبعث يعلم المأمون بذلك وكتب له أبياتاً من نظمه وهى: أخي أنت ومولاي ... ومن أشكر نعماه «3» فما أحببت من شيء ... فإني الدهر أهواه

وما تكره من شيء ... فإني لست أهواه لك الله على ذاك ... لك الله لك الله وكان عبد الله بن طاهر جواداً ممدحاً. حكى أبو السمراء قال: خرجنا مع عبد الله بن طاهر من العراق متوجهين [إلى مصر «1» ] حتى إذا كنا بين الرملة ودمشق واذا بأغرابىّ قد اعترضنا على بعير له أورق «2» وكان شيخاً، فسلم علينا فرددنا عليه السلام، وكنت أنا وإسحاق بن إبراهيم الرافقي «3» وإسحاق بن أبي ربعي ونحن نساير عبد الله بن طاهر، وكانت كسوتنا أحسن من كسوته، ودوابنا أفره من دابته؛ فجعل الأعرابي ينظر في وجوهنا فقلنا: يا شيخ، قد ألححت في النظر إلينا، عرفت شيئاً أم أنكرته؟ فقال: لا والله، ما عرفتكم قبل يومي هذا ولا أنكرتكم لسوء أراه بكم، ولكني رجل حسن الفراسة في الناس، جيد المعرفة بهم؛ فأشرت إلى إسحاق بن أبي ربعي وقلت: ما تقول في هذا؟ فقال: أرى كاتباً جاه الكتابة بين ... عليه وتأديب العراق منير له حركات قد تشاهد أنه ... عليم بتقسيط الخراج بصير ثم نظر إلى إسحاق بن ابراهيم الرافقىّ وقال: ومظهر نسك ما عليه ضميره ... يحب الهدايا بالرجال مكور «4» أخال به جبناً وبخلاً «5» وشيمة ... تخبر عنه أنه لوزير

ثم نظر الىّ وقال: وهذا نديم للأمير ومؤنس ... يكون له بالقرب منه سرور وأحسبه «1» للشعر والعلم راوياً ... فبعض نديم مرة وسمير ثم نظر إلى الأمير وقال: وهذا الأمير المرتجى سيب كفه ... فما إن له فيمن رأيت نظير عليه رداء من جمال وهيبة «2» ... ووجه بإدراك «3» النجاح بشير لقد عصم الإسلام منه بذي «4» يد ... به عاش معروف ومات نكير ألا إنما عبد الإله بن طاهر ... لنا والد بر بنا وأمير قال: فوقع ذلك من عبد الله بن طاهر أحسن موقع، وأعجبه مقالة الشيخ وأمر له بخمسمائة دينار وجعله في صحابته. ذكر واقعة أخرى لعبد الله بن طاهر هذا. قال الحسن بن يحيى الفهري: بينما نحن مع عبد الله بن طاهر بين سلمية وحمص ونحن نريد دمشق إذ عارضنا البطين الشاعر، فلما رأى عبد الله بن طاهر قال: مرحباً مرحباً وأهلاً وسهلاً ... بابن ذي الجود طاهر بن الحسين مرحباً مرحباً وأهلاً وسهلاً ... بابن ذي العزتين في الدعوتين مرحباً مرحباً بمن كفه البح ... ر إذا فاض مزبد الرّجوتين ما يبالى المأمون أيّده الل ... هـ إذا كنتما له باقيين

أنت غرب وذاك شرق مقيماً ... أي فتق أتى من الجانبين وحقيق إذ كنتما في قديم ... لزريق ومصعب وحسين أن تنالا ما نلتماه من المج ... د وأن تعلوا على الثقلين فأمر له عن كل بيت بألف دينار وسار معه إلى مصر والإسكندرية، وبينما هو راكب على فرسه بالإسكندرية نزلت يد فرسه في مخرج فوقع به فيه فمات. وقيل: إن عبد الله هذا لما استولى على مصر وهب له المأمون خراجها، فلم يدخلها حتى صعد المنبر، فما نزل حتى فرق جميع ذلك، وكان ثلاثة آلاف ألف دينار. وقال سهل بن ميسرة: لما رجع عبد الله بن طاهر من الشام إلى بغداد صعد فوق سطح، فنظر إلى دخان يرتفع من جواره فقال: ما هذا الدخان؟ فقيل له: لعل قوماً يخبزون؛ فقال: أو يحتاج جيراننا إلى ذلك! ثم دعا حاجبه وقال: امض ومعك كاتب وأحص جيراننا من لا يقطعهم عنا شارع، فمضى وأحصاهم فبلغ عددهم ألف نفس، فأمر لكل بيت بالخبز واللحم وما يحتاجون إليه، وبكسوة الشتاء والصيف والدراهم؛ فما زالوا كذلك حتى خرج من بغداد، فانقطع ذلك لكنه صار يبعث إليهم من خراسان بالكسوة مدة حياته. وقيل: إن المأمون سأل عبد الله بن طاهر هذا: أيما أحسن، منزلي أم منزلك؟ قال: يا أمير المؤمنين، منزلي، قال: ولم؟ قال: لأني فيه مالك وأنا في منزلك مملوك. وكان عبد الله بن طاهر لا يدخل في منزله خصياً، ويقول: هم بين النساء رجال، وبين الرجال نساء. - وقال أحمد بن يزيد السلمي: كنت مع طاهر بن الحسين بالرقة فرفعت إليه قصص فوقع عليها بصلات فبلغت ألفي ألف درهم وسبعمائة ألف درهم؛ ثم كنت

مع ولده عبد الله بن طاهر بالرقة فرفعت إليه القصص فوقع عليها فزاد على أبيه بألفي ألف درهم. وقال محمد بن يزيد الأموي الحصني «1» - وكان محمد هذا من ولد مسلمة بن عبد الملك بن مروان، وكان قد اعتزل الناس في حصن له- قال: لما بلغني خروج عبد الله بن طاهر من بغداد يريد قتال مصر أيقنت بالهلاك لما كان بلغه من ردي عليه- يعنى قصيدته التى يقول فى أوّلها: مدمن الإغضاء موصول ... ومديم العتب مملول من أبيات كثيرة- قال: ولما كان بلغني هذه القصيدة أتقنت المنافية، وقلت: يفتخر علينا رجل من العجم قتل ملكاً من ملوك العرب بسيف أخيه! - يعني بذلك أباه طاهراً لما قتل الأمين بسيف المأمون- فرددت عليه قصيدته بقصيدتى التى أوّلها: لا يرعك القال والقيل ... كل ما بلغت تهويل ولم أعلم أن الأقدار تظفره بي «2» ؛ فلما قرب مجيء عبد الله بن طاهر استوحشت المقام خوفاً على نفسي ورأيت تسليم نفسي عاراً علي، فأقمت مستسلماً للأقدار، وأقمت جارية سوداء في أعلى الحصن، فلم يرعني «3» إلا وهي تشير بيدها وإذا بباب الحصن يدق؛ فخرجت وإذا بعبد الله بن طاهر واقف وحده قد انفرد عن أصحابه؛ فسلمت عليه سلام خائف، فرد علي رداً جميلاً؛ فأومأت أن أقبل ركابه فمنعني بألطف منع، ثم ثنى رجله وجلس على دكة باب الحصن، ثم قال: سكن روعك فقد أسأت

بنا الظن، وما علمنا أن زيارتنا لك تروعك ثم كلمني وباسطني؛ فلما زال روعي قال: أنشدني قصيدتك التي منها: يا بن بنت النار موقدها فقلت: لا تنغص إحسانك؛ فقال: ما قصدي إلا زيادة الأنس بك؛ فامتنعت. فقال: والله لا بد؛ فأنشدته القصيدة إلى قولي: ما لحاذيه «1» سراويل فقال: والله لقد أحصينا ما في خزائن ذي اليمينين [يعني «2» خزائن أبيه طاهر بن الحسين فإنه كان يلقب بذي اليمينين «3» ] بعد موته، فكان فيها ثلاثة آلاف سراويل من أصناف الثياب ما في واحد منها تكة، فما حملك على هذا؟ قلت: أنت حملتنى بقولك: وأبي «4» من لا كفاء له ... من يساوي مجده قولوا فلما فخرت على العرب فخرنا على العجم؛ فقبل العذر وأظهر العفو؛ ثم قال: هل لك في الصحبة إلى قتال مصر؟ فاعتذرت بالعجز عن الحركة، فأمر بإحضار

خمسة مراكب من مراكبه بسروجها ولجمها محلاة بالذهب، وثلاثة دواب من دواب الشاكرية، وخمسة أبغال من بغال النقل، وثلاثة تخوت فيها الثياب الفاخرة، وخمس بدر من الدراهم، ووضع الجميع على باب الحصن واعتذر بالسفر؛ فمددت يدي لأقبل يده فامتنع وسار لوقته. وقال أبو الفضل الربعي: لما توجه عبد الله بن طاهر إلى خراسان قصده دعبل الشاعر، وكان ينادمه في الشهر خمسة عشر يوماً؛ فكان يصله في الشهر بمائة ألف درهم وخمسين ألف درهم؛ فلما كثرت صلاته توارى عنه دعبل حياء منه، فطلبه عبد الله بن طاهر فلم يقدر عليه، فكتب إليه دعبل يقول: هجرتك لم أهجرك كفراً لنعمة ... وهل يرتجى نيل الزيادة بالكفر ولكنني لما أتيتك زائراً ... فأفرطت في بري عجزت عن الشكر فملآن لا أتيك إلا معذراً ... أزورك في شهرين يوماً وفي شهر فإن زدت في بري تزايدت جفوة ... ولم تلقني حتى القيامة في الحشر وبعد هذه الأبيات كتب: حدثني المأمون عن الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه محمد عن أبيه علي عن أبيه عبد الله بن العباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من لا يشكر الله لا يشكر الناس ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير» فوصله عبد الله بثلاثمائة ألف درهم. وقال معافى «1» بن زكريا: أول ما قصد دعبل عبد الله بن طاهر أقام مدّة لم يجتمع به وضاق ما بيده فكتب اليه: جئتك مستشفعاً بلا سبب ... إليك إلا بحرمة الأدب فاقض ذمامي فإنني رجل ... غير ملح عليك في الطلب

فبعث إليه بعشرة آلاف درهم وكتب إليه: أعجلتنا فأتاك عاجل برنا ... ولو انتظرت كثيره لم يقلل فخذ القليل وكن كأنك لم تسل ... ونكون نحن كأننا لم نفعل وحكي أنه خرج من بغداد إلى خراسان فسار وهو بين سمّاره، فلما وصل إلى الري سحراً سمع صوت الأطيار فقال: لله در أبي كبير الهذلي حيث يقول: ألا يا حمام الأيك إلفك حاضر ... وغصنك مياد ففيم تنوح ثم التفت إلى عوف بن محلم الشاعر فقال: أجز، فقال عوف أبياتاً على وزن هذا البيت وقافيته؛ فلما سمعها عبد الله قال: أنخ، فو الله لا جاوزت هذا المكان حتى ترجع إليك أفراخك- يعني الجائزة- وأمر له بكل بيت ألف درهم. وقال أبو بكر الخطيب: دخل عوف بن محلم على عبد الله بن طاهر فسلم، فرد عبد الله عليه، وفي أذن عوف ثقل، فأنشد عوف المذكور: يا بن الذي دان «1» له المشرقان ... طرا وقد دان «2» له المغربان إن الثمانين وبلغتها ... قد أحوجت سمعي إلى ترجمان وقيل: إن عبد الله بن طاهر لما وصل إلى مدينة مرو وجلس في قصر الإمارة دخل عليه أبو يزيد الشاعر وأنشده: اشرب هنيئاً عليك التاج مرتفعاً ... في قصر مرو ودع عدان «3» لليمن فأنت أولى بتاج الملك تلبسه ... من هوذة «4» بن علي وابن ذي «5» يزن

فأعطاه عشرين ألفاً. وقيل: إنه أنشده غيرهما وهو قوله أيضا: يقول رجال إن مرو بعيدة ... وما بعدت مرو وفيها ابن طاهر وقيل: إن عبد الله بن طاهر قدم مرة نيسابور فأمطروا، فقال بعض الشعراء: قد قحط الناس في زمانهم ... حتى إذا جئت جئت بالمطر غيثان في ساعة لنا أتيا ... فمرحباً بالأمير والدرر ومن شعر عبد الله بن طاهر المذكور قوله: نبهته وظلام الليل منسدل ... بين الرياض دفيناً في الرياحين فقلت خذ قال كفي لا تطاوعني ... فقلت قم قال رجلي لا تواتيني «1» إني غفلت عن الساقي فصيرني ... كما تراني سليب العقل والدين وله نظم كثير غير ذلك. ولما دخل إلى مصر وفرق خراجها قبل أن يدخلها حسبما تقدم ذكره أنشده عطاء الطائي- وكان عبد الله بن طاهر واجدا عليه قبل ذلك- قوله: يا أعظم الناس عفواً عند مقدرة ... وأظلم الناس عند الجود للمال لو يصبح النيل يجري ماؤه ذهباً ... لما أشرت إلى خزن بمثقال فأعجبه وعفا عنه؛ وأقترض عشرة آلاف دينار ودفعها إليه، فإنه كان فرق جميع ما معه قبل دخول مصر. ولما دخل عبد الله بن طاهر إلى مصر قمع المفسدين بها ومهد البلاد ورتب أحوالها وأقام على إمرة مصر سنة واحدة وخمسة أشهر وعشرة أيام، وخرج منها لخمس بقين من شهر رجب سنة اثنتي عشرة ومائتين؛ واستخلف على مصر عيسى بن

ما وقع من الحوادث سنة 211

يزيد الجلودي على صلاتها وركب البحر وتوجه إلى العراق؛ فلما قارب بغداد تلقاه العباس ولد الخليفة المأمون، والمعتصم محمد أخو المأمون وأعيان الدولة وقدم عبد الله بغداد وبين يديه المتغلبون على الشأم ومصر مثل ابن أبي الجمل وابن أبي أسقر «1» وغيرهما، فأكرمه المأمون؛ ثم ولاه بعد ذلك الأعمال الجليلة مثل خراسان وغيرها. ويقال: إن عبد الله بن طاهر المذكور هو الذي زرع بمصر البطيخ العبدلي «2» وإليه ينسب بالعبدلي «3» ، وأظنه ولده عن نوعين، فإنه لم يكن ببلد خلاف مصر اهـ. وعاش بعد عزله عن مصر سنين إلى أن مات بمرو في شهر ربيع الأول سنة ثلاثين ومائتين هـ بعد أن مرض ثلاثة أيام بحلقه (يعني بعلة الخوانيق) . ومات وله ثمان وأربعون سنة وقبل أن يموت تاب وكسر الملاهي وعمر الرباطات بخراسان ووقف لها الوقوف وافتدى الأسرى من الترك بنحو ألفي ألف درهم. وكان عادلاً في الرعية محبباً لهم وكان عظيم الهيبة حسن المذهب شجاعاً مقداماً. ولما مات خلف في بيت ماله أربعين ألف ألف درهم سوى ما في بيت مال العامة. وتولّى مصر من بعده عيسى ابن يزيد الجلودي الذي استخلفه عبد الله المذكور، أقره المأمون على إمرة مصر بسفارة عبد الله هذا اهـ. *** [ما وقع من الحوادث سنة 211] السنة الأولى من ولاية عبد الله بن طاهر على مصر وهي سنة إحدى عشرة ومائتين- فيها أمر المأمون بأن ينادى: برئت الذمة ممن ذكر معاوية بن أبي سفيان بخير أو فضله على أحد من الصحابة؛ وأن أفضل الخلق بعد رسول الله صلى

الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وكان المأمون يبالغ في التشيع لكنه لم يتكلم في الشيخين بسوء، بل كان يترضى عنهما ويعتقد إمامتهما. وفيها توفي عبد الرزاق بن همام بن نافع الحافظ، أبو بكر الصنعاني الحميري، مولده سنة ستّ وعشرين ومائة هـ؛ وسمع الكثير وروى عنه خلق من كبار المحدثين: مثل أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهما. ومات باليمن في النصف من شوال من السنة. وفيها توفي معلى «1» بن منصور، الحافظ أبو يعلى الرازي الحنفي، كان ثقة صدوقا نبيلا حليلا صاحب فقه وسنة كثير الحديث صحيح السماع؛ سئل عن القرآن فقال: من قال: إنه مخلوق فهو كافر. وطلب للقضاء فامتنع رحمه الله تعالى. وفيها توفي موسى بن سليمان أبو سليمان الجرجاني الحنفي، كان إماماً فقيهاً بصيراً بالفقه والسنة وكان صدوقاً، عرض عليه المأمون القضاء فامتنع وأعتذر بعذر مقبول رحمه الله تعالى. الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفي علي بن الحسين بن واقد بمرو، وعبد الله بن صالح العجلى المقرئ، والأحوص بن جواب أبو الجواب الضبي، وطلق بن غنام ثلاثتهم بالكوفة، وأبو العتاهية الشاعر ببغداد. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وثمانية أصابع، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وثمانية أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 212

*** [ما وقع من الحوادث سنة 212] السنة الثانية من ولاية عبد الله بن طاهر على مصر وهي سنة اثنتي عشرة ومائتين- فيها وجه المأمون محمد بن «1» طاهر على مصر. وفيها وجه المأمون محمد بن حميد الطوسي لمحاربة بابك الخرمي. وفيها أظهر المأمون القول بخلق القرآن مضافاً إلى تفضيل علي بن أبي طالب على أبي بكر وعمر، رضي الله عنهم أجمعين؛ وأشمأزت النفوس منه وأشخص العلماء وآذاهم وضربهم وحبسهم ونفاهم وقويت شوكة الخوارج. وخلع المأمون من الخلافة الأمير أحمد بن محمد العمري المعروف بالأحمر [العين «2» ] ببلاد اليمن؛ ثم سار المأمون إلى دمشق وصام بها رمضان وتوجه فحج «3» بالناس. وفيها في شهر ربيع الأول كتب المأمون إلى الآفاق بتفضيل علي بن أبي طالب رضي الله عنه على جميع الصحابة. وفيها توفي أحمد بن أبي خالد الوزير أبو العباس وزير المأمون، كان أبوه كاتباً لأبي عبد الله وزير المهدي جد المأمون، وكان أحمد هذا فاضلاً مدبراً جواداً ذا رأي وفطنة إلا أنه كانت أخلاقه سيئة؛ قال له رجل يوماً: والله لقد أعطيت ما لم يعطه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: والله لئن لم تخرج مما قلت لأعاقبنك؛ قال: قال الله تعالى: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ وأنت فظ غليظ القلب وما ننفض من حولك!.

ذكر ولاية عيسى بن يزيد الأولى على مصر

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة؛ قال: وفيها توفي أبو عاصم النبيل، وعبد الرحمن بن حماد الشعيثي «1» ، وعون بن عمارة العبدي بالبصرة، ومحمد بن يوسف الفريابي بقيسارية «2» ، ومنبه بن عثمان بدمشق، وأبو المغيرة عبد القدّوس الخولانىّ بحمص، وزكريا بن عدي ببغداد، وعبد الملك بن عبد العزيز الماجشون الفقيه بالمدينة، وعلي بن قادم بالكوفة، وخلاد «3» بن يحيى بمكة، والحسين بن حفص الهمداني «4» بأصبهان، وعيسى بن دينار الغافقي «5» الفقيه بالأندلس. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وستة أصابع، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وسبعة أصابع. ذكر ولاية عيسى بن يزيد الأولى على مصر هو عيسى بن يزيد الجلودي، ولي إمرة مصر باستخلاف عبد الله بن طاهر عليها، فأقره المأمون على إمرة مصر وجمع له الصلاة والخراج، فتحوّل الى المعسكر وسكن به على عادة الأمراء؛ وجعل على شرطته ابنه محمداً وعلى المظالم إسحاق بن متوكل. وكانت ولايته على مصر نيابة عن عبد الله بن طاهر، فدام عيسى هذا على إمرة مصر إلى سابع عشر ذي القعدة سنة ثلاث عشرة ومائتين هـ. [و] صرف المأمون عبد الله بن طاهر عن إمرة مصر وولّاها لأخيه المعتصم محمد بن هرون الرشيد. فلما

ما وقع من الحوادث سنة 213

ولي المعتصم مصر أقر عيسى هذا على الصلاة فقط، وجعل على خراج مصر صالح بن شيرزاد. فلما ولي صالح المذكور الخراج ظلم الناس وزاد الخراج وعسف فانتقض عليه أهل الحوف واجتمعوا وعسكروا وعزموا على قتاله، وكان عليهم عبد السلام وابن الجليس في القيسية واليمانية؛ فقام عيسى بن يزيد بنصرة صالح وبعث ابنه محمداً في جيش فحاربوه فانهزم وقتل أصحابه. وذلك في صفر سنة أربع عشرة ومائتين هـ. وبلغ الخبر أبا إسحاق المعتصم فعظم عليه وعزل عيسى هذا عن إمرة مصر وولى عوضه عمير بن الوليد التميمي. فكانت ولاية عيسى على مصر في هذه المرة الأولى سنة وسبعة أشهر وأياما. *** [ما وقع من الحوادث سنة 213] السنة التي حكم في بعضها عيسى بن يزيد على مصر وهي سنة ثلاث عشرة ومائتين هـ- فيها خرج عبد السلام وابن الجليس في القيسية واليمانية بمصر، فولى المأمون أخاه أبا إسحاق المعتصم على مصر وعزل عبد الله بن طاهر. وقد ذكرنا ذلك كله في ترجمة عيسى بن يزيد. وفيها ولى المأمون ولده العباس على الجزيرة وأمر لكل من المعتصم والعباس بخمسمائة ألف دينار، وأمر بمثل ذلك لعبد الله بن طاهر المعزول عن إمرة مصر حتى قيل: إنه لم يفرق ملك ولا سلطان في يوم واحد مثل ما فرقه المأمون في هذا اليوم. قلت: لعل الدينار يوم ذاك لم يكن مثل دينارنا اليوم بل يكون مثل دنانير المشارقة التي تسمى بتنكثا «1» والله أعلم. وفيها استعمل المأمون على السند الأمير غسّان ابن عباد، وكان غسان هذا من رجال الدهر حزماً وعزماً، وكان ولي خراسان قبل

ذلك وعزل بعبد الله بن طاهر المقدم ذكره. وفيها توفي أحمد بن يوسف بن القاسم ابن صبح، أبو جعفر الكاتب الكوفي مولى بني العجل كاتب المأمون على ديوان الرسائل؛ كان من أفضل الكتاب في عصره وأذكاهم وأجمعهم للمحاسن، وكان فصيح اللسان مليح الخط يقول الشعر الجيد، قال له رجل يوماً: ما أدري مم أعجب، مما وليه الله من حسن خلقك، أو مما وليته من تحسين خلقك! وفيها توفي أسود بن سالم أبو محمد البغدادي الزاهد الورع الصالح المشهور، كان بينه وبين معروف الكرخي مودة ومحبة، وكان من كبار القوم وممن له كرامات وأحوال. وفيها توفي بشر بن أبي الأزهر يزيد الإمام أبو سهل القاضي الحنفي، كان من أعيان فقهاء أهل الكوفة وزهادها، سأله رجل عن مسألة فأخطأ فيها فعزم أن يقصد عبد الله بن طاهر الأمير لينادى عليه في البلدان: بشر أخطأ في مسألة في النكاح حتى رده رجل وقال: أنا أعرف الرجل الذي سألك، فأتي به إليه فقال له: أنا أخطأت وقد رجعت عن قولي، والجواب فيه كذا وكذا. قلت: لله در هذا العالم الذي يعمل بعلمه رحمه الله تعالى. وفيها توفي ثمامة بن أشرس أبو معن النميري البصري الماجن، كان له نوادر واتصل بهارون الرشيد وولده المأمون. قيل: إنه خرج بعد المغرب من منزله سكران فصادفه «1» المأمون فى نفر، فلما رأه ثمامة عدل عن طريقه وقد أبصره المأمون، فساق إليه المأمون وحاذاه، فقال له: ثمامة؟ قال: إي والله، قال: سكران أنت؟ قال: لا والله، قال: أفتعرفني؟ قال: إي والله، قال: فمن أنا؟ قال: لا أدري والله؛ فضحك المأمون حتى كاد يسقط عن دابته. ولثمامة هذا حكايات كثيرة من هذا

ذكر ولاية عمير بن الوليد على مصر

الجنس. وفيها توفي أبو عاصم النبيل في قول صاحب المرآة قال: واسمه الضحاك الشيباني البصري الحافظ المحدث، كان فقيهاً عالماً حافظاً سميع الكثير وحدث وسمع منه خلق ومات في ذي الحجة. الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفي عبد الله بن موسى العبسي، وخالد بن مخلد القطواني بالكوفة، وعمرو بن عاصم الكلابي بالبصرة، وأبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ بمكة، وعمرو بن أبي سلمة والهيثم بن جميل الحافظ بأنطاكية. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وعشرون إصبعاً، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعاً وخمسة عشر إصبعاً ونصف. ذكر ولاية عمير بن الوليد على مصر هو عمير بن الوليد الباذغيسي التميمي أمير مصر، ولي مصر باستخلاف أبي إسحاق محمد المعتصم له لأن الخليفة المأمون كان ولى مصر لأخيه المعتصم بعد عزل عبد الله ابن طاهر وولى المعتصم عميراً هذا على الصلاة لسبع عشرة خلت من صفر سنة أربع عشرة ومائتين، وسكن المعسكر وجعل على شرطته ابنه محمدا؛ وعند ما تم أمره خرج عليه القيسية واليمانية الذين كانوا خرجوا قبل تاريخه وعليهم عبد السلام وأبن الجليس، فتهيأ عمير هذا وجمع العساكر والجند وخرج لقتالهم وخرج معه أيضاً فيمن خرج الأمير عيسى بن يزيد الجلودي المعزول به عن إمرة مصر، وذلك في شهر ربيع الأول من سنة أربع عشرة ومائتين، واستخلف عمير ابنه محمداً على صلاة مصر، وسافر بجيوشه حتى ألتقى مع أهل الحوف القيسية واليمانية؛ فكانت بينهم وقعة هائلة وقتال ومعارك وثبت كل من الفريقين حتى قتل عمير هذا في المعركة لست عشرة

ذكر ولاية عيسى بن يزيد الجلودى ثانيا على مصر

خلت من شهر ربيع الأول المذكور. وقال صاحب البغية: قتل عمير في يوم الثلاثاء لثلاث عشرة خلت من شهر ربيع الأول، فوافق في الشهر والسنة، وخالف في اليوم. قلت: وكانت ولاية عمير بن الوليد المذكور على مصر استقلالاً من قبل أبي إسحاق المعتصم شهرين سواء وتولى من بعده مصر عيسى بن يزيد الجلودىّ ثانيا. ذكر ولاية عيسى بن يزيد الجلودي ثانياً على مصر ولي عيسى بن يزيد هذا مصر ثانياً من قبل أبي إسحاق محمد المعتصم بعد قتل عمير ابن الوليد على الصلاة، ولما ولي مصر، قصده قيس ويمن على العادة وقد كثر جمعهم من أهل الحوف وقطاع الطريق، فوقع لعيسى هذا أيضاً معهم حروب وفتن، وجمع عساكره وخرج إليهم حتى التقاهم بمنية مطر (أعنى المطرية بقرب مدينة عين شمس التي فيها العمود الذي تسميه العامة بمسلة فرعون) وقاتلهم؛ فكانت بينهم حروب هائلة انكسر فيها الأمير عيسى بمن معه وقتل من عسكره خلائق وانحاز إلى مصر، وذلك في شهر رجب من سنة أربع عشرة ومائتين المذكورة؛ وبلغ المأمون ذلك فعظم عليه وطلب أخاه أبا إسحاق محمداً المعتصم وندبه للخروج إلى مصر وقال له: امض إلى عملك وأصلح شأنه، وكان المعتصم شجاعاً مقداماً؛ فخرج المعتصم من بغداد في أربعة آلاف من أتراكه وسافر حتى قدم مصر في أيام يسيرة وعيسى كالمحصور مع أهل الحوف، وقبل دخوله إلى مصر بدأ بقتال أهل الحوف من القيسية واليمانية وقاتلهم وهزمهم وقتل أكابرهم ووضع السيف في القيسية واليمانية حتى أفناهم، وذلك في شعبان من السنة ومهد البلاد وأباد أهل الفساد؛ ثم دخل الفسطاط (أعني مصر) وفي خدمته عيسى الجلودي وجميع أعيان المصريين

ما وقع من الحوادث سنة 214

لثمان بقين من شعبان، وسكن بالمعسكر حتى أصلح أحوال مصر؛ ثم خرج منها إلى الشأم في غرة المحرم سنة خمس عشرة ومائتين في أتراكه ومعه جمع كثير من الأسرى في ضر وجهد شديد مشاة حفاة أمام الخيالة. قلت: وشجاعة المعتصم معروفة مشهورة تذكر في خلافته ووفاته، وهو الآن ولي عهد أخيه عبد الله المأمون؛ وقبل أن يخرج من مصر مهد أمورها وولى عليها عبدويه بن جبلة وعزل عيسى بن يزيد الجلودي صاحب الترجمة. فكانت ولاية عيسى هذه الثانية على مصر نحواً من ثمانية أشهر تنقص أيّاما. *** [ما وقع من الحوادث سنة 214] السنة التى حكم فيها على مصر عمير بن الوليد ثم عيسى بن يزيد الجلودي ثانياً وهي سنة أربع عشرة ومائتين- فيها قتل الأمير محمد بن الحميد الطوسي في حرب كان «1» بينه وبين أصحاب بابك الخرمي. وفيها أيضاً قتل أبو الداري أمير اليمن. وفيها كانت قتلة عمير بن الوليد صاحب مصر المقدم ذكره. وفيها خرج بلال الشاري «2» وقويت شوكته، فندب الخليفة المأمون لحربه هارون بن أبي خلف فتوجه إليه وقاتله وظفر به وقتله. وفيها ولى المأمون أذربيجان وأصبهان والجبال وحرب بابك الخرّمىّ الأمير علي بن هشام، فتوجه علي المذكور بجيوشه وقاتل بابك وواقعه في هذه السنة غير مرّة.

قلت: وقد طال أمر بابك هذا على الناس وامتدت أيامه وحاربه جماعة كثيرة من أمراء المأمون وتعب الناس من أجله تعبا زائداً وهو لا يكل من الخروج والقتال إلى ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى. وفيها توفي أحمد بن جعفر الحافظ أبو عبد الرحمن الوكيعي الضرير البغدادي، وسمي الوكيعي لملازمته وكيع بن الجراح المقدم ذكره. قال إبراهيم الحربي: كان الوكيعي يحفظ مائة ألف حديث. وفيها توفي الإمام أبو زيد النحوي البصري واسمه سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري، كان إماماً في علم النحو واللغة والأشعار ومذاهب العرب وآبائهم وأيامهم، وكان ثقة حافظاً صدوقاً. وفيها توفي قبيصة بن عقبة الحافظ أبو عامر السوائي هو من بنى عامر ابن صعصعة، كان إماماً حافظاً زاهداً قنوعاً أسند عن سفيان الثوري والحمادين وغيرهم، وروى عنه الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه وغيره. وفيها توفي الوليد بن أبان الكرابيسي المعتزلي، كان من كبار المعتزلة بالبصرة وله في الاعتزال مقالات معروفة يقوي بها مذاهب المعتزلة. قلت: كان من كبار العلماء ذكره المسعودي وأثنى على علمه وفضله. وفيها توفي أبو العتاهية الشاعر المشهور أبو إسحاق إسماعيل بن القاسم بن سويد ابن كيسان العنزي مولاهم الكوفي نزيل بغداد وأصله من سبي عين «1» التمر ولقبوه بأبي العتاهية لاضطراب «2» كان فيه.

وقيل: بل كان يحب الخلاعة فكنى بذلك. وهو أحد فحول الشعراء ونسك فى آخر عمره ومال «1» للزهد والوعظ. مات فى هذه السنة. وقيل: سنة ثلاث عشرة ومائتين وهو الأقوى، وقيل: فى جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة ومائتين وهو الذي ذكره الذهبىّ. ومدح المهدىّ ومن بعده من الخلفاء، ومن مديحه: إنّ المطايا تشتكيك لأنها ... تطوى اليك سباسبا «2» ورمالا فإذا رحلن بنا رحلن مخفّة ... واذا رجعن بنا رجعن ثقالا وله: يا رب إن الناس لا ينصفوننى ... فكيف إذا «3» أنصفتهم ظلمونى وإن كان لى شىء تصدّوا لأخذه ... وإن جئت أبغى سيبهم منعونى وإن نالهم بذلى فلا شك عندهم ... وإن أنا لم أبذل لهم شتمونى وما أحسن قوله: هب الدّنيا تساق إليك عفوا ... أليس مصير ذاك الى زوال الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى أحمد بن خالد الذّهبىّ «4» بحمص، وعبد الله بن عبد الحكم الفقيه بمصر، وسعيد بن سلّام العطّار بالبصرة، ومحمد بن الحميد الطّوسىّ الأمير قتل فى حرب الخرّميّة، وأبو الدّارىّ أمير اليمن قتل أيضا، وعمير الباذغيسىّ نائب مصر خلافة عن المعتصم، قتل فى الحوف فى حرب ابن الجليس وعبد السلام؛ فسار أبو إسحاق بنفسه اليهما فظفر بهما وقتلهما. انتهى كلام الذهبىّ.

ذكر ولاية عبدويه بن جبلة على مصر

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وستة عشر إصبعا، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وعشرون إصبعا ونصف. ذكر ولاية عبدويه بن جبلة على مصر هو عبدويه بن جبلة أصله من الأبناء من قوّاد بنى العباس، ولّاه المعتصم نيابة عنه على صلاة مصر بعد عزل عيسى بن يزيد الجلودىّ عن إمرة مصر فى مستهلّ المحرّم سنة خمس عشرة ومائتين؛ ثم خرج المعتصم بعد ولايته إلى الشأم حسبما تقدّم ذكره؛ وبعد سفر المعتصم تحوّل عبدويه هذا الى المعسكر وسكن به على عادة الأمراء، وجعل على الشّرطة ابنه، وعلى المظالم اسحاق بن اسماعيل بن حمّاد بن زيد؛ ولمّا ولى مصر أخذ فى إصلاح أحوالها وإثبات ما قرّره المعتصم بها من الأمور. وبينما هو فى ذلك خرج عليه أناس من الحوفيّة أيضا من القيسيّة واليمانيّة فى شعبان من السنة، فتهيّأ عبدويه لمحاربتهم وجهّز اليهم جيشا فسار اليهم الجيش وحاربوهم وظفروا بهم بعد أمور ثم حضر اليه بعد ذلك الأفشين حيدر بن كاوس الصّغدىّ الى مصر فى ثالث ذى الحجة من السنة ومعه علىّ بن عبد العزيز الجروىّ لأخذ المال فلم يدفع اليه عبدويه وقاتله «1» ، فخرج الأفشين الى برقة، وصرف عبدويه بن جبلة عن إمرة مصر بعيسى بن منصور بن موسى؛ وبعد عزل عبدويه المذكور عاد الأفشين الى مصر وأقام بها على ما سيأتى ذكره، فكانت ولاية عبدويه بن جبلة على مصر نيابة عن أبى اسحاق محمد المعتصم سنة واحدة.

ما وقع من الحوادث سنة 215

*** [ما وقع من الحوادث سنة 215] السنة التى حكم فيها عبدويه بن جبلة على مصر وهى سنة خمس عشرة ومائتين- فيها وصل أبو إسحاق المعتصم من مصر الى الموصل واجتمع بأخيه الخليفة عبد الله المأمون وعرّفه ما فعل بمصر فشكره على ذلك. وفيها سار المأمون من الموصل الى غزو دابق «1» وأنطاكية فغزاهما وتوجّه إلى الشأم ودخلها وأقام بها، وكتب الى نائبه ببغداد إسحاق بن إبراهيم أن يأخذ الجند بالتكبير اذا صلّوا الجمعة، وبعد الصلوات الخمس اذا قضوا الصلاة أن يصيحوا قياما ويكبّروا ثلاث تكبيرات، ففعل ذلك فى شهر رمضان فقال الناس: هذه بدعة ثالثة. قلت: البدعة الأولى لبس الخضرة وتقريب للعلويّة وإبعاد بنى العباس؛ والثانية القول بخلق القرآن وهى المصيبة العظمى؛ والثالثة هذه. ثم فيها أباح المأمون أيضا المتعة فقال الناس: هذه بدعة رابعة. وفيها غضب المأمون على الأمير علىّ بن هشام وبعث اليه عجيفا «2» وأحمد بن هشام لقبض أمواله. وفيها توفّى الأمير إسماعيل بن جعفر بن سليمان بن علىّ بن عبد الله بن العباس أبو الحسن الهاشمىّ العباسىّ، كان من أعيان بنى العباس وأفاضلهم، وولى الأعمال الجليلة بعدّة بلاد. وفيها توفيت زبيدة بنت جعفر بن أبى جعفر المنصور بن محمد بن علىّ بن عبد الله ابن العباس، أم جعفر الهاشمية العبّاسيّة، واسمها أمة العزيز زوجة هارون الرشيد

وبنت عمّه وأمّ ولده الأمين محمد المقتول بيد طاهر بن الحسين بسيف المأمون، وقد تقدّم ذكر ذلك كلّه. وماتت زبيدة وهى أعظم نساء عصرها دينا وأصلا وجمالا وصيانة ومعروفا، أحصى ما أنفقته فى حجّة واحدة فكان ألفى ألف دينار، قاله أبو المظفّر فى مرآة الزمان. قلت: ولعلّها عمّرت فى هذه الحجّة المصانع التى بطريق الحجاز أو بعضها اهـ. وكان فى قصر زبيدة مائة جارية تقرأ القرآن. فكان يسمع من قصرها دوىّ كدوىّ النّحل من القراءة، ولم تزل زبيدة فى حشمها أيام زوجها الرشيد وفى أيام ولدها محمد الأمين وفى أيام ابن زوجها عبد الله المأمون، لم يتغيّر من حالها شىء الى أن ماتت فى هذه السنة؛ وقيل فى سنة ستّ عشرة ومائتين وهو الأشهر. وأما ما فعلته من المآثر والمصانع بالحجاز وغيره فهو معروف لا يحتاج إلى ذكره هنا، وكانت مع هذا الجمال والحشمة فصيحة لبيبة عاقلة مدبّرة؛ قيل: إنّ المأمون دخل اليها بعد قتل ابنها الأمين يعتذر اليها ويعزّيها فيه ويسكّن ما بها من الحزن، فقال لها: يا ستّاه، لا تأسفى «1» عليه فإنى عوضه لك؛ فقالت: يا أمير المؤمنين، كيف لا آسف «2» على ولد خلّف أخا مثلك! ثم بكت وأبكت المأمون حتى غشى عليه. قلت: ولم يكن قتل الأمين بإرادة أخيه المأمون وانما اقتحمه طاهر بن الحسين وقتله من غير إذن المأمون، وحقد المأمون عليه لذلك ولم يسعه الا السكوت.

ذكر ولاية عيسى بن منصور على مصر

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو زيد الأنصارىّ صاحب العربيّة بالبصرة واسمه سعيد بن أوس، والعلاء بن هلال الباهلىّ بالرّقّة، ومحمد ابن عبد الله الأنصارىّ القاضى بالبصرة، ومكّىّ بن ابراهيم الحنظلىّ ببلخ، وعلىّ ابن الحسن بن شقيق بمرو، ومحمد بن مبارك الصّورىّ بدمشق، وإسحاق بن عيسى ابن الطبّاع ببغداد. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وثمانية عشر إصبعا، مبلغ الزيادة ثلاثة عشر ذراعا وأحد وعشرون إصبعا. ذكر ولاية عيسى بن منصور على مصر هو عيسى بن منصور بن موسى بن عيسى الرافقىّ «1» مولى بنى نصر بن معاوية أمير مصر، وليها من قبل أبى إسحاق محمد المعتصم بعد عزل عبدويه بن جبلة عنها فى مستهلّ سنة ستّ عشرة ومائتين على الصلاة، وسكن عيسى بالمعسكر على عادة الأمراء، وجعل على شرطته أبا المغيث يونس «2» بن ابراهيم. وفى أيام ولايته انتقضت عليه أسفل الأرض بغربها «3» أعنى بالوجه البحرىّ، وانضم الأقباط عليهم وذلك فى جمادى الأولى، وحشدوا وجمعوا فكثر عددهم وساروا نحو الديار المصرية؛ فتجهّز عيسى وجمع العساكر والجند لقتالهم فضعف عن لقائهم وتقهقر بمن معه، فدخلت الأقباط وأهل الغربية مصر وأخرجوا منها عيسى هذا على أقبح وجه لسوء سيرته، وخرج معه أيضا متولّى خراج مصر وخلعوا الطاعة؛ فقدم الأفشين

ما وقع من الحوادث سنة 216

من برقة وتهيّأ لقتال القوم فى النصف من جمادى الآخرة، وانضمّ عليه عيسى ابن منصور هذا ومن انضاف اليه، وتجمعوا وتجهّزوا لقتال القوم وخرجوا فى شوّال وواقعوهم فظفروا بهم بعد أمور وحروب وأسروا وقتلوا وسبوا؛ ثم مضى الأفشين الى الحوف وقاتلهم أيضا لما بلغه عنهم وبدّد جمعهم وأسر منهم جماعة كبيرة بعد أن بضّع فيهم وأبدع؛ ودامت الحروب فى السنة المستمرّة بمصر فى كلّ قليل الى أن قدمها أمير المؤمنين عبد الله المأمون لخمس خلون من المحرّم سنة سبع عشرة ومائتين، فسخط على عيسى بن منصور المذكور وحلّ لواءه وعزله ونسب له كلّ ما وقع بمصر ولعمّاله؛ ثم جهّز العساكر لقتال أهل الفساد وأحضر بين يديه عبدوس الفهرىّ فضربت عنقه لأنه كان أيضا ممن تغلّب على مصر. ثم سار عسكره لقتال أسفل الأرض أهل الغربية والحوف وأوقعوا بهم وسبوا القبط وقتلوا مقاتلتهم وأبادوهم وقمعوا أهل الفساد من سائر أراضى مصر بعد أن قتلوا منهم مقتلة عظيمة، ثم رحل الخليفة المأمون من مصر لثمان عشرة خلت من صفر بعد أن أقام بمصر وأعمالها (مثل سخا «1» وحلوان وغيرهما) تسعة وأربعين يوما؛ وولّى على صلاة مصر كيدر وعلى الشّرطة أحمد بن بسطام الأزدىّ من أهل بخارا. وعمّر المقياس وجسرا آخر بالجزيرة تجاه الفسطاط. *** [ما وقع من الحوادث سنة 216] السنة التى حكم فيها عيسى بن منصور على مصر وهى سنة ست عشرة ومائتين- فيها كرّ المأمون راجعا «2» من العراق الى غزو الروم لكونه بلغه أنّ ملك

الروم قتل خلقا من المسلمين من أهل طرسوس والمصّيصة، فسار اليها حتى وصلها فى جمادى الأولى من السنة فأقام بها الى نصف شعبان؛ وجهّز أخاه أبا إسحاق محمدا المعتصم لغزو الروم فسار وافتتح عدّة حصون، ثم وجّه المأمون أيضا القاضى يحيى ابن أكثم الى جهة أخرى من الروم فتوجّه وأغار وقتل وسبى، ثم رجع المأمون فى آخر السنة الى دمشق وتوجّه منها الى الديار المصرية حسبما تقدّم ذكره ودخلها فى أوّل سنة سبع عشرة ومائتين. وفيها توفى محمد بن عبّاد بن حبيب بن المهلّب بن أبى صفرة، كان من أكابر؟؟؟ مراء، ولى إمرة البصرة والصلاة بها وغيرها، وكان جوادا ممدّحا قدم مرّة على المأمون فقال له: يا محمد أردت أن أولّيك فمنعنى إسرافك فى المال؛ فقال: يا أمير المؤمنين، منع الموجود سوء الظنّ بالمعبود؛ فقال له المأمون: لو شئت أبقيت على نفسك؛ فقال محمد: من له مولى غنىّ لا يفتقر، فاستحسن المأمون ذلك منه وولّاه عملا. وقيل للعتبىّ: مات محمد بن عبّاد؛ فقال: نحن متنا بفقده وهو حىّ بمجده. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى حبّان «1» بن هلال، وعبد الملك بن قريب الأصمعىّ، ومحمد بن كثير المصّيصىّ الصّنعانىّ، والحسن بن سوّار البغوىّ، وعبد الله بن نافع المدنىّ الفقيه، وعبد الصمد بن النعمان البزاز «2» ، ومحمد بن بكّار بن بلال قاضى دمشق، ومحمد بن عبّاد المهلّبىّ أمير البصرة، ومحمد ابن سعيد بن سابق نزيل قزوين، وزبيدة زوجة الرشيد وابنة عمه. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع سواء، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا وعشرة أصابع.

ذكر ولاية كيدر على مصر

ذكر ولاية كيدر على مصر هو كيدر واسمه نصر بن عبد الله وكيدر شهرة غلبت عليه، الأمير أبو مالك الصّغدىّ؛ ولى إمرة مصر بعد عزل عيسى بن منصور فى صفر سنة سبع عشرة ومائتين من قبل المأمون على الصلاة فسكن المعسكر على عادة الأمراء بعد رحيل المأمون، وجعل على شرطته ابن «1» إسبنديار. ثم بعث المأمون برجل من العجم يسمى بابن بسطام على الشّرطة فولى مدّة ثم عزله كيدر لسوء سيرته لرشوة ارتشاها وضربه بالسوط فى صحن الجامع، ثم ولّى ابنه المظفّر عوضه. ودام كيدر على إمرة مصر الى أن ورد عليه كتاب المأمون فى جمادى الآخرة سنة ثمان عشرة ومائتين بأخذ «2» الناس بالمحنة- أعنى بالقول بخلق القرآن- وكان القاضى بمصر يومئذ هارون بن عبد الله الزهرىّ، فأجاب القاضى والشهود، ومن توقّف منهم عن القول بخلق القرآن سقطت شهادته. وأخذ كيدر يمتحن القضاة وأهل الحديث وغيرهم، وكان كتاب المأمون الى كيدر يتضمّن ذلك: «وقد عرف أمير المؤمنين أنّ الجمهور الأعظم والسواد الأكبر من حشو «3» الرعية وسفلة العامّة ممن لا نظر له ولا رويّة ولا استضاءة بنور العلم وبرهانه، أهل جهالة بالله وعمى عنه، وضلالة عن حقيقة دينه، وقصور أن يقدروا الله حقّ قدره، ويعرفوه كنه معرفته، ويفرّقوا بينه وبين خلقه؛ وذلك أنهم ساووا بين الله «4» وبين ما أنزل من القرآن، فأطبقوا على أنه قديم لم يخلقه الله ويخترعه؛ وقد قال تعالى: إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا ، وكلّ ما جعله فقد خلقه؛ كما قال تعالى: وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ؛ وقال تعالى: كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ

ما قَدْ سَبَقَ ؛ فأخبر أنه قصص لأمور أحدثه بعدها. وقال عزّ وجلّ: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ . والله تعالى محكم كتابه ثم مفصّله، فهو خالقه ومبتدعه. ثم انتسبوا الى السنة وأنهم أهل الحقّ والجماعة وأنّ من سواهم أهل الكفر والباطل؛ فاستطالوا بذلك وغرّوا به الجهّال، حتى مال قوم من أهل السمت «1» الكاذب والتخشّع لغير الله الى موافقتهم، فنزعوا الحقّ الى باطلهم واتخذوا دين «2» الله وليجة «3» إلى ضلالهم. الى أن قال: فرأى أمير المؤمنين أنّ أولئك شرّ الأمة المنقوصون من التوحيد حظّا، أوعية الجهالة، وأعلام الكذب، ولسان إبليس الناطق فى أوليائه، والهائل على أعدائه من أهل دين الله؛ وأحقّ أن يتّهم فى صدقه وتطرح شهادته ولا يوثق به. ومن عمى «4» عن رشده وحظه عن الإيمان بالتوحيد، كان عما سوى ذلك أعمى وأضل سبيلا. ولعمر أمير المؤمنين، إن أكذب الناس من كذب على الله ووحيه وتخرّص الباطل ولم يعرف الله حقّ معرفته. فاجمع من بحضرتك من القضاة فاقرأ عليهم كتابنا هذا، وامتحنهم فيما يقولون واكشفهم عما يعتقدون فى خلق الله [القرآن «5» ] وإحداثه، وأعلمهم أنى غير مستعين فى عمل ولا واثق بمن لا يوثق بدينه. فإذا أقرّوا بذلك ووافقوا [عليه «6» ] فمرهم بنظر «7» من بحضرتهم من الشهود ومسألتهم عن علمهم عن القرآن، وترك شهادة من لم يقرّ أنه مخلوق؛ واكتب الينا بما يأتيك عن قضاة أهل أعمالك فى مسألتهم والأمر لهم بمثل ذلك. ثم كتب المأمون بمثل ذلك الى سائر عمّاله والى نائبه على بغداد إسحاق بن إبراهيم الخزاعىّ ابن عمّ طاهر بن الحسين أن يرسل اليه سبعة نفر، وهم: محمد بن سعد كاتب الواقدىّ، ويحيى بن معين، وأبو خيثمة، وأبو مسلم مستملى يزيد

ابن هارون، واسماعيل بن داود، واسماعيل بن أبى مسعود، وأحمد بن إبراهيم الدّورقىّ؛ فأشحصوا اليه، فامتحنهم بخلق القرآن فأجابوه فردّهم من الرّقة الى بغداد؛ وكانوا توقّفوا أوّلا ثم أجابوه خوفا من العقوبة. ثم كتب المأمون أيضا الى إسحاق بن ابراهيم المذكور بأن يحضر الفقهاء ومشايخ الحديث ويخبرهم «1» بما أجاب به هؤلاء السبعة؛ ففعل ذلك، فأجابه طائفة وامتنع آخرون. ثم كتب اليه كتابا آخر من جنس الأوّل وأمره بإحضار من امتنع فأحضر جماعة: منهم أحمد بن حنبل رضى الله عنه، وبشر بن الوليد الكندىّ، وأبو حسّان الزّيادىّ، وعلىّ بن أبى مقاتل، والفضل بن غانم، وعبيد الله بن عمر القواريرىّ، وعلىّ بن الجعد، وسجّادة- واسمه الحسن بن حمّاد- والذّيّال بن الهيثم، وقتيبة بن سعيد «2» ، وكان حينئذ ببغداد، وسعدويه الواسطىّ، وإسحاق بن أبى إسرائيل وابن الهرش، وابن عليّة الأكبر، ومحمد بن نوح العجلىّ، ويحيى بن عبد الرحمن العمرىّ، وأبو نصر التمّار، وأبو معمر القطيعىّ، ومحمد بن حاتم بن ميمون وغيرهم؛ وعرض عليهم كتاب المأمون فعرّضوا وورّوا ولم يجيبوا ولم ينكروا؛ فقال لبشر بن الوليد: ما تقول؟ قال: قد عرّفت أمير المؤمنين غير مرّة؛ قال: فالآن قد تجدّد من أمير المؤمنين كتاب؛ قال: أقول: كلام الله؛ قال: لم أسألك عن هذا، أمخلوق هو؟ قال: ما أحسن غير هذا الذي قلت لك، إنى قد استعهدت أمير المؤمنين أنى لا أتكلّم فيه. ثم قال لعلىّ بن أبى مقاتل: ما تقول؟ قال: القرآن كلام الله، وإن أمرنا أمير المؤمنين بشىء سمعنا وأطعنا. ثم أجاب أبو حسّان الزيادىّ بنحو من ذلك. ثم قال لأحمد بن حنبل رضى الله عنه: ما تقول؟ قال: كلام الله، قال: أمخلوق هو؟ قال: هو كلام الله لا أزيد على ذلك.

قلت: والامام أحمد بن حنبل رضى الله عنه هو أعظم من قام فى إظهار السنّة وثبّته الله على ذلك، ولولاه لفسدت عقائد جماعة كثيرة، وقد تداولته الخلفاء بالعقوبة على القول بخلق القرآن وهو يمتنع من ذلك أشدّ امتناع، ويأتى بالأدلّة القاطعة، الى أن خلّصه الله منهم وهو على كلمة الحق. ثم قال لابن البكّاء الأكبر: ما تقول؟ قال: أقول القرآن مجعول ومحدث لورود النص بذلك؛ فقال إسحاق ابن ابراهيم: والمجعول مخلوق! قال نعم؛ قال: فالقرآن مخلوق! قال: لا أقول مخلوق. ثم وجّه إسحاق بن إبراهيم بجواباتهم الى المأمون. فورد عليه كتاب المأمون: بلغنا ما أجاب به متصنّعة أهل القبلة وملتمسو الرياسة فيما ليسوا له بأهل؛ فمن لم يجب بأنه مخلوق فامنعه من الفتوى والرواية «1» . ثم قال فى الكتاب: وأمّا ما قال بشر فقد كذب، لم يكن جرى بينه وبين أمير المؤمنين فى ذلك عهد أكثر من إخباره أمير المؤمنين من اعتقاده كلمة الاخلاص والقول بأن القرآن مخلوق. فادع به اليك فإن تاب فاشهر أمره، وان أصرّ على شركه ودفع أن يكون القرآن مخلوقا بكفره وإلحاده، فاضرب عنقه وابعث الينا برأسه؛ وكذلك ابراهيم. وأما علىّ بن أبى مقاتل فقل له: ألست القائل لأمير المؤمنين: إنك تحلّل وتحرّم. وأما الذيّال فأعلمه أنه كان فى الطعام الذي سرقه من الأنبار ما يشغله. وأمّا أحمد بن يزيد وقوله: إنه لا يحسن الجواب فى القرآن، فأعلمه أنه صبىّ فى عقله لا فى سنّه، جاهل «2» سيحسن الجواب اذا أدّب، ثم إن لم يفعل كان السيف من وراء ذلك. وأمّا أحمد بن حنبل فأعلمه أن أمير المؤمنين قد عرف فحوى مقالته واستدلّ على جهله وآفته بها. وأمّا الفضل

ابن غانم، فأعلمه أنه لم يخف على أمير المؤمنين ما كان منه بمصر وما اكتسب من الأموال فى أقل من سنة، يعنى فى ولايته القضاء. وأمّا الزّيادىّ فأعلمه واذكر له ما يشينه «1» . وأمّا أبو نصر التّمّار فانّ أمير المؤمنين شبّه خساسة عقله بخساسة «2» متجره. وأمّا ابن نوح وابن حاتم [والمعروف «3» بأبى معمر] ، فأعلمهم أنهم مشاغيل بأكل الربا عن الوقوف على التوحيد، وأنّ أمير المؤمنين لو لم يستحلّ «4» محاربتهم فى الله [ومجاهدتهم «5» إلا لإربائهم «6» ] وما نزل به كتاب الله فى أمثالهم لاستحلّ ذلك، فكيف بهم وقد جمعوا مع «7» الإرباء شركا وصاروا للنصارى شبها! ثم ذكر لكل واحد منهم شيئا وبّخه به. حتى قال: ومن لم يرجع عن شركه ممن سمّيت بعد بشر وابن المهدىّ فآحملهم موثقين الى عسكر أمير المؤمنين ليسألهم، فإن لم يرجعوا حملهم على السيف؛ قال: فأجابوا كلّهم عند ذلك الا أحمد بن حنبل وسجّادة ومحمد بن نوح والقواريرىّ، فأمر بهم فقيّدوا، ثم سألهم من الغد وهم فى القيود؛ فأجاب سجادة، ثم عاودهم بالثانى فأجاب القواريرىّ. فوجّه بأحمد بن حنبل ومحمد بن نوح. ثم بلغ المأمون أنهم إنما أجابوا مكرهين، فغضب وأمر بإحضارهم اليه؛ فلما صاروا الى الرقّة بلغهم وفاة المأمون، وكذا «8» ورد الخبر على أحمد بن حنبل. وأمّا محمد بن نوح فكان عديلا لأحمد بن حنبل فى المحمل فمات، فوليه أحمد وصلّى عليه ودفنه. هذا ما كان بالعراق. وأمّا مصر، فبينما كيدر فى امتحان علمائها وفقهائها ورد عليه الخبر بموت المأمون فى شهر رجب قبل أن يقبض على من طلبه المأمون، وأنّ المعتصم محمدا بويع بالخلافة

ما وقع من الحوادث سنة 217

من بعده. ثم عقيب ذلك ورد على كيدر كتاب المعتصم ببيعته ويأمره بإسقاط من فى الديوان من العرب وقطع العطاء عنهم، ففعل كيدر ذلك؛ فخرج يحيى بن الوزير الجروىّ «1» فى جمع من لخم وجذام عن الطاعة، فتجهز كيدر لحربهم، فأدركته المنية ومات فى شهر ربيع الآخر سنة تسع عشرة ومائتين، واستخلف ابنه المظفّر بن كيدر بعده على مصر، فأقرّه المعتصم على إمرة مصر؛ فكانت ولايته على مصر سنتين [وشهرين «2» ] تنقص أياما. *** [ما وقع من الحوادث سنة 217] السنة الأولى التى ولى فيها كيدر على مصر وهى سنة سبع عشرة ومائتين- فيها خرج المأمون من مصر وتوجّه الى الشأم ثم غزا الروم وأقبل ملك الروم توفيل فى جيوشه فجهز المأمون لحربه الجيوش، ثم كتب توفيل للمأمون كتابا يطلب فيه الصلح فبدأ بنفسه فى المكاتبة وأغلظ فاستشاط المأمون غضبا وقصد الروم فكلموه فى هجوم الشتاء ووعدوه للقابل فثنى عزمه. وفيها وقع حريق عظيم بالبصرة، يقال: إنه أتى على أكثرها، وكان حريقا عظيما فوق الوصف. وفيها قتل المأمون عليا وحسينا ابنى هاشم بأذنة «3» فى جمادى الأولى لسوء سيرته «4» .

ما وقع من الحوادث سنة 218

وفيها توفى عمرو بن مسعدة بن صول أبو الفضل الصّولىّ أحد كتاب المأمون وخاصته، وكان جوادا ممدّحا فاضلا نبيلا جليلا. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى حجّاج بن منهال الأنماطىّ بالبصرة، وشريح بن النعمان الجوهرىّ، وموسى بن داود الضّبّىّ الكوفىّ ببغداد، وهشام بن إسماعيل العطّار العابد بدمشق، وعمرو بن مسعدة أبو الفضل الصّولىّ كاتب الإنشاء للمأمون- وقد ذكرناه- وإسماعيل بن مسلمة أخو القعنبىّ بمصر. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وستة أصابع، مبلغ الزيادة أربعة عشر ذراعا وستة أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 218] السنة الثانية من ولاية كيدر على مصر وهى سنة ثمان عشرة ومائتين- فيها اهتمّ المأمون ببناء طوانة «1» وجمع فيها الرجال والصّنّاع وأمر ببنائها ميلا فى ميل، وقرّر ولده العباس على بنائها وغرم عليها أموالا عظيمة، وهى على فم الدّرب مما يلى طرسوس، ثم افتتح المأمون عدّة حصون. وفيها كانت المحنة العظيمة المقدّم ذكرها، أعنى القول بخلق القرآن، وأجاب غالب علماء الدنيا بذلك ما خلا جماعة يسيرة؛ وعظم البلاء بالعلماء وضربوا وأهينوا وردعوا «2» بالسيف وغيره، فلم يكن بعد ذلك الا أيام يسيرة ومرض المأمون ببلاد الروم، ولم يزل مرضه يزداد به الى أن مات.

ذكر وفاته ونسبه

ذكر وفاته ونسبه هو الخليفة أمير المؤمنين أبو العباس عبد الله المأمون ابن الخليفة هارون الرشيد ابن الخليفة محمد المهدىّ ابن الخليفة أبى جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علىّ بن عبد الله بن عباس الهاشمىّ العباسىّ البغدادىّ، ولد سنة سبعين ومائة قبل أخيه الأمين محمد بن زبيدة بشهر عند ما استخلف أبوه الرشيد، وأمّه أمّ ولد تسمّى مراجل، ماتت أيام نفاسها به. بويع بالخلافة بعد قتل أخيه الأمين محمد فى أواخر سنة خمس وتسعين ومائة وغيّر لقبه بأبى جعفر «1» وكان أوّلا أبا العباس؛ وكان نبيلا قرأ العلم فى صغره وسمع من هشيم وعبّاد بن العوّام ويوسف ابن عطيّة وأبى معاوية الضّرير وطبقتهم، وبرع فى الفقه على مذهب أبى حنيفة رضى الله عنه والعربية وأيام الناس. ولما كبر عنى بالفلسفة وعلوم الأوائل ومهر فيها، فجرّه ذلك لقوله بخلق القرآن؛ فكان من رجال بنى العباس حزما وعزما وحلما وعلما ورأيا ودهاء وهيبة وشجاعة وسؤددا وسماحة، لولا أنه شان ذلك كلّه بقوله بخلق القرآن. قال ابن أبى الدنيا: كان المأمون أبيض ربعة حسن الوجه يعلوه صفرة قد وخطه الشيب، أعين «2» طويل اللحية رقيقها ضيّق الجبين على خدّه خال. وعن إسحاق الموصلىّ قال: كان المأمون قد سخط على الحسين الخليع الشاعر لكونه هجاه عند ما قتل الأمين؛ فبينما أنا ذات يوم عند المأمون اذ دخل الحاجب برقعة فاستأذن فى إنشادها، فأذن له، فأنشد قصيدة أوّلها:

أجزنى «1» فإنى قد ظمئت إلى الوعد ... متى ينجز الوعد المؤكّد بالعهد الى أن قال: رأى الله عبد الله خير عباده ... فملّكه والله أعلم بالعبد ألا إنما المأمون للناس عصمة ... مميّزة بين الضلالة والرّشد فقال له المأمون: أحسنت، فقال الحاجب: أحسن قائلها، قال: ومن هو؟ قال: عبدك الحسين بن الضحاك؛ فقال المأمون: لا حيّاه الله! أليس هو القائل: فلا تمّت الأشياء بعد محمد ... ولا زال شمل الملك فيها مبدّدا ولا فرح المأمون بالملك بعده ... ولا زال فى الدنيا طريدا مشرّدا هذه بتلك ولا شىء له عندنا. قال الحاجب: فأين عادة عفو أمير المؤمنين؟ قال: أمّا هذه فنعم، ائذنوا له. فدخل الحسين فقال له المأمون: هل عرفت يوم قتل أخى الأمين أن هاشميّة هتكت؟ قال: لا، قال: فما معنى قولك: وممّا «2» شجا قلبى وكفكف عبرتى ... محارم من آل الرسول استحلّت ومهتوكة بالخلد «3» عنها سجوفها ... كعاب «4» كقرن الشمس حين تبدّت فلا بات ليل الشامتين بغبطة ... ولا بلغت آمالهم ما تمنّت

فقال: يا أمير المؤمنين، لوعة غلبتنى، وروعة فاجأتنى، ونعمة استلبتها بعد أن غمرتنى، فإن عاقبت فبحقّك وإن عفوت فبفضلك؛ فدمعت عينا المأمون وأمر له بجائزة. ومما ينسب الى المأمون من الشعر قوله: لسانى كتوم لأسراركم ... ودمعى نموم لسرّى مذيع فلولا دموعى كتمت الهوى ... ولولا الهوى لم تكن لى دموع وكانت وفاة المأمون فى يوم الخميس لاثنتى عشرة ليلة بقيت من شهر رجب وحمل الى طرسوس فدفن بها. وكان المأمون حليما عادلا. قيل: إن بعض المشايخ كتب إليه «1» رقعة فيها مرافعة فى إنسان، فكتب عليها المأمون: السّعاية قبيحة وإن كانت صحيحة، فإن كنت أخرجتها من النّصح، فخسرانك فيها أكثر من الرّبح؛ وأنا لا أسعى فى محظور ولا أسمع قول مهتوك فى مستور؛ ولولا أنت فى خفارة شيبك لعاقبتك على جريرتك مقابلة تشبه أفعالك. وكتب بعضهم إلى المأمون رقعة فيها: إن رجلا مات وخلّف مالا عظيما وليس له وارث إلا طفل مرضع، وإن تحكّم القضاء فيه أضاع ماله، وأمير المؤمنين أولى به. قال: فأخذ الرقعة وكتب على ظهرها، الطفل حبّره الله وأنشاه، والمال ثمّره الله وأنماه، والميّت رحمه الله ورضى عنه وأرضاه؛ وأمّا الساعى لى فى أخذه فلعنه الله وأخزاه. وقيل: إنه لما مات عمرو بن مسعدة وزير المأمون رفعت اليه رقعة: أن عمرا المذكور خلّف ثمانين ألف ألف دينار. فوقّع المأمون على ظهرها: هذا قليل لمن اتصل بنا وطالت خدمته لنا. وقيل: إن رجلا قدّم الى المأمون رقعة فيها مظلمة، وكان المأمون راكبا بغلة فنفرت منه فألقت المأمون عن ظهرها إلى الأرض فأوهنته؛ فقال: والله لأقتلنّك،

(قالها ثلاث مرّات) ؛ فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، إن الملهوف يركب الخطر وهو عالم بركوبه، وينسى الأدب وهو غير جاهل به، ولو أحسنت الأيام إنصافا لأحسنت التقاضى، ولأن تلقى الله يا أمير المؤمنين حانثا فى يمينك خير من أن تلقاه قاتلا لى. فأعجب المأمون كلامه وأمر بإزالة ظلامته. وفيها توفى إبراهيم بن إسماعيل أبو إسحاق البصرىّ الأسدىّ المعتزلىّ، كان يعرف بابن عليّة، وهو أيضا من القائلين بخلق القرآن؛ وله مع الشافعىّ مناظرات فى الفقه بمصر، ومع أحمد بن حنبل مناظرات ببغداد بسبب القرآن. فكان الإمام أحمد بن حنبل يقول: ابن عليّة ضالّ مضلّ. ومات بمصر ليلة عرفة. وكان من أعيان علماء عصره. وفيها توفّى بشر بن غياث بن أبى كريمة أبو عبد الرحمن المرّيسىّ «1» مولى زيد ابن الخطاب، كان أبوه يهوديا يسكن ببغداد، وتفقّه هو بالقاضى أبى يوسف حتى برع فى علوم كثيرة، ثم اشتغل بعلم الكلام والقول بخلق القرآن. وكان أبو زرعة الرازىّ يقول: بشر بن غياث زنديق. قلت: ذكر أن عبد الله بن المبارك رأى فى منامه زبيدة وفى وجهها أثر صفرة، فقال لها: ما فعل الله بك؟ قالت: غفر لى فى أوّل معول ضرب بطريق مكة؛ فقال: فما هذه الصّفرة التى فى وجهك؟ فقالت: دفن بين أظهرنا رجل يقال له بشر المرّيسىّ زفرت عليه جهنّم زفرة فاقشعرّ الجلد منّى بسببها، فهذه الصفرة من تلك الزفرة. وفيها توفّى الشيخ الصالح الزاهد علىّ الجرجانىّ كان يسكن جبال لبنان. قال بشر الحافى: رأيته يوما على عين ماء، فهرب منّى وقال: بذنب منّى رأيت

ذكر ولاية المظفر بن كيدر على مصر

اليوم إنسانا؛ فعدوت خلفه وقلت: أوصنى؛ فقال: عانق الفقر، عاشر الصبر، وعاد الهوى، وعاقّ الشهوات. وفيها توفّى محمد بن نوح بن ميمون بن عبد الحميد العجلىّ صاحب الإمام أحمد ابن حنبل، كان عالما زاهدا مشهورا بالسنّة والدّين، امتحن بخلق القرآن فثبت على السّنّة حتى حمل هو والإمام أحمد فى القيود الى المأمون فمات محمد فى الطريق بعانة «1» قبل أن ينظر وجه المأمون. وقد تقدّم ذكره فى أوّل ترجمة كيدر صاحب مصر بأوسع من هذا، رحمه الله أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع واثنان وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا سواء. ذكر ولاية المظفّر بن كيدر على مصر هو المظفّر بن كيدر أمير مصر، ولى إمرة مصر بعد موت أبيه كيدر باستخلافه، وأقرّه المعتصم على عمل مصر وذلك فى شهر ربيع الآخر سنة تسع عشرة ومائتين، وسكن المعسكر على عادة الأمراء وتمّ أمره؛ فخرج عليه يحيى بن الوزير الذي كان خرج على أبيه أيضا قبل موته بمدّة يسيرة، فتهيّأ المظفّر هذا لقتاله وحشد وجمع الجند والعساكر وخرج من مصر حتى التقى مع يحيى بن الوزير المذكور وقاتله، فكانت بينهم وقعة هائلة انكسر فيها يحيى بن الوزير المذكور وظفر به المظفّر هذا، وذلك فى جمادى الآخرة من سنة تسع عشرة ومائتين. ولمّا ولى المعتصم الخلافة أنعم بولاية مصر على أبى جعفر أشناس، ودعى لأشناس على منابر مصر، وبعد مدّة يسيرة صرف أشناس المظفّر هذا عن إمرة مصر فى شعبان من السنة، وولى مصر، بعده موسى بن أبى العباس. وكانت ولاية المظفّر على مصر نحوا من أربعة أشهر

ما وقع من الحوادث سنة 219

تخمينا، على أنه لم يهنأ له بها عيش من كثرة ما وقع له من الحروب والوقائع فى هذه المدّة اليسيرة، مع أنه ورد عليه كتاب المعتصم يذكر له أن يمتحن العلماء بخلق القرآن بمصر فامتحن جماعة. وبالجملة فكانت أيّامه على مصر قليلة ووقائعه وشروره كثيرة. *** [ما وقع من الحوادث سنة 219] السنة التى حكم فى أوّلها كيدر وفى آخرها ابنه المظفّر على مصر وهى سنة تسع عشرة ومائتين- فيها كانت ظلمة شديدة بين الظهر والعصر وزلازل هائلة. وفيها ظهر محمد بن القاسم العلوىّ الحسينىّ بالطّالقان «1» يدعو الى الرّضى من آل محمد فاجتمع عليه خلق، فأرسل عبد الله بن طاهر له جيوشا فواقعوه عدّة وقعات حتى انهزم محمد، وقصد كورة خراسان فظفر به متولّى نسا «2» فقيّده وبعث به الى ابن طاهر فأرسله الى المعتصم فحبسه، فهرب من السجن ليلة عيد الفطر واختفى فلم يقع له المعتصم على أثر ولا خبر. وفيها فى جمادى الأولى قدم بغداد إسحاق بن إبراهيم بسبى عظيم من أهل الخرّميّة الذين أوقع بهم بهمذان. وفيها عاثت الزّطّ بنواحى البصرة فانتدب لحربهم عجيف بن عنبسة فظفر بهم وقتل منهم نحو ثمانمائة، ثم جرت له معهم بعد ذلك حروب، وكانت عدّتهم خمسة «3» آلاف. وفيها امتحن الخليفة المعتصم أحمد بن حنبل بالقول بخلق القرآن وعاقبه رضى الله عنه، ووقع له أمور يطول شرحها من المناظرات والأسئلة، فثبّته الله على الحق.

ذكر ولاية موسى بن أبى العباس على مصر

وفيها حجّ بالناس العباس بن محمد بن علىّ العباسىّ. وفيها توفّى على بن عبيدة أبو الحسن الكاتب المعروف بالرّيحانىّ، كان أديبا فصيحا بليغا، صنّف الكتب فى الحكم والأمثال واختصّ بالمأمون. ومن شعره قوله: تهنّ بمنزليك وجود بذل ... سعودك فيهما خبرا وخبرا فمن دار السعادة كلّ يوم ... إلى دار الهنا وهلمّ جرّا وفيها توفّى محمد بن على بن موسى بن جعفر بن محمد بن علىّ بن الحسين بن على ابن أبى طالب أبو جعفر، وقيل: أبو محمد، وكان يلقّب بالجواد وبالمرتضى وبالقانع؛ ولد سنة خمس وتسعين ومائة، وكان خصيصا عند المأمون، وزوّجه المأمون بابنته أمّ الفضل، وكان يعطيه فى كل سنة ألف ألف درهم؛ ومات لخمس ليال بقين من ذى الحجّة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى علىّ بن عيّاش الألهانى بحمص، وأبو بكر عبد الله بن الزّبير الحميدىّ بمكّة، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وأبو غسّان مالك بن اسماعيل النّهدىّ بالكوفة، وإبراهيم بن حميد الطويل، وسعد بن شعبة بن الحجّاج بالبصرة، وأبو الأسود النّضر بن عبد الجبار بمصر، وسليمان ابن داود الهاشمىّ، وغسّان بن الفضل الغلانىّ ببغداد. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وإصبع واحد، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا وعشرة أصابع ونصف. ذكر ولاية موسى بن أبى العبّاس على مصر هو موسى بن أبى العباس ثابت، ولى إمرة مصر نيابة عن أشناس بعد عزل المظفّر بن كيدر عنها فى مستهلّ شهر رمضان سنة تسع عشرة ومائتين، ولى

ما وقع من الحوادث سنة 220

على الصلاة وجمع له الخراج فى بعض الأجيان. ولما ولى مصر سكن بالمعسكر على عادة الأمراء، واستعمل على الشّرطة بعض حواشيه، وحسنت أيّامه وطالت وسكنت الشرور والفتن بآخر أيامه، فإنه فى أوّل الأمر خالفه بعض أهل الحوف ووقع له معهم أمور حتى سكن الأمر وصلح، على أنه كان فى أيام المحنة بخلق القرآن، وأباد فقهاء مصر وعلماءها إلى أن أجاب غالبهم بالقول بخلق القرآن. ودام على إمرة مصر نائبا لأبى جعفر أشناس الى أن صرف عنها فى شهر ربيع الآخر سنة أربع وعشرين ومائتين. وكانت ولايته على إمرة مصر أربع سنين وسبعة أشهر، وولّى أشناس على إمرة مصر بعده مالك بن كيدر الصّغدىّ. وأما التعريف بأشناس فإنه كان من كبار القوّاد بحيث إن المعتصم جعله فى فتح عمّوريّة من بلاد الروم على مقدّمته، ويتلوه محمد بن إبراهيم بن مصعب وعلى ميمنته إيتاخ القائد، وعلى ميسرته جعفر بن دينار بن عبد الله الخيّاط، وعلى القلب عجيف بن عنبسة. وفيما ذكرناه كفاية لمعرفة مقام أشناس عند الخلفاء. *** [ما وقع من الحوادث سنة 220] السنة الأولى من ولاية موسى بن أبى العباس على مصر وهى سنة عشرين ومائتين- فيها عقد الخليفة المعتصم على حرب بابك الخرّمىّ، وعلى بلاد الجبال للأفشين، واسمه حيدر بن كاوس، فتجهّز الأفشين وحشد وجمع وسار لحرب بابك وغيره. وفيها وجّه المعتصم أبا سعيد محمد بن «1» يوسف الى أردبيل «2» لعمارة الحصون التى خرّبها بابك فى أيّام عصيانه.

قلت: وقد أفسد بابك هذا فى مدّة عصيانه مدنا كثيرة وأخرب عدّة حصون وأباد العالم، وعجزت الخلفاء والملوك عنه لفراره؛ وطالت أيامه نحو العشرين سنة أو أكثر. وفيها بنى المعتصم مدينة سرّ من رأى وسكنها، وهى التى تسمّى أيضا سامرّا. وسبب بنائه لهذه المدينة كثرة مماليكه الأتراك، لأنهم كثروا وتولّعوا بحرم الناس، فشكا أهل بغداد ذلك للمعتصم وقالوا له: تحوّل عنّا وإلا قاتلناك؛ قال: وكيف تقاتلونى وفى عسكرى ثمانون ألف دارع «1» ! قالوا: نقاتلك بسهام الليل- يعنون الدعاء- فقال المعتصم: والله مالى بها طاقة، فبنى لذلك سرّ من رأى وسكنها. وفيها أسر عجيف جماعة من الزّطّ وقدم بهم بغداد، وكانت عدّتهم سبعة وعشرين ألفا؛ المقاتلة منهم اثنا عشر ألفا. قاله صاحب المرآة. وفيها غضب المعتصم على وزيره الفضل بن مروان وصادره وأخذ منه أموالا عظيمة تفوق الوصف، حتى قيل: إنه أخذ منه عشرة آلاف ألف دينار، واستأصله وأهل بيته ونفاه الى قرية بطريق الموصل؛ وولّى بعده الوزارة محمد بن عبد الملك ابن الزيّات. وفيها اعتنى المعتصم باقتناء الترك، فبعث الى سمرقند وفرغانة والنواحى لشرائهم وبذل فيهم الأموال وألبسهم أنواع الدّيباج ومناطق الذهب، وأمعن فى شرائهم حتى بلغت عدّتهم ثمانية آلاف مملوك، وقيل: ثمانية عشر ألفا، وهو الأشهر؛ ولأجلهم بنى مدينة سامرّا، كما تقدّم ذكره.

ذكر بناء مدينة سامرا على سبيل الاختصار

ذكر بناء مدينة سامرّا على سبيل الاختصار ولمّا ولى المعتصم وكثرت مماليكه صاروا يؤذون الناس، فكانوا يطردون خيلهم الى بغداد فيصدم أحدهم المرأة والشيخ الكبير والصغير، فعظم ذلك على أهل بغداد فكلّموا المعتصم، كما تقدّم ذكره، فعزم على التحوّل من بغداد، فخرج من بغداد وتنقّل على دجلة والقاطول، وهو نهر منها، فانتهى الى موضع فيه دير لرهبان؛ فرأى فضاء واسعا جدّا والهواء طيّبا فاستمرأه وتصيّد به ثلاثا، فوجد نفسه يطلب أكثر من أكله، فعلم أن ذلك لتأثير الهواء والتّربة والماء؛ فاشترى من أهل الدّير أرضهم بأربعة آلاف دينار وأسّس قصره بالوزيرية التى ينسب اليها التّين الوزيرىّ، وجمع الفعلة والصّنّاع من الممالك، ونقل اليها أنواع الأشجار والغروس، واختطّت الخطط والدّروب، وجدّوا فى بنائها، وشيّدت القصور، واستنبطت اليها المياه من دجلة وغيرها؛ وتجامع الناس بها فقصدوها وسكنوها، فكثرت بها المعايش الى أن صارت من أعظم البلدان. وفيها ظهر إبراهيم النّظّام وقرّر مذهب الفلاسفة وتكلّم فى القدر فتبعه خلق. وفيها حجّ بالناس صالح بن العبّاس بن محمد بن على العباسىّ. وفيها توفى خلف بن أيوب أبو سعيد العامرىّ البلخىّ الامام الفقيه الحنفىّ مفتى أهل بلخ وخراسان، وكان إماما زاهدا ورعا؛ أخذ الفقه عن القاضى أبى يوسف يعقوب وابن أبى ليلى، وأخذ الزهد عن إبراهيم بن أدهم. وانتهت اليه رياسة المذهب فى زمانه، رحمه الله تعالى. وفيها توفى سليمان بن داود بن علىّ بن عبد الله بن العبّاس الأمير أبو أيوب الهاشمىّ العبّاسىّ، كان صالحا زاهدا عفيفا جوادا. قال الشافعىّ: ما رأيت أعقل

ما وقع من الحوادث سنة 221

من رجلين: أحمد بن حنبل وسليمان بن داود الهاشمىّ. وفيها توفى فتح بن سعيد أبو نصر الموصلىّ، كان من أقران بشر الحافى وسرىّ السّقطىّ؛ كان زاهدا عابدا كبير الشأن. قال فتح: صحبت ثلاثين شيخا كانوا يعدّون من الأبدال وكلّهم أوصانى عند فراقى له: إياك ومعاشرة الأحداث. وفيها توفى الحافظ أبو نعيم الفضل بن دكين، ودكين اسمه عمرو بن حمّاد بن زهير بن درهم مولى أبى طلحة بن عبد الله التّيمىّ، ولد سنة ثلاثين ومائة؛ وهو أحد الأعلام المشهورين بعلم الحديث المتقدّمين فيه. وفيها توفى قالون المقرئ واسمه عيسى وكنيته أبو موسى، كان إماما عالما انتهت اليه الرياسة فى النحو والعربية والقراءة فى زمانه بالحجاز، وهو أحد أصحاب نافع، ورحل اليه الناس وطال عمره وبعد صيته. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وإصبعان، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وسبعة عشر إصبعا ونصف. *** [ما وقع من الحوادث سنة 221] السنة الثانية من ولاية موسى بن أبى العباس على مصر وهى سنة إحدى وعشرين ومائتين- فيها تكامل بناء مدينة سرّ من رأى. وفيها ولى إمرة مكّة محمد ابن داود بن عيسى العباسىّ، ووقع فى ولايته بمكّة حروب وفتن. وفيها كانت وقعة كبيرة بين بغا الكبير المعتصمىّ وبين بابك الخرّمىّ انهزم فيها بابك. وفيها توفى ابراهيم بن شمّاس أبو إسحاق السّمرقندى الإمام الزاهد الورع، كان ثقة ثبتا شجاعا بطلا عظيم الهامة؛ خرج من مدينة سمرقند غازيا، فالتقاه الترك فقتلوه فى المحرّم من السنة. وفيها توفى عيسى بن أبان بن صدقة الإمام القاضى أبو موسى

ما وقع من الحوادث سنة 222

الحنفىّ، كان عالما سخيّا جدّا، كان يقول: والله لو أتيت برجل يفعل فى ماله كفعلى لحجرت عليه؛ وكان مع كرمه من أعيان الفقهاء، وولى القضاء سنتين. وفيها توفى أبو جعفر المحوّلىّ الزاهد العابد، كان يسكن بباب المحوّل فعرف به؛ كان يقول: حرام على قلب مأسور بحبّ الدنيا أن يسكنه الورع، وحرام على نفس مغرمة برياء الناس أن تذوق حلاوة الآخرة، وحرام على كل عالم لم يعمل بعلمه أن تنجده التقوى. وفيها كان الطاعون بالبصرة، ذكره ابن الجوزىّ فى المنتظم «1» فقال: كان لشخص تسعة أولاد فماتوا فى يوم واحد. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى أبو اليمان الحمصىّ، وعاصم بن علىّ بن عاصم، والقعنبىّ، وعبدان المروزىّ واسمه عبد الله بن عثمان، وهشام بن عبيد الله الرازىّ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وخمسة عشر إصبعا، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وأحد وعشرون إصبعا ونصف إصبع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 222] السنة الثالثة من ولاية موسى بن أبى العباس على مصر وهى سنة اثنتين وعشرين ومائتين- فيها كانت وقعة الأفشين مع الكافر بابك الخرّمىّ، فهزمه الأفشين واستباح عسكره وهرب بابك، ثم أسروه بعد فصول طويلة؛ وكان بابك من أبطال زمانه وشجعانهم، عاث فى البلاد وأفسد، وأخاف الإسلام وأهله، وغلب على أذربيجان وغيرها، وأراد أن يقيم ملّة المجوس؛ وظهر فى أيامه المازيّار القائم بملّة المجوس بمدينة

ما وقع من الحوادث سنة 223

طبرستان فعظم شرّه؛ وكان الخليفة المعتصم قد جعل لمن جاء به حيّا ألفى ألف درهم، ولمن جاء برأسه ألف ألف درهم، فجاء به سهل البطريق، فأعطاه المعتصم ألفى ألف درهم وحطّ عنه خراج عشرين سنة؛ ثم قتل بابك فى سنة ثلاث وعشرين ومائتين (أعنى فى الآتية) . ولما أدخل بابك مقيّدا الى بغداد انقلبت بغداد الكبير والضّجيج «1» ، فلله الحمد. وفيها توفى أحمد بن الحجّاج الشّيبانىّ ثم الذّهلىّ، كان إماما عالما فاضلا ثقة. قدم الى بغداد وحدّث بها عن عبد الله بن المبارك وغيره، وروى عنه محمد بن اسماعيل البخارىّ، وكان الإمام أحمد يثنى عليه. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى عمر بن حفص ابن غياث، وخالد بن نزار الأيلىّ «2» ، وأحمد بن محمد الأزرقىّ الذي ذكرناه فى الطبقة الماضية، وعلى بن عبد الحميد، ومسلم بن ابراهيم، والوليد بن هشام القحذمىّ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وتسعة أصابع، مبلغ الزيادة أربعة عشر ذراعا واثنان وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 223] السنة الرابعة من ولاية موسى بن أبى العباس على مصر وهى سنة ثلاث وعشرين ومائتين- فيها قدم الأفشين بغداد فى ثالث صفر ببابك الكافر الخرّمىّ وأخيه، وكان المعتصم يبعث للأفتين منذ توجّه الى بغداد فى كلّ يوم خلعة وفرسا بفرحته ببابك. ومن عظم فرح المعتصم وعنايته بأمر بابك رتّب البريد من سرّ من رأى الى الأفشين

بحيث إن الخبر يأتيه من مسيرة شهر فى أربعة أيام. وكان بابك يقول بتناسخ الأرواح ويستحلّ البنت وأمّها. وقد تقدّم فى العام الماضى أنّ المعتصم أعطى لمن أحضره الى بغداد ألفى ألف درهم. ولمّا أن أراد المعتصم قتل بابك المذكور أمر بعد عقوبته بقطع أربعته، فلمّا قطعت يده مسح بالدم على وجهه حتى لا يرى أحد أنّ وجهه اصفرّ خيفة من القتل، وقتل وعلّق رأسه وقطعت أعضاؤه ثم أحرق. وفيها أيضا جهّز المعتصم الأفشين المذكور بالجيوش لغزو الروم، فتهيّأ وسافر والتقى مع طاغية الروم، فاقتتلوا أياما وثبت كلّ من الفريقين الى أن هزم الله طاغية الروم ونصر الاسلام، ولله الحمد. وفيها أخرب المعتصم مدينة أنقرة وغيرها من بلاد الروم، وأنكى فى بلاد الروم وأوطأهم خوفا وذلّا وصغارا، وافتتح عمّوريّة بالسيف، وشتّت جمعهم وخرّب ديارهم. وكان ملكهم توفيل بن ميخائيل بن جرجس قد نزل زبطرة «1» فى مائة ألف وأغار على ملطية «2» وأباد المسلمين، حتى أخذ المعتصم بثأرهم وأخرب ديار الكفر. وفيها دفع المعتصم خاتمه الى ابنه هارون للواثق وأقامه مقام نفسه، واستكتب له سليمان بن محمد بن عبد الملك بن الزيّات. وفيها فى شوّال زلزلت فرغانة، فمات تحت الهدم خمسة عشر ألفا من الناس. وفيها حجّ بالناس محمد بن داود. وفيها توفيت فاطمة النيسابوريّة الزاهدة، جاورت بمكة مدّة، وكانت تتكلم فى معانى القرآن؛ قال ذو النون المصرىّ: فاطمة وليّة الله وهى أستاذتى.

ذكر ولاية مالك بن كيدر على مصر

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى عبد الله بن صالح كاتب الليث، وخالد بن خداش، ومحمد بن سنان العوقىّ «1» ، ومحمد بن كثير العبسىّ، وموسى بن اسماعيل التّبوذكىّ، ومعاذ بن أسد المروزىّ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ذراعان واثنان وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وثلاثة وعشرون إصبعا ونصف إصبع. ذكر ولاية مالك بن كيدر على مصر هو مالك بن كيدر، واسم كيدر نصر، وقد تقدّم ذكره فى ولايته على مصر، وكيدر ابن عبد الله الصّغدىّ. وولى مالك إمرة مصر بعد عزل الأمير موسى بن أبى العبّاس عنها من قبل الأمير أبى جعفر أشناس، ولّاه على صلاة مصر؛ وكان الخراج للخليفة يولّى عليه من شاء فى هذه السنين؛ فقدم مالك بن كيدر الى مصر لسبع بقين من شهر ربيع الآخر من سنة أربع وعشرين ومائتين، وسكن بالمعسكر على عادة أمراء بنى العباس؛ وولّى على الشّرطة بعض حواشيه، وساس الناس الى أن صرف عن إمرة مصر فى ثالث شهر ربيع الآخر من سنة ستّ وعشرين ومائتين؛ وتولّى مصر من بعده الأمير علىّ بن يحيى؛ فكانت ولاية مالك هذا على مصر سنتين وأحد عشر يوما، ودام بعد ذلك بطّالا سنين الى أن توفّى فجاءة فى عاشر شعبان سنة ثلاث وثلاثين ومائتين؛ وكان أميرا ساكنا عاقلا مدبّرا سيوسا وقورا فى الدول، ولى الأعمال الجليلة، وتنقّل فى خدم الخلفاء، وكان من أكابر القوّاد والأمراء.

ما وقع من الحوادث سنة 224

*** [ما وقع من الحوادث سنة 224] السنة الأولى من ولاية مالك بن كيدر على مصر وهى سنة أربع وعشرين ومائتين- فيها أظهر مازيّار بن قارن الخلاف بطبرستان وحارب أعوان الخليفة، وكان مباينا لآل طاهر؛ وكان المعتصم يأمره بحمل الخراج اليهم، فيقول مازيّار: لا أحمله إلّا الى أمير المؤمنين. وكان الأفشين يسمع أحيانا من المعتصم ما يدلّ على أنه يريد عزل عبد الله بن طاهر؛ فلمّا ظفر الأفشين ببابك ونزل من المعتصم المنزلة الرفيعة طمع فى إمرة خراسان، وبلغه منافرة مازيّار، فكتب اليه الأفشين يمنّيه ويستميله ويقؤى عزمه. ثم كتب المعتصم الى عبد الله بن طاهر بمحاربة مازيّار، ثم جهّز بعد ذلك المعتصم جيشا لمحاربة مازيّار وعلى الجيش الأفشين المذكور. هذا، ومازيّار قد ج؟؟؟ ى الأموال وعسف وأخرب أسوار آمد والرّىّ وجرجان، وهرب الناس الى نيسابور. ووقع لمازيّار أمور وحروب، آخرها أنه قتل بعد أن أهلك الحرث والنسل. وفيها توفى إبراهيم ابن الخليفة المهدىّ محمد ابن الخليفة أبى جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علىّ بن عبد الله بن العباس، الأمير أبو إسحاق أخو الرشيد وعمّ الأمين والمأمون والمعتصم؛ كان يعرف بابن شكلة «1» وهى أمّه أمّ ولد سوداء؛ مولده فى سنة اثنتين وستين ومائة. وإبراهيم هذا هو الذي كان بويع بالخلافة بعد قتل الأمين ولقّب بالمبارك المنير فى سنة اثنتين ومائتين، فلم يتمّ أمره؛ ووقع له مع عسكر المأمون حروب ووقائع أسفرت عن هزيمة إبراهيم واختفائه سنين الى أن ظفر به المأمون وعفا عنه. وكان إبراهيم قد انتزع الى أمّه فكان أسود حالكا عظيم اللحية، على أنه لم يكن فى أولاد الخلفاء أفصح منه ولا أشعر؛ وكان حاذقا بالغناء وصناعة

العود، يضرب به المثل فيهما. وله فى هروبه واختفائه وكيفية الظّفر به أمور وحكايات مهولة؛ منها أنه لما وقف بين يدى المأمون شاور فى قتله أصحابه، فالكل أشاروا بالقتل غير أنهم اختلفوا فى القتلة؛ فالتفت المأمون الى أحمد بن خالد «1» الوزير وشاوره؛ فقال: يا أمير المؤمنين، إن قتلته فلك نظير، وإن عفوت عنه فما لك نظير؛ فأنشد المأمون: فلئن عفوت لأعفون جللا «2» ... ولئن سطوت لأوهنن عظمى فكشف إبراهيم بن المهدى رأسه وقال: الله أكبر، عفا عنى أمير المؤمنين! فقال المأمون: يا غلمان، خلّوا عن عمّى وغيّروا من حالته وجيئونى به. ففعلوا وأحضروه «3» بين يدى المأمون فى مجلسه، ونادمه وسأله أن يغنّى فأبى، وقال: نذرت لله عند خلاصى تركه؛ فعزم عليه وأمر أن يوضع العود فى حجره، فغنّى. وقال الذهبىّ: وعن منصور بن المهدىّ قال: كان أخى إبراهيم إذا تنحنح طرب من يسمعه، فإذا غنّى أصغت اليه الوحوش ومدّت أعناقها اليه حتى تضع رءوسيها فى حجره فإذا سكت نفرت وهربت؛ وكان إذا غنّى لم يبق أحد إلا ذهل ويترك ما فى يده حتى يفرغ. قلت: وحكايات إبراهيم فى الغناء والعود مشهورة يضيق هذا المحل عن ذكرها، وقد ذكره ابن عساكر فى تاريخ دمشق فى سبع عشرة ورقة. وفيها توفى أبو عبيد القاسم بن سلّام، وكان أبوه عبدا روميا لرجل من أهل هراة «4» ، وكان القاسم إماما عالما مفنّنا، له المصنفات الكثيرة المفيدة: منها غريب الحديث وغيره. وفيها توفى سليمان بن حرب الحافظ أبو أيوب الأزدىّ البصرىّ،

ما وقع من الحوادث سنة 225

ولد فى صفر سنة أربعين ومائة؛ وكان إماما فاضلا- قال القاضى يحيى بن أكثم: لما عدت من البصرة الى بغداد قال لى المأمون: من تركت بالبصرة؟ قلت: سليمان بن حرب- حافظا للحديث ثقة عاقلا فى نهاية الصيانة «1» والسلامة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وثلاثة أصابع ونصف، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وخمسة أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 225] السنة الثانية من ولاية مالك بن كيدر على مصر وهى سنة خمس وعشرين ومائتين- فيها قبض المعتصم على الأفشين، لعداوته لعبد الله بن طاهر ولأحمد بن أبى داود، فعملا عليه ونقلا عنه أنه يكاتب مازيّار؛ فطلب المعتصم كاتبه «2» وتهدّده بالقتل؛ فاعترف وقال: كتبت اليه بأمره، يقول: لم يبق غيرى وغيرك وغير بابك الخرمىّ، وقد مضى بابك، وجيوش الخليفة عند ابن طاهر، ولم يبق عند الخليفة سواى؛ فإن هزمت ابن طاهر كفيتك أنا المعتصم ويخلص لنا الدين الأبيض (يعنى المجوسيّة) ، وكان الأفشين يتّهم بها؛ فوهب المعتصم للكاتب مالا وأحسن اليه، وقال: إن أخبرت أحدا قتلتك. فروى عن أحمد بن أبى دواد قال: دخلت على المعتصم وهو يبكى وينتحب ويقلق؛ فقلت: لا أبكى الله عينك! ما بك؟ قال: يا أبا عبد الله رجل أنفقت عليه ألف ألف دينار ووهبت له مثلها يريد قتلى! قد تصدّقت لله بعشرة آلاف ألف درهم، فخذها وفرّقها- وكان الكرخ قد احترق- فقلت: تفرّق نصف المال فى بناء الكرخ، والباقى فى أهل الحرمين؛ قال: أفعل. وكان الأفشين قد سير أموالا عظيمة الى مدينة أشروسنة، وهمّ بالهرب اليها وأحسّ بالأمر، فهيّأ

دعوة ليسمّ المعتصم وقوّاده، فإن لم يجبه دعا لها أتراك المعتصم: مثل الأمير إيتاخ وأشناس وغيرهما فيسمّهم، ثم يذهب الى إرمينية ويدور الى أشروسنة. فطال بالأفشين الأمر ولم يتهيأ له ذلك، حتى أخبر بعض خواصّه المعتصم بعزمه، فقبض عليه حينئذ المعتصم وحبسه، وكتب الى عدوّه عبد الله بن طاهر بأن يقبض على ولده الحسن بن الأفشين، فوقع له ذلك. وفيها استوزر المعتصم محمد بن عبد الملك بن الزيات. وفيها أيضا أسر مازيّار المذكور وقدم به بين يدى المعتصم. وفيها زلزلت الأهواز وسقط أكثر البلد والجامع وهرب الناس الى ظاهر البلد، ودامت الزلزلة أياما وتصدّعت الجبال منها. وفيها ولى إمرة دمشق دينار بن عبد الله، وعزل بعد أيام بمحمد بن الجهم. وفيها توفى سعدويه، واسمه سعيد بن سليمان، وكنيته أبو عثمان الواسطىّ، الواعظ البزّاز؛ كان يسكن ببغداد، وامتحن بالقرآن فأجاب؛ فقيل له بعد ذلك: ما فعلت؟ قال: كفرنا ورجعنا. وفيها توفى صالح بن إسحاق أبو عمرو النحوى الجرمىّ، لأنه نزل فى قبيلة من جرم؛ وكان اماما فاضلا عارفا بالعربية وأيام الناس وأشعار العرب، وله اختيارات وأقوال. وفيها توفى على بن رزين الإمام أبو الحسن الخراسانىّ التّرمذىّ ويقال الهروىّ، أستاذ أبى عبد الله المغربى، كان صاحب أحوال وكرامات. وفيها توفى الأمير أبو دلف العجلىّ، واسمه القاسم بن عيسى بن إدريس بن معقل ابن سنان، من ولد عجل أمير الكرج «1» ، كان شجاعا جوادا ممدّحا شاعرا؛ وهو الذي قال فيه علىّ بن جبلة: إنّما الدنيا أبو دلف ... بين باديه ومحتضره «2»

فإذا ولّى أبو دلف ... ولّت الدنيا على أثره قيل: إنّ المأمون كان مقطّبا، فدخل عليه أبو دلف؛ فقال له المأمون: يا أبا دلف، أنت الذي قال فيك الشاعر، وذكر البيت المقدّم ذكره؛ فقال أبو دلف: يا أمير المؤمنين، شهادة زور وقول غرور «1» ؛ وأصدق منه قول من قال: دعينى أجوب الأرض ألتمس الغنى ... فلا الكرج الدنيا ولا الناس قاسم «2» وقال ثعلب: حدّثنا ابن الأعرابىّ عن الأصمعىّ قال: كنت واقفا بين يدى المأمون إذ دخل عليه أبو دلف؛ فنظر اليه المأمون شزرا، وقال له: أنت الذي يقول فيك علىّ بن جبلة «3» : له راحة لو أنّ معشار عشرها ... على البرّ كان البرّ أندى من البحر له همم لا منتهى لكبارها ... وهمّته الصّغرى أجلّ من الدهر فقال: يا أمير المؤمنين، مكذوب علىّ، لا والذي فى السماء بيته ما أعرف من هذا حرفا؛ فقال المأمون: قد قال فيك أيضا: ما قال لا قطّ من جود أبو دلف ... إلّا التشهد لكن قوله نعم فقال: ولا أعرف هذا أيضا يا أمير المؤمنين. قلت: وأخبار أبى دلف كثيرة وشعره سارت به الركبان. وفيها توفى منصور بن عمّار بن كثير الشيخ أبو السّرىّ الواعظ الخراسانىّ، وقيل: البصرىّ، رحل الى العراق، وأوتى الحكم والفصاحة، حتى قيل: إنه لم يقض أحد فى زمانه مثله.

ذكر ولاية على بن يحيى الأولى على مصر

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ذراعان وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وعشرون إصبعا. ذكر ولاية علىّ بن يحيى الأولى على مصر هو على بن يحيى الأمير أبو الحسن الأرمنىّ، ولى إمرة مصر من قبل الأمير أبى جعفر أشناس التركىّ على الصلاة، بعد عزل الأمير مالك بن كيدر عنها، سنة ست وعشرين ومائتين؛ ووصل الى الديار المصرية فى يوم الخميس لسبع خلون من شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة، وسكن بالمعسكر على عادة الأمراء؛ وجعل على شرطته معاوية [بن معاوية] «1» بن نعيم، وتمّ أمره، وأخذ فى إصلاح أحوال الديار المصرية وإقماع المفسدين، الى أن ورد عليه الخبر فى شهر ربيع الأوّل من سنة سبع وعشرين ومائتين بموت الخليفة محمد المعتصم وبيعة ابنه هارون الواثق بالخلافة من بعده، وأن الخليفة هارون الواثق أقرّه على عمل مصر على عادته. فأقام على ذلك مدّة، وورد عليه الخبر بعزله عن إمرة مصر، من غير سخط، بعيسى بن منصور، وذلك فى يوم الخميس لسبع خلون من ذى الحجة من سنة ثمان وعشرين ومائتين. فكانت ولاية علىّ بن يحيى هذا على مصر سنتين وثمانية أشهر، وقيل: وثلاثة أشهر، والأوّل الأصحّ. وتوجّه الى العراق وقدم على الخليفة هارون الواثق فأكرمه الواثق؛ وولى الأعمال الجليلة فى أيام الواثق وأيام أخيه المتوكّل جعفر. ثم أعيد الى إمرة مصر ثانيا حسبما يأتى ذكره، وأقام بها مدّة، ثم عزل وعاد الى العراق وعظم عند الخلفاء، وغزا الصائفة غير مرّة، الى أن خرج فى أوّل سنة تسع وأربعين ومائتين هـ الى غزو الروم وتوغّل فى بلاد الروم ثم عاد قافلا من إرمينية الى ميّافارقين، فبلغه مقتل الأمير عمر بن عبد الله الأقطع؛ وكان الأقطع قد خرج مع

ما وقع من الحوادث سنة 226

جعفر بن دينار الى الصائفة فافتتح حصنا يقال له مطامير؛ فاستأذن الأقطع جعفر بن دينار فى الدخول الى الروم فأذن له، فدخل الأقطع الروم ومعه عسكر كثيف. وكان الروم فى خمسين ألفا، فأحاطوا به وبمن معه، فقتلوه وقتل معه ألف رجل من أعيان المسلمين؛ وكان ذلك فى يوم الجمعة منتصف شهر رجب من السنة. فلما بلغ الأمير علىّ بن يحيى المذكور خبر قتل الأقطع عاد من وقته يطلب الروم، فقاتل حتى قتل حسبما ذكرناه فى ولايته الثانية على مصر. وفى أيّام علىّ بن يحيى هذا على مصر وقّع بينه وبين هارون بن عبد الله الزهرىّ الأصم قاضى قضاة ديار مصر، فعزله وولّى عوضه محمد بن أبى الليث الحارث بن شدّاد الإيادىّ الجهمىّ الخوارزمىّ؛ فبقى محمد المذكور فى القضاء نحوا من عشر سنين، ولم يكن محمود السيرة فى أحكامه، وامتحن الفقهاء بمصر بخلق القرآن، وحكم على عبد الله بن عبد الحكم بودائع كانت للجروىّ «1» عندهم بألف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار، فأقاموا شهودا بأن الجروىّ كان قد أبرأهم وأخذ الذي له، فلم يلتفت لذلك وعسفهم وظلمهم وفعل أمثال ذلك كثيرا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 226] السنة الأولى من ولاية على بن يحيى الأولى على مصر وهى سنة ستّ وعشرين ومائتين- فيها فى جمادى الأولى أمطر أهل تيماء «2» بردا كالبيض قتل منهم ثلثمائة وسبعين نفسا؛ قاله ابن حبيب الهاشمىّ، ثم قال: ونظروا الى أثر قدم طوله ذراع، ومن الخطوة الى الخطوة نحو خمسة «3» أذرع، وسمعوا صوتا يقول:

ارحم عبادك اعف عن عبادك. وفيها منع المعتصم الأفشين من الطعام والشراب حتى مات، ثم أخرج وصلب فى شعبان. والأفشين اسمه حيدر «1» بن كاوس، وهو من أولاد الأكاسرة، والأفشين لقب لمن ملك مدينة أشروسنة، وقد تقدّم ذكر وروده الى الديار المصرية وقتاله مع القيسيّة واليمانيّة، ثم قتاله بالشرق مع مازيّار وغيره؛ وذكرنا أيضا سبب القبض عليه فى حوادث سنة خمس وعشرين ومائتين، ولا حاجة الى التكرار، لأن ما ذكرناه هناك هو المعتمد والمقصود من التعريف بأحواله. وفيها توفيت عنان جارية الناطفىّ، كانت من مولّدات المدينة «2» ، وكانت جميلة شاعرة فصيحة سريعة الجواب؛ بلغ الرشيد خبرها فاستعرضها؛ فقال مولاها: ما أبيعها إلا بمائة ألف درهم، فردّها الرشيد فتصدّق مولاها الناطفىّ بثلاثين ألف درهم. وبعد موت الناطفىّ بيعت «3» بمائة «4» ألف درهم وخمسين ألف درهم، وماتت بخراسان. وأخبارها وما جرياتها مع أبى نواس وغيره من الشعراء مشهورة. وفيها توفى مازيّار، واسمه محمد بن قارن، الأمير صاحب طبرستان، كان مباينا لعبد الله ابن طاهر وكان الأفشين كذلك، فكان الأفشين يدسّ اليه ويحمله على خلاف الخليفة المعتصم، ولا زال به حتى خالف وحارب عساكر الخليفة وعبد الله بن طاهر غير مرّة؛ ووقع له أمور وأبلى المسلمين ببلايا وأباد الناس، الى أن ظفر به وأحضر بين يدى الخليفة المعتصم، فأمر به المعتصم فضرب أربعمائة وخمسين سوطا، فمات

ما وقع من الحوادث سنة 227

من ساعته تحت العقوبة عطشا «1» ، وكان معدودا من الشّجعان (ومازيّار بفتح الميم وبعد الألف زاى مفتوحة وياء مثناة من تحت مشدّدة وبعد الألف راء مهملة) . وفيها توفى محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول، أبو الهذيل العلّاف البصرىّ مولى لعبد القيس؛ كان شيخ المعتزلة، وصنّف الكتب فى مذهبهم، ولد سنة خمس وثلاثين ومائة هـ. وقدم بغداد وناظر العلماء وأبادهم، وكان خبيث اللسان. وفيها توفى يحيى بن يحيى بن بكير «2» بن عبد الرحمن الحافظ أبو زكريا التّميمىّ المنقرى الحنظلىّ النّيسابورىّ الزاهد العابد الورع، كان إمام أهل نيسابور وحافظها فى زمانه؛ وأخرج عنه البخارىّ فى مواضع، واتفقوا على ثقته وصدقه. الذين ذكر الذهبى وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى إسحاق بن محمد الفروىّ، واسماعيل بن أبى أويس، وجندل بن والق، وسعيد بن كثير بن عفير، وعيّاش «3» بن الوليد الرقّام، وغسّان بن الرّبيع الموصلىّ، ومحمد بن مقاتل المروزىّ، ويحيى بن يحيى التّميمىّ النيسابورىّ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وأربعة عشر إصبعا، مبلغ الزيادة أربعة عشر ذراعا وستة أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 227] السنة الثانية من ولاية على بن يحيى على مصر وهى سنة سبع وعشرين ومائتين هـ- فيها خرج بفلسطين المبرقع أبو حرب اليمانىّ الذي زعم أنّه السفيانىّ، فدعا بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أوّلا، الى أن قويت شوكته فادّعى النبوّة. وكان

سبب خروجه أن جنديّا أراد النزول فى داره، فمانعته زوجته، فضربها الجندىّ بسوط فأثّر فى ذراعها؛ فلما جاء المبرقع شكت اليه؛ فذهب الى الجندىّ فقتله وهرب، ولبس برقعا لئلا يعرف، ونزل جبال الغور مبرقعا، وحثّ الناس على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؛ فاستجاب له قوم من فلّاحى القرى وقوى أمره؛ فسار لحربه رجاء الحضارىّ «1» أحد قوّاد المعتصم فى ألف فارس، وأتاه فوجده فى مائة ألف، فعسكر بإزائه ولم يجسر على لقائه. فلما كان أوان الزراعة تفرّق أكثر أصحابه فى فلاحتهم وبقى فى نحو الألفين؛ فواقعه عند ذلك رجاء الحضارىّ المذكور وأسره وحبسه حتى مات خنقا فى آخر هذه السنة. وكان المبرقع بطلا شجاعا. وفيها بعث المعتصم على دمشق الأمير أبا المغيث «2» الرافقىّ «3» ، فخرجت عليه طائفة من قيس، لكونه أخذ منهم خمسة عشر نفسا فصلبهم؛ فجّهز اليهم أبو المغيث جيشا، فهزموه وزحفوا على دمشق، فتحصّن بها أبو المغيث ووقع حصار شديد؛ ومات المعتصم والأمر على ذلك، فاستمرّ فى الحصار الى أن كتب الواثق الى رجاء الحضارىّ أن يتوجه الى دمشق مددا لأبى المغيث، فقدم دمشق وحارب القيسيّة حتى هزمهم وقتل منهم ألفا وخمسمائة، وقتل من الأجناد ثلثمائة. وفيها فى تاسع عشر شهر ربيع الأوّل بويع هارون الواثق بالخلافة بعد موت أبيه محمد المعتصم. وفيها توفى بشر بن الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال بن ماهان ابن عبد الله الزاهد الورع أبو نصر المعروف ببشر الحافى، كان أصله من أبناء الرؤساء بخراسان، فتزهّد وصحب الجنيد؛ ومولده بمرو سنة خمسين ومائة، وسكن بغداد، وتزهّد

حتى فاق أهل عصره؛ وسمع الحديث من مالك بن أنس والفضيل بن عياض وحمّاد ابن زيد وشريك وعبد الله بن المبارك وغيرهم؛ وروى عنه جماعة منهم أحمد الدّورقىّ ومحمد بن يوسف الجوهرىّ وسرىّ السّقطىّ وخلق غيرهم. قال أبو بكر المروزىّ: سمعت بشرا يقول: الجوع يصفّى الفؤاد ويميت الهوى ويورث العلم الدقيق. وقال أبو بكر بن عفّان: سمعت بشر [بن الحارث «1» ] يقول: إنى لأشتهى شواء منذ أربعين سنة ما صفالى درهمه. وعن المأمون قال: ما بقى أحد نستحى منه غير بشر بن الحارث. وقال أحمد بن حنبل: لو كان بشر بن الحارث تزوّج لتمّ أمره. وقال إبراهيم الحربىّ: ما أخرجت بغداد أتمّ عقلا من بشر ولا أحفظ للسانه، كأن فى كلّ شعرة منه عقلا. وعن بشر قال: المتقلّب فى جوعه كالمتشحّط فى دمه فى سبيل الله. وعنه قال: شاطر «2» سخىّ أحبّ الى الله من صوفىّ بخيل. وعنه قال: لا أفلح من ألف أفخاذ النساء. وعنه قال: إذا أعجبك الكلام فاصمت، وإذا أعجبك الصمت فتكلّم. وكانت وفاة بشر فى يوم الأربعاء حادى عشر شهر ربيع الأوّل. وفيها توفّيت فاطمة جارية المعتصم وتدعى بعريب «3» ، كانت فائقة الجمال بارعة فى الغناء والخطّ، اشتراها المعتصم من تركة أخيه المأمون بمائة ألف درهم. وفيها توفى أمير المؤمنين المعتصم [بالله محمد «4» ] ، وكنيته أبو إسحاق ابن الخليفة الرشيد هارون ابن الخليفة المهدىّ محمد ابن الخليفة أبى جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علىّ بن عبد الله بن العباس، الهاشمىّ العباسىّ الخليفة الثالث من أولاد هارون الرشيد؛ بويع بالخلافة بعد موت أخيه عبد الله المأمون فى شهر رجب سنة ثمان عشرة ومائتين، ومولده سنة ثمانين ومائة، وأمه أمّ ولد اسمها ماردة، وكان أمّيّا عاريا من كل علم. وعن محمد الهاشمىّ قال: كان مع المعتصم غلام فى الكتّاب

يتعلم معه، فمات الغلام؛ فقال له الرشيد أبوه: يا محمد، مات غلامك! قال: نعم يا سيدى واستراح من الكتّاب؛ فقال: وإن الكتّاب ليبلغ منك هذا! دعوه لا تعلّموه؛ قال: فكان يكتب ويقرأ قراءة ضعيفة. وكان المعتصم مع ذلك فصيحا مهيبا عالى الهمّة شجاعا مقداما، حتى قيل: إنه كان أهيب خلفاء بنى العباس، إلا أنه سار على سيرة أخيه المأمون فى امتحان العلماء بخلق القرآن؛ وكان يدعى الثّمانىّ، لأنه ولد سنة ثمانين ومائة فى شهر رمضان، ورمضان بعد ثمانية أشهر من السنة، وملك لثمان عشرة ليلة من شهر رجب، وهو الثامن من خلفاء بنى العباس، وفتح ثمانية فتوح، وكان عمره ثمانا وأربعين سنة، وخلافته ثمان سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام، وخلّف من الولد ثمانية بنين وثمانى بنات، وخلّف من العين ثمانية آلاف ألف دينار ومثلها دراهم، وقيل: ثمانمائة ألف درهم، ومن الخيول ثمانين ألف فرس، ومن الجمال ثمانين ألف جمل وبغل ودابة، وثمانين ألف خيمة، وثمانية آلاف عبد (أعنى مماليك) ، وقيل: ثمانية عشر ألفا، وثمانية آلاف جارية، وعمّر من القصور ثمانية. وقال نفطويه «1» : وحدّثت أنه كان من أشدّ الناس بطشا (يعنى المعتصم) وأنه جعل يد رجل بين إصبعيه فكسرها اهـ. وكانت وفاته فى يوم الخميس تاسع عشر ربيع الأوّل، وتخلّف من بعده ابنه هارون الواثق. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع واثنان وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وتسعة أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 228

*** [ما وقع من الحوادث سنة 228] السنة الثالثة من ولاية على بن يحيى على مصر وهى سنة ثمان وعشرين ومائتين- فيها استخلف الخليفة هارون الواثق على السلطنة أشناس الذي كان أمر مصر اليه يولّى فيها من اختار، وألبسه وشاحين بجوهر. وفيها وقعت قطعة من جبل العقبة، قتل تحتها جماعة من الحاجّ. وفيها توفى عبيد «1» الله بن محمد بن حفص بن عمر بن موسى بن عبد الله بن معمر «2» الحافظ أبو عبد الرحمن التّيمىّ ويعرف بابن عائشة، وهو من ولد عائشة بنت طلحة، قدم بغداد وحدّث بها، وكان فاضلا أديبا حسن الخلق ورعا عارفا بأيام الناس؛ وكان مع هذه الفضيلة شديد القوّة يمسك يمينه ويساره شاتين الى أن تنسلخا؛ وابن عائشة هو الذي ضربه المأمون فخرج منه ريح، فقال فيه أبو نواس تلك الأبيات المشهورة «3» . وفيها توفى عبد الملك ابن عبد العزيز الحافظ أبو نصر التّمار، كان إماما عالما صدوقا زاهدا، إلا أنه كان ممن أجاب فى المحنة، فنهى الامام أحمد لهذا المعنى [عن] الأخذ عنه. وفيها توفى

محمد بن عبيد «1» الله بن عمرو بن معاوية بن عمرو بن عتبة بن أبى سفيان بن حرب، العتبىّ البصرىّ صاحب النوادر والآداب والأشعار والأخبار والطرائف والملح والتصانيف؛ وذكره ابن قتيبة فى كتاب المعارف، وابن المنجّم فى كتاب البارع «2» . ومن شعره: رأين» الغوانى الشيب لاح بعارضى ... فأعرضن عنّى بالخدود النواضر وكنّ اذا أبصرننى أو سمعننى ... خرجن «4» فرقّعن الكوى بالمحاجر فإن عطفت عنّى أعنّة أعين ... نظرن «5» بأحداق المها والجآذر فإنّى من قوم كريم «6» ثناؤهم ... لأقدامهم صيغت رءوس المنابر خلائف فى الإسلام فى الشرك قادة ... بهم واليهم فخر كلّ مفاخر وأورد له المبرّد فى كتابه الكامل بيتين يرثى بهما بعض أولاده، وهما: أضحت بخدّى للدّموع رسوم ... أسفا عليك وفى الفؤاد كلوم والصبر يحمد فى المواطن كلّها ... الّا عليك فإنه مذموم

وفيها توفى محمد بن مصعب أبو جعفر البغدادىّ، كان أحد العبّاد الزّهاد والقرّاء، أثنى عليه الإمام أحمد بن حنبل ووصفه بالسنة. وفيها توفى يحيى بن عبد الحميد بن عبد الرحمن الحافظ الإمام أبو زكريا الكوفىّ، كان أحد الحفّاظ الرحّالين، وكان يحفظ عشرة آلاف حديث يسردها سردا؛ وكانت وفاته بمدينة سامرّا فى شهر رمضان. وفيها توفى نعيم بن حمّاد بن معاوية بن الحارث بن همّام الخزاعىّ المروزىّ صاحب عبد الله بن المبارك، كان أعلم الناس بالفرائض، وهو من الرحّالة فى طلب الحديث. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى أحمد بن شبّوية «1» المروزى، وأحمد بن محمد بن أيوب صاحب المغازى، وأحمد بن عمران الأخنس، وإسحاق بن بشر الكاهلىّ الكوفىّ، وبشّار بن موسى الخفّاف، وحاجب بن الوليد الأعور، وحمّاد بن مالك الحرستانىّ «2» ، وداود بن عمرو الضّبّىّ، وعبد الله بن سوّار بن عبد الله العنبري القاضى، وعبد الله بن عبد الوهاب الحجبىّ، وعبد الرحمن بن المبارك، وأبو نصر عبد الملك بن عبد العزيز التمار، وعلى بن عثّام «3» الكوفىّ، وأبو الجهم صاحب الخبر «4» ، ومحمد بن جعفر الوركانىّ، ومحمد بن حسّان السّمتىّ «5» ، وأبو يعلى محمد بن الصّلت التّوّزىّ، والعتبىّ الإخبارىّ، ومحمد بن عبد الله، ومحمد بن عمران ابن أبى ليلى، والمثنّى بن معاذ العنبرىّ، ومسدّد، ونعيم بن الهيصم، ويحيى الحمّانىّ.

ذكر ولاية عيسى بن منصور الثانية على مصر

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ذراعان وعشرة أصابع، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وستة أصابع. ذكر ولاية عيسى بن منصور الثانية على مصر هو عيسى بن منصور بن موسى بن عيسى الرافقى «1» ، وليها ثانيا بعد عزل على بن يحيى الأرمنىّ، من قبل الأمير أشناس التركىّ المعتصمىّ على الصلاة؛ ودخل الى مصر فى يوم الجمعة لسبع خلون من محرم سنة تسع وعشرين ومائتين؛ وسكن المعسكر على عادة أمراء مصر فى الدولة العباسية؛ وجعل على الشرطة ابنه، ومهّد أمور مصر، ودام بها الى أن توفى الأمير أشناس التركىّ المعتصمىّ عامل مصر من قبل الخليفة- وهو الذي كان اليه أمور مصر يولّى عليها من شاء من الأمراء- فى سنة ثلاثين ومائتين. وولّى الخليفة مكانه على مصر الأمير إيتاخ. وكانت ولاية أشناس على مصر اثنتى عشرة سنة أو نحوها. ولما ولى إيتاخ التركىّ مصر أقرّ عيسى بن منصور هذا على عمله، فاستمرّ عيسى بمصر على إمرتها نيابة عن إيتاخ الى أن مات الخليفة هارون الواثق فى سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وبويع بالخلافة من بعده أخوه المتوكّل على الله جعفر، فأرسل الى عيسى هذا [بأن] يأخذ البيعة له على المصريين. ثم صرفه بعد ذلك فى النصف من شهر ربيع الأوّل من سنة ثلاث وثلاثين ومائتين بالأمير هرثمة؛ وقدم مصر علىّ بن مهرويه خليفة هرثمة على الصلاة. فلم تطل أيام عيسى بن منصور هذا بعد عزله عن إمرة مصر، ومرض ولزم الفراش حتى مات فى قبّة «2» الهواء بمصر فى حادى عشر شهر ربيع الآخر من سنة ثلاث وثلاثين المذكورة. رحمه الله. وكان

ما وقع من الحوادث سنة 229

أميرا جليلا عارفا عاقلا مدبّرا سيوسا، ولى الأعمال الجليلة، وطالت أيامه فى السعادة. وهو ممن ولى إمرة مصر أوّلا عن الخليفة، والثانية عن الأمير أشناس التركىّ، فكانت ولايته على مصر أربع سنين وثلاثة أشهر وثمانية عشر يوما. *** [ما وقع من الحوادث سنة 229] السنة الأولى من ولاية عيسى بن منصور الثانية على مصر وهى سنة تسع وعشرين ومائتين- فيها صادر الخليفة الواثق بالله هارون [كتّاب] الدواوين وسجنهم، وضرب أحمد بن إسرائيل ألف سوط وأخذ منه ثمانين ألف دينار، وأخذ من سليمان ابن وهب كاتب الأمير إيتاخ الذي أمر مصر راجع اليه أربعمائة ألف دينار، وأخذ من أحمد بن الخصيب وكاتبه ألف ألف دينار؛ فيقال: إنّ هارون الواثق أخذ من الكتّاب فى هذه النوبة ألفى ألف دينار؛ وكان متولى هذه المصادرات الأمير إسحاق بن يحيى صاحب حرس الواثق. وفيها ولّى الخليفة هارون الواثق الأمير إيتاخ اليمن مضافا الى مصر فبعث اليها إيتاخ نوّابه. وفيها ولّى الواثق محمد بن صالح إمرة المدينة، وولّى محمد بن يزيد الحلبىّ الحنفىّ قضاء الشرقية. وفيها توفى خلف بن هشام بن ثعلبة أبو محمد البزّاز البغدادىّ المقرئ، كان إماما عالما، له قراءة اختارها وقرأ بها، وكان قد قرأ على مسلم صاحب حمزة وسمع مالكا وأبا عوانة وأبا شهاب عبد ربّه الخياط وجماعة؛ وروى عنه أحمد بن حنبل وأبو زرعة وموسى بن هارون وإدريس بن عبد الكريم الحدّاد وجماعة أخر. قال حمدان بن هانئ المقرئ: سمعت خلفا البزاز يقول: أشكل علىّ باب من النحو فأنفقت ثمانين ألف درهم حتى حذقته. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى أحمد بن شبيب الحبطىّ «1» واسماعيل بن عبد الله بن زرارة الرّقّى، وثابت بن موسى العابد، وخالد بن

ما وقع من الحوادث سنة 230

هيّاج الهروىّ، وخلف بن هشام البزّار، وأبو مكيس «1» الذي زعم أنه سمع من أنس، وأبو نعيم ضرار بن صرد، وعبد العزيز بن عثمان المروزىّ، وعمّار بن نصر، وعمر ابن خالد الحرّانى نزيل مصر، ومحمد بن معاوية النيسابورىّ، ونعيم بن حمّاد الخزاعىّ، ويحيى بن عبدويه صاحب شعبة، ويزيد بن صالح النيسابورىّ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وتسعة أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 230] السنة الثانية من ولاية عيسى بن منصور على مصر وهى سنة ثلاثين ومائتين- فيها عاثت الأعراب حول المدينة فسار لحربهم الأمير بغا الكبير فدوّخهم وأسر وقتل فيهم- وكان قد حاربهم حمّاد بن جرير الطبرى القائد فقتل هو وعامّة أصحابه- واستباحوا عسكرهم، وحبس بغا منهم فى القيود بالمدينة نحو ألف نفس، فنقبوا الحبس، فأخبرت بهم امرأة، فأحاط بهم أهل المدينة وحضروهم يومين، ثم برزوا للقتال بكرة الثالث، وكان مقدّمهم عزيزة «2» السّلمىّ فكان يحمل فيهم وهو يرتجز ويقول: لا بدّ من زحم «3» وإن ضاق الباب ... إنى أنا عزيزة بن قطّاب للموت خير للفتى من العاب «4»

وكان قد فكّ قيده وصار يقاتل به [يومه «1» ] الى أن قتل وصلب، وقتلت عامّة بنى سليم وقتل جماعة كثيرة من الأعراب. وفيها توفى محمد بن سعد الإمام أبو عبد الله مولى بنى هاشم، وهو كاتب الواقدىّ صاحب الطبقات والسّير وأيام الناس؛ كان إماما فاضلا عالما حسن التصانيف، صنّف كتابا كبيرا فى طبقات الصحابة والتابعين والعلماء الى وقته. قلت: ونقلنا عنه كثيرا فى الكتاب رحمه الله تعالى. روى عنه خلائق لا تحصى؛ ووثّقه غالب الحفّاظ إلا يحيى بن معين. وفيها توفى محمد بن يزداد «2» بن سويد المروزىّ أحد كتّاب المأمون ووزرائه؛ كان إماما كاتبا فاضلا، مات بسرّمن رأى فى شهر ربيع الأوّل بعد ما لزم داره سنين. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى أحمد بن جميل المروزىّ، وأحمد بن جناب المصّيصىّ، وإبراهيم ابن إسحاق الضّبّىّ، وإسحاق بن إسماعيل الطّالقانى «3» ، وإسماعيل بن عيسى العطّار، وسعيد بن عمرو الأشعثىّ، وسعيد ابن محمد الجرمىّ، وعبد الله بن طاهر الأمير، وعبد العزيز بن يحيى المدنىّ نزيل نيسابور، وعلىّ بن الجعد، وعلى بن محمد الطّنافسىّ، وعون بن سلّام الكوفىّ، ومحمد ابن إسماعيل بن أبى سمينة «4» ، ومحمد بن سعد كاتب الواقدىّ، ومحبوب بن موسى الأنطاكىّ، ومهدىّ بن جعفر الرملىّ «5» .

ما وقع من الحوادث سنة 231

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع واثنان وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وتسعة أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 231] السنة الثالثة من ولاية عيسى بن منصور على مصر وهى سنة إحدى وثلاثين ومائتين- فيها ورد كتاب الخليفة هارون الواثق الى الأعمال بامتحان العلماء بخلق القرآن، وكان قد منع أبوه المعتصم ذلك؛ فامتحن الناس ثانيا بخلق القرآن. ودام هذا البلاء بالناس الى أن مات الواثق وبويع المتوكّل جعفر بالخلافة، فى سنة اثنتين وثلاثين ومائتين؛ فرفع المتوكّل المحنة ونشر السنّة. وفيها كان الفداء فافتكّ هارون الواثق من طاغية الروم أربعة آلاف وستّمائة أسير؛ ولم يقع قبل ذلك فداء بين المسلمين والروم من منذ سبع وثلاثين سنة. فقال ابن أبى دوّاد: من قال من الأسارى: القرآن مخلوق فأطلقوه وأعطوه دينارا، ومن امتنع فدعوه فى الأسر. قلت: ما أظنّ الجميع إلا أجابوا. وفيها عزم الخليفة هارون الواثق على الحجّ، فأخبر أنّ الطريق قليلة المياه، فثنى عزمه. وفيها ولّى الواثق جعفر بن دينار اليمن، فخرج اليها فى شعبان فى أربعة آلاف، وقيل: فى ستة آلاف فارس. وفيها ولّى الواثق إسحاق بن إبراهيم بن أبى حفصة على اليمامة والبحرين وطريق مكّة مما يلى البصرة. وفيها رأى الواثق فى المنام أنه فتح سدّ يأجوج ومأجوج فانتبه فزعا، وبعث الى السدّ سلّاما التّرجمان. وفيها توفى أحمد بن حاتم الإمام أبو نصر النحوىّ، كان إماما فاضلا أديبا، صنّف كتبا كثيرة: منها كتاب الشجر والنبات والزرع. وفيها توفى على بن محمد ابن عبد الله بن أبى سيف المدائنىّ الشيخ الإمام أبو الحسن، كان إماما عالما حافظا ثقة، وهو صاحب التاريخ؛ وتاريخه أحسن التواريخ؛ وعنه أخذ الناس تواريخهم.

وفيها توفى محمد بن سلّام بن عبد الله بن سلّام، الإمام أبو عبد الله البصرىّ، مولى قدامة بن مظعون، وهو مصنّف كتاب طبقات الشعراء، وكان من أهل العلم والفضل والأدب. وفيها توفى محمد بن يحيى بن حمزة قاضى دمشق وابن قاضيها، ولى قضاءها مدّة خلافة المأمون وبعض خلافة المعتصم ثم عزل، وكان إماما عالما متبحّرا فى العلوم. وفيها توفى مخارق المغنّى المطرب أبو المهنّأ «1» ، كان إمام عصره فى فنّ الغناء، كان الرشيد يجعل بينه وبين مغنّية ستارة الى أن غنّاه مخارق هذا فرفع الستارة وقال له: يا غلام الى هاهنا، فأقعده معه على السرير وأعطاه ثلاثين ألف درهم؛ وكان فى مجلس الرشيد يوم ذاك ابن جامع المغنّى وغيره. قلت: ولا تنس إبراهيم الموصلىّ وابنه إسحاق بن إبراهيم فإنّهما كانا فى رتبة لم ينلها غيرهما فى العود والغناء إلّا أنّ مخارقا هذا كان فى طريق آخر فى التأدّى؛ والجميع كان غناؤهم غير الموسيقى الآن. وقد بيّنا ذلك فى غير هذا المحل فى مصنّف لطيف. ثم اتصل مخارق بالمأمون وقدم معه دمشق، وكان مخارق يضرب بجودة غنائه المثل، وكانت وفاته بمدينة سرّ من رأى. وفيها توفى يوسف بن يحيى الفقيه العالم أبو يعقوب البويطىّ، وبويط: قرية «2» . قال الشافعىّ رضى الله عنه: ما رأيت أحدا أبرع بحجّة من كتاب الله مثل البويطىّ، والبويطىّ لسانى. ولما مات الشافعىّ تنازع محمد بن عبد الحكم والبويطىّ فى الجلوس

موضع الشافعىّ حتى شهد الحميدىّ «1» على الشافعىّ أنه قال: البويطىّ أحق بمجلسى من غيره، فأجلسوه مكانه. وأخبره الشافعىّ أنّه يمتحن ويموت فى الحديد، فكان كما قال. وفيها توفى أبو تمّام الطائىّ حبيب بن أوس بن الحارث بن قيس الخوارزمىّ الجاسمىّ «2» الشاعر المشهور حامل لواء الشعراء فى عصره؛ كان أبوه نصرانيّا فأسلم هو، ومدح الخلفاء والأعيان، وسار شعره شرقا وغربا. وهو الذي جمع الحماسة، وكان أسمر طويلا فصيحا حلو الكلام فيه تمتمة يسيرة، ولد سنة تسعين ومائة أو قبلها. ومن شعره ينعت سيفا: السيف أصدق إنباء من الكتب ... فى حدّه الحدّ بين الجدّ واللعب بيض الصفائح لا سود الصحائف «3» فى ... متونهنّ جلاء الشكّ والرّيب ولما مات رثاه الحسن بن وهب بقوله: فجع القريض بخاتم الشعراء ... وغدير روضتها حبيب الطائى ماتا معا فتجاورا فى حفرة ... وكذاك كانا قبل فى الأحياء ورثاه الوزير محمد بن عبد الملك الزيات وزير المعتصم يوم ذاك بقوله: نبأ أتى من أعظم الأنباء ... لمّا ألّم مقلقل الأحشاء قالوا حبيب قد ثوى فأجبتهم ... ناشدتكم لا تجعلوه الطائى وكانت وفاته بالموصل فى جمادى الأولى. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وسنة أصابع، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وثلاثة أصابع ونصف.

ما وقع من الحوادث سنة 232

*** [ما وقع من الحوادث سنة 232] السنة الرابعة من ولاية عيسى بن منصور على مصر وهى سنة اثنتين وثلاثين ومائتين- فيها كانت وقعة كبيرة بين بغا الكبير وبين بنى نمير، وكانوا قد أفسدوا الحجاز واليمامة «1» بالغارات، وحشدوا فى ثلاثة آلاف راكب، فالتقوا بأصحاب بغا فهزموهم. وجعل بغا يناشدهم الرجوع الى الطاعة وبات بإزائهم تلك الليلة، ثم أصبحوا فالتقوا فانهزم أصحاب بغا ثانيا، فأيقن بغا بالهلاك. وكان قد بعث مائتى فارس الى جبل لبنى نمير؛ فبينما هو فى الإشراف على التلف إذا بهم قد رجعوا يضربون الكوسات «2» ، فقوى بأس بغابهم وحملوا على بنى نمير فهزموهم وركبوا أقفيتهم قتلا «3» ، وأسروا منهم ثمانمائة رجل؛ فعاد بغا وقدم سامرّا وبين يديه الأسرى. وفيها مات خلق كثير بأرض الحجاز من العطش. وفيها كانت الزلازل كثيرة بأرض الشأم، وسقط بعض الدور بدمشق، ومات جماعة تحت الردم. وفيها ولّى الواثق الأمير محمد بن ابراهيم بن مصعب بلاد فارس. وفيها توفى أمير المؤمنين أبو جعفر هارون الواثق بالله ابن الخليفة المعتصم محمد ابن الخليفة هارون الرشيد ابن الخليفة محمد المهدىّ ابن الخليفة أبى جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن العباس الهاشمىّ البغدادىّ العباسىّ؛ بويع بالخلافة بعد موت أبيه محمد المعتصم فى شهر ربيع الأوّل سنة سبع وعشرين ومائتين، وأمّه أمّ ولد رومية تسمّى قراطيس؛ ومات فى يوم الأربعاء لستّ بقين من ذى الحجة من السنة المذكورة؛ فكانت خلافته خمس سنين ونصفا. وتولّى الخلافة من بعده

أخوه المتوكّل على الله جعفر، وكان ملكا مهيبا كريما جليلا أديبا مليح الشعر، إلّا أنّه كان مولعا بالغناء والقينات. قيل: إن جارية غنّته بشعر العرجى وهو: أظلوم إنّ مصابكم رجلا ... أهدى السلام تحيّة ظلم فمن الحاضرين من صوّب نصب رجلا، ومنهم من قال: صوابه رجل؛ فقالت الجارية: هكذا لقّننى المازنىّ. فطلب المازنىّ، فلمّا مثل بين يدى الواثق قال: ممّن الرجل؟ قال: من بنى مازن؛ قال الواثق: أىّ الموازن؟ أمازن تميم، أم مازن قيس، أم مازن ربيعة؟ قال: مازن ربيعة؛ فكلّمه الواثق حينئذ بلغة قومه، فقال: با اسمك؟ - لأنهم يقلبون الميم باء والباء ميما- فكره المازنىّ أن يواجهه بمكر؛ فقال: بكر يا أمير المؤمنين، ففطن لها وأعجبته. وقال له: ما تقول فى هذا البيت؟ قال: الوجه النصب، لأنّ مصابكم مصدر بمعنى إصابتكم؛ فأخذ اليزيدىّ يعارضه؛ قال المازنىّ: هو بمنزلة إنّ ضربك زيدا ظلم، فالرجل مفعول مصابكم، والدليل عليه أنّ الكلام معلّق الى أن تقول: ظلم فيتمّ؛ فأعجب الواثق وأعطاه ألف دينار. وقال ابن أبى الدنيا: كان الواثق أبيض تعلوه صفرة، حسن اللحية، فى عينيه نكتة [بيضاء «1» ] . وقيل: إنّ الواثق لما احتضر جعل يردّد هذين البيتين وهما: الموت فيه جميع الخلق مشترك ... لا سوقة منهم يبقى ولا مل؟؟؟ ما ضرّ أهل قليل فى تفاقرهم ... وليس يغنى عن الأملاك ما ملكوا ثم أمر بالبسط فطويت، وألصق خدّه بالأرض وجعل يقول: يا من لا يزول ملكه، ارحم من زال ملكه! يكرّرها الى أن مات رحمه الله تعالى. وفيها توفى على بن

المغيرة أبو الحسن الأثرم البغدادىّ، الإمام البارع صاحب اللغة والنحو، قدم الشأم ثم رجع الى بغداد وسمع بها من الأصمعىّ وغيره، ومات بها. وفيها توفى محمد بن زياد أبو عبد الله بن الأعرابىّ، كان أحد العلماء باللغة والمشار اليه فيها، وكان يزعم أنّ الأصمعىّ وأبا عبيدة لا يعرفان من اللغة قليلا ولا كثيرا؛ وسأله إمام المحنة أحمد ابن أبى دواد: أتعرف معنى استولى؟ قال: لا ولا تعرفه العرب، لأنها لا تقول: استولى فلان على شىء حتى يكون له فيه مضادّ ومنازع، فأيّهما غلب استولى عليه؛ والله تعالى لا ضدّ له؛ وأنشد [قول] النابغة: إلّا لمثلك أو من أنت سابقه ... سبق الجواد إذا استولى على الأمد «1» وكان مع هذا خصيصا عند المأمون. وسأله مرّة عن أحسن ما قيل فى الشراب؛ فقال: قول القائل: تريك القذى من دونها وهى دونه ... إذا ذاقها من ذاقها يتمطّق «2» فقال المأمون: أشعر منه من قال: وتمشّت فى مفاصلهم ... كتمشّى البرء فى السّقم يريد الحسن بن هانئ. قلت: هذا كان فى تلك الأعصار الخالية، وأما لو سمع المأمون بما وقع للمتأخرين فى هذا المعنى وغيره لأضرب عن القولين ومال الى ما سمع. كم ترك الأوّل للآخر!.

ذكر ولاية هرثمة بن نصر على مصر

وفيها توفى محمد بن عائذ «1» أبو عبد الله الكاتب الدّمشقىّ صاحب المغازى والفتوح والسّير وغيرها، ولد سنة خمسين ومائة هـ، وولى خراج غوطة دمشق للمأمون، وكان عالما ثقة صاحب اطّلاع، مات فى هذه السنة، وقيل: سنة أربع وثلاثين ومائتين هـ. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى إبراهيم بن الحجّاج السّامىّ «2» لا الشامىّ، والحكم بن موسى القنطرىّ الزاهد، وجويرية بن أشرس، وعبد الله بن عون الخرّاز «3» ، وعلىّ بن المغيرة الأثرم اللغوىّ، وعمرو «4» بن محمد الناقد، وعيسى بن سالم الشاشىّ، وهارون الواثق بالله، ويوسف بن عدىّ الكوفىّ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وثمانية أصابع، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا وستة عشر إصبعا. ذكر ولاية هرثمة بن نصر على مصر هو هرثمة بن نصر الجبلىّ: من أهل الجبل، ولى إمرة مصر بعد عزل عيسى ابن منصور عنها فى شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث وثلاثين ومائتين هـ، ولّاه الأمير إيتاخ التركىّ على إمرة مصر نيابة عنه على الصلاة. ولما ولى هرثمة هذا أرسل الى مصر علىّ بن مهرويه خليفة له على مصر وعلى صلاتها، فناب علىّ بن مهرويه عنه، حتى قدم هرثمة المذكور الى مصر فى يوم الأربعاء لستّ خلون من شهر رجب من سنة ثلاث وثلاثين ومائتين هـ. وسكن بالمعسكر على العادة؛ وجعل على شرطته

أبا قتيبة. وفى أيّام هرثمة هذا ورد كتاب الخليفة المتوكّل الى مصر بترك الجدال فى القرآن واتباع السنّة وعدم القول بخلق القرآن. ولله الحمد. وسببه أنّ الواثق كان قد تاب ورجع عن القول بخلق القرآن، فأدركته المنيّة قبل إشاعة «1» ذلك وتولّى المتوكّل الخلافة. قال أبو بكر الخطيب: كان أحمد بن أبى دواد قد استولى على الواثق وحمله على التشدّد فى المحنة، ودعا الناس الى القول بخلق القرآن. وقال عبيد الله بن يحيى: حدّثنا إبراهيم بن أسباط بن السّكن قال: حمل رجل فيمن حمل مكبل بالحديد من بلاده فأدخل؛ فقال ابن أبى دواد: تقول أو أقول؟ قال: هذا أوّل جوركم، أخرجتم الناس من بلادهم، ودعوتموهم الى شىء ما قاله أحد؛ لا! بل أقول؛ قال: قل- والواثق جالس- فقال: أخبرنى عن هذا الرأى الذي دعوتم الناس اليه، أعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يدع الناس اليه، أم شئ لم يعلمه؟ قال: علمه؛ قال: فكان يسعه ألّا يدعو الناس اليه وأنتم لا يسعكم! فبهتوا. قال: فاستضحك الواثق وقام قابضا على كمّه ودخل بيتا ومدّ رجليه وهو يقول: شىء وسع النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يسكت عنه ولا يسعنا! فأمر أن يعطى الرجل ثلثمائة دينار وأن يردّ الى بلده. وعن طاهر بن خلف قال: سمعت المهتدى بالله بن الواثق يقول: كان أبى إذا أراد أن يقتل رجلا أحضرنا، فأتى بشيخ مخضوب مقيّد- كلّ هؤلاء يعنون بالشيخ (أحمد بن حنبل) رضى الله عنه- فقال أبى: ائذنوا لابن أبى دواد وأصحابه؛ وأدخل الشيخ فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين؛ فقال: لا سلّم الله عليك؛ فقال الشيخ: بئس ما أدّبك مؤدّبك، قال الله: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها.

قال الذهبىّ: هذه رواية «1» منكرة، ورواتها مجاهيل، لكن نسوقها بطريق جيّد، قال: فقال ابن أبى دواد: يا أمير المؤمنين، الرجل متكلّم؛ فقال له: كلّمه؛ فقال: يا شيخ، ما تقول فى القرآن؟ قال: لم تنصفنى ولى السؤال؛ قال: سل يا شيخ؛ قال: ما تقول فى القرآن؟ قال: مخلوق؛ قال: هذا شىء علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر والخلفاء أم شىء لم يعلموه؟ فقال: شىء لم يعلموه؛ فقال: سبحان الله، شىء لم يعلموه! أعلمته أنت؟ قال: فخجل وقال: أقلنى؛ قال: والمسألة بحالها؟ قال: نعم؛ قال: ما تقول فى القرآن؟ قال: مخلوق؛ قال: شىء علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال ابن أبى دواد: علمه؛ قال الشيخ: علمه ولم يدع الناس اليه؟ قال: نعم؛ قال: فوسعه ذلك؟ قال: نعم؛ قال: أفلا وسعك ما وسعه ووسع الخلفاء بعده! قال: فقام أبى ودخل الخلوة واستلقى وهو يقول: شىء لم يعلمه النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علىّ علمته أنت! سبحان الله! علموه ولم يدعوا اليه الناس، أفلا وسعك ما وسعهم! ثم أمر برفع قيود الشيخ وأمر له بأربعمائة دينار وسقط من عينه ابن أبى دواد ولم يمتحن بعدها أحدا. وقد روى نحوا من هذه الواقعة أحمد بن السّندىّ الحدّاد عن أحمد بن منيع عن صالح بن على الهاشمىّ المنصورىّ عن الخليفة المهتدى بالله رحمه الله، قال صالح: حضرت وقد جلس للمتظلمين- يعنى المهتدى بالله رحمه الله- فنظرت الى القصص تقرأ عليه من أوّلها الى آخرها فيأمر بالتوقيع عليها ويختمها فيسرّنى ذلك، وجعلت أنظر اليه، ففطن بى ونظر الىّ فغضضت عنه، حتى كان ذلك منه ومنّى مرارا؛ فقال لى: يا صالح، فى نفسك شىء تحبّ أن تقوله؟ قلت: نعم؛ فلما انقضى المجلس أدخلت مجلسه؛ فقال: تقول ماذا فى نفسك أو أقوله لك؟ قلت: يا أمير المؤمنين

ما ترى؛ قال: أقول: إنه قد استحسنت ما رأيت منّا؛ فقلت: أىّ خليفة خليفتنا إن لم يكن يقول: القرآن مخلوق! فورد على قلبى أمر عظيم؛ ثم قلت: يا نفس هل تموتين قبل أجلك! فأطرق المهتدى ثم قال: اسمع منّى، فو الله لتسمعنّ الحقّ؛ فسرى فى ذهنى شىء، فقلت: ومن أولى بقول الحق منك، وأنت خليفة ربّ العالمين وابن عمّ سيد المرسلين! قال: ما زلت أقول: القرآن مخلوق صدرا من أيام الواثق حتى أقدم شيخا من أذنة «1» فأدخل مقيّدا، وهو جميل حسن الشيبة، فرأيت الواثق قد استحيا منه ورقّ له؛ فما زال يدنيه حتى قرب منه وجلس، فقال له: ناظر ابن أبى دواد؛ فقال: يا أمير المؤمنين، إنّه يضعف عن المناظرة؛ فغضب وقال: أبو عبد الله يضعف عن مناظرتك أنت!. قال: هوّن عليك وأذن لى فى مناظرته؛ فقال: ما دعوناك إلّا لذلك؛ فقال: احفظ علىّ وعليه. فقال: يا أحمد، أخبرنى عن مقالتك هذه، هى مقالة واجبة داخلة فى عقد الدّين فلا يكون الدين كاملا حتى يقال فيه ما قلت؟ قال: نعم. قال: أخبرنى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه الله، هل ستر شيئا مما أمر به؟ قال: لا. قال: فدعا الى مقالتك هذه؟ فسكت. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين واحدة؛ فقال الواثق: واحدة. فقال الشيخ: أخبرنى عن الله تعالى حين قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ أكان الله هو الصادق فى إكمال دينه، أم أنت الصادق فى نقصانه حتى تقال مقالتك؟ فسكت؛ فقال الشيخ: ثنتان؛ قال الواثق: نعم. فقال: أخبرنى عن مقالتك هذه، أعلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم جهلها؟ قال: علمها؛ قال: فدعا الناس إليها؟ فسكت. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين ثلاث؛ قال: نعم. قال: فاتّسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن علمها أن يمسك عنها ولم يطالب أمّته بها؟ قال: نعم؛ قال: واتّسع لأبى بكر

وعمر وعثمان وعلىّ ذلك؟ قال: نعم؛ فأعرض الشيخ عنه وأقبل على الواثق وقال: يا أمير المؤمنين، قد قدّمت القول أنّ أحمد يصبو «1» ويضعف عن المناظرة؛ يا أمير المؤمنين إن لم يتّسع لك من الإمساك عن هذه المقالة كما زعم هذا أنه اتّسع للنبىّ صلى الله عليه وسلم ولأبى بكر وعمر وعثمان وعلىّ فلا وسّع الله عليك؛ قال الواثق: نعم كذا هو، قطّعوا قيد الشيخ، فلما قطّعوه ضرب الشيخ بيده الى القيد فأخذه؛ فقال الواثق: لم أخذته؟ قال: إنّى نويت أن أتقدّم إلى من أوصى اليه إذا أنا متّ أن يجعله بينى وبين كفنى حتى أخاصم به هذا الظالم عند الله يوم القيامة، فأقول: يا ربّ لم قيّدنى وروّع أهلى، ثم «2» بكى، فبكى الواثق وبكينا. ثم سأله الواثق أن يجعله فى حلّ وأمر له بصلة؛ فقال: لا حاجة لى بها. قال المهتدى: فرجعت عن هذه المقالة، وأظنّ أنّ الواثق رجع عنها من يومئذ اهـ. قلت: ولما وقع ذلك كتب للأقطار برفع المحنة والسكوت عن هذه المقالة بالجملة، وهدّد كلّ من قال بها بالقتل. وكان هرثمة هذا يحبّ السّنّة، فأخذ فى إظهار السنّة والعمل بها، وفرح الناس بذلك وتباشروا بولايته؛ فلم تطل مدّته على إمرة مصر بعد ذلك حتى مرض ومات بها فى يوم الأربعاء لسبع بقين من شهر رجب سنة أربع وثلاثين ومائتين؛ واستخلف ابنه حاتم بن هرثمة على صلاة مصر. وكانت ولاية هرثمة المذكور على مصر سنة واحدة وثلاثة أشهر وثمانية أيام. وهذا ثانى هرثمة ولى إمرة مصر فى الدولة العباسيّة، فالأوّل هرثمة بن أعين، ولّاه الرشيد هارون على مصر سنة ثمان

ما وقع من الحوادث سنة 233

وسبعين ومائة، والثانى هو هرثمة بن نصر هذا. وكان هرثمة أميرا جليلا عاقلا مدبّرا سيوسا. وتولّى مصر من بعده ابنه حاتم بن هرثمة باستخلافه له، فأقرّه الخليفة. *** [ما وقع من الحوادث سنة 233] السنة التى حكم فيها هرثمة بن نصر على مصر وهى سنة ثلاث وثلاثين ومائتين- فيها كانت زلزلة عظيمة بدمشق سقط منها شرفات الجامع الأموىّ وانصدع حائط المحراب وسقطت منارته، وهلك خلق تحت الرّدم، وهرب الناس الى المصلّى باكين متضرّعين الى الله، وبقيت ثلاث ساعات ثم سكنت. وقال القاضى أحمد بن كامل فى تاريخه: رأى بعض أهل دير مرّان «1» دمشق تنخفض وترتفع مرارا، فمات تحت الرّذم معظم أهلها- هكذا قال ولم يقل بعض أهلها- ثم قال: وكانت الحيطان تنفصل حجارتها من بعضها مع كون الحائط عرض سبعة أذرع، ثم امتدّت هذه الزّلزلة الى أنطاكية فهدمتها، ثم الى الجزيرة فأخربتها، ثم الى الموصل. يقال: إنّ الموصل هلك من أهله خمسون ألفا، ومن أهل أنطاكية عشرون ألفا. وفيها أصاب القاضى أحمد بن أبى دواد فالج عظيم وبطلت حركته حتى صار كالحجر الملقى. وأحمد هذا هو القائل بخلق القرآن، يأتى ذكره عند وفاته فى هذا الكتاب فى محلّه إن شاء الله تعالى. وفيها فى شهر رمضان ولّى الخليفة المتوكّل على الله ابنه محمدا المنتصر الحرمين والطائف.

وفيها عزل المتوكل الفضل بن مروان عن ديوان الخراج وولّاه الفتح بن خاقان. وفيها غضب المتوكّل على عمر بن الفرج وصادره. وفيها قدم يحيى بن هرثمة بن أعين- وكان ولى طريق مكّة- بالشّريف علىّ بن محمد بن علىّ الرّضى العلوىّ من المدينة، وكان قد بلغ المتوكّل عنه شىء. وفيها توفى بهلول بن صالح أبو الحسن التّجيبىّ، كان إماما حافظا، قدم بغداد وحدّث بها، ومن رواياته عن ابن عباس رسالة زياد بن أنعم. وفيها توفّى محمد بن سماعة بن عبيد «1» الله بن هلال بن وكيع بن بشر أبو عبد الله القاضى الحنفىّ التّيمى، ولد سنة ثلاثين ومائة، وكان إماما عالما صالحا بارعا صاحب اختيارات وأقوال فى المذهب، وله المصنّفات «2» الحسان، وهو من الحفّاظ الثّقات؛ ولى القضاء وحمدت سيرته، ولم يزل به الى أن ضعف نظره واستعفى، وكان يصلّى كل يوم مائتى ركعة. قال: مكثت أربعين سنة لم تفتنى التكبيرة الأولى فى جماعة إلا يوما واحدا ماتت فيه أمّى فقاتتنى صلاة واحدة، وصلّيت خمسا «3» وعشرين صلاة رحمه الله تعالى. وفيها توفّى محمد بن عبد الملك بن أبان بن أبى حمزة «4» الزيّات الوزير أبو يعقوب وقيل: أبو جعفر أصله من جيل «5» (قرية تحت بغداد) . قلت: ومنها كان أصل الشيخ عبد القادر الكيلانى. وكان أبو محمد هذا تاجرا وانتمى هو للحسن بن سهل

فنوّه بذكره؛ حتى اتصل بعده بالمعتصم، ثم استوزره الواثق. وكان أديبا فاضلا شاعرا عارفا بالنّحو واللغة جوادا ممدّحا، ومن شعره على ما قيل قوله: فإن سرت بالجثمان عنكم فإنّنى ... أخّلف قلبى عندكم وأسير فكونوا عليه مشفقين فإنّه ... رهين لديكم فى الهوى وأسير قلت: وما أحسن قول القاضى ناصح الدّين الأرّجانىّ فى هذا المعنى: لم يبكنى إلا حديث فراقهم ... لمّا أسرّ به إلىّ مودّعى هو ذلك الدرّ الذي أودعتم ... فى مسمعى أجريته من مدمعى قلت: وهذا مثل قول الزمخشرىّ فى قوله لمّا رثى شيخه أبا مضر- والله أعلم من السابق لهذا المعنى لأنهما كانا متعاصرين-: وقائلة ما هذه الدّرر التى ... تساقط من عينيك سمطين سمطين فقلت لها الدّرّ الذي كان قد حشا ... أبو مضر أذنى تساقط من عينى وفيها توفى الإمام الحافظ الحجة يحيى بن معين بن عون بن زياد بن بسطام- وقيل: غياث بدل عون- أبو زكريا المرّىّ (مرّة بن غطفان مولاهم) البغدادىّ الحافظ المشهور، كان إمام عصره فى الجرح والتّعديل وإليه المرجع فى ذلك، وكان يتفقّه بمذهب الإمام أبى حنيفة. قال الإمام محمد بن إسماعيل البخارىّ: ما استصغرت نفسى إلّا عند يحيى بن معين. ومولده فى سنة ثمان وخمسين ومائة، فهو أسنّ من علىّ بن المدينىّ، وأحمد بن حنبل، وأبى بكر بن أبى شيبة، وإسحاق بن راهويه، وكانوا يتأدّبون معه ويعرفون له فضله، وروى عنه خلائق لا تحصى كثرة.

قال أبو حاتم: يحيى بن معين إمام. وقال النّسائىّ: هو أبو زكريا الثقة المأمون أحد الأئمة فى الحديث. وقال علىّ بن المدينىّ: لا نعلم أحدا من لدن آدم كتب من الحديث ما كتب يحيى بن معين. وعن يحيى بن معين قال: كتبت «1» بيدى ألف ألف حديث. وقال علىّ بن المدينىّ: انتهى علم الناس الى يحيى بن معين. وقال القواريرىّ: قال لى يحيى القطّان: ما قدم علينا أحد مثل هذين الرجلين: مثل أحمد بن حنبل ويحيى بن معين. وقال أحمد بن حنبل: كان يحيى بن معين أعلمنا بالرجال. وعن أبى سعيد الحدّاد قال: الناس عيال فى الحديث على يحيى بن معين. وقال محمد بن هارون الفلّاس: اذا رأيت الرجل ينتقص يحيى بن معين فاعرف أنّه كذّاب. وكانت وفاة يحيى بن معين لسبع بقين من ذى القعدة بالمدينة، ودفن بالبقيع. قال الذّهبىّ: وقال حبيش بن المبشّر وهو ثقة: رأيت يحيى بن معين فى النوم فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: أعطانى وحبانى «2» وزوّجنى ثلثمائة حوراء، ومهّد لى بين البابين. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أحمد بن عبد الله ابن أبى شعيب الحرّانى، وابراهيم بن الحجّاج السّامى، واسحاق بن سعيد بن الأركون الدّمشقى، وحبّان بن موسى المروزىّ، وسليمان بن عبد الرحمن بن بنت شرحبيل، وداهر بن نوح الأهوازىّ، وروح بن صلاح المصرىّ، وسهل بن عثمان العسكرىّ، وعبد الجبّار بن عاصم النّسائى، وعقبة بن مكرم الضّبّى، ومحمد بن سماعة القاضى،

ذكر ولاية حاتم بن هرثمة على مصر

ومحمد بن عائذ الكاتب، والوزير محمد بن عبد الملك بن الزيات، ويحيى بن أيّوب المقابرى، ويحيى بن معين، ويزيد بن موهب الرّملىّ «1» . أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وأربعة عشر إصبعا، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وعشرون إصبعا. ذكر ولاية حاتم بن هرثمة على مصر هو حاتم بن هرثمة بن نصر «2» الجيلىّ أمير مصر، وليها باستخلاف أبيه له بعد موته فى الثالث والعشرين من شهر رجب سنة أربع وثلاثين ومائتين على الصلاة؛ وأرسل كاتب الأمير إيتاخ التركىّ المعتصمىّ الذي إليه أمر مصر فى ولايته عليها مكان أبيه. وسكن المعسكر على عادة أمراء مصر. وجعل على شرطته محمد بن سويد. وأخذ فى إصلاح أحوال الديار المصرية؛ وبينما هو فى ذلك ورد عليه كتاب الأمير إيتاخ بصرفه عن إمرة مصر وتولية علىّ بن يحيى الأرمنىّ ثانيا على مصر، وكان ذلك فى يوم الجمعة لست خلون من شهر رمضان سنة أربع وثلاثين ومائتين المذكورة. فكانت ولاية حاتم هذا على مصر من يوم مات أبوه شهرا واحدا وثلاثة عشر يوما. وكان حاتم هذا جليلا نبيلا، وعنده معرفة وحسن تدبير، إلا أنه لم يحسن أمره مع إيتاخ، لطمع كان فى إيتاخ التركىّ الذي كان اليه أمر مصر بعد أشناس، وكلاهما كان تركيّا. ولم أقف على وفاة حاتم بن هرثمة هذا اهـ. *** [ما وقع من الحوادث سنة 234] السنة التى حكم فى أوّلها الى رجب هرثمة بن نصر، ومن رجب الى شهر رمضان ابنه حاتم بن هرثمة، ومن رمضان الى آخرها علىّ بن يحيى الأرمنىّ، وهى

سنة أربع وثلاثين ومائتين فيها هبّت ريح بالعراق شديدة السّموم لم يعهد مثلها، أحرقت زرع الكوفة والبصرة وبغداد وقتلت المسافرين، ودامت خمسين يوما، ثم اتّصلت بهمذان فأحرقت أيضا الزرع والمواشى، ثم اتّصلت بالموصل وسنجار «1» ، ومنعت الناس من المعاش فى الأسواق ومن المشى فى الطريق، وأهلكت خلقا. وفيها حجّ بالناس من العراق الأمير محمد بن داود بن عيسى العباسىّ، وكان له عدّة سنين يحجّ بالناس. وفيها أظهر الخليفة المتوكّل على الله جعفر السّنّة بمجلسه وتحدّث بها ونهى عن القول بخلق القرآن، وكتب بذلك الى الآفاق، حسبما ذكرناه فى ترجمة هرثمة هذا، واستقدم العلماء وأجزل عطاياهم. ولهذا المعنى قال بعضهم: الخلفاء ثلاثة: أبو بكر الصدّيق رضى الله عنه يوم الرّدّة، وعمر بن عبد العزيز رضى الله عنه فى ردّ مظالم بنى أميّة، والمتوكّل فى إظهار السنّة. وفيها خرج عن الطاعة محمد [بن البعيث «2» ] أمير إرمينية وأذربيجان وتحصّن بقلعة مرند «3» ؛ فسار لقتاله بغا الشّرابىّ فى أربعة آلاف، فنازله وطال الحصار بينهم، وقتل طائفة كبيرة من عسكر بغا، ودام ذلك بينهم الى أن نزل محمد بالأمان، وقيل: بل تدلّى ليهرب فأسروه. وفيها فوّض الخليفة المتوكل لإيتاخ متولّى إمرة مصر الكوفة والحجاز وتهامة ومكّة والمدينة مضافا على مصر، ودعى له على المنابر. وحجّ إيتاخ من سنته وقد تغيّر خاطر المتوكّل عليه. فلما عاد من الحجّ كتب المتوكّل إلى إسحاق بن إبراهيم

ابن مصعب بالقبض عليه فى الباطن إن أمكنه؛ فتحايل عليه إسحاق حتى قبض عليه وقيّده بالحديد وقتله عطشا، وكتب محضرا أنه مات حتف أنفه. وكان أصل إيتاخ هذا مملوكا من الخزر «1» طبّاخا لسلّام الأبرش؛ فاشتراه المعتصم، فرأى له رجلة «2» وبأسا فقرّبه ورفعه؛ ثم ولّاه الواثق بعد ذلك الأعمال الجليلة. وكان من أراد المعتصم والواثق والمتوكّل قتله سلّمه اليه، فقتل إيتاخ هذا مثل عجيف والعبّاس بن المأمون وابن الزيّات الوزير وغيرهم. وفيها توفّى زهير بن حرب بن شدّاد أبو خيثمة النّسائىّ، كان عالما ورعا فاضلا، رحل [إلى] البلاد وسمع الكثير وحدّث، وروى عنه جماعة، وكان من أئمة الحديث. وفيها توفّى سليمان بن داود بن بشر بن زياد الحافظ أبو أيّوب البصرىّ المنقرىّ المعروف بالشّاذكونىّ «3» ، رحل [إلى] البلاد وسمع الكثير وحدّث وروى عن خلائق، وروى عنه جمع كبير، وهو أحد الأئمة الحفّاظ الرحّالين. وفيها توفى سليمان بن عبد الله بن سليمان بن علىّ بن عبد الله بن العباس الأمير أبو أيوب الهاشمىّ العباسىّ، أحد أعيان بنى العباس وأحد من ولى الأعمال الجليلة مثل المدينة والبصرة واليمن وغيرها. وفيها توفّى علىّ بن عبد الله بن جعفر بن يحيى بن بكر بن سعيد، وقيل: جعفر بن نجيح بن بكر، الإمام الحافظ الناقد الحجّة أبو الحسن السّعدى مولاهم البصرىّ الدّارىّ

المعروف بابن المدينىّ، كان إمام عصره فى الجرح والتعديل والعلل، وكان أبوه محدّثا مشهورا. ومولد علىّ هذا فى سنة إحدى وستين ومائة، وهو أحد الأعلام وصاحب التصانيف؛ وسمع أباه وحمّاد بن زيد وابن عيينة والدّراوردىّ ويحيى القطّان وعبد الرحمن بن مهدىّ وابن عليّة وعبد الرزّاق وخلقا سواهم، وروى عنه البخارىّ وأبو داود والنّسائىّ وابن ماجه والتّرمذى عن رجل عنه وأحمد بن حنبل ومحمد بن يحيى الذّهلىّ وخلق سواهم. وعن ابن عيينة قال: يلوموننى على حبّ علىّ بن المدينى، والله إنى لأتعلّم منه أكثر مما يتعلّم منّى. وعن ابن عيينة قال: لولا علىّ بن المدينىّ ما جلست. وقال النّسائىّ: كأن الله خلق علىّ بن المدينى لهذا الشأن. وقال السّرّاج: سمعت محمد بن يونس [يقول] سمعت ابن المدينىّ يقول: تركت من حديثى مائة ألف حديث، منها ثلاثون ألفا لعبّاد بن صهيب. وقال السّرّاج: قلت للبخارىّ: ما تشتهى؟ قال: أن أقدم العراق وعلىّ بن المدينىّ حىّ فأجالسه. قال البخارىّ: مات علىّ بن عبد الله (يعنى ابن المدينى) ليومين بقيا من ذى القعدة بالمدينة سنة أربع وثلاثين ومائتين. وقال الحارث وغير واحد: مات بسامرّاء فى ذى القعدة. وقال الإمام أبو زكريا النووىّ: لابن المدينىّ فى الحديث نحو مائتى مصنّف. وفيها توفّى يحيى بن أيوب البغدادىّ العابد الصالح، ويعرف بالمقابرئ لانه كان يتعبّد بالمقابر، وكان له أحوال وكرامات. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى أحمد بن حرب النّيسابورىّ الزاهد، وروح بن عبد المؤمن القارئ، وأبو خيثمة زهير بن حرب، وسليمان بن داود الشّاذكونىّ، وأبو الرّبيع سليمان بن داود الزّهرانىّ، وعبد الله بن

ذكر ولاية على بن يحيى الثانية على مصر

عمر بن الرمّاح قاضى نيسابور، وأبو جعفر عبد الله بن محمد [النّفيلىّ «1» ] ، وعلىّ بن بحر القطّان، وعلىّ بن المدينىّ، ومحمد بن عبد الله بن نمير، ومحمد بن أبى بكر المقدّمىّ، والمعافى بن سليمان الرّسعنىّ «2» ، ويحيى بن يحيى اللّيثىّ الفقيه. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا واثنان وعشرون إصبعا. ذكر ولاية علىّ بن يحيى الثانية على مصر قد تقدّم الكلام على ولاية علىّ بن يحيى هذا أوّلا على مصر، ثم وليها ثانيا فى هذه المرّة بعد عزل حاتم بن هرثمة بن نصر عنها، من قبل الأمير إيتاخ المعتصمىّ على الصلاة فى يوم سادس شهر رمضان سنة أربع وثلاثين ومائتين هـ. فسكن علىّ ابن يحيى بالمعسكر على عادة الأمراء، وجعل على شرطته معاوية بن نعيم. واستمرّ علىّ هذا على إمرة مصر الى أن قبض الخليفة المتوكل على الله جعفر على إيتاخ المذكور فى المحرم سنة خمس وثلاثين ومائتين هـ، وقدم الخبر على الأمير علىّ هذا بالقبض على إيتاخ والحوطة على ماله بمصر، فاستصفيت أمواله وترك الدعاء له على منابرها بعد الخليفة؛ وأنّ المتوكّل ولّى ابنه وولىّ عهده محمّدا المنتصر مصر وأعمالها كما كان لإيتاخ المذكور؛ فدعى عند ذلك للمنتصر على منابر مصر. فكان حكم إيتاخ على الديار المصرية أربع سنين. ولما ولى المنتصر إمرة مصر أقرّ علىّ بن يحيى هذا على عمل

مصر على عادته؛ فاستمرّ عليها الى أن صرفه المنتصر عنها بإسحاق بن يحيى بن معاذ فى ذى الحجّة سنة خمس وثلاثين ومائتين. فكانت ولايته على مصر فى هذه المرّة الثانية سنة واحدة وثلاثة أشهر تنقص أيّاما. وخرج من مصر وتوجّه الى العراق وقدم على الخليفة المتوكّل على الله جعفر وصار عنده من كبار قوّاده؛ وجهّزه فى سنة تسع وثلاثين ومائتين الى غزو الروم، فتوجّه بجيوشه الى بلاد الروم فأوغل فيها، فيقال: إنّه شارف القسطنطينيّة، فأغار على الروم وقتل وسبى، حتى قيل: إنه أحرق ألف قرية وقتل عشرة آلاف علج، وسبى عشرة آلاف رأس، وعاد الى بغداد سالما غانما؛ فزادت رتبته عند المتوكّل أضعاف ما كانت. ثم غزا غزوة أخرى فى سنة تسع وأربعين ومائتين، وتوغّل فى بلاد الروم، ثم عاد قافلا من إرمينية الى ميّافارقين، فبلغه مقتل الأمير عمر بن عبد الله الأقطع بمرج الأسقف؛ وكان الروم فى خمسين ألفا فأحاطوا به- أعنى عمر بن عبد الله الأقطع- ومن معه فقتلوه وقتل عليه «1» ألف رجل من أعيان المسلمين؛ وكان ذلك فى يوم الجمعة منتصف شهر رجب سنة تسع وأربعين ومائتين المذكورة. فلمّا بلغ الأمير علىّ بن يحيى هذا عاد يطلب الروم بدم عمر بن عبد الله المذكور، حتى لقبهم وقاتلهم قتالا شديدا، حتى قتل وقتل معه أيضا من أصحابه أربعمائة رجل من أبطال المسلمين. رحمهم الله تعالى. وكان علىّ بن يحيى هذا أميرا شجاعا مقداما جوادا ممدّحا عارفا بالحروب والوقائع مدبّرا سيوسا محمود السيرة فى ولايته، وأصله من الأزمن؛ وقد حكينا طرفا من هذه الغزوة فى ولايته الأولى؛ والصواب أنّ ذلك كان فى هذه المرّة، وأنّ تلك الغزوة كانت غير هذه الغزوة التى قتل فيها. رحمه الله تعالى وتقبّل منه.

ما وقع من الحوادث سنة 235

*** [ما وقع من الحوادث سنة 235] السنة التى حكم فيها علىّ بن يحيى الأرمنىّ فى ولايته الثانية على مصر وهى سنة خمس وثلاثين ومائتين- فيها ألزم الخليفة المتوكّل على الله النصارى بلبس العسلىّ. وفيها ظهر رجل بسامرّاء يقال له محمود بن الفرج النّيسابورىّ، وزعم أنه ذو القرنين، وكان معه رجل شيخ يشهد أنّه نبىّ يوحى إليه، وكان معه كتاب كالمصحف، فقبض عليهما وعوقب محمود المذكور حتى مات تحت العقوبة، وتفرّق عنه أصحابه. وفيها عقد المتوكّل لبنيه الثلاثة وقسم الدنيا بينهم، وكتب بذلك كتابا، كما فعل جدّه هارون الرشيد مع أولاده؛ فأعطى المتوكّل ابنه الأكبر محمّدا المنتصر من عريش مصر الى إفريقيّة المغرب كلّه الى حيث بلغ سلطانه، وأضاف اليه جند قنّسرين والعواصم والثغور الشاميّة والجزيرة وديار بكر وربيعة والموصل والفرات وهيت وعانة والخابور ودجلة والحرمين واليمن واليمامة وحضر موت والبحرين والسّند وكرمان وكور الأهواز وما سبذان ومهرجان وشهرزور وقمّ وقاشان وقزوين والجبال؛ وأعطى ابنه المعتزّ بالله- واسمه الزبير وقيل محمد- خراسان وطبرستان وما وراء النهر والشرق كلّه؛ وأعطى ابنه المؤيّد بالله إبراهيم إرمينية وأذربيجان وجند دمشق والأردنّ وفلسطين. وفيها توفى إسحاق بن إبراهيم بن ميمون، أبو محمد التّميمىّ، ويعرف والده بالموصلىّ النديم، وقد تقدّم ذكره فى ولاية الرشيد هارون. وولد إسحاق هذا سنة خمسين ومائة، وكان إماما عالما فاضلا أديبا أخباريا؛ وكان بارعا فى ضرب العود وصنعة الغناء، فغلب عليه ذلك حتى عرف بإسحاق المغنّى، ونال بذلك عند الخلفاء من الرتبة ما لم ينله غيره، وهو مصنّف كتاب الأغانى «1» .

قال الذهبىّ: أبو محمد التميمىّ الموصلىّ النديم صاحب الغناء كان اليه المنتهى فى معرفة الموسيقى. قلت: لم يكن فى أيّام إسحاق الموسيقىّ ولا بعده بمدّة سنين مثله. اهـ. قال: وكان له أدب وافر وشعر رائق جزل، وكان عالما بالأخبار وأيّام الناس وغير ذلك من الفقه والحديث والأدب وفنون العلم. قال: وسمع من مالك وهشيم وسفيان بن عيينة والأصمعىّ وجماعة. اهـ. وعن إسحاق قال: بقيت دهرا من عمرى أغلّس «1» كلّ يوم الى هشيم أو غيره من المحدّثين، ثم أصير الى الكسائىّ أو الفرّاء أو ابن غزالة فأقرأ عليه جزءا من القرآن، ثم أصير الى منصور المعروف بزلزل المغنّى فيضاربنى طريقين فى العود أو ثلاثة، ثم آتى عاتكة بنت شهدة فآخذ منها صوتا أو صوتين، ثم آتى الأصمعىّ وأبا عبيدة فأنشدهما [وأستفيد منهما «2» ] ، فإذا كان العشاء رحت الى أمير المؤمنين الرشيد. ومن شعره: هل إلى أن تنام عينى سبيل ... إنّ عهدى بالنّوم عهد طويل وكان إسحاق يكره أن ينسب الى الغناء. وقال المأمون: لولا شهرته بالغناء لولّيته القضاء. وفيها توفى سريج- بسين مهملة وجيم- بن يونس بن إبراهيم المروزىّ الزاهد العابد جدّ ابن سريج الفقيه الشافعىّ، كان سريج أعجميا فرأى فى منامه الحقّ جلّ جلاله، فقال له: يا سريج، طلب «3» كن، فقال سريج: يا خداى سر بسر. وهذا

اللفظ بالعجمىّ معناه أنه قال له: يا سريج، سل حاجتك؛ فقال: يا رب رأس برأس. وروى سريج عن ابن عيينة، وروى عنه الإمام أحمد بن حنبل، وأخرج له البخارىّ ومسلم والنّسائىّ. وفيها توفى الطيّب بن إسماعيل بن إبراهيم الشيخ أبو محمد «1» الدؤلىّ، كان عابدا زاهدا يقصد الأماكن التى ليس فيها أحد؛ وكان يبيع اللآلئ والجواهر، وهو أحد القرّاء المشهورين وعباد الله الصالحين، وكان ثقة صدوقا، روى عن سفيان بن عيينة وغيره، وروى عنه البغوىّ وغيره. وفيها توفى عبد الله بن محمد بن إبراهيم الحافظ أبو بكر العبسىّ، ويعرف بابن أبى شيبة، كان أحد كبار الحفّاظ. وهو مصنّف المسند والتفسير والأحكام وغيرها، وقدم بغداد وحدّث بها. قال أبو عبيد القاسم بن سلّام: انتهى علم الحديث الى أربعة: أحمد بن حنبل، وأبى بكر بن أبى شيبة، ويحيى بن معين، وعلىّ بن المدينىّ؛ فأحمد أفقههم فيه، وأبو بكر أسردهم، ويحيى أجمع له، وابن المدينىّ أعلمهم به. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: فيها توفى أحمد بن عمر الوكيعىّ، وإبراهيم بن العلاء [زبريق الحمصىّ «2» ] ، وإسحاق الموصلىّ النديم، وسريج بن يونس العابد، وإسحاق بن إبراهيم بن مصعب أمير بغداد، وشجاع بن مخلّد، وشيبان بن فرّوخ، وأبو بكر «3» بن أبى شيبة، وعبيد الله بن عمر القواريرىّ، ومحمد بن عبّاد المكىّ، ومحمد بن حاتم السّمين، ومعلّى بن مهدىّ الموصلىّ، ومنصور بن أبى مزاحم، وأبو الهذيل العلّاف شيخ المعتزلة.

ذكر ولاية إسحاق بن يحيى على مصر

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وثمانية أصابع، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا وعشرون إصبعا. ذكر ولاية إسحاق بن يحيى على مصر هو إسحاق بن يحيى بن معاذ بن مسلم الختلىّ، أمير مصر، أصله من قرية ختلان (بلدة عند سمرقند) ، ولى مصر بعد عزل علىّ بن يحيى الأرمنىّ، فى ذى الحجة سنة خمس وثلاثين ومائتين، ولّاه المنتصر بن المتوكّل على مصر وجمع له صلاتها وخراجها معا، وقدم الى مصر لإحدى عشرة خلت من ذى الحجّة من سنة خمس وثلاثين ومائتين المذكورة. وقال صاحب «البغية والاغتباط» : إنّه وصل الى مصر لإحدى عشرة خلت من ذى القعدة وذكر السنة، فخالف فى الشهر ووافق فى السنة وغيرها. ولما قدم مصر سكن المعسكر، وجعل على الشّرطة الهيّاجىّ، وعلى المظالم عيسى بن لهيعة الحضرمىّ. وكان إسحاق هذا قد ولى إمرة دمشق فى أيام المأمون، ثم فى أيام أخيه المعتصم ثانيا مدّة طويلة، ثم ولى دمشق ثالثا فى أيام الخليفة هارون الواثق ودام بها الى أن نقله المنتصر لما ولّاه أبوه المتوكّل إمرة مصر، حسبما تقدّم ذكره. وكان إسحاق بن يحيى هذا من أجلّ الأمراء، كان جوادا ممدّحا شجاعا عاقلا مدبرّا سيوسا محبّا للشعر وأهله، وقصده كثير من الشعراء ومدحوه بغرر من المدائح وأجازهم الجوائز السنيّة. وكان فيه رفق بالرّعيّة وعدل وإنصاف؛ رفق بالناس فى أيام ولايته بدمشق عند ما ورد كتاب المعتصم بامتحان الرعيّة بالقول بخلق القرآن؛ وأيضا لمّا ولى مصر ورد عليه بعد مدّة من ولايته كتاب المنتصر وأبيه الخليفة المتوكّل بإخراج الأشراف العلويّين من مصر الى العراق فأخرجوا؛ وذلك بعد أن أمر المتوكّل بهدم قبر الحسين بن علىّ رضى الله عنهما وقبور العلويّين. وكان هذا وقع من المتوكّل فى سنة ستّ وثلاثين ومائتين وقيل قبلها.

وكان سبب بغضه فى علىّ بن أبى طالب وذرّيته أمر يطول شرحه وقفت عليه فى تاريخ الإسعردىّ «1» ، محصوله: أنّ المتوكّل كان له مغنّية تسمى أمّ الفضل، وكان يسامرها قبل الخلافة وبعدها، وطلبها فى بعض الأيّام فلم يجدها، ودام طلبه لها أيّاما وهو لا يجدها، ثم بعد أيّام حضرت وفى وجهها أثر شمس؛ فقال لها: أين كنت؟ فقالت: فى الحجّ؛ فقال: ويحك! هذا ليس من أيام الحجّ! فقالت: لم أرد الحجّ لبيت الله الحرام، وإنّما أردت الحجّ لمشهد علىّ؛ فقال المتوكّل: وبلغ أمر الشيعة الى أن جعلوا مشهد علىّ مقام الحجّ الذي فرضه الله تعالى! فنهى الناس عن التوجّه الى المشهد المذكور من غير أن يتعرّض الى ذكر علىّ رضى الله عنه؛ فثارت الرافضة عليه وكتبوا سبّه على الحيطان، فحنق من ذلك وأمر بألّا يتوجّه أحد لزيارة قبر من قبور العلويّين؛ فثاروا عليه أيضا، فتزايد غضبه منهم فوقع منه ما وقع. وحكاياته فى ذلك مشهورة لا يعجبنى ذكرها، إجلالا للإمام علىّ رضى الله عنه. ولما عظم الأمر أمر بهدم قبر الحسين رضى الله عنه وهدم ما حوله من الدور، وأن يعمل ذلك كلّه مزارع. فتألم المسلمون لذلك، وكتب أهل بغداد شتم المتوكّل على الحيطان والمساجد، وهجاه الشعراء دعبل وغيره، فصار كلّما يقع له ذلك يزيد ويفحش. وكان الأليق بالمتوكّل عدم هذه الفعلة، وبالناس أيضا ترك المخاصمة؛ لما قيل: يد الخلافة لا تطاولها يد. وفى هذا المعنى، أعنى فى هدم قبور العلويّين، يقول يعقوب بن السّكّيت وقيل هى لعلىّ بن أحمد- وقد بقى إلى بعد الثلاثمائة وطال عمره:

تالله إن كانت أميّة قد أتت ... قتل ابن بنت نبيّها مظلوما وعدّة أبيات أخر «1» . وقيل: إن ابن السكيت المذكور قتل ظلما من المتوكّل، فإنّه قال له يوما: أيّما أحبّ إليك: ولداى المؤيد والمعتزّ أم الحسن والحسين أولاد علىّ؟ فقال ابن السكيت: والله إنّ قنبرا خادم علىّ خير منك ومن ولديك «2» ؛ فقال: سلّوا لسانه من قفاه، ففعلوا فمات من ساعته. قلت: وفى هذه الحكاية نظر من وجوه عديدة. وقد طال الأمر وخرجنا عن المقصود، ونرجع الى ما نحن بصدده. ولما ورد كتاب المنتصر الى إسحاق بن يحيى هذا بإخراج العلويّين من مصر، أخرجهم إسحاق من غير إفحاش فى أمرهم؛ فصرفه المنتصر بعد ذلك بمدّة يسيرة عن إمرة مصر، فى ذى القعدة من سنة ستّ وثلاثين ومائتين، بعبد الواحد بن يحيى. فكانت ولاية إسحاق على مصر سنة واحدة تنقص عشرين يوما، ومات بعد ذلك بأشهر قليلة فى أوّل شهر ربيع الآخر من سنة سبع وثلاثين ومائتين بمصر، ودفن بالقرافة. ولما مات إسحاق رثاه بعض شعراء البصرة فقال من أبيات كثيرة: سقى الله ما بين المقطّم والصّفا ... صفا النّيل صوب المزن حيث يصوب وما بى «3» أن يسقى البلاد وإنّما ... مرادى أن يسقى هناك حبيب

ما وقع من الحوادث سنة 236

*** [ما وقع من الحوادث سنة 236] السنة التى حكم فيها إسحاق بن يحيى على مصر وهى سنة ست وثلاثين ومائتين- فيها حجّ بالناس المنتصر محمد بن الخليفة المتوكّل على الله. وحجّت أيضا أمّ المتوكّل، وشيّعها المتوكّل الى أن استقلّت بالمسير ثم رجع. وأنفقت أمّ المتوكّل أموالا جزيلة فى هذه الحجّة، واسمها شجاع. وفيها كان ما حكيناه من هدم قبر الحسين وقبور العلويّين وجعلت مزارع، كما تقدّم ذكره. وفيها أشخص المتوكل القضاة من البلدان لبيعة ولاة العهد أولاده: المنتصر بالله محمد، ومن بعده المعتزّ بالله محمد، وقيل الزبير، ومن بعده المؤيد بالله إبراهيم؛ وبعث خواصّه الى الأمصار ليأخذوا البيعة بذلك. وفيها وثب أهل دمشق على نائب دمشق سالم بن حامد، فقتلوه يوم الجمعة على باب الخضراء. وكان من العرب «1» ، فلمّا ولّى أذلّ قوما بدمشق من السّكون والسّكاسك لهم وجاهة ومنعة، فثاروا به وقتلوه. فندب المتوكّل لإمرة دمشق أفريدون التركىّ وسيّره إليها، وكان شجاعا فاتكا ظالما؛ فقدم فى سبعة آلاف فارس، وأباح له المتوكّل القتل بدمشق والنهب ثلاث ساعات. فنزل أفريدون بيت لهيا «2» ، وأراد أن يصبّح البلد؛ فلما أصبح نظر الى البلد، وطلب الركوب فقدّمت له بغلة فضربته بالزوج فقتلته، فدفن مكانه، وقبره ببيت لهيا، وردّ الجيش الذين كانوا معه خائفين. وبلغ المتوكّل، فصلحت نيّته لأهل دمشق. وفيها توفى إسماعيل بن إبراهيم بن بسّام «3»

الحافظ أبو إبراهيم التّرجمانى «1» كان إماما عالما محدّثا صاحب سنة وجماعة، كتب عنه الإمام أحمد بن حنبل أحاديث، وروى عنه محمد بن سعد وغيره، ووثّقه غير واحد. وفيها توفى الحسن بن سهل الوزير أبو محمد أخو ذى الرياستين الفضل بن سهل. كانا من بيت رياسة فى المجوس، فأسلما مع أبيهما فى خلافة الرشيد هارون واتصلوا بالبرامكة، فانضم سهل ليحيى بن خالد البرمكىّ، فضمّ يحيى الأخوين الى ولديه: فضمّ الفضل بن سهل الى جعفر، والحسن بن سهل هذا الى الفضل بن يحيى؛ فضمّ جعفر الفضل بن سهل الى المأمون وهو ولىّ عهد، فكان من أمره ما كان. ولمّا مات الفضل ولى الحسن هذا مكانه وزيرا؛ ثم لم تزل رتبته فى ارتفاع، الى أن تزوّج المأمون بابنته بوران بنت الحسن بن سهل، وقد تقدّم ذلك كلّه فى محلّه. ولم يزل الحسن بن سهل وافر الحرمة إلى أن مات بسرخس «2» فى ذى القعدة من شرب دواء أفرط به فى إسهاله، وخلّف عليه ديونا لكثرة إنعامه. وفيها توفى عبد السلام بن صالح ابن سليمان بن أيوب أبو الصّلت الهروىّ الحافظ الرحّال، رحل فى طلب العلم إلى البلاد، وأخذ الحديث عن جماعة، وروى عنه غير واحد. قيل: إنه كان فيه تشيّع. وفيها توفى منصور ابن الخليفة المهدىّ محمد ابن الخليفة أبى جعفر المنصور بن محمد ابن علىّ بن عبد الله بن العباس الهاشمىّ العباسىّ، الأمير عمّ الرشيد هارون. وكان منصور هذا ولى إمرة دمشق للأمين بن الرشيد، وتولّى أيضا عدّة أعمال جليلة. وكانت لديه فضيلة. وكانت وفاته فى المحرّم من السنة. وفيها توفى نصر بن زياد ابن نهيك الإمام أبو محمد النّيسابورىّ الفقيه الحنفىّ، سمع الحديث وتفقّه على محمد ابن الحسن، وولى قضاء نيسابور مدّة وحمدت سيرته. وكان نزيها عفيفا. رحمه الله.

ذكر ولاية عبد الواحد بن يحيى على مصر

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى إسحاق بن إبراهيم الموصلىّ، «1» وإبراهيم بن أبى معاوية الضرير، وإبراهيم بن المنذر الخزامىّ، وأبو إبراهيم الترجمانىّ إسماعيل بن إبراهيم، وأبو معمر القطيعىّ إسماعيل بن إبراهيم، والحسن ابن سهل وزير المأمون، وخالد بن عمرو السّلفىّ، وصالح بن حاتم بن وردان، وأبو الصّلت الهروىّ عبد السلام بن صالح، ومصعب بن عبد الله الزّبيرىّ، ومنصور بن المهدىّ الأمير، ونصر بن زياد قاضى نيسابور، وهدبة بن خالد. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وخمسة أصابع، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا واثنا عشر إصبعا. ذكر ولاية عبد الواحد بن يحيى على مصر هو عبد الواحد بن يحيى بن منصور بن طلحة بن زريق «2» مولى خزاعة، وهو ابن عمّ طاهر بن الحسين، ولى إمرة مصر على الصلاة والخراج معا من قبل المنتصر، كما كان أشناس وإيتاخ وغيرهما، بعد عزل إسحاق بن يحيى عنها. فقدمها عبد الواحد هذا فى الحادى والعشرين من ذى القعدة سنة ستّ وثلاثين ومائتين، وسكن بالمعسكر على عادة أمراء مصر، وجعل على شرطته محمد بن سليمان البجلىّ. واستمرّ على ذلك إلى أن ورد عليه كتاب المنتصر بعزله عن خراج، مصر فعزل فى يوم الثّلاثاء لسبع خلون من صفر سنة سبع وثلاثين ومائتين، ودام على الصلاة فقط. ثم ورد عليه فى السنة المذكورة كتاب الخليفة المتوكّل بحلق لحية قاضى قضاة مصر أبى بكر محمد بن أبى اللّيث وأن يضربه ويطوف به على حمار، ففعل به ما أمر به، وكان ذلك فى شهر رمضان

ما وقع من الحوادث سنة 237

من السنة وسجن، وكان القاضى المذكور من رءوس الجهميّة «1» . وولى القضاء بعده بمصر الحارث بن مسكين بعد تمنّع، وأمر بإخراج أصحاب أبى حنيفة والشافعى رضى الله عنهما من المسجد، ورفعت حصرهم، ومنع عامّة المؤذنين من الأذان. وكان الحارث قد أقعد، فكان يحمل فى محفّة الى الجامع، وكان يركب حمارا متربّعا، ثم ضرب الذين يقرءون بالألحان، ثم حمله أصحابه [على] النظر فى أمر القاضى المعزول- أعنى ابن أبى اللّيث المقدّم ذكره- وكانوا قد لعنوه بعد عزله وغسلوا موضع جلوسه فى المسجد، فصار الحارث بن مسكين يوقف القاضى محمد بن أبى الليث المذكور ويضربه كلّ يوم عشرين سوطا لكى يؤدّى ما وجب عليه من الأموال، وبقى على هذا أياما. ودام الحارث بن مسكين هذا قاضيا ثمان سنين حتى عزل بالقاضى بكّار ابن قتيبة الحنفىّ. واستمرّ الأمير عبد الواحد هذا على إمرة مصر إلى أن صرفه المنتصر عنها فى سلخ صفر سنة ثمان وثلاثين ومائتين بالأمير عنبسة بن إسحاق؛ وقدم إلى مصر خليفة عنبسة على صلاة مصر والشركة على الخراج فى مستهلّ شهر ربيع الأوّل، فكانت ولايته على مصر سنة واحدة وثلاثة أشهر وسبعة «2» أيام. *** [ما وقع من الحوادث سنة 237] السنة الأولى من ولاية عبد الواحد بن يحيى على مصر وهى سنة سبع وثلاثين ومائتين- على أنه حكم بمصر من السنة الخالية من ذى القعدة إلى آخرها، وقد ذكرنا تلك السنة فى ترجمة إسحاق بن يحيى وليس ذلك بشرط فى هذا الكتاب- أعنى تحرير حكم أمير مصر فى السنة المذكورة- بل جلّ القصد ذكر حوادث السنة وإضافة ذلك لأمير من أمراء مصر.

وفيها- أعنى سنة سبع وثلاثين ومائتين- وثبت بطارقة إرمينية على عاملهم يوسف بن محمد فقتلوه «1» . وبلغ المتوكّل ذلك، فجهّز لحربهم بغا الكبير؛ فتوجّه إليهم وقاتلهم حتى قتل منهم مقتلة عظيمة، قيل: إنّ القتلى بلغت ثلاثة «2» آلاف، ثم سار بغا الى مدينة تفليس «3» : وفيها أطلق المتوكّل جميع من كان فى السجن ممّن امتنع من القول بخلق القرآن فى أيام أبيه، وأمر بإنزال جثّة أحمد بن نصر الخزاعىّ فدفعت الى أقاربه فدفنت. وفيها ظهرت نار بعسقلان «4» أحرقت البيوت والبيادر «5» وهرب الناس، ولم تزل تحرق إلى ثلث الليل ثم كفّت بإذن الله تعالى. وفيها كان بناء قصر «6» العروس بسامرّاء وتكمّل فى هذه السنة، [فبلغت «7» ] النفقة عليه ثلاثين ألف ألف درهم. وفيها قدم محمد بن عبد الله بن طاهر الأمير على المتوكّل من خراسان، فولّاه العراق. وفيها رضى المتوكّل على يحيى بن أكثم، وولّاه القضاء والمظالم. وفيها توفّى إسحاق ابن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم بن [مطر أبو «8» ] يعقوب التّميمىّ «9» الحنظلىّ الحافظ المعروف بابن راهويه، كان من أهل مرو وسكن نيسابور، وولد سنة إحدى وستين ومائة، وكان إماما حافظا بارعا، اجتمع فيه الحديث والفقه والحفظ والدّين والورع، وهو أحد الأئمة الحفّاظ الرّحالة، ومات فى يوم الخميس نصف شعبان. وفيها توفّى حاتم بن يوسف وقيل ابن عنوان «10» أبو عبد الرحمن البلخىّ، وكان يعرف بالأصمّ

ما وقع من الحوادث سنة 238

ونسب الى ذلك، لأنّ امرأة سألته مسألة فخرج منها صوت ريح من تحتها فخجلت؛ فقال لها: ارفعى صوتك، وأراها من نفسه أنه أصمّ حتى سكن ما بها، فغلب عليه الأصمّ، وكان ممّن جمع له العلم والزهد والورع. وفيها توفى حيّان بن بشر الحنفىّ، كان إماما عالما فقيها محدّثا ثقة، ولى قضاء بغداد وأصبهان، وحمدت سيرته. وفيها توفى الشيخ أبو عبيد البسرىّ، أصله من قرية بسر من أعمال حوران، كان صالحا مجاب الدّعوة صاحب كرامات وأحوال، واسمه محمد، وكان صاحب جهاد وغزو. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى إبراهيم بن محمد بن عمر الشافعىّ، وحاتم الأصمّ الزاهد، وسعيد بن حفص «1» النّفيلىّ، والعباس بن الوليد النّرسىّ «2» - قلت: النّرسىّ بفتح النون وسكون الراء المهملة- وعبد الله بن عامر بن زرارة، وعبد الله بن مطيع، وعبد الأعلى بن حمّاد النّرسىّ، وعبيد الله بن معاذ العنبرىّ، وأبو كامل الفضيل بن الحسين الجحدرىّ، ومحمد بن قدامة الجوهرىّ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبعة أذرع سواء، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا وخمسة عشر إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 238] السنة الثانية من ولاية عبد الواحد بن يحيى على مصر وهى سنة ثمان وثلاثين ومائتين- فيها حاصر بغا تفليس وبها إسحاق بن إسماعيل مولى بنى أميّة، فخرج إسحاق للمحاربة فأسر ثم ضربت عنقه، وأحرقت تفليس واحترق فيها خلق، وفتحت عدّة حصون بنواحى تفليس.

وفيها قصدت الرّوم لعنهم الله ثغر دمياط فى ثلثمائة مركب، فكبسوا البلد وسبوا ستّمائة امرأة ونهبوا وأحرقوا وبدّعوا، ثم خرجوا مسرعين فى البحر. وفيها توفّى بشر بن الوليد بن خالد الإمام أبو بكر الكندى الحنفىّ، كان من العلماء الأعلام وشيخا من مشايخ الإسلام، كان عالما ديّنا صالحا عفيفا مهيبا» ، وكان يحيى بن أكثم شكاه إلى الخليفة المأمون؛ فاستقدمه المأمون وقال له: لم لا تنفّذ أحكام يحيى؟ فقال: سألت عنه أهل بلده فلم يحمدوا سيرته؛ فصاح المأمون: اخرج اخرج؛ فقال يحيى بن أكثم: قد سمعت كلامه يا أمير المؤمنين فاعزله؛ فقال: لا والله لم يراعنى فيك مع علمه بمنزلتك عندى، كيف أعزله!. وفيها توفّى صفوان بن صالح بن صفوان الثّقفىّ الدّمشقىّ مؤذّن جامع دمشق، كان إماما محدّثا سمع من سفيان بن عيينة وغيره، وروى عنه الإمام أحمد بن حنبل وغيره. وفيها توفّى الأمير عبد الرحمن بن الحكم بن هشام أبو المطرّف الأموىّ الدّمشقىّ الأصل المغربىّ أمير الأندلس، ولد بطليطلة «2» فى سنة سبع وسبعين ومائة وأقام على إمرة الأندلس ثنتين وأربعين سنة، ومات فى صفر، وملك الأندلس من بعده ابنه. وقد تقدّم الكلام على سلفه وكيفيّة خروجه من دمشق الى المغرب فى أوائل الدّولة العبّاسية. وفيها توفّى محمد بن المتوكل بن عبد الرحمن العسقلانىّ الحافظ مولى بنى هاشم، كان فاضلا زاهدا محدّثا، أسند عن الفضيل بن عياض وغيره، ومات بعسقلان، وكان من الأئمة الحفّاظ الرحّالين.

ذكر ولاية عنبسة بن إسحاق على مصر

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أحمد بن محمد المروزىّ مردويه، وإبراهيم بن أيوب الحورانىّ الزّاهد، وابراهيم بن هشام الغسّانى، وإسحاق بن ابراهيم بن زبريق- بكسر الزاى وسكون الموحدة-، وإسحاق بن راهويه، وبشر ابن الحكم العبدى، وبشر بن الوليد الكندىّ، وزهير بن عبّاد الرّؤاسىّ، وحكيم بن سيف الرّقىّ، وطالوت بن عبّاد، وعبد الرحمن بن الحكم بن هشام صاحب الأندلس الأموىّ، وعبد الملك بن حبيب فقيه لأندلس، وعمرو بن زرارة، ومحمد بن بكّار بن الريّان، ومحمد بن الحسين البرجلانىّ «1» ، ومحمد بن عبيد بن حساب «2» ، ومحمد بن المتوكّل اللؤلؤىّ المقرئ، ومحمد بن أبى السّرىّ العسقلانىّ، ويحيى بن سليمان نزيل مصر. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وسبعة أصابع، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وستة أصابع. ذكر ولاية عنبسة بن إسحاق على مصر هو عنبسة بن إسحاق بن شمر بن عيسى بن عنبسة الأمير أبو حاتم، وقيل: أبو جابر، وهو من أهل هراة «3» ، ولى إمرة مصر بعد عزل عبد الواحد بن يحيى عنها، ولّاه المنتصر محمد بن الخليفة المتوكل على الله جعفر، فى صفر سنة ثمان وثلاثين ومائتين على الصلاة؛ فأرسل عنبسة خليفته على صلاة مصر، فقدم مصر فى مستهلّ شهر ربيع الأوّل من السنة المذكورة، فخلفه المذكور على صلاة مصر حتى قدمها فى يوم السبت لخمس خلون من شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة متولّيا على الصلاة وشريكا لأحمد بن خالد الصّريفينىّ «4» صاحب خراج مصر. وسكن عنبسة المعسكر على عادة

الأمراء، وجعل على شرطته أبا أحمد محمد بن عبد الله القمّىّ «1» . وكان عنبسة خارجيّا يتظاهر بذلك؛ فقال فيه يحيى بن الفضل من أبيات: خارجيّا يدين «2» بالسيف فينا ... ويرى قتلنا جميعا صوابا ولما ولى عنبسة مصر أمر العمّال بردّ المظالم، وخلّص الحقوق، وأنصف الناس غاية الإنصاف، وأظهر من الرفق والعدل بالرعيّة والإحسان اليهم ما لم يسمع بمثله فى زمانه؛ وكان يتوجّه ماشيا الى المسجد الجامع من مسكنه بالمعسكر بدار الإمارة. وكان ينادى فى شهر رمضان: السّحور، لانه كان يرمى بمذهب الخوارج، كما تقدّم ذكره. وفى أوّل ولايته نزل الروم على دمياط فى يوم عرفة وملكوها وأخذوا ما فيها وقتلوا منها جمعا كبيرا من المسلمين، وسبوا النساء والأطفال؛ فلما بلغه ذلك ركب من وقته بجيوش مصر ونفر اليهم يوم النحر سنة ثمان وثلاثين ومائتين- وقد تقدّم ذلك- فلم يدرك الرّوم، فأصلح شأن دمياط ثم عاد الى مصر. وكان سبب غفلة عنبسة عن دمياط أنه قدم عليه عيد الأضحى وأراد طهور ولديه يوم العيد حتى يجمع بين العيد والفرح، واحتفل لذلك احتفالا كبيرا، حتى بلغ به الأمر أن أرسل الى ثغرى دمياط وتنّيس «3» فأحضر سائر من كان بهما من الجند والخرجيّة والزرّاقين وغيرهما، وكذلك من كان بثغر الإسكندرية من المذكورين، فرحلوا إليه بأجمعهم؛ واتفق مع هذا أنه لما كان صبح يوم عرفة هجم على دمياط ثلثمائة سفينة مشحونة بمقاتلة الروم، فوجدوا البلد خاليا من الرّجال والمقاتلة ولم يمنعهم عنها مانع، فهجموا [على] البلد وأكثروا من القتل والسّبى والنّهب. وكان عنبسة غضب على مقدّم من أهل دمياط يقال له أبو جعفر

ابن الأكشف، فقيّده وحبسه فى بعض الأبرجة؛ فمضى إليه بعض أعوانه وكسروا قيده وأخرجوه، واجتمع اليه جماعة من أهل البلد، فحارب بهم الروم حتى هزمهم وأخرجهم من دمياط، ونزحوا عن دمياط مهزومين ومضوا الى أشموم «1» تنّيس فلم يقدروا عليها فعادوا إلى بلادهم. ودام بعد ذلك عنبسة على مصر إلى أن ورد عليه كتاب المنتصر أن ينفرد بالخراج والصّلاة معا، وصرف شريكه على الخراج أحمد بن خالد؛ فدام على ذلك مدّة، ثم صرف عن الخراج فى أوّل جمادى الآخرة من سنة إحدى وأربعين ومائتين بعد أن عاد من سفرة الصعيد الآتى «2» ذكرها فى آخر ترجمته، وانفرد بالصلاة. ثم ورد عليه كتاب الخليفة المتوكّل بالدعاء بمصر للفتح بن خاقان، أعنى أنّ الفتح ولى إمرة مصر مكان المنتصر بن المتوكّل، وصار أمر مصر إليه يولّى بها من شاء، وذلك فى شهر ربيع الأوّل من سنة اثنتين وأربعين ومائتين، فدعى له بها على العادة بعد الخليفة. وفى أيام عنبسة المذكور كان خروج أهل الصعيد الأعلى من معاملة الديار المصرية على الطاعة، وامتنعوا من إعطاء ما كان مقرّرا عليهم، وهو فى كل سنة خمسمائة نفر من العبيد والجوارى مع غير ذلك من البخت «3» البجاويّة وزرافتين وفيلين وأشياء أخر. فلما كانت سنة أربعين ومائتين تجاهروا بالعصيان وقطعوا ما كانوا يحملونه، وتعرّضوا لمن كان يعمل فى معادن الزمرّذ من العمّال والفعلة والحفّارين فاجتاحوا الجميع؛ وبلغ بهم الأمر حتى اتصلت غاراتهم بأعالى الصعيد

فانتهبوا بعض القرى المتطرّفة مثل إسنا وأتفو «1» وظواهر هما؛ فأجفل أهل الصعيد عن أوطانهم؛ وكتب عامل الخراج إلى عنبسة يعلمه بما فعلته البجاة، فلم يمكن عنبسة كتم هذا الخبر عن الخليفة المتوكّل على الله جعفر؛ فكتب إليه بجميع ما فعلته البجاة؛ فلمّا وقف على ذلك أنكر على ولاة الناحية تفريطهم «2» ؛ ثم شاور المتوكّل فى أمرهم أرباب الخبرة بمسالك تلك البلاد؛ فعرّفوه أنّ المذكورين أهل بادية وأصحاب إبل وماشية؛ وأنّ الوصول إلى بلادهم صعب لأنّها بعيدة عن العمران، وبينها وبين البلاد الإسلاميّة برارىّ موحشة ومفاوز معطشة وجبال مستوعرة، وأنّ التكلف الى قطع تلك المسافة وهى أقلّ ما تكون مسيرة شهرين من ديار مصر، ويريد المتوجّه أن يستعدّ بجميع ما يحتاج إليه من المياه والأزواد والعلوفات، ومتى ما أعوزه شىء من ذلك هلك جميع من معه من الجند وأخذهم البجاة قبضا باليد. ثم إنّ هؤلاء الطائفة متى طرقهم طارق من جهة البلاد الإسلامية طلبوا النّجدة ممّن يجاورهم من طريق النّوبة، وكذلك النوبة طلبوا النجدة من ملوك الحبوش، وهى ممالك متصلة بشاطئ نهر النيل حتى تنتهى بمن قصده السير الى بلاد الزّنج، ومنها الى جبل القمر «3» الذي ينبع منه النيل، وهى آخر العمران من كرة الأرض. وقد ذكر القاضى شهاب الدين بن فضل الله العمرىّ فى كتابه «مسالك الأبصار فى ممالك الأمصار» : أنّ سكان هذه البلاد المذكورة لا فرق بينهم وبين الحيوانات الوحشيّة لكونهم حفاة عراة ليس على أحدهم من الكسوة ما يستره، وجميع ما يتقوّتون به من الفواكه التى تنبت عندهم فى تلك الجبال، ومن الأسماك التى تكون عندهم فى الغدران التى تجرى على

وجه الأرض من زيادة النيل، ولا يعترف أحد منهم بزوجة ولا بولد ولا بأخ وأخت؛ بل هم على صفة البهائم ينزو بعضهم على بعض. فلما وقف المتوكّل على ما ذكره أرباب الخبرة بأحوال تلك البلاد، فترت عزيمته عما كان قد عزم عليه من تجهيز العساكر. وبلغ ذلك محمد بن عبد الله القمّىّ وكان من القوّاد الذين يتولّون خفارة الحاج فى أكثر السنين، فحضر محمد المذكور الى الفتح بن خاقان وزير المتوكّل وذكر له أنه متى رسم المتوكّل الى عمّال مصر بتجهيزه عبر إلى بلاد البجاة، وتعدّى منها الى أرض النّوبة ودوّخ سائر تلك الممالك. فلما عرض الفتح حديثه على المتوكّل أمر بتجهيزه وسائر ما يحتاج إليه، وكتب إلى عنبسة بن إسحاق هذا، وهو يومئذ عامل مصر، أن يمدّه بالخيل والرجال والجمال وما يحتاج إليه من الأسلحة والأموال، وأن يولّيه الصعيد الأعلى يتصرّف فيه كيف شاء. وسار محمد حتى وصل إلى مصر، فعند ما وصلها قام له عنبسة بسائر ما اقترحه عليه، ونزل له عن عدّة ولايات من أعمال الصعيد، مثل قفط والقصير وإسنا وأرمنت وأسوان؛ وأخذ محمد بن عبد الله القمّىّ المذكور فى التّجهيز، فلمّا فرغ من استخدام الرجال وبذل الأموال، حمل «1» ما قدر عليه من الأزواد والأثقال، بعد أن جهّز من ساحل السويس سبع مراكب موقرة بجميع ما تحتاج عساكره إليه: من دقيق وتمر وزيت وقمح وشعير وغير ذلك. وعيّنت لهم الأدلّاء مكانا من ساحل البحر نحو عيذاب، يكون اجتماعهم فيه بعد مدّة معلومة. ثم رحل محمد من مدينة قوص مقتحما تلك البرارى الموحشة، وقد تكامل معه من العسكر سبعة آلاف مقاتل غير الأتباع، وسار حتى تعدّى حفائر الزمرّذ، وأوغل فى بلاد القوم حتى قارب مدينة دنقلة، وشاع خبر قدومه إلى أقصى بلاد السودان؛ فنهض ملكهم- وكان يقال له على بابا- إلى محاربة العسكر الواصل مع محمد المذكور، ومعه من

تلك الطوائف المقدّم ذكرها أمم لا تحصى، غير أنهم عراة بغير ثياب، وأكثر سلاحهم الحراب والمزاريق، ومراكبهم البخت النّوبية الصّهب، وهى على غاية من الزّعارّة «1» والنّفار؛ فعند ما قاربوا العساكر الإسلاميّة وشاهدوا ما هم عليه من التجمّل والخيول والعدد وآلات الحرب فلم يقدروا على محاربتهم، عزموا «2» على مطاولتهم حتى تفنى أزوادهم وتضعف خيولهم ويتمكنوا منهم كيفما أرادوا؛ فلم يزالوا يراوغونهم مراوغة الثعالب، وصاروا كلّما دنا منهم محمد ليواقعهم يرحلون من بين يديه من مكان إلى مكان، حتى طال بهم المطال وفنيت الأزواد، فلم يشعروا إلّا وتلك المراكب قد وصلت إلى الساحل، فقويت بها قلوب العساكر الإسلامية؛ فعند ذلك تيقّنت السّودان أن المدد لا ينقطع عنهم من جهة الساحل، فصمّموا على محاربتهم ودنوا إليهم فى أمم لا تحصى. فلما نظر محمد إلى السودان التى أقبلت عليه انتزع جميع ما كان فى رقاب جمال عساكره من الأجراس، فعلّقها فى أعناق خيوله، وأمر أصحابه بتحريك الطبول وبنفير «3» الأبواق ساعة الحملة؛ وتم «4» واقفا بعساكره وقد رتّبها ميامن ومياسر بحيث لم يتقدّم منهم عنان عن عنان؛ وزحفت السودان عليه وهو بموقفه لا يتحرّك حتى قاربوه، وكادت تصل مزاريقهم الى صدر خيوله؛ فعند ذلك أمر أصحابه بالتكبير، ثم حمل بعساكره على السودان حملة رجل واحد وحرّكت نقّاراته وخفقت طبوله، وعلا حسّ تلك الأجراس، حتى خيّل للسودان أنّ السماء قد انطبقت على الأرض، فرجعت جمال السودان عند ذلك «5» جافلة على أعقابها، وقد تساقط عن ظهورها أكثر ركّابها؛ واقتحم عساكر الإسلام السودان فقتلوا من ظفروا به منهم، حتى كلّت أيديهم وامتلأت تلك الشّعاب والبرارى بالقتلى، حتى حال «6» بينهم الليل. وفات المسلمين

على بابا (أعنى ملكهم) ، لأنّه كان مع جماعة من أهل بيته وخواصّه قد نجوا على ظهور الخيل. فلما انفصلت الواقعة وتحقّقت السودان أنّهم لا مقام لهم بهذه البلاد حتى يأخذوا لأنفسهم الأمان؛ فأرسل على بابا ملك السودان الى محمد بن عبد الله القمّى يسأله الأمان ليرجع الى ما كان عليه من الطاعة ويتدرّك له حمل ما تأخر عليه من المال المقرّر له لمدة أربع سنين، فبذل له محمد الأمان؛ وأقبل عليه على بابا حتى وطئ بساطه، فخلع عليه محمد خنعة من ملابسه وعلى ولده وعلى جماعة من أكابر أصحابه. ثم شرط عليه محمد أن يتوجّه معه الى بين يدى الخليفة المتوكّل على الله ليطأ بساطه؛ فامتثل على بابا ذلك، وولّى ولده مكانه الى أن يحضر من عند الخليفة؛ وكان اسم ولده المذكور ليعس «1» بابا. ثم عاد محمد بن عبد الله القمىّ بعسكره وصحبته على بابا حتى وصل الى مصر فأكرمه عنبسة المذكور، وكان خرج الى لقائه بأقصى بلاد الصعيد؛ وقيل: بل كان مسافرا معه وهو بعيد. فأقام محمد بن عبد الله مدّة يسيرة ثم خرج بعلى بابا الى العراق وأحضره بين يدى الخليفة المتوكّل على الله؛ فأمره الحاجب بتقبيل الأرض فامتنع؛ فعزم المتوكل أن يأمر بقتله وخاطبه على لسان التّرجمان: إنّه بلغنى أنّ معك صنما معمولا من حجر أسود تسجد له فى كلّ يوم مرتين، فكيف تتأبّى عن تقبيل الأرض بين يدىّ وبعض غلمانى قد قدر عليك وعفا عنك! فلما سمع على بابا كلامه قبّل الأرض ثلاث مرّات؛ فعفا عنه المتوكّل وأفاض عليه الخلع وأعاده الى بلاده. كل ذلك فى أيام ولاية عنبسة على مصر، وابتنى عنبسة فى أيام ولايته أيضا المصلّى «2» المجاورة لمصلّى خولان وكانت من أحسن المبانى؛ ثم صرف عنبسة بيزيد بن عبد الله بن دينار فى أوّل

ما وقع من الحوادث سنة 239

شهر رجب سنة اثنتين وأربعين ومائتين. فكانت ولاية عنبسة المذكور على مصر أربع سنين وأربعة أشهر. قلت: وعنبسة هذا هو آخر من ولى مصر من العرب وآخر أمير صلّى فى المسجد الجامع، وخرج من مصر فى شهر رمضان وتوجه الى العراق سنة أربع وأربعين ومائتين. *** [ما وقع من الحوادث سنة 239] السنة الأولى من ولاية عنبسة بن إسحاق على مصر وهى سنة تسع وثلاثين ومائتين- فيها نفى المتوكّل علىّ بن الجهم الى خراسان. وفيها غزا الأمير علىّ بن يحيى الأرمنىّ بلاد الروم- أعنى الذي عزل عن نيابة مصر قبل تاريخه، وقد تقدّم ذلك كلّه فى ترجمته- فأوغل علىّ بن يحيى المذكور فى بلاد الروم حتى شارف القسطنطينيّة، فأحرق ألف قرية وقتل عشرة آلاف علج وسبى عشرين ألفا وعاد سالما غانما. وفيها عزل المتوكّل يحيى بن أكثم عن القضاء وأخذ منه مائة ألف دينار، وأخذ «1» له من البصرة أربعة آلاف جريب. وفيها فى جمادى الأولى زلزلت الدنيا فى الليل واصطكّت الجبال ووقع من الجبل المشرف على طبريّة قطعة طولها ثمانون ذراعا وعرضها خمسون ذراعا فمات تحتها خلق كثير. وفيها حجّ بالناس عبد الله بن محمد بن داود العباسىّ، وهو يوم ذاك أمير مكّة. وفيها توفى محمد بن أحمد بن أبى دواد القاضى أبو الوليد الإيادى، ولّاه المتوكّل القضاء والمظالم بعد ما أصاب أباه أحمد بن أبى دواد الفالج، ثم عزل بعد مدّة عن المظالم ثم عن القضاء، كلّ ذلك فى حياة أبيه فى حال مرضه بالفالج. وأبوه هو الذي كان يقول بخلق القرآن وحمل الخلفاء على امتحان العلماء. وكان محمد هذا بخيلا مسّيكا مع شهرة أبيه بالكرم. وكانت وفاته فى حياة والده، وعظم مصابه على أبيه مع ما هو فيه من شدّة مرضه بالفالج حتى إنّه [كان] كالحجر الملقى.

ما وقع من الحوادث سنة 240

الذين ذكر الذهبى وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى إبراهيم بن يوسف البلخىّ الفقيه، وداود بن رشيد، وصفوان بن صالح الدّمشقىّ المؤذّن، والصّلت بن مسعود الجحدرىّ، وعثمان بن أبى شيبة، ومحمد بن مهران الجمّال الرازىّ، ومحمد بن نصر «1» المروزىّ، ومحمد بن يحيى بن أبى سمينة، ومحمود بن غيلان، ووهب بن بقيّة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وثلاثة وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 240] السنة الثانية من ولاية عنبسة بن إسحاق على مصر وهى سنة أربعين ومائتين- فيها سمع أهل خلاط «2» صيحة عظيمة من جوّ السماء، فمات خلق كثير. وفيها وقع برد بالعراق كبيض الدّجاج قتل بعض المواشى. ويقال: إنه خسف فيها ببلاد المغرب ثلاث عشرة قرية ولم ينج من أهلها إلّا نيّف وأربعون رجلا، فأتوا القيروان فمنعهم أهل القيروان من الدخول اليها، وقالوا: أنتم مسخوط عليكم؛ فبنوا لهم خارجها وسكنوا وحدهم. وفيها حجّ بالناس محمد بن عبد الله بن داود العباسىّ. وفيها وثب أهل حمص على عاملهم أبى المغيث الرافقىّ «3» متولى البلد، فأخرجوه منها وقتلوا جماعة من أصحابه؛ فسار اليهم الأمير محمد بن عبدويه، ففتك بهم وفعل بهم الأعاجيب. وفيها توفى إبراهيم بن خالد بن أبى اليمان الحافظ أبو ثور الكلبىّ، كان أحد من جمع بين الفقه والحديث، وسمع سفيان بن عيينة وطبقته، وروى عنه مسلم بن الحجّاج صاحب الصحيح

وغيره، واتفقوا على صدقه وثقته. وفيها توفى أحمد بن أبى دواد بن جرير القاضى، أبو عبد الله الإيادىّ البصرىّ ثم البغدادىّ، واسم أبيه الفرح «1» ، ولى القضاء للمعتصم والواثق؛ وكان مصرّحا بمذهب الجهميّة، داعية الى القول بخلق القرآن؛ وكان موصوفا بالجود والسخاء والعلم وحسن الخلق وغزارة الأدب. قال الصّولىّ كان يقال: أكرم من كان فى دولة بنى العباس البرامكة ثم ابن أبى دواد؛ لولا ما وضع به نفسه من المحنة، ولولاها لاجتمعت الألسن عليه؛ ومولده سنة ستين ومائة بالبصرة. وقال أبو العيناء: كان أحمد بن أبى دواد شاعرا مجيدا فصيحا بليغا، ما رأيت رئيسا «2» أفصح منه. قال ابن دريد: أخبرنا الحسن بن الخضر قال: كان ابن أبى دواد مؤالفا «3» لأهل الأدب من أىّ بلد كانوا، وكان قد ضمّ «4» اليه جماعة يمونهم، فلما مات اجتمع ببابه جماعة منهم، وقالوا: يدفن من كان ساحة «5» الكرم وتاريخ الأدب ولا يتكلّم فيه! إن هذا لوهن وتقصير. فلمّا طلع سريره قام ثلاثة [منهم «6» ] فقال أحدهم: اليوم مات نظام الفهم واللّسن ... ومات من كان يستعدى على الزمن وأظلمت سبل الآداب إذ حجبت ... شمس المكارم فى غيم من الكفن

وقال الثانى: ترك المنابر والسرير تواضعا ... وله منابر لو يشا وسرير ولغيره يجبى «1» الخراج وإنّما ... تجبى إليه محامد وأجور وقال الثالث: وليس نسيم «2» المسك ريح حنوطه ... ولكنّه ذاك الثناء المخلّف وليس صرير النعش ما تسمعونه ... ولكنّه أصلاب قوم تقصّف وكانت وفاته لسبع بقين من المحرّم. وكانت وفاة ابنه محمد [بن أحمد] بن أبى دواد فى السنة الخالية. وقد تقدّم ابن أبى دواد هذا فى عدّة أماكن من هذا الكتاب فيمن تكلم بخلق القرآن. وفيها توفى قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف، أبو رجاء الثّقفىّ، من أهل بغلان، وهى قرية من قرى بلخ. ومولده فى سنة خمسين ومائة. وكان إماما عالما فاضلا محدّثا، رحل الى الأمصار، وأكثر من السماع، وحدّث عن مالك ابن أنس وغيره، وروى عنه الإمام أحمد بن حنبل وغير واحد. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى أحمد بن خضرويه البلخىّ الزاهد، وأحمد بن أبى دواد القاضى، وأبو ثور الفقيه إبراهيم بن خالد، وإسماعيل بن عبيد بن أبى كريمة الحرّانىّ، وجعفر بن حميد الكوفىّ، والحسن ابن عيسى بن ما سرجس، وخليفة العصفرىّ «3» ، وسويد بن سعيد «4» الحدثانىّ، وسويد بن نصر المروزىّ، وعبد السلام بن سعيد سحنون الفقيه،

ما وقع من الحوادث سنة 241

وعبد الواحد بن غياث، وقتيبة بن سعيد، ومحمد بن خالد بن عبد الله الطّحّان، ومحمد بن الصّبّاح الجرجرائى، ومحمد بن أبى غياث الأعين، واللّيث بن المقرئ صاحب الكسائىّ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وثلاثة عشر إصبعا، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا ونصف ذراع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 241] السنة الثالثة من ولاية عنبسة بن إسحاق على مصر وهى سنة إحدى وأربعين ومائتين- فيها فى جمادى الآخرة ماجت النجوم فى السماء وتناثرت الكواكب كالجراد أكثر الليل، وكان أمرا مزعجا لم يسمع بمثله. وفيها ولّى الخليفة المتوكّل على الله جعفر أبا حسّان الزّيادىّ قضاء الشرقيّة فى المحرّم، وشهد عنده الشهود على عيسى بن جعفر بن محمد بن عاصم أنه شتم أبا بكر وعمر وعائشة وحفصة؛ فكتب المتوكّل إلى محمد بن عبد الله بن طاهر ببغداد: أن يضرب عيسى بالسّياط حتى يموت ويرمى فى دجلة، ففعل به ذلك. وفيها فادى المتوكّل الروم، فخلّص من المسلمين سبعمائة وخمسة وثلاثين رجلا من أيدى الروم ممّن كان أسيرا عندهم. وفيها توفى الامام أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله ابن حيّان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان، هكذا نسبه ولده عبد الله، واعتمده جماعة من المؤرّخين؛ وزاد غيرهم بعد شيبان فقال: ابن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علىّ بن بكر بن وائل؛ الإمام أحد الأعلام وشيخ الإسلام أبو عبد الله الشّيبانىّ البغدادىّ صاحب المذهب، مولده فى شهر ربيع الأوّل سنة أربع وستين ومائة، روى عن جماعة كثيرة مثل هشيم وسفيان بن عيينة ويحيى القطّان والوليد

ابن مسلم وغندر وزياد البكّائىّ ويحيى بن أبى زائدة والقاضى أبى يوسف يعقوب ووكيع وابن نمير وعبد الرحمن بن مهدىّ وعبد الرزاق والشافعىّ وخلق كثير، وممّن روى عنه محمد بن إسماعيل البخارى ومسلم بن الحجّاج صاحب الصحيح وأبو داود وخلق كثير. وقال عبد الرزاق: ما رأيت أفقه من أحمد بن حنبل ولا أورع. وقال إبراهيم بن شمّاس: سمعت وكيعا يقول: ما قدم الكوفة مثل ذاك الفتى (يعنى أحمد بن حنبل) . وعن عبد الرحمن بن مهدىّ قال: ما نظرت إلى أحمد بن حنبل إلا تذكّرت به سفيان الثّورىّ. وقال القواريرىّ: قال لى يحيى القطّان: ما قدم علىّ مثل أحمد بن حنبل ويحيى بن معين. وروى ابن عساكر عن الشافعىّ: أنه لما قدم مصر سئل: من خلّفت بالعراق؟ فقال: ما خلّفت به أعقل «1» ولا أورع ولا أفقه ولا أزهد من أحمد بن حنبل. قلت: وفضل الإمام أحمد أشهر من أن يذكر، ولو لم يكن من فضله ودينه إلا قيامه فى السّنّة وثباته فى المحنة لكفاه ذلك شرفا، وقد ذكرنا من أحواله نبذة كبيرة فى هذا الكتاب فى أيام المحنة وغيرها. وكانت وفاته فى شهر ربيع الأوّل منها (أى من هذه السنة) رحمه الله تعالى. وقد روينا مسنده عن المشايخ الثلاثة المسندين المعمّرين: زين الدين عبد الرحمن بن يوسف بن الطّحّان، وعلىّ بن إسماعيل بن بردس وأحمد بن عبد «2» الرحمن الذهبىّ، قالوا: أخبرنا أبو عبد الله صلاح الدين محمد بن أبى عمر المقدسىّ أخبرنا أبو النّجيب علىّ بن أبى العباس المنصورىّ أخبرنا أبو علىّ حنبل ابن علىّ الرّصافىّ أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن الحصين أخبرنا أبو الحسين علىّ بن

المذهب أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعىّ أخبرنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل حدّثنا أبى. وفيها توفّى الحسن بن حمّاد أبو علىّ الحضرمىّ، ويعرف بسجّادة لملازمته السّجّادة فى الصلاة، كان إماما عالما زاهدا عابدا، سمع أبا معاوية الضّرير وغيره، وروى عنه ابن أبى الدنيا وطبقته، وهو أحد من امتحن بالقول بخلق القرآن وثبت على السّنّة، وقد تقدّم ذكره فى أيام المحنة وشىء من أخباره وأجوبته لإسحاق بن إبراهيم نائب الخليفة ببغداد فى سنة ثمان عشرة ومائتين. وفيها توفى محمد بن محمد بن إدريس، أبو عثمان العسقلانىّ الأصل المصرىّ ابن الإمام الشافعىّ رضى الله عنه. وكان للشافعىّ ولد آخر اسمه محمد توفى بمصر صغيرا وولى محمد هذا قضاء الجزيرة، وحمدت هناك سيرته، وسمع من أبيه وأحمد بن حنبل وغيرهما. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الإمام أحمد بن حنبل، والحسن بن حمّاد سجّادة، [وجبارة «1» بن المغلّس] ، وأبو توبة الرّبيع بن نافع الحلبىّ وعبد الله بن منير المروزىّ، وأبو قدامة عبيد الله بن سعيد السرخسىّ، ومحمد ابن عبد العزيز بن أبى رزمة، وأبو مروان محمد بن عثمان العثمانىّ، ومحمد بن عيسى التّيمىّ الرازىّ المقرئ، وهديّة «2» بن عبد الوهاب المروزىّ، ويعقوب بن حميد بن كاسب. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وخمسة أصابع. مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وخمسة أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 242

*** [ما وقع من الحوادث سنة 242] السنة الرابعة من ولاية عنبسة بن إسحاق على مصر وهى سنة اثنتين وأربعين ومائتين- فيها حشدت الروم وخرجوا من ناحية سميساط «1» الى آمد «2» والجزيرة، فقتلوا وسبوا نحو عشرة آلاف نفس ثم رجعوا. وفيها حجّ بالناس أمير مكة الأمير عبد الصمد ابن موسى بن محمد الهاشمىّ. وحجّ من البصرة إبراهيم بن مظهر الكاتب على عجلة تجرّها الإبل وتعجّب الناس من ذلك. وفيها كانت زلزلة بعدّة بلاد فى شعبان، هلك منها خلق تحت الرّدم، قيل: بلغت عدّتهم خمسة وأربعين ألفا، وكان معظم الزلزلة بالدّامغان «3» ، حتى قيل إنه سقط نصفها، وزلزلت الرّىّ وجرجان ونيسابور وطبرستان وأصبهان، وتقطّعت الجبال وتشقّقت الأرض بمقدار ما يدخل الرجل فى الشّقّ، ورجمت قرية السّويداء بناحية مضر «4» بالحجارة. وقع منها حجر على أعراب، فوزن حجر منها فكان عشرة أرطال (لعلّه بالشامىّ) ، وسار جبل باليمن عليه مزارع لأهله حتى أتى مزارع آخرين، ووقع بحلب طائر أبيض دون الرّخمة فى شهر رمضان فصاح: يا معشر الناس، اتقوا الله اتقوا الله اتقوا الله أربعين صوتا، ثم طار وجاء من الغد ففعل كذلك؛ وكتب البريد بذلك وشهد خمسمائة إنسان سمعوه. وفيها مات رجل ببعض كور الأهواز فى شوّال، فسقط طائر أبيض على جنازته، فصاح بالفارسيّة: إن الله قد غفر لهذا الميّت ولمن شهد جنازته. وفيها توفى عبد الله بن بشر بن أحمد بن ذكوان إمام جامع دمشق. قال أبو زرعة: لم يكن بالشأم ومصر والعراق والحجاز

ذكر ولاية يزيد بن عبد الله على مصر

أقرأ من ابن ذكوان، وكان مولده سنة ثلاث وأربعين ومائة، ومات يوم عاشوراء. وفيها توفّى محمد بن أسلم بن سالم أبو الحسن الطّوسىّ، كان إماما زاهدا عابدا، تشبّه بالصحابة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى أبو مصعب «1» الزّهرىّ، والحسن بن علىّ الحلوانىّ، وابن ذكوان المقرئ، وزكريا بن يحيى كاتب العمرىّ، ومحمد بن أسلم الطّوسىّ، ومحمد بن رمح التّجيبىّ، ومحمد بن عبد الله ابن عمّار «2» ، ويحيى بن أكثم. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وستة عشر إصبعا، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وخمسة أصابع. ذكر ولاية يزيد بن عبد الله على مصر هو يزيد بن عبد الله بن دينار الأمير أبو خالد، كان من الموالى، ولى مصر بعد عزل عنبسة عنها، فى شهر رجب سنة اثنتين وأربعين ومائتين، ولّاه المنتصر على الصلاة. فلما ولى مصر أرسل أخاه العبّاس بن عبد الله بن دينار أمامه إلى مصر خليفة له؛ ثم قدم يزيد هذا بعده إلى مصر لعشر بقين من شهر رجب سنة اثنتين وأربعين ومائتين المذكورة؛ وسكن المعسكر، وأقام الحرمة ومهّد أمور الديار المصرية، وأخرج المؤنّثين منها وضربهم وطاف بهم، ثم منع النداء على الجنائز، وضرب جماعة بسبب ذلك؛ وفعل أشياء من هذه المقولة؛ ودام على ذلك إلى المحرّم سنة خمس وأربعين ومائتين. خرج من مصر الى دمياط لما بلغه نزول «3» الروم عليها فأقام بها مدّة لم يلق حربا

ذكر أول من قاس النيل بمصر

ورجع فى شهر ربيع الأوّل من السنة الى مصر؛ وعند حضوره الى مصر بلغه ثانيا نزول الروم إلى دمياط، فخرج أيضا من مصر لوقته وتوجّه الى دمياط فلم يلقهم، فأقام بالثغر مدّة ثم عاد الى مصر. ثم بدا له تعطيل الرّهان الذي كان لسباق الخيل بمصر وباع الخيل التى كانت تتّخذ للسّباق بمصر. ثم تتبّع الروافض بمصر وأبادهم وعاقبهم وامتحنهم وقمع أكابرهم، [وحمل منهم «1» جماعة الى العراق على أقبح وجه] ؛ ثم التفت الى العلويّين، فجرت عليهم منه شدائد من الضّيق عليهم وأخرجهم من مصر. وفى أيّامه فى سنة سبع وأربعين ومائتين بنى مقياس النيل بالجزيرة المنعوتة بالرّوضة. ذكر أوّل من قاس النّيل بمصر أوّل من قاسه يوسف الصدّيق بن يعقوب نبىّ الله عليه السلام. وقيل: إنّ النيل كان يقاس بأرض علوة الى أن بنى مقياس منف، وإنّ القبط كانت تقيس عليه الى أن بطل لما بنت دلوكة العجوز صاحبة مصر مقياسا بأنصنا «2» ، وكان صغير الذّرع؛ ثم بنت مقياسا آخر بإخميم. ودلوكة هذه هى التى بنت الحائط المحيط بمصر من العريش الى أسوان، وقد تقدّم ذكرها فى أوّل هذا الكتاب عند ذكر من ملك مصر من الملوك قبل الإسلام. وقيل: إنهم كانوا يقيسون الماء قبل أن يوضع المقياس بالرّصاصة، وقيل غير ذلك. فلم يزل المقياس فيما مضى قبل الفتح بقيساريّة الأكسية الى أن ابتنى المسلمون بين الحصن والبحر أبنيتهم الباقية الآن. وكان للروم أيضا

مقياس بالقصر «1» خلف الباب يمنة من يدخل منه فى داخل الزّقاق، أثره قائم الى اليوم، وقد بنى عليه وحوله. ولما فتح عمرو بن العاص مصر بنى بها مقياسا بأسوان، فدام المقياس بها مدّة الى أن بنى فى أيام معاوية بن أبى سفيان مقياس بأنصنا أيضا؛ فلم يزل يقاس عليه الى أن بنى عبد العزيز بن مروان مقياسا بحلوان. وكان عبد العزيز بن مروان أمير مصر إذ ذاك من قبل أخيه عبد الملك بن مروان، وقد تقدّم ذكر عبد العزيز فى ولايته على مصر. وكان عبد العزيز يسكن بحلوان. وكان مقياس عبد العزيز الذي ابتناه بحلوان صغير الذرع. ثم بنى أسامة بن زيد التّنوخىّ فى أيام الوليد بن عبد الملك مقياسا وكسر فيه ألف قنطار «2» . وأسامة هذا هو الذي بنى بيت المال بمصر، وكان أسامة عامل خراج مصر. ثم كتب أسامة المذكور الى سليمان بن عبد الملك بن مروان لما ولى الخلافة ببطلان هذا المقياس المذكور، وأن المصلحة بناء مقياس غير ذلك؛ فكتب إليه سليمان ببناء مقياس فى الجزيرة (يعنى الروضة) فبناه أسامة فى سنة سبع وتسعين- قال ابن بكير «3» مؤرّخ مصر: أدركت المقياس بمنف ويدخل القيّاس بزيادته كل يوم إلى الفسطاط (يعنى مصر) - ثم بنى المتوكّل فيها مقياسا فى سنة سبع وأربعين ومائتين

فى ولاية يزيد بن عبد الله هذا، وهو المقياس الكبير المعروف بالجديد. وقدم من العراق محمد بن كثير الفرغانىّ المهندس فتولّى بناءه؛ وأمر المتوكّل بأن يعزل النّصارى عن قياسه؛ فجعل يزيد بن عبد الله أمير مصر على القياس أبا الرّدّاد الفقيه المعلّم، واسمه عبد الله بن عبد السلام بن عبد الله بن أبى الرّدّاد المؤذن وكان القمّىّ «1» يقول: أصل أبى الرّدّاد هذا من البصرة. وذكر الحافظ ابن يونس قال: قدم مصر وحدّث بها وجعل على قياس النيل، وأجرى عليه سليمان بن وهب صاحب خراج مصر سبعة «2» دنانير فى كلّ شهر، فلم يزل القياس من ذلك الوقت فى أيدى أبى الرّدّاد وأولاده الى يومنا هذا. ومات أبو الردّاد المذكور فى سنة ست «3» وستين ومائتين. قلت: وهذا المقياس هو المعهود الآن، وبطل بعمارته كلّ مقياس كان بنى قبله من الوجه القبلىّ والبحرىّ بأعمال الديار المصرية. واستمرّ على ذلك الى أن ولى الأمير أبو العباس أحمد بن طولون الدّيار المصريّة، وركب من القطائع فى بعض الأحيان فى سنة تسع وخمسين ومائتين ومعه أبو أيّوب صاحب خراجه والقاضى بكّار بن قتيبة الحنفىّ الى المقياس وأمر بإصلاحه وقدّر له ألف دينار. قلت: وأما مصروف عمارة هذا المقياس فشىء كثير، وبنى بعد تعب زائد وكلفة كبيرة يطول الشرح فى ذكرها؛ وفى النظر الى بنائه ما يغنى عن ذكر مصروف عمارته. وبنى أيضا الحارث مقياسا بالصناعة «4» لا يلتفت اليه ولا يعتمد عليه ولا يعتدّ به، وأثره باق الى اليوم.

وقال الحسن بن محمد بن عبد المنعم: لما فتحت العرب مصر عرّف عمرو بن العاص عمر بن الخطاب ما يلقى أهلها من الغلاء عند وقوف النيل عن حدّ مقياس لهم فضلا عن تقاصره، وأن فرط «1» الاستشعار يدعوهم الى الاحتكار، ويدعو الاحتكار الى تصاعد الأسعار بغير قحط. فكتب عمر بن الخطاب الى عمرو بن العاص يسأله عن شرح الحال؛ فأجابه عمرو: إنى وجدت ما تروى به مصر حتى لا يقحط أهلها أربعة عشر ذراعا، والحدّ الذي تروى منه الى سائرها حتى يفضل منه عن حاجتهم ويبقى عندهم قوت سنة أخرى ستة عشر ذراعا، والنّهايتان المخوفتان فى الزيادة والنّقصان، وهما الظمأ والاستبحار، اثنا عشر ذراعا فى النقصان وثمانية عشر ذراعا فى الزيادة. وكان «2» البلد فى ذلك الوقت محفور الأنهار معقود الجسور عند ما تسلّموه من القبط، وخميرة «3» العمارة فيه. قلت: وقد تقدّم ذكر ما تحتاج مصر اليه من الرجال للحرث والزراعة وحفر لجسور، وكميّة خراج مصر يوم ذاك وبعده فى أوّل هذا الكتاب عند ذكر النيل، فلا حاجة لذكره هنا ثانيا اذ هو مستوعب هناك. ولم نذكر هنا هذه الأشياء إلا استطرادا لعمارة هذا المقياس المعهود الآن فى أيام صاحب هذه الترجمة؛ فلزم من ذلك التعريف بما كان بمصر من صفة كلّ مقياس ومحلّه وكيفيّته، ليكون الناظر فى هذا الكتاب على بصيرة بما تقدّم من أحوال مصر. ولما وقف عمر بن الخطاب على كتاب عمرو بن العاص استشار عليّا رضى الله عنهما فى ذلك؛ ثم أمره أن يكتب اليه ببناء مقياس، وأن ينقص ذراعين من

اثنى عشر ذراعا، وأن يقرّ ما بعدهما على الأصل، وأن ينقص من كل ذراع بعد الستة عشر ذراعا إصبعين؛ ففعل ذلك وبناه عمرو (أعنى المقياس) بحلوان؛ فاجتمع له كلّ ما أراد. وقال ابن عفير وغيره من القبط المتقدّمين: اذا كان الماء فى اثنى عشر يوما من مسرى اثنى عشر ذراعا فهى سنة ماء، وإلا فالماء ناقص؛ وإذا تمّ ستة عشر ذراعا قبل النّوروز فالماء يتمّ. فاعلم ذلك. قلت: وهذا بخلاف ما عليه الناس الآن؛ لأن الناس لا يقنعهم فى هذا العصر إلا المناداة من أحد وعشرين ذراعا، لعدم معرفتهم بقوانين مصر، ولأشياء أخر تتعلّق بما لا ينبغى ذكره. وقد خرجنا عن المقصود فى ترجمة يزيد بن عبد الله هذا، غير أننا أتينا بفضائل وغرائب. ودام يزيد بن عبد الله على إمرة مصر إلى أن مات الخليفة المتوكّل على الله جعفر، ويخلّف بعده ابنه المنتصر محمد. وقتل أيضا الفتح بن خاقان مع المتوكّل، وكان الفتح قد ولّاه المتوكّل أمر مصر وعزل عنه ابنه محمدا المنتصر هذا. وكان قتل المتوكّل فى شوّال من سنة سبع وأربعين ومائتين التى بنى فيها هذا المقياس. ولمّا بويع المنتصر بالخلافة أرسل الى يزيد بن عبد الله المذكور باستمراره على عمله بمصر. فدام يزيد بن عبد الله هذا على ذلك إلى أن مات الخليفة المنتصر فى شهر ربيع الأوّل سنة ثمان وأربعين ومائتين، وبويع المستعين بالله بالخلافة. [و] أرسل المستعين إليه بالاستسقاء لقحط كان بالعراق؛ فاستسقوا بمصر لسبع عشرة خلت من ذى القعدة، واستسقى جميع أهل الآفاق فى يوم واحد؛ فإن المستعين كان قد أمر سائر عمّاله

ما وقع من الحوادث سنة 243

بالاستسقاء فى هذا اليوم المذكور. ودام يزيد بن عبد الله على إمرة مصر حتى خلع المستعين من الخلافة، بعد أمور وقعت له، فى المحرّم سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وبويع المعتزّ بن المتوكل بالخلافة؛ فعند ذلك أخيفت السّبل وتخلخل أمر الديار المصرية لاضطراب أمر الخلافة. وخرج جابر بن الوليد بالاسكندرية، فتجهّز يزيد بن عبد الله هذا لحربه، وجمع الجيوش وخرج من الديار المصرية والتقاه؛ فوقع له معه حروب ووقائع كان ابتداؤها من شهر ربيع الآخر من سنة اثنتين وخمسين ومائتين؛ وطال القتال بينهما وانكسر كلّ منهما غير مرّة وتراجع. فلما عجز يزيد بن عبد الله عن أخذ جابر بن الوليد المذكور، أرسل الى الخليفة فطلب منه نجدة لقتال جابر وغيره؛ فندب الخليفة الأمير مزاحم بن خاقان فى عسكر هائل الى التوجّه الى الديار المصرية، فخرج بمن معه من العراق حتى قدم مصر معينا ليزيد بن عبد الله المذكور لثلاث عشرة بقيت من شهر رجب من السنة المذكورة؛ وخرج يزيد بن عبد الله الى ملاقاته وأجلّه وأكرمه، وخرج الجميع وواقعوا جابر بن الوليد المذكور وقاتلوه حتى هزموه ثم ظفروا به واستباحوا عسكره، وكتبوا الى الخليفة بذلك؛ فورد عليهم الجواب بصرف يزيد ابن عبد الله هذا عن إمرة مصر وباستقرار مزاحم بن خاقان عليها عوضه، وذلك فى شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث وخمسين ومائتين. فكانت مدّة ولاية يزيد بن عبد الله هذا على مصر عشر سنين وسبعة أشهر وعشرة أيام. *** [ما وقع من الحوادث سنة 243] السنة الأولى من ولاية يزيد بن عبد الله التركىّ على مصر وهى سنة ثلاث وأربعين ومائتين- فيها حجّ بالناس عبد الصمد بن موسى، وسار بالحجّ من العراق جعفر ابن دينار. وفيها فى آخر السنة قدم المتوكّل إلى الشأم فأعجبته دمشق وأراد أن

يسكنها وبنى له القصر بداريّا «1» حتى كلّموه فى الرجوع إلى العراق وحسنوا له ذلك؛ فرجع بعد أن سمع بيتى «2» يزيد بن محمد المهلبىّ وهما: أظنّ الشام تشمت «3» بالعراق ... إذا عزم الإمام على انطلاق «4» فإن يدع «5» العراق وساكنيه ... فقد تبلى المليحة بالطّلاق وفيها توفّى أبو إسحاق إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول تكين، الكاتب المعروف بالصّولىّ، الكاتب الشاعر المشهور؛ كان أحد الشعراء المجيدين، وله ديوان شعر صغير الحجم ونثر بديع. وهو ابن أخت العباس بن الأحنف الشاعر، ونسبته الى جدّه صول تكين المذكور، وكان أحد ملوك خراسان، وأسلم على يد يزيد بن المهلّب ابن أبى صفرة. وقال الحافظ أبو القاسم حمزة بن يوسف السّهمىّ فى تاريخ جرجان: الصّولىّ جرجانىّ الأصل، وصول: من بعض ضياع جرجان، وهو عمّ والد أبى بكر محمد ابن يحيى بن عبد الله بن العباس الصّولىّ صاحب كتاب الوزراء وغيره من المصنّفات، فإنهما مجتمعان فى العباس المذكور. ومن شعر الصّولىّ هذا قوله: ؟؟؟ دنت بأناس عن تناء زيارة ... وشطّ بليلى عن دنوّ مزارها وإنّ مقيمات بمنعرج اللّوى ... لأقرب من ليلى وهاتيك دارها

وفيها توفّى الحارث بن أسد الحافظ أبو عبد الله المحاسبىّ، أصله من البصرة وسكن بغداد، وكان كبير الشأن فى الزهد والعلم، وله التصانيف المفيدة. وفيها توفّى الوليد بن شجاع بن الوليد بن قيس الشيخ الإمام أبو همّام السّكونىّ البغدادىّ، كان صالحا عفيفا ديّنا عابدا وتوفّى ببغداد. وفيها توفى هارون بن عبد الله بن مروان الحافظ أبو موسى البزّاز مات ببغداد فى شوّال، وأخرج عنه مسلم وغيره، وكان ثقة صدوقا. وفيها توفّى هنّاد بن السّرىّ الدّارمىّ الكوفىّ الزاهد الحافظ، كان يقال له راهب الكوفة، سمع وكيعا وطبقته، وروى عنه أبو حاتم الرّازىّ وغيره. وفيها توفّى القاضى يحيى بن أكثم ابن محمد بن قطن بن سمعان التّميمىّ الأسيّدىّ «1» ، أبو عبد الله، وقيل أبو زكريا، وقيل أبو محمد. ولى القضاء بالبصرة وبغداد والكوفة وسامرّا، وكان إماما عالما بارعا. قال أبو بكر الخطيب فى تاريخه: كان أحد أعلام الدنيا ممّن اشتهر أمره وعرف خبره، ولم يستتر عن الكبير والصغير من الناس فضله وعلمه ورياسته وسياسته؛ وكان أمر الخلفاء والملوك لأمره، وكان واسع العلم والفقه والأدب اهـ. قال الكوكبىّ: أخبرنا أبو علىّ محرز «2» بن أحمد الكاتب حدّثنى محمد بن مسلم البغدادىّ السّعدىّ قال: دخلت على يحيى بن أكثم فقال: افتح هذه القمطرة، ففتحتها، فاذا شىء قد خرج منها، ورأسه رأس إنسان ومن سرتّه الى أسفله خلقة زاغ «3» ، وفى ظهره سلعة «4» وفى صدره سلعة، فكبّرت وهلّلت ويحيى يضحك، ثم قال بلسان فصيح:

أنا الزّاغ أبو عجوه ... أنا ابن اللّيث واللّبوه أحبّ الرّاح والريحا ... ن والنّشوة والقهوه فلا عربدتى تخشى ... ولا تحذر لى سطوه ثم قال لى: يا كهل، أنشدنى شعرا غزلا؛ فقال لى يحيى بن أكثم: قد أنشدك فأنشده؛ فأنشدته: أغرّك أن أذنبت ثم تتابعت ... ذنوب فلم أهجرك ثم أتوب «1» وأكثرت حتى قلت ليس بصارمى ... وقد يصرم الإنسان «2» وهو حبيب فصاح: زاغ «3» زاغ زاغ، وطار ثم سقط فى القمطرة؛ فقلت: أعزّ الله القاضى! وعاشق أيضا! فضحك؛ فقلت: ما هذا؟ فقال: هو ما ترى! وجّه به صاحب اليمن الى أمير المؤمنين وما رآه بعد اهـ. وقال أبو خازم القاضى: سمعت أبى يقول: ولى يحيى بن أكثم قضاء البصرة وله عشرون سنة فاستصغروه، فقال أحدهم: كم سنّ القاضى؟ [فعلم «4» انه قد استصغر] ، فقال: أنا أكبر من عتّاب الذي استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلّم على أهل مكة، وأكبر من معاذ الذي وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيا على اليمن، وأكبر من كعب بن سور الذي وجّهه عمر قاضيا على البصرة [فجعل جوابه «5» احتجاجا] . وفيها توفى يعقوب بن إسحاق السّكّيت الإمام

ما وقع من الحوادث سنة 244

أبو يوسف اللغوىّ صاحب إصلاح المنطق، كان علّامة الوجود، قتله المتوكّل بسبب محبّته لعلىّ بن أبى طالب رضى الله عنه. قال له يوما: أيّما أحبّ إليك أنا وولداى: المؤيّد والمعتزّ، أم علىّ والحسن والحسين؟ فقال: والله إنّ شعرة من قنبر خادم علىّ خير منك ومن ولديك؛ فأمر المتوكّل الأتراك فداسوا بطنه؛ فحمل الى بيته ومات اهـ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وثمانية عشر إصبعا، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وإصبعان. *** [ما وقع من الحوادث سنة 244] السنة الثانية من ولاية يزيد بن عبد الله على مصر وهى سنة أربع وأربعين ومائتين- فيها سخط المتوكّل على حكيمه بختيشوع ونفاه إلى البحرين. وفيها افتتح بغا التركىّ حصنا كبيرا من الروم يقال له صملة. وفيها اتّفق عيد الأضحى وفطير اليهود وعيد الشّعانين للنّصارى فى يوم واحد. وفيها توفى الحسن بن رجاء أبو علىّ البلخىّ، كان إماما حافظا، سافر فى طلب الحديث، وسمع الكثير، ولقى الشيوخ، وروى عنه غير واحد. وفيها توفّى علىّ بن حجر بن إياس بن مقاتل الإمام أبو الحسن السّعدىّ [المروزىّ «1» ] ، ولد سنة أربع وخمسين ومائة، وكان من علماء خراسان، كان حافظا متقنا شاعرا، طاف البلاد وحدّث، وانتشر حديثه بمرو. وفيها توفى محمد «2» بن العلاء بن كريب أبو كريب الهمذانىّ الكوفىّ الحافظ، كان من الأئمة الحفّاظ، لم يكن بعد الإمام أحمد أحفظ منه.

ما وقع من الحوادث سنة 245

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أحمد بن منيع، وإبراهيم بن عبد الله الهروىّ، وإسحاق بن موسى الخطمىّ «1» ، والحسن بن شجاع البلخىّ الحافظ، وأبو عمّار الحسين بن حريث، وحميد بن مسعدة، وعبد الحميد ابن بيان الواسطىّ، وعلىّ بن حجر، وعتبة بن عبد الله المروزىّ، ومحمد بن أبان مستلى وكيع، ومحمد بن عبد الملك بن أبى الشّوارب، ويعقوب بن السّكّيت. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وإصبع واحد. مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا واثنا عشر إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 245] السنة الثالثة من ولاية يزيد بن عبد الله على مصر وهى سنة خمس وأربعين ومائتين- فيها عمّت الزلازل الدنيا فأخربت القلاع والمدن والقناطر، وهلك خلق بالعراق والمغرب، وسقط من أنطاكية [ألف وخمسمائة «2» دار و] نيّف وتسعون برجا وتقطّع جبلها الأقرع وسقط فى البحر؛ وسمع من السماء أصوات هائلة، وهلك أكثر أهل اللّاذقيّة «3» تحت الرّدم، وهلك أهل «4» جبلة، وهدمت بالس «5» وغيرها، وامتدّت الى خراسان، ومات خلائق منها. وأمر المتوكّل بثلاثة آلاف ألف درهم للذين أصيبوا فى منازلهم. وزلزلت مصر، وسمع أهل بلبيس من ناحية مصر صيحة هائلة، فمات خلق من أهل بلبيس

وغارت عيون مكّة. وفيها أمر المتوكّل ببناء مدينة الماحوزة «1» ، وسمّاها الجعفرىّ «2» ، وأقطع الأمراء آساسها؛ وبعد هذا أنفق عليها أكثر من ألفى ألف دينار، وبنى بها قصرا سمّاه اللؤلؤة لم ير مثله فى علوّه وارتفاعه؛ وحفر للماحوزة نهرا كان يعمل فيه اثنا عشر ألف رجل، فقتل المتوكّل وهم يعملون فيه، فبطل عمله، وخربت الماحوزة ونقض القصر. وفيها أغارت الروم على مدينة سميساط، فقتلوا نحو خمسمائة وسبوا؛ فغزاهم علىّ بن يحيى، فلم يظفر بهم. وفيها توفى ذو النّون المصرىّ الزاهد العابد المشهور، واسمه ثوبان بن ابراهيم، ويقال: الفيض بن أحمد «3» أبو الفيض، ويقال: الفيّاض الإخميمى؛ كان إماما زاهدا عابدا فاضلا، روى عن الامام مالك واللّيث بن سعد وابن لهيعة والفضيل بن عياض وسفيان بن عيينة وغيرهم؛ وروى عنه أحمد بن صبيح الفيومىّ وربيعة بن محمد الطائىّ والجنيد بن محمد وغيرهم؛ وكان أبوه نوبيّا. وذو النون هو أوّل من تكلّم ببلده فى ترتيب الأحوال ومقامات أهل الولاية، فأنكر عليه عبد الله بن عبد الحكم، ووقع له بسبب ذلك أمور يلزم من ذكرها الإطالة فى ترجمته؛ وليس لذلك هنا محلّ. وقال يوسف بن الحسين: سمعت ذا النون يقول: مهما تصوّر فى فهمك فالله بخلاف ذلك. وقال: سمعت ذا النون يقول: الاستغفار اسم جامع لمعان كثيرة

ثم فسّرها. ومات ذو النون فى ذى القعدة بمصر، ودفن بالقرافة، وقبره معروف بها يقصد للزيارة. وفيها توفّى هشام بن عمّار بن نصير بن ميسرة الإمام حافظ دمشق وخطيبها ومفتيها، ولد سنة ثلاث وخمسين ومائة، وكنيته أبو الوليد السّلمىّ. وفيها توفى الحسين بن على بن يزيد الإمام الحافظ أبو علىّ الكرابيسىّ، كان يبيع الكرابيس «1» ، وهى ثياب من الكرابيس؛ روى عن الشافعىّ وغيره وروى عنه غير واحد. وفيها توفّى سوّار بن عبد الله بن سوّار بن عبد الله بن قدامة أبو عبد الله [التميمى «2» ] العنبرىّ البصرىّ، كان إماما عالما فقيها زاهدا أديبا حافظا صدوقا ثقة؛ وفيه يقول بعض الشعراء: ما قال لا قطّ إلّا فى تشهّده ... لولا التشهّد لم تسمع له لاء وفيها توفّى عسكر بن الحصين أبو تراب النّخشبىّ «3» الزاهد العارف، كان من كبار مشايخ خراسان المشهورين فى العلم والورع والزهد. وفيها توفّى محمد بن حبيب مولى بنى هاشم، كان عالما بالأنساب وأيام العرب، حافظا متقنا صدوقا ثقة، مات بمدينة سامرّا فى ذى الحجة. وفيها توفّى محمد بن رافع بن أبى رافع بن أبى زيد «4» القشيرىّ النّيسابورىّ إمام عصره بخراسان؛ كان ممن جمع بين العلم والعمل والزّهد والورع، ورحل [الى] البلاد ورأى الشيوخ وسمع الكثير.

ما وقع من الحوادث سنة 246

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى أحمد بن عبدة الضّبّىّ، وأبو الحسن أحمد بن محمد النبّال الفوّاس مقرئ مكّة، وأحمد بن نصر النّيسابورىّ، وإسحاق بن أبى إسرائيل، وإسماعيل بن موسى السّدّىّ، وذو النون المصرىّ، وسوّار بن عبد الله العنبرىّ، وعبد الله بن عمران العابدىّ، ومحمد بن رافع، وهشام بن عمّار. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستة أذرع واثنان وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وثلاثة أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 246] السنة الرابعة من ولاية يزيد بن عبد الله على مصر وهى سنة ست وأربعين ومائتين- فيها غزا المسلمون الروم، فسبوا وقتلوا واستنقذوا خلائق من الأسر. وفيها فى يوم عاشوراء تحوّل الخليفة المتوكّل الى الماحوزة وهى مدينته التى أمر ببنائها. وفيها أمطرت [السماء] بناحية بلخ مطرا [يشبه «1» ] دما عبيطا أحمر. وفيها حجّ بالركّب العراقىّ محمد بن عبد الله بن طاهر، فولى أعمال الموسم وأخذ معه ثلثمائة ألف دينار لأهل مكّة، ومائة ألف دينار لأهل المدينة، ومائة ألف لإجراء الماء من عرفات الى مكّة. وفيها توفى دعبل ابن على بن رزين بن سليمان «2» بن تميم بن نهشل الخزاعىّ الشاعر المشهور. والدّعبل هو البعير المسنّ العظيم الخلق (ودعبل بكسر الدال وسكون العين المهملتين وكسر الباء الموحدة وبعدها لام) . وكان دعبل طوالا ضخما، ومولده فى سنة ثمان وأربعين ومائة، وبرع فى علم الشعر والعربيّة، وهو من الكوفة، وكان أكثر مقامه ببغداد، وسافر

الى البلاد، وصنّف كتابا فى طبقات الشعراء، وكان هجّاء خبيث اللسان، أطروشا فى قفاه سلعة «1» ؛ هجا الرشيد والمأمون والمعتصم والواثق والأمير عبد الله بن طاهر وجماعة من الوزراء والكتّاب. ومن شعره: لا تعجبى يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى يا ليت شعرى كيف تومكما ... يا صاحبىّ اذا دمى سفكا لا تأخذا بظلامتى أحدا ... قلبى وطرفى فى دمى اشتركا ورثاه البحترىّ، وكان دعبل مات بعد أبى تمّام بمدّة، فقال من قصيدة أوّلها: قد زاد فى كلفى وأوقد لوعتى ... مثوى حبيب يوم مات ودعبل وفيها توفّيت شجاع أمّ المتوكّل على الله جعفر فى حياة ولدها المتوكّل، وكانت تدعى «السيّدة» وكانت أمّ ولد، وكانت صالحة كثيرة الصدقات والمعروف؛ كانت تخرج فى السرّ على يد كاتبها أحمد بن الخصيب. ولما ماتت قال ابنها المتوكّل فى موتها: تذكّرت لمّا فرّق الدهر بيننا ... فعزّيت نفسى بالنبىّ محمد فأجازه بعض من حضر فقال: فقلت لها إنّ المنايا سبيلنا ... فمن لم يمت فى يومه مات فى غد الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى أحمد بن ابراهيم الدّورقىّ، وأحمد بن أبى الحوارىّ، وأبو عمر الدّورىّ المقرئ واسمه حفص» ، ودعبل الشاعر، والمسيّب بن واضح. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع واثنان وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وعشرون إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 247

*** [ما وقع من الحوادث سنة 247] السنة الخامسة من ولاية يزيد بن عبد الله على مصر وهى سنة سبع وأربعين ومائتين- فيها قتل الخليفة المتوكّل على الله أمير المؤمنين أبو الفضل جعفر ابن الخليفة المعتصم بالله محمد ابن الخليفة الرشيد هارون ابن الخليفة محمد المهدىّ ابن الخليفة أبى جعفر المنصور بن محمد بن علىّ بن عبد الله بن العباس الهاشمىّ العباسىّ البغدادىّ؛ ومولده سنة سبع «1» ومائتين، وقيل: فى سنة خمس ومائتين، وتولّى الخلافة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين بعد وفاة أخيه هارون الواثق؛ وأمّه أمّ ولد تسمّى شجاع تقدّم ذكرها فى السنة الخالية؛ وهو العاشر من خلفاء بنى العباس، قتله مماليكه الأتراك باتفاق ولده محمد المنتصر على ذلك، لأن المتوكّل كان أراد خلع ولده المنتصر المذكور من ولاية العهد وتقديم ابنه المعتزّ عليه، فأبى المنتصر ذلك؛ فصار المتوكّل يوبّخ ولده المنتصر محمدا فى الملأ ويسلّط عليه الأحداث؛ فحقد عليه المنتصر، واتفق مع وصيف وموسى بن بغا وباغر على قتله؛ فدخلوا عليه وقد أخذ منه الشّراب وعنده وزيره الفتح بن خاقان وهو نائم، فأوّل من ضربه بالسيف باغر ثم أخذته السيوف حتى هلك؛ فصاح وزيره: ويحكم أمير المؤمنين! فلما رآه قتيلا قال: ألحقونى «2» به، فقتلوه؛ ولفّ هو والفتح بن خاقان فى بساط ثم دفنا بدمائهما من غير تغسيل فى قبر واحد؛ وذلك فى ليلة الخميس خامس شوّال من هذه السنة. فكانت خلافته أربع عشرة سنة وعشرة أشهر وأياما. وبويع بالخلافة بعده ابنه المنتصر محمد، فلم يتهنّأ بها، ومات بعد ستة أشهر، حسبما يأتى ذكره فى السنة الآتية. وكان المتوكّل فيه كلّ الخصال الحسنة إلا ما كان فيه من الغضب. وقد افتتح خلافته بإظهار السّنّة ورفع

المحنة، وتكلّم بالسّنّة فى مجلسه؛ حتى قال إبراهيم بن محمد التّيمىّ قاضى البصرة: الخلفاء ثلاثة: أبو بكر الصدّيق يوم الرّدّة، وعمر بن عبد العزيز فى ردّ مظالم بنى أميّة، والمتوكّل فى محو البدع وإظهار السنّة. وكان المتوكّل فاضلا فصيحا؛ قال علىّ بن الجهم: كان المتوكّل مشغوفا بقبيحة (يعنى أمّ ولده المعتزّ) لا يصبر عنها، فوقفت له يوما وقد كتبت على خدّيها بالمسك جعفرا؛ فتأمّلها ثم أنشد «1» يقول: وكاتبة فى الخدّ بالمسك جعفرا ... بنفسى مخطّ «2» المسك من حيث أثرا لئن أودعت سطرا من المسك خدّها ... لقد أودعت قلبى من الحبّ أسطرا وكان المتوكّل كريما، قيل: ما أعطى خليفة شاعرا ما أعطاه المتوكّل. وفيه يقول مروان بن «3» أبى الجنوب: فأمسك ندى كفّيك عنّى ولا تزد ... فقد خفت أن أطغى وأن أتجبّرا ويقال: إنه سلّم على المتوكّل بالخلافة ثمانية كلّ منهم أبوه خليفة، وهم: منصور ابن المهدىّ، والعباس بن الهادى، وأبو أحمد بن الرشيد، وعبد الله بن الأمين، وموسى ابن المأمون، وأحمد بن المعتصم، ومحمد بن الواثق، وابنه المنتصر محمد بن المتوكّل. وفيها قتل الفتح بن خاقان وزير المتوكّل، قتل معه على فراشه، كان أبوه خاقان معظّما عند المعتصم، وكان من أولاد الأتراك؛ فضمّ المعتصم الفتح هذا الى ابنه المتوكّل فنشأ معا، فلما تخلّف المتوكّل استوزره؛ وكان أهلا لذلك: كان أديبا فاضلا جوادا ممدّحا

ما وقع من الحوادث سنة 248

فصيحا. وفيها توفّى عبد الله بن محمد بن إسحاق أبو عبد الرحمن الأزدىّ، كان حافظا ثقة سمع سفيان بن عيينة وغيره، وهو الذي كان سببا لرجوع الواثق عن القول بخلق القرآن. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى إبراهيم بن سعيد الجوهرىّ، وأبو عثمان المازنىّ، والمتوكّل على الله، وسلمة بن شبيب، وسفيان ابن وكيع، والفتح بن خاقان الوزير. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وأربعة عشر إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 248] السنة السادسة من ولاية يزيد بن عبد الله على مصر وهى سنة ثمان وأربعين ومائتين- فيها فى صفر خلع المؤيّد إبراهيم والمعتزّ الزّبير ابنا المتوكّل أنفسهما من ولاية العهد مكرهين على ذلك من أخيهما الخليفة المنتصر محمد. وفيها وقع بين أحمد ابن الخصيب وبين وصيف التركىّ وحشة؛ فأشار الوزير على المنتصر أن يبعد عنه وصيفا وخوّفه منه؛ فأرسل اليه أن طاغية الروم أقبل يريد الإسلام فسر اليه، فاعتذر؛ فأحضره وقال له: إمّا تخرج أو أخرج أنا؛ فقال: لا، بل أخرج أنا. فانتخب المنتصر معه عشرة آلاف وأنفق فيهم الأموال وساروا. ثم بعث المنتصر الى وصيف يأمره بالمقام بالثغر أربع سنين. وفيها حكم محمد بن عمر الخارجىّ بناحية الموصل ومال اليه خلق؛ فسار لحربه إسحاق بن ثابت الفرغانىّ، فالتقوا فقتل جماعة من الفريقين، ثم أسر محمد وجماعة فقتلوا وصلبوا الى جانب خشبة بابك الخرّمىّ المقدّم ذكره فيما مضى. وفيها قويت شوكة يعقوب بن اللّيث الصّفّار واستولى على معظم إقليم

خراسان، وسار من سجستان ونزل هراة وفرّق فى جنده الأموال. وفيها بويع المستعين بالخلافة بعد موت ابن عمّه «1» محمد المنتصر الآتى ذكره. وعقد المستعين لمحمد بن عبد الله ابن طاهر على العراق والحرمين والشّرطة. وفيها حبس المستعين بالله ولدى «2» عمّه «3» المتوكل وهما المؤيّد إبراهيم والمعتزّ الزبير، وضيّق عليهما واشترى أكثر أملاكهما كرها، وجعل لهما فى السنة نحو ثلاثة وعشرين ألف دينار. وفيها أخرج أهل حمص عاملهم؛ فراسلهم وخادعهم حتى دخلها، فقتل منهم طائفة وحمل من أعيانهم مائة الى العراق ثم هدم سور حمص. وفيها عقد الخليفة المستعين لأتامش على مصر والمغرب مع الوزارة، وفرّق المستعين فى الجند ألفى ألف دينار. وفيها غزا وصيف التركىّ الصائفة. وفيها نفى المستعين عبيد الله بن يحيى بن خاقان الى برقة. وفيها مات بغا الكبير التركىّ المعتصمىّ أحد أكابر الأمراء فى جمادى الآخرة من السنة، فعقد المستعين لابنه موسى بن بغا على أعمال أبيه. وكان بغا يعرف بالشّرابىّ، مات وقد جاوز التسعين سنة، وباشر من الحروب ما لم يباشره غيره، ولم يلبس سلاحا ولا جرح قط؛ فقيل له فى ذلك، فقال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى المنام، فقلت: يا رسول الله ادع لى؛ فقال: لا بأس عليك أحسنت إلى رجل من أهل بيتى فعليك من الله واقية. وفيها توفّى الخليفة أمير المؤمنين المنتصر بالله محمد ابن الخليفة المتوكّل على الله جعفر الهاشمىّ العباسىّ؛ بقيّة نسبه تقدّمت فى ترجمة أبيه جعفر المتوكّل فى الخالية. بويع بالخلافة يوم قتل أبيه فى يوم الخميس خامس شوّال سنة سبع وأربعين ومائتين، فلم تطل أيّامه ومات بعد أبيه بستة أشهر فى شهر ربيع الأوّل بالخوانيق «4» . قيل: إن المنتصر

هذا رأى أباه المتوكّل فى المنام فقال له: ويحك يا محمد! ظلمتنى وقتلتنى، والله لا تمتّعت فى الدنيا بعدى إلا أياما يسيرة ومصيرك الى النار، فانتبه فزعا وقال لأمّه: ذهبت عنّى الدنيا والآخرة، فلم يكن بعد أيّام إلا ومرض ثلاثة أيام ومات بالذّبحة فى حلقه. وقيل: سمّه القاصد وقتل القاصد بعده. وقيل: سمّه طبيبه وقيل غير ذلك. وكان شهما شجاعا راجح العقل واسع الاحتمال كثير المعروف شان سؤدده بقتل أبيه. وبويع بالخلافة بعده ابن «1» عمّه المستعين بالله أحمد. وكانت وفاة المنتصر هذا فى يوم السبت لخمس خلون من شهر ربيع الأوّل، وقيل: يوم الأحد رابع ربيع الأوّل. وفيها توفّى الأمير طاهر بن عبد الله بن طاهر بن الحسين وهو على إمرة خراسان بها. فعقد الخليفة المستعين بالله أحمد لابنه محمد بن طاهر بن الحسين على إمرة خراسان عوضه. وفيها نفى المستعين أحمد بن الخصيب الى أقريطش «2» بعد أن استصفى أمواله. وفيها فرّق المستعين الأموال على الجند. قال الصّولىّ: لما تولّى المستعين كان فى بيت المال ألف ألف دينار ففرّق الجميع فى الجند. وفيها توفّى أحمد بن سليمان بن الحسن أبو بكر الفقيه الحنبلىّ البغدادىّ، ومولده فى سنة ثلاث وخمسين ومائة؛ وكان إماما فقيها عالما بارعا كانت له حلقتان بجامع المنصور. قلت: وهو أوّل أصحاب الإمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه وفاة. وفيها توفى احمد بن صالح الحافظ أبو جعفر المصرىّ، وكان يعرف بالطبرىّ لأن والده كان جنديّا من مدينة طبرستان، ومولد أحمد هذا فى سنة سبعين ومائة بمصر؛

ما وقع من الحوادث سنة 249

وكان فقيها محدّثا ورد بغداد وناظر الإمام أحمد وغيره. وفيها توفى الإمام الأستاذ أبو عثمان المازنىّ البصرىّ علّامة زمانه فى النحو والعربيّة واسمه بكر بن محمد وهو من مازن ربيعة؛ كان إماما فى النحو واللّغة والآداب وله التصانيف الحسان. وفيها توفى مهنّا بن يحيى البغدادىّ الشيخ الإمام أبو عبد الله، كان فقيها إماما محدّثا صحب الإمام أحمد ثلاثا وأربعين سنة ورحل معه. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى أحمد بن صالح المصرىّ، والحسين الكرابيسىّ، وطاهر بن عبد الله بن طاهر الأمير، وعبد الجبّار ابن العلاء، وعبد الملك بن شعيب بن اللّيث، وعيسى بن حمّاد زغبة، ومحمد بن حميد الرّازىّ، والمنتصر بالله محمد، ومحمد بن زنبور المكّىّ، وأبو كريب محمد بن العلاء، وأبو هشام الرفاعىّ. أمر النّيل فى هذه السنة- الماء القديم ثمانية أذرع وثمانية أصابع ونصف، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وتسعة عشر إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 249] السنة السابعة من ولاية يزيد بن عبد الله التركىّ على مصر وهى سنة تسع وأربعين ومائتين- فيها فى صفر شغب الجند ببغداد عند مقتل عمر بن عبيد «1» الله الأقطع وعلىّ بن يحيى الأرمنىّ أمير الغزاة وهما ببلاد الروم مجاهدان، وأيضا عند استيلاء الترك على بغداد وقتلهم المتوكّل وغيره وتمكّنهم من الخلفاء وأذيّتهم للناس؛ ففتح الترك والشاكريّة السجون وأحرقوا الجسر وانتهبوا الدواوين، ثم خرج نحو ذلك بسرّمن رأى، فركب بغا وأتامش وقتلوا من العامّة جماعة، فحمل العامّة عليهم

فقتل من الأتراك جماعة وشجّ وصيف بحجر؛ فأمر بإحراق الأسواق ثم قتل فى ربيع الأوّل أتامش وكاتبه شجاع؛ فاستوزر المستعين أبا صالح عبد الله بن محمد ابن يزداد عوضا عن أتامش. وفيها عزل عن القضاء جعفر بن عبد الواحد. وفيها كانت زلزلة هلك فيها خلق كثير تحت الرّدم. وفيها توفى بكر بن خالد أبو جعفر القصير ويقال: محمد بن بكر، كان كاتب أبى يوسف القاضى وعنه أخذ العلم، وكان فاضلا عالما. وفيها توفّى عمر بن علىّ بن يحيى بن كثير الحافظ أبو حفص الصّيرفىّ الفلّاس البصرىّ، كان إماما محدّثا حافظا ثقة صدوقا سمع الكثير ورحل [الى] البلاد، وقدم بغداد فتلقّاه أهل الحديث فحدّثهم ومات بمدينة سرّ من رأى. وفيها كان الطاعون العظيم بالعراق وهلك فيه خلائق لا تحصى. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى عبد «1» بن حميد، وأبو حفص الفلّاس، وأيّوب بن محمد الوزّان الرّقّىّ، والحسن بن الصبّاح البزّار «2» ، وخلّاد بن أسلم الصفّار، وسعيد بن يحيى بن سعيد الأموىّ، وعلىّ بن الجهم الشاعر، ومحمود بن خالد السّلمىّ، وهارون بن حاتم الكوفىّ، وهشام بن خالد بن الأزرق. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم تسعة أذرع وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وأحد عشر إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 250

*** [ما وقع من الحوادث سنة 250] السنة الثامنة من ولاية يزيد بن عبد الله التركىّ على مصر وهى سنة خمسين ومائتين- فيها فى شهر رمضان خرج الحسن بن زيد بن محمد الحسينىّ بمدينة طبرستان واستولى عليها وجبى الخراج وامتدّ سلطانه الى الرّىّ وهمذان، والتجأ اليه كلّ من كان يريد الفتنة والنهب؛ فانتدب ابن طاهر لحربه، فانهزم بين يديه مرّتين؛ فبعث الخليفة المستعين بالله جيشا الى همذان نجدة لابن طاهر. وفيها عقد الخليفة المستعين بالله لابنه العباس على العراق والحرمين. وفيها نفى جعفر بن عبد الواحد الى البصرة لأنه عزل من القضاء وبعث «1» الى الشاكريّة فأفسدهم. وفيها وثب أهل حمص بعاملها الفضل بن قارن فقتلوه فى شهر رجب؛ فسار اليهم الأمير موسى بن بغا فالتقوه عند الرّستن «2» فهزمهم وافتتح حمص، وقتل فيها «3» مقتلة عظيمة وأحرق فيها وأسر من رءوسها. وفيها حجّ بالناس جعفر بن الفضل أمير مكّة. وفيها توفى الحارث بن مسكين بن محمد بن يوسف القاضى أبو عمرو المصرىّ «4» المالكىّ مولى محمد بن زياد ابن عبد العزيز بن مروان، ولد سنة أربع وخمسين ومائة؛ وكان إماما فقيها عالما، كان يتفقّه على مذهب الإمام مالك بن أنس رحمه الله؛ ولى قضاء مصر سنتين ثم صرف، وكان رأى الليث بن سعد وسأله، وسمع سفيان بن عيينة وأقرانه، وكان ثقة مأمونا. وفيها توفى عبد الوهاب بن عبد الحكم الشيخ الفقيه الإمام المحدّث أبو الحسن

ما وقع من الحوادث سنة 251

الورّاق صاحب الإمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه، كان فقيها محدّثا زاهدا صالحا ورعا. وفيها توفى الفضل بن مروان الوزير أبو العباس، كان إماما فاضلا بارعا رئيسا، وزّر للمعتصم ولابنيه: الواثق هارون والمتوكل جعفر. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى أبو طاهر أحمد بن السرّاج، وأبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله البزّىّ المقرئ، والحارث بن مسكين أبو عمرو، وعبّاد بن يعقوب الرّواجنىّ «1» شيعىّ، وأبو حاتم السّجستانىّ سهل بن محمد بن عثمان، وعمرو «2» بن بحر أبو عثمان الجاحظ، وكثير بن عبيد المذحجىّ، ونصر بن علىّ الجهضمىّ، ومحمد بن علىّ بن الحسن بن شقيق المروزىّ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثمانية أذرع وخمسة عشر إصبعا، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وخمسة عشر إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 251] السنة التاسعة من ولاية يزيد بن عبد الله على مصر وهى سنة إحدى وخمسين ومائتين- فيها اضطربت أمور المستعين بالله بسبب قتله باغر التركىّ قاتل المتوكّل واضطربت أمراء الأتراك، ثم وقّع بين المستعين وبين الأتراك؛ ولا زالت الأتراك بالمستعين حتى خلعوه، وأخرجوا المعتزّ بن المتوكّل من حجرة صغيرة كان محبوسا بها هو وأخوه المؤيّد ابراهيم بن المتوكل؛ وبايعوا المعتزّ بالخلافة. وكان المعتزّ قد انحدر الى بغداد، فلما ولى المعتزّ الخلافة لقى فى بيت المال خمسمائة ألف دينار، ففرّق المعتزّ جميع ذلك فى الأتراك، وبايعوا للمعتزّ ومن بعده لأخيه المؤيّد ابراهيم؛ وكان

ذلك فى ثانى عشر المحرّم من هذه السنة. ثم جهّز المعتزّ لقتال المستعين أخاه أبا أحمد ابن المتوكّل ومعه جيش كثيف فى ثالث عشرين المحرّم، فتوجّهوا الى المستعين وقاتلوه وحصروه ببغداد أشهرا الى أن انحرف عنه عامل بغداد طاهر بن عبد الله ابن طاهر؛ فعند ذلك أذعن المستعين وخلع نفسه فى أوّل سنة اثنتين وخمسين ومائتين على ما يأتى ذكره. وفيها خرج الحسين بن أحمد بن محمد بن اسماعيل بن محمد بن الأرقط عبد الله بن زين العابدين علىّ بن الحسين بن علىّ بن أبى طالب بمدينة قزوين فغلب عليها فى أيّام فتنة المستعين، وقد كان هو وأحمد بن عيسى العلوىّ قد اجتمعا على قتال أهل الرّىّ وقتلا بها خلقا كثيرا وأفسدا وعاثا وسار لقتالهما جيش من قبل الخليفة فأسر أحدهما وقتل الآخر. وفيها خرج إسماعيل بن يوسف ابن إبراهيم «1» بن عبد الله بن الحسن بن الحسن الحسنىّ العلوىّ بالحجاز، وهو شابّ له عشرون سنة وتبعه خلق من العرب، فعاث فى الحرمين وأفسد موسم الحاجّ وقتل من الحجّاج أكثر من ألف رجل، واستحلّ المحرّمات بأفاعيله الخبيثة، وبقى يقطع الميرة عن الحرمين حتى هلك الحجّاج وجاعوا؛ ثم نزل الوباء فهلك فى الطاعون هو وعامّة أصحابه فى السنة الآتية. وفيها توفى إسحاق بن منصور بن بهرام الحافظ أبو يعقوب [التّميمىّ «2» ] المروزىّ الكوسج، كان إماما عالما محدّثا فقيها رحّالا، وهو أحد أئمة الحديث. وفيها توفى الحسين بن الضّحّاك بن ياسر أبو علىّ الشاعر المشهور المعروف بالحسين الخليع الباهلىّ البصرىّ؛ ولد بالبصرة سنة اثنتين وستين ومائة ونشأ بها ومدح غير واحد من الخلفاء وجماعة من الوزراء وغيرهم، وكان شاعرا مجيدا خليعا وهو من أقران أبى نواس وشعره كثير.

ما وقع من الحوادث سنة 252

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى إسحاق بن منصور الكوسج، وأيوب بن الحسن النّيسابورىّ الفقيه صاحب محمد بن الحسن، وحميد ابن زنجويه «1» ، وعمر بن عثمان الحمصىّ، وأبو تقىّ «2» هشام بن عبد الملك اليزنىّ «3» ، ومحمد ابن سهل بن عسكر. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبعة أذرع وأربعة عشر إصبعا، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وثمانية أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 252] السنة العاشرة من ولاية يزيد بن عبد الله على مصر وهى سنة اثنتين وخمسين ومائتين- فيها استقرّ خلع المستعين من الخلافة وقتل بعد الحبس على ما يأتى ذكره. وكانت فيها بيعة المعتزّ بالخلافة. وفيها ولّى الخليفة المعتزّ الحسن بن أبى الشوارب قضاء القضاة. وفيها خلع الخليفة المعتزّ على الأمير محمد بن عبد الله بن طاهر خلعة الملك وقلّده سيفين، فأقام بغا ووصيف الأميران ببغداد على وجل من ابن طاهر، ثم رضى المعتزّ عنهما وردّهما الى رتبتهما. ونقل المستعين الى قصر [الحسن «4» بن سهل بالمخرّم] هو وعياله ووكّلوا به أميرا، وكان عنده خاتم عظيم القدر فأخذه محمد بن طاهر وبعث به الى المعتزّ. وفيها خلع الخليفة المعتزّ على أخيه أبى أحمد خلعة الملك وتوجّه بتاج من ذهب وقلنسوة مجوهرة ووشاحين مجوهرين وقلّده سيفين. وفيها

فى شهر رجب خلع المعتزّ أخاه المؤيّد ابراهيم من العهد وقيّده وضربه. وفيها حبست أرزاق الأتراك والمغاربة والشاكريّة ببغداد وغيرها، فجاءت فى العام الواحد مائتى ألف ألف دينار «1» ، وذلك عن خراج المملكة سنتين. وفيها مات إسماعيل بن يوسف العلوىّ الذي كان خرج بمكّة فى السنة الخالية ووقع بسببه حروب وفتن. وفيها نفى المعتزّ أخاه أبا أحمد الى واسط ثم ردّ أيضا الى بغداد، ثم نفى المعتزّ أيضا علىّ بن المعتصم الى واسط ثم ردّ الى بغداد. وفيها حجّ بالناس محمد بن أحمد بن عيسى بن المنصور الهاشمىّ العباسىّ. وفيها توفى المؤيّد إبراهيم ولىّ العهد ابن الخليفة المتوكّل على الله الهاشمىّ العباسىّ وأمّه أمّ ولد، وكان أخوه المعتزّ خلعه وحبسه، وفى موته خلاف كبير، والأقوى عندى أنه مات خنقا. وفيها توفى إبراهيم بن سعد الحافظ أبو إسحاق الجوهرىّ، كان إماما محدّثا ديّنا صدوقا ثبتا، طاف البلاد ولقى الشيوخ وسمع الكثير، وروى عنه غير واحد وصنّف المسند. وفيها قتل الخليفة أمير المؤمنين المستعين بالله أبو العباس أحمد [بن محمد «2» ] ابن الخليفة المعتصم بالله محمد بن الرشيد هارون ابن محمد المهدىّ بن أبى جعفر المنصور بن محمد بن علىّ بن عبد الله بن العباس الهاشمىّ العباسىّ، وأمّه أمّ ولد رومية تسمّى مخارق «3» . بويع بالخلافة لما مات ابن عمّه محمد المنتصر فى يوم سادس شهر ربيع الأوّل سنة سبع وأربعين ومائتين؛ فأقام فى الخلافة الى أن انحدر الى بغداد وخلع فى سلخ سنة إحدى وخمسين ومائتين. فكانت خلافته الى يوم انحدر الى بغداد سنتين وتسعة أشهر؛ والى أن خلع من الخلافة ثلاث سنين وستة أشهر، ومات وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة. ولمّا خلعوه أرسل اليه المعتزّ الأمير أحمد ابن طولون التركىّ ليقتله؛ فقال: لا «4» والله لا أقتل أولاد الخلفاء، فقال له المعتزّ:

فأوصله الى سعيد الحاجب، فتوجّه به وسلّمه الى سعيد الحاجب، فقتله سعيد الحاجب فى شوّال؛ وفى قتلته أقوال كثيرة. وكان جوادا سمحا يطلق الألوف وكان متواضعا. قال يوما لأحمد بن يزيد المهلّبىّ: يا أحمد، ما أظنّ أحدا من بنى هاشم إلا وقد طمع فى الخلافة لما ولّيتها لبعدى عنها؛ فقال أحمد: يا أمير المؤمنين، وما أنت ببعيد، وإنما تقدّم العهد لمن رأى الله أن يقدّمه عليك؛ وكان فى لسان المستعين لثغة تميل الى السين المهملة والى الثاء المثلّثة. وبويع بعده ابن عمه المعتزّ. وفيها توفى أحمد بن سعيد بن صخر الإمام الحافظ الفقيه أبو جعفر الدارمىّ، كان إماما محدّثا وكان الإمام أحمد بن حنبل اذا كاتبه يقول فى أوّل كتابه: لأبى جعفر أكرمه الله من أحمد بن حنبل. وفيها توفى إسحاق بن حنبل بن هلال بن أسد الشّيبانىّ عمّ الإمام أحمد بن حنبل، كان إماما فاضلا محدّثا، ومات وله اثنتان وتسعون سنة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى أحمد بن عبد الله ابن [على» بن] سويد بن منجوف، والمستعين بالله أحمد بن [محمد بن] المعتصم قتلا، وإسحاق بن بهلول الحافظ، والأمير أشناس، وزياد بن أيّوب، وعبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث، ومحمد بن بشّار بندار فى رجب، وأبو موسى محمد ابن المثنّى العنزىّ «2» الزّمن فى ذى القعدة، ومحمد بن منصور المكّىّ الجوّاز «3» ، ويعقوب ابن ابراهيم الدّورقىّ، ومحمد بن يحيى بن عبد الكريم الأزدىّ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستة أذرع وثلاثة أصابع، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وعشرون إصبعا.

ذكر ولاية مزاحم بن خاقان على مصر

ذكر ولاية مزاحم بن خاقان على مصر هو مزاحم بن خاقان بن عرطوج «1» الأمير أبو الفوارس التركىّ ثم البغدادىّ، أخو الفتح بن خاقان وزير المتوكّل قتل معه. ولى مزاحم هذا مصر بعد عزل يزيد بن عبد الله التركىّ عنها؛ ولّاه الخليفة المعتزّ بالله الزبير على صلاة مصر لثلاث خلون من شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث وخمسين ومائتين؛ وسكن بالمعسكر على عادة أمراء مصر، فجعل على شرطته أرخوز «2» ، وأخذ مزاحم فى إظهار الناموس وإقماع أهل الفساد؛ فخرج [عليه] جماعة كبيرة من المصريين، فتشمّر لقتالهم وجهّز عساكره وأنفق فيهم؛ فأوّل ما ابتدأ بقتال أهل الحوف من الوجه البحرى، فتوجّه اليهم بجنوده وقاتلهم وأوقع بهم وقتل منهم وأسر؛ ثم عاد الى الديار المصرية فأقام بها مدّة يسيرة، ثم خرج أيضا من مصر ونزل بالجيزة؛ ثم سار الى تروجة «3» بالبحيرة وقاتلهم وأوقع بهم وقتل منهم مقتلة كبيرة وأسر عدّة من رءوسهم وعاد بهم الى ديار مصر؛ فلم تطل إقامته بها وخرج الى الفيوم وقاتل أهلها، ووقع له بها حروب كثيرة وقتل منهم أيضا مقتلة عظيمة وأمعن فى ذلك. وكثر بعد هذه الواقعة إيقاعه بسكّان النواحى. ثم التفت الى أرخوز وحرّضه على أمور أمره بها؛ فشدّد أرخوز المذكور عند ذلك ومنع النساء من الخروج من بيوتهنّ والتوجّه الى الحمّامات والمقابر، وسجن المؤنّثين والنوائح، ثم منع الناس من الجهر بالبسملة فى الصلاة بالجامع، وكان ذلك فى شهر رجب سنة ثلاث وخمسين ومائتين. وأمر أهل الجامع بمساواة الصفوف فى الصلاة ووكّل بذلك رجلا «4» من العجم يقوم بالسّوط من مؤخّر المسجد؛ وأمر أهل الحلق بالتحوّل الى جهة

ما وقع من الحوادث سنة 253

القبلة قبل إقامة الصلاة، ومنع المساند التى يسند اليها فى الجوامع، وأمر أن تصلّى التراويح فى شهر رمضان خمس تراويح، وكانوا قبل ذلك يصلّونها ستّا؛ ومنع من التثويب فى الصلاة، وأمر بالأذان فى يوم الجمعة فى مؤخّر المسجد، ثم أمر بأن يغلّس بصلاة الصبح؛ ونهى أيضا أن يشقّ ثوب على ميّت أو يسوّد وجه أو يحلق شعر أو تصيح امرأة؛ وعاقب بسبب ذلك خلقا كثيرا وشدّد على الناس حتى أبادهم ولم يزل فى التشدّد على الناس حتى مرض ومات فى ليلة الاثنين لخمس خلون من المحرّم سنة أربع وخمسين ومائتين. واستخلف بعده ابنه أحمد ابن مزاحم على مصر؛ فكانت ولاية مزاحم هذا على مصر سنة واحدة وعشرة أشهر ويومين. *** [ما وقع من الحوادث سنة 253] السنة الأولى من ولاية مزاحم بن خاقان على مصر وهى سنة ثلاث وخمسين ومائتين- فيها قصد يعقوب بن الليث الصفّار هراة فى جمع، وقاتل أهلها حتى أخذها من نوّاب محمد بن طاهر ومسك من كان بها وقيّدهم وحبسهم. وفيها سار الأمير موسى بن بغا فانتقى هو وعسكر عبد العزيز ابن الأمير أبى دلف العجلىّ فهزمهم، وساق وراءهم الى الكرج «1» وتحصّن عنه عبد العزيز، وأسرت والدة عبد العزيز المذكور؛ ثم بعث الى سامّرّا بتسعين حملا من رءوس القتلى. وفى شهر رمضان خلع الخليفة المعتزّ بالله على بغا الشرابىّ وألبسه تاج الملك «2» . وفيها فى شوّال قتل وصيف التركىّ. ثم فى ذى القعدة كسف القمر. وفيها غزا محمد بن معاذ «3» بلاد الروم ودخل بالعسكر من جهة ملطية فأسر وقتل. وفيها فى ذى القعدة ايضا التقى موسى بن بغا والكوكبىّ «4»

بأرض قزوين، واقتتلا فانهزم الكوكبىّ ولحق بالدّيلم. وفيها توفى سرىّ السّقطىّ الشيخ أبو الحسن، واسمه السّرىّ بن المغلّس، وهو الزاهد العابد العارف بالله المشهور، خال الجنيد وأستاذه؛ كان أوحد أهل زمانه فى الورع وعلوم التوحيد، وهو أوّل من تكلّم بها فى بغداد، واليه ينتهى مشايخ الطريقة، كان علم الأولياء فى زمانه؛ صحب معروفا الكرخىّ وحدّث عن الفضيل بن عياض وهشيم وأبى بكر بن عيّاش وعلىّ بن غراب ويزيد بن هارون؛ وحدّث عنه أبو العباس بن مسروق والجنيد بن محمد وأبو الحسين النّورىّ. قال عبد الله بن شاكر عن السّرىّ قال: صلّيت وقرأت وردى ليلة ومددت رجلى فى المحراب فنوديت: يا سرىّ، كذا تجالس الملوك! فضممت رجلى وقلت: وعزّتك وجلالك لا مددتها، وقيل: إن السرىّ رأى جارية سقط من يدها إناء فانكسر، فأخذ من دكّانه إناء فأعطاها [إيّاه «1» ] عوض المكسور؛ فرآه معروف فقال: بغّض الله اليك الدّنيا؛ قال السرىّ: فهذا الذي أنا فيه من بركات معروف. قال الجنيد: سمعت السرىّ يقول: أحب أن آكل أكلة ليس لله علىّ فيها تبعة، ولا لمخلوق [علىّ «2» ] فيها منّة، فما أجد الى ذلك سبيلا! قال: ودخلت عليه وهو يجود بنفسه فقلت: أوصنى؛ قال: لا تصحب الأشرار ولا تشغلنّ عن الله بمجالسة الأخيار. وعن الجنيد يقول: ما رأيت لله أعبد من السرىّ، أتت عليه ثمان وتسعون سنة مارئى مضطجعا إلا فى علّة الموت. وعن الجنيد: سمعت السرىّ يقول: إنى لأنظر إلى أنفى كلّ يوم مرارا مخافة أن يكون وجهى قد اسودّ. قال: وسمعته يقول: ما أحبّ أن أموت حيث أعرف، أخاف ألّا تقبلنى الأرض فأفتضح.

وكان الإمام أحمد بن حنبل يقول اذا ذكر السرىّ: ذاك الشيخ الذي يعرف بطيب [الريح «1» ] ونظافة الثوب وشدّة الورع. وفيها توفى الأمير محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب أبو العباس الخزاعىّ، كان من أجلّ الأمراء، ولى إمرة بغداد أيّام المتوكّل جعفر، وكان فاضلا أديبا شاعرا جوادا ممدّحا شجاعا. وقد تقدّم ذكر أبيه وجدّه فى هذا الكتاب ونبذة كبيرة من محاسنهم ومكارمهم. وفيها فى شوّال قتل الأمير وصيف التركىّ المعتصمىّ، كان أميرا كبيرا، أصله من مماليك المعتصم بالله محمد، وخدم من بعده عدّة خلفاء، واستولى على المعتز، وحجر على الأموال لنفسه، فتشغّب عليه الجند فلم يلتفت لقولهم، فوثبوا عليه وقتلوه بعد أمور وقعت له معهم. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى أحمد بن سعيد الهمدانىّ «2» المصرىّ، وأحمد بن سعيد الدارمىّ، وأحمد بن المقدام العجلىّ، وخشيش ابن أصرم النّسائىّ الحافظ، وسرىّ بن المغلّس السّقطىّ عن نيّف وتسعين سنة، وعلىّ بن شعيب السّمسار، وعلىّ بن مسلم «3» الطّوسىّ، ومحمد بن عبد الله بن طاهر الأمير، ومحمد بن عيسى بن رزين التّيمىّ مقرئ الرّىّ، وهارون بن سعيد الأيلىّ، والأمير وصيف التركىّ، ويوسف بن موسى القطان، وأبو العباس العلوىّ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستة أذرع واثنا عشر إصبعا، مبلغ دة سبعة عشر ذراعا وعشرة أصابع.

ذكر ولاية أحمد بن مزاحم على مصر

ذكر ولاية أحمد بن مزاحم على مصر هو أحمد بن مزاحم بن خاقان بن عرطوج الأمير أبو العباس ابن الأمير أبى الفوارس التركىّ. ولى إمرة مصر بعد موت أبيه باستخلافه على مصر، فأقرّه الخليفة المعتزّ بالله على ذلك. وكانت ولايته فى خامس المحرّم سنة أربع وخمسين ومائتين، وسكن بالمعسكر على عادة الأمراء، وجعل على شرطته أرخوز المقدّم ذكره فى أيام أبيه مزاحم. فلم تطل أيامه ومات بمصر لسبع خلون من شهر ربيع الآخر من سنة أربع وخمسين ومائتين المذكورة. فكانت ولايته على إمرة مصر شهرين ويوما واحدا. وتولّى إمرة مصر من بعده أرخوز بن أولوغ طرخان التركىّ باستخلافه. وكان أحمد هذا شابا عارفا مدبّرا محبّبا للرعيّة «1» ، لم تطل أيّامه لتشكر أو تذمّ. ذكر ولاية أرخوز على مصر هو أرخوز بن أولوغ «2» طرخان التركىّ. وأولوغ طرخان كان تركيا وقدم بغداد فولد له أرخوز المذكور بها؛ ونشأ أرخوز حتى صار من كبار أمراء الدولة العباسيّة وتوجّه الى مصر وولى بها الشّرطة لعدّة «3» أمراء كما تقدّم ذكره، ثم ولى إمرة مصر بعد موت أحمد بن مزاحم، فى العشر الأول من شهر ربيع الآخر من سنة أربع وخمسين ومائتين باستخلاف أحمد بن مزاحم له، فأقرّه الخليفة المعتزّ بالله على ذلك، وجعل اليه إمرة مصر وأمرها جميعه، كما كان لمزاحم وابنه.

ما وقع من الحوادث سنة 254

وقال صاحب «البغية والاغتباط فيمن ملك الفسطاط» : وليها باستخلاف أحمد بن مزاحم على الصلاة فقط، وجعل على شرطة مصر بولغيا «1» ، ثم خرج الى الحجّ فى شهر رمضان سنة أربع وخمسين ومائتين وله خمسة أشهر ونصف شهر. وقال غيره: ودام أرخوز على إمرة مصر الى أن صرف عنها بالأمير أحمد بن طولون فى شهر رمضان من سنة أربع وخمسين ومائتين، فكانت ولايته على مصر خمسة أشهر ونصفا؛ وخرج الى بغداد فى أوّل ذى القعدة من السنة، ووفد على الخليفة فأكرم مقدمه وصار من جملة القوّاد. *** [ما وقع من الحوادث سنة 254] السنة التى حكم فيها أربعة أمراء على مصر: ففى أوّل محرّمها مزاحم ابن خاقان، ثم ابنه أحمد بن مزاحم، ثم الأمير أرخوز بن أولوغ طرخان من شهر ربيع الآخر الى شهر رمضان، ثم الأمير أبو العباس أحمد بن طولون، وهى سنة أربع وخمسين ومائتين- فيها قتل بغا الشّرابىّ التركىّ المعتصمىّ الصغير، كان فاتكا قد طغى وتجبّر وخالف أمر المعتزّ؛ وكان المعتزّ يقول: لا ألتذ بطيب الحياة حتى أنظر رأس بغا بين يدىّ؛ فوقعت أمور بعد ذلك بين بغا والأتراك حتى قتل بغا وأتى برأسه الى المعتز، فأعطى المعتزّ قاتله عشرة آلاف دينار. وفيها توفى علىّ بن محمد ابن علىّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن علىّ بن الحسين بن علىّ بن أبى طالب، أبو الحسن «2» الهاشمىّ العسكرىّ أحد الأئمة الاثنى عشر المعدودين عند الرافضة، وسمىّ بالعسكرىّ لأنّ الخليفة المتوكّل جعفرا أنزله مكان العسكر. وكان مولده سنة

أربع وعشرين ومائتين. ومات بمدينة سرّ من رأى فى جمادى الآخرة من السنة. وفيها توفى محمد بن منصور بن داود الشيخ أبو جعفر الطّوسىّ الزاهد العابد. كان من الأبدال، مات فى يوم الجمعة لستّ بقين من شوّال وله ثمان وثمانون سنة؛ وسمع سفيان بن عيينة وغيره، وروى عنه البغوىّ وغيره؛ وكان صدوقا ثقة صالحا. وفيها توفى المؤمّل بن إهاب بن عبد العزيز الحافظ أبو عبد الرحمن الكوفىّ، أصله من كرمان، ونزل الكوفة وقدم بغداد وحدّث بها وبدمشق، وأسند عن يزيد ابن هارون وغيره، وروى عنه ابن أبى الدنيا وجماعة أخر. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وتسعة أصابع، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وستة عشر إصبعا. صورة ما ورد بآخر الجزء الاوّل من النسخة الفتوغرافية: برسم خزانة الجناب الكريم العالى المولوى الزينى فرج بن المعز الأشرف المرحوم السيفى برديك أمير أخور وأحد مقدّمى الألوف والده كان وأمير حاجب هو الملكىّ الأشرفىّ أدام الله نعمته ورحم سلفه بمحمد وآله وصحبه وسلم. وكان الفراغ من كتابته فى يوم الجمعة المبارك مستهل شعبان المكرم سنة خمس وثمانين وثمانمائة أحسن الله عاقبتها على يد الفقير الحقير المعترف بالتقصير الراجى لطف ربه الخفىّ محمد بن محمد بن أحمد بن محمد القادرى الحنفى عفا الله تعالى عنهم أجمعين. انتهى الجزء الثانى من النجوم الزاهرة ويليه الجزء الثالث وأوّله ذكر ولاية أحمد بن طولون على مصر

الجزء الثالث

[الجزء الثالث] بسم الله الرّحمن الرّحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحابته والمسلمين. الجزء الثالث من كتاب النجوم الزاهرة [تتمة ما وقع من الحوادث سنة 254] ذكر ولاية أحمد بن طولون على مصر «1» هو أحمد بن طولون «2» الأمير أبو العبّاس التركىّ أمير مصر، ولى مصر بعد عزل أرخوز «3» بن أولوغ طرخان فى شهر رمضان سنة أربع وخمسين ومائتين، وقد مضى من عمره أربع وثلاثون سنة ويوم واحد. وكان أبوه طولون مولى نوح [بن أسد «4» ابن سامان السامانىّ] عامل بخارى وخراسان، أهداه نوح فى جملة مماليك إلى المأمون ابن الرشيد، فرقّاه المأمون حتى صار من جملة الأمراء. وولد له ابنه أحمد هذا فى سنة عشرين ومائتين، وقيل فى سنة أربع عشرة ومائتين، ببغداد، وقيل بسرّمن رأى وهو الأشهر، من جارية تسمّى هاشم، وقيل قاسم. وقيل: إن أحمد

هذا لم يكن ابن طولون وإنما طولون تبنّاه؛ قال أبو عبد الله محمد «1» بن أبى نصر الحميدىّ: قال بعض المضريين: إن طولون تبنّاه لما رأى فيه من مخايل النجابة. ودخل عليه يوما [وهو صغير «2» ] ، فقال: بالباب قوم ضعفاء فلو كتبت لهم بشىء! فقال [له «3» ] طولون: ادخل إلى المقصورة وأتنى بدواة؛ فدخل أحمد فرأى بالدّهليز جارية من حظايا طولون قد خلا بها خادم، فأخذ أحمد الدواه وخرج ولم يتكلّم؛ فحسبت الجارية أنه يسبقها إلى طولون بالقول، فجاءت إلى طولون وقالت: إنّ أحمد راودنى الساعة فى الدهليز، فصدّقها طولون، وكتب كتابا لبعض خدمه يأمره بقتل حامل الكتاب من غير مشورة، وأعطاه لأحمد وقال: اذهب به إلى فلان؛ فأخذ أحمد الكتاب ومرّ بالجارية؛ فقالت له: إلى أين؟ فقال: فى حاجة مهمّة للأمير فى هذا الكتاب؛ فقالت: أنا أرسله، ولى بك حاجة؛ فدفع إليها الكتاب فدفعته إلى الخادم المذكور، وقالت: اذهب به إلى فلان؛ وشاغلت أحمد بالحديث، أرادت بذلك أن يزداد عليه الأمير طولون غضبا. فلما وقف المأمور على الكتاب قطع رأس الخادم وبعث به إلى طولون؛ فلما رآه عجب واستدعى أحمد وقال له: اصدقنى! ما الذي رأيت فى طريقك إلى المقصورة؟ قال: لا شىء؛ قال: اصدقنى وإلا قتلتك! فصدقه الحديث؛ وعلمت الجارية بقتل الخادم، فخرجت «4» ذليلة؛ فقال لها طولون: اصدقينى فصدقته فقتلها؛ وحظى أحمد عنده.

وقال أحمد بن يوسف: قلت لأبي العباس بن خاقان: الناس فرقتان فى ابن طولون، فرقة تقول: إنّ أحمد ابن طولون، وأخرى تقول: هو ابن يلبخ «1» التركىّ، وأمّه قاسم جارية طولون؛ فقال: كذبوا، إنما هو ابن طولون. ودليله أنّ الموفّق لما لعنه نسبه إلى طولون ولم ينسبه إلى يلبخ، ويلبخ مضحاك يسخر منه، وطولون معروف بالسّتر. وقال أحمد بن يوسف المذكور: كان طولون رجلا من أهل طغزغز «2» حمله «3» نوح بن أسد عامل بخارى إلى المأمون [فيما كان موظّفا عليه من المال والرقيق والبراذين وغير ذلك فى كلّ سنة «4» ] . وولد [له «5» ] أحمد [سنة عشرين «6» ومائتين] من جارية، ومات أبوه طولون فى سنة أربعين ومائتين، وقيل: فى سنة ثلاثين ومائتين، والأوّل أصح. انتهى كلام ابن يوسف. ونشأ أحمد بن طولون على مذهب جميل، وحفظ القرآن وأتقنه «7» ، وكان من نشأته أطيب الناس صوتا به، مع كثرة الدرس وطلب العلم؛ وتفقّه على مذهب الإمام

الأعظم أبى حنيفة. ولما ترعرع «1» أحمد تزوّج بابنة عمّه خاتون فولدت له العباس سنة اثنتين وأربعين ومائتين. ولما مات أبوه طولون فوّض إليه الخليفة المتوكّل ما كان لأبيه، ثم تنقّلت به الأحوال إلى أن ولى إمرة الثغور وإمرة دمشق ثم ديار مصر. وكان يقول: ينبغى للرئيس أن يجعل اقتصاده على نفسه وسماحته على من يقصده ويشتمل عليه، فإنه يملكهم ملكا لا يزول به عن قلوبهم. ونشأ أحمد بن طولون فى الفقه والصلاح والدين والجود حتى صار له فى الدنيا الذكر الجميل. وكان شديد الإزراء «2» على الترك وأولادهم لما يرتكبونه فى أمر الخلفاء، غير راض بذلك، ويستقلّ عقولهم؛ ويقول: حرمة الدّين عندهم مهتوكة. وقال الخاقانىّ «3» - وكان خصيصا عند ابن طولون-: وقال لى يوما (يعنى ابن طولون) : يا أخى [الى «4» ] كم نقيم على هذا الإثم مع هؤلاء الموالى! (يعنى الأتراك) ، لا يطئون موطئا إلا كتب علينا الخطأ والإثم؛ والصواب أن نسأل الوزير «5» أن يكتب «6» أرزاقنا الى الثغر؛ فسأله فكتب له وخرجنا إلى طرسوس؛ فلما «7» رأى ما الناس عليه

من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر سرّ بذلك؛ فأقمنا نسمع الحديث مدّة، ثم رجعت أنا الى سرّ من رأى، فآستقبلتنى أمّه قاسم بالبكاء وقالت: مات ابنى! فحلفت لها إنه فى عافية؛ ثم عدت الى طرسوس فأخبرته بما رأيت من أمّه وقلت له: إن كنت أردت بمقامك فى هذه البلاد وجه الله وتدع أمّك كذلك فقد أخطأت؛ فوعدنى بالخروج من طرسوس؛ ثم خرجنا ونحن زهاء «1» خمسمائة رجل- والخليفة يومئذ المستعين بالله- وخرج معنا خادم الخليفة ومعه ثياب مثمّنة «2» من عمل الروم، فسرنا إلى الرّها «3» ؛ فقيل لنا: إنّ جماعة من قطّاع الطريق على انتظاركم، والمصلحة دخولكم حصن الرّها حتى يتفرّقوا «4» ؛ فقال أحمد: لا يرانى الله فارّا «5» وقد خرجت على نيّة الجهاد! فخرجنا والتقينا، فأوقع بالقوم وقتل منهم جماعة وهرب الباقون؛ فزاد فى أعين الناس مهابة وجلالة؛ ووصل الخادم الى المستعين بالثياب، فلما رآها استحسنها؛ فقال له الخادم: لولا ابن طولون ما سلمت ولا سلمنا وحكى له الحكاية؛ فبعث إليه مع الخادم ألف دينار سرّا، وقال له: عرّفه أننى أحبّه، ولولا خوفى عليه قرّبته. وكان ابن طولون إذا أدخل على المستعين مع الأتراك في الخدمة أومأ اليه الخليفة بالسلام سرّا، واستدام الإحسان إليه ووهب له جارية اسمها ميّاس «6» ، فولدت

له ابنه خمارويه فى المحرّم من سنة خمسين ومائتين. ولما تنكّر «1» الأتراك للمستعين وخلعوه وأحدروه إلى واسط، قالوا «2» له: من تختار أن يكون فى صحبتك؟ فقال: أحمد بن طولون، فبعثوه معه فأحسن صحبته. ثم كتب الأتراك إلى أحمد: اقتل المستعين ونولّيك واسطا؛ فكتب إليهم لا رآنى «3» الله قتلت خليفة بايعت له أبدا! فبعثوا سعيدا «4» الحاجب فقتل المستعين، فوارى أحمد بن طولون جثّته. ولما رجع أحمد الى سرّ من رأى بعد ما قتل المستعين أقام بها، فزاد محلّه عند الأتراك فولّوه مصر نيابة عن أميرها سنة أربع وخمسين ومائتين. فقال حين دخلها: غاية ما وعدت به فى قتل المستعين واسط، فتركت ذلك لله تعالى، فعوّضنى ولاية مصر والشام. فلما قتل والى مصر من الأتراك فى أيّام الخليفة المهتدى صار أحمد بن طولون مستقلّا بها فى أيام المعتمد. وقيل: إنّه ولى الشام نيابة عن باكباك «5» ، فلمّا قتل باكباك استقلّ، وكان حكمه من الفرات الى المغرب. وأوّل ما دخل مصر خرج بغا الأصغر، وهو أحمد بن محمد بن عبد الله بن طباطبا، فيما بين برقة والإسكندريّة فى جمادى الأولى سنة خمس وخمسين ومائتين، وسار إلى الصعيد، فقتل هناك وحمل رأسه «6» الى مصر فى شعبان. ثم خرج ابن الصوفىّ العلوىّ، وهو إبراهيم ابن محمد بن يحيى [بن «7» عبد الله بن محمد بن عمر بن على بن أبى طالب] ، وتوجّه إلى إسنا فى ذى القعدة فنهب [وقتل «8» أهلها] ؛ وقيل: إنّ أحمد بن طولون بعث

اليه جيشا فكسر الجيش فى ربيع الأوّل سنة ست وخمسين ومائتين، وأرسل اليه ابن طولون جيشا آخر فواقعوه بإخميم فهزموه الى الواح «1» . ثم خرج ابن طولون بنفسه لمحاربة عيسى بن الشيخ، ثم عاد وأرسل جيشا؛ ثم ورد عليه كتاب الخليفة بأنه يتسلّم الأعمال الخارجة عن أرض مصر؛ فتسلّم الإسكندرية وخرج اليها لثمان خلون من شهر رمضان، واستخلف على مصر طغلج «2» صاحب شرطته، ثم عاد الى مصر لأربع «3» عشرة بقيت من شوّال، وسخط على أخيه موسى وأمره بلباس البياض؛ ثم خرج الى الإسكندرية ثانيا [لثمان «4» بقين من] شعبان سنة تسع وخمسين ومائتين، ثم عاد فى شوّال. ثم ورد عليه كتاب المعتمد يستحثّه فى جمع الأموال؛ فكتب اليه ابن طولون: لست أطيق ذلك والخراج فى يد غيرى؛ فأرسل المعتمد على الله اليه نفيسا الخادم بتقليده الخراج وبولايته الثغور الشاميّة. فأقرّ أحمد بن طولون عند ذلك أبا أيّوب أحمد بن محمد [بن شجاع «5» ] على الخراج، وعقد لطخشىّ بن بلبرد «6» على الثغور، فخرج اليها فى سنة أربع وستين ومائتين، فصار الأمر كلّه بيد أحمد ابن طولون، وقويت شوكته بذلك وعظم أمره بديار مصر. ولما كان فى بعض الأيام ركب يوما ليتصيّد بمصر فغاصت قوائم فرسه فى الرمل فأمر بكشف ذلك الموضع فظفر بمطلب فيه ألف ألف دينار، فأنفقها فى أبواب

البرّ والصدقات، كما سيأتى ذكرها. وكان يتصدّق فى كل يوم بمائة دينار غير ما كان عليه من الرواتب، وكان ينفق على مطبخه فى كلّ يوم ألف دينار، وكان يبعث بالصدقات الى دمشق والعراق والجزيرة والثغور وبغداد وسرّ من رأى والكوفة والبصرة والحرمين وغيرها؛ فحسب ذلك فكان ألفى «1» ألف دينار ومائتى ألف دينار. ثم بنى الجامع الذي بين مصر وقبّة «2» الهواء على جبل يتسكر خارج القاهرة وغرم عليه أموالا عظيمة. قال أحمد الكاتب: أنفق عليه مائة ألف دينار وعشرين ألف دينار. وقال له الصنّاع: على أىّ مثال نعمل المنارة؟ وما كان يعبث قطّ فى مجلسه، فأخذ درجا من الكاغد وجعل يعبث به فخرج بعضه وبقى بعضه فى يده، فعجب الحاضرون، فقال: اصنعوا المنارة على هذا المثال، فصنعوها. ولما تمّ بناء الجامع رأى أحمد بن طولون فى منامه كأنّ الله تعالى قد تجلّى للقصور «3» التى حول الجامع ولم يتجلّ للجامع، فسأل المعبّرين فقالوا: يخرب ما حوله ويبقى قائما وحده؛ فقال: من أين لكم هذا؟ قالوا: من قوله تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا تجلّى الله لشىء خضع له» . وكان كما قالوا.

وقال بعضهم: إنّ الكنز «1» الذي لقيه ابن طولون منه عّمر الجامع المذكور. وكان بناؤه فى سنة تسع وخمسين ومائتين. وأما أمر الكنز فانه ذكر غير واحد من المؤرّخين أنّ أحمد بن طولون كان له كاتب يعرف بابن دشومة «2» وكان واسع الحيلة بخيل اليد زاهدا فى شكر الشاكرين، لا يهشّ الى شىء من أعمال البرّ، وكان ابن طولون من أهل القرآن إذا جرت منه إساءة استغفر وتضرّع؛ واتّفق أنّ الخليفة المعتمد أمر ابن طولون أن يتسلّم «3» الخراج حسبما ذكرناه، فامتنع من المظالم لدينه، ثم شاور كاتبه ابن دشومة المذكور، فقال ابن دشومه: يؤمّننى الأمير لأقول له ما عندى؟ فقال أحمد بن طولون: قل وأنت آمن؛ فقال: يعلم الأمير أن الدنيا والآخرة ضرّتان، والشهم من لم يخلط إحداهما بالأخرى، والمفرّط من جمع بينهما؛ وأفعال الأمير أفعال الجبابرة، وتوكّله توكّل الزهّاد، وليس «4» مثله من ركب خطّة لم يحكمها، ولو كنّا نثق بالنصر وطول العمر لما كان شىء آثر عندنا من التضييق على أنفسنا فى العاجل لعمارة الآجل، ولكن الإنسان قصير العمر كثير المصائب والآفات؛ وهذه المظالم قد اجتمع

لك منها فى السنة ما قدره مائة ألف دينار؛ فبات أحمد بن طولون ليلته وقد حرّكه قول ابن دشومة، فرأى فيما يرى النائم صديقا له كان من الزهّاد مات لمّا كان ابن طولون بالثغر قبل دخوله الى مصر، وهو يقول له: بئس ما أشار عليك ابن دشومة فى أمر الارتفاق «1» ، واعلم أنه من ترك شيئا لله عوّضه الله خيرا منه؛ فارجع الى ربّك، وإن كان التكاثر والتفاخر قد شغلاك عنه فى هذه الدنيا. فأمض ما عزمت عليه وأنا ضامن لك من الله تعالى أفضل العوض منه قريبا غير بعيد. فلما أصبح أحمد بن طولون دعا ابن دشومة فأخبره بما رأى فى نومه؛ فقال له ابن دشومة: أشار عليك رجلان: أحدهما فى اليقظة والآخر فى المنام، وأنت لمن فى اليقظة أوجد وبضمانه أوثق؛ فقال ابن طولون: دعنى من هذا؛ وأزال جميع المظالم ولم يلتفت الى كلامه. ثم ركب أحمد بن طولون الى الصيد، فلما سار فى البرّيّة انخسفت الأرض برجل فرس بعض أصحابه فى قبر فى وسط الرمل؛ فوقف أحمد بن طولون عليه وكشفه فوجد مطلبا واسعا، فأمر بحمله فحمل منه من المال ما قيمته ألف ألف دينار؛ فبنى منه هذا الجامع والبئر «2» بالقرافة الكبرى والبيمارستان «3» بمصر ووجوه البرّ؛ ثم دعا بابن دشومة المقدّم ذكره وقال: والله لولا أنّى أمّنتك لصلبتك، ثم بعد مدّة صادره واستصفى أمواله، وحبسه حتى مات. وقيل: إن ابن طولون لما فرغ من بناء جامعه المذكور أمر حاشيته بسماع ما يقول الناس فيه من الأقوال والعيوب؛ فقال رجل: محرابه صغير، وقال آخر: ما فيه

عمود، وقال آخر: ليست له ميضأة؛ فبلغه ذلك فجمع الناس وقال: أما المحراب فإنى رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم وقد خطّه لى فى منامى، وأصبحت فرأيت النمل قد طافت بذلك المكان الذي خطّه لى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وأما العمد فإنّى بنيت هذا الجامع من مال حلال وهو الكنز، وما كنت لأشوبه بغيره؛ وهذه العمد إما أن تكون فى مسجد أو كنيسة فنزّهته عنها؛ وأما الميضأة فإنّى نظرت فوجدت ما يكون بها من النجاسات فطهّرته عنها، وهأنا أبنيها خلفه، وأمر ببنائها. وقيل: إنه لمّا فرغ من بنائه رأى فى منامه كأنّ نارا نزلت من السماء فأخذت الجامع دون ما حوله من العمران؛ فلمّا أصبح قصّ رؤياه فقيل له: أبشر بقبول الجامع المبارك، لأنّ النار كانت فى الزمن الماضى إذا قبل الله قربانا نزلت نار من السماء أخذته، ودليله «1» قصة قابيل وهابيل «2» . وكان حول الجامع العمران ملاصقة له، حتى قيل: إن مسطبة كانت خلف الجامع، وكانت ذراعا فى ذراع لا غير، فكانت أجرتها فى كلّ يوم اثنى عشر درهما: فى بكرة النهار يقعد فيها شخص يبيع الغزل ويشتريه بأربعة دراهم؛ ومن الظهر الى العصر لخبّاز بأربعة دراهم؛ ومن العصر الى المغرب لشخص يبيع فيها الحمّص والفول بأربعة دراهم. قلت: هذا مما يدل على أن الجامع المذكور كان فى وسط العمران.

وهذا الجامع على جبل يشكر- كما ذكرناه- وهو مكان مشهور بإجابة الدعاء، وقيل: إنّ موسى عليه السلام ناجى ربّه- جلّ جلاله- عليه بكلمات. ويشكر المنسوب إليه هذا الجبل هو ابن جزيلة من لخم. انتهى. وأنفق ابن طولون على البيمارستان ستين ألف دينار، وعلى حصن «1» الجزيرة ثمانين ألف دينار، وعلى الميدان خمسين ألف دينار؛ وحمل إلى الخليفة المعتمد فى مدة أربع سنين ألفى ألف دينار ومائتى ألف دينار. وكان خراج مصر فى أيامه أربعة آلاف ألف وثلثمائة ألف دينار؛ هذا مع كثرة صدقاته وإنفاقه على مماليكه وعسكره. وقد قال له وكيله «2» فى الصدقات: ربما امتدّت الىّ الكفّ المطوّقة والمعصم فيه السّوار والكمّ الناعم، أفأمنع هذه الوظيفة؟ «3» فقال له: ويحك! هؤلاء المستورون الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، احذر أن تردّ يدا امتدّت اليك. وقيل: إنه حسّن له بعض التجار التجارة، فدفع له أحمد بن طولون خمسين ألف دينار يتّجر له بها؛ فرأى ابن طولون بعد ذلك فى منامه كأنه يمشمش عظما، فدعا المعبّر وقصّ عليه؛ فقال: قد سمت همّتك إلى مكسب لا يشبه خطرك «4» ؛ فأرسل ابن طولون فى الحال إلى التاجر وأخذ المال منه فتصدّق به.

وكان جميع خصال ابن طولون محمودة، إلا أنه كان حادّ الخلق والمزاج؛ فإنه لما ولى مصر والشام ظلم كثيرا وعسف وسفك كثيرا من الدماء. يقال: إنه مات فى حبسه «1» ثمانية عشر ألفا، فرأى فى منامه كأنّ الحق سبحانه قد مات فى داره فاستعظم ذلك وانتبه فزعا، وجمع المعبّرين فلم يدروا؛ فقال له بعضهم: أقول ولى الأمان؟ قال نعم؛ قال: أنت رجل ظالم، قد أمتّ الحقّ فى دارك! فبكى. وكان فيه ذكاء وفطنة وحدس ثاقب. قال محمد بن عبد الملك الهمذانىّ: إن ابن طولون جلس يأكل، فرأى سائلا فأمر له بدجاجة ورغيف وحلواء، فجاءه الغلام فقال: ناولته فما هشّ له؛ فقال ابن طولون: علىّ به، فلما مثل بين يديه لم يضطرب من الهيبة؛ فقال له ابن طولون: أحضر لى الكتب التى معك واصدقنى، فقد صحّ عندى أنك صاحب خبر، وأحضر السياط فاعترف؛ فقال له بعض من حضر: هذا والله السحر الحلال! قال ابن طولون: ما هو سحر ولكنّه قياس صحيح، رأيت سوء حاله فسيّرت له طعاما يشره له الشبعان فما هشّ له، فأحضرته فتلقّانى بقوّة جأش، فعلمت أنه صاحب خبر لا فقير، فكان كذلك. وقال أبو الحسين الرازىّ: سمعت أحمد [بن أحمد «2» ] بن حميد بن أبي العجائز وغيره من شيوخ دمشق قالوا: لما دخل أحمد بن طولون دمشق وقع بها حريق عند كنيسة مريم، فركب ابن طولون إليه ومعه أبو زرعة البصرى «3» وأبو عبد الله أحمد ابن محمد الواسطىّ كاتبه؛ فقال ابن طولون لأبى زرعة: ما يسمّى هذا الموضع؟ قال: كنيسة مريم؛ فقال أبو عبد الله: أكان لمريم كنيسة؟ قال: ماهى من بناء

مريم، وإنما بنوها على اسمها؛ فقال ابن طولون: مالك [و] للاعتراض على الشيخ! ثم أمر بسبعين ألف دينار من ماله، وأن يعطى لكل من احترق له شىء ويقبل قوله ولا يستحلف، فأعطوا لمن ذهب ماله. وفضل من المال أربعة عشر ألف دينار؛ ثم أمر بمال عظيم أيضا ففرّق فى فقراء أهل دمشق والغوطة، وأقلّ «1» ما أصاب الواحد من المستورين دينار. وعن محمد بن على الماذرائىّ «2» قال: كنت أجتاز بتربة أحمد بن طولون فأرى شيخا ملازما للقراءة «3» على قبره، ثم إنى لم أره مدّة، ثم رأيته فسألته فقال: كان له علينا بعض العدل إن لم يكن الكلّ، فأحببت أن أصله بالقراءة؛ قلت: فلم انقطعت؟ قال: رأيته فى النوم وهو يقول: أحبّ ألّا تقرأ عندى، فما تمرّ بآية إلا قرّعت بها وقيل: أما سمعت هذه! انتهى. قلت: ولمّا ولى أحمد بن طولون مصر سكن العسكر على عادة أمراء مصر من قبله، ثم أحب أن يبنى له قصرا فبنى القطائع. والقطائع قد زالت آثارها الآن من مصر ولم يبق لها رسم يعرف، وكان موضعها من قبّة الهواء، التى صار مكانها الآن قلعة الجبل، الى جامع ابن طولون المذكور وهو طول «4» القطائع، وأما عرضها فانه كان من أوّل الرّميلة من تحت القلعة الى الموضع الذي يعرف الآن بالأرض الصفراء عند مشهد الرأس الذي يقال له الآن زين العابدين؛ وكانت مساحة القطائع ميلا فى ميل.

وقبّة الهواء كانت فى السطح «1» الذي عليه قلعة الجبل. وتحت قبة الهواء كان قصر ابن طولون. وموضع هذا القصر الميدان السلطانى الآن الذي تحت قلعة الجبل بالرّميلة «2» . وكان موضع سوق الخيل والحمير والبغال والجمال بستانا. ويجاورها الميدان الذي يعرف اليوم بالقبيبات؛ فيصير الميدان فيما بين القصر والجامع الذي أنشأه أحمد بن طولون المعروف به. وبجوار الجامع دار الإمارة فى جهته القبلية، ولها باب من جدار الجامع يخرج منه الى المقصورة المحيطة بمصلّى الأمير الى جوار المحراب، وهناك دار الحرم. والقطائع عدّة قطع يسكن فيها عبيد الأمير أحمد بن طولون وعساكره وغلمانه. قلت: والقطائع كانت بمعنى الأطباق التى للمماليك السلطانية الآن، وكانت كلّ قطيعة لطائفة تسمّى بها، فكانت قطيعة تسمّى قطيعة السودان، وقطيعة الروم، وقطيعة الفرّاشين- وهم نوع من الجمدارية الآن- ونحو ذلك. وكانت كل قطيعة لسكن جماعة ممن ذكرنا وهى «3» بمنزلة الحارات اليوم. وسبب بناء ابن طولون القصر والقطائع كثرة مماليكه وعبيده، فضاقت دار الإمارة عليه، فركب الى سفح الجبل وأمر بحرث قبور اليهود والنصارى، واختطّ موضعهما وبنى القصر والميدان المقدّم ذكرهما؛ ثم أمر لأصحابه وغلمانه أن يختطّوا لأنفسهم حول قصره وميدانه بيوتا؛ واختطّوا وبنوا حتى اتصل البناء بعمارة الفسطاط- أعنى بمصر القديمة- ثم بنيت القطائع وسمّيت كل قطيعة باسم من سكنها. قال القضاعىّ: وكان للنوبة قطيعة مفردة تعرف بهم، وللروم قطيعة مفردة تعرف بهم، وللفرّاشين قطيعة [مفردة «4» ] تعرف بهم، ولكل صنف من الغلمان قطيعة مفردة تعرف بهم؛ وبنى القوّاد مواضع [متفرّقة «5» ] ،

وعمرت القطائع عمارة حسنة وتفرّقت فيما السكك والأزقّة، وعمرت فيها المساجد الحسان والطواحين والحمّامات والأفران والحوانيت والشوراع. وجعل ابن طولون قصرا كبيرا فيه ميدانه الذي يلعب فيه بالكرة، وسمّى القصر كلّه الميدان؛ وعمل للقصر «1» أبوابا لكل باب اسم؛ فباب الميدان الكبير كان منه الدخول والخروج لجيشه وخدمه؛ وباب الخاصّة لا يدخل منه إلا خاصّته؛ وباب الجبل «2» الذي يلى جبل المقطم؛ وباب الحرم «3» لا يدخل منه إلا خادم خصىّ أو حرمة؛ وباب الدّرسون كان يجلس فيه حاجب أسود عظيم الخلقة يتقلّد جنايات الغلمان السودان الرّجّالة فقط، واسمه الدرمون وبه سمّى الباب المذكور؛ وباب دعناج لأنه كان يجلس فيه حاجب يقال له دعناج؛ وباب الساج لأنه كان عمل من خشب الساج؛ وباب الصلاة لأنه كان يخرج [منه] إلى الصلاة وكان بالشارع الأعظم، وكان هذا الباب يعرف بباب السباع لأنه كانت عليه صورة سبعين من جبس؛ وكانت «4» هذه الأبواب لا تفتح كلّها إلا فى يوم العيد [أو] يوم عرض الجيش [أو يوم «5» صدقة] ، وما «6» كانت تفتح الأبواب إلا بترتيب فى أوقات معروفة؛ وكان للقصر شبابيك «7» تفتح من سائر نواحى الأبواب تشرف كلّ جهة على باب.

ولما بنى هذا القصر والميدان وعظم أمره زادت صدقاته ورواتبه حتى بلغت صدقاته المرتّبة فى الشهر ألفى دينار، سوى ما كان يغطى ويطرأ عليه؛ وكان يقول: هذه صدقات الشكر على تجديد النعم؛ ثم جعل مطابخ للفقراء والمساكين فى كلّ يوم، فكان يذبح فيها البقر والغنم ويفرّق للناس فى القدور الفخّار والقصع، ولكل قصعة أو قدر أربعة أرغفة: فى اثنين منها فالوذج، والاثنان الآخران على القدر أو القصعة؛ وكان فى الغالب يعمل سماط عظيم وينادى فى مصر: من أحبّ [أن] يحضر سماط الأمير فليحضر؛ ويجلس هو بأعلى القصر ينظر ذلك ويأمر بفتح جميع أبواب الميدان ينظرهم وهم يأكلون ويحملون فيسّره ذلك ويحمد الله على نعمته. ثم جعل بالقرب من قصره حجرة فيها رجال سمّاهم بالمكبّرين عدّتهم اثنا عشر رجلا، يبيت فى كلّ ليلة منهم أربعة يتعاقبون بالليل نوبا، يكبّرون ويهلّلون ويسبّحون ويقرءون القرآن بطيّب الألحان ويترسّلون بقصائد زهديّة ويؤذّنون أوقات الأذان؛ وكان هو أيضا [من] أطيب الناس صوتا. قلت: ولهذا كان فى هذه الرتبة، لأن الجنسيّة علة الضم. ولا زال على ذلك حتى خرج من مصر الى طرسوس، ثم عاد الى أنطاكية فى جيوشه، بعد أن كان وقع له مع الموفّق أمور ووقائع يأتى ذكرها فى حوادث سنيه على مصر. وكان قد أكل من لبن الجاموس وأكثر منه، وكان له طبيب اسمه سعد «1» بن نوفيل نصرانى؛ فقال له: ما الرأى؟ فقال له: لا تقرب الغذاء اليوم وغدا، وكان جائعا فاستدعى خروفا وفراريج فأكل منها، وكان به علّة القيام فامتنع؛ «2» فأخبر الطبيب؛ فقال: إنا لله! ضعفت القوّة المدافعة بقهر الغذاء لها، [فعالجه] «3» فعاوده الإسهال؛

فخرج من أنطاكية فى محفه «1» تحمله الرجال، فضعف عن ذلك فركب البحر الى مصر؛ فقيل لطبيبه: لست بحاذق؛ فقال: والله ما خدمتى له إلا خدمة الفأر للسّنّور، وإن قتلى عنده أهون علىّ من صحبته!. ولما دخل ابن طولون الى مصر على تلك الهيئة استدعى الأطباء وفيهم الحسن ابن زيرك، فقال لهم: والله لئن لم تحسنوا فى تدبيركم لأضرينّ أعناقكم قيل موتى؛ فخافوا منه، وما كان يحتمى، ويخالفهم. ولما اشتدّ مرضه خرج المسلمون بالمصاحف، واليهود والنصارى بالتوراة والإنجيل، والمعلّمون بالصّبيان، الى الصحراء ودعوا له؛ وأقام المسلمون بالمساجد يختمون القرآن ويدعون له؛ فلما أيس من نفسه رفع يديه إلى السماء وقال: يا ربّ ارحم من جهل مقدار نفسه، وأبطره «2» حلمك عنه؛ ثم تشهّد ومات بمصر فى يوم الاثنين لثمان عشرة خلت من ذى القعدة سنة سبعين ومائتين، وولى مصر بعده ابنه أبو الجيش خمارويه؛ ومات وعمره خمسون سنة بحساب من قال إنّ مولده سنة عشرين ومائتين. وكانت ولايته على مصر سبع عشرة سنة. وقيل: إنّه لمّا ثقل فى الضعف أرسل الى القاضى بكّار بن قتيبة الحنفىّ- وكان قد حبسه فى دار بسبب نحكيه هنا بعد ما نذكر ما أرسل يقول له- فجاء الرسول إلى بكّار يقول له: أنا أردّك الى منزلتك وأحسن؛ فقال القاضى بكّار: قل له: شيخ فان وعليل مدنف، والملتقى قريب، والقاضى الله عزّ وجلّ؛ فأبلغ الرسول ابن طولون ذلك؛ فأطرق ساعة، ثم أقبل يقول: شيخ فان وعليل مدنف والملتقى قريب والقاضى الله! وكرّر ذلك الى أن غشى عليه؛ ثم أمر بنقله من السجن الى دار اكتريت له.

وأما سبب انحراف أحمد بن طولون على القاضى بكّار فلكون «1» أنّ ابن طولون دعا القاضى بكّارا لخلع الموفق من ولاية العهد للخلافة فامتنع؛ فحبسه لأجل هذا؛ وكرر عليه القول فلم يقبل وئالا «2» ؛ وكان «3» أوّلا من أعظم الناس عند ابن طولون. قال الطحاوىّ: ولا أحصى كم كان أحمد بن طولون يجيء إلى مجلس بكار وهو يملى «4» الحديث ومجلسه مملوء بالناس، ويتقدّم الحاجب ويقول: لا يتغيّر أحد من مكانه؛ فما يشعر بكّار إلّا وابن طولون إلى جانبه؛ فيقول له: أيها الأمير ألا تركتنى [حتى] «5» كنت أقضى حقّك [وأؤدّى «6» واجبك! أحسن الله جزاءك وتولّى مكافأتك] ؛ ثم فسد الحال بينهما حتى حبسه. قال القاضى شمس الدين أحمد بن محمد بن خلّكان: كان أحمد بن طولون يدفع الى القاضى بكّار فى العام ألف دينار سوى المقرّر له فيتركها بكّار بختمها [ «7» ولا يتصرّف فيها] ؛ فلما دعاه ابن طولون لخلع الموفّق من ولاية العهد امتنع، فاعتقله وطالبه بحمل الذهب فحمله اليه بختومه، وكان ثمانية عشر كيسا فى كل كيس ألف دينار؛ فاستحى ابن طولون عند ذلك من الملأ. قلت: هذا هو القاضى الذي فى الجنة؛ رحمه الله تعالى. وقال أبو عيسى اللؤلؤيّ: رآه بعض أصحابه المتزهّدين فى حال حسنة فى المنام (يعنى ابن طولون) ، فقال له: ما فعل الله بك؟ وكيف حالك؟ قال: لا ينبغى لمن سكن الدنيا [أن] يحتقر حسنة فيدعها ولا سيئة فيرتكبها، عدل بى عن النار الى الجنة

بتريّثى «1» على متظلّم عيّ «2» اللسان شديد التهيّب «3» ، فسمعت منه وصبرت عليه حتى قامت حجته وتقدّمت «4» بإنصافه؛ وما فى الآخرة على الرؤساء أشدّ من الحجاب «5» لملتمسى «6» الإنصاف. ورثاه كثير من الشعراء، من ذلك ما قاله بعض المصريّين: يا غرّة «7» الدنيا الذي أفعاله ... غرر بها كلّ الورى تتعلّق أنت الأمير على الشآم وثغره ... والرّقّتين «8» وما حواه المشرق واليك مصر وبرقة وحجازها ... كلّ «9» إليك مع المدى يتشوّق وخلّف ابن طولون ثلاثة وثلاثين ولدا، منهم سبعة عشر ذكرا، وهم: العباس وخمارويه الذي ولى مصر بعد موته، وعدنان ومضر وشيبان وربيعة وأبو العشائر، وهؤلاء أعيانهم، فأما العباس فهو الذي كان عصى على والده ودخل الغرب وحمل الى أبيه أحمد فحبسه ومات وهو فى حبسه، ومات بعد أبيه بيسير؛ وكان شاعرا، وهو القائل:

ما وقع من الحوادث سنة 255

لله درّى إذ أعدو على فرسى ... الى الهياج ونار الحرب تستعر وفى يدى صارم أفرى الرءوس به ... فى حدّه الموت لا يبقى ولا يذر إن كنت سائلة عنى وعن خبرى ... فهأنا الليث والصّمصامة الذّكر من آل طولون أصلى إن سألت فما ... فوقى لمفتخر فى الجود مفتخر «1» وكان أبوه أحمد بن طولون لما خرج الى الشام فى السنة الماضية أخذه مقيّدا معه وعاد به على ذلك. وخلّف أحمد بن طولون فى خزائنه من الذهب النقد عشرة آلاف ألف دينار؛ ومن المماليك سبعة آلاف مملوك، [ومن «2» الغلمان أربعة وعشرين ألف غلام] ، ومن الخيل [الميدانية «3» ] سبعة آلاف رأس، ومن البغال والحمير ستة آلاف رأس، ومن الدوابّ لخاصته ثلثمائة، ومن مراكبه الجياد مائة. وكان ما يدخل إلى خزائنه فى كل سنة بعد مصاريفه ألف ألف دينار. رحمه الله تعالى. *** [ما وقع من الحوادث سنة 255] السنة الأولى من ولاية أحمد بن طولون على مصر وهى سنة خمس وخمسين ومائتين- فيها كان ابتداء خروج الزّنج، وخرج قائدهم «4» بالبصرة، فلما خرج انتسب

إلى زيد بن علىّ، وزعم أنّه علىّ بن محمد بن أحمد بن علىّ بن عيسى بن زيد بن علىّ [بن «1» الحسين بن علىّ بن أبى طالب] ؛ وهذا نسب غير صحيح. وانضمّ عليه معظم أهل البصرة، وعظم أمره وفعل بالمسلمين الأفاعيل، وهزم جيوش الخليفة، وامتدّت أيّامه الى أن قتل فى سنة سبعين ومائتين بعد أن واقعه الموفّق أخو الخليفة غير مرّة. وفيها كان بين يعقوب بن الليث وطوق بن المغلّس «2» وقعة كبيرة. وفيها عظم أمر ابن وصيف، وقبض على حواشى المعتزّ بالله الخليفة؛ فسأله المعتزّ فى إطلاق واحد منهم فلم يفعل. ولا زال أمره يعظم إلى أن خلع المعتزّ بالله من الخلافة فى رجب «3» ، ثم قتل بعد خلعه بأيّام. واختفت أمّ المعتزّ قبيحة، ثم ظهرت فصادرها صالح بن وصيف المذكور وأخذ منها أموالا عظيمة، ثم نفاها إلى مكّة؛ وكان مما أخذ منها ابن وصيف ألف ألف دينار وثلثمائة ألف دينار، وأخذ منها من الجواهر ما قيمته ألفا ألف دينار. وكان الجند سألوا المعتزّ فى خمسين ألف دينار ويصطلحون معه؛ فسألها المعتزّ فى ذلك؛ فقالت: ما عندى شىء. فلمّا رأى ابن وصيف هذا المال قال: قبّح الله قبيحة، عرّضت ابنها للقتل لأجل خمسين ألف دينار وعندها هذا كلّه. وفيها بويع المهتدى بالله محمد، وكنيته أبو إسحاق، وقيل: أبو عبد الله، ابن الخليفة الواثق بالله هارون بالخلافة بعد خلع المعتزّ بالله فى ثانى «4» شعبان. وفيها توفّى عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام بن عبد الصمد الحافظ أبو محمد التّميمىّ الدارمىّ السمرقندى الإمام المحدّث صاحب المسند؛ ومولده سنة مات عبد الله

ابن المبارك سنة اثنتين وثمانين ومائة، وكان من الأئمة الأعلام، وقد روينا مسنده المذكور عن الشيخ زين الدين رجب بن يوسف الخيرىّ «1» ومحمد بن أبى الشائب «2» الأنصارىّ حدّثانا أخبرنا أبو إسحاق التّنوخىّ، حدّثنا أبو العباس الحجّار وإسماعيل ابن مكتوم وعيسى المطعّم «3» إجازة، قالوا: أخبرنا ابن اللّيثىّ، حدّثنا أبو الوقت عبد الأوّل ابن [أبى عبد الله «4» ] عيسى [بن شعيب بن إسحاق السجزى «5» ] ، أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن ابن محمد الدّاودىّ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمّويه السّرخسىّ، أخبرنا أبو عمران عيسى بن عمر السمرقندىّ، حدّثنا الدارمىّ. وفيها توفى المعتزّ بالله أمير المؤمنين أبو عبد الله محمد، وقيل: إن اسمه الزبير، ابن الخليفة المتوكل على الله جعفر ابن الخليفة المعتصم بالله محمد ابن الخليفة الرشيد هارون ابن الخليفة محمد المهدىّ ابن الخليفة أبى جعفر المنصور بن محمد بن علىّ بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، الهاشمىّ العباسىّ البغدادىّ؛ ومولده سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، ولم يل الخلافة قبله أحد أصغر منه، وأمّه أمّ ولد رومية تسمى قبيحة لجمال صورتها من أسماء الأضداد، لم يقع لخليفة ما وقع عليه من الإهانة، لأن الأتراك أمسكوه وضربوه وجرّوا برجله وأقاموه فى الشمس «6» فى يوم صائف وهم يلطمون وجهه، ويقولون

ما وقع من الحوادث سنة 256

له: اخلع نفسك؛ ثم أحضروا القاضى ابن أبى الشوارب والشهود، حتى خلع نفسه؛ ثم أخذه الأتراك بعد خمس ليال من خلعه وأدخلوه الحمام فعطش فمنعوه الماء حتى مات «1» فى شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وله أربع وعشرون سنة. وكانت خلافته أربع سنين وستة أشهر وأربعة «2» عشر يوما. وفيها توفى الحافظ أبو يحيى صاعقة، واسمه محمد بن عبد الرحيم، وله سبعون سنة. وفيها توفى محمد بن كرّام «3» السّجستانىّ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع واثنتا عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وست أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 256] السنة الثانية من ولاية أحمد بن طولون على مصر وهى سنة ست وخمسين ومائتين- فيها وثب موسى بن بغا بالأتراك على صالح بن وصيف وطالبوه بقتل المعتز وبمال أمّه قبيحة، ووقع بينهم حروب قتل فيها صالح بن وصيف المذكور؛ ثم خلعوا الخليفة المهتدى، فقاتلهم حتى ظفروا به وقتلوه، وبايعوا المعتمد بالخلافة. وفيها استعمل الخليفة أخاه الموفّق طلحة على المشرق، وصيّر ابنه جعفرا ولىّ عهده وولّاه مصر والمغرب، ولقّبه المفوّض إلى الله. وانهمك المعتمد فى اللهو واللذات. واشتغل عن الرعيّة، فكرهه الناس وأحبّوا أخاه الموفّق طلحة، فغلب على الأمر حتى صار المعتمد معه كالمحجور عليه، على ما سيأتى ذكره. وفيها توفّى الحسن بن علىّ

الإمام العابد الزاهد أبو علىّ التّنوخىّ البغدادىّ أوحد زمانه فى علوم الحقائق، وهو من كبار أصحاب سرىّ السّقطىّ، وهو أوّل من عقدت له الحلقة ببغداد. وفيها توفى الزّبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوّام، أبو عبد الله الأسدىّ الإمام العلامة صاحب كتاب النسب «1» ، كان عالما بالأنساب وأيام الناس، ولى قضاء مكة، وقدم بغداد وحدّث بها. وفيها كان قتل صالح بن وصيف التركى أحد قوّاد المتوكّل، كان قد استطال على الخلفاء وقتل المعتزّ وصادر أمّه قبيحة حسبما تقدّم ذكره. وفيها توفّى الإمام الحافظ الحجة أبو عبد الله محمد بن اسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة [بن الأحنف «2» ] بن بردزبه «3» البخارىّ الجعفىّ مولاهم؛ وكان المغيرة مجوسيّا فأسلم على يد يمان البخارىّ الجعفىّ. والبخارىّ الجعفىّ مولاهم؛ وكان المغيرة مجوسيّا فأسلم على يد يمان البخارىّ الجعفىّ. والبخارىّ هذا هو صاحب الصحيح، مولده يوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من شوّال سنة أربع وتسعين ومائة ومات ليلة عيد الفطر بقرية خرتنك «4» بالقرب من بخارى، وقد سمعت صحيحه بفوت «5» على سيدنا شيخ الإسلام جلال الدين عبد الرحمن البلقينيّ الشافعىّ رضي الله عنه؛ أنبأنا والدى شيخ الاسلام، أنبأنا جمال الدين عبد الرحيم بن شاهد الجيش، أنبأنا إسماعيل بن عبد القوىّ بن عزّون وأحمد بن علىّ بن يوسف وعثمان بن عبد الرحمن بن

رشيق سماعا عليهم عن هبة الله بن علىّ البوصيرىّ ومحمد بن أحمد «1» بن حامد الأرتاحىّ، الأوّل عن محمد بن بركات، والثانى عن علىّ بن [الحسين بن «2» ] عمر الفرّاء عن كريمة بنت أحمد المروزيّة عن محمد بن مكّى الكشميهنىّ «3» عن محمد بن يوسف الفربرىّ عن الامام البخارىّ، وأخبرنى به الشيخ الأوحد أبو عبد الله محمد بن عبد الكافى السّويفىّ سماعا عليه لجميعه، أنبأنا شمس الدين محمد بن على بن الخشّاب سماعا عليه لجميعه، أنبأنا شيخان أبو العباس أحمد بن أبى طالب بن الشّحنة الحجّار وأم محمد وزيرة بنت عمر التّنوخيّة، قالا أنبأنا أبو عبد الله الحسين بن المبارك الزبيدىّ، أنبأنا أبو الوقت عبد الأوّل بن [أبى عبد الله] عيسى السّجزىّ، أنبأنا أبو الحسن عبد الرحمن ابن محمد الدّاودىّ، أنبأنا أبو محمد عبد الله بن أحمد السّرخسىّ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يوسف الفربرىّ، أنبأنا الامام البخارىّ رضى الله عنه. وفيها توفى أمير المؤمنين المهتدى بالله محمد ابن الخليفة هارون الواثق ابن الخليفة محمد المعتصم ابن الخليفة الرشيد هارون الهاشمىّ العباسىّ، وكان صالحا عابدا يسرد «4» الصوم متقشّفا، لم يل الخلافة بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز أصلح منه، غير أنه لم يجد من ينصره، وحاربته الأتراك وخلعوه وداسوا خصيتيه وصفعوه حتى مات فى منتصف «5» شهر رجب؛ فكانت خلافته سنة إلا خمسة عشر يوما؛ وأمّه أمّ ولد رومية تسمّى

ما وقع من الحوادث سنة 257

قرب. قال الخطيب أبو بكر: لم يزل صائما منذ ولى الخلافة الى أن قتل وله نحو أربعين سنة. وفيها توفّى عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة الزهرىّ. وفيها توفّى على بن المنذر الطّريقىّ «1» . وفيها توفّى محمد بن أبى عبد الرحمن. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع واثنتان وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 257] السنة الثالثة- من ولاية أحمد بن طولون على مصر، وهى سنة سبع وخمسين ومائتين- فيها دخل الزّنج البصرة وأباحوها وبذلوا فيها السيف، فحاربهم سعيد الحاجب واستخلص منهم كثيرا مما كانوا أسروه. وفيها عقد الخليفة المعتمد لأخيه أبى أحمد الموفّق على الكوفة والحجاز والحرمين واليمن وبغداد وواسط والبصرة والأهواز وفارس وما وراء النهر. وفيها قتل ميخائيل بن توفيل «2» ملك الروم، قتله بسيل «3» الصّقلبىّ وكان ميخائيل قد ملك أربعا وعشرين سنة. وفيها حجّ بالناس الفضل ابن إسحاق بن الحسن بن سهل «4» بن العباس العباسىّ. وفيها توفى الحسن بن عبد العزيز الحافظ أبو علىّ الجذامىّ المصرىّ، قدم بغداد وحدّث بها؛ قال الدّار قطنىّ لم أر مثله فضلا وزهدا ودينا وورعا وثقة وصدق عبارة. وفيها توفى سليمان بن معبد أبو داود النحوىّ المروزىّ، رحل فى طلب العلم إلى العراق والحجاز واليمن والشأم ومصر، وقدم بغداد وذاكر الجاحظ، ومات بها فى ذى الحجّة. وفيها توفى شهيدا بأيدى الزّنج العبّاس بن الفرج أبو الفضل الرّياشىّ النحوىّ البصرىّ مولى محمد بن

ما وقع من الحوادث سنة 258

سليمان العباسىّ، رحل فى طلب العلم، وكان من النحو واللغة والفقه والأدب والفضل بالمحلّ الأعلى، وكان من الثّقات الحفّاظ، وقرأ كتاب سيبويه على المازنىّ، فكان المازنىّ يقول: يقرأ علىّ كتاب سيبويه وهو أعلم به منّى. وفيها توفّيت فضل الشاعرة، كانت من مولّدات اليمامة «1» ، وكذا أمها، وبها ولدت؛ فربّاها بعض الفضلاء وباعها، فاشتراها محمد بن الفرج الرّخجىّ وأهداها إلى المتوكّل، ولم يكن فى زمانها أفصح منها ولا أشعر. وفيها توفى شهيدا بأيدى الزّنج زيد بن أخزم- بمعجمتين- الطائىّ الحافظ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وستّ عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 258] السنة الرابعة- من ولاية أحمد بن طولون على مصر، وهى سنة ثمان وخمسين ومائتين- فيها عقد المعتمد على الله لأخيه الموفّق طلحة على حرب الزّنج، فندب إليهم الموفّق منصورا، فكانت وقعة بين منصور بن جعفر بن دينار وبين يحيى «2» ، فانهزم عن منصور عسكره، وساق وراءه يحيى فضرب عنقه، واستباحت الزّنج عسكره؛ فلما وصل الموفّق إلى نهر «3» معقل انهزم جيش الخبيث رأس الزّنج، ثم تراجعوا وقاتلوا جيش الموفّق حتى هزموه؛ وانحاز الموفّق وهمّ بالهروب، ثم تراجع

وواقعهم حتى انتصر عليهم. وأسر طاغيتهم يحيى المذكور، وقتل عامّة أصحابه، وبعث بيحيى إلى المعتمد، فضربه ثم طوّف به ثم ذبحه. وفيها وقع الوباء العظيم بالعراق، ومات خلق لا يحصون. حتى مات غالب عسكر الموفّق؛ فلما وقع ذلك كتر الزّنج على الموفّق وواقعوه ثانيا أشدّ من الأوّل. ثم هزمهم الله ثانيا. وفيها كانت زلازل هائلة سقطت منها المنازل ومات خلق كثير تحت الرّدم. وفيها كانت واقعة ثالثة بين الزّنج والموفّق كانوا فيها متكافئين. وفيها توفّى أحمد بن الفرات بن خالد أبو مسعود» الرازى الأصبهانىّ. كان أحد الأئمة الثّقات. ذكره أبو نعيم فى الطبقة السابعة وأثنى عليه. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطّان البصرىّ الحافظ، سكن بغداد وحدّث بها عن جدّه وغيره، وروى عنه المخاملىّ وغيره. وفيها توفى جعفر بن عبد الواحد بن جعفر بن سليمان بن علىّ بن عبد الله بن العباس الهاشمىّ العباسىّ، كان يقال له قاضى الثغور، وولى القضاء بسرّمن رأى، وحدّث عن أبى عاصم النبيل وغيره؛ قال أبو زرعة الرازىّ: كنت اذا رأيته هبته وأقول: هذا يصلح للخلافة. وفيها توفّى محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس أبو عبد الله النّيسابورىّ الذّهلىّ مولاهم، كان حافظّ عصره وإمام الحديث بنيسابور وصاحب الواقعة «2» مع البخارىّ صاحب الصحيح. كان أحد الأئمة الحفّاظ المتقنين؛ كان الامام أحمد بن حنبل يثنى عليه وينشر فضله ويقول: هو إمام السنة بنيسابور. وفيها توفّى معاوية بن صالح أبو عمرو الحضرمىّ الحمصىّ قاضى الأندلس؛ أصله من

ما وقع من الحوادث سنة 259

أهل مصر؛ كان إماما عالما فاضلا محدّثا كبير الشأن. وفيها توفّى يحيى بن معاذ ابن جعفر أبو زكريا الرّازى الواعظ أحد الزهّاد أوحد وقته فى علوم الحقائق؛ وكانوا ثلاثة إخوة: يحيى وإسماعيل وإبراهيم؛ كان إسماعيل أكبرهم، ويحيى الأوسط. وفيها توفى يحيى الجلّاء، كان من الزهّاد، وصحب بشرا الحافى ومعروفا الكرخىّ وسريّا السّقطىّ. قال أحمد بن حنبل: قلت لذى النّون: لم سمّى بابن الجلّاء؟ فقال: سميناه بذلك لأنه اذا تكلّم جلا قلوبنا. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وخمس أصابع ونصف. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وخمس أصابع ونصف. *** [ما وقع من الحوادث سنة 259] السنة الخامسة من ولاية أحمد بن طولون على مصر، وهى سنة تسع وخمسين ومائتين- فيها كان أيضا بين الموفّق وبين الزّنج مقتلة عظيمة، ثم كان بين موسى ابن بغا وبين الزّنج أيضا مقتلة عظيمة، وقتل فيها خلق من الطائفتين. وفيها كانت وقعة بين الروم وبين أحمد بن محمد القابوسىّ على ملطية وشمشاط «1» ، ونصر الله المسلمين. وفيها ولد عبيد الله الملقّب بالمهدىّ والد الخلفاء الفاطميّين. وفيها توفّى الحسين بن عبد السلام أبو عبد الله المصرىّ المعروف بالجمل، الشاعر المشهور، كان يصحب الشافعىّ رضى الله عنه. وفيها توفى محمد بن عمرو بن يونس أبو جعفر الثّعلبىّ،

ما وقع من الحوادث سنة 260

ويعرف أيضا بالسّوسىّ، الزاهد العابد، مات وقد بلغ من العمر مائة سنة. وفيها توفى محمد بن إبراهيم بن محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع أبو الحسن القرشىّ الدمشقىّ الحافظ العالم المحدّث مصنف كتاب الطبقات. وفيها توفى الإمام أبو إسحاق إبراهيم ابن يعقوب السّعدىّ الجرجانىّ العالم المشهور. وفيها توفى أيضا أحمد بن إسماعيل السّهمىّ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع سواء. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وخمس أصابع ونصف. *** [ما وقع من الحوادث سنة 260] السنة السادسة من ولاية أحمد بن طولون على مصر، وهى سنة ستين ومائتين- فيها كان الغلاء المفرط بالحجاز والعراق حتى بلغ الكرّ «1» من الحنطة ببغداد مائة وخمسين دينارا. وفيها أغارت الأعراب على حمص، فخرج أميرهم منجور «2» النركى لحربهم فقتلوه، وتولى بعده حمص بكتمر التركىّ المعتمدىّ. وفيها أخذت الروم لؤلؤة «3» . وفيها أيضا كانت وقعات عديدة بين عساكر الموفّق وبين الزّنج، وقتلت الزّنج علىّ ابن يزيد العلوىّ صاحب الكوفة. وفيها توفى إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الحافظ أبو إسحاق الجرجانىّ- المقدّم ذكره فى الماضية- على الصحيح فى هذه السنة؛ كان يسكن دمشق، ويحدّث على المنبر، وكان من الأئمة الحفّاظ، إلا أنه كان منحرفا عن علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه. وفيها توفّى أيّوب بن إسحاق بن

إبراهيم بن مسافر، كان يسكن الرّملة، وحدّث بها وبمصر ودمشق، وكان زعر «1» الخلق. وفيها توفى الحسن بن على [بن محمد بن علىّ «2» ] بن موسى بن جعفر بن الحسين ابن على بن أبى طالب، ويقال له العسكرىّ، كنيته أبو محمد؛ وهو أحد الأئمة الاثنى عشر المعدود [ين] عند الرافضة. ومولده سنة إحدى وثلاثين ومائتين بسرّمن رأى، وأمّه أمّ ولد. وفيها توفى الحسن الفلّاس العابد الزاهد، كان يتقوّت من قمام المزابل، صحبه بشر الحافى وسرىّ السّقطىّ ومعروف الكرخىّ، وانتفع به بشر الحافى. وفيها توفّى الحسن بن محمد بن الصبّاح أبو على الزعفرانىّ، أصله من قرية بالعراق يقال لها الزعفرانية، وهو صاحب الإمام الشافعى الذي قرأ عليه كتاب الأم «3» ، وروى عنه أقواله القديمة. وفيها توفّى مالك بن طوق بن غياث «4» التّغلبىّ صاحب الرّحبة «5» ؛ كان أحد الأجواد، ولى إمرة دمشق والأردنّ. وفيها توفّى موسى «6» ابن مسلم بن عبد الرحمن أبو بكر القنطرىّ، كان ينزل قنطرة البردان ببغداد «7» فنسب إليها، وكان يشبّه فى الزهد والورع ببشر الحافى.

ما وقع من الحوادث سنة 261

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وأربع أصابع ونصف. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وإحدى عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 261] السنة السابعة من ولاية أحمد بن طولون على مصر، وهى سنة إحدى وستين ومائتين- فيها ولّى الخليفة المعتمد أبا السّاج إمرة الأهواز وحرب صاحب الزّنج، فكان بينه وبين الزنج حروب. وفيها بايع المعتمد بولاية العهد بعده لابنه المفوّض جعفر المذكور قبل تاريخه أيضا وولّاه المغرب والشأم والجزيرة وأرمينية، وضمّ إليه موسى بن بغا، وولّى أخاه الموفّق العهد بعد ابنه المفوّض، وولّاه المشرق والعراق وبغداد والحجاز واليمن وفارس وأصبهان والرّىّ وخراسان وطبرستان وسجستان والسّند [وضمّ «1» اليه مسرورا البلخىّ] ، وعقد لكل واحد منهما لواءين: أبيض وأسود، وشرط إن حدث به حدث [الموت «2» ] أن الأمر يكون لأخيه الموفق «3» إن لم يكن ابنه المفوّض جعفر قد بلغ؛ وكتب العهد وأرسله مع قاضى القضاة الحسن بن أبى الشّوارب ليعلقه فى الكعبة. وفيها توفى الحافظ مسلم بن الحجّاج بن مسلم الإمام الحافظ الحجّة أبو الحسين النّيسابورىّ صاحب الصحيح، ولد سنة أربع ومائتين. قال الحسين «4» بن محمد الماسرجسىّ: سمعت أبى يقول سمعت مسلما يقول: صنّفت هذا المسند الصحيح من ثلثمائة ألف حديث مسموعة. وقال أحمد بن سلمة: كنت مع مسلم فى تأليف صحيحه اثنتى عشرة سنة؛ قال: وهو اثنا عشر ألف حديث، يعنى بالمكرّر. قلت: مات يوم الأحد ودفن

يوم الاثنين لخمس بقين من شهر رجب. وقد روينا صحيحه عن أبى ذرّ «1» الحنبلىّ أنبأنا محمد بن إبراهيم البيانىّ سماعا أنبأنا أبو الفداء إسماعيل وعلىّ بن مسعود بن نفيس، قالا أنبأنا إبراهيم بن عمر بن مضر وأحمد بن عبد الدائم، قال ابن مضر أنبأنا منصور «2» ، وقال ابن عبد الدائم أنبأنا محمد بن على بن صدقة الحرّانىّ أنبأنا صدر «3» الدّين البكرىّ، قال البكرىّ أنبأنا المؤيّد [بن «4» محمد بن على] الطّوسىّ قال ابن عساكر إجازة قال الفراوىّ، «5» وهو فقيه الحرم، قال أنبأنا الفارسىّ «6» أنبأنا الجلودىّ «7» أنبأنا ابن سفيان «8» أنبأنا مسلم. وفيها توفى الحسن بن محمد بن عبد الملك أبو محمد القاضى الأموىّ، ويعرف بابن أبى الشوارب، كان فقيها عالما فاضلا جوادا ذا مروءة «9» ، ولى القضاء سنين عديدة.

ما وقع من الحوادث سنة 262

وفيها توفى الشيخ الإمام المعتقد أبو يزيد البسطامىّ «1» ، واسمه طيفور بن عيسى بن شروسان، وكان شروسان «2» مجوسيّا، وكان لعيسى ثلاثة أولاد: آدم وهو أكبرهم، وطيفور هذا وهو أوسطهم [وعلىّ «3» ] ، وكان الثلاثة زهّادا عبّادا، وكان طيفور أفضل [أهل] زمانه وأجلّهم محلّا، كان له لسان فى المعارف والتدقيق، وكان صاحب أحوال وكرامات، وقد شاع ذكره شرقا وغربا. وفيها توفّى عبد الله بن محمد بن يزداد «4» أبو صالح الكاتب المروزىّ، وزر أبوه للمأمون ووزر هو للمستعين والمهتدى، وكان أديبا شاعرا فاضلا جوادا ممدّحا. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وثلاث عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وخمس أصابع ونصف. *** [ما وقع من الحوادث سنة 262] السنة الثامنة من ولاية أحمد بن طولون على مصر، وهى سنة اثنتين وستين ومائتين- فيها ولى قضاء سرّ من رأى علىّ بن الحسن بن أبى الشوارب عوضا عن أبيه. وولى قضاء بغداد إسماعيل بن إسحاق القاضى. وفيها اشتغل المعتمد بقتال يعقوب بن الليث الصّفّار؛ فبعث كبير الزّنج عسكره إلى البطيحة «5» فنهبها

وأفسد العسكر بها وأسروا وقتلوا. وفيها تعرّض رجل لامرأة ببغداد وغصبها بمكان وهى تصيح: اتّق الله وهو لا «1» يلتفت؛ فقالت: قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ ... الآية ثم رفعت رأسها إلى السماء وقالت: اللهمّ إنّه قد ظلمنى فخذه اليك؛ فوقع الرجل ميتا. قال ابن عون «2» الفرائضىّ: فأنا والله رأيت الرجل ميّتا، فحمل على نعش والناس يهلّلون ويكبّرون. وفيها غلب يعقوب بن الليث الصفّار على فارس، وهرب عامل المعتمد إلى الأهواز. وفيها توفّى خالد بن يزيد أبو الهيثم التّميمىّ الحراسانىّ الكاتب، أحد كتّاب الجيش ببغداد، كان فاضلا شاعرا. وفيها توفّى سعد بن يزيد أبو محمد البزّاز، كان إماما فاضلا شاعرا حافظا، روى عنه يزيد بن هارون وطبقته؛ ومات ببغداد في شهر رجب. وفيها توفى عبد الله بن الفقير «3» . المروزىّ «4» المعتقد، كان من الأبدال «5» ، كان مقيما بقزوين، فاذا كان يوم الجمعة

ما وقع من الحوادث سنة 263

قد سلك «1» مسافة بعيدة، وكان يمشى على الماء ويقف له بحر جيحون، وكان يتقوّت بالمباحات «2» . وفيها توفى يعقوب بن شيبة «3» بن الصّلت بن عصفور أبو «4» يوسف الحافظ السّدوسىّ البصرىّ، كان إماما حافظا فقيها عالما، صنّف المسند معلّلا إلا أنه لم يتمّه، وكان يتفقّه على مذهب مالك، وسمع منه يزيد بن هارون وغيره، وكان ثقة، إلا أنه كان يقول بالوقف في القرآن، فهجره الناس. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وثلاث عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 263] السنة التاسعة من ولاية أحمد بن طولون على مصر، وهى سنة ثلاث وستين ومائتين- فيها سار يعقوب بن الليث الصّفّار إلى الأهواز، وأسر الأمير ابن واصل «5» ، واستولى على الأهواز. وفيها استوزر الخليفة المعتمد الحسن بن مخلد بعد موت عبيد الله «6» بن يحيى بن خاقان؛ فلما قدم موسى بن بغا إلى سامرّا هرب الحسن المذكور، فاستوزر مكانه سليمان بن وهب في ذى الحجّة. وفيها حجّ بالناس الفضل ابن إسحاق الذي حجّ بهم في الماضية. وفيها توفّى الوزير عبيد الله «7» بن يحيى بن خاقان

ما وقع من الحوادث سنة 264

ابن عرطوج أبو الحسين «1» التركىّ الوزير. وسبب موته أنه دخل ميدانا في داره يوم الجمعة لعشر خلون من ذى القعدة ليضرب الصّوالجة «2» ، وركب ولعث «3» ، فصدمه خادمه رشيق، فسقط عن دابته ميتا. وفيها توفى محمد بن محمد بن عيسى أبو الحسن البغدادىّ، ويعرف بابن أبى الورد «4» ، كان من الزهّاد الورعين. وفيها توفى الامام الحافظ محمد بن على بن ميمون الرّقّىّ العطّار إمام أهل الجزيرة؛ وفي التهذيب: توفى سنة ثمان وستين. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وأربع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 264] السنة العاشرة من ولاية أحمد بن طولون على مصر، وهى سنة أربع وستين ومائتين- فيها في المحرّم خرج أبو أحمد الموفّق طلحة ومعه موسى بن بغا إلى قتال الزّنج، فلما نزلا بغداد مات موسى بن بغا، فحمل إلى سامرّا ودفن بها. وفيها فى شهر ربيع الأوّل توفّيت قبيحة أمّ الخليفة المعتزّ بسامرّاء؛ وكان الخليفة المعتمد قد أعادها من مكّة إلى سامرّا وأكرمها، وكانت أمّ ولد للمتوكّل روميّة، وكانت فائقة في الجمال، فسمّيت قبيحة من أسماء الأضداد؛ وقد تقدّم ذكر مصادرتها من قبل صالح بن وصيف وما أخذ منها من الذهب والجواهر. وفيها توفى عبيد الله ابن عبد الكريم بن يزيد بن فرّوخ الحافظ أبو زرعة الرازىّ مولى عيّاش بن مطرّف القرشىّ، ولد سنة مائتين بالرّىّ؛ وكان إماما حافظا ثقة صدوقا، وهو أحد الأئمة

المشهورين الرحّالين لطلب الحديث، قدم بغداد وحدّث بها غير مرّة، وجالس الإمام أحمد بن حنبل وكان يحبّه ويثنى عليه. وفيها توفّى إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل ابن عمرو بن مسلم الفقيه أبو إبراهيم المزنىّ المصرىّ صاحب الشافعى، روى عنه وعن غيره، وروى عنه أبو بكر بن خزيمة والطحاوىّ «1» وغيرهما، وهو أحد الأئمة المشهورين، وتفقّه به جماعة، وصنّف التصانيف، منها: الجامع الكبير، والجامع الصغير، ومختصر المختصر؛ ولمّا قدم القاضى بكّار بن قتيبة على قضاء مصر وهو حنفىّ، اجتمع به المزنىّ، فسأله رجل من أصحاب بكّار وقال «2» : قد جاء في الأحاديث تحريم النبيذ وتحليله، فلم قدّمتم التحريم على التحليل؟ فقال المزنىّ: لم يذهب أحد إلى تحريم النهيذ في الجاهلية ثم حلّل لنا، ووقع الاتفاق على أنه كان حلالا فحرّم، فهذا يعضد أحاديث التحريم. فاستحسن القاضى بكار ذلك منه. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثمانى أذرع واثنتا عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا واثنتان وعشرون إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 265

*** [ما وقع من الحوادث سنة 265] السنة الحادية عشرة من ولاية أحمد بن طولون على مصر، وهى سنة خمس وستين ومائتين- فيها خرج صاحب الترجمة أحمد بن طولون من مصر الى الشأم في المحرّم، وتوجّه إلى أنطاكية وحصر بها صاحبها سيما «1» الطويل، ولم يزل مقيما عليها بآلات الحصار إلى أن أخذ أنطاكية وقتل سيما الطويل المذكور، ثم عاد الى مصر. وفيها أمر الموفّق بحبس سليمان بن وهب وابنه عبد الله فحبسا، وأخذ أموالهما وعقارهما، ثم صولحا على تسعمائة ألف دينار. وفيها استوزر الخليفة المعتمد إسماعيل ابن بلبل. وفيها مات يعقوب بن الليث الصفّار بالأهواز، وخلفه «2» أخوه عمرو بن الليث؛ فكتب عمرو بن الليث إلى المعتمد بأنه سامع مطيع. وفيها بعث. ملك الروم بعبد الله بن رشيد بن كاوس، الذي كان عامل الثغور وأسره الروم، إلى أحمد بن طولون مع عدّة أسارى. وفيها خرج العبّاس بن أحمد بن طولون إلى برقة مخالفا لأبيه، وكان أبوه قد استخلفه على مصر لمّا توجّه إلى حصار سيما الطويل بأنطاكية، وأخذ معه العبّاس ما في بيت مال مصر من الأموال وما كان لأبيه من الآلات وغيرها «3» وتوجّه إلى برقة؛ فوجّه أبوه أحمد بن طولون خلفه جيشا فقاتلوه حتى ظفروا به، وأحضروه إلى أبيه فحبسه، وقتل جماعة من القوّاد الذين كانوا معه. وفيها دخل الزّنج النّعمانية «4» فأحرقوا سوقها وأكثر منازل أهلها وقتلوا وسبوا. وفيها ولّى الموفّق عمرو بن الليث الصفّار خراسان وكرمان وفارس وأصبهان وسجستان. وفيها حجّ بالناس هارون بن محمد

ما وقع من الحوادث سنة 266

ابن إسحاق بن موسى بن عيسى الهاشمىّ. وفيها توفّى إبراهيم بن هانئ الحافظ أبو إسحاق النّيسابورىّ، كان أحد أئمة الحديث الرّحّالة، واختفى أحمد «1» بن حنبل في داره أيام المحنة. وفيها توفّى سعدان «2» بن نصر بن منصور أبو عثمان الثّقفىّ البزّاز، ولد سنة اثنتين وسبعين ومائة، وسمع سفيان بن عيينة وغيره، وكان أديبا شاعرا، مات في ذى الحجة «3» . وفيها توفى صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل أبو الفضل الشّيبانىّ، ولد سنة ثلاث وثلاثين ومائتين في [شهر] ربيع الآخر، وولى قضاء أصبهان، وكان صدوقا كريما جوادا ورعا. وفيها توفى عبد الله بن محمد بن أيّوب أبو محمد الزاهد الورع، سئل قضاء بغداد فامتنع. وفيها توفّى علىّ بن الموفّق العابد، كان صاحب كرامات وأحوال، وكان محدّثا ثقة صدوقا. وفيها توفى عمرو «4» بن مسلم الشيخ المعتقد أبو حفص النّيسابورىّ، كان من الأبدال مجاب الدعوة، مات في [شهر] ربيع الأوّل. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وإحدى وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وإحدى وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 266] السنة الثانية عشرة من ولاية أحمد بن طولون على مصر، وهى سنة ست وستين ومائتين- فيها دخل علىّ بن أبان «5» مقدّم الزّنج الأهواز فقاتله أغرتمش «6»

ما وقع من الحوادث سنة 267

التركىّ فانتصر الخبيث على أغرتمش المذكور وقتل ونهب وبعث برءوس القتلى ونصبها على سور مدينته. وفيها وثب الأعراب على الحجّاج وأخذوا الكسوة، وصار بعضهم إلى صاحب الزّنج، وأصاب الحجّ شدة عظيمة. وفيها دخل أصحاب الزنج رامهرمز «1» واستباحوها. وفيها كانت بين الأكراد والزّنج وقعة ظهر فيها [الزّنج] «2» فى الأوّل ثم كان النصر للأكراد على الزنج، وأعمل فيهم السيف، ولله الحمد والمنّة. وفيها توفى محمد بن شجاع الحافظ أبو عبد الله الثّلجىّ البغدادىّ الفقيه الحنفىّ أحد الأعلام، قرأ القرآن على اليزيدىّ، وروى الحروف عن يحيى بن آدم، وتفقّه على الحسن بن زياد اللؤلؤيّ وغيره، وصار إمام عصره، وبه تخرّج غالب علماء عصره. وفيها توفى حمّاد [ابن «3» الحسن] بن عنبسة الورّاق العالم المشهور. وفيها توفى محمد بن عبد الملك الدّقيقىّ «4» . أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وستّ أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وأربع عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 267] السنة الثالثة عشرة من ولاية أحمد بن طولون على مصر، وهى سنة سبع وستين ومائتين- فيها دخلت الزّنج واسطا واستباحوها وأحرقوا فيها، فجهّز الموفّق

ابنه أبا العباس لحربهم في جيش عظيم، فكانت بينه وبينهم وقعة عظيمة انهزم فيها الزنج، وقتل أبو العباس فيهم مقتلة عظيمة وأسر جماعة، وفرّقهم وغرّق مراكبهم فى الماء، فكان ذلك أوّل نصر المسلمين على الزنج؛ ثم كان بعد ذلك في هذه السنة أيضا عدّة وقائع بين الزنج وبينه والجميع ينتصر فيها أبو العباس بن الموفّق. وفيها بنى الموفّق مدينة بإزاء مدينة صاحب الزنج، وسمّاها الموفّقيّة. وفيها وثب صاحب الترجمة أحمد ابن طولون على أحمد [بن محمد «1» ] بن المدبّر، وكان أحمد [بن محمد] بن المدبر متولى خراج دمشق والأردنّ وفلسطين، وحبسه وأخذ أمواله، ثم صالحه على سمّائة ألف دينار. وفيها حجّ بالناس هارون بن محمد بن إسحاق العباسىّ. وفيها توفّى على بن الحسن «2» بن موسى بن ميسرة الهلالىّ النّيسابورىّ الدّرابجردىّ- ودرابجرد محلة بنيسابور- كان من أكابر علماء نيسابور وابن عالمهم، وله مسجد بدرابجرد «3» يقصد للزيارة، وقيل: إنه روى عنه البخارىّ ومسلم وغيرهما، وكان ثقة صدوقا فاضلا، وجد فى مسجده ميتا بعد أسبوع ولم يعلموا به، وقيل: أكله الذئب «4» . وفيها توفّى محمد بن حمّاد بن بكر المقرئ صاحب خلف بن هشام، كان أحد القرّاء المجوّدين وعباد الله الصالحين. وفيها توفّى شهيدا يحيى بن محمد بن يحيى أبو زكرياء الذّهلىّ إمام أهل نيسابور في الفتوى والرياسة، وكان يتفقّه على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة، وهو ابن صاحب الواقعة مع محمد بن إسماعيل البخارىّ.

ما وقع من الحوادث سنة 268

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وتسع أصابع ونصف. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وأربع عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 268] السنة الرابعة عشرة من ولاية أحمد بن طولون على مصر، وهى سنة ثمان وستين ومائتين- فيها غزا خلف الفرغانىّ التركىّ، نائب أحمد بن طولون، ثغور الشام، فقتل من الروم بضعة عشر ألفا، وغنم حتى بلغ السهم أربعين دينارا. وفيها قتل أحمد بن عبد الله الخجستانىّ «1» الخارج بخراسان، قتله غلمانه «2» فى آخر السنة. وفيها أظهر لؤلؤ الخلاف على أحمد بن طولون، وكاتب الموفّق بالقدوم عليه. ولؤلؤ المذكور من موالى أحمد بن طولون. وفيها توفّى أحمد بن سيّار بن أيوب الحافظ أبو الحسن المروزىّ إمام أهل الحديث بمرو، كان جمع بين الحديث والفقه والورع والزهد، وكان يقاس بعبد الله بن المبارك، وقد روى عنه أئمة خراسان: البخارىّ وغيره. وأخرج له النّسائىّ، واتفقوا على صدقه وثقته. وفيها توفّى أنس بن خالد بن عبد الله ابن أبى طلحة بن موسى بن أنس بن مالك الأنصارىّ، كان إماما حافظا، روى عنه عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل وغيره. وفيها توفّى محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أبو عبد الله فقيه أهل مصر ومحدّثهم، ولد سنة اثنتين وثمانين ومائة، ومات بمصر فى ذى القعدة وصلّى عليه القاضى بكّار، وكان يعرف بصاحب الشافعىّ لأنه أسند عنه، وكان مالكىّ المذهب، وامتحن بعد أن حمل إلى بغداد فثبت على السنّة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وخمس عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وستّ عشرة إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 269

*** [ما وقع من الحوادث سنة 269] السنة الخامسة عشرة من ولاية أحمد بن طولون على مصر وهى سنة تسع وستين ومائتين- فيها قطعت الأعراب الطريق على [قافلة من «1» ] الحاجّ، وأخذت خمسمائة جمل بأحمالها. وفيها وثب خلف الفرغانىّ التركىّ عامل أحمد بن طولون، على يازمان «2» خادم الفتح «3» بن خاقان وحبسه بالثغور، فخلّصه الجند وهمّوا بقتل خلف، فهرب إلى دمشق؛ فاتفقوا ولعنوا أحمد بن طولون على المنابر. فبلغ ابن طولون، فسار من مصر حتى نزل أذنة وقد تحصّن بها يا زمان المذكور؛ فأقام ابن طولون مدّة على حصاره فلم ينل منها طائلا، فعاد إلى دمشق. وفيها استولى الموفّق على مدينة صاحب الزّنج ودخلها عنوة. وفيها توفى أحمد بن عبد الله بن القاسم الحافظ أبو بكر الورّاق على الصحيح؛ حدّث عن عبد الله بن معاذ العنبرىّ وغيره، وروى عنه «4» [أبو] سعيد بن الأعرابىّ وغيره. وفيها توفّى الحسن بن مخلد بن الجرّاح أبو محمد الكاتب الوزير، ولد سنة تسع ومائتين، وكان يتولّى ديوان الضّياع للمتوكّل جعفر، واستوزره المعتمد. وفيها توفّى «5» خالد بن أحمد بن عمرو الأمير أبو الهيثم الذّهلىّ، ولى إمرة مرو وهراة «6» وبخارى «7» وغيرها؛ وكان من أهل السنّة، وله أيام مشهورة وأمور

ما وقع من الحوادث سنة 270

محمودة. قال ابن قزأوغلى في تاريخه: وهو الذي نفى البخارىّ عن بخارى لمّا قال: لفظى بالقرآن مخلوق؛ وكان يحبّ العلماء والحديث؛ أنفق في طلب الحديث والعلم ألف ألف درهم. وفيها توفّى عيسى بن الشيخ بن السّليل «1» أبو موسى الذّهلىّ الشّيبانىّ. كان غلب على دمشق أيام المهتدى وأوّل أيام المعتمد. وفيها توفّى محمد بن إبراهيم أبو حمزة «2» الصّوفىّ البغدادىّ أستاذ البغداديين، وهو أوّل من تكلم في هذه المذاهب: من صفاء الذكر وجمع الهمّ والمحبّة والعشق والأنس، لم يسبقه إلى الكلام بهذا على رءوس المنابر ببغداد أحد؛ كان عالما بالقراءات، وجالس الإمام أحمد بن حنبل؛ وكان الإمام أحمد إذا جرى في مسألة «3» شىء من كلام القوم يلتفت إليه ويقول: ما تقول في هذه المسألة يا صوفىّ. وصحب سريّا السّقطىّ والجنيد وحسنا المسوحىّ «4» وغيرهم. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وستّ عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 270] السنة السادسة عشرة من ولاية أحمد بن طولون على مصر، وهى سنة سبعين ومائتين، أعنى التى مات فيها أحمد بن طولون المذكور- فيها كانت أيضا

وقائع بين الموفّق طلحة وبين صاحب الزّنج، قتل في آخرها صاحب الزنج علىّ «1» ، لعنه الله تعالى. وفيها انشقّ ببغداد [فى «2» ] الجانب الغربىّ شقّ من نهر عيسى، فجاء الماء إلى الكرخ فهدم سبعة آلاف دار. وفيها ظهر أحمد بن عبد الله بن إبراهيم العلوىّ بصعيد مصر وتبعه خلق كثير، فجهّز إليه أحمد بن طولون جيشا، فكانت بينهم حروب حتى ظفر أصحاب ابن طولون به، فحملوه إليه فقتله ومات بعده بيسير. وفيها بنى أحمد ابن طولون على قبر معاوية بن أبى سفيان أربعة أروقة، ورتّب عند القبر أناسا يقرءون القرآن ويوقدون الشموع عند القبر. وفيها توفّى إسماعيل بن عبد الله بن ميمون ابن عبد الحميد بن أبى الرجال الحافظ أبو نصر «3» العجلىّ، سمع خلقا كثيرا، وروى عنه غير واحد، وكان ثقة شاعرا فصيحا، ومات وله أربع وثمانون سنة. وفيها توفّى القاضى بكّار بن قتيبة بن عبد الله، وقيل: قتيبة بن أسد، بن [أبى «4» ] بردعة بن عبيد الله [ابن بشير «5» بن عبيد الله] بن أبى بكرة الثّقفىّ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكنية القاضى بكّار هذا أبو بكرة، القاضى البصرىّ الحنفىّ؛ ولد بالبصرة سنة اثنتين وثمانين ومائة، وهو أحد الأئمة الأعلام، كان عالما فقيها محدّثا صالحا ورعا عفيفا ثقة، مات وهو أعلم أهل زمانه بالديار المصرية. وفيها توفّى داود بن علىّ بن خلف أبو سليمان الظاهرىّ صاحب مذهب الظاهرية «6» المعروف بداود الظاهرىّ، وهو أوّل من نفى القياس في الأحكام الشرعية وتمسّك بظواهر النصوص؛ وأصله من أصبهان،

وسمع الكثير ولقى الشيوخ وتبعه خلق كثير، وقدم بغداد وصنّف بها الكتب، وتوفّى بها في رمضان، وقيل: فى ذى القعدة. وفيها توفّى الرّبيع بن سليمان بن عبد الجبّار ابن كامل أبو محمد المرادىّ الفقيه صاحب الشافعىّ رضى الله عنه، نقل عنه معظم أقاويله، وكان فقيها فاضلا ثقة ديّنا، مات بمصر في شوّال وصلّى عليه صاحب مصر خمارويه ابن أحمد بن طولون. وفيها توفى عبد الله بن محمد بن شاكر أبو البخترىّ العنبرىّ الكوفىّ، كان محدّثا فاضلا، قدم بغداد وحدّث بها. وفيها توفّى علىّ بن محمد صاحب الزّنج وقائدهم، وقيل: اسمه نهيود، وهو صاحب الوقائع المقدّم ذكرها مع الموفّق وعساكره؛ وكانت مدّة إقامته أربع عشرة سنة وأربعة أشهر وعشرة أيام، ولقى الناس منه في هذه المدّة شدائد؛ قال الصّولىّ: قتل من المسلمين ألف ألف وخمسمائة ألف ما بين شيخ وشابّ وذكر وأنثى، وقتل في يوم واحد بالبصرة ثلاثمائة ألف، وكان له منبر في مدينته يصعد عليه ويسبّ عثمان وعليّا ومعاوية وطلحة والزبير وعائشة رضى الله عنهم، وهذا هو رأى الخوارج الأزارقة- لعنة الله عليهم- واستراح المسلمون بموته كثيرا، ولله الحمد، وفيها توفّى الفضل بن عبّاس بن موسى الأستراباذىّ، سمع «1» أبا نعيم وروى عنه أبو نعيم عبد الملك بن عدىّ، كان فقيها فاضلا مقبول القول عند الخاصّ والعامّ. وفيها توفى محمد [بن اسحاق «2» ] بن جعفر الحافظ أبو بكر الصّغانىّ، رحل في طلب الحديث، وسمع الكثير، ولقى الشيوخ وكتبوا عنه. وفيها توفى محمد «3» بن الحسين بن المبارك أبو جعفر، ويعرف بالأعرابىّ،

ذكر ولاية خمارويه على مصر

روى عنه ابن صاعد وغيره. وفيها توفى محمد بن مسلم «1» بن عثمان الرازىّ، ويعرف بابن وارة، كان أحد الحفّاظ الرحّالين والعلماء المتقنين مع الدّين والورع والزهد. وفيها توفّى نصر بن الليث بن سعد أبو منصور البغدادىّ الورّاق، أخرج له الخطيب حديثا يرفعه إلى عثمان بن عفّان. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وثمانى عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشرون إصبعا. ذكر ولاية خمارويه على مصر هو خمارويه وقيل خمار بن أحمد بن طولون، التركىّ، السّامرّىّ المولد، المصرىّ الدار والوفاة، تقدّم التعريف بأصله في ترجمة أبيه أحمد بن طولون؛ الأمير أبو الجيش خمارويه ملك مصر والشأم والثغور بعد موت أبيه بمبايعة الجند له في يوم الأحد العاشر من ذى القعدة سنة سبعين ومائتين. وعند ما ولىّ إمرة مصر أمر «2» بقتل أخيه العباس الذي كان في حبس أبيه أحمد بن طولون لامتناع العبّاس من مبايعة خمارويه هذا، فقتل. وأمّ خمارويه أمّ ولد يقال لها ميّاس، ولد بسرّمن رأى فى سنة خمس وخمسين ومائتين. وأوّل ما ملك مصر عقد لأبى عبد الله أحمد [بن محمد «3» ] الواسطىّ على جيش «4» إلى الشأم لستّ خلون من ذى الحجّة سنة سبعين ومائتين المذكورة؛

وعقد لسعد الأيسر «1» على جيش آخر؛ وبعث بمراكب في البحر لتقيم بالسواحل الشاميّة؛ فنزل الواسطىّ فلسطين وهو خائف من خمارويه أن يوقع به، لأنه كان أشار عليه بقتل أخيه العبّاس؛ فكتب الواسطىّ إلى أبى «2» أحمد الموفّق يصغّر أمر خمارويه عنده ويحرّضه على المسير إلى قتاله، فأقبل ابن الموفّق من بغداد، وقد انضم إليه إسحاق بن كنداج ومحمد بن [ديوداد «3» ] أبى السّاج، ونزل الرّقّة فتسلّم قنّسرين والعواصم- وكان خمارويه جميع الشام والثغور داخلة في سلطانه- ثم سار ابن الموفّق حتى قاتل أصحاب خمارويه وهزمهم ودخل دمشق؛ فخرج خمارويه فى جيش عظيم لعشر خلون من صفر سنة إحدى وسبعين ومائتين؛ فالتقى مع ابن الموفّق بنهر أبى فطرس «4» المعروف بالطواحين «5» من أرض فلسطين، فاقتتلا فانهزم أصحاب خمارويه، وكان خمارويه في سبعين ألفا، وابن الموفّق في نحو أربعة آلاف، واحتوى على عسكر خمارويه بما فيه. ومضى خمارويه عائدا إلى مصر مهزوما، فخرج كمين كان له مع سعد الأيسر ولم يعلم سعد أنّ خمارويه انهزم؛ فحارب سعد الأيسر ابن الموفّق حتى هزمه وأزاله عن عسكره اثنى عشر ميلا. [ورجع «6» أبو العباس إلى

دمشق فلم تفتح له] . ثم مضى سعد الأيسر الى دمشق، وطمع في البلاد الشامية واستخفّ بخمارويه وغيره، ثم استولى على دمشق. ووصل خمارويه إلى مصر في ثالث شهر ربيع الأوّل من السنة، ولم يعلم ما وقع لسعد الأيسر؛ فلمّا بلغه خبره خرج ثانيا إلى دمشق لسبع «1» بقين من شهر رمضان من السنة فوصل إلى فلسطين، ثم عاد بعساكره من غير حرب لأمور وقعت فى ثامن عشر شوّال؛ واستمرّ بمصر إلى أن خرج ثالثا إلى الشام في ذى القعدة سنة اثنتين وسبعين ومائتين. وقد خرج سعد الأيسر عن طاعته من يوم الواقعة، فقاتل سعدا الأيسر المذكور وهزمه وظفر به وقتله، ودخل دمشق وملكها في سابع المحرّم من سنة ثلاث وسبعين ومائتين، وأقام بها أياما؛ ثم سار لقتال ابن كنداج فتقاتلا، فكانت الهزيمة أوّلا على خمارويه وانهزم جميع أصحابه وثبت «2» هو في طائفة [من حماته «3» ] ، وقاتل ابن كنداج المذكور حتّى هزمهم وتبعهم بأصحابه حتى وصلت أصحاب خمارويه إلى سرّ من رأى بالعراق؛ وعظم أمر خمارويه في هذه الوقعة وهابته الناس. ثم كتب خمارويه إلى أبى أحمد الموفّق طلحة «4» فى الصلح، فأجابه أخو الخليفة الموفّق لذلك؛ وكتب لخمارويه بولايته على مصر والشام جميعه والثغور ثلاثين سنة؛ وقدم بالكتاب بعض خدّام الموفّق إلى الشام في شهر رجب، وعرّفه الخادم أنّ الكتاب كتبه الخليفة المعتمد وأخوه الموفّق وابنه بأيديهم تعظيما لخمارويه، فسرّ خمارويه بذلك، وعاد إلى مصر في أواخر رجب المذكور، وأمر بالدعاء لأبى أحمد الموفّق

المذكور بعد الخليفة وترك الدعاء عليه؛ فإنه كان يدعى عليه بمصر من مدّة سنين من أيام إمارة أبيه أحمد بن طولون من يوم وقّع بين الموفّق وبين أحمد بن طولون، وخلع ابن طولون الموفّق من ولاية عهد الخلافة، وأمر القاضى بكّار بن قتيبة بخلعه فلم يوافقه بكّار على ذلك، فحبسه أحمد بن طولون بهذا المقتضى. وقد ذكرنا ذلك كلّه في آخر ترجمة أحمد بن طولون. ولما اصطلح خمارويه مع الموفّق عظم أمره وسكنت الفتنة، فإنه كان في كل قليل يخرج العساكر المصريّة لقتال عسكر الموفّق، فلما اصطلحا زال ذلك كلّه؛ وأخذ خمارويه في إصلاح ممالكه، وولّى بمصر على المظالم [محمد «1» بن] عبدة بن حرب. ثم بلغ خمارويه مسير محمد بن [ديوداد] أبى السّاج الى أعماله بمصر، فخرج بعساكره في ذى القعدة ولقيه بثنيّة «2» العقاب في دمشق، وقاتله واشتدّ الحرب بين الفريقين وانكسر عساكر خمارويه، فثبت هو مع خاصّته على عادته وقاتل ابن أبى الساج حتى هزمه أقبح هزيمة، وقتل في أصحابه مقتلة عظيمة وأسروغنم، وعاد الى الديار المصرية فدخلها في رابع عشرين جمادى الآخرة سنة ست وسبعين ومائتين؛ فأقام بمصر مدّة يسيرة وخرج الى الإسكندرية في رابع شوّال، ثم عاد إلى مصر بعد مدّة يسيرة فأقام بها قليلا؛ ثم خرج الى الشام في سنة سبع وسبعين ومائتين لأمر اقتضى ذلك، وعاد بعد أيام إلى الديار المصريّة، فورد عليه الخبر بها بموت الموفّق فى سنة ثمان وسبعين ومائتين؛ ثم ورد عليه الخبر في سنة تسع وسبعين ومائتين بموت الخليفة المعتمد؛ وبويع بالخلافة المعتضد أبو العباس أحمد بن الموفّق طلحة بعد عمّه المعتمد؛ فبعث خمارويه إلى المعتضد بهدايا وتحف، فسأله أن يزوّج

ابنته قطر الندى «1» لولده المكتفى بالله؛ فقال المعتضد: بل أنا أتزوّجها، فتزوّجها فى سنة إحدى وثمانين ومائتين، ودخل بها ببغداد في آخر العام، وأصدقها ألف ألف درهم. يقال. إنّ المعتضد أراد بزواجها أن يفقر أباها خمارويه في جهازها؛ وكذا وقع، فإنّه جهّزها بجهاز عظيم يتجاوز الوصف، حتى قيل: إنّه دخل معها فى جملة جهازها ألف هاون من الذهب. ولما تصاهر خمارويه مع المعتضد زالت الوحشة من بينهما، وصار بينهما مودّة كبيرة. وولّاه المعتضد من الفرات إلى برقة ثلاثين سنة؛ وجعل إليه الصّلاة والخراج [والقضاء «2» ] بمصر وجميع الأعمال، على أنّ خمارويه يحمل إلى المعتضد في العام مائتى ألف دينار عما مضى، وثلثمائة ألف دينار عن المستقبل. ثم قدم بعد ذلك رسول المعتضد إلى خمارويه بالخلع وكانت اثنتى عشرة خلعة وسيفا وتاجا ووشاحا. انتهى ما سقناه من وقائع خمارويه. ولا بدّ من ذكر شىء من أحواله وما جدّده في الديار المصرية من شعار الملك في أيام إمرته بها. ولما ملك خمارويه الديار المصريّة بعد موت أبيه أحمد بن طولون أقبل على عمارة قصر أبيه وزاد فيه محاسن كثيرة؛ وأخذ الميدان الذي كان لأبيه المجاور للجامع فجعله كلّه بستانا، وزرع فيه أنواع الرياحين وأصناف الشجر، وحمل إليه كلّ صنف من الشجر المطعّم وأنواع الورد، وزرع فيه الزعفران، وكسا أجسام النخل نحاسا مذهبا حسن الصنعة، وجعل بين النّحاس وأجسام النخل مزاريب الرّصاص، وأجرى فيها الماء المدبّر؛ فكان يخرج من تضاعيف قائم النخل عيون الماء فينحدر الى

فساقىّ معمولة، ويفيض الماء منها إلى مجار تسقى سائر البستان؛ وغرس «1» فى أرض البستان من الرّيحان المزروع في زىّ نقوش معمولة وكتابات مكتوبة، يتعاهدها البستانىّ بالمقاريض حتى لا تزيد ورقة على ورقة لئلا يشكل ذلك على القارئ، وحمل إلى هذا البستان النخل من خراسان وغيرها؛ ثم بنى في البستان برجا من الخشب الساج المنقوش بالنقر النافذ، وطعّمه ليقوم هذا البرج مقام الأقفاص؛ وبلّط أرضه وجعل فيه أنهارا لطافا يجرى فيها الماء المدبّر من السواقى؛ وسرّح في البرج من أصناف الفمارىّ والدّباسىّ «2» والنوبيات «3» وما أشبهها من كلّ طائر يستحسن صوته، وأطلقها بالبرج المذكور، فكانت تشرب وتغتسل من تلك الأنهار؛ وجعل في البرج أوكارا في قواديس لطيفة ممكّنة في جوف الحيطان ليفرخ الطيور فيها؛ وعارض لها فيه عيدانا ممكّنة في جوانبه لتقف عليها إذا تطايرت حتى يجاوب بعضها بعضا بالصياح؛ وسرّح في البستان من الطير العجيب كالطواويس ودجاج الحبش ونحو ذلك شيئا كثيرا. ومل في هذا البستان مجلسا له سمّاه دار الذهب، طلى حيطانه كلّها بالذهب واللّازورد في أحسن نقش؛ وجعل في حيطانه مقدار قامة ونصف صورا بارزة من خشب معمول على صورته وصور حظاياه والمغنيات اللاتى تغنّيه

فى أحسن تصوير وأبهج تزويق؛ وجعل على رءوسهنّ الأكاليل من الذهب والجواهر المرصّعة، وفي آذانها الأخراص «1» الثّقال؛ ولوّنت أجسامها بأصناف تشبه الثياب من الأصباغ العجيبة، فكان هذا القصر من أعجب ما بنى في الدنيا. وجعل بين يدى هذا القصر فسقيّة ملأها زئبقا. وسبب ذلك أنه اشتكى إلى طبيبه كثرة السهر وعدم النوم، فأشار عليه بالتكبيس، فأنف من ذلك وقال: لا أقدر على وضع يد أحد علىّ؛ فقال له الطبيب: تأمر «2» بعمل بركة من زئبق، فعمل البركة المذكورة، وطولها خمسون ذراعا في خمسين ذراعا عرضا وملأها من الزئبق، فأنفق فى ذلك أموالا عظيمة؛ وجعل في أركان البركة سككا من فضة، وجعل في السكك زنانير من حرير محكمة الصنعة في حلق من فضّة، وعمل فرشا من أدم يحشى «3» بالريح حتى ينتفخ فيحكم حينئذ شدّه، ويلقى على تلك البركة الزئبق ويشدّ بالزنانير الحرير التى فى حلق الفضة المقدّم ذكرها، وينزل خمارويه فينام على هذا الفرش، فلا يزال الفرش يرتجّ ويتحرّك بحركة الزئبق ما دام عليه. وكانت هذه البركة من أعظم الهمم الملوكيّة العالية؛ وكان يرى لها في الليالى المقمرة منظر عجيب إذا تألّف نور القمر بنور الزئبق. قال القضاعىّ: ولقد أقام الناس مدّة طويلة بعد خراب هذا القصر يحفرون لأخذ الزئبق من شقوق البركة.

ثم بنى خمارويه في القصر أيضا قبّة تضاهى قبة الهواء سماها الدّكة، وجعل لها السّتر الذي يقى الحسرّ والبرد فيسدل حيث شاء ويرفع متى أحبّ؛ وكان كثيرا ما يجلس في هذه القبة ليشرف منها على جميع ما في داره من البستان والصحراء والنيل والجبل وجميع المدينة. ثم بنى ميدانا آخر أكبر من ميدان أبيه. وبنى أيضا في داره المذكورة دارا للسباع وعمل فيها بيوتا كل بيت لسبع لم يسع البيت غير السبع ولبؤته، وعمل لتلك البيوت أبوابا تفتح من أعلاها بحركات، ولكلّ بيت منها طاقة صغيرة يدخل منها الرجل الموكّل بخدمة ذلك البيت لفرشه بالرمل؛ وفي جانب كل بيت حوض من الرّخام بميزاب من نحاس يصبّ فيه «1» الماء، وبين يدى هذه البيوت رحبة فسيحة كالقاعة فيها رمل مفروش، وفي جانبها حوض كبير من رخام يصبّ فيه ماء من ميزاب كبير، فإذا أراد سائس من سوّاس «2» بعض السباع المذكورة [أن] ينظّف بيت ذلك السبع أو يضع له غذاءه من اللحم، رفع الباب بحيلة من أعلى البيت وصاح على السبع يخرج الى الرحبة المذكورة؛ ثم يردّ الرجل الباب وينزل الى البيت من الطاقة ويكنسه ويبدّل الرمل بغيره من الرمل النظيف، ويضع غذاءه من اللحم فى مكانه بعد ما يقطّع اللحم قطعا ويغسل الحوض ويملؤه ماء، ثم يخرج الرجل ويرفع الباب من أعلاه كما فعل أوّلا، وقد عرف السبع ذاك، فحالما يرفع الباب دخل السبع الى بيته وأكل ما هيّئ له من اللحم؛ فكانت هذه الرحبة فيها عدّة سباع ولهم أوقات يفتح فيها سائر بيوت السباع فتخرج الى الرحبة المذكورة وتشمّس فيها ويهارش بعضها بعضا فتقيم، يوما كاملا إلى العشىّ وخمارويه وعساكره تنظر إليها؛ فإذا كان العشىّ يصيح

عليها السّوّاس فيدخل كل سبع إلى بيته لا يتعدّاه إلى غيره. وكان من جملة هذه السباع سبع أزرق العينين يقال له «1» له" زريق" قد أنس بخمارويه وصار مطلقا فى الدار لا يؤذى أحدا وراتبه على عادة السباع، فلا يلتفت إلى غذائه بل ينتظر سماط خمارويه، فإذا نصبت المائدة أقبل زريق معها وربض بين يدى خمارويه، فيبقى خمارويه يرمى إليه بيده الدّجاجة بعد الدجاجة والقطعة «2» الكبيرة من اللحم ونحو ذلك مما على المائدة؛ وكانت له لبؤة لم تأنس بالناس كما أنس هو، فكانت محبوسة فى بيت وله وقت معروف يجتمع بها [فيه «3» ] ، وكان إذا نام خمارويه جاء زريق وقعد ليحرسه، فإن كان [قد «4» ] نام على سريره ربض بين يدى السرير وجعل يراعيه ما دام نائما، وإن نام خمارويه على الأرض قعد قريبا منه وتفطّن لمن يدخل أو يقصد خمارويه لا يغفل عن ذلك لحظة واحدة؛ وكان في عنق زريق طوق من ذهب فلا «5» يقدر أحد أن يدنو من خمارويه ما دام نائما لمراعاة زريق له وحراسته إياه، حتى أراد الله إنفاذ قضائه في خمارويه كان بدمشق وزريق بمصر، ولو كان زريق حاضرا لما كان يصل إلى خمارويه أحد. فما شاء الله كان. وكان خمارويه أيضا قد بنى دارا جديدة للحرم من أمّهات أولاد أبيه [مع «6» أولادهنّ وجعل معهنّ المعزولات من أمهات أولاده] وجعل فيها لكل واحدة حجرة واسعة، لتكون «7» لهم بعد زوال دولتهم، وأقام لكلّ حجرة من الخدم

والأسمطة الواسعة ما كان يفضل عن أهلها منه شىء كثير؛ وكان الخدم الموكّلون بالحرم من الطبّاخين وغيرهم يفضل لكلّ منهم مع كثرة عددهم الشيء الكثير من الدّجاج ولحم الضأن والحلوى والقطع الكبار من الفالوذج «1» والكثير من اللّوزينج «2» والقطائف «3» والهبرات «4» من العصيدة التى تعرف اليوم بالمأمونية وأشباه ذلك مع الأرغفة الكبار؛ واشتهر بمصر بيع الخدم لذلك؛ فكان الناس يأتونهم لذلك من البعد ويشترون منهم ما يتفكّهون به من الأنواع الغريبة من المأكل؛ وكان هذا دواما في كلّ وقت بحيث إنّ الرجل إذا طرقه ضيف خرج من فوره الى باب دار الحرم فيجد ما يشتريه ليتجمّل به لضيفه مما لا يقدر على عمل مثله. ثم أوسع خمارويه اصطبلاته لكثرة دوابّه فعمل لكلّ صنف من الدوابّ إصطبلا «5» حتى للجمال، ثم جعل للفهود دارا مفردة، ثم للنّمورة دارا مفردة، وللفيلة كذلك، وللزرافات كذلك؛ وهذا كان سوى الاصطبلات التى كانت في الجيزة ومثلها فى نهيا ووسيم وسفط وطهرمس؛ وكانت هذه الضياع لا تزرع إلا القرط «6» برسم الدوابّ؛ وكان للخليفة أيضا إصطبلات بمصر سوى ذلك، فيها الخيل لحلبة السباق

وللرّباط في سبيل الله برسم الغزو، وعلى كل إصطبل وكلاء لهم الرزق السّنىّ والأموال «1» المتّسعة. وبلغ رزق الجيش المصرىّ في أيام خمارويه في السنة تسعمائة ألف دينار؛ وكان مصروف مطبخ خمارويه في كل شهر ثلاثة وعشرين ألف دينار، وهذا سوى مصروف حرمه «2» وجواريه وما يتعلق بهنّ. وكان خمارويه قد اتّخذ لنفسه من مولّدى الحوف وسائر الضياع قوما معروفين بالشجاعة وشدّة البأس؛ لهم خلق تامّ وعظم أجسام، وأجرى عليهم الأرزاق ووسّع لهم في الغطاء، وشغلهم عما كانوا فيه من قطع الطريق وأذيّة الناس بخدمته، وألبسهم الأقبية من الحرير والديباج وصاغ لهم المناطق وقلّدهم بالسيوف المحلّاة يضعونها على أكتافهم إذا مشوا بين يديه وسمّاهم المختارة؛ فكان هؤلاء يقاتلون أمام جند خمارويه أضعاف ما يقاتله الجند. وكان إذا ركب خمارويه ومضى الحجّاب بين يديه ومشى موكبه على ترتيبه ومضت أصناف العسكر وطوائفه، تلاهم السودان وعدّتهم ألف أسود لهم درق من حديد محكمة الصنعة وعليهم أقبية سود وعمائم سود، فيخالهم الناظر إليهم بحرا أسود يسير على وجه الأرض لسواد ألوانهم [وسواد ثيابهم «3» ] ، ويصير لبريق درقهم وحلىّ سيوفهم والخوذ التى على رءوسهم من تحت العمائم زىّ بهج الى الغاية؛ فإذا مضى السودان قدم خمارويه وقد انفرد عن موكبه وصار بينه وبين الموكب نحو نصف غلوة «4» سهم، وخواصّه تحفّ به. وكان خمارويه طويل القامة ويركب فرسا تامّا فيصير كالكوكب، إذا أقبل لا يخفى

على أحد كأنه قطعة جبل. وكان خمارويه مهيبا «1» ذا سطوة، قد وقع في قلوب الناس أنه متى أشار إليه أحد بيده أو تكلّم أو قرب منه لحقه ما يكره؛ وكان إذا سار فى موكبه لا يسمع من أحد كلمة ولا سعلة ولا عطسة ولا نحنحة البتّة كأنّما على رءوسهم الطير؛ وكان يتقلّد في يوم العيد سيفا بحمائل، ولا يزال يتفرّج ويتنزّه ويخرج الى المواضع التى لم يكن أبوه يخرج اليها كالأهرام ومدينة العقاب «2» ونحو ذلك لأجل الصيد، فإنه كان مشغوفا به، لا يكاد يسمع بسبع إلا قصده ومعه رجال عليهم لبود فيدخلون الى الأسد ويتناولونه بأيديهم من غابته عنوة وهو سليم، فيضعونه فى أقفاص من خشب محكمة الصنعة تسع الواحد من السباع وهو قائم؛ فإذا قدم خمارويه من الصيد سار القفص [وفيه السبع «3» ] بين يديه. وكانت حلبة السّباق فى أيّامه تقوم عند الناس مقام الأعياد لكثرة الزينة وركوب سائر الجند والعساكر بالسلاح [التامّ «4» والعدد الكاملة] ، ويجلس الناس لرؤية ذلك كما يجلسون في الأعياد. قلت: والتشبيه أيضا بتلك الأعياد لا بأعياد زماننا هذا، فإن أعيادنا الآن كالمآتم بالنسبة لتلك الأعياد السالفة. انتهى. وقال القضاعىّ: وكان أحمد بن طولون بنى المنظر لعرض الخيل. قال. وكان عرض الخيل من عجائب الإسلام الأربع؛ والأربع العجائب: منها كان عرض الخيل بمصر، ورمضان بمكّة، والعيد بطرسوس، والجمعة ببغداد. ثم قال القضاعىّ: وقد ذهب اثنتان من الأربع: عرض الخيل بمصر، والعيد بطرسوس. انتهى.

وقال المقريزى: وقد «1» ذهبت الجمعة ببغداد بعد القضاعى بقتل هولاكو «2» للخليفة المستعصم ببغداد. وزالت شعائر الإسلام من العراق؛ [وبقيت «3» مكة شرّفها الله تعالى، وليس في شهر رمضان الآن بها ما يقال فيه: إنّه من عجائب الإسلام] . انتهى كلام المقريزى رضى الله عنه. قلت: وما زال أمر خمارويه في تزايد إلى أن ماتت حظيّته بوران التى بنى لها القصر المعروف ببيت الذهب المقدّم ذكره، فكدّر موتها عيشه وانكسر انكسارا بان عليه. ثم إنه أخذ في تجهيز ابنته قطر الندى لمّا تزوّجها الخليفة المعتضد، فجهّزها جهازا ضاهى به نعمة الخلافة. وقد ذكرنا سبب زواج الخليفة بابنته قطر الندى المذكور في أوائل ترجمته، ووعدنا بذكر جهازها في آخر الترجمة في هذا المحل. وكان من جملة جهازها دكّة أربع قطع من ذهب عليها قبّة من ذهب مشبّك «4» فى كل عين من التشبيك قرط معلّق فيه حبّة من جوهر لا يعرف لها قيمة، ومائة هاون من الذهب. وقال الذهبىّ: وألف هاون من ذهب. قال القضاعىّ: وعقد المعتضد النكاح على ابنته قطر الندى فحملها أبو الجيش خمارويه إلى المعتضد مع

أبى عبد الله «1» بن الجصّاص، وحمل معها من الجهاز ما لم ير مثله ولا يسمع به. ولما دخل إلى خمارويه ابن الجصّاص يودّعه قال له خمارويه: هل بقى بينى وبينك حساب؟ قال: لا؛ فقال خمارويه: انظر حسنا «2» ، فقال: كسر بقى من الجهاز؛ فقال خمارويه: أحضروه، فأخرج ربع طومار «3» فيه ثبت ذكر نفقة الجهاز فإذا فيه أربعمائة ألف دينار، فوهبها له خمارويه. قال محمد «4» بن علىّ الماذرائى: فنظرت فى الطومار فإذا فيه:" [و «5» ] ألف تكّة الثمن [عنها «6» ] عشرة آلاف دينار". قال القضاعىّ: وإنما ذكرت هذا الخبر ليستدلّ به على [أشياء «7» : منها] سعة نفس أبى الجيش خمارويه؛ ومنها كثرة مال ابن الجصّاص، حتى إنّه قال: كسر بقى من الجهاز، وهو أربعمائة ألف دينار، لو لم يذكّره بذلك لم يذكره؛ ومنها: عمارة مصر في ذلك الزمان لما طلب فيها ألف تكّة من أثمان عشرة دنانير قدر عليها في أيسر وقت بأهون سعى، ولو طلب اليوم خمسون لم يقدر عليها. انتهى كلام القضاعى. قال المقريزى: ولا يعرف اليوم في أسواق القاهرة تكّة بعشرة دنانير إذا طلبت توجد في الحال ولا بعد شهر، إلا أن يعتنى «8» بعملها. انتهى كلام المقريزى. ولمّا فرغ خمارويه من جهاز ابنته قطر النّدى أمر فبنى لها على رأس كل منزلة تنزل فيها قصر فيما بين مصر وبغداد. وأخرج معها خمارويه أخاه خزرج «9» بن أحمد ابن طولون في جماعة مع ابن الجصّاص، فكانوا يسيرون بها سير الطفل في المهد؛

فكانت إذا وافت المنزلة وجدت قصرا قد فرش، فيه جميع ما تحتاج إليه. وقد علّقت فيه الستور وأعدّ فيه كلّ ما يصلح لمثلها. وكانت في مسيرها من مصر الى بغداد على بعد الشّقة كأنّها في قصر أبيها، حتى قدمت بغداد في أوّل المحرّم سنة اثنتين وثمانين ومائتين؛ وهى سنة قتل فيها خمارويه المذكور، على ما سيأتى ذكره. ولمّا دخل بها الخليفة المعتضد أحبّها حبّا شديدا لجمال صورتها وكثرة آدابها. قيل: إنّه خلا بها في بعض الأيّام فوضع رأسه على ركبتها ونام، وكان المعتضد كثير التحرّز على نفسه؛ فلما نام تلطّفت به وأزالت رأسه عن ركبتها ووضعتها على وسادة، ثم تنحّت عن مكانها وجلست بالقرب منه في مكان آخر؛ فانتبه المعتضد فزعا ولم يجدها، فصاح بها فكلمته في الحال؛ فعتبها على ما فعلت من إزالة رأسه عن ركبتها، وقال لها: أسلمت نفسى لك فتركتنى وحيدا وأنا في النوم لا أدرى ما يفعل بى! فقالت «1» : يا أمير المؤمنين، ما جهلت قدر ما أنعمت به علىّ، ولكن فيما أدّبنى به والدى خمارويه: أنى لا أجلس مع النّيام ولا أنام مع الجلوس؛ فأعجبه ذلك منها الى الغاية. قلت: لله درّها من جواب أجابته به!. ولمّا فرغ خمارويه من جهاز ابنته قطر الندى المذكورة وأرسلها إلى زوجها المعتضد بالله، تجهّز وخرج إلى دمشق بعساكره، وأقام بها إلى أن قتل على فراشه فى السنة المذكورة. قال العلامة شمس الدين في تاريخه مرآة الزمان: كان خمارويه كثير الفساد بالخدم، دخل الحمّام مع جماعة منهم فطلب من بعضهم الفاحشة فامتنع الخادم

حياء من الخدم؛ فأمر خمارويه أن يضرب، فلم يزل يصيح حتى مات في الحمّام، فأبغضه الخدم. وكان قد بنى قصرا بسفح قاسيون «1» أسفل من دير مرّان «2» يشرب فيه [الخمر «3» ] ، فدخل تلك الليلة الحمّام «4» فذبحه خدمه، وقيل: ذبحوه على فراشه وهربوا، وقيل غير ذلك: إنّ بعض «5» خدمه يولع بجارية له فتهدّدها خمارويه بالقتل، فاتّفقت مع الخادم على قتله. وكان ذبحه في منتصف ذى الحجة، وقيل: لثلاث خلون منه من سنة اثنتين وثمانين ومائتين. وكان الأمير طغج بن جفّ معه في القصر في تلك الليلة، فبلغه الخبر فركب في الحال وتتبّع الخدم وكانوا نيّفا وعشرين خادما، فأدركهم وقبض عليهم وذبحهم وصلبهم، وحمل أبا الجيش خمارويه في تابوت من دمشق إلى مصر وصلّى عليه ابنه جيش ودفن. ويقال: إنّه دفن بالقصر إلى جانب أبى عبيدة البرانىّ «6» ؛ فرآه بعض أصحابه في المنام فقال له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لى بالقرب من أبى عبيدة ومجاورته. انتهى كلام صاحب المرآة. وقال غيره: قتل على فراشه، ذبحه جواريه وخدمه وحمل في صندوق الى مصر. وكان لدخول تابوته إلى مصر يوم عظيم، استقبله جواريه وجوارى غلمانه ونساء قوّاده بالصّياح وما تصنع النساء في المآتم؛ وخرج الغلمان وقد حلّوا أقبيتهم وفيهم من سوّد ثيابه وشقّها، فكانت في البلد ضجّة وصرخة حتى دفن. وكانت مدّة ملكه

ما وقع من الحوادث سنة 271

على مصر والشام اثنتى عشرة سنة وثمانية عشر يوما. وتولّى مصر بعده ابنه أبو العساكر جيش بن خمارويه بن أحمد بن طولون. انتهى. *** [ما وقع من الحوادث سنة 271] السنة الأولى من ولاية خمارويه على مصر، وهى سنة إحدى وسبعين ومائتين- فيها دخل محمد وعلىّ ابنا الحسين «1» بن جعفر بن موسى بن جعفر الصادق بن محمد المدينة، فقتلا فيها [جماعة «2» من أهلها] وجبيا الأموال وعطّلا الجمعة [والجماعة «3» ] من مسجد النّبيّ صلى الله عليه وسلم شهرا. وفيها عزل الخليفة المعتمد على الله عمرو بن الليث الصفّار وأمر بلعنه على المنابر، وولّى عوضه خراسان محمد بن طاهر بن الحسين. ثم ولّى المعتمد على سمرقند وبخارى نصر بن أحمد بن أسد. وفيها كانت الوقعة بين أبى العباس بن الموفّق وبين خمارويه صاحب الترجمة، وهى الوقعة التى ذكرناها في أوائل ترجمة خمارويه. وفيها وثب يوسف «4» بن أبى الساج على الحجّاج، فقاتلوه وأسروه وقدموا به بغداد مقيّدا قد أشهر على جمل، وفيها توفّيت بوران بنت الوزير الحسن بن سهل زوجة الخليفة المأمون. وقصّة زواجها مع المأمون مشهورة، وكانت وفاتها في شهر ربيع الأوّل ببغداد، وقد بلغت ثمانين سنة، وكانت عظيمة الشأن متصدّقة خيّرة فطنة راوية للشعر، وكانت من أحبّ

نساء المأمون إليه. وفيها توفى أبو حفص عمر «1» بن مسلم وقيل: ابن مسلمة الحدّاد «2» النّيسابورىّ، أصله من قرية على باب نيسابور يقال لها كورداباذ «3» على طريق بخارى.- قلت: وباذ بالتفخيم في جميع ما يأتى فيه لفظة باذ مثل فيروز باذ وكلاباذ وما أشبه ذلك، لا يصحّ معنى ذلك إلا بالتفخيم، ومتى رقّق كما يتلفّظ به أولاد العرب ذهب معنى الاسم- كان النّيسابورىّ هذا عظيم الشأن أحد السادة الأئمة من كبار مشايخ القوم، وله الكرامات المشهورة، ذكر عند «4» الجنيد فقال: كان رجلا من أهل الحقائق. وفيها توفّى محمد بن وهب أبو جعفر العابد صاحب الجنيد؛ قال: سافرت لألقى أبا حاتم العطّار البصرىّ الزاهد فطرقت عليه بابه فقال: من؟ فقلت: رجل يقول: ربّى الله؛ ففتح الباب ووضع خدّه على الأرض وقال: طأ عليه، فهل بقى في الدنيا من يحسن أن يقول ربّى الله!. وكانت وفاته ببغداد، وتولّى الجنيد غسله وتكفينه والصلاة عليه، ودفن إلى جانب سرىّ السّقطىّ. وفيها توفّى مصعب بن أحمد بن مصعب أبو أحمد القلانسىّ «5» ، ولد ببغداد، وكان عظيم الشأن من أقران الجنيد وكان صاحب كرامات وأحوال. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة في السنة المذكورة خمس عشرة ذراعا واثنتان وعشرون إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 272

*** [ما وقع من الحوادث سنة 272] السنة الثانية من ولاية خمارويه على مصر، وهى سنة اثنتين وسبعين ومائتين- فيها وقع خلاف بين أبى العبّاس بن الموفّق وبين يا زمان الخادم في طرسوس، فأخرج أهل طرسوس أبا العبّاس عنهم، فقدم الى أبيه ببغداد. وفيها دخل حمدان «1» بن حمدون وهارون الشارىّ «2» بالخوارج مدينة الموصل وصلّى الشارىّ بالناس فى الجامع. وفيها تحرّكت الزّنج بواسط وصاحوا: أنكلاى «3» يا منصور، وكان أنكلاى وسليمان بن جامع و [أبان «4» بن على] المهلّبىّ والشعرانىّ وغيرهم من قوّاد الزّنج محبوسين في بغداد في بئر «5» فتح السّعيدىّ، فكتب إليه الموفّق بأن يبعث رءوسهم ففعل، وصلبت أبدانهم على الجسر. وفيها غزا الصائفة يا زمان الخادم وفيها حجّ بالناس هارون بن محمد بن إسحاق بن عيسى بن موسى بن محمد بن علىّ بن عبد الله بن العباس. وفيها توفّى أحمد بن مهدىّ بن رستم الحافظ أبو جعفر الأصبهانىّ أحد الثّقات الحفّاظ الرحّالين في طلب الحديث والعلم، كان صاحب صلاة وتعبّد واجتهاد، لم يفرش له فراش منذ أربعين سنة، وأنفق على محصل العلم ثلثمائة ألف درهم، وصنّف المسند. وفيها توفّى الحسن بن إسحاق بن يزيد أبو علىّ العطّار؛ قال عبد الرّحمن بن هارون: كنّا في البحر سائرين إلى إفريقيّة فركدت علينا «6» ريح، فأرسينا «7»

إلى موضع يقال له البرطون ومعنا «1» شخص يصطاد السمك، فاصطاد سمكة نحوا من شبر وأقل، فرأينا على صفحة أذنها اليمنى مكتوبا: «لا إله إلا الله» وفي اليسرى: «محمد رسول الله» ، فقذفناها في البحر ومنعنا الناس أن يصطادوا من ذلك الموضع. وفيها توفّى العلاء بن صاعد أبو عيسى البغدادىّ الكاتب، كان يتعاطى علم النجوم، فحبسه الموفّق؛ فقال لأصحابه: طالع الوقت يقتضى أنّ بعد ثلاثة عشر يوما أخرج من الحبس وأعود إلى منزلى، وكان مريضا فمات بعد ثلاثة عشر يوما في الحبس، فدفع إلى أهله ميّتا؛ قيل: إنه رأى النّبيّ صلى الله عليه وسلم في المنام في مرضه فقال: يا رسول الله، ادع الله «2» أن يهب لى العافية، فأعرض عنه يمينا وشمالا وهو يقول ذلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم: لا أفعل؛ فقال: يا رسول الله، ولم؟ قال: لأنّ أحدكم يقول أعلّنى المرّيخ وأبرأنى المشترى. وفيها توفّى محمد بن عبد الله ابن عمّار بن سوادة أبو جعفر الفقيه المخرّمىّ «3» ، ولد سنة اثنتين وستين ومائة، وكان حافظا كثير الحديث سمع سفيان بن عيينة وغيره، وروى عنه عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل وغيره. وفيها توفّى «4» محمد بن أبى داود بن عبيد الله أبو جعفر بن

ما وقع من الحوادث سنة 273

المنادى، سمع يزيد بن هارون وغيره، وروى عنه البخارىّ وغيره. وفيها توفّى محمد ابن عوف بن سفيان أبو جعفر الطائىّ الحمصىّ الزاهد العابد، كان الإمام أحمد بن حنبل يقول: ما كان بالشام منذ أربعين سنة مثله. وفيها توفّى يعقوب بن سواك «1» الجيلىّ «2» الزاهد، سكن بغداد وصحب بشرا الحافى وانتفع به وكان من الأبدال. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وتسع أصابع، مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وأربع عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 273] السنة الثالثة من ولاية خمارويه على مصر، وهى سنة ثلاث وسبعين ومائتين- فيها وثب ثلاثة بنين لملك الروم على أبيهم فقتلوه وملّكوا «3» أحدهم عليهم. وفيها كانت وقعة بين إسحاق بن كنداج وبين محمد بن أبى السّاج في جمادى الأولى، فانهزم إسحاق، ثم تواقعا أيضا في ذى الحجة فانهزم إسحاق أيضا ثانيا. وفيها قبض الموفّق أخو الخليفة على لؤلؤ مولى ابن طولون الذي كان قدم عليه بالأمان من الشام، وأخذ أمواله وكانت أربعمائة ألف دينار. وفيها توفّى أحمد بن سعد «4» بن إبراهيم الزّهرىّ الجوهرىّ، كان عالما فاضلا زاهدا يعدّ من الأبدال، وهو من بيت كلّهم زّهاد وعلماء. وفيها توفّى أحمد بن العلاء أبو عبد الرّحمن القاضى الرّقّىّ، ومولده

سنة اثنتين وتسعين ومائة، وتوفّى بمصر بعد «1» ابن أخيه أبى الهيثم بعشرين يوما، ورثاهما أخوه هلال. وفيها توفّى حنبل بن إسحاق بن حنبل ابن عمّ الإمام أحمد ابن حنبل، سمع الكثير وصنّف التاريخ، وروى عنه أبو القاسم «2» البغوىّ وغيره، وكان زاهدا عابدا. وفيها توفّى محمد بن إبراهيم بن مسلم الحافظ أبو أميّة البغدادىّ، كان رفيع القدر، إماما في الحديث، سكن طرسوس ومات في جمادى الآخرة، سمع أبا نعيم وغيره، وروى عنه أبو حاتم الرازىّ وغيره. وفيها توفى [محمد بن «3» ] عبد الرّحمن بن الحكم بن هشام الأموىّ أمير الأندلس، كان فاضلا عالما فصيحا، كان يخرج الى الجهاد فيوغل في بلاد الكفّار السنة والسنتين وأكثر. ولما مات ولى بعده ابنه المنذر بن محمد. وفيها توفّى محمد بن يزيد بن ماجة الإمام الحافظ الحجّة الناقد أبو عبد الله القزوينى صاحب السّنن والتفسير والتاريخ، وهو مولى ربيعة، ولد سنة سبع ومائتين، ورحل الى مكّة والكوفة والبصرة وبغداد والشام ومصر وغيرها، وسمع الكثير، وكان صاحب فنون، مات يوم الاثنين ودفن يوم الثلاثاء لثمان بقين من شهر رمضان؛ وقد روينا مسنده عن الشيخ المسند رضوان بن «4» محمد العقبىّ؛ قال أخبرنا أبو إسحاق الأنبارىّ قال أخبرنا الكمال بن حبيب قال أخبرنا «5» سنقر بن

ما وقع من الحوادث سنة 274

عبد الله الزّينىّ أخبرنا الموفّق بن «1» قدامة أخبرنا أبو زرعة طاهر بن محمد [بن «2» طاهر] المقدسىّ أخبرنا أبو منصور محمد بن الحسين أخبرنا أبو طلحة القاسم بن [أبى «3» ] المنذر حدّثنا علىّ بن إبراهيم بن سلمة القطّان حدّثنا ابن ماجة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وثلاث وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وخمس أصابع ونصف. *** [ما وقع من الحوادث سنة 274] السنة الرابعة من ولاية خمارويه على مصر، وهى سنة أربع وسبعين ومائتين- فيها غزا يا زمان الخادم الروم، فأسر وقتل وسبى وعاد سالما غانما. وفيها خرج الموفّق الى كرمان يقصد حرب عمرو بن الليث الصّفّار. وفيها حجّ بالناس هارون بن محمد أيضا. وفيها هجم صدّيق الفرغانى [على] سرّ من رأى فأخذ أموال التجّار ونهب دور الناس وكان يقطع الطريق، وكان الخليفة المعتمد بسرّمن رأى وأخوه الموفّق قد خرج لقتال عمرو بن الليث الصفّار. وفيها توفى أحمد بن حرب بن مسمع أبو جعفر العدل، كان من قرّاء القرآن وأحد الشهود الذين رغبوا عن الشهادة في آخر أعمارهم. وفيها توفى محمد بن عيسى بن حبّان «4» المدائنىّ في قول الذهبىّ وغيره. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وسبع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وسبع أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 275

*** [ما وقع من الحوادث سنة 275] السنة الخامسة من ولاية خمارويه على مصر، وهى سنة خمس وسبعين ومائتين- فيها بعث الموفّق جيشا إلى نواحى سرّ من رأى مع الطائىّ، فأخذ صدّيقا الفرغانىّ اللصّ فقطعوا يديه ورجليه وأيدى أصحابه وأرجلهم، وحملوا إلى بغداد على تلك الصورة. وفيها أيضا غزا يا زمان الخادم البحر فأخذ عدّة مراكب للروم. وفيها في شوّال حبس الموفّق ابنه أبا العباس- وأبو العباس هذا هو الذي يلى الخلافة بعد ذلك ويتلقّب بالمعتضد ويتزوّج بقطر النّدى بنث خمارويه صاحب الترجمة- وقد تقدّم ذكر جهازها في أوّل هذه الترجمة- ولما أمسك الموفّق ابنه أبا العباس المذكور تشغّب أصحابه وحملوا السلاح، فركب الموفّق وصاح بأصحاب أبى العباس: ما شأنكم! أترون أنكم «1» أشفق على ولدى منّى! فوضعوا السلاح وتفرّقوا. وفيها حج بالناس هارون بن محمد الهاشمىّ أيضا. وفيها توفى أحمد بن محمد بن الحجاج الفقيه أبو بكر المرّوذىّ «2» صاحب الإمام أحمد بن حنبل، كان أبوه خوارزميّا وأمه مرّوذية، وكان مقدّما في أصحاب الإمام أحمد لورعه وفضله. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن غالب بن خالد أبو عبد الله البصرىّ الباهلىّ ويعرف بغلام خليل، سكن بغداد وحدّث بها، وكان من الأبدال، يسرد «3» الصوم دائما. وفيها توفّى سعد الأيسر، كان أمير دمشق وكان عادلا وكان من خواصّ أحمد بن طولون، وهو الذي هزم أبا العباس أحمد بن الموفّق لما حارب خمارويه حسبما ذكرناه، وكان سعد يقول عن خمارويه: هذا الصبىّ مشغول باللهو وأنا أكابد الشدائد؛ فبلغ خمارويه

فخرج إلى الرّملة واستدعاه، فلما قدم عليه قتله بيده؛ وبلغ أهل دمشق ذلك فغضبوا ولعنوا خمارويه. وفيها توفى سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شدّاد بن عمرو ابن عمران أبو داود السّجستانى الأزدىّ الإمام الحافظ الناقد صاحب السّنن. مولده سنة اثنتين ومائتين، كان إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة، رحل إلى «1» العراق وخراسان والحجاز والشام ومصر وبغداد غير مرّة، وروى بها كتاب السنن وعرضه على الإمام أحمد بن حنبل فاستحسنه، وكان عارفا بعلل الحديث ورعا، وكان له كمّ واسع وكمّ ضيّق؛ فقيل له في ذلك فقال: الواسع للكتب، والآخر لا أحتاج إليه. وقد سمعت سننه رواية اللؤلؤي عنه على المشايخ الثلاثة: زين الدين «2» عبد الرّحمن الدّمشقى، وعلاء الدين «3» علىّ بن بردس البعلبكّى، وشهاب الدين «4» أحمد [المشهور با] بن ناظر الصاحبيّة، بسماع الأوّلين لجميعه على أبى حفص «5» بن أميلة، وبإجازة الثالث من أبى العباس «6» بن الجوخى، قالا: أخبرنا أبو الحسن علىّ بن البخارىّ أخبرنا أبو «7» الحفص بن طبرزذ مما اتفق له. أخبرنا أبو البدر إبراهيم الكرخىّ وأبو الفتح الدّومى قالا أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن على أخبرنا الشريف أبو عمر الهاشمىّ اخبرنا أبو علىّ اللؤلؤي «8» أخبرنا أبو داود. وفيها توفى على بن يحيى بن أبى منصور أبو الحسن المنجّم، كان أصله من أبناء فارس، وكان أديبا شاعرا، ونادم الخلفاء

ما وقع من الحوادث سنة 276

من المتوكّل إلى المعتمد، وكانوا يعظّمونه، وكان عالما بأيام الناس راوية للأشعار. وفيها توفّى محمد بن إسحاق بن إبراهيم العنبسىّ «1» الصّيمرىّ الشاعر، كان أديبا قدم بغداد ونادم المتوكّل؛ ومن شعره رضى الله عنه: كم مريض قد عاش من بعد يأس ... بعد موت الطبيب والعوّاد قد يصاد القطا فينجو سليما ... ويحلّ القضاء بالصّيّاد وفيها توفّى المنذر بن محمد بن عبد الرّحمن بن الحكم بن هشام أبو الحكم أمير الأندلس، أقام على الأندلس سنتين، وأمّه أمّ ولد، وهو السادس لصلب عبد الرّحمن الداخل الأموىّ المقدّم ذكره. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وستّ عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وثمانى أصابع ونصف. *** [ما وقع من الحوادث سنة 276] السنة السادسة من ولاية خمارويه على مصر، وهى سنة ستّ وسبعين ومائتين- فيها رضى الخليفة المعتمد على عمرو بن الليث الصّفّار، وكتب اسمه على الأعلام والعدد. وفيها في [شهر «2» ] ربيع الأوّل خرج الموفّق أخو الخليفة المعتمد من بغداد يريد أحمد بن عبد العزيز بن أبى دلف بأصبهان، فتنحّى له أحمد عن داره: عن آلتها وفرشها، فنزل بها الموفّق؛ وقدم محمد بن أبى الساج على الموفّق هاربا من خمارويه صاحب الترجمة بعد وقعات جرت بينهما، فأكرمه الموفّق وخلع عليه.

وفيها ولّى عمرو بن الليث الصّفار شرطة بغداد. وفيها انفرج «1» تلّ بنهر الصّلح «2» عند فم الصّلح بالعراق، ويعرف بتلّ بنى شقيق «3» ، عن سبعة قبور فيها سبعة أبدان صحيحة والأكفان جدد تفوح منها رائحة المسك، وأحدهم شابّ «4» له جمّة «5» طويلة طريّة، ولم يتغيّر منه شىء، وفي خاصرته ضربة؛ وكانت القبور حجارة مثل المسنّ، وعندهم كتاب ما يدرى ما فيه. وفيها توفّى بقىّ بن مخلد بن يزيد الحافظ أبو عبد الرّحمن الأندلسىّ صاحب الرحلة والتصانيف، كان مجاب الدعوة، رحل الى مكة والمدينة ومصر والشام وبغداد والشرق والعراقين، وكان له مائتان وأربعة وثمانون شيخا، ومولده في شهر رمضان سنة إحدى ومائتين، ومات ليلة الثلاثاء ثامن عشرين جمادى الآخرة. وفيها توفّى عبد «6» الله الفرحان أبو طاهر الأصبهانى العابد المشهور، كان مجاب الدعوة وله آثار في الدعاء مشهورة، كتب الكثير من الحديث بالعراق والشام ومصر، وسمع هشام بن عمّار وغيره، وروى عنه محمد بن عبد الله الصّفّار وغيره. وفيها توفّى عبد الله بن مسلم بن قتيبة أبو محمد المروزىّ الكاتب مصنّف كتاب غريب الحديث وغريب القرآن ومشكل القرآن، مات فجأة، صاح صيحة عظيمة ثم مات في شهر رجب؛ وقال الدارقطنىّ: كان يميل الى التشبيه «7» ، وكلامه

ما وقع من الحوادث سنة 277

يدلّ عليه، وقال البيهقىّ: كان يرى رأى الكرّامية، وذكر عنه أشياء غير ذلك، وكان خبيث اللسان يقع في حقّ كبار العلماء. وفيها توفّى عبد الملك بن محمد بن عبد الله الحافظ أبو قلابة الرّقاشىّ، مولده بالبصرة سنة تسعين ومائة، وسمع يزيد بن هارون وغيره، وروى عنه المحاملى وآخرون «1» . أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وتسع أصابع، مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وأربع عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 277] السنة السابعة من ولاية خمارويه على مصر، وهى سنة سبع وسبعين ومائتين- فيها اتفق يا زمان الخادم مع خمارويه صاحب الترجمة ودعا له على المنابر بطرسوس، وسببه أن خمارويه استماله وتلطّف به وبعث له بثلاثين ألف دينار وخمسمائة ثوب وخمسمائة دابّة وسلاح كثير. وفيها حجّ بالناس هارون بن محمد العباسىّ الهاشمىّ على العادة. وفيها توفى أحمد بن عيسى أبو سعيد الخرّاز الصّوفىّ البغدادىّ أحد المشايخ المذكورين «2» بالزهد، كان من أئمة القوم وجلّة «3» مشايخهم؛ قال الجنيد: لو طالبنا الله بحقيقة ما عليه أبو سعيد الخرّاز لهلكنا، قيل «4» له: وعلى أىّ شىء حاله؟ قال: أقام كذا وكذا سنة يخرز ما فاته [الحقّ «5» ] بين الخرزتين، يعنى ذكر الله تعالى. وفيها توفى إبراهيم ابن إسحاق بن أبى العنبس «6» أبو إسحاق الزّهرىّ الكوفىّ، ولى قضاء بغداد ثم صرفه

ما وقع من الحوادث سنة 278

الموفّق، أراد منه أن يدفع إليه أموال الأوقاف فامتنع، وكان عالما محدّثا حمل الناس عنه الحديث الكثير. وفيها توفى محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران الحافظ أبو حاتم الرّازى الحنظلىّ مولى بنى تميم بن حنظلة الغطفانىّ، وقيل: سمّى الحنظلىّ لأنه كان يسكن بالرّىّ بدرب حنظلة، كان أحد الأئمة الرحّالين عارفا بعلل الحديث والجرح [و] التعديل، رحل إلى خراسان والعراقين والحجاز واليمن والشأم ومصر، ومات بالرّىّ في شعبان. وفيها توفى يعقوب بن سفيان الحافظ أبو يوسف الفارسىّ الفسوىّ صاحب التاريخ والمصنّفات الحسان، كان إمام أهل الحديث، سافر [الى] البلاد ولقى الشيوخ، قال: كتبت عن ألف شيخ وأكثر، وكلّهم ثقات، وقال أبو زرعة الدمشقىّ: قدم علينا يعقوب دمشق وتعجّب أهل العراق أن يروا مثله. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وإصبعان، مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 278] السنة الثامنة من ولاية خمارويه على مصر، وهى سنة ثمان وسبعين ومائتين- فيها في الثامن والعشرين من المحرّم ظهر في السماء كوكب ذو جمّة «1» . وفيها قال أبو المظفر بن قزأوغلى وغيره من المؤرّخين: غار نيل مصر حتى لم يبق منه شىء. قال الذّهبىّ: ولم يتعرّض المسبّحىّ «2» في تاريخه إلى شىء من ذلك. وغلت الأسعار

فى هذه السنة بمصر وقراها. وفيها ظهرت القرامطة «1» بسواد الكوفة، وقد اختلفوا فيهم وفي مبتدأ أمرهم على أقوال نذكر منها نبذة لما سيأتى من ذكر القرامطة واستيلائهم على البلاد وقتلهم للعباد، فأحد الأقوال: أن رجلا قدم من ناحية خوزستان إلى سواد الكوفة وأظهر الزهد والتقشّف، وكان يسفّ «2» الخوص ويأكل من كسبه، ولا زال يظهر التديّن والزهد إلى أن مال إليه الناس فدرّجهم من شىء إلى شىء حتى صاروا معه حيث شاء، وقيل غير ذلك أقوال كثيرة؛ وهم من الذين أكثروا في الأرض الفساد وأخربوا البلاد. وفيها غزا يا زمان الخادم الصائفة فبلغ حصنا يقال له سلند «3» فنصب عليه المجانيق، وأشرف على فتحه فجاءه حجر من الحصن فقتله، فارتحلوا به وفيه رمق فمات في الطريق في رجب، فحمل على الأكتاف الى طرسوس فدفن بها، وكان شجاعا جوادا رضى الله عنه. وفيها توفى «4» ديك الجنّ الشاعر المشهور واسمه عبد السلام ابن رغبان بن عبد السلام، وسمّى ديك الجن لأن عينيه كانتا خضراوين، وكان قبيح المنظر [وكان شاعرا «5» ] فصيحا، عاصر أبا تمّام الطائىّ، وكان أبو تمام يعترف له بالفضل، وهو من شعراء الدولة العباسيّة، وكان يتشيّع، وكان له غلام كالبدر وجارية أحسن منه، وكان يهواهما جميعا، فدخل يوما منزله فوجدهما متعانقين والجارية تقبّل الغلام، فشدّ عليهما فقتلهما ثم رثاهما بعد ذلك وحزن عليهما حزنا شديدا، وتنغّص عيشه

بعدهما الى أن مات. وشعر ديك الجنّ مشهور. وفيها توفى أبو أحمد طلحة، وقيل: محمد ابن الخليفة المتوكل على الله جعفر ابن الخليفة المعتصم محمد ابن الخليفة الرشيد هارون، كان لقبه الموفّق ثم لقّب بعد قتل الزّنجىّ الناصر لدين الله، كان يخطب له على المنابر بعد أخيه الخليفة المعتمد، وكان يقول الخطيب: اللهم أصلح «1» الأمير الناصر لدينك أبا أحمد الموفّق بالله ولىّ عهد المسلمين أخا أمير المؤمنين، وكانت أمّ الموفق أمّ ولد يقال لها إسحاق؛ وكان الموفّق من أجلّ الملوك رأيا وأسمحهم نفسا وأحسنهم تدبيرا، كان أخوه المعتمد قد جعله ولىّ عهده بعد ولده جعفر المفوّض فغلب الموفّق على الأمر حتى صار أخوه الخليفة المعتمد معه كالمحجور عليه؛ ومات الموفّق في حياة أخيه المعتمد فبايع المعتمد ابن الموفّق أبا العباس ولقّبه بالمعتضد، وجعله ولىّ عهده بعد ابنه المفوّض كما كان أبوه الموفّق، وظنّ المعتمد أنه استراح من الموفّق فعظم أمر المعتضد أضعاف ما كان عليه الموفّق، حتى إنه خلع المفوّض من ولاية العهد وصار ولىّ عهد عمّه المعتمد؛ وتولّى الخلافة بعده، وكان الموفّق قد حبس ابنه أبا العباس المعتضد هذا لشدّة بأسه فلما احتضر الموفّق، أو في حال مرضه، أخرج الجند المعتضد المذكور من حبسه بغير رضا أبيه، ثم مات بعد أيام فى يوم الأربعاء ثانى عشر من صفر، وكان من أجلّ ملوك بنى العبّاس. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وسبع عشرة إصبعا، مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 279

*** [ما وقع من الحوادث سنة 279] السنة التاسعة من ولاية خمارويه على مصر، وهى سنة تسع وسبعين ومائتين- فيها عظم أمر المعتضد بتقديمه في ولاية العهد على جعفر المفوّض، فإن الخليفة المعتمد خلع ولده وقدّم ابن أخيه المعتضد هذا على ولده المفوّض المذكور؛ وأظنّ ذلك كان لقوّة شوكة المعتضد، ثم فوّض المعتمد لابن أخيه المعتضد ما كان لأبيه الموفّق من الأمر والنهى وكتب بذلك الى الآفاق؛ ثم أمر المعتضد ألّا يقعد على الطريق ببغداد ولا في المسجد الجامع قاصّ «1» ولا صاحب نجوم، وحلّف باعة الكتب ألّا يبيعوا كتب الفلاسفة والجدل ونحو ذلك، ولما قدّم الخليفة [المعتمد «2» ] المعتضد هذا على ولده قدّم له المعتضد ثيابا بمائتى ألف درهم وحمل الى ابن عمّه المفوّض ثيابا بمائة ألف درهم، وطابت نفوسهما فلم يكن بعد ذلك إلا أيام ومات الخليفة المعتمد؛ وتولّى المعتضد الخلافة بعد عمّه المعتمد في صبيحة يوم الاثنين لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رجب. وفيها أرسل خمارويه الى المعتضد مع ابن الجصّاص هدايا «3» وتحفا وأموالا كثيرة وسأله أن يزوّج ابنه المكتفى ببنته قطر النّدى؛ فقال المعتضد: بل أنا أتزوّجها فتزوّجها. وقد سقنا حكاية زواجها في ترجمة أبيها خمارويه. وفيها فتح أحمد بن عيسى بن الشّيخ قلعة ماردين «4» وكانت مع محمد بن إسحاق بن كنداج. وفيها صلّى المعتضد بالناس صلاة الأضحى فكبّر في الأولى ستّ تكبيرات

وفي الثانية واحدة، ولم تسمع منه خطبة. وفيها توفّى محمد بن عيسى بن سورة الإمام الحافظ أبو عيسى التّرمذىّ مصنّف الجامع والعلل والشمائل وغيرها، وكانت وفاته فى شهر رجب، وقد روينا كتابه الجامع سماعا على الشيخين علاء الدين «1» علىّ بن بردس البعلبكّى وشهاب الدين أحمد [المشهور با] بن ناظر الصاحبيّة، بسماع الأوّل عن أبى حفص ابن أميلة «2» وإجازة الثانى من أحمد «3» بن محمد بن أحمد بن الجوخى؛ قالا أخبرنا أبو الحسن «4» علىّ بن البخارى [وا] «5» بن أميلة- الأوّل سماعا والثانى إجازة- أخبرنا أبو حفص ابن طبرزذ أخبرنا أبو الفتح عبد الملك بن أبى [القاسم «6» عبد الله بن أبى] سهل [القاسم «7» بن أبى منصور] الكروخىّ «8» أخبرنا أبو عامر محمود بن القاسم «9» الأزدى وأبو بكر أحمد بن عبد الصمد الغورجىّ «10» وأبو نصر عبد العزيز بن محمد التّرياقىّ سماعا عليهم سوى الترياقىّ، فمن أوّله الى مناقب ابن عباس قال الكروخىّ، وأخبرنا من مناقب ابن عباس الى آخر الكتاب عبد الله بن على بن يس الدهّان، قالوا أخبرنا

أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجرّاحى أخبرنا أبو العبّاس محمد بن أحمد بن محبوب المحبوبى أخبرنا الإمام الحافظ أبو عيسى التّرمذىّ؛ وروينا أيضا كتابه الشمائل سماعا على الشيخين المذكورين بسماع الأوّل من المسند صلاح الدين محمد [بن أحمد «1» ] بن أبى عمر المقدسىّ وإجازة الثانى من ابن الجوخى، قالا أخبرنا ابن البخارىّ الأوّل سماعا والثانى إجازة أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندىّ أخبرنا أبو شجاع «2» البسطامىّ، أخبرنا أبو القاسم «3» البلخىّ أخبرنا أبو القاسم «4» الخزاعىّ أخبرنا أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشىّ أخبرنا أبو عيسى التّرمذىّ. وفيها حجّ بالناس هارون بن محمد الهاشمىّ وهى آخر حجّة حجّها بالناس، وكان قد حجّ بالناس ستّ عشرة حجّة أوّلها سنة أربع وستين ومائتين الى هذه السنة. وفيها توفّى الخليفة أمير المؤمنين المعتمد على الله أبو العبّاس أحمد ابن الخليفة المتوكل على الله جعفر ابن الخليفة المعتصم بالله محمد ابن الخليفة الرشيد هارون ابن الخليفة المهدىّ محمد ابن الخليفة أبى جعفر المنصور بن محمد بن على بن عبد الله بن العبّاس الهاشمىّ العباسىّ في ليلة الاثنين تاسع عشر شهر رجب فجأة ببغداد، فحمل ودفن بسرّمن رأى؛ ومولده سنة تسع وعشرين ومائتين بسرّمن رأى، وأمّه أمّ ولد رومية اسمها فتيان، وفي موته أقوال كثيرة، منهم من قال: إنه اغتيل بالسمّ، ومنهم من قال: إنه خنق، وقيل غير ذلك؛ وكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة وثلاثة أيّام، وكان فيها كالمحجور عليه مع أخيه

الموفّق، فإنه كان منهمكا في اللذّات، فولّى أخاه الموفّق أمر الناس فقوى عليه وانقهر المعتمد معه الى أن مات قهرا منه ومن ولده المعتضد؛ وتولّى الخلافة من بعده المعتضد ابن أخيه الموفّق المذكور. وفيها توفّى أحمد بن أبى خيثمة زهير بن حرب ابن شدّاد النّسائىّ الأصل، كان عالما حافظا ذا فنون بصيرا بأيام الناس راوية للآداب؛ أخذ علم الحديث عن الإمام أحمد بن حنبل وعن يحيى بن معين، وعلم النسب عن مصعب الزّبيرىّ، وأيام الناس عن أبى الحسن المدائنىّ؛ وصنّف التاريخ فأكثر فوائده ومات في جمادى الأولى. وفيها توفّى أحمد بن عبد الرّحمن بن مرزوق أبو عبد الله البزورىّ البغدادىّ ويعرف بابن أبى عوف، كان إماما عالما محدّثا ثقة نبيلا. وفيها توفّى أحمد بن يحيى بن جابر أبو بكر وقيل أبو جعفر وقيل أبو الحسن البلاذرىّ، الكاتب البغدادىّ صاحب التاريخ، وكان أديبا مدح المأمون وجالس المتوكّل وسمع هشام بن عمّار وغيره وروى عنه جمّ غفير. وفيها توفى نصر بن أحمد ابن أسد بن سامان، كان سامان مع أبى مسلم الخراسانىّ صاحب الدعوة وكان ينسب الى الأكاسرة، فمات سامان وبقى ابنه أسد «1» . وتوفّى أسد في خلافة الرشيد وخلّف ابنه نوحا وأحمد ويحيى وإلياس، فولى أحمد بن أسد فرغانة، ونوح سمرقند،

ما وقع من الحوادث سنة 280

ويحيى الشاش «1» وأشروسنة «2» ، وولى إلياس هراة؛ وكان أحمد والد نصر هذا أحسنهم سيرة، ومات في أيام عبد الله بن طاهر بن الحسين، وخلّف سبعة بنين، منهم نصر ابن أحمد هذا، فولّى نصر ولايات أبيه مثل سمرقند والشاش وفرغانة، وولّى أخوه إسماعيل بحارى وأعمالها؛ وهؤلاء يسمّون السامانيّة وهم عدّة ملوك، ولهذا أوضحنا أصلهم. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وإصبع ونصف، مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وستّ عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 280] السنة العاشرة من ولاية خمارويه على مصر، وهى سنة ثمانين ومائتين- فيها فتح محمد بن أبى السّاج مراغة «3» بعد حصار طويل وأخذ منها مالا كثيرا. وفيها غزا إسماعيل بن أحمد بلاد الترك من وراء النهر وأسر ملكها وزوجته وأسر عشرة آلاف وقتل مثلهم. وفيها شكا الناس إلى الخليفة المعتضد ما يقاسون

من عقبة حلوان «1» من المشقّة، فبعث عشرين ألف دينار فأصلحها. وفيها بنى المعتضد القصر الحسنىّ «2» الذي صار دار الخلافة ببغداد الى آخر وقت؛ وتحوّل إليه المعتضد وسكنه. وفيها حج بالناس محمد «3» بن عبد الله بن محمد العباسىّ. وفيها توفى جعفر المفوّض ابن الخليفة المعتمد على الله أحمد في شهر ربيع الآخر، وكان محبوسا في دار المعتضد لا يراه أحد، وقيل: إنّ المعتضد نادمه في خلوته وصار يكرمه. وفيها توفى عثمان بن سعيد بن خالد الحافظ أبو سعيد الدّارمىّ نزيل هراة، رحل الى الأمصار ولقى الشيوخ وجالس الإمام أحمد بن حنبل وابن معين والحفّاظ، حتى قالوا: ما رأينا مثله ولا رأى هو مثل نفسه، وكان لا يحدّث من يقول بخلق القرآن. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وثمانى أصابع، مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشر أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 281

*** [ما وقع من الحوادث سنة 281] السنة الحادية عشرة من ولاية خمارويه على مصر، وهى سنة إحدى وثمانين ومائتين- فيها أرسل خمارويه طغج بن جفّ الى غزو الروم فتوجّه من طرسوس حتى بلغ طرابزون «1» وفتح ملورية «2» في جمادى الآخرة. وفيها غارت المياه بالرّىّ وطبرستان فصار الماء يباع ثلاثة أرطال بدرهم، وغلت الأسعار وقحط الناس وأكل بعضهم بعضا، حتى أكل رجل ابنته. وفيها توفى ابن أبى الدّنيا واسمه عبد الله بن محمد أبو بكر القرشىّ البغدادىّ مولى بنى أميّة، ولد سنة ثمان ومائتين، وكان مؤدّبا «3» لجماعة من أولاد الخلفاء منهم المعتضد وابنه المكتفى، وكان عالما زاهدا ورعا عابدا وله التصانيف الحسان، والناس بعده عيال عليه في الفنون التى جمعها، وروى عنه خلق كثير، واتفقوا على ثقته وصدقه وأمانته. وفيها توفى أبو بكر عبد الله بن محمد بن النعمان الأصبهانىّ الإمام المتقن. وفيها توفى الإمام الفقيه محمد بن إبراهيم بن الموّاز المالكىّ. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع سواء، مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وعشر أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 282] السنة الثانية عشرة من ولاية خمارويه على مصر- فيها مات- وهى سنة اثنتين وثمانين ومائتين- فيها في المحرّم أمر المعتضد بتغيير نوروز العجم الذي هو افتتاح الخراج

وأخّره إلى حادى عشر حزيران وسمّاه النّوروز المعتضدىّ، وقصد بذلك الرّفق بالرعيّة، ومنع الناس ما كانوا يعملونه في كل سنة من إيقاد النّيران وصبّ الماء على الناس، فكان ذلك من أحسن أفعال المعتضد. وفيها لليلتين خلتا من المحرّم قدم ابن الجصّاص بقطر النّدى بنت خمارويه صاحب الترجمة إلى بغداد فأنزلت في دار صاعد، وكان المعتضد غائبا بالموصل، فلمّا سمع بقدومها عاد الى بغداد ودخل بها فى خامس شهر ربيع الأوّل بعد أن عمل لها مهمّا يتجاوز الوصف. وفيها قتل خمارويه صاحب الترجمة وقد نقدّم ذكر مقتله في ترجمته. وفيها توفى عبد الرّحمن ابن عمرو بن عبد الله بن صفوان بن عمرو الحافظ أبو زرعة النّصرىّ «1» الدّمشقىّ، كان من أئمة الحفّاظ، رحل إلى البلاد وكتب الكثير حتى صار شيخ الشام وإمام وقته، وكتب عنه خلائق؛ وكانت وفاته بدمشق في جمادى الآخرة. وفيها توفى محمد «2» ابن الخليفة جعفر المتوكّل عمّ المعتضد، وكان فاضلا شاعرا وهو القائل لمّا أراد أخوه المعتمد الخروج إلى الشام والدنيا مضطربة: أقول له عند توديعه ... وكلّ بعبرته مبلس لئن بعدت عنك أجسامنا ... لقد سافرت معك الأنفس وفيها توفى محمد بن عبد الرّحمن بن محمد بن عمارة بن القعقاع أبو قبيصة الضّبّىّ كان صالحا عابدا مجتهدا سمع من سليمان وغيره، روى عنه جماعة كثيرة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع سواء مثل الماضية، مبلغ الزيادة أربع عشرة ذراعا واثنتان وعشرون إصبعا.

ذكر ولاية أبى العساكر جيش على مصر

ذكر ولاية أبى العساكر جيش على مصر هو أبو العساكر جيش بن أبى الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون. ولى مصر والشام بعد قتل أبيه خمارويه بدمشق في يوم سابع عشر ذى القعدة سنة اثنتين وثمانين ومائتين، فأقام بدمشق أيّاما ثم عاد الى ديار مصر، ودام بها الى أن وقع منه أمور أنكرت عليه فاستوحش الناس منه؛ وكان لمّا مات أبوه تقاعد عن مبايعته جماعة من كبار القوّاد لقلّة المال وعجزه عن أن ينعم «1» عليهم لأن أبا الجيش خمارويه كان أنفق في جهاز ابنته قطر الندى لما زوّجها للخليفة المعتضد جميع ما كان فى خزائنه، ومات بعد ذلك بمدّة يسيرة. قال بعضهم: فمات حقّا حين حاجته إلى الموت، لأنه لو عاش أكثر من هذا حتى يلتمس ما كانت جرت عادته به لاستصعب ذلك عليه، ولو نزلت به ملمّة لافتضح. انتهى. ولّما تقاعد كبار القوّاد عن بيعة جيش تلطّف بعض «2» القوّاد في أمره حتى تمّت البيعة، وبايعوه وهو صبىّ لم يؤدّبه الزمان، ولا محنه التجارب والعرفان؛ وقد قيل: «بعيد نجيب ابن نجيب من نجيب» . فلما تمّ أمر جيش المذكور أقبل على الشّرب واللهو مع عامّة أوباش، منهم: غلام رومىّ لا وزن له ولا قيمة يعرف ببندقوش، ورجلان من عامّة العيّارين «3» الذين يحملون الحجارة الثّقال والعمد الحديد ويعانون الصّراع، أحدهما يعرف بخضر، والثانى يعرف بابن البوّاش، وغير هؤلاء من غلمان لم يكن لهم حال، جعلهم بطانته؛ فأوّل شىء حسّنوه له أن وثّبوه على عمّه أبى العشائر «4» ، فقالوا له: هذا يرى نفسه أنه هو

الذي ردّ الدولة يوم الطواحين «1» لمّا انهزم أبوك، وكان يقرّع أباك بهزيمته يومئذ ويذيع ذلك عند خاصّته. ويقولون «2» أيضا: إنه هو الذي همّ «3» بالوثوب حتى صنع أهل برقة فيه ما صنعوا، ويتلفّت الى أهل برقة ويرى أنهم أعداؤه، ويتربّص بهم أن تدول له دولة فيأخذ بثأره «4» منهم، فهو يتلمّظ «5» إلى الدولة والى ما في نفسه مما ذكرناه والمنايا تتلمّظ إليه كما قال الشاعر: تلمّظ السيف من شوق إلى أنس ... والموت يلحظ والأقدار تنتظر فعند ذلك قبض عليه جيش هذا ودسّ إليه من قتله، ثم قال عنه: إنه مات حتف أنفه؛ وتحقّق الناس قتله فنفرت القلوب عنه أيضا، لكونه قتله بغيا عليه وتعدّيا. ثم اشتغل بعد ذلك جيش بهذه الطائفة المذكورة عن حقوق قوّاد أبيه وعن أحوال الرعيّة، وكانت القوّاد أمراء شدادا يرون أنفسهم بعينها «6» فى التقديم والرياسة والشجاعة، وإنما كان قيّدهم «7» أبوه خمارويه بجميل أفعاله وكريم مقدّماته اليهم ولسعة الإفضال عليهم، وهم مثل خاقان المفلحى «8» ، ومحمد بن إسحاق بن كنداج «9» ،

ووصيف بن سوار تكين «1» ، وبندقة بن لمجور «2» ، وأخيه محمد بن لمجور، وابن قراطغان «3» ، ومن أشبههم. ثم انتقل من هذا إلى أن صار إذا أخذ منه النبيذ يقول لطائفته التى ذكرناها واحدا بعد واحد: غدا أقلّدك موضع فلان وأهب لك داره وأسوّغك نعمته، فأنت أحقّ من هؤلاء الكلاب؛ كلّ ذلك ومجالسه تنقل إليهم. فعند ذلك بسط القوّاد ألسنتهم فيه، وشكا القوّاد بعضهم إلى بعض ما يلقونه منه، فقالوا: نفتك به ولا نصبر له على مثل هذا، وبلغه الخبر فلم يكتمه ولم يتلاف القضيّة ولا شاور من يدلّه على مداواة «4» أمره، بل أعلن بما بلغه عنهم وتوعّدهم، وقال: لأطلقنّ الرجّالة عليهم ولأفعلنّ بهم؛ فاتصلت بهم مقالته فاعتزل من عسكره كبار القوّاد من الذين سمّيناهم، مثل ابن كنداج وطبقته، وخرجوا في خاصّة غلمانهم وهى زهاء ثلثمائة غلام، وساروا على طريق أيلة «5» وركبوا جبل «6» الشّراة حتى وصلوا إلى الكوفة، بعد أن نالهم في طريقهم كدّ شديد ومشقّة، وكادوا أن يهلكوا عطشا، واتصلت أخبارهم بالخليفة المعتضد ببغداد فوجّه إليهم بالزاد والميرة والدوابّ، وبعث إليهم من يتلقّاهم وقبلهم أحسن قبول وأجزل جوائزهم وضاعف أرزاقهم، وخلع عليهم وصنع في أمرهم كلّ جميل. والمعتضد هذا هو صهر جيش صاحب

الترجمة وزوج أخته قطر النّدى المقدّم ذكرها في ترجمة أبيها خمارويه. واستمرّ جيش هذا مع أوباشه بمصر، وبينما هو في ذلك ورد عليه الخبر بخروج طغج بن جفّ أمير دمشق عن طاعته، وخروج ابن طغان «1» أمير الثغور أيضا، وأنهما خلعاه جميعا وأسقطا اسمه من الدعوة والخطبة على منابر أعمالهم، فلم يكر به ذلك ولا استشنعه ولا رئى له على وجهه أثر. فلمّا رأى ذلك من بقى من غلمان أبيه بمصر مشى بعضهم إلى بعض وتشاوروا في أمره، فاجتمعوا على خلعه، وركب بعضهم وهجم عليه غلام لأبيه خزرىّ يقال له برمش «2» ، فقبض عليه وهمّ بقتله ثم كفّ عنه؛ فلمّا كان من الغد اجتمع القوّاد في مجلس من مجالس دار أبيه، وتذاكروا أفعاله وأحضروا معهم عدول البلد، وأعادوا لهم أخباره، وقالوا لهم: ما مثل هذا يقلّد شيئا من أمور المسلمين؛ وأحضروه لأن جماعة من غلمان أبيه- يعنى مماليكه- قالوا: لا نقلّد غيره حتى يحضر ونسمع قوله، فإن وعد برجوع وتاب من فعله أمهلناه وجرّبناه، وإن أقرّ بعجزه عن حمل ما حمل وجعلنا في حلّ من بيعته بايعنا غيره على يقين وعلى غير إثم؛ فأحضروه فاعترف أنه يعجز عن القيام بتدبير الدولة وأنه قد جعل من له فى عنقه بيعة في حلّ، وعمل بذلك محضر شهد فيه عدول البلد ووجوهه ومن حضر من القوّاد والغلمان- أعنى المماليك- وصرفوه؛ وكان قبل القبض عليه ركبوا إلى أبى جعفر ابن أبىّ «3» وقالوا له: أنت خليفة أبيه وكان ينبغى لك أن تؤدّبه وتسددّه؛ فقال لهم: قد تكلمت جهدى، ولكن لم يسمع منّى، وبعد فتقدّمونى إليه فتسمعون ما أخاطبه به،

فتقدّموه وركب من داره فلما جاوز داره قليلا لقيه برمش فضرب بيده على شكيمة فرسه، وقال له: أنت خليفة أبيه وخليفته، ونصف ذنبه لك، وجرّه جرّا؛ وبينما هو في ذلك إذ أقبل علىّ بن أحمد فقبض على الآخر وقال له: أنت وزيره وكاتبه وعليك ذنبه، لأنه كان يجب عليك تقويمه وتعريفه ما يجب عليه، فصعد بالاثنين جميعا الى المنظر وقعد معهما كالملازم «1» ، وبينهما هو على ذلك إذ خطر على قلبه شىء، فقام الى دابته وتركهما ومضى نحو باب المدينة، فوثب من فوره ابن أبىّ «2» الى دابّته وركبها وقال لعلىّ ابن أحمد: اركب والحقنى، وحرّك دابّته فإنه كان أحسّ الموت، ثم جاءه الخلاص من الله؛ وركب بعده علىّ بن أحمد، فلم يتحاوز المنظر حتى لحقه طائفه من الرّجّالة فقتلوه؛ ومرّ ابن أبىّ إلى نحو المعافر «3» فتكمّن هناك واختفى؛ وعاد برمش فلم يجد ابن أبىّ، فمضى من فوره وهجم على جيش وقبض عليه، حسبما ذكرناه من خلعه وحبسه. وورّى جثّة علىّ بن أحمد؛ وسلم ابن أبىّ. فقال بعضهم في علىّ بن أحمد: أحسن الى الناس طرّا ... فأنت فيهم معان واعلم بأنك يوما ... كما تدين تدان وقيل في أمر جيش المذكور وجه آخر، وهو أنه لمّا وقع من أمر القوّاد ما وقع خرج أبو العساكر جيش الى متنزّه له بمنية الأصبغ «4» غير مكترث بما وقع له، وبينما هو في ذلك ورد عليه الخبر بوثوب الجند عليه، وقالوا له: لا نرضى بك أبدا

فتنحّ عنّا حتى نولّى عمّك نصر بن أحمد بن طولون؛ فخرج اليهم كاتبه علىّ بن أحمد الماذرائىّ، الذي تقدّم ذكر قتله، وسألهم «1» أن ينصرفوا عنه يومهم فانصرفوا؛ فقام جيش المذكور من وقته ودخل على عمّه نصر وكان في حبسه فضرب عنقه وعنق عمّه الآخر، ورمى برأسيهما «2» الى الجند، وقال: خذوا أميركم؛ فلما رأوا ذلك هجموا عليه وقتلوه وقتلوا أمّه معه ونهبوا داره وأحرقوها وأقعدوا أخاه هارون بن خمارويه فى الإمرة مكانه. ثم طلب علىّ بن أحمد الماذرائىّ كاتبه المقدّم ذكره وقتلوه، وقتلوا أيضا بندقوش وابن البواش، ونهبت دار جيش؛ قوقع في أيدى الجند من نهبها ما يملأ قلوبهم وعيونهم، حتى إنّ بعضهم من كثرة ما حصل له ترك الجنديّة وسكن الريف، وصار من مزارعيه وتجّاره. وقال العلامة شمس الدين يوسف ابن قزأوغلى في مرآة الزمان وجها آخر في قتل جيش هذا، فقال: ولى إمرة دمشق بعد موت أبيه بمدّة يسيرة، ثم خرج الى مصر في هذه السنة- يعنى سنة ثلاث «3» وثمانين ومائتين- واستعمل على دمشق طغج بن جفّ؛ فلما دخل الى مصر لم يرض به أهلها، وقالوا: نريد أبا العشائر هارون؛ فوثب عليه هارون فقتله في جمادى الآخرة، وكانت ولايته خمسة «4» أشهر، واستولى على مصر. قال ربيعة بن أحمد بن طولون: لما قتل أخى خمارويه ودخل ابنه جيش مصر قبض علىّ وعلى عمّيه نصر وشيبان ابنى أحمد بن طولون، وحبسهما في حجرة معى في الميدان، وكان كلّ يوم تأتينا المائدة عليها الطعام فكنّا نجتمع عليها؛ فجاءنا

ما وقع من الحوادث سنة 283

يوما خادم، فأخذ أخانا نصرا فأدخله بيتا، فأقام خمسة أيام لا يطعم ولا يشرب والباب عليه مغلق؛ فدخل علينا ثلاثة من أصحاب جيش وقالوا: أمات أخوكما؟ فقلنا: لا ندرى، فدخلوا عليه البيت فرماه كلّ واحد منهم بسهم في مقتل فقتلوه، وكانت ليلة الجمعة [فأخرجوه «1» ] ثم أغلقوا علينا الباب، وبقينا يوم الجمعة ويوم السبت لم يقدّم «2» إلينا طعام، فظننا أنهم يسلكون بنا مسلك أخينا؛ فلما كان يوم الأحد سمعنا صراخا فى الدار، وفتح باب الحجرة علينا وأدخل علينا جيش بن خمارويه، فقلنا: ما حالك؟ فقال: غلبنى أخى هارون على البلد وتولّى الإمارة؛ فقلنا: الحمد لله [الذي «3» ] قبض يدك وأضرع خدّك! فقال: ما كان عزمى إلا أن ألحقكما [بأخيكما «4» ] . ثم جاء الرسول وقال: الأمير هارون قد بعث اليكما بهذه المائدة، وكان في عزم جيش أن يلحقكما بأخيكما نصر، فقوما إليه فاقتلاه وخذا بثأركما منه وانصرفا على أمان؛ قال: فلم نقتله وانصرفنا الى منازلنا، وبعث هارون خدما «5» فقتلوه وكفينا أمر عدوّنا. انتهى كلام أبى المظفّر. قلت: وكان خلع جيش لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين، وكانت ولايته ستة «6» أشهر واثنى عشر يوما، وقتل في السجن بعد خلعه بأيام يسيرة. *** [ما وقع من الحوادث سنة 283] السنة التى حكم في أوّلها جيش بن خمارويه على مصر، على أنه حكم من الماضية شهرا وأياما، وهذه السنة سنة ثلاث وثمانين ومائتين- فيها قدم رسول عمرو بن

الليث الصفّار على الخليفة المعتضد العباسىّ من خراسان بالهدايا والتّحف؛ وفيها مائتا جمل «1» ومائتا حمارة؛ ومن الطرائف شىء كثير، منها: صنم على خلقة امرأة كان قوم من الهند في مدينة يقال لها" أيل شاه" كانوا يعبدونها. وفيها خرج جماعة من قوّاد مصر الى المعتضد، منهم محمد بن إسحاق وخاقان البلخىّ «2» وبدر بن جفّ؛ وسبب قدومهم الى المعتضد أنهم كانوا أرادوا أن يقتلوا جيش بن خمارويه المذكور فسعى بهم إليه وكان راكبا [وكانوا «3» ] فى موكبه، وعلموا أنه قد علم بهم، فخرجوا من وقتهم وسلكوا البرّيّة وتركوا أموالهم وأهاليهم، فتاهوا أيّاما ومات منهم جماعة من العطش، ثم خرجوا على طريق الكوفة؛ فبلغ [أمرهم] الخليفة المعتضد فأرسل اليهم الأطعمة والدوابّ، ثم وصلوا بغداد فأكرمهم المعتضد وقرّبهم. وفيها توفّى إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم أبو إسحاق الثّقفىّ السّرّاج النيسابورىّ، كان الإمام أحمد بن حنبل يزوره في منزله «4» لزهده وورعه. وفيها توفّى سهل بن عبد الله بن يونس أبو محمد التّسترىّ أحد المشايخ، ومن أكابر القوم والمتكلّم في علوم الإخلاص والرياضات «5» وكان كبير الشأن. وفيها توفّى صالح بن محمد بن عبد الله الشيخ أبو الفضل الشّيرازىّ «6» البغدادىّ، كان رجلا صالحا، ختم القرآن أربعة آلاف مرة. وفيها توفّى عبد الرّحمن ابن يوسف بن سعيد «7» بن خراش أبو محمد الحافظ البغدادى، أقام بنيسابور مدّة مستفيدا من محمد بن يحيى الذّهلىّ وغيره وسمع منه جماعة، وكان أوحد زمانه وفريد عصره.

وفيها توفّى علىّ بن العبّاس بن جريح أبو الحسن الشاعر المشهور المعروف بابن الرومى مولى عبيد الله «1» بن عيسى بن جعفر؛ كان فصيحا بليغا، وهو أحد الشعراء المكثرين في الغزل والمدح والهجاء. قال صاحب المرآة: إنه مات في هذه السنة. وقال ابن خلّكان: توفّى ليلة الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة ثلاث «2» وثمانين، وقيل: أربع وثمانين، وقيل: سنة ستّ وسبعين. وهذه الأقوال أثبت من قول صاحب المرآة. انتهى. ومن شعره ولم يسبق إلى هذا المعنى: آراؤكم ووجوهكم وسيوفكم ... فى الحادثات إذا دجون نجوم منها معالم للهدى ومصابح ... تجلو الدّجى والأخريات رجوم وله من قصيدة: وإذا امرؤ مدح امرأ لنواله ... وأطال فيه فقد أراد هجاءه ويحكى أنّ لائما لامه وقال له: لم لا تشبّه تشبيه ابن المعتز وأنت أشعر منه؟ قال له: أنشدنى شيئا من شعره أعجز عن مثله؛ فأنشده صفة الهلال: فانظر إليه كزورق من فضّة ... قد أثقلته حمولة من عنبر فقال ابن الرومى: زدنى، فأنشده: كأنّ آذريونها «3» ... والشمس فيه كاليه مداهن من ذهب ... فيها بقايا غاليه

فقال ابن الرّومى: وا غوثاه! لا يكلّف الله نفسا إلّا وسعها، ذلك إنما يصف ماعون بيته لأنه ابن الخلفاء، وأنا مشغول بالتصرّف في الشعر وطلب الرزق به، أمدح هذا مرّة، وأهجو هذا كرّة، وأعاتب هذا تارة، وأستعطف هذا طورا. انتهى. وفيها توفّى علىّ بن محمد بن عبد الملك بن أبى الشوارب الأموىّ البصرىّ قاضى القضاة أبو الحسن، كان ولى القضاء بسرّمن رأى، وكان عالما عفيفا ثقة. وفيها توفّى الوليد بن عبيد بن يحيى [بن عبيد «1» ] بن شملال، أبو عبادة الطائىّ البحترىّ الشاعر المشهور، أحد فحول الشعراء وصاحب الديوان المعروف به، كان حامل لواء الشعر فى عصره، مدح الخلفاء والوزراء والملوك، وأصله من أهل منبج «2» وقدم دمشق صحبة المتوكّل، ووصل الى مصر الى خمارويه. حكى أن المتوكّل قال له يوما: يا بحترىّ، قل في راح بيت شعر ولا تصرح باسمه؛ فقال: جاز «3» بالودّ فتى أم ... سى رهينا بك مدنف اسم من أهواه في ... شعرى مقلوب مصحّف ومن شعره في المتوكّل أيضا من قصيدة: فلو «4» انّ مشتاقا تكلّف غير ما ... فى وسعه لسعى اليك المنبر

ذكر ولاية هارون بن خمارويه على مصر

فلمّا تخلف المستعين قال: لا أقبل إلا ممّن قال مثل هذا؛ قال أبو جعفر أحمد بن يحيى البلاذرىّ «1» فأنشدته: ولو أنّ برد المصطفى إذ لبسته ... يظنّ لظنّ البرد أنك صاحبه وقال وقد أعطيته «2» ولبسته ... نعم هذه أعطافه ومناكبه وله: شكرتك إنّ الشكر «3» للعبد نعمة ... ومن شكر المعروف فالله زائده لكل زمان واحد يقتدى به ... وهذا زمان أنت لا شك واحده الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى سهل بن عبد الله التّسترىّ الزاهد، والعباس بن الفضل الأسفاطىّ، وعلى بن محمد بن عبد الملك ابن أبى الشوارب القاضى، ومحمد بن سليمان الباغندى. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ست أذرع وإصبعان، مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وتسع عشرة إصبعا. ذكر ولاية هارون بن خمارويه على مصر هو الأمير أبو موسى هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون التركىّ الأصل المصرىّ المولد. ولى مصر بعد قتل أخيه جيش بن خمارويه في اليوم العاشر من

جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين ومائتين، وتمّ أمره وكانت بيعته من غير عطاء للجند، وهو من الغرائب، وبايعوه طوعا أرسالا «1» ولم يمتنع عليه أحد، وجعلوا أبا جعفر ابن أبّى خليفته والمؤيّد لأمره ولتدبيره؛ وسكنت ثائرة الحرب وقرّ قرار الناس وقتل غالب أصحاب جيش ولم يسلم منهم إلا عبد الله بن الفتح، واستتر أبو عبد الله «2» القاضى خوفا من مثل مصرع على بن أحمد لأنه يعلم ما كان له في نفوس الناس، وما ظهر إلا في اليوم الذي دخل فيه محمد بن سليمان البلد، وقلّد القضاء بعده أبو زرعة محمد بن عثمان من أهل دمشق، وأخرج جيش بعد أيام ميّتا، ثم بعد أيام أمر أبو جعفر بن أبّى ربيعة بن أحمد بن طولون أن يخرج الى الإسكندرية فيسكنها هو وولده وحريمه ويبعد عن الحضرة، فتوجّه الى الإسكندرية وأقام بها على أجمل وجه الى أن حرّكه أجله، وكاتبه قوم ووثّبوه وقالوا له: أنت رجل كامل مكمّل التدبير، وقد تقلّدت البلدان وأحسنت سياستها، ولو كشفت وجهك لتبعك أكثر الجيش؛ فأطاعهم وأقبل ركضا فسبق من كان معه، فلم يشعر الناس به إلا وهو بالجبل المقطم «3» وحده ومعه غلام له نوبىّ وبيده مطرد «4» ينشد الناس لنفسنه «5» ويدعوهم إلى ما كاتبوه؛ واتّصل خبره بابن أبّى فبعث النقباء الى الناس وأمرهم بالركوب، فركب الناس وأقبلوا يهرعون من كلّ جانب. ونزل ربيعة مدلّا بنفسه وكان من

الفرسان طمعا فيمن بقى له ممّن كاتبه، فلم يأته أحد وسار وحده وفرّ عنه من كان معه أيضا، وبقى كاللّيث يحمل على قطعة قطعة فينقضها وتنهزم منه، حتى برز له غلام أسود خصىّ يعرف بصندل المزاحمى- مولى مزاحم بن خاقان الذي كان أميرا على مصر، وقد تقدّم ذكره- فحمل عليه ربيعة فرمى صندل بنفسه الى الأرض وقال له: بتربة «1» الماضى، فكفّ عنه وقال له: امض الى لعنة الله، ثم برز إليه غلام آخر يعرف بأحمد غلام الكفتىّ- والكفتىّ أيضا كان من جملة قوّادهم- فحمل عليه ربيعة فقتله، وأقبل ربيعة يحمل على الناس ميمنة وميسرة ويحملون عليه بأجمعهم فيكدّونه ويردّونه الى الصحراء ثم يرجع عليهم فيردّهم الى موضعهم؛ فلم يزل هذا دأبّة الى الزوال فتقطّر «2» عن فرسه فأكبّوا عليه ورموا بأنفسهم عليه حتى أخذوه مقانصة فاعتقل «3» يومه ذلك؛ فلما كان من الغد أمر أن يضرب مائة سوط ووكّل به الكفتىّ القائد ليأخذه بثأر غلامه، فكان الكفتىّ يحضّ الجلّادين ويصيح عليهم ويأمرهم بأن يوجعوا ضربه حتى استرخى، وقيل: إنه مات، فقال الكفتىّ: هيهات! لجم البقر لا ينضج سريعا! فضرب أسواطا بعد موته ثم أمر به فدفن في حجرة بقرب من بئر الجلودىّ ومنع أن يدفن مع أهله. فلما كان من غد يوم دفنه بلغ سودان أبيه أن الكفتىّ قال: لحم البقر لا ينضج سريعا، وأنه ضربه بعد أن مات أسواطا، فغاظهم ذلك وحرّكهم عليه وزحفوا الى داره، وبلغه الخبر فتنحّى عنها، فجاءوا داره فلم يجدوه فنهبوا داره ولم يكن له علم بذلك، فأخذوا منها شيئا كثيرا حتى تركت حرمته عريانة فى البيت لا يواريها شىء، ورجع الكفتىّ الى داره فرأى نعمته قد سلبت وحرمته قد هتكت، فدخل قلبه من ذلك حسرة فمات كمدا «4» بعد أيام.

وثبت ملك هارون هذا وهو صبىّ يدبّر ولا يحسن [أن] يدبّر، والأمر كلّه مردود الى أبى جعفر بن أبىّ يدبّر كما يرى. فلما رأى غلمان أبيه الكبار الأمر كلّه لأبى جعفر، وهم بدر وفائق وصافى. قبض كلّ منهم على قطعة من الجيش وحازها لنفسه وجعلها مضافة له يطالب عنهم ما يستحقّونه من رزق وجراية وغيرها، وسأل أن يكون ما لهم محمولا الى داره يتولّى هو عطاءهم، فصار عطاء «1» كل طائفة من الجند الى دار الذي صارت في جملته وصاروا له كالغلمان. ثم خرج بدر القائد والحسن بن أحمد الماذرائىّ الى الشأم فأصلحوا أمرها، واستخلفوا على دمشق من قبل هارون المذكور الأمير طغج؛ ابن جفّ، وقرّروا جميع أعمال الشامات «2» ثم عادوا الى مصر. ثم حجّ بدر المذكور فى السنة وأظهر زيّا حسنا وأنفق نفقة كثيرة وأصلح من عقبة «3» أيلة جرفا كبيرا. ولمّا كان في السنة المقبلة حجّ فائق فزاد في زيّه ونفقاته على كلّ ما فعله بدر؛ وكان دأبهم المنافسة في حسن الزّىّ وبسط اليد بالإنفاق في وجوه البرّ. وبنى بدر الميضأة المعروفة به على باب الجامع العتيق، ووقف عليها القيسارية الملاصقة لها، وجعل مع الميضأة ماء عذبا في كيزان توضع في حلقة من حلق المسجد؛ وكان صاحب صدقات بدر رجل يعرف بالليث بن داود، فكان الشخص يرى المساكين زمرا زمرا يتلو بعضهم بعضا ينادون في الطريق: دار الليث، دار الليث! فيعطيهم الليث الدراهم واللحم المطبوخ ويكسوهم في الشتاء الجباب الصوف ويفرّق فيهم الأكسية؛ وتمّ ذلك أيام حياة بدر كلّها؛ وكان لصافى وفائق أيضا أعمال مثل

ذلك وأكثر. قال محمد بن عاصم العمرىّ- وكان من علماء الناس- قال: صرت الى مصر فلم يحتف «1» بى أحد غير أبى موسى هارون بن محمد العباسىّ، فصار يحضر لى مائدة ويباسطنى في محادثته، وحملنى ذلك على أن استحييته، فقال لى: أنا أعرف بصدقك فيما ذكرت وليس يرضينى لك ما ترى، لأن [هذه] أشياء تقصر عن مرادى، ولكنى سأقع «2» لك على موضع يرضيك ويرضينى فيك؛ ودام على ذلك مدّة لا يقطع عنّى عادته؛ الى أن توفّى لها رون صاحب مصر ولد صغير، فبادر هارون بإخراجه والصلاة عليه وصرنا به الى الصحراء، فما وضع عن أعناق حامليه حتى أقبل موكب عظيم فيه بدر وفائق وصافى موالى أبى الجيش خمارويه، ومحمد بن أبّى وجماعة، فقالوا: نصلّى عليه؛ فقال هارون: قد صلّيت عليه؛ فقالوا: لا بدّ أن نصلّى عليه؛ فقال هارون بن محمد العباسىّ: ادعوا الىّ محمد بن عاصم العمرىّ، وكنت فى أخريات الناس، فلم يزالوا قياما ينتظروننى حتى أتيت؛ فقال لى: صلّ بهم، فصلّيت بهم؛ وانصرفنا «3» ؛ فلمّا كان بعد يومين قال لى: قد عرّفت بك هؤلاء القوم فامض اليهم فإنّك تنال أجرا كبيرا؛ قال: فصرت الى أبوابهم وسلّمت عليهم، فلم يمض أقلّ من شهر حتى نالنى منهم مال كثير وحسنت حالى الى الغاية، ثم ذكر عن هؤلاء القوم من هذه الأشياء نبذا «4» كثيرة. وأمّا أمر هارون صاحب الترجمة فانه لمّا تمّ أمره صار «5» أبو جعفر بن أبىّ هو مدبّر مملكته، وكان أبو جعفر عنده دهاء ومكر فبقى في قلبه [أثر «6» ] مما فعله برمش

من يوم خلع جيش وقتل علىّ بن أحمد، وكان من القوّاد رجل يعرف بسمجور قد قلّد حجابة «1» هارون، فبسط لسانه في ابن أبّى المذكور وحرّك عليه القوّاد؛ وبلغ ذلك ابن أبّى فقال لهارون: احذر سمجور هذا، وهارون صبىّ فلم يتحمّل ذلك؛ ودخل القوّاد في شهر رمضان يفطرون عنده وكان سمجور فيهم؛ فلما نجز أمرهم وخرجوا استقعد سمجور وقال له: يا سمجور، أنت مدسوس إلىّ وأنا مدسوس اليك وتريد كيت وكيت، وغمز غلمانه عليه فقبضوا عليه واعتقله في خزانة من خزائنه فكان ذلك آخر العهد به. وأما برمش فانّ أبا جعفر بن أبىّ خلا به وقال له: ويحك! ألا ترى ما نحن فيه مع هؤلاء القوم! انقلبت الدولة روميّة ما لنا معهم أمر ولا نهى. وكان برمش خزريّا أحمق، فبسط لسانه في بدر وغيره من الأروام، فنقل اليهم. وكان بدر أخلاقه كريمة، وكان من أحسن خلقه أنّ الرجل إذا قبّل فخذه يقبّل هو رأس الرجل؛ فدسّ له برمش غلاما فوقف له على الباب، فلمّا خرج بدر أقبل عليه الغلام وقبّل فخذه فانكبّ بدر على رأسه، فضربه الغلام في رأسه فشجّه، وقبض على الغلام الأسود، فقال: دسّنى برمش؛ فغضب له الناس وركبوا قاصدين دار برمش، فعرف برمش الأمر فركب لحماقته وأمر غلمانه وحواشيه فركبوا وخرجوا الى الموضع المعروف ببئر برمش، وكان هو الذي احتفرها وبناها وصفّ هناك مماليكه؛ فركب في الحال ابن أبّى لما في نفسه من برمش قديما وقد تمّ له ما دبّره عليه، وقال لهارون: هذا غلامك برمش قد خرج عليك فأرسل بالقبض عليه، ثم قال: الصواب أن تخرج بنفسك إليه في مماليكك وتبادر الأمر قبل أن يتّسع ويعسر أمره؛ فركب هارون في دسته فلم يبق أحد إلا ركب بركوبه؛ فلما رأى برمش ذلك تأهب لقتالهم وأخذ قوسه وبادر أن يرمى به؛ فقالوا له: مولاك، ويلك!

مولاك الأمير! فقال: أرونى إن كان هو مولاى لم أقاتله، وإن كان هؤلاء «1» الأروام أقاتلهم كلّهم ونموت جميعا: فلما رأى الأمير هارون رمى بنفسه عن دابّته إلى الأرض، فغمز ابن أبىّ الرّجّالة عليه فتعاوروه «2» بأسيافهم حتى قتل، ونهبت داره؛ ورجع هارون إلى دار الإمارة. ثم بعد مدّة قدّم هارون القائد لحجا وكان من أصاغر القوّاد لأبى الجيش خمارويه، وبلّغه مراتب غلمان أبيه الكبار. فغاظ ذلك بدرا وصافيا وفائقا لأنهم كانوا يرون تفوسهم أحقّ بذلك منه، ثم بعد ذلك نفى هارون صافيا الى الرملة فتأكّدت الوحشة بينهم وبين هارون؛ وبينما هم في ذلك أتاهم الخبر أنّ رجلا «3» يزعم أنه علوىّ قد ظهر بالشأم في طائفة من الناس، فعاث أوّلا بنواحى الرّقّة ثم قدم الشأم، فاتصل خبره بطغج بن جفّ وهو يومئذ أمير دمشق، فتهاون به وركب إليه، وهو يظن أنه من بعض الأعراب، بغير أهبة ولا عدّة، ومعه البزاة والصّقورة كأنه خارج الى الصيد؛ فلما صافّه «4» لقيه رجلا متلهفا «5» على الشرّ لما تقدّم له من الظفر بجماعة من أعيان الملوك، فقاتله طغج فانهزم منه أقبح هزيمة ونهبت عساكره، وعاد طغج إلى دمشق مكسورا؛ فدخل قلوب الشاميّين منه فزع شديد؛ فكتب طغج إلى هارون هذا يستمدّه على قتاله؛ فأخرج إليه هارون بدرا الحمّامىّ وجماعة من القوّاد في جيش كثيف فساروا الى الشأم والتقوا مع الخارجىّ المذكور،

وقد لقّب بالقرمطىّ، وكان من أصحاب بدر رجل يقال له زهير، فحلف زهير المذكور بالطلاق إنه متى وقع بصره على القرمطىّ ليرمينّ بنفسه عليه وليقصدنّه حيث كان؛ فلما تصافّ العسكران سأل زهير المذكور عن القرمطىّ، فقيل له: هو الراكب على الجمل، وله كمّان طويلان يشير بهما، فحيث أومأ بكمّة «1» حملت عساكره؛ فقال زهير: أرى على الجمل اثنين، أهو المقدّم أم الرّديف؟ قالوا: بل هو الرديف؛ فجعل زهير يشقّ الصفوف حتى وصل إليه فطعنه طعنة وقطّره «2» عن جمله صريعا؛ فلما رآه أصحابه مصروعا حملوا على المصريّين والشاميّين حملة واحدة شديدة هزموهم فيها وقتلوا منهم خلقا كثيرا، ثم أقاموا عليهم أخا القرمطىّ ورأّسوه عليهم. وأقبل زهير المذكور الى بدر الحمّامىّ فقال له: قد قتلت الرجل؛ فقال له بدر: فأين رأسه؟ فرجع ليأخذ رأسه فقتل زهير قبل ذلك؛ ثم كانت لهم بعد ذلك وقائع كثيرة والقرمطىّ فيها هو الظافر، فقتل من قوّاد المصريين وفرسانهم خلق كثير، وطالت مقاومته معهم حتى سمع بذلك المكتفى الخليفة العباسىّ وكان متيقّظا في هذا الحال يرى الإنفاق فيه سهلا ويقول: المبادرة في هذا أولى، فبادر بإرسال جيش كثيف نحوه، وجعل على الجيش محمد بن سليمان الذي كان كاتبا للؤلؤ غلام أحمد بن طولون الآتى ذكره في عدّة أماكن؛ وسار الجيش نحو البلاد الشاميّة؛ فلما أحسّ القرمطىّ بحركة محمد بن سليمان المذكور من العراق عدل عن دمشق الى نواحى حمص؛ فقتل منهم مقتلة عظيمة وسبى النساء وعاث في تلك النواحى وعظم شأنه وكثر أعوانه ودعا لنفسه وخطب على المنابر باسمه وتسمّى بالمهدىّ؛ وكان له شامة «3» زعم

أصحابه أنها آيته، وزعم أنّه عبد الله بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ابن محمد الباقر بن علىّ زين العابدين بن الحسين بن علىّ بن أبى طالب. ومن شعره فى هذا المعنى قوله: سبقت «1» يداى يديه ... قصرته هاشمىّ المجيد وأنا ابن أحمد لم أقل ... كذبا ولم به أستزيد ثم بثّ القرمطىّ عمّاله في البلاد والنواحى وكاتبهم وكاتبوه. فمن رسائله الى بعض عماله: من «2» عبد الله المهدىّ المنصور بالله، الناصر لدين الله، القائم بدين الله، الحاكم بحكم الله، الداعى لكتاب الله، الذابّ عن حرم الله، المختار من ولد رسول الله (صلى الله

عليه وسلم) أمير المؤمنين، وإمام المسلمين، ومذلّ المنافقين، وخليفة الله على العالمين، وحاصد الظالمين، وقاصم المعتدين، ومهلك المفسدين، وسراج المستبصرين، وضياء المبصرين. ومشتّت المخالفين، والقيّم بسنة المرسلين، وولد خير الوصيّين، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين [الى «1» ] جعفر بن حميد «2» الكردىّ: سلام عليك، فإنى أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأسأله أن يصلّى على محمد جدّى. أما بعد، ما هو كيت وكيت. فهذه صورة مكاتبته الى الأقطار. انتهى. وأما محمد بن سليمان الكاتب فإنّ القاسم بن عبيد الله وزير المكتفى كتب إليه بطلب القرمطىّ المذكور والجدّ في أمره، فسار محمد بن سليمان بعساكره نحوه فالتقوا بموضع دون حماة، وكان القرمطىّ قد قدّم أصحابه أمامه وتخلّف هو في نفر ومعه المال الذي جمعه، فوقع بين محمد بن سليمان وبين أصحاب القرمطىّ وقعة انهزم فيها أصحاب القرمطىّ أقبح هزيمة، وكان ذلك في المحرّم سنة إحدى وتسعين ومائتين. فلما علم القرمطىّ [ب] هزيمة أصحابه أعطى أخاه أمواله وأمره بالنفوذ الى بعض النواحى التى يأمن على نفسه فيها إلى أن يتهيّأ له ما يحب «3» ، ثم مضى هو وابن عمه المدّثّر «4» وغلام له يسمّى المطوّق وغلام «5» آخر يسمّى دليلا، وطلب القرمطىّ بهم طريق الكوفة وسار حتى انتهى الى قرية تعرف بالداليّة «6» ، وعجزوا عن زادهم

فدخل أحدهم الى القرية ليشترى لهم زادا «1» [فأنكروا زيّه وسئل عن أمره فمجمج «2» ، فأعلم المتولّى مسلحة هذه الناحية بخبره وهو رجل يعرف بأبى خبزة خليفة أحمد بن محمد بن كشمرد] فأقبل عليه أبو خبزة المذكور مع أحداث ضيعته فقاتله وكسره وقبض عليه وعلى من معه: فانظر الى هذا الأمر الذي عجز عنه الملوك حتى كانت منيّته على يد هذا الضعيف. ولله درّ القائل: وقد يسلم الإنسان ممّا يخافه ... ويؤتى الفتى من أمنه وهو غافل فقبض عليه المذكور. وكان أمير «3» هذه النواحى القاسم بن سيما، فكتب بالخبر الى الخليفة المكتفى وهو بالرّقّة، وقد كان رحل في أثر محمد بن سليمان، واتّفق مع هذا موافاة كتاب محمد بن سليمان الى القاسم بن عبيد الله بالفتح والنّصرة على القرمطىّ، ثم أحضر القرمطىّ الى بين يدى الخليفة المكتفى، فأخذه الخليفة وعاد هو ووزيره القاسم بن عبيد الله من الرّقة الى بغداد، وهو على جمل يشهر به في كلّ بلد يمرّون به، ومعه أيضا أصحاب «4» القرمطىّ، ودخل بهم بغداد وقد زيّنت بغداد بأفخر الزينة، وكان لدخولهم يوم عظيم الى الغاية. فلما كان يوم الاثنين الثالث والعشرون من شهر ربيع الأوّل جلس الخليفة مجلسا عاما، وأحضر القرمطىّ وأصحابه فقطعت أيديهم وأرجلهم ثم رمى بهم من أعلى الدكّة الى أسفل، ولم يبق منهم إلّا ذو الشامة أعنى القرمطىّ، ثم قدّم القرمطىّ فضرب بالسّوط حتى استرخى، ثم قطعت يداه ورجلاه

ونخس في جنبه «1» بخشب، فلمّا خافوا عليه الموت ضربوا عنقه؛ ثم حضر محمد بن سليمان وخلع عليه الخليفة المكتفى ثم خلع على القوّاد الذين كانوا معه، وهم محمد بن إسحاق بن كنداج وحسين بن حمدان وأحمد بن إبراهيم بن كيغلغ وأبو الأغرّ ووصيف، وأمرهم الجميع بالسمع والطاعة لمحمد بن سليمان. ثم أمر الخليفة محمد بن سليمان بالتوجّه الى مصر لقتال هارون بن خمارويه صاحب الترجمة، فسار محمد بن سليمان بمن معه في شهر رجب، وكتب الى دميانة غلام يا زمان وهو يومئذ أمير البحر أن يقفل بمراكبه الى مصر؛ وسار الجيش قاصدا دمشق، فلما قربوا منها تلقّاهم بدر وفائق في جميع جيشهما لما في نفوسهما من هارون حسبما قدّمناه من تقديم من تقدّم ذكره عليهما؛ وصاروا مع محمد بن سليمان جيشا واحدا؛ وساروا نحو مصر؛ فاتّصلت أخبارهم بهارون بن خمارويه هذا، فتهيأ لقتالهم وجمع العساكر وأمر بمضربه فضرب بباب المدينة بعد أن نعق «2» فى جنده وأمرهم بالتأهّب للرحيل، فاستعدّوا ثم رحلوا الى العبّاسة «3» يريدون الشأم؛ وتربّص هارون بالعبّاسة أيّاما، وكتب لبدر وفائق يستعطفهما ويذكر لهما الحرمة وما يجب عليهما من حفظ ذمام الماضين من أبيه وجدّه، وصارت كتبه صادرة اليهم والى القوّاد بذلك؛ فبينما هو [ذات] ليلة بالعباسة وقد شرب وثمل ونام آمنا في مضربه إذ وثب عليه بعض غلمانه فذبحه،

وقيل: إن ذلك كان بمساعدة بعض عمومته في ذلك، وأصبح الناس وأميرهم مذبوح وقد تفرّقت الظنون في قاتله؛ فنهض عمّه شيبان بن أحمد بن طولون ودعا لنفسه، وضمن للناس حسن القيام بأمر الدولة والإحسان لمن ساعده، فبايعه الناس على ذلك. انتهى. وقد ذكر بعضهم قصّة هارون هذا بطريق آخر قال: واستمرّ هارون هذا في إمرة مصر من غير منازع؛ لكن أحوال مصر كانت في أيّامه مضطربة إلى أن ورد عليه الخبر بموت الخليفة المعتضد بالله في شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين، وبويع لابنه محمد المكتفى بالخلافة. ثم خرج القرمطىّ بالشأم في سنة تسعين، فجهّز هارون لحربه القوّاد في جيش كبير فهزمهم القرمطىّ؛ ثم وقع بين هارون وبين الخليفة المكتفى وحشة وتزايدت الى أن أرسل المكتفى لحربه محمد بن سليمان الكاتب؛ فسار محمد بن سليمان من بغداد إلى أن نزل حمص وبعث بالمراكب من الثغور الى سواحل مصر وسار هو حتى نزل بفلسطين؛ فتجهّز هارون أيضا لقتال محمد ابن سليمان المذكور وسيّر المراكب في البحر لحربه وفيها المقاتلة، حتى التقوا بمراكب محمد بن سليمان وقاتلوهم فانهزموا؛ وكان القتال في تنّيس وملك أصحاب محمد بن سليمان تنّيس ودمياط؛ وكان هارون قد خرج من مصر يوم التّروية «1» لقتال محمد بن سليمان، فلما بلغه الخبر توجّه الى العبّاسة ومعه أهله وأعمامه في ضيق وجهد، فتفرّق عنه كثير من أصحابه وبقى في نفر يسير، وهو مع ذلك متشاغل باللهو والسكر؛ فاجتمع عمّاه شيبان وعدىّ ابنا أحمد بن طولون على قتله، فدخلا عليه وهو ثمل فقتلاه ليلة الأحد لإحدى عشرة بقيت من صفر سنة اثنتين وتسعين ومائتين، وسنّه يومئذ اثنتان وعشرون سنة؛

وكانت ولايته على مصر ثمانى سنين وثمانية أشهر وأيّاما؛ وتولّى عمّه شيبان مصر بعده. وقال سبط ابن الجوزىّ في تاريخه: وفيها- يعنى سنة اثنتين وتسعين ومائتين- فى صفر سار محمد بن سليمان إلى مصر لحرب هارون بن خمارويه، وخرج إليه هارون فى القوّاد فجرت بينهم وقعات؛ ثم وقع بين أصحاب هارون في بعض الأيام عصبيّة، فاقتتلوا، فخرج هارون ليسكتهم فرماه بعض المغاربة بسهم فقتله وتفرّقوا؛ فدخل محمد بن سليمان مصر وملكها واحتوى على دور آل طولون وأسبابهم وأخذهم جميعا، وكانوا بضعة عشر رجلا، فقيّدهم وحبسهم واستصفى أموالهم وكتب بالفتح إلى المكتفى. وقيل: إن محمد بن سليمان لمّا قرب من مصر أرسل الى هارون يقول: إن الخليفة قد ولّانى مصر ورسم أن تسير بأهلك وحشمك إلى بابه إن كنت مطيعا، وبعث بكتاب الخليفة إلى هارون؛ فعرضه هارون على القوّاد فأبوا عليه فخرج هارون؛ فلمّا وقع المصافّ صاح هارون: يا منصور؛ فقال القوّاد: هذا يريد هلا كنا، فدسّوا عليه خادما فقتله على فراشه وولّوا مكانه شيبان بن أحمد بن طولون؛ ثم خرج شيبان الى محمد مستأمنا. وكتب الخليفة إلى محمد بن سليمان في إشخاص آل طولون وأسبابهم والقوّاد وألّا يترك أحدا منهم بمصر والشأم؛ فبعث بهم إلى بغداد فحبسوا في دار صاعد. انتهى ما أوردناه من ترجمة هارون من عدّة أقوال بخلف وقع بينهم فى أشياء كثيرة. وأما محمد بن سليمان المذكور فأصله كاتب الخادم لؤلؤ الطولونىّ. قال القضاعىّ: يقال: إن أحمد بن طولون جلس يوما في بعض متنزّهاته ومعه كتاب ينظر فيه، وإذا بشابّ قد أقبل، فالتفت أحمد الى لؤلؤ الطولونىّ وقال. اذهب وأتنى برأس هذا الشابّ؛ فنزل إليه لؤلؤ وسأله من أىّ بلد هو وما صنعته؟ فقال: من العراق من أبناء الكتّاب؛ فقال له: وما أتيت تطلب؟ قال: رزقا؛ فعاد لؤلؤ إلى أحمد بن طولون؛

فقال له: ضربت عنقه؟ فسكت، فأعاد عليه القول فسكت؛ فاستشاط أحمد ابن طولون غيظا ثم أمره بقتله؛ فقال لؤلؤ: يا مولاى بأىّ ذنب «1» تقتله؟ فقال: إنى أرى في هذا الكتاب «2» من منذ سنين أن زوال ملك ولدى يكون على يد رجل هذه صفته فقال: يا مولاى، أو هذا صحيح؟ قال: هذا الذي رأيته وتفرّسته؛ فقال: يا مولاى، لا يخلو هذا الأمر من أن يكون حقّا أو كذبا، فإن كان كذبا فما لنا والدخول في دم مسلم! وإن كان حقّا فلعلّنا نفعل معه خيرا علّه يكافئ به يوما، وإن كان الله قدّر ذلك فإنا لا نقدر على قتله أبدا؛ فسكت أحمد بن طولون، فأضافه لؤلؤ إليه؛ وكان هذا الشابّ يسمى محمد بن سليمان الكاتب الحنيفىّ، منسوب إلى حنيفة السّمرقندىّ، فلم تزل الأيام تنتقل بمحمد المذكور والدّهر يتصرّف فيه إلى أن بقى ببغداد قائدا من جملة القوّاد، وجرى من أمره ما تقدّم ذكره من قتال القرامطة وهارون صاحب مصر، إلى أن ملك الديار المصريّة وأمسك الطولونيّة وخرّب منازلهم، وهدم القصر المسمّى بالميدان الذي كان سكن أحمد بن طولون، وتتبّع أساسه حتى أخرب الديار ومحا الآثار، ونقل ما كان بمصر من ذخائر بنى طولون إلى العراق. وقال صاحب كتاب الذخائر: إن محمد بن سليمان المذكور رجع إلى العراق فى سنة اثنتين وتسعين ومائتين ومعه من ذخائر بنى طولون أموال عظيمة، يقال: إنّه كان معه أكثر من ألف ألف دينار عينا، وإنّه حمل إلى الخليفة الإمام المكتفى من الذخائر والحلىّ والفرش أربعة وعشرين ألف حمل جمل، وحمل آل طولون معه إلى بغداد؛ وأخذ محمد بن سليمان لنفسه وأصحابه غير ذلك ما لا يحصى كثرة. ولما وصل محمد بن سليمان إلى حلب متوجّها إلى العراق، كتب الخليفة المكتفى إلى وصيف مولى المعتضد أن يتوكّل بإشخاص محمد بن سليمان المذكور؛ فأشخصه

ما وقع من الحوادث سنة 284

وصيف المذكور إلى الحضرة؛ فأخذه المكتفى وقيّده وصادره وطالبه بالأموال التى أخذها من مصر. ولم يزل محمد بن سليمان معتقلا إلى أن تولّى ابن الفرات للخليفة المقتدر جعفر، فأخرجه إلى قزوين «1» واليا على الضّباع والأعشار بها. يأتى ذكر محمد ابن سليمان هذا ثانيا بعد ذلك في حوادث هارون على الترتيب المقدّم ذكره بعد فى ولاية شيبان إن شاء الله تعالى. *** [ما وقع من الحوادث سنة 284] السنة الأولى من ولاية هارون بن خمارويه على مصر، وهى سنة أربع وثمانين ومائتين- فيها كانت وقعة بين الأمير عيسى النّوشرىّ الآتى ذكره في أمراء مصر وبين بكر بن عبد العزيز بن أبى دلف، وكان قد أظهر العصيان فهزمه النّوشرىّ بقرب أصبهان واستباح عسكره. وفيها ظهرت بمصر حمرة عظيمة في الجوّ حتى إنه كان الرجل إذا نظر في وجه الرجل يراه أحمر وكذا الحيطان، فتضرّع الناس بالدعاء إلى الله، وكانت من العصر إلى الليل. وفيها بعث عمرو بن الليث بألف ألف درهم لتنفق على إصلاح درب مكّة من العراق، قاله ابن جرير الطبرىّ. وفيها عزم المعتضد على لعن معاوية على المنابر، فخوّفه عبيد «2» الله الوزير باضطراب العامة، فلم يلتفت وتقدّم إلى العامة بلزوم أشغالهم وترك الاجتماع بالناس، ومنع القصّاص «3» من القعود في الأماكن، ثم منع من اجتماع الحلق في الجوامع، وكتب المعتضد

كتابا «1» فى ذلك واجتمع الناس يوم الجمعة بناء «2» على أنّ الخطيب يقرؤه فما قرئ. وفيها ظهر في دار الخليفة المعتضد شخص في يده سيف مسلول، فقصده بعض الخدّام فضربه بالسيف فجرحه واختفى في البستان، فطلب فلم يوجد له أثر؛ فعظم ذلك على المعتضد واحترز على نفسه وساءت الظنون فيه فقيل هو من الجنّ، وقيل غير ذلك؛ وأقام الشخص يظهر مرارا ثم يختفى، ولم يظهر خبره حتى مات المعتضد والمكتفى، فاذا هو خادم كان يميل إلى بعض الجوارى التى في الدور، وكانت عادة المعتضد أنه من بلغ الحلم من الخدّام منعه من الدخول الى الحرم، وكان خارج دور الحرم بستان كبير، فاتخذ هذا الخادم لحية بيضاء وبقى تارة يظهر في صورة راهب وتارة يظهر بزىّ جندىّ بيده سيف، واتخذ عدّة لحّى مختلفة الهيئات والألوان؛ فاذا ظهر خرجت الجارية مع الجوارى لتراه فيخلو بها بين الشجر، فاذا طلب دخل بين الشجر ونزع اللحية والبرنس ونحو ذلك، وخبأها وترك السيف في يده مسلولا كأنه من جملة الطالبين لذلك الشخص؛ وبقى كذلك إلى أن ولى المقتدر الخلافة وأخرج الخادم إلى طرسوس «3» ، فتحدّثت الجارية بحديثه بعد ذلك. وفيها في يوم الخميس رابع المحرّم قدم [رسول «4» ] عمرو بن الليث الصفّار على المعتضد برأس رافع بن هرثمة؛ فخلع على الرسول ونصب الرأس في جانبى «5» بغداد. وفيها وعد المنجّمون الناس بغرق الأقاليم السبعة، ويكون ذلك من كثرة الأمطار وزيادة المياه في العيون والآبار، فانقطع الغيث وغارت العيون وقلّت المياه، حتى احتاج الناس إلى أن استسقوا ببغداد حتى

ما وقع من الحوادث سنة 285

أمطروا وكذّب الله المنجّمين. وفيها حجّ بالناس محمد بن عبد الله بن ترنجة. وفيها توفّى أحمد بن المبارك أبو عمرو المستملى النّيسابورىّ الزاهد العابد، كان يسمّى راهب عصره، يصوم النهار ويقوم الليل، وكانت وفاته بنيسابور في جمادى الآخرة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفى إسحاق بن الحسن «1» الحربىّ «2» ، وأبو عمرو أحمد بن المبارك المستملى، وأبو خالد عبد العزيز بن معاوية القرشىّ [العتابىّ «3» ] ومحمود بن الفرج الأصبهانىّ الزاهد، وهشام بن على السّيرافىّ، ويزيد بن الهيثم أبو خالد البادىّ «4» . أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وثلاث عشرة إصبعا، مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وتسع عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 285] السنة الثانية من ولاية هارون على مصر، وهى سنة خمس وثمانين ومائتين- فيها في يوم الأربعاء لاثنتى عشرة ليلة بقيت من المحرّم قطع صالح بن مدرك الطائىّ الطريق في جماعة من طيئ على الحجّاج [بالأجفر «5» ] ، فأخذوا من الأموال والمماليك

والنساء ما قيمته ألف ألف دينار. وفيها ولّى المعتضد ابن أبى الساج أرمينية وأذربيجان وكان قد غلب عليهما. وفيها غزا راغب الخادم مولى الموفّق بلاد الروم في البحر فأظفره الله بمراكب كبيرة وفتح حصونا كثيرة. وفيها حجّ بالناس محمد بن عبد الله بن ترنجة. وفيها في شهر ربيع الأوّل هبّت ريح صفراء بالبصرة ثم صارت خضراء ثم سوداء وامتدّت في الأمصار، ثم وقع عقيبها مطر وبرد وزن البردة مائة وخمسون درهما، وقطعت الريح نحو ستمائة نخلة، ومطرت قرية «1» من القرى حجارة سودء وبيضاء. وفيها في ذى الحجة منها قدم الأمير على ابن الخليفة المعتضد بالله بغداد، وكان قد جهّزه أبوه لقتال محمد بن زيد العلوىّ، فدفع محمد ابن زيد عن الجبال وتحيّز الى طبرستان، ففرح به أبوه المعتضد وقال: بعثناك ولدا فرجعت أخا، ثم أعطاه ألف ألف دينار. وفي ذى الحجة أيضا خرج الخليفة المعتضد وابنه علىّ يريد آمد «2» لمّا بلغه موت عيسى بن الشيخ بعد أن صلّى ابنه علىّ المذكور بالناس يوم الأضحى ببغداد، وركب كما يركب ولاة العهود. وفيها توفى إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن بشير بن عبد الله أبو إسحاق المروزىّ الحربىّ، كان إماما عالما فاضلا زاهدا مصنّفا، كان يقاس بالإمام أحمد بن حنبل في علمه وزهده. وفيها توفى الأمير أحمد بن عيسى بن الشيخ صاحب آمد وديار بكر، كان ولّاه إيّاهما المعتزّ، فلما قتل المعتزّ استولى عليهما الى أن مات في هذه السنة، فاستولى عليهما ابنه محمد فسار المعتضد فأخذهما منه واستعمل عليهما نوّابه. وفيها

توفّى إمام النحاة المبرّد «1» واسمه محمد بن يزيد بن عبد الأكبر بن عمير بن حسّان بن سليمان الإمام العلّامة أبو العبّاس البصرىّ الأزدىّ المعروف بالمبرّد، انتهت إليه رياسة النحو واللغة بالبصرة، ولد سنة ستّ ومائتين وقيل: سنة عشر ومائتين. وكان المبرّد وأبو العبّاس أحمد بن يحيى الملقّب بثعلب صاحب كتاب الفصيح عالمين متعاصرين؛ وفيهما يقول أبو بكر بن أبى الأزهر: أيا طالب العلم لا تجهلن ... وعذ بالمبرّد أو ثعلب تجد عند هذين علم الورى ... فلا تك كالجمل الأجرب علوم الخلائق مقرونة ... بهذين في الشرق والمغرب وكان المبرّد يحبّ الاجتماع والمناظرة بثعلب وثعلب يكره ذلك ويمتنع منه. ومن شعر المبرّد: يا من تلبّس أثوابا يتيه بها ... تيه الملوك على بعض المساكين ما غيّر الجلّ «2» أخلاق الحمار ولا ... نقش البرادع أخلاق البراذين «3»

ما وقع من الحوادث سنة 286

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفى إبراهيم الحربىّ «1» ، وإسحاق بن إبراهيم الدّبرىّ» ، وعبيد [الله «3» ] بن عبد الواحد بن شريك، وأبو العباس محمد بن يزيد المبرّد. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وستّ عشرة إصبعا، مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وتسع عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 286] السنة الثالثة من ولاية هارون على مصر، وهى سنة ستّ وثمانين ومائتين- فيها أرسل هارون بن خمارويه صاحب الترجمة الى الخليفة المعتضد يعلمه أنه نزل عن أعمال قنّسرين والعواصم، وأنّه يحمل الى المعتضد في كلّ سنة أربعمائة ألف دينار وخمسين ألف دينار، وسأله تجديد الولاية له على مصر والشأم؛ فأجابه المعتضد الى ذلك وكتب له تقليدا بهما. وفيها في شهر ربيع الآخر نازل «4» المعتضد آمد وبها محمد بن أحمد ابن [عيسى «5» بن] الشيخ فحاصرها أربعين يوما حتى ضعف محمد وطلب «6» الأمان [لنفسه وأهل البلد فأجابه الى ذلك فخرج إليه محمد ومعه أصحابه وأولياؤه فوصلوا الى المعتضد «7» ] فخلع عليه المعتضد. وفيها قبض المعتضد على راغب الخادم أمير طرسوس واستأصل «8» أمواله فمات بعد أيّام. وفيها التقى جيش عمرو بن الليث الصفّار واسماعيل بن أحمد

ابن أسد [السامانىّ «1» ] بما وراء «2» النهر فانكسر أصحاب عمرو، ثم التقى هو وعمرو ثانيا على بلخ، وكان أهل بلخ قد ملّوا عمرا وأصحابه ونجروا من نزولهم في دورهم وأخذهم أموالهم، فساعد أهل بلخ إسماعيل فانكسر عمرو وانهزم الى بلخ، فوجد أبوابها مغلقة ثم فتحوا له ولجماعة معه؛ فلما دخل وثب عليه أهل بلخ فأوثقوه وحملوه الى إسماعيل فأكرمه إسماعيل ثم بعث به الى المعتضد فخلع المعتضد على إسماعيل خلعة السلطنة، وأدخل عمرو بغداد على جمل ليشهّروه بها ثم حبسه المعتضد في مطمورة «3» ، فكان يقول: لو أردت أن أعمل على جيحون جسرا من ذهب لفعلت، وكان مطبخى يحمل على ستمائة جمل، وأركب في مائة ألف، أصارنى «4» الدهر إلى القيد والذلّ! وقيل: إنه خنق قبل موت المعتضد بيسير. وفيها ظهر بالبحرين أبو سعيد الجنّابىّ «5» القرمطىّ «6» في أوّل السنة، وفي وسطها قويت شوكته وانضمّ إليه طائفة من الأعراب، فقتل «7» أهل تلك

القرى وقصد البصرة، فبنى عليها المعتضد سورا؛ وكان أبو سعيد هذا كيّالا بالبصرة. وجنّابة من قرى الأهواز، وقيل: من قرى البحرين «1» . قلت: وهذا أوّل «2» من ظهر من القرامطة الآتى ذكرهم في هذا الكتاب في عدّة مواطن. وهذا القرمطىّ هو الذي قتل الحجيج واقتلع الحجر «3» الأسود حسبما يأتى ذكره. وفيها حضر مجلس القاضى موسى بن إسحاق قاضى الرّىّ وكيل امرأة ادّعى على زوجها صداقها بخمسمائة دينار فأنكر الزوج؛ فقال القاضى: البيّنة، فأحضرها الوكيل فى الوقت، فقالوا: لا بدّ أن ننظر المرأة [وهى «4» مسفرة لتصحّ عندهم معرفتها] فتتحقّق الشهادة؛ فقال الزوج: ولا بدّ؟ فقالوا: ولا بدّ؛ فقال الزوج: أيها القاضى عندى الخمسمائة دينار ولا ينظر هؤلاء الى امرأتى [فأخبرت بما كان من زوجها «5» ] ؛ فقالت المرأة: إنى أشهد القاضى أنّنى قد وهبت له ذلك وأبرأته منه في الدنيا والآخرة! فقال القاضى: تكتب هذه الواقعة في مكارم الأخلاق. وفيها توفّى إسماعيل بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران أبو بكر السّراج النيسابورىّ مولى ثقيف، سمع الإمام أحمد وصحبه. وفيها توفى «6» الحسين بن سيّار أبو على البغدادىّ الخيّاط، كان إماما عارفا بتعبير الرؤيا، وكانت وفاته في صفر، أسند عن أبى بلال الأشعرىّ

ما وقع من الحوادث سنة 287

وغيره، وروى عنه جماعة كثيرة. وفيها توفى محمد بن يونس بن موسى بن سليمان ابن عبيد بن ربيعة بن كديم «1» أبو العباس الكديمىّ القرشىّ البصرىّ، حجّ أربعين حجّة، وكان حافظا متقنا ورعا، مات ببغداد في نصف جمادى الآخرة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفى أحمد بن سلمة النّيسابورىّ الحافظ، وأحمد بن علىّ الخزّاز «2» ، وأبو سعيد الخرّاز «3» شيخ الصوفيّة، وأحمد ابن المعلّىّ [بن يزيد أبو بكر الأسدىّ القاضى «4» ] الدّمشقىّ، وابراهيم بن سويد الشامىّ، وإبراهيم [بن محمد «5» ] بن برّة الصّنعانىّ، والحسن بن عبد الأعلى البوسىّ أحد أصحاب عبد الرزّاق، وعبد الرّحيم بن عبد الله البرقىّ، وعلى بن عبد العزيز البغوىّ، ومحمد بن وضّاح القرطبىّ «6» ، ومحمد بن يوسف البنّاء الزاهد، ومحمد بن يونس الكديمىّ، وأبو عبادة البحترىّ الشاعر. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وخمس عشرة إصبعا، مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثمانى أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 287] السنة الرابعة من ولاية هارون على مصر، وهى سنة سبع وثمانين ومائتين- فيها في المحرّم واقع صالح بن مدرك كبير عرب طيّئ الحاجّ العراقىّ كما فعل بهم

فى العام الماضى، وكان في ثلاثة آلاف من عرب طيّئ وغيرهم ما بين فارس وراجل، وكان أمير الحاج أبا الأغرّ، فأقاموا يقاتلونهم يوما وليلة حتى هزم صالح بن مدرك وقتل معه أعيان طئّ، ودخل الرّكب بغداد بالرءوس على الرّماح وبالأسرى. وفيها عظم أمر القرامطة وأغاروا على البصرة ونواحيها، فسار لحربهم العبّاس بن عمرو الغنوىّ فالتقوا فأسر الغنوىّ وقتل خلق من جنده، ثم إنّ أبا سعيد القرمطىّ أطلقه، وقال له: بلّغ المعتضد عنّى رسالة ومضمونها: أنه يكفّ عنه ويحفظ حرمته، وقال: فأنا قنعت بالبرّيّة فلا يتعرّض لى. وفيها مات صاحب طبرستان محمد «1» بن زيد العلوىّ. وفيها أوقع بدر غلام الطائى بالقرامطة على غرّة، فقتل منهم مقتلة عظيمة ثم تركهم خوفا على السواد «2» . وفيها حجّ بالناس محمد بن عبد الله بن ترنجة. وفيها توفى أحمد بن عمرو بن [أبى عاصم «3» ] الضحاك القاضى أبو بكر الشّيبانىّ الفقيه المحدّث وابن محدّث، ولى القضاء بأصبهان وصنّف علوم الحديث وكان عالما بارعا. وفيها توفى يعقوب بن يوسف بن أيوب الشيخ

ما وقع من الحوادث سنة 288

أبو بكر المطّوّعىّ «1» الزاهد العابد، وعنه قال: كان وردى في شبيبتى كلّ يوم وليلة أربعين «2» ألف مرّة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) . الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفى أحمد بن إسحاق ابن إبراهيم بن نبيط «3» ، وأبو بكر أحمد بن عمرو بن أبى عاصم أبو علىّ «4» فى [شهر] ربيع الآخر وله نيّف وثمانون سنة، ومحمد بن عمرو الحوشىّ «5» ، وموسى بن الحسن الجلاجلىّ «6» ، وأبو سعد «7» يحيى بن منصور الهروىّ. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وخمس وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشر أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 288] السنة الخامسة من ولاية هارون على مصر، وهى سنة ثمان وثمانين ومائتين- فيها وقع وباء بأذربيجان فمات فيه خلق كثير وفقدت الأكفان فكفّن الناس فى الأكسية واللّبود ثم فقدت، وفقد من يدفن الموتى فكانوا يطرحون «8» على الطريق، ثم وقع الطاعون في أصحاب محمد بن أبى الساج فمات لمحمد مائتا ولد

وغلام، ثم مات محمد بن أبى السّاج المذكور بمدينة أذربيجان، وكان يلقّب بالأفشين، فاجتمع غلمانه وأمّروا عليهم ابنه ديوداد فاعتزلهم أخوه يوسف بن أبى الساج وهو مخالف لهم. وفيها حجّ بالناس هارون «1» بن محمد بن العباس بن إبراهيم ابن عيسى بن أبى جعفر المنصور. وفيها كانت زلزلة. قال أبو الفرج بن الجوزىّ: [ورد «2» الخبر بأنه مات تحت الهدم في يوم واحد أكثر من ثلاثين ألف إنسان ودام عليهم هذا أيّاما فبلغ من هلك خمسين ومائة ألف] وقيل: كان ذلك فى العام الماضى. وفيها قدم المعتضد العراق ومعه وصيف خادم محمد بن أبى السّاج، وكان قد عصى عليه بالثغور، فأسره وأدخل على جمل، ثم توفّى بالسجن بعد أيام فصلبت جئته على الجسر. وفيها ظهر أبو عبد «3» الله الشّيعىّ بالمغرب ونزل بكتامة «4» ودعاهم إلى المهدىّ عبيد الله- أعنى بعبيد الله جدّ الخلفاء الفاطميّة- وفيها توفى ثابت بن قرّة العلامة أبو الحسن المهندس صاحب التصانيف في الفلسفة والهندسة والطبّ وغيره، كان فاضلا بارعا في علوم كثيرة، ومولده في سنة إحدى وعشرين «5» ومائتين.

ما وقع من الحوادث سنة 289

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى إسحاق بن إسماعيل الرّملى «1» بأصبهان، وبشر بن موسى الأسدىّ، وجعفر بن محمد بن سوّار الحافظ، وأبو القاسم عثمان بن سعيد بن بشّار «2» الأنماطىّ شيخ ابن سريج «3» ، ومعاذ بن المثنّى العنبرىّ، وخلق سواهم. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع سواء، مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وأربع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 289] السنة السادسة من ولاية هارون على مصر، وهى سنة تسع وثمانين ومائتين- فيها فاض البحر على الساحل فأخرب البلاد والحصون [التى عليه «4» ] . وفيها في [شهر] ربيع الآخر اعتلّ الخليفة المعتضد بالله علّة صعبة وهى العلة التى مات بها؛ فقال عبد الله بن المعتزّ في ذلك: طار قلبى بجناح الوجيب «5» ... جزعا من حادثات الخطوب وحذارا أن يشاك بسوء ... أسد الملك وسيف الحروب

ثم انتكس ومات في الشهر، وتحلّف بعده ولده المكتفى بالله أبو محمد علىّ. وليس في الخلفاء من اسمه على غير علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه وهذا. وفيها فى شهر رجب زلزلت بغداد زلزلة عظيمة دامت أيّاما. وفيها هبّت ريح عظيمة بالبصرة قلعت عامّة نخلها ولم يسمع بمثل ذلك. وفيها انتشرت «1» القرامطة بسواد الكوفة، وكان رئيسهم يقال له ابن أبى الفوارس، فظفر به عسكر المعتضد- أعنى قبل موت المعتضد- فحمل هو وجماعة معه الى بغداد فعذّبوا بأنواع العذاب ثم صلوا وأحرقوا؛ وأمّا كبيرهم ابن أبى الفوارس المذكور فقلعت أضراسه ثم شدّ «2» فى إحدى يديه بكرة وفي الأخرى صخرة، ورفعت البكرة ثم لم يزل على حاله الى وقت «3» الظّهر؛ ثم قطعت يداه ورجلاه وضربت عنقه. وفيها حجّ بالناس الفضل بن عبد الملك ابن عبد الله العباسىّ. وفيها توفّى الخليفة أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو العباس أحمد ابن الأمير ولىّ العهد أبى أحمد طلحة الموفّق ابن الخليفة المتوكّل على الله جعفر ابن الخليفة المعتصم بالله محمد ابن الخليفة الرشيد بالله هارون ابن الخليفة المهدىّ محمد ابن الخليفة أبى جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن العباس الهاشمىّ العباسىّ البغدادىّ، ومولده في سنة اثنتين وأربعين ومائتين في ذى القعدة في أيام جدّه المتوكّل؛ واستخلف بعده عمّه المعتمد أحمد في شهر رجب سنة تسع وسبعين ومائتين. قال ابراهيم [بن «4» محمد] بن عرفة: وتوفّى المعتضد في يوم الاثنين لثمان بقين من [شهر] ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين ودفن في حجرة «5» الرخام وصلّى عليه

يوسف بن يعقوب القاضى، وكانت خلافته تسع سنين وتسعة أشهر ونصفا. قلت: وبويع بالخلافة بعده ولده علىّ بعهد منه، ولقّب بالمكتفى. وكان المعتضد شجاعا مهيبا أسمر نحيفا معتدل الخلق ظاهر الجبروت وافر العقل شديد الوطأة، من أفراد خلفاء «1» بنى العباس وشجعانهم، كان يتقدّم على الأسد وحده. وقال المسعودىّ: كان «2» المعتضد قليل الرحمة، قيل: إنه كان إذا غضب على قائد أمر أن تحفر له حفيرة ويلقى فيها وتطمّ عليه، قال: شكّوا في موت المعتضد فتقدّم الطبيب فجسّ نبضه «3» ففتح عبنه ورفس الطبيب برجله فدحاه أذرعا فمات الطبيب، ثم مات المعتضد أيضا من ساعته. هكذا نقل المسعودىّ. ورثاه الأمير عبد الله بن المعتزّ العبّاسىّ فقال: يا ساكن «4» القبر في غبراء مظلمة ... بالطاهريّة «5» مقصى الدار منفردا أين الجيوش التى قد كنت تسحبها ... أين الكنوز التى لم تحصها «6» عددا أين السرير الذي قد كنت تملؤه ... مهابة من رأته عينه ارتعدا

أين الأعادى الألى ذلّلت مصعبهم ... أين الليوث التى صيّرتها بعدا «1» أين الجياد التى حجّتها بدم ... وكنّ يحملن منك الضّيغم الأسدا أين الرماح التى غذّيتها مهجا ... مذمت ما وردت قلبا ولا كبدا أين الجنان التى تجرى جداولها ... وتستجيب اليها الطائر الغردا أين الوصائف كالغزلان رائحة ... يسحبن من حلل موشيّة جددا أين الملاهى وأين الراح تحسبها ... ياقوتة كسيت من فضّة زردا أين الوثوب إلى الأعداء مبتغيا ... صلاح ملك بنى العبّاس إذ فسدا ما زلت تقسر منهم كلّ قسورة ... وتخيط «2» العالى الجبّار معتمدا ثم انقضيت فلا عين ولا أثر ... حتى كأنك يوما لم تكن أحدا وفيها خرج يحيى بن زكرويه بن مهرويه داعية قرمط وجمع جموعا كثيرة من الأعراب، وكانت بينه وبين طغج بن جفّ تائب هارون بن خمارويه على الشام وقعات عديدة، تقدّم ذكر ذلك كله في أوّل ترجمة هارون المذكور. وفيها صلّى المكتفى بالناس يوم عيد النحر وكان بين يديه ألوية الملوك، وترجّل الملوك والأمراء بين يديه ما خلا وزيره القاسم بن عبيد الله فإنه ركب وسايره دون الناس؛ ولم ير قبل ذلك خليفة يسايره وزير غيره. قلت: وهذا أوّل وهن وقع في حقّ الخلفاء. وأنا أقول: إنّ المعتضد هو آخر خليفة عقد ناموس الخلافة، ثم من بعده أخذ أمر الخلفاء في إدبار إلى يومنا هذا. وفيها

توفّى بدر «1» المعتضدىّ، كان يخدم المعتضد والموفّق وأباه المتوكّل، وأصله من غلمان المتوكّل فرفعته السعادة. قال يحيى بن علىّ النّديم: كنت واقفا على رأس المعتضد وهو مقطّب فدخل بدر فأسفر وجهه لمّا رآه وضحك، ثم قال لى: يا يحيى، من القائل: فى وجهه شافع يمحو إساءته ... من القلوب وجيه حيثما شفعا فقلت: الحكم «2» بن قنبر المازنىّ؛ فقال: أنشدنى تمامه، فأنشدته: ويلى على من أطار النوم فامتنعا» ... وزاد قلبى على أوجاعه وجعا كأنما الشمس من أعطافه لمعت ... حسنا أو البدر من أزراره طلعا «4» مستقبل بالذى يهوى وإن كثرت ... منه الذنوب ومعذور بما صنعا فى وجهه شافع يمحو إساءته ... من القلوب وجيه حيثما شفعا وكان بدر هذا شجاعا ممدّحا جوادا.

ما وقع من الحوادث سنة 290

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع سواء، مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وستّ عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 290] السنة السابعة من ولاية هارون على مصر، وهى سنة تسعين ومائتين- فيها فى المحترم قصد يحيى بن زكرويه القرمطىّ الرّقّة في جمع كثير؛ فخرج إليه أصحاب السلطان فقتل منهم جماعة وانهزم الباقون؛ فبعث طغج بن جفّ أمير دمشق من قبل هارون بن خمارويه صاحب الترجمة جيشا مع خادمه بشير إلى القرمطىّ، فواقعهم الفرمطىّ وقتل بشيرا وهزم الجيش. وفيها أيضا خلع الخليفة المكتفى على أبى الأغرّ وبعثه في عشرة آلاف لقتال القرمطىّ. وفيها حصر القرمطىّ دمشق وفيها أميرها طغج بن جفّ فعجز طغج عن مقاومته بعد أن واقعه غير مرّة؛ وقتل يحيى بن زكرويه كبير القرامطة؛ فأقاموا عليهم أخاه الحسين بن زكرويه؛ وبلغ المكتفى [ذلك] فاستحثّ العساكر المندوبة لقتال القرامطة بالخروج لقتالهم، فتوجه إليهم أبو الأغرّ وواقع القرامطة فانهزم أبو الأغرّ، وقتل غالب أصحابه؛ وتبعه القرمطىّ إلى حلب، فقاتله أهل حلب. وفيها توفّى عبد الله ابن الإمام أحمد بن محمد بن حنبل أبو عبد الرّحمن الشّيبانىّ، مولده سنة ثلاث عشرة ومائتين، ولم يكن فى الدنيا أحد أروى عن أبيه منه، وسمع منه المسند وهو ثلاثون ألف حديث، والتفسير مائة وعشرين ألفا، والناسخ والمنسوخ [والمقدّم «1» والمؤخر في كتاب الله] ، وجوابات القرآن، والمناسك الكبير والصغير، وكان عالما بفنون [كثيرة] ؛ وكان أبوه يقول: لقد وعى عبد الله علما كثيرا. وفيها توفّى عبد الله بن أحمد بن أفلح بن عبد الله بن محمد بن عبد الرّحمن بن أبى بكر الصدّيق أبو الصدّيق محمد القاضى البكرىّ، كان

ما وقع من الحوادث سنة 291

إماما عالما بارعا. وفيها توفّى محمد بن عبد الله الشيخ أبو بكر الدّقاق، كان من كبار مشايخ القوم وكان صاحب أقوال «1» وكرامات. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفى أحمد بن على الأبّار، والحسن بن سهل المجوّز «2» ، والحسين بن إسحاق التّسترىّ، وعبد الله بن أحمد بن محمد ابن حنبل، ومحمد بن زكريا الغلابىّ الإخبارى، ومحمد بن العباس المؤدّب، ومحمد ابن يحيى بن المنذر القزّاز «3» أحد شيوخ الطّبرانى. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وثلاث وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة ثلاث عشرة ذراعا وأربع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 291] السنة الثامنة من ولاية هارون على مصر، وهى سنة إحدى وتسعين ومائتين- فيها قتل الحسين بن زكرويه القرمطىّ المعروف بصاحب الشامة. وفيها زوّج المكتفى ولده أبا أحمد «4» بابنة وزيره القاسم بن عبيد الله؛ وخطب أبو عمر «5» القاضى، وخلع على القاسم أربعمائة خلعة، وكان الصّداق مائة ألف دينار. وفيها خرجت الترك إلى بلاد المسلمين في جيوش عظيمة، يقال: كان معهم سبعمائة خركاة «6» تركيّة

ولا تكون الخركاه إلا لأمير، فنادى إسماعيل بن أحمد في خراسان وسجستان وطبرستان بالنّفير وجهّز جيوشه فوافوا الترك على غرّة سحرا فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وانهزم من بقى، وغنم المسلمون وسلموا وعادوا منصورين. وفيها بعث صاحب الروم جيشا مبلغه مائة ألف فوصلوا الى الحدث «1» فنهبوا وسبوا وأحرقوا. وفيها غزا غلام زرافة «2» من طرسوس الى الروم فوصل الى أنطاكية «3» وهى تعادل قسطنطينية، فنازلها الى أن افتتحها عنوة وقتل نحوا من خمسة آلاف وأسر أضعافهم واستنقذ من الأسر أربعة آلاف مسلم، وغنم من الأموال ما لا يحصى بحيث إنه أصاب سهم الفارس ألف دينار. وفيها خلع المكتفى على محمد بن سليمان الكاتب وعلى محمد بن إسحاق ابن كنداج وعلى أبى الأغرّ «4» وعلى جماعة من القوّاد، وأمرهم بالسمع والطاعة لمحمد ابن سليمان المذكور، وندب الجميع بالمسير الى دمشق لقبض ما كان بيد هارون بن خمارويه صاحب الترجمة من الأعمال، لأنه كانت الوحشة قد وقعت بينهما. وفيها حجّ بالناس الفضل بن عبد الملك الهاشمىّ العباسىّ. وفيها توفّى إبراهيم بن أحمد ابن اسماعيل «5» ، الشيخ أبو إسحاق الخوّاص البغدادىّ، كان أوحد أهل «6» زمانه في التوكّل، صحب أبا عبد الله المغربىّ، وكان من أقران الجنيد، وله في الرياضات والسياحات

مقامات. وفيها توفّى أحمد بن يحيى بن زيد بن سيّار «1» أبو العبّاس الشّيبانى مولاهم ثعلب «2» النحوىّ إمام أهل الكوفة، مولده في سنة مائتين. وفيها توفّى الوزير القاسم بن عبيد الله وزير المعتضد والمكتفى، كان «3» شابّا غرّا قليل الخبرة بالأمور مستهتكا للمحارم؛ وإنما استوزره المكتفى لأنه أخذ له البيعة وحفظ عليه الأموال. وفيها توفّى هارون بن موسى بن شريك أبو عبد الله الثّعلبىّ الأخفش الشامى النحوىّ اللغوىّ، ولد سنة مائتين، سمع هشام بن عمّار وطبقته، وكان إماما فى فنون كثيرة بارعا مفنّنا؛ ولما مات جلس مكانه محمد بن نصير بن أبى حمزة. وهذا هو الأخفش الشامىّ. وأما الأخفش البصرىّ فآسمه سعيد بن مسعدة. قلت: وثمّ أخفش «4» ثالث وفاته سنة خمس عشرة وثلثمائة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو العبّاس ثعلب، واسمه أحمد بن يحيى، فى جمادى الأولى وله إحدى وتسعون سنة. وهارون بن موسى ابن شريك الأخفش المقرئ. وعبد الرّحمن بن محمد بن مسلم «5» الرّازى. ومحمد بن أحمد ابن النّضر ابن بنت معاوية. ومحمد بن إبراهيم البوشنجىّ الفقيه. ومحمد بن على الصائغ «6» المكىّ.

ذكر ولاية شيبان بن أحمد بن طولون على مصر

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وإحدى وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وإصبع واحدة ونصف إصبع. ذكر ولاية شيبان بن أحمد بن طولون على مصر هو شيبان بن أحمد بن طولون الأمير أبو المقانب «1» التركىّ المصرى، ولى إمرة مصر بعد قتل ابن أخيه هارون بن خمارويه لإحدى عشرة بقيت من صفر سنة اثنتين وتسعين ومائتين. قال صاحب البغية: ولما تم أمره أقرّ شيبان المذكور موسى على شرطة مضرة وخرج من الفسطاط ليلة الخميس لليلة خلت من [شهر] ربيع الأوّل سنة اثنتين وتسعين ومائتين، فكانت ولايته اثنى عشر يوما. انتهى. قلت: ونذكر أمر شيبان هذا بأوسع مما ذكره صاحب البغية فنقول: ولما قتل هارون بن خمارويه ورجع الناس إلى مصر وهم بغير أمير، نهض شيبان هذا ودعا لنفسه وضمن للناس حسن القيام بأمر الدولة والإحسان إليهم، فبايعه الناس وهو لا يدرى بأن الدولة الطّولونية قد انتهى أمرها. وما أحسن قول من قال في هذا المعنى: أصبحت تطلب أمرا عزّ مطلبه ... هيهات! صدع زجاج ليس ينجبر وقام شيبان بالأمر ودخل المدينة وطاف بها حتى وصل إلى الموضع المعروف بمسجد الرّمح، فصدم الرمح الذي فيه لواؤه سقف الدّرب فانكسر، فتطيّر الناس من ذلك وقالوا: أمر لا يتمّ. وقيل: إن شيبان المذكور كان أسز في نفسه قتل ابن أخيه هارون المقدّم ذكره، فتهيّأ لذلك وواطأ عليه بعض خاصّة هارون، فكان شيبان ينتظر الفرصة؛ وبينما شيبان على ذلك إذ صار إليه بعض الخدم الذين واطأهم على أمر هارون، وبايعوه على قتله وأعلموه أن هارون قد غطّ في نومه من شدّة السّكر،

وأنه لم ير في مثل حالته تلك قطّ من شدّة السكر الذي به، وقالوا له: إن أردت شيئا فقد أمكنك ما تريد؛ فقام شيبان ودخل من وقته على ابن أخيه هارون بن خمارويه، فوافاه في مرقده غاطّا مثقلا من سكره، فذبحه «1» بسكّين كان معه في مرقده بالعبّاسة، وكان ذلك في ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من صفر سنة اثنتين وتسعين ومائتين؛ وعرف الناس بقتله في غد ليلته، واستولى شيبان على الملك كما ذكرناه؛ وبويع في يوم الاثنين لعشر ليال بقين من صفر من السنة المذكورة؛ وعلم أبو جعفر بن أبى ونجيح الرومىّ القائد ما كان من أمر هارون وقتله، فرحلا من موضعهما من العبّاسة مع نفر من خاصّة أصحابهما وتركا بقيّة عسكرهما، ولحقا بعسكر طغج بن جفّ الذي كان نائب دمشق؛ وقد وصل محمد بن سليمان الكاتب وقائق ويمن وغيرهم من موالى خمارويه وأخبروهم بذلك، ثم جاءهم الخبر بأن الحسين بن حمدان قد دخل الفرما «2» يريد جرجير «3» وكانوا بها فرحلوا بعساكرهم حتى نزلوا العبّاسة، وذلك بعد رحيل شيبان بن أحمد بن طولون المذكور عنها إلى مدينة مصر. وأما شيبان فإنه لما دخل مصر مع جميع إخوته وبنى عمّه والعسكر الذي كان بقى من عسكر ابن أخيه هارون تهيّأ لقتال القوم، وكان شيبان أهوج جسورا جسيما جلدا شديد البدن في عنفوان شبابه، فصار يسرع في أموره وذلك بعد أن تمّ أمره،

وخطب له يوم الجمعة على سائر منابر مصر، ثم أخذ في العطاء «1» للجند، فلم يجد من المال سعة فقلق، فسعى إليه ساع بأن أمّ هارون المقتول أودعت ودائع لها في بعض الدّور التى للتّجار بمدينة الفسطاط- أعنى مصر- فوجّه شيبان بأبى جيشون أحد إخوته إلى هذه الدّور حتى استخرج منها خبايا كانت لأمّ هارون، وحمل ذلك إلى أخيه شيبان فى أعدال محزومة لا يدرى ما فيها؛ وانتهى الخبر إلى الحسين بن حمدان بأن هارون صاحب مصر قد قتل، وكان على مقدّمة عسكر محمد بن سليمان الكاتب وهو بجرجير، فرحل عنها يريد العبّاسة، فلقيه في طريقه محمد بن أبىّ مع جميع الرؤساء الذين كانوا معه، فصار الحسين في عسكر كبير؛ وبلغ ذلك أيضا محمد بن سليمان الكاتب فحثّ فى مسيره حتى لحق بمقدّمة الحسين بن حمدان المذكور، وقد انضاف إليه غالب عسكر مصر الذي وصل مع أبى جعفر بن أبّى وغيره؛ وعند ما اجتمع الجميع وصل إليهم أيضا دميانة البحرىّ في ثمانية عشر مركبا حربيّا مشحونة «2» بالرجال والسّلاح وذلك فى يوم الثلاثاء ثامن عشرين صفر، فضرب جسر مصر الشرقىّ بالنار وأحرقه عن آخره وأحرق بعض الجسر الغربىّ، ثم وافى محمد بن سليمان الكاتب بعسكره حتى نزل بباب مصر، فضرب خيامه بها في يوم الأربعاء. تاسع عشرين صفر، كل ذلك في سنة

اثنتين وتسعين ومائتين. ولما بلغ ذلك شيبان خرج بعساكره من مدينة مصر، وقد اجتمع معه من الفرسان والرّجّالة عدّة كثيرة، ووقف بهم لممانعة محمد بن سليمان من دخول المدينة، وعبّأ أيضا محمد بن سليمان عسكره للمصافّ لمحاربة شيبان، والتقى الجمعان وكانت بينهم مناوشة ساعة؛ ثم كتب محمد بن سليمان إلى شيبان والحرب قائمة يؤمّنه على نفسه وجميع أهله وماله وولده وإخوته وبنى عمّه جميعا؛ ونظر شيبان عند وصول الكتاب «1» إليه قلّة من معه من الرجال وكثرة جيوش محمد بن سليمان مع ما ظنّ من وفاء محمد بن سليمان له، فاستأمن إلى محمد بن سليمان وجمع إخوته وبنى عمّه في الليل وتوجّهوا الى محمد بن سليمان وصاروا في قبضته ومصافّ شيبان على حاله، لكن الفرسان علموا بما فعل شيبان فكفّوا عن القتال، وبقيت الرجّالة على مصافّها ولم تعلم بما أحدثه شيبان، وأصبحت الرجّالة غداة يوم الخميس وليس معهم حام ولا رئيس، فالتقوا مع عسكر محمد بن سليمان فانكسروا، وانكبت خيل محمد بن سليمان على الرجّالة فأزالتهم عن مواقفهم، ثم انحرفت الفرسان الى قطائع السودان الطولونيّة وصاروا يأخذون من قدروا عليه منهم فيصيرون بهم الى محمد بن سليمان، وهو راكب على فرسه في مصافّه، فيأمر بذبحهم فيذبحون بين يديه كما تذبح الشاة. ثم دخل محمد بن سليمان بعساكره الى مدينة مصر من غير أن يمنعه عنها مانع، وكان ذلك في يوم الخميس سلخ صفر المذكور، فطاف محمد بن سليمان وهو راكب بمدينة مصر ومعه محمد بن أبّى وجماعة من جند المصريّين من الفرسان والرجّالة إلّا من هرب منهم، وصار كلّ من أخذ من المصريين ممّن هرب أو قاتل ضربت عنقه؛ وأحرقت القطائع التى كانت حول الميدان من مساكن السودان بعد أن قتل فيها

منهم خلق كثير، حتى صارت خرابا يبابا «1» ، وزالت دولة بنى طولون كأنّها لم تكن. وكانت مدّة تغلّب شيبان هذا على مصر تسعة أيّام، منها أربعة أيّام كان فيها أمره ونهيه؛ ثم دخلت الأعراب الخراسانيّة من عساكر محمد بن سليمان الكاتب الى مدينة مصر فكسروا جيوشها وأخرجوا من كان بها، ثم هجموا [على] دور الناس فنهبوها وأخذوا أموالهم واستباحوا حريمهم وفتكوا في الرعيّة وافتضّوا الأبكار وأسروا المماليك والأحرار من النساء والرجال، وفعلوا في مصر ما لا يحلّه الله من ارتكاب المآثم، ثم تعدّوا الى أرباب الدولة «2» وأخرجوهم من دورهم وسكنوها كرها، وهرب غالب أهل مصر منها، وفعلوا في المصرييّن مالا يفعلونه في الكفرة؛ وأقاموا على ذلك أيّاما كثيرة مصرّين على هذه الأفعال القبيحة. ثم ضربت خيام محمد بن سليمان على حافة النيل بالموضع المعروف بالمقس «3» ، ونزلت عساكره معه ومن انضم اليه من عساكر المصريّين بالعبّاسة. ثم أمر محمد بن سليمان أن تحمل الأسارى من المصريّين من الذين كان دميانة أسرهم في قدومه من دمياط على الجمال، فحملوا عليها وعليهم القلانس الطوال وشهرّهم وطيف بهم في عسكره من أوّله الى آخره. ثم قلّد محمد بن سليمان أصحابه الأعمال بمصر، فكان الذي قلّده شرطة العسكر رجلا يقال له غليوس، وقلّد شرطة المدينة رجلا يقال له وصيف البكتمرىّ «4» ، وقلّد أبا عبد الله محمد بن عبدة قضاء مصر، كلّ ذلك في يوم الخميس لسبع خلون من شهر ربيع

الأول؛ ثم قبض أيضا على جماعة من أهل مصر من الكتّاب وغيرهم، فصادرهم وغرّمهم الأموال الجليلة بعد العذاب والتهديد والوعيد؛ ثم أمسك محمد بن أبّى خليفة هارون بن خمارويه على مصر- أعنى الذي كان توجّه إليه من العبّاسة- وصادره وأخذ منه خمسمائة ألف دينار من غير تجشيم. ومحمد بن أبّى هذا هو الذي قدّمنا ذكره في ترجمة جيش بن خمارويه وما وقع له مع برمش. وكان محمد بن سليمان هذا لا يسمّى باسمه «1» ولا بكنيته وما كان يدعى إلا بالأستاذ؛ وكان حكمه فى أهل مصر بضرب أعناقهم وبقطع أيديهم وأرجلهم جورا وتمزيق ظهورهم بالسياط وصلبهم على جذوع النخل ونحو ذلك من أصناف النّكال؛ ولا زال على ذلك حتى رحل عن مدينة مصر في يوم الخميس مستهلّ شهر رجب من سنة اثنتين وتسعين ومائتين، واستصحب معه الأمير شيبان «2» بن أحمد بن طولون صاحب الترجمة وبنى عمّه وأولادهم وأعوانهم، حتى إنّه لم يدع من آل طولون أحدا، والجميع في الحديد الى العراق وهم عشرون إنسانا؛ ثم أخرج قوّادهم الى بغداد على أقبح وجه، فلم يبق بمصر منهم أحد يذكر؛ وخلت منهم الديار وعفت منهم الآثار، وحل بهم الذلّ بعد العزّ والتطريد والتشريد بعد اللّذ «3» ، ثم سيق جماعة من أصحاب شيبان الىّ محمد بن سليمان ممّن كان أمّنهم فذبحوا بين يديه. وزالت الدولة الطولونية وكانت من غرر الدول، وأيامهم من محاسن الأيام، وخرّب الميدان والقصور التى كانت به، التى مدحتها الشعراء. قال القاضى أبو عمرو عثمان النابلسىّ في كتاب

" حسن السيرة في اتخاذ الحصن بالجزيرة": رأيت كتابا قدر اثنتى عشرة كرّاسة مضمونه فهرست شعراء الميدان الذي كان لأحمد بن طولون؛ قال: فاذا كان اسم الشعراء في اثنتى عشرة كرّاسة فكم «1» يكون شعرهم!. انتهى. وقال ابن دحية في كتابه: وخرّبت القطائع التى لأحمد بن طولون في الشدّة العظمى زمن الخليفة المستنصر العبيدىّ أيّام القحط والغلاء المفرط الذي كان بالديار المصريّة؛ قال: وهلك من كان فيها من السكان، وكانت نيّفا على مائة ألف دار. قلت: هذا الذي ذكره ابن دحية هو الذي بقى بعد إتلاف محمد بن سليمان المذكور. ومما قيل في ميدان أحمد بن طولون وفي قصوره من الشعر من المراثى على سبيل الاقتصار؛ فمما قاله إسماعيل بن أبى هاشم: قف وقفة بفناء باب السّاج «2» ... والقصر ذى الشّرفات «3» والأبراج وربوع قوم أزعجوا عن دارهم ... بعد الإقامة. أيّما إزعاج كانوا مصابيحا لدى ظلم الدجى ... يسرى بها السارون في الإدلاج ومنها: كانوا ليسوثا لا يرام حماهم ... فى كلّ ملحمة وكلّ هياج فانظر الى آثارهم تلقى لهم ... علما بكلّ ثنيّة «4» وفجاج «5»

وقال سعيد القاصّ «1» : جرى دمعه ما بين سحر «2» الى نحر ... ولم يجر حتّى أسلمته يد الصبر ومنها: وهل يستطيع الصبر من كان ذا أسى ... يبيت على جمر ويضحى على جمر تتابع أحداث تحيّفن «3» صبره ... وغدر من الأيّام والدهر ذو غدر أصاب على رغم الأنوف وجدعها ... ذوى الدّين والدّنيا بقاصمة الظهر طوى زينة الدنيا ومصباح أهلها ... بفقد بنى طولون والأنجم الزّهر ومنها: وكان أبو العبّاس أحمد ماجدا ... جميل المحيّا لا يبيت على وتر كأنّ ليالى الدّهر كانت لحسنها ... وإشراقها في عصره ليلة القدر يدلّ على فضل ابن طولون همّة ... محلّقة بين السّماكين والغفر «4» فإن كنت تبغى شاهدا ذا عدالة ... يخبّر عنه بالجلىّ من الأمر فبالجبل الغربىّ خطّة يشكر «5» ... له مسجد يغنى عن المنطق الهذر وهى طويلة جدّا كلّها على هذا المنوال. ولما أمر الحسين بن أحمد الماذرائىّ متولّى خراج مصر من قبل المكتفى بهدم الميدان ابتدأ «6» بهدمه في أوّل شهر رمضان

من سنة ثلاث وتسعين ومائتين وبيعت أنقاضه، حتّى دثروزال مكانه كأنّه لم يكن. فقال فيه محمد بن طشويه «1» : من لم ير الهدم للميدان لم يره ... تبارك الله ما أعلاه «2» واقدره لو أنّ عين الذي أنشاه تبصره ... والحادثات تعاديه لأكبره ومنها: وأين من كان يحميه ويحرسه ... من كلّ ليث يهاب الليث منظره صاح الزمان بمن فيه ففرّقهم ... وحطّ ريب البلى فيه فدعثره «3» ومنها: أين ابن طولون بانيه وساكنه ... أماته الملك الأعلى فأقبره ما أوضح الأمر لو صحّت لنا فكر ... طوبى لمن خصّه رشد فذكره وقال أحمد «4» بن إسحاق: وكانّ الميدان ثكلى أصيبت ... بحبيب صباح ليلة عرس يتغشّى الرياح منه محلّا «5» ... كان للصون في ستور الدّمقس ومنها: ووجوه من الوجوه حسان ... وخدود مثل اللآلئ «6» ملس

كلّ كحلاء كالغزال ونجلا ... ء «1» رداح من بين «2» حور ولعس «3» آل طولون كنتم زينة الأر ... ض فأضحى الجديد «4» اهدام «5» لبس وقال ابن أبى هاشم: يا منزلا لبنى طولون قد دثرا ... سقاك صوب الغوادى القطر والمطرا يا منزلا صرت أجفوه وأهجره ... وكان يعدل عندى السمع والبصرا بالله عندك علم من أحبّتنا ... أم هل سمعت لهم من بعدنا خبرا

ذكر أول من ولى مصر بعد بنى طولون وخراب القطائع إلى الدولة الفاطمية العبيدية وبناء القاهرة على الترتيب المقدم ذكره

ذكر أوّل من ولى مصر بعد بنى طولون وخراب القطائع إلى الدولة الفاطمية العبيديّة وبناء القاهرة على الترتيب المقدّم ذكره فأوّل من حكمها محمد بن سليمان الكاتب المقدّم ذكره، أرسله الخليفة المكتفى بالله علىّ العباسىّ حسبما ذكرناه في غير موضع، وملك محمد بن سليمان الديار المصريّة، بعد قتل «1» شيبان بن أحمد بن طولون، فى يوم الخميس مستهلّ شهر ربيع الأوّل سنة اثنتين وتسعين ومائتين، ودعا على منابر مصر للخليفة المكتفى بالله وحده؛ وولّى محمد ابن سليمان أبا علىّ الحسين بن أحمد الماذرائىّ على الخراج عوضا عن أحمد بن علىّ الماذرائىّ. فلم تطل مدّة محمد بن سليمان بمصر حتى قدم عليه كتاب الخليفة المكتفى بالله بولاية عيسى بن محمد النّوشرىّ؛ ودخل خليفة عيسى المذكور إلى مصر لأربع عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى، فتسلّم من محمد بن سليمان المذكور الشّرطتين وسائر الأعمال؛ فكان مقام محمد بن سليمان المذكور الكاتب بمصر أربعة أشهر. وفي ولايته أقوال كثيرة: فمن الناس من لا يعدّه «2» من الأمراء بمصر بل ذكر دخوله لفتح مصر وأنّه كان مقدّم العساكر لا غير؛ وقائلو هذه المقالة هم الأكثر، ووافقتهم أنا أيضا على ذلك، لأن المكتفى لما خلع عليه أمره بالتوجّه لقتال مصر وأمر أصحابه بالسمع والطاعة ولم يولّه عملها؛ وعند ما بلغ الخليفة المكتفى فتح مصر ولّى عليها في الحال عيسى النّوشرىّ؛ ولهذا لم نفتتح ترجمته بافتتاح تراجم ملوك مصر على عادة ترتيب هذا الكتاب؛ ومن الناس من عدّه من جملة أمراء مصر بواسطة تحكّمه وتصرّفه في الديار المصرية.

ذكر ولاية عيسى النوشرى على مصر

ذكر ولاية عيسى النّوشرىّ على مصر هو عيسى بن محمد الأمير أبو موسى النوشرىّ، ولّاه الخليفة المكتفى من بغداد على مصر، فأرسل عيسى خليفته على مصر فاستولى عليها إلى حين قدمها لسبع خلون من جمادى الآخرة من سنة اثنتين وتسعين ومائتين. وكان محمد بن سليمان لما وصل الى مصر بالعساكر كان الأمير عيسى النوشرىّ المذكور من جملة القوّاد الذين قدموا معه، فلما افتتح محمد بن سليمان مصر أرسل عيسى هذا الى الخليفة رسولا يخبره بفتح مصر، لأنه كان من كبار القوّاد الشاخصين معه الى مصر، وتوجّه عيسى الى نحو العراق؛ فلما وصل الى دمشق وافاه كتاب الخليفة المكتفى بها بولايته على إمرة مصر، فعاد من وقته إلى أن دخل مصر في التاريخ المقدّم ذكره؛ فخلع عليه محمد ابن سليمان الكاتب وطاف به مدينة مصر وعليه الخلعة، واستمرّ على عمل معونة مصر وجندها؛ ثم ورد عليه أيضا كتاب الخليفة إلى جماعة من القوّاد ممن كان في عسكر محمد بن سليمان: منهم علىّ بن حسّان «1» بتقليده أعمال الإسكندريّة، والى مهاجر بن طليق بتقليده ثغر تنّيس «2» ودمياط، وإلى رجل يعرف بالكندىّ بتقليده الأحواف، وإلى رجل يقال له موسى بن أحمد بتقليده برقة وما والاها، وإلى رجل يعرف بمحمد بن ربيعة بتقليده الصعيد وأسوان، وإلى رجل يعرف بأبى زنبور الحسين ابن أحمد الماذرائىّ بتقليده أعمال الخراج بمصر، وجلس في ديوان الخراج لخمس بقين من جمادى الآخرة؛ ثم إلى دميانة البحرىّ» بالانصراف عن مصر، فانصرف دميانة عنها لثمان بقين من جمادى الآخرة. ونزل عيسى النوشرىّ

المذكور في الدار التى كانت سكنى بدر الحمّامىّ بمصر، وكانت بالموقف بسوق الطير، وهى الدار التى كان نزل بها محمد بن سليمان الكاتب لما افتتح مصر. وكان خروج محمد بن سليمان من مصر في مستهلّ شهر رجب من السنة، وأخرج معه كلّ من بقى من الطّولونيّة بمصر، كما ذكرناه في ترجمة شيبان بن أحمد ابن طولون، واستصحب «1» معه أيضا جماعة بعد رحيله عنها، فخرج الجميع إلى الشام، وهم: أبو جعفر محمد بن أبىّ وابنه الحسن وطغج بن حفّ الذي كان نائب دمشق وولده وأخوه وبدر وفائق الرومىّ الخازن «2» وصافى الرومىّ وغيرهم من موالى أحمد وخمارويه، وخرج الجميع موكّلا بهم، وأخرج معهم أيضا جماعة كثيرة ممن هم أقلّ رتبة ممّن ذكر، غير أنّهم أيضا من أعيان الدولة وأكابر القوّاد، وهم: محمد ابن علىّ بن أحمد الماذرائىّ وزير هارون بن خمارويه وأبو زرعة «3» القاضى وأبو عبد الله محمد «4» بن زرعة القاضى وخلق كثير من آل طولون وغيرهم من الجند، وضمّهم إلى عسكره وقت خروجه من مصر؛ فتخلّف عنه جماعة بدمشق وغيرها وسار معه بعضهم إلى حلب في الحديد، وهم: موسى بن طرنيق «5» وأحمد بن أعجر- وكانا على شرطتى مصر كما «6» تقدّم ذكره- وابن با يخشى «7» الفرغانىّ- وكان عاملا على سيادة أسفل الأرض- ووصيف القاطرميز «8» وخصيف «9» البربرىّ مولى أحمد بن طولون:

فلما استقرّ قرار محمد بن سليمان بحلب وافاه رسول الخليفة بأن يسلّم ما كان معه من الأموال والخيل والطّرز «1» والذهب وغير ذلك مما كان حمله من مصر إلى من أمر بتسليمه إليه، فقدّر المقدّرون فيه ما حمله من الأموال مع الذي أخذه من الناس ألفى ألف دينار؛ وتفرّق من كان معه من الجند من المصريّين، فمنهم من سار إلى العراق، ومنهم من رجع يريد مصر إلى من خلّفه من أهله بها؛ فممّن رجع إلى مصر شفيع اللؤلؤيّ الخادم ورجل شابّ يقال له محمد بن على الخلنجىّ «2» من الجند من المصريّين، ومحمد هذا ممن كان في قيادة صافىّ الرّومىّ- أعنى أنه كان مضافه- فرجع محمد هذا يريد أهله وولده، فخطر له خاطر ففكّر فيما حلّ بآل طولون وإزالة ملكهم وإخراجهم عن أوطانهم، فأظهر النّصرة لهم والقيام بدولتهم وأعلن ذلك وأبداه، وذكر الذي عزم عليه لجماعة من المصريّين فبايعوه على ذلك وعضدوه على عصيانه؛ وانضمّ عليه شرذمة من المصريّين، فسار على حميّة حتّى وافى الرّملة فى شعبان من سنة اثنتين وتسعين ومائتين، فنزل محمد المذكور بمن معه بناحية باب الزيتون؛ وكان بالرملة وصيف بن صوارتكين «3» الأصغر فاستعدّ لقتاله، فقدّم وصيف جماعة مع محمد بن يزداد، ثم خرج وصيف ببقيّة جماعته فرأى محمد بن علىّ الخلنجىّ المذكور في نفر يسير من الفرسان، فزحف محمد بن علىّ الخلنجىّ بمن معه على وصيف بن صوارتكين فهزمه وقتل رجاله وهرب من بقى بين يديه. وملك محمد الرملة ودعا على منابرها في يوم الجمعة للخليفة وبعده لإبراهيم بن خمارويه

ثم بعدهما لنفسه؛ وتسامع الناس به فوافوه من كلّ فجّ لما في نفوسهم من تشتّتهم عن بلادهم وأولادهم وأوطانهم، وصار الجميع من حزب محمد المذكور من غير بذل دينار ولا درهم. وبلغ عيسى النّوشرىّ صاحب الترجمة وهو بمصر ما كان من أمر محمد بن علىّ الخلنجىّ، فجّهز عسكرا إلى العريش في أسرع وقت من البحر، وساروا حتى وافوا غزّة، فتقدّم إليهم محمد بن علىّ الخلنجىّ بمن معه، فلما سمعوا به رجعوا إلى العريش، فسار محمد الخلنجىّ بمن معه خلفهم الى العريش، فانهزموا أمامه إلى الفرما ثم ساروا من الفرما إلى العبّاسة «1» ، ونزل محمد الخلنجىّ الفرما مكانهم؛ فلما سمع عيسى النوشرىّ ذلك خرج من مصر بعسكر ضخم حتى نزل العبّاسة، ومعه أبو منصور الحسين بن أحمد الماذرائىّ عامل خراج مصر وشفيع اللؤلؤيّ صاحب البريد، ورحل محمد الخلنجىّ حتى نزل جرجير؛ فلما سمع عيسى النوشرىّ قدومه الى جرجير كرّ راجعا إلى مصر ونزل على باب مدينة مصر، فأتاه الخبر بقدوم محمد ابن على الخلنجىّ المذكور، فدخل إلى المدينة ثم خرج منها ومعه أبو زنبور وعدا جسر مصر في يوم الثلاثاء رابع عشر ذى القعدة سنة اثنتين وتسعين ومائتين؛ ثم أحرق عيسى النوشرىّ جسرى «2» المدينة الشرقىّ والغربىّ جميعا حتّى لم يبق من مراكبهما مركبا واحدا- يعنى أنّ الجسر كان معقودا على المراكب- وهذه كانت عادة مصر تلك الأيّام. ونزل عيسى النوشرىّ وأقام ببرّ الجيزة، وبقيت مدينة مصر بلا وال عليها ولا حاكم فيها، وصارت مصر مأكلة للغوغاء يهجمون [على] البيوت ويأخذون الأموال من غير أن يردّهم أحد عن ذلك، فإنّ عيسى النوشرىّ ترك مصر وأقام ببرّ الجيزة خوفا من محمد المذكور؛ فقوى لذلك شوكة محمد الخلنجىّ واستفحل أمره، وسار من جرجير حتى دخل مدينة مصر في يوم سادس عشرين ذى القعدة من السنة من

غير ممانع. وكان محمد المذكور شابّا شجاعا مقداما مكبّا على شرب الخمر واللهو عاصيا ظالما، ومولده بمدينة مصر ونشأ بها؛ فلما دخلها طاف بها ودخل الجامع وصلّى فيه يوم الجمعة، ودعا له الإمام على المنبر بعد الخليفة وإبراهيم بن خمارويه، ففرح به أهل مصر إلى الغاية وقاموا معه، فمهّد أمورها وقمع المفسدين وتخلّق «1» أهل مصر بالزعفران، وخلّقوا وجه دابّته ووجوه دوابّ أصحابه فرحا به. ولم يشتغل محمد الخلنجىّ المذكور بشاغل عن بعثه في أثر عيسى النوشرىّ وجهّز عسكرا عليه رجل من أصحابه يقال له خفيف النوبىّ- وخفيف من الخفة- وأمره باقتفاء أثر عيسى النوشرىّ حيث سلك؛ فخرج خفيف المذكور وتتابع مجىء العساكر إليه في البرّ والبحر. وبلغ عيسى النوشرىّ مسير خفيف إليه فرحل من مكانه حتى وافى الإسكندريّة وخفيف من ورائه يتبعه. وأما محمد الخلنجىّ فإنّه قلّد وزارته ... بن موسى «2» النصرانىّ، وقلّد أخاه إبراهيم ابن موسى على خراج مصر، وقلّد شرطة المدينة لإبراهيم بن فيروز، وقلّد شرطة العسكر لعبد الجبّار بن أحمد بن أعجر؛ وأقبل الناس إليه من جميع البلدان حتّى بلغت عساكره زيادة على خمسين ألفا، وفرض لهم الأرزاق السنيّة، فاحتاج الى الأموال لإعطاء الرجال، وكان في البلد نحو تسعمائة ألف دينار، وكانت معبّأة فى الصناديق للحمل للخليفة، وهى عند أبى زنبور وعيسى النّوشرىّ صاحب الترجمة؛ فلما خرجا من البلد وزّعاها فلم يوجد لها أثر عند أحد بمصر، وعمد الحسين ابن أحمد الى جميع علوم دواوين الخراج فأخرجها عن الدواوين قبل خروجه من مصر لئلّا يوقف على معرفة أصول الأموال في الضياع فيطالب بها أهل الضّياع بما

عليهم من الخراج؛ وحمل معه أيضا جماعة من المتقبّلين- أعنى المدركين والكتّاب- لئلا يطالبوا بما عليهم من الأموال، منهم: وهب بن عيّاش المعروف بابن هانئ، وابن بشر المعروف بابن الماشطة وإسحاق بن نصير النصرانىّ وأبو الحسن المعروف بالكاتب، وترك مصر بلا كتّاب. فلم يلتفت محمد الخلنجىّ الى ذلك وطلب المتقبّلين وأغلظ عليهم؛ ثم وجد من الكتّاب من أوقفه على أمور الخراج وأمر الدواوين؛ ثم قلّد لأحمد بن القوصىّ ديوان الإعطاء. وتحوّل من خيمته من ساحل النيل وسكن داخل المدينة في دار بدر الحمامىّ التى كان سكنها عيسى النوشرىّ بعد خروج محمد بن سليمان الكاتب من مصر، وهى بالحمراء «1» على شاطئ النيل. وأجرى محمد الخلنجىّ أعماله على الظلم والجور وصادر أعيان البلد فلقى الناس منه شدائد، إلا أنّه كان اذا أخذ من أحد شيئا أعطاه خطّه ويعده أن يردّ له ما أخذ منه أيّام الخراج. وأما عيسى النوشرىّ صاحب الترجمة وأبو زنبور الحسين بن أحمد فإنّهما وصلا بعسكرهما قريب الإسكندرية وخفيف النوبىّ في أثرهما لا قريبا منهما؛ وكان أبو زنبور قد أرسل المتقبّلين والكتّاب الى الإسكندرية ليتحصنوا بها. وتابع محمد الخلنجىّ العساكر الى نحو خفيف النوبىّ نجدة له في البرّ والبحر؛ فكان ممن ندبه محمد الخلنجىّ محمد بن لمجور في ستّ مراكب بالسلاح والرجال، فسار حتى وافى الإسكندريّة في يوم الخميس نصف ذى الحجة، وكان بينه وبين أهل الاسكندرية مناوشة حتى دخلها وخلّص بعض أولئك المتقبّلين والكتّاب وحملهم الى مصر؛ وأخذ أيضا لعيسى النوشرىّ ولأبى زنبور ما وجده لهما بالاسكندريّة وفرّقه على عساكره؛ وأقام بعسكره مواقفا «2» عيسى النوشرىّ خارجا عن الإسكندريّة أياما، ثم انصرف

الى مصر، وانصرف عيسى النوشرىّ الى ناحية تروجة «1» ، فوافاه هناك خفيف النوبى وواقعه، فكانت بينهما وقعة هائلة انهزم فيها خفيف النوبىّ وقتل جماعة من أصحابه، ولم يزل خفيف في هزيمته الى أن وصل الى مصر بمن بقى معه من أصحابه؛ فلم يكترث محمد الخلنجىّ بذلك وأخذ في إصلاح أموره؛ وبينما هو في ذلك ورد عليه الخبر بمجيء العساكر إليه من العراق صحبة فاتك «2» وبدر الحمّامىّ وغيرهما؛ فجهّز محمد الخلنجىّ عسكرا لقتال النوشرىّ وقد توجّه النوشرىّ نحو الصعيد، ثم خرج هو فى عساكره الى أن وصل الى العريش، ثم وقع له مع عساكر العراق وجيوش النوشرىّ وقائع يطول شرحها، حتى أجدبت مصر وحصل بها الغلاء العظيم، وعدمت الأقوات من كثرة الفتن، وطال الأمر حتى ألجأ ذلك [إلى] عود محمد بن علىّ الخلنجىّ الى مصر عجزا عن مقاومة عساكر العراق وعساكر أبى الأغرّ بمنية الأصبغ بعد أن واقعهم غير مرّة وطال الأمر عليه؛ فلمّا رأى أمره في إدبار وعلم أنّ أمره يطول ثم يؤول الى انهزامه دبّر في أمره ما دام فيه قوّة فأطلع «3» عليه محمد بن لمجور المقدّم ذكره وهو أحد أصحابه وعرّفه سرّا بأشياء يعملها وأمره أن يركب بعض المراكب الحربيّة، وحمل معه ولده وما أمكنه من أمواله وواطأه على الركوب معه وأمره بانتظاره ليتوجّه صحبته في البحر الى أىّ وجه شاء هاربا؛ فشحن محمد بن لمجور مركبه بالسلاح والمال وصار ينتظر محمدا الخلنجىّ صاحب الواقعة، ومحمد الخلنجىّ يدافع عسكر عيسى النوشرىّ تارة وعسكر الخليفة مرّة الى أن عجز وخرج من مصر الى نحو محمد بن لمجور حتّى وصل إليه؛ فلما رآه محمد بن لمجور قد قرب منه رفع

مراسيه وأوهمه أنه يريده، فلما دنا منه ناداه محمد بن علىّ الخلنجىّ ليصير إليه ويحمله معه في المركب، فلما رآه محمد بن لمجور وسمع نداءه سبّه وقال له: مت بغيظك قد أمكن الله منك! وتأخّر وضرب بمقاذيفه وانحدر في النيل، وذلك لما كان في نفس محمد بن لمجور من محمد بن علىّ الخلنجىّ ممّا أسمعه قديما من المكروه والكلام الغليظ؛ فلمّا رأى محمد الخلنجىّ خذلان محمد بن لمجور له ولم يتمّ له الهرب كرّ راجعا حتى دخل مدينة مصر وقد انفلّ «1» عنه عساكره فصار الى منزل رجل كان يعنى «2» بإخفائه ويأمنه على نفسه ليختفى عنده؛ فخافه «3» المذكور وتركه هاربا وتوجّه إلى السلطان فتنصّح «4» إليه وأعلمه أنّه عنده؛ فركب السلطان وأكابر الدولة والعساكر حتّى قبضوا عليه، وكان ذلك في صبيحة يوم الاثنين ثامن شهر رجب من سنة ثلاث وتسعين ومائتين؛ فكانت مدّة عصيانه منذ دخل إلى مصر الى أن قبض عليه سبعة أشهر واثنين وعشرين يوما. ودخل فاتك وبدر الحمامىّ بعساكرهما وعساكر العراق حتى نزلا بشاطئ النيل، ثم وافاهم الأمير عيسى النّوشرىّ من الفيّوم حسبما يأتى ذكره في ترجمته في ولايته الثانية على مصر- أعنى عوده إلى ملكه بعد الظفر بمحمد بن علىّ الخلنجىّ- ونزل عيسى بدار فائق، فإن بدرا كان قد قدم إلى مصر ونزل في داره التى كان النوشرىّ نزل فيها أوّلا، ودعا للخليفة على منابر مصر ثم من بعده لعيسى النوشرىّ. هذا وأمور مصر مضطربة الى غاية ما يكون. وقلّد عيسى شرطة العسكر لمحمد بن طاهر المغربىّ، وشرطة المدينة ليوسف بن إسرائيل، وتقلّد أبو زنبور الخراج على عادته. وأخذ النوشرىّ في إصلاح أمور مصر والضّياع وتتبّع أصحاب محمد الخلنجىّ من الكتّاب والجند وغيرهم، وقبض على جماعة كثيرة منهم، مثل:

ذكر ولاية محمد بن على الخلنجى على مصر

السّرىّ بن الحسين الكاتب وأبى العباس أحمد بن يوسف كاتب ابن الجصّاص- وكان على نفقات محمد الخلنجىّ- وجماعة أخر يطول الشرح في ذكرهم. وأما محمد بن لمجور وكيغلغ وبدر الكريمىّ وجماعة أخر من أصحاب محمد الخلنجىّ فإنهم تشتّتوا في البلاد. ثم دخل محمد بن لمجور مصر متنكّرا، فقبض عليه وطيف به ومعه غلام آخر لمحمد الخلنجىّ، ثم عوقب محمد بن لمجور حتى استخلص منه الأموال؛ ثم جهّز الأمير عيسى النوشرىّ محمدا الخلنجىّ في البحر إلى أنطاكية، فخرجوا منها ودخلوا العراق الى عند الخليفة، ثم بعد ذلك ورد كتاب الخليفة على عيسى النوشرىّ فى شهر رمضان باستقراره في أعمال مصر جميعا قبليّها وبحريّها حتى الإسكندريّة والى النّوبة والحجاز. ذكر ولاية محمد بن علىّ الخلنجىّ على مصر هو محمد بن علىّ الخلنجىّ الأمير أبو عبد الله المصرىّ الطّولونىّ، ملك الديار المصريّة بالسيف واستولى عليها عنوة من الأمير عيسى بن محمد النّوشرىّ. وقد مرّ من ذكره فى ترجمة عيسى النوشرىّ ما فيه كفاية عن ذكره هنا ثانيا، غير أنّنا نذكره على حدته لكونه ملك مصر؛ وذكره بعض أهل التاريخ في أمراء مصر، فلهذا جعلنا له ترجمة مستقلّة خوفا من الاعتراض والاستدراك علينا بعدم ذكره. ولما ملك محمد بن علىّ الخلنجىّ الديار المصريّة، مهّد البلاد ووطّن الناس ووضع العطاء وفرض الفروض؛ فجهّز الخليفة المكتفى بالله جيشا لقتاله وعليهم أبو الأغرّ، وفي الجيش الأمير أحمد بن كيغلغ وغيره؛ فخرج اليهم محمد بن على الخلنجىّ هذا وقاتلهم في ثالث المحرّم من سنة ثلاث وتسعين ومائتين فهزمهم أقبح هزيمة وأسر من جماعة أبى الأغرّ خلقا كثيرا؛ وعاد أبو الأغرّ لثمان بقين من المحرّم حتى وصل

الى العراق؛ فعظم ذلك على الخليفة المكتفى وجهّز إليه العساكر ثانيا صحبة فاتك المعتضدىّ في البرّ وجهّز دميانة في البحر؛ فقدم فاتك بجيوشه حتى نزل بالنّويرة «1» . وقد عظم أمر الخلنجىّ هذا، وأخرج عيسى النّوشرىّ عن مصر وأعمالها بأمور وقعت له معه ذكرناها في ترجمة عيسى النوشرىّ، ليس لذكرها هنا ثانيا محلّ. ولما بلغ الخلنجىّ مجىء عسكر العراق ثانى مرّة صحبة فاتك، جمع عسكره وخرج إلى باب المدينة وعسكر به، وقام بالليل بأربعة آلاف من أصحابه ليبيّت «2» فاتكا وأصحابه، فضلّوا عن الطريق وأصبحوا قبل أن يصلوا الى النويرة؛ فعلم بهم فاتك فهضّ «3» أصحابه والتقى مع الخلنجىّ قبل أن يصلوا الى النويرة، فتقاتلا قتالا شديدا انهزم فيه الخلنجىّ بعد أن ثبت ساعة بعد فرار أصحابه عنه، ودخل إلى مصر واستتر بها لثلاث خلون من شهر رجب، ثم قبض عليه وحبس، حسبما ذكرناه في ترجمة النوشرىّ؛ ثم دخل دميانة بالمراكب إلى مصر وأقبل عيسى النوشرىّ من الصعيد ومعه الحسين الماذرائىّ ومن كان معهما من أصحابهما لخمس خلون من رجب المذكور؛ وعاد النوشرىّ إلى ما كان عليه من ولاية مصر، والحسين الماذرائىّ على الخراج؛ وزالت دولة محمد بن علىّ الخلنجىّ عن مصر بعد أن حكمها سبعة أشهر واثنين وعشرين يوما، كلّ ذلك ذكرناه في ترجمة النوشرىّ ولم نذكره هنا إلا لزيادة الفائدة؛ وأيضا لما قدّمناه في أوّل ترجمته. ثم إنّ عيسى النوشرىّ قيّد محمد بن علىّ الخلنجىّ هذا وجماعة من أصحابه، وحملهم في البحر إلى أنطاكية ثم منها في البرّ إلى العراق إلى حضرة الخليفة، فأوقف بين يديه فوبّخه ثم نكّل به، وطيف به وبأصحابه على الجمال، ثم قتل شرّ قتلة، وزالت دولته وروحه بعد أن أفسد أحوال الديار المصريّة

ذكر عود عيسى النوشرى إلى مصر

وتركها خرابا يبابا من كثرة الفتن والمصادرات. قلت: وأمر محمد هذا من العجائب، فإنّه أراد أخذ ثأر بنى طولون والانتصار لهم غيرة على ما وقع من محمد بن سليمان الكاتب من إفساده الدّيار المصريّة، فوقع منه أيضا أضعاف ما فعله محمد بن سليمان الكاتب، وكان حاله كقول القائل: رام نفعا وضرّ من غير قصد ... ومن البرّ ما يكون عقوقا ذكر عود عيسى النوشرىّ إلى مصر دخلها بعد اختفاء محمد بن علىّ الخلنجىّ بيومين، وذلك في خامس شهر رجب سنة ثلاث وتسعين ومائتين، ثم دخل فاتك بعساكره إلى مصر في يوم عاشر رجب، وتسلّم الخلنجىّ وأرسله في البحر لست خلون من شعبان ووقع ما حيكناه في ترجمته من قتله وتشهيره «1» . وأما عيسى النوشرىّ فإنه ابتدأ في أوّل شهر رمضان بهدم ميدان أحمد بن طولون، وبيعت أنقاضه بأبخس ثمن، وكان هذا الميدان وقصوره من محاسن الدنيا. وقد تقدّم ذكر ذلك في عدّة أماكن في ترجمة ابن طولون وابنه خمارويه وغير ذلك. ودام فاتك بالديار المصريّة إلى النصف من جمادى الأولى سنة أربع وتسعين ومائتين [و] خرج منها إلى العراق. ثم أمر الأمير عيسى النوشرىّ بنفى المؤنّثين من مصر، ومنع النّوح والنداء على الجنائز، وأمر بإغلاق المسجد الجامع فيما بين الصلاتين، ثم أمر بفتحه بعد أيّام؛ ثم ورد عليه الخبر بموت الخليفة المكتفى بالله علىّ في ذى القعدة سنة خمس وتسعين ومائتين؛ فلما يمع الجند بموت الخليفة شغبوا على عيسى النوشرىّ وطلبوا منه مال البيعة بالخلافة للمقتدر جعفر، وظفر النوشرىّ بجماعة منهم؛ ولما استقرّ المقتدر في الخلافة أقرّ عيسى هذا على عمله بمصر.

ما وقع من الحوادث سنة 292

ثم قدم على عيسى زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب أمير إفريقيّة مهزوما من أبى عبد الله الشيعىّ في شهر رمضان سنة ست وتسعين ومائتين، ونزل بالجيزة وأراد الدخول إلى مصر فمنعه من الدخول إليها؛ فوقع بين أصحابه وبين جند مصر مناوشة وبعض قتال إلى أن وقع الصلح بينهم على أن يعبرها وحده من غير جند، فدخلها وأقام بها. ولم تطل أيام الأمير عيسى بعد ذلك، ومرض ولزم الفراش إلى أن مات، فى يوم سادس عشرين من شعبان سنة سبع وتسعين ومائتين وهو على إمرة مصر. وكانت ولايته على مصر خمس سنين وشهرين ونصف شهر؛ منها ولاية الخلنجىّ على مصر سبعة أشهر واثنان وعشرون يوما. وقام من بعده على مصر ابنه أبو الفتح محمد بن عيسى، إلى أن ولّى تكين الحربىّ، وحمل عيسى النوشرىّ إلى القدس ودفن به. وكان عيسى هذا أميرا جليلا شجاعا مقداما عارفا بالأمور، طالت أيامه في السعادة، وولى الأعمال مثل إمرة دمشق من قبل المنتصر والمستعين، وولى شرطة بغداد أيام المكتفى، ثم ولى أصبهان والجبال، إلى أن ولّاه المكتفى إمرة مصر. *** [ما وقع من الحوادث سنة 292] السنة التى حكم فيها أربعة أمراء على مصر، وهى سنة اثنتين وتسعين ومائتين، والأمراء الأربعة: شيبان بن أحمد بن طولون، ومحمد بن سليمان الكاتب، وعيسى النّوشرىّ، ومحمد بن علىّ الخلنجىّ- فيها (أعنى سنة اثنتين وتسعين ومائتين) قدم بدر الحمّامىّ الذي قتل القرمطىّ، فنلقّاه أرباب الدولة، وخلع عليه الخليفة وخلع على ابنه أيضا، وطوّق بدر المذكور وسوّر وقيّدت بين يديه خيل الخليفة جنائب وحمل إليه مائة ألف درهم. وفيها وافت هديّة إسماعيل بن أحمد أمير خراسان الى بغداد كان فيها ثلثمائة جمل عليها صناديق فيها المسك والعنبر والثياب من كلّ لون

ومائة غلام وأشياء كثيرة غير ذلك. وفيها حجّ بالناس الفضل بن عبد الملك الهاشمى وفيها في ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة خلت من رجب ولتسع عشرة خلت من أيّار،- وهو بشنس بالقبطىّ- طلع كوكب الذنب في الجوزاء. وفيها في جمادى الأولى زادت دجلة زيادة لم ير مثلها حتّى خربت «1» بغداد، وبلغت الزيادة إحدى وعشرين ذراعا. وفيها توفّى إبراهيم بن عبد الله بن مسلم الحافظ أبو مسلم الكجّىّ» البصرىّ، ولد سنة مائتين، وقدم بغداد وكان يملى برحبة غسان، وكان يملى على سبعة، كلّ واحد منهم يبلّغ الذي يليه، وكتب الناس عنه قياما بأيديهم المحابر، ومسح المكان الذي كانوا قياما فيه، فحزروا «3» نيّفا وأربعين ألف محبرة؛ وكانت وفاته ببغداد لتسع خلون من المحرّم. وفيها توفى إدريس بن عبد الكريم أبو الحسن الحدّاد المقرئ، ولد سنة تسع وتسعين ومائة، ومات ببغداد يوم الأضحى وهو ابن تسعين «4» سنة؛ سئل عنه الدارقطنىّ فقال: هو ثقة وفوق الثقة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أحمد بن الحسين المصرىّ الأيلىّ «5» ، وأبو بكر أحمد بن علىّ بن سعيد قاضى حمص، وأحمد بن

ما وقع من الحوادث سنة 293

عمرو أبو بكر البزّار «1» ، وأبو مسلم الكجّىّ «2» ، وإدريس بن عبد الكريم المقرئ؛ وأسلم ابن سهل الواسطىّ، وأبو حازم القاضى عبد الحميد بن عبد العزيز، وعلىّ بن محمد ابن عيسى الجكّانىّ «3» ، وعلى بن جبلة الأصبهانىّ. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وستّ عشرة إصبعا، مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وإصبع واحدة ونصف. *** [ما وقع من الحوادث سنة 293] السنة الثانية من ولاية عيسى النّوشرىّ على مصر، وهى سنة ثلاث وتسعين ومائتين- فيها توجّه القرمطىّ الى دمشق وحارب أهلها، فغلب عليها ودخلها وقتل عامّة أهلها من الرجال والنساء، ونهبها وانصرف الى ناحية البادية. وفيها حجّ بالناس الفضل بن عبد الملك الهاشمىّ. وفيها عمل على دجلة من جانبيها مقياس مثل مقياس مصر، طوله خمس وعشرون ذراعا، ولكلّ ذراع علامات يعرفون بها الزيادة، ثم خرب بعد ذلك. وفيها توفّى عبد الله بن محمد أبو العباس الأنبارىّ الناشى «4» الشاعر المشهور، كان فاضلا بارعا، وله تصانيف ردّ فيها على الشعراء وأهل المنطق، وعمل قصيدة واحدة في قافية واحدة وروىّ واحد أربعة آلاف بيت، ومات بمصر. ومن شعره:

ما وقع من الحوادث سنة 294

عدلت «1» على ما لو علمت بقدره ... بسطت فكان العدل واللوم من عذرى جهلت ولم تعلم بأنّك جاهل ... فمن لى بأن تدرى بأنّك لا تدرى ومن شعره قوله: وكان لنا أصدقاء حماة «2» ... وأعداء سوء فما خلّدوا تساقوا جميعا بكأس الردى ... فمات الصديق ومات العدو الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى إبراهيم بن على الذّهلى، وداود بن الحسين البيهقىّ، وعبدان «3» المروزىّ، وعيسى بن محمد [بن عيسى «4» ] ابن طهمان المروزىّ، والفضل بن العبّاس بن صفوان الأصبهانىّ، ومحمد بن أسد المدنىّ «5» ، ومحمد بن عبدوس بن كامل السرّاج، وهميم بن همّام الطبرىّ. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وسبع أصابع ونصف، مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وسبع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 294] السنة الثالثة من ولاية عيسى النّوشرىّ على مصر، وهى سنة أربع وتسعين ومائتين- فيها خرج زكرويه القرمطىّ من بلاد القطيف «6» يريد الحاجّ، فوافاهم وقاتلهم حتّى ظفر بهم، وواقع الحاجّ وأخذ جميع ما كان معهم، وكان قيمة ذلك

ألفى ألف دينار بعد أن قتل من الحاجّ عشرين ألفا. وجاء الخبر إلى بغداد بذلك، فعظم ذلك على المكتفى وعلى المسلمين، ووقع النّوح والبكاء وانتدب جيش لقتاله فساروا، وسار زكرويه الى زبالة «1» فنزلها، وكانت قد تأخرت القافلة الثالثة وهى معظم الحاجّ، فسار زكرويه المذكور ينتظرها، وكان في القافلة أعين «2» أصحاب السلطان ومعهم الخزائن والأموال وشمسة «3» الخليفة، فوصلوا إلى فيد «4» وبلغهم الخبر فأقاموا ينتظرون عسكر السلطان فلم يرد عليهم الجند، فساروا فوافوا الملعون بالهبير «5» فقاتلهم يوما إلى الليل ثم عاودهم الحرب في اليوم الثانى، فعطشوا واستسلموا، فوضع فيهم السيف فلم يفلت منهم إلا اليسير، وأخذ الحريم والأموال؛ فندب المكتفى لقتاله القائد وصيفا ومعه الجيوش، وكتب إلى شيبان أن يوافوا فجاءوا فى ألفين ومائتى فارس، فلقيه وصيف يوم السبت رابع شهر ربيع الأوّل، فاقتتلوا حتى حجز بينهم الليل، وأصبحوا على القتال فنصر الله وصيفا وقتل عامّة أصحاب زكرويه المذكور، الرجال والنساء، وخلّصوا من كان معه من النساء والأموال، وخلص بعض الجند إلى زكرويه فضربه وهو مولّ على قفاه، ثم أسره وأسروا خليفته وخواصّه وابنه وأقاربه وكاتبه وامرأته؛ فعاش زكرويه خمسة أيام ومات من الضربة، فشقّوا بطنه وحمل إلى بغداد، وقتل الأسارى وأحرقوا. وقيل: إن

الذي جرح زكرويه هو وصيف بنفسه. قلت: لا شلّت يداه. وتفرّق أصحاب زكرويه في البرّيّة وماتوا عطشا. وفيها توفّى محمد بن نصر أبو عبد الله المروزىّ الفقيه أحد الأئمة الأعلام وصاحب التصانيف الكثيرة والكتب المشهورة؛ مولده ببغداد في سنة اثنتين ومائتين ونشأ بنيسابور واستوطن سمرقند، وكان أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم في الأحكام. وفيها توفّى صالح «1» بن محمد ابن عمرو بن حبيب بن حسان بن المنذر بن أبى الأبرش عمّار، مولى أسد بن خزيمة، الحافظ أبو علىّ الأسدىّ البغدادىّ المعروف بجزرة نزيل بخارى، ولد سنة خمس ومائتين ببغداد. قال أبو سعيد «2» الإدريسىّ الحافظ: صالح بن محمد جزرة ما أعلم فى عصره بالعراق وخراسان في الحفظ مثله. ولقّب جزرة «3» لأنه جاء في حديث عبد الله بن بشر أنه كانت عنده خرزة يرقى بها المرضى، وكانت لأبى أمامة الباهلىّ، فصحّفها جزرة (بجيم وزاى معجمتين) . الذين ذكر الذهبى وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى الحسن بن المثنّى العنبرىّ، وأبو على صالح بن محمد جزرة، وعبيد «4» العجلىّ، ومحمد بن إسحاق بن

ما وقع من الحوادث سنة 295

[مخلد المعروف «1» بابن] راهويه الفقيه، ومحمد بن أيوب بن الضّريس الرازىّ، ومحمد بن معاذ الحلبىّ «2» دران، ومحمد بن نصر المروزىّ الفقيه، وموسى بن هارون الحافظ. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وإصبع واحدة، مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وإحدى عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 295] السنة الرابعة من ولاية عيسى النّوشرىّ على مصر، وهى سنة خمس وتسعين ومائتين- فيها كان الفداء بين المسلمين وبين الروم، فكانت عدّة من فودى من المسلمين ثلاثة آلاف إنسان. وفيها بعث الخليفة المكتفى خاقان البلخىّ الى إقليم أذربيجان لحرب يوسف بن أبى الساج فسار في أربعة آلاف. وفيها في ذى القعدة مات الخليفة المكتفى بالله أبو محمد علىّ بن المعتضد بالله أحمد ابن ولىّ العهد طلحة الموفّق ابن الخليفة المتوكّل على الله جعفر بن محمد المعتصم بن الرشيد هارون بن المهدىّ محمد بن أبى جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علىّ بن عبد الله بن العبّاس العباسىّ الهاشمىّ أمير المؤمنين؛ ولد سنة أربع وستين ومائتين، وكان يضرب المثل بحسنه فى زمانه، كان معتدل القامة «3» درّىّ اللون أسود الشعر حسن اللحية جميل الصورة، وأمّه أمّ ولد تسمّى خاضع. بويع بالخلافة بعد موت والده المعتضد في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين ومائتين، وكانت خلافته ستة أعوام ونصفا، وبويع بالخلافة بعده أخوه جعفر المقتدر. وخلّف المكتفى في بيت المال خمسة عشر ألف ألف دينار،

وهو الذي خلّفه المعتضد وزاد على ذلك المكتفى أمثالها. وفيها توفّى إبراهيم بن محمد ابن نوح بن عبد الله الحافظ أبو إسحاق النّيسابورىّ، كان إمام عصره بنيسابور في معرفة الحديث والعلل والرجال والزهد والورع، وكان الإمام أحمد بن حنبل يثنى عليه. وفيها توفى أبو «1» الحسين أحمد بن محمد [بن الحسين «2» ] النّورىّ البغدادىّ المولد والمنشأ «3» ، وأصله من خراسان من قرية بين هراة ومرو الروذ. وإنما سمّى النّورىّ لأنه كان إذا حضر في مكان ينوّر «4» ، كان أعظم مشايخ الصوفيّة في وقته، كان صاحب لسان وبيان، كان من أقران الجنيد بل أعظم. وفيها توفّى إسماعيل بن أحمد بن أسد بن سامان أحد ملوك السامانية، وهم أرباب الولايات بالشاش «5» وسمرقند وفرغانة وما وراء النهر، ولى إمرة خراسان بعد عمرو بن الليث الصفّار، وكان ملكا شجاعا صالحا بنى الرّبط «6» فى المفاوز وأوقف عليها الأوقاف، وكل رباط يسع ألف فارس، وهو الذي كسر الترك؛ ولمّا توفّى تمثّل الخليفة بقول أبى نواس: لم يخلق «7» الدهر مثله أبدا ... هيهات هيهات شأنه عجب

ما وقع من الحوادث سنة 296

وفيها توفى أبو حمزة «1» الصّوفىّ الصالح الزاهد الورع، كان من أقران الجنيد وأبى تراب النّخشبىّ، كان من كبار مشايخ القوم وأزهدهم وأورعهم وأفتاهم «2» ، وله المجاهدات والرياضات المشهورة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو الحسين النّورىّ شيخ الصوفيّة أحمد بن محمد، وإبراهيم بن أبى طالب الحافظ، وإبراهيم بن معقل قاضى نسف «3» ، والحسن بن على المعمرىّ «4» ، والحكم بن معبد «5» الخزاعىّ، وأبو شعيب «6» الحرّانىّ، والمكتفى بالله بن المعتضد، وأبو جعفر محمد بن أحمد التّرمذىّ الفقيه. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وثلاث أصابع، مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وستّ عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 296] السنة الخامسة من ولاية عيسى النّوشرىّ على مصر، وهى سنة ستّ وتسعين ومائتين- فيها خلع الخليفة جعفر المقتدر من الخلافة وبويع عبد الله بن المعتزّ بالخلافة، وسبب خلعه صغر سنّه وقصوره عن تدبير الخلافة واستيلاء أمّه والقهرمانة على الخلافة، وكانت أمّه أمّ ولد تسمّى شغب؛ فآتفق الجند على قتله وقتل وزيره

العبّاس [بن الحسن «1» ] وقتل فاتك المعتضدىّ، وثبوا على هؤلاء وقتلوهم. وكان المقتدر بالحلبة يلعب بالصّوالجة «2» - أعنى بالكرة على عادة الملوك- فلما بلغه قتلهم نزل وأغلق باب القصر؛ فبايعوا عبد الله بن المعتزّ بشروط شرطها عبد الله عليهم، وكان عبد الله بن المعتزّ أشعر بنى العباس و [من] خيارهم؛ ولقّبوه بالمنصف بالله، وقيل: بالغالب بالله، وقيل: بالراضى بالله، وقيل: بالمرتضى؛ واستوزر محمد بن داود بن الجرّاح. ولما بلّغ هذا الخبر الى أبى جعفر الطبرىّ قال: ومن رشّح للوزارة؟ قالوا: محمد بن داود؛ قال: ومن ذكر للقضاء؟ قالوا: أبو المثنّى أحمد بن يعقوب؛ ففكّر طويلا وقال: هذا أمر لا يتمّ؛ قيل: ولم؟ قال: لأن كلّ واحد من هؤلاء الذين ذكرتم مقدّم فى نفسه عالى الهمة رفيع الرتبة في أبناء جنسه، والزمان مدبر والدولة مولّية. وكان كما قال. وخلع عبد الله بن المعتزّ من يومه وقتل من الغد؛ وكانت خلافته يوما وليلة، وقيل: بل نصف نهار وهو الأصحّ. وقتل ابن المعتزّ ووصيف بن صوارتكين ويمن الخادم وجماعة من القضاة والفقهاء الذين اتفقوا على خلع المقتدر، قتلهم مؤنس الخادم، وأعيد جعفر المقتدر الى الخلافة. وفيها استوزر المقتدر أبا الحسن علىّ بن محمد بن الفرات. وفيها أمر المقتدر ألّا يستخدم أحد [من] اليهود والنصارى إلا في الطب والجهبذة فقط، وأن يطالبوا بلبس العسلىّ وتعليق الرّقاع المصبوغة بين أظهرهم «3» . وفيها وقع ببغداد ثلج في كانون في أوّل النّهار الى العصر وأقام أيّاما لم يذب. وفيها انصرف أبو عبد الله

الداعى إلى سجلماسة «1» فافتتحها وأخرج المهدىّ عبيد الله «2» وولده من حبس اليسع [ابن مدرار «3» ] وأظهر أمره وأعلم أصحابه أنّه صاحب دعوته وسلّم عليه بأمير المؤمنين، وذلك في سابع ذى الحجة من سنة ستّ هذه. وعبيد الله هذا هو والد الخلفاء الفاطميّين وهو أوّل من ظهر منهم كما سيأتى ذكره إن شاء الله تعالى في هذا الكتاب فى ترجمة المعزّ وغيره. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن هانئ أبو بكر الطائى الأثرم الحافظ، سمع الكثير ورحل [الى] البلاد وصنّف علل الحديث والناسخ والمنسوخ في الحديث، وكان حافظا ورعا متقنا. وفيها توفّى أمير المؤمنين أبو العبّاس عبد الله ابن الخليفة المعتزّ بالله محمد ابن الخليفة المتوكّل على الله جعفر ابن الخليفة المعتصم بالله محمد ابن الخليفة الرشيد هارون ابن الخليفة محمد المهدىّ ابن الخليفة أبى جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علىّ بن عبد الله بن العباس الهاشمىّ العباسىّ البغدادىّ، الشاعر الأديب صاحب الشعر البديع والتشبيهات الرائقة والنثر الفائق، أخذ العربيّة والأدب عن المبرّد وثعلب وعن مؤدّبه أحمد بن سعيد الدمشقىّ، ومولده في شعبان سنة تسع وأربعين ومائتين، وأمّه أمّ ولد تسمّى خاين «4» ، بويع بالخلافة بعد خلع المقتدر وكاد أمره أن يتمّ ثم تفرّق عنه جمعه فقبض عليه وقتل سرّا في شهر ربيع الآخر، كما ذكرناه في أوّل هذه السنة. ومن شعره: انظر إلى اليوم ما أحلى شمائله ... صحو وغيم وإبراق وإرعاد كأنّه أنت يا من لا شبيه له ... وصل وهجر وتقريب وإبعاد

وله في خال مليح: أسفر ضوء الصبح من وجهه ... فقام خال الخدّ فيه بلال كأنّما الحال على خدّه ... ساعة هجر في رمان الوصال قلت: ويعجبنى في هذا المعنى قول السروجىّ: فى الجانب الأيمن من خدّها ... نقطة مسك أشتهى شمّها حسبته لما بدا خالها ... وجدته من حسنه عمّها وأخذ في هذا المعنى المعزّ الموصلىّ فقال: لحظت من وجنتها شامة ... فابتسمت تعجب من حالى قالت قفوا واسمعوا ما جرى ... قد هام عمّى الشيخ في خالى ومن شعر ابن المعتزّ أيضا بيت مفرد: فنون «1» والمدام ولون خدّى ... شقيق في شقيق في شقيق قلت: ويشبه «2» هذا قول ابن الرومىّ حيث قال: كأنّ الكأس في يده وفيه «3» ... عقيق في عقيق في عقيق قلت: ومن تشابيه ابن المعتز البديعة قوله ينعت البنفسج: ولا زورديّة «4» تزهو بزرقتها ... وسط الرياض على حمر اليواقيت كأنّها وضعاف القضب تحملها ... أوائل النار في أطراف كبريت

ما وقع من الحوادث سنة 297

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أحمد بن نجدة الهروىّ، وأحمد بن يحيى الحلوانىّ، وخلف بن عمرو العكبرىّ، وعبد الله بن المعتزّ، وأبو الحصين الوادعىّ «1» محمد بن الحسين، ومحمد بن محمد بن شهاب البلخىّ، ويوسف ابن موسى القطّان الصغير. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع اذرع وتسع عشرة إصبعا، مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وتسع عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 297] السنة السادسة من ولاية عيسى النّوشرىّ على مصر، وهى سنة سبع وتسعين ومائتين- فيها حجّ بالناس الفضل بن عبد الملك الهاشمىّ. وفيها وصل الخبر إلى العراق بظهور عبيد الله المسمى بالمهدىّ- أعنى جدّ الخلفاء الفاطمييّن- وأخرج الأغلب من بلاده وبنى المهديّة «2» ، وخرجت بلاد المغرب عن حكم بنى العباس من هذا التاريخ، وهرب ابن الأغلب وقصد العراق؛ فكتب إليه الخليفة أن يصير إلى الرقّة ويقيم بها. وفيها أدخل طاهر ويعقوب ابنا محمد بن عمرو بن الليث الصفّار بغداد أسيرين. وفيها توفّى الجنيد بن محمد بن الجنيد الشيخ الزاهد الورع المشهور أبو القاسم القواريرىّ الخزّاز «3» ، وكان أبوه يبيع الزجاج وكان هو يبيع الخزّ؛

وأصله من نهاوند «1» إلا أنّ مولده ومنشأه ببغداد؛ وكان سيّد طائفة الصوفيّة من كبار القوم وساداتهم، مقبول القول على جميع الألسن، وكان يتفقّه على مذهب أبى ثور «2» الكلبىّ؛ أفتى في حلقته وهو ابن عشرين سنة؛ وأخذ الطريقة عن خاله سرىّ السّقطىّ، وكان سرىّ أخذها عن معروف الكرخىّ، ومعروف الكرخىّ أخذها عن علىّ بن موسى الرّضا. قال الجنيد: ما أخرج الله إلى الناس علما وجعل لهم إليه سبيلا إلّا وقد جعل لى فيه حظّا ونصيبا. وقيل: إنه كان اذا جلس بدكّانه كان ورده في اليوم ثلثمائة ركعة وكذا «3» وكذا ألف تسبيحة. وقيل: إنه كان يفتح دكّانه ويسبل الستر ويصلّى أربعمائة ركعة. وقال الجريرىّ «4» : سمعته يقول: ما أخذنا التصوّف عن القال والقيل لكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات [والمستحسنات «5» ] . وذكر أبو جعفر الفرغانىّ أنه سمع الجنيد يقول: أقلّ ما في الكلام سقوط هيبة الرب سبحانه وتعالى من القلب، والقلب إذا عرى من الهيبة عرى من الإيمان. ويقال: إنّ نقش خاتم الجنيد:" إن كنت تأمله فلا تأمنه". وعن الخلدىّ «6» عن الجنيد قال: أعطى أهل بغداد الشطح والعبادة، وأهل خراسان القلب

والسخاء، وأهل البصرة الزهد والقناعة، وأهل الشأم الحلم والسلامة، وأهل الحجاز الصبر والإنابة. وقال إسماعيل بن نجيد: هؤلاء الثلاثة لا رابع لهم: الجنيد ببغداد، وأبو عثمان «1» بنيسابور، وأبو عبد الله «2» بن الجلّى بالشأم. وقال أبو بكر العطوىّ: كنت عند الجنيد حين احتضر فختم القرآن، قال: ثم ابتدأ فقرأ من البقرة سبعين آية ثم مات. وقال أبو نعيم: أخبرنا الخلدىّ كتابة قال: رأيت الجنيد في النوم فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: طاحت تلك الإشارات، وغابت تلك العبارات، وفنيت تلك العلوم، ونفدت تلك الرسوم، وما نفعنا إلا ركعتان «3» كنا نركعهما فى الأسحار. قال أبو الحسين [بن «4» ] المنادى: مات الجنيد ليلة النّوروز «5» فى شوّال سنة ثمان وتسعين ومائتين، قال: فذكر لى أنهم حزروا «6» الجمع الذين صلّوا عليه نحو ستين ألف إنسان، ثم ما زالوا يتعاقبون قبره في كلّ يوم نحو الشهر. ودفن عند قبر سرىّ السّقطىّ. قال الذهبىّ: وورّخه بعضهم في سنة سبع فوهم. قلت: ورّخه صاحب المرآة وغيره في سنة سبع. وفيها توفّى عمرو «7» بن عثمان أبو عبد الله المكىّ، سكن بغداد وكان شيخ القوم في وقته، صحب الجنيد وغيره. وفيها توفّى الشيخ أبو الحارث الفيض بن الخضر أحمد، وقيل: الفيض بن محمد الأولاسىّ «8»

ذكر ولاية تكين الأولى على مصر

الطّرسوسىّ أحد الزهاد ومشايخ القوم، مات بطرسوس وكان صاحب حال وقال، وله إشارات ولسان حلو في علم التصوّف. وفيها توفّى محمد بن داود [بن علىّ «1» ] بن خلف الشيخ أبو بكر الأصبهانىّ الظاهرىّ صاحب كتاب الزهرة «2» ، كان عالما أديبا فصيحا، وكان يلقّب بعصفور الشوك لنحافته وصفرة لونه؛ ولما جلس محمد هذا بعد وفاة أبيه في مجلسه استصغروه عن ذلك، فسأله رجل عن حدّ السكر ما هو، ومتى يكون الرجل سكران؟ فقال محمد على البديهة: إذا عزبت عنه الهموم، وباح بسرّه المكتوم؛ فاستحسنوا منه ذلك. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفى إبراهيم بن هاشم البغوىّ، وإسماعيل بن محمد بن قيراط، وعبد الرّحمن بن القاسم بن الروّاسىّ «3» الهاشمىّ، وعبيد بن غنّام «4» ، ومحمد بن عبد الله مطيّن، ومحمد بن عثمان بن [محمد بن «5» ] أبى شيبة، ومحمد بن داود الظاهرىّ، ويوسف بن يعقوب القاضى. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم تسع أذرع وإحدى عشرة إصبعا، مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا، وإحدى عشرة إصبعا. ذكر ولاية تكين الأولى على مصر هو تكين بن عبد الله الحربىّ، الأمير أبو منصور المعتضدىّ الخزرىّ «6» ، ولّاه الخليفة المقتدر بالله على صلاة مصر بعد موت عيسى النّوشرىّ، فدعى له بها في يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة خلت من شوّال سنة سبع وتسعين ومائتين. ثم قدم خليفته

إلى مصر يوم الأربعاء في ثالث عشرين شوّال، ودام خليفته بها إلى أن قدمها تكين المذكور في يوم ثانى ذى الحجّة من سنة سبع وتسعين ومائتين. قال صاحب «البغية والاغتباط فيمن ولى الفسطاط» : قدم تكين يوم السبت لليلتين خلتا من ذى الحجّة موافقا لنا، لكنّه زاد في يوم السبت. وتكين هذا مولى المعتضد بالله، نشأ في دولته حتى صار من جملة القوّاد، ثم ولّاه المقتدر دمشق ومصر وأقرّه عليهما «1» القاهر. وكان تكين جبّارا مهيبا ولكنّه كانت لديه فضيلة. وحدّث عن القاضى يوسف وغيره. ودام تكين على إمرة مصر مدّة إلى أن بعث للخليفة في سنة تسع وتسعين ومائتين هدايا وتحفا، وفي جملة الهدايا ضلع إنسان طوله أربعة عشر شبرا في عرض شبر، زعموا أنّه من قوم عاد؛ وفي جملة الهدايا أيضا تيس له ضرع يحلب لبنا، وخمسمائة ألف دينار، ذكر تكين أنه وجدها فى كنز بمصر. واستمر تكين بعد ذلك على إمرة مصر حتّى خرج عليها جماعة من الأعراب والأحواش «2» فجهّز تكين لحربهم جيشا إلى برقة، وجعل على الجيش المذكور أبا اليمنى «3» وخرج الجيش إلى برقة- وكان هؤلاء الأعراب من جملة عساكر المهدىّ عبيد الله الفاطمىّ الذي استولى على بلاد المغرب- فلما قارب الجيش برقة خرج إليهم حباسة «4» بن يوسف بعساكر المهدىّ عبيد الله الفاطمىّ المقدّم ذكره، وقاتل

أبا اليمنى المذكور حتّى هزمه واستولى على برقة؛ ثم سار إلى الإسكندرية في زيادة على مائة ألف مقاتل. ولما عاد جيش تكين منهزما إلى مصر، أرسل تكين الى الخليفة يطلب منه المدد، فأمدّه الخليفة بالعساكر، وفي العسكر حسين [بن أحمد «1» ] الماذرائىّ وأحمد بن كيغلغ في جمع من القوّاد، وسار الجميع نحو مصر. وكان دخول عسكر المهدىّ الى الإسكندريّة في أوّل المحرم سنة اثنتين وثلثمائة. ووصلت عساكر الخليفة من العراق الى مصر في صفر ونزلت بها، فتلقّاهم تكين وأكرم نزلهم؛ ثم تهيّأ تكين بعساكره الى القتال، وخرج هو بعساكر مصر ومعه عساكر العراق وسار الجميع نحو الإسكندريّة، ونزلوا بالجيزة في جمادى الأولى، ثم سار الجميع حتى وافوا حباسة بعساكره وقاتلوه؛ فكانت بينهم وقعة عظيمة قتل فيها آلاف من الناس من الطائفتين، وثبت كلّ من العسكرين حتى استظهر عسكر الخليفة على جيش حباسة العبيدىّ الفاطمىّ وكسره وأجلاه عن الإسكندريّة وبرقة؛ وعاد حباسة بمن بقى معه من عساكره الى المغرب في أسوإ حال. وهذا أوّل عسكر ورد الى الإسكندرية من جهة عبيد الله المهدىّ الفاطمىّ. ثم عاد تكين الى مصر بعساكره بعد أن مهّد البلاد. وعند ما قدم تكين الى مصر وصل اليها بعده مؤنس الخادم مع جمع من القوّاد- أعنى الذين قدموا معه من العراق- ونزلوا بالحمراء في النصف من شهر رمضان ولقى الناس منهم شدائد الى أن خرج الأمير أحمد بن كيغلغ الى الشأم فى شهر رمضان المذكور، فلم تطل مدّة تكين بعد ذلك على مصر وصرف عن إمرتها في يوم الخميس لأربع عشرة ليلة خلت من ذى القعدة، صرفه مؤنس الخادم المقدّم ذكره وأرسل الى الخليفة بذلك، فدام تكين بمصر الى أن خرج منها فى سابع ذى الحجة سنة اثنتين وثلثمائة؛ وأقام مؤنس الخادم بمصر يدعى له بها

ما وقع من الحوادث سنة 298

ويخاطب بالأستاذ «1» الى أن ولّى الخليفة المقتدر ذكا «2» الرومىّ إمرة مصر عوضا عن تكين المذكور. فكانت ولايته على مصر خمس سنين وأياما. *** [ما وقع من الحوادث سنة 298] السنة الأولى من ولاية تكين الأولى على مصر، وهى سنة تمان وتسعين ومائتين- فيها قدم الحسين بن حمدان من قمّ «3» ، فولّاه المقتدر ديار بكر وربيعة. وفيها توفّى محمد ابن عمرويه صاحب الشّرطة، توفّى بآمد وحمل الى بغداد. وفيها توفّى صافى الحرمىّ «4» فقلّد المقتدر مكانه مؤنسا الخادم المقدّم ذكره. وفيها خرج على عبيد الله المهدىّ داعياه «5» أبو عبد الله الشّيعىّ وأخوه أبو العباس، وجرت لهما وقعة هائلة، وذلك في جمادى الآخرة، فقتل «6» الداعيان في جندهما، ثم خالف على المهدىّ أهل طرابلس المغرب، فجهّز اليهم ابنه أبا القاسم القائم بأمر الله فأخذها عنوة في سنة ثلثمائة، وتمهّد بأخذها بلاد المغرب

للمهدىّ المذكور. وفيها قدم القاسم بن سيما من غزوة الصائفة بالروم ومعه خلق من الأسارى وخمسون علجا «1» قد شهّروا على الجمال وبأيديهم صلبان الذهب والفضة. وفيها استخلف على الحرم بدار الخليفة نظير الحرمىّ. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن مسروق الشيخ أبو العباس الصوفىّ الطّوسىّ أحد مشايخ القوم وأصحاب الكرامات، قدم بغداد وحدّث بها. وفيها «2» توفّى أحمد بن يحيى بن إسحاق أبو الحسين البغدادىّ المعروف بابن الرّاوندىّ «3» الماجن المنسوب الى الهزل والزندقة؛ كان أبوه يهوديا

فأسلم [هو «1» ] ؛ فكانت اليهود تقول للمسلمين: احذروا أن يفسد هذا عليكم كتابكم كما أفسد أبوه علينا كتابنا. وصنّف أحمد هذا في الزندقة كتبا كثيرة «2» ، منها: كتاب بعث «3» الحكمة، وكتاب الدامغ للقرآن وغير ذلك، وكان زنديقا، وكان يقول: إنا نجد في كلام أكثم بن صيفىّ أحسن من (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) ، وإنّ الأنبياء وقعوا بطلّسمات «4» كما أنّ المغناطيس يجذب الحديد؛ وقوله صلّى الله عليه وسلّم لعمّار «5» :" تقتلك الفئة الباغية"، قال: فإنّ المنجّم يقول مثل هذا إذا عرف المولد و [أخذ «6» ] الطالع. ولهذا التعيس الضالّ أشياء كثيرة من هذا الكفر البارد الذي يسئم أسماع الزنادقة لعدم طلاوة كلامه. وأمره في الزندقة والمخرقة «7» أشهر من

ما وقع من الحوادث سنة 299

أن يذكر؛ عليه اللعنة والخزى. ولما تزايد أمره صلبه بعض السلاطين وهو ابن ستّ وثمانين سنة «1» . وفيها توفّى أبو عثمان سعيد بن إسماعيل بن سعيد النيسابورىّ الحيرىّ الواعظ الإمام، مولده بالرّىّ ثم قدم نيسابور وسكنها، وكان أوحد مشايخ عصره وعنه انتشرت طريقة التصوّف بنيسابور. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو العباس أحمد ابن محمد بن مسروق، وبهلول بن إسحاق الأنبارىّ «2» ، والجنيد شيخ الطائفة، والحسن ابن علّويه القطّان، وأبو عثمان الحيرىّ الزاهد، ومحمد بن علىّ بن طرخان البلخىّ الحافظ، ومحمد بن سليمان المروزىّ، ومحمد بن طاهر الأمير، ويوسف بن عاصم. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثمانى أذرع وأربع أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثمانى أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 299] السنة الثانية من ولاية تكين الأولى على مصر، وهى سنة تسع وتسعين ومائتين- فيها قبض المقتدر على وزيره أبى الحسن علىّ بن الفرات ونهبت دوره وهتكت حرمه، بسبب أنه قيل للخليفة: إنه كاتب الأعراب أن يكبسوا بغداد، ونهبت بغداد عند القبض عليه؛ واستوزر المقتدر أبا علىّ محمد بن عبيد الله بن يحيى ابن خاقان. وفيها سار «3» عبيد الله المهدىّ الفاطمىّ الى المهديّة ببلاد المغرب ودعى له بالخلافة برقّادة والقيروان وتلك النواحى؛ وعظم ملكه فشقّ ذلك على الخليفة

المقتدر العباسىّ. وفيها توفّى أحمد بن نصر بن إبراهيم «1» الحافظ أبو عمرو الخفّاف، رحل في طلب الحديث ولقى الشيوخ، وكان زاهدا متعبّدا صام نيّفا وثلاثين سنة وتصدّق سرّا وعلانية بأموال كثيرة. وفيها توفّى الحسين بن عبد الله بن أحمد الفقيه أبو على الخرقىّ «2» والد الإمام عمر مصنف كتاب" [مختصر «3» ] الخرقىّ" فى مذهب الإمام أحمد ابن حنبل، وكان زاهدا عابدا، مات يوم عيد الفطر. وفيها توفّى محمد بن أحمد بن كيسان الإمام أبو الحسن النحوىّ اللغوىّ أحد الأئمة النحاة، كان يحفظ مذاهب البصريّين والكوفيّين في النحو، لأنه أخذ عن المبرّد وثعلب. وفيها توفّى محمد بن إسماعيل الشيخ أبو عبد الله المغربىّ الزاهد أستاذ ابراهيم الخوّاص وابراهيم بن شيبان وغيرهما، كان كبير الشأن في علم المعاملات والمكاشفات، وحجّ على قدميه سبعا وتسعين حجّة. قال إبراهيم بن شيبان: توفّى أبو عبد الله على جبل الطور فدفنته إلى جانب أستاذه علىّ بن رزين بوصيّة منه، وعاش كلّ واحد منهما عشرين ومائة سنة. قلت: ولهذا حجّ سبعا وتسعين حجّة. وفيها توفّى محمد بن يحيى بن محمد البغدادىّ المعروف ب «حامل كفنه» ، كان فاضلا، وقع له غريبة وهو أنّه مرض فأغمى عليه فغسّل وكفّن ودفن، فلمّا كان الليل جاءه نبّاش فنبش عنه، فلما حلّ أكفانه ليأخذها استوى قائما، فخرج النبّاش هاربا؛ فقام هو وحمل أكفانه وجاء إلى منزله وأهله وهم يبكون عليه، فدقّ الباب، فقالوا: من؟ قال: أنا فلان؛ فقالوا: يا هذا، لا يحلّ لك أن تزيدنا على ما نحن فيه! قال: افتحوا فو الله أنا فلان؛ فعرفوا صوته ففتحوا

ما وقع من الحوادث سنة 300

له وعاد حزنهم فرحا، ويسمّى من حينئذ" حامل كفنه"؛ سكن" حامل كفنه" دمشق وحدّث بها. قال أبو بكر الخطيب: ومثل هذا سعيد الكوفىّ فإنّه لمّا دلّى في قبره اضطرب فحلّت عنه أكفانه فقام ورجع الى منزله، ثم ولد له بعد ذلك ابنه مالك. وفيها توفّى ممشاد الدّينورىّ الزاهد المشهور، كان من أولاد الملوك فتزهّد وترك الدنيا وصحب أبا تراب النّخشبىّ وأبا عبيد [البسرىّ «1» ] وغيرهما، وكان عظيم الشأن؛ يحكى عنه خوارق، قيل: إنه لما احتضر قالوا له: كيف تجدك؟ فقال: سلوا العلّة عنّى؛ فقيل له: قل لا إله إلا الله؛ فحوّل وجهه الى الحائط فقال: أفنيت كلّى بكلّك ... هذا جزا من يحبّك الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفى أحمد بن أنس «2» ابن مالك الدمشقىّ، وأبو عمرو الخفّاف الزاهد أحمد بن نصر الحافظ، والحسين بن عبد الله الخرقىّ والد مصنّف" [مختصر] الخرقىّ" وعلىّ بن سعيد بن بشير الرازىّ، ومحمد بن يزيد بن عبد الصمد، وممشاد الدينورىّ الزاهد. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وإحدى عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثمانى أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 300] السنة الثالثة من ولاية تكين الأولى على مصر، وهى سنة ثلثمائة- فيها تتبّع الخليفة أصحاب الوزير أبى الحسن بن الفرات وصودروا وخرّبت ديارهم وضربوا، وعذّب ابن الفرات حتى كاد يتلف؛ ثم رفقوا به بعد أن أخذت أمواله. ثم عزل

الخاقانىّ عن الوزارة ورشّح لها علىّ بن عيسى. ويقال: فيها ولدت بغلة، فسبحان الله القادر على كلّ شىء!. وفيها ظهر محمد بن جعفر بن علىّ بن محمد بن موسى بن جعفر ابن علىّ بن الحسين بن علىّ بن أبى طالب في أعمال دمشق، فخرج إليه أمير دمشق أحمد بن كيغلغ، ثم اقتتلا فقتل محمد في المعركة وحمل «1» رأسه الى بغداد فنصب على الجسر. وفيها وقع ببغداد والبادية وباء عظيم وموت جارف، فمات الناس على الطريق. وفيها ساخ جبل بالدّينور في الأرض وخرج من تحته ماء كثير غرّق القرى. وفيها وقعت قطعة عظيمة من جبل لبنان في البحر، وتناثرت النجوم فى جمادى الآخرة تناثرا عجيبا وكلّه الى ناحية المشرق. وفيها حجّ بالناس الفضل بن عبد الملك الهاشمىّ. وفيها توفّى عبد الله بن محمد بن عبد الرّحمن بن الحكم بن هشام ابن عبد الرّحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبى العاص ابن أميّة الأموىّ المغربى أمير الأندلس، وأمّه أمّ ولد يقال لها عشار؛ بويع بالإمرة فى صفر سنة خمس وسبعين ومائتين في السنة التى توفّى فيها أخوه المنذر في أيّام المعتمد؛ وكان زاهدا تاليا لكتاب الله تعالى؛ بنى الرّباط بقرطبة ولزم الصلوات الخمس بالجامع حتى مات في شهر ربيع الأوّل، وكانت أيّامه على الأندلس خمسا وعشرين سنة وستّة أشهر وأياما؛ وتولّى مكانه ابن ابنه عبد الرّحمن بن محمد بن عبد الله في اليوم الذي مات فيه جدّه المذكور، وكنيته أبو المظفّر فلقّب نفسه بالناصر؛ وتوفّى عبد الرّحمن هذا في سنة خمسين وثلثمائة. وقد تقدّم الكلام في ترجمة جدّ هؤلاء الثلاثة عبد الرّحمن الداخل أنّه فرّ من الشأم جافلا من بنى العبّاس ودخل المغرب وملكها، فسمّى لذلك عبد الرّحمن الداخل. وفيها توفّى عبيد الله [بن عبد الله «2» ] بن طاهر بن الحسين

ما وقع من الحوادث سنة 301

الأمير أبو محمد الخزاعىّ، كان من أجلّ الأمراء، ولى إمرة بغداد ونيابتها عن الخليفة وعدّة ولايات جليلة، وكان أديبا فاضلا شاعرا فصيحا، وقد تقدّم ذكر والده فى أمراء مصر في هذا الكتاب، وأيضا نبذة من أخبار جدّه في عدّة حوادث؛ وفي الجملة هو من بيت رياسة وفضل وكرم. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو العباس أحمد ابن محمد البراثىّ «1» ، وأبو أميّة الأحوص «2» بن الفضل الغلّابىّ، والحسين بن عمر بن أبى الأحوص، وعلىّ بن سعيد العسكرىّ الحافظ، وعبيد الله بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الأمير، وعبد الله بن محمد بن عبد الرّحمن الأموىّ صاحب الأندلس، ومحمد بن أحمد بن جعفر أبو العلاء الوكيعىّ، ومحمد بن الحسن بن سماعة، ومسدّد ابن قطن. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وإصبع واحدة. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وإصبع واحدة. *** [ما وقع من الحوادث سنة 301] السنة الرابعة من ولاية تكين الأولى على مصر، وهى سنة إحدى وثلثمائة- فيها قبض المقتدر على وزيره الخاقانىّ «3» فى يوم الاثنين لعشر خلون من المحرّم، وكانت مدّة وزارته سنة واحدة وشهرا وخمسة أيام؛ وكان المقتدر قد أرسل يلبق «4» المؤنسىّ

فى ثلثمائة غلام إلى مكّة لإحضار علىّ بن عيسى للوزارة، فقدم ابن عيسى المذكور في المحرّم وتولّى الوزارة. وفيها في شعبان ركب الخليفة المقتدر من داره الى الشماسيّة «1» ثم عاد فى دجلة، وهى أوّل ركبة ظهر فيها للعامّة منذ ولى الخلافة. وفيها في يوم الاثنين سادس شهر ربيع الأوّل أدخل الحسين بن منصور المعروف بالحلّاج مشهورا على جمل إلى بغداد وصلب وهو حىّ في الجانب الغربىّ وعليه جبّة عوديّة «2» ، ونودى عليه: هذا أحد دعاة القرامطة؛ ثم أنزلوه وحبس وحده في دار ورمى بعظائم، نسأل الله السلامة في الدين؛ فأحضره علىّ بن عيسى الوزير وناظره فلم يجد عنده شيئا من القرآن ولا من الفقه ولا من الحديث ولا من العربيّة؛ فقال له الوزير: تعلّمك الوضوء والفرائض أولى من رسائل ما تدرى ما فيها ثم تدّعى الإلهية! فردّه الى الحبس فدام به إلى ما يأتى ذكره فى محلّه. وفيها أفرج المقتدر عن الوزير الخاقانىّ فأطلق وتوجّه إلى داره. وفيها فى شعبان خلع المقتدر على ابنه أبى العبّاس وقلّده أعمال الحرب بمصر والغرب، وعمره أربع سنين، واستخلف له [على مصر «3» ] مؤنس الخادم. وفيها توفّى الحسن بن بهرام أبو سعيد القرمطىّ المتغلّب على هجر، كان أصله كيّالا فهرب واستغوى خلقا من القرامطة والأعراب وغلب على القطيف «4» وهجر، وشغل المعتضد عنه الموت، فاستفحل أمره ووقع له مع عساكر المكتفى وقائع وأمور، وقتل الحجيج وأفسد البلاد، وفعل مالا يفعله مسلم، حتّى قتله خادم صقلبىّ في الحمّام أراده على الفاحشة فخنقه الخادم وقتله وذهبت روحه الى سقر. وفيها توفّى حمدويه بن أسد الدمشقىّ المعلم، كان من

الأبدال [و] كان مجاب الدعوة وله كرامات وأحوال، مات بدمشق. وفيها توفّى عبد الله بن على بن محمد بن عبد الملك بن أبى الشوارب القاضى، كان إماما فاضلا عالما، استقضاه الخليفة المكتفى على مدينة المنصور في سنة اثنتين وتسعين ومائتين الى أن نقله المقتدر الى الجانب الشرقىّ في سنة ست وتسعين ومائتين فأصابه فالج ومات منه. وتوفّى ابنه «1» بعده بثلاثة وسبعين يوما وكان يخلفه على القضاء. وفيها توفّى علىّ بن أحمد الراسبىّ الأمير أبو الحسن، كان متولّيا من حدود واسط الى جنديسابور «2» ومن السوس «3» الى شهرزور «4» ، وكان شجاعا مات بجنديسابور وخلّف ألف ألف دينار و [من «5» ] آنية الذهب والفضة [ما قيمته «6» ] مائة ألف دينار [ومن «7» الخزّ ألف ثوب] وألف فرس وألف بغل وألف جمل، وكان له ثمانون طرازا تنسج فيها الثياب التى لملبوسه. وفيها توفّى محمد بن عثمان «8» بن إبراهيم بن زرعة الثّقفىّ مولاهم، كان قاضى دمشق ثم ولى قضاء مصر؛ كان إماما عالما عفيفا؛ ولما أراد أحمد بن طولون خلع الموفّق من ولاية العهد أمره بخلعه، فوقف بإزاء منبر دمشق وقال: قد خلعت أبا أحمق (يعنى [أبا] «9» أحمد) كما خلعت خاتمى من إصبعى، ومضى سنون الى أن ولى المعتضد بن الموفّق الخلافة ودخل الشأم يطلب من كان يبغض أباه، فأحضر القاضى هذا وجماعة فحملوا في القيود معه وسافر؛ فلما كان

ما وقع من الحوادث سنة 302

فى بعض الأيام رآهم المعتضد في الطريق فطلبهم وأراد الفتك بهم، فقال: من الذي قال" أبا أحمق"؟ فخرس القوم؛ فقال له القاضى: يا أمير المؤمنين، نسائى طوالق وعبيدى أحرار ومالى في سبيل الله إن كان في هؤلاء القوم من قال هذه المقالة؛ فاستظرفه المعتضد وأطلق الجميع؛ ومشى له ذلك في باب المماجنة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أحمد بن محمد ابن عبد العزيز بن الجعد الوشّاء، وأبو بكر أحمد بن هارون البرذعىّ «1» ، وإبراهيم بن يوسف الرازىّ، والحسين بن إدريس الأنصارىّ الهروىّ، وعبد الله بن محمد «2» بن ناجية في رمضان، وعمرو بن عثمان المكىّ الزاهد، ومحمد بن العبّاس بن الأخرم الأصبهانىّ، ومحمد بن يحيى بن مندة العبدىّ «3» . أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع واثنتا عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وإصبع واحدة. *** [ما وقع من الحوادث سنة 302] السنة الخامسة من ولاية تكين الأولى على مصر، وهى سنة اثنتين وثلثمائة- فيها عاد المهدىّ عبيد الله الفاطمىّ من المغرب الى الإسكندريّة ومعه صاحبه حباسة المقدّم ذكره، فجرت. بينه وبين جيش الخليفة حروب قتل فيها حباسة، وعاد مولاه عبيد الله الى القيروان. وفيها في المحرّم ورد كتاب نصر بن أحمد السامانىّ أمير خراسان أنّه واقع عمّه إسحاق بن إسماعيل وأنّه أسره؛ فبعث إليه المقتدر بالخلع واللواء.

وفيها صادر المقتدر أبا عبد الله الحسين بن عبد الله بن الجصّاص الجوهرىّ، وكبست داره وأخذ من المال والجوهر ما قيمته أربعة آلاف ألف دينار. وقال أبو الفرج ابن الجوزىّ: أخذوا منه ما مقداره ستة عشر ألف ألف دينار عينا وورقا [وآنية «1» ] وقماشا وخيلا [وخدما «2» ] . قال أبو المظفّر في مرآة الزمان: وأكثر أموال ابن الجصّاص المذكور من قطر النّدى بنت خمارويه صاحب مصر، فإنّه لما حملها من مصر الى زوجها المعتضد كان معها أموال وجواهر عظيمة؛ فقال لها ابن الجصّاص: الزمان لا يدوم ولا يؤمن على حال، دعى عندى بعض هذه الجواهر تكن ذخيرة لك، فأودعته، ثم ماتت فأخذ الجميع. وفيها خرج الحسن بن علىّ العلوىّ الأطروش، ويلقّب بالداعى، ودعا الديلم إلى الله، وكانوا مجوسا، فأسلموا وبنى لهم المساجد، وكان فاضلا عاقلا أصلح الله الديلم به. وفيها قلّد المقتدر أبا الهيجاء عبد الله بن حمدان الموصل والجزيرة. وفيها صلّى العيد في جامع مصر، ولم يكن يصلّى فيه العيد قبل ذلك، فصلّى بالناس علىّ بن أبى شيخة، وخطب فغلط بأن قال: اتقوا الله حقّ تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مشركون. نقلها علىّ «3» بن الطحّان عن أبيه وآخر. وفيها في الرجعة قطع الطريق على الحاجّ العراقىّ الحسن بن عمر الحسينىّ مع عرب طيّئ وغيرهم، فاستباحوا الوفد وأسروا مائتين وثمانين امرأة، ومات الخلق بالعطش والجوع. وفيها توفّى العبّاس بن محمد أبو الهيثم كاتب المقتدر، كان كاتبا جليلا، كان يطمع في الوزارة، ولما ولى علىّ بن عيسى الوزارة اعتقله فمات يوم الأحد سلخ ذى الحجّة، وأوصى أن يصلّى عليه أبو عيسى البلخىّ وأن يكبّر عليه أربعا وأن يسمّ قبره.

ذكر ولاية ذكا الرومى على مصر

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وإحدى عشرة إصبعا. ذكر ولاية ذكا الرومىّ على مصر الأمير أبو الحسن ذكا الرومىّ الأعور، ولى إمرة مصر بعد عزل تكين الحربىّ عن مصر، ولّاه الخليفة المقتدر على الصلاة؛ فخرج من بغداد وسافر إلى أن قدم مصر في يوم السبت لاثنتى عشرة خلت من صفر سنة ثلاث وثلثمائة؛ فجعل على الشّرطة محمد بن طاهر مدّة ثم عزله بيوسف «1» الكاتب؛ وقدم بعده الحسين ابن أحمد الماذرائىّ على الخراج؛ ثم ردّ محمد بن طاهر على الشرطة. ثم بعد قدوم ذكا إلى مصر خرج منها مؤنس الخادم بجميع جيوشه لثمان خلون من شهر ربيع الآخر من سنة ثلاث وثلثمائة؛ وكان ورد على مؤنس كتاب الخليفة المقتدر يعرّفه بخروج الحسين بن حمدان عن الطاعة وأن يعود إلى بغداد ويأخذ معه من مصر أعيان القوّاد: مثل أحمد بن كيغلغ وعلى بن أحمد بن بسطام والعبّاس بن عمرو وغيرهم ممن يخاف منهم؛ ففعل مؤنس ذلك. واستمرّ ذكا بمصر على إمرتها من غير منازع إلى أن خرج إلى الاسكندريّة في أوّل المحرّم سنة أربع وثلثمائة؛ فلم تطل غيبته عنها وعاد إليها في ثامن شهر ربيع الأوّل؛ فبلغه أنّ جماعة من المصريّين يكاتبون المهدىّ، فتتبّع كلّ من اتّهم بذلك، فقبض على جماعة منهم وسجنهم وقطع أيدى أناس «2» وأرجلهم، فعظمت هيبته في قلوب الناس. ثم أجلى أهل لوبية «3» ومراقية من مصر الى

ما وقع من الحوادث سنة 303

الإسكندريّة. ثم فسد بعد ذلك ما بينه وبين جند مصر والرعيّة، بسبب ذكر الصحابة رضى الله عنهم بما لا يليق «1» ، ونسب القرآن الكريم إلى مقالة المعتزلة وغيرهم. وبينما الناس في ذلك قدمت عساكر المهدىّ عبيد الله الفاطمىّ من إفريقيّة إلى لوبية ومراقية، وعلى العساكر أبو القاسم، فدخل الإسكندريّة في ثامن صفر سنة سبع وثلثمائة، وفرّ الناس من مصر إلى الشأم في البرّ والبحر فهلك أكثرهم؛ فلما رأى ذكا ذلك تجهّز لقتالهم، وجمع العساكر وخرج بهم وهم مخالفون عليه، فعسكر بالجيزة، وكان الحسين بن أحمد الماذرائىّ على حراج مصر فجدّد العطاء للجند وأرضاهم، وتهيّأ ذكا للحرب وجدّ في ذلك وحفر خندقا على عسكره بالجيزة؛ وبينما هو في ذلك مرض ولزم الفراش حتى مات بالجيزة في عشيّة الأربعاء لإحدى عشرة خلت من شهر ربيع الأوّل «2» سنة سبع وثلثمائة، فغسّل وصلّى عليه وحمل حتى دفن بالقرافة. وكانت ولايته على مصر أربع سنين وشهرا واحدا. وتولّى تكين الحربىّ عوضه مصر إمرة ثانية. وكان ذكا أميرا شجاعا مقداما، وفيه ظلم وجور مع اعتقاد سيئ على معرفة كانت فيه وعقل وتدبير. *** [ما وقع من الحوادث سنة 303] السنة الأولى من ولاية ذكاء الرومىّ على مصر، وهى سنة ثلاث وثلثمائة- فيها ولد سيف الدولة على بن عبد الله بن حمدان. وفيها كاتب الوزير علىّ بن عيسى

القرامطة وأطلق لهم ما أرادوا من البيع والشراء، فنسبه الناس الى موالاتهم، وليس هو كذلك، وإنما قصد أن يتألّفهم «1» خوفا على الحاجّ منهم. وفيها تواترت الأخبار أنّ الحسين بن حمدان قد خالف، وكان مؤنس الخادم مشغولا بحرب عسكر المهدىّ بمصر، فندب علىّ بن عيسى الوزير رائقا الكبير لمحاربته؛ فتوجّه إليه رائق بالعساكر وواقعه فهزمه ابن حمدان، فسار رائق إلى مؤنس الخادم وانضم عليه، وكان بين مؤنس وابن حمدان خطوب وحروب. وفيها توفى أحمد [بن علىّ] بن شعيب بن علىّ ابن سنان بن بحر الحافظ أبو عبد الرّحمن القاضى النّسائىّ «2» مصنّف السنن وغيرها من التصانيف، ولد سنة خمس عشرة ومائتين، وسمع الكثير، ورحل الى نيسابور والعراق والشأم ومصر والحجاز والجزيرة؛ وروى عنه خلق وكان فيه تشيّع حسن. قال أبو عبد الله بن مندة عن حمزة العقبىّ المصرىّ وغيره: إن النّسّائىّ خرج من مصر في آخر عمره الى دمشق، فسئل بها عن معاوية وما روى من فضائله؛ فقال: أما «3» يرضى [معاوية أن يخرج «4» ] رأسا برأس حتّى يفضّل! انتهى. وقال الدّارقطنىّ: إنّه خرج حاجّا فامتحن «5» بدمشق وأدرك الشهادة، فقال: احملونى الى مكّة، فحمل وتوفّى بها، وهو مدفون بين الصفا والمروة؛ وكانت وفاته في شعبان، وقيل في وفاته غير ذلك: إنه مات بفلسطين في صفر. وفيها توفّى جعفر بن أحمد بن نصر الحافظ أبو محمد النيسابورىّ الحصرىّ «6» أحد أركان الحديث، كان ثقة عابدا صالحا.

وفيها توفّى الحسن «1» بن سفيان بن عامر بن عبد العزيز بن النعمان الشيبانىّ النّسوىّ الحافظ أبو العبّاس مصنّف المسند؛ تفقّه على أبى ثور إبراهيم بن خالد وكان يفتى على مذهبه، وسمع أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وإسحاق بن إبراهيم الحنظلىّ وغيرهم. وفيها توفّى محمد بن عبد الوهاب بن سلّام أبو علىّ الجبّائىّ «2» البصرىّ شيخ المعتزلة، كان رأسا في علم الكلام وأخذ هذا «3» العلم عن أبى يوسف يعقوب ابن عبد الله الشحّام البصرىّ، وله مقالات مشهورة وتصانيف، وأخذ عنه ابنه أبو هاشم «4» والشيخ أبو الحسن الأشعرىّ. قال الذهبىّ: وجدت على ظهر كتاب عتيق: سمعت أبا عمرو يقول سمعت عشرة من أصحاب الجبّائىّ يحكون عنه، قال: الحديث لأحمد بن حنبل، والفقه لأصحاب أبى حنيفة، والكلام للمعتزلة، والكذب للرافضة. وفيها توفى رويم بن أحمد- وقيل: ابن محمد بن رويم- الشيخ أبو محمد الصوفىّ، قرأ القرآن وكان عارفا بمعانيه، وتفقّه على مذهب داود الظاهرىّ، وكان مجرّدا من الدنيا مشهورا بالزهد والورع والدّين. وفيها توفى علىّ بن محمد بن منصور ابن نصر بن بسّام البغدادىّ الشاعر المشهور، وكان شاعرا مجيدا، إلا أن غالب شعره كان في الهجاء حتّى هجا نفسه وهجا أباه وإخوته وسائر أهل بيته، وكان يكنى أبا جعفر «5» ، فقال: بنى أبو جعفر دارا فشيّدها ... ومثله لخيار الدّور بنّاء فالجوع داخلها والذلّ خارجها ... وفي جوانبها بؤس وضرّاء

ما وقع من الحوادث سنة 304

وله يهجو المتوكّل على الله لما هدم قبور العلوييّن: تالله إن كانت أميّة قد أتت ... قتل ابن بنت نبيّها مظلوما فلقد أتاه بنو أبيه بمثله ... هذا لعمرك قبره مهدوما ومن شعره في الزهد: أقصرت عن طلب البطالة والضّبا ... لمّا علانى للمشيب قناع لله أيّام الشباب ولهوه ... لو أنّ أيّام الشباب تباع فدع الصّبا يا قلب واسل عن الهوى ... ما فيك بعد مشيبك استمتاع وانظر الى الدنيا بعين مودّع ... فلقد دنا سفر وحان وداع [والحادثات «1» موكّلات بالفتى ... والناس بعد الحادثات سماع] أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع سواء. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 304] السنة الثانية من ولاية ذكا الرومىّ على مصر، وهى سنة أربع وثلثمائة- فيها في المحرّم عاد نصر الحاجب من الحجّ ومعه العلوىّ «2» الذي قطع الطريق على ركب الحاجّ عام أوّل، فحبس في المطبق «3» . وفيها غزا مؤنس الخادم بلاد الروم من ناحية ملطية وفتح حصونا كثيرة وآثارا جميلة وعاد الى بغداد فخلع المقتدر عليه. وفيها وقع ببغداد حيوان يسمّى الزّبزب «4» ، وكان يرى في الليل على السطوح «5» ، وكان «6» يأكل أطفال

الناس، وربّما قطع يد الإنسان وهو نائم وثدى «1» المرأة فيأكلهما، فكانوا يتحارسون طول الليل ولا ينامون ويضربون الصوانىّ والهواوين ليفزعوه فيهرب، وارتجّت بغداد من الجانبين وصنع «2» الناس لاطفالهم مكابّ من السّعف يكبّونها عليهم بالليل، ودام ذلك عدّة ليال. وفيها عزل المقتدر الوزير علىّ بن عيسى، وكان قد ثقل عليه أمر الوزارة وضجر من سوء أدب الحاشية واستعفى غير مرّة؛ ولما عزله المقتدر لم يتعرّض له بسوء، وكانت وزارته ثلاث سنين وعشرة أشهر وثمانية عشر يوما؛ وأعيد أبو الحسن بن الفرات الى الوزارة. وفيها توفّى زيادة الله بن عبد الله بن إبراهيم بن أحمد بن محمد بن الأغلب الأمير أبو نصر، وقيل: أبو منصور، صاحب الفيروان. قال الحميرىّ: يقال له زيادة الله الأصغر وجدّ جدّه زيادة الله الأكبر. وردّ زيادة الله الى مصر منهزما من عبيد الله المهدىّ الخارجىّ فأكرم، وقيل: إنه مات في «3» برقة، وقيل: بالرملة. وفيها توفّى يموت ابن «4» المزرّع بن يموت أبو بكر العبدى من عبد القيس، كان من البصرة ثم رحل عنها ونزل بغداد ثم قدم دمشق ثم سكن طبريّة «5» ، وكان حافظا ثقة محدّثا أخباريا. وفيها توفى يوسف بن الحسين بن علىّ الحافظ أبو يعقوب الرازىّ شيخ الرىّ والجبال «6» فى وقته، كان عالما زاهدا ورعا كبير الشأن. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع سواء. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا مثل الماضية.

ما وقع من الحوادث سنة 305

*** [ما وقع من الحوادث سنة 305] السنة الثالثة من ولاية ذكا الرومىّ على مصر، وهى سنة خمس وثلثمائة- فيها حجّ بالناس الفضل بن عبد الملك الهاشمىّ وهى تمام ستّ عشرة حجّة حجّها بالناس. وفيها خلع الخليفة المقتدر على أبى الهيجاء عبد الله بن حمدان وإخوته خلعة الرضا. وفيها قدمت رسل ملك الروم بهدايا تطلب عقد هدنة، فشحنت «1» رحبات دار الخلافة والدهاليز بالجند والسلاح، وفرشت سائر القصور بأحسن الفرش، ثم احضر الرسل والمقتدر على سريره والوزير ومؤنس الخادم قائمان بالقرب منه. وذكر الصّولىّ احتفال المقتدر بمجيء الرسل فقال: أقام المقتدر العساكر وصفّهم بالسلاح، وكانوا مائة وستين ألفا، وأقامهم من باب الشمّاسيّة الى دار الخلافة، وبعدهم الغلمان وكانوا سبعة آلاف خادم وسبعمائة حاجب؛ ثم وصف أمرا مهولا قال: كانت الستور ثمانية وثلاثين ألف ستر من الديباج، ومن البسط اثنان وعشرون ألفا، وكان في الدار مائة سبع في السلاسل، ثم أدخلوا دار الشجرة وكان في وسطها بركة والشجرة فيها، ولها ثمانية عشر غصنا عليها الطيور المصوغة تصفر، ثم أدخلوا الى الفردوس وبها من الفرش ما لا يقوّم، وفي الدهاليز عشرة آلاف جوشن «2» مذهّبة معلّقة وأشياء كثيرة يطول الشرح في ذكرها. وفيها وردت هدايا صاحب «3» عمان، فيها طير أسود يتكلّم بالفارسيّة والهندية «4» أفصح من الببّغاء، وظباء سود. وفيها توفّى الأمير غريب خال الخليفة المقتدر بالله بعلّة الذّرب «5» ، كان محترما في الدولة، وهو قاتل عبد الله بن المعتزّ حتّى قرّر

ما وقع من الحوادث سنة 306

جعفرا المقتدر. وفيها توفّى سليمان بن محمد «1» بن أحمد أبو موسى النحوىّ كان يعرف بالحامض «2» ، وكان إماما في النحو وغيره وله تصانيف كثيرة، منها:" خلق الانسان"، و" كتاب الوحوش والنبات"، و" غريب الحديث" ومات في ذى الحجّة. وفيها توفّى عبد الصمد بن عبد الله القاضى أبو محمد القرشىّ قاضى دمشق، حدّث عن هشام ابن عمّار وغيره، وروى عنه أبو زرعة الدّمشقىّ وجماعة أخر. وفيها توفّى الفضل بن الحباب بن محمد بن شعيب أبو خليفة الجمحىّ البصرىّ، كان رحلة «3» الآفاق في زمانه، واسم أبيه عمرو ولقبه الحباب، ولد سنة ستّ ومائتين، وكان محدّثا ثقة راوية للأخبار فصيحا مفوها أديبا. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وعشر أصابع. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وإصبعان. *** [ما وقع من الحوادث سنة 306] السنة الرابعة من ولاية ذكا الرومىّ على مصر، وهى سنة ستّ وثلثمائة- فيها فتح بيمارستان «4» السيدة أمّ المقتدر «5» ببغداد، وكان طبيبه سنان بن ثابت، وكان مبلغ النفقة فيه في العام سبعة آلاف دينار. وفيها أمرت أمّ المقتدر ثمل القهرمانة «6» أن تجلس بالتّربة التى بنتها بالرّصافة للمظالم وتنظر في رقاع الناس في كلّ يوم «7» جمعة؛ فكانت

ثمل المذكورة تجلس ويحضر الفقهاء والقضاة والأعيان وتبرز التواقيع وعليها خطّها. وفيها حجّ بالناس الفضل بن عبد الملك الهاشمىّ؛ وقيل: أحمد بن العباس أخو أمّ موسى القهرمانة. وفيها توفّى أحمد بن عمر بن سريج القاضى أبو العبّاس البغدادىّ الفقيه العالم المشهور، قال الدارقطنىّ: كان فاضلا لولا ما أحدث في الإسلام مسألة الدور «1» فى الطلاق. وفيها توفّى أحمد بن يحيى الشيخ أبو عبد الله بن الجلّى «2» أحد مشايخ الصوفيّة الكبار، صحب أباه وذا النون المصرىّ وأبا تراب «3» النّخشبىّ؛ قال الرّقىّ «4» : [لقيت نيّفا «5» وثلثمائة من المشايخ المشهورين فما لقيت أحدا بين يدى الله وهو يعلم أنه بين يدى الله أهيب من ابن الجلّى] . وفيها توفّى الأمير أبو عبد الله الحسين بن حمدان ابن حمدون التّغلبىّ «6» عمّ السلطان سيف الدولة بن حمدان، كان معظّما في الدول، ولّاه الخليفة المكتفى محاربة الطّولونيّة، ثم ولى حرب القرامطة في أيام المقتدر؛ ثم ولى ديار ربيعة فغزا وافتتح حصونا وقتل خلقا من الروم، ثم خالف وعصى على الخلافه فسار لحربه رائق الكبير فانكسر فتوجّه رائق إلى مؤنس الخادم وانضم إليه وعاد إليه

ذكر ولاية تكين الثانية على مصر

وقاتله حتى ظفر به وأسره ووجّهه الى الخليفة فحبسه الى أن قتل في محبسه ببغداد؛ وكان من أجلّ الأمراء بأسا وشجاعة، وهو أوّل من ظهر أمره من ملوك بنى حمدان. وفيها توفّى عبدان بن أحمد بن موسى بن زياد أبو محمد الأهوازىّ الجواليقىّ الحافظ، وكان اسمه عبد الله فخفّف بعبدان، وهو أحد من طاف البلاد في طلب الحديث وسمع الكثير وصنّف التصانيف ورحل الناس إليه، وكان أحد الحفّاظ الأثبات. وفيها توفّى محمد بن خلف بن حيّان بن صدقة أبو بكر القاضى الضّبّىّ ويعرف بوكيع، كان عالما نبيلا فصيحا عارفا بالسّير وأيام الناس، وله تصانيف كثيرة في أخبار القضاء وعدد آيات القرآن وغير ذلك. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وتسع عشرة إصبعا. ذكر ولاية تكين الثانية على مصر ولاية الأمير تكين الثانية على مصر- وليها من قبل المقتدر بعد موت ذكا الرومىّ في شهر ربيع الأوّل سنة سبع وثلثمائة، وسار من بغداد الى مصر؛ وكان المقتدر قد جهّز جيشا الى مصر نجدة لذكا وعلى الجيش الأمير إبراهيم بن كيغلغ والأمير محمود ابن جمل «1» فدخلوا مصر قبل تكين في شهر ربيع الأوّل المذكور؛ ثم دخل تكين بعدهم بمدّة فى حادى عشرين من شعبان من السنة؛ فلما وصل تكين الى مصر أقرّ على شرطته ابن طاهر، ثم تجهّز بسرعة وخرج من الديار المصريّة بجيوش مصر والعراق ونزل بالجيزة وحفر بها خندقا ثانيا غير الذي حفره ذكا قبل موته.

وأمّا عسكر المغاربة فإنّ مقدّمة القائم ابن المهدىّ عبيد الله الفاطمىّ دخلت الإسكندريّة في صفر هذه السنة، فاضطرب أهل مصر ولحق كثير منهم بالقلزم والحجاز لا سيما لمّا مات ذكا؛ فلما قدم تكين هذا تراجع الناس. ثم إنّ تكين بلغه أنّ القائم محمدا قد اعتلّ بالإسكندريّة علّة صعبة وكثر المرض في جنده فمات داود بن حباسة ووجوه من القوّاد؛ ثم تحاملوا ومشوا إلى جهة مصر، فاستمرّ تكين بمنزلته من الجيزة إلى أن أقبلت عساكر المهدىّ، فاستقبله المذكور فتقاتلا قتالا شديدا انتصر فيه تكين وظفر بالمراكب في شوّال من السنة؛ وتوجّهت عساكر المهدىّ إلى نحو الصعيد، وعاد تكين إلى مصر مؤيّدا منصورا، ودام بها إلى أن حضر إليها مؤنس الخادم فى نحو ثلاثة آلاف من عساكر العراق في المحرّم سنة ثمان وثلثمائة، وخرج تكين إلى الجيزة ثانيا وبعث ابن كيغلغ إلى الأشمونين «1» لقتال عساكر المهدىّ (أعنى المغاربة) فتوجّه إليه ابن كيغلغ المذكور فمات بالبهنسا في أوّل ذى القعدة. ثم بلغ تكين أنّ ابن المدينىّ القاضى وجماعة بمصر يدعون إلى المهدىّ، فأخذهم وضرب أعناقهم وحبس أصحابه. وملك أصحاب المهدىّ الفيّوم وجزيرة الأشمونين وعدّة بلاد، وضعف أمر تكين عنهم؛ فقدم عليه نجدة ثانية من العراق عليها جنّىّ الخادم «2» فى ذى الحجّة من السنة؛ خرج جنىّ أيضا بمن معه إلى الجزيرة؛ وتوجّه الجميع لقتال عساكر المهدىّ، فكانت بينهم حروب وخطوب بالفيوم والإسكندريّة، وطال ذلك بينهم أياما كثيرة إلى أن رجع أبو القاسم القائم محمد بن المهدىّ عبيد الله بعساكره إلى برقة. وأقام تكين بعد ذلك مدّة، وصرفه مؤنس الخادم عن إمرة مصر في يوم الأحد

ما وقع من الحوادث سنة 307

لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأوّل من سنة تسع وثلثمائة، وولّى مكانه على مصر أبا قابوس محمود بن جمل؛ وكانت ولاية تكين هذه الثانية على مصر نحو السنة وسبعة أشهر تخمينا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 307] السنة التى حكم فيها ذكا وفي آخرها تكين على مصر، وهى سنة سبع وثلثمائة- فيها اجدبت العراق فخرج أبو العباس أخو أمّ موسى القهرمانة والناس معه فاستقبوا. وفيها خلع المقتدر على نازوك الخادم وولّاه دمشق. وفيها خلع المقتدر على أبى منصور بن أبى دلف وولّاه «1» ديار بكر وسميساط. وفيها دخلت القرامطة البصرة فنهبوها وقتلوا وسبوا. وفيها توفّى الفضل بن عبد الملك الهاشمىّ العباسىّ البغدادىّ بها، وكان صاحب الصلاة بمدينة السلام وأمير مكّة والموسم، وقد تقدّم ذكر أنه حجّ بالناس نحو العشرين سنة، وتولّى ابنه عمر مكانه، وكانت وفاته في صفر. وفيها توفّى أحمد بن علىّ بن المثنّى بن يحيى بن عيسى بن هلال أبو يعلى التميمىّ الموصلىّ الحافظ صاحب المسند، ولد في شوّال سنة عشرين ومائتين، وكان إماما عالما محدّثا فاضلا؛ وثّقه ابن حبّان «2» ووصفه بالإتقان والدّين، وقال: بينه وبين النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثلاثة أنفس. وقال الحاكم: هو ثقة مأمون، سمعت أبا علىّ الحافظ يقول: كان أبو يعلى لا يخفى عليه من حديثه إلا اليسير. وفيها توفّى علىّ بن سهل بن الأزهر

ما وقع من الحوادث سنة 308

أبو الحسن الأصبهانىّ، كان أوّلا من أبناء الدنيا المترفين فتزهّد وخرج عما كان فيه، وكان يكاتب الجنيد فيقول الجنيد: «1» ما أشبه كلامه بكلام الملائكة!. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وتسع عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 308] السنة الثانية من ولاية تكين الثانية على مصر، وهى سنة ثمان وثلثمائة- فيها غلت الأسعار ببغداد وشغبت العامّة ووقع النهب، فركبت الجند؛ وسبب ذلك ضمان «2» حامد بن العباس السواد وتجديد المظالم لمّا ولى الوزارة «3» ، وقصدوا دار حامد فخرج اليهم غلمانه فحاربوهم ودام القتال بينهم أياما وقتل منهم «4» خلائق، ثم اجتمع من العامّة نحو عشرة آلاف، فأحرقوا الجسر وفتحوا السجون ونهبوا الناس، فركب هارون [بن غريب «5» ] فى العساكر وركب حامد بن العباس في طيّار «6» فرجموه، واختلّت أحوال الدولة العبّاسية وغلبت الفتن ومحقت الخزائن. وفيها استولى عبيد الله الملقّب بالمهدىّ الداعى على بلاد المغرب وعظم أمره؛ ومن يومئذ أخذ أمر عبيد الله هذا في إقبال،

ذكر ولاية أبى قابوس محمود على مصر

وأخذت الدولة العباسيّة في إدبار. وفيها توفّى جعفر بن محمد بن جعفر بن الحسن «1» ابن جعفر بن الحسن بن علىّ بن أبى طالب العلوىّ، كان فاضلا ورعا، مات في ذى القعدة. وفيها توفّى عبد الله بن ثابت بن يعقوب الشيخ أبو عبد الله التّوّزىّ (بزاى معجمة) ولد سنة ثلاث وعشرين ومائتين، وسكن بغداد ومات غريبا بالرّملة، وكان فاضلا عالما. وفيها توفّى إمام جامع المنصور الشيخ محمد بن هارون بن العباس بن عيسى بن أبى جعفر المنصور بن محمد بن على بن عبد الله بن العباس الهاشمىّ العباسىّ، كان معرقا في النسب، أمّ بجامع المنصور خمسين سنة، وولى ابنه جعفر بعده فعاش تسعة أشهر ومات. وفيها توفّيت ميمونة بنت المعتضد «2» بالله الهاشميّة العباسيّة عمّة الخليفة المقتدر، كانت من عظماء نساء عصرها. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشر أصابع. ذكر ولاية أبى قابوس محمود على مصر هو محمود بن جمل «3» أبو قابوس، ولّاه مؤنس الخادم إمرة مصر بعد عزل تكين عنها لأمر اقتضى ذلك في يوم الأحد ثالث «4» عشر شهر ربيع الأوّل سنة تسع وثلثمائة، فلم ينجح أمره، وخالفت عليه جند مصر استصغارا له؛ فعزله مؤنس بعد ثلاثة أيّام في يوم الثلاثاء لستّ عشرة خلت من شهر ربيع الأوّل المذكور؛ وعاد الأمير

ذكر ولاية تكين الثالثة على مصر

نكين على إمرة مصر لثالث مرّة. وكانت ولاية محمود هذا على مصر ثلاثة أيام، على أنه لم يبتّ فيها أمراء قلت: ومتى تفرّغ «1» للنظر في الأمور! فانه يوم لبس الخلعة جلس فيه للتهانىّ، ويوم عزل للتآسى؛ فإمرته على هذا يوم واحد وهو يوم الاثنين، فما عسى [أن] يصنع فيه!. وكان مؤنس الخادم حضر إلى مصر في عسكر من قبل الخليفة المقتدر في سنة ثمان وثلثمائة، فصار يدبّر أمرها ويراجع الخليفة. ذكر ولاية تكين الثالثة على مصر ولما عزل مؤنس الخادم تكين هذا بأبى قابوس في ثالث عشر شهر ربيع الأوّل سنة تسع وثلثمائة بغير جنحة عظم ذلك على المصريين، فلم يلتفت مؤنس لذلك وولّى أبا قابوس على إمرة مصر عوضه، فكثر الكلام في عزل تكين المذكور وولاية أبى قابوس حتى أشيع بوقوع فتنة؛ وتكلّم الناس وأعيان مصر مع مؤنس الخادم في أمر تكين وخوّفوه عاقبة ذلك وألحّوا عليه في عوده، فأذعن لهم بذلك وأعاده فى يوم الثلاثاء سادس عشرين شهر ربيع الأوّل على رغمه حتى أصلح من أمره ما دبّره من أمر المصريين، وقرّر مع القوّاد ما أراده من عزل تكين المذكور عن إمرة مصر، ولا زال بهم حتى وافقه الجميع؛ فلما رأى مؤنس أن الذي رامه تمّ له عزله بعد أربعة أيام من ولايته، وذلك في يوم تاسع عشرين شهر ربيع الأوّل وهو يوم سلخه من سنة تسع وثلثمائة. ثم بدا لمؤنس إخراج تكين هذا من الديار المصريّة خوف الفتنة، فأخرجه منها إلى الشأم في أربعة آلاف من أهل الديوان؛ وبعث مؤنس إلى الخليفة يعرّفه بما فعل؛ فلما بلغ الخليفة ذلك ولّى على مصر الأمير هلال آبن بدر الآتى ذكره، وأرسله إلى الدّيار المصريه.

ذكر ولاية هلال بن بدر على مصر

ذكر ولاية هلال بن بدر على مصر هو هلال بن بدر الأمير أبو الحسن؛ ولى إمرة مصر بعد عزل تكين عنها فى شهر ربيع الآخر- أعنى من دخوله إلى مصر؛ فإنه قدمها في يوم الاثنين لسّت خلون من شهر ربيع الآخر من سنة تسع وثلثمائة، ولّاه الخليفة المقتدر على الصلاة. ولما دخل إلى مصر أقرّ ابن طاهر على الشّرطة ثم صرفه بعد مدّة بعلىّ بن فارس. وكان هلال هذا لما قدم إلى مصر جاء معه كتاب الخليفة المقتدر لمؤنس بخروجه من مصر وعوده إلى بغداد، فلما وقف مؤنس على كتاب الخليفة تجهّز وخرج من الديار المصريّة بعساكر العراق ومعه محمود بن جمل الذي كان ولى مصر. وكان خروج مؤنس من مصرفى يوم ثامن عشر شهر ربيع الآخر من سنة تسع وثلثمائة المذكورة. وأقام هلال بن بدر المذكور على إمرة مصر وأحوالها مضطربة إلى أن خرج عليه جماعة من المصريين وأجمعوا على قتاله، وتشغّبت الجند أيضا ووافقوهم على حربه، وانضمّ الجميع بمن معهم وخرجوا من الديار المصرية إلى منية الأصبغ ومعهم الأمير محمد بن طاهر صاحب الشرطة. ولمّا بلغ هلالا هذا أمرهم تهيّأ وتجهّز لقتالهم، وجمع من بقى من جند مصر وطلب المقاتلة وأنفق فيهم وضمّهم إليه وجهّزهم، ثم خرج بهم وحواشيه إلى أن وافاهم وقاتلهم أياما عديدة؛ وطال الأمر فيما بينه وبينهم، ووقع له معهم حروب، وكثر القتل والنهب بينهم، وفشا الفساد وقطع الطريق بالديار المصرية؛ فعظم ذلك على أهل مصر، لا سيما الرعيّة. وضعف ابن هلال هذا عن إصلاح أحوال مصر، فصار كلّما سدّ أمرا انخرق عليه آخر؛ فكانت أيامه على مصر شرّ أيام. ولما تفاقم الأمر عزله الخليفة المقتدر بالله جعفر عن إمرة مصر بالأمير

ما وقع من الحوادث سنة 309

أحمد بن كيغلغ. فكانت ولاية هلال المذكور على مصر سنتين وأياما، قاسى فيها خطوبا وحروبا ووقائع وفتنا، إلى أن خلص منها كفافا لا له ولا عليه. *** [ما وقع من الحوادث سنة 309] السنة التى حكم في أوّلها تكين إلى ثالث عشر شهر ربيع الأوّل، ثم أبو قابوس محمود ثلاثة أيام، ثم تكين المذكور أربعة أيام، ثم هلال بن بدر إلى آخرها، وهى سنة تسع وثلثمائة- فيها كانت مقتلة الحلّاج واسمه الحسين بن منصور بن محمّى أبو مغيث، وقيل: أبو عبد الله، الحلّاج. كان جدّه محمّى مجوسيّا فأسلم. ونشأ الحلّاج بواسط، وقيل: بتستر، وتلمذ لسهل بن عبد الله التسترىّ، ثم قدم بغداد وخالط الصوفيّة ولقى الجنيد والنّورىّ «1» وابن عطاء «2» وغيرهم. وكان في وقت يلبس المسوح وفي وقت الثياب المصبّغة وفي وقت الأقبية. واختلفوا في تسميته بالحلّاج، قيل: إن أباه كان حلّاجا، وقيل: إنه تكلّم على الناس [و «3» على ما في قلوبهم] فقالوا: هذا حلّاج الأسرار، وقيل: إنه مرّ على حلّاج فبعثه «4» في شغل له فلما عاد الرجل وجده قد حلّج كلّ قطن في الدكان. وقد دخل الحلّاج الهند وأكثر الأسفار وجاور بمكة سنين، ثم وقع له أمور يطول شرحها، وتكلّم في اعتقاده بأقوال كثيرة حتى اتفقوا على زندقته، والله أعلم بحاله. وكان قد حبس في سنة إحدى وثلثمائة فأخرج في هذه السنة من الحبس في يوم الثلاثاء لثلاث بقين من ذى القعدة، وقيل: لستّ بقين منه، فضرب

ألف سوط ثم قطعت أربعته ثم حزّ رأسه وأحرقت جثّته، ونصب رأسه على الجسر أياما، ثم أرسل إلى خراسان فطيف به. وفيها وقع بين أبى جعفر محمد بن جرير الطبرىّ وبين السادة الحنابلة كلام، فحضر أبو جعفر عند الوزير علىّ بن عيسى لمناظرتهم ولم يحضروا. وفيها قدم مؤذن؟؟؟ الخادم على الخليفة من مصر فخلع عليه ولقّبه بالمظفّر. قلت: وهذا أوّل لقب سمعناه من ألقاب ملوك زماننا. وفيها توفى محمد بن خلف بن المرزبان بن بسّام أبو بكر المحوّلىّ- والمحوّل: قرية غربىّ بغداد- كان إماما عالما، وله التصانيف الحسان، وهو مصنّف كتاب" تفضيل «1» الكلاب على كثير ممن لبس الثياب"، وحدّث عن الزبير بن بكّار وغيره، وروى عنه ابن الأنبارىّ وغيره، وكان صدوقا ثقة. وفيها توفى محمد بن [أحمد «2» بن] راشد بن معدان الحافظ أبو بكر الثقفىّ مولاهم، كان حفّاظا محدّثا، طاف البلاد ولقى الشيوخ وصنّف الكتب، ومات بشروان «3» . الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أحمد بن أنس «4» ابن مالك الدمشقىّ، وأبو عمرو أحمد بن «5» نصر الخفّاف الزاهد، وعلى بن «6» سعيد بن بشير

ما وقع من الحوادث سنة 310

الرازىّ، ومحمد بن حامد بن سرىّ يعرف «1» بخال السّنّىّ، ومحمد بن يزيد «2» بن عبد الصمد، وممشاد الدّينورىّ «3» الزاهد. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وثلاث عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثلاث أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 310] السنة الثانية من ولاية هلال بن بدر على مصر، وهى سنة عشر وثلثمائة- فيها قبض الخليفة المقتدر على أمّ موسى القهرمانة وصادر أخاها وحواشيها وأهلها؛ وسبب ذلك أنّها زوّجت بنت أخيها أبى بكر «4» أحمد بن العباس من أبى العباس محمد بن إسحاق بن المتوكّل على الله، وكان من سادة بنى العباس يترشّح للخلافة، فتمكّن أعداؤها من السعى عليها، وكانت قد أسرفت بالمال في جهازها، وبلغ المقتدر أنها تعمل له على الخلافة؛ فكاشفتها السيدة أمّ المقتدر وقالت: قد دبرّث على ولدى وصاهرت ابن المتوكّل حتى تقعديه في الخلافة؛ فسلّمتها الى ثمل القهرمانة ومعها أخوها وأختها، وكانت ثمل مشهورة بالشرّ وقساوة القلب، فبسطت عليهم العذاب واستخرجت منهم الأموال والجوهر؛ يقال: إنه حصّل من جهتهم ما مقداره ألف ألف دينار. وفيها قلّد الخليفة المقتدر نازوك الشّرطة بمدينة السلام مكان محمد بن

عبد الله بن طاهر. وفيها توفّى بدر [بن عبد الله «1» ] الحمامىّ الكبير أبو النجم «2» المعتضدىّ، كان أوّلا مع ابن طولون فولّاه الأعمال الجليلة، ثم جهّزه خمارويه إلى الشأم لقتال القرمطىّ فواقعه وقتله، ثم ولى من قبل الخلفاء أصبهان وغيرها إلى أن مات على عمل مدينة «3» فارس، وكان أميرا ديّنا شجاعا وجوادا محبّا للعلماء والفقراء؛ وقيل: إنّه كان مستجاب الدعوة؛ ولما مات ولّى المقتدر مكانه ابنه محمّدا. وفيها توفّى محمد بن جرير ابن يزيد بن كثير «4» بن غالب أبو جعفر الطبرىّ العالم المشهور صاحب التاريخ وغيره، مولده في آخر سنة أربع وعشرين ومائتين أو أوّل سنة خمس وعشرين ومائتين، وهو أحد أئمة العلم، يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه، وكان متفنّنا في علوم كثيرة، وكان واحد عصره؛ وكانت وفاته في شوّال بخراسان، وأصله من مدينة طبرستان. قال أبو بكر الخطيب: «جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، فكان حافظا لكتاب الله، بصيرا بالمعانى، فقيها في أحكام القرآن، عالما بالسنن وطرقها، صحيحها وسقيمها، ناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين، بصيرا بأيّام الناس وأخبارهم؛ له الكتاب المشهور في تاريخ الأمم، وكتاب التفسير، وكتاب تهذيب الآثار لكن لم يتمّه؛ وله في الأصول والفروع كتب كثيرة» . انتهى. وفيها توفّى أحمد بن يحيى بن زهير أبو جعفر التسترىّ الحافظ الزاهد، سمع الكثير وحدّث وروى عنه خلق كثير. قال الحافظ أبو عبد الله بن مندة: ما رأيت في الدنيا أحفظ من أبى جعفر التسترىّ؛ وقال التسترىّ: ما رأيت في الدنيا أحفظ من أبى زرعة الرازىّ؛ وقال أبو زرعة: ما رأيت في الدنيا أحفظ من أبى بكر بن أبى شيبة.

ذكر ولاية أحمد بن كيغلغ الأولى على مصر

الذين ذكر الذهبى وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى إسحاق بن إبراهيم ابن محمد بن حنبل «1» الأصبهانىّ، وأبو شيبة «2» داود بن إبراهيم، وعلى بن عبّاس المقانعىّ البجلىّ، ومحمد بن أحمد بن حمّاد أبو بشر الدّولابىّ في ذى القعدة، وأبو جعفر محمد ابن جرير الطبرىّ في شوّال، وله أربع وثمانون سنة، وأبو عمران موسى بن جرير الرّقّىّ، والوليد بن أبان أبو العباس الأصبهانىّ. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وإحدى وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وتسع أصابع. ذكر ولاية أحمد بن كيغلغ الأولى على مصر هو أحمد بن كيغلغ الأمير أبو العبّاس؛ ولّاه المقتدر إمرة مصر بعد عزل هلال ابن بدر عنها في شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة وثلثمائة؛ فلما وليها قدم ابنه العباس خليفته على مصر، فدخلها العباس المذكور في مستهلّ جمادى الأولى من سنة إحدى عشرة وثلثمائة، فأقرّ ابن منجور على الشرطة، ثم قدم أحمد بن كيغلغ إلى مصر ومعه محمد بن الحسين بن عبد الوهاب الماذرائىّ على الخراج؛ ولما دخلا إلى مصر أحضرا الجند ووضعا العطاء لهم، وأسقطا كثيرا من الرّجالة «3» ، وكان ذلك بمنية «4» الأصبغ، فثار الرجّالة، ففرّ أحمد بن كيغلغ منهم الى فاقوس، وهرب الماذرائىّ ودخل المدينة لثمان خلون من شوّال. وأما الأمير أحمد بن كيغلغ هذا فإنه أقام بفاقوس الى أن صرف عن إمرة مصر بتكين في ثالث ذى القعدة سنة إحدى عشرة وثلثمائة؛ فكانت ولايته على مصر نحوا من سبعة أشهر؛ وتولّى تكين مصر عوضه وهى ولايته الرابعة

ما وقع من الحوادث سنة 311

على مصر. وشقّ ذلك على الخليفة. غير أنه أطاع الجند وأرضاهم واستمالهم مخافة من عساكر المهدىّ الفاطمىّ؛ فإن عساكره تداول تحكّمهم الى نحو الديار المصريّة فى كلّ قليل؛ وصار أمير مصر في حصر من أجل ذلك وهو محتاج الى الجند وغيرهم، لأجل القتال والدفع عن الديار المصريّة. قلت: ويأتى بقيّة ترجمة أحمد بن كيغلغ هذا في ولايته الثانية على مصر إن شاء الله تعالى. *** [ما وقع من الحوادث سنة 311] السنة التى حكم في غالبها الأمير أحمد بن كيغلغ على مصر، وهى سنة إحدى عشرة وثلثمائة- فيها صرف أبو عبيد «1» بن حربويه عن قضاء مصر وتأسّف الناس عليه وفرح هو بالعزل وانشرح له؛ وولى قضاء مصر بعده أبو يحيى عبد الله بن إبراهيم ابن مكرم. وفي هذه السنة ظهر شاكر الزاهد صاحب حسين الحلّاج وكان من أهل بغداد. قال السّلمىّ في تاريخ الصوفيّة: شاكر خادم الحلّاج كان متّهما مثل الحلّاج، ثم حكى عنه حكايات إلى أن قتل وضربت رقبته بباب الطاق «2» . وفيها صرف المقتدر حامد بن العبّاس عن الوزارة، وعلىّ بن عيسى عن الديوان؛ وكانت ولايتهما أربع سنين وعشرة أشهر وأربعة عشر يوما. واستوزر المقتدر أبا الحسن علىّ بن محمد بن الفرات الثالثة في يوم الخميس لسبع بقين من شهر ربيع الآخر؛ وهذه ولاية ابن الفرات الثالثة للوزارة. وفيها نكب الوزير أبو الحسن بن الفرات المذكور أبا علىّ بن مقلة كاتب حامد بن العبّاس وضيّق عليه. وابن مقلة هذا هو صاحب الخطّ المنسوب [إليه] ، يأتى ذكره إن شاء الله تعالى في محلّه. وفيها دخل أبو طاهر سليمان بن

الحسن الجنّابىّ القرمطىّ الى البصرة ووضع السيف في أهلها وأحرق البلد والجامع ومسجد طلحة وهرب الناس وألقوا بأنفسهم في الماء فغرق معظمهم. وفيها توفّى ابراهيم بن السّرىّ بن سهل أبو إسحاق الزجّاج الإمام الفاضل مصنّف" كتاب معانى القرآن" و" الاشتقاق" و" القوافى والعروض" و" فعلت وأفعلت" ومختصرا فى النحو، وغير ذلك. وفيها توفّى الوزير الأمير حامد بن العبّاس، كان أوّلا على نظر فارس وأضيف إليها البصرة، ثم آل أمره إلى أن طلب وولّى الوزارة للمقتدر؛ وكان كثير الأموال والحشم بحيث إنه كان له أربعمائة مملوك يحملون السلاح وفيهم جماعة أمراء؛ كان جوادا ممدّحا كريما، غير أنه كان فيه شراسة خلق، وكان ينتصب في بيته كلّ يوم عدّة موائد ويطعم كلّ من حضر إلى بيته حتى العامة والغلمان، فيكون فى بعض الأيام أربعون مائدة. ورأى يوما في دهليزه قشر باقلاء، فأحضر وكيله وقال له: ويحك! يؤكل في دارى باقلاء! فقال: هذا فعل البوّابين؛ فقال: أو ليست لهم جراية لحم؟ قال: بلى؛ [فقال «1» : سلهم عن السبب؛ فسألهم] فقالوا: لا نتهنّا بأكل اللحم دون عيالنا فنحن نبعثه إليهم ونجوع بالغداة فنأكل الباقلاء؛ فأمر أن يجرى عليهم لحم لعيالهم. وقيل: إنه ركب قبل الوزارة بواسط إلى بستان له فرأى شيخا يولول وحوله نساء وصبيان يبكون، فسأل حامد عن خبرهم؛ فقيل له: احترق منزله وقماشه فافتقر؛ فرقّ له حامد وطلب وكيله وقال له: أريد منك أن تضمن لى ألّا أرجع عشيّة من النزهة إلّا وداره كما كانت مجصّصة، وبها المتاع والقماش والنّحاس كما «2» كانت، وتبتاع له ولعياله كسوة الشتاء والصيف مثل ما كانوا؛ فأسرع فى طلب الصّنّاع وبادروا فى العمل، وصبّ الدراهم وأضعف الأجر حتى فرغوا من

الجميع بعد العصر، فلما ردّ حامد وقت العتمة شاهدها مفروغا «1» منها بآلاتها وأمتعتها الجدد، وازدحم الناس يتفرّجون وضجّوا لحامد بالدعاء؛ ونال «2» التاجر من المال فوق ما ذهب له، ثم زاده بعد ذلك كلّه خمسة آلاف درهم ليقوّى بها تجارته. وفيها توفّى محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السّلمىّ النيسابورىّ الحافظ أبو بكر، ولد في صفر سنة ثلاث وعشرين ومائتين. قال الدارقطنى: كان ابن خزيمة إماما ثبتا معدوم النظير. توفّى ثانى ذى القعدة. وفيها توفّى محمد بن زكريا أبو بكر الرازىّ الطبيب العلّامة في علم الأوائل وصاحب المصنّفات المشهورة، مات ببغداد وقد انتهت إليه الرياسة في فنون من العلوم، وكان في صباه مغنيّا [يضرب] بالعود. قيل: إنه لما ترك الضرب بالعود والغناء قيل له في ذلك؛ فقال: كل غناء يطلع بين شارب ولحية لا يستحسن. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أحمد بن محمد «3» بن هارون أبو بكر الخلّال الحنبلىّ، وإبراهيم بن السّرىّ أبو إسحاق الزجّاج في جمادى الآخرة، وحمّاد بن شاكر النسفىّ، وعبد الله بن إسحاق المدائنىّ، وأبو حفص عمر بن محمد ابن بجير «4» السّمرقندىّ، وأبو بكر بن إسحاق بن خزيمة السّلمىّ في ذى القعدة، ومحمد ابن زكريا الرازىّ الطبيب. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وإحدى وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وثلاث عشرة إصبعا.

ذكر ولاية تكين الرابعة على مصر

ذكر ولاية تكين الرابعة «1» على مصر قد تقدّم ذكره في ولايته على مصر، وأنه صرف عن إمرة مصر في النّوبة الثالثة بهلال بن بدر، ثم ولى بعد هلال بن بدر الأمير ابن كيغلغ؛ فلما وقع لابن كيغلغ ما وقع من خروج جند مصر عليه واضطربت أحوال الديار المصرية وبلغ الخليفة المقتدر ذلك صرف ابن كيغلغ وأعاد تكين هذا على إمرة مصر رابع مرّة. ووصل رسول تكين هذا إلى مصر بإمرته يوم الخميس لثلاث خلون من ذى القعدة سنة إحدى عشرة وثلثمائة؛ وخلفه ابن منجور على الصلاة إلى أن قدم مصر فى يوم عاشوراء من سنة اثنتى عشرة وثلثمائة، فأقرّ ابن منجور على الشّرطة ثم عزله، وولى قرا «2» تكين، ثم عزل قراتكين وولّى وصيفا الكاتب، ثم عزله أيضا وولّى بجكم الأعور؛ كلّ ذلك من اضطراب المصريّين، حتى مهّد أمور الديار المصريّة وتمكّن [و «3» ] أسقط كثيرا من الجند وكانوا أهل شرّ ونهب ونفاق؛ ثم نادى ببراءة الذمّة ممن أقام منهم بالديار المصريّة «4» بعد ذلك؛ فخرج الجميع على حميّة وأجمعوا على قتله؛ فتهيأ تكين أيضا لقتالهم وجمع العساكر؛ وصلّى الجمعة بدار الإمارة بالعسكر وترك حضور الجماعة خوفا من وقوع فتنة؛ ولم يصلّ قبله أحد من الأمراء بدار الإمارة الجمعة؛ وأنكر عليه أبو الحسن علىّ بن محمد الدّينورىّ ذلك وأشياء أخر؛ وبلغ تكين ذلك فأمر بإخراج الدينورىّ من مصر إلى القدس فخرج منها؛ ولم يقع له مع الجند ما راموا من القتال. وأخذ في تمهيد مصر إلى أن حسن حالها وتمكّنت

ما وقع من الحوادث سنة 312

قدمه فيها ورسخت، حتى ورد عليه الخبر بموت الخليفة المقتدر في شوّال سنة عشرين وثلثمائة، وبويع بالخلافة من بعده أخوه القاهر بالله محمد؛ فأقرّ القاهر تكين هذا على عمله بمصر وأرسل إليه بالخلع؛ ودام تكين على ذلك حتى مرض ومات بها فى يوم السبت لستّ عشرة خلت من شهر ربيع الأوّل سنة إحدى وعشرين وثلثمائة، وحمل في تابوت الى بيت المقدس فدفن به. وتولّى «1» مصر بعده محمد بن طغج. وكانت ولاية تكين هذه المرّة على مصر تسع سنين وشهرين وخمسة أيام. وكان تكين المذكور يعرف بتكين الخاصّة وبالخزرىّ، وكان أميرا عاقلا شجاعا عارفا مدبّرا، ولى الأعمال الجليلة، وظالت أيّامه في السعادة، وكان عنده سياسة ودربة بالأمور ومعرفة بالحروب. رضى الله عنه. *** [ما وقع من الحوادث سنة 312] السنة الأولى من ولاية تكين الرابعة على مصر، وهى سنة اثنتى عشرة وثلثمائة- فيها حجّ بالناس الحسن «2» بن عبد العزيز الهاشمىّ. وفيها عارض أبو طاهر بن أبى سعيد الجنّابىّ القرمطىّ الحاجّ وهو في ألف فارس وألف راجل، وكان من جملة الحجّاج أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان وأحمد بن بدر عمّ السيدة أمّ المقتدر، وشقيق «3» خادمها وجماعة من الأعيان؛ فأسر القرمطىّ الجميع وأخذ جميع أموال الحاجّ، وسار بهم الى

هجر «1» ؛ ثم بعد أشهر أطلق القرمطىّ أبا الهيجاء عبد الله بن حمدان المذكور. وفيها أرسل القرمطىّ المقدّم ذكره يطلب من المقتدر البصرة والأهواز. وذكر ابن حمدان أنّ القرمطىّ قتل من الحاجّ من الرجال ألفين ومائتين ومن النساء ثلثمائة، وبقى عنده بهجر ألفان ومائتا رجل وخمسمائة امرأة. وفيها فتحت فرغانة «2» على يد أمير خراسان. وفيها أطلق أبو نصر وأبو عبد الله ولدا أبى الحسن بن الفرات وخلع عليهما؛ وقد وزّر أبوهما ابن الفرات ثالث مرّة، وملك من المال ما يزيد على عشرة آلاف ألف دينار، وأودع المال عند وجوه بغداد؛ وكان جبّارا فاتكا، وفيه كرم وسياسة، ومات «3» فى هذه السنة. وفيها توفّيت فاطمة بنت عبد الرّحمن ابن أبى صالح الشيخة أمّ محمد الصوفيّة، كانت من الصالحات المتعبّدات، طال عمرها حتى جاوزت الثمانين، ولقيت جماعة كثيرة من مشايخ القوم، وكان لها أحوال وكرامات. وفيها توفّى محمد بن محمد بن سليمان بن الحارث الحافظ أبو بكر الواسطىّ المعروف بالباغندىّ «4» ، سمع علىّ بن المدينى «5» ومحمد بن عبد الله بن نمير وشيبان بن فرّوخ وغيرهم بمصر والشام والعراق، وعنى بشأن الحديث أتمّ عناية، وروى عنه دعلج ومحمد بن المظفّر وعمر بن شاهين وأبو بكر بن المقرىّ وخلق كثير. قال أبو بكر الأبهرىّ «6» وغيره سمعنا أبا بكر الباغندىّ يقول: أجبت في ثلثمائة ألف مسئلة في حديث

ما وقع من الحوادث سنة 313

النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الدارقطنى: كان كثير التدليس يحدّث بما لم يسمع. ومات في ذى الحجّة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو الحسن علىّ ابن محمد بن موسى بن الفرات الوزير، وأبو بكر محمد بن محمد بن سليمان الباغندىّ، وأبو بكر محمد بن هارون بن المجدّر. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وسبع أصابع. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 313] السنة الثانية من ولاية تكين الرابعة على مصر، وهى سنة ثلاث عشرة وثلثمائة- فيها سار الحاجّ من بغداد ومعهم جعفر بن ورقاء في ألف فارس، فلقيهم القرمطىّ فناوشهم بالحرب، فرجع الناس الى بغداد، ونزل القرمطىّ على الكوفة، فقاتلوه فغلبهم ودخل البلد ونهب ما لا يحصى؛ فندب المقتدر مؤنسا الخادم لحرب القرمطىّ، وجهّزه بألف ألف دينار. وفيها عزل المقتدر أبا القاسم الخاقانىّ الوزير عن الوزارة؛ فكانت وزارته [سنة و «1» ] ستة أشهر؛ واستوزر أحمد ابن عبيد الله بن أحمد بن الخصيب، فسلّم إليه الخاقانىّ، فصادره وكتّابه وأخذ أموالهم. وفيها كان الرّطب كثيرا ببغداد حتى أبيع كلّ ثمانية أرطال بحبّة. وفيها قدم مصر علىّ بن عيسى الوزير من مكّة ليكشفها وخرج بعد ثلاثة أشهر للرملة. وفيها عزل عن قضاء مصر عبد الله بن ابراهيم [بن «2» محمد] بن مكرم بهارون [بن إبراهيم «3» ] بن حمّاد القاضى من قبل المقتدر. وفيها توفّى علىّ بن عبد الحميد [بن عبد «4» الله

ابن سليمان] بن سليمان أبو الحسن الغضائرىّ «1» نزيل حلب، كان صالحا زاهدا، حجّ أربعين حجّة على أقدامه؛ قال: طرقت باب السّرىّ السّقطىّ فسمعته يقول: «اللهمّ اشغل من شغلنى عنك بك» [قال فنالنى «2» بركة هذه الدعوة فحججت على قدمى من حلب الى مكّة أربعين سنة ذاهبا وآئبا] . وفيها توفّى علىّ بن محمد بن بشّار الشيخ أبو الحسن الزاهد العابد البغدادىّ صاحب الكرامات، كان من الأبدال، كان يتكلّم ويعظ الناس وكان لكلامه تأثير في القلوب؛ وكانت وفاته ببغداد ودفن غربيّها، وقبره هناك يقصد للزيارة. وفيها توفّى محمد بن إسحاق بن إبراهيم الثّقفىّ مولاهم النّيسابورىّ الحافظ أبو العبّاس السّراج محدّث خراسان ومسندها. قال أبو إسحاق المزكّى «3» سمعته يقول: «ختمت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتى عشرة ألف ختمة، وضحّيت عنه اثنتى عشرة ألف ضحيّة» . قال محمد بن أحمد الدقّاق: رأيت السّراج يضحّى في كل أسبوع أو أسبوعين أضحية عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ثم يصيح بأصحاب الحديث فيأكلون. وقال الحاكم «4» : سمعت أبى يقول: لمّا ورد الزعفرانىّ «5» وأظهر خلق القرآن سمعت السّراج غير مرّة إذا مرّ بالسوق يقول: «العنوا الزعفرانىّ» ؛ فيصيح الناس بلعنه، حتى ضيّق عليه نيسابور وخرج الى بخارى. وكانت وفاة السّراج في شهر ربيع الآخر، وله سبع «6» وتسعون سنة.

ما وقع من الحوادث سنة 314

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو العباس أحمد ابن محمد الماسرجسىّ، وعبد الله بن زيدان بن يزيد البجلىّ، وعلى بن عبد الحميد الغضائرىّ، وأبو لبيد «1» محمد بن إدريس الشامىّ السّرخسىّ، ومحمد بن إسحاق أبو العباس السّراج في [شهر] ربيع الآخر وله سبع «2» وتسعون سنة، وأبو قريش محمد ابن جمعة القوهستانىّ «3» . أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وثلاث أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وخمس أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 314] السنة الثالثة من ولاية تكين الرابعة على مصر، وهى سنة أربع عشرة وثلثمائة- فيها جمدت دجلة بالموصل وعبرت عليها الدوابّ، وهذا لم يعهد مثله، وسقطت ثلوج كثيرة ببغداد. وفيها نزح أهل مكّة عنها خوفا من القرمطىّ، ولم يحجّ الرّكب العراقىّ في هذين العامين. وفيها دخلت الروم ملطية بالسيف فقتلوا وسبوا وبقوا فيها أيّاما. وفيها ردّ حجّاج خراسان خوفا من القرمطىّ. وفيها قبض المقتدر على الوزير ابن الخصيب لاشتغاله باللهو واختلال الدولة، فأحضر الوزير علىّ بن عيسى فأعيد الى الوزارة. وفيها في شهر رمضان هبّت ريح عظيمة فقلعت شجر نصيبين وهدمت دورها. وفيها توفّى الحسين «4» بن أحمد بن رستم أبو علىّ الكاتب، ويعرف بأبى زنبور الماذرائى، كان من كبار آل طولون، وكان من الفضلاء، أحضره

ما وقع من الحوادث سنة 315

المقتدر لمناظرة ابن الفرات، ثم قلّده خراج مصر، ثم سخط عليه وأحضره الى بغداد وأخذ خطّه بثلاثة آلاف ألف دينار وستمائة ألف دينار؛ ثم أخرج الى مصر مع مؤنس الخادم فمات بدمشق؛ كان فاضلا كاتبا، حدّث عن أبى حفص العطّار وغيره وحدّث عنه الدارقطنىّ. وفيها توفّى نصر بن القاسم [بن نصر «1» ] بن زيد الشيخ الإمام أبو الليث الحنفىّ، كان عالما فقيها دينّا إماما في الفرائض جليلا نبيلا ثقة ثبتا، حدّث عن القواريرىّ وغيره، وروى عنه ابن شاهين وجماعة؛ وله مصنّفات كثيرة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو بكر أحمد بن محمد «2» بن عمر القرشىّ المنكدرىّ، ومحمد بن محمد بن [عبد الله] النفّاح «3» الباهلىّ، ومحمد ابن يحيى [بن «4» عمر] بن لبابة القرطبىّ، وأبو الليث نصر بن القاسم الفرائضىّ. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وإصبع واحدة. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وخمس أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 315] السنة الرابعة من ولاية تكين الرابعة على مصر، وهى سنة خمس عشرة وثلثمائة- فيها ظهرت الدّيلم على الرىّ والجبال؛ وأوّل من غلب منهم لنكى «5» بن النعمان، فقتل من أهل الجبال مقتلة عظيمة وذبح الأطفال في المهد؛ ثم غلب على قزوين أسفار بن

شيرويه وألزم أهلها مالا؛ وكان له قائد يسمى مرداويج، فوثب على أسفار المذكور وقتله وملك البلاد مكانه، وأساء السيرة بأصبهان، وجلس على سرير من ذهب وقال: أنا سليمان بن داود وهؤلاء الشياطين أعوانى. وكان مع هذا سيّئ السيرة في أصحابه؛ فدخل الحمّام يوما فدخل عليه أصحابه الأتراك فقتلوه ونهبوا خزائنه، ومشى الدّيلم بأجمعهم حفاة تحت تابوته أربعة فراسخ. وفيها جاء أبو طاهر القرمطىّ في ألف فارس وخمسة آلاف راجل؛ فجهّز المقتدر لحربه يوسف بن أبى الساج في عشرين ألف فارس وراجل. فلما رآه يوسف احتقره، ثم تقاتلا فكان بينهم مقتلة عظيمة لم يقع في هذه السنين مثلها، أسر فيها يوسف بن أبى الساج جريحا وقتل فيها جماعة كثيرة من أصحابه. وبلغ المقتدر فانزعج وعزم على النّقلة الى شرقىّ بغداد. وخرج مؤنس بالعساكر الى الأنبار في أربعين ألفا، وانضم إليه أبو الهيجاء عبد الله ابن حمدان وإخوته: أبو الوليد وأبو العلاء وأبو السّرايا في أصحابهم وأعوانهم «1» . وتقدّم نصر الحاجب، فأشار أبو الهيجاء على مؤنس بقطع القنطرة، فتثاقل مؤنس عن قطعها؛ فقال له أبو الهيجاء: أيها الأستاذ، اقطعها واقطع لحيتى معها فقطعها. ثم صبّحهم القرمطىّ في ثانى عشر ذى القعدة فأقام بإزائهم يومين. ثم سار القرمطىّ نحو الأنبار، فلم يتجاسر أحد أن يتبعه. ولولا قطع القنطرة لكان القرمطىّ عبر عليها وهزم عسكر الخليفة وملك «2» بغداد. فانظر الى هذا الخذلان؛ فإن القرمطىّ كان فى دون «3» الألف ومؤنس الخادم وحده في أربعين ألفا سوى من انضم إليه من بنى حمدان وغيرهم من الملوك مع شدّة بأس مؤنس في الحروب. فما شاء الله كان. ووقع في هذه السنة من القرمطىّ بالأقاليم من البلاء والقتل والسبى والنهب ما لا مزيد عليه.

قلت: وكيف لا وهو الذي انزعج منه الخليفة بنفسه وانكسرت عساكره منه، وذهب من بغداد ولم يتبعه أحد؛ فحينئذ خلاله الجوّ وأخذ كلّ ما أراد ممّا لم يدفع كلّ واحد عن نفسه. وفيها تشغّبت الجند على الخليفة المقتدر ووقع أمور. وفيها فى صفر قدم علىّ بن عيسى الوزير على المقتدر، فزاد المقتدر في إكرامه وبعث إليه بالخلع وبعشرين ألف دينار. وركب من الغد في الدّست «1» ، ثم أنشد: ما النّاس إلّا مع الدنيا وصاحبها ... فكيفما انقلبت يوما به انقلبوا يعظّمون أخا الدنيا فإن وثبت ... يوما عليه بما لا يشتهى وثبوا وفيها توفّى الحسين بن عبد الله أبو عبد الله الجوهرىّ، ويعرف بابن الجصّاص، التاجر الجوهرىّ صاحب الأموال والجوهر، كان تاجرا يبيع الجوهر؛ وقد تقدّم أنّ المقتدر صادره وأخذ منه ستة آلاف ألف دينار غير المتاع والدوابّ والغلمان؛ ومع هذا المال كان فيه سلامة باطن، يحكى عنه منها أمور، من ذلك: أنه دخل يوما على الوزير ابن الفرات فقال: أيها الوزير عندنا كلاب ما تدعنا ننام؛ قال: لعلهم جربى «2» ؛ قال: لا والله إلّا كلب كلب مثلى ومثلك. ونزل مرّة مع «3» الوزير الخاقانىّ فى المركب وبيده بطّيخة كافور، [فأراد أن يبصق في دجلة ويعطى الوزير البطّيخة] ، فبصق في وجه الوزير وألقى البطّيخة في دجلة؛ [فارتاع «4» الوزير وقال له: ويحك! ما هذا؟] ؛ ثم أخذ يعتذر للوزير فيقول: أردت أن أبصق في وجهك وألقى البطّيخة في الماء فغلطت؛ فقال: كذا فعلت يا جاهل!. [فغلط «5» فى الفعل وأخطأ فى الاعتذار!] . ومع هذه البليّة كان متجوّلا «6» محظوظا عند الخلفاء والملوك. وفيها

توفّى عبد الله بن محمد بن جعفر أبو القاسم القزوينىّ الشافعىّ، ولى قضاء دمشق نيابة عن محمد بن العبّاس الجمحىّ وكان محمود السيرة فقيها، واختلط قبل موته. وفيها توفّى علىّ بن سليمان بن الفضل أبو الحسن البغدادىّ النحوىّ، ويعرف بالأخفش الصغير، كان متفنّنا يضاهى الأخفش الكبير في فضله وسعة علمه؛ ومات ببغداد. وفيها توفّى محمد بن إسماعيل بن ابراهيم طباطبا الحسنىّ العلوىّ. وإنما سمّى جدّه" طباطبا" لأن أمّه كانت ترقّصه وتقول: طباطبا (يعنى نم نم «1» ) . كان سيّدا فاضلا جوادا، يسكن مصر، وكان له بها جاه ومنزلة، وبها مات، وقبره يزار بالقرافة. وفيها توفّى محمد بن المسيّب بن إسحاق بن عبد الله النيسابورىّ ثم الأرغيانىّ «2» ، ولد سنة ثلاث وعشرين ومائتين وطاف البلاد في طلب العلم، وكان زاهدا عابدا، بكى حتى ذهب بصره؛ وكان يقول: ما بقى من منابر الإسلام منبر إلا دخلته لسماع الحديث؛ وكان يعرف بالكوسج «3» . الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو بكر أحمد بن [على بن «4» ] الحسين الرازىّ الحافظ بنيسابور، وأبو القاسم عبد الله بن محمد بن جعفر القزوينىّ القاضى، وعلىّ بن سليمان النحوىّ الأخفش الصغير، وأبو حفص محمد ابن الحسين «5» الخثعمىّ الأشنانىّ، وأبو الحسن محمد بن الفيض الغسّانىّ، ومحمد بن المسيّب الأرغيانىّ. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع واثنتان وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة أربع عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 316

*** [ما وقع من الحوادث سنة 316] السنة الخامسة من ولاية تكين الرابعة على مصر، وهى سنة ستّ عشرة وثلثمائة- فيها في المحرّم دخل أبو طاهر القرمطىّ الرّحبة «1» بعد حروب ووضع فيها السيف؛ فبعث إليه أهل قرقيسياء «2» يطلبون الأمان فأمّنهم؛ وبعث سراياه في الأعراب فقتلوا ونهبوا وسبوا؛ ثم دخل قرقيسياء ونادى: لا يظهر أحد من أهلها نهارا، فلم يظهر أحد. ثم توجّه الى الرّقّة فأخذها. ولما رأى الوزير علىّ بن عيسى أن الهجرىّ- أعنى القرمطىّ- استولى على البلاد استعفى من الوزارة. ولما رجع القرمطىّ من سفره بنى دارا وسمّاها دار الهجرة، ودعا الى المهدىّ العلوىّ، وتفاقم أمره وكثر أتباعه؛ فعند ذلك ندب الخليفة المقتدر هارون بن غريب وبعثه الى واسط وبعث صافيا الى الكوفة؛ فوقع هارون بجماعة من القرامطة فقتلهم، وبعث بجماعة منهم أسارى على الجمال الى بغداد ومعهم مائة وسبعون رأسا. وفيها وقع بين نازوك وهارون حرب فى ذى القعدة؛ وسببها أن سواس نازوك وهارون تغايروا على غلام أمرد، وقتل من الفريقين جماعة؛ فركب الوزير ابن مقلة برسالة الخليفة بالكفّ عن القتال فكفّا. وفيها سار ملك الروم الدّمستق في ثلثمائة ألف، فقصد ناحية خلاط «3» وبدليس فقتل وسبى؛ ثم صالحه أهل خلاط على قطيعة وهى عشرة آلاف دينار؛ وأخرج المنبر من جامعها وجعل مكانه الصليب. فإنا لله وإنا إليه راجعون. وفيها توفّى بنان بن محمد ابن حمدان أبو الحسن الزاهد المشهور المعروف بالحمّال، أصله من واسط ونشأ ببغداد

وسمع الحديث؛ ثم انتقل الى مصر وسكنها الى أن مات بها؛ وهو أحد الأبدال؛ كان صاحب مقامات وكرامات؛ وبزهده وعبادته يضرب المثل؛ صحب الجنيد وغيره؛ وهو أستاذ أبى الحسين النّورىّ. قال أبو عبد الرّحمن السّلمىّ في محن الصوفيّة: إنّ بنانا الحمّال قام الى وزير خمارويه فأنزله عن دابتّه، وكان نصرانيّا، وقال: لا تركب الخيل، ويلزمك «1» ما هو مأخوذ عليكم في ملّتكم؛ فأمر خمارويه «2» ببنان المذكور بأن يؤخذ ويطرح بين يدى سبع، فطرح وبقى ليلته ثم جاء السبع يلمسه «3» ؛ فلما أصبحوا وجدوه قاعدا مستقبل القبلة والسبع بين يديه؛ فأطلقه واعتذر إليه. وذكر إبراهيم بن عبد الرّحمن أنّ القاضى أبا عبيد احتال على بنان ثم ضربه سبع درر؛ فقال: حسبك الله بكل درّة سنة!؛ فحبسه ابن طولون سبع سنين. ويروى أنه كان لرجل على رجل دين مائة دينار بوثيقة، فطلبها الرجل- أعنى الوثيقة- فلم يجدها؛ فجاء الى بنان ليدعو له؛ فقال له بنان: أنا رجل قد كبرت وأحبّ الحلواء، اذهب الى عند دار قربج فاشتر رطل حلواء وأتنى به حتّى أدعو لك، ففعل الرجل وجاءه؛ فقال: بنان افتح ورقة الحلواء، ففتحها فإذا هى الوثيقة؛ فقال: هذه وثيقتى؛ فقال: خذها وأطعم الحلواء صبيانك. وكانت وفاته في شهر رمضان، وخرج في جنازته أكثر أهل مصر. وفيها توفّى داود بن الهيثم بن إسحاق بن البهلول أبو سعد «4» التّنوخىّ، مولده بالأنبار وبها توفّى وله ثمان وثمانون سنة؛ كان إماما عارفا بالنحو واللغة والأدب، وصنّف كتبا في اللغة والنحو على مذهب الكوفيّين، وله كتاب كبير في خلق الإنسان. وفيها توفّى عبد الله بن سليمان بن الأشعث

الحافظ أبو بكر بن الحافظ أبى داود السّجستانى محدّث العراق وابن محدّثها، ولد بسجستان سنة ثلاثين ومائتين، ورحل به أبوه وطوّف به البلاد شرقا وغربا، واستوطن بغداد، وصنّف السّنن والمسند والتفاسير والقراءات والناسخ والمنسوخ وغير ذلك. قال أبو بكر الخطيب: سمعت الحسن بن «1» محمد الخلّال يقول: كان أبو بكر بن أبى داود أحفظ من أبيه. قلت: وأبوه أبو داود هو صاحب السنن: أحد الكتب الستّة؛ وقد وقع لنا سماعه ثلاثا حسبما ذكرناه في ترجمة أبيه رضى الله عنه. وفيها توفّى يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد أبو عوانة الإسفراينىّ «2» النّيسابورىّ الحافظ المحدّث، كان إماما، طف البلاد وصنّف المسند الصحيح المخرّج على صحيح مسلم، حجّ عدّة حجّات، وكان زاهدا عابدا. رضى الله عنه. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفى بنان الحمّال أبو الحسن الزاهد، وأبو بكر عبد الله بن أبى داود السّجستانىّ وله ستّ وثمانون سنة، وأبو بكر محمد بن حريم «3» العقيلىّ، وأبو بكر محمد بن السّرىّ بن السرّاج صاحب المبرّد، ومحمد ابن عقيل البلخىّ، وأبو عوانة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الإسفراينى. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وثلاث عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا سواء.

ما وقع من الحوادث سنة 317

*** [ما وقع من الحوادث سنة 317] السنة السادسة من ولاية تكين الرابعة على مصر، وهى سنة سبع عشرة وثلثمائة- فيها خلع أمير المؤمنين المقتدر بالله جعفر من الخلافة، خلعه مؤنس الخادم ونازوك الخادم وأبو الهيجاء عبد الله بن حمدان، وأحضروا من دار الخلافة «1» محمد ابن الخليفة المعتضد، وبايعوه بالخلافة ولقّبوه بالقاهر بالله؛ وذلك في الثّلث الأخير من ليلة السبت خامس عشر المحرّم من السنة المذكورة. وتولّى أبو علىّ بن مقله صاحب الخط المنسوب [اليه] الوزارة، وقلّد نازوك الحجبة مضافة الى شرطة بغداد، وأضيف الى أبى الهيجاء عبد الله بن حمدان ولاية حلوان والدّينور ونهاوند وهمذان وغيرها مع ما كان بيده قبل ذلك من الولايات، مثل: الموصل والجزيرة وميّافارقين. ووقع النهب في دار الخلافة؛ وكان لأمّ المقتدر سمّائة ألف دينار في الرصّافة فأخذت؛ واستتر المقتدر عند» أمّه. وبعد ثلاثة أيّام حضرت الرّجّالة من الجند وامتلأت دار الخلافة وازدحم الناس ودخلوا الى المقتدر وحملوه على رقابهم، وصاحوا: يا مقتدر يا منصور، وخرجوا به وبايعوه ثانيا بالخلافة بعد أمور وقعت بين القوّاد والجند من وقائع وحروب؛ وقتل أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان ونازوك، وخلع القاهر محمد، وأمّنه أخوه المقتدر هذا؛ وسكنت الفتنة بعد حروب وقعت ببغداد وقتل فيها عدّة من الأعيان والجند. قلت: وهذه ثانى مرّة خلع فيها المقتدر من الخلافة؛ لأنه خلع أوّلا بعبد الله بن المعتزّ في شهر ربيع الأول سنة ستّ وتسعين ومائتين، وهذه الثانية. ثم استقر بعد هذه في الخلافة الى أن مات، حسبما يأتى ذكره في محلّة. وفيها ظهر

هارون بن غريب ودخل الى مؤنس وسلّم عليه، وقلّد الجبل فخرج إليه. وقلّد المقتدر إبراهيم ومحمدا ابنى رائق شرطة بغداد، وقلّد مظفّر بن ياقوت الحجابة. وماتت ثمل القهرمانة وخلّفت أموالا كثيرة. وفيها سيّر المقتدر ركب الحاجّ مع منصور الديلمىّ فوصلوا الى مكّة سالمين؛ فوافاهم يوم التروية عدوّ الله أبو طاهر القرمطىّ فقتل الحجيج قتلا ذريعا في فجاج مكّة وفي داخل البيت الحرام- لعنه الله- وقتل ابن محارب أمير [مكة] «1» ، وعرّى البيت، وقلع باب البيت، واقتلع الحجر الأسود وأخذه، وطرح القتلى فى بئر زمزم، وفعل أفعالا لا يفعلها النصارى ولا اليهود بمكّة؛ ثم عاد الى هجر ومعه الحجر الأسود؛ فدام الحجر الأسود عندهم الى أن ردّ الى مكانه في خلافة المطيع، على ما سيأتى ذكره إن شاء الله تعالى. [وجلس «2» أبو طاهر على باب الكعبة والرجال تصرع حوله في المسجد الحرام يوم التروية، الذي هو من أشرف الأيام، وهو يقول] : أنا لله وبالله أنا ... يخلق الخلق وأفنيهم أنا «3» ودخل رجل من القرامطة الى حاشية الطواف وهو راكب سكران، فبال فرسه عند البيت، ثم ضرب الحجر الأسود بدبّوس فكسره ثم اقتلعه. وكانت إقامة القرمطىّ بمكّة أحد عشر يوما. فلما عاد القرمطىّ الى بلاده رماه الله تعالى في جسده حتى طال عذابه وتقطّعت أوصاله وأطرافه وهو ينظر اليها، وتناثر الدود من لحمه. قلت: هذا ما عذّب به في الدنيا، وأما الأخرى فأشدّ إن شاء الله تعالى وأدوم عليه

وأعوانه وذرّيته لعنة الله عليهم. وفيها وقعت الوحشة بين الأمير تكين أمير مصر صاحب الترجمة وبين محمد بن طغج أمير الحوف، فخرج محمد بن طغج من مصر سرّا «1» خوفا من تكين ولحق بالشام. وفيها هلك القرمطىّ أبو طاهر سليمان بن أبى سعيد الحسن بن بهرام الجنّابىّ القرمطىّ لعنه الله. ولى أبو طاهر هذا أمر القرامطة بعد موت أبيه- عليهما اللعنة- بوصيّة أبيه إليه، وغلط أبو القاسم السّمنانىّ «2» فى تاريخه، قال: الذي قلع الحجر الأسود أبو سعيد الجنّابىّ «3» ؛ وإنما هو ابنه أبو طاهر هذا، عليهما اللعنة. ولما ولى أبو طاهر هذا أمر القرامطة قوى أمره وحارب عساكر الخليفة، واتسع ملكه وكثرت جنوده ونال من الدنيا ما لم ينله أبوه ولا جدّه؛ وكان زنديقا ملحدا لا يصلّى ولا يصوم شهر رمضان، مع أنه كان يظهر الإسلام ويزعم أنه داعية المهدىّ عبيد الله. وقد تقدّم من أخباره ما فيه كفاية عن ذكره هنا: من قتله الحجّاج، وسفكه الدماء، وأخذه أموال الناس، وأشياء كثيرة من ذلك. وقد كان هذا الملعون أشدّ ما يكون من البلاء على الإسلام وأهله، وطالت أيّامه. ومنهم من يقول: إنه هلك عقيب أخذه الحجر الأسود- أعنى في هذه السنة- والظاهر «4» خلافه. وكان أبو طاهر المذكور مع قلّة دينه عنده فضيلة وفصاحة وأدب. ومن شعره القصيدة التى أوّلها: أغرّكم منّى رجوعى الى هجر ... فعمّا قليل سوف يأتيكم الخبر إذا طلع المرّيخ من أرض بابل ... وقارنه كيوان فالحذر الحذر فمن مبلغ أهل العراق رسالة ... بأنّى أنا المرهوب «5» فى البدو والحضر

ومنها: فيا ويلهم من وقعة بعد وقعة ... يساقون سوق الشاء للذّبح والبقر سأصرف «1» خيلى نحو مصر وبرقة ... الى قيروان الترك والروم والخزر ومنها: أكيلهم بالسيف حتّى أبيدهم ... فلا أبق منهم نسل أنثى ولا ذكر أنا الدّاع للمهدىّ لا شكّ غيره ... أنا الصارم الضّرغام والفارس الذكر أعمّر حتّى يأتى عيسى بن مريم ... فيحمد آثارى وأرضى بما أمر ولكنّه حتم علينا مقدّر ... فنفنى ويبقى خالق الخلق والبشر وفيها توفّى أحمد بن الحسين الإمام العلامة أبو سعيد البردعىّ الحنفىّ شيخ الحنفيّة في زمانه، استشهد بمكّة بيد القرامطة. وفيها توفّى أحمد بن مهدىّ بن رستم، كان شيخا صالحا ذا مال كثير أنفقه كلّه على العلم، ولم يعرف له فراش أربعين سنة. وفيها توفّى عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن المرزبان بن شابور بن شاهنشاه أبو القاسم البغوىّ الأصل البغدادىّ، مسند الدنيا وبقيّة الحفّاظ، وهو ابن بنت أحمد بن منيع؛ ولد ببغداد في أوّل شهر رمضان سنة أربع عشرة ومائتين، وسمع الكثير ورحل [الى] البلاد، وروى عنه خلائق لا يحصيهم إلا الله، لأنه طال عمره وتفرّد في الدنيا بعلوّ السند. رضى الله عنه. وفيها توفى نازوك الخادم قتيلا في هذه السنة في واقعة خلع المقتدر. كان نازوك المذكور شجاعا فاتكا، غلب على الأمر وتصرّف في الدولة، وعلم مؤنس الخادم أنه متى وافقه على خلع المقتدر لم يبق له فى الدولة أمر ولا نهى، فوافقه ظاهرا وواطأ الرّجالة على «2» قتله حتى تمّ له ذلك. وكان لتازوك أكثر من ثلثمائة مملوك.

ما وقع من الحوادث سنة 318

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وثلاث عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثلاث وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 318] السنة السابعة من ولاية تكين الرابعة على مصر، وهى سنة ثمانى عشرة وثلثمائة- فيها حجّ بالناس عبد السميع بن أيّوب بن عبد العزيز الهاشمىّ، وقيل: عمر بن الحسن بن عبد العزيز. قال أبو المظفّر في مرآة الزمان: «والظاهر أنه لم يحجّ أحد منذ سنة سبع عشرة وثلثمائة الى سنة ستّ وعشرين وثلثمائة خوفا من القرامطة» . وفيها في المحرّم صرف المقتدر ابنى رائق عن الشّرطة وقلّدها أبا بكر محمد بن ياقوت. وفيها في شهر ربيع الآخر هبّت ريح شديدة حملت رملا أحمر، قيل: إنه من جبل «1» ذرود فامتلأت به أزقّة بغداد وسطوحها. وفيها قبض المقتدر على الوزير ابن مقلة، وأحرقت داره وكانت عظيمة، وقد ظلم الناس فى عمارتها؛ وعزّ على مؤنس الخادم حتّى لم يشاوره المقتدر في القبض عليه. ثم استوزر المقتدر سليمان بن الحسن، فكان لا يصدر عن أمر حتّى يشاور علىّ بن عيسى. وكانت وزارة ابن مقلة سنتين وأربعة أشهر وثلاثة أيّام. وفيها توفّى جعفر «2» بن محمد بن يعقوب الشيخ أبو الفضل الصّندلىّ البغدادىّ، كان من الأبدال، سمع علىّ بن حرب وغيره، واتفقوا على ثقته وصدقه. وفيها توفّى سعيد بن عبد العزيز بن مروان الشيخ أبو عثمان الحلبىّ الزاهد، وهو من أكابر مشايخ الشام، صحب سريّا السّقطىّ، وروى عنه أبو الحسين الرازىّ وغيره، ومات بدمشق. وفيها

ما وقع من الحوادث سنة 319

توفّى عبد الواحد بن محمد بن المهتدىّ أبو أحمد الهاشمىّ، سمع يحيى بن أبى طالب، وروى عنه أبو الحسين الرازىّ وغيره. وفيها توفّى عبد الله بن محمد بن مسلم أبو بكر الإسفراينىّ، ولد بقرية من أعمال أسفراين يقال لها «جوربذ» ، وسافر في طلب الحديث، وكان من الأثبات. وفيها توفّى محمد بن سعيد بن محمد أبو عبد الله الميورقىّ، قدم بغداد وحدّث بها، وكان يتفقّه على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة. وفيها توفّى يحيى بن محمد بن صاعد أبو محمد مولى أبى جعفر المنصور، كان محدّثا فاضلا. قال الدارقطنىّ: بنو صاعد ثلاثة: يوسف وأحمد ويحيى. وكانت وفاة يحيى هذا ببغداد. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن بهلول الأنبارىّ قاضى مدينة المنصور، وأبو عروبة الحسين بن محمد بن أبى معشر الحرّانىّ، وسعيد بن عبد العزيز الحلبىّ الزاهد، وأبو بكر عبد الله بن محمد ابن مسلم الإسفراينىّ، وأبو بكر محمد بن إبراهيم بن فيروز «1» الأنماطىّ، ويحيى بن محمد ابن صاعد في ذى القعدة وله تسعون سنة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وإحدى عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وإصبعان. *** [ما وقع من الحوادث سنة 319] السنة الثامنة من ولاية تكين الرابعة على مصر، وهى سنة تسع عشرة وثلثمائة- فيها نزل القرامطة الكوفة فهرب أهلها الى بغداد. وفيها دخل الديلم

الدّينور وقتلوا أهلها وسبوا؛ فورد بعض أهل دينور بغداد وقد سوّدوا وجوههم ورفعوا المصاحف على رءوس القصب، وحضروا يوم عيد النحر الى جامع بغداد واستغاثوا ومنعوا الخطيب من الخطبة والصلاة، وثار معهم عامّة بغداد، وأعلنوا بسبّ «1» المقتدر؛ ولازم الناس المساجد وأغلقوا الأسواق خوفا من القرمطىّ. وفيها ولد المعزّ أبو تميم معدّ العبيدىّ رابع خلفاء بنى عبيد وأوّل من ملك منهم ديار مصر الآتى ذكره في محلّه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. وفيها قبض المقتدر على الوزير سليمان بن الحسن وحبسه، وكانت وزارته سنة وشهرين، وكان المقتدر يميل الى وزارة الحسين بن القاسم فلا يمكّنه مؤنس، وأشار مؤنس بعبيد الله بن محمد الكلوذانىّ، فاستوزره المقتدر مع مشاورة علىّ بن عيسى في الأمور. وفيها كانت وقعة بين هارون بن غريب وبين مرداويج الديلمىّ بنواحى همذان، فانهزم هارون؛ وملك الديلمىّ الجبل بأسره الى حلوان. وفيها أيضا عزل المقتدر الكاوذانىّ، واستوزر الحسين بن القاسم بن عبيد الله؛ لأنه كتب الى المقتدر وهو على حاجة:" أنا أقوم بالنففات وزيادة ألف ألف دينار في كلّ سنة". وكانت وزارة الكلوذانىّ شهرين. وفيها في ذى الحجّة استوحش مؤنس من الخليفة المقتدر لأنه بلغه اجتماع الوزير والقوّاد على العمل على مؤنس، فعزم خواصّ مؤنس على كبس «2» الوزير؛ فعلم الوزير فتغيّب «3» عن داره؛ وطلب من المقتدر عزل الوزير فعزله، فقال: انفه الى عمان، فامتنع المقتدر. وأوقع الوزير في ذهن المقتدر أنّ مؤنسا يريد أن يأخذ أبا العباس من داره ويذهب به الى الشأم ومصر ويبايعه بالخلافة هناك. ثم

وقعت أمور ألجأت مؤنسا الى الخروج من بغداد الى الشمّاسيّة، وكتب الى المقتدر يطلب منه مفلحا «1» الأسود؛ فقويت الوحشة بين المقتدر وبين مؤنس حتى أرسل المقتدر الى قتاله ثلاثين ألفا، وكان مؤنس في ثمانمائة، فانتصر عليهم وهزمهم وملك الموصل. وفيها كان الوباء المفرط ببغداد حتى كان يدفن في القبر الواحد جماعة. وفيها توفّى الحسن بن علىّ بن أحمد بن بشّار أبو بكر الشاعر المشهور الضرير النّهروانىّ «2» المعروف بابن العلّاف، أحد ندماء المعتضد، وكان من الشعراء المجيدين. قال: كنت فى دار المعتضد مع جماعة من ندمائه، فأتى الخادم ليلا فقال: أمير المؤمنين يقول لكم: أرقت الليلة بعد انصرافكم، فقلت: ولمّا انتبهنا للخيال الذي سرى ... إذا الدّار قفر والمزار بعيد وقد أريج علىّ تمامه. فمن أجازه بما يوافق غرضى أمرت له بجائزة؛ قال: فأرتج على الجماعة، وكلّهم شاعر فاضل، فابتدرت وقلت: فقلت لعينى عاودى النوم واهجعى ... لعلّ خيالا طارقا سيعود ومن شعر ابن العلّاف هذا قصيدته التى رثى فيها [المحسن «3» بن أبى] الحسن ابن الفرات الوزير وكنى عنه بالهرّ خوفا من الخليفة، وعددها خمسة وستون بيتا، وأوّلها: ياهرّ فارقتنا ولم تعد ... وكنت منّا بمنزل الولد فكيف ننفكّ عن هواك وقد ... كنت لنا عدّة من العدد

تطرد عنّا الأذى وتحرسنا ... بالغيب من حيّة ومن جرد وتخرج الفأر من مكامنها ... ما بين مفتوحها الى السّدد وكلّها على هذا المنوال، وفيها حكم أضربت عن ذكرها لطولها. وفيها توفّى الحسن ابن علىّ بن زكريا بن صالح بن عاصم بن زفر أبو سعيد العدوىّ البصرىّ، روى عنه الدارقطنىّ «1» وغيره، وعاش مائة وثمانين «2» سنة. وفيها توفّى علىّ بن الحسين بن حرب أبو عبيد القاضىّ البغدادىّ، ويعرف بابن حربويه، ولى قضاء مصر وأقام بها دهرا طويلا. قال الرّقاشىّ: سألت عنه الدارقطنىّ فقال: ذلك الجليل الفاضل. وفيها توفّى محمد بن سعيد، وقيل: ابن سعد، أبو الحسين «3» الورّاق النّيسابورىّ صاحب أبى عثمان الحيرىّ، كان من كبار المشايخ، عالما بالشريعة والحقيقة. وفيها توفّى محمد بن الفضل بن العباس أبو عبد الله البلخىّ الزاهد، كان أحد الأبدال وله كرامات؛ قال: ما خطوت أربعين سنة خطوة لغير الله. وفيها توفّى المؤمّل. ابن الحسن بن عيسى بن ماسرجس أبو الوفاء النّيسابورىّ الماسرجسىّ شيخ نيسابور فى عصره؛ وكان أبوه من بيت حشمة في النصارى فأسلم على يد ابن المبارك وهو شيخ. سمع المؤمّل هذا الكثير ورحل [الى] البلاد، وروى عنه ابناه أبو بكر محمد وأبو القاسم علىّ وغيرهما. قال الحاكم: سمعت محمد بن المؤمّل يقول: حجّ جدّى وهو ابن نيّف وسبعين سنة فدعا الله تعالى أن يرزقه ولدا، فلمّا رجع رزق أبى فسمّاه المؤمّل، لتحقيق ما أمّله، وكنّاه أبا الوفاء ليفى لله بالنّذور، ووفّاها.

ما وقع من الحوادث سنة 320

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو الجهم أحمد بن الحسين [بن أحمد «1» ] بن طلّاب خطيب مشغرى «2» ، وأبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرّحمن ابن عبد الملك بن مروان في رجب، وأبو سعيد الحسن بن علىّ بن زكرياء العدوىّ الكذّاب، وأبو القاسم عبد الله بن أحمد البلخىّ رأس المعتزلة، وأبو عبيد علىّ بن الحسين بن حربويه القاضى، وأبو الوفاء المؤمّل بن الحسن الماسرجسىّ. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وتسع أصابع. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وأربع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 320] السنة التاسعة من ولاية تكين الرابعة على مصر، وهى سنة عشرين وثلثمائة- فيها عزل المقتدر الحسين بن القاسم من الوزارة، واستوزر أبا الفتح بن الفرات. وفيها بعث المقتدر بالعهد واللواء لمرداويج الدّيلمىّ على إمرة أذربيجان وإرمينية وأرّان وقم ونهاوند وسجستان. وفيها نهب الجند دور الوزير الفضل بن جعفر بن الفرات، فهرب الوزير إلى طيّار له في الشطّ فأغرق الجند الطّيارات، وسخّم الهاشميّون وجوههم وصاحوا: الجوع الجوع!؛ وكان قد اشتدّ الغلاء لأن القرمطىّ ومؤنسا الخادم منعا الغلّات من النواحى أن تصل. ولم يحجّ ركب العراق فى هذه السنة. وفيها في صفر غلب مؤنس على الموصل، فتسلّل إليه الجند والفرسان من بغداد وأقام بالموصل أشهرا؛ ثم تهيّأ المقتدر لقتاله وأخرج مضربه الى باب «3»

الشمّاسيّة، وبعث أبا العلاء سعيد بن حمدان الى سرّمن رأى في ألف فارس؛ فأقبل مؤنس في جمع كبير، فلمّا قارب [العكبرا «1» ] اجتهد المقتدر بهارون بن غريب أن يحارب مؤنسا فامتنع واحتجّ بأن أصحابه مع مؤنس في الباطن ولا يثق بهم. وقيل: إنه عسكر هارون وابن ياقوت وابنا رائق وصافى الحرمىّ ومفلح بباب الشمّاسيّة وانضمّوا الى المقتدر، وقالوا له: إنّ الرجال لا يقاتلون إلا بالمال، وإن أخرجت المال أسرع «2» اليك رجال مؤنس وتركوه؛ وسألوه مائتى ألف دينار فلم يرض، وأمر بجمع الطيّارات لينحدر فيها بأولاده وحرمه إلى واسط ويستنجد منها ومن البصرة وغيرها على مؤنس. فقال له محمد بن ياقوت: اتّق الله في المسلمين ولا تسلّم بغداد بلا حرب، وأمعن فى ذلك؛ حتّى قال له المقتدر: أنت رسول إبليس وبنى عزمه وأصبح يقاتل مؤنسا وأبلى ابن ياقوت المذكور بلاء حسنا. وكان غالب عسكر مؤنس البربر؛ فلمّا انكشف عن المقتدر أصحابه جاءه واحد من البربر فضربه من خلفه ضربة سقط منها إلى الأرض؛ فقال له: ويلك! أنا الخليفة؛ فقال: أنت المطلوب وذبحه بالسيف وشال رأسه على رمح، ثم سلب ما عليه وتركه مكشوف العورة حتى ستر بالحشيش وحفر له في الموضع ودفن فيه وعفّى أثره، وذلك في شوّال. وبات مؤنس [بالشمّاسيّة «3» ] ، ووقع له بعد قتل المقتدر أمور، حتّى أخرج القاهر وبايعه بالخلافة وتمّ أمره. ذكر ترجمة المقتدر- اسمه جعفر، وكنيته أبو الفضل، ابن الخليفة المعتضد بالله أحمد ابن ولىّ العهد طلحة الموفّق ابن الخليفة المتوكّل على الله جعفر ابن الخليفة المعتصم بالله محمد ابن الخليفة الرشيد بالله هارون ابن الخليفة المهدىّ محمد ابن الخليفة أبى جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علىّ بن عبد الله بن العبّاس، أمير المؤمنين الهاشمىّ العباسىّ

البغدادىّ. بويع بالخلافة بعد وفاة أخيه المكتفى بالله علىّ في سنة خمس وتسعين ومائتين، وله ثلاث عشرة سنة، ولم يل الخلافة أحد قبله أصغر منه. وخلع من الخلافة أوّل مرّة بعبد الله بن المعتزّ في شهر ربيع الأوّل في سنة ستّ وتسعين ومائتين، ثم أعيد وقتل ابن المعتزّ؛ ثم خلع في سنة سبع عشرة وثلثمائة بأخيه القاهر ثلاثة أيام؛ ثم أعيد إلى الخلافة إلى أن قتل في هذه السنة. وقد تقدّم ذكر ذلك كلّه فى الحوادث من هذا الكتاب كلّ واقعة في موضعها. واستخلف من بعده أخوه القاهر محمد، وكنيته أبو منصور، وعمره يوم ولى الخلافة ثلاث وثلاثون سنة. وكانت خلافة المقتدر خمسا وعشرين سنة إلّا بضعة عشر يوما؛ وكانت النساء «1» قد غلبن عليه، وكان سخيّا مبذّرا يصرف في السنة للحجّ أكثر من ثلثمائة ألف دينار، وكان في داره أحد عشر ألف غلام خصىّ غير الصّقالبة والروم؛ وأخرج جميع جواهر الخلافة ونفائسها على النساء وغيرهنّ «2» ؛ وأعطى الدّرّة اليتيمة لبعض حظاياه، وكان زنتها ثلاثة مثاقيل؛ وأخذت زيدان القهرمانة سبحة جوهر لم ير مثلها، [قيمتها ثلثمائة «3» ألف دينار] ؛ هذا مع ما ضيّع من الذهب والمسك والأشياء والتّحف. قيل: إنه فرّق ستين حبّا «4» من الصينىّ. وقال الصولىّ: كان المقتدر يفرّق يوم عرفة من الإبل والبقر أربعين ألف رأس، ومن الغنم خمسين ألفا. ويقال: إنه أتلف من المال في أيّام خلافته ثمانين ألف ألف دينار. وخلّف المقتدر عدّة أولاد ذكور وإناث. وفيها توفّى أحمد ابن عمير بن يوسف الحافظ أبو الحسين بن جوصى «5» ، كان حافظ الشام في وقته، كان إماما حافظا متقنا رحالا. قال الدارقطنىّ: تفرّد بأحاديث وليس بالقوىّ.

ذكر ولاية محمد بن طغج الأولى على مصر

وفيها توفّى الحسين بن صالح أبو علىّ بن خيران «1» الفقيه الشافعىّ القاضى، كان من أفاضل الشيوخ وأماثل الفقهاء. وفيها توفّى عبد الوهّاب بن عبد الرزّاق بن عمر بن مسلم أبو محمد القرشىّ مولاهم الدمشقىّ؛ حدّث عن هشام بن عمّار وطبقته، وروى عنه أبو الحسين الرازىّ وغيره. وفيها توفّى محمد بن يوسف بن إسماعيل أبو عمر «2» القاضى الأزدىّ مولى جرير بن حازم، ولى قضاء مدينة المنصور، وكان عالما عاقلا ديّنا متفننا. وفيها توفّى أبو عمرو «3» الدمشقىّ أحد مشايخ الصوفيّة، صحب ابن الجلىّ وأصحاب ذى النون، وكان من عظماء مشايخ الفقه، وله مقالات وأحوال. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو الحسن أحمد بن القاسم الفرائضىّ، والمقتدر بالله جعفر بن المعتضد، قتل في شوّال عن ثمان وثلاثين سنة، وأبو القاسم عبد الله بن محمد بن يوسف الفربرىّ، وأبو عمر محمد بن يوسف القاضى، وأبو علىّ بن خيران الشافعىّ الحسين بن صالح. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وسبع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثلاث عشرة إصبعا. ذكر ولاية محمد بن طغج الأولى على مصر هو محمد بن طغج بن جفّ بن يلتكين «4» بن فوران بن فورى، الأمير أبو بكر الفرغانىّ التركىّ. مولده في يوم الاثنين منتصف شهر رجب سنة ثمان وستين ومائتين

ببغداد بشارع باب الكوفة. ولى إمرة مصر بعد موت تكين، ولّاه أمير المؤمنين القاهر بالله على الصلاة بعد أن اضطربت أحوال الديار المصريّة؛ وخرج ابن تكين منها في سادس عشر [شهر] ربيع الأوّل سنة إحدى وعشرين وثلثمائة؛ فأرسل محمد ابن طغج هذا كتابه بولايته على مصر في سابع شهر رمضان من سنة إحدى وعشرين وثلثمائة المذكورة. ولم يدخل مصر في هذه الولاية، وما دخلها أميرا عليها إلا في ولايته الثانية من قبل الخليفة الراضى بالله. وقال ابن خلّكان بعد ما سمّاه وأباه الى أن قال: " الفرغانىّ الأصل، صاحب سرير الذهب، المنعوث بالإخشيذ «1» صاحب مصر والشام والحجاز. أصله من أولاد ملوك فرغانة؛ وكان المعتصم بالله بن هارون الرشيد قد جلبوا اليه من فرغانة جماعة كثيرة، فوصفوا له جفّ وغيره بالشجاعة والتقدّم في الحروب، فوجّه اليهم المعتصم من أحضرهم؛ فلما وصلوا إليه بالغ في إكرامهم وأقطعهم قطائع بسرّمن رأى. وقطائع جفّ الى الآن معروفة هناك؛ فلم «2» يزل جفّ بها الى أن مات ليلة قتل المتوكّل". انتهى كلام ابن خلكان. قلت: ودعى له على منابر مصر وهو مقيم بدمشق نحوا من ثلاثين يوما- وقال صاحب البغية: اثنين وثلاثين يوما- الى أن قدم رسول الأمير أحمد بن كيغلغ بولايته على مصر ثانى مرّة من قبل الخليفة القاهر بالله في تاسع شوّال من السنة. وأما الأيّام التى قبل ولاية محمد بن طغج على مصر فكان يحكم «3» فيها ابن تكين باستخلاف والده تكين له، ويشاركه في ذلك أيضا الماذرائىّ صاحب خراج مصر المقدّم ذكره. ووقع في هذه الأيّام بمصر أمور ووقائع، وكان الزمان مضطربا لقتل الخليفة المقتدر بالله جعفر واشتغال الناس بحرب القرمطى. وكان

ما وقع من الحوادث سنة 321

فى تلك الأيّام كلّ من غلب على أمر صار له. وفي ولاية محمد بن طغج هذا على مصر ثانيا- على ما سيأتى ذكره إن شاء الله تعالى- لقّب بالإخشيذ. والإخشيذ بلسان الفرغانة: ملك الملوك. وطغج: عبد الرّحمن. والإخشيذ: لقب ملوك فرغانة، كما أن أصبهبذ: لقب ملوك طبرستان، وصول: لقب ملوك جرجان، وخاقان: لقب ملوك الترك، والأفشين: لقب ملوك أشروسنة، وسامان: لقب ملوك سمرقند، وقيصر: لقب ملوك الروم، وكسرى: لقب ملوك العجم، والنجاشى والحطىّ: لقب ملوك الحبشة، وفرعون قديما: [لقب] ملوك مصر، وحديثا السلطان. ولما مات جدّه جفّ في سنة سبع وأربعين ومائتين اتصل ابنه طغج أبو محمد هذا بالأمير أحمد ابن طولون صاحب مصر، وكان من أكابر قوّاده؛ ودام على ذلك حتى قتل خمارويه ابن أحمد بن طولون: فسار طغج الى الخليفة المكتفى بالله علىّ؛ فأكرم الخليفة مورده. ثم بدا من طغج المذكور تكبّر على الوزير، فحبس «1» هو وابنه محمد الى أن مات طغج المذكور في الحبس. وبعد مدّة أخرج محمد هذا من الحبس؛ وجرت له أمور يطول شرحها، إلى أن قدم مصر في دولة تكين، وولّى الأحواف بأعمال مصر وأقام على ذلك مدّة إلى أن وقّع بينه وبين تكين، وخرج من مصر مختفيا إلى الشام؛ ثم ولّى إمرة الشام، ثم أضيف إليه إمرة مصر فلم يدخلها، على ما تقدّم ذكره، وعزل بالأمير أحمد بن كيغلغ. وتأتى بقيّة ترجمته في ولايته الثانية على مصر إن شاء الله تعالى. *** [ما وقع من الحوادث سنة 321] السنة التى حكم فيها عدّة أمراء على مصر، حكم في أوّلها تكين الى أن مات في شهر ربيع الأوّل، ثم ابنه من غير ولاية الخليفة بل باستخلاف أبيه، ثم الأمير محمد بن طغج من أواخر شعبان الى أواخر شهر رمضان، وكانت ولايته اثنين

وثلاثين يوما ولم يدخلها، ثم الأمير أحمد بن كيغلغ من آخر [شهر] رمضان؛ ولم يصل رسوله إلا لسبع خلون من شوّال، وهى سنة إحدى وعشرين وثلثمائة- فيها شغب الجند على الخليفة القاهر بالله وهجموا [على] الدار، فنزل في طيّار إلى دار مؤنس الخادم فشكا إليه، فصبّرهم مؤنس عشرة أيام. وكان الوزير ابن مقلة منحرفا عن محمد بن ياقوت، فنقل الى مؤنس أن ابن ياقوت يدبّر عليهم؛ فاتفّق مؤنس وابن مقلة ويلبق «1» وابنه على الإيقاع بابن ياقوت، فعلم فاستتر. ثم جاء علىّ بن يلبق الى دار الخلافة فوكل بها أحمد بن زيرك «2» وأمره بالتضييق على القاهر. وطالب ابن يلبق [القاهر «3» ] بما كان عنده من أثاث أمّ المقتدر. وفيها استوحش المظفّر مؤنس وابن مقلة ويلبق من الخليفة القاهر. وفيها أشيع ببغداد أن يلبق والحسن بن هارون كاتبه عزما على سبّ معاوية بن أبى سفيان على المنابر، فاضطربت الناس، وقبض يلبق على جماعة من الحنابلة ونفاهم الى البصرة. وفيها تأكّدت الوحشة بين الخليفة القاهر وبين وزيره ابن مقلة ويلبق، وقبض على يلبق وعلى أحمد بن زيرك وعلى يمن المؤنسىّ صاحب شرطة بغداد وحبسوا، وصار الحبس كلّه في دار الخلافة. ثم طلب الخليفة مؤنسا فضر إليه، فقبض عليه أيضا. واختفى الوزير ابن مقلة؛ فاستوزر القاهر عوضه أبا جعفر [محمد «4» ] بن القاسم بن عبيد الله، وأحرقت دار ابن مقلة كما أحرقت قبل هذه المرّة. ثم ظفر القاهر بعلىّ بن يلبق بعد جمعة فحبسه بعد الضرب؛ ثم ذبح القاهر يلبق وابنه عليّا ومؤنسا وخرج برءوسهم الى الناس وطيف بها. ووقع في هذه السنة أمور. وأطلق

القاهر أرزاق الجند فسكنوا، واستقامت له الأمور وعظم في القلوب، وزيد في ألقابه: «المنتقم من أعداء دين الله» ، ونقش ذلك على السّكّة. وفيها أمر القاهر بتحريم القيان والخمر، وقبض على المغنّين، ونفى المخنّثين، وكسر آلات اللهو، وأمر بتتبّع المغنّيات من الجوارى، وكان هو مع ذلك يشرب المطبوخ ولا يكاد يصحو من السكر. وفيها عزل القاهر الوزير محمدا، واستوزر أبا العباس بن الخصيب. وفيها حجّ بالناس مؤنس الورقانىّ. وفيها توفّيت السيدة شغب أمّ الخليفة المقتدر بالله جعفر، كان متحصّلها فى السنة ألف ألف دينار، فتتصدّق بها وتخرج من عندها مثلها؛ وكانت صالحة. ولما قتل ابنها كانت مريضة، فقوى مرضها وامتنعت من الأكل حتى كادت تهلك؛ ثم عذّبها القاهر حتى ماتت. ولم يظهر لها إلا ما قيمته مائة وثلاثون ألف دينار؛ وكان لها الأمر والنهى في دولة ابنها. وفيها قتل مؤنس الخادم، وكان لقّب بالمظفّر لمّا عظم أمره، وكان شجاعا مقداما فاتكا مهيبا، عاش تسعين سنة، منها ستون سنة أميرا، وكان كل ما له في علوّ ورفعة، وكان قد أبعده المعتضد الى مكة. ولما بويع المقتدر بالخلافة أحضره وقرّبه وفوّض إليه الأمور، فنال من السعادة والوجاهة ما لم ينله خادم قبله. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة بن عبد الملك أبو جعفر الأزدىّ الحجرىّ «1» المصرىّ الطّحاوىّ الفقيه الحنفى المحدّث الحافظ أحد الأعلام وشيخ الإسلام- وطحا «2» : قرية من قرى مصر من ضواحى القاهرة بالوجه البحرىّ- قال ابن يونس «3» : ولد سنة تسع وثلاثين ومائتين. وسمع هارون بن سعيد

الأيلىّ وعبد الغنىّ بن رفاعة ويونس بن عبد الأعلى ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم وطائفة غيرهم؛ وروى عنه أبو الحسن «1» الإخميمىّ وأحمد بن القاسم الخشّاب وأبو بكر «2» ابن المقرئ وأحمد بن عبد الوارث الزجّاج والطبرانىّ وخلق سواهم، ورحل الى البلاد. قال أبو اسحاق الشيرازىّ: انتهت الى أبى جعفر رياسة أصحاب أبى حنيفة بمصر. أخذ العلم عن أبى جعفر أحمد بن أبى عمران وأبى حازم وغيرهم، وكان إمام عصره بلا مدافعة في الفقه والحديث واختلاف العلماء والأحكام واللغة والنحو، وصنّف المصنّفات الحسان، وصنّف" اختلاف العلماء" و" أحكام القرآن" و" معانى الآثار" و" الشروط"، وكان من كبار فقهاء الحنفيّة. والمزنىّ الشافعىّ هو خال الطحاوىّ، وقصّته «3» معه مشهورة في ابتداء أمره. وكانت وفاة الطحاوىّ في مستهل ذى القعدة. وفيها توفى محمد ابن الحسن بن دريد بن عتاهية، العلّامة أبو بكر الأزدىّ البصرىّ نزيل بغداد، تنقّل فى جزائر البحر وفارس، وطلب الأدب واللغة حتّى صار رأسا فيهما وفي أشعار العرب، وله شعر كثير وتصانيف؛ وكان أبوه من رؤساء زمانه. وحدّث ابن دريد عن أبى حاتم السّجستانىّ وأبى الفضل العبّاس الرّياشىّ وابن أخى «4» الأصمعى؛ وروى عنه أبو سعيد السّيرافىّ «5» وأبو بكر بن شاذان «6» وأبو الفرج «7» صاحب الأغانى وأبو عبد الله «8» المرزبانىّ.

وعاش ابن دريد بضعا وتسعين سنة؛ فإنّ مولده في سنة ثلاث وعشرين ومائتين. وقال أبو حفص «1» بن شاهين: كنّا ندخل على ابن دريد، فنستحى مما نرى من العيدان المعلّقة والشراب وقد جاوز التسعين. ولابن دريد من المصنّفات: كتاب: «الجمهرة» وكتاب «الأمالى» وكتاب «اشتقاق أسماء القبائل» وكتاب «المجتبى «2» » وهو صغير وكتاب «الخيل «3» » وكتاب «السلاح» وكتاب «غريب القرآن» ولم يتمّ، وكتاب «أدب الكاتب» وأشياء غير ذلك. وكان يقال: ابن دريد أعلم الشعراء وأشعر العلماء. ولما مات دفن هو وأبو هاشم الجبّائىّ في يوم واحد في مقبرة الخيزران لاثنتى عشرة ليلة بقيت من شعبان. ومن شعره قوله: وحمراء قبل المزج صفراء بعده ... أتت بين ثوبى نرجس وشقائق حكت وجنة المعشوق صرفا فسلّطوا ... عليها مزاجا فاكتست لون عاشق وله: ثوب الشباب علىّ اليوم بهجته ... فسوف ينزعه عنّى يدا الكبر أنا ابن عشرين لا زادت ولا نقصت ... إنّ ابن عشرين من شيب على خطر الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو حامد أحمد [ابن حماد «4» ] بن حمدون النّيسابورىّ الأعمشىّ «5» ، وأحمد بن عبد الوارث العسّال،

ذكر ولاية أحمد بن كيغلغ الثانية على مصر

وأبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوىّ في ذى القعدة عن اثنتين وثمانين سنة، وأبو هاشم عبد السلام بن أبى علىّ الجبّائىّ، وأبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدىّ ببغداد، ومكحول البيروتىّ محمد [بن عبد الله «1» ] بن عبد السلام، ومحمد بن نوح الجنديسابورىّ، ومؤنس الخادم الملقّب بالمظفّر، وأبو حامد محمد بن هارون الحضرمىّ. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وستّ عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا ونصف إصبع. ذكر ولاية أحمد بن كيغلغ الثانية على مصر ولى أحمد بن كيغلغ المذكور مصر ثانيا من قبل القاهر محمد لمّا اضطربت أحوال الديار المصريّة بعد عزل الأمير محمد بن طغج بن جفّ في آخر شهر رمضان؛ وقدم رسوله إلى الديار المصريّة بولايته لتسع خلون من شوّال سنة إحدى وعشرين وثلثمائة. واستخلف ابن كيغلغ المذكور أبا الفتح [محمد «2» ] بن عيسى النّوشرىّ على مصر؛ فتشغّب عليه الجند في طلب أرزاقهم؛ وطلبوا ذلك من الماذرائىّ صاحب خراج مصر، فاستتر الماذرائىّ منهم، فأحرقوا داره ودور أهله. ووقعت فتنة عظيمة وحروب قتل فيها جماعة كثيرة من المصريّين. ودامت الفتنة إلى أن قدم محمد ابن تكين إلى مصر من فلسطين لثلاث عشرة خلت من شهر جمادى «3» الأولى سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة؛ فظهر الماذرائىّ صاحب الخراج وأنكر ولاية ابن تكين على مصر؛ فتعصّب لمحمد المذكور جماعة من المصريّين ودعى له بالإمارة على المنابر؛ ووقع

بين الناس بسبب ذلك، وصاروا فرقتين: فرقة تنكر ولاية محمد بن تكين وتثبت ولاية أحمد بن كيغلغ، وفرقة تتعصّب لمحمد بن تكين وتنكر ولاية ابن كيغلغ. ووقع بسبب ذلك فتن، وخرج منهم قوم إلى الصعيد: فيهم ابن النّوشرىّ خليفة ابن كيغلغ وغيره، وأمّر ابن النّوشرىّ عليهم، وهم مستمرّون [فى] الدعاء لابن كيغلغ. فكانت حروب كثيرة بديار مصر بسبب هذا الاختلاف إلى أن أقبل الأمير أحمد بن كيغلغ ونزل بمنية الأصبع في يوم ثالث شهر رجب سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة. فلما وصل ابن كيغلغ لحق به كثير من أصحاب محمد بن تكين، فقوى أمره بهم. فلما رأى محمد بن تكين أمره في إدبار فرّ ليلا من مصر، ودخلها من الغد الأمير أحمد بن كيغلغ، وذلك لستّ خلون من شهر رجب. فكان مقام ابن تكين على مصر في هذه الأيّام مائة يوم واثنى عشر يوما وهو غير وال بل متغلّب عليها؛ وكان المتولّى من الخليفة في هذه المرّة ابن كيغلغ المذكور؛ غير أنه كان قد تأخّر عن الحضور إلى الديار المصريّة لأمر ما. ولما دخل ابن كيغلغ إلى مصر وأقام بها أقرّ بجكم الأعور على شرطة مصر، ثم عزله بعد أيام بالحسين بن علىّ بن معقل مدّة ثم أعيد بجكم. وأخذ ابن كيغلغ في إصلاح أمر مصر والنظر في أحوالها وفي أرزاق الجند. ومع هذه الفتن التى مرّت كان بمصر في هذه السنة والماضية زلازل عظيمة خربت فيها عدّة بلاد ودور كثيرة وتساقطت عدّة كواكب. وبينما أحمد بن كيغلغ في إصلاح أمر مصر ورد عليه الخبر بخلع الخليفة القاهر بالله وتولية الراضى بالله محمد بن المقتدر جعفر. فلما بلغ محمّد بن تكين تولية الراضى بالله عاد إلى مصر بجموعه وأظهر أن الراضى ولّاه مصر؛ فخرج إليه عسكر مصر وأعوان أحمد بن كيغلغ وحاربوه فيما بين بلبيس وفاقوس شرقىّ مصر؛ فكانت بينهم مقتلة انكسر فيها محمد بن تكين وأسروجىء به إلى الأمير أحمد بن كيغلغ المذكور؛ فحمله ابن كيغلغ إلى الصعيد؛ واستقامت الأمور بمصر لأحمد بن كيغلغ. وبعد

ما وقع من الحوادث سنة 322

ذلك بمدّة يسيرة ورد كتاب الخليفة بخبر ولاية الأمير محمد بن طغج على مصر وعزل أحمد بن كيغلغ هذا عنها، وأن محمد بن طغج واصل اليها عن قريب. فأنكر ابن كيغلغ ذلك وتهيّأ لحربه وجهّز إليه عساكر مصر ليمنعوه من الدخول إلى الفرما. فأقبلت مراكب محمد بن طغج من البحر إلى تنّيس، وسارت مقدّمته في البر؛ والتقوا مع عساكر أحمد بن كيغلغ؛ فكانت بينهم وقعة هائلة وقتال شديد في سابع عشر شعبان سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة؛ فانكسر أصحاب ابن كيغلغ؛ وأقبلت مراكب محمد بن طغج الى ديار مصر في سلخ شعبان؛ فسلّم أحمد بن كيغلغ الأمر الى محمد بن طغج من غير قتال واعتذر أنه ما قاتله إلا جند مصر بغير إرادته. وملك محمد بن طغج ديار مصر وهى ولايته الثانية عليها. وكانت ولاية ابن كيغلغ على مصر في هذه المرّة الثانية سنة واحدة وأحد عشر شهرا تنقص أيّاما قليلة. وأحمد بن كيغلغ هذا غير منصور بن كيغلغ الشاعر الذي من جملة شعره هذه الأبيات الخمريّة «1» : يدير «2» من كفّه مداما ... ألذّ من غفلة الرقيب كأنّها إذ صفت ورقّت ... شكوى محبّ إلى حبيب *** [ما وقع من الحوادث سنة 322] السنة الثانية من ولاية أحمد بن كيغلغ الثانية على مصر (أعنى بالثانية أنه حكم في الماضية أشهرا، وقد تقدّم ذكر ذلك فتكون هذه السنة هى الثانية) وهى سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة- فيها ظهرت الدّيلم عند دخول أصحاب مرداويج إلى أصبهان، وكان علىّ بن بويه من جملة أصحاب مرداويج، فاقتطع مالا جزيلا وانفرد عن مرداويج، والتقى مع ابن ياقوت فهزمه واستولى على فارس وأعمالها.

قلت: وهذا أوّل ظهور بنى بويه. قيل: إنّ بويه كان فقيرا؛ فرأى في منامه أنه بال فخرج من ذكره عمود من نار، ثم تشعّب «1» يمنة ويسرة وأماما وخلفا حتى ملأ الدنيا؛ فقصّ رؤياه على معبّر؛ فقال له المعبّر: ما أعبّرها إلا بألف درهم؛ فقال بويه: والله ما رأيتها قطّ ولا عشرها، وإنما أنا صيّاد أصطاد السمك؛ ثم اصطاد سمكة فأعطاها للمعبّر؛ فقال له المعبّر: ألك أولاد؟ قال نعم؛ قال: أبشر، فإنهم يملكون الأرض ويبلغ سلطانهم فيها على قدر ما احتوت عليه النار. وكان معه أولاده الثلاثة: علىّ أكبرهم وهو أوّل ما بقل عذاره، وثانيهم الحسن، وثالثهم أحمد. قلت: علىّ هو عماد الدولة، والحسن هو ركن الدولة، وأحمد هو معزّ الدولة. وفيها دخل مؤنس الورقانىّ بالحجّاج سالمين من القرمطىّ إلى بغداد. وفيها قتل القاهر بالله الأمير أبا السّرايا نصر بن حمدان، وإسحاق بن إسماعيل بن يحيى، وهو الذي أشار على مؤنس بخلافة القاهر لما قتل المقتدر. وفيها مات مؤنس الورقانىّ الذي حجّ في هذه السنة بالناس. وفيها استوحش الناس من الخليفة القاهر بالله، ولا زالوا به حتّى خلعوه في يوم السبت ثالث جمادى الأولى وسملوا عينيه حتى سانتا على خدّيه فعمى؛ وهو أوّل خليفة سملت عيناه؛ وسملوه خوفا من شرّه. فكانت خلافته الى حين سمل سنة وستة أشهر وسبعة أيّام أو ثمانية أيّام. وبويع بالخلافة من بعده ابن أخيه الراضى بن المقتدر جعفر. والراضى المذكور اسمه محمد. قال الصّولىّ: كان القاهر هرجا «2» سافكا للدماء محبّا للمال قبيح السيرة كثير التلوّن والاستحالة مدمنا على شرب الخمر، فإذا شربها تغيّرت أحواله وذهب عقله. ويأتى بقيّة ترجمة القاهر بالله في وفاته. وفيها قتل مرداويج مقدّم الديلم بأصبهان

وكان قد عظم أمره «1» وأساء السيرة في أصحابه، فقتله مماليكه الأتراك. وفيها بعث علىّ ابن بويه الى الخليفة الراضى يقاطعه على البلاد التى في حكمه في كلّ سنة ثمانية آلاف ألف درهم؛ فأجابه الى ذلك وبعث له [لواء و «2» ] خلعا مع حرب بن إبراهيم «3» المالكىّ. وفيها تحكّم محمد بن ياقوت في الأمور واستقل بها، وبقى الوزير ابن مقلة معه كالعارية. وفيها توفّى أحمد بن سليمان بن داود أبو عبد الله الطّوسىّ، مات وله ثلاث وثمانون سنة، روى عنه ابن شاذان وغيره. وفيها توفّى أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة أبو جعفر الكاتب الدّينورىّ ابن صاحب" المعارف" و"" أدب الكاتب" وغيرهما، ولد ببغداد ثم قدم مصر وولى القضاء بها حتى مات في شهر ربيع الأوّل. وفيها توفّى عبيد الله بن «4» محمد بن ميمون بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، وكنيته أبو محمد ويلقّب بالمهدىّ، جدّ الخلفاء الفاطميّين المصريّين الآتى ذكرهم باستيعاب. وأمّ عبيد الله هذا أمّ ولد. وولد هو بسلمية «5» ، وقيل ببغداد، سنة ستين ومائتين. ودخل مصر في زىّ التجّار، ثم مضى الى المغرب الى أن ظهر بسجلماسة «6» ببلاد، المغرب في يوم الأحد سابع ذى الحجّة في سنة ستّ وتسعين ومائتين، وسلّم عليه بأمير المؤمنين في أرض الجوّانيّة؛ ثم انتقل الى رقّادة «7» من أرض القيروان، وبنى المهديّة وسكنها. يأتى ذكر نسبهم وما قيل فيه من الطعن وغيره عند ذكر جماعة من أولاده ممن ملك الديار المصريّة بأوسع من هذا؛ لأنّ شرطنا في هذا الكتاب ألا نوسّع

إلا في ترجمة من ولى مصر خاصّة، وما عدا ذلك يكون على سبيل الاختصار. وقد ولى جماعة كبيرة من ذريّة المهدىّ هذا ديار مصر فينظر ذلك في ترجمة أوّل من ولى منهم، وهو المعزّ لدين الله معدّ. وفيها توفّى الأمير هارون بن غريب ابن «1» خال الخليفة المقتدر، كان يلى حلوان وغيرها؛ ولمّا زالت دولة ابن «2» عمته المقتدر عصى على الخلافة حتى حاربه جيش الخليفة الراضى وظفروا به وقتلوه وبعثوا برأسه الى بغداد. وفيها توفّى يعقوب بن إبراهيم بن أحمد بن عيسى الحافظ أبو بكر «3» البزّار البغدادىّ، كان زاهدا متعبّدا، روى عنه الدارقطنىّ وغيره، وكان ثقة صدوقا، مات وهو ساجد. وفيها توفّى أبو علىّ الرّوذبارىّ «4» ، واسمه محمد «5» بن أحمد بن القاسم بن المنصور بن شهريار من أولاد كسرى. أصله من بغداد من أبناء الوزراء، وصحب الجنيد ولزمه وأخذ عنه حتى صار أحد أئمّة الزمان؛ وأقام بمصر وصار شيخ الصوفيّة بها الى ان مات بها، وكان ثقة صدوقا، يقول: أستاذى في التصوف الجنيد، وفي الحديث إبراهيم الحربىّ، وفي النحو ثعلب، وفي الفقه ابن سريج. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو «6» عمر أحمد بن خالد بن الجباب القرطبىّ الحافظ، وخير النسّاج «7» أبو الحسن الزاهد، والمهدىّ

ما وقع من الحوادث سنة 323

أبو محمد عبيد الله أوّل خلفاء الفاطميّة، وكانت دولته بضعا وعشرين سنة، ومحمد بن ابراهيم الدّيبلىّ «1» ، وأبو محمد بن عمرو العقيلىّ، والقاهر بالله محمد بن المعتضد خلع وسمل في جمادى الأولى ثم بقى خاملا سبع عشرة سنة، وهو الذي سأل يوم الجمعة. - قلت: ومعنى قول الذهبىّ. «وهو الذي سأل يوم الجمعة» شرح ذلك أن القاهر لما طال خموله في عماه قلّ ما بيده ووقف في يوم من أيّام جمعة وسأل الناس، ليقيم بتلك الشناعة على خليفة الوقت- قال الذهبىّ: وأبو بكر محمد بن علىّ الكنانىّ الزاهد، وأبو على الرّوذبارىّ، يقال: اسمه محمد بن أحمد. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وستّ أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وأربع عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 323] السنة الثالثة من ولاية أحمد بن كيغلغ الثانية على مصر، وهى سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة- فيها تمكّن الراضى بالله من الخلافة، وقلّد ابنيه المشرق والمغرب وهما أبو جعفر وأبو الفضل، واستكتب لهما أبا الحسين علىّ بن محمد بن مقلة. وفيها بلغ الوزير أبا [الحسين] علىّ بن مقلة أن ابن شنّبود المقرئ- وشنّبود بشين معجمة ونون مشدّدة وباء مضمومة ودال- بغيّر حروفا من القرآن ويقرأ بخلاف ما أنزل؛ فأحضره وأحضر عمر بن أبى عمر «2» محمد بن يوسف القاضى وأبا بكر «3» بن مجاهد وجماعة من القراء، ونوظر فأغلظ للوزير في الخطاب وللقاضى ولابن مجاهد ونسبهم الى الجهل وأنهم ما سافروا في طلب العلم كما سافر؛ فأمر الوزير بضربه؛ فنصب بين يديه

وضرب سبع درر وهو يدعو على الوزير بأن تقطع يده ويشتّت شمله. ثم وقف على الحروف التى قيل إنه كان يقرأ بها، من ذلك:" فامضوا الى ذكر الله في الجمعة". " وكان أمامهم ملك يأخذ كلّ سفينة غصبا"." وتكون الجبال كالصوف المنفوش"." تبّت يدا أبى لهب وقد تبّ"." فلما خرّ تيقّنت الإنس أنّ الجنّ لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولا في العذاب المهين". ثم استتيب غصبا ونفى الى البصرة «1» . وكان إماما في القراءة. وفيها قبض الخليفة الراضى على محمد بن ياقوت وأخيه المظفّر وأبى إسحاق «2» القراريطىّ، وأخذ خطّ القراريطىّ بخمسمائة ألف دينار. وعظم شأن الوزير ابن مقلة واستقلّ بتدبير الدولة. وفيها أخرج المنصور اسماعيل العبيدىّ يعقوب بن إسحاق في أسطول من المهديّة عدّته ثلاثون [مركبا] حربيا الى ناحية فرنجة، ففتح مدينة جنوة، ومرّوا بجزيرة سردانية فأوقعوا بأهلها وسبوا وأحرقوا عدّة مراكب وقتلوا رجالها، ثم عادوا بالغنائم الى المهديّة. وفيها في جمادى الأوّلى هبّت ريح عظيمة ببغداد واسودّت الدنيا وأظلمت من العصر الى المغرب برعد وبرق. وفيها في ذى القعدة انقضّت النجوم سائر الليل انقضاضا عظيما ما رئى مثله. وفيها غلا السعر ببغداد حتى بيع كرّ القمح بمائة وعشرين دينارا والشعير بتسعين دينارا، وأقام الناس أيّاما لا يجدون القمح فأكلوا خبز الذرة والدّخن والعدس. وفيها توفّى إبراهيم بن حمّاد بن إسحاق، الشيخ أبو إسحاق الأزدىّ المحدّث الصوفىّ، سمع خلقا كثيرا وكان زاهدا عابدا. وفيها توفّى أبو عبد الله محمد بن «3» زيد الواسطىّ المتكلّم. وفيها توفى إبراهيم بن محمد بن عرفة بن سليمان بن المغيرة بن حبيب بن المهلّب بن

أبى صفرة، أبو عبد الله الأزدىّ العتكىّ الواسطىّ النحوىّ، ويعرف بنفطويه، ولد بواسط سنة أربعين ومائتين، وقيل: سنة خمسين ومائتين، وكان إمام عصره فى النحو والأدب وغيرهما. ومن شعره قوله: أحبّ من الإخوان كلّ مواتى ... وكلّ غضيض الطرف عن عثراتى يطاوعنى في كلّ أمر أريده ... ويحفظنى حيّا وبعد وفاتى وهجاه أبو عبد الله محمد بن زيد الواسطىّ المتكلّم فقال: من سرّه ألّا يرى فاسقا ... فليجتهد ألّا يرى نفطويه أحرقه الله بنصف اسمه ... وصيّر الباقى صراخا عليه وفيها توفّى أحمد بن جعفر بن موسى بن يحيى بن خالد بن برمك أبو الحسن النديم الشاعر المشهور البرمكىّ، ويعرف بجحظة، ولد في شعبان سنة أربع وعشرين ومائتين، كان فاضلا صاحب فنون وأخبار ونوادر ومنادمة، وهو من ذرّية البرامكة. وجحظة (بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة وفتح الظاء «1» المعجمة وبعدها هاء) هو لقب غلب عليه لقّبه به عبد الله بن المعتزّ؛ وكان كثير الأدب عارفا بالنحو واللغة، وأما صنعة الغناء فلم يلحقه [فيها] أحد في زمانه. ومن شعره: فقلت لها بخلت علىّ يقظى ... فجودى في المنام لمستهام فقالت لى: وصرت تنام أيضا ... وتطمع أن أزورك في المنام وكتب إليه الوزير ابن مقلة مرة بصلة، فمطله الجهبذ «2» ؛ فكتب إليه جحظ- المذكور يقول:

ذكر ولاية محمد بن طغج الإخشيذ ثانية على مصر

اذا كانت صلاتكم رقاعا ... تخطّط بالأنامل و «1» الأكفّ ولم تجد الرقاع علىّ نفعا ... فها خطّى خذوه بألف ألف وفيها توفّى محمد بن إبراهيم بن عبدويه «2» الشيخ أبو عبد الله الهذلىّ من ولد عبد الله «3» بن مسعود رضى الله عنه؛ ولد بنيسابور ورحل في طلب العلم وصنّف الكتب وخرج حاجّا فأصابه جراح في نوبة القرمطىّ وردّ الى الكوفة فمات بها. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو طالب أحمد بن نصر البغدادىّ الحافظ، وإبراهيم بن محمد بن عرفة النحوىّ نفطويه، وإسماعيل بن العباس الورّاق، وأبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدىّ الأسترآباذيّ، وأبو عبيد القاسم بن إسماعيل المحاملىّ. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وستّ عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا. ذكر ولاية محمد بن طغج الإخشيذ ثانية على مصر الإخشيذ محمد بن طغج بن جفّ الفرغانىّ، وليها ثانيا من قبل الخليفة الراضى بالله محمد على الصلاة والخراج بعد عزل الأمير أحمد بن كيغلغ عنها، بعد أمور وقعت تقدّم ذكر بعضها في ترجمة ابن كيغلغ. ودخل الإخشيذ هذا إلى مصر أميرا عليها، بعد أن سلّم الأمير أحمد بن كيغلغ في يوم الخميس لستّ بقين من شهر رمضان- وقال صاحب البغية: لخمس بقين من شهر رمضان- سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة. وأقرّ

على شرطته سعيد بن عثمان. ثم ورد عليه بالديار المصريّة أبو الفتح الفضل بن جعفر ابن محمد بالخلع من الخليفة الراضى بالله بولايته على مصر، فلبسها وقبّل الأرض. ورسم الخليفة الراضى بالله بأن يزاد في ألقاب الأمير محمد هذا" الإخشيذ" فى شهر رمضان سنة سبع وعشرين وثلثمائة- وقد تقدّم ذكر ذلك في ولايته الأولى على مصر وما معنى الإخشيذ- فزيد في ألقابه ودعى له بذلك على منابر مصر وأعمالها. ثم وقع بين الإخشيذ هذا وبين أصحاب أحمد بن كيغلغ فتنة وكلام أدّى ذلك للقتال والحرب؛ ووقع بينهما قتال، فانكسر في آخره أصحاب ابن كيغلغ، وخرجوا من مصر على أقبح وجه وتوجّهوا الى برقة، ثم خرجوا من برقة وصاروا الى القائم بأمر الله ابن المهدىّ عبيد الله العبيدىّ بالمغرب، وحرّضوه على أخذ مصر وهوّنوا عليه أمرها؛ وكان في نفسه من ذلك شىء، فجهّز إليها الجيوش لأخذها. وبلغ محمد بن طغج الإخشيذ ذلك، فتهيّأ لقتالهم وجمع العساكر وجهّز الجيوش الى الإسكندرية والصعيد. وبينما هو في ذلك إذ ورد عليه كتاب الخليفة يعرّفه بخروج محمد بن رائق؛ ولمّا بلغه حركة محمد بن رائق ومجيئه الى الشامات، عرض الإخشيذ عساكره وجهّز جيشا فى المراكب لقتال ابن رائق؛ ثم خرج هو بعد ذلك بنفسه في المحرّم سنة ثمان وعشرين وثلثمائة، وسار من مصر، بعد أن استخلف أخاه الحسن «1» بن طغج على مصر، حتى نزل الإخشيذ بجيوشه الى الفرما؛ وكان محمد بن رائق بالقرب منه؛ فسعى بينهما الحسن «2» ابن طاهر بن يحيى العلوى في الصلح حتّى تمّ له ذلك واصطلحا؛ وعاد الإخشيذ الى مصر في مستهل جمادى الأولى من سنة ثمان وعشرين وثلثمائة. وبعد قدوم الإخشيذ الى مصر انتقض الصلح وسار محمد بن رائق من دمشق في شعبان من السنة

الى نحو الديار المصرية. وبلغ ذلك الإخشيذ فتجهّز وعرض عساكره وأنفق فيهم وخرج بجيوشه من مصر لقتال محمد بن رائق في يوم سادس عشر «1» شعبان، وسار كل منهما بعساكره حتى التقيا بالعريش- وقال أبو المظفّر في مرآة الزمان: باللّجّون «2» - فكانت بينهما وقعة عظيمة انكسرت فيها ميمنة «3» الإخشيذ وثبت هو في القلب؛ ثم حمل هو بنفسه على أصحاب «4» محمد بن زائق حملة شديدة فأسر كثيرا منهم وأمعن في قتلهم وأسرهم؛ وقتل أخوه الحسين بن طغج في الحرب. وافترق العسكران وعاد كل واحد الى محل إقامته، فمضى ابن رائق نحو الشام وعاد الإخشيذ الى الرملة بخمسمائة أسير؛ ثم تداعيا الى الصلح. وكان لما قتل الحسين بن طغج أخو الإخشيذ في المعركة عزّ ذلك على محمد بن رائق، وأخذه وكفّنه وحنّطه وأنفذ معه ابنه مزاحما الى الإخشيذ، وكتب معه كتابا يعزّيه فيه ويعتذر إليه ويحلف له أنه ما أراد قتله، وأنه أرسل ابنه مزاحما إليه ليفتديه بالحسين بن طغج إن أحبّ الإخشيذ ذلك. فاستعاذ الإخشيذ بالله من ذلك واستقبل مزاحما بالرّحب والقبول وخلع عليه وعامله بكلّ جميل، وردّه الى أبيه. واصطلحا على أن يفرج محمد بن رائق للإخشيذ عن الرّملة، ويحمل إليه الإخشيذ في كلّ سنة مائة وأربعين ألف دينار، ويكون باقى الشام في يد ابن رائق، وأن كلّا منهما يفرج عن أسارى الآخر؛ فتمّ ذلك. وعاد الإخشيذ الى مصر فدخلها لثلاث خلون من المحرّم سنة تسع وعشرين وثلثمائة، وعاد محمد بن رائق الى دمشق، فلم تطل مدّة الإخشيذ بمصر إلّا وورد عليه الخبر من بغداد بموت الخليفة الراضى بالله

فى شهر ربيع الآخر من السنة، وأنه بويع أخوه المتقى بالله إبراهيم بن المقتدر جعفر بالخلافة، وكان ورود هذا الخبر على الإخشيذ بمصر في شعبان من السنة، وأن المتقى أقرّ الإخشيد هذا على عمله بمصر. فاستمرّ الإخشيذ على عمله بمصر بعد ذلك مدّة طويلة الى أن قتل محمد بن رائق في قتال كان بينه وبين بنى حمدان بالموصل في سنة ثلاثين وثلثمائة؛ فعند ذلك جهزّ الإخشيذ جيوشه الى الشام لمّا بلغه قتل محمد ابن رائق، ثم سار هو بنفسه لستّ خلون من شوّال سنة ثلاثين وثلثمائة المذكورة، واستخلف أخاه أبا المظفّر الحسن بن طغج على مصر؛ وسار الإخشيذ حتى دخل دمشق وأصلح أمورها وأقام بها مدّة. ثم خرج منها عائدا الى الديار المصريّة حتى وصلها في ثالث عشر جمادى الأولى سنة إحدى وثلاثين وثلثمائة، ونزل البستان «1» الذي يعرف الآن بالكافورىّ داخل القاهرة؛ ثم انتقل بعد أيّام الى داره؛ وأخذ البيعة على المصريّين لابنه أبى القاسم أنوجور وعلى جميع القوّاد والجند، وذلك في آخر ذى القعدة. وبعد مدّة بلغ الإخشيذ مسير الخليفة المتقى بالله الى بلاد الشام ومعه بنو حمدان؛ فخرج الإخشيذ من مصر وسار نحو الشام لثمان خلون من شهر رجب سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة، واستخلف أخاه أبا المظفّر الحسن بن طغج على مصر، ووصل دمشق ثم سار حتّى وافى المتقى بالرّقّة، فلم يمكن من دخولها لأجل سيف الدولة علىّ بن حمدان. ثم بان للخليفة المتّقى من بنى حمدان الملل والضجر منه، فراسل توزون «2» واستوثق منه. ثم اجتمع بالإخشيذ هذا وخلع عليه؛ وأهدى إليه الإخشيذ

تحفا وهدايا وأموالا. وبلغ الإخشيذ مراسلة توزون، فقال للخليفة: يا أمير المؤمنين أنا عبدك وابن عبدك، وقد عرفت الأتراك وغدرهم وفجورهم، فالله في نفسك! سر معى إلى الشام ومصر فهى لك، وتأمن على نفسك؛ فلم يقبل المتقى ذلك؛ فقال له الإخشيذ: فأقم هنا وأنا أمدّك بالأموال والرجال، فلم يقبل منه أيضا. ثم عدل الإخشيذ الى الوزير ابن مقلة وقال له: سر معى، فلم يقبل ابن مقلة أيضا مراعاة للخليفة المتقى. وكان ابن مقلة بعد ذلك يقول: يا ليتنى قبلت نصح الإخشيذ!. ثم سلّم الإخشيذ على الخليفة ورجع الى نحو بلاده حتى وصل الى دمشق؛ فأمّر عليها الحسين بن لؤلؤ؛ فبقى ابن لؤلؤ على إمرة دمشق سنة وأشهرا؛ ثم نقله الإخشيذ الى نيابة حمص؛ وولّى على دمشق يأنس المؤنسىّ. وعاد الإخشيذ الى الديار المصريّة ودخلها لأربع خلون من جمادى الأولى سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة، ونزل بالبستان المعروف بالكافورىّ على عادته. فلم تكن مدّة إلا وورد عليه الخبر بخلع المتقى من الخلافة وتولية المستكفى، وذلك لسبع خلون من جمادى الآخرة من السنة؛ وأن الخليفة المستكفى أقرّ الإخشيد هذا على ولايته بمصر والشأم على عادته. ثم وقع بين الإخشيذ وبين سيف الدولة علىّ [بن عبد الله] بن حمدان وحشة وتأكدت الى أوّل سنة أربع وثلاثين وثلثمائة؛ ثم اصطلحا على أن يكون لسيف الدولة حلب وأنطاكية وحمص، ويكون باقى بلاد الشام للإخشيذ. وتزوّج سيف الدولة ببنت أخى الإخشيذ. ثم وقّع أيضا بين الإخشيذ وبين سيف الدولة ثانيا، وجهّز الإخشيذ الجيوش لحربه وعلى الجيوش خادمه كافور الإخشيذى وفاتك الإخشيذى؛ ثم خرج الإخشيذ بعدهما من مصر في خامس شعبان سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة، واستخلف أخاه أبا المظفّر الحسن ابن طغج على مصر، وسار الإخشيذ بعساكره حتّى لقى سيف الدولة علّى بن عبد الله ابن حمدان بقنّسرين، وحاربه فكسره وأخذ منه حلب. ثم بلغه خلع المستكفى من

الخلافة وبيعة المطيع لله الفضل في شوّال سنة أربع وثلاثين وثلثمائة؛ وأرسل المطيع الى الإخشيذ باستقراره على عمله بمصر والشام. فعاد الإخشيذ الى دمشق، فمرض بها ومات في يوم الجمعة لثمان بقين من ذى الحجّة سنة أربع وثلاثين وثلثمائة. وولى بعده ابنه أبو القاسم أنوجور باستخلاف أبيه له. فكانت مدّة ولاية الإخشيذ على مصر فى هذه المرّة الثانية إحدى عشرة سنة وثلاثة أشهر ويومين. والإخشيذ: بكسر الهمزة وسكون الخاء المعجمة وكسر الشين المعجمة وبعدها ياء ساكنة مثناة من تحتها ثم ذال معجمة، وتفسيره بالعربىّ ملك الملوك. وطغج: بضم الطاء المهملة وسكون الغين المعجمة وبعدها جيم. وجفّ: بضم الجيم وفتحها وبعدها فاء مشدّدة. وكان الإخشيذ ملكا شجاعا مقداما حازما متيقّظا حسن التدبير عارفا بالحروب مكرما للجند شديد البطش ذا قوّة مفرطة لا يكاد أحد يجرّ قوسه، وله هيبة عظيمة في قلوب الرعيّة، وكان متجمّلا في مركبه وملبسه. وكان موكبه يضاهى موكب الخلافة. وبلغت عدة مماليكه ثمانية آلاف مملوك، وكان عدّة جيوشه أربعمائة ألف. وكان قوىّ التحرّز على نفسه، وكانت مماليكه تحرسه بالنّوبة عند ما ينام كلّ يوم ألف مملوك، ويوكّل الخدم بجوانب خيمته، ثم لا يثق بأحد حتّى يمضى الى خيمة الفراشين فينام فيها. وعاش ستين سنة. وخلّف أولادا ملوكا. وهو أستاذ كافور الإخشيذىّ الآتى ذكره. قال الذهبىّ: وتوفّى بدمشق في ذى الحجّة عن ستّ وستين سنة، ونقل فدفن ببيت المقدس الشريف، ومولده ببغداد. وقال ابن خلكان:" ولم يزل في مملكته وسعادته الى أن توفّى في الساعة الرابعة يوم الجمعة لثمان بقين من ذى الحجّة سنة أربع وثلاثين وثلثمائة". انتهى.

ما وقع من الحوادث سنة 324

*** [ما وقع من الحوادث سنة 324] السنة الثانية من ولاية الإخشيذ محمد بن طغج على مصر، وقد تقدّم أنه حكم فى السنة الماضية على مصر من شهر رمضان سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة، فتكون سنة أربع وعشرين وثلثمائة هذه هى الثانية من ولايته، ولا عبرة بتكملة السنين- فيها (أعنى سنة أربع وعشرين وثلثمائة) قطع محمد بن رائق الحمل عن بغداد، واحتج بكثرة كلف الجيش عنده. وفيها توفّى هارون بن المقتدر أخو الخليفة المطيع لله وحزن عليه أخوه الخليفة واغتمّ له، وأمر بنفى الطبيب بختيشوع بن يحيى واتهمه بتعمّد الخطأ في علاجه. وفيها في شهر ربيع الأوّل أطلق من الحبس المظفّر بن ياقوت، وحلف للوزير على المصافاة، وفي نفسه الحقد عليه، لأنه نكبه ونكب أخاه محمدا؛ ثم أخذ يسعى في هلاكه، ولا زال يدبّر على الوزير ابن مقلة حتى قبض عليه وأحرقت داره، وهذه المرّة الثالثة؛ واستوزر عوضه عبد الرّحمن بن عيسى، وهو أخو الوزير علىّ بن عيسى برغبة أخيه عن الوزارة- وكان ابن مقلة قد أحرق دار سليمان ابن الحسن- وكتبوا على داره: أحسنت ظنّك بالأيّام إذ حسنت ... ولم تخف سوء ما يجرى به القدر وسالمتك الليالى فاغتررت بها ... وعند صفو الليالى يحدث الكدر ثم وقع بعد ذلك أمور يطول شرحها. وقبض الراضى على الوزير عبد الرّحمن ابن عيسى وعلى أخيه علىّ بن عيسى لعجزه عن القيام بالكلف؛ واستوزر أبا جعفر محمد بن القاسم الكرخىّ، وسلّم ابنى عيسى للكرخىّ، فصادرهما برفق، فأدّى كلّ واحد سبعين ألف دينار. ثم عجز الكرخىّ أيضا؛ فاستوزر الراضى عوضه أبا القاسم سليمان ابن الحسن؛ فكان سليمان في العجز بحال الكرخىّ وزيادة. فدعت الضرورة أن الراضى

كاتب محمد بن رائق واستقدمه وقلّده جميع أمور الدولة؛ وبطل حينئذ أمر الوزارة والدواوين وبقى اسم الوزارة لا غير، وتولّى الجميع محمد بن رائق. وفيها كان الوباء العظيم بأصبهان وبغداد، وغلت الأسعار. وفيها سار الدّمستق بجيوش الروم إلى آمد وسميساط؛ فسار سيف الدولة بن حمدان [إلى آمد «1» ]- وهذا أوّل مغازيه- وحاربه ووقع له معه أمور حتّى ملك الدّمستق سميساط وأمّن أهلها؛ وكان الحسن أخو سيف الدولة قد غلب على الموصل واستفحل أمره. وفيها عاثت العرب من بنى نمير وقشير وملكوا ديار ربيعة ومضر وشنّوا الغارات وقطعوا السّبل؛ وخلت المدائن من الأقوات لضعف أمر الخلافة، لأن الخليفة الراضى صار مع ابن رائق كالمحجور عليه والأسير في يده، والأمر كلّه لابن رائق. وفيها توفّى أحمد بن موسى بن العباس الشيخ أبو بكر المقرئ البغدادىّ الإمام العلّامة. مولده في سنة خمس وأربعين ومائتين، وكان إمام القرّاء في زمانه، وله مشاركة في فنون. وفيها توفّى الحسن بن محمد بن أحمد الشيخ أبو القاسم السّلمىّ الدّمشقىّ، ويعرف بابن برغوث. روى عن صالح بن الإمام أحمد بن حنبل قصّة الشعر «2» . وفيها توفّى صالح بن محمد بن شاذان

الشيخ أبو الفضل الأصبهانىّ الحافظ المحدّث، رحل الى البلاد وسمع الكثير ثم توجّه الى مكة فمات بها في شهر رجب من السنة. وفيها توفى عبد الله [بن أحمد «1» ] ابن محمد بن المغلّس أبو الحسن الفقيه الظاهرىّ؛ أخذ الفقه عن أبى بكر بن داود الظاهرىّ وبرع في علم الظاهر. وفيها توفّى محمد بن الفضل بن عبد الله الشيخ أبو ذرّ التّميمىّ الشافعىّ فقيه جرجان ورئيسها. وفيها توفّى عبد الله بن محمد ابن زياد بن واصل بن ميمون الحافظ أبو بكر النيسابورىّ الفقيه الشافعىّ مولى آل عثمان بن عفّان رضى الله عنه. قال الدارقطنىّ: ما رأيت أحفظ منه. ومولده فى سنة ثمان وثلاثين ومائتين، ومات في رابع شهر ربيع الآخر. وفيها توفّى على ابن إسماعيل بن أبى بشر إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال ابن أبى بردة بن أبى موسى بن عبد الله بن قيس الأشعرىّ البصرىّ المتكلم أبو الحسن، صاحب التصانيف في الكلام والأصول والملل والنحو؛ ومولده سنة ستّين ومائتين؛ وكان معتزليا ثم تاب. وفيها كان الطاعون العظيم بأصبهان ومات فيه خلق كثير وتنقّل في عدّة بلاد. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو عمرو «2» أحمد ابن بقىّ بن مخلد، وجحظة النّديم أحمد بن جعفر بن موسى البرمكىّ، وأبو بكر أحمد ابن موسى بن العبّاس بن مجاهد المقرئ، وأبو الحسن عبد الله بن أحمد المغلّس البغدادىّ الداودىّ إمام أهل الظاهر في زمانه، وأبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد النّيسابورىّ، وأبو القاسم عبد الصمد بن سعيد الحمصىّ «3» ، وأبو الحسن علىّ بن إسماعيل

ما وقع من الحوادث سنة 325

الأشعرىّ المتكلّم، وعلىّ بن عبد الله بن المبشّر الواسطىّ، وأبو القاسم علىّ بن محمد ابن كاس «1» النّخعىّ الكوفىّ الحنفىّ قاضى دمشق. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وستّ عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وثلاث وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 325] السنة الثالثة من ولاية الإخشيذ على مصر، وهى سنة خمس وعشرين وثلثمائة- فيها لم يحجّ أحد من العراق خوفا من القرمطىّ. وفيها ظهرت الوحشة بين محمد بن رائق وبين أبى عبد الله البريدىّ. و [فيها] وافى أبو طاهر القرمطىّ الكوفة «2» فدخلها في شهر ربيع الآخر؛ فخرج ابن رائق في جمادى الأولى وعسكر بظاهر بغداد وسيّر رسالته الى القرمطىّ فلم تغن شيئا. وفيها استوزر الراضى أبا الفتح بن جعفر ابن الفرات بمشورة ابن رائق، وكان ابن الفرات بالشام فأحضروه. وفيها أسّس أمير الأندلس الناصر لدين «3» الله الأموىّ مدينة الزّهراء، وكان منتهى الإنفاق في بنائها كلّ يوم ما لا يحدّ؛ كان يدخل فيها كلّ يوم من الحجر المنحوت ستة آلاف صخرة سوى الآجرّ وغيره؛ وحمل إليها الرّخام من أقطار الغرب، ودخل فيها أربعة آلاف وثلثمائة سارية؛ وأهدى له ملك الفرنج أربعين سارية رخام؛ وأما الوردىّ والأخضر فمن إفريقيّة؛ والحوض المذهّب جلب من قسطنطينيّة، والحوض الصغير عليه صورة أسد وصورة غزال وصورة عقاب وصورة ثعبان وغير ذلك، والكلّ بالذهب

المرصّع بالجوهر؛ وبقوا في بنائها ستّ عشرة سنة؛ وكان ينفق عليها ثلث دخل الأندلس، وكان دخل الأندلس يومئذ خمسة آلاف ألف وأربعمائة ألف وثمانين ألف درهم. وبين هذه المدينة (أعنى الزهراء) وبين قرطبة أربعة أميال. وأطوالها ألف وستمائة ذراع، وعرضها ألف وسبعون ذراعا. ولم يبن في الإسلام أحسن منها؛ لكنّها صغيرة بالنسبة إلى المدائن. وكان بسورها ثلثمائة برج. وعمل ثلثها قصورا للخلافة، وثلثها للخدم، وثلثها الثالث بساتين. وقيل: إنه عمل فيها بحرة ملأها بالزئبق. وقيل: إنه كان يعمل فيها ألف صانع مع كلّ صانع اثنا عشر أجيرا. وقد أحرقت هذه المدينة وهدمت في حدود سنة أربعمائة، وبقيت رسومها وسورها. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن حسن أبو حامد الشّرقىّ «1» النّيسابورىّ الحافظ الحجة تلميذ مسلم، سمع الكثير، وصنّف الصحيح، وكان أوحد عصره، وروى عنه غير واحد، ومات في شهر رمضان، وصلّى عليه أخوه عبد الله. وفيها توفّى الأمير عدنان ابن الأمير أحمد بن طولون، قدم بغداد وحدّث بها عن الربيع بن سليمان المزنىّ، وقدم دمشق أيضا وحدّث بها، وكان ثقة صالحا. رضى الله عنه. وفيها توفّى موسى بن عبيد الله ابن يحيى بن خاقان أبو مزاحم، كان أبوه وزير المتوكّل، وكان موسى هذا ثقة خيّرا من أهل السّنّة. الذين ذكر الذهبى وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو حامد أحمد بن محمد بن [حسن] الشّرقىّ، وأبو إسحاق إبراهيم «2» بن عبد الصمد بن موسى الهاشمى، وأبو العبّاس محمد بن عبد الرّحمن، ومكّى بن عبدان التّميمىّ، وأبو مزاحم موسى بن عبيد الله الخاقانىّ.

ما وقع من الحوادث سنة 326

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وستّ عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وستّ عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 326] السنة الرابعة من ولاية الإخشيذ على مصر، وهى سنة ستّ وعشرين وثلثمائة- فيها سار أبو عبد الله البريدىّ لمحاربة بجكم بعد أن استعان البريدىّ بالأمير علىّ ابن بويه؛ فبعث علىّ بن بويه معه أخاه أبا الحسين أحمد بن بويه. وأما البريديّون فهم ثلاثة: أبو عبد الله، وأبو الحسين، وأبو يوسف، كانوا كتّابا على البريد. وفيها قطعت يد الوزير ابن مقلة الكاتب المشهور ثم قطع لسانه ومات «1» فى حبسه. وسببه أنّ ابن رائق لمّا وصل إليه التدبير كتب ابن مقلة الى بجكم يطمعه في الحضرة، وبلغ ابن رائق، وأظهر الخليفة أمره واستفتى القضاة، فيقال: إنهم أفتوا بقطع يده، ولم يصحّ ذلك؛ فأخرجه الراضى الى الدّهليز وقطع يده بحضرة الأمراء؛ وحبس ابن مقلة واعتلّ «2» ؛ فلما قرب بجكم من بغداد قطع ابن رائق لسانه أيضا؛ وبقى في الحبس الى أن مات، حسبما يأتى ذكره. وفيها ورد كتاب ملك الروم الى الراضى، وكانت الكتابة بالروميّة بالذهب والترجمة العربيّة بالفضّة، وعنوانه من رومانس وقسطنطين وإسطفانس عظماء ملوك الروم الى الشريف البهىّ ضابط سلطان المسلمين: " باسم الأب والابن وروح القدس الإله الواحد، الحمد لله ذى الفضل العظيم، الرءوف بعباده الجامع للمفترقات، والمؤلّف للأمم المختلفة في العداوة حتى يصيروا

واحدا ... "، وحاصل الكتاب أنّه أرسل بطلب الهدنة. فكتب اليهم الراضى بإنشاء أحمد بن محمد بن جعفر بن ثوابة «1» بعد البسملة: " من عبد «2» الله أبى العباس الإمام الراضى بالله أمير المؤمنين الى رومانس وقسطنطين وإسطفانس رؤساء الروم. سلام على من اتّبع الهدى، وتمسّك بالعروة الوثقى، وسلك سبيل النجاة والزّلفى ... » . ثم أجابهم الى ما طلبوا. وفيها قلّد الخليفة الراضى بجكم إمارة بغداد وخراسان، وابن رائق مستتر. وفيها كانت ملحمة عظيمة بين الحسن بن عبد الله بن حمدان وبين الدّمستق، ونصر الله الاسلام وهرب الدّمستق، وقتل من ناصريه «3» خلائق، وأخذ سرير الدمستق وصليبه، وفيها توفّى إبراهيم بن داود أبو إسحاق الرّقّىّ؛ كان من جلّة مشايخ دمشق وله كرامات وأحوال. وفيها توفّى عبد الله بن محمد بن سفيان أبو الحسين «4» الجرّار «5» النحوىّ، كان له التصانيف في علوم القرآن وغيرها.

ما وقع من الحوادث سنة 327

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو ذرّ أحمد بن محمد ابن محمد بن سليمان بن الباغندىّ، وعبد الرّحمن بن أحمد بن محمد بن الحجّاج بن رشّد بن «1» ، ومحمد بن زكرياء بن القاسم المحاربىّ. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وأربع أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشر أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 327] السنة الخامسة من ولاية الإخشيذ على مصر، وهى سنة سبع وعشرين وثلثمائة- فيها سافر الراضى وبجكم لمحاربة الحسن بن عبد الله بن حمدان، وكان قد أخّر الحمل عما ضمنه من الموصل والجزيرة؛ فأقام الراضى بتكريت، ثم التقى بجكم وابن حمدان، وانهزم أصحاب بجكم وأسر بعضهم «2» ؛ فحنق بجكم وحمل بنفسه فانهزم أصحاب ابن حمدان؛ وأتبعه بجكم الى أن بلغ نصيبين، وهرب ابن حمدان الى آمد. ثم صالحا بعد ذلك؛ وصاهر بجكم الحسن بن حمدان المذكور. وفيها مات الوزير أبو الفتح الفضل [بن جعفر] بن الفرات بالرّملة. وفيها استوزر الراضى أبا عبد الله أحمد بن محمد البريدىّ، أشار عليه بذلك ابن شيرزاد «3» ، وقال: نكفى شرّه؛ فبعث الراضى قاضى القضاة أبا الحسين عمر بن محمد بن يوسف إليه بالخلع والتقليد. وفيها كتب أبو علىّ عمر بن يحيى العلوىّ الى القرمطىّ- وكان يحبّه- أن يطلق طريق الحاجّ ويعطيه عن كلّ حمل خمسة دنانير، فأذن وحجّ بالناس؛ وهى أوّل سنة أخذ فيها المكس من الحجّاج. وفيها توفّى

عبد الرّحمن [بن محمد «1» ] بن إدريس أبو محمد بن أبى حاتم الرازىّ الحافظ ابن الحافظ؛ كان إماما، صنّف" الجرح والتعديل". قال أحمد بن عبد الله النّيسابورىّ: كنا عنده وهو يقرأ علينا الجرح والتعديل الذي صنّفه؛ فدخل يوسف بن الحسين الرازىّ، فجلس وقال: يا أبا محمد، ما هذا؟ فقال: الجرح والتعديل؛ قال: وما معناه؟ قال: أظهر أحوال العلماء من كان ثقة ومن كان غير ثقة؛ فقال له يوسف: أما استحييت من الله تعالى! تذكر أقواما قد حطّوا رواحلهم في الجنة، أو عند الله، منذ مائة سنة أو مائتى سنة تغتابهم!؛ فبكى عبد الرّحمن وقال: يا ابا يعقوب، والله لو طرق سمعى هذا الكلام قبل أن أصنّفه ما صنّفته؛ وارتعد وسقط الكتاب من يده، ولم يقرأ في ذلك المجلس. قلت: فلو رأى الشيخ يوسف كلام الخطيب في تاريخ بغداد، وهو يقع في حقّ العلماء الأعلام الزهّاد بكلام يخرجهم من الإسلام بذلك اللسان الخبيث، فما كان يفعل به!. وفيها توفّى محمد بن جعفر بن محمد أبو بكر الخرائطىّ من أهل سرّ من رأى، وكان عالما ثقة جيّد التصانيف متفنّنا. رضى الله عنه. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو علىّ الحسين بن القاسم الكوفىّ، وعبد الرّحمن بن أبى حاتم الرازىّ في المحرّم، وأبو بكر محمد بن جعفر السّامرّىّ الخرائطىّ. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة أربع عشرة ذراعا وإحدى وعشرون إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 328

*** [ما وقع من الحوادث سنة 328] السنة السادسة من ولاية الإخشيذ على مصر، وهى سنة ثمان وعشرين وثلثمائة- فيها ورد الخبر الى بغداد بأنّ سيف الدولة علىّ بن عبد الله بن حمدان هزم الدّمستق. وفيها خرج بجكم الى الجبل وعاد. وفيها غرقت بغداد غرقا عظيما، بلغت الزيادة تسع عشرة ذراعا، وانبثق بثق من نواحى الأنبار فاجتاح «1» القرى، وغرق من الناس والسباع والبهائم ما لا يحصى، ودخل الماء الى بغداد من الجانب الغربىّ، وتساقطت الدّور، وانقطعت القنطرتان: القنطرة العتيقة والجديدة عند باب البصرة. وفيها تزوّج بجكم بسارّة بنت الوزير أبى عبد الله البريدىّ. وفيها في شعبان توفّى قاضى القضاة أبو الحسين عمر بن محمد بن يوسف وقلّد مكانه ابنه القاضى أبو نصر يوسف. وفيها فسد الحال بين بجكم وبين الوزير أبى عبد الله البريدىّ بعد المصاهرة لأمور صدرت؛ فعزل بجكم الوزير المذكور واستوزر مكانه أبا القاسم سليمان [بن الحسن «2» ] ابن مخلد، وخرج بجكم الى واسط. وفي شهر رمضان ملك محمد بن رائق حمص والشام إلى الرّملة وإلى العريش، ووقع بينه وبين الإخشيذ وقعة انهزم فيها الإخشيذ. قلت: هى الوقعة التى ذكرناها في ترجمة الإخشيذ. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن عبد ربه بن حبيب أبو عمر الأموىّ مولى هشام بن عبد الرّحمن الداخل الأموىّ الأندلسىّ القرطبىّ صاحب كتاب العقد [الفريد] في الأخبار. ولد سنة ستّ وأربعين ومائتين؛ وكان أديب الأندلس وفصيحها، مدح ملوك الأندلس، وكان صدوقا ثقة. وهو القائل:

الجسم في بلد والروح في بلد ... يا وحشة الروح بل يا غربة الجسد إن تبك عيناك لى يا من كلفت به ... من رحمة فهما سهماك في كبدى وله: يا ليلة ليس في ظلمائها نور ... إلّا وجوها تضاهيها الدنانير خود سقتنى كأس الموت أعينها ... ماذا سقتنيه تلك الأعين الحور إذا ابتسمن فدرّ الثّغر منتظم ... وإن نطقن فدرّ اللفظ منثور وفيها توفّى الحسن بن أحمد بن يزيد أبو سعيد الإصطخرىّ «1» شيخ الشافعيّة؛ سمع الكثير وحدّث وبرع في الفقه وغيره، ومات في جمادى الآخرة. وفيها توفّى محمد ابن أحمد بن أيّوب بن الصّلت أبو الحسين المقرئ المشهور المعروف بابن شنّبود، وقد تقدّم ذكر واقعته مع الوزير ابن مقلة في سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة. قرأ ابن شنّبود على أبى حسّان محمد بن أحمد العنبرىّ وإسماعيل بن عبد الله النحّاس والزبير ابن محمد بن عبد الله العمرىّ المدنىّ صاحب «قالون «2» » وغيرهم؛ وسمع الحديث أيضا من جماعة، وقرأ القرآن ببغداد سنين، قرأ عليه خلائق؛ وكان قد تخيّر لنفسه شواذ قراءة كان يقرأ بها في المحراب حتى فحص أمره وقبض عليه في سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة، ووقع له ما حكيناه مع ابن مقلة. وفيها توفّى محمد بن عبد الوهاب ابن عبد الرّحمن بن عبد الوهاب أبو علىّ الثّقفىّ النّيسابورىّ الزاهد الواعظ الفقيه، هو من ولد الحجّاج بن يوسف الثّقفىّ، ولد بقوهستان سنة أربع وأربعين ومائتين، وسمع الحديث في كبره من جماعة، وروى عنه آخرون؛ وكان كبير الشأن أعجوبة

زمانه في الوعظ والتصوّف والفقه والزهد. وفيها توفّى محمد بن علىّ بن الحسن «1» ابن مقلة أبو على الوزير صاحب الخطّ المنسوب [إليه] ، ولى بعض أعمال فارس ثم وزر للمقتدر سنة ستّ عشرة وثلثمائة، ثم قبض عليه وصادره وحبسه عامين، ثم وزر بعد ذلك ثانيا وثالثا لعدّة خلفاء؛ ووقع له حوادث ومحن حتّى قطعت يده ولسانه وحبس حتّى مات. قال الصّولى: ما رأيت وزيرا منذ توفّى القاسم بن عبيد الله أحسن حركة، ولا أظرف إشارة، ولا أملح خطّا، ولا أكثر حفظا، ولا أسلط قلما، ولا أقصد بلاغة، ولا آخذ بقلوب الخلفاء، من محمد بن علىّ (يعنى ابن مقلة) . قال: وله بعد هذا كلّه علم بالإعراب وحفظ اللغة. وقال محمد بن إسماعيل الكاتب: لما نكب أبو الحسن بن الفرات أبا علىّ بن مقلة لم أدخل إليه في «2» حبسه ولا كاتبته، خوفا من ابن الفرات، فلما طال أمره كتب إلىّ يقول: ترى حرّمت كتب الأخلّاء بينهم ... أبن لى أم القرطاس أصبح غاليا فما كان لو ساءلتنا كيف حالنا ... وقد دهمتنا نكبة هى ما هيا صديقك من راعاك عند شديدة ... وكلّ تراه في الرخاء مراعيا فهبك عدوّى لا صديقى فربّما ... تكاد الأعادى يرحمون الأعاديا وأنفذ في طىّ الورقة ورقة الى الوزير، فيها: " أمسكت- أطال الله بقاء الوزير- عن الشكوى، حتى تناهت البلوى؛ فى النفس والمال، والجسم والحال؛ الى ما فيه شفاء للمنتقم، وتقويم للمجترم؛ حتى أفضيت الى الحيرة والتبلّد، وعيالى الى الهتكة والتشرد. وما أبداه الوزير- أيّده الله- فى أمرى إلا بحقّ واجب، وظنّ غير كاذب. وعلى كل حال فلي ذمام وحرمة،

وصحبة وخدمة؛ إن كانت الإساءة أضاعتها، فرعاية «1» الوزير أيده الله تعالى بحفظه، ولا مفزع إلا إلى الله بلطفه، وكنف الوزير وعطفه؛ فإن رأى- أطال الله بقاءه- أن يلحظ عبده بعين رأفته، وينعم بإحياء مهجته، وتخليصها من العذاب الشديد، والجهد الجهيد؛ ويجعل له من معروفه نصيبا، ومن البلوى فرجا قريبا". وفيها توفّى محمد ابن القاسم بن محمد بن بشّار أبو بكر [بن «2» ] الأنبارىّ النحوىّ اللغوىّ العلّامة، ولد سنة إحدى وسبعين ومائتين، سمع الكثير وروى عنه جماعة كثيرة. وقال أبو علىّ القالىّ تلميذه: كان أبو بكر يحفظ ثلثمائة ألف بيت شاهد في القرآن. وفيها توفّى أبو الحسن المزيّن أحد مشايخ الصوفيّة ببغداد، كان اسمه فيما قيل علىّ بن محمد. قال السّلمىّ «3» : صحب الجنيد وسهل بن عبد الله؛ وأقام بمكّة مجاورا الى أن مات، وكان من أورع المشايخ وأحسنهم حالا. وهذا هو أبو الحسن المزيّن الصغير؛ وأما أبو الحسن المزين الكبير فبغدادىّ أيضا، وله ترجمة في تاريخ السّلمىّ مختصرة. وفيها توفّى المرتعش «4» الزاهد النّيسابورىّ، هو عبد الله بن محمد، أصله من محلة الحيرة، وصحب ابا حفص «5» والجنيد، وكان أحد مشايخ العراق. قال أبو عبد الله الرازىّ: كان مشايخ العراق يقولون: عجائب بغداد في التصوّف ثلاث: إشارات الشّبلىّ «6» ، ونكت أبى محمد المرتعش،

ما وقع من الحوادث سنة 329

وحكايات جعفر الخلدىّ «1» . وسئل المرتعش: بماذا ينال العبد المحبّة لمولاه؟ قال: بموالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه. وقيل له: إن فلانا يمشى على الماء؛ فقال: عندى أن من يمكّنه الله من مخالفة هواه أعظم من المشى على الماء. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وخمس أصابع. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وستّ أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 329] السنة السابعة من ولاية الإخشيذ على مصر، وهى سنة تسع وعشرين وثلثمائة- فيها استكتب بجكم أبا عبد الله الكوفىّ، وعزل ابن شيرزاد عن كتابته وصادره. وفيها في صفر وصلت الروم الى كفرتوثا «2» من أعمال الجزيرة، فقتلوا وسبوا. وفيها في شهر ربيع الأوّل اشتدّت علّة الراضى، وقاء في يومين أرطالا من الدم؛ فأرسل أبا عبد الله الكوفىّ المذكور الى بجكم يسأله «3» أن يولّى العهد ابنه أبا الفضل وهو الأصغر، وكان بجكم بواسط، ثم توفّى الراضى. وفيها في سابع جمادى الآخرة سقطت القبّة الخضراء بمدينة المنصور، وكانت تاج بغداد ومأثرة بنى العباس. قال الخطيب في تاريخه: إنّ المنصور بناها ارتفاع ثمانين ذراعا، وإن تحتها إيوانا طوله عشرون ذراعا في مثلها. وقيل: كان عليها مثال فارس في يده رمح، اذا استقبل به جهة علم أن خارجيّا يظهر من تلك الجهة؛ فسقط رأس هذه القبّة ليلة ذات مطر وبرد ورعد. وفيها كان غلاء مفرط ووباء عظيم ببغداد، وخرج الناس يستسقون وما في السماء غيم، فرجعوا يخوضون في الوحل، واستسقى بهم أحمد بن الفضل الهاشمىّ.

وفيها عزل المتّقى الوزير سليمان، واستوزر أبا الحسين «1» أحمد بن محمد بن ميمون الكاتب؛ ثم قدم أبو عبد الله البريدىّ يطلب الوزارة فأجابه المتّقى. وكانت وزارة ابن ميمون شهرا. وفيها قلّد الخليفة المتّقى إمرة [الأمراء «2» ] الأمير كورتكين الديلمىّ، وقلّد بدرا الخرشنىّ «3» الحجابة. وفيها توفى أمير المؤمنين الراضى بالله أبو إسحاق محمد ابن الخليفة جعفر المقتدر ابن الخليفة المعتضد أحمد ابن ولّى العهد الموفّق طلحة ابن الخليفة المتوكّل جعفر ابن الخليفة المعتصم محمد ابن الخليفة الرشيد هارون ابن الخليفة المهدىّ محمد ابن الخليفة أبى جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علىّ بن عبد الله ابن العباس الهاشمىّ البغدادىّ العباس؛ بويع بالخلافة بعد موت عمّه القاهر بالله، ومات في منتصف شهر ربيع الآخر وهو ابن إحدى وثلاثين سنة وستّة أشهر. وبويع بالخلافة أخوه إبراهيم، ولقّب بالمتّقى. وأم الراضى أم ولد روميّة. كان الراضى فاضلا سمحا جوادا شاعرا محبّا للعلماء؛ وهو آخر خليفة له شعر مدوّن، وآخر خليفة انفرد بتدبير الجند، وآخر خليفة خطب يوم الجمعة، وآخر خليفة جالس الندماء. قال الصولىّ: سئل الراضى أن يخطب يوم جمعة، فصعد المنبر بسرّمن رأى، فحضرت أنا وإسحاق بن المعتمد؛ فلما خطب شنّف الأسماع وبالغ في الموعظة. انتهى. قلت: ومن شعر الراضى رضى الله عنه: كلّ صفو الى كدر ... كلّ أمن الى حذر ومصير الشباب لل ... موت فيه أو الكبر درّدرّ المشيب من ... واعظ ينذر البشر أيّها الآمل الذي ... تاه في لجّة الغرر

أين من كان قبلنا ... ذهب الشخص والأثر ربّ فاغفر لى الخطي ... ئة يا خير من غفر وفيها في شوّال اجتمعت العامّة وتظلّموا من الديلم ونزولهم في دورهم، فلم يقع لذلك إنكار؛ فمنعت العامّة الإمام من الصلاة وكسرت المنبر، ومنعهم الديلم من ذلك، فقتل من «1» الفريقين جماعة كثيرة. وفيها استوزر المتّقى القراريطىّ «2» ، وخلع المتقى على بدر الخرشنىّ، وقلّده الحجابة وجعله حاجب الحجّاب. قلت: هذا أوّل ما سمعنا بمن سمّى حاجب الحجّاب؛ ولكن لا نعلم هل كان بهذه الكيفيّة أو غير هذه الصورة من أنه كبير الحجبة؛ ولعلّه ذلك. وفيها توفّى بجكم التركىّ الأمير أبو الخير، كان أمير الأمراء قبل بنى بويه، وكان عاقلا يفهم العربيّة «3» ، ولا يتكلّم بها بل يتكلّم بترجمانه، ويقول: [أخاف] «4» أن أتكلّم فأخطئ، والخطأ من الرئيس قبيح. وكان عاقلا سيوسا عارفا، يتولّى المظالم بنفسه. قال القاضى التّنوخىّ «5» : جاء رجل من الصوفيّة الى بجكم، فوعظه بالعربيّة وللفارسيّة حتى أبكاه؛ فلما خرج قال بجكم لرجل: احمل معك ألف درهم وادفعها إليه؛ فأخذها الرجل ولحقه؛ وأقبل بجكم يقول: ما أظنّه يقبلها؛ فلمّا عاد الغلام ويده فارغة قال بجكم: أخذها؟ قال: نعم؛ فقال بجكم بالفارسيّة: كلّنا صيّادون ولكن الشباك تختلف. وفيها وقع الحرب بين محمد بن رائق وبين كورتكين وانكسر كورتكين واختفى. وفيها توفّى عبد الله بن طاهر بن حاتم أبو بكر الأبهرىّ، كان من أقران الشّبلىّ. سئل: ما بال الإنسان يحتمل من معلّمه مالا يحتمل

ما وقع من الحوادث سنة 330

من أبويّه؟ فقال: لأن أبويه سبب لحياته الفانية، ومعلّمه سبب لحياته الباقية. وفيها توفّى العباس بن الفضل بن العبّاس بن موسى الأمير أبو الفضل الهاشمى العباسىّ، كان فاضلا، سمع الحديث ورواه، ومات في جمادى الأولى. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى الحسن بن علىّ أبو محمد البربهارىّ «1» شيخ الحنابلة، والقاضى أبو محمد عبد الله بن أحمد بن زبر «2» ، وأبو القاسم عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزىّ الحامض، والراضى بالله أبو إسحاق محمد بن المقتدر في [شهر] ربيع الآخر عن اثنتين وثلاثين سنة، وأبو نصر محمد بن حمدويه المروزىّ القارئ، وأبو بكر يوسف بن يعقوب التّنوخىّ الأزرق. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وإحدى عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وثلاث عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 330] السنة الثامنة من ولاية الإخشيد على مصر، وهى سنة ثلاثين وثلثمائة- فيها استوزر الخليفة المتقى أبا عبد الله البريدىّ برأى ابن رائق لمّا رأى انضمام الأتراك إليه، فاحتاج إلى مداراته. وفيها في المحرّم وجد كورتكين الديلمىّ في درب، فأحضر الى دار [ابن] رائق فحبسه. وفيها كان الغلاء العظيم ببغداد، وأبيع كرّ القمح بمائتى دينار وعشرة دنانير، وأكلوا الميتة، وكثرت الأموات على الطرق، وعمّ البلاء؛ وخرج فى [شهر] ربيع الآخر الحرم من قصر الرّصافة يستغثن في الطرقات: الجوع الجوع!

وخرج الأتراك وتوزون فساروا «1» الى البريدىّ بواسط. وفي هذه الأيام وصلت الروم إلى حموص من أعمال حلب- وهى على ستة فراسخ من حلب- فأخربوا وأحرقوا وسبوا عشرة آلاف نسمة. وفيها ولى قضاء الجانبين ومدينة أبى جعفر القاضى أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن إسحاق الخرقىّ «2» التاجر؛ وتعجّب الناس من تقليد مثله القضاء. وفيها عزل البريدىّ وقلّد القراريطىّ الوزارة. وفيها فى جمادى الأولى ركب المتّقى ومعه ابنه أبو منصور ومحمد بن رائق والوزير الفراريطىّ والجيش وساروا «3» بين أيديهم القرّاء في المصاحف لقتال البريدىّ، واجتمع الخلق على كرسى الجسر فثقل بهم وانخسف فغرق خلق؛ وأمر ابن رائق بلعن البريدىّ على المنابر. ثم أقبل أبو الحسين علىّ بن محمد أخو البريدىّ إلى بغداد وقارب المتقى وابن رائق وقاتلهما فهز مهما، وكان معه الترك والديلم والقرامطة؛ ودخلوا بغداد وكثر النهب بها؛ وتحصّن ابن رائق بها؛ فزحف أبو الحسين البريدىّ على الدار، واستفحل الشر، ودخل طائفة دار الخلافة وقتلوا جماعة؛ وخرج الخليفة المتقى وابنه هاربين الى الموصل ومعهما ابن رائق، واستتر الوزير القراريطىّ؛ ودخلوا على الحرم ونهبت دار الخلافة؛ ووجدوا في السجن كورتكين الديلمىّ وأبا الحسن «4» [سعيد بن عمرو «5» بن سنجلا] وعلىّ بن يعقوب، فجىء بهم إلى أبى الحسين؛ فقيّد كورتكين وبعث به الى أخيه بالبصرة؛ وكان آخر العهد به. ونزل أبو الحسين دار ابن رائق «6» ، وقلّد الشرطة [فى الجانب «7»

الشرقى] لتوزون ولأبى منصور نوشتكين الشرطة في الجانب الغربىّ. واشتدّ القحط ببغداد، حتى أبيع كرّ القمح بثلاثمائة وستة عشر دينارا. ثم وقع بين البريدىّ وبين توزون ونوشتكين حرب، ووقع لهم أمور؛ وانصرف توزون إلى الموصل وانضم إلى ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان. وفيها كانت وقعة بين الأتراك والقرامطة فانهزمت القرامطة. وفيها انضم محمد بن رائق على الحسن بن عبد الله بن حمدان المذكور؛ ثم وقّع بينهما؛ وقتل ابن رائق، قتله أعوان الحسن بن عبد الله بن حمدان المذكور؛ وخلع المتقى على الحسن بن عبد الله بن حمدان المذكور ولقّبة بناصر الدولة، وعلى أخيه علىّ ولقّبه بسيف الدولة؛ وعاد الخليفة إلى بغداد. قلت: وهذا أول عظمة بنى حمدان، فهم على هذا الحكم أقدم الملوك. ولما قدم الخليفة المتقى إلى بغداد ومعه بنو حمدان هرب منها البريدىّ الى واسط بعد أن أقام ببغداد ثلاثة أشهر وعشرين يوما. وفيها توفّى العارف بالله أبو يعقوب إسحاق بن محمد النّهر جورىّ «1» شيخ الصوفيّة، مات بمكّة؛ وكان صحب سهل بن عبد الله والجنيد وغيرهما، وكان من كبار المشايخ. وفيها توفّى المحامليّ الزاهد، [و] «2» أبو صالح مفلح بن عبد الله الدّمشقىّ صاحب الدعاء وغيره، وإليه ينسب مسجد أبى صالح خارج الباب الشرقىّ، وكان من الصلحاء الزهّاد. وفيها توفّى محمد بن رائق الأمير أبو بكر، وكان من أكابر القوّاد، ولى الأعمال الجليلة، ثم قدم دمشق وأخرج منها بدرا الإخشيذى، وأقام بها شهرا، ثم توجّه إلى مصر والتقى هو والإخشيذ- وقد ذكرنا ذلك كلّه مفصّلا في ترجمة الإخشيذ وغيره- ثم عاد إلى بغداد فدخلها، وخلع عليه المتقى خلعة الإمارة وألبسه

الطّوق والسّوار وقلّده الأمور. ثم خرج مع المتقى «1» لجرب ناصر الدولة بن حمدان، وجرت له أمور طويلة حتى قتل بالموصل. قال الصولىّ أنشدنا الأمير محمد بن رائق فى فتاة مشرقيّة: يصفرّ «2» اونى إذا بصرت به ... خوفا ويحمّر وجهه خجلا حتّى كأنّ الذي بوجنته ... من دم قلبى إليه قد نقلا وفيها توفّى نصر بن أحمد أبو القاسم البصرىّ الخبز أرزىّ الشاعر المشهور، قدم بغداد وكان يخبز خبز الأرز يتكسّب بذلك؛ وكان له نظم رائق، وكان أمّيّا لا يتهجّى ولا يكتب، وكان ينشد أشعاره وهو يخبز خبز الأرز بمربد البصرة في دكّان، وكان الناس يزدحمون عليه لاسمّاع شعره، ويتعجبون من حاله؛ وكان أبو الحسين محمد بن محمد [بن لنكك «3» ] الشاعر المشهور ينتاب «4» دكانه ليستمع شعره، واعتنى به وجمع له ديوانا. ومن شعره قوله: خليلىّ هل أبصرتما أو سمعتما ... بأكرم من مولى تمشّى الى عند أتى زائرا من غير وعد وقال لى ... أحلّك «5» عن تعليق قلبك بالوعد

فمازال نجم الكأس «1» بينى وبينه ... يدور بأفلاك السعادة والسعد فطورا على تقبيل نرجس ناظر ... وطورا على تعضيض تفّاحة الخدّ وله: كم أناس وفوا لناحين غابوا ... وأناس جفوا وهم حضّار عرّضوا ثم أعرضوا واستمالوا ... ثم مالوا وجاوروا «2» ثم جاروا لا تلمهم على التجنّى فلو لم ... يتجنوا لم يحسن الاعتذار وله: وكان الصديق يزور الصديق ... لشرب المدام وعزف القيان فصار الصديق يزور الصديق ... لبثّ الهموم وشكوى الزمان وله القصيدة للطنّانة التى أوّلها: بات الحبيب منادمى ... والسكر يصبغ وجنتيه ثم اغتدى وقد ابتدا ... صبغ الخمار بمقلتيه وهى طويلة. ومن شعره قوله: رأيت الهلال ووجه الحبيب ... فكانا هلالين عند النظر. فلم أدر من حيرتى فيهما ... هلال الدّجى من هلال البشر ولولا التورّد في الوجنتين ... وما راعنى من سواد الشّعر لكنت أظنّ الهلال الحبيب ... وكنت أظنّ الحبيب القمر أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع ونصف إصبع. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وثمانى أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 331

*** [ما وقع من الحوادث سنة 331] السنة التاسعة من ولاية الإخشيذ على مصر، وهى سنة إحدى وثلاثين وثلثمائة- فيها تزوّج أبو منصور إسحاق ابن الخليفة المتّقى بالله ببنت ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان التّغلبىّ؛ والصداق مائتا ألف دينار، وقيل: مائة ألف دينار وخمسمائة ألف درهم. وفيها في صفر وصلت الروم أرزن «1» وميّافارقين ونصيبين فقتلوا وسبوا؛ ثم طلبوا منديلا من كنيسة الرّها يزعمون أن المسيح مسح به وجهه فارتسمت صورته فيه، على أنهم يطلقون جميع من سبوا من المسلمين. فاستفتى الخليفة الفقهاء فأفتوا بأنّ إرساله مصلحة للمسلمين؛ فأرسل الخليفة اليهم المنديل وأطلق الأسارى. وفيها ضيّق الأمير ناصر الدولة حسن بن عبد الله بن حمدان على الخليفة المتّقى في نفقاته، وأخذ ضياعه وصادر الدواوين وأخذ الأموال، فكرهه الناس. وفيها وافى الأمير أحمد بن بويه يقصد قتال البريدى، فاستأمن إليه جماعة من الديلم. وفيها هاج الأمراء على سيف الدولة علىّ بن عبد الله بن حمدان بواسط، فهرب منهم في البرّيّة «2» يريد بغداد؛ ثم سار ناصر الدولة الى الموصل خائفا لهروب أخيه سيف الدولة، ونهبت داره؛ واستوزر المتقى أبا الحسين «3» على بن أبى علىّ محمد بن مقلة. وفيها سار توزون من واسط وقصد بغداد في شهر رمضان؛ فانهزم سيف الدولة الى الموصل أيضا؛ فخلع الخليفة المتقى على توزون ولقّبه أمير الأمراء. ثم وقعت الوحشة بين المتقى وتوزون، فعاد توزون الى واسط. وفيها نزح خلق كثير من بغداد مع الحجّاج الى الشام ومصر خوفا من الفتنة. وفيها ولد لأبى

طاهر القرمطىّ ولد، فأهدى إليه أبو عبد الله البريدىّ هدايا عظيمة، فيها مهد ذهب مجوهر. وفيها استوزر المتّقى الخليفة غير وزير من هؤلاء الحاملين ويعزله «1» ، فاستوزر أبا العباس «2» الكاتب الأصبهانىّ. وكان أبو العباس المذكور ساقط الهمّة بحيث إنه كان يركب أيام وزارته وبين يديه اثنان، وما ذلك إلا لضعف دست الخلافة ووهن دولة بنى العباس. وفيها حجّ بالناس القرمطىّ على مال أخذه منهم. وفيها توفّى بدر الخرشنىّ، وكان قد جرت له أمور ببغداد، وكان من أكابر القوّاد؛ ثم سار الى الإخشيذ محمد بن طغج أمير مصر- أعنى صاحب الترجمة- فولّاه الإخشيذ إمرة دمشق، فوليها شهرين، ومات في ذى القعدة. وقد تقدّم ذكر بدر هذا في عدّة أماكن في الحوادث وغيرها. وفيها توفّى أبو سعيد سنان «3» بن ثابت المتطبّب، والد ثابت مصنّف التاريخ. وقد أسلم سنان على يد الخليفة القاهر بالله؛ وطبّب سنان المذكور جماعة من الخلفاء، وكان مفتنّا في علم الطبّ وغيره. وفيها توفّى محمد بن عبدوس مصنف" كتاب الوزراء" ببغداد، كان فاضلا رئيسا، وله مشاركة في فنون. وفيها توفّى محمد بن إسماعيل أبو بكر الفرغانىّ الصوفىّ أستاذ أبى بكر الدقّاق، كان من المجتهدين في العبادة. قال الرّقّىّ: ما رأيت أحسن منه ممن يظهر الغنى في الفقر، كان يلبس قميصين ورداء وسراويل ونعلا نظيفا وعمامة، وفي يده مفتاح وليس له بيت، ينطرح في المساجد، ويطوى الخمس والستّ. وقال عبد الواحد بن بكر: سمعت الرقىّ يقول سمعت الفرغانىّ محمد بن إسماعيل يقول:" دخلت الدّير الذي بطور سيناء، فأتانى مطرانهم بأقوام كأنهم نشروا من القبور، فقال: هؤلاء يأكل

ما وقع من الحوادث سنة 332

أحدهم في الأسبوع مرّة، يفخرون بذلك؛ فقلت لهم: كم صبر مسيحكم هذا؟ قالوا: ثلاثين يوما، وكنت قاعدا في وسط الدّير، فلم أزل جالسا أربعين يوما لم آكل ولم أشرب؛ فخرج إلىّ مطرانهم فقال: يا هذا قم، فقد أفسدت قلوب كلّ من في الدير؛ فقلت: حتى أتمّ ستين يوما؛ فألحّوا فخرجت. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى حسن بن سعد الكتامىّ القرطبىّ الحافظ، ومحمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة السّدوسىّ، ومحمد ابن مخلد بن حفص العطّار، ويعقوب بن عبد الرّحمن الجصّاص. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وستّ أصابع. مبلغ الزيادة تسع عشرة ذراعا سواء. *** [ما وقع من الحوادث سنة 332] السنة العاشرة من ولاية الإخشيذ على مصر، وهى سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة- فيها قدم أبو جعفر بن شيرزاد من واسط من قبل توزون الى بغداد، فحكم على بغداد؛ فخرج الخليفة المتقى الى تكريت بأولاده ومعه الوزير؛ فقدم عليه سيف الدولة وأشار عليه بأن يصعد الى الموصل ليتّفقوا على رأى؛ فقال المتقى: ما على هذا عاهدتمونى. ثم حضر ناصر الدولة بن حمدان والتقى مع توزون واقتتلوا أيّاما وأردفه أخوه، ثم انهزم بنو حمدان وفرّوا ومعهم المتّقى الى نصيبين. ثم أرسل المتقى لتوزون في الصلح فأجاب توزون الى الصلح. ورجع الخليفة الى بغداد بعد أمور صدرت له. وفيها قتل أبو عبد الله البريدىّ أخاه أبا يوسف، ثم مات بعده بيسير. وفيها ولىّ ناصر الدولة بن حمدان ابن عمّه الحسين بن سعيد بن حمدان قنّسرين والعواصم فسار الى حلب. وفيها كتب المتقى إلى الإخشيذ صاحب مصر أن يحضر إليه؛ فخرج من مصر

وسار إلى الرقّة. وقد تقدّم ذكر ذلك في أوّل هذه الترجمة. وفيها قتل حمدى «1» اللص، وكان لصّا فاتكا، أمّنه «2» ابن شيرزاد وخلع عليه، وشرط معه أن يصله كلّ شهر بخمسة عشر ألف دينار، وكان يكبس بيوت الناس بالمشعل والشّمع ويأخذ الأموال، وكان أسكورج «3» الدّيلمىّ قد ولى شرطة بغداد فقبض عليه ووسّطه «4» . قلت: لعل حمدى هذا هو الذي يقال «5» له عند العامة في سالف الأعصار:" أحمد الدنف". وفيها دخل أحمد بن بويه واسطا، وهرب أصحاب البريدىّ الى البصرة. وفيها فى شوّال عرض لتوزون صرع وهو على سرير الملك، فوثب ابن شيرزاد وأرخى عليه السّتر، وقال: قد حدثت للأمير حمّى. وفيها لم يحجّ أحد لموت القرمطىّ. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرّحمن مولى بنى هاشم أبو العباس الكوفىّ الحافظ المعروف بابن عقدة وهو لقب أبيه، سمع الكثير حتّى من أقرانه، وكان حافظا مفتنّا، جمع الأبواب والتراجم، وروى عنه الدارقطنىّ وغيره. وفيها هلك الخبيث الطريد من رحمة الله أبو طاهر سليمان بن أبى سعيد الجنّابى الهجرىّ القرمطىّ فى شهر رمضان بالجدرىّ، بعد أن رأى في نفسه العبر وتقطّعت أوصاله؛ وهو الذي قتل الحجيج واستباحهم غير مرّة، واقتلع الحجر الأسود. وتولّى مكانه أبو القاسم سعيد [بن الحسن أخوه «6» ] . وقد تقدّم ذكر أبى طاهر فيما مضى؛ غير أن صاحب المرآة أرّخ وفاته في هذه السنة. وقد ذكرناها ثانيا لهذا المنكر، عليه اللعنة والخزى.

ما وقع من الحوادث سنة 333

وفيها دخل الدّمستق إلى رأس العين «1» فى ثمانين ألفا من الروم، فقتل وسبى خلقا كثيرا؛ وقيل: كان ذلك في الماضية. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو العباس أحمد ابن محمد بن سعيد بن عقدة الحافظ، وأبو بكر محمد بن الحسين النّيسابورىّ القطّان، وعبد الله بن أحمد بن إسحاق المصرىّ الجوهرى. رضى الله عنهم. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وإصبع واحدة. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وتسع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 333] السنة الحادية عشرة من ولاية الإخشيذ على مصر، وهى سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة- فيها خلع المتقى إبراهيم من الخلافة وسمل، فعل به ذلك توزون. قال المسعودىّ: لما التقى توزون بالمتقى ترجّل وقبّل الأرض، فأمره المتقى بالركوب فلم يفعل، ومشى بين يديه الى المخيّم الذي ضرب له؛ فلمّا نزل قبض عليه توزون وأكحله، فصاح المتقى وصاح النساء، فأمر توزون بضرب الدبادب «2» حول المخيّم، ثم دخل توزون بالمتّقى الى بغداد مسمول العينين؛ وأحضر توزون عبد الله بن المكتفى وبايعه بالخلافة ولقّبه بالمستكفى بالله. ولما بلغ القاهر بالله المخلوع عن الخلافة والمسمول أيضا قبل تاريخه أن المتقى خلع وسمل، قال: صرنا اثنين ونحتاج الى ثالث؛ يعرّض بالمستكفى الذي بويع بالخلافة؛ وكان كما قال على ما يأتى

ذكره إن شاء الله تعالى. وكنية المستكفى أبو القاسم. وأمّه أمّ ولد «1» . وبويع بالخلافة وعمره إحدى وأربعون سنة. وعاش المتقى بعد خلعه وسمله خمسا وعشرين سنة أعمى. وكان خلعه في عشرين صفر؛ فلم يحل الحول على توزون حتى مات. وفيها كانت وقعات عديدة بين توزون وبين أحمد بن بويه وكلّها على توزون والصّرع يعتريه، حتّى كلّ الرجال من الطائفتين؛ ورجع ابن بويه الى الأهواز، ورجع توزون الى بغداد مشغولا بنفسه من العلّة بالصرع الى أن مات. وفيها سار سيف الدولة ابن حمدان الى حلب فملكها وهرب أميرها يأنس المؤنسى الى مصر؛ فجهّز الإخشيذ صاحب الترجمة جيشا لحربه، كما تقدّم في أول الترجمة. وفيها غزا سيف الدولة ابن حمدان بلاد الروم وردّ سالما بعد أن بدّع بالعدوّ. وسبب هذه الغزوة أنه بلغ الدّمستق ما فيه سيف الدولة من الشغل بحرب أضداده، فسار في جيش عظيم وأوقع بأهل بغراس «2» ومرعش «3» وقتل وسبى؛ فأسرع سيف الدولة الى مضيق وشعاب وأوقع

ما وقع من الحوادث سنة 334

بجيش الدمستق وبيّتهم واستنقذ الأسارى والغنيمة من أيدى الروم، وانهزم الروم أقبح هزيمة. ثم بلغ سيف الدولة أنّ مدينة الروم قد تهذم بعض سورها، وكان ذلك في الشتاء، فاغتنم سيف الدولة الفرصة فأناخ عليهم وقتل وسبى؛ لكن أصيب بعض جيشه. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو الطيب أحمد ابن إبراهيم الشّيبانىّ، وأبو عمرو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن حكيم «1» المدنىّ، والمتقى بالله إبراهيم بن المقتدر خلع وسمل في صفر، ثم بقى خاملا منسيّا الى سنة سبع وخمسين وثلثمائة، وأبو علىّ محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان واثنتا عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا واثنتا عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 334] السنة الثانية عشرة من ولاية الإخشيذ على مصر، وهى سنة أربع وثلاثين وثلثمائة- فيها كانت وفاة الإخشيذ كما تقدّم ذكره. وفيها لقّب الخليفة المستكفى نفسه بإمام الحقّ وضرب ذلك على السّكّة. وفيها في المحرّم توفّى توزون التركى الأمير بهيت «2» ، وكان معه كاتبه أبو جعفر بن شيرزاد؛ فطمع «3» فى المملكة وحلّف العساكر لنفسه، وسار حتى نزل بباب حرب (أحد أبواب بغداد) ؛ فخرج إليه الديلم والجند؛ وبعث إليه المستكفى بالإقامات وبخلع بيض. ولم يكن مع ابن شيرزاد مال، فضاق

ما بيده، فشرع في مصادرات التجّار والكتّاب وسلّط الجند على العامّة، وتفرّغ لأذى الخلق؛ فهرب أعين بغداد وانقطع الجلب، فخربت وتخلخل أمرها. وفيها قدم معزّ الدولة أحمد بن بويه الى بغداد بعد أمور صدرت، وخلع عليه المستكفى ولقّبه" معزّ الدولة"، ولقّب أخاه عليّا" عماد الدولة"، وأخاه الحسن" ركن الدولة"، وضربت ألقابهم على السّكّة. ثم ظهر ابن شيرزاد واجتمع بمعزّ الدولة. ومعزّ الدولة المذكور هو أوّل من ملك من الديلم من بنى بويه، وهو أوّل من وضع السّعاة ببغداد ليجعلهم رسلا بينه وبين أخيه ركن الدولة الى الرىّ. وكان له ساعيان: فضل ومرعوش، وكان كلّ واحد [منهما «1» ] يمشى في اليوم ستة وثلاثين فرسخا، فضرى «2» بذلك شباب بغداد وانهمكوا فيه، حتى نجب منهم عدّة سعاة. وفيها خلع المستكفى من الخلافة وسمل، خلعه معزّ الدولة أحمد بن بويه الديلمىّ. وسببه أنه لمّا كان أوّل جمادى الآخرة دخل معزّ الدولة على الخليفة المستكفى فوقف والناس وقوف على مراتبهم، فتقدّم اثنان من الديلم فطلبا من الخليفة الرزق، فمدّ يده إليهما ظنّا منه أنّهما يريدان تقبيلها؛ فجذباه من السرير وطرحاه الى الأرض وجرّاه بعمامته. ثم هجم الديلم على دار الخلافة، وعلى الحرم ونهبوا وقبضوا على القهرمانة «3» وخواصّ الخليفة. ومضى معزّ الدولة الى منزله. وساقوا المستكفى ماشيا إليه، ولم يبق بدار الخلافة شىء إلّا نهب.

وخلع المستكفى وسملت عيناه. وكانت خلافته سنة وأربعة أشهر ويومين. وتوفّى بعد ذلك في سنة ثمان وثلاثين وثلثمائة، وعمره ستّ وأربعون سنة. على ما يأتى ذكره في محلّه. وهذا ثالث خليفة خلع وسمل كما بشّر به القاهر لمّا خلع المتّقى وسمل؛ فإنّه قال: بقينا اثنين ولا بدّ لنا من ثالث. وقد تقدّم ذكر ذلك عند خلع المتّقى. ثم أحضر معزّ الدولة أبا القاسم الفضل بن المقتدر جعفر وبايعه بالخلافة ولقّبه بالمطيع لله، وسنّه يومئذ أربع وثلاثون سنة. ثم قدّموا ابن عمّه المستكفى المذكور فسلّم عليه بالخلافة وأشهد على نفسه بالخلع؛ وذلك قبل أن يسمل. ثم صادر المطيع خواصّ المستكفى وأخذ منهم أموالا كثيرة. وقرّر له معزّ الدولة في كلّ يوم مائة دينار. وفيها عظم الغلاء ببغداد في شعبان وأكلوا الجيف والرّوث وماتوا على الطّرق، وأكلت الأكلب لحومهم، وبيع العقار بالرّغفان، ووجدت الصغار مشويّة مع المساكين، وهرب الناس إلى البصرة وواسط فمات خلق في الطّرقات. وذكر ابن الجوزىّ أنّه اشترى لمعزّ الدولة كرّ دقيق بعشرين ألف درهم. قلت: والكرّ: سبعة «1» عشر قنطارا بالدّمشقىّ، لأن الكرّ: أربعة وثلاثون كارة، والكارة: خمسون رطلا بالدمشقىّ. وفيها وقّع بين معزّ الدولة أحمد بن بويه وبين ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان التّغلبىّ؛ وجاء فنزل سامرّا؛ فخرج إليه معزّ الدولة ومعه الخليفة المطيع لله في شعبان، وابتدأت الحروب بينهم بعكبرا «2» . وكان معزّ الدولة قد تغيّر على «3» ابن شيرزاد واستخانه فى الأموال. فلما وقع القتال جاء ناصر الدولة فنزل بغداد من الجانب الشرقىّ وملكها؛ وجاء معزّ الدولة ومعه المطيع كالأسير فنزل في الجانب الغربىّ، ثم

قوى أمر معزّ الدولة حتّى ملك بغداد، ونهبت عساكره الديلم أهل بغداد، وهرب ناصر الدولة من بغداد. وفيها توفّى القائم بأمر الله نزار، وقيل: محمد وهو الأشهر، وكنيته أبو القاسم بن المهدىّ عبيد الله الذي توثّب على الأمر وادّعى أنّه علوىّ فاطمىّ. يأتى ذكر أحوالهم في تراجم من ملك مصر من ذرّيتهم كالمعزّ وغيره. ولى القائم هذا بعد موت أبيه المهدىّ بعهد منه إليه، وسار إلى مصر مرّتين، ووقع له مع أصحاب مصر حروب وخطوب؛ تقدّم ذكر بعضها في تراجم ملوك مصر يوم ذاك. وكانت وفاة القائم هذا بالمهديّة من بلاد المغرب في شوّال. قال الحافظ أبو عبد الله الذهبىّ: وكان القائم شرّا من أبيه المهدىّ زنديقا ملعونا. ذكر القاضى عبد الجبّار أنّه أظهر سبّ الأنبياء عليهم السلام؛ وكان مناديه ينادى العنوا الغار وما حوى. وقتل خلقا من العلماء. وكان يراسل أبا طاهر القرمطىّ «1» الى البحرين وهجر، وأمره بإحراق المساجد والمصاحف. فلما كثر فجوره خرج عليه رجل يقال له مخلد بن كيداد «2» . وساق الذهبىّ أمورا نذكر بعضها في تراجم أولاده الآتى ذكرهم في أخبار ملوك مصر؛ فحينئذ نطلق هناك عنان القلم في نسبهم وكيفيّة دخولهم الى مصر وأحوالهم مبسوطا مستوعبا. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن الحسن أبو بكر المعروف بالصّنوبرىّ الضبىّ الحلبىّ الشاعر المشهور. كان إماما بارعا

فى الأدب فصيحا مفوّها. روى عنه من شعره أبو الحسن الأديب وأبو الحسن ابن جميع وغيرهما. ومن شعره: لا النوم أدرى به ولا الأرق ... يدرى بهذين من به رمق إنّ دموعى من طول ما استبقت ... كلّت فما تستطيع تستبق ولى «1» مليك لم تبد صورته ... مذ كان إلّا صلّت له الحدق نويت تقبيل نار وجنته ... وخفت ادنو منها فأحترق وفيها توفّى علىّ بن عيسى بن داود بن الجرّاح أبو الحسن البغدادىّ الكاتب الوزير؛ وزر للمقتدر والقاهر، وحدّث عن أحمد بن شعيب النّسائىّ والحسن بن محمد الزعفرانىّ وحميد بن الرّبيع، وروى عنه ابنه عيسى والطبرانىّ وأبو طاهر الهذلىّ، وكان صدوقا ديّنا خيّرا صالحا عالما من خيار الوزراء ومن صلحاء الكبراء؛ وكان كبير البر والمعروف والصلاة والصيام ومجالسة العلماء. حكى أبو سهل بن زياد القطّان أنّه كان معه لما نفى إلى مكّة، قال: فطاف يوما [وسعى «2» ] وجاء فرمى بنفسه، وقال: أشتهى على الله شربة ماء مثلوج؛ فنشأت بعد ساعة سحابة فبرقت «3» ورعدت وجاءت بمطر يسير وبرد كثير، وجمع الغلمان منه جرارا، وكان الوزير صائما؛ فلمّا كان الإفطار جئته بأقداح مملوءة من أصناف الأشربة؛ فأقبل يسقى المجاورين، ثم شرب وحمد الله، وقال: ليتنى تمنّيت المغفرة. وقال أحمد بن كامل القاضى: سمعت علىّ بن عيسى الوزير يقول: كسبت سبعمائة ألف دينار أخرجت منها

فى وجوه البرّ ستمائة وثمانين ألف دينار. وقال الصّولىّ: لا أعلم أنه وزر لبنى العباس وزير يشبهه في عفّته وزهده وحفظه للقرآن وعلمه بمعانيه، وكان يصوم نهاره ويقوم ليله؛ ولا أعلم أنّنى خاطبت أحدا أعرف [منه «1» ] بالشعر. ولما نكب وعزل عن الوزارة قال أبياتا منها: ومن يك عنّى سائلا لشماتة ... لما نابنى أو شامتا غير سائل فقد أبرزت منّى الخطوب ابن حرّة «2» ... صبورا على أهوال «3» تلك الزلازل وفيها توفّى عمر بن الحسين بن عبد الله أبو القاسم الخرقىّ البغدادىّ الحنبلىّ صاحب «المختصر» فى الفقه. وقد مرّ ذكر أبيه في محلّه. قال أبو يعلى بن الفرّاء: كانت لأبى القاسم مصنّفات كثيرة لم تظهر، لأنه خرج من بغداد لمّا ظهر بها سبّ أصحابه، وأودع كتبه في دار فاحترقت تلك الدار. وكانت وفاته بدمشق ودفن بباب الصغير «4» . وفيها توفّى أبو بكر الشّبلىّ الصوفىّ المشهور صاحب الأحوال، واسمه دلف بن جحدر، وقيل: جعفر بن يونس، وقيل: جعفر بن دلف، وقيل غير ذلك؛ أصله من الشّبليّة، وهى قرية بالعراق، ومولده بسرّمن رأى. ولى خاله إمرة الإسكندريّة، وولّى أبوه حجابة الحجّاب، وولّى هو حجابة الموفّق ولىّ العهد. وسبب توبته أنه حضر مجلس خير النساج وتاب فيه، وصحب الجنيد ومن في عصره، وصار أحد مشايخ الوقت حالا وقالا في حال صحوه لا في حال غيبته؛ وكان فقيها مالكى المذهب، وسمع الحديث، وكان له كلام وعبارات، ومات في آخر هذه السنة

وقد نيّف على الثمانين. قيل: إنّه سأله سائل: هل يتحقّق العارف بما يبدوله؟ فقال: كيف يتحقّق بما لا يثبت! وكيف يطمئن الى ما يظهر! وكيف يأنس بما لا يخفى! فهو الظاهر الباطن؛ ثم أنشأ: فمن كان في طول الهوى ذاق سلوة ... فإنّى من ليلى بها غير واثق وأكثر شىء نلته من وصالها ... أمانىّ لم تصدق كلمحة بارق وله: تغنّى العود فاشتقنا ... الى الأحباب إذ غنّى وكنّا حيثما كانوا ... وكانوا حيثما كنّا الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو الفضل أحمد ابن عبد الله بن نصر بن هلال السّلمىّ، وأبو بكر الصّنوبرىّ الحلبىّ أحمد بن محمد، والحسين بن يحيى بن عبّاس القطّان، والمستكفى بالله عبد الله بن المكتفى خلع في جمادى الآخرة وسمل وسجن ثم مات بعد أربعة أعوام، وعلىّ بن إسحاق المادرانىّ «1» ، وأبو الحسن علىّ بن عيسى بن داود بن الجرّاح الوزير، وأبو القاسم عمر بن الحسين الخرقىّ الحنبلىّ صاحب «المختصر» ، وأبو علىّ محمد بن سعيد القشيرىّ الحرّانىّ الحافظ، والإخشيذ محمد بن طغج التركىّ في ذى الحجة بدمشق عن ستّ وستين سنة، والقائم بأمر الله نزار، ويقال: محمد بن المهدىّ عبيد الله، مات بالمهديّة في شوّال، وأبو بكر الشّبلىّ شيخ الصوفيّة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وعشر أصابع. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وستّ أصابع.

ذكر ولاية أنوجور بن الإخشيذ على مصر

ذكر ولاية أنوجور بن الإخشيذ على مصر هو أنوجور «1» بن الإخشيذ محمد بن جفّ الأمير أبو القاسم الفرغانىّ التركىّ. وأنوجور اسم أعجمىّ غير كنية، معناه باللغة العربية محمود «2» . ولى مصر بعد وفاة أبيه الإخشيذ في يوم الجمعة لثمان بقين من ذى الحجّة سنة أربع وثلاثين وثلثمائة؛ ولّاه الخليفة المطيع لله على مصر والشام وعلى كلّ ما كان لأبيه من الولاية؛ فإنّه كان أبوه استخلفه وجعله ولىّ عهده؛ فأقرّه الخليفة على ما عهده له أبوه. ولما ثبت أمر أنوجور المذكور صار الخادم كافور الإخشيذىّ مدبّر مملكته، فكان كافور يطلق في كلّ سنة لابن أستاذه أنوجور هذا أربعمائة ألف دينار، ويتصرّف كافور فيما يبقى. ثم قبض كافور على أبى بكر محمد بن علىّ بن مقاتل صاحب خراج مصر فى يوم ثالث المحرّم سنة خمس وثلاثين وثلثمائة، وولّى مكانه على الخراج محمد بن علىّ الماذرائىّ «3» . ولما تمّ أمر أنوجور بدمشق خرج منها وصحبته الأستاذ كافور الإخشيذى الى مصر؛ فدخلها بعساكره في أوّل صفر؛ فأقام بها مدّة، ثم خرج منها بعساكره الى الشام أيضا لقتال سيف الدولة علىّ بن عبد الله بن حمدان؛ فإنّ سيف الدولة كان بعد خروج أنوجور من دمشق ملكها. ولما خرج أنوجور من مصر الى الشام في هذه المرّة خرج معه عمّه الحسن بن طغج أخو الإخشيذ، ومدبّر دولته الخادم كافور الإخشيذىّ؛ فخرج سيف الدولة من دمشق وتوجّه نحو الديار المصريّة حتّى وصل الى الرّملة؛ فالتقى مع المصرييّن؛ فكان بينهم وقعة هائلة انكسر

فيها سيف الدولة وانهزم الى السام، فسار المصريّون وراءه فانهزم الى حلب، فساروا خلفه فانهزم الى الرّقّة. وقال المسبّحىّ: كان بين سيف الدولة وبين أبى المظفّر الحسن بن طغج وهو أخو الإخشيذ- قلت: ذكر المسعودىّ الحسن هذا لصغر سنّ أنوجور- وقعة باللّجّون «1» ؛ فانكسر سيف الدولة ووصل الى دمشق بعد شدّة وتشتّت؛ وكانت أمّه بدمشق فنزل بالمرج «2» خائفا، وأخرج حواصله، وسار نحو حمص على طريق قارة «3» . وسار أخو الإخشيذ وكافور الإخشيذىّ الى دمشق. واستقر أمرهم على الصلح، على أن يعود سيف الدولة الى ما كان بيده من حلب وغيرها. وأقرّ أنوجور يأنس المؤنسىّ على عادته في إمرة دمشق؛ فإنّه كان أولا انهزم من سيف الدولة وسلّمه دمشق بالأمان. وعاد أنوجور وعمّه الحسن بن طغج وكافور الإخشيذىّ الى الديار المصرية سالمين. ولما كان أنوجور بالشام خرج بمصر غلبون متولّى الريف في جموع ونهب مصر وتغلّب عليها؛ فقدم أنوجور فهرب غلبون من مصر، فتبعه أبو المظفر الحسن بن طغج أخو الإخشيذ حتى ظفر به وقتله. ثم استوزر أنوجور أبا القاسم جعفر بن الفضل بن الفرات. ودام أنوجور على إمرة مصر سنين الى أن وقع بينه وبين كافور وحشة في سنة ثلاث وأربعين وثلثمائة. وسببها أنّ قوما كلّموا أنوجور وقالوا له: قد احتوى كافور على الأموال وانفرد بتدبير الجيوش، وأخذ أملاك أبيك وأنت معه مقهور، وحملوه على التنكّر؛ فلزم

ما وقع من الحوادث سنة 335

أنوجور الصيد والتباعد فيه الى المحلّة «1» وغيرها وانهمك في اللهو، ثمّ أجمع «2» على المسير الى الرملة. فأعلمت أمّه كافورا بما عزم عليه ولدها خوفا عليه من كافور. فلمّا علم كافور بذلك راسله، ثم بعثت أمّه إليه تخوّفه الفتنة؛ فاصطلحا ودام الأمر على حاله. ولم يزل أنوجور على إمرة مصر الى أن مات بها في يوم السبت سابع أو ثامن ذى القعدة سنة تسع وأربعين وثلثمائة، وحمل الى القدس فدفن عند أبيه الإخشيذ. وكانت مدّة ولايته على مصر أربع عشرة سنة وعشرة أيّام. ولمّا مات أنوجور أقام كافور الإخشيذى أخاه عليّا أبا الحسين بن الإخشيذ مكانه، وأقرّه الخليفة المطيع على إمرة مصر على الجند والخراج، وأضاف إليه الشام، كما كان لأبيه الإخشيذ ولأخيه أنوجور. وقويت شوكة كافور في ولاية علىّ هذا أكثر مما كانت في ولاية أخيه لوجوه عديدة. *** [ما وقع من الحوادث سنة 335] السنة الأولى من ولاية أنوجور بن الإخشيذ على مصر، وهى سنة خمس وثلاثين وثلثمائة- فيها جدّد معزّ الدولة أحمد بن بويه الأمان بينه وبين الخليفة المطيع لله بعد أن انهزم ناصر الدولة بن حمدان في السنة الماضية من معزّ الدولة المذكور؛ ثم وقع الصلح بينهما على أن يكون لناصر الدولة من تكريت الى الشام. وفيها استولى ركن الدولة الحسن بن بويه على الرىّ. وفيها أقيمت الدعوة بطرسوس لسيف الدولة علىّ بن عبد الله بن حمدان، فنفّذ لهم الخلع والذهب ونفّذ لهم ثمانين

ألف دينار للفداء. وفيها توفّى أحمد بن أبى أحمد [بن القاصّ «1» ] أبو العباس الطبرىّ القاضى الفقيه صاحب أبى العباس بن سريج؛ كان إماما فقيها، صنّف في مذهبه كتاب «المفتاح» و «أدب القاضى» و «المواقيت» و «التلخيص» ، وتفقّه عليه أهل طبرستان. وكانت وفاته بطرسوس. وفيها لم يحجّ أحد من العراق خوفا من القرامطة. وفيها توفّى محمد بن أحمد بن الرّبيع بن سليمان أبو رجاء الفقيه الشافعىّ الشاعر؛ كان فاضلا شاعرا، وله قصيدة ذكر فيها أخبار العالم وقصص الأنبياء؛ وسئل قبل موته: كم بلغت قصيدتك إلى الآن؟ فقال: ثلاثين ألفا ومائة «2» بيت. وفيها توفّى هارون ابن محمد بن هارون بن علىّ بن موسى أبو جعفر الضّبّىّ؛ كان أسلافه ملوك عمان، وكان معظّما عند السلطان، وانتشرت مكارمه وعطاياه، وقصده الشعراء من كلّ مكان، وأنفق أموالا عظيمة في [برّ «3» ] العلماء والأشراف و [اقتناء «4» ] الكتب النفيسة، وكان عارفا بالنحو واللغة والشعر ومعانى القرآن والكلام، وكانت داره مجمعا لأهل العلم. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو العباس القاضى صاحب ابن سريج، وأبو عمر حمزة بن القاسم الهاشمىّ، وأبو بكر محمد بن جعفر [الصّيرفىّ «5» ] المطيرىّ «6» ، وأبو بكر محمد بن يحيى الصّولىّ [الشّطرنجىّ «7» ] ، والهيثم بن كليب الشّاشىّ «8» .

ما وقع من الحوادث سنة 336

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وإحدى عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وثمانى أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 336] السنة الثانية من ولاية أنوجور على مصر، وهى سنة ستّ وثلاثين وثلثمائة- فيها خرج الخليفة المطيع ومعزّ الدولة أحمد بن بويه إلى البصرة لمحاربة أبى القاسم عبد الله بن البريدىّ وسلكوا البرّيّة «1» اليها؛ فلما قاربوها استأمن إلى معزّ الدولة جيش البريدىّ، وهرب هو إلى القرامطة؛ وملك معزّ الدولة البصرة، وأقطع المطيع فيها من ضياعها. وفيها قدم عماد الدولة علىّ بن بويه إلى الأهواز؛ فبادر أخوه معزّ الدولة أحمد إلى خدمته، وجاء فقبّل الأرض ووقف، وتأدّب معه معزّ الدولة؛ ثم بعد أيّام ودّعه؛ وعاد معزّ الدولة وقد أخذ واسطا والبصرة. وفيها ظفر المنصور العبيدىّ بمخلد بن كيداد وقتل قوّاده ومزّق جيشه. وفيها أغارت الروم على أطراف الشام فسبوا وأسروا، فساق وراءهم سيف الدولة بن حمدان، ولحقهم فقتل منهم مقتلة عظيمة واستردّ ما أخذوا من المسلمين؛ ثم أخذ حصن برزوية «2» من الأكراد بعد أن نازلهم مدّة. وفيها وردت الأخبار أن نوحا صاحب خراسان أكحل أخويه وعمّه إبراهيم. وفيها توفّى أحمد بن جعفر بن محمد أبو الحسين المعروف بابن المنادىّ «3» البغدادىّ؛ كان إماما

محدّثا، سمع الكثير وصنّف كتبا كثيرة. قال أبو يوسف القزوينىّ: صنّف في علوم القرآن أربعمائة ونيّفا وأربعين كتابا ليس فيها شىء من الحشو، وجمع فيها حسن العبارة وعلوّ الرواية. وفيها توفّى العلّامة أبو بكر محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس ابن محمد بن صول تكين الصّولىّ، الإمام المفتنّ المعروف بالصولىّ الشّطرنجىّ الكاتب، وكان صول من ملوك خراسان وجرجان؛ كان أحد علماء الفنون كالأدب وحسن المعرفة بأيّام الناس وطبقات الشعراء، واسع الرواية كثيرا لحفظ؛ صنّف كتاب" الأوراق" وكتاب" الوزراء" وغيرهما؛ وانتهى إليه علم الهندسة [و] الشّطرنج؛ ونادم جماعة من الخلفاء؛ وكان له نظم رائق؛ من ذلك قوله: أحببت من أجله من كان يشبهه ... وكلّ شىء من المعشوق معشوق حتّى حكيت بجسمى ما بمقلته ... كأنّ سقمى من جفنيه مسروق وفيها توفّى محمد بن علىّ بن إسماعيل أبو بكر الشاشىّ القفّال الكبير أحد أئمة الشافعيّة، كان إماما فاضلا، وهو أوّل من ضنّف في الجدل، مات في صفر؛ قاله العلامة يوسف بن قزأوغلى. وذكر الذهبىّ وفاته في سنة خمس وستين وثلثمائة، وهو المشهور. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو الحسين أحمد ابن جعفر المنادىّ، وحاجب بن أحمد الطّوسىّ، وأبو العباس محمد بن أحمد «1» بن حمّاد الأثرم، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الحكيمىّ، وأبو علىّ محمد بن أحمد بن محمد بن معقل الميدانىّ «2» ، وأبو طاهر محمد بن الحسين المحمّداباذىّ «3» .

ما وقع من الحوادث سنة 337

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وثلاث عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة أربع عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 337] السنة الثالثة من ولاية أنوجور على مصر، وهى سنة سبع وثلاثين وثلثمائة- فيها كان الغرق ببغداد، وزادت دجلة إحدى وعشرين ذراعا، وهرب الناس ووقعت الدّور ومات تحت الرّدم خلق كثير. وفيها دخل بغداد أبو القاسم عبد الله ابن البريدىّ بأمان من معزّ الدولة، وأقطعه معزّ الدولة قرى بأعمال بغداد. وفيها اختلف معزّ الدولة أحمد بن بويه وناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان التّغلبىّ، وسار معزّ الدولة الى الموصل، فتأخّر ناصر الدولة الى نصيبين خائفا، ثم صالحه ناصر الدولة في كلّ سنة على ثمانية آلاف ألف درهم. وفيها خرجت الروم، فتلقّاهم سيف الدولة علىّ بن عبد الله بن حمدان التّغلبىّ على مرعش، فهزموه وملكوا مرعش. وفيها لم يحجّ أحد في هذه السنة من العراق. وفيها ولى إمرة دمشق أبو المظفّر الحسن بن طغج بن جفّ نيابة لابن أخيه أنوجور بن الإخشيذ؛ وقد وليها مرّة أخرى في أيّام القاهر من قبل أخيه الإخشيذ محمد بن طغج. وفيها توفّى عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم أبو محمد المعروف بالبيّع والد الحاكم [أبى عبد الله «1» ] النّيسابورىّ، صاحب التصانيف. أذّن عبد الله هذا بمسجد ثلاثا وثلاثين سنة، وغزا اثنتين وعشرين غزوة، وأنفق على العلماء والزهّاد مائة ألف درهم، وكان كثير العبادة، وروى عن مسلم وغيره. وفيها توفّى قدامة

ما وقع من الحوادث سنة 338

ابن جعفر أبو الفرج «1» الكاتب صاحب المصنفات: مثل «كتاب البلدان» و «الخراج» و «صناعة الكتابة» وغيرها، وكان عالما، جالس المبرّد وثعلبا وغيرهما. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو إسحاق إبراهيم ابن شيبان القرميسينىّ «2» الزاهد، وأبو علىّ محمد بن علىّ بن عمر المذكّر «3» النّيسابورىّ. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وخمس عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا واثنتا عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 338] السنة الرابعة من ولاية أنوجور على مصر، وهى سنة ثمان وثلاثين وثلثمائة- فيها وصلت تقادم «4» أنوجور بن الإخشيذ عامل مصر صاحب الترجمة، وسأل معزّ الدولة أن يكون أخوه مشاركا له في إمرة مصر، ويكون من بعده، فأجابه. وفيها تقلّد أبو السائب عتبة بن عبيد الله «5» الهمذانىّ قضاء القضاة ببغداد. وفيها تحرّكت القرامطة، ولم يحجّ أحد في هذه السنة من العراق. وفيها عمّر المنصور «6» العبيدىّ صاحب بلاد المغرب مدينة المنصوريّة. وفيها ولى إمرة دمشق شعلة

ابن بدر الإخشيذىّ من قبل صاحب الترجمة، وكان أحد الأبطال الموصوفين بالشجاعة، وفيه ظلم. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن علىّ أبو بكر المراغىّ؛ روى عن الربيع بن سليمان أبياتا سمعها من الشافعىّ رضى الله عنه، وهى «1» : شهدت بأنّ الله لا ربّ «2» غيره ... وأشهد أنّ البعث حقّ وأخلص وأنّ عرا الإيمان قول محسّن ... وفعل زكىّ قد يزيد وينقص وأنّ أبا بكر خليفة ربّه ... وكان أبو حفص على الخير يحرص وأشهد ربّى أنّ عثمان فاضل ... وأنّ عليّا فضله متخصّص «3» [أئمة «4» قوم نهتدى بهداهم ... لحا الله من إيّاهم يتنقّص] وفيها توفّى أمير المؤمنين المستكفى بالله عبد الله ابن الخليفة المكتفى بالله علىّ ابن الخليفة المعتضد بالله أحمد ابن ولىّ العهد طلحة الموفق ابن الخليفة جعفر المتوكّل الهاشمىّ العباسىّ البغدادىّ، مات معتقلا بعد أن خلع من الخلافة وسمل قبل تاريخه بسنين في جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين وثلثمائة، حسب ما تقدّم ذكره في محلّه. ومات برمى الدم، وكان محبوسا بدار معزّ الدولة بن بويه. ومات وله ستّ وأربعون سنة؛ وكان بويع بالخلافة بعد خلع المتقى بالله وسمله في سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة. وأمّ المستكفى بالله هذا أمّ ولد تسمّى غصن «5» . وفيها توفّى السلطان عماد الدولة أبو الحسن علىّ بن بويه بن فنّا خسرو الديلمىّ- وقد ذكرنا من أمر بنى بويه ومبدأ ملكهم نبذة في حوادث سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة- وكان قد ملك جميع بلاد

فارس، وكان ملكا عاقلا شجاعا مهيبا، اعتلّ بقرحة في الكلى أنحلت جسمه، ومات بشيراز وله تسع وخمسون سنة. وأقام الخليفة المطيع لله مقامه أخاه أبا علىّ الحسن ركن الدولة والد السلطان عضد الدولة بن بويه. وكان معزّ الدولة أحمد بن بويه صاحب أمر الخلافة يومئذ يحبّ أخاه عماد الدولة المتوفّى ويحترمه ويكاتبه بالعبوديّة ويقبّل الأرض بين يديه اذا اجتمعا مع عظم سلطانه، لكونه «1» الأكبر سنّا. وفيها توفّى محمد بن عبد الله بن دينار أبو عبد الله الفقيه الزاهد العدل النّيسابورىّ، وكان صالحا عابدا يحجّ دائما، ومات عند منصرفه من الحجّ في صفر؛ رضى الله عنه. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن إسماعيل العلّامة أبو جعفر النحاس المصرىّ النحوىّ، كان من نظراء ابن الأنبارىّ ونفطويه، وله كتاب «إعراب القرآن» وكتاب «المعانى» وكتاب «اشتقاق الأسماء الحسنى «2» » ، ومصنّفات كثيرة غير ذلك. وفيها توفّى إبراهيم بن عبد الرزاق بن الحسن أبو إسحاق الأنطاكىّ الفقيه المقرئ؛ قرأ على هارون بن موسى الأخفش وأحمد بن أبى رجاء وغيرهما، وصنّف كتابا في القراءات الثمان، وسمع الكثير وحدّث. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أحمد بن سليمان ابن زبّان «3» الكندىّ الدّمشقىّ، وأبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحّاس، وإبراهيم بن عبد الرزّاق الأنطاكىّ، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أحمد بن أبى ثابت، وأبو علىّ الحسن بن حبيب الحضائرىّ «4» ، وعماد الدولة علىّ بن بويه الدّيلمىّ صاحب

ما وقع من الحوادث سنة 339

بلاد فارس، وكانت أيّامه ستّ عشرة سنة، وأبو الحسن علىّ بن محمد الواعظ المصرىّ، وعلى بن حمشاد «1» العدل. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وسبع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 339] السنة الخامسة من ولاية أنوجور على مصر، وهى سنة تسع وثلاثين وثلثمائة- فيها غزا سيف الدولة علىّ بن عبد الله بن حمدان بلاد الروم في ثلاثين ألفا، ففتح حصونا وقتل وسبى وغنم؛ فأخذ الروم عليه الدرب عند خروجه فاستولوا على عسكره قتلا وأسرا، واستردّوا جميع ما أخذ لهم، وأخذوا جميع خزائن سيف الدولة، [ونجا «2» ] فى عدد يسير. وفيها استولى [منصور «3» بن] قرا تكين على الرّىّ والجبال ودفع عنها عسكر ركن الدولة. وفيها ردّ الحجر الأسود الى موضعه، بعث به القرمطىّ مع [أبى] محمد بن سنبر «4» الى الخليفة المطيع لله، وكان بجكم قد دفع فيه قبل تاريخه خمسين ألف دينار وما أجابوا، وقالوا: أخذناه بأمر وما نردّه إلا بأمر؛ فلما ردّوه في هذه السنة قالوا: رددناه بأمر من أخذناه بأمره. وكذبوا؛ فإن الله تعالى قال: (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها) . [فكذّبهم «5» الله تعالى بقوله] : (قُلْ إِنَ

اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) . وإن عنوا بالأمر القدر فليس ذلك حجّة لهم، فالله تعالى قدّر عليهم الضلال والمروق من الدين، وقدّر عليهم أن يدخلهم النار، فلا ينفعهم قولهم: «أخذناه بأمر» . ولما أتوا بالحجر الأسود أعطاهم المطيع مالا له جرم؛ وكان الحجر الأسود قد بقى اثنتين وعشرين سنة. وقال المسبّحىّ: وفيها وافى سنبر بن الحسن الى مكّة ومعه الحجر الأسود، وأمير مكّة معه. فلما صار بفناء البيت أظهر الحجر، وعليه ضباب فضّة قد عملت من طوله وعرضه تضبط شقوقا قد حدثت عليه بعد انقلاعه، وأحضر له صانعا معه جصّ يشدّه [به] . فوضع سنبر بن الحسن ابن سنبر الحجر الأسود بيده وشدّه الصانع بالجصّ. وقال لمّا ردّه: أخذناه بقدرة الله ورددناه بمشيئته. وفيها توفّى محمد بن أحمد الصّيمرىّ كاتب معزّ الدولة ووزيره، فقلّد مكانه أبا محمد الحسن بن محمد المهلّبىّ. وفيها في عيد الأضحى قتل الناصر لدين «1» الله عبد الرّحمن بن محمد الأموىّ صاحب الأندلس ولده عبد الله، وكان قد خاف من خروجه «2» عليه؛ وكان الناصر من كبار العلماء، روى عن محمد بن عبد الملك بن أيمن وقاسم بن أصبغ وله تصانيف: منها مجلّد في" مناقب بقىّ بن مخلد" رواه عنه مسلمة «3» ابن قاسم. وفيها توفّى عبد الرّحمن بن إسحاق أبو القاسم الزّجّاجىّ النحوىّ من أهل

بغداد، وسكن طبريّة وأيلة وحدّث بدمشق وصنّف في النحو" مختصرا". وفيها غزا سيف الدولة في شهر ربيع الأوّل ووافاه عسكر طرسوس في أربعة آلاف عليهم القاضى أبو الحصين، فسار إلى قيساريّة وفتح عدّة حصون وسبى وقتل، ثم سار إلى سمندو «1» ثم إلى خرشنة يقتل ويسبى، ثم الى صارخة «2» بينها وبين قسطنطينيّة سبعة أيّام. فلمّا نزل عليها واقع الدّمستق مقدّمته فظهرت عليه فلجأ إلى الحصن، وخاف على نفسه؛ ثم جمع والتقى بسيف الدولة، فهزمه الله أقبح هزيمة وأسرت بطارقته. وكانت غزوة مشهورة، وغنم المسلمون مالا يوصف؛ وبقوا في الغزو أشهرا. وفيها توفّى الخليفة القاهر أبو منصور محمد ابن الخليفة المعتضد بالله أحمد ابن ولىّ العهد أبى أحمد طلحة الموفّق ابن الخليفة المتوكّل جعفر العباسى الهاشمىّ البغدادىّ. استخلف أوّلا بعد خلع المقتدر بالله جعفر، ثم خلع بعد ثلاثة أيّام، ودام دهرا الى أن بويع ثانيا بالخلافة بعد قتل جعفر المقتدر سنة عشرين وثلثمائة؛ فأقام في الخلافة الى أن خلعوه من الخلافة في جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة بالراضى بالله أبى العباس محمد «3» ، وسملت عيناه فسالتا على خدّه، وحبسوه مدّة ثم أهملوه وسيّبوه حتّى

ما وقع من الحوادث سنة 340

مات في هذه السنة في جمادى الأولى. وكان ربعة أسمر أصهب الشعر طويل الأنف؛ وكان قد افتقر وسأل قبل موته. وهو أوّل خليفة خلع وسمل. وفيها توفّى محمد بن عبد الله بن أحمد أبو عبد الله الصّفّار الأصبهانىّ، كان محدّث عصره بخراسان، وكان مجاب الدعوة، أقام أربعين سنة لم يرفع رأسه الى السماء حياء من الله تعالى. وكان يقول: اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم كاسمى، واسم أبيه اسم أبى. وكانت وفاته في ذى القعدة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في السنة، قال: وفيها توفّى علىّ بن عبد الله بن يزيد ابن أبى مطر الإسكندرىّ القاضى وله مائة سنة، وعمر بن الحسن أبو الحسين بن الأشنانىّ «1» القاضى، وأبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد الصفّار الأصبهانىّ، وأبو جعفر محمد بن عمر بن البخترىّ، وأبو نصر الفارابىّ صاحب الفلسفة محمد بن محمد بن طرخان. قلت: يأتى ذكر الفارابىّ أيضا في هذا الكتاب في غير هذه السنة على ما ورّخه صاحب المرآة وغيره. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وإصبعان. *** [ما وقع من الحوادث سنة 340] السنة السادسة من ولاية أنوجور على مصر، وهى سنة أربعين وثلثمائة- فيها قصد صاحب عمان البصرة وساعده أبو يعقوب القرمطىّ، فسار اليهم أبو محمد [الحسن بن «2» محمد] المهلّبىّ في الدّيلم والجند، فالتقوا فهزمهم المهلّبىّ واستباح عسكرهم،

وعاد إلى بغداد بالأسارى والغنائم. وفيها جمع سيف الدولة بن حمدان جيوش الموصل والجزيرة والشام والأعراب ووغل في بلاد الروم، وقتل وسبى شيئا كثيرا وعاد الى حلب سالما. وفيها قلعت حجبة الكعبة الحجر الأسود الذي نصبه سنبر ابن الحسن صاحب القرمطىّ وجعلوه في الكعبة، فأحبّوا أن يجعلوا له طوقا من فضّة فيشدّ به كما كان قديما، كما عمله عبد الله بن الزبير. وأخذ في إصلاحه صانعان حاذقان فأحكماه. قال أبو الحسن محمد بن نافع الخزاعىّ: دخلت الكعبة فيمن دخلها فتأمّلت الحجر فإذا السواد في رأسه دون سائره وسائره أبيض، وكان طوله، فيما حزرت، مقدار عظم الذراع. قال: ومبلغ ما عليه من الفضّة، فيما قيل، ثلاثة آلاف وسبعمائة وسبعة وتسعون درهما ونصف. وفيها كثرت الزلازل بحلب والعواصم ودامت أربعين يوما وهلك خلق كثير تحت الردم؛ وتهدّم حصن رعبان «1» ودلوك «2» وتلّ حامد «3» ، وسقط من سور دلوك ثلاثة أبرجة. وفيها توفّى شيخ الحنفيّة

بالعراق عبيد الله «1» بن الحسين «2» الشيخ أبو الحسن الكرخىّ، سمع ببغداد إسماعيل [بن إسحاق «3» ] القاضى ومحمد بن عبد الله الحضرمىّ مطيّنا، وروى عنه ابن شاهين «4» وعبد الله «5» ابن محمد الأكفانىّ القاضى، وكان علّامة كبير الشأن فقيها أديبا بارعا عارفا بالأصول والفروع، انتهت إليه رياسة السادة الحنفيّة في زمانه وانتشرت تلامذته في البلاد؛ وكان عظيم العبادة كثير الصلاة والصوم صبورا على الفقر والحاجة ورعا زاهدا صاحب جلالة. قال أبو بكر الخطيب: حدّثنى الصّيمرىّ «6» حدّثنى أبو القاسم بن علّان الواسطىّ، قال: لما أصاب أبا الحسن الكرخىّ الفالج في آخر عمره حضرته وحضر أصحابه أبو بكر [الرازىّ «7» وأبو عبد الله] الدامغانىّ وأبو علىّ الشاشىّ وأبو عبيد الله البصرىّ، فقالوا: هذا مريض يحتاج الى نفقة وعلاج، والشيخ مقلّ؛ فكتبوا الى سيف الدولة بن حمدان؛ فأحسّ أبو الحسن فيما هم فيه فبكى وقال: اللهم لا تجعل رزقى إلّا من حيث عوّدتنى، فمات قبل أن يحمل إليه شىء؛ ثم ورد من سيف الدولة عشرة آلاف درهم فتصدّق بها. توفّى وله ثمانون سنة، وأخذ عنه الفقه الذين ذكرناهم: الدّامغانىّ والشاشىّ والبصرىّ والإمام أبو بكر أحمد بن على الرازىّ وأبو القاسم علىّ بن محمد التّنوخىّ. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن زيّاد الغنوىّ «8» البصرىّ

ما وقع من الحوادث سنة 341

الإمام أبو سعيد بن الأعرابىّ نزيل مكّة، كان إماما حافظا ثبتا، سمع الكثير، وروى عنه عالم كثير، وكان كثير العبادة، شيخ الحرم في وقته علما وزهدا وتسليكا وكان صحب الجنيد وعمرو بن عثمان المكىّ وأبا أحمد القلانسىّ وغيرهم. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو سعيد أحمد ابن محمد بن زياد بن بشر البصرىّ ابن الأعرابىّ، وإبراهيم بن أحمد أبو إسحاق المروزىّ الشافعىّ، وأبو علىّ الحسين «1» بن صفوان البردعىّ، والكلاباذىّ المعروف بالأستاذ «2» أحد أئمة الخليفة، والزجاجىّ صاحب «الجمل» أبو القاسم عبد الرّحمن بن إسحاق، وأبو محمد قاسم بن أصبغ القرطبىّ، وأبو جعفر محمد بن يحيى بن عمر بن علىّ ابن حرب، وأبو الحسن الكرخىّ شيخ حنفيّة العراق عبيد الله بن الحسين. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وأربع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وسبع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 341] السنة السابعة من ولاية أنوجور على مصر، وهى سنة إحدى وأربعين وثلثمائة- فيها ظفر الوزير المهلّبىّ بقوم التناسخيّة، وفيهم شاب يزعم أن روح علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه انتقلت فيه، وفيهم امرأة تزعم أن روح فاطمة رضى الله عنها انتقلت اليها، وفيهم آخر يزعم أنّه جبريل؛ فضربوا، فتعزّوا «3» بالانتماء لأهل البيت؛ فأمر معزّ الدولة بإطلاقهم لتشيّع كان فيه. قلت: والمشهور عن بنى بويه

التشيّع والرّفض. وفيها أخذت الروم سروج «1» فقتلوا وسبوا وأحرقوا البلد. وفيها حجّ بالناس أحمد بن عمر بن يحيى العلوىّ. وفيها في آخر شوال توفّى المنصور أبو طاهر إسماعيل بن القائم بأمر الله محمد بن عبيد الله المهدىّ العبيدىّ الفاطمىّ صاحب المغرب، مات بالمنصورة التى بناها ومصرها، وصلّى عليه ابنه ولىّ عهده أبو تميم معذ الملقّب بالمعزّ لدين الله؛ وهو الذي تولّى الخلافة بعده. وكان ملكا حادّ الذهن سريع الجواب فصيحا مفوّها يخترع الخطب، عادلا في الرعيّة، أبطل كثيرا من المظالم مما أحدثه آباؤه؛ ومات وله أربعون سنة، وكانت مدّة مملكته سبعة أعوام وأيّاما؛ وخلّف خمسة بنين وخمس بنات. وقام بعده ابنه المعزّ لدين الله فأحسن السّيرة وصفت له المغرب. ثم افتتح المعزّ لدين الله مصر وبنى القاهرة؛ على ما يأتى ذكره إن شاء الله تعالى بأطول من هذا في ترجمة المعزّ المذكور. وفيها توفّى أحمد بن محمد أبو العبّاس الدّينورىّ، كان من أجلّ المشايخ وأحسنهم طريقة، وكان يتكلّم على لسان أهل المعرفة بأحسن كلام. تكلّم يوما فصاحت عجوز في مجلسه؛ فقال لها: موتى؛ فقامت وخطت خطوات، ثم التفتت إليه وقالت: هأنا قد متّ، ووقعت ميّتة. وكان يقول: مكاشفات الأعيان بالأبصار، ومكاشفات القلوب بالاتصال. وفيها توفّى الشيخ العابد القدوة أبو الخير التّيناتىّ «2» الأقطع صاحب الكرامات- وتينات «3» : قرية من قرى أنطاكية، وقيل: هى على أميال من المصّيصة- أقام بتينات مدّة سنين، وكان يسمّى الأقطع لأن يده كانت قطعت ظلما في واقعة جرت له يطول الشرح فى ذكرها. ومن كراماته [أن] كانت الوحوش تأنس به رضى الله عنه.

ما وقع من الحوادث سنة 342

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو طاهر أحمد بن أحمد «1» بن عمرو المدينىّ، وأبو علىّ إسماعيل بن محمد الصفّار في المحرّم، والمنصور إسماعيل ابن القائم العبيدىّ الرافضىّ صاحب المغرب، وأبو الطيب محمد بن حميد الحورانىّ، وأبو الحسن محمد «2» بن النّضر الرّبعىّ المقرئ ابن الأخرم. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وعشر أصابع سواء. *** [ما وقع من الحوادث سنة 342] السنة الثامنة من ولاية أنوجور على مصر، وهى سنة اثنتين وأربعين وثلثمائة- فيها جاء صاحب خراسان ابن محتاج إلى الرىّ محاربا لابن بويه وجرت بينهما حروب وعاد إلى خراسان. وفيها عاد سيف الدولة بن حمدان من الروم سالما غانما مؤيّدا، وقد أسر قسطنطين «3» بن الدّمستق ملك الروم، ودخل سيف الدولة حلب وابن الدمستق بين يديه، وكان مليح الصورة، فبقى عنده مكرما حتّى مات. وفيها توفّى القاسم بن [القاسم «4» بن] مهدىّ أبو العباس السيّارىّ «5» ، كان من أهل مرو، كتب الحديث وتفقّه، وكان شيخ أهل مرو وأوّل من تكلّم عندهم

فى حقائق الأحوال. ومن كلامه: من حفظ قلبه مع الله بالصدق أجرى الله الحكمة على لسانه. وفيها توفّى أحمد بن إسحاق بن أيّوب بن يزيد أبو بكر النّيسابورىّ الفقيه الشافعىّ المعروف بالصّبغىّ، «1» سمع الحديث وروى عنه جماعة، وكان إماما فقيها عالما عابدا؛ ولد سنة ثمان وخمسين ومائتين، وله تصانيف كثيرة في عدّة علوم، منها: كتاب «الأسماء والصفات» وكتاب «الإيمان والقدر» وكتاب «فضائل الخلفاء الأربعة» وعدّة تصانيف أخر. وفيها توفّى الحسن بن طغج بن جفّ الأمير أبو المظفّر الفرغانىّ التركىّ أخو الإخشيذ. ولى إمرة دمشق من قبل أخيه الإخشيذ مدّة، ثم عزله أخوه الإخشيذ وولّى أخاه عبيد الله بن طغج مكانه. ثم ولى الحسن هذا إمرة دمشق مرّة أخرى من قبل ابن أخيه أنوجور صاحب الترجمة، ثم ردّ الى الرملة فمات بها ودفن بالقدس. وكان أميرا جليلا شجاعا مقداما، باشر الحروب وولى الأعمال الجليلة إلى أن مات. وفيها توفّى عثمان بن محمد بن علىّ أبو الحسين الذهبىّ البغدادىّ، سكن مصر وحدّث بها وبدمشق. وفيها توفّى علىّ بن محمد بن أبى الفهم داود بن إبراهيم بن تميم أبو القاسم التّنوخىّ، أصله من ملوك تنوخ الأقدمين من ولد قضاعة، ولد بأنطاكية في سنة ثمان وسبعين ومائتين، وهو صاحب كتاب «الفرج بعد الشدّة» ؛ كان فقيها حنفيّا بارعا في الفقه والأصول والنحو، وكان شاعرا فصيحا، وله ديوان شعر. وكانت وفاته بالبصرة في شهر ربيع الأول. ومن شعره فى مليح دخل الحمّام: رأيت في الحمّام بدر الدّجى ... وشعره الأسود محلول قد عمّموه بدجى شعره ... ونقّطوا الفضّة باللول «2»

ما وقع من الحوادث سنة 343

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيّوب الصبغىّ الشافعىّ، وأحمد بن عبد الأسد الجذامىّ، وإبراهيم بن المولد «1» الزاهد، والحسن بن يعقوب أبو الفضل البخارىّ، وعبد الرّحمن بن حمدان الهمذانىّ الجلّاب، وأبو الحسن «2» محمد بن أحمد الأسوارىّ الأصبهانىّ، ومحمد بن داود بن سليمان النّيسابورىّ الحافظ الزاهد. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وأربع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا سواء. *** [ما وقع من الحوادث سنة 343] السنة التاسعة من ولاية أنوجور على مصر، وهى سنة ثلاث وأربعين وثلثمائة- فيها خطب أبو علىّ بن محتاج الى المطيع بخراسان ولم يكن خطب له قبل ذلك، فبعث إليه المطيع بالخلع واللواء. وفيها مرض معزّ الدولة أحمد بن بويه بعلّة الإنطاظ «3» الدائم وأرجف بموته واضطربت بغداد، فركب معزّ الدولة بكلفة لتسكين الناس. وفيها كانت وقعة عظيمة بين سيف الدولة بن حمدان وبين الدّمستق، وكان الدمستق قد جمع أمما من الترك والروس والخزر، فكانت الدائرة عليه ولله الحمد، وقتل معظم بطارقته، وهرب هو وأسر صهره وجماعة من بطارقته؛ وأمّا القتلى فلا يحصون؛ وغنم سيف الدولة عسكرهم بما فيه. وفيها توفّى الأمير نوح بن نصر السامانىّ عامل بخارى في جمادى الأولى. وأظنّ أن نوحا هذا من ذريّة نوح عامل بخارى في زمن المأمون، الذي أهدى إليه طولون والد أحمد، وهذا أهداه

ما وقع من الحوادث سنة 344

الى الخليفة عبد الله المأمون. وفيها توفّى خيثمة بن سليمان بن حيدرة الحافظ أبو الحسن «1» القرشىّ الأطرابلسىّ أحد الحفّاظ الثّقات المشهورين، ومولده سنة خمسين ومائتين، وقيل غير ذلك؛ ومات في ذى القعدة من هذه السنة. وفيها توفّى محمد بن العبّاس بن الوليد القاضى أبو الحسين البغدادىّ، كان فاضلا بارعا، مات ببغداد في شوّال، وكان ثقة صدوقا. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أحمد ابن الزاهد أبى عثمان سعيد بن إسماعيل الحيرىّ، وخيثمة بن سليمان الأطرابلسىّ، وعلىّ بن الفضل [بن إدريس «2» ] السامرىّ، وأبو الحسن علىّ بن محمد [بن محمد «3» ] بن عقبة الشّيبانىّ. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وسبع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 344] السنة العاشرة من ولاية أنوجور على مصر، وهى سنة أربع وأربعين وثلثمائة- فيها تحرّك ابن محتاج صاحب خراسان على ركن الدولة الحسن بن بويه، فنجده أخوه معزّ الدولة بجيش من العراق. وفيها في المحرّم عقد معزّ الدولة بن بويه إمرة الأمراء لابنه أبى منصور بختيار. وفيها دخل [محمد] بن ما كان «4» الديلمىّ أحد قوّاد صاحب خراسان الى أصبهان، فخرج عن أصبهان أبو منصور بن ركن الدولة، فتبعه ابن ما كان، فأخذ خزائنه؛ وعارضه أبو الفضل بن العميد وزير ركن الدولة ومعه

القرامطة، فأوقعوا به وأثخنوه بالجراح وأسروا قوّاده، وسار ابن العميد الى أصبهان. وفيها وقع وباء عظيم بالرّىّ، وكان الأمير أبو علىّ بن محتاج صاحب خراسان قد نزلها فمات في الوباء. وفيها فلج أبو الحسين علىّ بن أبى علىّ بن مقلة وأسكت وله تسع وثلاثون سنة. وفيها زلزلت مصر زلزلة عظيمة هدمت البيوت ودامت مقدار ثلاث ساعات زمانيّة، وفزع الناس الى الله تعالى بالدعاء. وفيها توفّى محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر أبو بكر بن الحدّاد الكنانىّ المصرىّ الفقيه الشافعىّ شيخ المصريّين، ولد يوم وفاة المزنىّ، وكان إماما فقيها له وجه في مذهب الشافعىّ رضى الله عنه. وفيها توفّى شعلة بن بدر الأمير أبو العباس الإخشيذىّ، ولى إمرة دمشق من قبل أبى القاسم أنوجو بن الإخشيذ، وكان شجاعا بطلا «1» قتل في طبريّة في حرب كان بينه وبين مهلهل العقيلى. وفيها توفى محمد «2» بن يعقوب بن يوسف الحافظ أبو عبد الله الشّيبانىّ النّيسابورىّ ابن الأخرم «3» ، ويعرف أبوه بابن الكرمانىّ. قال الحاكم: كان أبو عبد الله صدرا من أهل الحديث ببلادنا بعد أبى حامد بن الشّرقىّ، وكان يحفظ ويفهم، وصنّف على صحيح البخارىّ ومسلم، وصنّف المسند الكبير؛ وسأله أبو العباس بن السراج أن يخرّج له على صحيح مسلم ففعل ذلك. وفيها حجّ الناس من غير أمير. وفيها توفّى محمد بن محمد بن يوسف بن الحجّاج الشيخ أبو النّضر «4» الطّوسىّ الزاهد العابد، كان يصوم النهار ويقوم الليل ويتصدّق بالفاضل من قوته،

ما وقع من الحوادث سنة 345

ورحل [الى] البلاد في طلب الحديث وسمع الكثير، وكان يجزّئ الليل ثلاثة أجزاء: جزءا لقراءة القرآن، وجزءا للتصنيف، وجزءا يستريح فيه. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو الحسين أحمد ابن عثمان بن بويان «1» المقرئ، وأبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن هاشم الأذرعىّ «2» ، وأبو عمرو عثمان بن أحمد الدقّاق بن السّماك في [شهر] ربيع الأول، وأبو بكر بن الحدّاد الكنانىّ محمد بن أحمد شيخ الشافعيّة بمصر وله نحو ثمانين سنة، وأبو النّضر محمد بن محمد بن يوسف الطّوسىّ الفقيه في شعبان، وأبو عبد الله محمد بن يعقوب بن الأخرم الحافظ، وأبو زكريا يحيى بن محمد بن عبد الله العنبرىّ الحافظ المفسّر الأديب. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وسبع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وستّ أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 345] السنة الحادية عشرة من ولاية أنوجور على مصر، وهى سنة خمس وأربعين وثلثمائة- فيها أوقع الروم بأهل طرسوس وقتلوا وسبوا وأحرقوا قراها. وفيها زاد السلطان معزّ الدولة في إقطاع الوزير أبى محمد المهلّبىّ وعظم قدره عنده. وفيها خرج روزبهان «3» الدّيلمىّ على معز الدولة، فسيّر معزّ الدولة لقتاله الوزير المهلّبىّ؛ فلمّا كان

المهلّبىّ بقرب الأهواز تسلّل «1» رجال المهلّبىّ إلى روزبهان؛ فانحاز المهلّبىّ بمن معه الى حصن. فخرج معزّ الدولة بنفسه لقتال روزبهان المذكور، وانحدر معه الخليفة المطيع لله، فقاتله حتى ظفر به في المصافّ وفيه ضربات، وأسر قوّاده. وقدم معزّ الدولة بغداد وروزبهان بين يديه على جمل، ثم غرّق. وفيها غزا سيف الدولة بلاد الروم وافتتح حصونا وسبى وغنم وعاد الى حلب؛ ثم أغارت «2» الروم على نواحى ميّافارقين. وفيها توفّيت أمّ المطيع بعلّة الاستسقاء، وخرج المطيع في جنازتها في وجوه دولته وعظم عليه مصابها؛ وكانت تسمّى مشعلة «3» . وفيها توفّى على بن إبراهيم بن سلمة «4» بن بحر أبو الحسن القزوينىّ الحافظ القطّان. قال الخليلىّ: كان عالما بجميع العلوم والتفسير والفقه والنحو واللغة، ارتحل وسمع أبا حاتم الرازىّ، وإبراهيم [بن الحسين «5» بن ديزيل بن سيفنّة] ، ومحمد بن الفرج الأزرق، وخلقا سواهم؛ وانتهت اليه رياسة العلم وعلوّ السند بتلك الديار. ومولده سنة أربع وخمسين ومائتين، وروى عنه خلائق كثيرة. قال ابن فارس في بعض أماليه: سمعت أبا الحسن القطّان يقول: بعد ما علّمت سنة كنت حين رحلت أحفظ مائة ألف حديث، وأنا اليوم لا أقوم على حفظ مائة حديث. وفيها توفّى علىّ بن الحسين بن على الشيخ الإمام المؤرّخ العلامة أبو الحسن المسعودىّ صاحب التاريخ المسمّى «بمروج الذهب» قيل: إنه من ذريّة ابن مسعود، وكان أصله من بغداد ثم أقام بمصر الى أن مات بها في جمادى الآخرة. قاله المسبّحىّ في تاريخه: وكان أخباريا علّامة صاحب

غرائب وملح ونوادر وله عدّة مصنّفات: التاريخ المقدّم ذكره وهو غاية في معناه، وكتاب «تحف الأشراف والملوك» وكتاب «ذخائر العلوم» و «كتاب الرسائل «1» » ، وكتاب «الاستذكار لما مرّ في سالف الأعصار» وكتاب «المقالات في أصول الديانات» وكتاب «أخبار الخوارج» وغير ذلك؛ ومات قبل أن يطول عمره. قال الذهبىّ وكان معتزليّا، فإنّه ذكر غير واحد من المعتزلة ويقول فيه: «كان من أهل العدل» . وله رحلة الى البصرة التى فيها أبو خليفة «2» . وفيها توفّى محمد بن عبد الواحد ابن أبى هاشم أبو عمر الزاهد الصالح، ولد سنة إحدى وستين ومائتين، وكان بارعا فى العربيّة والنحو واللغة عابدا غزير العلم. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفى أبو بكر أحمد بن سليمان ابن أيّوب العبّادانىّ «3» وله سبع وتسعون سنة، وأبو [بكر «4» ] أحمد بن عثمان بن غلام السبّاك «5» المقرئ، وإسماعيل بن يعقوب بن الجراب البزّاز «6» بمصر، وأبو أحمد «7» بكر بن محمد بن حمدان المروزىّ الصّيرفىّ، وأبو على الحسن بن [الحسين بن «8» ] أبى هريرة شيخ الشافعيّة ببغداد، وأبو عمرو عثمان بن محمد بن أحمد السّمرقندىّ، وأبو الحسن على بن إبراهيم بن سلمة القزوينىّ القطّان الزاهد؛ وله إحدى وتسعون سنة، وأبو عمر

ما وقع من الحوادث سنة 346

الزاهد غلام ثعلب واسمه محمد بن عبد الواحد اللغوىّ، وأبو بكر محمد بن علىّ بن أحمد بن رستم الماذرائىّ بمصر، وله ثمان وثمانون سنة، وأبو بكر مكرم بن أحمد القاضى، والمسعودىّ صاحب مروج الذهب في جمادى الآخرة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع سواء. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وسبع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 346] السنة الثانية عشرة من ولاية أنوجور على مصر، وهى سنة ستّ وأربعين وثلثمائة- فيها كان بالرىّ ونواحيها زلازل عظيمة خارجة عن الحدّ، ثم خسف ببلاد الطّالقان في ذى الحجّة فلم يفلت من أهلها إلا نحو ثلاثين رجلا، وخسف بمائة وخمسين قرية من قرى الرّىّ؛ واتصل الخسف الى حلوان، فخسف بأكثرها. وقذفت الأرض عظام الموتى وتفجّرت منها المياه، وتقطّع بالرّىّ جبل، وعلّقت قرية بين السماء والأرض بمن فيها نصف نهار ثم خسف بها؛ وانخرقت الأرض خروقا عظيمة وخرج منها مياه نتنة ودخان عظيم. هكذا نقل الحافظ أبو الفرج ابن الجوزىّ في تاريخه. وفيها نقص البحر ثمانين ذراعا «1» وظهر فيه جبال وجزائر وأشياء لم تعدّ. قلت: لعلّه البحر المالح، والله أعلم. وفيها توفّى محمد بن يعقوب ابن يوسف بن معقل بن سنان الحافظ أبو العبّاس الأموىّ النّيسابورىّ مولى بنى أمية المعروف بالأصمّ، صمّ بعد أن رحل الى البلاد وسمع الحديث، كان إماما محدّث عصره بلا مدافعة، حدّث ستّا وسبعين سنة، لأنّ مولده سنة سبع وأربعين ومائتين، ومات في شهر ربيع الاخر وله تسع وتسعون سنة، وقد انتهت إليه رياسة أهل الحديث بخراسان.

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو الحسن أحمد ابن مهران «1» السّيرافىّ، وأحمد بن جعفر [بن أحمد «2» ] بن معبد السّمسار، وأحمد ابن محمد بن عبدوس، وسعيد بن فحلون «3» البيرىّ الأندلسىّ آخر أصحاب يوسف [بن يحيى «4» ] المغامىّ، وعبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، وأبو الحسين عبد الصمد ابن على الطّستىّ «5» ، وأبو يعلى عبد المؤمن بن خلف النّسفىّ، وأبو العبّاس محمد [بن أحمد «6» ] ابن محبوب المروزىّ، وأبو بكر محمد بن بكر بن محمد [بن عبد الرّزاق «7» ] بن داسة، وأبو منصور محمد بن القاسم العتكىّ، وأبو جعفر محمد بن محمد بن عبد الله بن خالد «8» البغدادىّ بما وراء النهر، وأبو العباس محمد بن يعقوب بن يوسف الأصمّ في شهر ربيع الآخر وله تسع وتسعون سنة، وأبو الحزم وهب بن مسرّة التّميمىّ الحجارىّ «9» الأندلسىّ. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وأربع أصابع. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وتسع عشرة إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 347

*** [ما وقع من الحوادث سنة 347] السنة الثالثة عشرة من ولاية أنوجور على مصر، وهى سنة سبع وأربعين وثلثمائة- فيها عادت الزّلازل بحلوان وقمّ والجبال فقتلت «1» خلقا عظيما وهدمت [حصونا «2» ] ، ثم جاء بعد ذلك جراد طبّق الدنيا، فأتى على جميع الغلّات والأشجار. وفيها فى شهر ربيع الأول خرجت الروم إلى آمد وأرزن وميّافارقين «3» ففتحوا حصونا كثيرة وقتلوا خلائق كثيرة وهدموا سميساط. وفيها في شهر ربيع الآخر شغبت الترك والدّيلم بالموصل على ناصر الدولة بن حمدان وأحاطوا بداره؛ فحاربهم بغلمانه والعامّة، فظفر بهم فقتل جماعة وأمسك جماعة، وهرب أكثرهم الى بغداد. وفيها في شعبان كانت وقعة عظيمة بنواحى حلب بين الروم وسيف الدولة علىّ بن عبد الله بن حمدان، وانكسر سيف الدولة وقتلوا معظم رجاله وغلمانه وأسروا أهله، وهرب في عدد يسير. وفيها سار معزّ الدولة بن بويه إلى الموصل فدخلها، فنزح عنها ناصر الدولة بن حمدان المقدّم ذكره وتوجّه إلى نصيبين، فسار معزّ الدولة وراءه إلى نصيبين «4» ، وخلّف على الموصل سبكتكين الحاجب ونزل على نصيبين؛ فسار ناصر الدولة بن حمدان إلى ميّافارقين بعد أن استأمن معظم عسكره إلى معزّ الدولة؛ فهرب ناصر الدولة إلى حلب مستجيرا بأخيه سيف الدولة؛ فأكرم سيف الدولة مورده وبالغ في خدمته. وجرت فصول إلى أن قدم في الرسالة أبو محمد القاضى بكتاب سيف الدولة إلى الموصل وتقرّر الأمر على أن يكون الموصل وديار «5» ربيعة والرّحبة «6» لسيف الدولة على مال يحمله في كلّ سنة، لأن معزّ الدولة لم يثق بناصر الدولة، فإنّه غدر به مرارا ومنعه الحمل، فقال معزّ

الدولة المذكور: أنت عندى ثقة، غير أنّه يقدّم لى ألف ألف درهم. ثم انحدر معز الدولة إلى بغداد، وتأخّر الوزير المهلّبىّ وسبكتكين الحاجب الموصل إلى أن يحمل ناصر الدولة مال التعجيل. وفيها توفّى قاضى دمشق أبو الحسن أحمد بن سليمان ابن أيّوب بن حذلم «1» الأسدىّ الأوزاعىّ المذهب، كان إماما عالما فقيها على مذهب الأوزاعىّ، وكان له حلقة بالجامع. وفيها توفّى علىّ بن أحمد بن سهل، ويقال: علىّ بن «2» إبراهيم، أبو الحسن البوشنجىّ الزاهد شيخ الصوفيّة، صحب أبا عمرو الدمشقى وأبا العبّاس «3» بن عطاء، وسمع بهراة من محمد بن عبد الرّحمن الشامىّ والحسين ابن إدريس، وروى عنه أبو عبد الله الحاكم وأبو الحسن العلوىّ وعبد الله بن يوسف الأصبهانىّ. قال السّلمىّ: هو أحد أئمّة خراسان وله معرفة بعلوم عديدة. وكان أكثر الخراسانيّين تلامذته؛ وكان عارفا بعلوم القوم. قال الحاكم: وسمعته يقول وسئل ما التوحيد، قال: ألّا تشبّه «4» الذات، ولا تنفى الصفات. وفيها توفّى محمد بن الحسن «5» بن عبد الله [بن علىّ «6» ] بن محمد بن عبد الملك بن أبى الشوارب أبو الحسن القرشىّ الأموىّ القاضى، ولى القضاء بمدينة السلام، ثم ولى أعمالا كثيرة فى أيّام المطيع، ثم صرف عن الجميع؛ وكان جوادا واسع الأخلاق كريما مع قبح سيرة فى الأحكام. وفيها توفّى محمد بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن الجنيد أبو الحسين الرازىّ الحافظ، كان عالما فاضلا زاهدا ثقة صدوقا.

ما وقع من الحوادث سنة 348

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى القاضى أبو الحسن أحمد بن سليمان بن أيّوب بن حذلم الأسدىّ الأوزاعىّ المذهب. قلت: وقد تقدّم ذكره. قال: وأبو أحمد حمزة [بن محمد «1» ] بن العبّاس، والزبير بن عبد الواحد الأسداباذىّ «2» ، وعبد الله بن جعفر درستويه النحوىّ، وأبو الميمون عبد الرّحمن ابن عبد الله بن عمر بن راشد البجلىّ، والحافظ المؤرخ أبو سعيد عبد الرّحمن بن أحمد ابن يونس بن عبد الأعلى وله ستّ وستون سنة، وأبو الحسن «3» علىّ بن عبد الرّحمن ابن عيسى بن زيد بن مانى «4» الكوفى الكاتب، ومحمد بن أحمد بن الحسن الكسائىّ «5» الأصبهانىّ، ومحمد بن عبد الله بن جعفر أبو الحسين الرازى بدمشق، وأبو علىّ محمد ابن القاسم بن معروف الدّمشقى. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وخمس أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 348] السنة الرابعة عشرة من ولاية أنوجور على مصر، وهى سنة ثمان وأربعين وثلثمائة- فيها خلع الخليفة المطيع على بختيار بن معزّ الدولة خلعة السلطنة، وعقد له لواء ولقّبه «عزّ الدولة «6» أمير الأمراء» . وفيها خرج محمد بن ناصر الدولة بن حمدان

فى سريّة نحو بلاد الروم، وكانت الروم قد وصلوا إلى الرّها وحران فأسروا أبا الهيثم ابن القاضى أبى الحصين، وسبوا وقتلوا. وفيها في سابع ذى القعدة غرق من الحجّاج الواردين من الموصل إلى بغداد في دجلة بضعة [عشر زورقا «1» ] فيها من الرجال والنساء نحو ستمائة نفس. وفيها مات ملك الروم وطاغيتهم الأكبر بالقسطنطينيّة وأقعد ابنه مكانه، ثم قتل ونصب في الملك غيره. وفيها وصلت الروم الى طرسوس، فقتلوا جماعة وفتحوا حصن الهارونيّة «2» وخرّبوا الحصن المذكور وقتلوا أهله، ثم كرّت الروم الى ديار بكر ووصلوا ميافارقين؛ فعمل في ذلك الخطيب عبد الرّحيم بن نباتة الخطب الجهاديّة. وفيها هرب عبد الواحد ابن الخليفة المطيع لله من بغداد الى دمشق. وفيها توفّى الوزير عبد الرّحمن بن عيسى بن داود بن الجرّاح. وفيها توفّى الشيخ أبو بكر أحمد ابن سليمان الفقيه النّجّاد شيخ الحنابلة؛ كان إماما عالما فقيها، مات في ذى الحجّة وله خمس وتسعون سنة. وفيها توفّى جعفر بن محمد بن نصير الخلدىّ «3» الزاهد المحدّث أبو محمد الخوّاص في شهر رمضان عن خمس وتسعين سنة وله ستّ وخمسون حجّة؛ صحب الجنيد وإليه كان منتميا وكان المرجع إليه في علوم القوم؛ حجّ قريبا من «4» ستّين حجة. قال: ما حججت إلّا على التوكّل «5» ، وكانت الأعطية حولى كثيرة. وفيها توفّى أبو بكر محمد بن جعفر الأدمىّ المحدّث القارئ كان فاضلا محدّثا مقرئا. وفيها توفّى جعفر بن حرب الوزير «6» ، كان جليل القدر يتقلّد كبار الأعمال؛ فاجتاز يوما بموكبه

ما وقع من الحوادث سنة 349

فسمع قارئا يقرأ: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) ، فصاح: بلى! والله قد آن؛ ونزل عن دابّته ودخل الماء ولم يخرج منه حتّى فرّق جميع أمواله، وبقى في الماء حتّى أعطاه رجل قميصا فلبسه وخرج إلى المسجد ولزم العبادة حتى مات. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وثلاث عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 349] السنة الخامسة عشرة من ولاية أنوجور على مصر، وهى سنة تسع وأربعين وثلثمائة، وهى السنة التى مات فيها أنوجور صاحب الترجمة كما تقدّم ذكره- فيها أوقع نجا غلام سيف الدولة بن حمدان بالروم فقتل وسبى وأسر. وفيها جرت وقعة هائلة ببغداد في شعبان بين السّنيّة والشّيعة، وتعطّلت الصلوات في الجوامع سوى جامع براثا «1» الذي يأوى إليه الرافضة. وكان جماعة بنى هاشم قد أثاروا الفتنة؛ فاعتقلهم معزّ الدولة بن بويه فسكنت الفتنة. وفيها ظهر ابن لعيسى بن المكتفى بالله بناحية أرمينية وتلقّب بالمستجير بالله، يدعو إلى الرّضى من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولبس الصوف وأمر بالمعروف، ومضى إلى جبال الديلم فاستنصر بهم؛ فخرج معه جماعة منهم وساروا إلى أذربيجان، فاستولى المستجير بالله على عدّة بلدان؛ وبعض البلاد التى استولى عليها كانت في يد سلار الدّيلمىّ، فسار سلار فهزمه، ويقال: قتله، لأنه لم يظهر له حسّ بعد ذلك. وفيها في شوال عرض «2» للسلطان

معزّ الدولة أحمد بن بويه مرض كلاه فبال الدم، ثم احتبس بوله، ثم رمى حصى صغارا ورملا وأرجفوا بموته. وفيها جمع سيف الدولة بن حمدان جموعا كثيرة وغزا بلاد الروم فقتل وأسر وسبى، فسارت الروم وكثروا عليه، فعاد في ثلثمائة من خواصّه، وذهب جميع ما كان معه وقتل أعيان قوّاده، وخرج من ناحية طرسوس. وفيها مات أحمد بن محمد بن ثوابة كاتب ديوان الرسائل لمعزّ الدولة؛ فقلّد معزّ الدولة مكانه أبا إسحاق إبراهيم بن هلال الصابئ. وفيها أسلم من الترك مائتا الف خركاه «1» ، كذا ذكر أبو المظفّر سبط بن الجوزىّ. وفيها بذل القاضى الحسين بن محمد الهاشمىّ مائتى ألف درهم على أن يقلّد قضاء البصرة، فأخذ منه المال ولم يقلّد. قلت: يرحم الله من فعل معه ذلك وخاتله «2» ، ويرحم من يقتدى بفعله مع كلّ من يسعى في القضاء بالبذل والبرطيل «3» . وفيها توفّى الإمام أبو الوليد حسّان بن محمد الفقيه شيخ أهل الحديث والفقه بخراسان عن اثنتين وثمانين سنة. وفيها توفّى الحسين بن علىّ بن يزيد «4» ابن داود الحافظ أبو علىّ النيسابورىّ. قال الحاكم: هو واحد عصره في الحفظ والإتقان والورع والمذاكرة والتصنيف، ومولده في سنة سبع وسبعين ومائتين، وأوّل سماعه سنة أربع وتسعين ومائتين؛ ومات في جمادى الأولى. قال أبو عبد الرّحمن السّلمىّ: سألت الدارقطنىّ عن أبى علىّ النيسابورىّ فقال: إمام مهذّب. وفيها توفّى محمد بن جعفر [بن محمد] بن فضالة الأدمىّ القارئ صاحب الألحان، كان من أحسن الناس صوتا بالقرآن يسمع صوته من فرسخ. قال محمد [بن عبد الله «5» ]

ذكر ولاية على بن الإخشيذ على مصر

الأسدىّ، حججت أنا وأبو القاسم البغوىّ «1» وأبو بكر الأدمىّ، فلما صرنا بالمدينة وجدنا ضريرا قائما يروى أحاديث موضوعة؛ فقال بعضنا: ننكر عليه؛ فقال الأدمىّ: تثور علينا العامّة ولكن اصبروا وشرع يقرأ، فما هو إلّا أن أخذ يقرأ فانفضت العامة عن الضرير وجاءوا إليه، وسكت الضرير وكفى أمره. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو الحسين أحمد ابن عثمان الأدمىّ [العطشىّ «2» ] . وأبو الفوارس الصابونىّ أحمد بن محمد بن الحسين فى شوال وله خمس ومائة سنة، وأبو الوليد حسّان بن محمد الفقيه شيخ خراسان، والحسين بن علىّ بن يزيد النّيسابورىّ الحافظ، وعبد الله بن إسحاق بن إبراهيم الخراسانىّ، وعبد الله بن محمد بن موسى الكعبىّ النيسابورىّ، وأبو طاهر عبد الواحد ابن عمر [بن محمد «3» ] بن أبى هاشم «4» شيخ القرّاء ببغداد، والقاضى أبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم العسّال في رمضان، وأبو بكر محمد «5» بن عبد الله بن عمرويه الصفّار. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وتسع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا سواء. ذكر ولاية علىّ بن الإخشيذ على مصر هو علىّ بن الإخشيذ محمد بن طغج بن جفّ الأمير أبو الحسن الفرغانىّ التركىّ. ولى سلطنة مصر بعد موت أخيه أنوجور بن الإخشيذ محمد في يوم السبت عشرين «6»

ذى القعدة سنة تسع وأربعين وثلثمائة. أقامه خادمه كافور «1» الإخشيذىّ الخصىّ في مملكة مصر باتفاق حواشى والده والجند، وأقرّه الخليفة المطيع لله على ذلك. وصار كافور الإخشيذىّ هو القائم بتدبير مملكته والمتصرّف فيها كما كان أيّام أخيه أنوجور. وجمع له الخليفة جميع ما كان لأبيه وأخيه من أعمال الديار المصريّة والممالك الشاميّة والثغور والحرمين الشريفين. وأطلق كافور لعلىّ هذا في السنة ما كان يطلقه لأخيه أنوجور؛ وهو في كلّ سنة أربعمائة ألف دينار. وقويت شوكة كافور بعد موت أنوجور وتولية علىّ هذا أعظم مما كانت أيّام أنوجور. ومولد علىّ المذكور (أعنى صاحب الترجمة) لأربع بقين من صفر سنة ستّ وثلثمائة. ودام علىّ هذا في الملك، وله الاسم فقط والمعنى لكافور، إلى سنة إحدى وخمسين وثلثمائة. [و] وقع بمصر الغلاء واضطربت أمور الديار المصريّة والإسكندرية بسبب المغاربة أعوان الخلفاء الفاطميّين الواردين إليها من المغرب، وتزايد الغلاء [وعزّ «2» وجود القمح] . ثم قدم القرمطىّ الى الشام في سنة اثنتين «3» وخمسين وثلثمائة ووقع له بها أمور، وعجز المصريّون عن دفعه عنها لشغلهم بالغلاء والمغاربة الفاطميّين. ومع هذا قلّ ماء النيل في هذه السنين فارتفعت الأسعار أكثر مما كانت عليه؛ ووهنت ضياع مصر وقراها من عدم زيادة النيل، وعظم الغلاء وكثرت الفتن؛ وسار ملك النوبة إلى أسوان ووصل الى إخميم وقتل ونهب وسبى وأحرق. وعظم اضطراب أعمال الديار المصريّة قبليّها وبحريّها. ثم فسد ما بين علىّ بن الإخشيذ صاحب مصر وبين مدبّر مملكته كافور الإخشيذىّ، ومنع كافور الناس من الاجتماع به، حتّى اعتل علىّ المذكور بعلّة أخيه أنوجور ومات لإحدى عشرة خلت من المحرّم سنة خمس وخمسين وثلثمائة، وحمل الى المقدس ودفن عند أبيه الإخشيذ وأخيه

ما وقع من الحوادث سنة 350

أنوجور. وبقيت مصر من بعده أيّاما بغير أمير، وكافور يدبّر أمرها على عادته في أيّام أولاد الإخشيذ ومعه أبو الفضل جعفر بن الفرات. ثم ولى كافور إمرة مصر باتفاق أعيان الديار المصريّة وجندها. وكانت مدّة سلطنة علىّ بن الإخشيذ المذكور على مصر خمس سنين وشهرين ويومين. *** [ما وقع من الحوادث سنة 350] السنة الأولى من ولاية علىّ بن الإخشيذ على مصر، وهى سنة خمسين وثلثمائة. أعنى بذلك أنّه ولى في ذى القعدة سنة تسع وأربعين وثلثمائة. وقد ذكرنا تلك السنة في أيّام أخيه أنوجور، فلذلك ذكرنا أن سنة خمسين وثلثمائة أوّل السنين لعلىّ هذا على مصر بهذا المقتضى- فيها (أعنى سنة خمسين وثلثمائة) دخل غلام «1» سيف الدولة بن حمدان الى بلاد الروم وسبى ألف نفس وغنم أموالا كثيرة. وفيها أخذ ملك الروم أرمانوس «2» بن قسطنطين من المسلمين جزيرة أقريطش من بلاد المغرب. وكان الذي افتتح أقريطش عمر «3» بن شعيب، غزاها وافتتحها «4» فى حدود سنة ثلاثين ومائتين، وصارت في يد أولاده إلى هذا الوقت. وفيها شرع معزّ الدولة بن بويه في بناء دار هائلة عظيمة ببغداد وأخرب لأجلها دورا وقصورا، وقلع أبواب الحديد التى كانت على أبواب مدينة المنصور، وألزم الناس ببيع أملاكهم ليدخلها في البناء، ونزل في الأساسات ستّا وثلاثين ذراعا، فلزمه من الغرامات عليها الى أن مات ثلاثة عشر ألف ألف درهم، وصادر الدواوين وغيرها «5» ، وجعل كلّما حصّل له شىء أخرجه في بنائها. وقد درست هذه الدار من قبل سنة ستمائة،

ولم يبق لها أثر، وبقى مكانها دحلة «1» تأوى اليها الوحوش، وبقي شىء من الأساس يعتبر به من يراه. قلت: دار الظالم خراب ولو بعد حين. وفيها قلّد قضاء القضاة أبو العباس عبد الله بن الحسن بن أبى الشوارب، وركب بالخلع من دار معزّ الدولة وبين يديه الدبادب والبوقات وفي خدمته الجيش؛ وشرط على نفسه أن يحمل كلّ سنة الى خزانة معزّ الدولة مائتى ألف درهم، وكتب عليه بذلك سجلّا. فانظر الى هذه المصيبة!. وامتنع المطيع من تقليده ومن دخوله عليه، وأمر ألا يمكّن من الدخول عليه أبدا. وفيها أيضا ضمّن معزّ الدولة الحسبة والشرطة ببغداد. وفيها في شعبان توفّى بمصر متولّى خراجها أبو بكر محمد بن على بن مقاتل، فوجدوا فى داره ثلثمائة ألف دينار مدفونة. وفيها توفّى الحسين «2» بن القاسم الإمام أبو علىّ الطبرىّ الشافعىّ الفقيه مصنّف «المحرّر» ، وهو أوّل كتاب صنّف في الخلاف؛ كان إماما عالما بارعا في عدّة فنون. وفيها توفّى الأمير عبد الملك بن نوح السامانىّ صاحب بلاد خراسان وغيرها، تقطّر «3» به فرسه فحمل ميّتا، ونصبوا مكانه أخاه منصور ابن نوح السامانىّ، وأرسل إليه الخليفة المطيع لله بالخلع والتقليد. وفيها توفّى محدّث بغداد الحافظ أبو سهل أحمد بن محمد بن [عبد الله بن «4» ] زياد القطّان في شعبان، كان إماما ورعا صوّاما قوّاما، سمع الحديث وروى الكثير، ومات وله إحدى وتسعون سنة. وفيها توفّى إسماعيل «5» بن علىّ بن إسماعيل الشيخ أبو محمد الخطبىّ، كان إماما

عالما أخباريّا محدّثا، كان يرتجل الخطب ويخطب بها. وفيها توفّى «1» محمد بن أحمد بن يوسف أبو الطيّب المقرئ، ويعرف بغلام ابن شنّبود- وقد تقدّم ذكر ابن شنبود في محلّه- كان إماما عارفا بالقراءات زاهدا. وفيها توفّى عبد الله «2» ابن إسماعيل بن إبراهيم بن عيسى بن الخليفة أبى جعفر المنصور الخطيب أبو جعفر الهاشمىّ العباسىّ خطيب جامع المنصور وابن خطيبه؛ كان عالى النسب من بنى العبّاس، كان في طبقة هارون الواثق في علوّ النسب. وفيها توفّى القاضى أبو السائب عتبة بن عبيد الله بن موسى الهمذانى، مولده بهمذان في سنة أربع وستين ومائتين، وكان أبوه تاجرا؛ ولى قضاء أذربيجان ثم قضاء همذان ثم آل به الأمر الى أن تقلّد قضاء القضاة؛ وكان إماما عالما، غلب عليه الزهد وسافر ولقى الجنيد في سفره وأخذ عنه؛ ثم تفقّه بجماعة من العلماء، وكان عالما فاضلا. وفيها توفّى الأمير فاتك الإخشيذىّ المجنون أبو شجاع، وكان أكبر مماليك الإخشيذ، وولى إمرة دمشق، وكان فارسا شجاعا؛ كان رومىّ الجنس، وكان رفيقا للأستاذ كافور الإخشيذىّ. فلما صار كافور مدبّر مملكة أولاد الإخشيذ وعظم أمره، أنف فاتك هذا من المقام بمصر كيلا يكون كافور أعلى مرتبة منه، فانتقل من مصر الى إقطاعه وهو بلاد الفيّوم؛ وكان كافور يخافه ويكرهه؛ فلم يصحّ مزاج فاتك بالفيّوم ومرض وعاد إلى مصر فمات بها. وكان فاتك المذكور كريما جوادا. ولما قدم المتنبىّ إلى مصر سمع بعظمة فاتك وتكرّمه، فلم يجسر أن يمدحه خوفا من كافور. وكان فاتك يراسله بالسلام ويسأل عنه. فاتفق اجتماعهما يوما بالصحراء، وجرت بينهما مفاوضات. فلما رجع فاتك إلى داره بعث إلى المتنبىّ هديّة قيمتها ألف دينار،

ثم أتبعها بهدايا أخر. فاستأذن المتنبّى كافورا في مدحه فأذن له؛ فمدحه بقصيدته التى أوّلها: لا خيل عندك تهديها ولا مال ... فليسعد النطق إن لم تسعد الحال ويأتى شىء من ذكر فاتك أيضا في ترجمة كافور إن شاء الله تعالى. ولما مات فاتك رثاه المتنبى أيضا. وفيها توفّى أبو وهب «1» الزاهد أحد المشهورين بالأندلس. قال أبو جعفر أحمد [بن «2» ] عون الله [بن حدير «3» ] : سمعت أبا وهب يقول: «والله لا عانق الأبكار في جنّات النعيم والناس في الحساب إلّا من عانق الذلّ، وضاجع الصّبر، وخرج منها كما دخل فيها» . وفيها توفّى الناصر لدين الله أبو المطرّف صاحب الأندلس الملقّب بأمير المؤمنين؛ واسمه عبد الرّحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرّحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرّحمن الداخل، المقدّم ذكره، ابن معاوية، الأموىّ المروانىّ ثم الأندلسىّ؛ ولى الأمر بعد جدّه؛ وكان ذلك من غرائب الوجود لأنّه كان شابّا وبالحضرة أكابر من أعمامه وأعمام أبيه؛ وتقدّم هو وهو ابن اثنتين وعشرين سنة. فاستقام له الأمر وبنى مدينة الزّهراء- وقد ذكرنا أمر بنائها في محلّه- ومات في هذه السنة. وكانت مدّة أيّامه خمسين سنة، وكان من أجلّ ملوك الأندلس. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وأربع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا سواء.

ما وقع من الحوادث سنة 351

*** [ما وقع من الحوادث سنة 351] السنة الثانية من ولاية علىّ بن الإخشيذ على مصر، وهى سنة إحدى وخمسين وثلثمائة- فيها نقلت سنة خمسين وثلثمائة [من حيث الغلّات «1» ] إلى سنة إحدى وخمسين الخراجيّة، وكتب بذلك عن المطيع كتاب في هذا المعنى. فمنه أنّ السنة الشمسيّة خمسة وستون وثلثمائة يوم وربع بالتقريب؛ وأنّ السنة الهلاليّة أربعة وخمسون وثلثمائة وكسر؛ وما زالت الأمم السالفة تكبس زيادات «2» السنين على اختلاف مذاهبها، وفي كتاب الله تعالى شهادة «3» بذلك؛ قال الله تعالى: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) ؛ فكانت هذه الزيادة هى المشار إليها. وأما الفرس فإنّهم أجروا معاملاتهم على السنة المعتدلة التى شهورها اثنا عشر شهرا وأيّامها ستون وثلثمائة يوم، ولقّبوا الشهور اثنى عشر لقبا، وسمّوا الأيّام بأسامىّ، وأفردوا الأيّام الخمسة الزائدة وسمّوها المشرقة، وكبسوا الرّبع في كلّ مائة وعشرين سنة شهرا؛ فلما انقرض ملكهم بطل ذلك. وفيها دخل الدّمستق ملك الروم عين «4» زربى في مائة وستّين ألفا- وعين زربى في سفح جبل مطلّ عليها- فصعد بعض جيشه الجبل، ونزل هو على بابها وأخذوا في نقب السور «5» ؛ فطلبوا الأمان فأمّنهم وفتحوا له فدخلها، وندم حيث أمّنهم؛ ونادى بأن يخرج جميع من في البلد إلى الجامع. فلمّا

أصبح بثّ رجاله وكانوا مائة ألف «1» ، وكلّ من وجدوه في منزله قتلوه، فقتلوا عالما لا يحصى؛ ثم فعل في البلد تلك الأفاعيل القبيحة. وفيها عاد الدّمستق الى حلب؛ فخرج إليه سيف الدولة بغير استعداد وحاربه، فحاربه الدّمستق بمائتى ألف مقاتل، فانهزم سيف الدولة في نفر يسير؛ وكانت داره بظاهر حلب، فنزلها الدّمستق وأخذ منها ثلثمائة وتسعين بدرة دراهم، وأخذ منها ألفا وأربعمائة بغل؛ ومن السلاح ما لا يحصى، ثم نهبها الدّمستق وأحرقها ثم أحرق بلاد حلب. وقاتله أهل حلب من وراء السور فقتلوا جماعة من الروم، فسقطت قائمة من السور على جماعة من أهل حلب فقتلتهم؛ فأكبّ الروم على تلك الثّلمة وقاتلوا حتى ملكوا حلب، ووضعوا فيها السيف حتّى كلّوا وملّوا، وأخربوا الجامع وأحرقوا ما عجزوا عن حمله؛ ولم ينج إلا من صعد القلعة؛ فألّح ابن أخت الملك في أخذ القلعة فقتل بحجر. وكان عند الدمستق ألف ومائتا أسير من أهل حلب فضرب أعناقهم. ثم عاد الى الروم ولم يعرض لأهل القرى، وقال لهم: ازرعوا فهذا بلدنا وعن قليل نعود إليكم. وفيها كتبت الشّيعة ببغداد على أبواب المساجد لعنة معاوية رضى الله عنه، ولعنة من غصب فاطمة رضى الله عنها حقّها من فدك «2» ، ولعنة من منع الحسن أن يدفن «3» مع جدّه

صلّى الله عليه وسلم؛ ثم محى في الليل. فأراد معز الدّولة إعادته؛ فأشار عليه الوزير المهلّبىّ أن يكتب مكان ما محى: لعن الله الظالمين لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وصرّحوا بلعنة معاوية رضى الله عنه فقط. وفيها أسرت الروم أبا فراس بن سعيد ابن حمدان من مدينة منبج «1» ، وكان واليها. وفيها وقع بالعراق برد وزن البعض منه رطل ونصف بالعراقىّ. وفيها توفّى الوزير أبو محمد الحسن بن محمد بن هارون المهلّبىّ، أصله من بنى المهلّب بن أبى صفرة، أقام [فى «2» ] وزارة معزّ الدولة ثلاث عشرة سنة. وكان فاضلا شاعرا فصيحا نبيلا سمحا جوادا ذا مروءة وكرم، وعاش أربعا وستيّن سنة. واستوزر معزّ الدولة عوضه أبا الفضل العبّاس «3» بن الحسن الشّيرازىّ. ثم صادر معزّ الدولة أولاد المهلّبىّ من بعد موته. وفيها توفى دعلج بن أحمد بن دعلج أبو محمد السّجزىّ «4» الفقيه العدل؛ ولد سنة ستّين ومائتين أو قبلها، وسمع الكثير. قال الحاكم «5» : أخذ عن ابن خزيمة «6» المصنّفات، وكان يفتى بمذهبه، وكان شيخ الحديث، له صدقات جارية على أهل الحديث بمكّة والعراق؛ مات في جمادى الآخرة وله نيّف وتسعون سنة. وفيها توفّى عبد الباقى بن قانع بن مرزوق بن واثق أبو الحسين «7» الأموىّ مولاهم البغدادىّ الحافظ، سمع الكثير وروى عنه الدارقطنى وغيره، وصنّف معجم الصحابة، ومات في شوّال.

ما وقع من الحوادث سنة 352

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى إبراهيم بن علىّ أبو إسحاق الهجيمى، والحسن بن محمد الوزير أبو محمد المهلّبىّ، ودعلج بن أحمد السّجزىّ، وعبد الله بن جعفر بن محمد بن الورد البغدادىّ بمصر، وعبد الباقى بن قانع أبو الحسين فى شوّال، وأبو بكر محمد بن الحسن بن محمد بن زياد النقّاش في شوّال، وله خمس وثمانون سنة، وأبو جعفر محمد بن علىّ بن دحيم «1» الشّيبانىّ، وأبو محمد يحيى بن منصور قاضى نيسابور. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وإحدى عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وسبع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 352] السنة الثالثة من ولاية علىّ بن الإخشيذ على مصر، وهى سنة اثنتين وخمسين وثلثمائة- فيها في يوم عاشوراء ألزم معزّ الدولة الناس بغلق الأسواق ومنع الطبّاخين من الطبخ، ونصبوا القباب في الأسواق وعلّقوا عليها المسوح، وأخرجوا النساء منشورات الشعور يقمن المأتم على الحسين بن علىّ رضى الله عنه. قلت: وهذا أوّل يوم وقع فيه هذه العادة القبيحة الشّيعيّة ببغداد. وكان ذلك في صحيفة معزّ الدولة بن بويه؛ ثم اقتدى به من جاء بعده من بنى بويه، وكلّ منهم رافضىّ خبيث. نذكر ذلك كلّه فيما يأتى في الحوادث إن شاء الله تعالى. وفيها أصاب سيف الدولة علىّ بن عبد الله بن حمدان فالج في يده ورجله. وفيها قال ثابت بن سنان: أرسل بعض بطارقة الأرمن الى ناصر الدولة الحسن بن حمدان رجلين ملتصقين عمرهما

خمس وعشرون سنة ومعهما أبوهما؛ والالتصاق كان في الجنب، ولهما بطنان وسرّتان ومعدتان، وتختلف أوقات جوعهما وعطشهما وبولهما، وكلّ واحد منهما يكمل الخلق، وكان أحدهما يميل الى النساء والآخر الى المرد. وقال القاضى [علىّ بن الحسن «1» التنوخىّ] : ومات أحدهما وبقى أيّاما وأنتن وأخوه حىّ. فجمع ناصر الدولة الأطباء على أن يقدروا على فصلهما فلم يقدروا؛ ومات الآخر من رائحة الميّت بعد أيّام. وفيها قتل ملك الروم وصار الدّمستق هو الملك واسمه تقفور. وفيها توفّيت خولة أخت سيف الدولة بن حمدان بحلب؛ وهى التى رثاها المتنبى بقوله: يا أخت خير أخ يا بنت خير أب ... كناية بهما عن أشرف النّسب وفيها انتصرت الرّوم على الإسلام بكائنة «2» حلب وضعف أمر سيف الدولة بعد تلك الملاحم الكبار التى طيّر فيها لبّ العدوّ ومزّقهم. ولله الأمر. وفيها خرج أيضا سيف الدولة غازيا، فسار الى حرّان «3» وعطف على ملطية، وقتل من الروم خلائق وملأ يده سبيا وغنائم، ولله الحمد. وفيها في شعبان ورد غزاة خراسان نحو ستمائة رجل الى الموصل يريدون الجهاد نجدة لأهل الموصل. وفيها عبرت الروم الفرات لقصد الجزيرة؛ فتهيّأ ناصر الدولة بن حمدان لقتالهم. وفيها اجتمع أهل بغداد ووبّخوا الخليفة المطيع لله بكائنة حلب، وطلبوا منه أن يخرج بنفسه الى الغزو ويأخذ بثأر أهل حلب. وبينما هم في ذلك ورد الخبر بموت طاغية الرّوم وأن الخلف وقع بينهم فيمن يملّكونه عليهم، وأن أهل طرسوس غزوهم وانتصروا

ما وقع من الحوادث سنة 353

عليهم وعادوا بغنائم «1» لم يرفى دهر مثلها؛ فآنتدب المسلمون لغزو الروم من كلّ جانب. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أحمد «2» [بن عبيد بن أحمد] أبو بكر الحمصّىّ الصفار، وأبو الحسين أحمد بن محمود البيهقىّ، وأبو بكر محمد [بن محمد «3» ] بن أحمد بن مالك الإسكافىّ. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع سواء. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وستّ عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 353] السنة الرابعة من ولاية علىّ بن الإخشيذ على مصر، وهى سنة ثلاث وخمسين وثلثمائة- فيها عمل يوم عاشوراء كعام أوّل من المأتم والنّوح الى الضّحا، فوقعت فتنة عظيمة بين أهل السنّة والرافضة، وجرح جماعة ونهب الناس. وفيها نزل ملك الروم الدّمستق المصّيصة في جيش ضخم، فأقام أسبوعا ونقب السور من أماكن؛ وقاتله أهلها الى أن رحل عنها بعد أن أهلك الضّياع. وكان رحيله لشدّة الغلاء؛ فإنّ القحط كان بالشام والثغور. وفيها بعث القرامطة الى سيف الدولة يستهدونه حديدا؛ فسيّر اليهم شيئا كثيرا، وحمل ذلك إليهم في الفرات ثم في البرّية الى هجر. وفيها خرج معزّ الدولة ابن بويه إلى الموصل لقتال ناصر الدولة بن حمدان، فلحقه ذرب شديد؛ وسار ناصر الدولة أمامه الى ميّا فارقين ثم عاد الى الموصل، واقتتل مع أعوان معزّ الدولة فاستأمن إليه الدّيلم واستأسر جميع الترك، وأخذ

حواصل معزّ الدولة وثقله. فعاد معزّ الدولة يريد الموصل فوقع له مع ناصر الدولة فصول ثم اصطلحوا؛ وعاد معزّ الدولة الى بغداد خائبا. وفيها عمل سيف الدولة ابن حمدان خيمة عظيمة ارتفاع عمودها خمسون ذراعا. وفيها ورد الخبر أنّ الروم يريدون [أذنة و «1» ] المصّيصة؛ فاستنجد أهل أذنة بأهل طرسوس فجاءوهم بخمسة عشر ألفا من فارس وراجل، فالتقوا واشتدّ القتال وانهزم المشركون، فركب المسلمون أقفية الروم واتبعوهم؛ فخرج للروم كمين نحو أربعة آلاف مقاتل، فتحيّز المسلمون الى تلّ هناك فقاتلوهم يومين؛ ثم كثر عليهم جموع الروم فاستأصلوهم، وحاصروا أهل المصّيصة ونقبوا سورها من مواضع، فقاتلهم المسلمون أشدّ قتال الى أن ترحّلوا عنها مخذولين. وفيها ملك المسلمون حصن «2» اليمانيّة وهو على ثلاثة فراسخ من آمد. وفيها جاء عسكر من الروم وكادوا أن يملكوا حصنا من نواحى حلب، فسار لحربهم عسكر سيف الدولة وقاتلوهم فلم يفلت من الروم أحد، وقتل منهم خمسمائة نفر، وتجرّح «3» المسلمون وخيولهم. ثم جاء الخبر بنزول الروم أيضا الى المصّيصة [والى طرسوس «4» ] مع تقفور ملك الروم، وأنهم في ثلثمائة ألف وعاثوا وأفسدوا؛ ثم ساروا لعظم القحط كما وقع لهم أوّلا؛ فتبعهم أهل المصّيصة وطرسوس فقتلوا وأسروا طائفة كثيرة من الروم. وفيها توفّى إبراهيم بن محمد بن حمزة بن عمارة الحافظ أبو إسحاق ابن حمزة الأصبهانىّ. قال أبو نعيم: كان أوحد زمانه في الحفظ لم ير بعد عبد الله ابن مظاهر «5» فى الحفظ مثله، جمع الشيوخ والسند؛ وتوفّى في سابع رمضان. وعمارة

جدّهم، هو ابن «1» حمزة بن يسار بن عبد الرّحمن بن حفص؛ وحفص هو أخو أبى مسلم الخراسانىّ صاحب الدولة العباسيّة. وفيها توفّى سعيد بن عثمان بن سعيد بن السّكن الحافظ أبو علىّ البغدادىّ ثم المصرىّ البزّاز؛ ولد سنة أربع وتسعين ومائتين، وسمع بمصر والشام والجزيرة والعراق وخراسان وما وراء النهر، وكان كبير الشأن مكثرا متقنا مصنّفا بعيد الصيت، له تجارة في البريّة، ومات في المحرّم. وقد روى عنه صحيح البخارىّ [عبد الله «2» بن محمد] بن أسد الجهمىّ وأبو عبد الله محمد بن أحمد «3» ابن محمد بن يحيى بن مفرّج وأبو جعفر بن عون «4» الله. وفيها توفّى بندار «5» بن الحسين محمد بن المهلّب أبو الحسين الشّيرازىّ؛ كان يسكن بمدينة أرّجان، كان عالما بالأصول وله لسان في علوم الحقائق، وكان الشّبلىّ يعظّمه. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو إسحاق إبراهيم ابن محمد بن حمزة الأصبهانىّ الحافظ في رمضان، وأبو عيسى بكّار بن أحمد [بن بكّار ابن بنان «6» ] المقرئ، وأبو علىّ سعيد بن عثمان [بن سعيد] بن السكن الحافظ بمصر،

ما وقع من الحوادث سنة 354

وابن أبى «1» الفوارس شجاع بن جعفر الورّاق الواعظ في عشر والمائة، وعبد الله بن الحسن بن بندار الأصبهانىّ، وأبو محمد عبد الله بن محمد بن العبّاس الفاكهىّ، وأبو القاسم علىّ بن يعقوب الهمذانىّ بن أبى العقب «2» فى ذى الحجّة عن اثنتين وتسعين سنة، وأبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن خروف بمصر، وأبو علىّ محمد بن هارون ابن شعيب الأنصارىّ. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وخمس عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وأربع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 354] السنة الخامسة من ولاية علىّ بن الإخشيذ على مصر، وهى سنة أربع وخمسين وثلثمائة- فيها عمل في يوم عاشوراء المأتم ببغداد كالسنة الماضية، ولم يتحرّك لهم السّنيّة خوفا من معزّ الدولة بن بويه. وفيها وثب غلمان سيف الدولة بن حمدان على غلامه نجا الكبير وضربوه بالسيوف، وكان أكبر غلمانه [و] مقدّم جيشه وغلمانه (أعنى مماليكه) . وفيها توفّيت أخت معزّ الدولة بن بويه ببغداد، فنزل الخليفة المطيع في طيّارة الى دار معزّ الدولة يعزّيه؛ فخرج إليه معزّ الدولة ولم يكلّفه الصعود من الطيّارة وقبّل الأرض مرّات، ورجع الخليفة الى داره. وفيها حجّ الركب من بغداد. وفيها بنى تقفور ملك الروم قيساريّة قريبا من بلاد المسلمين وسكنها. وكان الناس في هذه السنة الماضية «3» فى شغل بالغلاء والقحط بسائر بلاد حلب وديار بكر.

وفيها توفّى أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد أبو الطيب المتنبىّ الجعفىّ الكوفىّ الشاعر المشهور حامل لواء الشعر في عصره، ولد سنة ثلاث وثلثمائة وأكثر المقام بالبادية لاقتباس اللغة، ونظر في فنون الأدب، وتعاطى قول الشعر من صغره حتّى بلغ فيه الغاية، وفاق أهل زمانه؛ ومدح الملوك وسار شعره في الدنيا، ومدح سيف الدولة بن حمدان وكافورا الإخشيدىّ وغيرهما. وقال أبو القاسم التنوخىّ: وقد كان خرج المتنبىّ الى كلب «1» وأقام فيهم وادّعى أنه علوىّ، ثم ادّعى بعد ذلك النبوّة، الى أن شهد عليه بالكذب في الدعويين وحبس دهرا وأشرف على القتل، ثم استتابوه وأطلقوه. وقال: وحدّثنى أبى الى أن قال: وكان المتنبّى قرأ على البوادى «2» كلاما ذكر أنّه قرآن أنزل عليه، نسخت منه سورة فصاحته، وبقى أوّلها فى حفظى، وهو:" والنجم السيّار، والفلك الدوّار، والليل والنهار، [إنّ «3» ] الكافر لفى أخطار؛ امض على سننك واقف أثر من كان قبلك من المسلمين، فإن الله قامع بك زيغ من ألحد في الدين، وضلّ عن السبيل". قال: وكان المتنبىّ ينكر ذلك ويجحده. وقال له ابن خالويه «4» النحوىّ يوما في مجلس سيف الدولة: لولا أن الآخر جاهل لما رضى أن يدعى المتنبّى، لأن المتنبّى معناه كاذب؛ [ومن رضى أن يدعى «5» بالكاذب فهو جاهل] . فقال: إنى لم أرض أن أدعى به. انتهى. ومن شعر المتنبىّ- وهو أشهر من أن يذكر- قوله:

وما أنا بالباغى على الحبّ رشوة ... قبيح «1» هوى يرجى عليه ثواب إذا نلت منك الودّ فالمال هيّن ... وكلّ الذي فوق التراب تراب ومن [شعره «2» ]- وهو البيت الذي ذكروا أنه ادّعى النبوّة فيه-: ومن نكد الدنيا على الحرّ أن يرى ... عدوّا له ما من صداقته بدّ ومن [شعره «3» ] قصيدته التى أوّلها: لك يا منازل في القلوب منازل ومنها: جمح الزمان فلا لذيذ خالص ... مما يشوب ولا سرور كامل فإذا أتتك مذمّتى من ناقص ... فهى الشهادة لى بأنّى فاضل وهذا البيت الأخير الذي وقع لأبى العلاء المعرىّ مع الشريف المرتضى «4» الموسوىّ ما وقع بسببه.

ومن شعر المتنبىّ قصيدته التى أولها: أجاب دمعى وما الداعى سوى طلل ... [دعا فلبّاه قبل الركب «1» والإبل] فمنها قوله: والهجر أقتل لى ممّا «2» أراقبه ... أنا الغريق فما خوفى من البلل ومنها: لعلّ عتبك محمود عواقبه ... فربّما صحّت الأجسام بالعلل ويعجبنى قوله «3» من شعره: خير أعضائنا الرءوس ولكن ... فضلتها بقصدك الأقدام وما أحسن مطلع قصيدته: إذا غامرت في شرف مروم ... فلا تقنع بما دون النجوم ومنها: فطعم الموت في أمر حقير ... كطعم الموت في أمر عظيم ومنها: وكلّ شجاعة في المرء تغنى ... ولا مثل الشجاعة في الحكيم وكم من عائب قولا صحيحا ... وآفته من الفهم السقيم ولكن تأخذ الأذهان منه ... على قدر القرائح والعلوم مات المتنبىّ قتيلا بالنّعمانيّة «4» . وفيها توفّى محمد بن حبّان بن أحمد بن حبّان الحافظ العلامة أبو حاتم التّميمى البستىّ صاحب التصانيف المشهورة، كان عالما بالفقه

والحديث والطبّ والنجوم وفنون من العلوم، وألّف «المسند الصحيح» و «التاريخ» و «الضعفاء» . قال الحاكم: كان من أوعية العلم في الفقه واللغة والحديث والوعظ. وفيها توفّى محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدويه «1» أبو بكر البزّاز «2» الشافعىّ المحدّث، ولد سنة ستين ومائتين وسكن بغداد، وسمع الكثير وحدّث، روى عنه الدارقطنىّ وجماعة. الذين ذكر الذهبى وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو الطيب أحمد بن الحسين بن الحسن الجعفىّ المتنبّى وله إحدى وخمسون سنة، وأبو حاتم محمد بن حبّان ابن أحمد التّميمىّ البستىّ في شوّال، وأبو بكر محمد بن الحسن «3» بن يعقوب بن مقسّم العطّار المقرئ، وأبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعىّ البزّاز في ذى الحجّة وله خمس وتسعون سنة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وخمس أصابع. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وخمس عشرة إصبعا. انتهى الجزء الثالث من النجوم الزاهرة ويليه الجزء الرابع وأوّله ذكر ولاية كافور الإخشيذى على مصر

الجزء الرابع

[الجزء الرابع] بسم الله الرّحمن الرّحيم وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله وصحابته والمسلمين الجزء الرابع من كتاب النجوم الزاهرة [تتمة ما وقع من الحوادث سنة 354] ذكر ولاية كافور الإخشيذىّ على مصر الأستاذ أبو المسك كافور بن عبد الله الإخشيذىّ الخادم الأسود الخصىّ صاحب مصر والشام والثغور، اشتراه سيّده أبو بكر محمد الإخشيذ بثمانية عشر دينارا من الزيّاتين، وقيل: من بعض رؤساء مصر، وربّاه وأعتقه؛ ثم رقّاه حتّى جعله من كبار القوّاد لمّا رأى منه الحزم والعقل وحسن التدبير. ولمّا مات الإخشيذ فى سنة خمس وثلاثين وثلثمائة، أقام كافور هذا أبناءه واحدا بعد واحد. وكان الذي ولّى أوّلا أبا القاسم أنوجور بن الإخشيذ- ومعنى أنوجور بالعربية محمود- وقد تقدّم ذلك كلّه. فدام أنوجور في الملك إلى أن مات في يوم السبت لثمان خلون من ذى القعدة سنة تسع وأربعين وثلثمائة. ثم بعد موت أنوجور أقام أخاه أبا الحسن علىّ بن الإخشيذ كما تقدّم ذكر ذلك كلّه في ترجمتهما. وكان كافور هذا هو مدبّر ملكهما. ودخل كافور في أيّام ولايتهما في ضمان البلاد مع الخليفة، ووفّى بما ضمنه. ولمّا مات الإخشيذ اضطربت أحوال الديار المصريّة، فخرج كافور منها بآبنى الإخشيذ وتوجّه بهما إلى الخليفة المطيع لله، وأصلح أمرهما معه، والتزم كافور

للخليفة بأمر الديار المصريّة، ثم عاد كافور بهما إلى الديار المصريّة. وكان غلبون قد تغلّب على مصر بعد موت الإخشيذ في غيبة كافور لمّا توجّه إلى العراق؛ فقدم كافور إلى مصر وتهيّأ لحرب غلبون المذكور وحاربه وظفر به وقتله، وأصلح أحوال الديار المصريّة؛ واستمر مدبّرها إلى أن مات أنوجور وتولّى أخوه علىّ؛ ثم مات علىّ أيضا في سنة خمس وخمسين وثلثمائة؛ واستقل كافور بالأمر وخطب له على المنابر وتمّ أمره. قال الحافظ أبو عبد الله الذهبىّ في تاريخ الإسلام: كافور الإخشيذىّ الحبشىّ الأستاذ السلطان أبو المسك اشتراه الإخشيذ من بعض رؤساء مصر، كان أسود بصّاصا «1» . ثم ساق الذهبىّ نحو ما حكيناه، إلى أن قال: تقدّم عند الإخشيذ صاحب مصر لعقله ورأيه وسعده إلى أن صار من كبار القوّاد، وجهّزه الإخشيذ فيّ جيش لحرب سيف الدولة بن حمدان. ثم إنه لمّا مات أستاذه صار أتابك «2» ولده أبى القاسم أنوجور وكان صبيّا؛ فغلب كافور على الأمر، وبقى الاسم لأبى القاسم والدّست «3» لكافور، حتّى قال وكيله: خدمت كافورا وراتبه في اليوم ثلاث عشرة جراية، وتوفّى وقد بلغت جرايته على يدى في كلّ يوم ثلاثة عشر ألف جراية. قلت: وهو أتابك السلطان أنوجور، أمّا لمّا استقلّ بالملك فكان أكثر من ذلك. وقال أبو المظفّر في تاريخه مرآة الزمان: كان كافور شجاعا مقداما جوادا يفضل على الفحول. وقصده المتنبىّ ومدحه فأعطاه أموالا كثيرة، ثم فارقه إلى

العراق. وقال أبو الحسن بن أذين «1» النحوىّ: حضرت مع أبى مجلس كافور وهو غاصّ بالناس، فقام رجل «2» فدعا له، وقال في دعائه: أدام الله أيّام مولانا (بكسر الميم من أيّام) فأنكر كافور والحاضرون ذلك؛ فقام رجل «3» من أوساط الناس فقال: لا غرو إن لحن الداعى لسيّدنا ... أو غصّ من دهش «4» بالريق أو بهر ومثل سيّدنا حالت مهابته ... بين البليغ وبين القول بالحصر فإن يكن خفض الأيام من غلط ... فى موضع النصب لا من قلّة البصر فقد تفاءلت من هذا لسيّدنا ... والفأل مأثورة عن سيّد البشر بأنّ أيامه خفض بلا نصب ... وأنّ أوقاته صفو بلا كدر فعجب الحاضرون من ذلك، وأمر له كافور بجائزة. وقال أبو جعفر مسلم بن عبيد الله بن طاهر العلوىّ النّسابة: ما رأيت أكرم من كافور! كنت أسايره يوما وهو في موكب «5» خفيف يريد التنزّه وبين يديه عدّة جنائب بمراكب ذهب وفضة وخلفه بغال المراكب؛ فسقطت مقرعته من يده ولم يرها ركابيّته «6» ، فنزلت عن دابّتى وأخذتها من الأرض ودفعتها إليه؛ فقال: أيّها الشريف، أعوذ بالله من بلوغ الغاية، ما ظننت أن الزمان يبلّغنى حتى تفعل بى أنت هذا! وكاد يبكى؛ فقلت: أنا صنيعة الأستاذ ووليّه. فلما بلغ باب داره ودّعنى؛ فلما سرت التفتّ فإذا بالجنائب والبغال كلّها خلفى؛ فقلت: ما هذا؟

قالوا: أمر الأستاذ أن يحمل مركبه كلّه إليك، فأدخلته دارى؛ وكانت قيمته تزيد على خمسة عشر ألف دينار. وراوى هذه الحكاية مسلم بن عبيد الله المذكور من صالحى الأشراف. ووقع له حكاية غريبة نذكرها في ضمن هذه الترجمة، ثمّ نعود إلى ما نحن فيه من ترجمة كافور، وهى «1» أنّه كان لمسلم بن عبيد الله المذكور غلام قد ربّاه من أحسن الغلمان، فرآه بعض القوّاد فبعث إليه ألف دينار مع رجل، وقال له: اشتر لى منه هذا الغلام؛ قال الرجل: فوافيته- يعنى الشريف مسلم ابن عبيد الله- فى الحمّام ورأيت الغلام عريانا فرأيت منظرا حسنا؛ فقلت فى نفسى: لا شكّ أنّ الشريف لا يفوته هذا الغلام، وأدّيت الرسالة؛ فقال الشريف ما دفع فيه «2» هذا الثمن إلّا وهو يريد [أن «3» ] يعصى الله فيه، ارجع إليه بماله فلا أبيعه. فعدت إليه وأخبرته ونمت تلك الليلة، فرأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم في المنام، فسلّمت عليه فما ردّ علىّ، وقال: ظننت في ولدى مسلم الخنا مع الغلام امض إليه واسأله أن يجعلك في حلّ. فلما طلع الفجر مضيت إليه وأخبرته وبكيت وقبّلت يديه ورجليه وسألته أن يجعلنى في حلّ؛ فبكى وقال: أنت في حلّ والغلام حرّ لوجه الله تعالى. وأمّا كافور فإنّه لمّا صار قبل سلطنته مدبّر الممالك المصرية وعظم أمره أنف من ذلك خشداشه «4» الأمير أبو شجاع فاتك الرومىّ الإخشيذىّ المقدّم ذكره في سنة نيّف وخمسين وثلثمائة. وكان فاتك يعرف بالمجنون، وكان الإخشيذ قد اشترى

فاتكا هذا من أستاذه بالرملة كرها وأعتقه، وحظى عند الإخشيذ، وكان رفيقا لكافور هذا، وهو الأعظم مع طيش وخفّة وحبورة، وكان كافور عاقلا سيوسا؛ فكان كلّما تزايد أمر كافور وعظم يزيد جنون فاتك وحسده، فلا يلتفت كافور إليه بل يدرّ عليه الإحسان ويراعيه إلى الغاية. وكان الفيّوم إقطاع فاتك المجنون، فاستأذن فاتك كافورا أن يتوجّه إلى إقطاعه بالفيّوم ويسكن هناك حتى لا يرى عظمة كافور؛ فأذن له كافور في ذلك وودّعه؛ فخرج فاتك إلى الفيّوم، فلم يصحّ مزاجه بها لو خامتها «1» فعاد بعد مدّة مريضا إلى مصر ليتداوى بها. وكان المتنبىّ الشاعر بمصر قد مدح كافورا بغرر القصائد، فسمع المتنبىّ بكرم المجنون فأحبّ أن يمدحه ولم يجسر خوفا من كافور. وكان كافور يكره فاتّكا في الباطن ويخافه، وصار فاتك يراسل المتنبىّ ويسأل عنه إلى أن اتّفق اجتماعهما يوما بالصحراء وجرت بينهما مفاوضات. فلمّا رجع فاتك إلى داره بعث إلى المتنبىّ بهديّة قيمتها ألف دينار، ثم أتبعها بهدايا أخر. فاستأذن المتنبىّ كافورا في مدح فاتك فأذن له خوفا من فاتك وفي النفس شىء من ذلك؛ فمدحه المتنبىّ بقصيدته التى أوّلها: لا خيل عندك تهديها ولا مال ... فليسعد النطق إن لم تسعد الحال إلى أن قال: كفاتك ودخول الكاف منقصة ... كالشمس قلت وما للشمس أمثال فحقد كافور على المتنبّى لذلك، وفطن المتنبىّ بعدوانه. فخرج من مصر هاربا، وكان هذا سببا لهجو المتنبىّ كافورا بعد أن كان مدحه بعدّة مدائح، على ما يأتى ذكره إن شاء الله تعالى.

قال الذهبىّ: وكان كافور يدنى الشعراء ويجيزهم، وكان تقرأ عنده في كلّ ليلة السّير وأخبار الدولة الأموية والعباسيّة وله ندماء، وكان عظيم الحرمة وله حجاب يمتنع «1» عن الأمراء، وله جوار مغنّيات، وله من الغلمان الروم والسّود ما يتجاوز الوصف؛ زاد ملكه على ملك مولاه الإخشيذ؛ وكان كريما كثير الخلع والهبات خبيرا بالسياسة فطنا ذكيّا جيّد العقل داهية؛ كان يهادى المعزّ صاحب المغرب ويظهر ميله إليه، وكذا يذعن بالطاعة لبنى العبّاس ويدارى ويخدع هؤلاء وهؤلاء وتمّ له الأمر. وكان وزيره أبو الفضل جعفر بن الفرات راغبا في الخير وأهله. ولم يبلغ أحد من الخدّام ما بلغ كافور؛ وكان له نظر في العربيّة والأدب والعلم. وممّن كان في خدمته أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله النّجيرمىّ «2» النحوىّ صاحب الزّجاج. وقال إبراهيم بن إسماعيل إمام مسجد الزبير: كان كافور شديد الساعد لا يكاد أحد يمدّ قوسه، فإذا جاءوه برام دعا بقوسه [وقال: ارم عليه «3» ] ؛ فإن أظهر الرجل العجز ضحك وقدّمه وأثبته؛ وإن قوى على مدّها واستهان بها عبس وسقطت منزلته من عنده. ثم ذكر له حكايات تدلّ على أنه كان مغرى بالرمى. قال: وكان يداوم الجلوس غدوة وعشيّة لقضاء حوائج الناس، وكان يتهجّد ويمرّغ وجهه ساجدا ويقول: اللهمّ لا تسلّط علىّ مخلوقا. انتهى.

قلت: ونذكر حينئذ «1» أحوال المتنبىّ معه وما مدحه به من القصائد. لما فارق المتنبىّ سيف الدولة بن حمدان مغاضبا له، قصد كافورا الإخشيذىّ ودخل مصر ومدحه بقصيدته التى منها: قواصد كافور توارك غيره ... ومن ورد «2» البحر استقلّ السواقيا فجاءت بنا إنسان عين زمانه ... وخلّت بياضا خلفها ومآقيا وهو أوّل مديح قاله فيه، وكان ذلك في جمادى الآخرة سنة ست وأربعين وثلثمائة. وقال ابن خلّكان: وأنشده أيضا في شوّال سنة سبع وأربعين وثلثمائة قصيدته البائية «3» التى يقول فيها: وأخلاق كافور إذا شئت مدحه ... وإن لم أشأ تملى علىّ فأكتب «4» إذا ترك الإنسان أهلا وراءه ... ويممّ كافورا فما يتغرّب ومنها أيضا: فإن لم يكن إلّا أبو المسك أوهم ... فإنّك أحلى في فؤادى وأعذب وكلّ امرئ يولى الجميل محبّب ... وكلّ مكان ينبت العزّ طيّب وآخر شىء أنشده في شوّال سنة تسع وأربعين وثلثمائة- ولم يلقه بعدها- قصيدته البائيّة: أرى لى بقربى منك عينا قريرة ... وإن كان قربا بالبعاد يشاب

وهل نافعى أن ترفع الحجب بيننا ... ودون الذي أمّلت منك حجاب أقلّ سلامى حبّ ما خفّ عنكم ... وأسكت كيما لا يكون جواب ومنها: وما أنا بالباغى على الحبّ رشوة ... ضعيف هوى يبغى عليه ثواب وما شئت ألا أن أدلّ عواذلى ... على أنّ رأيى في هواك صواب وأعلم قوما خالفونى فشّرقوا ... وغرّبت أنى قد ظفرت وخابوا ومنها: وإنّ مديح الناس حقّ وباطل ... ومدحك حقّ ليس فيه كذاب إذا نلت منك الودّ فالمال هيّن ... وكلّ الذي فوق التراب تراب وما كنت لولا أنت إلّا مهاجرا ... له كلّ يوم بلدة وصحاب ولكنّك الدنيا إلىّ حبيبة ... فما عنك لى إلّا إليك ذهاب وأقام المتنبىّ بعد إنشاد هذه القصيدة سنة لا يلقى كافورا غضبا عليه، لكنه يركب في خدمته [خوفا منه «1» ] ولا يجتمع به؛ واستعدّ للرحيل في الباطن وجهّز جميع ما يحتاج إليه. وقال في يوم عرفة قبل مفارقته مصر بيوم واحد قصيدتّه الداليّة التى هجا كافورا فيها. وفي آخر هذه القصيدة المذكورة يقول: من علّم الأسود المخصىّ مكرمة ... أقومه البيض أم آباؤه الصّيد أم أذنه في يد النخّاس دامية ... أم قدره وهو بالفلسين مردود ومنها: وذاك أنّ الفحول البيض عاجزة ... عن الجميل فكيف الخصية السّود

وله فيه أهاج كثيرة تضمّنها ديوان شعره. ورحل المتنبىّ من مصر إلى عضد الدّولة بن بويه. وقال ابن زولاق: أقام كافور الإخشيذىّ الأستاذ إحدى وعشرين سنة وشهرين وعشرين يوما- يعنى أقام مدبّر مملكة مصر- من قبل ولدى أستاذه، وهما أنوجور وعلىّ ابنا الإخشيذ محمد بن طغج، وأقام هو فيها سنتين وأربعة أشهر وسبعة أيّام ملكا مستقلّا بنفسه. قلت: ونذكر ذلك محرّرا بعد ذلك. قال ابن زولاق: وكان كافور ديّنا كريما. وسماطه، على ما ذكره صاحب كنز الدّرر «1» ، فى اليوم: مائتا خروف كبار، ومائة خروف رميس، ومائتان وخمسون إوزّة، وخمسمائة دجاجة، وألف طير من الحمام، ومائة صحن حلوى كلّ صحن عشرة أرطال، ومائتان وخمسون قرابة أقسما «2» . قال: ولما توفّى كافور اجتمع الأولياء وتعاقدوا وتعاهدوا ألّا يختلفوا، وكتبوا بذلك كتابا ساعة توفّى كافور وعقدوا الولاية لأحمد بن علىّ الإخشيذ، وكان إذ ذاك صبيّا ابن إحدى عشرة سنة- وكافور بعد في داره لم يدفن- ودعى له على المنابر بمصر وأعمالها والشامات والحرمين، ثم من بعده للحسن

ابن عبيد الله. ثم عقد للحسن بن عبيد الله المذكور على بنت عمّه فاطمة بنت الإخشيذ بوكيل سيّره من الشام؛ وجعل التدبير بمصر فيما يتعلّق بالأموال إلى الوزير أبى الفضل جعفر بن الفرات، وما يتعلّق بالرجال والعساكر لسمول «1» الإخشيذىّ صاحب الحمّام بمصر. وكلّ ذلك كان في يوم الثلاثاء لعشر بقين من جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وثلثمائة. انتهى كلام ابن زولاق رضى الله عنه. وأمّا وفاة كافور المذكور فإنّه توفّى بمصر في جمادى الأولى سنة ستّ وخمسين وثلثمائة، وقيل: سنة سبع وخمسين وثلثمائة، وقيل: سنة ثمان وخمسين وثلثمائة، والأصحّ سنة سبع وخمسين وثلثمائة، قبل دخول القائد جوهر المعزّىّ إلى مصر. وقيل: إنّه لمّا دخل جوهر القائد إلى مصر خرج منها كافور هذا؛ وليس بشىء، والأوّل أصحّ. وملك بعده أحمد بن علىّ بن الإخشيذ الآتى ذكره. وعاش كافور بضعا وستين سنة، وكانت إمارته على مصر اثنتين وعشرين سنة، منها استقلالا بالملك سنتان وأربعة أشهر، خطب له فيها على منابر مصر والشام والحجاز والثغور، مثل طرسوس والمصّيصة وغيرهما، وحمل تابوته إلى القدس فدفن به؛ وكتب على قبره: ما بلل قبرك يا كافور منفردا ... بالصحصح المرت «2» بعد العسكر اللّجب يدوس قبرك آحاد الرجال وقد ... كانت أسود الشّرى تخشاك في الكتب وقال الوليد بن بكر العمرىّ وجدت على قبر كافور مكتوبا: انظر إلى عبر الأيّام ما صنعت ... أفنت أناسا بها كانوا وما فنيت «3» دنياهم ضحكت أيّام دولتهم ... حتّى إذا فنيت ناخت لهم وبكت

ما وقع من الحوادث سنة 355

*** [ما وقع من الحوادث سنة 355] السنة الأولى من ولاية كافور الإخشيذىّ على مصر- وهى سنة خمس وخمسين وثلثمائة. فيها أقيم المأتم على الحسين رضى الله عنه في يوم عاشوراء ببغداد على العادة. وفيها ورد الخبر بأنّ ركب الشام ومصر والمغرب من الحجّاج أخذوا وهلك أكثرهم ووصل الأقلّ إلى مصر، وتمزّق الناس كلّ ممزّق، وأخذتهم بنو سليم؛ وكان ركبا عظيما نحو عشرين ألف جمل، معهم الأمتعة والذهب؛ فما أخذ لقاضى طرسوس المعروف بالخواتيمى [مائة «1» ألف و] عشرون ألف دينار. وفيها قدم أبو الفوارس محمد بن ناصر الدولة من الأسر إلى ميّافارقين؛ كانت أخت ملك الروم أخذته لتفادى به أخاها، فنفّذ سيف الدولة أخاها في ثلثمائة إلى حصن الهياج «2» ، فلما شاهد بعضهم بعضا سرّح المسلمون أسيرهم في خمسة فوارس وسرّح الروم أسيرهم أبا الفوارس في خمسة؛ فآلتقيا في وسط الطريق وتعانقا، ثم صار كلّ واحد إلى أصحابه فترجّلوا له وقبّلوا الأرض؛ واحتفل سيف الدولة بن حمدان لقدوم ابن أخيه وعمل الأسمطة الهائلة، وقدّم له الخيل والمماليك والعدد التامّة؛ فمن ذلك مائة مملوك بمناطقهم وسيوفهم وخيولهم. وفيها جاء الخبر بأنّ نائب أنطاكية محمد بن موسى الصّلحىّ أخذ الأموال التى فى خزائن أنطاكية وخرج بها كأنّه متوجّه إلى سيف الدولة بن حمدان فدخل بلاد الروم مرتدّا. وقيل: إنه كان عزم على تسليم أنطاكية إلى الروم، فلم يمكنه ذلك

لاجتماع أهل البلد على ضبطه، فخشى أن ينمّ خبره إلى سيف الدولة فيتلفه فهرب بالأموال. وفيها قدم الغزاة الخراسانية من الغزو إلى ميّافارقين، فتلقّاهم أبو المعالى بن سيف الدولة وبالغ في إكرامهم بالأطعمة والعلوفات. وكان رئيس الغزاة المذكورين محمد بن عيسى. وفيها سار طاغية الروم بجموعه إلى الشام، فعاث وأفسد وأقام به نحو خمسين يوما؛ فبعث سيف الدولة يستنجد أخاه ناصر الدولة لبعده؛ ووقع لسيف الدولة مع الروم حروب ووقائع كثيرة. وفيها توفّى محمد بن عمر بن محمد بن سالم أبو بكر [بن «1» ] الجعابىّ التميمىّ البغدادىّ الحافظ قاضى الموصل، سمع الكثير ورحل وكان حافظ زمانه، يحب أبا العباس ابن عقدة، وصنّف الأبواب والشيوخ والتاريخ، وكان يتشيّع؛ وروى عنه الدارقطنىّ وأبو حفص بن شاهين والحاكم أبو عبد الله وآخرون آخرهم وفاة «2» أبو نعيم الحافظ. ومولده في صفر سنة أربع وثمانين ومائتين. قال أبو علىّ «3» الحافظ النيسابورىّ: ما رأيت في المشايخ أحفظ من عبدان «4» ، ولا رأيت في أصحابنا أحفظ من أبى بكر [بن] الجعابىّ!.

وفيها توفّى محمد بن الحسين بن علىّ بن الحسن الأنبارىّ الشاعر المشهور، كان انتقل إلى نيسابور فسكنها إلى أن مات بها في شهر رمضان. وكان من فحول الشعراء. ومن شعره وقد رأيته لغيره: أبكى وتبكى الحمام لكن ... شتّان ما بينها وبينى تبكى بعين بغير دمع ... وابكى بدمع «1» بغير عين ويعجبنى في هذا قول أمير المؤمنين عبد الله بن المعتز: بكت عينى غداة البين حزنا ... وأخرى بالبكا بخلت علينا فعاقبت التى بخلت بدمع ... بأن غمّضتها يوم التقينا ومما يجيش ببالى أيضا في هذا المعنى قول القائل، ولم أدر لمن هو غير أننى أحفظه قديما: قالت سعاد أتبكى ... بالدمع بعد الدماء فقلت قد شاب دمعى ... من طول عمر بكائى الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو الحسن «2» علىّ بن الحسن بن علّان الحرّانى الحافظ يوم النحر، وأبو بكر محمد بن عمر بن محمد بن سالم التميمىّ [ابن] الجعابىّ، وأبو الحكم منذر بن سعيد البلّوطىّ قاضى الأندلس وعالمها ومفتيها. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وثمانى أصابع. مبلغ الزيادة أربع عشرة ذراعا وتسع عشرة إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 356

*** [ما وقع من الحوادث سنة 356] السنة الثانية من ولاية كافور الإخشيذىّ على مصر- وهى سنة ست وخمسين وثلثمائة. فيها عملت الرافضة المأتم في يوم عاشوراء ببغداد على العادة. وفيها مات السلطان معزّ الدولة بن بويه الآتى ذكره، وتولّى مملكة العراق من بعده ابنه عزّ الدولة بختيار «1» بن أحمد بن بويه. وفيها قبض على الملك ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان ولده أبو تغلب، لأنّ أخلاقه ساءت وظلم وقتل جماعة وشتم أولاده وتزايد أمره؛ فقبص عليه ولده المذكور بمشورة [رجال] الدولة فى جمادى الأولى، وبعثه إلى القلعة ورتّب له كل ما يحتاج إليه ووسّع عليه. وفيها توفى السلطان معزّ الدولة أبو الحسن أحمد بن بويه بن فنّا خسرو بن تمام بن كوهى؛ كان أبوه بويه يصطاد السمك وكان ولده هذا ربما احتطب. وقد تقدّم ذكر ذلك كلّه في محلّه في هذا الكتاب؛ مآل أمره إلى الملك. وكان قدومه إلى بغداد سنة أربع وثلاثين وثلثمائة، وكان موته بالبطن، فعهد إلى ولده عزّ الدولة أبى منصور بختيار، وكان الرّفص في أيّامه ظاهرا ببغداد؛ ويقال: إنه تاب قبل موته وتصدّق وأعتق. قلت: وجميع بنى بويه على هذا المذهب القبيح غير أنهم لا يفشون ذلك خوفا على الملك. ومات معزّ الدولة في سابع عشر شهر ربيع الآخر عن ثلاث وخمسين سنة؛ وكانت دولته اثنتين وعشرين سنة. وكان قد ردّ المواريث إلى ذوى الأرحام. ويقال: إنه من ذرّيّة سابور «2» ذى الأكتاف.

وهو أخو ركن الدولة الحسن، وعماد الدّولة علىّ. وكان معزّ الدولة يعرف بالأقطع؛ كان أصابته جراح طارت بيده اليسرى وبعض أصابع اليمنى. وهو عمّ عضد الدولة الآتى ذكره أيضا. وفيها توفى علىّ بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم الإمام العلّامة أبو الفرج الأصبهانىّ الكاتب، مصنّف كتاب الأغانى وغيره؛ سمع الحديث وتفقّه وبرع واستوطن بغداد من صباه، وكان من أعيان أدبائها؛ كان أخباريّا نسّابة شاعرا ظاهرا بالتشيّع. قال أبو علىّ التّنوخىّ: كان أبو الفرج يحفظ من الشعر والأغانى والأخبار والمسندات والأنساب مالم أر قطّ مثله، ويحفظ سوى ذلك من علوم أخر، منها: اللغة والنحو والمغازى والسّير. قلت: وكتاب الأغانى في غاية الحسن. وكان منقطعا إلى الوزير المهلّبىّ وله فيه غرر مديح، وله فيه من جملة قصيدة يهنّئه بمولود من سرّيّة: اسعد بمولود أتاك مباركا ... كالبدر أشرق جنح ليل مقمر سعد لوقت سعادة جاءت به ... أمّ حصان «1» من بنات الأصفر متبحبح «2» فى ذروتى شرف العلا ... بين «3» المهلّب منتماه وقيصر شمس الضحى قرنت إلى بدر الدّجى ... حتى إذا اجتمعا «4» أتت بالمشترى

وشعره كثير ومحاسنه مشهورة «1» . ولادته في سنة أربع وثمانين ومائتين، وهى السنة التى مات فيها البحترىّ الشاعر. ومات في يوم الأربعاء رابع عشر ذى الحجة. وفيها توفّى سيف الدولة أبو الحسن علىّ بن عبد الله بن حمدان بن حمدون بن الحارث بن لقمان بن راشد بن المثنّى بن رافع بن الحارث بن غطيف بن محربة «2» بن حارثة بن مالك بن عبيد بن عدىّ بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب بن عمرو «3» ابن غنم بن تغلب التغلبىّ، ومولده في يوم الأحد سابع عشر ذى الحجة سنة ثلاث وثلثمائة، وقيل: سنة إحدى وثلثمائة. قال أبو منصور الثعالبى: «كان بنو حمدان ملوكا، و [أمراء «4» ] ؛ أوجههم للصباحة، وألسنتهم للفصاحة، وأيديهم للسماحة، وعقولهم للرّجاحة؛ وسيف الدولة مشهور بسيادتهم، وواسطة قلادتهم «5» . وحضرته مقصد الوفود، ومطلع الجود؛ وقبلة الآمال، ومحطّ الرحال؛ وموسم الأدباء، وحلبة الشعراء» . وكان سيف الدولة ملكا شجاعا مقداما كريما شاعرا فصيحا ممدّحا. وقصده الشعراء من الآفاق، ومدحه المتنبىّ بغرر المدائح. ومن شعر سيف الدولة فى قوس قزح: وساق صبيح للصّبوح دعوته ... فقام وفي أجفانه سنة الغمض يطوف بكاسات العقار كأنجم ... فمن بين منقضّ علينا ومنفضّ وقد نشرت أيدى الجنوب مطارفا ... على الجود كنا والحواشى على الأرض

يطرّزها قوس السحاب بأصفر ... على أحمر في أخضر إثر «1» مبيضّ كأذيال خود أقبلت في غلائل ... مصبّغة والبعض أقصر من بعض قال ابن خلّكان: وهذا من التشبيهات الملوكيّة التى لا يكاد يحضر مثلها السوقة. ويحكى أنّ ابن عمّه أبا فراس الأمير الشاعر كان يوما بين يدى سيف الدولة في نفر من ندمائه؛ فقال لهم سيف الدولة: أيّكم يجيز قولى؟ وليس له إلّا سيّدى (يعنى ابن عمّه أبا فراس المذكور) وقال: لك جسمى تعلّه ... فدمى لم تحلّه فارتجل أبو فراس وقال: أنا إن كنت مالكا ... فلى الأمر كلّه فاستحسنه وأعطاه ضيعة بأعمال منبج تغلّ ألفى دينار في كلّ سنة. ومن شعر سيف الدولة أيضا: تجنّى علىّ الذنب والذنب ذنبه ... وعاتبنى ظلما وفي شقّه العتب وأعرض لمّا صار قلبى بكفّه ... فهلّا جفانى حين كان لى القلب إذا برم المولى بخدمة عبده ... تجنّى له ذنبا وإن لم يكن ذنب وله: أقبّله على جزع ... كشرب الطائر الفزع رأى ماء فأطمعه ... وخاف عواقب الطمع فصادف خلسة فدنا ... ولم يلتذّ بالجرع وأما ما قيل في سيف الدولة من المديح فكثير يضيق هذا المحلّ عن ذكر شىء منه. وكانت وفاته يوم الجمعة في ثالث ساعة، وقيل: رابع ساعة، لخمس بقين من

ما وقع من الحوادث سنة 357

صفر بحلب. ونقل إلى ميّافارقين ودفن في تربة أمّه وهى داخل البلد. وكان مرضه بعسر البول. وكان قد جمع من نفض الغبار الذي يجتمع عليه في غزواته شيئا، وجعله لبنة بقدر الكفّ، وأوصى أن يوضع خدّه عليها في لحده، فنفّذت وصيّته فى ذلك. وكان ملك حلب في سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة؛ انتزعها من يد أحمد بن سعيد الكلابىّ صاحب الإخشيذ، وكان قبل ذلك ملك واسط وتلك النواحى. وفيها توفّى جعفر بن محمد بن الحارث الشيخ أبو محمد المراغى المحدّث المشهور؛ كان فاضلا رواية للشعر. قال: أنشدنى منصور بن إسماعيل الفقيه: لى حيلة فيمن ينمّ ... وليس في الكذّاب حيله من كان يخلق ما يقو ... ل فحيلتى فيه قليله أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وأربع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة اثنتا عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 357] السنة الثالثة من ولاية كافور الإخشيذىّ على مصر- وهى سنة سبع وخمسين وثلثمائة، وهى التى مات فيها كافور المذكور حسب ما تقدّم ذكره. فيها عملت الرافضة مأتم الحسين بن علىّ في بغداد على العادة في كلّ سنة في يوم عاشوراء. وفيها لم يحجّ أحد من الشام ولا من مصر. وفيها في ذى القعدة أقبل تقفور عظيم الروم بجيوشه إلى الشام فخرج من دربند «1» ونازل أنطاكية فلم يلتفتوا إليه؛ فقال أرحل وأخرّب الشام ثم أعود إليكم من الساحل؛ ورحل ونازل معرّة

مصرين «1» فأخذها وغدر بهم وأسر منهم أربعة آلاف وستمائة نسمة. ثم نزل على معرّة النّعمان «2» فأحرق جامعها؛ وكان الناس قد هربوا في كلّ وجه إلى الحصون والبرارىّ والجبال. ثم سار إلى كفرطاب «3» وشيزر «4» ، ثم إلى حماة وحمص وخرج من بقى بها فأمّنهم ودخلها وصلّى في البيعة وأخذ منها رأس يحيى بن زكريا، وأحرق الجامع. ثمّ سار إلى عرقة «5» فافتتحها، ثم سار إلى طرابلس فأخذ ربضها. وأقام فى الشام أكثر من شهرين ورجع؛ فأرضاه أهل أنطاكية بمال عظيم. وفيها تزوّج عزّ الدولة بختيار بن معزّ الدولة أحمد بن بويه بابنة عسكر الرومىّ الكردىّ على صداق مائة ألف دينار. وفيها قتل أبو فراس [الحارث «6» ] بن أبى العلاء سعيد بن حمدان التغلبىّ العدوىّ الأمير الشاعر الفصيح، تقدّم بقية نسبه في ترجمة ابن عمّه سيف الدولة بن حمدان، ومولده بمنبج في سنة عشرين وثلثمائة، وكان يتنقّل في بلاد الشام في دولة ابن عمّه سيف الدولة بن حمدان؛ وكان من الشّجعان والشعراء المفلقين؛ وديوان «7» شعره موجود. ومن شعره قصيدة: رأيت الشيب لاح فقلت أهلا ... وودّعت الغواية والشبابا وما إن شبت من كبر ولكن ... لقيت من الأحبّة ما أشابا

وله أيضا: من يتمنّ العمر فليدّرع ... صبرا على فقد أحبّائه ومن يؤجّل ير في نفسه ... ما يتمنّاه لأعدائه وفيها توفّى حمزة بن محمد بن علىّ بن العبّاس الحافظ أبو القاسم الكنانىّ المصرىّ، سمع الكثير ورحل وطوّف وجمع وصنّف، وروى عنه ابن مندة والدارقطنىّ والحافظ عبد الغنى [بن سعيد «1» الأزدىّ] وغيرهم. وقال ابن مندة: سمعت حمزة ابن محمد الحافظ يقول: كنت أكتب الحديث فلا أكتب «وسلّم» ؛ فرأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال [لى «2» ] : أما تختم الصلاة علىّ في كتابك! الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أحمد بن الحسن «3» ابن إسحاق بن عتبة الرّازى بمصر، وأبو سعيد أحمد بن محمد «4» بن رميح النّسوىّ، وحمزة بن محمد أبو القاسم الكنانىّ بمصر، وأبو العباس عبد الله بن الحسين النّضرىّ «5» المروزىّ في شعبان عن سبع وتسعين سنة، وعمر بن جعفر البصرىّ الحافظ، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن علىّ بن محرم المحتسب، وأبو سليمان محمد بن الحسين الحرّانىّ، وأبو علىّ محمد [بن محمد بن عبد الحميد «6» بن خالد بن إسحاق] ابن آدم الفزارىّ. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراع واحدة وإحدى وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وأربع عشرة إصبعا.

ذكر ولاية أحمد بن على بن الإخشيذ على مصر

ذكر ولاية أحمد بن علىّ بن الإخشيذ على مصر هو أحمد بن علىّ بن الإخشيذ محمد بن طغج بن جفّ الأمير أبو الحسن التّركىّ الفرغانىّ المصرىّ. ولى سلطنة مصر بعد موت مولى جدّه كافور الإخشيذىّ فى العشرين من جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وثلثمائة وهو يوم مات «1» كافور، وسنّه يوم ولى إحدى عشرة سنة؛ وصار الحسن «2» بن عبيد الله بن طغج- أعنى ابن عمّ أبيه-[خليفته «3» ] ، وأبو الفضل جعفر بن الفرات [وزيره «4» ] ، ومعهما أيضا سمول الإخشيذىّ مدبّر العساكر. فأساء أبو الفضل جعفر بن الفرات السيرة وقبض على جماعة وصادرهم، منهم يعقوب بن كلّس الآتى ذكره؛ فهرب يعقوب بن كلّس المذكور إلى المغرب، وهو من «5» أكبر أسباب حركة المعزّ، وإرسال جوهر القائد إلى الديار المصريّة. ولما زاد أمر ابن الفرات اختلف عليه الجند واضطربت أمور الديار المصريّة على ما سنذكره بعد أن نذكر مقالة ابن خلكان إن شاء الله تعالى. قال ابن خلّكان:" وكان عمر أبى الفوارس أحمد بن علىّ بن الإخشيذ يوم ولى إحدى عشرة سنة، وجعل الجند «6» خليفته في تدبير أموره أبا محمد الحسن بن

عبيد الله بن طغج بن جفّ، وهو ابن عمّ أبيه، وكان صاحب الرملة من بلاد الشام، وهو الذي مدحه المتنبىّ بقصيدته التى أوّلها: أنا «1» لائمى إن كنت وقت اللوائم ... علمت بمابى بين تلك المعالم وقال في مخلصها: إذا صلت لم أترك مصالا «2» لفاتك ... وإن قلت لم أترك مقالا لعالم وإلّا فخانتنى القوافى وعافنى ... عن ابن عبيد الله ضعف العزائم ومنها: أرى دون ما بين الفرات وبرقة ... ضرابا يمشّى الخيل فوق الجماجم وطعن غطاريف كأنّ أكفّهم ... عرفن الرّدينيات قبل المعاصم حمته على الأعداء من كل جانب ... سيوف بنى طغج بن جفّ القماقم هم المحسنون الكرّ في حومة الوغى ... وأحسن منه كرّهم في المكارم وهم يحسنون العفو عن كلّ مذنب ... ويحتملون الغرم عن كلّ غارم قال: ولمّا تقرّر الأمر على هذه القاعدة تزوّج الحسن بن عبيد الله فاطمة ابنة عمّه الإخشيذ، ودعوا له على المنابر بعد أبى الفوارس أحمد بن علىّ صاحب الترجمة. قال: والحسن بالشام. واستمرّ الحال على ذلك إلى ليلة الجمعة لثلاث عشرة خلت من شعبان من سنة ثمان وخمسين وثلثمائة، ودحل إلى مصر رايات المغاربة الواصلين صحبة القائد جوهر المعزّى، وانقرضت الدولة الإخشيذيّة من مصر. وكانت مدّتها أربعا وثلاثين سنة وعشرة أشهر وأربعة وعشرين يوما. وكان قد قدم الحسن بن

عبيد الله من الشام منهزما من القرامطة لمّا استولوا على الشام. ودخل الحسن على ابنة عمّه التى تزوّجها وحكم بمصر وتصرّف وقبض على الوزير جعفر بن الفرات وصادره وعذّبه؛ ثم سار إلى الشام في مستهلّ شهر ربيع الآخر من سنة ثمان وخمسين وثلثمائة. ولمّا سيّر القائد جوهر جعفر بن فلاح إلى الشام وملك البلاد أسر ابن فلاح المذكور أبا محمد الحسن بن عبيد الله بن طغج وسيّره إلى مصر مع جماعة من الأمراء إلى جوهر القائد، ودخلوا إلى مصر في جمادى الأولى سنة تسع وخمسين وثلثمائة. وكان الحسن بن عبيد الله قد أساء إلى أهل مصر في مدّة ولايته عليهم، فلمّا وصلوا إلى مصر تركوهم وقوفا مشهورين «1» مقدار خمس «2» ساعات والناس ينظرون إليهم وشمت بهم من في نفسه منهم شىء؛ ثم أنزلوا الى مضرب القائد جوهر وجعلوا مع المعتقلين من آل الإخشيذ. ثمّ في السابع عشر من جمادى الأولى أرسل القائد جوهر ولده جعفرا إلى مولاه المعزّ ومعه هدايا عظيمة تجلّ عن الوصف، وأرسل معه المأسورين الواصلين من الشام، وفيهم الحسن بن عبيد الله، وحملوا في مركب بالنيل وجوهر ينظرهم، وانقلب المركب، فصاح الحسن بن عبيد الله على القائد جوهر: يا أبا الحسن، أتريد أن تغرقنا! فاعتذر إليه وأظهر له التوجع، ثم نقلوا إلى مركب آخر» . انتهى كلام ابن خلّكان باختصار. ولم يذكر ابن خلّكان أمر أحمد بن علىّ بن الإخشيذ- أعنى صاحب الترجمة- وأظنّ ذلك لصغر سنّه. وقال غير ابن خلكان في أمر انقراض دولة بنى الإخشيد وجها آخر، وهو أن الجند لمّا اختلفوا على الوزير أبى الفضل بن الفرات وطلب منه الأتراك الإخشيذيّة

والكافوريّة مالا قدرة له به من المال، ولم تحمل إليه» أموال الضمانات، قاتلوه «2» ونهبت داره ودور جماعة من حواشيه. ثم كتب جماعة منهم إلى المعزّ العبيدىّ بالمغرب يستدعونه ويطلبون منه إنفاذ العساكر إلى مصر؛ وفي أثناء ذلك قدم الحسن بن عبيد الله بن طغج من الشام منهزما من القرامطة، ودخل على ابنة عمّه، وقبض على الوزير أبى الفضل جعفر بن الفرات لسوء سيرته ولشكوى الجند منه «3» ؛ فعذّبه وصادره؛ وتولّى الحسن بن عبيد الله تدبير مصر بنفسه ثلاثة أشهر، واستوزر كاتبه الحسن بن جابر الرّياحىّ «4» ؛ ثم أطلق الوزير جعفر بن الفرات من محبسه بوساطة الشريف أبى [جعفر «5» ] مسلم الحسينى، وفوّض إليه أمر مصر ثانيا؛ كلّ ذلك وأحمد بن علىّ صاحب الترجمة ليس له من الأمر إلّا مجرّد الاسم فقط. ثم سافر الحسن بن عبيد الله بن طغج من مصر إلى الشام في مستهلّ شهر ربيع الآخر سنة ثمان وخمسين وثلثمائة، وبعد مسيره بمدّة يسيرة في جمادى الآخرة من السنة وصل الخبر بمسير عسكر المعزّ صحبة جوهر القائد الرومىّ إلى مصر؛ فجمع الوزير جعفر بن الفرات [أنصاره «6» ] واستشارهم فيما يعتمد «7» ؛ فاتّفق الرأى على أمر فلم يتمّ. وقدم جوهر القائد إلى الديار المصريّة بعد أمور نذكرها في ترجمته إن شاء الله تعالى؛ وزالت دولة بنى الإخشيذ من مصر وانقطع الدعاء منها لبنى العباس. وكانت مدّة دولة

ما وقع من الحوادث سنة 358

الإخشيذ وبنيه بمصر أربعا وثلاثين سنة وأربعة وعشرين يوما «1» ؛ منها دولة أحمد بن علىّ هذا- أعنى أيام سلطنته بمصر- سنة واحدة وثلاثة أشهر إلّا ثلاثة أيام. وكانت مدّة الدعاء لبنى العباس بمصر منذ ابتدأت دولة بنى العبّاس إلى أن قدم القائد جوهر المعزّىّ وخطب باسم مولاه المعزّ معدّ العبيدىّ الفاطمىّ مائتى سنة وخمسا وعشرين سنة. ومنذ «2» افتتحت مصر إلى أن انتقل كرسى الإمارة منها إلى القائد جوهر ثلثمائة سنة وتسعا وثلاثين سنة. انتهت ترجمة أحمد بن علىّ ابن الإخشيذ. *** [ما وقع من الحوادث سنة 358] السنة التى حكم في بعضها أحمد بن علىّ بن الإخشيذ على مصر، وكانت ولايته فى جمادى الأولى من السنة الماضية، غير أننا ذكرنا تلك السنة في ترجمة كافور، ونذكر هذه السنة في ولاية أحمد هذا، على أنّ القائد جوهرا حكم في آخرها؛ وليس ما نحن فيه من ذكر السنين على التحرير، وإنّما المقصود ذكر الحوادث على أىّ وجه كان. وهذه السنة هى سنة ثمان وخمسين وثلثمائة. فيها عملت الرافضة المأتم في يوم عاشورا ببغداد وزادوا في النّوح وتعليق المسوح، ثم عيّدوا يوم الغدير «3» .

وفيها كان القحط ببغداد وأبيع الكرّ بتسعين دينارا. وفيها ملك جوهر القائد العبيدىّ مصر وخطب لبنى عبيد المغاربة، وانقطع الدعاء لبنى العبّاس من مصر، حسب ما ذكرناه في ترجمة أحمد بن علىّ ابن الإخشيذ هذا. وفيها حجّ بالناس من العراق الشريف أبو أحمد «1» الموسوىّ والد الرضىّ والمرتضى. وفيها ولى إمرة دمشق الحسن بن عبيد الله بن طغج [ابن «2» ] أخى الإخشيذ فأقام بها شهورا ثم رحل في شعبان، واستناب بها سمول الكافورىّ؛ ثم سار الحسن إلى الرملة فالتقى مع ابن فلاح مقدّمة جوهر القائد في ذى الحجة بالرملة؛ فانهزم جيشه. وأخذ أسيرا وحمل إلى المغرب، حسب ما ذكرناه في ترجمة أحمد بن علىّ الإخشيذ صاحب الترجمة. وفيها عصى جند حلب على ابن سيف الدولة، فجاء من ميافارقين ونازل حلب، وبقى القتال عليها مدّة. وفيها استولى الرّعيلىّ على أنطاكية، وهو رجل غير أمير وإنّما هو من الشّطّار «3» ، وانضم عليه جماعة فقوى أمره بهم؛ فجاءت الروم ونزلوا على أنطاكية وأخذوها في ليلة

واحدة؛ وهرب الرعيلىّ من باب «1» البحر هو وخمسة آلاف إنسان ونجوا إلى الشام؛ وكان أخذها في ذى الحجة من هذه السنة، وأسر الروم أهلها وقتلوا جماعة كثيرة. وفيها جاء القائد جعفر بن فلاح مقدّمة القائد جوهر العبيدى المعزّى إلى الشام؛ فحاربه أميرها الشريف ابن أبى يعلى، فانهزم الشريف وأسره جعفر بن فلاح وتملّك دمشق. وفيها توفّى ناصر الدولة الحسن بن أبى الهيجاء عبد الله بن حمدان- تقدّم بقيّة نسبه في ترجمة أخيه سيف الدولة- كان ناصر الدولة صاحب الموصل ونواحيها، وكان أخوه سيف الدولة يتأدّب معه، وكان هو أيضا شديد المحبة لسيف الدولة. فلما مات سيف الدولة تغيّرت أحواله لحزنه عليه، وساءت أخلاقه وضعف عقله؛ فقبض عليه ابنه أبو تغلب الغضنفر بمشورة الأمراء وحبسه مكرّما- حسب ما ذكرناه- فلم يزل محبوسا إلى أن مات في شهر ربيع الأوّل. وقيل: إنّ ناصر الدولة هذا كان وقع بينه وبين أخيه سيف الدولة وحشة؛ فكتب إليه سيف الدولة، وكان هو الأصغر وناصر الدولة الأكبر، يقول: رضيت لك العليا وقد كنت أهلها ... وقلت لهم بينى وبين أخى فرق ولم يك بى عنها نكول وإنّما ... تجافيت عن حقّى فتمّ لك الحقّ ولا بدّ لى من أن أكون مصلّيا ... إذا كنت أرضى أن يكون لك السبق وفيها توفّى سابور بن أبى طاهر القرمطىّ في ذى الحجة، كان طالب قبل موته عمومته بتسليم الأمر إليه فحبسوه، فأقام في الحبس أيّاما ثم خرج من الحبس؛ وعمل فى ذى الحجة ببغداد «غدير خمّ» على ما جرت به العادة، ثم مات بعد مدّة يسيرة.

ذكر ولاية جوهر القائد الرومى المعزى على مصر

وفيها توفّى أحمد بن الراضى بالله بعد أن طالت علّته بمرض البواسير. وفيها توفّى محمد بن أحمد بن جعفر الشيخ أبو بكر البيهقىّ، كان من كبار مشايخ نيسابور في زمانه. سئل عن الفتوّة، فقال: هى حسن الخلق وبذل المعروف. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان التّغلبىّ صاحب الموصل وكان أسنّ من سيف الدولة. والحسن بن محمد بن أحمد بن كيسان الحربىّ. وأبو القاسم زيد بن علىّ بن أبى بلال الكوفىّ. ومحمد بن معاوية الأموىّ القرطبىّ في شهر رجب. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وثلاث عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وتسع أصابع. ذكر ولاية جوهر القائد الرومىّ المعزّىّ على مصر هو أبو الحسن جوهر بن عبد الله القائد المعزّى المعروف بالكاتب، مولى المعزّ لدين الله أبى تميم معدّ العبيدىّ الفاطمىّ. كان خصيصا عند أستاذه المعزّ، وكان من كبار قوّاده؛ ثم جهّزه أستاذه المعزّ إلى أخذ مصر بعد موت الأستاذ كافور الإخشيذى؛ وأرسل معه العساكر وهو المقدّم على الجميع؛ وكان رحيله من إفريقيّة في يوم السبت رابع عشر شهر ربيع الأوّل سنة ثمان وخمسين وثلثمائة؛ وتسلّم مصر في يوم الثلاثاء ثامن عشر شعبان من السنة. على ما سنحكيه. ولمّا دخل مصر صعد المنبر يوم الجمعة خطيبا وخطب ودعا لمولاه المعزّ بإفريقيّة؛ وذلك في نصف شهر رمضان سنة ثمان وخمسين وثلثمائة المذكورة. وكان المعزّ لما ندب جوهرا هذا إلى التوجّه إلى الديار المصريّة أصحبه من الأموال والخزائن

ما لا يحصى، وأطلق يده في جميع ذلك، وأفرغ الذهب في صور «1» الأرحاء، وحملها على الجمال لعظم ذلك في قلوب الناس. وقال في رحيله من القيروان شاعر الأندلس محمد بن هانئ قصيدته المشهورة في جوهر، وهى: رأيت بعينى فوق ما كنت أسمع ... وقد راعنى يوم من الحشر أروع غداة كأنّ الأفق سدّ بمثله «2» ... فعاد غروب الشمس من حيث تطلع فلم أدر إذ «3» ودّعت كيف أودّع ... ولم أدر إذ شيّعت كيف أشيّع ألا إنّ هذا حشد من لم يذق له ... غرار الكرى جفن ولا بات يهجع إذا حلّ في أرض بناها مدائنا ... وإن سار عن أرض غدت «4» وهى بلقع تحلّ بيوت المال حيث محلّه ... وجمّ العطايا والرّواق المرفّع وكبّرت الفرسان لله إذ بدا ... وظلّ السلاح المنتضى يتقعقع وعبّ عباب الموكب الفخم حوله ... وزفّ «5» كما زفّ الصباح الملمّع رحلت «6» إلى الفسطاط أوّل رحلة ... بأيمن فال في الذي أنت تجمع فإن يك في مصر ظماء لمورد ... فقد جاءهم نيل سوى النّيل يهرع «7» ويمّمهم من لا يغار بنعمة ... فيسلبهم لكن يزيد فيوسع

ذكر دخول جوهر إلى الديار المصرية وكيف ملكها

ولما استولى على مصر أرسل جوهر هذا يهنّئ مولاه المعزّ بذلك؛ فقال ابن هانئ المذكور أيضا في ذلك: يقول بنو العبّاس هل «1» فتحت مصر ... فقل لبنى العبّاس قد قضى الأمر ومد جاوز الإسكندريّة جوهر ... تصاحبه «2» البشرى ويقدمه النصر ذكر دخول جوهر إلى الديار المصريّة وكيف ملكها قال غير واحد: كان قد انخرم نظام مصر بعد موت كافور الإخشيذىّ لمّا قام على مصر أحمد بن علىّ بن الإخشيذ وهو صغير؛ فصار ينوب عنه ابن عمّ أبيه الحسن ابن عبيد الله بن طغج، والوزير يومئذ جعفر بن الفرات؛ فقلّت الأموال على الجند، فكتب جماعة منهم إلى المعزّ لدين الله معدّ وهو بالمغرب يطلبون منه عسكرا ليسلّموا إليه مصر؛ فجهّز المعزّ جوهرا هذا بالجيوش والسلاح في نحو ألف فارس أو أكثر فسار جوهر حتّى نزل بجيوشه إلى تروجة «3» بقرب الإسكندريّة، وأرسل إلى أهل مصر فأجابوه بطلب الأمان وتقرير أملاكهم لهم؛ فأجابهم جوهر إلى ذلك وكتب لهم العهد. فعلم الإخشيذيّة بذلك، فتأهّبوا لقتال جوهر المذكور؛ فجاءتهم من عند جوهر الكتب والعهود بالأمان؛ فاختلفت كلمتهم؛ ثم اجتمعوا على قتاله وأمّروا عليهم ابن الشويزانى «4» ، وتوجّهوا لقتاله نحو الجيزة وحفظوا الجسور؛ فوصل جوهر إلى الجيزة، ووقع بينهم القتال في حادى عشر شعبان ودام القتال بينهم مدّة، ثم صار

جوهر إلى منية الصيّادين «1» وأخذ مخاضة منية شلقان «2» ؛ ووصل إلى جوهر طائفة من العسكر في مراكب، فقال جوهر للأمير جعفر «3» بن فلاح: لهذا اليوم أرادك «4» المعزّ الدين الله! فعبر عريانا في سراويل وهو في موكب ومعه الرجال خوضا، والتقى مع المصريين ووقع القتال بينهم وثبت كلّ من الفريقين، فقتل كثير من الإخشيذيّة وانهزم الباقون بعد قتال شديد. ثم أرسلوا يطلبون الأمان من جوهر فأمّنهم، وحضر رسوله ومعه بند وطاف بالأمان ومنع من النهب؛ فسكن الناس وفتحت الأسواق ودخل جوهر من الغد إلى مصر في طبوله وبنوده وعليه ثوب ديباج مذهّب، ونزل بالمناخ، وهو موضع القاهرة اليوم؛ واختطّها وحفر أساس «5» القصر فى الليلة؛ وبات المصريّون في أمن؛ فلمّا أصبحوا حضروا للتهنئة» فوجدوه قد حفر أساس القصر في الليل وكان فيه زورات غير معتدلة؛ فلمّا شاهد ذلك جوهر لم يعجبه؛ ثم قال: قد حفر في ليلة مباركة وساعة سعيدة، ثم تركه.

ثم كتب جوهر إلى مولاه المعزّ يبشره بالفتح، وبعث إليه برءوس القتلى؛ وقطّع خطبة بنى العباس ولبس السواد، ولبس الخطباء البياض؛ وأمر أن يقال في الخطبة: «اللهمّ صلّ على محمد المصطفى، وعلى علىّ المرتضى؛ و [على «1» ] فاطمة البتول، وعلى الحسن والحسين سبطى الرسول؛ [الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا «2» ] . وصلّ على الأئمة الطاهرين آباء أمير المؤمنين، المعزّ لدين الله» . ففعل ذلك؛ وانقطعت دعوة بنى العباس في هذه السنة من مصر والحجاز واليمن والشام. ولم تزل الدعوة لبنى عبيد في هذه الأقطار من هذه السنة إلى سنة خمس وستين وخمسمائة، مائتى سنة وثمانى سنين. على ما يأتى ذكره في خلافة المستضىء العباسىّ. وكان الخليفة فى هذه الأيّام عند انقطاع خطبة بنى العباس من مصر المطيع لله الفضل. ومات المطيع ومن بعده سبعة خلفاء من بنى العباس ببغداد حتى انقرضت دولة بنى عبيد من مصر على يد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب، والخليفة يوم ذاك المستضىء العباسىّ، على ما يأتى ذلك في محلّه إن شاء الله تعالى. ثمّ في شهر ربيع الآخر سنة تسع وخمسين وثلثمائة أذّنوا بمصر ب «حىّ على خير العمل» . واستمرّ ذلك. ثمّ شرع جوهر في بناء جامعه بالقاهرة المعروف بجامع الأزهر، وهو أوّل جامع بلته الرافضة بمصر؛ وفرغ من بنائه في شهر رمضان سنة إحدى وستين وثلثمائة بعد أن كان ابتنى القاهرة؛ كما سيأتى ذكر بنائها في هذه الترجمة أيضا. ولمّا ملك جوهر مصر كان الحسن بن عبيد الله بن الإخشيذ المقدّم ذكره بالشام وهو بيده إلى الرملة؛ فبعث إليه جوهر بالقائد جعفر بن فلاح المقدّم ذكره أيضا، فقاتل ابن فلاح حسنا المذكور بالرملة حتى ظفر به، وبعث به إلى مصر، حسب ما تقدّم ذكره، وبعثه القائد جوهر إلى المغرب؛ فكان ذلك آخر العهد به. ثم سار جعفر

ابن فلاح إلى دمشق وملكها بعد أمور، وخطب بها للمعزّ في المحرّم سنة تسع وخمسين وثلثمائة. ثم عاد ابن فلاح إلى الرملة؛ فقام الشريف أبو القاسم إسماعيل بن أبى يعلى بدمشق وقام معه العوامّ ولبس السّواد ودعا للمطيع، وأخرج إقبالا أمير دمشق الذي كان من قبل جوهر القائد، فعاد جعفر بن فلاح إلى دمشق في ذى الحجة ونازلها، فقاتله أهلها، فطاولهم حتّى ظفر بهم؛ وهرب الشريف أبو القاسم إلى بغداد على البرّيّة. فقال ابن فلاح: من أتى به فله مائة ألف درهم، فلقيه ابن غلبان العدوىّ فى البريّة فقبض عليه وجاء به إلى ابن فلاح؛ فشهّره على جمل وعلى رأسه قلنسوة من لبود، وفي لحيته ريش مغروز ومن ورائه رجل من المغاربة يوقع به، ثمّ حبسه؛ ثمّ طلبه ابن فلاح ليلا وقال له: ما حملك على ما صنعت؟ وسأله من ندبه إلى ذلك؛ فقال: ما حدّثنى به أحد إنّما هو أمر قدّر؛ فرقّ له جعفر بن فلاح ووعده أنه يكاتب فيه القائد جوهرا، واسترجع المائة ألف درهم من الذين أتوا به، وقال لهم: لا جزاكم الله خيرا! غدرتم بالرجل. وكان ابن فلاح يحبّ العلويّين، فأحسن إليه وأكرمه. واستمرّ جوهر حاكم الديار المصريّة إلى أن قدم إليها مولاه المعزّ لدين الله معدّ فى يوم الجمعة ثامن شهر رمضان سنة اثنتين وستين وثلثمائة؛ فصرف جوهر عن الديار المصريّة بأستاذه المعزّ، وصار من عظماء القوّاد في دولة المعزّ وغيره. ولا زال جوهر على ذلك إلى أن مات في سنة إحدى وثمانين وثلثمائة، ورثاه الشعراء. وكان جوهر حسن السيرة في الرّعية عادلا عاقلا شجاعا مدبّرا. قال ابن خلّكان (رضى الله عنه) : توفّى يوم الخميس لعشر بقين من ذى القعدة سنة إحدى وثمانين وثلثمائة. وكان ولده الحسين بن جوهر قائد القوّاد للحاكم صاحب مصر، ثم نقم عليه فقتله في سنة إحدى وأربعمائة؛ وكان الحسين

ذكر بناء جوهر القائد القاهرة وحاراتها

قد خاف على نفسه من الحاكم، فهرب هو وولده وصهره القاضى عبد العزيز ابن [محمد بن «1» ] النعمان، وكان زوج أخته؛ فأرسل الحاكم من ردّهم وطيّب قلوبهم وآنسهم مدّة، ثم حضروا إلى القصر بالقاهرة للخدمة، فتقدّم الحاكم إلى راشد وكان سيف النّقمة، فاستصحب عشرة من الغلمان الأتراك، فقتلوا الحسين ابن جوهر وصهّره القاضى وأحضروا رأسيهما إلى بين يدى الحاكم. وقد ذكرنا الحسين هنا حتى يعرف بذكره أن جوهرا المذكور فحل غير خصىّ، بخلاف الخادم بهاء الدين قراقوش والأستاذ كافور الإخشيذى والخادم ريدان «2» وغيرهم. ذكر بناء جوهر القائد القاهرة وحاراتها قال القاضى محيى الدين بن عبد الظاهر في كتابه الروضة" [البهية «3» ] الزاهرة، فى الخطط المعزّية القاهرة"؛ قال: «اختطّ جوهر القصر وحفر أساسه في أوّل ليلة نزوله القاهرة، وأدخل فيه دير العظام، وهو المكان المعروف الآن بالركن «4» المخلّق قبالة حوض جامع الأقمر، قريب من بئر العظام، والمصريون يسمّونها بئر العظمة، ويزعمون أنّ طاسة وقعت من شخص في بئر زمزم وعليها اسمه، فطلعت من هذه البئر. ونقل جوهر القائد العظام «5» التى كانت في الدير المذكور والرمم إلى دير

فى الخندق «1» فدفنها؛ لأنه يقال: إنّها عظام جماعة من الحواريّين، وبنى مكانها مسجدا «2» من داخل السور، وأدخل أيضا قصر الشوك في القصر المذكور، وكان منزلا تنزله «3» بنو عذرة، وجعل للقصر أبوابا: أحدها باب العيد «4» وإليه تنسب رحبة باب العيد، وإلى جانبه باب يعرف بباب الزّمرّذ «5» . وباب آخر «6» قبالة دار الحديث يعنى المدرسة الكامليّة. وباب آخر قبالة القطبيّة وهى البيمارستان الآن، يعرف الباب المذكور

بباب الذهب «1» . وباب الزّهومة «2» . وباب آخر «3» من ناحية قصر الشوك. وباب آخر من عند مشهد الحسين، ويعرف بباب التّربة «4» . وباب آخر يعرف بباب الدّيلم «5» ، وهو باب مشهد الحسين الآن قبالة دار الفطرة «6» . قال: وأمّا أبواب القاهرة التى استقرّ عليها الحال الآن فيأتى ذكرها «7» .

قال: وإنّ حدّ القاهرة «1» من مصر من السبع سقايات «2» إلى تلك الناحية عرضا. قال: ولمّا نزل جوهر القائد اختطت كلّ قبيلة خطّة عرفت بها، فزويلة «3» بنت البابين المعروفين ببابى زويلة، وهما البابان اللذان عند مسجد ابن البنّاء «4» وعند الحجّارين «5» ، وهما بابا «6» القاهرة. ومسجد ابن البنّاء المذكور بناه الحاكم. وذكر ابن القفطىّ: أنّ المعزّ لمّا وصل مصر دخل إلى القاهرة من الباب الأيمن، فالناس إلى اليوم يزدحمون فيه، وقليل من يدخل من الباب الأيسر، لأنّه أشيع في الناس أنّ من دخله لم تقض له حاجة، وهو الذي عند دكاكين الحجّارين [و] الذي يتوصّل

منه إلى المحمودية «1» . قلت: وقد دثر رسوم هذا الباب الثانى المذكور، وهو مكان يمرّ منه الآن من باب سر الجامع المؤيّدىّ إلى الأنماطيين «2» . قال: والباب الاخر من أبواب القاهرة القوس «3» الذي هو قريب من باب النصر، الذي يخرج منه إلى الرحبة «4» ، وهو عند باب سعيد السعداء، [و «5» ] دكاكين العطّارين الآن. وباب آخر يعرف بالقوس «6» أيضا وهو الذي يخرج منه إلى السوق الذي [هو «7» ] قريب [من] حارة «8» بهاء الدين قراقوش، على يسرة باب الجامع الحاكمىّ من ناحية الحوض، وتعرف قديما بالرّيحانيّة. وكلّ هذه الأبواب والسور كانت باللّبن.

وأمّا باب زويلة الآن وباب النصر وباب الفتوح فبناها الوزير الأفضل بن أمير الجيوش، وكتب على باب زويلة تاريخه واسمه، وذلك في سنة ثمانين وأربعمائة «1» . وقالت المهندسون: إنّ في باب زويلة عيبا لكونه ليست له باشورة «2» قدّامه ولا خلفه على عادة الأبواب. وأمّا باب القنطرة «3» فبناه القائد جوهر المذكور. وأمّا السّور الحجر الذي على القاهرة ومصر والأبواب التى به فبناها الطواشى بهاء الدين قراقوش الرومىّ في أيّام أستاذه السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب فى سنة سبعين وخمسمائة؛ فبنى فيه [قلعة «4» ] المقس، وهو البرج الكبير الذي كان على

النيل. قلت: وقد نسف «1» هذا البرج من تلك الأماكن في سنة سبعين وستمائة. يأتى ذكر ذلك في ترجمة الملك المنصور قلاوون إن شاء الله تعالى من هذا الكتاب. قال: وبنى باب الجامع والقلعة التى بالجبل والبرج الذي بمصر قريبا من باب القنطرة المسمى بقلعة يازكوچ «2» ، وجعل السور طائفا بمصر والقاهرة، ولم يتمّ بناؤه إلى الآن؛ وأعانه على عمله وحفر البئر التى بقلعة الجبل أسارى الفرنج، وكانوا ألوفا. وهذه البئر من عجائب الأبنية، تدور البقر من أعلاها وتنقل الماء من نقّالة في «3» في وسطها، وتدور أبقار في وسطها تنقل الماء من أسفلها؛ ولها طريق إلى الماء تنزل البقر إلى معينها في مجاز؛ وجميع ذلك حجر منحوت ليس فيه بناء؛ وقيل: إن أرض هذه البئر مسامتة لأرض بركة الفيل؛ وماؤها عذب. سمعت من يحكى عن «4» المشايخ أنّها لمّا حفرت جاء ماؤها حلوا، فأراد قراقوش الزيادة في مائها فوسعها، فخرجت منها عين مالحة غيّرت حلاوتها. وطول هذا السور الذي بناه قراقوش على القاهرة ومصر والقلعة بما فيه من ساحل البحر تسعة وعشرون ألف ذراع وثلثمائة ذراع وذراعان [بذراع العمل، وهو «5» الذراع الهاشمىّ] ، من ذلك ما بين قلعة المقسم «6» على شاطئ النيل والبرج بالكوم «7» الأحمر

بساحل مصر عشرة آلاف وخمسمائة ذراع. ومن قلعة المقسم إلى حائط القلعة بالجبل بمسجد سعد «1» الدولة ثمانية آلاف وثلثمائة [واثنتان «2» ] وتسعون ذراعا. ومن جانب حائط القلعة من جانب مسجد سعد الدولة إلى البرج بالكوم الأحمر سبعة آلاف ومائتا ذراع. ودائر القلعة بالجبل بمسجد سعد الدولة ثلاثة آلاف ومائتان وعشر أذرع؛ وذلك طول قوسه في ابتدائه، وأبراجه من النيل إلى النيل على التحقيق والتعديل» . انتهى كلام ابن عبد الظاهر. على أنه لم يسلم من الاعتراض عليه فى كثير مما نقله، وأيضا مما سكت عنه. وقال غيره: دخل جوهر القائد مصر بعسكر عظيم ومعه ألف حمل مال، ومن السلاح والعدد «3» والخيل ما لا يوصف. فلمّا انتظم حاله وملك مصر ضاقت بالجند والرعية، واختط سور القاهرة وبنى بها القصور، وسمّاها المنصوريّة؛ وذلك فى سنة ثمان وخمسين وثلثمائة. فلمّا قدم المعزّ العبيدى من القيروان غيّر اسمها وسمّاها القاهرة. والسبب في ذلك أنّ جوهرا لمّا قصد إقامة السور وبناء القاهرة جمع المنجّمين وأمرهم أن يختاروا طالعا لحفر الأساس وطالعا لرمى حجارته؛ فجعلوا [بدائر السور «4» ] قوائم من خشب، وبين القائمة والقائمة حبل فيه أجراس، وأفهموا البنّائين ساعة تحريك الأجراس [أن] يرموا ما في أيديهم من اللّبن والحجارة، ووقف المنجمون لتحرير هذه الساعة وأخذ الطالع؛ فاتّفق وقوف غراب على خشبة من

تلك الخشب، فتحرّكت الأجراس، وظنّ الموكّلون بالبناء أنّ المنجّمين حرّكوها فألقوا ما بأيديهم من الطين والحجارة في الأساس؛ فصاح المنجّمون: لا لا، القاهر فى الطالع! ومضى ذلك وفاتهم ما قصدوه. وكان غرض جوهر أن يختاروا للبناء طالعا لا يخرج البلد عن نسلهم أبدا، فوقع أنّ المريخ كان في الطالع، وهو يسمى عند المنجّمين القاهر، فحكموا لذلك «1» أنّ القاهرة لا تزال تحت حكم الأتراك، وأنّهم لا بدّ أن يملكوا هذه البلد. فلمّا قدم المعزّ إليها وأخبر بهذه القصة وكان له خبرة بالنّجامة، وافقهم على ذلك، وأنّ الترك تكون لهم الغلبة على هذا البلد؛ فغيّر اسمها وسمّاها القاهرة. وقيل فيها وجه آخر، وهو أنّ بقصور القاهرة قبّة تسمّى القاهرة، فسميت على اسمها. والقول الأوّل هو المتواتر بين الناس والأقوى. وقيل غير ذلك. ثم بنيت حارات «2» القاهرة من يومئذ، فعمّر فيها: حارة الروم- وهما حارتان، حارة الروم الآن المشهورة «3» ، وحارة الروم الجوّانيّة «4» ، وهى التى بقرب باب النصر على يسار الداخل إلى القاهرة، ثم استثقل الناس قول حارة الروم الجوّانية فحذفوا صدر الكلمة وقالوا «الجوّانية» ؛ والورّاقون يكتبون حارة الروم السفلى، وحارة الروم العليا المعروفة بالجوّانية.

وقال القاضى زين الدين: إنّ الجوّانية منسوبة للأشراف الجوّانيين، منهم الشريف «1» النّسابة الجوّانى. وهاتان الحارتان اختطهما الروم، ونزلوا بهما فعرفتابهم. وحارة الدّيلم «2» - هى منسوبة إلى الديلم الواصلين صحبة أفتكين المعزّى غلّام معز الدولة بن بويه حين قدم إلى القاهرة أولاد مولاه معزّ الدولة. وفندق «3» مسرور- منسوب لمسرور خادم من خدّام القصر في الدولة العبيدية. وخليج القاهرة «4» - حفره أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضى الله عنه، ويعرف بخليج أمير المؤمنين، وكان حفره عام الرّمادة، وهى سنة ست عشرة «5» من

الهجرة فسافر إلى القلزم «1» ، فلم يأت عليه الحول حتى جرت فيه السفن وحمل فيها الزاد والأقوات إلى مكّة والمدينة، وانتفع بذلك أهل الحجاز. وقال الكندىّ: كان حفره فى سنة ثلاث وعشرين وفرغ منه في ستة أشهر، وجرت فيه السفن ووصلت إلى الحجاز في الشهر السابع؛ ثم بنى عليه عبد العزيز بن مروان قنطرة «2» وكتب عليها اسمه، وقام ببنائها سعيد أبو عثمان «3» ؛ ذكره القضاعىّ صاحب الخطط. قال: ثمّ دثرت ثمّ أعيدت ثمّ عمّرت في أيّام العزيز بالله، وليس لها «4» أثر في هذا الزمان. وإنّما بنى السلطان الملك الصالح نجم الدين أيّوب قنطرة السّدّ «5» الآن التى عليها بستان «6» الخشّاب. وكان

يخرج الماء من البحر بالمقس من البرانج، فوسّعه الملك الكامل محمد ابن الملك العادل أبى بكر بن أيّوب وجعله خليجا، وهو خليج الذكر «1» . وأوّل من رتّب حفر الخليج على الناس الوزير المأمون بن البطائحى صاحب الجامع الأقمر بالقاهرة؛ وكذلك جعل على أصحاب البساتين، وجعل عليه واليا بمفرده؛ وهو أوّل من رتّب السقّائين عند معونة المأمون هذا؛ وكذلك القرّابة والفعلة. الحسينيّة «2» - هى منسوبة لجماعة الأشراف الحسينيّين «3» ، كانوا في أيّام الملك الكامل محمد بن العادل، قدموا من الحجاز فنزلوا بها واستوطنوها، وبنوا بها المدابغ وصنعوا فيها الأديم المشبّه بالطائفىّ «4» ؛ ثمّ سكنها الأجناد بعد ذلك؛ وكانت برسم الرّيحانيّة الغزّاويّة والمولّدة والعجمان وعبيد الشراء؛ وكانت ثمانى «5» حارات: حارة

حامد، والمنشيّة الكبرى، والمنشيّة الصغرى، والحارة الكبيرة، والحارة الوسطى، كانت هى لعبيد الشراء، والوزيريّة؛ كانت كلّها سكن الأرمن، فارسهم وراجلهم. وخان السبيل «1» - بناه الخادم الأستاذ الخصىّ بهاء الدين قراقوش الذي بنى السور وأرصده لأبناء السبيل. اللؤلؤة «2» - عند باب القنطرة بناها الظاهر لإعزاز دين الله الخليفة العبيدى، وكانت نزهة الخلفاء الفاطميّين، وبها كانت قصورهم. ويأتى ذكر شىء من ذلك في تراجمهم إن شاء الله تعالى. حارة الباطليّة «3» - كان المعزّ لدين الله العبيدىّ لما قسم العطاء في الناس جاءت إليه طائفة فسألت العطاء، فقيل: فرغ المال؛ فقالوا: رحنا نحن في الباطل؛ فسمّوا الباطليّة، فعرفت الحارة بهم. حارة كتامة «4» - هى قبيلة معروفة، عرفت بهم.

البرقيّة «1» - هذه الحارة نزل فيها جماعة من أهل برقة واستوطنوها، فعرفت بهم. وكانوا جماعة كبيرة، حضروا صحبة المعزّ لدين الله لمّا قدم من بلاد المغرب. خزانة البنود «2» - كانت هذه الخزانة خزانة السلاح في الدولة الفاطميّة. دار القطبيّة- هى دار ستّ الملك بنت العزيز لدين الله نزار، وأخت الحاكم بأمر الله منصور. يأتى ذكرها في ترجمة أخيها الحاكم. وسكن هذه الدار فى دولة الأيّوبيّة مؤنسة «3» ، ثم الأمير فخر الدين جهاركس صاحب القيسارية بالقاهرة، ثمّ سكنها الملك الأفضل قطب الدين؛ واستمرّت ذرّيته بها حتّى أخرجهم الملك المنصور قلاوون منها، وبناها بيمارستانه «4» المعروف في القاهرة بين القصرين. ولسكن قطب الدين الأفضل هذا سمّيت القطبيّة، والأفضل المذكور من بنى أيّوب. حارة الخرنشف «5» - كانت قديما ميدانا للخلفاء، فلمّا تسلطن المعزّ أيبك التركمانىّ بنوا به إصطبلات، وكذلك القصر الغربىّ «6» ؛ وكانت النساء اللاتى أخرجن

منه سكنّ بالقصر النافعىّ «1» ؛ فامتدّت الأيدى إلى طوبه وأخشابه وحجارته، فتلاشى حاله وتهدّم وتشعّث، فسمّى بالخرنشف لهذا المقتضى، وإلّا فكان هذا الميدان من محاسن الدنيا. حارة الكافورىّ «2» - هذه الحارة كانت بستانا للأستاذ الملك كافور الإخشيذىّ صاحب مصر؛ ثمّ من بعده صار للخلفاء المصريّين، ثم هدم البستان فى الدولة المعزيّة أيبك لما خرب الميدان والقصور، وبنى أيضا إصطبلات ودورا ومساكن. حارة برجوان «3» - منسوبة إلى الخادم برجوان. كان برجوان من جملة خدّام القصر في أيام العزيز بالله نزار العبيدىّ الفاطمىّ، ثم كان برجوان هذا مدبّر مملكة الحاكم بأمر الله.

حارة بهاء الدين «1» - منسوبة إلى الأستاذ بهاء الدين قرافوش الصلاحىّ الخادم الخصىّ الذي بنى السور وقلعة الجبل. وقد تقدّم ذكر ذلك كلّه. قيسارية أمير الجيوش- المعروفة الآن بسوق مرجوش «2» . وأوّلها من باب حارة بهاء الدين قراقوش إلى قريب من الجامع الحاكمىّ، بناها أمير الجيوش الأفضل شاهنشاه بن بدر الجمالىّ «3» الذي كان إليه تدبير الملك والوزارة في دولة الخليفة المستنصر معدّ العبيدىّ. وذكر ابن أبى منصور في كتابه المسمّى أساس السياسة أنه كان في موضعها دار تعرف بدار القبّانىّ، ودور قوم يعرفون ببنى هريسة. درب ابن أسد- وهو خادم عرف به. وهو خلف إصطبل الطارمة «4» . الرميلة «5» - تحت قلعة الجبل، كانت ميدان أحمد بن طولون، وبها كانت قصوره وبساتينه. درب ملوخية «6» - هو منسوب لأمير اسمه ملوخية، كان صاحب ركاب الخليفة الحاكم بأمر الله العبيدىّ، وكان يعرف أيضا بملوخية الفرّاش.

العطوف «1» - منسوبة إلى الخادم عطوف أحد خدّام القصر في دولة الفاطمية، وكان أصله من خدّام أم ستّ الملك بنت العزيز بالله أخت الحاكم المقدّم ذكرها. رحبة باب العيد «2» -[كان «3» ] الخليفة لا يركب يوم العيد إلّا من باب القصر الذي من هذه الناحية خاصة. ويأتى ذكر ذلك كلّه في ترجمة المعزّ لدين الله العبيدىّ. خانقاه «4» السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب- وهى دار سعيد السعداء خادم الخليفة المستنصر معدّ العبيدىّ أحد خلفاء مصر، ثمّ صارت في آخر الوقت سكن الوزير طلائع بن رزّيك «5» وولده رزّيك بن طلائع. وكان طلائع يلقب في أيام وزارته بالملك الصالح، وهو صاحب جامع الصالح خارج بابى زويلة. ولمّا سكنها طلائع المذكور فتح لها من دار الوزارة- أعنى التى هى الآن خانقاه بيبرس الجاشنكير «6» - سردابا تحت الأرض، وجمع بين دار سعيد

السعداء ودار الوزارة في السكن لكثرة حشمه، وصار يمشى في السرداب من الدار الواحدة إلى الأخرى. الحجر «1» - وهى قريبة من باب النصر قديما على يمين الخارج من القاهرة، وكان يأوى فيها جماعة من الشباب يسمّون صبيان الحجر يكونون في جهات متعددة. الوزيرية «2» - منسوبة إلى الوزير أبى الفرج يعقوب بن كلّس وزير العزيز بالله نزار العبيدىّ، وكان الوزير هذا يهودىّ الأصل ثمّ إنّه أسلم وتنقّل في الخدم إلى أن ولى الوزارة. الجودرية «3» - منسوبة إلى جماعة يعرفون بالجودريّة اختطوها، وكانوا أربعمائة رجل. منسوبون إلى جودر خادم المهدىّ. سوق السّراجين- استجدّ في أيّام المعزّ أيبك التركمانىّ سنة ثلاث وخمسين وستمائة.

سقيفة العدّاسين «1» - هى الآن معروفة بالأساكفة وبالبندقانيين، وكانت تلك الناحية كلّها تعرف بسقيفة العدّاسين. حارة الأمراء- هى درب شمس الدولة «2» . العدوية «3» - هى من أوّل باب الخشيبة إلى أوّل حارة زويلة. درب الصقالبة «4» - هو درب من جملة حارة زويلة. حارة زويلة «5» - اخطتها امرأة تعرف بزويلة، وهى صاحبة البئر وبابى زويلة، لا أعرف من حالها شيئا. باب الزهومة «6» - كان بابا من أبواب القصر أعنى [قصر] القاهرة.

الصاغة بالقاهرة «1» - كانت مطبخا للقصر يخرج إليه من باب الزهومة. درب السلسلة «2» - هو الملاصق للسيوفيين. دار الضرب «3» - بنيت في أيام الوزير المأمون بن البطائحىّ المقدّم ذكره، وهى بالقشاشين «4» قبالة البيمارستان المنصورىّ «5» . الصالحية «6» - هى منسوبة للوزير الملك الصالح طلائع بن رزّيك المقدّم ذكره لأنّ غلمانه- أعنى مماليكه- كانوا ينزلون بها. المقس «7» - قال القضاعى: كانت ضيعة تعرف بأمّ دنين، وإنّما سميّت المقس لأنّ العشّار وهو المكّاس كان فيها يستخرج الأموال، فقيل له المكس، ثم قيل المقس.

ترجمة القائد جوهر وما يتعلق به من بنيان القاهرة وغيرها

المسجد المعلق- كان هناك مساجد ثلاثة «1» معلقة بناها الحاكم بأمر الله فى أيام خلافته. وأمّا هذه المبانى التى هى الآن خارج القاهرة فكلّها تجدّدت في الدولة التركية، ومعظمها في دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون ومن بعده، من سدّ مصر إلى باب زويلة طولا وعرضا. يأتى ذكر ذلك كلّه إن شاء الله تعالى في تراجم من جدّد الكورة والقناطر والجوامع والمدارس وغيرهم من السلاطين والملوك، كلّ واحد على جدته بحسب ما يقتضيه الحال. ترجمة القائد جوهر وما يتعلق به من بنيان القاهرة وغيرها قد تقدّم الكلام أن جوهر القائد هذا غير خصىّ، وولده القائد الحسين بن جوهر كان من كبار قوّاد الحاكم بأمر الله، وجوهر هذا هو صاحب الجامع الأزهر. وقد تقدّم ذكر ذلك كلّه؛ غير أننا ذكرناه هنا ثانيا تنبيها لمن نظر في ترجمة جوهر القائد المذكور، لئلا يلتبس عليه بشىء آخر.

ما وقع من الحوادث سنة 359

*** [ما وقع من الحوادث سنة 359] السنة الأولى من ولاية جوهر الرومىّ المعزّى القائد على مصر، وهى سنة تسع وخمسين وثلثمائة. فيها أقامت الرافضة المأتم على الحسين بن علىّ ببغداد في يوم عاشوراء على عادتهم وفعلهم القبيح في كلّ سنة. وفيها ورد الخبر في المحرّم بأن تقفور ملك الروم خرج بالروم إلى جهة أنطاكية ونازلها وأحاط بها وقاتل أهلها حقى ملكها بالأمان؛ ثم أخرج أهلها منها وأطلق العجائز والشيوخ والأطفال، وقال لهم: امضوا حيث شئتم، ثم أخذ الشباب والصبيان والغلمان سيا؛ فكانوا أكثر من عشرين ألفا. وكان تقفور المذكور قد طغى وتجبّر وقهر العباد وملك البلاد وعظمت هيبته في قلوب الناس، واشتغل عنه الملوك بأضدادهم فاستفحل أمر تقفور بذلك. ثم تزوّج تقفور المذكور بامرأة الملك الذي كان قبله على كره منها؛ وكان لها ولدان، فأراد تقفور أن يخصيهما ويهديهما للبيعة ليستريح منهما لئلا يملكا الروم في أيامه أو بعده؛ فعلمت زوجته أمّهما بذلك، فأرسلت الى الدمستق ليأتى إليها في زىّ النساء ومعه جماعة «1» فى زى النساء؛ فجاءوا وباتوا عندها ليلة الميلاد، فوثبوا عليه وقتلوه؛ وأجلس فى الملك بعده ولدها الأكبر، وتّم لها ما أرادت. ولله الحمد على موت هذا الطاغية. وفيها في ذى الحجة انقضّ بالعراق كوكب عظيم أضاءت منه الدنيا حتى صار كأنّه شعاع الشمس وسمع في انقضاضه صوت كالرعد الشديد، فهال «2» ذلك الناس وارتعجوا «3» له.

وفيها حجّ بالناس من العراق الشريف النقيب أبو أحمد الموسوىّ والد الرضى والمرتضى والثلاثة رافضة، وهم محطّ رحال الشيعة في زمانهم. وفيها توفّى الأمير صالح بن عمير العقيلىّ أمير دمشق، ولى إمرة دمشق خلافة عن الحسن بن عبيد الله بن طغج [ابن «1» ] أخى الإخشيذ في دولة أحمد بن على ابن الإخشيذ في سنة سبع وخمسين وثلثمائة، ووقع له في ولايته على دمشق أمور وحروب. ولما انهزم الأستاذ فاتك الكافورىّ من القرمطىّ وغلب القرمطىّ على الشام خرج منها صالح هذا وغاب عنها مدّة أيّام، ثم عاد إليها بعد خروج القرمطىّ منها، ودام بها وأصلح أمورها؛ فلم تطل مدّته ومات بعد مدّة يسيرة. وكان شجاعا جوادا مقداما. وهو آخر من ولى دمشق من قبل الإخشيذ محمد وبنيه. وفيها توفّى الأمير أبو شجاع فاتك الإخشيذىّ الخازن، ولى إمرة دمشق أيضا قبل تاريخه من قبل أنوجور الإخشيذىّ، وكان شجاعا مقداما جوادا، ولى عدّة بلاد، وطالت أيّامه في السعد. وهو غير فاتك المجنون الذي مدحه المتنبىّ ورثاه؛ لأنّ فاتكا المذكور كان بمصر في دولة خشداشه «2» كافور الإخشيذىّ؛ ووفاة هذا كانت بدمشق. وفيها هلك تقفور طاغية الروم: لم يكن أصله من أولاد ملوك الروم بل قيل إنه كان ولد رجل مسلم من أهل طرسوس يعرف بابن الفقّاس «3» ، فتنصّر وغلب على الملك؛ وكان شجاعا مدبّرا سيوسا لم ير مثله من عهد إسكندر ذى القرنين؛ وهو الذي

ما وقع من الحوادث سنة 360

افتتح حلب وأخذها من سيف الدولة بن حمدان؛ ولم يأخذ حلب أحد قبله من ملوك الروم؛ فعظم بذلك في أعين ملوك الروم وملّكوه عليهم إلى أن قتل. وقد تقدّم قتله في حوادث هذه السنة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أحمد بن بندار ابن إسحاق الشعّار «1» . وأبو بكر أحمد بن يوسف بن خلّاد في صفر. وأبو القاسم حبيب بن الحسن القزّاز. ومحمد بن أحمد بن الحسن أبو علىّ الصوّاف. ومحمد بن على بن حبيش «2» الناقد. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وسبع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وتسع عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 360] السنة الثانية من ولاية جوهر الرومىّ المعزىّ القائد على مصر، وهى سنة ستين وثلثمائة. فيها عمل الرافضة المأتم ببغداد في يوم عاشوراء على العادة في كلّ سنة من النوح واللّطم والبكاء وتعليق المسوح وغلق الأسواق، وعملوا العيد والفرح يوم الغدير «3» وهو ثامن عشر ذى الحجة. وفيها في أوّل المحرّم لحق الخليفة المطيع لله سكتة آل الأمر فيها إلى استرخاء جانبه الأيمن وثقل لسانه.

وفيها في صفر أعلن المؤذّنون بدمشق: ب" حىّ على خير العمل" بأمر القائد جعفر بن فلاح نائب دمشق للمعزّ لدين الله العبيدىّ، ولم يجسر أحد على مخالفته؛ ثمّ في جمادى الآخرة أمرهم ابن فلاح المذكور بذلك في الإقامة؛ فتألّم الناس لذلك، فهلك ابن فلاح في عامه. وفيها في شهر ربيع الأوّل وقع الصلح بين أبى المعالى بن سيف الدولة بن حمدان وبين قرعويه «1» ، وكان بينهما حروب منذ مات سيف الدولة إلى اليوم، فأقاما الخطبة بحلب للمعزّ لدين الله العبيدىّ؛ وأرسل إليهما جوهر القائد من مصر بالأموال والخلع. وفيها سار أبو محمد الحسن بن أحمد القرمطىّ إلى الشام في قبائل العرب وحاصر دمشق؛ فخرج إليه من مصر القائد جعفر بن فلاح بعساكره من المغاربة واقتتلوا أيّاما إلى أن حمل القرمطىّ بنفسه على جعفر بن فلاح فقتله وقتل عامّة عسكره، وملك دمشق وولّى عليها ظالم بن موهوب «2» العقيلىّ، ثمّ عاد القرمطىّ إلى بلاد هجر؛ فلم يثبت ظالم بعده بدمشق، وخرج منها بعد مدّة يسيرة. وفيها حجّ بالناس النقيب الشريف أبو أحمد الموسوىّ من بغداد. وفيها توفّى الأمير جعفر بن فلاح أحد قوّاد المعزّ لدين الله العبيدىّ؛ كان مقدّم عساكر القائد جوهر، وبعثه جوهر إلى دمشق لمحاربة الحسن بن عبيد الله بن

طغج؛ فحاربه وأسره «1» ومهّد البلاد، وولى دمشق وأصلح أمورها، إلى أن قدم عليه القرمطىّ وحاربه وظفر به وقتله. وهو أوّل أمير ولى إمرة دمشق لبنى عبيد المغربىّ. والعجب أنّ القرمطىّ لمّا قتله بكى عليه ورثاه؛ لأنّهما يجمع التشيّع بينهما وإن كانا عدوّين. وكان جعفر بن فلاح المذكور أديبا شاعرا فصيحا. كتب مرّة إلى الوزير يعقوب يقول له: ولى صديق ما مسّنى عدم ... مذ نظرت عينه إلى عدمى أعطى وأقنى «2» ولم يكلّفنى ... تقبيل كفّ له ولا قدم وفيها توفّى سليمان بن أحمد بن أيّوب الحافظ أبو القاسم الطّبرانىّ اللّخمىّ. ولخم: قبيلة من العرب قدموا من اليمن إلى بيت المقدس ونزلوا بالمكان الذي ولد فيه عيسى عليه السلام، وبينه وبين بيت المقدس فرسخان، والعامّة تسمّيه «بيت لحم» (بالحاء المهملة) وصوابه «بيت لخم» (بالخاء المعجمة) . وكان مولده بعكّا في سنة ستين ومائتين؛ وهو أحد الحفّاظ المكثرين الرحّالين، سمع الكثير وصنّف المصنّفات الحسان، منها «المعجم الكبير في أسامى الصحابة» و «المعجم الأوسط في غرائب شيوخه» ، و «المعجم الأصغر في أسامى شيوخه» ، و «كتاب الدعاء» و «كتاب عشرة النساء» و «كتاب حديث الشاميّين» و «كتاب المناسك» و «كتاب الأوائل» و «كتاب السنة» و «كتاب النوادر» و «مسند أبى هريرة» و «كتاب التفسير» و «كتاب دلائل النبوّة» وغير ذلك. ومات في ذى القعدة. وذكر الحافظ سليمان ابن إبراهيم الأصبهانىّ أن أبا أحمد العسّال قاضى أصبهان قال: أنا سمعت من

الطّبرانىّ عشرين ألف حديث، وسمع منه إبراهيم بن محمد بن حمزة ثلاثين ألفا، وسمع منه أبو الشيخ أربعين ألفا. وفيها توفّى محمد بن الحسين بن عبد الله الحافظ أبو بكر الآجرّىّ «1» البغدادىّ، كان محدّثا ديّنا صالحا ورعا مصنّفا، صنّف كتاب «العزلة» وغيره. ومات فى هذه السنة. وفيها توفّى محمد بن أبى عبد الله الحسين «2» بن محمد الكاتب أبو الفضل المعروف بابن العميد- هو كان لقب والده- كان فيه فضل وأدب وترسّل؛ وزر لركن الدولة الحسن بن بويه بعد موت أبيه. ومن بعض أصحاب أبيه الصاحب بن عبّاد. قال الثعالبىّ في كتابه اليتيمة: «وكان «3» يقال: بدئت الكتابة بعبد الحميد، وختمت بابن العميد» . وكان «4» الصاحب بن عبّاد قد سافر إلى بغداد؛ فلمّا عاد إليه قال له ابن العميد: كيف وجدتها؟ قال: بغداد في البلاد، كالأستاذ في العباد. وكان ابن العميد سيوسا مدبّرا قائما بحقوق المملكة، وقصده الشعراء من الآفاق، ومدحه المتنبىّ وابن نباتة السعدىّ وغيرهما. ومن شعر ابن العميد قوله: آخ الرجال من الأبا ... عد والأقارب لا تقارب إنّ الأقارب كالعقا ... رب بل أضرّ من العقارب

وقيل: إنّ الصاحب بن عبّاد اجتاز بدار ابن العميد بعد وفاته فلم ير هناك أحدا بعد أن كان الدّهليز يغصّ من زحام الناس؛ فقال: أيّها الرّبع «1» لم علاك اكتئاب ... أين «2» ذاك الحجاب والحجّاب أين من كان يفزع الدهر منه ... فهو اليوم في التراب تراب وقال علىّ بن سليمان: رأيت بالرىّ دار قوم «3» لم يبق منها سوى بابها- يعنى دار ابن العميد- وعليها مكتوب: اعجب لصرف الدهور معتبرا ... فهذه الدار من عجائبها عهدى بها بالملوك زاهية ... قد سطع «4» النور من جوانبها تبدّلت وحشة بساكنها ... ما أوحش الدار بعد صاحبها وكان ابن العميد قبل أن يقتل بمدّة قد لهج بإنشاد هذين البيتين، وهما: دخل الدنيا أناس قبلنا ... رحلوا عنها وخلّوها لنا ونزلناها كما قد نزلوا ... ونخلّيها لقوم بعدنا وكانت وفاته في صفر. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى جعفر بن فلاح أوّل من حكم على الشام لبنى عبيد، قتله أبو علىّ «5» القرمطىّ. وسليمان بن أحمد بن أيّوب الطّبرانىّ في ذى القعدة وله مائة سنة وعشرة أشهر. وأبو علىّ عيسى بن محمد

ما وقع من الحوادث سنة 361

الطّومارىّ. وأبو بكر محمد بن جعفر بن محمد بن الهيثم الأنبارى. وأبو عمرو «1» محمد بن جعفر بن محمد بن مطر النّيسابورىّ. وأبو الفضل محمد بن الحسين بن العميد وزير ركن الدولة بن بويه. وأبو بكر محمد بن الحسين الآجرّىّ في المحرّم. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وإحدى وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 361] السنة الثالثة من ولاية جوهر القائد على مصر، وهى سنة إحدى وسنين وثلثمائة. فيها عملت الرافضة مأتم الحسين بن علىّ رضى الله عنهما ببغداد على العادة فى يوم عاشوراء. وفيها عاد الهجرىّ كبير القرامطة من الموصل إلى الشام، وانصرفت المغاربة- أعنى عسكر العبيديّة- إلى مصر، ودخل القرمطىّ إلى دمشق وسار إلى الرملة. وفيها وقع الصلح بين منصور بن نوح السامانىّ صاحب خراسان وبين ركن الدولة الحسن بن بويه وبين ولده عضد الدولة بن ركن الدولة المذكور بأن يحمل ركن الدولة إلى منصور بن نوح السامانىّ في كلّ سنة مائة ألف دينار، ويحمل ابنه عضد الدولة خمسين ألف دينار. وفيها اعترض بنو هلال الحاج البصرىّ «2» والخراسانىّ ونهبوهم وقتلوا منهم خلقا، ولم يسلم منهم إلّا من مضى مع الشريف أبى أحمد الموسوىّ أمير الحاجّ، فإنّه مضى بهم على طريق المدينة، فحجّ وعاد.

وفيها توفّى سعيد بن أبى سعيد أبو القاسم الجنّابىّ القرمطىّ الهجرىّ، عليه وعلى أقاربه اللعنة والخزى. ولم يبق من أولاد أبى سعيد غيره وغير أخيه يوسف، وقام بأمر القرامطة بعده مكانه أخوه يوسف المذكور. وعقد القرامطة بعد يوسف لستة نفر من أولادهم على وجه الشركة بينهم لا يستبدّ أحد منهم بشىء دون الآخر. قلت: وهذا يدلّ على قطع أثرهم واضمحلال أمرهم وزوال ملكهم، إلى جهنم وبئس المصير؛ فإنّهم كانوا أشرّ خلق الله وأقبحهم سيرة وأظلمهم سطوة، هذا مع الفسق وقلّة الدين وسفك الدماء وانتهاك المحارم، وقتل الأشراف وأخذ الحجّاج ونهبهم، والاستخفاف بأمر الشرع والسنة وهتك حرمة البيت العتيق واقتلاع الحجر الأسود منه؛ حسب ما تقدّم ذكر ذلك كله في حوادث السنين «1» السابقة. وقد طال أمرهم وقاسى المسلمون منهم شدائد؛ وخرّب في أيّامهم ممالك وبلاد. ألا لعنة الله على الظالمين. وفيها توفّى علىّ بن إسحاق بن خلف أبو القاسم «2» الزاهى الشاعر البغدادىّ، كان وصّافا محسنا كثير الملح حسن الشعر في التشبيهات، وكان قطّانا، وكانت دكّانه في قطيعة الربيع «3» الحاجب. ومن شعره وأجاد إلى الغاية من قصيدة: وبيض بألحاظ العيون كأنّما ... هززن سيوفا واستللن خناجرا تصدّين لى يوما بمنعرج اللّوى ... فغادرن قلبى بالتصبّر غادرا

سفرن بدورا وانتقبن أهلة ... ومسن غصونا والتفتن جآذرا وأطلعن في الأجياد بالدرّ أنجما ... جعلن لحبّات القلوب ضرائرا هذا مثل قول المتنبى، ومذهب الزاهى زها عليه. وقول المتنبى: بدت قمرا ومالت خوط بان ... وفاحت عنبرا ورنت غزالا وذكر الثعالبىّ لبعض شعرا عصره على هذا الأسلوب في وصف مغنّ: فديتك يا أتمّ الناس ظرفا ... وأصلحهم لمتّخذ حبيبا فوجهك نزهة الأبصار حسنا ... وصوتك متعة الأسماع طيبا وسائلة تسائل عنك قلنا ... لها في وصفك العجب العجيبا رنا ظبيا وغنّى عندليبا ... ولاح شقائها ومشى قضيبا ومات الزاهى ببغداد. ومن شعره أيضا قوله: قم فهنئ عاشقين ... أصبحا مصطلحين جمعا بعد فراق ... فجعا منه ببين ثم عادا في سرور ... من صدود آمنين فهما روح ولكن ... ركّبا في بدنين الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى الحسن «1» بن الخضر الأسيوطى. وخلف بن محمد بن إسماعيل ببخارى. وعثمان بن عثمان «2» بن خفيف الدرّاج. ومحمد بن الحارث بن أسد القيروانىّ أبو عبد الله «3» الفقيه الحافظ.

ما وقع من الحوادث سنة 362

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وأربع عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 362] السنة الرابعة من ولاية جوهر القائد على مصر، وهى سنة اثنتين وستين وثلثمائة. فيها لم تعمل الرافضة المأتم ببغداد بسبب ما جرى على المسلمين من الروم، وكان عزّ الدولة بختيار بن بويه بواسط والحاجب سبكتكين ببغداد، وكان سبكتكين المذكور يميل إلى السّنّة فمنعهم من ذلك. وفيها حشدت الروم وأخذوا نصيبين واستباحوا وقتلوا وسبوا، وقدم بغداد من نجا منهم؛ واستنفروا الناس في الجوامع، وكسروا المنابر ومنعوا الخطيب، وحاولوا الهجوم على الخليفة المطيع لله، واقتلعوا بعض شبابيك دار الخلافة حتى غلقّت أبوابها، ورماهم الغلمان بالنّشّاب من الرّواشن، وخاطبوا الخليفة بالتعنيف وبأنّه عاجز عمّا أوجبه الله عليه من حماية حوزة الإسلام وأفحشوا القول. ووافق ذلك غيبة السلطان عزّ الدولة بختيار بن معزّ الدولة أحمد بن بويه في الكوفة؛ فخرج إليه أهل العقل والدين من بغداد، وفيهم الإمام أبو بكر الرازىّ الفقيه وأبو الحسن علىّ بن عيسى النّحوىّ وأبو القاسم «1» الدّاركىّ وابن الدّقاق «2» الفقيه، وشكوا إليه ما دهم الإسلام من هذه الحادثة العظمى؛ فوعدهم عزّ الدولة بالغزو، ونادى بالنفير في الناس؛ فخرج من العوامّ

خلق مثل عدد الرمل ثمّ جهّز جيشا وغزوا، فهزموا الروم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأسروا أميرهم وجماعة من بطارقته، وأنفذت رءوس القتلى إلى بغداد؛ وفرح المسلمون بنصر الله تعالى. وفيها في شهر رمضان دخل المعزّ لدين الله أبو تميم معدّ العبيدى إلى مصر بعد أن بنيت له القاهرة ومعه توابيت آبائه، وكان قد مهّد له ملك الديار المصرية مولاه جوهر القائد، وبنى له القاهرة وأقام له بها دار الإمارة والقصر «1» . وفيها وزر ببغداد أبو طاهر بن بقيّة ولقّب بالناصح، وكان سمحا كريما، له راتب كلّ يوم من الثلج ألف رطل، وراتبه من الشّمع في كلّ شهر ألف منّ؛ وكان أبو طاهر من صغار الكتّاب يكتب على المطبخ لمعزّ الدولة؛ فآل الأمر إلى الوزارة. فقال الناس: من الغضارة إلى الوزارة! وكان كريما فغطّى كرمه عيوبه. وفيها زلزلت بلاد الشام وهدمت الحصون ووقع من أبراج أنطاكية عدّة، ومات تحت الردم خلق كثير. وفيها حجّ بالناس النقيب أبو أحمد الموسوىّ. وفيها ضاق الأمر على عزّ الدولة بختيار بن بويه، فبعث إلى الخليفة وطلب إسعافه على قتال الروم؛ فباع الخليفة المطيع ثيابه وأنقاض داره من ساج ورصاص، وجمع من ذلك أربعمائة ألف درهم وبعث بها إليه.

وفيها توفّى السّرىّ بن أحمد بن السّرىّ أبو الحسن الكندىّ الرفّاء الشاعر المشهور، كان في صباه يرفو ويطرّز في دكّان بالموصل ومع ذلك يتولّع [بالأدب وينظم الشعر «1» ] ، ولم يزل على ذلك حتى جاد شعره ومهر فيه؛ وقصد سيف الدولة ابن حمدان بحلب ومدحه وأقام عنده [مدّة «2» ] ، ثمّ بعد وفاته قدم بغداد ومدح الوزير المهلبىّ وغيره، وكان بينه وبين أبى بكر محمد وأبى عثمان سعيد ابنى هاشم الخالديّين الموصليّين الشاعرين المشهورين معاداة، فادّعى عليهما سرقة شعره وشعر غيره. وكان شاعرا مطبوعا عذب الألفاظ، كثير الافتنان في التشبيهات والأوصاف؛ وكان لا يحسن من العلوم شيئا غير قول الشعر. ومن شعره [أبيات «3» ] يذكر فيها صناعته: وكانت الإبرة فيما مضى ... صائنة وجهى وأشعارى فأصبح الرزق بها ضيّقا ... كأنّه من ثقبها جارى ومن محاسن شعره في المديح: يلقى الندى برقيق وجه مسفر ... فإذا التقى الجمعان عاد صفيقا رحب المنازل ما أقام فإن سرى ... فى جحفل ترك الفضاء مضيقا ومن غرر شعره في النسيب قوله وهو في غاية الحسن: بنفسى من أجود له بنفسى ... ويبخل بالتحية والسلام وحتفى كامن في مقلتيه ... كمون الموت في حدّ الجسام وفيها توفّى محمد بن هانئ أبو القاسم، وقيل: أبو الحسن، الأزدىّ الأندلسىّ الشاعر المشهور؛ قيل: إنّه من ولد يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلّب بن أبى صفرة؛ وقيل: بل هو من ولد أخيه روح بن حاتم. وكان أبوه هانئ من قرية

من قرى المهديّة بإفريقيّة. وكان شاعرا أديبا، كان ماهرا في الأدب، حافظا لأشعار العرب وأخبارهم، واتّصل بصاحب إشبيلية وحظى عنده؛ وكان كثير الانهماك في اللذات متّهما بمذهب الفلاسفة؛ ولمّا اشتهر عنه ذلك نقم عليه أهل إشبيلية، واتّهم الملك بمذهبه، فأشار عليه الملك بالغيبة عن البلد مدّة [ينسى «1» فيها خبره] ؛ فانفصل وعمره يومئذ سبع وعشرون سنة. وقصّته طويلة إلى أن قتل ببرقة في عوده إلى المغرب من مصر بعد أن مدح المعزّ العبيدىّ بغرر المدائح «2» . وكان عوده إلى المغرب لأخذ عياله وعوده بهم إلى مصر. وتأسّف المعزّ عليه كثيرا. ومن شعره قصيدته النونيّة في مدح المعزّ لدين الله المذكور، منها: بيض وما ضحك الصباح وإنّها ... بالمسك من طرر الحسان لجون أدمى لها المرجان صفحة خدّه ... وبكى عليها اللؤلؤ المكنون وكان ابن هانئ هذا في المغرب مثل المتنبىّ في المشرق، وكان موته في شهر رجب. وهو صاحب القصيدة المشهورة التى أوّلها: فتقت لكم ريح الشّمال عبيرا وفيها توفّى الوزير عبّاس بن الحسين أبو الفضل الشيرازىّ، كان جبّارا ظالما، قتل بالكوفة بسقى الذّراريح «3» ، ودفن بمشهد علىّ عليه السلام. وممّا يحكى عن ظلمه أنّه قتل ببغداد رجل من أعوان الوالى، فبعث أبو الفضل الشيرازىّ هذا من طرح النار من النحّاسين الى السمّاكين، فاحترق ببغداد حريق عظيم لم يعهد مثله، وأحرقت أموال عظيمة وجماعة كثيرة من النساء والرجال والصبيان والأطفال، فأحصى

ذكر ولاية المعز العبيدى على مصر

ما أحرق ببغداد فكان سبعة عشر [ألف «1» إنسان] وثلثمائة دكان وثلثمائة وعشرين دارا؛ أجرة ذلك في الشهر ثلاثة وأربعون [ألف دينار «2» ] . فلمّا وقع ذلك قال له رجل: أيّها الوزير أريتنا قدرتك ونحن نأمل من الله أن يرينا قدرته فيك! فبعد قليل قبض عليه عزّ الدولة وصادره وعاقبه، ثم سقى ذراريح فتقرّحت مثانته وهلك فى ذى الحجة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو إسحاق إبراهيم ابن محمد بن يحيى المزكّى. وأبو العباس. اسماعيل بن عبد الله «3» بن محمد بن ميكال. وأبو بحر محمد بن الحسن بن كوثر «4» البربهارىّ، وأبو جعفر محمد بن عبد الله البلخىّ شيخ الحنفية ببخارى في ذى الحجة، كان إمام عصره بلا مدافعة. وأبو عمر «5» محمد بن موسى بن فضالة. وأبو الحسن محمّد بن هانئ شاعر الأندلس أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وسبع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وإصبعان. ذكر ولاية المعزّ العبيدى على مصر هو أبو تميم معدّ بن المنصور إسماعيل بن القائم بأمر الله محمد بن المهدىّ عبيد الله العبيدىّ الفاطمىّ المغربىّ الملقّب بالمعزّ لدين الله، والذي تنسب إليه القاهرة

المعزّيّة. مولده بالمهديّة في يوم الاثنين حادى عشر شهر رمضان سنة تسع عشرة وثلثمائة؛ وبويع بالخلافة في الغرب يوم الجمعة التاسع والعشرين من شوّال سنة إحدى وأربعين وثلثمائة بعد موت أبيه. يأتى ذكر نسبه وأقوال الناس فيه بعد أن نذكر قدومه إلى القاهرة وما وقع له مع أهلها ثم مع القرمطىّ. وقال ابن خلكان: «وكان المعزّ قد بويع بولاية العهد في حياة أبيه المنصور إسماعيل، ثم جدّدت له البيعة [بعد «1» وفاته] فى يوم الأحد سابع ذى الحجة سنة إحدى وأربعين وثلثمائة» . قلت: هو أوّل خليفة كان بمصر من بنى عبيد. قال الحافظ أبو عبد الله الذهبىّ في تاريخ الإسلام: «وهو أوّل من تملّك ديار مصر من بنى عبيد [الرافضة «2» ] المدّعين أنهم علويّون. وكان ولىّ عهد أبيه إسماعيل، فاستقل بالأمر [فى آخر «3» ] سنة إحدى وأربعين وثلثمائة، وسار في نواحى إفريقيّة ليمهّد مملكته، فأذلّ العصاة واستعمل على المدن غلمانه واستخدم الجند. ثم جهّز مولاه جوهرا القائد في جيش كثيف؛ فسار فافتتح سجلماسة، وسار حتى وصل إلى البحر المحيط وصيدله من سمكه، وافتتح مدينة فاس، وأرسل بصاحبها وصاحب سبتة «4» أسيرين إلى المعزّ؛ ووطّأ له جوهر من إفريقيّة إلى البحر سوى مدينة سبتة فإنّها بقيت لبنى أميّة أصحاب الأندلس» . وقال الشيخ شمس الدين أبو المظفّر في تاريخه مرآة الزمان: «وكان مغرّى بالنجوم (يعنى المعزّ) والنظر فيما يقتضيه الطالع؛ فنظر في مولده وطالعه فحكم له بقطع فيه، فاستشار منجّمه فيما يزيله عنه؛ فأشار عليه أن يعمل سردابا تحت

الأرض ويتوارى فيه إلى حين جواز الوقت؛ فعمل [على «1» ] ذلك، وأحضر قوّاده وكتّابه وقال لهم: إن بينى وبين الله عهدا في وعد وعدنيه و [قد «2» ] قرب أوانه، وقد جعلت نزارا ولدى ولىّ عهدى بعدى، ولقّبته العزيز بالله، واستخلفته عليكم وعلى تدبير أموركم مدّة «3» غيبتى، فالزموا الطاعة له واتركوا المخالفة واسلكوا الطريق السديدة «4» ؛ فقالوا: الأمر أمرك، ونحن عبيدك وخدمك؛ ووصّى العزيز ولده بما أراد، وجعل القائد جوهرا مدبّره والقائم بأمره بين يديه؛ ثم نزل إلى سرداب اتخذه وأقام فيه سنة؛ وكانت المغاربة إذا راوا غماما سائرا ترجّل الفارس منهم إلى الأرض، وأومأ بالسلام يشير [إلى] أن المعزّ فيه؛ ثمّ خرج المعزّ بعد ذلك وجلس للناس، فدخلوا عليه على طبقاتهم ودعوا له، فأقام على ما كان عليه» . انتهى. وقيل: إنّه دخل مصر ومعه خمسمائة جمل موسوقة ذهبا عينا وأشياء كثيرة غير ذلك. وقال القفطىّ: «إنّ المعزّ كان قد عزم على تجهيز عسكر إلى مصر؛ فسألته أمّه تأخير ذلك لتحجّ خفية، فأجابها وحجّت. فلمّا وصلت إلى مصر أحسّ بها كافور الإخشيذىّ الأستاذ فحضر إليها وخدمها وحمل إليها هدايا وبعث في خدمتها أجنادا، فلمّا رجعت من حجّها منعت ولدها من غزو بلاده. فلمّا توفّى كافور بعث المعزّ جيوشه فأخذوا مصر» . انتهى. ولمّا أرسل المعزّ القائد جوهرا إلى مصر وفتحها وبلغه ذلك سار بنفسه إلى المهديّة في الشتاء فأخرج من قصور آبائه من الأموال خمسمائة حمل، ثم سار نحو الديار المصريّة بعد أن مهّد له جوهر القائد وبنى له القاهرة. وكان صادف مجىء

جوهر إلى مصر الغلاء والوباء، فلم يلتفت إلى ذلك وافتتحها؛ ثم افتتح الحجاز «1» والشام، وأرسل يعرّف المعزّ. وقد ذكرنا شيئا من ذلك في ترجمة جوهر القائد. وخرج المعزّ من المغرب في سنة إحدى وستين وثلثمائة بعد أن استخلف على إفريقيّة [يوسف «2» ] بلكّين بن زيرى الصّنهاجى، وجدّ المعزّ في السير في خزائنه وجيوشه حتى دخل الإسكندريّة في شعبان سنة اثنتين وستين وثلثمائة؛ فتلقّاه قاضى مصر أبو طاهر «3» الذّهلى والأعيان، وطال حديثهم معه، وأعملهم بأنّ قصده القصد المبارك من إقامة الجهاد والحقّ وأن يختم عمره بالأعمال الصالحة، وأن يعمل بما أمره به جدّه رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ووعظهم وطوّل حتى أبكى بعضهم وخلع على جماعة. ثمّ نزل بالجيزة وأخذ جيشه في التعدية إلى مصر ثمّ ركب هو ودخل القاهرة؛ وقد بنيت له بها دور الإمارة، ولم يدخل مدينة مصر، وكانوا قد احتفلوا وزيّنوا مصر بأحسن زينة. فلمّا دخل القصر خرّ ساجدا وصلّى ركعتين. وقال عبد الجبّار البصرىّ: «وكان السبب في مجيئه إلى مصر؛ أنّ الرّوم كانوا قد استولوا على الشام والثغور وطرسوس وأنطاكية وأذنة [وعين «4» زربة] والمصّيصة وغيرها وفرح بمصاب المسلمين؛ وبلغه أن بنى بويه قد غلبوا على بنى العباس وأنهم لا حكم لهم معهم؛ فاشتدّ طمعه في البلاد؛ وكان له بمصر شيعة فكاتبوه يقولون: إذا زال الحجر الأسود ملك مولانا المعزّ الدنيا كلّها، ويعنون بالحجر الأسود الأستاذ كافورا الإخشيذىّ الخصىّ، وكان كافور يومئذ أمير مصر

نيابة عن ابن الإخشيذ وعن الحسن بن عبيد الله بن طغج أمير الشام، وكان الحسن قد دخل مع الشّيعة في الدعوة، وكان الحسن ضعيفا رخوا؛ ولذلك كان كافور هو المتكلّم عنه لأنّ الجند كانوا قد طمعوا فيه (أعنى الحسن) وكرهوه وكرههم؛ فقال له أبو جعفر بن نصر، وكان من دعاة المعزّ بالقاهرة: هؤلاء القوم قد طمعوا فيك، والمعزّ لك مثل الوالد، فإن شئت كاتبته ليشدّ منك ويكون من وراء ظهرك؛ فقال الحسن: إى والله قد أحرقوا قلبى!. فكتب إلى المعزّ يخبره؛ فبعث المعزّ القائد جوهرا، وهو عبد رومىّ غير خصىّ؛ فجاء جوهر إلى مصر في مائة ألف مقاتل، فدخل مصر في سنة ثمان وخمسين وثلثمائة، حسب ما ذكرناه، وأخرج الحسن المذكور بعد أن قاتله؛ واستولى جوهر على الخزائن والأموال والذخائر. وتوجّه الحسن إلى الرملة ثم ظفر به جوهر وبعث به إلى المعزّ إلى الغرب؛ فلمّا دخل عليه الحسن قرّ به المعزّ و؟؟؟ بشّ «1» به، وقال: أنت ولدى؛ وكاتبتنى على دخول مصر وإنّما بعثت جوهرا لينصرك، ولقد لحقنى بتجهيز «2» الجيوش إلى مصر أربعة آلاف ألف [وخمسمائة «3» ألف] دينار. فظنّ الحسن أنّ الأمر كما قال المعزّ، ولم يدر أنه خدعه؛ فسعى إليه بجماعة من قوّاد مصر والأمراء وأرباب الأموال وعرّفه حال المصريّين، وكان كلّ واحد من هؤلاء الذين دلّ الحسن المعزّ عليهم مثل قارون في الغنى؛ فكتب المعزّ إلى جوهر باستئصالهم ومصادرتهم [وأن «4» يبعث بهم إليه] ثمّ حبسهم مع الحسن؛ فكان ذلك آخر العهد بهم» . فقال الذهبىّ: هذا قول منكر بل أخرج الحسن بن عبيد الله من مصر وبايع للمعزّ، ثم قدم بعد ذلك ووقعت الوحشة بينهم.

ولمّا دخل المعزّ إلى القاهرة احتجب في القصر فبعث عيونه ينقلون إليه أخبار الناس وهو متوفّر في النعم والأغذية المسمنة والأطلية التى تنقّى البشرة وتحسّن اللّون. ثمّ ظهر للناس بعد مدّة وقد لبس الحرير الأخضر وجعل على وجهه اليواقيت والجواهر تلمع كالكواكب. وزعم أنّه كان غائبا في السماء وأنّ الله رفعه إليه؛ فامتلأت قلوب العامّة والجهّال منه رعبا وخوفا، وقطع ما كان على ابن الإخشيذ في كلّ سنة من الأتاوة للقرامطة، وهى ثلثمائة ألف دينار. ولمّا بلغ القرمطىّ ذلك عظم عليه؛ لأنّ المعزّ كان يصافيه لمّا كان بالمغرب ويهاديه، فلمّا وصل إلى مصر قطع ذلك عنه. وسار القرمطىّ، واسمه الحسن بن أحمد بن أبى سعيد الحسن بن بهرام القرمطىّ، إلى بغداد وسأل الخليفة المطيع بالله العباسىّ على لسان عزّ الدولة بختيار أن يمدّه بمال ورجال ويولّيه الشام ومصر ليخرج المعزّ منها؛ فامتنع الخليفة المطيع بالله من ذلك، وقال: كلّهم قرامطة وعلى دين واحد؛ فأمّا المصريون (يعنى بنى عبيد) فأماتوا السنن وقتلوا العلماء؛ وأمّا هؤلاء (يعنى القرامطة) فقتلوا الحاجّ، وقلعوا الحجر الأسود، وفعلوا ما فعلوا. فقال عزّ الدولة بختيار للقرمطىّ: اذهب فافعل ما بدالك. وقيل: إنّ بختيار أعطاه مالا وسلاحا. فسار القرمطىّ إلى الشام ومعه أعلام سود، وأظهر أنّ الخليفة المطيع ولّاه وكتب على الأعلام اسم المطيع عبد الكريم، وتحته مكتوب" السادة الراجعون إلى الحقّ" وملك القرمطىّ الشام ولعن المعزّ هذا على منبر دمشق وأباه؛ وقال: هؤلاء من ولد القدّاح كذّابون مخترقون أعداء الإسلام، ونحن أعلم بهم؛ ومن عندنا خرج جدّهم القدّاح. ثم أقام القرمطىّ الدعوة لبنى العباس وسار إلى مصر بعساكره. ولمّا بلغ المعزّ مجيئه تهيّأ لقتالهم؛ فنزل القرمطىّ بمشتول «1» الطواحين، وحصل

ذكر ما قيل في نسب المعز وآبائه

بينه وبين المعزّ مناوشات، ثم تقهقر المعزّ ودخل القاهرة وانحصر بها إلى أن أرضى القرمطىّ بمال وخدعه، وانخدع القرمطىّ وعاد إلى نحو الشام، فمات بالرّملة في شهر رجب، وأراح الله المسلمين منه، وصفا الوقت للمعزّ فإنّ القرمطىّ كان أشدّ عليه من جميع الناس للرّعب الذي سكن في قلوب الناس منه؛ فكانت القرامطة إذا كانوا فى ألف حطّموا «1» مائة ألف وانتصفوا. خذلان من الله تعالى لأمر يريده. ذكر ما قيل في نسب المعزّ وآبائه قال القاضى عبد الجبّار البصرىّ: «اسم جدّ الخلفاء المصرييّن سعيد، ويلقّب بالمهدىّ، وكان أبوه يهوديّا حدّادا بسلمية؛ ثم زعم سعيد هذا أنّه ابن الحسين بن أحمد «2» بن عبد الله بن ميمون القدّاح. وأهل الدعوة أبو القاسم الأبيض العلوىّ وغيره يزعمون أنّ سعيدا إنّما هو من امرأة الحسين المذكور، وأنّ الحسين ربّاه وعلّمه أسرار الدعوة، وزوجته بنت أبى الشلغلغ «3» ، فجاءه ابن فسمّاه عبد الرّحمن. فلمّا دخل الغرب وأخذ سجلماسة تسمّى بعبيد الله ثمّ تكنّى بأبى محمد، وسمّى ابنه الحسن، وزعمت المغاربة أنّه يتيم ربّه وليس بابنه ولا بابن زوجته؛ وكناه أبا القاسم وجعله ولىّ عهده» . انتهى. وقال القاضى أبو بكر بن الباقلانى: «القدّاح جدّ عبيد الله كان مجوسيا، ودخل عبيد الله المغرب وادّعى أنه علوىّ ولم يعرفه أحد من علماء النسب، وكان باطنيا

خبيثا حريصا على إزالة ملّة الإسلام؛ أعدم الفقه والعلم ليتمكّن من إغراء الخلق؛ وجاء أولاده أسلوبه وأباحوا الخمر والفروج وأشاعوا الرّفض، وبثّوا دعاة فأفسدوا عقائد جبال الشام، كالنّصيرية «1» والدّروزيّة «2» . وكان القدّاح كاذبا مخترقا، وهو أصل دعاة القرامطة» . انتهى. وقال ابن خلكان: «اختلف في نسبهم، فقال صاحب تاريخ القيروان: هو عبيد الله بن الحسن «3» بن علىّ بن محمد بن علىّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن علىّ بن الحسين بن علىّ بن أبى طالب رضى الله عنهم» . انتهى. وقال غيره: هو عبيد الله ابن محمد بن إسماعيل بن جعفر المذكور في قول صاحب تاريخ القيروان. وقيل: هو علىّ بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن الحسن بن محمد بن علىّ بن الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم. وقيل: هو عبيد الله بن التقىّ بن الوفىّ بن الرضىّ، وهؤلاء الثلاثة يقال لهم المستورون في ذات الله. والرضىّ المذكور هو ابن محمد بن إسماعيل بن جعفر. واسم التقىّ الحسين. واسم الوفىّ أحمد. واسم الرضىّ عبد الله. وإنّما استتروا خوفا على أنفسهم لأنّهم كانوا مطلوبين من جهة الخلفاء من بنى العباس، لأنّهم علموا أنّ فيهم من يروم الخلافة؛ [أسوة غيرهم من العلوييّن، وقضاياهم ووقائعهم في ذلك مشهورة «4» ] . وإنّما تسمّى المهدىّ عبيد الله استتارا. هذا عند من يصحّح نسبه ففيه اختلاف كثير. وأهل العلم بالأنساب من المحقّقين ينكرون دعواه في النسب. وقيل: هو عبيد الله بن الحسين بن علىّ بن محمد بن على

الرضى بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق. وقيل: هو علىّ بن الحسين بن أحمد ابن عبد الله بن الحسين بن محمد بن زين العابدين بن محمد بن الحسين، وإنّما سمّى نفسه [عبيد «1» الله] استتارا. وهذا أيضا على قول من يصحّح نسبهم. والذي ينكر نسبه يقول: اسمه سعيد، ولقبه عبيد الله، وزوج أمّه الحسين بن أحمد القدّاح، كان كحّالا يقدح العين إذا نزل فيها ماء. وقال ابن خلكان: «وجاء المعزّ من إفريقيّة وكان يطعن في نسبه. فلمّا قرب من البلد (يعنى مصر) وخرج الناس للقائه، اجتمع به جماعة من الأشراف؛ فقال له من بينهم الشريف عبد الله بن طباطبا: إلى من ينتسب مولانا؟ فقال له المعزّ: سنعقد مجلسا ونسرد عليكم نسبنا. فلمّا استقرّ المعزّ بالقصر جمع الناس في مجلس عامّ وجلس لهم وقال: هل بقى من رؤسائكم أحد؟ فقالوا: لم يبق معتبر، فسلّ [عند ذلك نصف «2» ] سيفه وقال: هذا نسبى! ونثر عليهم ذهبا كثيرا، وقال: هذا حسبى! فقالوا جميعا: سمعنا وأطعنا» . قلت: وفي نسب المعزّ أقوال كثيرة أخر أضربت عن ذكرها خوف الإطالة. والظاهر أنه ليس بشريف، وأنّه مدّع. والله أعلم. واستمر بالقاهرة إلى أن مرض بها وتوفّى يوم الجمعة السابع عشر من شهر ربيع الأوّل سنة خمس وستين وثلثمائة، وله ست وأربعون سنة؛ وقام ولده العزيز نزار بعده بالأمر «3» . وأقام المعزّ واليا ثلاثا وعشرين سنة وخمسة أشهر وسبعة وعشرين يوما، منها بمصر ثلاث سنين، وباقى ولايته كانت بالمغرب: وخلّف عشرة أولاد: نزارا الذي ولى مصر بعده وعبد الله وعقيلا وسبع بنات.

وأقام بتدبير مملكة ولده العزيز جوهرا القائد بانى القاهرة وصاحب جامع الأزهر المقدّم ذكره. قال ابن خلّكان: إنّه توفّى يوم الجمعة الحادى عشر من شهر ربيع الآخر. وقيل: الثالث عشر [وقيل لسبع «1» خلون] منه. فخالف ما قلنا «2» فى اليوم والشهر إلّا أنّه وافق في السنة. قال: و (معدّ بفتح الميم والعين المهملة وتشديد الدال المهملة) . انتهى. قلت: وكان المعزّ عاقلا حازما أديبا جوادا ممدّحا، فيه عدل وإنصاف للرعية، فمن عدله [ما] حكى عنه أنّ زوجة الإخشيذ الذي كان ملك مصر لمّا زالت دولتهم أودعت عند يهودىّ بغلطاقا «3» كلّه جوهر، ثمّ فيما بعد طالبته فأنكر؛ فقالت: خذكمّ البغلطاق وأعطنى ما فضل فأبى؛ فلم تزل به حتّى قالت: هات الكمّ وخذ الجميع فلم يفعل؛ وكان في البغلطاق بضع عشرة درّة؛ فأتت المرأة إلى قصر المعزّ فأذن لها فأخبرته بأمرها، فأحضره وقرّره فلم يقرّ؛ فبعث إلى داره من خرّب حيطانها فظهرت جرّة فيها البغلطاق؛ فلما رآه المعزّ تحيّر من حسنه، ووجد اليهودىّ قد أخذ من صدره درّتين، فآعترف أنه باعهما بألف وستمائة دينار؛ فسلّمه المعز بكماله للمرأة. فاجتهدت أن يأخذه المعزّ هديّة أو بثمن فلم يفعل؛ فقالت: يا مولاى، هذا كان يصلح لى وأنا صاحبة مصر، وأمّا اليوم فلا؛ فلم يقبله المعزّ وأخذته وانصرفت.

ذكر ركوب الخلفاء الفاطميين في أول العام من كل سنة

وكان المعزّ قد أتقن فنونا من العلم والأدب. ومن شعره قوله: لله ما صنعت بنا ... تلك المحاجر في المعاجر» أمضى وأقضى في النفو ... س من الخناجر في الحناجر ولقد تعبت ببينكم ... تعب المهاجر في الهواجر ذكر ركوب الخلفاء الفاطميين في أوّل العام من كلّ سنة والمعزّ هذا هو الذي استسنّ ذلك كلّه، فكان أمره إذا كان أواخر ذى الحجّة من كلّ سنة انتصب كلّ من المستخدمين في الأماكن الآتى ذكرها لإخراج آلات الركوب: فيخرج من خزائن الأسلحة ما يحمله صبيان الرّكاب «2» حول الخليفة، وهو الصّماصم «3» المصقولة المذهّبة، [مكان «4» السيوف] ، والدبابيس الملبّسة الكيمخت «5» الأحمر والأسود مدوّرة الرأس مضرّسة؛ ولتوت «6» رءوسها مستطيلة؛ وآلات يقال لها المستوفيات، وهى عمد حديد طول ذراعين مربّعة الشكل، لها مقابض مدوّرة فى اليد، وعدد معلومة أيضا من كلّ صنف يتسلّمها نقباؤهم؛ وستّمائة حربة بأسنّة مصقولة تحتها جلب «7» فضّة، كل اثنتين في شرّابة تعطى لثلثمائة عبد [من] السودان الشباب يقال لهم أرباب السلاح الصغير «8» ويعطى لكل منهم درقة. هذا من خزائن السلاح.

ثمّ يخرج من خزائن التجمّل، وهى من حقوق خزائن السلاح، القضب الفضة [برسم «1» ] تشريف الوزير وأرباب الرتب من الأمراء والعساكر من الرّجالة والمشاة، وهى رماح ملبّسة بأنابيب الفضة المنقوشة بالذهب سوى ذراعين منها، فإنّها مشدودة بالمعاجر الشرب «2» الملوّنة، وتبقى أطرفها المرقومة مسبلة كالسناجق «3» ، وبرأس كلّ رمح رمامين فضة منفوخة وأهلّة مجوّفة وفيها جلاجل لها حسّ إذا تحرّكت، وعدّتها مائة رمح. ومن العماريّات «4» وهى شبه الكجاوات «5» مائة عماريّة ملبّسة بالديباج الأحمر والأصفر والسقلاطون «6» مبطّنة «7» مضبوطة بزنانير من حرير، وعلى دائر التربيع مناطق بكوامخ «8» فضّة مسمورة في جلد. ويخرج للوزير لواءان على رمحين ملفوفين غير منشورين، فيسيران أمام الوزير. ثمّ يسير للأمراء أرباب الرتب في الخدم، أوّلهم صاحب الباب «9» عشر «10» قصبات وعشر

عماريّات. وللإسفهسالار «1» مثل ذلك عدّة عماريّات بألوان مختلفة؛ ومن سواهما من الأمراء خمس «2» . ثمّ يخرج من البنود الخاصّ الدّبيقىّ «3» المرقوم الملوّن برماح ملبّسة بالأنابيب، على رءوسها الرمامين والأهلة للوزير أيضا خاصّة. ودون هذه البنود مما هو حرير على رماح غير ملبّسة، رءوسها ورمامينها نحاس مجوّف مذهّب، أمام الأمراء المذكورين. ثمّ يخرج لقوم يقال لهم السبربرية «4» سلاح، كلّ قطعة طول ثلاث أدرع برأسها طلعة مصقولة وهى من خشب القنطارية داخلة في الطلعة، وفي عقبها حديد مدوّر السّفل، فهى في كفّ حاملها الأيمن، وهو يفتلها فتلا متدارك الدوران؛ وفي يده اليسرى نشّابة كبيرة يخطر بها. ثمّ يخرج من النّقّارات حمل خمسين «5» بغلا على خمسين بغلا، على كلّ بغل خمس مثل الكوسات يقال لها طبول. قلت: ولها حسّ مستحسن. ويسيرون في المواكب ثلاثا «6» . ثمّ يخرج لقوم متطوّعين ليس لهم جراية ولا نفقة، وعدّتهم مائة رجل،

لكل واحد درقة من درق اللّمط «1» واسعة وسيف؛ ويسيرون رجّالة. هذا ما يخرج من خزائن السلاح. ثمّ يحضر حامى خزائن السروج، وهو من الأستاذين «2» المحنّكين، إليها مع مشارفها وهو من الشهود المعدّلين «3» ، فيخرج منها من «4» خاصّ الخليفة من الرّكاب المحلّى ما هو برسم ركوبه، وما يجنب في الموكب مائة سرج تشدّ على عدّة حصن. ويقال: كلّ مركب مصوغ من ذهب وفضّة، أو من ذهب منزّل فيه المينا، وروادفها وقرابيسها من نسبتها. ومنها مرصّع بحبّ اللؤلؤ الفائق. والخيل مطوّقة بأعناق الذهب وقلائد العنبر، وفي أيدى أكثرها خلاخل مسطّحة بالذهب، ومكان الجلد من السروج الديباج الأحمر والأصفر وغيرهما من الألوان المنقوشة؛ قيمة كلّ دابّة وما عليها ألف دينار. فيشرّف الوزير منها بعشرة لركوبه وأولاده ومن يشاء من أقاربه. ويتسلّم ذلك كلّه عرفاء الإصطبلات.

ثمّ يخرج من الخزانة أيضا لأرباب الدواوين المرتّبين في الخدم مراكب على مقدارهم، عليها من العدّة دون «1» ما تقدّم ذكرهم، وعدّتهم ثلثمائة خيل وبغال. ثم ينتدب حاجب يفرّق لأرباب الخدم كلّ واحد سيفا وقلما؛ فيحضر سحر اليوم المذكور إلى منازل أرباب الخدم بالقاهرة ومصر، ولهم رسوم من الرّكاب من دينار إلى نصف دينار إلى ثلث دينار. فإذا تكمّل ما وصفنا وتسلّمه أربابه من العرفاء يجلس «2» الخليفة في الشبّاك لعرض الخيل الخاصّ المقدّم ذكرها، ويقال له يوم عرض الخيل، فيستدعى الوزير بصاحب الرسالة، وهو من كبار الأستاذين المحنّكين، فيمضى مسرعا على حصان دهراج «3» ، فيعود ويعلم باستدعاء الوزير؛ فيخرج الخليفة من مكانه راكبا في القصر والناس بين يديه مشاة، فينزل بمكان «4» لا بدهليز باب الملك الذي فيه الشباك، وعليه ستر؛ فيقف زمام «5» القصر من جانبه الأيمن وصاحب بيت المال «6» من جانبه الأيسر. فيركب الوزير من داره وبين يديه الأمراء. فيترجّل الأمراء من باب القصر والوزير راكب، ويدخل من باب العيد في هذا اليوم، وينزل عند أوّل الدّهاليز الطّوال، ويمشى وحوله حاشيته وأقاربه إلى الشبّاك، فيجلس على كرسىّ جيّد ورجلاه تطأ الأرض. فعند ما يجلس يرفع الأستاذان جانبى الستر الذي «7» على الخليفة. فإذا رأى الوزير الخليفة وقف وسلّم وخدم بيده إلى الأرض خمس «8» مرّات. ثم يؤذن له في الجلوس على كرسيّه،

ويقرأ القرّاء آيات لائقة بذلك الحال نصف ساعة. ثم تعرض الخيول كالعرائس بأيدى شدّاديها، فيقرأ القرّاء عند تمام العرض ويرخى جنبات الستر. ويقوم الوزير فيدخل ويقبّل يد الخليفة ورجله؛ ثمّ ينصرف فيركب من مكان نزوله والأمراء فى ركابه ركبانا ومشاة إلى قريب من داره. فإذا صلّى الإمام الظهر جلس الخليفة لعرض ما يلبسه في الغد من خزائن الكسوة الخاصّة، ويكون لباسه البياض، فيعين منديلا خاصّا وبدلة. ويتسلّم المنديل شادّ التاج الشريف، ويقال له شدّ «1» الوقار، وهو من الأستاذين المحنّكين وله ميزة، فيشدّها شدّة غريبة لا يعرفها سواه، شكل الإهليلجة. ثم يحضر إليه اليتيمة، وهى جوهرة عظيمة لا تعرف لها قيمة، فتنظم وحولها ما هو دونها من الجواهر؛ وهى موضوعة في هلال من ياقوت أحمر ليس له مثال في الدنيا، زنته أحد عشر مثقالا، وقيل أكثر، يقال له الحافر، فتنظم في خرقة حرير أحسن ما يمكن من الوضع، ويخاط على «2» التاج بخياطة خفيفة، فيكون ذلك بأعلى جبهة الخليفة، وبدائرها قصب الزّمرذ الذّبابىّ «3» العظيم القدر. ثمّ يؤمر بشدّ المظلّة التى تشاكل تلك البدلة، وهى اثنا عشر شوزكا «4» ، عرض أسفل كلّ شوزك شبر وطوله ثلاث أذرع وثلث؛ وآخر الشوزك من فوق دقيق جدا. فيجتمع ما بين الشوازك في رأس عمودها دائرة «5» . والعمود من الزان ملبّس بأنابيب الذهب «6» . وفي آخر أنبوبة تلى الرأس فلكة بارزة قدر عرض إبهام. فيشدّ

آخر الشوازك في حلقة ذهب. وللمظلة أضلاع من خشب الخلنج «1» مربّعات مكسوّة بالذهب على عدد الشوازك خفاف بطول الشوازك. وفيها خطاطيف لطاف، وحلق يمسك بعضها بعضا تنضمّ وتنفتح، ورأسها كالرمّانة، ويعلوه أيضا رمّانة صغيرة كلها ذهب مرصّع بجوهر، ولها رفرف دائر عرضه أكثر من شبر ونصف، وتحت الرّمانة عنق مقدار ستّ «2» أصابع. فاذا أدخلت الحلقة الذهب الجامعة لآخر الشوازك في رأس العمود ركّبت عليها الرمانة ولفّت في عرضى «3» دبيقىّ مذهب، فلا يكشفها منه إلّا حاملها عند تسليمها وقت الركوب. ثمّ يؤمر بشدّ لواءى الحمد المحتصّين بالخليفة، وهما رمحان [طويلان «4» ملبّسان بمثل أنابيب عمود المظّلّة إلى حدّ نصفهما] برأسهما لواءان حريرا أبيض مرقوما بالذهب ملفوفين على رماحهما، ويخرجان بخروج المظّلة، فيحملهما أميران. ثمّ يخرج إحدى وعشرون راية لطيفة من حرير مرقوم، ملوّنة بكتابة «5» فى كلّ واحدة بما يخالف لونها [ونص «6» كتابتها] : (نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) . طول كلّ راية ذراعان في ذراع ونصف، فتسلّم لواحد وعشرين رجلا. ثمّ يخرج رمحان في رءوسهما أهلّة من ذهب في كلّ واحد سبع من ديباج أحمر وأصفر، وفي فمه طارة «7» مستديرة، يدخل فيها الريح فينفتحان فيظهر شكلهما، ويتسلمهما فارسان يسيران أمام الرايات.

ثمّ يخرج السيف الخاصّ، وجلبته [ذهب «1» ] مزصّعة بالجواهر، فى خريطة مرقومة بالذهب، لا يظهر سوى رأسه، فيخرج مع المظّلة، وحامله أمير، عظيم القدر، وهو أكبر حامل. ثمّ يخرج الرمح، وهو رمح لطيف، فى غلاف منظوم من لؤلؤ، وله سنان مختصر بحلية ذهب [وله شخص مختص بحمله «2» ] . ودرقة بكوامخ ذهب وسيعة، تنسب إلى حمزة بن عبد المطّلب، في غشاء حرير، فيحملها «3» أمير مميّز له جلالة. ثمّ يعلم الناس سلوك الموكب. والموكب دورتين «4» ؛ إحداهما كبرى، وهى من باب القصر إلى باب النصر، مارّا إلى الحوض حوض «5» عزّ الملك. ثمّ ينعطف على اليسار إلى باب الفتوح إلى القصر. والأخرى هى الصغرى، إذا خرج من باب النصر سار حول السور ودخل من باب الفتوح إلى القصر. فكان إذا ركب ساروا بين يديه بغير اختلال ولا تبديل. فإذا أصبح الصبح يوم غرّة العام اجتمع أرباب الرتب من القاهرة ومصر وأرباب السيوف والأقلام، فصفّوا بين القصرين، ولم يكن فيه بناء كاليوم بل كان خلاء. ويبكّر الأمراء إلى دار الوزير؛ فيركب الوزير من غير استدعاء، ويسير أمامه تشريفه المقدّم ذكره «6» ، والأمراء بين يديه ركّابا ومشاة، وأمامه بنوه وإخوته، وكلّ منهم يرخى الذؤابة بغير حنك «7» ؛ وهو في أبّهة عظيمة من الثياب الفاخرة والمنديل

بالحنك، متقلدا سيفا مذهّبا؛ فيدخل أهله عند القصر في أخصّ مكان لا يصل الأمراء إليه؛ ويدخل الوزير من باب القصر راكبا وحده إلى دهليز العمود، فينزل على مصطبة هناك ويمشى إلى القاعة ويجلس بها. فإذا دخلت الدّابة لركوب الخليفة وأسندت إلى الكرسىّ الذي يركب عليه الخليفة من باب المجلس أخرجت المظلّة إلى حاملها، فيكشفها بإعانة جماعة من الصقالبة «1» برسم خدمتها، فيركزها في آلة من حديد متّخذة شكل القرن المصطحب «2» ، وهو مشدود في ركاب حاملها الأيمن بقوّة وتأكيد بعقبها، فيمسك العمود بحاجز فوق يده فيبقى وهو منتصب لا يضطرب فى ريح عاصف. ثمّ يخرج السيف فيتسلّمه حامله، ويرخى له ذؤابة «3» ما دام حاملا له. ثمّ تخرج الدواة فيتسلّمها حاملها، وهو من الأستاذين المحنّكين، وهى الدواة التى كانت من أعاجيب الزمان، وهى من الذهب، وحليتها من المرجان، تلفّ في منديل شرب بياض مذهب. وفيها يقول بعض الشعراء: ألين لداود الحديد كرامة ... فقدّره في السّرد كيف يريد ولان «4» لك المرجان وهو حجارة ... على أنّه صعب المرام شديد ثمّ يخرج الوزير ومن معه وينضمّ إليه الأمراء، فيقف إلى جانب الدّابة، فيرفع صاحب [المجلس «5» ] السّتر، فيخرج منه الخليفة بالهيئة المشروحة قبل تاريخه: من

الثياب والمنديل الحامل لليتيمة بأعلى جبهته، وهو محنّك مرخى الذؤابة مما يلى جانبه الأيسر، متقلّد سيفا عربيا «1» وبيده قضيب الملك، وهو طول شبر ونصف، من عود مكسوّ بالذهب المرصّع بالجوهر؛ فيسلّم على الوزير قوم مرتّبون لذلك، ويسلّمون على أهله وعلى الأمراء بعدهم. ثمّ يخرجون شيئا بعد شىء إلى أن يبقى الوزير فيخرج بعدهم، ويركب ويقف قبالة باب القصر إلى أن يخرج الخليفة وحوله الأستاذون، ودابّته تمشى على بسط مفروشة خيفة أن تزلق على الرّخام. فعند ما يقرب من الباب يضرب رجل ببوق من ذهب لطيف معوجّ الرأس، يقال له العربانة «2» ، بصوت عجيب يخالف أصوات البوقات، فتضرب أبواق الموكب وتنشر المظلّة، ويخرج الخليفة من الباب فيقف مقدار ما يركب الأستاذون المحنّكون وأرباب الرتب الذين كانوا بالقاعة. ثمّ يسيرون والمظلّة على يسار الخليفة وصاحبها يبالغ ألّا يزول عنه ظلّها، وصبيان الركاب، منهم جماعة كبيرة من الشكيمتين، وجماعة أخرى في عنق الدّابة، وجماعة أخرى في ركابيه. فالأيمن مقدّم المقدّمين، وهو صاحب المقرعة التى يناولها [للخليفة ويتناولها منه «3» ] ، ويؤدّى عن الخليفة الأوامر والنواهى مدّة ركوبه. ويسير «4» الموكب وبأوّله أخلاط بعض العسكر، ثمّ الأماثل، ثمّ أرباب المناصب، ثم أرباب الأطواق، ثمّ الأستاذون المحنّكون، ثمّ حاملا لواءى الحمد من الجانبين،

ثمّ حامل الدّواة، وموضعها من حاملها بينه وبين قربوس السّرج، ثمّ صاحب السيف وهما في الجانب الأيسر. وكلّ ممّن تقدّم ذكره بين «1» العشرة والعشرين من أصحابه. وأهل الوزير من الجانب الأيمن بعد الأستاذين المحنّكين؛ ثمّ الخليفة وحوله صبيان الرّكاب المذكورة تفرقة «2» السلاح [فيهم] ، وهم ما يزيد على ألف رجل، وعليهم المناديل الطبقيّات يتقلّدون بالسيوف، وأوساطهم مشدودة بمناديل، والسلاح مشهور بأيديهم، من جانبى الخليفة كالجناحين، وبينهم فرجة لوجه الدّابة ليس فيها أحد. وبقرب من رأس الدّابة صقلبيّان محمّلان مذبّتين، كلّ واحدة، كالنخلتين، لما يسقط من طائر وغيره؛ وهو سائر على تؤدة ورفق. وبطول «3» الموكب والى القاهرة رائح وعائد يفسح الطرقات ويسيّر الفرسان، فيلقى في عوده الإسفهسالار كذلك «4» فى حثّ الأجناد في الحركة وينكر على المزاحمين. ويلقى أيضا في عوده صاحب الباب بمن في زمرة الخليفة إلى أن يصل إلى الإسفهسالار، فيعود لترتيب الموكب، وبيد كلّ منهم دبّوس. وخلف دابة الخليفة قوم من صبيان الركاب لحفظ أعقابه، وخلفهم أيضا أخر يحمل كلّ واحد سيفا في خريطة ديباج أحمر وأصفر بشراريب، يقال لها «سيوف الدم» لضرب الأعناق. ثمّ صبيان السلاح الصغير أرباب الفرنجيات [المقدّم ذكرهم «5» ] أوّلا. ثمّ يأتى الوزير وفي ركابه قوم من أصحابه وقوم يقال لهم صبيان الزّرد من أقوياء الأجناد، يختارهم «6» لنفسه نحو من خمسمائة رجل من جانبيه، كأنّه على قلق من

حراسة الخليفة، ويجتهد ألّا يغيب عن نظره «1» ، وخلفه الطّبول والصّنوج والصفافير، بحيث تدوّى منهم الدنيا في عدد كثير. ثمّ يأتى حامل الدّرقة والرمح. ثمّ طوائف «2» الراجل «3» من الركابيّة والجيوشيّة وقبلهما المصامدة، ثمّ الفرنجية، ثمّ الوزيريّة زمرة بعد زمرة في عدد وافر يزيد على أربعة آلاف نفر، ثمّ أصحاب الرايات، ثمّ طوائف العساكر من الامريّة والحافظيّة والحجريّة الكبار والحجريّة الصّغار والصّقلّيّة «4» ، ثمّ الأتراك المصطنعون «5» ، ثمّ الديلم، ثم الأكراد والغزّ المصطنعة وهم البحريّة. ويقدم هذه الفرسان عدّة وافرة من المترجّلة أرباب قسىّ اليد وقسىّ الرّجل في نيّف وخمسمائة نفر، وهم المعدّون للأساطيل، وجملتهم نحو ثلاثة آلاف وأكثر. وهؤلاء الذين ذكرناهم بعض من كلّ لا جميع عسكر الخليفة. ثمّ يدخلون من باب الفتوح ويقفون بين القصرين كما كانوا. فإذا وصل الخليفة إلى موضع جامع الأقمر الآن وقف وقفة وانفرج الموكب، فيمرّ الموكب بالخليفة، ويسكع «6» الوزير ليظهر للناس خدمته، ويشير إليه الخليفة

بالسلام إشارة خفيفة؛ وهذه أعظم مكارمة تصدر عن الخليفة، وهى للوزير صاحب السيف خاصّة؛ فيسبق إذا لدخول الباب بالقصر راكبا إلى موضعه على العادة، خاصّة له، والأمراء مشاة. فيصل الخليفة إلى الباب وقد ترجّل الوزير وقبله الأستاذون المحنّكون، فيحدقون به، والوزير أمام الدّابة إلى أن ينزل الخليفة؛ فيخرج الوزير ويركب من مكانه، والأمراء في خدمته وأقاربه بين يديه، فيسيرون إلى داره فيسلّمون وينصرفون إلى أماكنهم، فيجدون قد أحضر إليهم المقرر من الخليفة، يأمر بضرب دنانير ورباعيّة ودراهم في العشر الأخير من ذى الحجة، عليها تاريخ السنة التى ركب فيها؛ فيحمل للوزير منها شىء كثير وإلى أولاده وأقاربه، ثم إلى أرباب الرتب من أرباب السيوف والأقلام، من عشرة دنانير إلى رباعىّ إلى قيراط وإلى دينار واحد، فيقبلون ذلك تبرّكا. ولا ينقطع «1» الركوب من أوّل العام إلّا متى شاء، ولا يتعدّى ما ذكرناه في يومى السبت والثلاثاء. فإذا عزم على الركوب في هذه الأيّام أعلم بذلك، وعلامته إنفاق الأسلحة في صبيان الركاب من خزائن السلاح. وكان أكثر ركوبه إلى مصر. فإذا ركب ركب الوزير وراء الخليفة في أقلّ جمع مما تقدّم ذكره في ركوب أوّل العام. فيشقّ الخليفة القاهرة إلى جامع أحمد بن طولون إلى المشاهد «2» إلى درب «3»

الصّفا، ويقال له الشارع، الأعظم إلى دار الأنماط «1» إلى جامع مصر، فيجد ببابه الشريف الخطيب واقفا على مصطبة فيها محراب مفروش بحصير معلّق عليه سجادة، وفي يده مصحف، يقال: إنه بخط علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه، وهو من خاصله «2» ، فيناول الشريف الخليفة المصحف فيأخذه ويقبّله ويتبارك به، ويعطيه صاحب الخريطة المقرّر «3» للصلاة ثلاثين دينارا، وهى رسمه كلّما مرّ به الخليفة، فيعطيها الشريف إلى مشارف الجامع، فيأخذ منها أربعة عشر دينارا، ويفرّق الباقى على «4» القامة والمؤذنين خاصّة. ثمّ يسير الخليفة إلى دار «5» الملك، فينزلها والوزير معه؛ وكلّما مرّ من القصر إلى دار الملك بمسجد أعطى قيّمه دينارا. ثمّ تأتى المائدة من القصر وعدّتها خمسون

شدّة «1» على رءوس الفرّاشين مع صاحب المائدة، وهو أستاذ جليل إلّا أنّه ليس بمجنّك؛ وفي كلّ شدّة طيفور «2» ، فيه الأوانى الخاصّ، فيها من الأطعمة الخاصّ من كلّ نوع شهىّ وكلّ صنف من المطاعم العالية، وله روائح عبقة مسك «3» أرخية وعلى كلّ شدّة طرحة حرير تعلو الشدّة. فيحمل الخليفة إلى الوزير منها جزءا وافرا، ويعطى الأمراء ومن حضر، ثم يوصل إلى أهل مصر من ذلك كثيرا من الفضلات. ثمّ يصلّى الخليفة العصر ويتحرّك إلى العود، والناس في الطريق جلوس لنظره. وزيّه في هذه الأيام لبس الثياب البياض المذهّبة والملوّنة، وهى العمامة، والمنديل مشدود، وشدّته مفردة عن شدّات الرعيّة وذؤابته تقرب من الجانب الأيسر؛ ويتقلّد السيف العربىّ «4» المجوهر بغير حنك ولا مظلّة ولا يتيمة، ولذلك أوقات مخصوصة، فلا يمرّ بمسجد في طريقه إلّا ويعطى قيّمه دينارا، كما جرى فى الرّواح. وينعطف من [باب «5» ] الخرق، فيدخل من بابى زويلة، ويشقّ القاهرة إلى القصر. ويكون ذلك من المحرّم إلى شهر رمضان؛ كما مرّ في أوّل العام.

ذكر ركوب الخليفة في يومى عيد الفطر والنحر

وكان إذا ركب في أوّل العام يكتب إلى ولاة الأعمال والنوّاب سجلات مخلّقة يذكر فيها ركوب الخليفة. وهذا كلّه سوى ركوبه في شهر رمضان إلى الخطبة، على ما سنذكر إن شاء الله تعالى. ذكر ركوب الخليفة في يومى عيد الفطر والنّحر إذا تكمّلت عدّة شهر رمضان، وهى عندهم أبدا ثلاثون يوما، وتهيّأت الأمور، كما تقدّم ذكره، ركب الخليفة بالمظلّة «1» واليتيمة «2» ، ولباسه في هذا اليوم الثّياب البياض الموشّحة، وهى أجلّ لباسهم؛ والمظلّة أبدا زيّها تابع لزىّ ثياب الخليفة. ويخرج الخليفة من باب العيد إلى المصلّى «3» ، وعساكره وأجناده من الفرسان والرجّالة زائدة على العادة موفورة العدد، فيقفون صفّين من باب العيد إلى المصلّى. [ويكون صاحب بيت المال قد تقدّم «4» على الرسم لفرش المصلّى، فيفرش الطرّاحات على رسمها فى المحراب مطابقة؛ ويعلّق سترين يمنة ويسرة] ، على الستر الأيمن الفاتحة وسبّح اسم ربّك الأعلى، وعلى الأيسر الفاتحة وهل أتاك حديث الغاشية؛ ويركز

فى جانبى المصلّى لواءين مشدودين على رمحين قد لبّست أنابيبهما من الفضّة، ويرخيهما. فيدخل الخليفة من شرقىّ المصلّى إلى مكان يستريح فيه قليلا، ثم يخرج محفوظا كما يخرج للجمعة، فيصلّى بالتكبيرات المسنونة والقوم من ورائه على ترتيبهم في صلاة الجمعة. ويقرأ في الأولى بعد الفاتحة سبّح اسم ربّك الأعلى، وفي الأخرى الغاشية؛ ثم يصعد إلى ذروة المنبر وعليها طرّاحة سامان «1» أو دبيقىّ «2» ، وباقى درجه مستور بالأبيض. ويقف الوزير أسفل المنبر ومعه قاضى القضاة وصاحب الباب [و] إسفهسالار «3» العساكر وصاحب السيف وصاحب الرّسالة وزمام القصر «4» وصاحب دفتر المجلس وصاحب المظلّة وإمام «5» الأشراف الأقارب وصاحب بيت المال وحامل الرمح ونقيب الأشراف الطالبيين. فيشير الخليفة إلى الوزير فيصعد ويقبّل رجله بحيث يراه الناس، ثمّ يقف على يمينه. ثمّ يشير إلى القاضى فيصعد إلى سابع «6» درجة، فيشير إليه الخليفة فيخرج من كمّه درجا «7» أحضر إليه أمس من ديوان الإنشاء قد عرض على الخليفة والوزير؛ فيقرؤه معلنا؛ وأوّله البسملة ويليها «ثبت «8» بمن شرّف بصعوده المنبر الشريف فى يوم كذا من سنة كذا من عبيد أمير المؤمنين، صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين، بعد صعود السيّد الأجل ... » ويذكر الوزير بألقابه

ونعوته. ومرّة يشرّف الخليفة أحدا «1» من أقارب الوزير، فيستدعيه القاضى. ثمّ يتلو «2» ذلك ذكر القاضى [وهو القارئ «3» ] فلا يسع القاضى أن يقول نعوت نفسه بل يقول [المملوك «4» ] فلان [بن فلان «5» ] . وقرأه [مرّة «6» ] ابن [أبى «7» ] عقيل القاضى فقال «8» عن نفسه: العبد الذليل، المعترف بالصنع الجميل، فى المقام الجليل، أحمد بن عبد الرّحمن بن [أبى] عقيل. أو غير ذلك بحسب ما يكون اسم القاضى. ثمّ يستدعى من ذكرنا وقوفهم على باب المنبر، فيصعدون، وكّل له مقام يمنة أو يسرة؛ ثمّ يشير إليهم الوزير فيأخذ كلّ واحد نصيبا من اللواء الذي يحاذيه، فيسترون الخليفة ويستترون؛ ثمّ يخطب الخليفة خطبة بليغة. فإذا فرغ كشفوا ما بأيديهم من الألوية وينزلون أوّلا بأوّل القهقرى. ثمّ ينزل الخليفة إلى مكانه الذي خرج منه، ويركب في زيّه المفخّم إلى قريب من القصر؛ فيتقدّمه الوزير، كما ذكرنا، ويدخل من باب العيد، فيجلس فى الشّباك، وقد نصب منه إلى فسقية كانت في وسط الإيوان سماط طوله عشرون قصبة، عليه من الخشكنان «9» والبستندود «10» والبرماورد «11» مثل الجبل الشاهق، وفيه «12» كلّ قطعة منها ربع قنطار فما دون ذلك إلى رطل؛ فيدخل الناس فيأكلون

ولا منع ولا حجر، فيمرّ ذلك بأيدى الناس وليس هذا ممّا يعتدّ به، بل يفرّق إلى الناس، ويحمل إلى دورهم. ونذكر مصروفها في ترجمة العزيز؛ فإنّه أوّل من رتّبها فى عيد الفطر خاصّة. *** وأمّا سماط الطعام [ففى يوم عيد «1» الفطر اثنتان] أولى وثانية، وفي عيد النحر مرّة واحدة. ويعبّى السّماط في الليل، وطوله ثلثمائة ذراع في عرض سبع أذرع، وعليه من أنواع المأكل أشياء كثيرة. فيحضر إليه الوزير أوّل صلاة الفجر والخليفة جالس في الشبّاك، ومكّنت الناس منه فاحتملوا ونهبوا ما لا يأكلونه، ويبيعونه ويدّخرونه. وهذا قبل صلاة العيد. فإذا فرغ من صلاة العيد مدّ السّماط المقدّم ذكره فيؤكل، ثمّ يمدّ سماط ثان من فضّة، يقال له المدوّرة، عليها أوانى الفضّة والذهب والصّينى، فيها من الأطعمة الخاصّ ما يستحى من ذكره. والسّماط بطول القاعة؛ وهو خشب مدهون شبه الدكك اللاطية، عرضه عشر أذرع. ويحطّ في وسط السماط واحد وعشرون طبقا في كلّ طبق واحد وعشرون خروفا؛ ومن الدجاج ثلثمائة وخمسون طائرا، ومن الفراريح مثلها، ومن فراخ الحمام مثلها. وتتنوّع الحلوى أنواعا؛ ثم يمدّ بخلل تلك الأطباق أصحن خزفيّات في جنبات السّماط، فى كلّ صحن تسع دجاجات في ألوان فائقة من الحلوى، والطّباهجة «2» المفتقة بالمسك الكثير. وعدّة الصحون خمسمائة صحن، مرتّب كلّ ذلك أحسن ترتيب. ثم يؤتى بقصرين من حلوى قد عملا بدار الفطرة، زنة كلّ واحد سبعة عشر قنطارا؛ فيمضى بواحد من طريق

قصر الشوك «1» إلى باب الذهب، ويشقّ بالآخر من الجانب «2» الآخر، فينصبان أوّل السّماط وآخره. ثمّ يخرج الخليفة راكبا فينزل على السرير الذي عليه المدوّرة الفضّة، وعلى رأسه أربعة من كبار الأستاذين المحنّكين، وأربعة من خواصّ الفرّاشين. ثمّ يستدعى الوزير فيجلس عن يمينه، والأمراء ومن دونهم [فيجلسون «3» ] على السّماط؛ فيتداول الناس السّماط، ولا يردّ أحد عنه حتّى يذهب عن آخره؛ فلا يقوم الخليفة إلّا قريب «4» الظهر. ثم يخرج الوزير ويذهب إلى داره؛ ويعمل سماط يقارب سماط الخليفة. وهكذا يقع في عيد النحر في أوّل يوم منه. انتهى الركوب في عيد الفطر. *** وأمّا ركوب الخليفة في عيد الأضحى، فهو أيضا بالزّىّ المقدّم ذكره والصلاة كذلك، إلّا أنّ الركوب يكون في أيّام متتابعة، أوّلها يوم العيد إلى المصلى، ثمّ يركب ثانى يوم ثم ثالث يوم من باب الرّيح، وهو في «5» ركن القصر، والباب مقابل سعيد السعداء؛ وكان الموضع المذكور فضاء لا عمارة فيه؛ فيخرج الخليفة من باب الريح «6» ، فيجد الوزير واقفا فيمشى بين يديه إلى المنحر «7» ، فينحر فيه ماشاء الله أن ينحر، ويعطى الرسوم. ورسوم الأضحية كرسوم ركوب الخليفة أوّل العام،

ويفرّق الضحايا إلى المساجد وجوامع القاهرة وغيرها. فإذا انقضى ذلك خلع الخليفة على الوزير ثيابه الحمر التى كانت عليه، ومنديلا آخر بغير اليتيمة [و] العقد المنظوم عند ما يطلع من المنحر؛ فيشقّ الوزير بذلك القاهرة إلى باب زويلة، ويسلك على الخليج إلى باب القنطرة؛ ويدخل دار الوزارة؛ فلذلك يفضّل عيد النحر على عيد الفطر لكونه يخلع فيه على الوزير. *** وأمّا الركوب لفتح خليج السدّ «1» عند وفاء النيل، فهو يضاهى ركوبّهم في أوّل العام. نذكر منه على سبيل الاختصار نبذة يسيرة. إذا كان ليالى الوفاء حمل إلى المقياس «2» من المطابخ نحو عشرة قناطير خبز، وعشرة خراف مشويّة، وعشر جامات حلوى، وعشر شمعات، وتوجّه القرّاء وأرباب الجوامع فيقرءون تلك الليلة بجامع المقياس «3» حتّى يكون الوفاء؛ فيهتم الخليفة لذلك ويركب ويستدعى الوزير على العادة، ويسير بالزىّ المقدّم من غير مظلّة، وينزل بالصناعة «4» ؛ ثمّ يركب

العشارى، ويدخل البيت المذهّب في العشارى «1» ، ومعه من شاء من المحنّكين ولا تزيد عدّتهم على أربعة نفر. ويطلع إلى العشارى خواصّ الخليفة وخواصّ الوزير؛ وهم اثنان أو ثلاثة؛ والناس كلّهم فيه قيام إلّا الوزير فإنّه يجلس. ثمّ يمرّ العشارى إلى المقياس؛ ثم تساق أشياء من التجمّل يطول شرحها من جنس ركوبه أوّل العام «2» . ثمّ يخرج بعد فراغه من تخليق «3» المقياس ويركب العشارى ويعود إلى دار الملك بمصر وتارة إلى المقس، ومن أحدهما إلى القاهرة في زىّ مهول من كثرة ما يهتمّ له من العساكر والزينة والسلاح. ويكون هذا الركوب أولى وثانية؛ فالأولى في ليلة يتوجّه القرّاء، والثانية يوم فتح الخليج. وعند ما يفتح الخليج ينشده الشعراء في المعنى. فمن ذلك: فتح الخليج فسال منه الماء ... وعلت عليه الراية البيضاء فصفت موازده لنا فكأنّه ... كفّ الإمام فعرفها الإعطاء

*** وأمّا ركوبهم في المواكب في يومى الاثنين والخميس وغير ذلك، فأمر عظيم. فأوّل الركوب ركوب [متولّى «1» ] دفتر المجلس بالقصر الباطن. ويتضمّن هذا الركوب الإنعام بالعطاء بأداء الرسوم والعطايا المفترقة في غرّة السنة، ثم يأتى ركوب وثالث ورابع وخامس. *** وأمّا خزانة الكتب «2» ، فكانت في أحد مجالس البيمارستان «3» العتيق اليوم، كان فيها ما يزيد على مائة «4» ألف مجلد في سائر العلوم، يطول الأمر في عدّتها.

وقد اختصرنا من أمور الفاطميين نبذة كثيرة خشية الإطالة والخروج عن المقصود، وفيما ذكرناه كفاية، ويعلم به أيضا أحوالهم بالقياس «1» . وربّما يأتى ذكرهم في عدة تراجم أيضا؛ فإنّهم ثلاثة عشر خليفة بمصر، نذكرهم إن شاء الله فى هذا الكتاب كلّ واحد على حدته. *** وأمّا خطبة الخليفة في شهر رمضان، فنذكرها من قول ابن عبد الظاهر. قال: «وأمّا عظم الخليفة في أيّامه وما كانت قاعدته وطريقته التى رتّبها ودامت من بعده عادة لكل خليفة فشىء كثير؛ من ذلك: أنّه كان يخطب في شهر رمضان ثلاث خطب ويستريح فيه جمعة، وكانوا يسمّونها جمعة الراحة «2» . وكان إذا أراد أن يخطب يتقدّم متولّى خزانة الفرش إلى الجامع ويغلق المقصورة التى برسم الخليفة والمنظرة وأبواب مقاصيرها وبادهنج «3» المنبر ثمّ يركب متولّى بيت المال، وعلى يد كلّ واحد منهما تعليقه «4» وفرشه، وهى عدّة سجّادات مفروزة «5» منطّقة وبأعلاها سجادة لطيفة، لا تكشف إلّا عند توجّه الخليفة إلى المحراب. ثم يفرش الجامع بالحصر المحاريب «6» المفروزة ممّا يلى المحراب- وكان ذلك بجامع الأزهر قبل أن يبنى الحاكم جامعه، ثمّ صار بعد ذلك بجامع الحاكم- ثم يهيّأ للداخل للجامع مثل ذلك، ثم يطلق البخور، وتغلق أبواب الجامع ويجعل عليها الحجّاب والبوّابون؛ ولا يمكّن

أحد أن يدخله إلّا من هو معروف من الخواصّ والأعيان. فإذا كان حضور الخليفة إلى الجامع ضربت السلسلة من ركن الجامع إلى الوجه الذي قبالته، ولا يمكّن أحد من الترجّل «1» عندها. ثمّ يركب الخليفة، ويسلّم لكلّ واحد من مقدّمى الرّكاب فى الميمنة والميسرة أكياس الذهب والورق سوى الرسوم المستقرّة والهبات والصدقات في طول الطريق. ويخرج الخليفة من باب الذهب والمظلّة بمشدّة الجوهر على رأسه، وعلى الخليفة الطّيلسان «2» . فعند ذلك يستفتح المقرئون بالقراءة فى ركابه بغير رهجيّة «3» ، والدكاكين مزيّنة مملوءة بأوانى الذهب والفضّة؛ فيسير الخليفة إلى أن يصل إلى وجه الجامع، ووزيره بين يديه، فتحطّ السلسلة ويتمّ الخليفة راكبا إلى باب جامع الأزهر الذي تجاه درب الأتراك «4» ، فينزل ويدخل من باب الجامع إلى الدّهليز الأول الصغير ومنه إلى القاعة المعلّقة التى كانت برسم جلوسه، فيجلس فى مجلسه وترخى المقرمة «5» الحرير، ويقرأ المقرئون وتفتح أبواب الجامع حينئذ. فإذا استحقّ الأذان أذّن مؤذنو القصر كلّهم على باب مجلس الخليفة ورئيس الجامع على باب المنبر وبقيّة المؤذّنين في المآذن. فعند ما يسمع قاضى القضاة الأذان يتوجّه إلى المنبر فيقبّل أوّل درجة، وبعده متولّى بيت المال ومعه المبخرة وهو يبخّر، ولم يزالا يقبّلان درجة بعد درجة إلى أن يصلا ذروة المنبر؛ فيفتح القاضى بيده التزرير ويرفع السّتر، ويتناول من متولّى بيت المال المبخرة ويبخّر هو أيضا، ثم يقبّلان الدّرج أيضا وهما نازلان. وبعد نزولهما يخرج الخليفة والمقرئون بين يديه بتلك الأصوات الشجيّة إلى أن يصل إلى المنبر ويصعد عليه. فإذا صار بأعلاه

أشار للوزير بالطلوع فيطلع إليه وهو يقبّل الدرج حتّى يصلّ إليه فيزر عليه القبّة، ثمّ ينزل الوزير ويقف على الدرجة الأولى ويجهر المقرئون بالقراءة، ثم يكبّر المؤذّنون ثمّ يشرع المؤذّنون في الصمت، ويخطب الخليفة؛ حتّى إذا فرغ من الخطبة طلع إليه الوزير وحلّ الأزرار فينزل الخليفة، وعن يمينه الوزير وعن يساره القاضى والداعى بين يديه- والقاضى والداعى هما اللذان يوصّلان الأذان إلى المؤذّنين- حتّى يدخل المحراب ويصلّى بالناس ويسلّم. فإذا انقضت الصلاة أخذ لنفسه راحة بالجامع بمقدار ما تعرض عليه الرسوم وتفرّق؛ وهى للنائب في الخطابة ثلاثة دنانير، وللنائب فى صلوات الخمس ثلاثة دنانير، وللمؤذّنين أربعة دنانير، ولمشارف خزانة الفرش وفرّاشها ومتولّيها لكلّ ثلاثة دنانير، ولصبيان بيت المال ديناران، ولمعبّى الفاكهة ديناران. وأمّا القرّاء فكان لهم رسوم غير ذلك. ومن حين يركب الخليفة من القصر إلى الجامع حتى يعود، الصدقات تعمّ الناس» . قلت: وأظنّ أنّ الدينار كان غير دينار زماننا هذا؛ فإنّه قال- بعد ما ذكر لمعبّى الفاكهة دينارين-: فأمّا الفواكه التى كانت تعبى بالجامع فإنّها كانت تباع بجملة كثيرة ويتزاحم الناس على شرائها لبركاتها ويقسم ثمنها بين الإمام والمؤذّنين. قلت: ولعلّ هذا كان رسما للمعبىّ غير ثمن الفاكهة. والله أعلم. ودام هذا الترتيب إلى آخر وقت، إلى أيّام العاضد آخر خلفاء مصر من بنى عبيد. ونذكر أيضا في ترجمة الامر بأحكام الله من العبيديين كيفية خروج الخليفة إلى الجامع بأزيد من هذا عند ما نحكى ما كان يقع له من الوجد في خطبته، إن شاء الله تعالى. انتهى ترجمة المعز لدين الله، رحمه الله تعالى.

ما وقع من الحوادث سنة 363

*** [ما وقع من الحوادث سنة 363] السنة الاولى من ولاية المعزّ معدّ على مصر، وهى سنة ثلاث وستين وثلثمائة. فيها أعاد عزّ الدولة بختيار النّوح في يوم عاشوراء إلى ما كان عليه. وفيها أظهر الخليفة المطيع ما كان يستره من علّته. وثقل لسانه وتعدّر الحركة عليه للفالج الذي كان ناله قديما، وانكشف ذلك لسبكتكين، فدعا الخليفة المطيع إلى خلع نفسه وتسليم الأمر إلى ولده الطائع لله عبد الكريم ففعل ذلك؛ وعقد له الأمر في يوم الأربعاء لثلاث عشرة خلت من ذى القعدة من السنة المذكورة. فكانت خلافته إلى أن خلع نفسه تسعا وعشرين سنة وأربعة أشهر وأربعة وعشرين يوما. وصورة ما كتب: «هذا ما أشهد على متضمّنه أمير المؤمنين الفضل المطيع لله ابن المقتدر بالله، حين نظر لدينه ورعيّته وشغل بالعلّة الدائمة عمّا كان يراعيه من الأمور الدينية اللازمة، وانقطع إفصاحه عما يجب عليه لله في ذلك، فرأى اعتزال ما كان عليه من هذا الأمر وتسليمه إلى ناهض به قائم بحقّه [ممّن يرى له «1» الرأى] . عقده له وأشهد بذلك طوعا» وذكر التاريخ المذكور. وفي آخره بخط القاضى أبى الحسن محمد بن صالح: «شهد عندى بذلك أحمد بن حامد «2» بن محمد، وعمر بن محمد ابن أحمد، وطلحة بن محمد بن جعفر» . قلت: وانقطع المطيع بداره، وكان يسمّى بعد ذلك الشيخ الصالح إلى أن مات في سنة أربع وستين وثلثمائة، على ما يأتى ذكره فى الآتية إن شاء الله تعالى. وفيها توفّى عبد العزيز بن أحمد بن جعفر الفقيه الحنبلىّ العالم المشهور، مولده سنة اثنتين وثمانين ومائتين، وصنّف المصنّفات الكبيرة؛ منها كتاب" المقنع" مائة

جزء، وكتاب" الكافى" مائتى جزء، و" الشافى" ثمانين جزءا، وأشياء غير ذلك، ومات فى شوّال. وفيها توفّى أبو الفتح على بن محمد بن أبى الفتح البستى الشاعر المشهور، وكان إماما فاضلا، يعانى الجناس. ومن شعره قوله: يأيّها الذاهب في مكره ... مهلا «1» فما المكر من المكرمات عليك بالصحة فهى المنى ... يحيا محيّاك إذا المكرمات وفيها توفّى محمد بن أحمد بن سهل أبو بكر الرّملىّ [المعروف «2» بابن] النابلسى الزاهد المشهور. بعث إليه كافور الإخشيذىّ بمال؛ فردّه وقال للرسول: قل لكافور قال الله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فالاستعانة بالله وكفى. فردّ كافور الرسول بالمال وقال قل له: (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى) فأين ذكر كافور ها هنا! الملك والمال لله. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى جمح بن القاسم المؤذّن. وأبو بكر عبد العزيز بن أحمد بن جعفر «3» صاحب الخلّال. وأبو بكر محمد ابن أحمد بن سهل الرملىّ ابن النابلسى الشهيد. وأبو العباس محمد بن موسى [ابن «4» ] السمسار. ومظفّر بن حاجب بن أرّكين «5» . والنّعمان بن محمد أبو حنيفة المغربىّ الباطنىّ «6»

ما وقع من الحوادث سنة 364

قاضى مملكة المعزّ، وكان حنفىّ المذهب لأنّ الغرب كان يوم ذاك غالبه حنفية، إلى أن حمل الناس على مذهب مالك فقط المعزّ بن باديس الآتى ذكره. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع سواء. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وأربع عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 364] السنة الثانية من ولاية المعزّ معدّ على مصر، وهى سنة أربع وستين وثلثمائة. فيها في المحرّم أوقع العيّارون «1» ببغداد «2» حريقا من الخشّابين إلى باب «3» الصغير، فاحترق أكثر هذا السوق، وهلك شىء كثير. واستفحل أمر العيّارين ببغداد حتى ركبوا الجند وتلقّبوا بالقوّاد وغلبوا على الأمور، وأخذوا الحفارة عن الأسواق والدروب. وكان فيهم أسود يقال له الزّبد، كان يأوى" قنطرة الزّبد «4» " يشحذ وهو عريان. فلمّا كثر

الفساد رأى هذا الأسود من هو أضعف منه قد أخذ بالسيف، فطلب الأسود سيفا ونهب وأغار، وحفّ به طائفة وتقوّى وأخذ أموال الناس، وتموّل حتى اشترى جارية بألف دينار؛ فراودها فتمنعت؛ فقال: ما تكرهين منّى؟ قالت: أكرهك كلّك؛ قال: ما تحبّين؟ قالت: تبيعنى؛ قال: أو [أفعل «1» ] خيرا لك من ذلك؛ فحملها إلى القاضى وأعنقها ووهبها ألف دينار؛ فتعجّب الناس من سماحته. ثمّ خرج إلى الشام فهلك هناك. وفيها خرج الخليفة الطائع ومعه سبكتكين من بغداد في المحترم يريدان واسطا لقتال بختيار؛ فمات الخليفة المطيع الفضل في يوم الاثنين لثمان بقين من المحرّم، وكان المطيع قد خرج مع ولده الخليفة الطائع يريد واسطا، فردّه ولده في تابوت إلى بغداد فدفن بها، ثمّ مات سبكتكين بعده بيوم واحد، فحمل أيضا إلى بغداد. وكان أصل سبكتكين من مماليك عزّ الدولة الأتراك، وخلع عليه الخليفة الطائع بالإمارة عوضا عن أستاذه عزّ الدولة، وخرجا لقتاله فمات. وكانت مدّة إمارته شهرين وثلاثة عشر يوما. ولمّا مات سبكتكين عقد الأتراك لأفتكين «2» الرّامى مولى معزّ الدولة، وكان أعور، وأطاعوه. وعرض عليه الطائع اللّقب فامتنع واقتصر على الكنية. وعمل على لقاء عزّ الدولة؛ فاستنجد عزّ الدولة بابن عمّه عضد الدولة فنجده؛ وقاتل الأتراك وكسرهم بعد حروب كثيرة. ثمّ طمع عضد الدولة في الإمارة وعزله عزّ الدولة، وخلع عليه الخليفة الطائع مكانه؛ وعظم أمر عضد الدولة بعد ذلك. وفيها توفّى الخليفة المطيع لله أبو القاسم الفضل أمير المؤمنين المقدّم ذكر وفاته لمّا خرج مع ولده الطائع. وهو ابن الخليفة المقتدر جعفر ابن الخليفة المعتضد

ما وقع من الحوادث سنة 365

أبى العباس أحمد الهاشمىّ العباسىّ. وأمّه أمّ ولد اسمها مشعلة «1» . بويع بالخلافة بعد المستكفى في سنة أربع وثلاثين وثلثمائة. وكان مولده سنة إحدى وثلثمائة. وخلع نفسه من الخلافة غير مكره لذلك، حسب ما ذكرناه في السنة الماضية؛ ونزل عن الخلافة لولده الطائع، ومات في المحرّم في هذه السنة، كما تقدّم. وفيها توفّى الأمير محمد بن بدر الحمّامى، وكنيته أبو بكر. كان والده بدر الحمّامىّ مولى أحمد بن طولون، وكان أميرا على فارس فمات؛ فقام ولده هذا بعده. قال أبو نعيم: وكان ثقة، مات ببغداد. الذين ذكر الذهبى وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق الدّينورىّ بن السّنّى. وأبو هاشم عبد الجبّار بن عبد الصمد السّلمىّ. والمطيع لله الفضل بن المقتدر. ومحمد بن بدر الحمّامىّ أمير فارس. ومحمد بن عبد الله ابن إبراهيم السّليطىّ أبو الحسن. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع سواء. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 365] السنة الثالثة من ولاية المعزّ معدّ على مصر، وهى السنة التى مات فيها، حسب ما تقدّم ذكره في ترجمته، وهى سنة خمس وستين وثلثمائة. فيها كتب ركن الدولة أبو على الحسن بن بويه إلى ولده عضد الدولة أبى شجاع: أنّه قد كبرت سنّه ويؤثر مشاهدته، فآجتمعا؛ فقسم ركن الدولة الملك بين أولاده،

فجعل لعضد الدولة فارس وكرمان [وأرّجان «1» ] ، ولمؤيّد الدولة الرّىّ وأصبهان، ولفخر الدولة همذان والدّينور، وجعل ولده الأصغر أبا العباس في كنف عضد الدولة. وفيها عاد جواب ركن الدولة إلى عزّ الدولة بما يطيّب خاطره: وكان لمّا بلغ عزّ الدولة ما فعل ركن الدولة من قسمة البلاد بين أولاده كتب إليه يخبره ما عمله عضد الدولة ويسأله زجره عنه، وأن يؤمّنه ممّا يخاف؛ فخاطب ركن الدولة ولده عضد الدولة في الكفّ عنه؛ فشكا إليه عضد الدولة ما عامله عزّ الدولة به وانضمام وزيره ابن بقيّة «2» عليه؛ فلم يزل به ركن الدولة حتّى أجابه بالكفّ عنه. وفيها خلع على أبى عبد الله «3» أحمد بن محمد بن عبد الله العلوىّ لإمارة الحاجّ من دار عزّ الدولة، وركب معه أبو طاهر الوزير ابن بقية إلى داره وحجّ بالناس. وفيها حجّ بالناس من مصر من جهة العزيز بن المعزّ، عند ما تخلّف بعد موت أبيه المعزّ، [رجل علوىّ «4» ] ؛ وأقيمت له الدعوة بمكّة والمدينة بعد أن منع أهل مكّة والمدينة من الميرة، ولاقوا من عدم ذلك شدائد حتى اذعنوا له.

وفيها توفّى الأمير أبو صالح منصور بن نوح السامانىّ صاحب خراسان، وقام ولده أبو القاسم نوح مقامه وسنّه ثلاث عشرة سنة. وفيها توفّى ثابت بن سنان بن ثابت بن قرّة أبو الحسن صاحب التاريخ؛ كان طبيبا فاضلا، عاشر الخلفاء والملوك، وكان ثقة فريدا في وقته. وفيها توفّى الحسين بن محمد بن أحمد بن ماسرجس الحافظ أبو علىّ الماسرجسىّ. أسلم ماسرجس على يد عبد الله بن المبارك وكان نصرانيّا. أخذ «1» بدمشق عن أصحاب هشام بن عمّار، [و] ما صنّف في الإسلام أكبر من مسنده، وصنّف" المسند الكبير" مهذّبا معلّلا في ألف وثلثمائة جزء، وجمع حديث الزّهرىّ جمعا لم يسبقه إليه أحد [وكان يحفظه «2» مثل الماء] . وفيها توفّى عبد الله بن عدىّ بن عبد الله بن محمد بن المبارك الحافظ أبو أحمد الجرجانىّ. ويعرف بابن القطّان. رحل إلى الشام ومصر رحلتين؛ أولاهما سنة سبع وتسعين «3» . قال الذهبىّ: كان لا يعرف العربية مع عجمة فيه، وأمّا في العلل والرّجال فحافظ لا يجارى. وفيها توفّى محمد بن علىّ بن إسماعيل أبو بكر الشّاشىّ الفقيه الشافعىّ المعروف بالقفّال الكبير، كان إمام عصره بما وراء النهر، ولم يكن للشافعيّة بما وراء النهر مثله.

ذكر ولاية العزيز نزار على مصر

وفيها توفّى عبد السلام بن محمد بن أبى موسى أبو القاسم الصوفىّ البغدادىّ، سافر ولقى الشيوخ من أهل الحديث والتصوّف، وجمع بين علم الشريعة والحقيقة. وفيها توفّى عبد العزيز بن عبد الملك بن نصر أبو الأصبغ «1» الأموىّ الأندلسىّ. ولد بقرطبة ثمّ رحل إلى بخارى واستوطن بها. قال الحاكم أبو عبد الله: سمعته ببخارى يروى أنّ مالك بن أنس كان يحدّث، فجاءت عقرب فلدغته ستّ عشرة مرّة فتغيّر لونه ولم يتحرّك؛ فقيل له في ذلك فقال: كرهت أن أقطع حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وإحدى وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وثلاث وعشرون إصبعا. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. ذكر ولاية العزيز نزار على مصر هو نزار أبو منصور العزيز بالله بن المعزّ لدين الله أبى تميم معدّ بن المنصور بالله أبى طاهر إسماعيل بن القائم بأمر الله محمد بن المهدىّ أبى محمد عبيد الله العبيدىّ الفاطمىّ المغربىّ ثمّ المصرىّ، ثانى خلفاء مصر من بنى عبيد، والخامس من المهدىّ إليه ممّن ولى من آبائه الخلافة بالمغرب. مولده بالمهديّة من القيروان ببلاد المغرب فى يوم عاشوراء سنة أربع وأربعين، وقيل: سنة اثنتين وأربعين وثلثمائة. وخرج مع أبيه المعزّ من المغرب إلى القاهرة ودام بها إلى أن مات أبوه المعزّ معدّ بعد أن عهد إليه بالخلافة. فولى بعده في شهر ربيع الآخر سنة خمس وستّين وثلثمائة وله اثنتان وعشرون سنة، وملك مصر وخطب له بها وبالشام وبالمغرب والحجاز،

وحسنت أيّامه. وكان القائم بتدبير مملكته مولى أبيه جوهرا القائد. وكان العزيز كريما شجاعا سيوسا، وفيه رفق بالرعيّة. قال المسبّحىّ: «وفي أيّامه بنى قصر البحر «1» بالقاهرة الذي لم يكن مثله لا في الشرق ولا في الغرب، وقصر الذهب «2» ، وجامع القرافة «3» . قلت: وفد محى آثار هؤلاء المبانى حتّى كأنها لم تكن. قال المسبّحىّ: وكان أسمر، أصهب الشعر، أعين أشهل [العين «4» ] ، بعيد ما بين المنكبين، حسن الخلق، قريبا من الناس، لا يؤثر سفك الدماء؛ وكان مغرى بالصيد، وكان يتصيّد السباع، وكان أديبا فاضلا» . انتهى. وذكره أبو منصور الثعالبىّ في يتيمة الدهر، وذكر له هذه الأبيات وقد مات له ابن في العيد فقال: [المنسرح] نحن بنو المصطفى ذوو محن ... يجرعها في الحياة كاظمنا عجيبة في الأنام محنتنا ... أوّلنا مبتلى وخاتمنا يفرح هذا الورى بعيدهم ... طرّا وأعيادنا مآتمنا

وأما بناؤه القصر بالبحر فكان في «1» . وقال أبو منصور «2» أيضا: «سمعت الشيخ أبا الطيّب يحكى أن الأموىّ صاحب الأندلس كتب إليه نزار هذا (يعنى العزيز صاحب مصر) كتابا يسبّه فيه ويهجوه؛ فكتب إليه الأموىّ: «أمّا بعد، قد عرفتنا فهجوتنا، ولو عرفناك لأجبناك» . قال فاشتدّ ذلك على نزار المذكور وأفحمه عن الجواب. يعنى أنه غير شريف وأنّه لا يعرف له قبيلة حتّى كان يهجوه» . انتهى كلام أبى منصور. ولمّا تمّ أمر العزيز بمصر واستفحل أمره وأخذ في تمهيد أمور بلاده، خرج عليه قسأم الحارثىّ وغلب على دمشق. وكان قسّام المذكور من الشّجعان، وكان أصله من قرية «تلفيتا» من قرى «3» جبل سنّير. كان ينقل التّراب على الحمير؛ وتنقّلت به الأحوال حتّى صار له ثروة وأتباع وغلب بهم على دمشق حتّى لم يبق لنوّابها معه أمر ولا نهى؛ ودام على ذلك سنين. فلمّا ملك العزيز وعظم أمره أراد زواله، فندب إليه جيشا مع تكين «4» ، فسار تكين إليه وحاربه أيّاما، وصار العزيز يمدّه بالعساكر إلى أن ضعف أمر قسّام واختفى أيّاما، ثم استأمن؛ فقيّدوه وحملوه إلى العزيز إلى مصر.

وقال القفطىّ غير ذلك، قال: «فغلب على دمشق رجل من العيّارين يعزف بقسّام وتحصّن بها (يعنى دمشق) وخالف على صاحب مصر، فسار لحربه الأمير الفضل من مصر، فحاصر دمشق وضاق بأهلها الحال؛ فخرج قسّام متنكّرا فأخذته الحرس؛ فقال: أنا رسول، فأحضروه إلى الفضل؛ فقال له: أنا رسول قسّام إليك لتحلف له وتعوّضه عن دمشق بلدا يعيش به، وقد بعثنى إليك سرّا؛ فحلف الفضل له. فلمّا توثّق منه قام وقبّل يديه وقال: أنا قسّام؛ فأعجب الفضل ما فعله وزاد في إكرامه وردّه إلى البلد وسلّمه إليه؛ وقام الفضل بكلّ ما ضمنه وعوّضه موضعا عاش به. فلمّا بلغ ذلك العزيز أحسن صلته» . انتهى. وقال الذهبىّ رواية أخرى في أمر قسّام، قال: «وهو الذي يتحدّث الناس أنّه ملك دمشق، وأنّه قسم البلاد، وقدم لقتاله سلمان بن جعفر بن فلاح إلى دمشق بجيش، فنزل بظاهرها ولم يمكنه دخولها؛ فبعث إليه قسّام بخطّه: أنا مقيم على الطاعة. وبلغ العزيز ذلك فبعث البريد إلى سلمان ليردّه؛ فترحّل سلمان من دمشق؛ وولّى العزيز عليها أبا «1» محمود المغربىّ؛ ولم يكن له أيضا مع قسّام أمر ولا حلّ ولا عقد» . انتهى كلام الذهبىّ. قلت: ولعلّ الذي ذكره الذهبىّ كان قبل توجّه عسكرتكين والفضل؛ فإنّ الفضل لمّا سار بالجيوش أخذ دمشق من قسام وعوّضه بلدا، وهو المتواتر. والله أعلم. وقال الحافظ أبو الفرج بن الجوزىّ: «كان العزيز قد ولّى عيسى بن نسطورس «2» النّصرانىّ ومنشا «3» اليهودىّ؛ فكتبت إليه امرأة: بالذى أعزّ اليهود بمنشا، والنصارى

بابن نسطورس، وأذلّ المسلمين بك، إلّا نظرت في أمرى. فقبض العزيز على اليهودىّ والنصرانىّ، وأخذ من ابن نسطورس ثلثمائة ألف دينار» . انتهى. وقال ابن خلكان: وأكثر أهل العلم لا يصحّحون نسب المهدىّ عبيد الله والد خلفاء مصر، حتّى إنّ العزيز في أوّل ولايته صعد المنبر يوم الجمعة، فوجد هناك ورقة فيها: [السريع] إنّا سمعنا نسبا منكرا ... يتلى على المنبر في الجامع إن كنت فيما تدّعى صادقا ... فاذكر أبا بعد الأب الرابع وإن ترد تحقيق ما قلته ... فانسب لنا نفسك كالطائع أو فدع «1» الأنساب مستورة ... وادخل بنا في النسب الواسع فإنّ أنساب بنى هاشم ... يقصر عنها طمع الطامع فقرأها العزيز ولم يتكلّم. ثمّ صعد العزيز المنبر يوما آخر فرأى ورقة فيها مكتوب: [البسيط] بالظّلم والجور قد رضينا ... وليس بالكفر والحماقه إن كنت أعطيت علم غيب ... فقل لنا كاتب البطاقه قال: وذلك لأنّهم ادّعوا علم المغيّبات والنجوم. وأخبارهم في ذلك مشهورة. انتهى كلام ابن خلكان باختصار. وقال غيره: كان العزيز ناهضا، وفي أيّامه فتحت حمص وحماة وحلب، وخطب له صاحب الموصل أبو الذّوّاد «2» محمد بن المسيّب بالموصل، وخطب له باليمن. ثمّ

انتقض ما بينه وبين صاحب حلب أبى الفضائل بن سعد الدولة ومدبّر ملكه لؤلؤ بعد وفاة سعد الدولة بن سيف الدولة بن حمدان صاحب حلب لمّا قتل بكجور وهرب كاتبه (أعنى كاتب بكجور، وهو علىّ بن الحسين المغربىّ) من حلب إلى مشهد الكوفة على البريّة؛ ثم اجتهد حتى وصل إلى مصر، واجتمع بالعزيز هذا وعظّم أمر حلب عنده وكثّرها، وهوّن عليه حصونها وأمر متولّيها أبى الفضائل. قلت: ولؤلؤ وأبو الفضائل يأتى بيان ذكرهما فيما يقع بينهما وبين العزيز، وتأتى أيضا وفاتهما في الحوادث، فيظهر بذلك أمرهما على من لا يعرفهما. فلمّا هوّن علىّ بن الحسين أمر حلب على العزيز، تشوّقت نفسه إلى أخذ حلب من أبى الفضائل. وكان للعزيز غلامان، أحدهما يسمى منجوتكين والآخر بازتكين «1» من الأتراك، وكانا أمر دين مشتدّين؛ فأشار على العزيز المغربىّ المذكور بإنفاذ أحدهما لقتال الحلبيّين لتنقاد إليه الأتراك مماليك سعد الدولة؛ فإنّه كان قبل ذلك قد استأمن إلى العزيز جماعة من أصحاب سعد الدولة بن سيف الدولة بن حمدان بعد موت سعد الدولة، فأمّنهم العزيز وأحسن إليهم وقرّبهم؛ منهم وفيّ «2» الصّقلبىّ فى ثلثمائة غلام (يعنى مملوكا) وبشارة الإخشيذىّ في أربعمائة غلام، ورباح «3» السيفىّ؛ فولّى العزيز وفيّا الصقلبىّ عكّا، وولّى بشارة طبريّة، وولّى رباحا غزة. ثمّ إنّ العزيز ولّى مملوكه منجوتكين حرب حلب، وقدّمه على العساكر وولّاه الشأم، واستكتب له أحمد بن محمد النّشورىّ «4» ، ثمّ ضمّ إليه أيضا أبا الحسن علىّ بن الحسين المغربىّ المقدّم ذكره ليقوم المغربىّ بأمر منجوتكين وتدبيره مع الحلبيّين؛ فإنّه كان أصل

هذه الحركة. وخرج العزيز حتّى شيّعهم بنفسه وودّعهم. فسار منجوتكين حتّى وصل دمشق، فتلقّاه أهلها والقوّاد وعساكر الشام والقبائل، فأقام منجوتكين بعساكره عليها مدّة، ثم رحل طالبا لحلب في ثلاثين ألفا. وكان بحلب أبو الفضائل بن سعد الدّولة ابن سيف الدولة بن حمدان ومعه لؤلؤ، فأغلقا أبوابها واستظهرا في القتال غاية الاستظهار على المصريّين. وكان لؤلؤ لمّا قدم عسكر مصر إلى الشام كاتب بسيل «1» ملك الرّوم فى النجدة على المصريّين ومتّ «2» له بما كان بينه وبين سعد الدولة من المعاهدة والمعاقدة، وأنّ هذا ولده قد حصر مع عساكر المصريّين؛ وحثّه على إنجاده؛ ثمّ بعث إليه بهدايا وتحف كثيرة، وسأله في المعونة والنّصرة على المصريّين، وبعث الكتاب والهدايا مع ملكون السريانىّ؛ فتوجّه ملكون السريانىّ إليه فوجد ملك الرّوم بقاتل ملك البلغر؛ فأعطاه الهديّة والكتاب، فقبل الهديّة وكتب إلى البرجىّ نائبه بأنطاكية أن يسير بالعساكر إلى حلب ويدفع المغاربة (أعنى عساكر العزيز) عن حلب. فسار البرجىّ فى خمسين ألفا؛ ونزل البرجىّ بعساكره الجسر الجديد «3» بين أنطاكية وحلب. فلمّا بلغ ذلك منجوتكين استشار علىّ بن الحسين المغربىّ والقوّاد في ذلك، فأشاروا عليه بالانصراف من حلب وقصد الروم والابتداء بهم قبل وصول الروم الى حلب، لئلا يحصلوا بين عدوّين. فساروا حتّى نزلوا تحت حصن «4» إعزاز وقاربوا الروم، وصار بينهم النهر

المعروف بالمقلوب «1» . فلمّا وقع بصرهم على الروم رموهم بالنّشاب وبينهم النهر المذكور، ولم يكن لأحد الفريقين سبيل للعبور لكثرة الماء. وكان منجوتكين قد حفظ المواضع التى يقلّ الماء فيها، وأقام جماعة من أصحابه يمنعون عسكره من العبور لوقت يختاره المنجّم. فخرج من عسكره من الدّيلم رجل شيخ كبير في السن وبيده ترس وثلاث روسات «2» ؛ فوقف على جانب النهر وبإزائه قوم من الروم، فرموه بالنّشاب وهو يسبح حتّى قطع النهر، وصار على الأرض من ذلك البرّ والماء في النهر إلى صدره. فلمّا رآه «3» عساكر منجوتكين رموا بأنفسهم في الماء فرسانا ورجّالة، ومنجوتكين يمنعهم فلا يمتنعون حتّى صاروا مع الروم في أرض واحدة وقاتلوا الروم؛ فأنزل الله نصره على المسلمين، فولّى الروم وأعطوهم ظهورهم، وركبهم المسلمون فاثخنوهم قتلا وأسرا، وأفلت كبير الروم البرجىّ في عدد يسير إلى أنطاكية، وغنم المسلمون من عساكرهم وأموالهم شيئا لا يعدّ ولا يحصى. وكان مع الروم ألفان من عسكر حلب المسلمين فقتل منجوتكين منهم ثلثمائة. وتبع منجوتكين الروم إلى أنطاكية فأحرق ضياعها ونهب رساتيقها، ثمّ كرّ راجعا إلى حلب، وكان وقت الغلّات؛ فعلم لؤلؤ أنّه لا له نجدة «4» وأنّه يضعف عن مقاومة المصريّين؛ فكاتب المغربىّ والنّشورىّ كاتب منجوتكين وأرغبهما في المال وبذل لهما ما أرضاهما، وسألهما أن يشيرا على منجوتكين بالانصراف عن حلب إلى دمشق وأن يعود في العام المقبل؛ فخاطباه فى ذلك، وصادف قولهما له شوق منجوتكين إلى دمشق؛ وكان منجوتكين أيضا

قد ملّ الحرب فانخدع؛ وكتب هو والجماعة إلى العزيز يقولون: قد نفدت الميرة ولا طاقة للعساكر على المقام، ويستأذنونه في الرجوع إلى دمشق. وقبل أن يجيء جواب العزيز رحلوا عن حلب إلى دمشق. وبلغ العزيز ذلك فشقّ عليه رحيلهم، ووجد أعداء المغربىّ طريقا إلى الطعن فيه عند العزيز، فصرف العزيز المغربىّ وقلّد الأمر للأمير صالح بن علىّ الرّوذبارىّ وأقعده مكانه. ثمّ حمل العزيز من غلّات مصر في البحر إلى طرابلس شيئا كثيرا. ثمّ رجع منجوتكين إلى حلب فى السنة الآتية وبنى الدور والحمّامات والخانات والأسواق بظاهر حلب، وقاتل أهل حلب. واشتدّ الحصار على لؤلؤ وأبى الفضائل بحلب، وعدمت الأقوات عندهم بداخل حلب، فكاتبوا ملك الروم ثانيا وقالوا له: متى أخذت حلب أخذت أنطاكية؛ ومتى أخذت أنطاكية أخذت قسطنطينيّة. فلمّا سمع ملك الروم ذلك سار بنفسه في مائة ألف وتبعه من كلّ بلد من معاملته عسكره؛ فلمّا قرب من البلاد أرسل لؤلؤ إلى منجوتكين يقول: إنّ الإسلام جامع بينى وبينك، وأنا ناصح لكم، وقد وافاكم ملك الروم بجنوده فخذوا لأنفسكم؛ ثم جاءت جواسيس منجوتكين فأخبروه بمثل ذلك، فأحرق منجوتكين الخزائن والأسواق وولّى منهزما؛ وبعث أثقاله إلى دمشق، وأقام هو بمرج قنّسرين ثم سار إلى دمشق. ووصل بسيل ملك الروم بجنوده إلى حلب، ونزل موضع عسكر المصريّين، فهاله ما كان فعله منجوتكين، وعلم كثرة عساكر المصريّين وعظموا في عينه؛ وخرج إليه أبو الفضائل صاحب حلب ولؤلؤ وخدماه «1» . ثم سار ملك الرّوم في اليوم الثالث ونزل على [حصن «2» ] شيزر وفيه منصور بن كراديس أحد قوّاد العزيز، فقاتله يوما واحدا، ثم طلب منه

الأمان فأمّنه؛ فخرج بنفسه إليه، فأهّل «1» به بسيل ملك الروم وأعطاه مالا وثيابا، وسلّم الحصن إليه؛ فرتّب ملك الروم [عليه] أحد ثقاته. ثمّ نازل حمص فافتتحها عنوة وسبى منها ومن أعمالها أكثر من عشرة آلاف نسمة. ثمّ نزل على طرابلس أربعين يوما، فقاتلها «2» فلم يقدر على فتحها، فرحل عائدا إلى الروم. ووصل خبره إلى العزيز فعظم عليه ذلك إلى الغاية، ونادى في الناس بالنفير، وفتح الخزائن وأنفق على جنده، ثمّ سار بجيوشه ومعه توابيت آبائه فنزل إلى الشام، ووصل إلى بانياس «3» ، فأخذه مرض القولنج وتزايد به حتّى مات منه وهو في الحمام في سنة ستّ وثمانين وثلثمائة. وقيل في وفاته غير ذلك أقوال كثيرة، منها أنّه مات بمدينة بلبيس من ضواحى القاهرة، وقيل: إنّه مات في شهر رمضان قبل خروجه من القاهرة في الخمّام، وعمره اثنتان وأربعون سنة وثمانية أشهر. وكانت مدّة ولايته على مصر إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر وأيّاما. وتولّى مصر بعده ابنه أبو علىّ منصور الملقّب بالحاكم الآتى ذكره إن شاء الله. وكان العزيز ملكا شجاعا مقداما حسن الأخلاق كثير الصّفح حليما لا يؤثر سفك الدماء، وكانت لديه فضيلة؛ وله شعر جيّد، وكان فيه عدل وإحسان للرعيّة. قلت: وهو أحسن الخلفاء الفاطميّين حالا بالنسبة لأبيه المعز ولابنه الحاكم؛ على ما يأتى ذكره إن شاء الله. قال ابن خلكان: «وزادت مملكته على مملكة أبيه، وفتحت له حمص وحماة وشيزر وحلب؛ وخطب له المقلّد «4» العقيلىّ صاحب الموصل بالموصل [وأعمالها «5» ]

فى المحرم سنة اثنتين وثمانين وثلثمائة، وضرب اسمه على السكة والبنود، وخطب له باليمن. ولم يزل في سلطانه وعظم شأنه إلى أن خرج إلى بلبيس متوجّها إلى الشام، فابتدأت به العلّة في العشر الأخير من رجب سنة ستّ وثمانين وثلثمائة. ولم يزل مرضه يزيد وينقص، حتّى ركب يوم الأحد لخمس بقين من شهر رمضان من السنة المذكورة إلى الحمّام بمدينة بلبيس، وخرج إلى منزل الأستاذ أبى الفتوح برجوان، وكان برجوان صاحب خزانته بالقصر، فأقام عنده وأصبح يوم الاثنين، وقد اشتدّ به الوجع يومه ذلك وصبيحة نهار الثّلاثاء، وكان مرضه من حصاة وقولنج، فاستدعى القاضى محمد بن النّعمان وأبا محمد الحسن بن عمّار الكتامىّ الملقّب أمين الدولة- وهو أوّل من تلقّب من المغاربة، وكان شيخ كتامة وسيّدها- ثمّ خاطبهما فى أمر ولده الملقّب بالحاكم، ثمّ استدعى ولده المذكور وخاطبه أيضا بذلك. ولم يزل العزيز في الحمّام والأمر يشتدّ به إلى بين الصلاتين من ذلك النهار، وهو الثلاثاء الثامن والعشرون من شهر رمضان سنة ستّ وثمانين وثلثمائة، فتوفّى في مسلخ الحمّام. هكذا قال المسبّحىّ» . قلت: والعزيز هذا هو الذي رتّب الفطرة «1» فى عيد شوّال، وكانت تعمل على غير هذه الهيئة. وكانت الفطرة تعمل وتفرّق بالإيوان، ثم نقلت في عدّة أماكن؛ وكان مصروفها في كلّ سنة عشرة آلاف دينار. وتفصيل الأنواع: دقيق ألف حملة، سكّر سبعمائة قنطار، قلب فستق ستة قناطير، لوز ثمانية قناطير، بندق أربعة قناطير، تمر أربعمائة إردب، زبيب ثلثمائة إردب، خلّ ثلاثة قناطير،

عسل نحل خمسة قناطير «1» ، شيرج مائتا قنطار، حطب ألف ومائتا حملة، سمسم إردبان، آنيسون إردبان، زيت طيّب للوقود ثلاثون قنطارا، ماء ورد خمسون رطلا، مسك خمس نوافج «2» ، كافور عشرة مثاقيل، زعفران مائة وخمسون درهما. ثمن مواعين وأجرة صنّاع وغيرها خمسمائة دينار. انتهى باختصار. ولنعد «3» إلى ذكر وفاة العزيز صاحب الترجمة. وقال صاحب تاريخ القيروان: «إنّ الطّبيب وصف له دواء يشربه في حوض الحمّام، وغلط فيه فشربه فمات من ساعته؛ ولم ينكتم تاريخ موته ساعة واحدة. وترتّب موضعه ولده الحاكم أبو علىّ منصور. وبلغ الخبر أهل القاهرة، فخرج الناس غداة الأربعاء لتلقى الحاكم؛ فدخل البلد وبين يديه البنود والرايات وعلى رأسه المظلّة «4» يحملها ريدان الصّقلبىّ، فدخل القصر عند اصفرار الشمس، ووالده العزيز بين يديه في عماريّة وقد خرجت رجلاه منها، وأدخلت العماريّة القصر؛ وتولى غسله القاضى محمد بن النّعمان، ودفن عند أبيه المعزّ في حجرة من القصر. وكان دفنه عند العشاء [الأخيرة «5» ] . وأصبح الناس يوم الخميس سلخ الشهر والأحوال مستقيمة، وقد نودى في البلدان: لا مؤونة ولا كلفة، وقد أمّنكم الله على أموالكم وأرواحكم؛ فمن نازعكم أو عارضكم فقد حلّ ماله ودمه. وكانت ولادة العزيز يوم الخميس رابع عشر المحرّم سنة أربع وأربعين وثلثمائة» . انتهى كلام ابن خلكان باختصار رحمه الله.

وقال المختار المسبّحى صاحب التاريخ المشهور: «قال لى الحاكم، وقد جرى ذكر والده العزيز،: يا مختار، استدعانى والدى قبل موته وهو عارى الجسم، وعليه الخرق والضّماد (يعنى كونه كان في الحمام) قال: فاستدعانى وقبّلنى وضمّنى إليه، وقال: واغمّى عليك يا حبيب قلبى! ودمعت عيناه، ثمّ قال: امض يا سيّدى فآلعب فأنا في عافية. قال الحاكم: فمضيت والتهيت بما يلتهى به الصّبيان من اللعب إلى أن نقل الله تعالى العزيز إليه» . انتهى كلام المسبّحى. وقد ذكرنا في وفاة العزيز عدّة وجوه من كلام المؤرّخين رحمهم الله تعالى. وكان العزيز حازما فصيحا. وكتابه إلى عضد الدولة بحضرة الخليفة الطائع العباسىّ يدلّ على فضل وقوّة. وكان كتابه يتضمّن بعد البسملة: «من عبد الله ووليّه نزار أبى منصور الإمام العزيز بالله أمير المؤمنين، إلى عضد الدولة الإمام نصير ملة الإسلام أبى شجاع بن أبى علىّ. سلام عليك؛ فإنّ أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلّا هو، ويسأله الصّلاة على جدّه محمد رسول ربّ العالمين، وحجّة الله على الخلق أجمعين، صلاة باقية نامية متّصلة دائمة بعترته الهادية، وذرّيته الطيّبة الطاهرة. وبعد، فإنّ رسولك وصل إلى حضرة أمير المؤمنين، مع الرسول المنفذ اليك، فأدّى ما تحمله «1» من إخلاصك في ولاء أمير المؤمنين ومودّتك «2» ، ومعرفتك بحقّ إمامته، ومحبتك لآبائه الطائعين الهادين المهديّين. فسرّ أمير المؤمنين بما سمعه عنك، ووافق ما كان يتوسّمه فيك وأنّك لا تعدل عن الحقّ- ثم ذكر كلاما طويلا في المعنى إلى أن قال-: وقد علمت ما جرى على ثغور المسلمين من المشركين، وخراب الشام وضعف أهله، وغلاء الأسعار. ولولا ذلك لتوجّه

ما وقع من الحوادث سنة 366

أمير المؤمنين بنفسه إلى الثغور، وسوف يقدم إلى الحيرة، وكتابه يقدم عليك عن قريب، فتأهّب إلى الجهاد في سبيل الله» . وفي آخر الكتاب: «وكتبه يعقوب ابن يوسف بن كلّس عند مولانا أمير المؤمنين» . فكتب إليه عضد الدولة كتابا يعترف فيه بفضل أهل البيت، ويقرّ للعزيز أنّه من أهل تلك النّبعة الطاهرة، [وأنّه في طاعته «1» ] ويخاطبه بالحضرة الشريفة، وما هذا معناه. انتهى. قلت: وأنا أتعجّب من كون عضد الدولة كان إليه أمر الخليفة العباسى ونهيه، ويقع في مثل هذا لخلفاء مصر، وقد علم كلّ أحد ما كان بين بنى العباس وخلفاء مصر من الشّنان. وما أظنّ عضد الدولة كتب له ذلك إلّا عجزا عن مقاومته، فإنّه قرأ كتابه في حضرة الخليفة الطائع، وأجاب بذلك أيضا بعلمه، فهذا من العجب. قال الوزير يعقوب بن كلّس: «سمعت العزيز بالله يقول لعمّه حيدرة: يا عمّ، أحبّ أن أرى النّعم عند الناس ظاهرة، وأرى عليهم الذهب والفضّة والجوهر، ولهم الخيل واللّباس والضّياع والعقار، وأن يكون ذلك كلّه من عندى» . قال المسبّحى: وهذا لم يسمع بمثله قطّ من ملك. انتهت ترجمة العزيز. ولمّا مات رثاه الشعراء بعدّة قصائد. *** [ما وقع من الحوادث سنة 366] السنة الأولى من ولاية العزيز نزار العبيدىّ على مصر وهى سنة ست وستين وثلثمائة. فيها في جمادى الأولى زفّت بنت عزّ الدولة إلى الخليفة الطائع لله العباسىّ. وفيها جاء أبو بكر محمد بن علىّ بن شاهويه صاحب القرامطة، ومعه ألف رجل من القرامطة إلى الكوفة، وأقام الدعوة بها لعضد الدولة، وأسقط خطبة عزّ الدولة بختيار. وكان قدومه معونة لعضد الدولة.

وفيها عمل في الدّيار المصرية المأتم في يوم عاشوراء على حسين بن علىّ رضى الله عنهما، وهو أوّل ما صنع ذلك بديار مصر. فدامت هذه السّنة القبيحة سنين إلى أن انقرضت دولتهم، على ما سيأتى ذكره. وفيها كانت وقعة بين عزّ الدولة بن معزّ الدولة أحمد وبين ابن عمّه عضد الدولة بن ركن الدولة الحسن بن بويه، وقعة هائلة أسر فيها غلام تركىّ لعزّ الدولة؛ فاشتدّ حزنه عليه، وامتنع عزّ الدولة من الأكل والشرب وأخذ فى البكاء واحتجب عن الناس وحرّم على نفسه الجلوس في الدّست؛ وبذل لعضد الدولة في الغلام المذكور جاريتين عوّادتين كان قد بذل له في الواحدة مائة ألف درهم؛ فرّده عضد الدولة عليه. وفيها حجّ بالناس أبو عبد الله أحمد بن [أبى «1» ] الحسين العلوىّ. وحجّت في السنة جميلة بنت ناصر الدولة بن حمدان، ومعها أخواها «2» إبراهيم [وهبة الله] حجّة ضرب بها المثل، وفرّقت أموالا عظيمة؛ منها أنّها لمّا رأت الكعبة نثرت عليها عشرة آلاف دينار، وسقت جميع أهل الموسم السّويق بالسكر والثّلج. كذا قال أبو منصور الثعالبىّ. وقتل أخوها هبة «3» الله في الطريق. وأعتقت ثلثمائة عبد ومائتى جارية، وفرّقت المال في المجاورين حتى أغنتهم، وخلعت على كبار الناس خمسين ألف ثوب. وكان معها أربعمائة عماريّة. ثم ضرب الدهر ضربانه واستولى عضد الدولة

ابن بويه على أموالها وحصونها؛ فإنّه كان خطبها فامتنعت، ولم يدع لها شيئا إلى أن احتاجت وافتقرت. فانظر إلى هذا الدهر كيف يرفع ويضع!. وفيها توفّى المستنصر بالله صاحب الأندلس أبو العاصى الحكم بن الناصر لدين الله عبد الرّحمن الأموىّ. بقى في الملك ستة عشر عاما، وعاش ثلاثا وستين سنة. وكان حسن السيرة، جمع من الكتب ما لا يحدّ ولا يوصف. وفيها توفّى السلطان ركن الدولة أبو علىّ الحسن بن بويه بن فنّاخسرو بن تمام ابن كوهى بن شيرزيل الأصغر بن شيركوه بن شيرزيل [الأكبر «1» ] الدّيلمىّ، صاحب أصبهان والرّىّ وهمذان وعراق العجم كلّه. وهؤلاء الملوك الثلاثة: عضد الدولة وفخر الدولة ومؤيّد الدولة أولاده «2» . وكان ملكا جليلا سعيدا في أولاده، قسم عليهم الممالك، فقاموا بها أحسن قيام. وملك ركن الدولة أربعا وأربعين سنة وأشهرا. وكان أبو الفضل بن العميد وزيره، والصاحب إسماعيل بن عبّاد كان وزير ولديه مؤيد الدولة ثم فخر الدولة. ومات ركن الدولة المذكور في المحرّم. وبويه بضم الباء الموحّدة وفتح الواو وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها هاء ساكنة، وفنّاخسرو بفتح الفاء وتشديد النون وبعد الألف خاء معجمة مضمومة ثم سين مهملة ساكنة ثم راء مضمومة وبعدها واو. وقد ضبطته لكى يعرف بعد ذلك اسم من يأتى من أولاده في هذا الكتاب. وفيها توفّى إسماعيل الشيخ أبو عمر السلمىّ «3» ، كان من كبار المشايخ وله قدم صدق وحكايات مشهورة، رحمه الله.

ما وقع من الحوادث سنة 367

وفيها توفّى الحسن بن أحمد بن أبى سعيد الحسن بن بهرام أبو علىّ، وقيل: أبو محمد، القرمطىّ الجنّابى الخارجىّ. ولد بالأحساء في شهر رمضان سنة ثمان وسبعين ومائتين، وغلب على الشام لمّا قتل جعفر بن فلاح، وتوجّه إلى مصر لقتال المعزّ العبيدىّ، كما ذكرناه في ترجمة المعزّ، ثم مات بالرّملة في عوده إلى دمشق في شهر رجب. وجدّه أبو سعيد هو أوّل القرامطة، وقد مرّ من أخبارهم القبيحة نبذة كبيرة في عدّة سنين. وكان الحسن هذا صاحب الترجمة فصيحا شاعرا، وكان يلقّب بالأعظم، وكان يلبس الثياب القصيرة، وهو أحد من قتل العباد، وأخرب البلاد. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى الحسن بن أحمد «1» ابن أبى سعيد الجنّابى القرمطىّ، كان ملك الشام وحاصر مصر شهرا. وركن الدولة الحسن بن بويه صاحب عراق العجم، وكانت دولته خمسا وأربعين سنة، ووزر له أبو الفضل بن العميد. وتوفّى أبو الحسن محمد بن عبد الله بن زكرياء بن حيّويه «2» النّيسابورىّ بمصر. وأبو الحسن محمد بن الحسن النيسابورىّ السرّاج المقرئ الزاهد. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع سواء. مبلغ الزيادة ستّ عشرة، ذراعا وأربع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 367] السنة الثانية من ولاية العزيز نزار على مصر وهى سنة سبع وستين وثلثمائة. فيها دخل عضد الدولة بن ركن الدولة بن بويه بغداد، وخرج منها ابن عمه عزّ الدولة بختيار بن معزّ الدولة بن بويه، ثم تقاتلا فانتصر عزّ الدولة ثم قتل، حسب ما سنذكره في هذه السنة.

وفيها زادت دجلة في نيسان حتى بلغت إحدى وعشرين ذراعا، فهدمت الدور والشوارع، وهرب الناس في السفن، وهيّأ عضد الدولة الزبازب تحت داره (والزبازب هى المراكب الخفيفة) . وفيها حجّ بالناس أبو عبد الله العلوىّ. وفيها جاء الخبر بهلاك أبى يعقوب يوسف بن الحسن الجنّابىّ القرمطىّ صاحب هجر، وأغلقت الأسواق له بالكوفة ثلاثة أيّام، وكان قد توزّر لعضد الدولة. وفيها توفّى أبو القاسم إبراهيم بن محمد بن أحمد النّصرپادىّ النّيسابورىّ (ونصرپاد: محلّة من نيسابور. وكلّ پاد يأتى في اسم بلد من هؤلاء البلدان هو بالتفخيم حتى يصحّ معناه) . كان أبو القاسم حافظ خراسان وشيخها، وإليه يرجع فى علوم القوم والسّير والتواريخ، وكان صحب الشّبلىّ وغيره من المشايخ. مات بمكّة حاجّا، ودفن عند قبر الفضيل بن عياض. وفيها توفّى السلطان أبو منصور بختيار عزّ الدولة بن معزّ الدولة أحمد بن بويه الدّيلمىّ. ولى ملك العراق بعد أبيه، وتزوّج الخليفة الطائع لله عبد الكريم بابنته شاه «1» زمان على صداق مائة ألف دينار. وكان عزّ الدولة شجاعا قويّا يمسك الثّور العظيم بقرنيه فلا يتحرّك «2» . وكان بينه وبين ابن عمّه عضد الدولة منافسات وحروب على الملك، وتقاتلا غير مرّة آخرها في شوّال، قتل فيها عزّ الدولة المذكور فى المعركة، وحمل رأسه إلى عضد الدولة، فوضع المنديل على وجهه وبكى. وتملّك عضد الدولة العراق بعده، واستقلّ بالممالك. وعاش عزّ الدولة ستّا وثلاثين سنة.

وفيها توفّى محمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر أبو طاهر الذهلىّ البغدادىّ القاضى نزيل مصر وقاضيها. ولد ببغداد في ذى الحجة سنة تسع وسبعين ومائتين. وفيها توفّى الوزير أبو طاهر محمد بن محمد بن بقيّة وزير عزّ الدولة، وكان عضد الدولة قد بعث إليه يميله عن عزّ الدولة؛ فقال: الخيانة والغدر ليستا من أخلاق الرجال. فلمّا قتل عزّ الدولة قبض عليه عضد الدولة وشهّره في بغداد من الجانبين وعلى رأسه برنس، ثم أمر به أن يطرح تحت أرجل الفيلة فقتلته الفيلة، ثم صلب فى طرف الجسر من الجانب الشرقىّ، ولم يشفع فيه الخليفة الطائع لأمر كان في نفسه منه أيّام مخدومه عزّ الدولة، وأقيم عليه الحرس. فاجتاز به أبو الحسن محمد ابن عمر الأنبارىّ الصوفىّ الواعظ، وكان صديقا لابن بقيّة المذكور، فرثاه بمرثيته المشهورة وهى: [وافر] علوّ في الحياة وفي الممات ... لحقّ أنت إحدى المعجزات كأنّ الناس حولك حين قاموا ... وفود نداك أيّام الصّلات كأنّك قائم فيهم خطيبا ... وكلّهم قيام للصّلاة مددت يديك نحوهم احتفاء ... كمدّهما إليهم بالهبات وتشعل عندك النّيران ليلا ... كذلك كنت أيّام الحياة ركبت مطيّة من قبل زيد «1» ... علاها في السنين الماضيات ولم أر قبل جذعك قطّ جذعا ... تمكّن من عتاق المكرمات وتلك فضيلة فيها تأسّ ... تباعد عنك تعبير العداة أسأت إلى النوائب فاستثارت ... فأنت قتيل ثأر النّائبات

وكنت تجير من جور «1» الليالى ... فعاد مطالبا لك بالتّراب وصيّر دهرك الإحسان فيه ... إلينا من عظيم السّيّئات وكنت لمعشر سعدا فلمّا ... مضيت تفرّقوا بالمنحسات غليل باطن لك في فؤادى ... يخفّف بالدّموع الجاريات ولو أنّى قدرت على قيام ... لفرضك والحقوق الواجبات ملأت الأرض من نظم القوافى ... ونحت بها خلاف النائحات ولكنّى أصبّر عنك نفسى ... مخافة أن أعدّ من الجناة وما لك تربة فأقول تسقى ... لأنّك نصب هطل الهاطلات ولمّا ضاق بطن الأرض عن أن ... يضمّ علاك من بعد الممات أصاروا الجوّ قبرك واستنابوا ... عن الأكفان ثوب السافيات «2» عليك تحيّة الرّحمن تترى ... برحمات غواد رائحات قلت: ولم أذكر هذه المرثية بتمامها هنا إلّا لغرابتها وحسن نظمها. واستمر ابن بقيّة مصلوبا إلى أن توفّى عضد الدولة. وفيها توفّى الأمير الغضنفر بن ناصر الدولة بن حمدان صاحب الموصل وابن صاحبها. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو القاسم إبراهيم ابن محمد النّصرپادىّ الواعظ العارف. وعزّ الدولة بختيار بن معز الدولة بن بويه ملك العراق، قتل في مصافّ بينه وبين ابن عمه عضد الدولة. والغضنفر بن ناصر الدولة بن حمدان صاحب الموصل وابن صاحبها. وأبو طاهر محمد بن أحمد بن

ما وقع من الحوادث سنة 368

عبد الله الذّهلىّ بمصر في ذى القعدة، وله ثمان وثمانون سنة. وأبو بكر محمد بن عمر القرطبىّ ابن القوطيّة اللغوىّ. والوزير أبو طاهر محمد بن محمد بن بقيّة نصير «1» الدولة، وزير عزّ الدولة، صلبه عضد الدولة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وثلاث وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وأربع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 368] السنة الثالثة من ولاية العزيز نزار على مصر وهى سنة ثمان وستين وثلثمائة. فيها أمر الخليفة الطائع أن تضرب على باب عضد الدولة الدبادب (أعنى الطبلخانات) فى وقت الصبح والمغرب والعشاء، وأن يخطب له على منابر الحضرة. قلت: وهذا أوّل ملك دقّت الطبلخانة على بابه، وصار ذلك عادة من يومئذ. وقال الحافظ أبو الفرج بن الجوزىّ: «وهذان أمران لم يكونا من قبله ولا أطلقا لولاة العهود، [ولا «2» خطب بحضرة السلطان إلّا له، ولا ضربت الدبادب إلّا على بابه] . وقد كان معزّ الدولة أحبّ أن تضرب له الدبادب بمدينة السلام، فسأل الخليفة المطيع لله فى ذلك فلم يأذن له» . قال الحافظ أبو عبد الله الذهبى: وما ذاك إلّا لضعف أمر الخلافة. انتهى. وفيها توفّى أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك الحافظ أبو بكر القطيعىّ البغدادىّ، كان يسكن قطيعة الرقيق. ومولده في أوائل سنة أربع وسبعين ومائتين. وكان مسند العراق في زمانه وسمع الكثير، وروى عنه الدارقطنىّ وابن شاهين والحاكم وخلق سواهم.

وفيها توفّى عبد الله بن إبراهيم بن يوسف الحافظ أبو القاسم الجرجانى «1» الآبندونىّ، وآبندون: قرية من قرى جرجان. كان رفيق ابن عدىّ في الرحلة، سكن بغداد وحدّث بها عن جماعة، وروى عنه رفيقه الإمام أبو بكر الإسماعيلى «2» وغيره. وفيها توفّى محمد بن عيسى بن عمرويه الشيخ أبو أحمد الجلودىّ الزاهد راوى صحيح مسلم، سمع الكثير، وروى عنه غير واحد. قال الحاكم: كان من أعيان الفقراء الزهّاد، وأصحاب المعاملات في التصوّف؛ ضاعت سماعاته من ابن سفيان، فنسخ البعض من نسخة لم يكن له فيها سماع. وفيها توفّى هفتكين الأمير أبو منصور التركى الشرابى «3» . هرب من بغداد خوفا من عضد الدولة، ووقع له أمور مع العزيز هذا صاحب الترجمة بمصر، ثمّ أطلقه العزيز. وصار له موكب؛ فخافه الوزير يعقوب بن يوسف بن كلّس، فدسّ عليه من سقاه السمّ. وكان إليه المنتهى في الشجاعة. وفيها توفّى تميم بن المعزّ معدّ العبيدىّ الفاطمىّ أخو العزيز هذا صاحب مصر. وكان تميم أميز أولاد المعزّ، وكان فاضلا جوادا سمحا يقول الشعر. وشقّ موته على أخيه العزيز. وفيها توفّى الحسن بن عبد الله بن المرزبان أبو سعيد السّيرافىّ النحوىّ القاضى. كان أبوه مجوسيّا واسمه بهزاد فأسلم فسمىّ عبد الله. سكن الحسن بغداد، وولى القضاء بها، وكان مفتنّا في علوم القراءات والنحو واللغة والفقه والفرائض والكلام

والشعر والعروض والقوافى والحساب وسائر العلوم، وشرح كتاب سيبويه، مع الزهد والورع. وفيها توفّى عبد الله بن محمد [بن «1» ] ورقاء أبو أحمد الشيبانىّ، كان من أهل البيوتات، وأسرته من أهل الثغور، مات في ذى الحجة. وفيها توفّى محمد بن محمد بن يعقوب النيسابورىّ من ولد الحجاج بن الجرّاح؛ سمع الكثير، وكان عابدا صالحا حافظا ثقة صدوقا. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو بكر أحمد بن جعفر القطيعىّ في ذى الحجة عن خمس وتسعين سنة. وأبو سعيد الحسن بن عبد الله السّيرافىّ النحوىّ في رجب وله أربع وثمانون سنة. وأبو القاسم عبد الله بن إبراهيم الجرجانىّ الآبندونىّ الحافظ الزاهد ببغداد، وله خمس وتسعون سنة. وعيسى ابن حامد الرّخّجىّ «2» القاضى. وأبو أحمد محمد بن عيسى بن عمرويه الجلودىّ في ذى الحجة وله ثمانون سنة. وأبو الحسين محمد بن محمد بن يعقوب الحجّاجىّ الحافظ المفيد الصالح فى ذى الحجة بنيسابور عن ثلاث وثمانين سنة. وهفتكين التركى الذي هرب خوفا من عضد الدولة، وتملّك دمشق وحارب المصريّين مرات. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وخمس عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وإصبع واحدة.

ما وقع من الحوادث سنة 369

*** [ما وقع من الحوادث سنة 369] السنة الرابعة من ولاية العزيز نزار على مصر وهى سنة تسع وستين وثلثمائة. فيها تزوّج الخليفة الطائع ببنت عضد الدولة؛ وقد مرّ «1» ذلك، ولكن الأصح فى هذه السنة. وعقد العقد بحضرة الخليفة الطائع على صداق مبلغه مائتا «2» ألف دينار. وكان الوكيل عن عضد الدولة في العقد أبا على الحسن بن أحمد الفارسىّ النحوىّ. والخطيب أبو على المحسّن بن على القاضى التّنوخىّ وكيلا عن الخليفة. وفيها حجّ بالناس أبو الفتح أحمد بن عمر بن يحيى العلوىّ. وفيها توفّى فارس بن زكريّا، والد ابن فارس أبى الحسين اللغوىّ صاحب كتاب المجمل في اللغة. كان عالما بفنون العلوم، وروى عنه الأئمة، ومات ببغداد. وفيها توفّى أحمد بن عطاء بن أحمد بن محمد بن عطاء أبو عبد الله الرّوذبارىّ ابن أخت أبى علىّ الرّوذبارىّ. كان شيخ الشام في وقته، وكان ممّن جمع بين علم الشريعة والحقيقة، ومات بقرية بين عكّا وصور يقال لها منواث. وفيها توفّى الحسين «3» بن على أبو عبد الله البصرىّ؛ ويعرف بالجعل، سكن بغداد. وكان من شيوخ المعتزلة، وصنّف على مذاهب المعتزلة، ومات يوم الجمعة ثانى ذى الحجة.

وفيها توفّى عبد الله بن محمد الراسبىّ، كان بغدادىّ الأصل وكان من كبار المشايخ وأرباب المعاملات. ومن كلامه قال: خلق الله الأنبياء للمجالسة، والعارفين للمواصلة، والمؤمنين للمجاهدة. ومن كلامه: أعظم حجاب بينك وبين الحق اشتغالك بتدبير نفسك، واعتمادك على عاجز مثلك في أسبابك. وتوفّى ببغداد. وفيها توفّى أبو تغلب الغضنفر بن ناصر الدولة الحسن بن حمدان التغلبيّ، وقد تقدّم ذكر وفاته، والأصحّ أنّه في هذه السنة. كان ملك الموصل وديار ربيعة وقلاع ابن حمدان، ووقع له حروب مع بنى بويه وأقاربه بنى حمدان، إلى أن طرقه عضد الدولة وأخذ منه بلاده فانهزم إلى أخلاط «1» ؛ ثمّ توجّه نحو الديار المصريّة وحارب أعوان العزيز صاحب مصر فقتل في المعركة، وبعث برأسه إلى العزيز صاحب الترجمة. وفيها توفّى عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيّان «2» الحافظ أبو محمد الأصبهانىّ أبو الحافظ صاحب التصانيف؛ ولد سنة أربع وسبعين ومائتين، وسمع في صغره من جدّه لأمّه محمود بن الفرج الزاهد وغيره، وهو صاحب تاريخ بلده، والتاريخ على السنين، و" كتاب السنّة" و" كتاب العظمة" وغيرها. وفيها توفّى أبو سهل محمد بن سليمان بن محمد بن سليمان بن هارون العجلىّ الصّعلوكىّ النّيسابورىّ الفقيه الشافعىّ. كان أديبا لغويّا مفسرا نحويّا شاعرا صوفيّا. ولد سنة ستّ وتسعين ومائتين، ومات في ذى القعدة. ومن شعره: [الطويل]

أنام على سهو وتبكى الحمائم ... وليس لها جرم ومنّى الجرائم كذبت وبيت الله لو كنت عاشقا ... لما سبقتنى بالبكاء الحمائم وفيها توفّى محمد بن صالح بن علىّ بن يحيى بن عبد الله أبو الحسن القاضى القرشىّ الهاشمى، ويعرف بابن أمّ شيبان؛ سمع الكثير، وتفقّه على مذهب مالك رضى الله عنه، وكان عاقلا متميّزا كثير التصانيف. ولم يل القضاء بمدينة السلام من بنى هاشم غيره. وفيها توفّى محمد بن على بن الحسن أبو بكر التّنيّسىّ «1» ، سمع منه الدارقطنى؛ وراه وحده فقال له: يا أبا بكر، ما في بلدك مسلم؟ قال: بلى، ولكنّهم اشتغلوا بالدنيا عن الآخرة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى ابو عبد الله بن عطاء الروذپارىّ. وعبد الله بن إبراهيم، أيّوب بن ماسى «2» فى رجب وله خمس وتسعون سنة. وأبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيّان أبو الشيخ في المحرّم وله خمس وتسعون سنة. وأبو سهل محمد بن سليمان الصعلوكىّ ذو الفنون في آخر السنة وله ثمانون «3» سنة. وقاضى العراق ابن أمّ شيبان أبو الحسن محمد بن صالح الهاشمىّ فجأة في جمادى الأولى عن ستّ وسبعين سنة. وأبو بكر محمد بن على بن الحسن المصرىّ بن النقاش في شعبان، وكان حافظا. وأبو عمرو «4» محمد بن صالح ببخارى. وأبو علىّ مخلّد بن جعفر الباقرحىّ «5» .

ما وقع من الحوادث سنة 370

- أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وخمس أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا سواء. *** [ما وقع من الحوادث سنة 370] السنة الخامسة من ولاية العزيز نزار على مصر وهى سنة سبعين وثلثمائة. فيها خرج عضد الدولة للقاء الصاحب إسماعيل بن عبّاد؛ فقدم عليه ابن عبّاد، فقدم عليه ابن عباّد من الرىّ من عند أخيه مؤيّد الدولة، فبالغ عضد الدولة في إكرامه إلى الغاية لكونه وزير أخيه مؤيّد الدولة وصاحب أمره ونهيه. وتردّد إليه عضد الدولة في إقامته ببغداد غير مرّة إلى أن سافر إلى مخدومه مؤيّد الدولة في شهر ربيع الآخر. وفيها توجّه عضد الدولة إلى همذان. فلمّا عاد إلى بغداد خرج الخليفة لتلقّيه؛ ولم يكن ذلك بعادة أنّ الخليفة يلاقى أحدا من الأمراء. قلت: وهذا كان أوّلا، وأمّا في الآخر فإنّ الطائع كان قد بقى تحت أوامر عضد الدولة كالأسير. وفيها حجّ بالناس أبو الفتح أحمد بن عمر العلوىّ وخطب بمكة والمدينة للعزيز هذا صاحب مصر. وفيها غرقت بغداد من الجانبين وأشرف أهلها على الهلاك، ووقعت القنطرتان وغرم على بنائهما أموال كثيرة. وفيها توفّى أحمد بن علىّ الإمام العلّامة أبو بكر الرازىّ الحنفىّ العالم المشهور. مولده في سنة خمس وثلثمائة، كان إمام الحنفية في زمانه، وكان مشهور! بالدّين والورع والزّهد. قال أبو المظفر في تاريخه: وحاله كان يزيد على حال الرهبان «1» من كثرة التقشّف، وهو صاحب التصانيف وتلميذ أبى الحسن الكرخىّ.

ما وقع من الحوادث سنة 371

وفيها توفّى محمد بن جعفر بن الحسين بن محمد بن زكرياء الحافظ أبو بكر الورّاق المعروف بغندر، كان حافظا متقنا، ورحل [إلى] البلاد وسمع الكثير، وكتب مالم يكتبه أحد، وكان حافظا ثقة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو بكر أحمد بن علىّ الرازىّ عالم الحنفيّة في ذى الحجة وله خمس وستون سنة. وبشر بن أحمد أبو سهل الإسفراينى في شوّال عن نيّف وتسعين سنة. وأبو محمد الحسن بن أحمد السّبيعىّ «1» الحلبىّ الحافظ. وأبو محمد الحسن بن رشيق بمصر في جمادى الآخرة. وأبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه النحوىّ. وأبو بكر عبد الله بن محمد بن محمد بن فورك فى ذى القعدة. وأبو منصور محمد بن أحمد الأزهرىّ صاحب [تهذيب «2» ] اللغة فى ربيع الآخر. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراع واحدة. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وأربع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 371] السنة السادسة من ولاية العزيز نزار على مصر وهى سنة إحدى وسبعين وثلثمائة. فيها اتّفق فخر الدولة وقابوس بن وشمكير على عداوة أخيه عضد الدولة فى الباطن. قلت: وهذه أوّل فتنة بدت بين الإخوة أولاد ركن الدولة الثلاثة: عضد الدولة، وفخر الدولة، ومؤيّد الدولة. وفطن عضد الدولة لذلك ولم يظهره،

وجهّز العساكر لأخيه مؤيّد الدولة لقتال قابوس المذكور؛ فتوجّه إليه مؤيّد الدولة وحصره وأخذ بلاده، ولم ينفعه فخر الدولة. وكان لقابوس من البلاد طبرستان وغيرها. وفيها حجّ بالناس أبو عبد الله العلوىّ من العراق. وفيها توفّى أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الحافظ أبو بكر الجرجانىّ، كان إماما، طاف البلاد، ولقى الشيوخ، و؟؟؟ سمع الكثير، وصنّف الكتب الحسان، منها: " الصحيح" صنّفه على صحيح البخارىّ، و" الفرائد" و" العوالى" وغير ذلك، ومات في شهر رجب. وفيها توفّى الحسن بن أحمد بن صالح الحافظ أبو محمد السّبيعىّ الكوفىّ، كان حافظا مكثرا إلّا أنّه كان عسر الرواية، وكان الدارقطنىّ يجلس بين يديه جلوس الصبىّ بين يدى المعلّم هيبة له، ومات في ذى الحجة ببغداد. وفيها توفّى عبد العزيز بن الحارث بن أسد أبو الحسن التميمى الحنبلىّ، كان فقيها فاضلا، وله تصانيف في أصول الكلام وفي مذهبه والفرائض وغير ذلك. وفيها توفّى علىّ بن إبراهيم أبو الحسن [الحصرىّ «1» ] البصرىّ الصوفىّ الواعظ، سكن بغداد وصحب الشّبلىّ وغيره، وكان صاحب خلوات ومجاهدات، وله كلام حسن في التوفيق. وفيها توفّى محمد بن أحمد بن طالب الأخبارىّ، رحل وسمع الكثير، وكان فاضلا محدّثا أخباريّا.

ما وقع من الحوادث سنة 372

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلىّ الجرجانىّ في رجب وله أربع وتسعون سنة. وأبو العباس الحسن ابن سعيد العبّادانىّ «1» المطّوّعىّ المقرئ وله مائة وسنتان. وأبو محمد عبد الله بن إسحاق القيروانىّ شيخ المالكية. وأبو زيد محمد بن أحمد المروزىّ الفقيه في رجب. وأبو عبد الله محمد بن خفيف الشّيرازى شيخ الصوفيّة بفارس. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وسبع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وإصبعان. *** [ما وقع من الحوادث سنة 372] السنة السابعة من ولاية العزيز نزار على مصر وهى سنة اثنتين وسبعين وثلثمائة. فيها وثب أبو الفرج بن عمران بن شاهين على أخيه أبى محمد الحسن «2» بن عمران صاحب البطيحة «3» ، فقتله واستولى على بلده. وفيها حجّ بالناس أبو الفتح أحمد بن عمر العلوىّ، وقيل: إنّه لم يحجّ أحد من العراق من هذه السنة إلى سنة ثمانين، بسبب الفتن والخلف بين خلفاء بنى العباس وبين خلفاء مصر بنى عبيد. وفيها أنشأ عضد الدولة بيمارستانه ببغداد في الجانب الغربىّ، ورتّب فيه الأطباء والوكلاء والخزّان وكلّ ما يحتاج إليه. قال الحافظ أبو عبد الله الذهبىّ: «وفي هذا الزمان كانت البدع والأهواء فاشية ببغداد ومصر من الرّفض والاعتزال والضلال فإنّا لله وإنا إليه راجعون!» .

قلت: ومعنى قول الذهبىّ:" ومصر" فإنّه معلوم من كون خلفاء بنى عبيد كانوا يظهرون الرفض وسبّ الصحابة، وكذلك جميع أعوانهم وعمّالهم. وأمّا قوله: " ببغداد" فإنّه كان بسبب عضد الدولة الآتى ذكره، فإنّه كان أيضا يتشيّع ويكرم جانب الرافضة. وفيها توفّى السلطان عضد الدولة أبو شجاع فنّاخسرو- وقيل بويه على اسم جدّه، وفنّاخسرو أشهر- ابن السلطان ركن الدولة الحسن بن بوية بن فنّاخسرو الدّيلمىّ. ولى مملكة فارس بعد عمّه عماد الدولة، ثمّ قوى على ابن عمّه عزّ الدولة بختيار بن معزّ الدولة بن بويه، وأخذ منه «1» العراق وبغداد. وقد تقدّم من ذلك نبذة يسيرة فى حوادث بعض السنين. وبلغ سلطانه من سعة المملكة والاستيلاء على الممالك ما لم يبلغه أحد من بنى بويه، ودانت له البلاد والعباد. وهو أوّل من خوطب بالملك شاهنشاه في الإسلام، وأوّل من خطب له على منابر بغداد بعد الخلفاء، وأوّل من ضربت الدبادب على باب داره. وكان فاضلا نحويّا، وله مشاركة في فنون كثيرة، وله صنّف أبو علىّ الفارسىّ" الإيضاح". قال أبو على الفارسىّ، منذ تلقّب شاهنشاه تضعضع أمره، وما كفاه ذلك حتّى مدح نفسه؛ فقال: [الرمل] عضد الدولة وابن ركنها ... ملك الأملاك غلّاب القدر ولمّا أحسّ بالموت تمثّل بشعر القاسم بن عبد الله الوزير، وهو قوله: [الطويل] قتلت صناديد الرجال فلم أدع ... عدوّا ولم أمهل على ظنّة خلقا وأخليت دور الملك من كلّ نازل ... وبدّدتهم غربا وشرّدتهم شرقا ثمّ جعل يبكى ويقول:" ما أغنى عنّى ماليه! هلك عنى سلطانيه! " وصار يردّدها إلى أن مات في شوّال ببغداد وله سبع وأربعون سنة. وتولّى الملك من بعده ابنه

ما وقع من الحوادث سنة 373

صمصام الدولة، ولم يجلس للعزاء إلّا في أوّل السنة. أظنّ أنّهم كانوا أخفوا موت عضد الدولة لأمر، أو أنّه اشتغل بملك جديد حتّى فرغ منه. وفيها توفّى محمد بن جعفر بن أحمد أبو بكر الحريرىّ المعدّل «1» البغدادىّ، وكان يعرف بزوج الحرّة، وكان جليل القدر، من الثّقات. مات ببغداد، ودفن عند قبر معروف الكرخىّ. رحمة الله عليهما. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وسبع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وأربع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 373] السنة الثامنة من ولاية العزيز نزار على مصر وهى سنة ثلاث وسبعين وثلثمائة. فيها في ثانى عشر المحرّم أظهرت «2» وفاة عضد الدولة وحمل تابوته إلى المشهد، وجلس ابنه صمصام الدولة للعزاء، وجاءه الخليفة الطائع معزّيا، ولطم عليه الناس فى [دوره «3» وفي] الأسواق أيّاما عديدة. ثمّ ركب صمصام الدولة إلى دار الخلافة، وخلع عليه الخليفة الطائع عبد الكريم سبع خلع، وعقد له لواءين، ولقّب شمس الملّة «4» . وفيها بعد مدّة يسيرة ورد الخبر على صمصام الدولة المذكور بموت عمّه مؤيّد الدولة أبى منصور بن ركن الدولة بجرجان، فجلس صمصام الدولة أيضا للتعزية؛ وجاءه الخليفة الطائع مرّة ثانية معزّيا في عمّه مؤيّد الدولة المذكور. ولمّا مات مؤيّد الدولة كتب وزيره الصاحب إسماعيل بن عبّاد إلى أخيه فخر الدولة علىّ بن ركن الدولة

بالإسراع إليه وضبط ممالك أخيه مؤيّد الدولة؛ فقدم فحر الدولة إليه وملك بلاد أخيه، واستوزر الصاحب بن عباد المذكور. وعظم ابن عبّاد في أيام فخر الدولة إلى الغاية. وفيها كان الغلاء المفرط بالعراق، وبلغ الكرّ القمح أربعة آلاف وثمانمائة درهم، ومات خلق كثير على الطريق جوعا، وعظم الخطب. وفيها ولّى العزيز نزار صاحب الترجمة خطلخ «1» القائد إمرة دمشق. وفيها توفّى السلطان مؤيّد الدولة أبو منصور بويه ابن السلطان ركن الدولة حسن بن بويه المقدّم ذكره. مات بجرجان وله ثلاث وأربعون سنة وشهر. وكانت مدّة إمرته سبع سنين وشهرا. وكان قد تزوّج ببنت عمّه معزّ الدولة، فأنفق فى عرسها سبعمائة ألف دينار. وكان موته في ثالث عشر شعبان؛ فيكون بعد موت أخيه عضد الدولة بنحو عشرة أشهر. وصفا الوقت لأخيهما فخر الدولة. وفيها توفّى سعيد بن سلّام أبو عثمان المغربىّ. مولده بقرية يقال لها كركنت «2» ، كان أوحد عصره في الزهد والورع والعزلة. وفيها توفّى عبد الله بن محمد بن عثمان «3» بن المختار أبو محمد المزنىّ الواسطىّ الحافظ، كان ثقة، مات بواسط. ومن كلامه قال: «الذين وقع عليهم اسم الخلافة ثلاثة: آدم، وداود عليهما السلام، وأبو بكر الصديق رضى الله عنه. قال الله تعالى في حقّ آدم: (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ، وقال في حقّ داود: (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ

ما وقع من الحوادث سنة 374

خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) . وقبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ثلاثين ألف مسلم كلّهم يقول لأبى بكر: يا خليفة رسول الله» . أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع سواء. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وإصبعان. *** [ما وقع من الحوادث سنة 374] السنة التاسعة من ولاية العزيز نزار على مصر وهى سنة أربع وسبعين وثلثمائة. فيها دخلت القرامطة البصرة لمّا علموا بموت عضد الدولة، ولم يكن لهم قوّة على حصارها، فجمع لهم مال فأخذوه وانصرفوا. وفيها وقع الصلح بين صمصام الدولة وبين عمّه فخر الدولة بمكاتبة أبى عبد الله ابن سعدان إلى الصاحب بن عبّاد. فكان ابن سعدان يخاطب الصاحب بن عبّاد بالصاحب الجليل، والصاحب بن عباد يخاطب ابن سعدان بالأستاذ مولاى ورئيسى. وفيها ملكت الأكراد ديار بكر بن ربيعة. وسببه. أنّه كان بجبال حيزان «1» رجل كردىّ يقطع الطريق، يقال له أبو عبد الله «2» الحسين بن دوستك، ولقبه پاد، واجتمع عليه خلق كثير، وجرت له مع بنى حمدان حروب إلى أن قتل. فلمّا قتل پاد، المذكور كان له صهر يقال له مروان بن كسرى وكان له أولاد ثلاثة، وكانوا

من قرية يقال لها كرماس «1» بين إسعرذ «2» والمعدن، وكانوا رؤساءها. فلمّا خرج پاد خرج معه أولاد مروان المذكور وهم: الحسن «3» وسعيد وأحمد وأخ آخر. فلمّا قتل پاد انضمّ عسكره على ابن أخته الحسين، واستفحل أمره وتقاتل مع من بقى من بنى حمدان فهزمهم. ثمّ مات عضد الدولة بن بويه، فصفا له الوقت وملك ديار بكر وميّافارقين، وأحسن السيرة في الناس فأحبّته الرعيّة؛ ثم افتتح بعد ذلك عدّة حصون، يأتى ذكرها إن شاء الله تعالى في محلّها. وفيها توفّى عبد الرّحيم بن محمد بن إسماعيل بن نباتة الخطيب الفارقىّ «4» صاحب الخطب، والذي من ذرّيته الشيخ جمال الدين محمد بن نباتة الشاعر المتأخر، الآتى ذكره إن شاء الله تعالى. وكان مولده بميّافارقين في سنة خمس وثلاثين وثلثمائة. وكان بارعا في الأدب، وكان يحفظ" نهج البلاغة" وعامّة خطبه بألفاظها ومعانيها، ومات بميافارقين عن تسع وثلاثين سنة. ولولده أبى طاهر محمد خطب أيضا. وفيها توفّى محمد بن محمد بن مكّىّ أبو أحمد «5» القاضى الجرجانى، رحل في طلب الحديث ولقى الشيوخ، وكان حافظا فاضلا أديبا. ومن شعره رحمة الله: [الوافر] مضى زمن وكان الناس فيه «6» ... كراما لا يخالطهم خسيس

ما وقع من الحوادث سنة 375

فقد دفع «1» إلى الكرام إلى زمان ... أخسّ رجالهم فيه رئيس [تعطّلت «2» المكارم يا خليلى ... وصار الناس ليس لهم نفوس] أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع سواء. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وأربع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 375] السنة العاشرة من ولاية العزيز نزار على مصر وهى سنة خمس وسبعين وثلثمائة. فيها توفّى أحمد بن الحسين بن علىّ الحافظ أبو زرعة الرازىّ الصغير، كان إماما طاف البلاد في طلب الحديث، وجالس الحفّاظ، وصنّف التراجم والأبواب، وكان متقنا صدوقا؛ فقد بطريق مكّة في هذه السنة. وفيها توفّى الحسين بن علىّ بن محمد بن يحيى الحافظ أبو أحمد النيسابورىّ، ويقال له حسينك، مولده سنة ثلاث وتسعين ومائتين، ومات بنيسابور في شهر ربيع الآخر، وكان ثقة جليلا مأمونا حجّة. وفيها توفّى محمد بن عبد الله بن محمد أبو بكر التّميمىّ الأبهرىّ الفقيه المالكىّ، ولد سنة تسع وثمانين ومائتين، وصنّف التصانيف الحسان في مذهبه، وانتهت إليه رياسة المالكيّة في زمانه. وفيها توفّى عبد الرّحمن بن محمد بن عبد الله بن مهران أبو مسلم البغدادىّ الحافظ الثقة العابد العارف، رحل الى البلاد وأقام بسمرقند وجمع المسند، وكان يعدّ من الزهّاد.

ما وقع من الحوادث سنة 376

وفيها توفّى عبد الله بن علىّ بن عبيد الله أبو القاسم الواردىّ البصرىّ القاضى شيخ أهل الظاهر في عصره، سمع الكثير وحدّث، وكان موصوفا بالفضل وحسن السيرة، وولى القضاء بعدّة بلاد وحسنت سيرته. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو زرعة الرازىّ الصغير أحمد بن الحسين الحافظ. وأبو علىّ الحسين بن علىّ التميمىّ حسينك. والحسين ابن محمد بن عبيد أبو عبد الله العسكرىّ الدّقاق في شوّال. وأبو مسلم عبد الرّحمن بن محمد بن عبد الله بن مهران البغدادىّ الحافظ الزاهد. وأبو القاسم عبد العزيز بن عبد الله الدّاركىّ «1» شيخ الشافعيّة ببغداد. وأبو القاسم عبد العزيز بن جعفر الخرقىّ. وعمر بن محمد بن على أبو حفص الزيّات. ومحمد بن عبد الله بن محمد القاضى أبو بكر الأبهرىّ شيخ المالكيّة بالعراق. ويوسف بن القاسم القاضى أبو بكر الميانجىّ «2» . أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع واثنتان وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وعشر أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 376] السنة الحادية عشرة من ولاية العزيز نزار على مصر وهى سنة ست وسبعين وثلثمائة. فيها استقرّ الأمر على الطاعة لشرف الدّولة بن عضد الدّولة، وتحالف الإخوة الثلاثة أولاد عضد الدولة وتعاقدوا؛ ومضمون ما كتب بينهم: «هذا ما اتّفق عليه وتعاهد وتعاقد شرف الدولة أبو الفوارس، وصمصام الدولة، وأبو النصر أبناء عضد الدولة بن ركن الدولة، اتفقوا على طاعة أمير المؤمنين الطائع

لله ولشرف الدولة بن عضد الدولة» ، وذكر ما جرت به العادة؛ وكان ذلك بعد أمور وقعت بين صمصام الدولة وبين أخيه شرف الدولة المذكور حتى أذعن «1» له صمصام الدولة. وفيها توفّى أبو القاسم المظفّر بن علىّ الملقب بالموفّق أمير البطيحة، وولى بعده أبو الحسن علىّ بن نصر بعهد منه. فبعث ابن نصر هذا لشرف الدولة يبذل الطاعة وسأل الخلع والتقليد؛ فأجيب إلى ذلك ولقّب مهذّب الدولة؛ فسار بالناس أحسن سيرة. وفيها توفّى الحكم «2» بن عبد الرّحمن بن عبد الله بن محمد الأموىّ المغربىّ أمير الأندلس. ولى مملكة الأندلس بعد وفاة أبيه يوم مات سنة خمسين وثلثمائة. وكنيته أبو العاصى، ولقبه المستنصر بالله؛ وأقام واليا على الأندلس خمسا وعشرين سنة، ومات في صفر. وأمّه أم ولد يقال لها مرجان. وتولّى بعده ولده هشام ابن الحكم، وكان مشكور السيرة. وهو الذي كتب إليه العزيز صاحب الترجمة من مصر يهجوه، وقد ذكرنا ذلك في أوّل ترجمة العزيز؛ فردّ المستنصر هذا جواب العزيز، وكتب في أوّل كتابه قصيدة أوّلها: [الطويل] ألسنا بنى مروان كيف تقلّبت ... بنا الحال أو دارت علينا الدوائر إلى أن قال: إذا ولد المولود منّا تهلّلت ... له الأرض واهتزّت إليه المنابر ثمّ قال: وبعد، فقد عرفتنا فهجوتنا، ولو عرفناك لهجوناك. والسلام.

ما وقع من الحوادث سنة 377

وفيها توفّى محمد بن أحمد بن حمدان بن علىّ بن عبد الله بن سنان أبو عمرو «1» الحيرىّ الزاهد، صحب جماعة من الزهّاد، وكان عالما بالقراءات والنحو، وكان متعبّدا، مات ببغداد في ذى القعدة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى إبراهيم بن أحمد أبو إسحاق المستملى ببلخ، طوّف وخرّج المعجم. وأبو سعيد الحسن بن جعفر السمسار الخرقىّ. وأبو الحسن «2» علىّ بن الحسن بن علىّ القاضى الجرّاحىّ الضعيف. وأبو الحسن على بن عبد الرّحمن البكّائىّ «3» . وأبو القاسم عمر بن محمد بن سبنك «4» . وقسّام الحارثىّ الغالب على دمشق قبض عليه في هذه السنة. وأبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان الحيرىّ في ذى القعدة عن ثلاث وتسعين سنة. وأبو بكر محمد بن عبد الله ابن عبد العزيز الرازىّ الواعظ. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وإحدى وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 377] السنة الثانية عشرة من ولاية العزيز نزار على مصر وهى سنة سبع وسبعين وثلثمائة. فيها توفّيت والدة شرف الدولة، فجاءه الخليفة الطائع لله معزّيّا.

وفيها في شعبان ولد لشرف الدولة بن عضد الدولة ولدان توءمان؛ فكنّى أحدهما أبا حرب وسماه سلار، والثانى أبا منصور وسماه فنّاخسرو. وفيها ولّى العزيز صاحب الترجمة بكتكين التركىّ إمرة دمشق، وندبه لقتال قسّام، حسب ما تقدّم ذكره. وفيها توفّى الحسن بن أحمد بن عبد الغفار أبو علىّ الفارسىّ النحوىّ الإمام المشهور، ولد ببلدة فسا «1» ، وقدم بغداد، وسمع الحديث وبرع في علم النحو وانفرد به، وقصده الناس من الأقطار، وعلت منزلته في العربيّة، وصنّف فيها كتبا كثيرة لم يسبق إلى مثلها حتّى اشتهر ذكره في الآفاق؛ وتقدّم عند عضد الدولة حتى قال عضد الدولة: أنا غلام أبى علىّ في النحو. ومن تصانيف أبى علىّ:" الإيضاح" و" التكملة" وكتاب" الحجة في القراءات"؛ ومات ببغداد في شهر ربيع الأوّل عن نيّف وتسعين سنة. وفيها كان قد هيّأ «2» العزيز صاحب مصر عدّة شوانى «3» لغزو الروم، فاحترقت مراكبه فاتّهم بها أناسا. ثمّ بعد ذلك وصلت رسل الروم في البحر إلى ساحل القدس بتقادم «4» للعزيز، ودخلوا مصر يطلبون الصلح؛ فأجابهم العزيز واشترط شروطا شديدة التزموا بها كلّها؛ منها: أنّهم يحلفون أنّه لا يبقى في مملكتهم أسير

ما وقع من الحوادث سنة 378

إلّا أطلقوه، وأن يخطب للعزيز في جامع قسطنطينية كلّ جمعة، وأن يحمل إليه من أمتعة الروم كلّ ما افترضه «1» عليهم؛ ثمّ ردّهم بعقد الهدنة سبع سنين. وفيها توفّيت ستيتة، وقيل آمنة، بنت القاضى أبى عبد الله الحسين المحاملىّ، وأمّ القاضى أبى الحسين محمد بن أحمد بن القاسم المحاملىّ، كنيتها أمة الواحد. كانت فاضلة، من أعلم الناس وأحفظهم لفقه الشافعىّ، وتقرأ القراءات والفرائض والنحو وغير ذلك من العلوم مع الزهد والعبادة والصدقات، وكانت تفتى مع أبى على ابن أبى هريرة؛ وماتت في شهر رمضان. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشر أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 378] السنة الثالثة عشرة من ولاية العزيز نزار على مصر وهى سنة ثمان وسبعين وثلثمائة. فيها في المحرّم أمر شرف الدولة بأن ترصد الكواكب السبعة في مسيرها وتنقّلها فى بروجها على مثال ما كان المأمون يفعل، وتولّى ذلك ابن رستم الكوهىّ «2» ، وكان له علم بالهيئة والهندسة، وبنى بيتا في دار المملكة بسبب ذلك في آخر البستان، وأقام الرصد لليلتين بقيتا من صفر. وفيها كثرت العواصف وهبّت ريح بفم الصّلح «3» عظيمة جرفت «4» دجلة من غربيها إلى شرقيها، فأهلكت خلقا كثيرا وغرّقت كثيرا من السفن الكبار.

وفيها بدأ المرض بشرف الدولة ولحقه سوء مزاج. وفيها لحق الناس بالبصرة حرّ عظيم في نيّف وعشرين يوما من تموز، وهو «أبيب» بالقبطىّ، فكان الناس يتساقطون موتى بالعراق في الشوارع. وفيها ولّى العزيز صاحب مصر على دمشق منيرا الخادم، وعزل عنها بكتكين التركىّ، لأنّه كان قيل عنه: إنّه خرج عن الطاعة. وفيها توفّى أحمد بن الحسين بن أحمد بن علىّ بن محمد العلوىّ الدّمشقىّ، ويعرف بالعقيقى، صاحب الدار المشهورة بدمشق، وكان من وجوه الأشراف جوادا ممدّحا، مات بدمشق في جمادى الأولى. وفيها توفّى الخليل بن أحمد بن محمد بن الخليل أبو سعيد السّجزىّ القاضى الحنفىّ، وقيل: اسمه محمد، والخليل لقب له، ويعرف أيضا بابن جنك «1» . كان شيخ أهل الرأى في عصره، وكان مع كثرة علمه أحسن الناس كلاما في الوعظ والتذكير، وكان صاحب فنون من العلوم، وطاف الدنيا شرقا وغربا وسمع الحديث، وكان شاعرا فصيحا؛ مات قاضيا بسمرقند في جمادى الآخرة، ورثاه أبو بكر الخوارزمىّ. وفيها توفّى عبد الله بن علىّ بن محمد أبو نصر السرّاج الصوفى الطوسىّ، كان من كبار مشايخ طوس وزهّادهم، مات بنيسابور في شهر رجب وهو ساجد. ومن شعره: [البسيط] ما ناصحتك خبايا الودّ من أحد ... ما لم تنلك بمكروه من العذل مودّتى فيك «2» تأبى أن تسامحنى ... بأن أراك على شىء من الزلل

ما وقع من الحوادث سنة 379

وفيها توفّى محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق أبو أحمد الحافظ النيسابورىّ الكرابيسىّ الحاكم الكبير إمام عصره صاحب التصانيف، سمع الكثير وروى عنه خلق كثير، وصنّف على كتابى البخارىّ ومسلم وعلى جامع أبى عيسى التّرمذىّ، وصنّف كتابى الأسماء والكنى والعلل والمخرّج على كتاب المزنىّ وغير ذلك، وولى القضاء بمدن كثيرة، ومات في شهر ربيع الأوّل عن ثلاث وتسعين سنة. وفيها توفّى [أبو «1» ] القاسم بن الجلّاب المالكى، وقيل اسمه عبد الرّحمن بن عبيد الله، وسمّاه القاضى عياض: محمد بن الحسين، تفقّه بالقاضى أبى بكر محمّد الأبهرىّ، وصنّف كتابا جليلا في مسائل الخلاف، وكتاب" التفريع" في مذهبه، وكان أحفظ أصحاب الأبهرىّ. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا واثنتا عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 379] السنة الرابعة عشرة من ولاية العزيز نزار على مصر وهى سنة تسع وسبعين وثلثمائة. فيها مات شرف الدولة شيرزيل «2» بن عضد الدولة بويه، وقيل: فنّاخسرو، ابن ركن الدولة الحسن بن بويه الديلمىّ بعد أن عهد بالملك إلى أخيه أبى نصر.

وجاء الطائع الخليفة لأبى نصر وعزّاه في أخيه شرف الدولة، ثمّ ركب أبو نصر إلى دار الخليفة وحضر الأعيان. وخلع الخليفة الطائع على أبى نصر المذكور سبع خلع أعلاها سوداء وعمامة سوداء، وفي عنقه طوق كبير، وفي يديه سواران، ومشى الحجّاب بين يديه بالسيوف. فلمّا حصل بين يدى الطائع قبّل الأرض، ثمّ أجلس على كرسىّ، وقرأ أبو الحسن «1» علىّ بن عبد العزيز «2» بن حاجب النّعمان كاتب الخليفة عهده، وقدّم إلى الطائع لواءه فعقده ولقبه بهاء الدولة وضياء الملة. قلت: وهذا الثالث من بنى عضد الدولة بن بويه؛ فإنّه ولى بعد عضد الدولة صمصام الدولة، ثمّ شرف الدولة، ثمّ بهاء الدولة هذا. وكان بهاء الدولة المذكور من رجال بنى بويه. وبلغ الأتراك بفارس ولايته فوثبوا وأخرجوا صمصام الدولة من معتقله، وكان اعتقله أخوه شرف الدولة. ولمّا خرج صمصام الدولة واستفحل أمره، وقّع بينه وبين الأتراك، فتركوه وأقاموا ابن أخيه أبا علىّ ولقّبوه شمس الدولة. ووقع لهم أمور يطول شرحها. وفيها توفّى محمد بن المظفّر بن موسى بن عيسى أبو الحسين البزّاز البغدادىّ الحافظ المشهور، ولد سنة ستّ وثمانين ومائتين في المحرّم، ورحل وسمع الكثير، وروى عنه خلائق، كتب عنه الدارقطنىّ. وقد روينا مسنده الذي جمعه من حديث أبى حنيفة رضى الله عنه عن المسند المعمّر الحاكم عبد الرّحيم بن «3» الفرات الحنفى.

أنبأنا ابن أبى «1» عمر وغير واحد قالوا أنبأنا أبو الحسن «2» بن البخارىّ أنبأنا الخشوعىّ «3» أنبأنا ابن خسرو البلخىّ عن المبارك بن عبد الجبّار الصّيرفىّ «4» عن أبى محمد الفارسىّ عن ابن المظفّر. وقال محمد بن أبى الفوارس: انتهى إليه علم الحديث مع الفقه والأمانة وحسن الخط. وفيها توفّى شرف الدولة شيرزيل «5» بن عضد الدولة بويه بن ركن الدولة الحسن ابن بويه بن فناخسرو الديلمىّ سلطان بغداد وابن سلطانها. ظفر بأخيه صمصام الدولة بعد حروب وحبسه وملك العراق. وكان حسن السيرة، يميل إلى الخير، وأزال المصادرات. وكان مرضه بالاستسقاء، وامتنع من الحمية فمات منه في جمادى

ما وقع من الحوادث سنة 380

الآخرة عن تسع وعشرين سنة، وملك سنتين وثمانية أشهر. وتولّى السلطنة بعده أخوه أبو نصر «1» بهاء الدولة، حسب ما ذكرناه في أوّل هذه السنة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع سواء. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وتسع عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 380] السنة الخامسة عشرة من ولاية العزيز نزار على مصر وهى سنة ثمانين وثلثمائة. فيها قلّد أبو أحمد الحسين بن موسى الموسوىّ العلوىّ نقابة الطالبيين والنظر فى المظالم وإمرة الحاجّ، وكتب عهده على جميع ذلك؛ واستخلف ولديه المرتضى والرضىّ على النّقابة، وخلع عليهما من دار الخلافة ببغداد. وفيها تغيّر بهاء الدولة على الخليفة الطائع لله عبد الكريم حتّى نكبه في السنة الآتية. وفيها حجّ بالناس أبو عبد الله أحمد بن محمد بن عبيد الله نيابة عن الشريف أبى أحمد الموسوىّ. وفيها توفّى حمزة «2» بن أحمد بن الحسين الشريف أبو الحسن العلوىّ الدمشقىّ، كان جوادا رئيسا، يسكن بباب الفراديس «3» . ولما قرئ نسب خلفاء مصر الفاطميّين على منبر دمشق استهزأ بهم ونال منهم، فبعث ابن كلّس وزير العزيز [من «4» ] قبض عليه، وحبسه بالإسكندريّة إلى أن مات بها.

وفيها توفّى الوزير يعقوب بن يوسف بن كلّس أبو الفرج وزير العزيز صاحب مصر. كان يهوديّا من أهل بغداد ثم انتقل إلى الرملة وعمل سمسارا، فانكسر عليه مال فهرب إلى مصر. وتاجر لكافور الإخشيذىّ فرأى منه فطنة، فقال: لو أسلم لصلح للوزارة، فأسلم؛ فقصده الوزير «1» يوم ذلك، فهرب ابن كلّس هذا إلى المغرب، وترقّى إلى أن وزّره العزيز صاحب الترجمة سنة خمس وستين وثلثمائة. فاستقامت أمور العزيز بتدبيره إلى أن مات. فلما أشرف على الموت عاده العزيز وعمّه أمره. فقال له العزيز: ودت أنك تباع فاشتريك بملكى أو تفتدى فأفديك بولدى، فهل من حاجة [توصى «2» بها؟] فبكى ابن كلّس وقبّل يده وجعلها على عينيه، ثم أوصى العزيز بوصايا ومات. فصلّى عليه العزيز وألحده في قبره بيده فى قبّة في دار العزيز كان بناها العزيز لنفسه، وأغلق الدواوين بعده أيّاما. وقيل: إنه كان حسن إسلامه وقرأ القرآن والنحو، وكان يجمع العلماء والفضلاء. ولمّا مات خلّف شيئا كثيرا. وقيل: إنه كفّن وحنّط بما قيمته عشرة آلاف دينار، قاله الذهبىّ وغيره من المؤرخين، ورثاه مائة شاعر. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو القاسم طلحة ابن محمد بن جعفر الشاهد. وأبو عبد الله «3» محمد بن أحمد بن محمد بن يحيى بن مفرّج

ما وقع من الحوادث سنة 381

القرطبىّ قاضى الجماعة. ووزير مصر يعقوب بن يوسف بن كلّس. وأبو بكر محمد ابن عبد الرّحمن بن صبر «1» الحنفىّ المعتزلىّ. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع سواء. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 381] السنة السادسة عشرة من ولاية العزيز نزار على مصر وهى سنة إحدى وثمانين وثلثمائة. فيها خلع الخليفة الطائع عبد الكريم في تاسع عشر شعبان، وتولّى القادر الخلافة. وسببه أن أبا الحسين «2» بن المعلّم كان من خواصّ بهاء الدولة فحبسه الطائع؛ وجاء بهاء الدولة إلى دار الخلافة وقد جلس الطائع متقلّدا سيفا. فلمّا قرب [منه «3» ] بهاء الدولة قبّل الأرض وجلس على كرسىّ؛ وتقدّم أصحابه فجذبوا الطائع بحمائل سيفه وتكاثروا عليه ولفّوه في كساء، وحمل في زبزب «4» فى الدّجلة وأصعد الى دار الملك، واختلط «5» الناس وظنّ أكثرهم أنّ القبض على بهاء الدولة، ونهبت دار الخلافة؛ وماج الناس، إلى أن نودى بخلافة القادر. وكتب على الطائع كتاب بخلع نفسه، وأنه سلّم الأمر إلى القادر بالله؛ فتشغّبت الجند يطلبون رسم البيعة، وتردّدت الرسل بينهم وبين بهاء الدولة، [ومنعوا الخطبة «6» باسم القادر] ، ثم أرضوهم وسكنوا؛ وأقيمت الخطبة للقادر في الجمعة الآتية.

والقادر هذا ابن عمّ الطائع المخلوع عن الخلافة به. واسمه أحمد، وكنيته أبو العباس ابن الأمير إسحاق ابن الخليفة جعفر المقتدر. والطائع الذي خلع اسمه عبد الكريم، وكنيته أبو بكر ابن الخليفة المطيع الفضل ابن الخليفة جعفر المقتدر المذكور؛ حبس وأقام سنين بعد ذلك إلى أن مات. على ما سيأتى ذكره في محلّه إن شاء الله تعالى. وفيها حجّ بالناس «1» أبو الحسن محمد بن الحسن بن يحيى العلوىّ الشريف أمير الحجّ، [وكذلك «2» ] حجّ بالناس عدّة سنين. وفيها توفّى أحمد بن الحسين بن مهران أبو بكر النّيسابورىّ المقرئ العابد، مصنّف كتاب" الغاية في القراءات". قال الحاكم: كان إمام عصره في القراءات، وكان أعبد من رأينا من القرّاء، وكان مجاب الدعوة. مات في شوّال وله ستّ وثمانون سنة. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن الفضل بن جعفر بن محمد بن الجرّاح أبو بكر الخزّاز «3» ، كان أديبا فاضلا فارسا شجاعا. وفيها توفى بكجور التركىّ، ولى إمرة دمشق لأستاذه العزيز صاحب الترجمة، نقل إليها من ولاية حمص. وكان ظالما جبّارا، ساءت سيرته في ولايته. ولما كثر ظلمه عزله العزيز صاحب مصر وولّى مكانه منيرا الخادم سنة ثمان وسبعين. فلم

يسلّم بكجور المذكور البلد إلّا بعد قتال، وتوجّه إلى جهة حلب؛ ثم قتل بمكان يقال له الناعورة «1» . وكان أصل بكجور المذكور من موالى سعد الدولة بن سيف الدولة بن حمدان. وفيها توفّى سعد الدولة أبو المعالى شريف بن سيف الدولة علىّ بن عبد الله ابن حمدان التّغلبىّ الأمير صاحب حلب وابن صاحبها في شهر رمضان. وعهد إلى ولده أبى الفضائل، ووصّى لؤلؤا الكبير به وبولده الآخر أبى الهيجاء. ووقع بينهم وبين العزيز صاحب مصر وقائع وحروب، ذكرناها في أوّل ترجمة العزيز هذا، وما وقع له معهم إلى أن مات العزيز. وفيها توفّى عبد الله بن أحمد بن حمّويه بن يوسف بن أعين أبو محمد السّرخسىّ، مولده في سنة ثلاث وتسعين ومائتين. قال أبو ذرّ «2» : قرأت عليه. وهو صاحب أصول حسان. وفيها توفّى عبيد الله بن عبد الرّحمن بن محمد بن عبيد الله بن سعد بن إبراهيم «3» ابن عبد الرّحمن بن عوف أبو الفضل الزّهرىّ العوفىّ «4» ، هو إمام مسند كبير القدر. قال أبو بكر الخطيب: كان ثقة. ولد سنة تسعين ومائتين. وفيها توفّى محمد بن إبراهيم بن علىّ بن عاصم بن زاذان الحافظ أبو بكر بن المقرئ مسند أصبهان، طاف البلاد وسمع الكثير وروى عنه خلق. قال ابن مردويه «5» : هو ثقة مأمون صاحب أصول، مات في شوّال وله ستّ وتسعون سنة.

ما وقع من الحوادث سنة 382

وفيها توفّى عبيد الله بن أحمد بن معروف أبو محمد القاضى، ولى القضاء من الجانبين ببغداد، وكانت له منزلة عالية من الخلفاء والملوك خصوصا من الطائع، وكان من العلماء الثّقات الفضلاء العقلاء. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع واثنتا عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وثلاث وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 382] السنة السابعة عشرة من ولاية العزيز نزار على مصر وهى سنة اثنتين وثمانين وثلثمائة. فيها منع أبو الحسين علىّ بن محمد بن المعلّم الكوكبىّ صاحب أمر بغداد الرافضة من أهل الكرخ «1» وباب «2» الطاق من النّوح في يوم عاشوراء ومن تعليق المسوح؛ وكان ذلك يعمل من نحو ثلاثين سنة. وفيها جلس الخليفة القادر بالتاج وحضر القضاة والأشراف والأعيان، وأحضر رسول صاحب المولتان «3» ، فذكر الرسول رغبة مرسله في الإسلام والدخول فيه برعيّته، وسأل أن ينفذ إليه الخليفة من يعلّمهم السنن والفرائض والشرائع والحدود؛ فكتب على يده كتابا ووعد بكلّ جميل، وسرّ الناس بذلك غاية السرور.

وفيها شغب الديلم والترك والجند على بهاء الدولة وطلبوا منه تسليم أبى الحسين ابن المعلّم، وكان ابن المعلّم قد استولى على بهاء الدولة وحكم عليه وقصّر في حقّ الجند؛ فامتنع بهاء الدولة من تسليمه؛ ثم غلب وسلّمه لخاله شيرزيل، فسقاه السمّ مرّتين فلم يعمل فيه، فخنقه بحبل الستارة حتى مات ودفنه. وفيها غلت الأسعار ببغداد، فبيع رطل الخبز بأربعين درهما، والجوزة بدرهم. وفيها حجّ بالناس محمد بن الحسن العلوىّ. وفيها توفى أحمد بن علىّ بن عمر أبو الحسين الحريرىّ. ولد سنة اثنتين وثلثمائة، وهو غير صاحب المقامات. أخرج له الخطيب حديثا من حديث أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يقول الله تعالى: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما". ومات أبو الحسين في شهر رمضان. وفيها توفّى عبد الله بن محمد بن عبد الوهّاب أبو سعيد الرازىّ القرشىّ الصوفىّ نزيل نيسابور، كان كالرّيحانة بين الصوفيّة، سيّدا ثقة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكرىّ في ذى الحجة. وأبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمد بن يعقوب النّسائىّ الشافعىّ راوى مسند الحسن بن سفيان عنه. وأبو سعيد عبد الله ابن محمد بن عبد الوهّاب الرازىّ وله أربع وتسعون سنة. وأبو عمر محمد بن العباس ابن حيّويه «1» الخزّاز في [شهر] ربيع الآخر عن سبع وثمانين سنة.

ما وقع من الحوادث سنة 383

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع واثنتا عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 383] السنة الثامنة عشرة من ولاية العزيز نزار على مصر وهى سنة ثلاث وثمانين وثلثمائة. فيها تزوّج الخليفة القادر بالله سكينة «1» بنت بهاء الدولة على صداق مائة ألف دينار؛ فماتت قبل الدخول بها. وفيها عظم الغلاء حتى بلغ ثمن كرّ القمح ببغداد ستة آلاف درهم وستمائة درهم غياثىّ «2» ، والكارة الدقيق مائتين وستّين درهما. وفيها ابتنى الوزير أبو نصر سابور بن أردشير دارا بالكرخ سمّاها" دار العلم" ووقفها على العلماء ونقل إليها كتبا كثيرة. وفيها توفّى أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن شاذان الحافظ أبو بكر البزّاز «3» ، ولد فى شهر ربيع الأول سنة ثمان وتسعين ومائتين، ومات في شوّال ببغداد. وكان ثبتا ثقة صاحب أصول. قيل له: أسمعت من الباغندىّ «4» شيئا؟ قال: لا أعلم؛ ثمّ وجد سماعه منه، فلم يحدّث به تورّعا.

وفيها توفّى جعفر بن عبد الله بن يعقوب أبو القاسم الرازىّ. روى عن محمد ابن هارون الرّويانىّ «1» مسنده، وسمع عبد الرّحمن بن أبى حاتم وجماعة. قال أبو يعلى «2» الخليل: موصوف بالعدالة وحسن الديانة، وهو آخر من روى عن الرّويانىّ. وفيها توفّى عبد الله بن عطيّة بن عبد الله بن حبيب أبو محمد المقرئ الدمشقىّ المفسّر العدل إمام مسجد عطيّة داخل باب الجابية «3» . كان يحفظ خمسين ألف بيت من شعر العرب في الاستشهادات على معانى القرآن واللغة. مات بدمشق فى شوال. ومن شعره قوله: [الكامل] احذر مودّة ماذق «4» ... مزج المرارة بالحلاوه يحصى الذنوب عليك أيّام ... الصداقة للعداوه وفيها توفّى عبد الله بن محمد بن [القاسم «5» بن] حزم أبو محمد الأندلسىّ القلعىّ من أهل قلعة أيّوب «6» . رحل إلى مصر والشام والعراق سنة خمسين وثلثمائة، وسمع الكثير وعاد إلى الأندلس، وصنّف الكتب. وكانوا يشبّهونه بسفيان الثورىّ فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. ومات في شهر ربيع الآخر وله ثلاث وستون سنة.

ما وقع من الحوادث سنة 384

وفيها توفّى محمد بن صالح بن محمد بن سعد أبو عبد الله الأندلسىّ الفقيه المالكىّ، سمع بمصر والشام والجزيرة وبغداد، ثم أقام ببخارى حتّى مات بها في شهر رجب. وكان فاضلا أديبا ثقة. ومن شعره: [الكامل] ودّعت قلبى ساعة التوديع ... وأطعت قلبى وهو غير مطيعى إن لم أشيّعهم فقد شيّعتهم ... بمشيّعين: حشاشىّ ودموعى وفيها توفّى نصر بن محمد بن أحمد بن يعقوب أبو الفضل الطوسىّ العطّار الصوفىّ الحافظ، أحد أركان الحديث بخراسان مع الدّين والزّهد والسخاء والعفّة. وقد سافر إلى العراق ومصر والشام والحجاز، وجمع من الحديث ما لم يجمعه أحد، وصنّف الكتب. ومات وهو ابن ثلاث وسبعين سنة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وثمانى عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وإحدى وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 384] السنة التاسعة عشرة من ولاية العزيز نزار على مصر وهى سنة أربع وثمانين وثلثمائة. فيها تزوّج مهذّب الدولة علىّ بن نصر ببنت بهاء الدولة بن بويه، وعقد أيضا للأمير أبى منصور «1» بن بهاء الدولة على بنت مهذّب الدولة، كلّ صداق مائة ألف دينار.

وفيها سار صمصام الدولة بن عضد الدولة من شيراز يريد الأهواز، فخرج بهاء الدولة من بغداد ونزل واسطا، وأرسل جيشا لقتال صمصام الدولة بن بويه، فالتقوا مع صمصام الدولة وانتصروا عليه. وفيها عزل الشريف أبو أحمد الموسوىّ عن نقابة الطالبيّين، وصرف ولداه الرضى والمرتضى عن النيابة عنه، وتولّى عوضه الشريف الزينبىّ «1» . وفيها رجع الحاجّ إلى بغداد، ولم يحجّ أحد من العراق خوفا من القرامطة. وفيها توفّى إبراهيم بن هلال أبو إسحاق الصابئ صاحب الرسائل؛ كان فاضلا شاعرا، نكب غير مرّة بسبب رسائله. ومولده في شهر رمضان سنة ثلاث عشرة وثلثمائة، ومات في هذه السنة، ودفن بالشّونيزيّة «2» . ورثاه الشريف الرضى الموسوىّ بقصيدته الدالية التى أوّلها: [الكامل] أرأيت من حملوا على الأعواد ... أرأيت كيف خبا ضياء النادى «3» وعاتبه الناس في ذلك لكونه شريفا ورثى صابئا؛ فقال: إنما رثيت فضله. قال ابن خلكان: وجهد فيه عزّ الدولة أن يسلم فلم يفعل. وكان يصوم شهر رمضان مع المسلمين ويحفظ القرآن الكريم أحسن حفظ. وفيها توفّى عبد الله «4» بن محمد بن نافع بن مكرم أبو العباس البستىّ الزاهد، كان ورث من آبائه أموالا عظيمة أنفقها على الفقهاء والفقراء، أقام سبعين سنة لا يستند إلى جدار ولا إلى غيره، ومات في المحرّم.

وفيها توفّى علىّ بن عيسى بن علىّ الإمام أبو الحسن الرّمّانىّ النحوىّ. مولده سنة ستّ وتسعين ومائتين، وبرع في علم النحو واللغة والأصول والتفسير وغيرها. وله كتاب" التفسير الكبير"، وهو كثير الفوائد إلا أنه صرّح فيه بالاعتزال؛ وسلك الزمخشرىّ سبيله وزاد عليه. مات ببغداد ودفن بالشّونيزيّة. وفيها توفّى محمد بن العبّاس بن أحمد بن محمد الحافظ أبو الحسن بن الفرات، ولد سنة تسع عشرة وثلثمائة، وكتب الكثير، وجمع ما لم يجمعه أحد من أقرانه؛ وكان عنده عن علىّ بن محمد المصرىّ وحده ألف جزء، وكتب مائة تفسير ومائة تاريخ، وخلّف ثمانية عشر صندوقا مملوءة كتبا غير ما سرق «1» منه، وأكثرها بخطّه. وكانت له جارية «2» تعارض معه بما يكتبه. ومات ببغداد في شوّال، وكان مأمونا ثقة. انتهى كلام صاحب مرآة الزمان. وفيها توفّى محمد بن عمران بن موسى بن عبيد الله أبو عبد الله «3» الكاتب المرزبانى، كان صاحب أخبار وروايات للآداب، وصنّف كتبا في فنون العلوم. وكان أبو علىّ الفارسىّ يقول عنه: هو من محاسن الدنيا. وفيها توفّى المحسّن بن علىّ بن محمد بن أبى الفهم القاضى أبو علىّ التّنوخىّ «4» مصنّف كتاب" الفرج بعد الشدّة". مولده سنة سبع وعشرين وثلثمائة بالبصرة. وكان أديبا شاعرا. تقلّد القضاء بسرّمن رأى، ومات ببغداد في المحرّم.

ما وقع من الحوادث سنة 385

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع واثنتان وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وسبع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 385] السنة العشرون من ولاية العزيز نزار على مصر وهى سنة خمس وثمانين وثلثمائة. فيها تحرّكت القرامطة على البصرة، فجهّز بهاء الدولة إليهم جيشا فرجعوا عنها. وفيها زلزلت الدنيا زلزلة عظيمة، مات فيها تحت الهدم خلق كثير. وفيها أمر صمصام الدولة بقتل من كان بفارس من «1» الأتراك، كلّ ذلك ولم ينتج أمر صمصام الدولة. وفيها توفّى طغان صاحب بهاء الدولة الذي كان ندبه لقتال صمصام الدولة بشيراز. وفيها حجّ بالناس أحمد بن محمد بن عبد الله العلوىّ من العراق، وبعث بدر «2» بن حسنويه الكردىّ خمسة «3» آلاف دينار إلى الأصفر الأعرابىّ الذي كان يقطع الطريق على الحاجّ عوضا عما كان يأخذه من الحاجّ، وجعل ذلك رسما عليه في كل سنة من ماله، رحمه الله. وفيها توفّى الوزير الصاحب إسماعيل بن عبّاد بن العباس أبو القاسم وزير مؤيّد الدولة بن ركن الدولة الحسن بن بويه، ثمّ وزر لأخيه فخر الدولة. كان أصله

من الطالقان، وكان نادرة زمانه وأعجوبة عصره في الفضائل والمكارم. أخذ الأدب عن الوزير أبى الفضل بن العميد وزير ركن الدولة بن بويه، وسمع الحديث من أبيه ومن غير واحد، وحدّث باليسير. وهو أوّل وزير سمّى بالصاحب لأنه صحب مؤيد الدولة من الصّبا فسمّاه الصاحب، فغلب عليه، ثمّ سمّى به كلّ من ولى الوزارة حتى حرافيش زماننا حملة اللحم وأخذة المكوس! وقيل: إنه كان يصحب ابن العميد فقيل له صاحب ابن العميد، ثم خفّف فقيل الصاحب. ولمّا ولى الوزارة قال فيه أبو سعيد الرّستمىّ «1» : [الكامل] ورث الوزارة كابرا عن كابر ... موصولة الإسناد بالإسناد يروى عن العباس عبّاد وزا ... رته وإسماعيل عن عبّاد ولمّا مات مؤيّد الدولة تولّى السلطنة أخوه فخر الدولة، فأقرّ الصاحب هذا على وزارته؛ فعظم أمره أكثر ما كان؛ وبقى في الوزارة ثمانية عشر عاما، وفتح خمسين قلعة وسلّمها إلى فخر الدولة. وكان عالما بفنون كثيرة. وأما الشعر فإليه المنتهى فيه. ومن شعره: [الكامل]

رقّ الزّجاج وراقت الخمر ... وتشابها فتشا كل الأمر فكأنما خمر ولا قدح ... وكأنّما قدح ولا خمر وله القصيدة التى أوّلها: [الوافر] تبسّم إذ تبسّم عن أقاحى ... وأسفر حين أسفر عن صباح وقيل: إنّ القاضى العميرىّ أرسل الى الصاحب كتبا كثيرة، وكتب معها يقول: [الخفيف] العميرىّ عبد كافى الكفاة «1» ... وإن اعتدّ في وجوه القضاة خدم المجلس الرفيع بكتب ... مفعمات «2» من حسنها مترعات فأخذ منها الصاحب بن عبّاد كتابا واحدا، وكتب معها: قد قبلنا من الجميع كتابا ... ورددنا لوقتها الباقيات لست أستغنم الكثير فطبعى ... قول «خذ» ليس مذهبى قول «هات» ومات الصاحب بالرّىّ عشيّة ليلة الخميس خامس عشرين صفر، وأغلقت له مدينة الرّىّ، وحضر مخدومه فخر الدولة وجميع أعيان مملكته، وقد غيّروا لباسهم. فلمّا خرج نعشه صاح الناس صيحة واحدة، وقبّلوا الأرض لنعشه، ومشى فخر الدولة أمام نعشه، وقعد للعزاء أيّاما، ورثاه الشعراء بعدّة قصائد. قلت: وأخبار ابن عبّاد كثيرة، وقد استوعبنا أمره في كتاب «الوزراء» . وليس هذا محلّ الإطناب في التراجم سوى تراجم ملوك مصر التى بسببها صنّف هذا الكتاب.

وفيها توفّى علىّ بن عمر بن أحمد بن مهدىّ بن مسعود بن النعمان بن دينار بن عبد الله أبو الحسن البغدادىّ الدّارقطنىّ، الحافظ المشهور صاحب التصانيف. سمع من أبى القاسم البغوىّ وخلق كثير ببغداد والكوفة والبصرة وواسط، ورحل فى كهولته الى الشام ومصر، فسمع القاضى أبا الطاهر «1» الذّهلىّ وطبقته؛ وروى عنه أبو حامد الإسفراينى وأبو عبد الله الحاكم وعبد الغنى بن سعيد المصرىّ وخلق سواهم قال الخطيب أبو بكر: كان الدارقطنىّ فريد عصره، ووحيد دهره، ونسيج وحده، وإمام وقته؛ انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بعلل الحديث وأسماء الرجال [وأحوال الرواة «2» ] ، مع الصّدق والثقة، وصحة الاعتقاد. وكانت وفاته في ثامن ذى القعدة. وفيها توفّى عمر بن أحمد بن عثمان بن أحمد بن أيوب بن أزداد «3» الشيخ أبو حفص بن شاهين الحافظ الواعظ محدّث بغداد ومفيدها، سمع الكثير وحدّث؛ ومولده سنة سبع وتسعين ومائتين. قال ابن ماكولا: كان ثقة مأمونا، سمع بالشام والعراق والبصرة وفارس، وجمع الأبواب والتراجم، وصنّف كثيرا. وفيها توفى أبو الحسن عبّاد بن العباس والد الصاحب بن عبّاد المقدّم ذكره، مات بعد ابنه بمدّة يسيرة. وكان فاضلا جليلا، سمع الحديث، وصنّف كتاب" أحكام القرآن". وقد تقدّم أن أصلهم من «الطّالقان» وهى قرية كبيرة بين قزوين وأبهر، وحولها عدّة قرى؛ وقيل: هو إقليم يقع عليه هذا الاسم. وبخراسان مدينة يقال لها «طالقان» غير هذه.

وفيها توفّى بشر بن هارون أبو نصر النصرانىّ الكاتب، كان شاعرا هجّاء خبيث اللسان كتب مرّة إلى إبراهيم الصابئ: [السريع] حضرت بالجسم وقد كنت بالن ... فس وإن لم ترنى حاضرا «1» أنطقنى بالشعر حبّى لكم ... ولم أكن من قبلها شاعرا فكتب إليه الصابئ تحت خطّه: «ولا بعدها» . وفيها توفّى الحسن بن حامد بن الحسن بن حامد بن الحسن بن حامد أبو محمد الأديب الشاعر، كان فاضلا يتّجر وله مال كثير. ولمّا قدم المتنبّى بغداد خدمه؛ فقال له المتنبى: لو كنت مادحا تاجرا لمدحتك. وفيها توفّى عقيل بن محمد «2» أبو الحسن الأحنف العكبرىّ الأديب الشاعر. ومن شعره: [الرمل] من أراد الملك والرا ... حة من همّ طويل فليكن فردا من النا ... س ويرضى بالقليل وفيها توفّى محمد بن عبد الله بن سكّرة «3» أبو الحسن الهاشمىّ البغدادىّ الشاعر المشهور، ويعرف بابن رابطة «4» . هو من ولد علىّ بن المهدىّ من بنى العباس. كان شاعرا ظريفا فصيحا؛ وشعره في غاية الجودة والرقّة. من ذلك قوله:

ما وقع من الحوادث سنة 386

[المنسرح] فى وجه إنسانة «1» كلفت بها ... أربعة ما اجتمعن في أحد الوجه بدر والصّدغ غالية ... والرّيق خمر والثغر من برد أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وخمس عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وسبع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 386] السنة الحادية والعشرون من ولاية العزيز يزار على مصر- وفيها مات- وهى سنة ستّ وثمانين وثلثمائة. فيها في المحرّم ادّعى أهل البصرة أنهم كشفوا عن قبر عتيق فوجدوا فيه ميتا [طريّا «2» ] بثيابه وسيفه، وأنه الزّبير بن العوّام؛ فأخرجوه وكفّنوه ودفنوه بالمربد؛ وبنى عليه أبو المسك عنبر بناء «3» وجعله مشهدا، وأوقف عليه أوقافا ونقل إليه القناديل والآلات. قال الذهبىّ: فالله أعلم من ذلك الميّت. وفيها توفّى أحمد بن علىّ بن أحمد أبو علىّ المدائنى، ويلقب بالهائم. روى عن السّرىّ الرفّاء ديوان شعره. وكان شاعرا ماهرا. ومن شعره في كوسج «4» : [المنسرج] وجه اليمانىّ من تأمّله ... أبصر فيه الوجود والعدما قد شاب عثنونه وشاربه ... وعارضاه لم يبلغا الحلما

وفيها توفّى محمد بن علىّ بن عطيّة أبو طالب الحارثىّ، مصنّف كتاب" قوت القلوب «1» ". كان من أهل الجبل ونشأ بمكة وتزهّد، وكان له لسان حلو في الوعظ والتصوّف. وفيها توفى محمد بن إبراهيم بن أحمد أبو بكر السّوسىّ شيخ الصوفيّة بدمشق، كان زاهدا عابدا، ما عقد على درهم ولا دينار، ولا اغتسل من حلال ولا حرام، حدّث عن أحمد بن عطاء الرّوذبارىّ «2» وأقرانه، ولقى المشايخ. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو حامد «3» أحمد بن عبد الله النّعيمىّ بهراة في شهر ربيع الأوّل. وأبو أحمد عبد الله بن الحسين بن حسنون السّامرّىّ. وأبو أحمد عبيد الله بن يعقوب بن إسحاق الأصبهانى، روى عن جدّه مسند أحمد بن منيع. وأبو الحسن علىّ بن عمر الحربىّ السّكّرى «4» فى شوّال وله تسعون سنة. وأبو عبد الله الختن «5» شيخ الشافعيّة محمد بن الحسن الأسترآباذي «6» . وأبو طالب محمد بن علىّ بن عطيّة المكىّ صاحب" القوت" في جمادى الآخرة. والعزيز نزار بن المعزّ العبيدىّ في رمضان عن ثلاث وأربعين سنة.

ذكر ولاية الحاكم بأمر الله على مصر

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وخمس أصابع. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وثلاث وعشرون إصبعا. ذكر ولاية الحاكم بأمر الله على مصر هو أبو علىّ منصور الحاكم بأمر الله بن العزيز بالله نزار بن المعزّ بالله معدّ بن المنصور بالله إسماعيل بن القائم بأمر الله محمد بن المهدىّ عبيد الله، العبيدىّ الفاطمىّ المغربىّ الأصل، المصرىّ المولد والدار والمنشأ، الثالث من خلفاء مصر من بنى عبيد والسادس منهم ممن ولى من أجداده بالمغرب، وهم: المهدىّ والقائم والمنصور المقدّم ذكرهم. مولده يوم الخميس لأربع ليال بقين من شهر ربيع الأوّل سنة خمس وسبعين وثلثمائة بالقاهرة؛ وقيل: فى الثالث والعشرين منه. وولّاه أبوه العزيز عهد الخلافة فى شعبان سنة ثلاث وثمانين وثلثمائة، وبويع بالخلافة يوم مات أبوه يوم الثلاثاء لليلتين بقيتا من شهر رمضان سنة ستّ وثمانين وثلثمائة؛ فولى الخلافة وله إحدى عشرة سنة ونصف، وقيل: عشر سنين ونصف وستّة أيام، وقيل غير ذلك. قال العلّامة أبو المظفّر بن قزأوغلى في تاريخه: «وكانت خلافته متضادّة بين شجاعة وإقدام، وجبن وإحجام، ومحبّة للعلم وانتقام من العلماء، وميل الى الصلاح وقتل الصلحاء. وكان الغالب عليه السخاء؛ وربّما بخل بما لم يبخل به أحد قطّ. وأقام يلبس الصوف سبع سنين، وامتنع من دخول الحمام؛ وأقام سنين يجلس فى الشمع ليلا ونهارا، ثمّ عنّ له أن يجلس في الظّلمة فجلس فيها مدّة. وقتل من العلماء والكتّاب والأماثل ما لا يحصى؛ وكتب على المساجد والجوامع سبّ أبى بكر وعمر وعثمان وعائشة وطلحة والزّبير ومعاوية وعمرو بن العاص رضى الله عنهم

فى سنة خمس وتسعين وثلثمائة، ثمّ محاه في سنة سبع وتسعين؛ وأمر بقتل الكلاب وبيع الفقّاع «1» ، ثم نهى عنه؛ ورفع المكوس عن البلاد وعمّا يباع فيها؛ ونهى عن النجوم، وكان ينظر فيها؛ ونفى المنجّمين وكان يرصدها «2» ؛ ويخدم زحل وطالعه المرّيخ، ولهذا كان يسفك الدّماء. وبنى جامع «3» القاهرة، وجامع راشدة «4» على النيل بمصر، ومساجد كثيرة، ونقل إليها المصاحف المفضّضة والستور الحرير وقناديل الذهب والفضّة؛ ومنع من صلاة التراويح عشر سنين، ثم أباحها؛ وقطع الكروم ومنع من بيع العنب، ولم يبق في ولايته كرما؛ وأراق خمسة آلاف جرّة من عسل فى البحر خوفا من أن تعمل نبيذا؛ ومنع النساء من الخروج من بيوتهنّ ليلا ونهارا؛ وجعل لأهل الذمّة علامات يعرفون بها، وألبس اليهود العمائم السّود، وأمر ألّا يركبوا مع المسلمين في سفينة، وألّا يستخدموا غلاما مسلما، ولا يركبوا حمار مسلم، ولا يدخلوا مع المسلمين حمّاما، وجعل لهم حمامات على حدة؛ ولم يبق فى ولايته ديرا ولا كنيسة إلّا هدمها؛ ونهى عن تقبيل الأرض بين يديه والصلاة

عليه في الخطب والمكاتبات؛ وجعل مكان الصلاة عليه: السلام على أمير المؤمنين، ثمّ رجع عن ذلك؛ وأسلم خلق من أهل الذّمّة خوفا منه ثم ارتدّوا؛ وأعاد الكنائس إلى «1» حالها» . انتهى كلام أبى المظفر. قال الحافظ أبو عبد الله الذهبىّ في تاريخه: «كان جوادا سمحا، خبيثا ماكرا، ردىء الاعتقاد، سفّاكا للدّماء؛ قتل عددا كبيرا من كبراء دولته صبرا؛ وكان عجيب السيرة، يخترع كلّ وقت أمورا وأحكاما يحمل الرعيّة عليها؛ فأمر بكتب سبّ الصحابة على أبواب المساجد والشوارع، وأمر العمّال بالسبّ في الأقطار في سنة خمس وتسعين وثلثمائة، وأمر بقتل الكلاب في مملكته وبطّل الفقّاع والملوخيّا؛ ونهى عن السمك، وظفر بمن باع ذلك فقتلهم؛ ونهى في سنة اثنتين وأربعمائة عن بيع الرطب ثمّ جمع منه شيئا عظيما فأحرق الكلّ؛ ومنع من بيع العنب وأباد كثيرا من الكروم؛ وأمر النصارى بأن تعمل في أعناقهم الصّلبان، وأن يكون طول الصليب ذراعا وزنته خمسة أرطال بالمصرىّ؛ وأمر اليهود أن يحملوا في أعناقهم قرامى الخشب في زنة الصلبان أيضا، وأن يلبسوا العمائم السّود، ولا يكتروا من مسلم بهيمة، وأن يدخلوا الحمّام بالصّلبان، ثمّ أفرد لهم حمّامات. وفي العام أمر بهدم الكنيسة المعروفة بالقمامة «2» . ولّما أرسل إليه ابن باديس «3» ينكر عليه أفعاله، أراد» استمالته فأظهر التفقه وحمل في كمّه الدفاتر وطلب إليه فقيهين وأمر هما بتدريس مذهب مالك في الجامع؛ ثمّ بدا له فقتلهما صبرا؛ وأذن للنصارى الذين أكرههم إلى الإسلام في الرجوع إلى الشّرك. وفي سنة أربع وأربعمائة منع النساء من الخروج

فى الطريق، ومنع من عمل الخفاف لهنّ؛ فلم يزلن ممنوعات سبع سنين وسبعة أشهر حتّى مات. ثمّ إنّه بعد مدّة أمر بيناء ما كان أمر بهدمه من الكنائس. وكان أبوه العزيز قد ابتدأ بيناء جامعه الكبير بالقاهرة (يعنى الذي هو داخل باب النصر) فتممّه هو. وكان على بنائه ونظره الحافظ «1» عبد الغنى بن سعيد. وكان الحاكم يفعل الشيء ثمّ ينقضه. وخرج عليه أبو ركوة الوليد بن هشام العثمانىّ الأموىّ الأندلسىّ بنواحى برقة فمال إليه خلق عظيم؛ فجهّز الحاكم لحربه جيشا فانتصر عليهم أبو ركوة وملك؛ ثمّ تكاثروا عليه وأسروه؛ ويقال: إنه قتل من أصحابه مقدار سبعين ألفا. وحمل أبو ركوة إلى الحاكم فذبحه في سنة سبع وتسعين» . انتهى كلام الذهبىّ باختصار. قلت: ونذكر واقعته مع عسكر الحاكم وكيف ظفر به الحاكم وقتله مفصّلا فى سنة سبع وتسعين المذكورة في الحوادث بأوسع من هذا، إن شاء الله تعالى؛ لأن قصّته غريبة فتنظر هناك. وقال ابن خلّكان: «وكان أبو الحسن علىّ المعروف بابن يونس المنجّم قد صنع له" الزّيج" المعروف بالحاكمىّ وهو زيج كبير مبسوط. قال: نقلت من خطّ الحافظ أبى طاهر أحمد بن محمد السّلفىّ رحمه الله تعالى أن الحاكم المذكور كان جالسا في مجلسه العام وهو حفل بأعيان دولته، فقرأ بعض الحاضرين: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) ، والقارئ في أثناء ذلك كلّه يشير إلى الحاكم. فلمّا

فرغ من القراءة قرأ شخص يعرف بابن المشجّر (والمشجّر بضم الميم وفتح الشين المعجمة والجيم المشدّدة وبعدها راء مهملة) وكان ابن المشجّر رجلا صالحا فقرأ: (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) . فلمّا انتهت قراءته تغيّر وجه الحاكم، ثمّ أمر لابن المشجّر المذكور بمائة دينار، ولم يطلق للآخر شيئا. ثمّ إنّ بعض أصحاب ابن المشجّر، قال له: أنت تعرف خلق الحاكم وكثرة استحالاته وما تأمن أن يحقد عليك [وأنّه «1» لا يؤاخذك في هذا الوقت] ثم يؤاخذك بعدها فالمصلحة عندى أن تغيب عنه. فتجهّز ابن المشجّر إلى الحجّ وركب فى البحر وغرق. فرآه صاحبه في النوم [فسأله عن «2» حاله] فقال: ما قصّر الرّبان معنا، أرسى بنا على باب الجنّة» . انتهى كلام ابن خلكّان رحمه الله. وقال ابن الصابئ «3» : «كان الحاكم يواصل الركوب ليلا ونهارا، ويتصدّى له الناس على طبقاتهم، فيقف عليهم ويسمع منهم، فمن أراد قضاء حاجته قضاها فى وقته، ومن منعه سقطت المراجعة في أمره. وكان المصريّون موتورين منه؛

فكانوا يدسّون إليه الرّقاع المختومة بالدعاء عليه والسبّ له ولأسلافه، والوقوع فيه وفي حرمه، حتى انتهى فعلهم الى أن عملوا تمثال امرأة من قراطيس بخفّ وإزار، ونصبوها في بعض الطّرق وتركوا في يدها رقعة كأنها ظلامة؛ فتقدّم الحاكم وأخذها من يدها. فلمّا فتحها رأى في أوّلها ما استعظمه، فقال: انظروا هذه المرأة من هى؟ فقيل له: إنها معمولة من قراطيس؛ فعلم أنهم قد سخروا منه، وكان في الرقعة كلّ قبيح. فعاد من وقته إلى القاهرة، ونزل في قصره واستدعى القوّاد والعرفاء، وأمرهم بالمسير إلى مصر وضربها بالنار ونهبها، وقتل من ظفروا به من أهلها؛ فتوجّه إليها العبيد والروم والمغاربة وجميع «1» العساكر. وعلم أهل مصر بذلك فاجتمعوا وقاتلوا عن نفوسهم، وأوقعوا النار فى أطراف البلد؛ فاستمرّت الحرب بين العبيد والعامّة والرعيّة ثلاثة أيّام، والحاكم يركب في كلّ يوم إلى القرافة، ويطلع إلى الجبل ويشاهد النار ويسمع الصّياح ويسأل عن ذلك، فيقال له: العبيد يحرقون مصر وينهبونها، فيظهر التوجّع، ويقول: لعنهم الله! من أمرهم بهذا. فلمّا كان اليوم الرابع «2» اجتمع الأشراف [والشيوخ «3» ] إلى الجوامع ورفعوا المصاحف وضجّوا بالبكاء وابتهلوا إلى الله تعالى بالدعاء، فرحمهم الأتراك ورّقوا لهم وانحازوا اليهم وقاتلوا معهم، وكان أكثرهم مخالطا لهم ومداخلا ومصاهرا، وانفرد العبيد وصار القتال معهم؛ وعظمت القصّة وزادت الفتنة، واستظهرت كتامة والأتراك عليهم، وراسلوا الحاكم، وقالوا: نحن عبيد ومماليك، وهذا البلد بلدك وفيه حرمنا وأموالنا وأولادنا وعقارنا، وما علمنا أنّ أهله جنوا جناية تقتضى سوء المقابلة، وتدعو إلى مثل

هذه المعاملة. فإن كان هناك باطن لا نعرفه فأخبرنا به، وانتظرنا حتّى نخرج بعيالنا وأموالنا منه. وإن كان ما عليه هؤلاء العبيد مخالفا لرأيك فأطلقنا في معاملتهم بما يعامل به المفسدون والمخالفون. فأجابهم بأنه ما أراد ذلك، ولعن الفاعل له والآمر به، وقال: أنتم على الصواب في الذبّ عن المصرييّن، وقد أذنت لكم فى نصرتهم، والإيقاع بمن تعرّض لهم. وأرسل إلى العبيد سرّا يقول: كونوا على أمركم؛ وحمل إليهم سلاحا قوّاهم به. وكان غرضه في هذا أن يطرح بعضهم على بعض، وينتقم من فريق بفريق. وعلم القوم بما يفعل، فراسلته كتامة والأتراك: قد عرفنا غرضك، وهذا هلاك هذه البلدة وأهلها وهلا كنا معهم؛ وما يجوز أن نسلّم نفوسنا والمسلمين «1» لفتك الحريم وذهاب المهج. ولئن لم تكفّهم لنحرقنّ القاهرة، ونستنفرنّ «2» العرب وغيرهم؟ فلمّا سمع الرسالة. وكانوا قد استظهروا على العبيد. ركب حماره ووقف بين الصّفّين وأوما للعبيد بالانصراف فانصرفوا، واستدعى كتامة والأتراك ووجوه المصريّين واعتذر إليهم، وحلف أنه برىء مما فعله العبيد؛ وكذب في يمينه؛ فقبّلوا الأرض بين يديه وشكروه، وسألوه الأمان لأهل مصر، فكتب لهم، وقرئ الأمان على المنابر، وسكنت الفتنة وفتح الناس أسواقهم وراجعوا معايشهم. واحترق من مصر مقدار ثلثها، ونهب نصفها. وتتبّع المصريّون من أخذ أزواجهم وبناتهم وأخواتهم، وابتاعوهنّ من العبيد بعد أن فضحوهنّ، وقتل بعضهنّ نفوسهنّ خوفا من العار. واستغاث قوم من العلوييّن الأشراف إلى الحاكم، وذكروا أنّ بعض بناتهم في أيدى العبيد على أسوأ حال، وسألوه أن يستخلصهنّ؛ فقال الحاكم: [انظروا «3» ] ما يطالبونكم به عنهنّ لأطلقه لكم؛

فقال له بعضهم: أراك الله في أهلك وولدك مثل ما رأينا في أهلنا وأولادنا، فقد اطّرحت الدّيانة والمروءة بأن رضيت لبنات عمّك بمثل هذه الفضيحة، ولم يلحقك منهنّ امتعاض «1» ولا غيرة. فحلم عنه الحاكم وقال له: أنت أيها الشريف محرج «2» ونحن حقيقون باحتمالك وإلا غضبنا عليك وزاد الأمر على الناس فيما يفجؤهم به حالا بعد حال من كلّ ما تنخرق به العادات وتفسد الطاعات. ثم عنّ له أن يدّعى الرّبوبيّة، وقرّب رجلا يعرف بالأخرم ساعده على ذلك؛ وضمّ إليه طائفة بسطهم للأفعال الخارجة عن الدّيانة. فلمّا كان في بعض الأيام خرج الأخرم من القاهرة راكبا في خمسين رجلا من أصحابه، وقصد مصر ودخل الجامع راكبا دابّته، ومعه أصحابه على دوابّهم وقاضى القضاة ابن [أبى «3» ] العوّام جالس فيه ينظر في الحكم، فنهبوا الناس وسلبوهم ثيابهم وسلّموا للقاضى رقعة فيها فتوى، وقد صدّرت باسم الحاكم الرّحمن الرّحيم. فلمّا قرأها القاضى رفع صوته منكرا، واسترجع وثار الناس بالأخرم وقتلوا أصحابه وهرب هو. وشاع الحديث فى دعواه الرّبوبيّة، وتقرّب إليه جماعة من الجهّال، فكانوا إذا لقوه قالوا: السلام عليك يا واحد يا أحد يا محيى يا مميت، وصارت له دعاة يدعون أوباش الناس، ومن سخف عقله إلى اعتقاد ذلك، فمال إليه خلق [كثير «4» ] طمعا في الدنيا والتقرّب اليه. وكان اليهودىّ والنّصرانىّ إذا لقيه يقول: إلهى قد رغبت في شريعتى الأولى، فيقول الحاكم: افعل ما بدا لك، فيرتدّ عن الإسلام. وزاد هذا الأمر بالناس.

وقال الشيخ شمس الدين في تاريخه مرآة الزمان: «رأيت في بعض التواريخ بمصر أنّ رجلا يعرف بالدّرزىّ «1» قدم مصر، وكان من الباطنيّة القائلين بالتناسخ؛ فاجتمع بالحاكم وساعده على ادّعاء الربوبيّة وصنّف له كتابا ذكر فيه أنّ روح آدم عليه السلام انتقلت إلى علىّ بن أبى طالب، وأن روح علىّ انتقلت الى أبى الحاكم، ثمّ انتقلت إلى الحاكم. فنفق «2» على الحاكم وقرّبه وفوّض الأمور إليه، وبلغ منه أعلى المراتب، بحيث إنّ الوزراء والقوّاد والعلماء «3» كانوا يقفون على بابه ولا ينقضى لهم شغل إلّا على يده. وكان قصد الحاكم الانقياد الى الدرزى المذكور فيطيعونه. فأظهر الدّرزىّ الكتاب الذي فعله وقرأه بجامع القاهرة؛ فثار الناس عليه وقصدوا قتله، فهرب منهم؛ وأنكر الحاكم أمره خوفا من الرعيّة، وبعث إليه في السرّ مالا، وقال: اخرج إلى الشام وانشر الدعوة في الجبال، فإنّ أهلها سريعو الانقياد. فخرج الى الشام، ونزل بوادى تيم الله بن ثعلبة، غربىّ دمشق من أعمال بانياس «4» ، فقرأ الكتاب على أهله، واستمالهم إلى الحاكم وأعطاهم المال، وقرّر في نفوسهم الدّرزىّ التناسخ، وأباح لهم شرب الخمر والزناء وأخذ مال من خالفهم في عقائدهم وإباحة دمه؛ وأقام عندهم يبيح [لهم «5» ] المحظورات إلى أن انتهى «6» » . وقال الذهبىّ: «وكان يحبّ العزلة- يعنى الحاكم- ويركب على بهيمة وحده في الأسواق، ويقيم الحسبة بنفسه، وكان خبيث الاعتقاد، مضطرب العقل. يقال: إنّه أراد أن يدّعى الإلهية وشرع في ذلك؛ فكلّمه أعيان دولته وخوّفوه،

بخروج الناس كلّهم عليه فانتهى. [واتّفق «1» أنّه خرج ليلة في شوّال سنة إحدى عشرة] من القصر إلى ظاهر القاهرة، فطاف ليلته كلّها، ثم أصبح فتوجّه إلى شرقىّ حلوان ومعه ركابيّان «2» ، فردّ أحدهما مع تسعة من العرب السّويديين «3» ، ثم أمر الآخر بالانصراف. فذكر أنه فارقه عند قبر الفقاعىّ «4» ، فكان آخر العهد به (يعنى الحاكم) » انتهى كلام الذهبىّ. ونذكر أمر موته بأطول من هذا من طرق عديدة. قال ابن الصابئ وغيره: «إنّ الحاكم لمّا بدت عنه هذه الأمور الشنيعة استوحش الناس منه. وكان له أخت يقال لها ستّ الملك، من أعقل النساء وأحزمهنّ، فكانت تنهاه وتقول: يا أخى، احذر أن يكون خراب هذا البيت على يديك. فكان يسمعها غليظ الكلام ويتهدّدها بالقتل. وبعث إليها يقول: رفع إلىّ أصحاب الأخبار أنّك تدخلين الرجال إليك وتمكّنينهم من نفسك، وعمل «5» على إنفاذ القوابل لاستبرائها، فعلمت أنّها هالكة معه. وكان بمصر سيف الدولة بن دوّاس «6» من شيوخ كتامة، وكان شديد الحذر من الحاكم، وممتنعا من دخول قصره ولقائه إلّا في المواكب على ظهر فرسه، واستدعاه الحاكم مرّة إلى قصره فامتنع.

فلمّا كان يوم الموكب عاتبه الحاكم على تأخّره، فقال له سيف الدولة المذكور: قد خدمت أباك ولى عليكم حقوق كثيرة يجب لمثلها المراعاة، وقد قام في نفسى أنّك قاتلى، فأنا مجتهد في دفعك بغاية جهدى، وليس لك حاجة إلى حضورى في قصرك، فإن كان باطن رأيك في مثل ظاهره فدعنى على حالى، فإنّه لا ضرر عليك في تأخّرى عن حضور قصرك. وإن كنت تريد بى سوءا فلأن تقتلنى في دارى بين أهلى وولدى يكفّنوننى ويتولّوننى أحبّ إلىّ من أن تقتلنى في قصرك وتطرحنى تأكل الكلاب لحمى؛ فضحك الحاكم وأمسك عنه. وراسلت ستّ الملك أخت الحاكم ابن دوّاس هذا مع بعض خدمها وخوّاصها، وهى تقول له: لى إليك أمر لا بدّ لى فيه من الاجتماع بك؛ فإمّا تنكّرت وجئتنى ليلا، أو فعلت أنا ذلك. فقال: أنا عبدك والأمر لك. فتوجّهت إليه ليلا في داره متنكرة؛ ولم تصحب معها أحدا. فلمّا دخلت عليه قام وقبّل الأرض بين يديها دفعات ووقف في الخدمة، فأمرته بالجلوس، وأخلى المكان. فقالت: يا سيف الدولة. قد جئت في أمر أحرس به نفسى ونفسك والمسلمين، ولك فيه الحظّ الأوفر، وأريد مساعدتك فيه؛ فقال: أنا عبدك. فاستحلفته واستوثقت منه، وقالت له: أنت تعلم ما يقصده أخى فيك، وأنّه متى تمكّن منك لم يبق عليك، وكذا أنا، ونحن على خطر عظيم. وقد انضاف [إلى «1» ] ذلك [تظاهره «2» ] بادّعائه الإلهية وهتكه ناموس الشريعة وناموس آبائه؛ وقد زاد جنونه. وأنا خائفة أن يثور المسلمون عليه فيقتلوه ويقتلونا معه، وتنقضى هذه الدولة أقبح انقضاء. فقال سيف الدولة: صدقت يا مولاتنا، فما الرأى؟ قالت: قتله ونستريح منه، فإذا تمّ لنا ذلك أقمنا ولده موضعه وبذلنا الأموال؛ وكنت أنت صاحب جيشه ومدبّره، وشيخ الدولة والقائم بأمره؛ وأنا امرأة من

وراء حجاب، وليس غرضى إلّا السلامة منه، وأنى أعيش بينكم آمنة من الفضيحة. ثم أقطعته إقطاعات كثيرة، ووعدته بالأموال والخلع والمراكب [السنية «1» ] . فقال لها عند ذلك: مرى بأمرك؛ قالت: أريد عبدين من عبيدك تثق بهما في سرّك، وتعتمد عليهما في مهمّاتك. فأحضر عبدين ووصفهما بالشهامة؛ فاستحلفتهما ووهبتهما ألف دينار، ووقّعت لهما بثياب وإقطاعات وخيل وغير ذلك، وقالت لهما: أريد منكما أن تصعدا غدا إلى الجبل، فإنّها نوبة الحاكم في الركوب، وهو ينفرد ولا يبقى معه غير القرافىّ الرّكابىّ، وربّما ردّه، ويدخل الشّعب وينفرد بنفسه؛ فاخرجا عليه فاقتلاه واقتلا القرافىّ والصبىّ إن كانا معه؛ وأعطتهما سكّينين من عمل المغاربة تسمى [الواحدة «2» منهما:] " يافورت" ولهما رأس كرأس المبضع الذي يفصد به الحجّام، ورجعت إلى القصر وقد أحكمت الأمر وأتقنته. وكان الحاكم [ينظر «3» فى النجوم فنظر مولده وكان] قد حكم عليه بالقطع في هذا الوقت، فإن تجاوزه عاش نيّفا وثمانين سنة. وكان الحاكم لا يترك الركوب بالليل وطوف القاهرة. فلما كان تلك الليلة قال لوالدته: علىّ في هذه الليلة وفي غد قطع عظيم، والدليل عليه علامة تظهر في السماء طلوع «4» نجم سمّاه، وكأنى بك وقد انتهكت وهلكت مع أختى، فإنّى ما أخاف عليك أضرّ منها. فتسلّمى هذا المفتاح فهو لهذه الخزانة، وفيها صناديق تشتمل على ثلثمائة ألف دينار، خذيها وحوّليها إلى قصرك تكون ذخيرة لك. فقبّلت الأرض وقالت: إذا كنت تتصور هذا فارحمنى واقض حقّى ودع ركوبك الليلة، وكان يحبّها، فقال: أفعل، ولم يزل يتشاغل حتّى مضى صدر

من الليل، وكان له قوم ينتظرونه كلّ ليلة على باب القصر، فإذا ركب ركبوا معه ويتبعه أبو عروس صاحب العسس. ومن رسمه أن يطوف كلّ ليلة حول القصر في ألف رجل بالطبول الخفاف والبوقات البحرية. فإذا خرج الحاكم من باب القاهرة قال له: ارجع وأغلق الأبواب؛ فلا يفتحها حتّى يعود. وضجر الحاكم من تأخّره عن الركوب في تلك الليلة، ونازعته نفسه إليه؛ فسألته أمّه وقالت: نم ساعة، فنام ثمّ انتبه وقد بقى من الليل ثلثه، وهو ينفخ ويقول: إن لم أركب الليلة وأتفرّج وإلّا خرجت روحى. ثمّ قام فركب حماره، وأخته تراعى ما يكون من أمره، وكان قصرها مقابل قصره، فإذا ركب علمت. ولمّا ركب سار في درب يقال له درب السباع «1» ، وردّ صاحب العسس ونسيما الخادم صاحب السّتر والسيف، وخرج إلى القرافة ومعه القرافىّ الرّكابىّ والصبىّ. فحكى أبو عروس صاحب العسس أنه لما صعد الجبل وقف على تلّ كبير ونظر إلى النجوم وقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون! وضرب بيد على يد، وقال: ظهرت يا مشئوم «2» ! ثمّ سار في الجبل، فعارضه عشرة فوارس من بنى قرّة، وقالوا: قد طال مقامنا على الباب، وبنا من الفاقة والحاجة ما نسأل معه حسن النظر والإحسان؛ فأمر الحاكم القرافىّ أن يحملهم إلى صاحب بيت المال ويأمره أن يعطيهم عشرة آلاف درهم؛ فقالوا له: لعلّ مولانا ينكر تعرّضنا له في هذا المكان فيأمر بنا بمكروه، ونحن نريد الأمان قبل الإحسان، فما وقفنا إلّا من الحاجة؛ فأعطاهم الأمان وردّ القرافىّ معهم؛ وبقى هو والصبىّ، فسار إلى الشّعب الذي جرت عادته بدخوله،

وقد كمن العبدان الأسودان له، وقد قرب الصّباح، فوثبا عليه وطرحاه إلى الأرض، فصاح: ويلكما! ما تريدان؟ فقطعا يديه من رأس كتفيه، وشقّا جوفه وأخرجا ما فيه، ولفاه في كساء، وقتلا الصبىّ، وحملا الحاكم إلى ابن دوّاس بعد أن عرقبا الحمار؛ فحمله ابن دوّاس مع العبدين إلى أخته ستّ الملك، فدفنته في مجلسها وكتمت أمره، وأطلقت لابن دوّاس والعبدين مالا كثيرا وثيابا. وأحضرت خطير «1» الملك الوزير وعرّفته الحال، واستكتمته واستحلفته على الطاعة والوفاء، ورسمت له بمكاتبة ولىّ العهد، وكان مقيما بدمشق نيابة عن الحاكم، بأن يحضر إلى الباب، فكتب إليه بذلك. وأنفذت علىّ بن داود أحد القوّاد إلى الفرما (وهى مدينة على ساحل البحر) فقالت له: إذا دخل ولىّ العهد فاقبض عليه، واحمله إلى تنيس، وقيل غير ذلك، كما سيأتى ذكره. ثمّ كتبت إلى عامل تنيّس عن الحاكم بإنفاذ ما عنده من المال، فأنفذه وهو ألف ألف دينار وألف ألف درهم، خراج ثلاث سنين. وجاء ولىّ العهد إلى الفرما، فقبض عليه وحمل إلى تنّيس. وفقد الناس الحاكم فى اليوم الثانى، ومنع أبو عروس من فتح أبواب القاهرة انتظارا للحاكم، على حسب ما أمره به. ثمّ خرج الناس في اليوم الثالث إلى الصحراء وقصدوا الجبل فلم يقفوا له على أثر. وأرسل القوّاد إلى أخته وسألوها عنه؛ فقالت: ذكر لى أنّه يغيب سبعة أيام، وما هنا إلّا الخير، فأنصرفوا على سكون وطمانينة. ولم تزل أخته في هذه الأيّام ترتّب الأمور وتفرّق الأموال وتستحلف الجند؛ ثمّ بعثت إلى ابن دوّاس المذكور وأمرته أن يستحلف الناس لابن الحاكم كتامة وغيرها، ففعل ذلك. فلمّا كان

فى اليوم السابع ألبست أبا الحسن علىّ بن الحاكم أفخر الملابس واستدعت ابن دوّاس وقالت له: المعوّل في قيام هذه الدولة عليك، وتدبيرها موكل إليك، وهذا الصبىّ ولدك، فابذل في خدمته وسعك؛ فقبّل الأرض ووعدها بالطاعة. ووضعت التاج على رأس الصبىّ، وهو تاج عظيم فيه من الجواهر مالا يوجد في خزانة خليفة، وهو تاج المعزّ جدّ أبيه، وأركبته مركبا من مراكب الخليفة، وخرج بين يديه الوزير وأرباب الدولة. فلمّا صار إلى باب القصر صاح خطير الملك الوزير: يا عبيد الدولة، مولاتنا السيدة تقول لكم هذا مولاكم فسلّموا عليه؛ فقبّلوا الأرض بأجمعهم، وارتفعت الأصوات بالتكبير والتهليل، ولقّبوه الظاهر لإعزاز دين الله، وأقبل الناس أفواجا فبايعوه، وأطلق المال وفرح الناس وأقيم العزاء على الحاكم ثلاثة أيّام. وقال القضاعىّ في قتله وجها آخر، قال: «خرج الحاكم إلى الجبل المعروف بالمقطم ليلة الاثنين السابع والعشرين من شوّال هذه السنة (يعنى سنة إحدى عشرة وأربعمائة) فطاف ليلته كلّها، وأصبح عند قبر الفقّاعىّ، ثمّ توجه شرقىّ حلوان: موضع بالمقطم، ومعه ركابيّان؛ فردّ أحدهما مع تسعة نفر من العرب، كانت لهم رسوم، ويقال لهم السّويديّون، إلى بيت المال وأمر لهم بجائزة، ثمّ عاد الرّكابىّ الآخر؛ وذكر أنّه فارقه عند قبر الفقّاعىّ والقصبة «1» ، وأصبح الناس على وسمهم؛ فخرجوا ومعهم الموكب «2» والقضاة والأشراف والقوّاد فأقاموا عند الجبل إلى آخر النهار، ثمّ رجعوا إلى القاهرة ثمّ عادوا؛ ففعلوا ذلك ثلاثة أيام. فلمّا كان يوم الخميس سلخ شوّال خرج مظفّر صاحب المظلّة ونسيم صاحب السّتر و [ابن «3» ]

مسكين صاحب الرّمح وجماعة من الأولياء الكتاميّين والأتراك والقضاة والعدول وأرباب الدولة، فبلغوا دير القصير «1» (المكان المعروف بحلوان) ، وأمعنوا في الجبل؛ فبينما هم كذلك بصروا بالحمار الذي كان راكبه على قرن الجبل قد ضربت يداه بسيف فقطعتا، وعليه سرجه ولجامه، فتتّبعوا الأثر فإذا أثر راجل خلف أثر الحمار، وأثر راجل قدّامه فقصّوا [الأثر «2» ] حتّى أتوا إلى البركة التى شرقىّ حلوان؛ فنزلها بعض الرجالة فوجد فيها ثيابه، وهى سبع جباب مزرّرة لم تحلّ أزرارها، وفيها أثر السكاكين فتيقّنوا قتله. وكان عمره ستا وثلاثين سنة وسبعة أشهر، وولايته على مصر خمسا وعشرين سنة وشهرا واحدا. قال ابن خلكان بعد ما ذكر قتلته بنحو ما ذكرناه هنا: «مع أنّ جماعة من الغالين في حبّهم السّخيفى العقول يظنّون حياته، وأنه لا بدّ أن يظهر، ويحلفون بغيبة الحاكم، وتلك خيالات هذيانية» . انتهى. قال القضاعىّ بعد ما ساق سبب قتله بنحو ما ذكرناه إلى أن قال: «ثمّ أمرت ستّ الملك بخلع عظيمة ومال كثير ومراكب ذهب وفضة للأعيان، وأمرت ابن دوّاس أن يشاهدها في الخزانة، وقالت له: غدا نخلع عليك، فقبّل ابن دوّاس الأرض وفرح وأصبح من الغد، فجلس عند الستر ينتظر الإذن حتّى يأمر وينهى؛ وكان للحاكم مائة عبد يختصّون بركابه، ويحملون السيوف بين يديه، ويقتلون من

يأمرهم بقتله، فبعثت بهم ستّ الملك إلى ابن دوّاس ليكونوا في خدمته، فجاءوا فى هذا اليوم ووقفوا بين يديه، فقالت ستّ الملك لنسيم صاحب السّتر: اخرج قف بين يدى ابن دوّاس، وقل للعبيد: يا عبيد، مولاتنا تقول لكم هذا قاتل مولانا الحاكم فاقتلوه، فخرج نسيم فقال لهم ذلك فمالوا على ابن دوّاس بالسيوف فقطّعوه، وقتلوا العبدين اللذين قتلا الحاكم؛ وكلّ من اطلع على سرّها قتلته، فقامت لها الهيبة فى قلوب الناس» . انتهى كلام القضاعى. وقال ابن الصابئ: لما قتلت ستّ الملك ابن دوّاس قتلت الوزير الخطير ومن كانت تخاف منه ممّن عرف بأمرها. وأمّا ما خلّفه الحاكم من المال فشىء كثير. قيل: إنّه ورد عليه أيّام خلافته رسول ملك الرّوم، فأمر الحاكم بزينة القصر. قالت السّيدة رشيدة عمّة الحاكم: فأخرج أعدالا مكتوبا على بعضها: الحادى والثلاثون والثلاثمائة، وكان في الأعدال الديباج المغرّز بالذهب، فأخرج ذلك وفرش الإيوان وعلّق في حيطانه حتّى صار الإيوان يتلألأ بالذّهب، وعلّق في صدره العسجدة، وهى درقة من ذهب مكلّلة بفاخر الجوهر يضيء لها ما حولها، إذا وقعت عليها الشمس لا تطبق العيون النظر إليها. وأيضا ممّا يدلّ على كثرة ماله ما خلّفته ابنته ستّ مصر بعد موتها، فخلّفت شيئا كثيرا يطول الشرح في ذكره، من ذلك ثمانية آلاف جارية- قاله المقريزى وغيره- ونيّف وثمانون زيرا صينيّا مملوءة «1» جميعا مسكا؛ ووجد لها جوهر نفيس، من جملته قطعة ياقوت زنتها عشرة مثاقيل. وكان إقطاعها في السنة خمسين ألف دينار، وكانت مع ذلك كريمة سمحة، والشيء بالشيء يذكر.

وماتت في أيّام الحاكم عمّته السيدة رشيدة بنت المعزّ؛ فخلّفت ما قيمته ألف ألف وسبعمائة ألف دينار؛ ومن جملة ما وجد لها في خزائن كسوتها ثلاثون ألف ثوب خزّ، واثنا عشر ألفا من للثياب المصمتة ألوانا «1» ، ومائة قطرميز «2» مملوءة كافورا، وكانت مع ذلك ديّنة تأكل من غزلها لا من مال السلطان. وماتت أختها عبدة بنت المعزّ بعدها بثلاثة أيّام، وكانتا قد ولدتا برقّادة من عمل القيروان. وتركت أيضا عبدة المذكورة مالا يحصى، من ذلك: أنّه ختم على موجودها بأربعين رطل شمع مصريّة «3» ؛ ومن جملة «4» ما وجد لها ألف وثلثمائة [قطعة «5» ] مينا فضة، زنة كلّ مينا عشرة آلاف درهم، وأربعمائة سيف محلّى بذهب، وثلاثون ألف شقّة صقليّة، ومن الجوهر «6» اردبّ زمرّد؛ وكانت لا تأكل عمرها إلّا الثريد. وقد خرجنا عن المقصود ونعود إلى ما يتعلق بالحاكم وأسبابه. وأمّا ولىّ العهد الذي كان بدمشق وكتبت بحضوره فاسمه الياس، وقيل: عبد الرّحيم، وقيل: عبد الرّحمن بن أحمد؛ وكنيته أبو القاسم ويلقّب بالمهدىّ، ولّاه الحاكم العهد سنة أربع وأربعمائة. وقد قدّمنا من ذكره أنه كان وصل إلى تنّيس، وقبض عليه صاحب تنّيس، وبعث به إلى ستّ الملك، فحبسته في دار وأقامت له الإقامات، ووكلت بخدمته خواصّ خدمها، وواصلته بالملاطفات والافتقادات فلمّا مرضت ويئست من نفسها أحضرت الظاهر لإعزاز دين الله (أعنى ابن

أخيها الحاكم) وقالت له: قد علمت ما عاملتك به، وأقلّه حراسة نفسك من أبيك، فإنّه لو تمكّن منك لقتلك، وما تركت لك أحدا تخافه إلّا ولىّ العهد؛ فبكى بين يديها هو ووالدته؛ وسلّمت إليهما مفاتيح الخزائن، وأوصتهما بما أرادت. وقالت لمعضاد الخادم: امض إلى ولىّ العهد وتفقّد خدمته، فإذا دخلت عليه فانكبّ كأنّك تسائله بعد أن توافق الخدم على ضربه بالسكاكين؛ فمضى إليه معضاد فقتله ودفنه وعاد فأخبرها، فأقامت بعد ذلك ثلاثة أيام وماتت. وتولّى أمر الدولة معضاد الخادم المذكور ورجل آخر علوىّ من أهل قزوين وآخرون. وذكر القضاعىّ في قصّة ولىّ العهد شيئا غير ذلك، قال: إن ستّ الملك لمّا كتبت إلى دمشق بحمل ولىّ العهد إلى مصر لم يلتفت إلى ذلك؛ واستولى على دمشق، ورخّص للناس ما كان الحاكم حظره عليهم من شرب الخمر، وسماع الملاهى، فأحبّه أهل دمشق. وكان بخيلا ظالما، فشرع في جمع المال ومصادرة الناس، فأبغضه الجند وأهل البلد. فكتبت أخت الحاكم إلى الجند فتتبّعوه حتّى مسكوه وبعثوا به مقيّدا إلى مصر، فحبس في القصر مكرما، فأقام مدّة. وحمل إليه يوما بطّيخ ومعه سكّين فأدخلها «1» فى سرّته حتى غابت. وبلغ ابن عمّه الظاهر بن الحاكم فبعث إليه القضاة والشهود؛ فلمّا دخلوا عليه اعترف أنّه الذي فعل ذلك بنفسه. وحضر الطبيب فوجد طرف السكين ظاهرا، فقال لهم: لم تصادف مقتلا. فلمّا سمع ولىّ العهد ذلك وضع يده عليها، فغيّبها في جوفه فمات. وقال ابن الصابئ: «وكان على حلب عند هلاك الحاكم عزيز الدولة فاتك الوحيدىّ، وقد استفحل أمره وعظم شأنه وحدّث نفسه بالعصيان؛ فلاطفته

ستّ الملك وراسلته وآنسته، وبعثت إليه بالخلع والخيل بمراكب الذهب وغيرها، ولم تزل تعمل عليه [الحيل «1» ] حتّى أفسدت غلاما له يقال له بدر، وكان مالك أمره، وغلمانه تحت يده، وبذلت له العطاء الجزيل، [على الفتك به، ووعدته أن تولّيه مكانه «2» ] . وكان لفاتك غلام هندىّ يهواه، فاستغواه بدر المذكور وقال: قد عرفت من مولاك ملالك، وتغيّر نيّته فيك، وعزم على قتلك، ودافعته عنك دفعات، وأنا أخاف عليك. ثم تركه بدر أياما، ووهب له دنانير وثيابا؛ ثم أظهر له المحبّة وقال: إن علم بنا الأمير قتلنا؛ فقال الهندىّ: فما أفعل؟ فاستحلفه بدر واستوثق منه، وقال: إن قبلت ما أقول أعطيتك مالا وأغنيتك وعشنا جميعا فى أطيب عيش. قال: فما تريد؟ قال: تقتله ونستريح منه؛ فأجابه وقال: الليلة يشرب وأنا أسقيه وأميل عليه، فإذا سكر فأقتله. وجلس فاتك المذكور على الشّرب، فلمّا قام إلى مرقده حمل الهندىّ سيفه، وكان ماضيا، ثمّ دخل في اللّحاف وبدر على باب المجلس واقف. فلمّا ثقل فاتك في نومه غمز بدر الهندىّ فضربه بالسيف فقطع رأسه؛ فصاح بدر واستدعى الغلمان وأمرهم بقتل الهندىّ فقتلوه. واستولى بدر على القلعة وما فيها؛ وكتب إلى أخت الحاكم بما جرى؛ فأظهرت الوجد على فاتك فى الظاهر، وشكرت بدرا في الباطن على ما كان منه من حفظ الخزائن، وبعثت إليه بالخلع، ووهبت له جميع ما خلّفه مولاه، وقلّدته موضعه. ونظرت ستّ الملك في أمور الدولة بعد قتل الحاكم أربع سنين، أعادت الملك فيها الى غضارته، وعمّرت الخزائن بالأموال، واصطنعت الرجال. ثم اعتلّت علّة لحقها فيها ذرب فماتت منه. وكانت عارفة مدبّرة غزيرة العقل» . وقد خرجنا عن المقصود على سبيل الاستطراد.

ما وقع من الحوادث سنة 387

وكانت وفاة الحاكم ليلة الثلاثاء لليلتين بقيتا من شوّال سنة إحدى عشرة وأربعمائة، وكان فيه كسوف الشمس. وكانت مدّة عمره ستا وثلاثين سنة وسبعة أشهر، وقيل: سبعا وثلاثين سنة. وكانت ولايته على مصر خمسا وعشرين سنة وشهرا واحدا، قاله القضاعىّ. وتولّى الملك من بعده ابنه الظاهر لإعزاز دين الله علىّ بن الحاكم، وقام بتدبير مملكته عمته ستّ الملك المقدّم ذكرها إلى أن ماتت، حسب ما ذكرناه. انتهت ترجمة الحاكم. ونذكر أيضا من أحواله نبذة كبيرة في الحوادث المتعلّقة بأيّامه مرتبة على السنين، فيها عجائب وغرائب. وأمّا ما ينسب إليه من الشعر- وقيل: هو للآمر العبيدىّ الآتى ذكره- فهو قوله: دع اللّوم عنّى لست منّى بموثق ... فلا بدّ لى من صدمة المتحنّق وأسقى جيادى من فرات ودجلة ... وأجمع شمل الدّين بعد التفرّق *** [ما وقع من الحوادث سنة 387] السنة الأولى من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى سنة سبع وثمانين وثلثمائة. فيها استولى الحاكم صاحب الترجمة خليفة مصر على السواحل والشامات. وفيها حجّ بالناس أبو عبد الله العلوىّ. وفيها توفّى الحسن بن عبد الله بن سعيد أبو أحمد العسكرىّ العلّامة الرّاوية، صاحب التصانيف الحسان في اللغة والأدب والأمثال. وفيها توفّى الحسن بن مروان أبو علىّ الكردىّ الأمير صاحب ميّافارقين. قد ذكرنا مبدأ «1» أمره وكيف تغلّب على ديار بكر وملك حصونها. مات قتيلا على باب آمد.

وفيها توفّى صندل الخادم مولى بهاء الدولة وصاحب خيله (أعنى أمير اخوره «1» ) وقام الأمير أبو المسك عنبر مقامه. وفيها توفّى السلطان فخر الدولة أبو الحسن علىّ ابن السلطان ركن الدولة الحسن ابن بويه بن فنّاخسرو الديلمىّ، مات بالرىّ، وكان ابن أخيه بهاء الدولة بواسط، فجلس للعزاء وجلس ابنه أبو منصور ببغداد. وقيل: إنّ فخر الدولة سمّ وسمّ ولداه من بعده فمات الكلّ في هذه السنة؛ فملك أبو الحسن «2» قابوس بن وشمكير من بعده طبرستان وجرجان؛ فإنّهما كانا في مملكته، وأخذهما منه مؤيّد الدولة أخو فخر الدولة هذا المقدّم ذكره. وكان فخر الدولة شجاعا، لقّبه الخليفة الطائع ب" ملك الأمّة" أو ب" فلك الأمّة". وكانت وفاته في عاشر شعبان، وله ستّ وأربعون سنة وخمسة أيّام. وكانت مدّة ملكه ثلاث عشرة سنة وعشرة أشهر وسبعة وعشرين يوما. وخلّف مالا كثيرا. قال ابن الصابئ بعد ما عدّد ما خلّفه من المتاع وغيره، قال: «وخلّف ألفى ألف وثمانمائة ألف وخمسة وسبعين ألفا ومائتين وأربعة وثمانين دينارا، ومن الورق والنّقرة «3» والفضّة مائة ألف ألف وثمانمائة ألف وستين ألفا وسبعمائة وتسعين درهما، ومن الجواهر واليواقيت الحمر والصّفر والحلىّ واللؤلؤ والبلخش «4» والماس وغيره أربعة عشر ألفا وخمسمائة وعشرين قطعة، قيمتها ثلاثة آلاف ألف دينار، ومن أوانى الذهب «5» ما وزنه ثلاثة آلاف ألف دينار، ومن البلّور والصينى ونحوه

ثلاثة آلاف، ومن السلاح والثّياب والفرش ثلاثة آلاف حمل» . وقيل: إنّه خلّف من الخيل والبغال والجمال ثلاثين ألف رأس، ومن الغلمان والمماليك خمسة آلاف، ومن السّرارى خمسمائة؛ ومن الخيام عشرة آلاف خيمة. وكان شحيحا. كانت مفاتيح خزائنه في الكيس الحديد مسمّرا بالمسامير لا يفارقه. وملك بعده آبنه أبو طالب رستم وعمره أربع سنين. وفيها توفّى محمد بن أحمد بن إسماعيل بن عنبس أبو الحسين البغدادىّ الواعظ، ويعرف بابن سمعون «1» ، وكان يسمّى الناطق بالحكمة. قال أبو عبد الرّحمن السّلمىّ: هو من مشايخ بغداد، له لسان عال في العلوم، لا ينتمى إلى أستاذ، وهو لسان الوقت المرجوع إليه في آداب «2» المعاملات. وفيها توفّى نوح بن منصور بن نوح أبو القاسم السّامانىّ. كان هو وآباؤه من ملوك ما وراء النهر وسمرقند. وولى نوح هذا وله ثلاث عشرة سنة، وتعصّب له عضد الدولة بن بويه، وأخذ له من الخليفة الطائع العهد على خراسان والخلع؛ فأقام على خراسان إحدى وعشرين سنة، ومات في شهر رجب. وفيها توفّى صمصام الدولة المرزبان، وكنيته أبو كاليجار بن عضد الدولة بن بويه بن ركن الدولة الحسن بن بويه الديلمىّ. ولى المملكة بعد موت أبيه عضد الدولة، فلم ينجح أمره، وغلب عليه أخوه شرف الدولة وقهره وحبسه وأخذ بغداد منه وأكحله. فدام في الحبس إلى أن مات أخوه شرف الدولة، ونزل من الحبس وهو أعمى. وانضمّ إليه الناس، وسار إلى فارس وملك شيراز. ووقع له

ما وقع من الحوادث سنة 388

أمور مع أولاد أخيه وحروب. وأقام بشيراز إلى أن قتل بها في هذه السنة؛ وقيل: فى السنة الآتية، وهو الأصحّ. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وإصبع واحدة. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وسبع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 388] السنة الثانية من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى سنة ثمان وثمانين وثلثمائة. فيها توفّى محمد «1» بن أحمد بن إبراهيم أبو الفرج المقرئ الشّنّبوذىّ، مولده في سنة ثلثمائة. كان يقول: أحفظ خمسين ألف بيت من الشعر من شواهد القرآن. ومات ببغداد، وبها كان مولده. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خطّاب الإمام أبو سليمان الخطّابىّ البستىّ، الفقيه الأديب، مصنّف كتاب" معالم السنن" وكتاب" غريب الحديث" وكتاب" شرح أسماء الله الحسنى" وكتاب" الغنية" «2» عن الكلام وأهله" وكتاب" العزلة" وغير ذلك. وفيها توفّى محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريّاء الحافظ أبو بكر الشّيبانىّ الجوزقى المعدّل، شيخ نيسابور ومحدّثها وابن أخت محدّثها أبى إسحاق إبراهيم بن محمد- وجوزق: من قرى نيسابور- كان حافظا إماما، صنّف" المسند الصحيح" على كتاب مسلم. ومات في شوّال عن اثنتين وثمانين سنة.

ما وقع من الحوادث سنة 389

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع واثنتا عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وسبع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 389] السنة الثالثة من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى سنة تسع وثمانين وثلثمائة. فيها حجّ بالناس محمد بن محمد بن عمر من العراق وكان في الحجّ الشريفان: الرضىّ والمرتضى؛ فاعترض ركب الحاجّ أبو الجرّاح الطائىّ، فأعطياه تسعة آلاف دينار من أموالهما حتى أطلق الحاجّ. وفيها استولى الأمير أبو القاسم محمود بن سبكتكين على أعمال خراسان بعد أن هزم الأمير عبد «1» الملك بن نوح السّامانىّ، وأزال السامانيّة منها؛ وأقام الدعوة للخليفة القادر بعد أن كانت للطائع الذي خلع. وفيها توفّى زاهر بن أحمد بن محمد بن عيسى أبو علىّ السّرخسىّ الفقيه الشافعىّ المقرئ المحدّث. سمع الكثير وروى عنه غير واحد. ومات في شهر ربيع الآخر وله ستّ وتسعون سنة. وفيها توفّى عبد الله بن أبى زيد عبد الرّحمن الفقيه أبو محمد القيروانىّ شيخ المالكيّة بالمغرب. جمع مذهب الإمام مالك رضى الله عنه وشرح أقواله. وكان واسع العلم كثير الحفظ ذا صلاح وعفّة وورع. قال القاضى عياض بن موسى بن عياض: حاز رياسة الدّين والدنيا، ورحل إليه من الأمصار.

ما وقع من الحوادث سنة 390

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 390] السنة الرابعة من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى سنة تسعين وثلثمائة. فيها ظهر بسجستان معدن الذهب، فكانوا يصفّون» من التراب الذهب الأحمر. وفيها ولّى الحاكم صاحب مصر على نيابة الشام فحل بن تميم، فمرض ومات بعد أشهر؛ فولّى الحاكم عوضه على دمشق علىّ بن جعفر بن فلاح. وفيها حجّ بالناس من العراق أبو الحارث العلوىّ. وفيها توفّى الحسين بن محمد بن خلف أبو عبد الله الفرّاء «2» والد القاضى أبى يعلى. كان إماما فقيها على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة، وسمع الحديث وتفقّه وبرع. ومات في شعبان ببغداد. وفيها توفّى المعافى بن زكريّاء بن يحيى بن حميد بن حمّاد بن داود أبو الفرج النّهروانىّ «3» ، ويعرف بابن طرارى «4» . ولد سنة ثلاث وثلثمائة، وقيل: سنة خمس وثلثمائة. وكان إماما في النحو واللغة وأصناف الآداب، وكان يتفقّه على مذهب محمد بن جرير الطبرىّ. وصنّف كتاب" الجليس والأنيس". قال المعافى المذكور: حججت فكنت بمنّى فسمعت مناديا ينادى: يا أبا الفرج؛ فقلت: لعلّه غيرى.

ما وقع من الحوادث سنة 391

ثم نادى يا أبا الفرج المعافى؛ فهممت أن أجيبه. ثم إنه رجع فنادى: يا أبا الفرج المعافى بن زكريّاء النّهروانىّ؛ فقلت عند ذلك: هأنا: فما تريد؟ قال: لعلك من نهروان الشرق؟ قلت نعم؛ قال: نحن نريد نهروان الغرب. قال: فعجبت من هذا الاتفاق. قلت: وهذا من الغرائب كونه طابق اسمه واسم أبيه والكنية والشهرة ويكون هذا من نهروان الشرق، وذاك من نهروان الغرب. وكانت وفائه فى ذى الحجّة وله خمس وثمانون سنة. وفيها توفّى ناجية بن محمد بن سليمان أبو الحسن الكاتب البغدادىّ، نادم الخلفاء والأكابر، وكان شجاعا شاعرا فصيحا. ومن شعره قوله: [الطويل] ولمّا رأيت الصبح قد سلّ سيفه ... وولّى انهزاما ليله وكواكبه ولاح احمرار قلت قد ذبح الدجى ... وهذا دم قد ضمّخ الافق ساكبه أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وأربع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وإصبعان. *** [ما وقع من الحوادث سنة 391] السنة الخامسة من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى سنة إحدى وتسعين وثلثمائة. فيها جلس الخليفة القادر بأبّهة الخلافة، ودخل عليه الحجّاج بعد عودهم من الحج والقضاة والأشراف؛ فأعلمهم أنه قد جعل الأمر في ولده أبى الفضل، ولقّبه الغالب بأمر الله، وعمره ثمانى سنين وأربعة أشهر وأيام. وفيها حجّ من العراق بالناس أبو الحارس محمد بن محمد بن عمر العلوىّ.

وفيها توفّى جعفر بن الفضل بن جعفر بن محمد بن الفرات، الوزير المحدّث أبو الفضل المعروف بابن حنزابة «1» . كان أبوه قد وزر للمقتدر سنة خلع. وسافر هو إلى مصر، وتقلّد الوزارة لكافور الإخشيذىّ، وسمع الحديث بمصر ورواه، ومات بمصر. وفيها توفّى المقلّد بن المسيّب بن رافع حسام الدولة أبو حسّان العقيلىّ صاحب الموصل. كان أخوه أبو الذّوّاد «2» أوّل من تغلّب على الموصل وملكها في سنة ثمانين وثلثمائة؛ وملك حسام الدولة هذا الموصل بعده؛ وكان حسن التدبير، واتسعت مملكته. وأرسل إليه الخليفة القادر اللّواء والخلع. وكان له شعر، وفيه رفض فاحش. قتله غلام له تركىّ في صفر. قلت: لا شلّت يداه!. يقال: إنّه قتله لأنّه سمعه يوصى رجلا من الحاجّ أن يسلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول له: لولا صاحباك لزرتك. وذكر الذهبىّ هذه الحكاية بإسناد إلى جماعة إلى أن قال عن الرجل الذي قال له المقلّد هذا «3» بالسلام إنّه قال: فأتيت المدينة ولم أقل ذلك إجلالا؛ فنمت فرأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم في منامى، فقال: يا فلان لم لم تؤد الرسالة؟ فقلت: يا رسول الله أجللتك؛ فرفع رأسه إلى رجل قائم فقال له: خذ هذا الموسى واذبحه به (يعنى المقلّد) . ثم رجعنا فوافينا العراق، فسمعت أنّ الأمير المقلّد ذبح على فراشه ووجد الموسى عند رأسه؛ فذكرت للناس الرؤيا فشاعت؛ فأحضرنى ابنه (يعنى ابن المقلد) الذي ولى بعده، واسمه قرواش «4» ، فحدّثته؛ فقال: أتعرف الموسى؟ فقلت نعم؛ فأحضر طبقا مملوءا مواسى فأخرجته منها؛ فقال:

صدقت، هذا وجدته عند رأسه وهو مذبوح. قلت: هذا ما جوزى به في الدنيا، وأمّا في الأخرى فجهنّم وبئس المصير، هو وكلّ من يعتقد معتقده إن شاء الله تعالى. وفيها توفّى جيش بن محمد بن صمصامة أبو الفتوح القائد المغربىّ ابن أخت أبى محمود الكتامى «1» أمير أمراء جيوش المغرب ومصر والشام، وتولّى نيابة دمشق غير مرّة، وكان ظالما سفّاكا للدماء؛ ظلم الناس فاجتمع الصلحاء والزّهاد ودعوا عليه، فسلّط الله عليه الجذام حتّى رأى في نفسه العبر، ولم ينته حتّى أخذه الله. وفيها توفّى الحسين بن أحمد بن الحجّاج أبو عبد الله الشاعر، كان من أولاد العمّال والكتّاب ببغداد، وتولّى حسبة بغداد لعز الدولة بختيار بن «2» بويه، فتشاغل بالشعر والسّخف والخلاعة عمّا هو بصدده. قلت: وابن الحجّاج هذا يضرب به المثل في السخف والمداعبة والأهاجى. وغالب شعره في الفحش والأهاجى والهزل؛ من ذلك قوله: [المجتث] المستعان بربّى ... من كسّ ستّى وزبّى قد كلّفانى نيكا ... قد كاد يقصف صلبى وقال ابن خلكان: الشاعر المشهور ذو المجون والخلاعة في شعره. كان فرد زمانه في فنّه، فإنه لم يسبق إلى تلك الطريقة مع عذوبة ألفاظه وسلامة شعره من التكلف؛ ومدح الملوك والأمراء والوزراء. وديوانه كبير أكثر ما يوجد في عشرة مجلدات. والغالب عليه الهزل، وله في الجدّ أيضا. ويقال: إنّه في الشعر [فى «3» ] درجة

ما وقع من الحوادث سنة 392

امرئ القيس وإنه لم يكن بينهما مثلهما، لأنّ كلّ واحد منهما مخترع طريقة. ولمّا مات رثاه الشريف الرضى. انتهى كلام ابن خلّكان باختصار. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وإصبعان. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 392] السنة السادسة من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى سنة اثنتين وتسعين وثلثمائة. فيها في المحرّم غزا السلطان محمود بن سبكتكين الهند؛ فالتقاه صاحبها الملك جيپال «1» ومعه ثلثمائة فيل؛ فنصر الله ابن سبكتكين وقتل من الكفّار خمسة آلاف ومن الفيلة خمسة عشر فيلا. وفيها ولّى الحاكم على دمشق أبا منصور ختكين القائد، فظلم وأساء السّيرة. وفيها توفّى عثمان بن جنّى العلّامة أبو الفتح النحوىّ اللغوىّ الموصلىّ صاحب المصنّفات، منها" اللمع" و" [الكافى «2» فى] شرح القوافى" و" المذكر والمؤنث" و" سرّ الصناعة" و" الخصائص" و" شرح المتنبّى" وغير ذلك. وكان أبوه جنّى مملوكا روميّا لسليمان بن فهد بن أحمد الأزدىّ الموصلىّ. وسكن ابن جنّى المذكور بغداد ودرّس بها وأقرأ حتّى مات في صفر. وفيها توفّى علىّ بن عبد العزيز أبو الحسن الجرجانى قاضى الرّى. سمع «3» الحديث الكثير وترقّى في العلوم حتّى برع في الفقه والشعر والنحو وغير ذلك من العلوم.

ما وقع من الحوادث سنة 393

وفيها توفّى محمد بن محمد بن جعفر أبو بكر القاضى الشافعىّ، ويعرف بابن الدّقّاق، صاحب الأصول، كان معدودا من الفضلاء، مات ببغداد. وفيها توفّى الوليد بن بكر بن مخلد «1» بن أبى زياد أبو العباس الأندلسىّ، رحل فى طلب العلم إلى مصر والشام والعراق والحجاز وخراسان وما وراء النهر، وسمع الكثير. وكان إماما عالما بالفقه والنحو والحديث والأدب والشعر. ومن شعره قوله: [المتقارب] لأىّ بلائك لا تدّكر ... وماذا يضرّك لو تعتبر فبان الشّباب وحلّ المشيب ... وحان الرحيل فما تنتظر أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ست أذرع وسبع أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشر أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 393] السنة السابعة من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة. فيها منع عميد الجيوش يوم عاشوراء من النّوح وتعليق المسوح ببغداد وغيرها، ثم منع أهل السنة ممّا كانوا ابتدعوه أيضا في مقابلة الرافضة من التوجّه إلى قبر مصعب بن الزّبير وغيره، وسكنت الفتنة لذلك.

وفي [شهر] ربيع الآخر منها أمر نائب دمشق من قبل الحاكم صاحب مصر تمصولت «1» الأسود الحاكمىّ [بمغربى «2» ] فضرب وطيف به على حمار، ونودى عليه: هذا جزاء من يحبّ أبا بكر وعمر؛ ثم أمر به فضربت عنقه. رحمه الله تعالى. وفيها نازل السلطان محمود بن سبكتكين سجستان وأخذها من صاحبها خلف ابن أحمد بالأمان. وفيها لم يحجّ أحد من العراق خوفا من الأصيفر الأعرابىّ. وفيها زلزل الشام والعواصم والثغور، فمات تحت الهدم خلائق كثيرة. وفيها توفّى إسماعيل بن حمّاد أبو نصر الجوهرىّ، مصنّف كتاب" الصّحاح" فى اللغة. كان أصله من فاراب أحد بلاد الترك، وكان يضرب المثل به في حفظ اللغة وحسن الكتابة؛ وخطّه يذكر مع خط ابن مقلة ومهلهل واليزيدىّ. وكان يؤثر الغربة على الوطن، دخل بلاد ربيعة ومضر في طلب العلم واللغة. وفي كتابه الصحاح يقول إسماعيل «3» بن محمد النيسابورىّ:

[المنسرح] هذا كتاب الصّحاح سيّد ما «1» ... صنّف قبل الصحاح في الأدب يشمل أنواعه ويجمع ما ... فرّق في غيره من الكتب مات الجوهرىّ متردّيا من سطح داره «2» بنيسابور. وفيها توفّى أمير المؤمنين الطائع لله أبو بكر عبد الكريم ابن الخليفة المطيع لله الفضل ابن الخليفة المقتدر بالله جعفر ابن الخليفة المعتضد بالله أحمد الهاشمىّ العباسى البغدادىّ. وأمّه أمّ ولد. ولى الخلافة بعد أن خلع والده المطيع نفسه لمرض تمادى به في ذى القعدة سنة ثلاث وستين وثلثمائة؛ فدام في الخلافة إلى أن خلع بعد القبض عليه في شعبان سنة إحدى وثمانين وثلثمائة، وبويع القادر بالله بالخلافة. واستمرّ الطائع محبوسا في دار عند القادر مكرّما إلى أن مات في هذه السنة في ليلة عيد الفطر؛ وصلّى عليه القادر وكبّر عليه خمسا. ومات الطائع وله ثلاث «3» وسبعون سنة. وفيها توفّى محمد بن عبد الرّحمن بن العباس بن عبد الرّحمن بن زكرياء الحافظ أبو طاهر البغدادىّ الذهبىّ المخلّص محدّث العراق. قال الخطيب أبو بكر: كان ثقة. مولده في شوّال سنة خمس وثلثمائة، وسمع الكثير وروى عنه غير واحد.

وفيها توفّى إبراهيم بن أحمد [بن محمد أبو إسحاق «1» ] الطبرىّ المقرئ شيخ الشهود ومقدّمهم ببغداد والبصرة والكوفة ومكة والمدينة. قرأ القرآن وسمع الكثير، وكان مالكىّ المذهب، وحجّ فأمّ بالناس بالمسجد الحرام أيّام الموسم؛ وما تقدّم فيه إمام ليس بقرشىّ سواه. وقرأ عليه الرضىّ الموسوىّ القرآن. وسكن بغداد وحدّث بها إلى أن توفّى بها رحمه الله. وفيها توفّى محمد بن عبد «2» الله [بن محمد بن محمد «3» ] بن حليس «4» السّلامىّ الشاعر المشهور، كان فصيحا بليغا. ومن شعره وهو في المكتب وهو أوّل قوله: [المنسرح] بدائع الحسن فيه مفترقه ... وأعين «5» الناس فيه متّفقه سهام ألحاظه مفوّقة ... فكلّ من رام وصله «6» رشقه قال الثعالبىّ في حقّه: هو من أشعر أهل العراق قولا بالإطلاق، وشهادة بالاستحقاق. ثم قال بعد ما أثنى عليه: وقال الشعر وهو ابن عشر «7» سنين. وفيها توفّيت ميمونة بنت ساقولة الواعظة البغدادية، كان لها لسان حلو في الوعظ. قالت: هذا قميصى له اليوم سبع وأربعون سنة ألبسه وما تخرّق، غزلته لى أمّى؛ الثوب إذا لم يعص الله فيه لا يتخرّق.

ما وقع من الحوادث سنة 394

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وخمس عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 394] السنة الثامنة من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى سنة أربع وتسعين وثلثمائة. فيها قلّد بهاء الدولة الشريف أبا أحمد الحسين بن موسى الموسوىّ قضاء القضاة والحجّ والمظالم ونقابة الطالبيين، ولقّبه [الطاهر «1» ] الأوحد ذا المناقب؛ فلم ينظر في القضاء لامتناع الخليفة القادر بالله من الإذن له في ذلك. وفيها حجّ بالناس من العراق أبو الحارث محمد العلوىّ؛ فاعترض الركب الأصيفر الشّيعىّ الأعرابىّ، وعوّل على نهبهم؛ فقالوا: من يكلّمه ويقرّر له ما يأخذه من الحاجّ؟ فقدّموا أبا الحسين بن الرّفّاء «2» وأبا عبد الله بن الدّجاجىّ، وكانا من أحسن الناس قراءة؛ فدخلا عليه وقرأ بين يديه؛ فقال لهما: كيف عيشكما ببغداد؟ قالا: نعم العيش، تصلنا الخلّع والصّلات. فقال: هل وهبوا لكما ألف ألف دينار في مرّة واحدة؟ قالا: لا، ولا ألف دينار؛ فقال: قد وهبت لكما الحاجّ وأموالهم؛ فدعوا له وانصرفوا وفرح الناس. ولمّا قرأ بعرفات قال أهل مصر والشام: ما سمعنا عنكم تبذيرا «3» مثل هذا، يكون عندكم شخصان مثل هذين فتصحبوئهما معكم معا، فإن هلكا فبأىّ شىء تتجمّلون بعد ذلك!. ومن حسن قراءتهما وطيب

ما وقع من الحوادث سنة 395

صوتهما اخذهما أبو الحسن بن بويه مع أبى عبد الله بن البهلول «1» ، فكانوا يصلّون به بالنوبة التراويح، وهم أحداث السنّ. وفيها توفّى الحسن بن محمد بن إسماعيل أبو علىّ الإسكافىّ الملقّب بالموفّق. كان بهاء الدولة قد فوّض إليه أموره وقام بتدبير ملكه. وكان شجاعا مقداما، لا يتوجّه في أمر إلّا وينصر. وارتفع أمره حتّى قال رجل أبهاء الدولة: يا مولانا، زينّك الله في عين الموفّق. ولا زال الناس به حتّى قبض عليه بهاء الدولة وخنقه. وفيها توفّى خلف بن القاسم بن سهل الحافظ أبو القاسم الأندلسىّ، كان يعرف بابن الدبّاغ، مولده سنة خمس وعشرين وثلثمائة، كان حافظا مكثرا جمع مسند الإمام مالك بن أنس رضى الله عنه، وحديث شعبة بن الحجّاج، وأسامى «2» المعروفين بالكنى من الصحابة والتابعين وسائر المحدّثين، وكان أعلم الناس برجال الحديث والتواريخ والتفسير. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وخمس عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 395] السنة التاسعة من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى سنة خمس وتسعين وثلثمائة. فيها حجّ بالعراقيّين أبو جعفر [بن «3» ] شعيب، ولحقهم عطش كبير في طريقهم فهلك خلق كثير.

وفيها قتل الحاكم صاحب مصر جماعة بمصر من أعيانها صبرا. وفيها كانت وقعة بين بهاء الدولة «1» بن بويه وبين عميد الجيوش، انكسر فيها عميد الجيوش وانهزم أقبح هزيمة. وفيها خرج أبو ركوة «2» على الحاكم، وتعاظم أمره حتّى عزم الحاكم على الخروج إلى الشام، وبرز إلى بلبيس بالعساكر والأموال، فأشير عليه بالعود إلى مصر فعاد وجهّز إليه جيشا فواقعوه غير مرّة حتّى هزموه، حسب ما ذكرناه في أصل ترجمة الحاكم من هذا المحلّ، ونذكره أيضا في السنة الآتية. وفيها توفّى أحمد بن محمد البشرىّ «3» الصوفىّ المحدّث، رحل في طلب الحديث وجاور بمكة مدّة وصار شيخ الحرم، ثمّ عاد إلى مصر فتوفّى بالطريق بين مصر ومكّة، وكان صالحا ثقة. وفيها توفّى أحمد بن فارس بن زكريّاء بن محمد بن حبيب أبو الحسين الرازىّ، وقيل: القزوينى المعروف بالرازىّ المالكىّ اللغوىّ نزيل همذان، وصاحب" المجمل" فى اللغة. سمع الحديث وروى عنه جماعة، وولد بقزوين ونشأ بهمذان، وكان أكثر مقامه بالرّىّ، وكان كاملا في الأدب فقيها مالكيا مناظرا في الكلام

وينصر أهل السّنة، وطريقته في النحو طريقة الكوفيين. وله مصنّفات بديعة. ومن شعره قوله: [السريع] مرّت بنا هيفاء مجدولة ... تركيّة تنمى لتركىّ ترنو بطرف فاتن فاتر ... أضعف من حجّة نحوىّ وفيها توفّى أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر الزاهد أبو الحسين بن أبى نصر النّيسابورىّ الخفّاف. قال الحاكم «1» : كان مجاب الدعوة، وسماعاته صحيحة بخطّ أبيه من أبى العباس «2» السرّاج وأقرانه، وبقى واحد عصره في علوّ الإسناد؛ ومات في شهر ربيع الأوّل. قال الحاكم: وصلّيت عليه وله ثلاث وتسعون سنة. وفيها توفّى محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مندة- واسم مندة إبراهيم بن الوليد ابن سيدة- الحافظ الكبير أبو عبد الله العبدىّ الأصبهانىّ المعروف بابن مندة؛ رحل وطوّف الدنيا، وجمع وصنّف وكتب ما لا ينحصر. وحدّث عن أبيه وعمّ أبيه عبد الرّحمن بن يحيى وخلق كثير، وروى عنه جماعة. قال أبو نعيم «3» - وهو معاصره-: ابن مندة حافظ من أولاد المحدّثين، توفّى في سلخ ذى القعدة، واختلط في آخر عمره. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وخمس عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وثلاث أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 396

*** [ما وقع من الحوادث سنة 396] السنة العاشرة من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى سنة ستّ وتسعين وثلثمائة. فيها حجّ بالناس من العراق محمد بن محمد بن عمر العلوىّ، وخطب بالحرمين للحاكم صاحب مصر على العادة، وأمر الناس بالحرمين بالقيام عند ذكر الحاكم، وفعل مثل ذلك بمصر وغيرها؛ فكان إذا ذكر قاموا وسجدوا في السوق وفي مواضع الاجتماع. وفيها جلس الخليفة القادر بالله العباسىّ لأبى المنيع قرواش بن أبى حسّان ولقّبه بمعتمد الدولة؛ وتفرّد قرواش المذكور بالإمارة وحده. وفيها توفّى إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل أبو سعد الجرجانىّ، كان عالما بفنون العلم «1» والحديث والفقه والعربية، ودخل بغداد وعقد مجلس المناظرة، وحضره أبو الطيّب الطّبرىّ وأبو حامد الإسفراينى. وفيها توفّى عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد بن موسى الكلابىّ المحدّث أبو الحسين الدمشقىّ، يعرف بأخى تنوك، سمع الكثير وروى عنه الناس. قال عبد العزيز الكتّانى «2» : كان ثقة نبيلا مأمونا. وكانت وفاته في شهر ربيع الأوّل، ومات وهو مسند وقته. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى الحافظ أبو عمر أحمد بن عبد الله بن محمد بن على بن الباجىّ «3» فى المحرّم. وأبو الحسن أحمد بن محمد بن

ما وقع من الحوادث سنة 397

عمران بن الجندىّ، وهو ضعيف. وأبو سعد إسماعيل بن أبى بكر الإسماعيلىّ شيخ الشافعية. وأبو الحسين عبد الوهاب بن الحسن الكلابىّ في [شهر] ربيع الأول، وله تسعون سنة. والقاضى أبو الحسن على بن محمد بن إسحاق الحلبىّ بمصر. وأبو بكر محمد ابن [الحسن «1» بن] الفضل بن المأمون. وأبو بكر محمد بن على بن النضر «2» الدّيباجىّ. وأبو بكر محمد بن عمر بن زنبور الورّاق. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وعشر أصابع. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وست عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 397] السنة الحادية عشرة من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى سنة سبع وتسعين وثلثمائة. فيها دخل بهاء الدولة البصرة وملكها واستولى على ذخائر ابن واصل «3» . وفيها استفحل أمر أبى ركوة الذي خرج على الحاكم، وذكرنا أمره في الماضية، ودعا لعمّه هشام الأموىّ. وأبو ركوة المذكور اسمه الوليد، وهو من ذريّة هشام ابن عبد الملك بن مروان؛ وعظم أمره وانضم عليه الخلائق واستولى على برقة وغيرها، وكسر عسكر الحاكم، وضرب السّكّة، وصعد المنبر وخطب خطبة بليغة، ولعن الحاكم وآباءه، وصلّى بالناس وعاد إلى دار الإمارة، وقد استولى على جميع ما كان فيها. وعرف الحاكم بما جرى فانزعج وكفّ عن القتل وانقطع عن الركوب الذي كان

يواصله؛ ثم جهّز الحاكم إلى حرب أبى ركوة قائدا من الأتراك يقال له ينّال الطويل، وأرسل معه خمسة آلاف فارس- وكان معظم جيش ينّال [من] كتامه، وكانت مستوحشة من ينال فإنه قتل كبار كتامة بأمر الحاكم- فتوجّه ينّال وواقع أبا ركوة فهزمه أبو ركوة وأخذه أسيرا، وقال له: العن الحاكم، فبصق في وجه أبى ركوة؛ فأمر أبو ركوة به فقطّع إربا إربا. وأخذ أبو ركوة مائة ألف دينار كانت مع ينال وجميع ما كان معه، فقوى أمره أكثر ما كان. واشتدّ الأمر على الحاكم أكثر وأكثر بكسر ينال؛ وبعث إلى الشام واستدعى الغلمان الحمدانيّة والقبائل وأنفق عليهم الأموال وجهّزهم، وجعل عليهم الفضل بن عبد الله؛ فطرقهم أبو ركوة وكسرهم وساق خلفهم حتّى نزل عند الهرمين بالجيزة؛ وغلّق الحاكم أبواب القاهرة؛ ثمّ عاد أبو ركوة إلى عسكره. فندب الحاكم العساكر ثانيا، فسار بهم الفضل في جيوش كثيرة، والتقى مع أبى ركوة فهزمه وقتل من عسكره نحو ثلاثين ألفا. ثم ظفر الفضل بأبى ركوة وسار به مكرما إلى الحاكم. وسبب إكرامه له خوفه عليه من أن يقتل نفسه، وقصد الفضل أن يأتى به الحاكم حيّا. فأمر الحاكم أن يشهّر أبو ركوة على جمل ويطاف به. وكانت القاهرة قد زيّنت أحسن زينة، وكان بها شيخ يقال له الأبزارىّ، إذا خرج خارجىّ صنع له طرطورا وعمل فيه ألوان الخرق المصبوغة وأخذ قردا ويجعل في يده درّة ويعلّمه [أن] يضرب بها الخارجىّ من ورائه، ويعطى مائة دينار وعشر قطع قماش. فلمّا قطع أبو ركوة الجيزة أمر به الحاكم، فأركب جملا بسنامين وألبس الطّرّطور وأركب الأبزارىّ خلفه والقرد بيده الدّرّة وهو يضربه والعساكر حوله، وبين يديه خمسة عشر فيلا مزيّنة؛ ودخل القاهرة على هذا الوصف ورءوس أصحابه بين يديه على الخشب والقصب؛ وجلس الحاكم فى منظرة على باب الذهب، والترك والديلم عليهم السلاح وبأيديهم اللّتوت وتحتهم

الخيول بالتّجافيف «1» حول أبى ركوة؛ وكان يوما عظيما، وأمر به الحاكم أن يخرج إلى ظاهر القاهرة ويضرب عنقه على تلّ بإزاء مسجد «2» ريدان خارج القاهرة. فلمّا حمل إلى هناك أنزل فإذا به ميّت فقطع رأسه وحمل به إلى الحاكم؛ فأمر بصلب جسده. وارتفعت منزلة الفضل عند الحاكم بحيث إنّه مرض فعاده مرّتين أو ثلاثا، وأقطعه إقطاعات كثيرة ثم عوفى من مرضه، وبعد أيام قبض عليه الحاكم وقتله شرّ قتلة. وفيها كسا الحاكم الكعبة القباطىّ البيض، وبعث مالا لأهل الحرمين. وفيها توفّى عبد الصمد بن عمر بن محمد بن إسحاق أبو القاسم الدّينورىّ الواعظ الزاهد، كان فقيها زاهدا عابدا محدّثا منقطعا عن الناس، وهو من كبار الشيوخ رحمه الله. وفيها توفّى الشيخ الإمام العالم الحافظ أبو الحسن على بن عمر القصّار «3» المالكىّ ببغداد. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وأربع أصابع. مبلغ الزيادة أربع عشرة ذراعا وستّ عشرة إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 398

*** [ما وقع من الحوادث سنة 398] السنة الثانية عشرة من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى سنة ثمان وتسعين وثلثمائة. فيها في يوم عاشوراء عمل أهل الكرخ [ما جرت به «1» ] العادة من النّوح وغيره. واتفق يوم عاشوراء يوم المهرجان؛ فأخّره عميد الجيوش إلى اليوم الثانى مراعاة لأجل الرافضة، هذا ما كان «2» ببغداد. فأمّا مصر فإنه كان يفعل بها في يوم عاشوراء من النوح والبكاء والصّراخ وتعليق المسوح أضعاف ذلك لا سيّما أيّام خلفاء مصر بنى عبيد، فإنّهم كانوا أعلنوا الرّفض وسبّ الصحابة من غير تستّر ولا خيفة. وفيها كانت فتنة عظيمة بين أهل السّنة والرافضة ببغداد. وفيها زلزلت الدّينور فهدمت المنازل وأهلكت ستة عشر ألف إنسان، وخرج من سلم إلى الصحراء وبنوا لهم أكواخا من القصب، وذهب من الأموال ما لا يعدّ ولا يخصى. وفيها هدم الحاكم بيعة «3» قمامة التى ببيت المقدس وغيرها من الكنائس بمصر والشام، وألزم أهل الذمّة بما ذكرناه في ترجمة الحاكم. وفيها توفّى أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد أبو الفضل الهمذانىّ الملقّب ببديع الزمان، صاحب الرسائل الرائقة، وصاحب المقامات [الفائقة «4» ] ؛ التى على منوالها نسج الحريرىّ مقاماته، واعترف له بالفضل عليه. وكان إمام وقته في المنثور

والمنظوم. ومن كلامه النثر: الماء إذا طال مكثه، ظهر خبثه؛ وإذا سكن متنه، تحرّك نتنه. و [له من «1» تعزية] : الموت خطب قد عظم حتّى هان، ومسّ [قد «2» ] خشن حتّى لان؛ والدنيا [قد «3» ] تنكّرت حتّى صار الموت أخفّ خطوبها، وجنّت حتّى صار أصغر ذنوبها. وله من هذا أشياء كثيرة. وأمّا شعره فجيّد إلى الغاية. من ذلك قوله من جملة قصيدة: [البسيط] وكاد يحكيك صوب الغيث منسكبا ... لو كان طلق المحيّا يمطر الذّهبا والدهر لو لم يخن والشمس لو نطقت ... والليث لو لم يصد والبحر لو عذبا وكانت وفاته في هذه السنة بمدينة هراة. وفيها توفّى عبد الواحد «4» بن نصر بن محمد أبو الفرج المخزومىّ النّصيبىّ الشاعر المشهور المعروف بالببّغاء والببّغاء هو الطير المعروف بالدّرّة، وقيل غيرها. خدم الببغاء المذكور سيف الدولة بن حمدان ومدحه؛ وكان شاعرا مجيدا وكاتبا مترسّلا، جيّد المعانى حسن القول في المدائح. ومن شعره: [الكامل] وكأنّما نقشت حوافر خبله ... للناظرين أهلّة في الجلمد وكأنّ طرف الشمس مطروف وقد ... جعل الغبار له مكان الإثمد وفيها توفّى عبد الله بن محمد أبو محمد البخارىّ الخوارزمىّ الفقيه الشافعى، كان فقيها فصيحا أديبا يرتجل الخطب الطّوال ويقول الشعر على البديهة. ومن شعره: [الخفيف] كم حضرنا وليس يقضى التلاقى ... نسأل الله غير هذا الفراق إن أغب لم تغب وإن لم تغب غبت ... كأنّ افتراقنا باتفاق

ما وقع من الحوادث سنة 399

وفيها توفّى أبو منصور بن بهاء الدولة، وقيل: إنّ اسمه بويه. كان أبوه بهاء الدولة يخافه، ومنع الخدم «1» من الكلام معه وضيّق عليه. ولمّا مات وجد عليه وجدا عظيما، وليس السواد، وواصل البكاء والحزن إلى أن اجتمع إليه وجوه الديلم وسألوه أن يرجع إلى عادته. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع سواء. مبلغ الزيادة أربع عشرة ذراعا وتسع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 399] السنة الثالثة عشرة من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى سنة تسع وتسعين وثلثمائة. فيها لحق الحاجّ عند عودهم من مكة الأصيفر الأعرابىّ، وقرّر عليهم أبو الحارث محمد بن محمد بن عمر العلوىّ أمير الحاجّ مالا فأوردوه، ودخلوا الكوفة بعد أن لاقوا مشقّة شديدة، وأقاموا بها حتّى أرسل إليهم أبو الحسن على بن مزيد «2» أخاه حمّادا فحملهم إلى المدائن، ثمّ دخلوا بغداد. وفيها صرف أبو عمر «3» عبد الواحد عن قضاء البصرة، ووليها أبو الحسن بن أبى الشّوارب. فقال العصفرىّ «4» الشاعر في هذه المعنى: [المجتث] عندى حديث ظريف ... بمثله يتغنّى من قاضيين يعزّى ... هذا وهذا يهنّى

فذا يقول اكرهونا ... وذا يقول استرحنا ويكذبان جميعا ... ومن يصدّق منّا وفيها ولّى الحاكم القائد أبا الجيش حامد بن ملهم أميرا على دمشق بعد علىّ بن جعفر بن فلاح، فوليها سنة وأربعة أشهر، ثم عزل بمحمد «1» بن بزال. وفيها لم يحجّ أحد من العراق خوفا من العطش والعرب، وخرجوا ثمّ عادوا. وفيها توفّيت يمنى أمّ القادر. كانت مولاة عبد الواحد بن الخليفة المقتدر، وكانت من أهل الدين والصلاح. وصلّى عليها القادر في داره وكبّر أربعا، وحملت إلى الرّصافة في طيّار فدفنت بها. وفيها توفّى الأمير لؤلؤ غلام سيف الدولة بن حمدان صاحب حلب والذي كان واقع العزيز نزارا والد الحاكم؛ وقد تقدّم ذكر ذلك في ترجمة العزيز مفصّلا. كان لؤلؤ شجاعا مقداما. ولما مات لؤلؤ تولّى الملك بعده ابنه مرتضى الدولة، وهرب بعد ذلك إلى الروم. وفيها توفّى هشام بن الحكم بن عبد الرّحمن الأموىّ صاحب الأندلس، ولقبه المؤيّد، وهو من ذرّية مروان بن الحكم الأموىّ وهو عمّ أبى ركوة الذي كان خرج على الحاكم المقدّم ذكره، وباسمه كان يخطب أبو ركوة المذكور. ولى هشام هذا الملك وله تسع سنين، وأقام واليا على الأندلس تسعا وثلاثين سنة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وستّ عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وثلاث وعشرون إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 400

*** [ما وقع من الحوادث سنة 400] السنة الرابعة عشرة من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى سنة أربعمائة. فيها أرجف بموت الخليفة القادر، فجلس للناس «1» بعد صلاة الجمعة ودخل عليه القضاة والأشراف، وعليه أبّهة الخلافة، وقبّل أبو حامد الإسفراينى يده. وفيها أرسل الحاكم إلى المدينة إلى دار جعفر الصادق من فتحها وأخذ منها ما كان فيها، وكان فيها مصحف وسرير وآلات، وكان الذي فتحها ختكين العضدىّ الداعى، وحمل معه رسوم الأشراف، وعاد إلى مصر بما وجد في الدار؛ وخرج معه من شيوخ العلويّين جماعة؛ فلمّا وصلوا إلى الحاكم أطلق لهم نفقات قليلة [وردّ «2» عليهم السرير] وأخذ الباقى، وقال: أنا أحقّ به؛ فانصرفوا داعين عليه. وشاع فعله «3» فى الأمور التى خرق العادات فيها، ودعى عليه في أعقاب الصلوات وظوهر بذلك، فأشفق فخاف؛ وأمر بعمارة دار العلم وفرشها، ونقل إليها الكتب العظيمة وأسكنها من شيوخ السنّة شيخين، يعرف أحدهما بأبى بكر الأنطاكىّ، وخلع عليهما وقرّبهما ورسم لهما بحضور مجلسه وملازمته «4» ، وجمع الفقهاء والمحدّثين إليها، وأمر أن يقرأ بها فضائل الصحابة، [ورفع عنهم «5» الاعتراض في ذلك] وأطلق صلاة التراويح والضحى، وغيّر الأذان وجعل مكان" حىّ على خير العمل"" الصلاة خير من النوم"؛ وركب بنفسه الى جامع عمرو بن العاص وصلّى فيه الضحى، وأظهر الميل الى مذهب الإمام مالك والقول به، ووضع للجامع تنّورا من فضة

يوقد فيه ألف ومائتا فتيلة، واثنين آخرين من دونه. وزفّهم بالدبادب والبوقات والتهليل والتكبير، ونصبهم ليلة النصف من شعبان؛ وحضر أوّل يوم من رمضان الى الجامع الذي بالقاهرة، وحمل إليه الفرش الكثيرة وقناديل الذهب والفضة، فكثر الدعاء له؛ ولبس الصوف في هذه السنة يوم الجمعة عاشر شهر رمضان، وركب الحمار وأظهر النسك وملأ كمّه دفاتر، وخطب بالناس يوم الجمعة وصلّى بهم؛ ومنع من أن «1» يخاطب يا مولانا ومن تقبيل الأرض بين يديه؛ وأقام الرواتب لمن يأوى المساجد من الفقراء «2» والقرّاء والغرباء وأبناء السبيل، وأجرى لهم الأرزاق؛ وصاغ محرابا عظيما من فضة وعشرة قناديل؛ ورصّع المحراب بالجوهر ونصبه بالمسجد الجامع. وأقام على ذلك ثلاث سنين يحمل الطّيب والبخور والشموع إلى الجوامع، وفعل ما لم يفعله أحد. ثم بدا له بعد ذلك فقتل الفقيه أبا بكر الأنطاكى والشيخ الآخر وخلقا كثيرا أخر من أهل السنّة لا لأمر يقتضى ذلك؛ وفعل ذلك كلّه في يوم واحد. وأغلق دار العلم، ومنع من جميع ما كان فعله؛ وعاد إلى ما كان عليه أوّلا من قتل العلماء والفقهاء وأزيد؛ ودام على ذلك حتّى مات قتيلا حسب ما ذكرناه. وفيها توفّى الحسين بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن موسى بن جعفر الصادق الشريف أبو أحمد الموسوى، والد الشريف الرضى والمرتضى. مولده في سنة أربع وثلثمائة. وكان سيّدا عظيما مطاعا، كانت هيبته أشدّ من هيبة الخلفاء؛ خاف منه عضد الدولة فاستصفى أمواله. وكانت منزلته عند بهاء الدولة أرفع المنازل، ولقّبه بالطاهر والأوحد وذى المناقب، وكان فيه كلّ الخصال الحسنة إلا أنّه كان رافضيّا هو وأولاده على مذهب القوم. ومات ببغداد عن سبع وتسعين سنة، وصلى

ما وقع من الحوادث سنة 401

عليه ابنه المرتضى، ودفن في داره ثم نقل إلى مشهد الحسين، ورثاه ولده المرتضى. وفيها توفّى أبو الحسين بن الرفّاء القارئ المجيد الطيّب الصوت الذي ذكرنا قصته مع الأصيفر الأعرابىّ عند ما اعترض الحاجّ في سنة أربع وتسعين؛ وكانت وفاته ببغداد. وفيها توفّى أبو عبد الله القمّى التاجر المصرىّ، كان بزّاز خزانة الحاكم؛ مات فى ذى القعدة بين مصر ومكة، وحمل إلى البقيع «1» ودفن به، وكان ذا مال عظيم؛ خرج في هذه السنة مع حجّاج مصر بعد أن اشتملت وصيّته على ألف ألف دينار غير المتاع والقماش والجوهر. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع سواء. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وثلاث وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 401] السنة الخامسة عشرة من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى سنة إحدى وأربعمائة. فيها خطب أبو المنيع قرواش بن المقلّد الملقّب بمعتمد الدولة للحاكم صاحب مصر بالموصل. وكان الحاكم قد استماله؛ فجمع معتمد الدولة أهل الموصل وأظهر طاعة الحاكم، فأجابوه وفي القلوب ما فيها؛ فأحضر الخطيب يوم الجمعة رابع المحرّم و [خلع «2» ] عليه قباء دبيقيّا وعمامة صفراء وسراويل ديباج أحمر وخفّين أحمرين، وقلّده سيفا، وأعطاه نسخة ما يخطب به وأوّلها:

«الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد. الحمد لله الذي انجلت بنوره غمرات الغضب، وانهدّت بقدرته أركان النصب، وأطلع بقدره شمس الحقّ من الغرب «1» ؛ الذي محا بعدله جور الظّلمة، وقصم بقوّته ظهر الغشمة «2» ؛ فعاد الأمر إلى نصابه، والحقّ إلى أربابه؛ البائن بذاته، المنفرد بصفاته، الظاهر بآياته، المتوحّد بدلالاته؛ لم تفنه الأوقات فتسبقه الأزمنة، ولم يشبه الصور فتحويه الأمكنة، ولم تره العيون فتصفه الألسنة؛ سبق كلّ موجود وجوده، وفات كلّ جود جوده؛ واستقرّ في كلّ عقل توحيده، وقام في كلّ مرأى شهيده. أحمده كما يجب على أوليائه الشاكرين تحميده، وأستعينه على القيام بما يشاء ويريده، وأشهد له بما شهد أصفياؤه وشهوده. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا يشوبها دنس الشرك، ولا يعتريها «3» وهم الشكّ؛ خالصة من الإدهان، قائمة بالطاعة والإذعان. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، اصطفاه واختاره لهداية الخلق، وإقامة الحق؛ فبلّغ الرسالة وأدّى الأمانه، وهدى من الضلاله؛ والناس حينئذ عن الهدى غافلون، وعن سبيل الحقّ ضالّون؛ فأنقذهم من عبادة الأوثان، وأمرهم بطاعة الرّحمن؛ حتى قامت حجج الله وآياته، وتمّت بالتبليغ كلماته؛ صلى الله عليه وعلى أوّل مستجيب إليه علىّ أمير المؤمنين، وسيّد الوصيّين؛ أساس الفضل والرحمة، وعماد العلم والحكمة؛ وأصل الشجرة الكرام البررة، النابتة [فى «4» ] الأرومة المقدّسة المطهّرة؛ وعلى خلفائه الأغصان البواسق [من تلك «5» الشجرة] ، وعلى ما خلص منها وزكا من الثمرة.

أيّها الناس، اتقوا الله حقّ تقاته، وارغبوا في ثوابه واحذروا من عقابه، فقد تسمعون ما يتلى عليكم من كتابه؛ قال الله عزّ وجلّ: (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) . فالحذر ثمّ الحذر، فكأنّى وقد أفضت بكم الدنيا إلى الآخرة، وقد بان أشراطها، ولاح سراطها؛ ومناقشة حسابها، والعرض «1» على كتابها؛ (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) . اركبوا سفينة نجاتكم قبل أن تغرقوا، (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) ؛ وأنيبوا إليه خير الإنابة، وأجيبوا داعى الله على باب الإجابة؛ قبل (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ... - إلى قوله:- فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) . تيقّظوا من الغفلة والفترة، قبل الندامة والحسره؛ وتمنّى الكرّ والتماس الخلاص، ولات حين مناص؛ وأطيعوا إمامكم ترشدوا، وتمسّكوا بولاة العهود تهتدوا؛ فقد نصب الله لكم علما لتهتدوا به، وسبيلا لتقتدوا به؛ جعلنا الله وإياكم ممن تبع مراده، وجعل الإيمان زاده، والهمّة تقواه ورشاده؛ أستغفر الله العظيم لى ولكم ولجميع المؤمنين» . ثم جلس وقام وقال: «الحمد لله ذى الجلال والإكرام، وخالق الأنام ومقدّر الأقسام، المنفرد بحقيقة البقاء والدوام؛ فالق الإصباح، وخالق الأشباح، وفاطر الأرواح؛ أحمده أوّلا وآخرا، وأشكره باطنا وظاهرا، وأستعين به إلها قادرا، و [أستنصره «2» ] وليّا ناصرا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، شهادة من أقرّ بوحدانيته إيمانا، واعترف بربوبيته إيقانا؛ وعلم برهان ما يدعو إليه، وعرف حقيقة الدلالة عليه. اللهمّ وصلّ على وليّك الأزهر، وصديقك الأكبر؛ علىّ بن أبى طالب أبى الخلفاء الراشدين المهديّين. اللهمّ وصلّ على السّبطين الطاهرين

الحسن والحسين؛ وعلى الأئمة الأبرار، والصفوة الأخيار؛ من أقام منهم وظهر، ومن خاف فاستتر. اللهمّ وصلّ على الإمام المهدىّ بك، والذي بلّغ «1» بأمرك، وأظهر حجّتك؛ ونهض بالعدل في بلادك، هاديا لعبادك. اللهمّ وصلّ على القائم بأمرك، والمنصور بنصرك، اللذين بذلا نفوسهما في رضائك، وجاهدا أعداءك. اللهمّ وصلّ على المعزّ لدينك، المجاهد في سبيلك؛ المظهر للآيات الخفيّه، والحجج الجلية. اللهمّ وصلّ على العزيز بك الذي مهّدت به البلاد، وهديت به العباد. اللهمّ واجعل نوامى صلواتك، وزواكى بركاتك؛ على سيّدنا ومولانا إمام الزمان، وحصن الإيمان؛ وصاحب الدعوة العلويّه، [و «2» ] الملّة النبويه؛ عبدك ووليّك المنصور أبى علىّ الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين؛ كما صلّيت على آبائه الراشدين، وأكرمت أجداده المهديّين. اللهمّ وفّقنا لطاعته، واجمعنا على كلمته ودعوته؛ واحشرنا في حزبه وزمرته. اللهمّ وأعنه على ما ولّيته، واحفظه فيما استرعيته، وبارك له «3» فيما آتيته؛ وانصر جيوشه و [أعل] أعلامه في مشارق الأرض ومغاربها؛ إنك على كل شىء قدير» . فلما سمع الخليفة القادر ذلك أزعجه وأرسل عميد الجيوش في تجهيز العساكر. فلما بلغ قرواشا ذلك أرسل يعتذر للخليفة، وأبطل دعوة الحاكم من بلاده وأعادها للقادر على العادة. وفيها لم يحجّ أحد من العراق خوفا من الأعراب، وحجّ الناس من مصر وغيرها. وفيها ولّى الحاكم لؤلؤ بن عبد الله الشيرازىّ «4» دمشق، ولقّبه بمنتخب الدولة؛ فقدم إليها في جمادى الآخرة من الرقّة، ثم عزله عنها في يوم عيد الأضحى، وولّى عوضه

أبا المطاع ذا القرنين «1» بن حمدان، وكان يوم الجمعة فصلّى لؤلؤ بالناس العيد وأبو المطاع الجمعة. وحمل لؤلؤ الى بعلبك، فقتل بها بأمر الحاكم. وفيها توفّى أبو على الأمير عميد الجيوش واسمه الحسين بن [أبى «2» ] جعفر. كان أبوه من حجّاب عضد الدولة بن بويه؛ وجعل ابنه هذا برسم صمصام الدولة، فخدم المذكور صمصام الدولة وبهاء الدولة؛ فولّاه بهاء الدولة العراق، فقدمها والفتن قائمة، فقتل وصلب وغرّق حتى بلغ من هيبته أنه أعطى غلاما له صينيّة فضّة فيها دنانير، فقال: خذها على رأسك وسر من النجمى الى الماصر الأعلى، فإن اعترضك معترض فأعطه إياها واعرف المكان؛ فجاء الغلام وقد انتصف الليل، وقال مشيت الحدّ جميعه فلم يلقنى أحد. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن عبد الرّحمن أبو عبيد الهروىّ اللغوىّ المؤدّب، مصنّف الغريبين في اللغة، لغة القرآن ولغة الحديث، ومات في شهر رجب. وفيها توفّى علىّ بن محمد أبو الفتح البستى «3» الكاتب الشاعر. قال الحاكم: «هو واحد عصره، وحدّثنى أنه سمع الكثير من أبى حاتم بن حبّان» . انتهى. قلت: وهو صاحب النظم الرائق، والنثر الفائق. ومن كلامه النثر: من أصلح فاسده، أرغم حاسده. عادات السادات، سادات العادات. ومن شعره رحمه الله تعالى:

ما وقع من الحوادث سنة 402

[الوافر] أعلّل بالمنى روحى لعلّى ... أروّح بالأمانى الهمّ عنى وأعلم أنّ وصلك لا يرجّى ... ولكن لا أقلّ من التمنّى أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وثمانى عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 402] السنة السادسة عشرة من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى سنة اثنتين وأربعمائة. فيها في شهر ربيع الآخر كتب الخليفة القادر العباسىّ محضرا في معنى الخلفاء المصريّين والقدح في أنسابهم وعقائدهم، وقرئت النسخ ببغداد، وأخذت فيها خطوط القضاة والأئمة والأشراف بما عندهم من العلم بمعرفة نسب الديصانيّة؛ قالوا:" وهم منسوبون الى ديصان بن سعيد الخرّمى «1» إخوان الكافرين، ونطف الشياطين؛ شهادة يتقرّبون «2» بها الى الله، ومعتقدين ما أوجب الله على العلماء أن ينشروه للناس؛ فشهدوا جميعا «3» أن الناجم بمصر وهو منصور بن نزار الملقب بالحاكم- حكم الله عليه بالبوار والخزى والنكال- ابن معدّ بن إسماعيل بن عبد الرّحمن بن سعيد- لا أسعده الله- فإنه لمّا صار الى المغرب تسمّى بعبيد الله وتلقّب بالمهدىّ، هو ومن تقدّمه «4» من سلفه الأرجاس الأنجاس- عليه وعليهم اللعنة- أدعياء

خوارج لا نسب لهم في ولد علىّ بن أبى طالب، وأن ذلك باطل وزور، وأنهم لا يعلمون «1» أن أحدا من الطالبيّين توقّف عن إطلاق القول في هؤلاء الخوارج إنهم أدعياء. وقد كان هذا الإنكار شائعا بالحرمين في أوّل أمرهم بالمغرب، منتشرا انتشارا يمنع من أن يدلّس على أحد كذبهم، أو يذهب وهم الى تصديقهم؛ وأن هذا الناجم بمصر هو وسلفه «2» كفّار وفسّاق فجّار زنادقة، ولمذهب الثنويّة «3» والمجوسيّة معتقدون؛ قد عطّلوا الحدود، وأباحوا الفروج، وسفكوا الدماء، وسبّوا الأنبياء، ولعنوا السلف، وادّعوا الربوبيّة. وكتب في [شهر] ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعمائة» . وكتب خلق كثير في المحضر المذكور منهم الشريف الرضى والمرتضى أخوه، وابن الأزرق الموسوىّ، ومحمد بن محمد بن عمر بن أبى يعلى العلويّون، والقاضى أبو محمد عبد الله بن الأكفانىّ، والقاضى أبو القاسم الجزرىّ، والإمام أبو حامد «4» الإسفراينى، والفقيه أبو محمد الكشفلى «5» ، والفقيه أبو الحسين القدورىّ «6» الحنفىّ، والفقيه أبو على بن حمكان «7» وأبو القاسم «8» التنوخىّ، والقاضى أبو عبد الله

الصّيمرىّ «1» . انتهى أمر المحضر باختصار. فلما بلغ الحاكم قامت قيامته وهان فى أعين الناس لكتابة هؤلاء العلماء الأعلام في المحضر. وفيها حجّ بالناس من العراق أبو الحارث محمد بن محمد بن عمر العلوىّ، وهبّت عليهم ريح سوداء وفقدوا الماء ولقوا شدائد. وفيها توفّى أحمد بن مروان أبو نصر، وقيل: أبو منصور، ممهّد الدولة الكردىّ صاحب ميّافارقين. وقد ذكرنا مقتل الحسن «2» بن مروان على باب آمد، وأنهم من غير بيت في الرياسة، وأنهم وثبوا على ديار بكر وملكوها. ووقع لأحمد هذا أمور ووقائع وحروب. وفيها توفّى عبد الرّحمن بن محمد بن عيسى بن فطيس بن أصبغ بن فطيس أبو المطرّف الإمام قاضى الجماعة بقرطبة، سمع الحديث وروى عنه جماعة، وكان من الحفّاظ وكبار العلماء، عارفا بعلل الحديث والرجال، وله مشاركة في سائر العلوم. وفيها توفّى محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الرّحمن بن يحيى بن جميع أبو الحسين الصّيداوىّ الغسّانىّ. رحل [إلى] البلاد وسمع الكثير، وروى عنه غير واحد. ولد سنة خمس وثلثمائة، وكان ثقة محدّثا كبير الشأن، ووفاته فى شهر رجب. وفيها توفّى محمد بن عبد الله بن الحسن أبو الحسين بن اللبّان البصرىّ العلامة صاحب الفرائض، سمع الحديث وبرع في الفرائض حتى إنه كان يقول: ليس في الدنيا فرضىّ إلّا من أصحابى وأصحاب أصحابى «3» أو لا يحسن شيئا.

ما وقع من الحوادث سنة 403

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وثمانى أصابع. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وعشر أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 403] السنة السابعة عشرة من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى سنة ثلاث وأربعمائة. فيها في يوم الجمعة سادس عشر المحرّم قلّد الشريف الرضى نقابة الطالبييّن بسائر الممالك. وفيها أرسل الحاكم صاحب الترجمة كتابا إلى السلطان محمود بن سبكتكين صاحب غزنة يدعوه الى طاعته، فبعث محمود بالكتاب إلى القادر بعد أن خرقه وبصق في وسطه. وفيها لم يحجّ أحد من العراق. وفيها توفّى الحسن بن حامد بن على بن مروان أبو عبد الله الفقيه الحنبلىّ الورّاق، كان مدرّس الحنابلة وفقيههم، وله مصنّفات، منها كتاب" الجامع" أربعمائة جزء. وهو شيخ القاضى أبى يعلى «1» الفرّاء، وكان معظّما في النفوس مقدّما عند السلطان، وكان زاهدا ورعا، ينسخ بالأجرة ويتقوّت منه. وفيها توفّى السلطان فيروز أبو نصر بهاء الدولة بن عضد الدولة بويه بن ركن الدولة حسن بن بويه [بن] فنّاخسرو الديلمىّ، وقيل: اسمه خاشاد. وبهاء الدولة هذا هو الذي قبض على الخليفة الطائع وخلعه من الخلافة، وولّى القادر الخلافة

عوضه، وقد ذكرنا ذلك في وقته. وكان بهاء الدولة ظالما غشوما سفّاكا للدماء، حتى إنه كان خواصّه يهربون من قربه. وجمع من المال ما لم يجمعه أحد من بنى بويه إلا إن كان عمه فخر الدولة المقدّم ذكره. ولم يكن في ملوك بنى بويه أظلم منه ولا أقبح سيرة. وكان به مرض الصرع يصرع في دست الملك؛ ورث ذلك عن أبيه، ومات به في أرّجان في يوم الاثنين خامس جمادى الاخرة. وكانت مدّة سلطنته أربعا وعشرين سنة وتسعة أشهر وأياما، ومات وله اثنتان وأربعون سنة وتسعة أشهر، وحمل من أرّجان إلى الكوفة. وتولّى الملك من بعده ولده أبو شجاع بعهد منه. وفيها توفّى قابوس بن وشمكير أمير الجبال بنيسابور وغيرها. كان أيضا سيّئ السيرة، قتل جماعة من خواصّه وحجّابه ففسدت القلوب عليه، ودبّروا في قتله وقصدوا ابنه منوجهر، ولا زالوا به حتى قبض على أبيه قابوس هذا وقتله بالبرد «1» ، ثم قتل منوجهر جماعة ممن أشار عليه بقتل أبيه، وندم حين لا ينفع الندم. وفيها توفّى الشريف محمد بن محمد بن عمر العلوىّ أبو الحارث نقيب الطالبيّين بالكوفة. كان شجاعا جوادا ديّنا رئيسا، كانت إليه النقابة مع تسييرا لحاجّ، حجّ بالناس عشر «2» سنوات، وكان ينفق عليهم [من ماله «3» ] ويحمل المنقطعين رحمه الله. ومات بالكوفة في جمادى الآخرة. وفيها توفّى علىّ بن محمد بن خلف الإمام أبو الحسن المعافرىّ القروىّ القابسىّ «4» الفقيه المالكىّ. كان عالم أهل إفريقيّة حجّ وسمع جماعة، وأخذ بإفريقيّة عن

ابن مسرور «1» الدبّاغ وغيره، وكان حافظا للحديث وعلله، فقيها أصوليّا متكلّما مصنّفا صالحا، وكان أعمى لا يرى شيئا، وهو مع ذلك من أصحّ الناس كتبا وأجودهم تقييدا، يضبط كتبه ثقات أصحابه؛ والذي ضبط له صحيح البخارىّ بمكة رفيقه أبو محمد الأصيلىّ «2» . وفيها توفّى محمد بن الطيّب بن محمد بن جعفر بن القاسم القاضى أبو بكر الباقلانى البصرىّ صاحب التصانيف في علم الكلام، سكن بغداد وكان في وقته أوحد زمانه، صنّف في الردّ على الرافضة والمعتزلة والخوارج والجهميّة «3» . وذكره القاضى عياض فى طبقات الفقهاء المالكية فقال: «هو الملقّب بسيف السنّة، ولسان الأمّة، المتكلّم على لسان أهل الحديث، وطريق أبى الحسن الأشعرىّ، وإليه انتهت رياسة المالكية» . وفيها توفّى محمد بن موسى أبو بكر الخوارزمىّ الحنفىّ شيخ الحنفيّة وعالمهم ومفتيهم، انتهت إليه رياسة الحنفية في زمانه، وكان تفقّه على أبى بكر أحمد بن علىّ الرازىّ، وسمع الحديث من أبى بكر الشافعىّ، وروى عنه أبو بكر البرقانىّ «4» . قال القاضى أبو عبد الله الصّيمرىّ بعد ما أثنى عليه: «وما شاهد الناس مثله في حسن الفتوى [والإصابة فيها «5» ] وحسن التدريس. وقد دعى إلى ولاية الحكم مرارا فامتنع تورّعا» . ومات في جمادى الأولى.

ما وقع من الحوادث سنة 404

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وثلاث وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا واثنتا عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 404] السنة الثامنة عشرة من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى سنة أربع وأربعمائة. فيها قلّد فخر الملك الأمر، ولقّبه الخليفة القادر سلطان الدولة وعقد لواءه بيده، وقرئ تقليده، وكتب القادر خطّه عليه. وفيها أبطل الحاكم المنجّمين من بلاده، وأعتق أكثر مماليكه، وجعل ولىّ عهده ابن عمه عبد الرّحيم بن إلياس وخطب له بذلك؛ وأمر بحبس النساء «1» فى البيوت، وصلحت سيرته. وفيها حجّ بالناس من العراق أبو «2» الحسن محمد بن الحسن، وكذلك في سنة خمس «3» . وفيها كانت الملحمة الهائلة بين ملك الترك طغان وبين ملك الصين، فقتل فيها من الكفّار نحو من مائة ألف، ودامت الحرب بينهم أياما، ثم انتصر المسلمون (أعنى الترك) ولله الحمد. وفيها استولى الحاكم على حلب وزال ملك بنى حمدان منها.

ما وقع من الحوادث سنة 405

وفيها توفّى إبراهيم بن عبد الله بن حصن أبو إسحاق الغافقىّ محتسب دمشق من قبل الحاكم، وكان شهما في الحسبة؛ أدّب رجلا، فلما ضربه درّة، قال المضروب: هذه في قفا أبى بكر؛ فلمّا ضربه أخرى قال: هذه في قفا عمر؛ فضربه أخرى فقال: هذه في قفا عثمان؛ ثم ضربه أخرى فسكت. فقال له الغافقىّ: أنت ما تعرف ترتيب الصحابة، أنا أعرّفك، وأفضلهم أهل بدر، لأصفعنّك على عددهم فصفعه ثلثمائة وستّ عشرة درّة؛ فحمل من بين يديه فمات بعد أيام. قلت: الى سقر. وبلغ الحاكم ذلك، فأرسل يشكره ويقول: هذا جزاء من ينتقص السلف الصالح. قلت: لعلّ هذه الواقعة كانت صادفت من الحاكم أيام صلاحه وإظهاره الزهد والتفقّه. وفيها توفّى الحسين بن أحمد بن جعفر أبو عبد الله، كان زاهدا عابدا لا ينام إلا عن غلبة، وكان لا يدخل الحمّام، ويأكل خبز الشعير؛ ومات في شعبان. وفيها توفّى على بن سعيد الإصطخرىّ أحد شيوخ المعتزلة، صنّف للقادر" الردّ على الباطنية" وأجرى عليه القادر جراية سنيّة وحبسها من بعده على بنيه «1» . أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا سواء. *** [ما وقع من الحوادث سنة 405] السنة التاسعة عشرة من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى سنة خمس وأربعمائة. فيها منع الحاكم النساء من الخروج من بيوتهنّ، وقتل بسبب ذلك عدّة نسوة.

وفيها جلس الخليفة القادر ببغداد وأحضر العلويّين والعباسيّين والقضاة، وأحضر الخلع السلطانية ما عدا التاج ولواء واحدا، وقرئ عهد أبى طاهر ركن الدين بن بهاء الدولة، ولقّبه بجلال الدولة وجمال الملّة ركن الدين. قلت: وهذا أوّل لقب سمعناه في الإسلام (أعنى ركن الدين) . ولا أدرى متى لقّب به ابن بهاء الدولة المذكور، غير أننى سمعت من بعض علماء العجم أنّ ابن بهاء الدولة المذكور مشى بين يدى الخليفة القادر، فقال له الخليفة: اركب ركن الدين؛ فسمّى بذلك. والله أعلم. وفيها حجّ بالناس من العراق أبو الحسن محمد بن الحسن العلوىّ الأقساسىّ. وفيها توفّى بدر بن حسنويه بن الحسين أبو النجم الكردىّ، كان من أهل الجبال، وولّاه عضد الدولة الجبال وهمذان ودينور ونهاوند وسابور وتلك النواحى بعد وفاة أبيه حسنويه. وكان شجاعا عادلا كثير الصدقات. والخليفة القادر كناه أبا النجم، ولقّبه ناصر الدولة، وعقد له لواء بيده. وفيها توفّى بكر بن شاذان بن بكر أبو القاسم المقرئ الواعظ البغدادىّ، قرأ القرآن، وسمع الحديث، وكان عابدا زاهدا، وكانت وفاته في شوّال. وفيها توفّى عبد الله بن محمد بن عبد الله أبو محمد بن الأكفانىّ الحنفىّ القاضى الأسدىّ، كان عالما ديّنا، ولد سنة ستّ عشرة وثلثمائة. قال أبو إسحاق الطبرىّ: من قال: إن أحدا أنفق على العلم مائة ألف دينار غير أبى محمد [بن] الأكفانىّ فقد كذب. قلت: هذا هو العلم الخالص لوجه الله تعالى. وفيها توفّى عبد الرّحمن بن محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس الحافظ أبو سعيد، كان أبوه من أستراباد وسكن سمرقند وصنّف" تاريخ سمرقند" وعرضه على الدارقطنىّ فاستحسنه، وكان ثقة.

وفيها توفّى عبد السلام بن الحسين بن محمد أبو أحمد البصرىّ اللغوىّ، كان رجلا فاضلا عارفا «1» بالقرآن سمحا جوادا. وفيها توفّى عبد العزيز بن عمرو «2» بن محمد بن يحيى بن حميد بن نباتة (ونباتة بضم النون «3» ) أبو نصر البغدادىّ، كان من الشعراء المجيدين، مات ببغداد في شوال. ومن شعره: [الكامل] وإذا عجزت من العدوّ فداره ... وامزج «4» له إنّ المزاج وفاق فالنار بالماء الذي هو ضدّها ... تعطى النّضاج وطبعها الإحراق وفيها توفّى عبد «5» الغفار بن عبد الرّحمن أبو بكر الدينورىّ؛ لم يكن ببغداد مفت على مذهب سفيان الثورىّ غيره، وهو آخر من أفتى بجامع المنصور على مذهب الثورىّ. قلت: لعلّ ذلك كان بالشرق، وأمّا بالغرب فدام مذهب الثورىّ بعد هذا التاريخ عدّة سنين. كان عبد العفار عالما فاضلا مناظرا، ومات في شوال. وفيها توفّى محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم الحافظ أبو عبد الله الحاكم النيسابورىّ، ويعرف بابن البيّع، الضّبىّ، ولد سنة إحدى وعشرين وثلثمائة، كان أحد أركان الاسلام، وسيّد المحدّثين وإمامهم في وقته والمرجوع إليه في هذا الشأن؛ رحل [إلى] البلاد، وصنّف الكتب، وسمع الكثير، وروى عنه الجمّ الغفير، ومات في صفر.

ما وقع من الحوادث سنة 406

وفيها توفّى هبة الله بن عيسى، كاتب مهذّب «1» الدولة البطائحىّ ووزيره، كان فاضلا راوية للأخبار وشاعرا فصيحا. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع سواء. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وإصبعان. *** [ما وقع من الحوادث سنة 406] السنة العشرون من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى سنة ستّ وأربعمائة. فيها منع فخر الملك «2» يوم عاشوراء من النوح مخافة الفتنة؛ وكان الشريف الرضى قد توفّى في خامس المحرّم فاشتغلوا به؛ وكان قد وقع بالعراق وباء عظيم خصوصا بالبصرة. وفي صفر قلّد الشريف المرتضى نقابة الطالبيّين والحجّ والمظالم بعد موت أخيه الشريف الرضى بإشارة سلطان الدولة فخر الملك. وفيها ولّى الحاكم ساتكين «3» سهم «4» الدولة دمشق، وعزله سنة ثمان. وفيها لم يحجّ أحد من العراق، وحجّ الناس من مصر وغيرها. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن أحمد أبو حامد الإسفراينى الفقيه الشافعىّ، كان إماما فقيها عالما، انتهت إليه رياسة مذهب الشافعىّ في زمانه. كان يقال: لو رآه الشافعىّ لفرح به. وكان يتوسّط بين الخليفة القادر وبين السلطان محمود بن سبكتكين. ومات ليلة السبت «5» لإحدى عشرة ليلة بقيت من شوّال.

وفيها توفى محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى ابن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن علىّ بن أبى طالب، رضى الله عنه، الشريف أبو الحسن الرضى الموسوىّ؛ ولد سنة تسع وخمسين وثلثمائة. كان عارفا باللغة والفرائض والفقه والنحو، وكان شاعرا فصيحا، عالى الهمّة متديّنا، إلّا أنه كان على مذهب القوم إماما للشّيعة هو وأبوه وأخوه. ومن شعره من جملة أبيات: [البسيط] يا صاحبىّ قفالى واقضيا وطرا ... وحدّثانى عن نجد بأخبار هل روّضت قاعة الوعساء أو مطرت ... خميلة الطّلح ذات البان والغار تضوع أرواح نجد من ثيابهم ... عند القدوم لقرب العهد بالدار وفيها توفّى محمد بن الحسن بن فورك أبو بكر الأصبهانىّ الفقيه المتكلّم، كان إماما عالما، استدعى الى نيسابور وتخرّج به جماعة في الأصول والكلام، وله فيهما تصانيف. وكان رجلا صالحا، سمع الحديث، وروى عنه أبو بكر البيهقىّ «1» وأبو القاسم القشيرىّ «2» وغيرهما. قتله محمود بن سبكتكين بالسمّ لكونه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا في حياته فقط، وإنّ روحه قد بطل وتلاشى، وليس هو في الجنة عند الله تعالى (يعنى روحه) صلى الله عليه وسلم. وفيها كان الطاعون العظيم بالبصرة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وإصبعان.

ما وقع من الحوادث سنة 407

*** [ما وقع من الحوادث سنة 407] السنة الحادية والعشرون من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى سنة سبع وأربعمائة. فيها وقعت القبّة الكبيرة التى على الصخرة ببيت المقدس. وفيها كانت الفتنة بين الرافضة وأهل السنّة بواسط، ونهبت دور الشّيعة والعلويّين، وقصدوا علىّ بن مزيد «1» واستنصروا به. وفيها احترق مشهد الحسين بن علىّ بكر بلاء من شمعتين غفلوا عنهما. وفيها في أوّلها تشعّب الركن اليمانىّ من البيت الحرام. وفيها كانت الوقعة بين سلطان الدولة وبين أخيه أبى الفوارس، وانهزم أبو الفوارس. وفيها ملك السلطان محمود بن سبكتكين خوارزم. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن دوست أبو عبد الله، كان حافظا متقنا، مات في شهر رمضان. وفيها توفّى سليمان بن الحكم الأموىّ المغربىّ صاحب الأندلس. وثب عليه رجلان ادّعيا أنهما من الأشراف وتغلّبا على الأندلس. وكانت مدّة ولاية سليمان هذا على الأندلس ثلاث سنين وثلاثة أشهر وثلاثة أيام. وانقطعت بموته ولاية بنى أميّة على الأندلس سبع سنين وثمانية أشهر وأيّاما، ثم عادت سنة أربع عشرة وأربعمائة.

ما وقع من الحوادث سنة 408

وفيها توفّى محمد بن علىّ بن خلف أبو غالب الوزير فخر الملك. أصله من واسط، وكان أبوه صيرفيّا؛ فتنقّلت به الأيام الى أن استوزره بهاء الدولة، وبعثه نائبا عنه إلى بغداد. وكان جوادا ممدّحا، أثّر ببغداد الآثار الجميلة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وأربع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 408] السنة الثانية والعشرون من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى سنة ثمان وأربعمائة. فيها عزل الحاكم ساتكين من إمرة دمشق، وكان ظالما غشوما، وهو الذي بنى جسر الحديد تحت قلعة دمشق، واتفق أنّ يوم فراغ الجسر [قال «1» ] : لا يعبر غدا أحد عليه. فلما أصبح جلس على الباب ينظر إليه وقد عزم على أن يكون أوّل من يركب ويعبر عليه، واذا بفارس قد أقبل فعبر عليه؛ فأنكره وقال: من أين؟ قال: من مصر؛ وناوله كتابا من الحاكم بعزله، فقال بعض أهل دمشق: [الرمل] عقد الجسر وقد حل عراه بيديه ... ما درى أنّ عليه يعبر العزل إليه ولم يحجّ أحد في هذه السنين الى سنة اثنتى عشرة وأربعمائة؛ أعنى من العراق.

ما وقع من الحوادث سنة 409

وفيها توفّى شباشى «1» المشطّب، ولقبه السعيد وكنيته أبو طاهر، مولى شرف الدولة بن عضد الدولة بن بويه. ولقّبه بهاء الدولة بالسعيد وذى الفضيلتين، ثم لقّب بهاء الدولة أبا الهيجاء بختكين «2» بالمناصح، وأشرك بينهما في أمور الأتراك ببغداد. وكان السعيد هذا كثير الصدقات فائض المعروف والإحسان لأهل بغداد، كان يكسو الأيتام والضعفاء وينظر في حال الفقراء، وكان من محاسن الدنيا، وعاش بعد المناصح رفيقه ستّة أشهر ومات. وكان رفيقه المناصح أيضا من رجال الدهر وعقلائهم ومن أعلاهم همّة، ولم يخلف بعده مثله. وفيها توفّى محمد بن إبراهيم بن محمد أبو الفتح الطرسوسى المجاهد في سبيل الله، استوطن بيت المقدس بنية الرّباط، وتوفّى به. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وستّ عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 409] السنة الثالثة والعشرون من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى سنة تسع وأربعمائة. فيها توفّى عبد الله بن أبى علّان أبو محمد قاضى الأهواز وأحد شيوخ المعتزلة، كان فاضلا، صنّف الكتب الكثيرة في علم الكلام وغيره. ومن جملة تصانيفه: كتاب جمع فيه فضائل النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ذكر له فيه ألف معجزة؛ وكان له مال عظيم وضياع كثيرة.

ما وقع من الحوادث سنة 410

وفيها توفّى عبد الغنى بن سعيد بن على بن سعيد بن بشر بن مروان بن عبد العزيز ابن مروان الحافظ أبو محمد المصرىّ المحدّث المشهور، مولده في ثانى ذى القعدة سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة، وسمع الكثير، وبرع في علم الحديث، وصنّف الكتب: منها كتاب «المؤتلف والمختلف «1» » ، وكان عالما بأسامى الرجال وعلل الحديث. وكان الدار قطنىّ يعظّمه ويقول: ما رأيت في طريقى مثله، ما اجتمعت به وانفصلت منه إلا بفائدة. ومات بمصر في شوّال. وفيها توفّى على بن نصر أبو الحسن مهذّب الدولة صاحب البطيحة، كان جوادا ممدّحا صاحب ذمّة ووفاء؛ وهو الذي استجار به القادر بالله قبل أن يتخلّف، فأجاره ومنع الطائع منه، وقام في خدمته أحسن قيام. وفيها توفّى محمد بن الحسين أبو عبد الله العلوىّ؛ ولّاه الحاكم القضاء والنقابة والخطابة بدمشق، وكان في القضاء قبل ذلك نائبا عن مالك بن سعيد ابن أخت الفارقىّ قاضى قضاة الحاكم، وكانت وفاته بدمشق في شهر رمضان. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وثمانى أصابع. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وثلاث وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 410] السنة الرابعة والعشرون من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى سنة عشر وأربعمائة. فيها جلس الخليفة القادر بالله ببغداد، وحضر القضاة والشهود وكتب عهد أبى الفوارس بن بهاء الدولة على كرمان وأعمالها، وبعث إليه بالخلع السلطانية على العادة.

وفيها ورد كتاب السلطان يمين الدولة محمود بن سبكتكين على الخليفة القادر بما فتحه من بلاد الهند وما وصل إليه من غنائمهم. وفيها توفّى إبراهيم بن مخلد بن جعفر بن إسحاق أبو إسحاق الباقرحىّ، كان محدّثا صدوقا جيّد النقل حسن الضبط، من أهل الديانة والعلم والأدب، وكان يتفقّه على مذهب محمد بن جرير الطبرىّ. وفيها توفى محمد بن المظفّر بن عبد الله أبو الحسن المعدّل «1» ، كان فاضلا شاعرا؛ مات ببغداد في جمادى الأولى. وفيها توفّى هبة الله بن سلامة أبو القاسم الضرير البغدادىّ، كان من أحفظ الناس لتفسير القرآن، وسمع الحديث ورواه، وكان ثقة صالحا. وفيها توفّى أحمد بن موسى بن مردويه الحافظ أبو بكر الأصبهانىّ في شهر رمضان؛ قاله الذهبىّ. وكان إماما حافظا ثقة سمع الكثير، وروى عنه جماعة. وفيها توفّى عبد الواحد بن محمد بن [عبد «2» الله بن محمد بن] مهدىّ الحافظ أبو «3» عمر الفارسىّ البزاز في شهر رجب عن إحدى وتسعين سنة وأشهر، وكان إماما فقيها محدّثا ثقة من كبار المشايخ. وفيها توفّى عبد الصمد بن منصور بن الحسن بن بابك أبو القاسم الشاعر المشهور أحد الشعراء المجيدين المكثرين، وديوانه في ثلاثة مجلدات. ومن شعره بيت من جملة قصيدة في غاية الرقة:

ما وقع من الحوادث سنة 411

[الوافر] ومرّ بى النسيم فرقّ حتّى ... كأنّى قد شكوت إليه مابى ومات ببغداد. وبابك بفتح الباءين الموحدتين وبينهما ألف وفي الآخر كاف. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة تسع عشرة ذراعا وثمانى أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 411] السنة الخامسة والعشرون من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى التى مات فيها الحاكم حسب ما ذكرناه في ترجمته. والسنة المذكورة سنة إحدى عشرة وأربعمائة. فيها توفّى محمد بن عبد الله بن أحمد أبو الفرج الدمشقىّ ويعرف بابن المعلّم، وهو الذي بنى الكهف بقاسيون «1» ، ويقال له كهف جبريل، وفيه المغارة التى يقال: إنّ الملائكة عزّت آدم عليه السلام فيها لمّا قتل قابيل هابيل. وكان محمد هذا شيخا صالحا زاهدا عابدا، مات في شهر رجب، ودفن بمقبرة الكهف. وفيها توفّى الحسن بن الحسن بن علىّ بن المنذر أبو القاسم، كان إماما فاضلا محدّثا؛ ومات ببغداد في هذه السنة. وممن ذكر الذهبىّ وفاتهم، قال: وتوفّى أبو نصر أحمد بن محمد بن أحمد بن حسنون النّرسىّ «2» . والحاكم منصور بن العزيز العبيدىّ صاحب مصر (يعنى صاحب

ذكر ولاية الظاهر على مصر

الترجمة) . وأبو القاسم الحسن بن الحسن بن علىّ بن المنذر ببغداد. وأبو القاسم علىّ بن أحمد الخزاعىّ ببلخ. انتهى. - أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثمانى أذرع وخمس أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثلاث أصابع. ذكر ولاية الظاهر على مصر هو الظاهر لإعزاز دين الله أبو هاشم، وقيل: أبو الحسن، علىّ بن الحاكم بأمر الله أبى علىّ منصور بن العزيز بالله نزار بن المعزّ لدين الله معدّ بن المنصور إسماعيل بن القائم محمد بن المهدىّ عبيد الله العبيدىّ الفاطمىّ المغربىّ الأصل، المصرىّ المولد والمنشأ والوفاة، الرابع من خلفاء مصر من بنى عبيد والسابع من المهدىّ. مولده بالقاهرة في ليلة الأربعاء عاشر شهر رمضان سنة خمس وتسعين وثلثمائة؛ وولى الخلافة بعد قتل أبيه الحاكم في شوّال من سنة إحدى عشرة وأربعمائة؛ حسب ما ذكرناه مفصّلا في أواخر ترجمة أبيه الحاكم، وقيام عمّته ستّ الملك في أمره. وقال صاحب مرآة الزمان: «وولى الخلافة في يوم عيد النحر سنة إحدى عشرة وأربعمائة، وله ستّ عشرة سنة وثمانية أشهر وخمسة أيّام وتمّ أمره» . ووافقه على ذلك القاضى شمس الدين بن خلكان، لكنّه قال: «وكانت ولايته بعد أبيه بمدّة، لأنّ أباه فقد في السابع والعشرين من شوّال سنة إحدى عشرة وأربعمائة، وكان الناس يرجون ظهوره، ويتّبعون آثاره إلى أن تحقّقوا [عدمه «1» ] ، فأقاموا ولده المذكور في يوم النحر» . انتهى كلام ابن خلكان.

وقال أبو المظفر في المرآة: وملك الظاهر لإعزاز دين الله سائر ممالك والده، مثل الشام والثغور وإفريقية، وقامت عمّته ستّ الملك بتدبير مملكته أحسن قيام، وبذلت العطاء في الجند وساست الناس أحسن سياسة. وكان الظاهر لإعزاز دين الله عاقلا سمحا جوادا يميل إلى دين وعفّة وحلم مع تواضع. أزال الرسوم التى جدّدها أبوه الحاكم الى خير، وعدل في الرعيّة وأحسن السيرة، وأعطى الجند والقوّاد الأموال، واستقام له الأمر مدّة؛ وولّى نوّابه بالبلاد الشامية، إلى أن خرج عليه صالح بن مرداس الكلابىّ وقصد حلب وبها مرتضى الدولة أبو [نصر بن «1» ] لؤلؤ الحمدانىّ نيابة عن الظاهر هذا؛ فحاصرها صالح المذكور إلى أن أخذها. ثم تغلّب حسّان بن المفرّج البدوىّ صاحب الرملة على أكثر الشأم؛ وتضعضعت دولة الظاهر، واستوزر الوزير نجيب الدولة علىّ بن أحمد الجرجرائىّ. وكان الوزير هذا من بيت حشمة ورياسة، وكان أقطع اليدين من المرفقين، قطعهما الحاكم بأمر الله فى سنة أربع وأربعمائة؛ وكان يكتب عنه العلامة القاضى أبو عبد الله القضاعىّ، وكانت العلامة «2» «الحمد لله شكرا لنعمته» . ولم يظهر أمر هذا الوزير إلا بعد موت عمّة الظاهر ستّ الملك بعد سنة خمس عشرة وأربعمائة. وكان الظاهر لإعزاز دين الله كثير الصدقات منصفا من نفسه، لا يدّعى دعاوى والده وجدّه في معرفة النجوم وغيرها من الأشياء المنكرة، لا سيما لمّا وقع من بعض حجّاج المصريّين كسر الحجر الأسود بالبيت الحرام في سنة ثلاث عشرة وأربعمائة. وكان أمر الحجر أنّه لمّا وصل الحاجّ المصرىّ الى مكة المشرّفة، وثب شخص من الحاجّ الى الحجر الأسود وهو مكانه من البيت الحرام، وضربه بدبّوس كان في يده حتى شعثه وكسر قطعا

منه، وعاجله الناس فقتلوه؛ وثار المكيّون بالمصريّين فقتلوا منهم جماعة ونهبوهم، حتّى ركب أبو الفتوح الحسن بن جعفر فأطفأ الفتنة ودفع عن المصريّين. وقيل: إنّ الرجل الذي فعل ذلك كان من الجهّال الذين استغواهم الحاكم وأفسد عقائدهم. فلمّا بلغ الظاهر ذلك شقّ عليه وكتب كتابا في هذا المعنى. قال هلال بن الصابئ:" وجدت كتابا كتب من مصر في سنة أربع عشرة وأربعمائة على لسان المصريّين، وهو كتاب طويل، فمنه:" وذهبت طائفة من النّصيريّة «1» الى الغلوّ «2» فى أبينا أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب، رضوان الله عليه، غلت وادّعت فيه ما ادّعت النصارى في المسيح. ونجمت من هؤلاء الكفرة فرقة سخيفة العقول ضالّة بجهلها عن سواء السبيل؛ فغلوا فينا غلوّا كبيرا، وقالوا في آبائنا وأجدادنا منكرا من القول وزورا؛ ونسبونا بغلوّهم الأشنع، وجهلهم المستفظع، إلى ما لا يليق بنا ذكره. وإنا لنبرأ الى الله تعالى من هؤلاء الجهلة الكفرة الضّلّال «3» . ونسأل الله أن يحسن معونتنا على إعزاز دينه وتوطيد «4» قواعده وتمكينه، والعمل بما أمرنا به جدّنا المصطفى، وأبونا علىّ المرتضى، وأسلافنا البررة أعلام الهدى. وقد علمتم يا معشر أوليائنا ودعاتنا ما حكمنا به من قطع دابر هؤلاء الكفرة الفسّاق، والفجرة المرّاق؛ وتفريقنا لهم في البلاد كل مفرّق؛ فظعنوا في الآفاق هاربين، وشردوا مطرودين خائفين. وكان من جملة من دعاه الخوف منهم الى الانتزاح رجل من أهل البصرة أهوج أثول «5» ، ضالّ مضلّ، سار مع الحجيج الى مكّة- حرسها الله- فرقا «6» من وقع

الحسام، وتستّرا بالحجّ الى بيت الله الحرام. فلمّا حصل في البيت المفضّل المعظّم، والمحل المقدّس «1» المكرّم؛ أعلن بالكفر وما كان يخفيه من المكر، وحمله [لمم في «2» عقله] على قصد الحجر الأسود حتّى قصده وضربه بدبّوس ضربات متواليات، أطارت منه شظابا وصلت بعد ذلك. ثم إنّ هذا الكافر عوجل بالقتل على أسوء حاله وأضلّ أعماله، وألحق بأمثاله من الكفرة الواردين موارد ضلاله؛ ذلك لهم خزى فى الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم. ولعمرى إنّ هذه لمصيبة في الإسلام قادحة، ونكاية فادحة؛ فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. لقد ارتقى هذا الملعون مرتقى عظيما ومقاما جسيما، أذكر به ما كان أقدم عليه غلام ثقيف المعروف بالحجّاج- لعنه الله- من إحراق البيت وهدمه، وإزالة بنيانه وردمه" ثم ذكر كلاما طويلا في هذا المعنى يطول الشرح في ذكره» . انتهى كلام ابن الصابئ. وروى ابن ناصر بإسناد إلى أبى عبد الله محمد بن علىّ العلوىّ، قال: " وفي سنة ثلاث عشرة وأربعمائة كسر الحجر الأسود لمّا صلّيت الجمعة يوم النّفر الأوّل بمنى، ولم يكن رجع الناس بعد من منى، قام رجل ممن ورد من ناحية مصر بيده سيف مسلول وبالأخرى دبّوس بعد ما قضى الإمام الصلاة، فقصد الحجر الأسود ليستلمه على الرسم، فضرب وجه الحجر ثلاث ضربات متواليات بالدبّوس، وقال: إلى متى يعبد الحجر! ولا محمد ولا علىّ يقدران على منعى عما أفعله؛ إنى أريد أن أهدم هذا البيت وأرفعه. فاتّقاه الحاضرون وتراجعوا عنه، وكاد يفلت. وكان رجلا تامّ القامة أحمر اللون أشقر الشعر سمينا، وكان على باب المسجد عشرة فرسان على أن ينصروه؛ فاحتسب رجل من أهل اليمن أو من أهل مكّة أو غيرها نفسه،

فوجأه بخنجر واحتوشه «1» الناس فقتلوه، وقطّعوه وأحرقوه بالنار، وثارت الفتنة؛ فكان الظاهر من القتلى أكثر من عشرين غير ما أخفى منهم. وتقشّر بعض وجه الحجر فى وسطه من تلك الضربات وتخشّن. وزعم بعض الحجّاج أنه سقط منه ثلاث قطع، وكأنه نقب ثلاثة نقوب، وتساقطت منه شظايا مثل الأظفار؛ وموضع الكسر أسمر يضرب إلى صفرة، محبّب مثل الخشخاش. فجمع بنو شيبة ما تفرّق منه وعجنوه بالمسك، وحشوا تلك المواضع وطلوها بطلاء من اللّك «2» فهو بيّن لمن تأمّله، وهو على حاله الى اليوم» . انتهى. ثم بعد هذه الواقعة بلغ الظاهر هذا أنّ السلطان يمين الدولة محمود بن سبكتكين عظم أمره، فأحبّ أن يكتب إليه كتابا يدعوه إلى طاعته؛ فكتب إليه وارسل إليه بالخلع، وأن يخطب باسمه بتلك البلاد. وكان أبوه الحاكم بأمر الله أرسل إليه قبل ذلك، فخرق محمود بن سبكتكين كتاب الحاكم وبصق فيه؛ ومات الحاكم وفي قلبه من ذلك أمور، وقد ذكرنا ذلك في ترجمته. فلما علم الظاهر هذا بما كان والده الحاكم عزم عليه من أمر محمود المذكور أخذ هو أيضا في ذلك، وكاتب السلطان محمودا؛ فلم يلتفت محمود لكتابه، وبعث به وبالخلع الى الخليفة القادر العباسىّ، وتبرأ من الظاهر هذا. فجمع القادر القضاة والأشراف والجند وغيرهم ببغداد، وأخرج الخلع الى باب النوبىّ، وكانت سبع جبب وفرجّية ومركب ذهب، وأضرمت النار وألقيت الثياب فيها، وسبك المركب الذهب، فظهر منه أربعون ألف دينار وخمسائة، وقيل: أخرج منه دراهم هذا العدد؛ فتصدّق بها الخليفة القادر على ضعفاء بنى هاشم. وبلغ الظاهر فقامت قيامته، وانكف عن مكاتبة محمود بعدها.

وكان الظاهر ينظر في مصالح الرعيّة بنفسه وفي إصلاح البلاد. فلمّا وقع الفناء فى ذوات «1» الأربع في سنة سبع عشرة وأربعمائة، منع الظاهر من ذبح البقر السليمة من العيوب التى تصلح للحرث وغيره، وكتب على لسانه كتاب قرئ على الناس، فمنه: «إن الله تعالى بتتابع نعمته وبالغ حكمته، خلق ضروب الأنعام، وعمل فيها منافع الأنام؛ فوجب أن تحمى البقر المخصوصة بعمارة الأرض، المذلّلة لمصالح الخلق؛ فإنّ فى ذبحها غاية الفساد، وإضرارا للعباد والبلاد» . وأباح ذبح مالا يصلح للعمل ولا يحصل به النفع. فمنع الناس ذبح البقر، وحصل بذلك النفع التام. ومات في أيّام الظاهر المذكور مبارك الأنماطىّ البغدادىّ التاجر، وكان له مال عظيم، وكان قد خرج من بغداد الى مصر فتوفّى بها في سنة سبع عشرة وأربعمائة، وكان معه ثلثمائة ألف دينار. فقال الظاهر: هل له وارث؟ فقيل: ماله سوى بنت ببغداد؛ فترك الظاهر المال كلّه للبنت ولم يأخذ منه شيئا. وفي سنة عشرين وأربعمائة خرج على الظاهر بالبلاد الشاميّة صالح بن مرداس أسد الدولة وحسّان بن المفرّج بن الجرّاح، وجمعا الجموع واستوليا على الأعمال، وانتهيا الى غزّة. فجهز الظاهر لحربهما جيشا عليه القائد أنوشتكين منتخب الدولة التركىّ أمير الجيوش المعروف بالدّز برىّ «2» ، فالتقى معهما؛ فانهزم حسّان بن

المفرّج، وقتل صالح وابنه الأصغر. وبعث الدّزبرىّ برأس صالح الى الظاهر بمصر، وأفلت نصر بن صالح الأكبر الى حلب. واستولى اللدزبرىّ على الشام ونزل على دمشق، وكتب الى الظاهر كتابا مضمونه النصر، ويعرّفه فيه بما جرى؛ وكان بينه وبينهما ملحمة هائلة. ولما فرغ الدزبرىّ من القتال مدحه مظفر «1» الدولة بن حيّوس بأبيات بسبب هذه الواقعة، أوّلها: [الكامل] هل للخليط المستقلّ إياب ... أم هل لأيّام مضت أعقاب يامىّ هل لدنوّ دارك رجعة ... أم للعتاب لديكم إعتاب لا أرتجى يوما سلوّا عنكم ... هيهات سدّت دونه الأبواب أوصاب جسمى من جناية بعدكم ... والصبر صبر بعدكم أو صاب ولمصطفى الملك اعتزام المصطفى ... لمّا أحاط بيثرب الأحزاب يومان للإسلام عزّ لديهما ... دين الإله وذلّت الأعراب طلبوا العقاب ليسلموا بنفوسهم ... فابتزهم دون العقاب عقاب واستشعروا نصرا فكان عليهم ... وتقطّعت دون المراد رقاب كانوا حديدا في الوغى «2» لكنّهم ... لما اصطلوا نار المظفّر ذابوا والقصيدة أطول من هذا، وكلّها على هذا النّموذج. ولمّا انهزم شبل الدولة نصر بن صالح المذكور الى حلب وملكها، طمع صاحب أنطاكية الرومىّ في حلب،

وجمع الروم وسار اليها وأحاط بها وقاتل أهلها؛ فكبسه شبل الدولة نصر المذكور من داخلها ومعه أهل البلد فقتلوا معظم أصحابه؛ وانهزم ملكهم صاحب أنطاكية اليها في نفر يسير من أصحابه، وغنم نصر أموالهم وعساكرهم. وقيل: كبسه نصر المذكور على إعزاز «1» فغنم منه أموالا عظيمة. وسرّ الظاهر هذا بنصرة نصر لكون الإسلام يجمع بينهما. وكان المتغلّبون على البلاد في أيّام الظاهر كثيرين جدا، وذلك لصغر سنّه وضعف بدنه. ووقع له في أيّامه خطوب قاساها إلى أن توفّى بالقاهرة «2» فى يوم الأحد النصف من شعبان سنة سبع وعشرين وأربعمائة، وعمره إحدى وثلاثون سنة. وكانت ولايته على مصر ستّ عشرة سنة وتسعة أشهر. وتولّى الملك بعده ابنه أبو تميم معدّ، ولقب بالمستنصر وسنه ثمانى سنين؛ وقام علىّ بن أحمد الجرجرائىّ الوزير بالأمر، وأخذ له البيعة، وقرّر للجند أرزاقهم، واستقامت الأحوال. وكانت وفاة الظاهر بعلّة الاستسقاء، طالت به نيّفا وعشرين سنة من عمره. قلت: ولهذا أشرنا أنه كان كثرة من تغلب عليه لضعف بدنه وصغر سنه. وكان الظاهر جوادا ممدّحا سمحا حليما محببا للرعيّة، ولا بأس به بالنسبة لآبائه وأجداده. وهو الذي بنى قصر اللؤلؤة عند باب القنطرة، وهو من القصور المعدودة بالقاهرة، وصار يتنزّه به هو ومن جاء بعده من خلفاء مصر من ذرّيته وأقاربه، وكان التوصل الى القصر من باب مراد «3» ، وصار الخلفاء يقيمون به في أيّام النيل.

ما وقع من الحوادث سنة 412

ودام أمر هذا القصر مستقيما إلى أن وقع الغلاه بالدّيار المصريّة في زمن المستنصر، وذهب من محاسن القاهرة شىء كثير من عظم الغلاء والوباء؛ كما سيأتى ذكره إن شاء الله في محلّه. *** [ما وقع من الحوادث سنة 412] السنة الأولى من ولاية الظاهر لإعزاز دين الله على مصر وهى سنة اثنتى عشرة وأربعمائة. فيها وقّع بين سلطان الدولة وبين مشرّف الدولة بن بويه، واستفحل في الآخر أمر مشرّف الدولة، وخطب له ببغداد في المحرّم، وخوطب بشاهنشاه مولى أمير المؤمنين، وقطعت الخطبة لسلطان الدولة من بغداد. وفيها لم يحجّ أحد من العراقيّين ولا في الماضية. فقصد الناس يمين الدولة محمود بن سبكتكين وقالوا له: أنت سلطان الإسلام وأعظم ملوك الأرض، وفي كلّ سنة تفتح من بلاد الكفر ما تحبّه، والثواب في فتح طريق الحجّ أعظم، وقد كان الأمير بدر بن حسنويه، وما في أمرائك إلّا من هو أكبر منه [شأنا «1» ] ، يسيّر الحاجّ بماله وتدبيره عشرين سنة. فتقدّم ابن سبكتكين إلى قاضيه أبى محمد الناصحىّ بالتأهب للحجّ ونادى في أعمال خراسان بالحجّ، وأطلق للعرب ثلاثين ألف دينار سلّمها الى الناصحىّ المذكور غير ما للصدقات؛ فحجّ بالناس أبو الحسن الأقساسىّ. فلمّا بلغوا فيد «2» حاصرتهم العرب؛ فبذل لهم القاضى الناصحىّ خمسة آلاف دينار؛ فلم يقنعوا وصمّموا على أخذ الحاجّ؛ فركب رأسهم «3» جماز بن عدى وقد انضم عليه ألفا رجل من بنى نبهان،

وأخذ بيده رمحا وجال حول الحاجّ، وكان في السّمرقندييّن غلام يعرف بابن عفّان، فرماه بسهم فسقط منه ميتا وهرب جمعه، وعاد الحاجّ في سلامة. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن أحمد أبو «1» سعيد المالينىّ «2» الصوفىّ الحافظ، سافر إلى الأقطار، وسمع خلقا كثيرا، وصنّف وصحب المشايخ، وكان يقال له طاوس الفقهاء. وفيها توفّى الحسن بن علىّ أبو علىّ الدقّاق النيسابورىّ أحد المشايخ، كان صاحب حال ومقال. قال القشيرىّ: سمعت الأستاذ أبا علىّ الدقّاق يقول في قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم:" من تواضع لغنىّ لأجل دنياه ذهب ثلثا دينه" قال: لأنّ المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا خدمه بأركانه وتواضع له بلسانه ذهب ثلثا دينه، فإن خدمه بقلبه ذهب الكلّ. وفيها توفّى محمد بن أحمد بن محمد أبو الحسن بن رزقويه البغدادىّ البزّاز، ولد سنة خمس وعشرين وثلثمائة، ودرس الفقه، وسمع الحديث فأكثر؛ وكان ثقة صدوقا كثير السماع حسن الاعتقاد جميل المذهب. وفيها توفّى محمد بن الحسين بن محمد بن موسى أبو عبد الرّحمن السّلمىّ النيسابورىّ الحافظ الكبير شيخ شيوخ الدنيا في زمانه، طاف الدنيا شرقا وغربا، ولقى الشيوخ الأبدال، وإليه المرجع في علوم الحقائق والسير وغيرها، وله المصنفات الحسان. وفيها توفّى محمد بن عمر أبو بكر العنبرىّ الشاعر، مات يوم الخميس ثانى عشر جمادى الأولى ببغداد.

ما وقع من الحوادث سنة 413

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وستّ عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وثلاث أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 413] السنة الثانية من ولاية الظاهر لإعزاز دين الله على مصر وهى سنة ثلاث عشرة وأربعمائة. فيها وقع الصلح بين سلطان الدولة بن بهاء الدولة بن بويه وبين أخيه مشرّف الدولة على يد الأوحد أبى محمد وزير سلطان الدولة، وخطب لسلطان الدولة ببغداد كما كان أوّلا قبل الخلاف. وفيها توفّى علىّ بن عيسى بن سليمان أبو الحسن القاضى المعروف بالسكرىّ الفارسىّ، مولده في صفر ببغداد سنة سبع وثلثمائة، كان فاضلا عالما مات في شعبان رحمه الله. وفيها توفّى علىّ بن هلال الإمام الأستاذ أبو الحسن صاحب الخطّ المنسوب الفائق المعروف بابن البوّاب. كان أبوه بوّابا لبنى بويه، وقرأ هو القرآن وتفقّه وفاق أهل عصره في الخطّ المنسوب، حتى شاع ذكره شرقا وغربا. ومن شعر أبى العلاء المعرّى من قصيدة: [الطويل] ولاح هلال مثل نون أجادها ... بماء النّضار الكاتب ابن هلال يعنى بابن هلال ابن البوّاب هذا. وقال هلال ابن الصابئ: دخل أبو الحسن البتّىّ «1» دار فخر الملك «2» ، فوجد ابن البوّاب هذا جالسا على عتبة الباب ينتظر خروج

ما وقع من الحوادث سنة 414

فخر الملك، فقال له: جلوس الأستاذ في العتب، رعاية للنسب «1» . فغضب ابن البواب وقال: لو كان لى الأمر ما مكنت مثلك من الدخول؛ فقال البتّىّ: حتى لا يترك الشيخ صنعته. انتهى. وقد قال فيه بعضهم: [البسيط] هذا وأنت ابن بوّاب وذو عدم ... فكيف لو كنت ربّ الدار والمال وفيها توفّى محمد بن [محمد «2» بن] النعمان أبو عبد الله فقيه الشيعة وشيخ الرافضة وعالمها ومصنّف الكتب في مذهبها. قرأ عليه الرضى والمرتضى وغيرهما من الرافضة، وكان له منزلة «3» عند بنى بويه وعند ملوك الأطراف الرافضة. قلت: كان ضالّا مضلّا هو ومن قرأ عليه ومن رفع منزلته؛ فإن الجميع كانوا يقعون في حقّ الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين؛ عليهم من الله ما يستحقّونه. ورثاه الشريف المرتضى «4» ؛ ولو عاش أخوه لكان أمعن في ذلك، فإنّهما كانا أيضا من كبار الرافضة. وقد تكلّم أيضا في بنى بويه أنّهم كانوا يميلون إلى هذا المذهب الخبيث؛ ولهذا نفرت القلوب منهم، وزال ملكهم بعد تشييده. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 414] السنة الثالثة من ولاية الظاهر لإعزاز دين الله على مصر وهى سنة أربع عشرة وأربعمائة.

فيها دخل مشرّف الدولة بن بهاء الدولة إلى بغداد، وتلقّاه الخليفة في زبزب بأبّهة الخلافة؛ ولم يكن القادر لقى أحدا من الملوك قبله. وفيها ورد كتاب السلطان يمين الدولة محمود بن سبكتكين على الخليفة القادر أنه أوغل في بلاد الهند. وعنوان الكتاب:" عبد مولانا أمير المؤمنين وصنيعته محمود بن سبكتكين". وفيها عادت دولة بنى أميّة إلى الأندلس بعد أن انقطعت سبع سنين. وفيها توفّى الحسن «1» بن الفضل بن سهلان أبو محمد وزير سلطان الدولة، وهو الذي بنى [سور «2» ] الحائر بمشهد الحسين بكربلاء، وكان من كبار الشيعة، كان رافضيّا خبيثا، قبض عليه وصودر وسمل وحبس حتى مات. وفيها توفّى محمد بن أحمد أبو جعفر النسفىّ الفقيه الحنفىّ العلّامة، صاحب التصانيف ومصنّف كتاب التعليقة «3» المشهورة وغيره. كان عالما فاضلا وورعا وزاهدا مفتنّا في علوم، وكانت وفاته في شعبان. وفيها توفّى محمد بن الخضر بن عمر أبو الحسين الحمصىّ القاضى الفرضىّ، ولى القضاء بدمشق نيابة عن أبى عبد الله محمد بن الحسين النّصيبىّ، وكان نزها عفيفا. مات بدمشق في جمادى الأولى. وفيها توفّى تمّام بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن الجنيد الحافظ أبو القاسم ابن الحافظ أبى الحسين الرازىّ ثم الدمشقىّ المحدّث. ولد بدمشق سنة

ما وقع من الحوادث سنة 415

ثلاثين وثلثمائة، وسمع الكثير وحدّث. قال أبو بكر الحدّاد: «ما لقينا مثل تمام فى الحفظ والخير» . مات في المحرّم. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وثمانى أصابع. مبلغ الزيادة أربع عشرة ذراعا وأربع عشرة إصبعا: *** [ما وقع من الحوادث سنة 415] السنة الرابعة من ولاية الظاهر لإعزاز دين الله على مصر وهى سنة خمس عشرة وأربعمائة. فيها حجّ من العراقيّين أبو الحسن الأقساسىّ ومعه حسنك صاحب محمود بن سبكتكين؛ فأرسل إليه الظاهر صاحب مصر خلعا وصلة، فقبلها حسنك ثم خاف من القادر فلم يدخل بغداد؛ وكاتب القادر ابن سبكتكين فيما فعل حسنك؛ فأرسل إليه حسنك بالخلع المصريّة، فأحرقها القادر. وكان حسنك أمير خراسان من قبل ابن سبكتكين. وفيها ولى وزارة مصر للظاهر صاحب الترجمة نجيب الدولة علىّ بن أحمد الجرجرائىّ بعد موت ستّ الملك عمّة الظاهر. وفيها منع الرافضة من النوح في يوم عاشوراء؛ ووقع بسبب ذلك فتنة بين الشيعة وأهل السنّة قتل فيها خلق كثير؛ ومنع الرافضة من النوح وعيد الغدير، وأيّد الله أهل السنة، ولله الحمد. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن عمر بن الحسن أبو الفرج العدل البغدادىّ الفقيه الحنفىّ، ويعرف بابن المسلمة؛ مولده سنة سبع وثلاثين وثلثمائة، وسمع الحديث، وكان إماما عالما فاضلا صدوقا ثقة كثير المعروف، وداره مأوى لأهل العلم.

وفيها توفّى سلطان الدولة أبو شجاع بن بهاء الدولة فيروز بن عضد الدولة بويه ابن ركن الدولة الحسن بن بويه بن فنّاخسرو الديلمىّ بشيراز. وكان مدّة ملكه اثنتى عشرة سنة وأشهرا، وتولّى الملك صبيّا؛ ومات وله ثلاث وعشرون سنة. وقال صاحب مرآة الزمان: مات عن اثنتين وثلاثين سنة. انتهى. قلت: وكان في مدّة ملكه وقع له حروب كثيرة مع أخيه مشرّف الدولة وخطب له ببغداد ثم اصطلحا، حسب ما ذكرناه؛ وخطب لمشرّف الدولة على عادته الى أن توفّى سلطان الدولة هذا. وفيها توفّى عبد الله بن عبد الله بن الحسين أبو القاسم الخفّاف، كان يعرف بابن النقيب البغدادىّ، رأى الشّبلىّ وغيره، وسمع الكثير وكان سماعه صحيحا، وكان شديدا في السنة؛ ولما مات ابن المعلم فقيه الشيعة جلس رضى الله عنه للتهنئة؛ وقال: ما أبالى أىّ وقت متّ بعد أن شاهدت موته. وأقام عدّة سنين يصلّى الفجر بوضوء العشاء الآخرة. قلت: ومما يدلّ على دينه وحسن اعتقاده بغضه للشيعة عليهم الخزىّ. ولو لم يكن من حسناته إلّا ذلك لكفاة عند الله. وفيها توفّى محمد بن الحسن الشريف أبو الحسن الأقساسىّ العلوىّ. هو من ولد زيد بن علىّ بن الحسين رضى الله عنه. حجّ بالناس من العراق سنين كثيرة نيابة عن المرتضى، وكان فاضلا شاعرا فصيحا، وهو أيضا من كبار الشيعة. وفيها توفّى الأمير أبو طاهر بن دمنة صاحب آمد من ديار بكر. كان قتل ابن مروان صاحب ميّا فارقين وقتل عبد البر شيخ آمد واستولى عليهما من سنة سبع وثمانين وثلثمائة الى هذه السنة. وكان يصانع ممهد الدولة بن مروان، وأيضا يصانع شروة. فلمّا قتل شروة ممهد الدولة وولى أخوه أبو منصور، طمع هذا فى البلاد واستفحل أمره.

ما وقع من الحوادث سنة 416

وفيها توفّى أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل الضبىّ [أبو الحسن «1» ] المحاملىّ «2» الفقيه الشافعىّ، كان تفقّه بأبى حامد الإسفراينى وغيره، وكان إماما فقيها مصنّفا، مات في شهر ربيع الأول. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وخمس أصابع. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا سواء. *** [ما وقع من الحوادث سنة 416] السنة الخامسة من ولاية الظاهر لإعزاز دين الله على مصر وهى سنة ستّ عشرة وأربعمائة. فيها توفى في شهر ربيع الآخر السلطان مشرّف الدولة أبو على الحسن ابن السلطان أبى نصر فيروز بهاء الدولة ابن السلطان عضد الدولة بويه ابن السلطان ركن الدولة الحسن بن بويه الديلمىّ. واستقر الأمر بعد موته على تولية جلال الدولة أبى طاهر، فخطب له على منابر بغداد وهو بالبصرة، وخلع على شرف الملك «3» أبى سعيد «4» بن ماكولا وزيره، ولقّبه علم الدين سعد الدولة أمين الملة شرف الملك. قلت: وهذا ثانى لقب سمعناه من اسم مضاف إلى الدين. وأوّل ما سمعنا من هذه الألقاب لقب بهاء الدولة بن بويه" ركن الدين". قلنا: لعل ذلك كان تعظيما في حقّه لكونه سلطانا، فيكون هذا على هذا الحكم هو أوّل لقب لقّب به في الإسلام؛ والله أعلم. ومن يومئذ ظهرت الألقاب وتغالت فيها الأعاجم، حتّى إنّهم لم يدعوا شيئا إلا وأضافوا الدين له، حتى اشتهر ذلك وشاع وسمّى به كلّ أحد حتى الأسالمة «5» ،

فمنهم من يسمى جلال الدين، وسعد الدين، وجمال الدين، فلا قوة إلا بالله. وحقّ المغاربة في حنقهم ممن يلقّب بهذه الألقاب. وأنا بالله أحلف لو ملكت أمرى ما لقّبت بجمال الدين ولا غيره، وأكره من يسمينى بذلك ولا أقدر على تغيير الاصطلاح. وهذا لا يكون إلّا من ولىّ أمر أو حاكم بلدة. وقد خرجنا عن المقصود فنعود إلى ذكر مشرّف الدولة. ومات مشرّف الدولة وله ثلاث وعشرون سنة وثلاثة أشهر وأربعة عشر يوما. وكانت مدّة ملكه خمس سنين وشهرا وخمسة وعشرين يوما. وكان شجاعا مقداما جوادا، إلا أنّه كان يميل إلى الشيعة على عادة آبائه وأجداده ميلا ليس بذاك، وينصر أهل السنة في بعض الأحيان. وكل ملوك بنى بويه كانوا على ذلك، غير أنهم كانوا يميلون في الباطن للشيعة. والله أعلم بحالهم. وفيها توفّى عبد الرّحمن بن عمر بن محمد بن سعيد أبو محمد التّجيبىّ المصرىّ البزّار، المعروف بابن النحاس، مسند ديار مصر في وقته. مولده ليلة النحر سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة، ومات في عاشر صفر. وفيها توفّى علىّ بن محمد أبو الحسن التّهامىّ الشاعر المشهور، كان من الشعراء المجيدين، وشعره في غاية الحسن. قدم القاهرة مستخفيا ومعه كتب كثيرة من حسّان بن المفرّج البدوىّ وهو متوجّه إلى بنى قرّة، فظفروا به فاعتقل بخزانة البنود في سادس عشرين شهر ربيع الآخر، ثم قتل سرّا في سجنه في تاسع جمادى الأولى. والتهامىّ بكسر التاء المثناة من فوقها وفتح الهاء وبعد الألف ميم، هذه النسبة الى تهامة، وهى تطلق على مكّة حرسها الله. ومن شعر التهامىّ من جملة قصيدة: [السريع] قلت لخلّى وثغور الرّبا ... مبتسمات وثغور الملاح أيّهما أحلى ترى منظرا ... فقال لا أعلم كلّ أقاح

ما وقع من الحوادث سنة 417

وله بيت بديع من جملة قصيدة: [الكامل] وإذا جفاك الدهر وهو أبو الورى ... طرّا فلا تعتب على أولاده وفيها توفّى محمد بن يحيى بن أحمد بن الحذّاء أبو عبد الله القرطبىّ الحافظ المحدّث العلامة، سمع الكثير وروى الحديث، وكتب وصنّف، ومات في شهر رمضان. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وأربع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 417] السنة السادسة من ولاية الظاهر لإعزاز دين الله على مصر وهى سنة سبع عشرة وأربعمائة. فيها عاد جلال الدولة إلى البصرة، وقبض على وزيره أبى سعيد عبد الواحد بن أحمد بن جعفر بن ماكولا وعلى أبى «1» علىّ ابن عمه. ثمّ جرت أسباب استوجبت إطلاق ابن عمه؛ واستوزه جلال الدولة ولقّبه يمين الدولة وزير الوزراء، وخلع عليه. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن عبد الله بن العباس بن محمد بن عبد الملك بن أبى الشوارب أبو الحسن القرشىّ الأموىّ قاضى القضاة، كان عفيفا جليلا. قال القاضى أبو العلاء «2» : ما رأينا مثله جلالة وصيانة وشرفا. وفيها توفّى محسّن بن عبد الله بن محمد أبو القاسم التنوخىّ اللغوىّ القاضى الحنفىّ، ولد يوم الأحد الثامن والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة تسع وأربعين وثلثمائة، وقدم دمشق مجتازا إلى الحجّ، فأدركه أجله في الطريق في ذى القعدة، فحمل إلى

ما وقع من الحوادث سنة 418

مدينة النّبيّ صلى الله عليه وسلم ودفن بالبقيع. وكان من أوعية العلم، وله مصنّفات كثيرة وشعر جيّد؛ من ذلك: [الطويل] وكلّ أداريه على حسب حاله ... سوى حاسدى فهى التى لا أنالها وكيف يدارى المرء حاسد نعمة ... إذا كان لا يرضيه إلا زوالها وفيها توفّى عبد الله بن أحمد الإمام أبو بكر المروزىّ القفّال شيخ الشافعيّة بخراسان، كان يعمل الأقفال وحذق في عملها حتّى صنع قفلا بآلاته ومفتاحه وزن أربع حبّات. فلما صار ابن ثلاثين سنة اشتغل بالعلم وتفقّه حتّى برع فيه وفاق أقرانه. ومات في جمادى الآخرة وله تسعون سنة. وفيها توفّى علىّ بن أحمد بن عمر بن حفص أبو الحسن بن الحمّامىّ، كان إماما محدّثا كبير الشأن، سمع وحدّث، ومات في شعبان عن تسع وثمانين سنة. وفيها توفّى، فى قول الذهبىّ، عمر بن أحمد بن إبراهيم بن عبدويه أبو حازم الهذلىّ العبدوىّ «1» الحافظ الكبير الرحّال، سمع الحديث وحدّث، وروى عنه غير واحد، ومات بنيسابور. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وأربع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وسبع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 418] السنة السابعة من ولاية الظاهر لإعزاز دين الله على مصر وهى سنة ثمانى عشرة وأربعمائة.

فيها خطب لجلال الدولة على المنابر ببغداد بعد أن منع الأتراك من ذلك وخطبوا لأبى كاليجار. وفيها ورد كتاب للسلطان محمود بن سبكتكين على الخليفة القادر يخبر بما فتح من البلاد من أرض الهند، وكسره الصنم المعروف بسومنات «1» . وفيها توفّى الحسين بن علىّ بن الحسين أبو القاسم الوزير المغربىّ، ولد بمصر فى ذى الحجّة سنة سبعين وثلثمائة، وهرب منها لمّا قتل الحاكم أباه عليّا وعمّه محمدا. وقيل: إن أباه وزر للعزيز بمصر ثم للحاكم ابنه. وهرب الحسين هذا للعراق، وخدم بنى بويه، ووقع له بالشرق أمور، ووزر لغير واحد من ملوك الشرق. وكان فاضلا عاقلا شاعرا شهما شجاعا كافيا في فنّه، حتى قيل: إنّه لم يل الوزارة لخليفة ولا ملك أكفى منه. ومن شعره قوله: [المجتث] الدهر سهل وصعب ... والعيش مرّ وعذب فاكسب بمالك حمدا ... فليس للحمد كسب وما يدوم سرور ... فآختم وطينك رطب وفيها توفّى عبد الرّحمن بن هشام القرشىّ الأموىّ صاحب الأندلس، الذي كان لقّب نفسه في سنة أربع عشرة وأربعمائة بالمستظهر والمستكفى والمعتمد؛ وعاد ملك بنى أميّة إلى الأندلس بسببه؛ فلما كان في هذه السنة وثب الجند عليه فقتلوه؛ وانقطعت ولاية بنى أمية عن الأندلس إلى سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة.

وكانت ولاة الأندلس من بنى أميّة أربعة عشر على عدد أسلافهم، ومدّة سنينهم مائتان وثمانون سنة، فأوّلهم عبد الرّحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم أبو المطرّف الملقّب بالداخل، لكونه دخل المغرب؛ بويع سنة تسع وثلاثين ومائة في أيّام أبى جعفر المنصور العباسىّ. ثمّ ولى بعده ابنه هشام في سنة اثنتين وسبعين. ثم ولى بعده ابنه الحكم بن هشام بن عبد الرّحمن في سنة ثمانين ومائة. ثم ولى بعده ابنه عبد الرّحمن بن الحكم في سنة ستّ وثمانين ومائة. ثم ولى بعده ابنه محمد في سنة ثمان وثلاثين ومائتين. ثم ولى بعده ابنه المنذر بن «1» محمد سنة ثلاث وسبعين ومائتين ومات سنة خمس وسبعين، ولم يكن له ولد؛ فولى عبد الله ابن محمد بن عبد الرّحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرّحمن الداخل. ثم ولى بعده ابنه عبد الرّحمن سنة ثلثمائة. ثم ولى بعده الحكم بن عبد الرّحمن سنة ثمان وخمسين وثلثمائة. ثم ولى بعده ابنه هشام سنة «2» سبعين وثلثمائة ومات سنة تسع وتسعين وثلثمائة بعد أن تغلّب عليه محمد بن هشام بن عبد الجبّار الملقّب بالناصر لدين الله؛ ثم غلب عليه سليمان بن الحكم. ثم ولى هشام بن الحكم بن عبد الرّحمن، ثم وقع خباط كبير؛ على ما يأتى ذكره في محلّه إن شاء الله. وفيها توفّى الشريف أبو الحسن علىّ ابن طباطبا العلوىّ، كان فاضلا شاعرا فصيحا، مات ببغداد في ذى القعدة، وكان على مذهب القوم. وفيها توفّى إبراهيم بن محمد بن إبراهيم أبو إسحاق الإسفراينىّ الأصولىّ المتكلّم الفقيه الشافعىّ إمام أهل خراسان ركن الدين، وهو أوّل من لقّب من الفقهاء. كان

ما وقع من الحوادث سنة 419

إماما مفتنّا له التصانيف المشهورة، وكانت وفاته يوم عاشوراء بنيسابور. وقد تقدّم أن الألقاب ما تداول تسميتها إلّا من الأعاجم لحبّهم للرياسة «1» والتعظيم كما هى عادتهم. وفيها توفّى معمر بن أحمد بن محمد بن زياد أبو منصور الأصبهانىّ الزاهد، كان من كبار المشايخ، وله قدم هائلة «2» فى الفقه والصلاح. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وثلاث عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 419] السنة الثامنة من ولاية الظاهر لإعزاز دين الله على مصر وهى سنة تسع عشرة وأربعمائة. فيها ولّى الظاهر أمر دمشق لأمير الجيوش الدزبرىّ، وكان شجاعا شهما واسمه أبو منصور أنوشتكين التركىّ. وفيها توفّى محمد بن عمر بن يوسف أبو عبد الله بن الفخّار القرطبىّ المالكىّ الحافظ عالم الأندلس في عصره، سمع الحديث وحدّث وحجّ وجاور بالمدينة وأفتى بها، وكان إماما عالما زاهدا ورعا متقشّفا عارفا بمذاهب الأئمة وأقوال العلماء، يحفظ المدوّنة حفظا جيدا. وفيها توفّى حمزة بن إبراهيم أبو الخطاب، كان بلغ من بهاء الدولة بن بويه منزلة عظيمة لم يبلغها غيره، كان يعلّمه النجوم. وكان حاكما على الدولة والوزراء، والقوّاد يخافونه، وما كان يقنع من الوزراء بالقليل. ولما فتح فخر الملك قلعة سابور حمل إليه مائة ألف دينار فاستقلّها؛ وما كان بهاء الدولة يخالفه أبدا.

وفيها توفّى عبد المحسن بن محمد بن أحمد غالب بن غلبون أبو محمد الصورىّ الشاعر المشهور. كان أبو الفتيان بن حيّوس مغرى بشعره، ويفضّله على أبى تمّام والبحترىّ والمتنبى؛ فقال أبو العلاء المعرّى:" الأمراء لا يناظرون" (يعنى أنّه ليس فى هذا المقام) . وكان أبو الفتيان يقول: إن أغزل ما قيل قول جرير: [البسيط] إنّ العيون التى في طرفها حور ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا يصرعن ذا اللّب حتّى لا حراك به ... وهنّ أضعف خلق الله إنسانا وقال الصورىّ أغزل منهما، وهو قوله: [الرمل] بالذى ألهمّ تعذي ... بى ثناياك العذابا ما الذي قالته عينا ... ك لقلبى فأجابا قلت: وقال غير ابن حيّوس: إن أرقّ ما قيل قول القائل: [الطويل] عيون عن السحر المبين تبين ... لها عند تحريك القلوب سكون إذا أبصرت قلبا خليّا من الهوى ... تقول له كن مغرما فيكون ومن شعره أيضا: [المتقارب] صددت فكنت مليح الصدود ... وأعرضت أفديك من معرض ومن كان في سخطه محسنا ... فكيف يكون إذا ما رضى وله أيضا: [الكامل] [و «1» ] تريك نفسك في معاندة الورى ... رشدا ولست إذا فعلت براشد شغلتك عن أفعالها أفعالهم ... هلّا اقتصرت على عدوّ واحد

ما وقع من الحوادث سنة 420

وفيها توفّى محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلد الفقيه أبو الحسن البغدادىّ الحنفىّ، ولد سنة تسع وعشرين وثلثمائة، وسمع الكثير ورواه، وكان يتّجر وله مال عظيم، صادره ملوك بنى بويه حتى افتقر، ومات فلم يكفّن حتّى بعث إليه الخليفة كفنا. ومات ولم يكن في زمانه أعلى سندا منه. وكان صدوقا صالحا ثقة فقيها فاضلا عالما. وفيها توفّى أبو الفوارس قوام الدولة بن بهاء الدولة فيروز بن عضد الدولة بويه بن ركن الدولة الحسن بن بويه الديلمىّ. كان عزم على نقض الصلح بينه وبين أخيه أبى كاليجار فعاجلته منيّته فمات في ذى القعدة، وحمل تابوته الى شيراز فدفن في تربة عماد الدولة بن بويه. وفيها هلك قسطنطين أخو بسيل ملك الروم، وبعد موته انتقل الملك إلى بنت له وزوجها، وهو ابن خالها، يسمى أرمانوس، ولم يكن من بيت الملك، وجعلت ولاية العهد في أرمانوس المذكور، ولبس الخفّ الأحمر، وتسمّى قيصرا. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وأربع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 420] السنة التاسعة من ولاية الظاهر لإعزاز دين الله على مصر وهى سنة عشرين وأربعمائة. فيها وقع بالعراق برد في الواحدة مائة وخمسون رطلا كانت كالثور النائم، ونزلت فى الأرض مقدار ذراع؛ قاله أبو المظفر في مرآة الزمان.

وفيها فسد الأمر بين قرواش صاحب الموصل وبين أبى «1» نصر بن مروان صاحب ميّافارقين. وسببه أن قرواشا كان تزوّج ببنت أبى نصر المذكور فأقامت عنده مدّة، ثمّ هجرها؛ فطلبها أبو نصر فنقلها إليه، وهذا أوّل الشر. وفيها توفّى على بن عيسى بن الفرج «2» أبو الحسن الرّبعىّ صاحب أبى علىّ الفارسىّ، قرأ الأدب ببغداد على السّيرافىّ، وخرج الى شيراز ودرس بها النحو على الفارسىّ عشرين سنة، ثم عاد الى بغداد وأقام بها باقى عمره. خرج يوما يمشى على جانب الشطّ، فرأى الشريف الرضى والمرتضى في سفينة ومعهما عثمان بن جنىّ النحوىّ، فصاح أبو الحسن: من أعجب أحوال الشريفين أن يكون «عثمان» جالسا فى صدر السفينة «وعلى» يمشى على الحافة؛ فضحكا وقالا: باسم الله. قلت: وهذا مما يدل على أن الرضى والمرتضى كانا يصرّحان بالرفض. وفيها توفّى الأستاذ الأمير المختار عزّ الملك محمد بن أبى القاسم عبد الله بن أحمد ابن إسماعيل بن عبد العزيز المعروف بالمسبّحىّ الكاتب، الحرانىّ الأصل المصرىّ المولد والمنشأ، صاحب التاريخ المشهور وغيره من المصنّفات. قال ابن خلكان: «كانت فيه فضائل ولديه معارف، ورزق حظوة في التصانيف، واتصل بخدمة الحاكم العبيدىّ. قال: وتاريخه ثلاثة عشر ألف ورقة» انتهى. قلت: وله عدّة تصانيف أخر. مات في شهر ربيع الآخر. والمسبحى: بضم الميم وفتح «3» السين المهملة وكسر الباء الموحدة ثانية الحروف وفي آخرها حاء مهملة. قال السمعانىّ: هذه النسبة إلى الجدّ.

ما وقع من الحوادث سنة 421

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا سواء. *** [ما وقع من الحوادث سنة 421] السنة العاشرة من ولاية الظاهر لإعزاز دين الله على مصر وهى سنة إحدى وعشرين وأربعمائة. فيها عملت الرافضة النّوح في يوم عاشوراء بالكرخ، ووقع بينهم وبين أهل السنّة وقعة قتل فيها جماعة من الفريقين. وفيها خطب للأمير أبى سعيد مسعود بن محمود بن سبكتكين بعد موت أبيه بأرمينية والأطراف. وفيها عاد جلال الدولة إلى بغداد من واسط. ولم يحجّ أحد من العراقيّين فى هذه السنة، وحجّ الناس من مصر وغيرها. وفيها توفّى أحمد بن عبد الله بن أحمد أبو الحسن ويعرف بابن الدان «1» ، أصله من الجزيرة وسكن دمشق، وكان يعظ، وكان صاحب مقالات وكرامات، وهو معدود من المشايخ. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن العاص بن أحمد بن سليمان بن عيسى بن درّاج أبو عمر القسطلّىّ الشاعر المشهور. قال ابن حزم: كان عالما بنقد الشعر، لو قلت إنه لم يكن بالأندلس أشعر من ابن درّاج لم أبعد. وهو من مدينة قسطلّة درّاج،

وقيل هو اسم ناحية. وكان من كتّاب الإنشاء في أيّام المنصور بن أبى عامر. ومن شعره من جملة قصيدة طويلة: [الطويل] أضاء لها فجر النّهى فنهاها ... عن المدنف المضنى بحرّ هواها وضلّلها صبح جلا ليله الدجى «1» ... وقد كان يهديها إلىّ دجاها وفيها توفى السلطان يمين الدولة أبو القاسم محمود بن سبكتكين [ابن «2» ] الأمير ناصر الدولة أبى منصور صاحب غزنة وغيرها. كان السلطان محمود هذا يلقّب قبل السلطنة بسيف الدولة، وكان من عظماء ملوك الدنيا، وفتح عدّة بلاد من الهند وغيرها، واتسعت مملكته [حتّى بلغت أوقافه «3» عشرة آلاف قرية، وامتلأت خزائنه من أصناف الأموال والجواهر] ؛ وكان ديّنا خيّرا متعبّدا فقيها على مذهب أبى حنيفة. وما حكاه ابن خلكان من قصّة القفّال في صلاة الحنفيّة بين يدى ابن سبكتكين المذكور ليس لها صحّة؛ يعرف ذلك من له أدنى ذوق من وجوه عديدة؛ فإنّ محمودا المذكور كان قد قرأ في ابتداء أمره وبرع في الفقه والخلاف وصار معدودا من العلماء، وصنّف كتابا في فقه الحنفيّة قبل سلطنته بمدّة سنين، وذلك قبل أن يشتهر القفّال. فمن يكون بهذه المثابة لا يحتاج الى من يعرّفه الصلاة على المذاهب الأربعة بل ولا غيرها؛ وأصاغر الفقهاء من طلبة العلم يعرفون الخلاف في مثل هذه المسألة. وأيضا حاشا القفّال من أن يقع في مثل هذه القبائح من كشف العورة والضراط فى الملأ وتحكيم رجل نصرانىّ في قراءة كتب المذهبيين والافتراء على مذهب الإمام

ما وقع من الحوادث سنة 422

الأعظم أبى حنيفة؛ وما ثمّ أمر يحتاج الى ذلك ولا ألجأت الضرورة الى أن يفعل بعض ما قيل عنه. وإنما محمود بن سبكتكين رجل من المسلمين لا يزيد في الحنفيّة ولا ينقص من الشافعيّة؛ ولعلّ بعض الفقراء يكون أفضل منه عند الله تعالى. وهأنا لم أكن مثل القفّال في كثرة علومه بل ولا أصاغر تلامذته، لو قيل لى: افعل بين يدى السلطان بعض ما قيل عن القفّال لا أرضى بذلك، ولا ألتفت الى السلطان ولا الى غيره، ولا أهزأ بصلاة مسلم كائن من كان. فهذا كله موضوع على القفّال من أهل التحامل والتعصّب. فنعوذ بالله من الاستخفاف بالعلماء والوقوع في حقّهم، ونسأل الله السلامة في الدين. وكانت وفاة السلطان محمود في جمادى الأولى من هذه السنة، رحمه الله تعالى. وتولّى بعده الملك ابنه مسعود بن محمود الآتى ذكره. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وثلاث وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وستّ أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 422] السنة الحادية عشرة من ولاية الظاهر لإعزاز دين الله على مصر وهى سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة. فيها قتل أبو [علىّ «1» ] الحسن [بن «2» ] علىّ بن ماكولا بالأهواز، قتله غلام له يعرف بعدنان، كان يجتمع مع امرأة في داره، ففطن بهما، فعلما بذلك فخافا منه، وساعدهما فرّاش كان في داره، فغمّوه بشىء وعصروا خصاه حتّى مات، وأظهروا أنه مات فجأة؛ فأخذ الغلام والفرّاش وضربا فأقرّا بما وقع من أمره، فصلبا وحبست المرأة فى دار.

وفيها أخذ ملك الروم مدينة الرّها. وفيها ولد بمدينة إسكاف «1» ولد له رأس وبقيّة بدنه كالحيّة، فنطق ساعة مولده وقال: الناس تحت غضب منذ أربع سنين، والواجب أن يخرجوا فيستسقوا «2» ليكشف عنهم البلاء. فكتب قاضى «3» إسكاف للخليفة بذلك، فاجتمع الناس واستسقوا فلم يسقوا. وفيها توفّى الخليفة القادر بالله أمير المؤمنين أبو العباس أحمد ابن الأمير أبى أحمد إسحاق ابن الخليفة جعفر المقتدر ابن الخليفة المعتضد أحمد ابن الأمير أبى أحمد طلحة الموفق ابن الخليفة جعفر المتوكّل ابن الخليفة محمد المعتصم ابن الخليفة الرشيد هارون ابن الخليفة المهدىّ محمد ابن الخليفة أبى جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علىّ بن عبد الله بن عبّاس بن عبد المطّلب الهاشمىّ العباسىّ البغدادىّ. بويع بالخلافة بعد القبض على الطائع عبد الكريم في حادى عشر شهر رمضان سنة إحدى وثمانين وثلثمائة، ومولده في سنة ستّ وثلاثين وثلثمائة. وأمّه أمّ ولد تسمى يمنى، ماتت في خلافته. وتوفّى ليلة الاثنين حادى عشر ذى الحجّة، ودفن ليلة الثلاثاء بين المغرب والعشاء. وكانت خلافته إحدى وأربعين سنة وثلاثة أشهر؛ وهو أطول الخلفاء العبّاسيّة مدّة، لا نعلم خليفة أقام في الخلافة هذه المدّة من بنى العبّاس ولا غيرهم إلا المستنصر معدّا العبيدىّ الآتى ذكره، فإنه أقام في خلافة مصر ستيّن سنة. وتخلّف بعد القادر ابنه أحمد ولقّب بالقائم بأمر الله. وكان القادر- رحمه الله- أبيض كثّ اللحية يخضب؛ وكان ديّنا خيّرا حسن الاعتقاد أمّارا بالمعروف فاضلا. صنّف

ما وقع من الحوادث سنة 423

كتبا كثيرة في فنون من العلم، منها كتاب في أصول الدين، وكتاب في فضائل الصحابة وعمر بن عبد العزيز، وكتاب كفّر فيه القائلين بخلق القرآن. وكان كثير الصيام والصدقات، رحمه الله تعالى. وفيها توفّى عبد الوهاب بن علىّ بن نصر بن أحمد القاضى أبو محمد البغدادىّ المالكىّ الفقيه، سمع الحديث وروى عنه غير واحد، وكان شيخ المالكيّة فى عصره وعالمهم؛ وصنّف كتاب «التلقين» وشرح الرسالة وغير ذلك. وفيها توفّى يحيى بن نجاح أبو الحسين بن القلّاس الأموىّ مولاهم القرطبىّ. رحل الى البلاد وسمع الكثير وحجّ واستوطن مصر. وكان عالما ورعا ديّنا. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وستّ أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 423] السنة الثانية عشرة من ولاية الظاهر لإعزاز دين الله على مصر وهى سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة. فيها بعث الظاهر صاحب الترجمة بكسوة الكعبة فكسيت. وفيها لم يحجّ أحد من العراق ولا من خراسان وحجّ الناس من مصر. وفيها رأى رجل من أهل أصبهان في النوم أن شخصا وقف على منارة أصبهان وقال:" سكت «1» نطق، نطق سكت". فآنتبه وجكى للناس، فما عرف أحد معناه؛ فقال رجل: يأهل أصبهان، احذروا فإن أبا العتاهية الشاعر يقول: سكت الدهر زمانا عنهم ... ثم أبكاهم دما حين نطق

فما كان بعد ذلك إلا قليل، ودخل عسكر مسعود بن محمود بن سبكتكين ونهب البلد وقتل عالما لا يحصى. وفيها توفّى علىّ بن أحمد بن الحسن بن محمد بن نعيم أبو الحسن البصرىّ الحافظ الشاعر. قال محمد بن علىّ الصورىّ: لم أر ببغداد أكمل منه. وجمع بين معرفة الحديث وعلم الكلام والأدب والفقه والشعر. ومن شعره وأجاد: [المتقارب] إذا عطّشتك أكفّ اللئام ... كفتك القناعة شبعا وريّا فكن رجلا رجله في الثرى ... وهمّة هامته في الثريّا وفيها توفّى محمد بن الطيب بن سعيد «1» بن موسى أبو بكر الصبّاغ البغدادىّ، ولد سنة ثمان وثلاثين وثلثمائة، وسمع الكثير. قال أبو بكر الخطيب: كتبت عنه، وكان صدوقا ثقة. وقال رئيس الرؤساء أبو القاسم علىّ بن الحسن: تزوّج محمد بن الطيب زيادة على تسعمائة امرأة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو القاسم عبد الرّحمن ابن عبد الله الحربىّ الحرفىّ في شوّال وله سبع وثمانون سنة. وأبو الحسن علىّ بن أحمد النّعيمىّ المحدّث الأديب. وأبو الفضل منصور بن نصر بن عبد الرّحيم ابن بنت السّمرقندىّ الكاغدىّ في ذى القعدة، وقد قارب المائة. انتهى كلام الذهبى. وفيها كان الطاعون ببلاد الهند والعجم وعظم الى الغاية، وكان أكثره بغزنة وخراسان وجرجان والرىّ وأصبهان ونواحى الجبل الى حلوان، وامتدّ الى الموصل والجزيرة وبغداد، حتى قيل: إنّه خرج من أصبهان وحدها أربعون ألف جنازة، ثم امتدّ الى شيراز.

ما وقع من الحوادث سنة 424

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وأربع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 424] السنة الثالثة عشرة من ولاية الظاهر لإعزاز دين الله على مصر وهى سنة أربع وعشرين وأربعمائة. فيها عملت الرافضة المأتم ببغداد في يوم عاشورا على العادة، فأقام بذلك «1» العيّارون. أعنى عن الزعران «2» الذين كانوا غلبوا على بغداد، وعجزت الحكّام عنهم. وفيها توفّى أحمد بن الحسين بن أحمد أبو الحسين المعروف بابن السّماك الواعظ البغدادىّ، مولده سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة، وكان يعظ بجامع المنصور والمهدىّ ويتكلم على طريق الصوفية، وكان لكلامه رونق، غير أنهم تكلموا فيه؛ وكانت وفاته ببغداد في ذى الحجة من السنة. وفيها في المحرّم خرجوا ببغداد للاستسقاء بسبب القحط. وفيها ثار أهل الكرخ بالعيّارين فهربوا، وكبسوا دورهم ونهبوا سلاحهم، وطلبوا من السلطان المعاونة. وسبب ذلك أن العيّارين نهبوا تاجرا فغضب له أهل سوقه، فرد العيّارون بعض ما أخذوا؛ ثم كبسوا دار ابن العلواء «3» الواعظ وأخذوا ماله، ثمّ فعلوا ذلك بجماعة كثيرة، حتّى قام عليهم أهل الكرخ، ووقع بينهم بسبب ذلك قتال وحروب يطول شرحها.

ما وقع من الحوادث سنة 425

وفيها توفى أبو بكر بن محمد بن إبراهيم الأردستانىّ «1» ، كان إماما زاهدا فاضلا معدودا من كبار المشايخ، وله كرامات وأحوال. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وعشر أصابع. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وإصبعان. *** [ما وقع من الحوادث سنة 425] السنة الرابعة عشرة من ولاية الظاهر لإعزاز دين الله على مصر وهى سنة خمس وعشرين وأربعمائة. فيها هبّت بنصيبين ريح سوداء قلعت معظم شجرها، وكان بين البساتين قصر عظيم فرمته من أصله. وفيها زلزلت الرملة زلزلة هدمت ثلث مدينة الرملة، ونزل البحر مقدار ثلاثة فراسخ، فنزل الناس يصيدون السمك، فرجع عليهم فغرق من لم يحسن السباحة. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن عبد الرّحمن أبو العبّاس القاضى الأبيوردىّ، ولد سنة سبع وخمسين وثلثمائة، وتولّى القضاء بالجانبين ببغداد، وسمع الحديث ورواه؛ وكان عالما ورعا مفتنا، يصوم الدهر ويفطر على الخبز والملح، وكان فقيرا ويظهر الثروة «2» ، ومات في جمادى الأولى، ودفن بباب «3» حرب.

وفيها توفّى أحمد بن محمد [بن أحمد «1» ] بن غالب الحافظ أبو بكر الخوارزمىّ، ولد سنة ستّ وثلاثين وثلثمائة، ورحل [إلى] البلاد وسمع الكثير وحدّث، وكان إماما فى اللغة والفقه والحديث، ومات في يوم الاربعاء غرّة شهر رجب. وفيها توفّى عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث أبو الفرج التميمىّ الفقيه الحنبلىّ الواعظ، ولد سنة ثلاث وخمسين وثلثمائة، وسمع الحديث ورواه، وكان فقيها محدّثا واعظا؛ وكانت وفاته في شهر ربيع الأوّل ببغداد، ودفن عند قبر الإمام أحمد ابن حنبل رضى الله عنه. وفيها توفّى محمد بن عبد الله أبو عبد الله بن باكويه الشيرازىّ أحد مشايخ الصوفية، كان أوحد زمانه، وله كرامات وإشارات، ولقى خلقا من المشايخ وحكى عنهم، وسمع الحديث الكثير وروى عنه خلق كثير. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفى أبو بكر أحمد بن محمد ابن أحمد بن غالب البرقانىّ الحافظ في رجب وله تسع وثمانون سنة. وأبو علىّ الحسن «2» بن أبى بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان البزاز «3» فى آخر يوم من السنة، وولد فى ربيع الأوّل عام تسعة وثلاثين وثلثمائة. وأبو سعيد عبد الرّحمن بن محمد بن عبد الله ابن بندار بن شبانة «4» الهمذانىّ. وأبو الحسن عبد الرّحمن بن محمد بن يحيى الجوبرىّ «5»

ما وقع من الحوادث سنة 426

فى صفر. وأبو نصر عبد الوهّاب بن عبد الله بن عمر المرىّ الدمشقىّ. وأبو الفضل عمر بن أبى سعد ابراهيم بن إسماعيل الهروىّ الزاهد. وأبو بكر محمد بن علىّ بن إبراهيم ابن مصعب الأصبهانى التاجر. انتهى كلام الذهبىّ. وفيها وقع الطاعون بشيراز، فكانت الأبواب تسدّ على الموتى؛ ثم انتقل إلى واسط وبغداد والبصرة والأهواز وغيرها. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وخمس عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وإحدى وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 426] السنة الخامسة عشرة من ولاية الظاهر لإعزاز دين الله على مصر وهى سنة ست وعشرين وأربعمائة. فيها استولى العيّارون على بغداد وملكوا الجانبين (أعنى الحراميّة) قال: ولم يبق للخليفة ولا لجلال الدولة معهم حكم. وكان العيّارون في دور الأتراك والحواشى يقيمون نهارا ويخرجون ليلا، والأتراك والحواشى تقوم معهم في الباطن، فكانوا يخرجون ليلا ويعملون العملات، وأفسدوا وفعلوا أفعالا قبيحة، وأظهروا الإفطار في شهر رمضان نهارا، وكان ذلك كلّه بمواطأة الأتراك. وفيها ورد كتاب مسعود بن محمود بن سبكتكين على الخليفة أنّه افتتح جرجان وطبرستان، وغزا الهند وافتتح بلادا كثيرة. وفيها توفّى أحمد بن كليب الشاعر المغربىّ. قال أبو عبد الله محمد بن أبى نصر الحميدىّ «1» فى تاريخه: «كان أحمد هذا يهوى أسلم بن حمد بن سعيد قاضى قضاة

ما وقع من الحوادث سنة 427

الأندلس؛ وكان أسلم من أحسن أهل زمانه؛ فافتتن به وقال فيه الأشعار الرائقة» . ثم سكت الحميدىّ ولم يذكر ما قاله في أسلم المذكور من الأشعار. وفيها توفّى الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان أبو علىّ البزّاز «1» ، إمام محدّث مشهور من أهل بغداد، ولد سنة تسع وثلاثين وثلثمائة؛ سمع خلقا كثيرا، وكان صالحا ثقة صدوقا. وفيها توفّى الحسن بن عثمان بن أحمد بن الحسين بن سورة أبو عمر الواعظ البغدادىّ، سمع الحديث وتفقه، وكان شيخا، له لسان حلو في الوعظ، وكان له شعر على طريق القوم؛ فمنه قوله: [الطويل] دخلت على السلطان في دار عزّه ... بفقر ولم أجلب بخيل ولا رجل فقلت انظروا ما بين فقرى وملككم ... بمقدار ما بين الولاية والعزل أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وخمس عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 427] السنة السادسة عشرة من ولاية الظاهر لإعزاز دين الله على مصر وهى سنة سبع وعشرين وأربعمائة. وفيها كانت وفاته، حسب ما تقدّم في ترجمته. فيها (أعنى سنة سبع وعشرين) أرسل الظاهر قبل موته خمسة آلاف دينار، فصلّح بها نهر ينتهى الى الكوفة ويرد إليه ماء الفرات؛ وجاء أهل الكوفة يستأذنون القائم بأمر الله في ذلك، فثقل عليه وسأل الفقهاء؛ فقالوا: هذا مال تغلّب عليه من فيء المسلمين، فصرفه في هذا الوجه؛ فأذن لهم القائم في ذلك.

وفيها لم يحجّ أحد من العراق، وحجّوا من الشام ومصر. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن إبراهيم أبو إسحاق الثعلبىّ صاحب التفسير المشهور. قال الحافظ أبو الفرج ابن الجوزىّ: «ليس فيه ما يعاب به إلا ما ضمّنه من الأحاديث الواهية التى هى في الضعف متناهية خصوصا في أوائل السور» . وفيها توفّى الحسن بن وهب أبو علىّ الكاتب المجوّد، كان فاضلا إماما مجوّدا، وخطّه معروف مشهور بالحسن. وفيها توفّى حمزة بن يوسف بن إبراهيم الجرجانىّ الحافظ، هو من ولد هشام ابن العاص بن وائل السهمىّ، وكان عالما فاضلا، رحل في طلب العلم، وسمع الحديث الكثير، وقال أنبأنا الحسين بن عمر الضرّاب، أنشدنا شعبان «1» الصّيرفىّ: [البسيط] أشدّ من فاقة الزمان ... وقوف حرّ على هوان فاسترزق الله واستعنه ... فإنّه خير مستعان وإن نأى منزل بحرّ «2» ... فمن مكان إلى مكان أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وخمس عشرة إصبعا. انتهى الجزء الرابع من النجوم الزاهرة ويليه الجزء الخامس وأوّله: ذكر ولاية المستنصر بالله على مصر

تنبيه- أشرنا أثناء تعليقات هذا الجزء إلى أن صاحب العزة العالم المحقق الأستاذ محمد رمزى بك المفتش بوزارة المالية سابقا هو الذي أفادنا بتعليقاته المفيدة القيمة الخاصة بتعيين الأماكن الأثرية والقرى القديمة التى وردت في هذا الجزء مع تحديد موقعها الآن بغاية الدقة، مما يدلّ على سعة اطلاعه وغزارة علمه وطول باعه في البحث والتحقيق، فنسدى إليه جزيل الشكر على هذه المعاونة التاريخية لخدمة الجمهور. وكنا نبهنا القارئ إلى أن تعليقاته الخاصة بتحديد الأماكن الأثرية هى من صفحة 30- 54 من هذا الجزء ولكنه واصل شرحه الى نهاية هذا الجزء، عدا الحاشية رقم 1 ص 54 الخاصّة بالجوامع الثلاثة المعلقة فمنقولة من كتاب الخطط التوفيقية كما هى؛ فجزاه الله خير الجزاء عن خدمته للعلم وأهله.

فهرس الولاة الذين تولوا مصر من سنة 355 هـ - 427 هـ

فهرس الولاة الذين تولوا مصر من سنة 355 هـ- 427 هـ (أ) أحمد بن على بن الإخشيذ محمد بن طغج بن جف أبو الفوارس ص 21- 28 (ج) جوهر بن عبد الله القائد المعزى أبو الحسن س 28- 69 (ح) الحاكم بأمر الله أبو على منصور بن العزيز بالله نزار بن المعز معدّ بن المنصور إسماعيل بن القائم محمد بن المهدى ص 176- 247 (ظ) الظاهر لإعزاز دين الله أبو هاشم على بن الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز نزار بن المعز معد بن المنصور إسماعيل ابن القائم محمد بن المهدى ص 247- 283 (ع) العزيز بالله نزار أبو منصور بن المعز لدين الله أبى تميم معد بن المنصور بالله أبى طاهر إسماعيل ص 112- 176 (ك) كافور بن عبد الله الإخشيذى الخادم الأسود الخصى أبو المسك ص 1- 20 (م) المعز أبو تميم معدّ بن المنصور إسماعيل بن القائم بأمر الله محمد بن المهدى عبيد الله العبيدى ص 69- 112

الجزء الخامس

الجزء الخامس [تتمة ما وقع من الحوادث سنة 427] بسم الله الرّحمن الرّحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحابته والمسلمين الجزء الخامس من كتاب النجوم الزاهرة ذكر ولاية المستنصر بالله على مصر هو أبو تميم معدّ الملقّب بالمستنصر بالله بن الظاهر لإعزاز دين الله علىّ بن الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز بالله نزار بن المعزّ لدين الله معدّ أوّل خلفاء الفاطميّين بمصر ابن المنصور بالله إسماعيل بن القائم بالله محمد بن المهدىّ عبيد الله العبيدىّ الفاطمىّ المغربىّ الأصل، المصرىّ المولد والمنشأ والدار والوفاة؛ وهو الخامس من خلفاء مصر من بنى عبيد، والثامن من المهدىّ عبيد الله. ولى الخلافة بعد موت أبيه الظاهر لإعزاز دين الله فى يوم الأحد منتصف شعبان سنة سبع وعشرين وأربعمائة. وكان عمره يوم ولى الخلافة سبع سنين وسبعة وعشرين يوما، وخيّن وهو ابن ستّ سنين. قال الذهبىّ رحمه الله: «هو معدّ أبو تميم الملقّب بأمير المؤمنين المستنصر بالله ابن الظاهر بن الحاكم بأمر الله- وساق بقية نسبه بنحو ما سقناه إلى أن قال-: بقي فى الخلافة ستّين سنة وأربعة أشهر؛ وهو الذي خطب له بإمرة المؤمنين

على منابر العراق فى نوبة الأمير أبى «1» الحارث أرسلان المعروف بالبساسيرىّ فى سنة إحدى وخمسين وأربعمائة. ولا أعلم أحدا فى الإسلام، لا خليفة ولا سلطانا، طالت مدّته مثل المستنصر هذا. وولى وهو ابن سبع سنين. ولمّا كان فى سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة قطع الخطبة له من المغرب الأمير المعزّ بن باديس- وقيل: بل قطعها فى سنة خمس وثلاثين- وخطب لبنى العبّاس وخرج عن طاعة بنى عبيد الباطنيّة. وحدث فى أيّام المستنصر بمصر الغلاء الذي ما عهد بمثله منذ زمان يوسف عليه السلام، ودام سبع سنين حتّى أكل الناس بعضهم بعضا، حتّى قيل: إنّه بيع رغيف واحد بخمسين دينارا- فإنّا لله وإنّا اليه راجعون- وحتّى إنّ المستنصر هذا بقى يركب وحده، وخواصّه ليس لهم دوابّ يركبونها؛ وإذا مشوا سقطوا من الجوع؛ وآل الأمر إلى أن استعار المستنصر بغلة يركبها من صاحب «2» ديوان الإنشاء. وآخر شىء نزحت أمّ المستنصر وبناته إلى بغداد خوفا من أن يمتن جوعا. وكان ذلك فى سنة «3» ستّين وأربعمائة. ولم يزل هذا الغلاء حتّى تحرّك الأمير بدر الجمالىّ والد الأفضل أمير الجيوش من عكّا وركب فى البحر وجاء إلى مصر وتولّى تدبير الأمور

وشرع فى إصلاح الأمر «1» . وتوفّى المستنصر فى ذى الحجّة. وفى دولته كان الرّفض والسبّ فاشيا مجهرا، والسنّة والإسلام غريبا! فسبحان الحليم الخبير الذي يفعل فى ملكه ما يريد. وقام بعده ابنه المستعلى أحمد، أقامه أمير الجيوش الأفضل. واستقامت الأحوال؛ فخرج أخوه نزار من مصر خفية، فسار إلى ناصر الدولة أمير الإسكندرية، فأعانه ودعا إليه، فتمّت بين أمير الجيوش وبينهم حروب وأمور إلى أن ظفر بهم» . انتهى كلام الذهبىّ فى أمر المستنصر. ونشرع الآن فى ذكر المستنصر وأمر الغلاء بأوسع ممّا ذكره الذهبىّ من أقوال جماعة من المؤرّخين وغيرهم. قال العلّامة أبو المظفّر فى تاريخه: «ولم يل أحد من الخلفاء الأمويّين ولا العباسيّين ولا المصريّين مثل هذه المدّة (يعنى مدّة إقامة المستنصر فى الخلافة ستّين سنة) قال: وعاش المستنصر سبعا وستّين سنة وخمسة أشهر فى الهزاهز «2» والشدائد والوباء والغلاء والجلاء والفتن. وكان القحط فى أيّامه سبع سنين مثل سنى يوسف الصدّيق صلوات الله وسلامه عليه، من سنة سبع «3» وخمسين إلى سنة أربع وستّين وأربعمائة. أقامت البلاد سبع سنين يطلع النيل فيها وينزل، ولا يوجد من يزرع لموت النّاس واختلاف الولاة والرعيّة، فاستولى الخراب على كلّ البلاد، ومات أهلها، وانقطعت السّبل برّا وبحرّا. وكان معظم الغلاء سنة اثنتين وستّين.

وقال أبو يعلى «1» بن القلانسىّ: «فى أيّامه (يعنى المستنصر) ثارت الفتن فى «2» بنى حمدان وأكابر القوّاد، وغلت الأسعار، واضطربت الأحوال، واختلّت «3» الأعمال، وحصر فى قصره وطمع فيه. ولم يزل على ذلك حتّى استدعى أمير الجيوش بدرا الجمالىّ من عكّا إلى مصر فاستولى على التدبير، وقتل جماعة ممّن يطلب الفساد، فتمهّدت الأمور؛ ولم يبق للمستنصر أمر ولا نهى إلّا الركوب فى العيدين. ولم يزل كذلك حتّى مات بدر الجمالىّ وقام بعده ولده الأفضل. ولمّا مات المستنصر وقام المستعلي مقامه وتقرّرت الأمور، خرج عبد الله ونزار ابنا المستنصر من مصر خفية، وقصد نزار الإسكندريّة إلى ناصر «4» الدولة واليها، وجرت بينه وبين الأفضل حروب بسبب ذلك إلى أن ثبت أمر المستعلى» . انتهى كلام أبى يعلى باختصار. قلت: وأمّا ما ذكره الذهبىّ- رحمه الله- من الخطبة للمستنصر «5» على منابر بغداد وبالعراق كلّه، وخلع القائم بأمر الله العبّاسىّ من الدعوة، فكان من قصّته أنّ السلطان

طغرلبك «1» اشتغل بحصار تلك النّواحى ونازل الموصل، ثمّ توجّه إلى نصيبين لفتح الجزيرة وتمهيدها. وأرسل الأمير أبو الحارث أرسلان المعروف بالبساسيرىّ إلى إبراهيم ينّال أخى السلطان طغرلبك لينجده؛ فأخذ البساسيرىّ يعده ويمنّيه ويطمعه فى الملك حتّى أصغى إليه وخالف أخاه طغرلبك. وساق إبراهيم ينّال فى طائفة من العسكر إلى الرّىّ. وبلغ السلطان طغرلبك خبر عصيان إبراهيم فانزعج، وسار وراءه وترك بعض عسكره فى ديار بكر مع زوجته الخاتون ووزيره عميد الملك «2» الكندرىّ، فتفرّقت العساكر. وعادت زوجته الخاتون بالعسكر الذي صحبها إلى بغداد. وأمّا زوجها السلطان طغرلبك فإنّه التقى هو وأخوه إبراهيم ينّال وتقاتلا، فظفر عليه أخوه إبراهيم ينّال وانهزم السلطان طغرلبك إلى همذان؛ فساق أخوه إبراهيم خلفه وحاصره بها. فعزمت الخاتون على إنجاد زوجها. واختبطت بغداد وعظم البلاء بها، وقامت الفتنة على ساق. وتمّ للأمير أبى الحارث أرسلان البساسيرىّ ما دبّره من المكر. وأرجف النّاس ببغداد بمجيء البساسيرىّ. ونفر الوزير عميد الملك وزير طغرلبك والأمير أنوشروان إلى الجانب الغربىّ من بغداد وقطعا الجسر. ونهبت الغزّ دار خاتون. وأكل القوىّ الضعيف. ووقع ببغداد وأعمالها أمور هائلة شنعة. ثمّ دخل الأمير

أبو الحارث أرسلان البساسيرىّ بغداد فى ثامن ذى القعدة بالرّايات المستنصريّة وعليها ألقاب المستنصر هذا صاحب مصر؛ فمال إلى البساسيرىّ أهل باب الكرخ وفرحوا به لكونهم «1» رافضة، والبساسيرىّ وخلفاء مصر أيضا رافضة؛ فانضمّوا إلى البساسيرىّ وتشفّوا من أهل السّنّة، وشمخت أنوف المنافقين الرافضة، وأعلنوا بالأذان ب «حىّ على خير العمل» ببغداد. واجتمع خلق من أهل السنّة على الخليفة القائم بأمر الله العباسىّ وقاتلوا معه، وفشت الحرب بين الفريقين فى السفن أربعة أيام. وخطب يوم الجمعة ثالث عشر ذى القعدة ببغداد للمستنصر هذا صاحب الترجمة بجامع المنصور وأذّنوا «2» ب «حىّ على خير العمل» . وعقد الجسر وعبرت عساكر البساسيرىّ إلى الجانب الشرقىّ؛ فحندق الخليفة القائم بأمر الله على نفسه حول داره وحول نهر المعلّى «3» ، فأحرقت الغوغاء نهر المعلّى ونهبت ما فيه، وقوى البساسيرىّ وتفلّل عن الخليفة القائم أكثر النّاس. فاستجار القائم بقريش «4» بن بدران أمير العرب، وكان مع البساسيرىّ، فأجاره ومن معه وأخرجه إلى مخيّمه. وقبض البساسيرىّ على وزير القائم بأمر الله رئيس الرؤساء «5» أبى القاسم بن المسلمة، وقيّده

وشهّره على جمل وعليه طرطور وعباءة، وجعل فى رقبته «1» قلائد كالمسخرة وطيف به بالشوارع، وخلفه من يصفعه، ثم سلخ له ثور وألبس جلده وخيط عليه، وجعلت قرون الثور فى رأسه، ثمّ علّق على خشبة، وعمل فى فيه «2» كلّو بان، فلم يزل يضطرب حتّى مات رحمه الله. ونصب للقائم الخليفة خيمة صغيرة بالجانب الشرقىّ «3» فى المعسكر، ونهبت العامّة دار الخلافة، فأخذوا منها ما لا يحصى ولا يوصف كثرة. فلمّا كان يوم الجمعة رابع ذى الحجة لم تصلّ الجمعة بجامع الخليفة، وخطب بسائر الجوامع للمستنصر المذكور، وقطعت الخطبة العباسيّة بالعراق. وهذا شىء لم يفرح به أحد من آباء المستنصر. ثم حمل القائم بأمر الله إلى حديثة «4» عانة فجلس بها، وسلّم إلى صاحبها مهارش «5» . وذلك أن البساسيرىّ وقريشا اختلفا فى أمر القائم بأمر الله، ثمّ وقع اتفاقهما بعد أمور على أن يكون عند مهارش إلى أن يتّفقا على ما يتّفقان عليه فى أمره. ثمّ جمع أبو الحارث أرسلان البساسيرىّ القضاة والأشراف ببغداد، وأخذ عليهم البيعة للمستنصر العبيدىّ صاحب الترجمة فبايعوا قهرا على رغم الأنف. وقال الشيخ عزّ الدّين ابن الأثير فى تاريخه: «إنّ إبراهيم ينّال كان أخوه السلطان طغرلبك قد ولّاه الموصل عام أوّل، وإنّه فى سنة خمسين فارق [الموصل] «6» ورحل نحو

بلاد الجبل، فنسب السلطان رحيله إلى العصيان، فبعث وراءه رسولا معه الفرجيّة التى خلعها عليه الخليفة. ولمّا فارق الموصل قصدها البساسيرىّ وقريش بن بدران وحاصراها، وأخذا البلد ليومه، وبقيت القلعة، فحاصراها أربعة أشهر حتّى أكل أهلها دوابّهم ثمّ سلّموها بالأمان، فهدمها البساسيرىّ وعفّى أثرها. وسار طغرلبك بجريدة «1» فى ألفين إلى الموصل، فوجد البساسيرىّ وقريشا فارقاها فساق وراءهم، ففارقه أخوه وطلب همذان فوصلها فى رمضان. قال: وقد قيل إنّ المصريّين كاتبوه، وإن البساسيرىّ استماله وأطمعه فى السلطنة، فسار طغرلبك فى أثره (يعنى أثر أخيه إبراهيم ينّال) . قال: وأمّا البساسيرىّ فوصل إلى بغداد فى ثامن ذى القعدة ومعه أربعمائة فارس على غاية الضّر والفقر، فنزل بمشرعة الروايا، ونزل قريش فى مائتى فارس عند مشرعة باب البصرة، ومالت العامّة للبساسيرىّ: أما الشّيعة فللمذهب، وأمّا أهل السنة فلما فعل بهم الأتراك. وكان رئيس الرؤساء لقلّة معرفته بالحرب ولما عنده من ضعف البساسيرىّ يرى المبادرة إلى الحرب؛ فاتّفق أنه فى بعض الأيام التى تحاربوا فيها حضر القاضى الهمذانىّ عند رئيس الرؤساء، ثمّ استأذن فى الحرب ونمن له قتل البساسيرىّ، فأذن له من غير أن يعلم عميد العراق، وكان رأى عميد العراق المطاولة رجاء أن ينجدهم طغرلبك، فخرج الهمذانىّ بالهاشميّين والخدم والعوامّ إلى الحلبة وأبعدوا؛ والبساسيرىّ يستجرّهم. فلمّا أبعدوا حمل عليهم فانهزموا، وقتل جماعة وهلك آخرون فى الزّحمة بباب «2» الأزج. وكان رئيس الرؤساء واقفا دون الباب

فدخل داره وهرب كلّ من فى الحريم؛ ولطم عميد العراق على وجهه كيف استبدّ رئيس الرؤساء بالأمر ولا معرفة له بالحرب. فاستدعى الخليفة عميد العراق وأمره بالقتال على سور الحريم، فلم يرعهم إلا الزّعقات؛ وقد نهب الحريم ودخلوا من باب النّوبى، فركب الخليفة لابسا للسّواد وعلى كتفه البردة وعلى رأسه اللّواء وبيده السيف وحوله زمرة من العباسيّين والخدم بالسيوف المسلّلة، فرأى النّهب إلى باب الفردوس من داره، فرجع إلى ورائه نحو عميد العراق، فوجده قد استأمن إلى قريش، فعاد وصعد إلى المنظرة. وصاح رئيس الرؤساء: علم الدّين (يعنى قريشا) أمير المؤمنين يستدنيك، فدنا منه؛ فقال: قد أنالك الله منزلة لم ينلها أمثالك، وأمير المؤمنين يستذمّ منك على نفسه وأصحابه بذمام الله وذمام رسوله وذمام العربيّة؛ فقال: قد أذمّ الله تعالى له؛ قال: ولى ولمن معه؟ قال نعم؛ وخلع قلنسوته وأعطاها الخليفة، وأعطى رئيس الرؤساء بحضرته ذماما. فنزل إليه الخليفة ورئيس الرؤساء وسارا معه. فأرسل إليه البساسيرىّ يقول: أتخالف ما استقرّ بيننا؟ - وكانا قد تحالفا ألّا ينفرد أحدهما عن الآخر بشىء، ويكون العراق بينهما نصفين- فقال قريش: ما عدلت عمّا استقرّ بيننا، عدوّك ابن المسلمة (يعنى رئيس الرؤساء) فخذه، وأنا آخذ الخليفة، فرضى البساسيرىّ بذلك. فبعث رئيس الرؤساء إليه مع منصور «1» بن مزيد، فحين رآه البساسيرىّ قال مرحبا بمدمّر الدولة، ومهلك الأمم، ومخرّب البلاد، ومبيد العباد. فقال له: أيّها الأجلّ، العفو عند المقدرة. فقال: قد قدرت فما عفوت، وأنت تاجر صاحب طيلسان، ولم تبق على الحريم والأموال

والأطفال، فكيف أعفو عنك وأنا صاحب سيف وقد أخذت أموالى وعاقبت أصحابى ودرست دورى وسببتنى وأبعدتنى!. واجتمع العوامّ على ابن المسلمة (يعنى رئيس الرؤساء) وسبّوه ولعنوه وهمّوا به. فأخذه البساسيرىّ بيده وسيّره إلى جانبه خوفا عليه من العامّة. وحصل فى يد البساسيرىّ جميع من كان يطلبه مثل ابن المردرسىّ «1» ، وأبى عبد الله «2» الدّامغانىّ قاضى القضاة، وهبة الله بن المأمون، وأبى علىّ بن الشّيروانىّ، وأبى عبد الله بن عبد الملك؛ وكان من التّجار الكبار وبينه وبين البساسيرىّ عداوة، وكان قد سكن فى دار الخلافة خوفا منه على ماله ونعمته. وظفر بالسيدة خاتون بنت الأمير داود زوجة الخليفة، فأحسن معاملتها ولم يتعرّض لها. وأمّا قريش فحصل فى يده الخليفة وعميد العراق وأبو منصور [بن «3» ] يوسف وولده؛ فحمل الحليفة إلى معسكره راكبا وعلى كنفه البردة وبيده سيف مسلول وعلى رأسه اللّواء. ولحق الخليفة ذرب عظيم قام منه فى اليوم مرارا، وامتنع من الطّعام والشراب؛ فسأله قريش وألحّ عليه حتّى أكل وشرب، وحمله فى هودج وسار به إلى حديثة عانة فنزل بها. وسار حاشية الخليفة على حامية إلى السلطان طغرلبك مستنفرين له. ولمّا وصل الخليفة إلى الأنبار شكا البرد، فبعث يطلب من متولّيها ما يلبس، فأرسل إليه جبّة ولحافا. وركب البساسيرىّ يوم الأضحى وعلى رأسه الألوية المصريّة وعبر إلى المصلّى بالجانب الشرقىّ، وأحسن إلى الناس، وأجرى الجرايات على الفقهاء، ولم يتعصّب لمذهب، وأفرد لوالدة الخليفة دارا وراتبا، وكانت قد قاربت التسعين

سنة. ثمّ فى آخر ذى الحجّة أخرج رئيس الرؤساء مقيّدا وعلى رأسه طرطور، وفى رقبته مخنقة جلود، وهو يقرأ: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ ... الآية. فبصق أهل الكرخ فى وجهه، لأنّه كان متعصّبا لأهل السّنّة، رحمه الله، ثمّ صلب على صورة ما ذكرناه أوّلا. وأمّا عميد العراق فقتله البساسيرى أيضا، وكان شجاعا شهما، وهو الذي بنى رباط شيخ الشيوخ. ثمّ بعث البساسيرىّ البشائر إلى مصر، وكان وزير المستنصر هناك «1» أبا الفرج «2» بن أخى أبى القاسم المغربىّ، وكان أبو الفرج ممّن هرب من البساسيرىّ، فذمّ للمستنصر فعله وخوّفه من سوء عاقبته؛ فتركت أجوبته مدّة، ثمّ عادت على البساسيرىّ بغير الذي أمّله، فسار البساسيرىّ إلى البصرة وواسط وخطب بهما أيضا للمستنصر. وأمّا طغرلبك فإنّه انتصر فى الآخر على أخيه إبراهيم ينّال وقتله، وكرّ راجعا إلى العراق، ليس له همّ إلّا إعادة الخليفة إلى رتبته. وفى الجملة أنّ الذي حصل للمستنصر فى هذه الواقعة من الخطبة باسمه فى العراق وبغداد لم يحصل ذلك لأحد من آبائه وأجداده. ولولا تخوّف المستنصر من البساسيرىّ وترك تحريضه على ما هو بصدده وإلا «3» كانت دعوته تتمّ بالعراق زمانا طويلا، فإنّه كان أوّلا أمدّ البساسيرىّ بجمل مستكثرة. فلو دام المستنصر على ذلك لكان البساسيرىّ يفتتح له عدّة بلاد. قال الحسن بن محمد العلوىّ «4» : «إنّ الذي وصل إلى البساسيرىّ من المستنصر من المال خمسمائة ألف دينار، ومن الثياب ما قيمته

مثل ذلك، وخمسمائة فرس، وعشرة آلاف قوس، ومن السيوف ألوف، ومن الرماح والنّشّاب «1» شىء كثير» . يعنى قبل هذه الواقعة؛ ولهذا قلنا: لو دام المستنصر على عطائه للبساسيرىّ لكان افتتح له عدّة بلاد. قلت: ولله الحمد على ما فعله المستنصر من التقصير فى حقّ البساسيرىّ، وإلّا فكانت السّنّة تذهب بالعراق، وتملكها الرافضة بأجمعها كما كان وقع بمصر فى أيّام دولة الفاطميّين (أعنى صاحب الترجمة وآباءه) . ولمّا خطب البساسيرىّ فى بغداد باسم المستنصر معدّ هذا غنّته مغنّية «2» بقولها: [الرمل] يا بنى العبّاس صدّوا «3» ... ملك الأمر معدّ ملككم كان «4» معارا ... والعوارى تستردّ فطرب المستنصر لذلك ووهبها أرضا بمصر رزقة لها جائزة لإنشادها هذا الشعر، وتلك الأرض الآن تعرف بأرض «5» الطّبّالة بالقرب من بركة الرّطلىّ لكونها غنّته بهذه الأبيات وهى تطبّل بدفّ كان فى يدها، فعرفت بأرض الطّبّالة، وحكرت الأرض

المذكورة وبنيت. وكان ما وقع للمستنصر هذا تمام سعده. ومن حينئذ أخذ أمره فى إدبار من وقوع الغلاء والوباء بالديار المصريّة. وقاسى النّاس شدائد، واختلّ أمر مصر- على ما سنذكره إن شاء الله تعالى فى وقته من هذه الترجمة- من استيلاء ناصر الدولة بن حمدان على ممالك الديار المصريّة، وزاد ابن حمدان فى عطاء الجند حتّى نفدت الخزائن، وقلّت الارتفاعات. واتّفق ابن حمدان مع الشريف أبى طاهر حيدرة بن الحسن الحسينىّ، وكان قد نفاه بدر الجمالىّ من دمشق، وكان محبّبا للناس، وتلقّبه العامّة بأمير المؤمنين، وكان لمّا نفاه بدر الجمالى من دمشق دخل إلى مصر شاكيا إلى ابن حمدان من بدر الجمالىّ- فاتّفق ابن حمدان والشريف وحازم «1» وحميد ابنا بحرّاح وهما من أمراء عرب الشام، وكان لهما فى حبس المستنصر نيّف وعشرون سنة، فأخرجهما ابن حمدان واتّفقوا على الفتك ببدر الجمالىّ، فأعطاهم ابن حمدان أربعين ألف دينار ينفقونها فى هذا الوجه. وتحدّث ابن حمدان بأن يرتّب الشريف إذا عاد مكان المستنصر فى الخلافة لنسبه الصحيح. وانقسم عسكر مصر قسمين: قسما مع ابن حمدان، وقسما عليه؛ وزادت مطالبة ابن حمدان بالأموال «2» حتى استوعبها وأخرج جميع ما فى القصر من ثياب وأثاث وباعها بالثمن البخس. وحالف الأتراك سرّا على المستنصر. وعلم المستنصر بما فعله مضافا لما سمع عنه من أمر الشّريف، فقلق وأرسل لابن حمدان يقول: بأنّك قدمت علينا زائرا وجئتنا ضيفا؛ فقا بلناك بالإحسان وأكرمناك، فقابلتنا بما لا نستحقّه منك؛ ونحن عليك صابرون، وعنك مغضون. وقد انتهت بك الحال إلى محالفة العسكر علينا والسعى فى إتلافنا، وما ذاك مما يهمّك؛ ونحبّ أن تنصرف عنّا موفورا فى نفسك ومالك، وإلّا قابلناك على قبيح

أفعالك. فأغلظ ابن حمدان فى الجواب واستهزأ بالرسول. فبعث المستنصر إلى «1» إلدكز الملقّب بأسد الدولة، وكان شيخ الأتراك والمقدّم عليهم، وكان من المخالفين على ابن حمدان؛ فاستحضره واستحلفه وتوثّق منه ومن جماعة ممّن جرى مجراه، وجمع الأتراك الذين معه والمغاربة وكتامة إلى باب القصر. وعرف ابن حمدان بذلك فبرز بخيمة إلى بركة الحبش «2» ، وأخرج المستنصر خيمته الحمراء، وتسمّى خيمة الدّم، فضربها بين القصرين من القاهرة. واجتمع الناس على المستنصر، وركب وسار إلى حرب ابن حمدان. والتقوا بمكان يعرف بالباب الجديد «3» ، فورد أكثر من كان مع ابن حمدان بالأمان إلى المستنصر. وكان فى جملة من ورد الأمير أبو علىّ ابن الملك أبى طاهر ابن بويه، ثمّ قتل المذكور بعد ذلك بمدّة. ووقع القتال فانكسر ابن حمدان وهرب

بنفسه إلى الإسكندريّة، ونهبت دوره وأمواله ودور أصحابه. ومضى ابن حمدان إلى حىّ من العرب وتزوّج منهم وقوى بهم، فصار يشنّ الغارات على أعمال مصر؛ ويبعث إليه المستنصر فى كلّ وقت جيشا فيهزمه ابن حمدان. ولا زال على ذلك حتّى جمع ابن حمدان جمعا كبيرا ونزل الصالحيّة «1» ؛ فخرج إليه من كان يهواه من المشارقة، وامتدّت عسكره نحو عشرة فراسخ وحاصر مصر؛ فضعف المستنصر عن مقاومته وانحصر بالقاهرة. وطال الحصار وغلت الأسعار حتّى بلغت الرّاوية الماء ثلاثة عشر قيراطا، وكلّ ثلاثة عشر رطلا من الخبز دينارا، وعدمت الأقوات، فضجّ العوامّ، فخاف المستنصر أن يسلّموه إليه، فراسله وصالحه. واقترح عليه ابن حمدان إبعاد الدكز ومن يعاديه من المشارقة، وأن ينفرد ابن حمدان بالبلاد «2» وتدبير الأمور والعساكر، فرضى المستنصر بذلك كلّه؛ ورفع الحصار عن مصر، وعادت الأمور إلى ما كانت عليه. فهرب غالب من كان مع المستنصر إلى الشام، ووفدوا على صاحبها بدر الجمالىّ. وكان بدر الجمالىّ يكره ابن حمدان والشريف المذكور. ثمّ ظفر الجمالىّ بالشريف المذكور وقتله خنقا. على ما سيأتى ذكره إن شاء الله تعالى. وصار المستنصر فى قصره كالمحجور عليه ولا حكم له. هذا والغلاء بمصر يتزايد، حتّى إنّه جلا من مصر خلق كثير لما حصل بها من الغلاء الزائد عن الحدّ، والجوع الذي لم يعهد مثله فى الدنيا، فإنّه مات أكثر أهل مصر، وأكل بعضهم بعضا. وظهروا على بعض الطبّاخين أنّه ذبح عدّة من الصّبيان والنساء وأكل لحومهم وباعها بعد أن طبخها. وأكلت الدوابّ بأسرها، فلم يبق

لصاحب مصر- أعنى المستنصر- سوىّ ثلاثة أفراس بعد أن كانت عشرة آلاف ما بين فرس وجمل ودابّة. وبيع الكلب بخمسة دنانير، والسّنّور بثلاثة دنانير. ونزل الوزير أبو المكارم «1» وزير المستنصر على باب القصر عن بغلته وليس معه إلّا غلام واحد، فجاء ثلاثة وأخذوا البغلة منه، ولم يقدر الغلام على منعهم لضعفه من الجوع فذبحوها وأكلوها، فأخذوا وصلبوا، فأصبح الناس فلم يروا إلّا عظامهم، أكل الناس فى تلك الليلة لحومهم. ودخل رجل الحمّام فقال له الحمّامىّ: من تريد أن يخدمك سعد الدولة أو عزّ الدولة أو فخر الدولة؟ فقال له الرجل: أتهزأ بي! فقال: لا والله، انظر إليهم، فنظر فإذا أعيان الدّولة ورؤساؤها صاروا يخدمون الناس فى الحمّام لكونهم باعوا جميع موجودهم فى الغلاء واحتاجوا إلى الخدمة. وأعظم من هذا أنّ المستنصر الخليفة صاحب الترجمة باع جميع موجوده وجميع ما كان فى قصره حتّى أخرج ثيابا كانت فى القصر من زمن الطائع الخليفة العباسىّ، لمّا نهب بهاء الدولة دار الخليفة فى إحدى وثمانين وثلثمائة، وأشياء أخر أخذت فى نوبة البساسيرىّ، وكانت هذه الثياب التى لخلفاء بنى العباس عند خلفاء مصر يحتفظون بها لبغضهم لبنى العبّاس، فكانت هذه الثياب عندهم بمصر بسبب المعيرة لبنى العبّاس. فلمّا ضاق الأمر على المستنصر أخرجها وباعها بأبخس «2» ثمن لشدّة الحاجة. وأخرج المستنصر أيضا طستا وإبريقا بلّورا يسع الإبريق رطلين ماء، والطّست أربعة أرطال، وأظنّه بالبغدادىّ، فبيعا باثنى عشر درهما فلوسا، ثمّ باع المستنصر من هذا البلور ثمانين ألف قطعة. وأمّا ما باع من الجواهر واليواقيت والخسروانىّ «3» فشىء لا يحصى. وأحصى من الثياب التى أبيعت فى هذا الغلاء من

قصر الخليفة ثمانون ألف ثوب، وعشرون ألف درع، وعشرون ألف سيف محلّى؛ وباع المستنصر حتّى ثياب جواريه وتخوت المهود، وكان الجند يأخذون ذلك بأقلّ ثمن. وباع رجل دارا بالقاهرة كان اشتراها قبل ذلك بتسعمائة «1» دينار بعشرين رطل دقيق. وبيعت البيضة بدينار، والإردبّ القمح بمائة دينار فى الأوّل، ثمّ عدم وجود القمح أصلا. وكان السّودان يقفون فى الأزقّة يخطفون النساء بالكلاليب ويشرّحون لحومهنّ ويأكلونها، واجتازت امرأة بزقاق «2» القناديل بمصر وكانت سمينة، فعلّقها السّودان بالكلاليب وقطعوا من عجزها قطعة، وقعدوا يأكلونها وغفلوا عنها، فخرجت من الدار واستغاثت، فجاء الوالى وكبس الدار فأخرج منها ألوفا من القتلى، وقتل السّودان. واحتاج المستنصر فى هذا الغلاء حتّى إنّه أرسل فأخذ قناديل الفضّة والستور من مشهد إبراهيم الخليل عليه السلام. وخرجت امرأة من القاهرة فى هذا الغلاء ومعها مدّ جوهر، فقالت: من يأخذ هذا ويعطينى عوضه دقيقا أو قمحّا؟ فلم يلتفت إليها أحد؛ فألقته فى الطريق وقالت: هذا ما ينفعنى وقت حاجتى فلا حاجة لى به بعد اليوم؛ فلم يلتفت إليه أحد وهو مبدّد فى الطريق! فهذا أعجب من الأوّل. وقيل: إنّ سبب ما حصل لمصر من الخلل فى أوّل الأمر «3» الفتنة التى كانت بمصر فى أيّام المستنصر هذا بين «4» الأتراك والعبيد، وهو أنّ المستنصر كان من عادته

فى كلّ سنة أن يركب على النّجب مع النساء والحشم إلى جبّ عميرة «1» ، وهو موضع نزهة، فيخرج إليه بهيئة أنّه خارج إلى الحجّ على سبيل الهزء والمجانة، ومعه الخمر فى الرّوايا عوضا عن الماء ويسقيه الناس، كما يفعل بالماء فى طريق مكّة. فلمّا كان فى جمادى الآخرة خرج على عادته المذكورة، فاتّفق أنّ بعض الأتراك جرّد سيفا فى سكرته على بعض عبيد الشّراء، فاجتمع عليه طائفة من العبيد فقتلوه؛ فاجتمع الأتراك بالمستنصر هذا وقالوا له: إن كان هذا عن رضاك فالسمع والطاعة، وإن كان عن غير رضاك فلا نرضى بذلك، فأنكر المستنصر ذلك؛ فاجتمع جماعة من الأتراك وقتلوا جماعة من العبيد بعد أن حصل بينهم وبين العبيد قتال شديد على كوم شريك «2» وانهزم العبيد من الأتراك. وكانت أمّ المستنصر تعين العبيد بالأموال والسّلاح؛ فظفر بعض الأيام أحد الأتراك بذلك، فجمع طائفة الأتراك ودخلوا على المستنصر وقاموا عليه وأغلظوا له فى القول، فحلف لهم أنّه لم يكن عنده خبر. وصار السيف قائما بينهم. ثمّ دخل المستنصر على والدته وأنكر عليها. ودامت الفتنة بين الأتراك والعبيد إلى أن سعى وزير الجماعة أبو الفرج بن المغربىّ- وأبو الفرج هذا هو أوّل من ولى كتابة الإنشاء بمصر- ولا زال الوزير أبو الفرج هذا يسعى بينهم

حتى اصطلحوا صلحا يسيرا، فآجتمع العبيد وخرجوا إلى شبرى دمنهور «1» . فكانت هذه الواقعة أوّل الاختلاف بديار مصر؛ فإنّه قتل من «2» الأتراك والعبيد خلائق كثيرة، وفسدت الأمور فطمع كلّ أحد. وكان سبب كثرة السودان ميل أمّ المستنصر إليهم؛ فإنّها كانت جارية سوداء لأبى سعد «3» التّسترىّ اليهودىّ. فلمّا ولى المستنصر الخلافة ومات الوزير صفىّ «4» الدين الجرجرائيّ فى سنة ستّ وثلاثين «5» حكمت والدة المستنصر على الدولة، واستوزرت سيّدها أبا سعد المذكور، ووزر لابنها المستنصر الفلّاحىّ، فلم يمش له مع أبى سعد حال؛ فاستمال الأتراك وزاد فى واجباتهم حتّى قتلوا أبا سعد المذكور؛ فغضبت لذلك أمّ المستنصر وقتلت أبا منصور «6» الفلّاحىّ، وشرعت فى شراء العبيد السّود، وجعلتهم طائفة واستكثرت منهم. فلمّا وقع بينهم وبين الأتراك قامت فى نصرهم. وقال الشيخ شمس الدين بن قزأوغلى فى المرآة: «وكلّ هذه الأشياء كان ابن حمدان سببها، ووافق ذلك انقطاع النيل؛ وضاقت يد أبى هاشم محمد أمير مكّة

بانقطاع ما كان يأتيه من مصر، فأخذ قناديل الكعبة وستورها وصفائح الباب والميزاب، وصادر أهل مكّة فهربوا. وكذا فعل أمير المدينة مهنأ، وقطعا الخطبة للمستنصر، وخطبا لبنى العبّاس الخليفة القائم بأمر الله، وبعثا إلى السلطان ألب أرسلان السّلجوقىّ حاكم بغداد بذلك، وأنهما أذّنا بمكّة والمدينة الأذان المعتاد، وتركا الأذان ب «حىّ على خير العمل» ؛ فأرسل ألب أرسلان إلى صاحب مكّة أبى هاشم المذكور بثلاثين ألف دينار، وإلى صاحب المدينة بعشرين ألف دينار. وبلغ الخبر بذلك المستنصر، فلم يلتفت إليه لشغله بنفسه ورعيّته من عظم الغلاء. وقد كاد الخراب أن يستولى على سائر الإقليم. ودخل ابن الفضل على القائم بأمر الله العبّاسىّ ببغداد، وأنشده فى معنى الغلاء الذي شمل مصر قصيدة، منها: [الطويل] وقد علم المصرىّ أنّ جنوده ... سنو يوسف منها وطاعون عمواس أحاطت «1» به حتى استراب بنفسه ... وأوجس منها خيفة أىّ إيجاس قلت: وهذا شأن أرباب المناصب، إذا عزل أحدهم بآخر أراد هلاكه ولو هلك العالم معه. وهذا البلاء من تلك الأيّام إلى يومنا هذا. ثمّ فى سنة ستّ وستين سار بدر الجمالىّ أمير الجيوش من عكّا إلى مصر، ومعه عبد الله بن المستنصر باستدعاء المستنصر بعد قتل ابن حمدان بمدّة. واسم ابن حمدان الحسن بن الحسين بن حمدان أبو محمد التغلبىّ الأمير ناصر الدولة ذو المجدين.

ذكر سبب قتل ابن حمدان المذكور

ذكر سبب قتل ابن حمدان المذكور وسببه أنّه كان ابن حمدان اتّفق مع إلدكز التركىّ، وكان إلدكز تزوّج بابنته؛ فاتّفقا اتفاقا كليّا وتحالفا وأمن أحدهما للآخر. ووصل ناصر الدولة إلى مصر- أعنى بعد توجهه إلى الإسكندرية حسب ما ذكرناه- على طمأنينة مرتّبا للمواكب والعساكر، فركب إلدكز يوم الجمعة مستهلّ شهر رمضان فى خمسين فارسا، وكان له غلام يقال له: أبو منصور كمشتكين ويلقّب حسام «1» الدولة؛ وكان يثق به. فقال له الدكز: أريد أن أطلعك على أمر لم أر له أهلا غيرك؛ قال: وما هو؟ قال: قد علمت ما فعل ابن حمدان بالمسلمين من سفك الدماء والغلاء والجلاء، وقد عزمت على قتله، فهل فيك موافقة ومشاركة وأريح الإسلام منه؟ فقال نعم، ولكن أخاف أن يفلت فتتبرّأ منّى؛ قال لا، وقصدوا ابن حمدان قبل أن يلحقه أصحابه واستأذنوا عليه، فأذن لهم فدخلوا والفرّاشون ينفّضون البسط ليقعد عليها ابن حمدان، وهو يتمشّى فى صحن الدار، ومشى الدكز معه، ثم تأخّر عنه وضربه ب «يافروت» كان معه، وهو سكّين مغربىّ فى خاصرته، وضربه كمشتكين فقطع رجليه، فصاح: فعلتموها! فحزّوا رأسه. وكان محمود بن ذبيان أمير بنى سنبس «2» فى خزانة الشّراب، فدخلوا عليه وقتلوه. ثم خرجوا إلى دار كان فيها فخر العرب ابن حمدان وقد شرب دواء وعنده الأمير شاور فقتلوهما. وخرجوا إلى خيمة الأمير تاج المعالى بن حمدان أخى ناصر الدولة، وكان على عزم المسير إلى الصعيد، فهرب إلى خراب مقابل خيمته، فكمن فيه فرآه بعض العبيد فأعطاه معضدة» فيها مائة دينار، وقال له: اكتم علىّ؛

فأخذها العبد وجاء إلى الدكز ونمّ عليه، فدخل وقتله. وانهزم ابن أخى ابن المدبر «1» فى زىّ المكدّين «2» فأخذ، وكان قد تزوّج بإحدى بنات نزار بن المستنصر الخليفة، فقطع ذكره وجعل فى فمه ثمّ قتل. وقطّع ابن حمدان قطعا، وأنفذ كلّ قطعة إلى بلد. وجاءوا إلى القصر إلى الخليفة المستنصر هذا ومعهم الرءوس، وأرسلوا إلى الخليفة وقالوا: قد قتلنا عدوّك وعدوّنا، من أخرب البلاد وقتل العباد، ونريد من المستنصر الأموال. فقال المستنصر: أمّا المال فما نزك ابن حمدان عندى مالا. وأمّا ابن حمدان فما كان عدوّى، وإنّما كانت الشّحنة «3» بينك وبينه يا إلدكز، فهلكت الدنيا بينكما، وإنّى ما اخترت ما فعلت من قتله ولا رضيته، وستعلم غبّ الغدر، ونقض العهد. ووقع بينهما كلام كثير. وآل الأمر إلى بيع المستنصر قطع مرجان وعروضا وحمل إلى إلدكز ورفقته مالا من أثمان ذلك وغيره. ثمّ علم المستنصر أنّ أمره يؤول مع إلدكز إلى شرّ حال؛ فلذلك أرسل أحضر بدرا الجمالىّ المقدّم ذكره. ولما حضر بدر الجمالىّ إلى مصر وجد إلدكز تغلّب عليها. ووصل إلى دمياط وبها ابن المدبّر، وكان قد هرب منه، فقتله وصلبه، وعاد «4» إلى مصر، واتفق مع بدر الجمالىّ وتحالفا وتعاهدا. فلم يكن إلّا مدّة يسيرة وقبض بدر الجمالىّ على إلدكز وأهانه وعذّبه وطالبه بالمال؛ فلم يظهر سوى اثنى عشر ألف دينار، وكان له من الأموال والجواهر شىء كثير إلّا أنّه لم يقرّبه، فقتله بدر الجمالىّ، وقيل: هرب إلى الشام. وأخذ بدر الجمالىّ فى إصلاح امور الديار المصريّة: انتزع الشرقية من أيدى عرب لواتة «5» ، وقتل منهم مقتلة عظيمة وأسر أمراءهم، وأخذ منهم أموالا جمّة. وعمّر

الريف فرخصت الأسعار ورجعت إلى عادتها القديمة. ثمّ أخذ الإسكندرية وسلّمها إلى القاضى ابن المحيرق. وأصلح أموال الصعيد واستدعى أكابرهم إليه، فجاءه منهم الكثير. وصلح الحال لهلاك الأضداد، ورفعت الفتن، وانفرد أمير الجيوش بدر الجمالىّ بالأمر إلى أن مات فى خلافة المستنصر. وتولّى بعده ابنه الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالىّ المذكور. ويأتى ذكر ذلك وغيره مما ذكرنا من الغلاء والفناء والحروب فى الحوادث المتعلّقة بالمستنصر من سنين خلافته على سبيل الاختصار، كما هو عادة هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. ودام المستنصر فى الخلافة وهو كالمحجور عليه مع بدر الجمالىّ؛ ثم من بعده مع ولده الأفضل شاهنشاه إلى أن توفّى بالقاهرة فى يوم عيد الفطر، وهو يوم الخميس سنة سبع وثمانين وأربعمائة. وبايع الناس ابنه أحمد من بعده، ولقّب بالمستعلى بالله. وقام الأفضل شاهنشاه بن بدر الجمالى بتدبير ملكه. وقد تقدّم مدّة إقامة المستنصر فى الخلافة، وكم عاش من السنين فى أوّل ترجمته فيطلب هناك. وممّا رثى به المستنصر قول حظّى الدولة أبى المناقب عبد الباقى بن علىّ التنوخىّ الشاعر: [الطويل] وليس ردى المستنصر اليوم كالرّدى ... ولا أمره أمر يقاس به أمر لقد هاب ملك الموت إتيانه ضحّى ... ففاجأه ليلا ولم يطلع الفجر فأجرى عليه حين مات دموعنا ... سماء فقال الناس لا بل هو القطر وقد بكت الخنساء صخرا وإنّه ... ليبكيه من فرط المصاب به الصخر وقلّدها المستعلى الظّهر حسب ما ... عليه قديما نصّ والده الطّهر

ما وقع من الحوادث سنة 428

*** [ما وقع من الحوادث سنة 428] السنة الأولى من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة ثمان وعشرين وأربعمائة. فيها فى المحرّم خلع الخليفة القائم بأمر الله على الأفضل أبى تمّام محمد بن محمد ابن علىّ الزينبىّ الحنفىّ العلوىّ وفوّض إليه نقابة الهاشميّين والصلاة، وأمره باستخلاف أبى منصور محمد على ذلك؛ وأحضر الخليفة القضاة والأعيان وقال لهم: قد عوّلنا على محمد بن محمد بن علىّ الزينتى فى نقابة أهله من العباسيّين رعاية لحقوق سالفة. فقبّل أبو تمّام الأرض؛ وخلع عليه السّواد والطيلسان، ولقّب عميد الرؤساء. وفيها لم يحجّ أحد من العراق. وحجّ الناس من مصر وغيرها. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان الإمام العلّامة أبو الحسين الحنفىّ الفقيه البغدادى المشهور بالقدورىّ- قال أبو بكر «1» الخطيب: لم يحدّث إلّا شيئا يسيرا؛ كتبت عنه، وكان صدوقا، انتهت إليه بالعراق رياسة أصحاب أبى حنيفة، وعظم [عندهم] «2» قدره وارتفع جاهه، وكان حسن العبارة فى النظر، جرىء اللسان مديما للتلاوة. قلت: والفضل ما شهدت به الأعداء، ولولا أنّ شأن هذا الرجل كان قد تجاوز الحدّ فى العلم والزّهد ما سلم من لسان الخطيب، بل مدحه مع عظم تعصّبه على السادة الحنفية وغيرهم؛ فإنّ عادته ثلم أعراض العلماء والزّهّاد بالأقوال الواهية، والروايات المنقطعة، حتّى أشحن تاريخه من هذه القبائح. وصاحب الترجمة هو مصنّف «مختصر القدّورىّ» فى فقه الحنفية، و «شرح مختصر الكرخىّ»

فى عدّة مجلّدات، وأملى «التجريد فى الخلافيّات» أملاه فى سنة خمس وأربعمائة، وأبان فيه عن حفظه لما عند الدار قطنىّ من أحاديث الأحكام وعللها، وصنّف كتاب «التقريب الأوّل» فى الفقه فى خلاف أبى حنيفة وأصحابه فى مجلد، و «التقريب الثانى» فى عدّة مجلّدات. وكانت وفاته فى منتصف «1» رجب من السنة. ومولده سنة اثنتين وستين وثلثمائة. وقد روينا جزأه المشهور عن الشيخ رضوان بن محمد العقبىّ «2» عن أبى الطاهر بن الكويك «3» عن محمد بن «4» البلوىّ انا «5» عبد الله بن عبد الواحد بن علّاق انا فاطمة بنت سعد الخير الأنصارية انا أبو بكر بن أبى طاهر انا العلّامة أبو الحسين القدورىّ رحمه الله تعالى. وفيها توفّى الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علىّ بن سينا الرئيس أبو علىّ صاحب الفلسفة والتصانيف الكثيرة. كان إمام عصره فى الحكمة وعلوم الأوائل، بل كان إماما فى سائر العلوم. وتصانيفه كثيرة فى فنون العلوم، حتّى قيل عنه: إنّه ليس فى الإسلام من هو فى رتبته. قال أبو عبد الله الذهبىّ: كان ابن سينا آية فى الذكاء، وهو رأس الفلاسفة الإسلاميّين الذين مشوا خلف العقول، وخالفوا الرسول- قلت-: لم يكن ابن سينا بهذه المثابة بل كان حنفىّ المذهب، تفقّه على

الإمام أبى بكر بن أبى عبد الله الزاهد الحنفى- وتاب فى مرض موته، وتصدّق بما كان معه، وأعتق مماليكه، وردّ المظالم على من عرفه، وجعل يختم فى كلّ ثلاثة أيّام ختمة إلى أن توفّى يوم الجمعة فى شهر رمضان. قلت: ومن يمشى حلف العقول، ويخالف الرسول لا يقلّد الأحكام الشرعية، ولا يتقرّب بتلاوة القرآن العظيم. وفيها توفّى محمد بن أحمد بن أبى موسى أبو علىّ الهاشمىّ البغدادىّ شيخ الحنابلة وعالمهم، وصاحب التصانيف الكثيرة. مات فى شهر ربيع الاخر. وفيها توفّى مهيار بن مرزويه الدّيلمىّ أبو الحسن «1» الكاتب الشاعر المشهور، كان مجوسيّا فأسلم على يد الشريف الرضىّ، وهو أستاذه فى الأدب والنّظم والتشيع. اشتغل حتّى مهر فى الأدب والكتابة والتشيّع حتّى صار من كبار الشعراء الروافض «2» . قال أبو القاسم «3» بن برهان النحوىّ: كان مجوسيّا فأسلم فى سنة أربع وتسعين وثلثمائة؛ فقلت له: يا أبا الحسن، انتقلت [بإسلامك «4» ] من زاوية إلى زاوية فى جهنّم؛ قال: وكيف؟ قلت: لأنّك كنت مجوسيّا ثمّ صرت تتعرّض لأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والمجوسىّ والرافضىّ فى النار. انتهى. قلت: وأمّا شعر مهيار ففى غاية الجودة. فمن ذلك قوله: [البسيط] أستنجد الصبر فيكم وهو مغلوب ... وأسأل النوم عنكم وهو مسلوب وأبتغى عندكم قلبا سمحت به ... وكيف يرجع شىء وهو موهوب

ما وقع من الحوادث سنة 429

وله فى إنجاز وعد: [الطويل] أظلّت «1» علينا منك يوما غمامة ... أضاء لها برق وأبطا رشاشها فلا غيمها يجلى فيبأس طامع ... ولا غيثها يأتى فيروى عطاشها وفيها توفّى الحسن بن عبد الله بن حمدان ناصر الدولة أبو المطاع التّغلبىّ ويعرف بدى القرنين ووجيه الدولة. ولى إمرة دمشق للحاكم بأمر الله ثمّ عزل عنها بلؤلؤ، ثمّ أعيد إليها سنة خمس عشرة وأربعمائة من قبل الظاهر بن الحاكم؛ ومات بها وقيل بمصر. وكان شاعرا أديبا شجاعا فصيحا. ومن شعره: [الرمل] موعدى بالبين ظنّا «2» ... أننى بالبين أشقى ما أرى بين مماتى ... وفراقى لك فرقا لا تهدّدنى ببين ... لست منه أنوقّى إنّما يشقى ببين ... منك من بعدك يبقى أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وثمانى عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وتسع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 429] السنة الثانية من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة تسع وعشرين وأربعمائة. فيها توفّى عبد الرحمن بن عبد الله بن علىّ أبو علىّ العدل، ويعرف بابن أبى العجائز، ولد سنة أربعين وثلثمائة بدمشق وبها مات فى المحرّم؛ وكان ثقة سمع الحديث ورواه،

روى عنه غير واحد؛ قال: وحدّثنا محمد بن سليمان الرّبعىّ عن محمد بن تمّام الحرّانى «1» . عن محمد بن قدامة قال: أتينا سفيان بن عيينة فحجبنا «2» ، فجاء خادم لهارون الرشيد يقال له حسين فى طلبه فأخرجه، فقمنا إليه فقلنا: أمّا أهل الدنيا فيصلون إليك، وأمّا نحن فلا نصل! فنظر إلينا وقال: لا أفلح صاحب عيال؛ ثم أنشد: [البسيط] اعمل بعلمى ولا تنظر إلى عملى ... ينفعك علمى ولا يضررك تقصيرى ثم قال: بم تشبّهون قوله عليه [الصلاة «3» و] السلام إخبارا عن ربّه تعالى: «ما أشغل عبدى ذكرى عن مسألتى إلّا أعطيته أفضل ما أعطى السائلين» ؟ فقلنا: قل يرحمك الله؛ فقال قول القائل: [الكامل] وفتى «4» خلا من ماله ... ومن المروءة غير خال أعطاك قبل سؤاله ... وكفاك مكروه السؤال وفيها توفّى أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد الله العلوىّ الطّلمنكىّ «5» الحافظ، كان إماما حافظا محدّثا. مات فى ذى الحجة وله تسعون سنة. وفيها توفّى الحسن بن علىّ بن الصّقر «6» الإمام الكاتب المقرئ صاحب زيد بن أبى بلال الكوفىّ، كان فاضلا قرأ القراءات بالرّوايات وبرع فى فنون.

ما وقع من الحوادث سنة 430

وفيها توفّى أبو الوليد يونس بن «1» عبد الله بن محمد بن مغيث المقرئ القرطبىّ الفقيه المعروف بابن الصفّار قاضى الجماعة، كان من أوعية العلم، كان فقيها محدّثا عالما زاهدا. مات فى شهر رجب. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وخمس أصابع. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 430] السنة الثالثة من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة ثلاثين وأربعمائة. فيها سأل جلال الدولة الخليفة القائم بأمر الله أن يلقّب ابنه لقبا، فلقّبه «الملك العزيز» وكان مقيما بواسط. قلت: وهذا أوّل لقب سمعناه من ألقاب ملوك الأتراك وغيرهم من ملوك زماننا. وفيها استولى بنو سلجوق «2» على خراسان والجبال، وهرب منهم السلطان مسعود ابن محمود بن سبكتكين إلى غزنة، واقتسموا البلاد. وهذا أوّل ظهور بنى سلجوق الآتى ذكرهم فى عدّة أماكن. وأصلهم أتراك من [ما] وراء النهر، فزوّج سلجوق ابنته من رجل يعرف بعلىّ تكين، فأفسدوا على محمود بن سبكتكين البلاد بالنهب والغارات، فقصدهم محمود بن سبكتكين فقبض على سلجوق المذكور وهرب علىّ تكين وطغرلبك، واسمه محمد بن ميكائيل بن سلجوق، وبقى طغرلبك فى أربعة آلاف خركاه، إلى أن توفّى محمود بن سبكتكين، واشتغل ابنه مسعود بن محمود

ابن سبكتكين باللهو. فصار أمر طغرلبك ينمو إلى أن واقع مسعودا وهزمه واستولى على خراسان، وولّى أخاه داود مرو وسرخس وبلخ، وولّى ابن عمّه الحسن بن موسى هراة وبوشنج وسجستان، وولّى أخاه لأمّه إبراهيم ينّال دهستان «1» . وعظم أمر طغرلبك إلى أن كان من أمره ما سنذكره فى عدّة أماكن إن شاء الله تعالى. وفيها توفّى أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الحافظ أبو نعيم الأصبهانىّ الصوفىّ والأحول سبط الزاهد محمد بن يوسف البنّاء؛ كان أحد الأعلام، جمع بين علوّ الرواية وكثرة الدّراية، ورحل إليه من الأقطار، وألحق الصغار بالكبار؛ وولد سنة ستّ وثلاثين وثلثمائة بأصبهان. واستجاز له أبوه طائفة من شيوخ العصر حتّى تفرّد فى آخر عمره فى الدنيا عنهم. وفيها توفّى عبد الملك بن محمد بن عبد الله الشيخ أبو القاسم البغدادىّ الواعظ. كان مسند العراق فى زمانه، سمع الحديث وروى الكثير. قال أبو بكر الخطيب: كتبنا عنه وكان ثقة ثبتا صالحا؛ ولد فى شوّال سنة تسع وثلاثين وثلثمائة. وفيها توفّى موسى بن عيسى بن أبى حاجّ الفاسىّ المقرئ الإمام أبو عمران، الفاسىّ الدار الغفجومىّ «2» النسب- وغفجوم: قبيلة من زناتة- البربرىّ الفقيه المالكىّ نزيل القيروان وإليه انتهت رياسة العلم بها. تفقّه على أبى الحسن «3» القابسىّ وهو أجل أصحابه؛ ودخل الأندلس فتفقّه على أبى محمد «4» الأصيلىّ، وسمع وحدّث وحجّ غير مرّة، وكان من كبار العلماء.

ما وقع من الحوادث سنة 431

وفيها توفّى الفضل بن منصور أبو الرضا البغدادىّ المعروف بابن الظّريف، كان شاعرا أديبا. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وست أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 431] السنة الرابعة من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة. فيها توفّى محمد بن علىّ بن أحمد بن يعقوب بن مروان القاضى أبو العلاء الواسطىّ، أصله من فم الصّلح، ونشأ بمدينة واسط. وكان فقيها فاضلا محدّثا، سمع الحديث، وولى القضاء. ومات ببغداد فى جمادى الآخرة من السنة. وفيها توفّى محمد بن الفضل بن نظيف أبو عبد الله المصرىّ الفرّاء مسند الديار المصريّة فى زمانه، سمع الكثير وتفرّد بأشياء، وروى عنه خلائق كثيرة. ومات فى شهر ربيع الآخر، وله تسعون سنة. وفيها شغب الأتراك وخرجوا بالخيم [إلى شاطىء» دجلة] وشكوا من تأخّر النفقة ووقوع الاستيلاء على إقطاعاتهم، [فعرف السلطان «2» هذا] ، فكاتب دبيس [بن علىّ «3» ] ابن مزيد [و «4» ] أبا الفتح [بن ورّام «5» ] وأبا الفوارس بن سعد «6» ؛ ثمّ كتب إلى الأتراك يلومهم. وحاصل الأمر أنّ الناس ماجوا وانزعجوا، ووقع النهب وغلت الأسعار وزاد الخوف، حتّى إنّ الخطيب صلّى صلاة الجمعة بجامع براثا «7» وليس وراءه إلا ثلاثة

ما وقع من الحوادث سنة 432

أنفس، ونودى فى الجمعة المقبلة من أراد الصلاة بجامع براثا فكلّ ثلاثة أنفس بدرهم خفارة. وفيها توفّى القاضى أبو العلاء صاعد بن محمد بن أحمد الفقيه الاستوائىّ «1» الحنفىّ قاضى نيسابور وفقيهها وعالمها، كان إماما فقيها عالما عفيفا ورعا كثير العلم، كان المعوّل على فتواه بنيسابور فى زمانه. ومات فى هذه السنة. قاله الذهبىّ رحمه الله. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى القاضى أبو العلاء صاعد بن محمد بن أحمد الفقيه الاستوائىّ الحنفىّ قاضى نيسابور وفقيهها. والقاضى أبو العلاء محمد بن على الواسطى المقرئ. وأبو الحسن محمد بن عوف المزنىّ فى [شهر] ربيع الآخر. وأبو عبد الله محمد بن الفضل بن نظيف المصرىّ الفرّاء فى [شهر] ربيع الآخر، وله تسعون سنة. وأبو المعمّر مسدّد بن علىّ الأملوكىّ «2» خطيب حمص. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وعشر أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشر أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 432] السنة الخامسة من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة. فيها اتّفق جلال الدولة مع قرواش وتحالفا وسكنت الفتنة بينهما.

ما وقع من الحوادث سنة 433

وفيها توفّى القاضى أبو العلاء صاعد المقدّم ذكره فى السنة الماضية، فى قول صاحب مرآة الزمان. وفيها توفّى أبو بكر محمد بن عمر بن بكير «1» بن النّجّار، كان إماما عالما محدّثا. مات فى هذه السنة. وفيها توفّى عبد الباقى بن محمد الحافظ أبو القاسم الطحّان، كان إماما فاضلا فقيها محدّثا. مات ببغداد فى جمادى الأولى من هذه السنة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الحافظ أبو العبّاس جعفر بن محمد بن المعتزّ المستغفرىّ. وأبو القاسم عبد الباقى بن محمد الطحّان ببغداد فى جمادى الأولى. وأبو بكر محمد بن عمر بن بكير النحّار. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وعشر أصابع مثل الخالية. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 433] السنة السادسة من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة. فيها توفّى محمد بن جعفر أبو الحسين البغدادىّ المقرئ، كان فاضلا قارئا أديبا شاعرا محدّثا. ومن شعره: [الكامل] يا ويح قلبى من تقلّبه ... أبدا يحنّ إلى معذّبه قالوا كتمت هواه عن جلد ... لو كان لى جلد لبحت به

وفيها توفّى السلطان مسعود ابن السلطان محمود بن سبكتكين أبو سعيد صاحب خراسان وغزنة وغيرهما. كان ملكا عادلا حسن السّيرة فى الرعيّة، سلك طريق أبيه فى الغزو وفتح البلاد، إلّا أنّه كان عنده محبّة فى اللهو والطّرب. وكان ولى الملك بعد موت أبيه السلطان محمود فى ذى الحجّة سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، فكانت مدّة حكمه «1» على بلاد الهند وغيرها اثنتى عشرة سنة إلّا أشهرا. وفيها توفّى الأمير أنوشتكين الدّزبرىّ «2» قسيم الدولة نائب الشام للمستنصر صاحب الترجمة، كان خصيصا عند المستنصر يندبه إلى المهمّات، وكان شجاعا مقداما عظيم الهيبة حسن السياسة؛ طرد العرب من الشام وأباد المفسدين، ومهّد أمور الشام حتى أمنت السّبل فى أيّامه. وقد قدّمنا من ذكره نبذة فى ترجمة المستنصر فى هذا المحلّ. ولمّا مات ولى دمشق بعده الأمير ناصر الدولة الحسن بن الحسين ابن عبد الله بن حمدان. وفيها توفّى الأمير أبو جعفر علاء الدولة بن كاكويه «3» صاحب أصبهان. ولى بعده منصور «4» ، وأقام الدعوة والسّكة للملك أبى كاليجار فى جميع بلاد أبيه. وفيها توفّى سعيد بن العبّاس الحافظ أبو عثمان القرشىّ الهروىّ، كان إماما فاضلا محدّثا فقيها. مات فى المحترم من هذه السنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 434

*** [ما وقع من الحوادث سنة 434] السنة السابعة من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة أربع وثلاثين وأربعمائة. فيها ورد الخبر من تبريز «1» أنّ زلزلة عظيمة وقعت بها هدمت قلعتها وسورها وكثيرا من دورها ومساكنها، ونجا أميرها بنفسه. وأحصى من مات تحت الهدم فكانوا خمسين ألفا، ولبس الناس بها السّواد وجلسوا على المسوح لعظم هذه المصيبة. ثمّ زلزلت تدمر «2» أيضا وبعلبك، فمات تحت الهدم معظم أهل تدمر. وفيها توفّى حمزة بن الحسن بن العبّاس الشريف العلوىّ أبو يعلى فخر الدولة ولى قضاء دمشق عن الظاهر العبيدىّ، وهو الذي أجرى الفوّارة يجيرون «3» ، وبنى قيساريّة الأشراف «4» وتعرف بالفخريّة. قال الشريف أبو الغنائم عبد الله بن الحسين: أنشدنى لقسّ بن ساعدة فى النجوم: [الكامل] علم النجوم على العقول وبال ... وطلاب شىء لا ينال ضلال ماذا طلابك علم شىء أغلقت ... من دونه الأبواب والأقفال افهم فما أحد بغامض فطنة ... يدرى متى الأرزاق والآجال إلّا الذي من فوق سبع عرشه ... فلوجهه الإكرام والإفضال

ما وقع من الحوادث سنة 435

وفيها توفّى عبيد الله «1» بن هشام بن عبد الله بن سوار أبو الحسين من أهل داريّا بدمشق، كان إماما فاضلا متديّنا. وفيها توفّى عبد «2» بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن غفير «3» أبو ذرّ الأنصارىّ الهروىّ المالكىّ الحافظ، كان يعرف فى بلده بابن السمّاك، سمع الحديث ورحل [إلى] البلاد، وكان إماما عالما فاضلا سخيّا صوفيّا. قال القاضى عيّاض: ولأبى ذرّ كتاب كبير مخرّج «4» على الصحيحين [و] «كتاب السنة والصفات» . رحمه الله تعالى. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وسبع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وست عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 435] السنة الثامنة من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة خمس وثلاثين وأربعمائة. فيها لم يحجّ أحد من العراق. وحجّ الناس من مصر وغيرها. وفيها توفّى الحسين بن عثمان بن أحمد بن سهل بن أحمد بن عبد العزيز أبى دلف أبو سعد العجلىّ، كان إماما محدّثا، سافر إلى خراسان ثمّ عاد إلى بغداد وحدّث بها، ثم انتقل إلى مكّة فتوفّى بها فى شوّال.

ما وقع من الحوادث سنة 436

وفيها توفّى عبيد الله بن أحمد بن عثمان بن الفرج بن الأزهر أبو القاسم الصّيرفىّ «1» المحدّث، كان صالحا ثقة مكثرا فى الحديث. وفيها توفّى السلطان أبو طاهر جلال الدولة بن بهاء الدولة فيروز بن عضد الدولة بويه بن ركن الدولة الحسن بن بويه. ولد سنة ثلاث وثمانين وثلثمائة. وكان ملكا محبّبا للرعيّة حسن السيرة، وكان يحبّ الصالحين. ولقى فى سلطنته من الأتراك شدائد. ومات ليلة الجمعة خامس شعبان، وغسّله أبو القاسم بن شاهين الواعظ وأبو محمد عبد القادر بن السمّاك، ودفن بداره فى دار المملكة فى بيت كان دفن فيه عضد الدولة وبهاء الدولة قبل نقلهما إلى الكوفة، ثم نقل بعد سنة إلى مقابر قريش. وكان عمره لمّا مات إحدى وخمسين سنة وشهرا؛ ومدّة ولايته على بغداد ستّ عشرة سنة وأحد عشر شهرا. ولمّا مات كان ابنه الملقّب بالملك العزيز بواسط، فكتب إليه الخليفة القائم بأمر الله يعزّيه فيه. قلت: وجلال الدولة هذا أحسن بنى بويه حالا إن لم يكن رافضيّا على قاعدتهم النّجسة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع واثنتان وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وستّ أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 436] السنة التاسعة من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة ست وثلاثين وأربعمائة. فيها دخل أبو كاليجار بغداد ولم يخرج الخليفة القائم بأمر الله إلى لقائه، فنزل فى دار المملكة وأخرج منها عيال جلال الدولة، وضرب الدّبادب على بابه

فى أوقات الصلوات الخمس؛ فروسل بالاقتصار على ثلاثة أوقات، كما كانت العادة، فلم يلتفت إلى رسول الخليفة، واستمرّت الدّبادب فى خمسة أوقات. وفيها توفّى الحسين بن علىّ بن محمد بن جعفر أبو عبد الله الصّيميرىّ «1» العلّامة. ولد سنة إحدى وخمسين وثلثمائة، وكان أحد الفقهاء الحنفيّة الأعلام؛ كان جيّد النظر حسن العبارة وافر العقل صدوقا ثقة، انتهت إليه رياسة الحنفية ببغداد، وولى القضاء بالمدائن وغيرها؛ وكان فى ولايته نزها عفيفا ديّنا ورعا. مات ليلة الأحد حادى عشرين شوّال ودفن فى داره بدرب الزرّادين «2» . وفيها توفّى عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن أبو محمد الأصبهانىّ ويعرف بابن اللبّان، كان صائما قائما صدوقا ثقة أحد أوعية العلم، وله التصانيف الحسان. وفيها توفّى علىّ بن الحسن بن إبراهيم أبو الحسن الصوفىّ الوكيل، كان ديّنا خيّرا، سكن مصر، وبها كانت وفاته فى شعبان. وفيها توفّى محمد بن أحمد بن بكير أبو بكر التّنوخىّ الخيّاط الدمشقى، كان يؤمّ بمسجد أبى صالح خارج الباب الشرقىّ بدمشق، وكان صالحا ثقة. وفيها توفّى محمد بن علىّ بن الطيّب أبو الحسين البصرىّ المتكلم، سكن بغداد ودرس بها على مذهب المعتزلة، وله تصانيف كثيرة «3» : منها «المعتمد فى أصول الفقه «4» » لم يصنّف فى فنه مثله.

وفيها توفّى محسّن بن محمد بن العبّاس الشريف الحسينىّ، كان نقيب الطالبيّين بدمشق، وولى القضاء بها بعد أخيه لأمّه فخر الدولة «1» نيابة عن أبى [محمد القاسم «2» بن] النّعمان قاضى قضاة خليفة مصر. ومات بدمشق فى المحرّم. وفيها توفّى علىّ بن الحسين بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علىّ زين العابدين بن الحسين بن علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه، الشريف أبو طالب العلوىّ الموسوىّ المعروف بالشريف المرتضى نقيب الطالبيّين ببغداد، وهو أخو الشريف الرضى. قال الحافظ أبو عبد الله الذهبىّ: وكلّ منهما رافضىّ، وكان المرتضى أيضا رأسا فى الاعتزال كثير الاطلاع والجدل. ثمّ ذكر كلاما عن ابن حزم فى هذا المعنى، أنّزه الشريف عن ذكره «3» مراعاة لسلفه الطاهر لا لاعتقاده القبيح فى الصحابة. وكان الشريف المرتضى عالما فاضلا أديبا شاعرا. ومن شعره من جملة قصيدة قوله: [الخفيف] والتقينا «4» كما اشتهينا ولا عي ... ب سوى أنّ ذاك فى الأحلام وإذا كانت الملاقاة ليلا ... فالليالى خير من الأيام وكانت وفاة الشريف فى يوم الأحد الخامس والعشرين من شهر ربيع الأوّل. وفيها توفّى محمد بن عبد الله بن أحمد أبو الوليد المرسى يعرف بابن منقذ «5» ، حدّث عن سهل بن إبراهيم وغيره، وكان عالما فاضلا ورعا محدّثا صدوقا ثقة.

ما وقع من الحوادث سنة 437

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثمانى أذرع وسبع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 437] السنة العاشرة من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة سبع وثلاثين وأربعمائة. فيها مات بواسط نصرانىّ يقال له ابن سهل، وأخرجت جنازته نهارا، فثارت العامّة بالنّصارى وجزدوا الميّت وأحرقوه، ومضوا إلى الدّير فنهبوه. وكان الملك العزيز بن جلال الدولة بن بويه بواسطّ، وعمّه الملك أبو كاليجار ببغداد، ولم يكن له تلك الهيبة، وكانوا قد أحسّوا بانقراض دولة بنى بويه بظهور طغرلبك السّلجوقىّ صاحب خراسان، فلم ينتطح فى ذلك شاتان. وفيها جهّز المستنصر صاحب الترجمة جيشا من مصر إلى حلب، فحصروا ابن مرداس فيها واستظهروا عليه، فاستنجد بالرّوم فلم ينجدوه. وقد تقدّم ذكر هذه الواقعة فى ترجمة المستنصر. وفيها لم يحج أحد من العراق. وحجّ الناس من مصر وغيرها. وفيها توفى الحسن بن محمد بن أحمد أبو محمد الدمشقىّ المعروف بابن «1» السّكن؛ كان عابدا زاهدا صام الدهر وله اثنتا «2» عشرة سنة من العمر، وعاش سبعا وثمانين سنة. وكان لا يشرب الماء فى الصيف، وأقأم سنة وخمسة أشهر لا يشربه. فقال له طبيب «3» : معدتك تشبه الآبار، فى الصيف باردة وفى الشتاء حارّة.

ما وقع من الحوادث سنة 438

وفيها توفّى محمد بن محمد بن علىّ [بن الحسن بن علىّ بن إبراهيم «1» بن علىّ] بن عبد الله ابن الحسين [الأصغر «2» ] أبو الحسن العلوىّ الحسينىّ البغدادىّ النسابة شيخ الأشراف. كان فريدا فى علم الأنساب، وله تصانيف كثيرة، وله شعر. وفيها توفّى مكّى بن أبى طالب حمّوش «3» بن محمد بن مختار الإمام أبو محمد القيسىّ القيروانىّ ثم القرطبىّ المقرئ شيخ الأندلس فى زمانه، حجّ وسمع بمكة وغيرها. وكان إماما عالما محدّثا ورعا، صنّف الكثير فى علوم القرآن. ومولده بالقيروان سنة خمس وخمسين وثلثمائة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وسبع أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 438] السنة الحادية عشرة من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة. فيها أغارت الترك على ما وراء النهر واستولوا على بخارى وسمرقند وخوارزم، فقطع طغرلبك جيحون. وبعث أخاه إبراهيم إلى العراق فاستولى على حلوان ثم عاد إلى الرىّ. والتقى طغرلبك مع الترك فهزمهم وعاد إلى خراسان. وفيها زلزلت أخلاط وديار بكر زلازل هدمت القلاع والحصون وقتلت خلقا كثيرا.

ما وقع من الحوادث سنة 439

وفيها لم يحجّ أحد من العراق. وحجّ الناس من مصر والشام. وفيها توفّى عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن حيّويه «1» الجوينىّ الشافعى والد أبى «2» المعالى الجوينى. وجوين (بضم الجيم) : بلدة من أعمال نيسابور. وأصلهم من العرب من بنى سنبس «3» . سمع الحديث، وتفقّه بمرو على القفّال «4» ، وصنّف التصانيف الكثيرة. ومات بنيسابور. وفيها توفّى محمد بن يحيى بن محمد أبو بكر. كان أصله من قرية بالعراق يقال لها الزيديّة. كان عالما بالقرآن والفرائض وسمع الحديث. ومات فى شهر رمضان. قال أبو بكر الخطيب: «كتبت عنه، وكان ثقة» . وفيها توفّى الحسن بن محمد بن إبراهيم أبو علىّ البغدادىّ المالكىّ المقرئ العالم المشهور، مصنّف «الروضة «5» » . كان عالما بالقراءات وغيرها، مفتنّا. مات فى هذه السنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ست أذرع وعشر أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وتسع عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 439] السنة الثانية عشرة من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة تسع وثلاثين وأربعمائة.

فيها وقع الغلاء والوباء بالموصل والجزيرة وبغداد، ووصل كتاب من الموصل أنهم أكلوا الميتة، وصلّى الجمعة أربعمائة نفس، ومات الباقون وكانوا زيادة على ثلثمائة «1» إنسان، وبيعت الزمّانة يقيراطين، واللّينوفرة «2» بقيراطين أيضا، والخيارة بقيراط. قاله صاحب مرآة الزمان. وفيها توفّى أحمد [بن أحمد «3» ] بن محمد أبو عبد الله القصرىّ (من قصر «4» ابن هبيرة) . ولد سنة ست وأربعين وثلثمائة. وسمع الحديث، وكان من أهل العلم والقرآن، يختم القرآن فى كلّ يوم مرّة، وكان معروفا بالسنّة. ومات فى شهر رجب، ودفن بباب حرب. وكان صدوقا صالحا ثقة. وفيها توفّى أحمد بن عبد العزيز بن الحسن أبو يعلى الطاهرىّ (من ولد طاهر ابن الحسين الأمير) . ولد سنة إحدى وثمانين وثلثمائة، وقرأ الأدب وسمع الحديث. ومات فى شوّال. وكان فصيحا صدوقا. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن عبد الله بن أحمد أبو الفضل الهاشمىّ العباسىّ، من ولد هارون الرشيد. ولى النّضاء بسجستان، وسمع الحديث، وكان له شعر وفضل.

ما وقع من الحوادث سنة 440

وفيها كان الطاعون العظيم بالموصل والجزيرة وبغداد، وصلّى بالموصل على أربعمائة نفس دفعة واحدة، وبلغت الموتى ثلثمائة ألف إنسان. وفيها توفّى عبد الواحد بن محمد بن يحيى بن أيّوب أبو القاسم البغدادىّ الشاعر المشهور، كان يعرف بالمطرّز «1» . مات ببغداد فى جمادى الآخرة. وفيها توفّى محمد بن الحسين بن علىّ بن عبد الرحيم الوزير أبو سعد «2» وزير جلال الدولة بن بويه. لقى شدائد من المصادرات من الأتراك، حتى آل أمره أنّه خرج من بغداد مستترا وأقام بجزيرة «3» ابن عمر حتّى مات فى ذى القعدة. وفيها توفّى محمد بن علىّ بن محمد بن إبراهيم أبو الخطّاب الشاعر الجبّلىّ، أصله من قرية جبّل عند النّعمانيّة ببغداد. كان فصيحا شاعرا. رحل إلى البلاد ثم عاد إلى بغداد، وقد كفّ بصره فمات بها. وكان رافضيّا خبيثا. ومن شعره: [المنسرح] ما حكم الحبّ فهو ممتثل ... وما جناه الحبيب محتمل تهوى وتشكو الضّنى وكلّ هوّى ... لا ينحل الجسم فهو منتحل أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وثلاث وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وسبع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 440] السنة الثالثة عشرة من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة أربعين وربعمائة.

فيها تمت عمارة سور شيراز، ودوره اثنا عشر ألف ذراع، وارتفاع حائطه عشرون «1» ذراعا، وله عشرة أبواب. وفيها ولّى المستنصر صاحب الترجمة خليفة مصر القائد طارقا الصّقلبىّ على دمشق؛ وعزل عنها ناصر الدولة الحسن بن الحسين بن عبد الله بن حمدان، وقبض عليه واستقدمه إلى مصر؛ ثمّ صرف المستنصر طارقا عن إمرة دمشق فى سنة إحدى وأربعين، وولّى مكانه عدة الدولة المستنصرىّ؛ ثمّ صرفه أيضا عنها وبعث به إلى حلب، وولّى دمشق حيدرة بن الحسين بن مفلح، ويعرف بأبى الكرم «2» المؤيّد؛ فأقام عليها حيدرة تسع سنين. وفيها فى شعبان ختن الخليفة القائم بأمر الله العباسىّ ابنه أبا العبّاس محمدا، ولقبه بذخيرة الدين «3» وذكر اسمه على المنابر. وفيها لم يحجّ أحد من العراق. وحجّ الناس من مصر وغيرها. وفيها توفّى محمد بن جعفر [بن] «4» أبى الفرج الوزير أبو الفرج ويلقّب ذا «5» السعادات. وزر لأبى كاليجار بفارس وبغداد. وكان وزيرا فاضلا عادلا شاعرا. ومات فى شهر ربيع الآخر، وقيل: فى جمادى الأولى. ومن شعره: [الوافر] أودّعكم وإنى ذو اكتئاب ... وأرحل عنكم والقلب آبى وإنّ فراقكم فى كل حال ... لأوجع من مفارقة الشباب

وفيها توفّى السلطان أبو كاليجار، واسمه المرزبان بن سلطان الدولة بن بهاء الدولة فيروز بن عضد الدولة بويه بن ركن الدولة الحسن بن بويه بن فنّا خسرو الدّيلمىّ. ولد بالبصرة سنة تسع وتسعين وثلثمائة فى شوّال، ومات ليلة الخميس منتصف جمادى الأولى. وكانت ولايته على العراق أربع سنين وشهرين وأياما، ومدّة ولايته على فارس والأهواز خمسا وعشرين سنة. وكان شجاعا فاتكا مشغولا بالشرب واللهو. ولمّا مات كان ولده أبو نصر ببغداد فى دار الملك نيابة عن أبيه، فلقّبه الخليفة القائم بأمر الله «الملك الرحيم» وخلع عليه خلعة السلطنة. وكانت الخلع سبع جباب كاملة والتاج والطّوق والسوارين واللواءين كما كان فعل بعضد الدولة. وفيها توفّى الفضل- وقيل: فضل الله- بن أبى الخير محمد بن أحمد أبو «1» سعيد الميهنىّ العارف بالله صاحب الأحوال والكرامات. مات بقرية ميهنة من خراسان فى شهر رمضان وله تسع وسبعون سنة بعد أن سمع الحديث، وروى عنه جماعة، وتكلّم فى اعتقاده ابن حزم. والله أعلم بحاله. وفيها توفّى محمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن إسحاق بن زياد أبو بكر الأصبهانىّ التاجر المعروف بابن ريذة «2» . روى عن الطّبرانىّ معجميه الكبير والصغير. وطال عمره، وسار ذكره، وتفرّد بأشياء. ذكره أبو زكريّا بن مندة وقال: «الفقيه «3» الأمين» . كان أحد وجوه الناس، وافر العقل، كامل الفضل.

ما وقع من الحوادث سنة 441

وفيها توفّى محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان بن عبد الله بن غيلان بن حكيم أبو طالب الهمذانىّ البغدادىّ البزّاز أخو غيلان المقدّم «1» ذكره. سمع من أبى بكر الشافعىّ أحد عشر جزءا معروفة بالغيلانيّات، وتفرّد فى الدنيا عنه. قال أبو بكر الخطيب: «كتبنا عنه، وكان صدوقا ديّنا صالحا» . أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وثلاث وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 441] السنة الرابعة عشرة من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة إحدى وأربعين وأربعمائة. فيها كانت فتنة بين أهل السنّة والرافضة. قال القاضى أبو القاسم علىّ بن المحسّن التنوخىّ: «أهل الكرخ طائفة نشأت على سبّ الصحابة، وليس للخلافة عليها أمر» . قلت: وعدم أمر الخليفة عليهم لميل بنى بويه إليهم فى الباطن، فإنهم أيضا من كبار الشيعة، وهم يوم ذلك سلاطين بغداد؛ غير أنهم كانوا لا يظهرون ذلك خوفا على الملك. وفيها هبّت ريح سوداء ببغداد أظلمت الدنيا وقلعت رواشن دار الخلافة ودار المملكة ودور الناس، واقتلعت من الشجر والنخل شيئا كثيرا. وفيها نزل طغرلبك السّلجوقىّ الرّىّ ولم يتحقّق موت أبى كاليجار بن بويه، ثمّ فحص عن ذلك حتّى تحقّق وفاته.

ما وقع من الحوادث سنة 442

وفيها دخل السلطان مودود بن مسعود بن محمود بن سبكتكين بلاد الهند، ووصل إلى الأماكن التى كان وصل إليها جدّه محمود. وفيها توفّى أحمد بن حمزة بن محمد بن حمزة بن خزيمة أبو إسماعيل الهروىّ الصوفىّ. كان يعرف بعمّويه وكان شيخ الصوفية بهراة. سمع الكثير بالعراق والشام. ومات بهراة فى شهر رجب. وفيها توفّى محمد بن علىّ بن عبد الله أبو عبد الله الصّورىّ الحافظ. ولد بصور «1» سنة ست وسبعين وثلثمائة وقدم بغداد، وسمع الحديث على كبر السنّ وعنى به. وكان إماما صحيح النقل دقيق الخطّ صائما قائما لا يفطر إلّا فى العيدين وأيام التشريق. وكان حسن المحاضرة. وله شعر على طريق القوم؛ فمن ذلك من قصيدة: [المجتث] نعم الأنيس كتاب ... إن خانك الأصحاب تنال منه فنونا ... تحظى بها وتثاب أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وتسع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 442] السنة الخامسة عشرة من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة.

فيها كان من العجائب أنّه وقع الصلح بين أهل السّنّة والرافضة وصارت كلمتهم واحدة. وسبب ذلك أنّ أبا محمد النّسوىّ ولّى شرطة بغداد وكان فاتكا، فاتّفقوا على أنّه متى رحل إليهم قتلوه، واجتمعوا وتحالفوا، وأذّن بباب البصرة ب «- حىّ على خير العمل» وقرىء فى الكرخ فضائل الصحابة، ومضى أهل السّنة والشّيعة إلى مقابر قريش، فعدّ ذلك من العجائب؛ فإنّ الفتنة كانت قائمة والدماء تسكب، والملوك والخلفاء يعجزون عن ردّهم، حتّى ولىّ هذا الشرطة، فتصالحوا على هذا الأمر اليسير. فلله الأمر من قبل ومن بعد. وفيها توفّى علىّ بن عمر بن محمد بن الحسن أبو الحسن الزاهد المعروف بابن «1» القزوينىّ. ولد بالحربيّة» ببغداد فى المحرّم سنة ستّين وثلثمائة؛ وكان إماما فاضلا زاهدا، قرأ النّحو وسمع الحديث الكثير؛ وكان صاحب كرامات وصلاح، يقصد للزيارة. ومات فى شعبان. وفيها توفّى الأمير قرواش بن المقلّد أبو المنيع صاحب الموصل والكوفة والأنبار. وقرواش بفتح «3» القاف والراء المهملة والواو وبعد الألف شين معجمة ساكنة. ومعناه باللغة التركية عبد أسود. وكان قرواش هذا قد خلع عليه الخليفة القادر بالله ولقّبه معتمد الدولة. وكان قد جمع بين أختين، فلامه النّاس على ذلك؛ فقال لهم: خبّرونى، ما الذي نستعمله مما تبيحه الشريعة! فهذا من ذاك. وكان الحاكم بأمر الله استماله فحطب له ببلاده ثمّ رجع عن ذلك. ولمّا مات قرواش ولى مكانه

ما وقع من الحوادث سنة 443

ابن أخيه قريش بن بدران بن المقلّد المقدّم ذكره فى ترجمة المستنصر أنّه كان مع البساسيرىّ. ويأتى ذلك أيضا فى محلّه مختصرا. وفيها توفّى السلطان مودود بن مسعود بن محمود بن سبكتكين صاحب غزنة، وغيرها من بلاد الهند وغيره. ومات بغزنة، وقام مقامه عمّه عبد الرشيد بن محمود بن سبكتكين؛ اختاره أهل المملكة فأقاموه. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وستّ عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 443] السنة السادسة عشرة من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة. فيها فى صفر عادت الفتنة بين أهل السّنّة والرافضة ببغداد، وكتب أهل الكرخ على برج الباب: «محمد وعلىّ خير البشر، فمن رضى فقد شكر، ومن أبى فقد كفر» . وثارت الفتنة بينهم، ولم يقدر على منعهم الخليفة ولا السلطان. واستنجد الخليفة بعيّار من أهل درب ريحان، فأحضر إلى الديوان واستتيب عن الحرام، وسلّط على أهل الكرخ فقتل منهم جماعة كثيرة. وفيها أقام ابن المعزّ «1» بن باديس الصنهاجىّ ملك الغرب الدعوة بالمغرب للقائم بأمر الله العباسىّ، وأبطل دعوة بنى عبيد خلفاء مصر من الغرب. وكان المعزّ لدين

الله معدّ لمّا خرج من المغرب وقصد الديار المصريّة سلّمها إلى المعزّ بن باديس. فأقام بها سنين إلى أن توفّى، وملكها ابنه من بعده؛ فأقام مدّة سنين يخطب لبنى عبيد إلى هذه السنة؛ فأبطل الدعوة لهم وخطب لبنى العبّاس، ودعا للقائم بأمر الله وهو ببغداد. فلم تزل دعوة العباسية بعد ذلك بالمغرب حتى ظهر محمد بن تومرت «1» بالمغرب وتلقّب بالمهدىّ، وقام بعده عبد المؤمن بن علىّ فقطع الدعوة لبنى العبّاس فى أيام المقتفى العبّاسىّ، على ما سيأتى ذكره إن شاء الله تعالى. وفيها لم يحجّ أحد من العراق. وحجّ الناس من مصر وغيرها. وفيها توفّى أحمد بن عثمان بن عيسى أبو نصر الجلّاب «2» ، كان محدّثا ثقة؛ وأخرج له أبو بكر الخطيب حديثا عن ابن عمر: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلم قرئت عنده سورة الرحمن فقال: «مالى أرى «3» الجنّ أحسن جوابا لردّها منكم» . قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: «ما أتيت على قول الله تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ إلّا قالت الجنّ ولا بشىء من نعمك يا ربنّا نكذّب» . وفيها توفّى إسماعيل بن علىّ بن الحسين زنجويه أبو سعد الحافظ الرازىّ «4» الحنفىّ؛ كان إماما فاضلا طاف الدنيا ولقى الشيوخ وأثنى عليه العلماء؛ وكان ورعا زاهدا فاضلا، إمام أهل زمانه [بغير مدافعة «5» ] ، [و] ما رأى مثل نفسه [فى كلّ فنّ «6» ] ،

ما وقع من الحوادث سنة 444

وكان يقال له: شيخ العدليّة «1» ومات بالرّىّ، ودفن بجنب الإمام محمد بن الحسن صاحب أبى حنيفة. وكان قرأ على ألف وثلثمائة شيخ، وقرأ عليه ثلاثة آلاف. قال ابن عساكر: سمع نحوا من أربعة آلاف «2» شيخ، ومات وله أربع وتسعون سنة. وفيها توفّى محمد بن محمد بن أحمد أبو الحسن البصروىّ «3» ؛ كان شاعرا فصيحا فاضلا ظريفا صاحب نوادر. ومن شعره: [الوافر] ترى الدنيا وزهرتها فتصبو ... وما يخلو من الشّبهات قلب فضول العيش أكثرها هموم ... وأكثر ما يضرّك ما تحبّ وفيها توفّى المفضّل بن محمد بن مسعود «4» أبو المحاسن التّنوخىّ المعزى الفقيه الحنفى. تفقّه على القدورىّ، وأخذ الأدب عن أبى عيسى الرّبعىّ وبرع فى فنون، وناب فى القضاء بدمشق، وولى قضاء بعلبكّ؛ وصنّف تاريخ النحاة وأهل اللغة. ومات بدمشق، ولم يخلف بعده مثله. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا واثنتا عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 444] السنة السابعة عشرة من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة أربع وأربعين وأربعمائة.

فيها برز محضر من ديوان الخليفة القائم بأمر الله العبّاسىّ بالقدح فى أنساب خلفاء مصر وأنّهم ديصانيّة «1» خارجون عن الإسلام، من جنس المحضر الذي برز فى أيام للقادر بالله، وقد ذكرناه فى وقته، وأخذ فيه خطوط القضاة والشهود والأشراف وغيرهم. وفيها كانت فى مدينة أرّجان والأهواز زلازل عظيمة ارتجّت منها الأرض، وقلّعت الجبال وخرّبت القلاع، وامتدّت هذه الزلازل إلى بلاد كثيرة. وفيها استولى طغرلبك محمد بن ميكائيل السّلجوقىّ على همذان ونواحيها، وطمع فى قصد العراق. وفيها توفّى الحسن بن علىّ بن محمد بن علىّ أبو علىّ التميمىّ الواعظ، سمع الحديث الكثير وروى عنه مسند الإمام أحمد عن القطيعىّ «2» . وفيها توفّى سهل بن محمد بن الحسن أبو الحسن الفاسىّ «3» الصوفىّ، سمع الكثير وحدّث بالعراق ودمشق وصور، وتوجه إلى مصر فمات بها. وكان أديبا شاعرا على طريق القوم. فمن ذلك قوله: [الطويل] إذا كنت فى دار يهنيك أهلها ... ولم تك محبوبا بها فتحوّل وأيقن بأن الرّزق يأتيك أينما ... تكون ولو فى قعر بيت مقفّل

ما وقع من الحوادث سنة 445

وفيها توفّى عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد بن عمر الإمام أبو عمرو الأموى مولاهم القرطبىّ المقرئ الحافظ المعروف بآبن الصيرفىّ «1» أوّلا، ثم بأبى عمرو الدّانى «2» ؛ صاحب التصانيف. كان أحد الأئمة فى علم القرآن ورواياته وتفسيره ومعانيه وطرقه، وجمع فى ذلك كلّه تواليف حسانا مفيدة يطول تعدادها. قال الحافظ أبو عبد الله الذهبىّ: وبلغنى أن مصنّفاته مائة وعشرون مصنفا. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وأربع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وخمس أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 445] السنة الثامنة عشرة من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة خمس وأربعين وأربعمائة. فيها وقف طغرلبك السّلجوقىّ على مقالات الأشعرىّ، وكان طغرلبك حنفيّا، فأمر بلعن الأشعرىّ على المنابر، وقال: هذا يشعر بأن ليس لله فى الأرض كلام. فعزّ ذلك على أبى القاسم القشيرىّ «3» ، وعمل رسالة سمّاها «شكاية أهل السّنّة ما نالهم من المحنة» . ووقع بعد ذلك أمور، حتّى دخل القشيرىّ وجماعة من الأشعريّة إلى السلطان طغرلبك المذكور وسألوه رفع «4» اللّعنة عن الأشعرىّ. فقال طغرلبك: الأشعرىّ عندى مبتدع يزيد على المعتزلة، لأنّ المعتزلة أثبتوا أنّ القرآن فى المصحف وهذا نفاه. قال الحافظ أبو الفرج بن الجوزىّ رحمه الله: لو أنّ القشيرىّ لم يعمل

فى هذه رسالة كان أستر للحال، لأنّه إنّما ذكر فيها أنّه وقع اللعن على الأشعرىّ، وأنّ السلطان سئل أن يرفع ذلك فلم يجب؛ ثمّ لم يذكر له حجّة، ولا دفع للخصم شبهة. وذكر ابن الجوزىّ من هذا النوع أشياء كثيرة، حتّى قال: وذكر مثل هذا نوع تغفّل. انتهى. وفيها توفّى إبراهيم بن عمر بن أحمد أبو إسحاق الفقيه الحنبلىّ ويعرف بالبرمكىّ، لأنّ أهله كانوا يسكنون بالبرمكيّة «1» ؛ كان إماما عارفا بمذهبه، وله حلقة للفتوى بجامع المنصور، وسمع خلقا كثيرا، وروى عنه الخطيب وغيره؛ وكان صالحا زاهدا ورعا ديّنا صدوقا ثقة. وفيها توفّى أحمد بن عمر بن روح أبو الحسين «2» النّهروانىّ؛ كان فاضلا شاعرا قال: كنت على شاطئ «3» دجلة، فمرّبى إنسان فى سفينة وهو يقول: [الوافر] وما طلبوا سوى قتلى ... فهان علىّ ما طلبوا فقلت له: قف، ثم قلت بديها: أضف إليه: على قلبى الأحبّة بالت ... مادى فى الجفا غلبوا وبالهجران طيب النّو ... م من عينىّ قد سلبوا وما طلبوا سوى قتلى ... فهان على ما طلبوا

ما وقع من الحوادث سنة 446

وفيها توفّى مطهّر «1» بن محمد بن إبراهيم أبو عبد الله الصوفىّ الشّيرازىّ أحد أعيان مشايخ الصوفيّة، جاور بمدينة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أربعين سنة، ورحل إلى بغداد، ثمّ عاد إلى دمشق فمات بها فى شهر رجب. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وأربع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا سواء. *** [ما وقع من الحوادث سنة 446] السنة التاسعة عشرة من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة ستّ وأربعين وأربعمائة. فيها استوحش الخليفة القائم بأمر الله من الأمير أبى الحارث أرسلان البساسيرىّ واستوحش البساسيرىّ منه. وهذا أوّل الفتنة التى ذكرناها فى ترجمة المستنصر هذا من أنه خطب له على منابر بغداد. وكتب الخليفة القائم بأمر الله إلى طغرلبك السّلجوقىّ فى الباطن يستنهضه إلى السير إلى العراق، وكان بنواحى خراسان. وفيها توفّى الحسن بن علىّ بن إبراهيم أبو علىّ الأهوازىّ المقرئ، كان إماما فى القراءات، وصنّف فى علوم القرآن كتبا كثيرة، وانتهت إليه الرياسة بالشام فى القراءة، وسمع الحديث الكثير، وكان يكره مذهب الأشعرىّ ويضعفه، ومن أجله صنّف ابن عساكر كتابه المسمّى «تبيين «2» [كذب] المفترى، [فيما نسب] إلى أبى الحسن الأشعرىّ» .

ما وقع من الحوادث سنة 447

وفيها توفّى الحسين بن جعفر بن محمد «1» بن جعفر بن داود أبو عبد الله السّلماسىّ «2» الفقيه الصالح، كان مشهورا بأفعال البرّ والصدقات، ينفق ماله على الفقراء والصالحين، وأخذ منه السلطان عشرة آلاف دينار قرضا، ثمّ أراد ردّها فلم يقبلها، وقال: إننى رجل يأكل من مالى قوم لو علموا أنّنى أخذت من مال السلطان لأمتنعوا. وفيها توفى عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الأصبهانىّ الفقيه المحدّث، كان زاهدا عالما ورعا، وكنيته أبو محمد «3» ، ويعرف بابن اللبّان. أثنى على علمه وفضله جماعة من العلماء. وكانت وفاته فى جمادى الآخرة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وأربع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 447] السنة العشرون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة سبع وأربعين وأربعمائة. فيها دخل طغرلبك السّلجوقىّ بغداد، وهرب منها أبو الحارث أرسلان البساسيرىّ إلى الرّحبة «4» ، وكاتب البساسيرىّ المستنصر صاحب مصر، ومشت الرّسل بينهما.

وفيها استولى أبو كامل «1» علىّ بن محمد الصّليحىّ على اليمن، وانتمى إلى المستنصر صاحب مصر، وخطب له باليمن، وأزال دعوة بنى العبّاس منها، وكان يدعى بها للقائم بأمر الله، فصار يدعو للمستنصر هذا صاحب الترجمة. وفيها توفّى الحسين [بن علىّ» ] بن جعفر بن علكان بن محمد بن دلف أبو عبد الله العجلىّ القاضى، وكان يعرف بآبن ماكولا، ولى قضاء البصرة وبغداد، وكان قاضيا نزها عفيفا ديّنا أديبا شاعرا. وفيها توفّى على بن المحسّن بن علىّ بن محمد بن أبى الفهم أبو القاسم التّنوخىّ القاضى، تقلّد القضاء فى عدّة بلاد، وسمع الحديث الكثير، وصنف الكتب المفيدة؛ ومات فى بغداد فى المحرّم. وكان صدوقا محتاطا فى الحديث. وقيل: إنّه كان معتزليّا يميل إلى الرّفض. وفيها توفّى محمد ابن الخليفة القائم بأمر الله العباسىّ فى حياة والده، كان قد نشأ نشوءا حسنا، ورشّحه أبوه القائم بأمر الله للخلافة، ولقّبه «ذخيرة الدين» . وكانت وفاته فى ذى القعدة، وحزن عليه أبوه القائم حزنا شديدا، وخرج حتّى صلّى عليه بنفسه، فصلّى عليه وبينه وبين الناس سرادق وهم يصلّون خلفه بصلاته؛ وجلس الوزير رئيس الرؤساء للعزاء ثلاثة أيّام، ومنع من ضرب الطّبول ثلاثة أيّام، فلمّا كان اليوم الرابع حضر عميد الملك وزير السلطان بين يدى القائم بأمر الله، وأدّى عن السلطان رسالة تتضمّن التعزية والسؤال بقيام الوزير والجماعة من مجلس التّعزية فقاموا، ثم حمل تابوته بعد ذلك إلى الرّصافة فدفن هناك.

ما وقع من الحوادث سنة 448

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وستّ عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وأربع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 448] السنة الحادية والعشرون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة ثمان وأربعين وأربعمائة. فيها عم الوباء والقحط بغداد والشام ومصر والدنيا، وكان الناس يأكلون الميتة. وبلغت الرّمانة والسفرجلة دينارا، وكذا الخيارة واللّينوفرة، وانقطع ماء النيل بمصر، وكان يموت بها فى كلّ يوم عشرة آلاف إنسان. وباع عطّار واحد فى يوم واحد ألف قارورة شراب. ووقع بمصر أنّ ثلاثة لصوص نقبوا نقبا فوجدوا عند الصّباح موتى: أحدهم على باب النقب، والثانى على رأس الدرجة، والثالث على الكارة التى سرقها. وهذا الوباء والغلاء خلاف الغلاء الذي ذكرناه فى ترجمة المستنصر؛ ويأتى ذكر ذلك أيضا فى محلّه. غير أنّه كان ينذر عن ذاك بأمور استرسلت إلى أن عظم الأمر. وفيها أقيم الأذان فى مشهد موسى بن جعفر ومساجد الكرخ ب «الصلاة خير من النوم» على رغم أنف الشّيعة، وأزيل ما كانوا يقولونه فى الأذان من «حىّ على خير العمل» . وفيها توفّى جعفر بن محمد بن عبد الواحد أبو طالب الجعفرىّ الشريف الطّوسىّ شيخ الصوفية، كان محدّثا فاضلا، سافر [إلى] البلاد فى طلب الحديث، وسمع بالعراقين والشام وخراسان وغيرها.

ما وقع من الحوادث سنة 449

وفيها توفّى علىّ بن أحمد بن علىّ أبو الحسن المؤدّب. أصله من قرية ببلاد خوزستان يقال لها «فالة» (بفاء) ثم قدم البصرة وسمع الحديث، ثم قدم بغداد ومات بها، وكان محدّثا شاعرا أديبا فصيحا ثقة. وفيها توفّى هلال بن المحسّن بن إبراهيم بن هلال أبو الحسين الكاتب الصابئ صاحب التاريخ- قلت: نقلنا عنه كثيرا فى هذا التاريخ- وكان مولده فى سنة تسع وخمسين وثلثمائة، وجدّه إبراهيم هو صاحب الرسائل المقدّم ذكر وفاته، وأن الشريف الرضى رثاه، وعيب عليه من كونه من الأشراف ورثى صابئا. وكان أبو هلال هذا المحسّن صابئا، وأسلم هو متأخرا؛ وكان قبل أن يسلم سمع جماعة من النحاة، منهم أبو علىّ الفارسىّ وعلىّ بن عيسى الرّمّانىّ وغيرهما. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وخمس عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثلاث عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 449] السنة الثانية والعشرون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة تسع وأربعين وأربعمائة. فيها استعفى ابن النّسوىّ من ولاية الشّرطة ببغداد لأستيلاء الحراميّة واللصوص عليها بحيث إنه أقيم جماعة لحفظ قصر الخليفة والطّيّار الذي للخليفة من الحريق، لأنّ «1» اللصوص كانوا إذا امتنع عليهم موضع حرّقوه. وفيها كان الطاعون العظيم ببخارى، حتّى إنه خرج منها فى يوم واحد ثمانية عشر ألف إنسان. وحصر من مات فيه فكان ألف ألف وستمائة ألف وخمسين ألف

شخص. ثمّ وقع فى أذربيجان والأهواز وواسط والبصرة، حتّى كانوا يحفرون التّربة الواحدة ويلقون فيها العشرين والثلاثين. ثمّ وقع بسمرقند وبلخ، فكان يموت فى كلّ يوم ستة آلاف وأكثر. وذكر صاحب المرآة فى هذا الطاعون أشياء مهولة يطول الشرح فى ذكرها، منها أن مؤدّب «1» أطفال كان عنده تسعمائة صغير فلم يبق منهم واحد. ومات من عاشر شوّال إلى سلخ ذى القعدة بسمرقند خاصّة مائتا ألف وستة وثلاثون ألفا. وكان ابتداء هذا الطاعون من تركستان إلى كاشغر وفرغانة انتهى. وفيها توفّى أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان ابن داود بن المطهّر بن زياد بن ربيعة [بن الحارث «2» ] بن أنور بن أسحم بن أرقم بن النّعمان بن عدىّ بن غطفان بن عمرو بن بريح بن خزيمة «3» بن تيم الله بن أسد بن وبرة ابن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة أبو العلاء المعرّىّ التّنوخىّ اللغوىّ الأعمى الشاعر المشهور صاحب التصانيف المشهورة. قال الذهبىّ: وصاحب الزندقة المأثورة. وقال أبو المظفّر فى مرآة الزمان: وتنوخ قبيلة من اليمن. وتوفّى أبو العلاء بمعرّة النّعمان فى يوم الجمعة ثالث عشر [شهر] ربيع الأوّل. ومولده يوم الجمعة لثلاث بقين من [شهر] ربيع الأوّل سنة ثلاث وستين وثلثمائة. وأصابه جدرىّ بعد ثلاث سنين من عمره فعمى منه. وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة. قلت: وقد اختلف الناس فى أبى العلاء المذكور، فمن الناس

ما وقع من الحوادث سنة 450

من جعله زنديقا وهم الأكثر، ومن الناس من أوّل كلامه ودفع عنه. وممّا يستشهد عليه من المقالة الأولى قوله: [الوافر] عقول «1» تستخفّ بها سطور ... ولا يدرى الفتى لمن الثّبور كتاب محمد وكتاب موسى ... وإنجيل ابن مريم والزّبور وله فى غير هذا المعنى أشياء كثيرة، وتصانيف مشهورة، منها «سقط الزّند» وشرحه بنفسه وسماه «ضوء السقط» . وله غير ذلك. وفيها توفّى إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عابد بن عامر أبو عثمان الواعظ المفسر الصّابونىّ النيسابورىّ شيخ الإسلام. قال أبو عبد الله المالكىّ: أبو عثمان ممن شهد له أعيان الرجال بالكمال فى الحفظ والتفسير وغيرهما. وقال البيهقىّ: أنبأنا إمام المسلمين حقّا، وشيخ الإسلام صدقا أبو عثمان الصابونىّ. وفيها توفّى علىّ بن هندىّ القاضى أبو الحسن قاضى حمص. ولد سنة أربعمائة. كان عالما فاضلا نزها عفيفا فصيحا، مات بدمشق. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع عشرة دراعا وثلاث أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 450] السنة الثالثة والعشرون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة خمسين وأربعمائة. فيها أقام أبو الحارث أرسلان البساسيرىّ الدعوة للمستنصر ببغداد وخطب له على منابرها. وقد استوعبنا واقعته مع الخليفة القائم بأمر الله العباسىّ فى أوّل ترجمة المستنصر هذا، فيطلب هناك.

وفيها ولّى المستنصر الأمير ناصر الدولة أبا محمد الحسن بن الحسين بن حمدان على دمشق، فدام بها إلى أن أمره المستنصر أن يتوجّه إلى حلب فى سنة اثنتين وخمسين لقتال العرب الذين استولوا عليها؛ فتوجّه إليها ودافع العرب بظاهرها فكانت بينهم وقعة هائلة انكسر فيها ناصر الدولة المذكور وعاد جريحا، واستولت العرب على أثقاله وما كان معه. وفيها توفّى داود جغرى بك أخو السلطان طغرلبك السّلجوقى، وداود كان الأكبر. ولم يقدم بغداد، وكان مقيما بخراسان بإزاء أولاد محمود بن سبكتكين. وهو حمو الخليفة القائم بأمر الله. وكان ملكا شجاعا عاقلا جوادا مدبّرا حكيما. مات ببلخ. وتوجّه ولداه ياقوتى «1» بك وقاورد «2» بك إلى عند أخيهما متملّك الأمر بعد أبيهما، واسمه ألب أرسلان، وقرّر عمّهما السلطان طغرلبك أمورهما، وكان بأصبهان وقد عزم على قصد العراق. وفيها توفّى طاهر بن عبد الله بن طاهر أبو الطيّب الطّبرىّ القاضى الشافعىّ. تفقّه بخراسان وبالعراق، وولى القضاء بربع الكرخ. ومولده سنة ثمان وأربعين وثلثمائة، ومات يوم السبت عشرين [شهر] ربيع الأوّل، وقد بلغ مائة سنة وسنتين وهو صحيح العقل ثابت الفهم سليم الأعضاء والحواسّ. وفيها توفّى عبد الله بن علىّ بن عياض أبو محمد الصّورىّ، كان يلقّب بعين الدولة، كان جليلا نبيلا، ولى القضاء بصور، وسمع الكثير، وخرّج له أبو بكر الخطيب فوائد فى أربعة أجزاء وقرأها عليه بصور. وهو الذي أخذ الخطيب مصنّفاته وادّعاها لنفسه. ومات فجأة فى الزّيب (قرية بين عكّا وصور) فى شوّال. وكان صدوقا ثقة.

ما وقع من الحوادث سنة 451

وفيها قتل الوزير رئيس الرؤساء علىّ بن الحسين بن أحمد بن محمد الوزير ابو القاسم، كان من بيت رياسة ومكانة، استكتبه القائم بأمر الله العبّاسىّ، ثمّ استوزره ولقّبه «رئيس الرؤساء شرف الوزراء» . ومولده فى شعبان سنة تسع وتسعين وثلثمائة. وكان عالما بفنون كثيرة مع سداد رأى ووفور عقل. قتله أبو الحارث أرسلان البساسيرىّ. حسب ما ذكرناه فى أوّل ترجمة المستنصر صاحب الترجمة. وفيها توفّى علىّ بن محمد بن حبيب أبو الحسن «1» الماوردىّ البصرىّ الإمام الفاضل الفقيه الشافعىّ صاحب التصانيف الحسان، منها «التفسير» و «كتاب الحاوى» و «الأحكام السلطانية» و «قوانين الوزارة» و «الأمثال» . وولى القضاء ببلدان كثيرة. وكان محترما عند الخلفاء والملوك. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وسبع أصابع. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا واثنتا عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 451] السنة الرابعة والعشرون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة إحدى وخمسين وأربعمائة. فيها انصرف أبو الأغرّ دبيس بن مزيد عن بغداد على غضب من البساسيرىّ. وفيها كان بمكة رخص لم يعهد مثله «2» ، حتّى بلغ البرّ والتمر مائتى رطل بدينار. وفيها قتل أبو الحارث أرسلان التركىّ المعروف بالبساسيرىّ صاحب الدعوة للمستنصر ببغداد، كان يلقّب بالمظفّر. وكان فى مبدأ أمره مقدّما على الأتراك

خصيصا عند القائم بأمر الله العباسىّ، لا يقطع القائم أمرا دونه. فتجبّر وطغى، فجفاه القائم واستنصر عليه بالسلطان طغرلبك السّلجوقىّ حتّى خرج من بغداد على غضب. وصار يسعى فى زوال الخلافة عن القائم، ولا زال يدبّر عليه حتى فعل تلك الأمور، ودخل بغداد وقاتل الخليفة القائم وقطع خطبته وخطب للمستنصر صاحب الترجمة، وقتل الوزير رئيس الرؤساء المقدّم ذكره- وقد ذكرنا ذلك كلّه فى أوّل ترجمة المستنصر هذا- وملك بغداد ودام بها حتّى ظفره «1» السلطان طغرلبك السّلجوقىّ وقتله شرّ قتلة. وأعاد الخليفة القائم بأمر الله من حديثة «2» عانة إلى بغداد، وأعيدت الخطبة باسمه، وأبطل طغرلبك اسم المستنصر هذا من بغداد والعراق، ومهّد أمورها (أعنى العراق) حتّى عادت كما كانت عليه، وكان قتله فى آخر السنة. وفيها توفّى الحسن بن أبى «3» الفضل الإمام أبو علىّ الشّرمقانىّ «4» - والشّرمقان: قرية من قرى نيسابور- كان إماما فاضلا حافظا للقرآن ووجوه القراءات، زاهدا عابدا ورعا سليم الصدر. وكان لا يقبل من أحد، ويقنع بورق الخسّ. فاتفق أنّ ابن العلّاف خرج يوما متوجّها على دجلة «5» فرأى الشّرمقانىّ هذا يأخذ ما يرمى به أصحاب الخسّ فيأكله، فشقّ عليه ذلك، فحكى أمره للوزير رئيس الرؤساء؛ فقال: نبعث له شيئا؛ فقال: لا يقبل. فقال الوزير: تحيّل فيه. فقال لغلام له: اذهب إلى مسجد الشّرمقانىّ واعمل لغلقه «6» مفتاحا من حيث لا يشعر ففعل. فقال:

ما وقع من الحوادث سنة 452

احمل له فى كلّ يوم ثلاثة أرطال خبز، ودجاجة مشوية، وقطعة حلوى سكّر. فكان الغلام يرصده، فإذا خرج من المسجد فتح الباب وترك ذلك فى خلوته وخرج؛ فيقول الشّرمقانىّ: المفتاح معىّ، من أين ذلك! وما هو إلّا من الجنّة! وسكت ولم يخبر أحدا خوفا من أن ينقطع، فأخصب جسمه وسمن؛ فقال له ابن العلّاف: قد سمنت، فإيش تأكل؟ فأنشد الشّرمقانىّ يقول: [البسيط] من أطلعوه على سرّ فباح به ... لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا وأخذ يورّى ولم يصرّح بما يقع له، فقال: هذا كرامة. فقال له بعضهم: ينبغى أن تدعو للوزير؛ ففهم وانكسر قلبه وامتنع من أكل ذلك. وتوفّى بعد ذلك بمدّة يسيرة. وفيها توفّى سعيد بن محمد بن أحمد الشيخ أبو عثمان النّجيرمىّ «1» النيسابورىّ العدل. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع واثنتا عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وثلاث وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 452] السنة الخامسة والعشرون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة. فيها فى صفر دخل عطيّة «2» صاحب بالس «3» إلى الرّحبة وحصرها وافتتحها. فلمّا دخلها أحسن معاملة أهلها، وخطب بها للمستنصر هذا صاحب الترجمة، بعد أن كانوا خطبوا فيها بأمر السلطان طغرلبك السّلجوقىّ للقائم بأمر الله العبّاسىّ.

وفيها دخل السلطان طغرلبك بغداد وفى خدمته أبو كاليجار من ملوك بنى بويه، واسمه هزارسب، والأمير أبو الأغرّ بن مزيد، والأمير أبو الفتح بن ورّام، وصدقة ابن منصور بن الحسين؛ ونزل بدار الملك ببغداد. وانقرضت دولة بنى بويه من بغداد بسلطنة طغرلبك السلجوقىّ هذا. وفيها توفّى أحمد بن عبد الله «1» بن فضالة أبو الفتح الموازينىّ الحلبىّ «2» الشاعر. كان يعرف بالماهر. سكن دمشق وبها توفّى. ومن شعره: [الكامل] يا من توقّد فى الحشا بصدوده ... نار بغير وصاله لا تنطفى وظننت جسمى أن سيخفى بالضّنا ... عن عاذلىّ فقد ضنيت وما خفى وفيها توفّيت الترنجان «3» زوجة السلطان طغرلبك السّلجوقىّ وأمّ أنو شروان التى تزوّجها خوارزم شاه؛ كانت أمّ ولد، وفيها دين وافر، ومعروف ظاهر، وصدقات كثيرة، وكانت صاحبة رأى وتدبير وحزم وعزم؛ وكان زوجها السلطان طغرلبك سامعا لها ومطيعا، والأمور مردودة إلى عقلها، وكانت تسير بالعساكر وتنجده وتقاتل أعداءه. وفيها توفّيت أمّ الخليفة القائم بأمر الله العباسىّ، وهى أرمينيّة أمّ ولد. تسمّى قطر الندى- وقيل بدر الدجى، وقيل علم- وهى التى حبسها البساسيرىّ لمّا ملك بغداد. وكانت وفاتها فى شهر رجب ببغداد، وصلّى عليها ابنها الخليفة القائم بأمر الله. وقد جاوزت التسعين سنة من العمر.

ما وقع من الحوادث سنة 453

وفيها توفّى الحسن بن أبى الفضل الأمير أبو محمد النّسوىّ صاحب شرطة بغداد الذي اصطلح أهل السنّة والرافضة خوفا منه فيما تقدّم ذكره. وكان صار ما فاتكا ظالما، يقتل الناس ويأخذ أموالهم. وشهد عليه الشهود عند القاضى أبى الطيب «1» فحكم بقتله، فصالح بمال فسلم، وعزل من الشّرطة ثم أعيد؛ فاتّفقت أهل السّنة والرافضة عليه فقتلوه. وفيها وقع الطاعون بالحجاز واليمن، وخربت قرى كثيرة، وصار من يدخلها هلك من ساعته. وفيها توفّى محمد بن عبيد الله بن أحمد أبو الفضل المالكىّ المعروف بابن عمروس، انتهت إليه رياسة المالكية ببغداد فى زمانه، وكان من القرّاء المجوّدين ثقة دينّا؛ أخرج له الخطيب حديثا عن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من عيّر أخاه بذنب لم يمت حتّى يعمله «2» » . أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع واثنتان وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وتسع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 453] السنة السادسة والعشرون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة.

فيها توفّى الأمير أحمد «1» بن مروان بن دوستك نصر الدولة الكردىّ صاحب ميّافارقين وديار بكر، ملك البلاد بعد أن قتل أخوه أبو سعيد منصور. وكان نصر الدولة هذا عالى الهمّة، قوىّ الحرمة، مقبلا على اللّذّات، عادلا فى الرعيّة. قيل: لم تفته صلاة الصبح مع الجماعة مع انهما كه فى اللهو. وكان له ثلثمائة وستّون جارية، يخلو كلّ ليلة بواحدة على عدد أيّام السنة. وخلّف عدّة أولاد. وقد وزر له أبو القاسم الحسين بن على المغربىّ صاحب الرسائل. وكان أوّلا وزير صاحب مصر، فقدم عليه فوزر له مرّتين. ومات نصر الدولة فى شوّال بظاهر ميّافارقين وله سبع وسبعون سنة. وكانت سلطنته إحدى وخمسين سنة. وملك بعده ولده نظام الدين أبو القاسم نصر بن أحمد. وفيها توفّى علىّ بن رضوان بن علىّ بن جعفر أبو الحسن المصرىّ صاحب المصنّفات. كان من كبار الفلاسفة فى الإسلام، وكان له دار بمدينة مصر على قصر الشّمعة «2» تعرف بدار ابن رضوان. وقد تهدّمت الآن. كان إماما فى الطّبّ والحكمة، كثير الردّ على أرباب «3» فنّه. وكان فيه سعة خلق عند بحثه، وله مصنّفات كثيرة.

ما وقع من الحوادث سنة 454

وفيها توفّى علىّ بن محمد بن يحيى بن محمد أبو محمد وأبو القاسم السلمىّ الدّمشقىّ المعروف بالسّميساطىّ «1» واقف خانقاه «2» دمشق وغيرها. سمع الحديث، وكان مقدّما فى علم الهندسة والهيئة، وروى عنه أبو بكر الخطيب وغيره. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وأربع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 454] السنة السابعة والعشرون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة أربع وخمسين وأربعمائة. فيها قبض المستنصر على وزيره أبى الفرج ابن المغربىّ، واستوزر أبا الفرج «3» البابلىّ، ثمّ ردّ ابن المغربىّ إلى كتابة الجيش، وهى كانت رتبته قبل الوزارة؛ ولم يكن قبله وزير يعزل فيعود إلى قديم تصرفه. وفيها كانت وقعة بين أبى المكارم مسلم بن قريش بن بدران وبين عمّه مقبل ابن بدران. وكان مقبل قد طلب الأمر لنفسه واجتمع إليه خلق من الأكراد وغيرهم، والتقيا على الخابور «4» فانهزم مسلم، وملك مقبل الجزيرة. فبذل مسلم المال وجمع وعاد إلى عمّه مقبل فهزمه. ثمّ اتّفقا واجتمعا واصطلحا على أمر مشى بينهما. وفيها توفّى الحسن بن علىّ بن محمد بن الحسن أبو محمد الجوهرىّ ثم الشّيرازىّ ثمّ البغدادىّ، مسند العراق فى عصره. ولد فى شعبان سنة ثلاث وستّين وثلثمائة،

وسمع الكثير وتفرّد بأشياء عوال. وكان يعرف بالمقنّعى «1» لأنّه كان يتطيلس ويلتفّ بها تحت حنكه. ومات فى ذى القعدة، وكان له شعر. فمن ذلك قوله: [السريع] يا موت «2» ما أجفاك من زائر ... تنزل بالمرء على رغمه وتأخذ العذراء من خدرها ... وتسلب الواحد من أمّه وفيها توفّى عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن بن بندار أبو الفضل العجلىّ الرّازىّ المقرئ الإمام الزاهد. أصله من الرّىّ، وولد بمكّة، وكان يتنقّل من بلد إلى بلد. وكان مقرئا، جليل القدر، كثير التصانيف، حسن السّيرة، زاهدا متعبّدا. وفيها توفّى المعزّ بن باديس بن منصور بن بلكّين الحميرىّ الصّنهاجىّ سلطان إفريقيّة وما والاها من الغرب. كان الحاكم صاحب مصر قد لقبّه شرف الدولة، وأرسل إليه خلعة فى سنة سبع وأربعمائة، وعاش المعزّ إلى هذا الوقت. وكان ملكا رئيسا جليلا عالى الهمّة، وهو الّذى حسم مادّة الخلاف ببلاد الغرب. وكان مذهب أبى حنيفة ظاهرا بإفريقيّة، فحمل أهل مملكته بالاشتغال بمذهب مالك وترك ما دونه من المذاهب. وكان المعزّ شيخا جوادا ممدّحا. وهو الذي خلع طاعة خلفاء مصر من بنى عبيد، وأبطل دعوتهم من الغرب، وخطب للقائم بأمر الله العبّاسىّ، فكتب إليه المستنصر هذا يتهدّده، فما التفت إلى ذلك. ثمّ وقع بين عساكره وعساكر المستنصر حروب بسبب ذلك.

ما وقع من الحوادث سنة 455

وفيها توفّى سبكتكين [بن عبد الله «1» ] التّركى أبو منصور تمام «2» الدولة. تولى إمارة دمشق من قبل المستنصر صاحب الترجمة، ومات بها فى شهر ربيع الأول. وكان صالحا عفيفا، سمع الحديث ورواه. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وستّ أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا سواء. *** [ما وقع من الحوادث سنة 455] السنة الثامنة والعشرون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة خمس وخمسين وأربعمائة. فيها دخل الصّليحىّ «3» إلى مكّة، واستعمل الجميل مع أهلها، وأظهر العدل والإحسان، وطابت قلوب الناس له ورخصت الأسعار؛ وكان شابّا أشقر اللّحية أزرق العينين، وليس كان باليمن أشقر أزرق غيره. وكان متواضعا، إذا اجتاز بقوم سلّم عليهم بيده؛ وكسا البيت الحرام بثياب بيض، وردّ بنى شيبة عن قبيح أفعالهم. وفيها كانت واقعة بين قاورد بك بن داود وبين فضلويه الشونكارىّ على فرسخين من شيراز، فانهزم فضلويه وغنم قاورد بك أمواله. وكان فضلويه فى عشرين ألفا من الدّيلم وغيرهم؛ وكان قاورد بك فى أربعة آلاف من الترك لا غير.

وفيها ثار أهل همذان على العميد فقتلوه مع سبعمائة رجل من أصحاب السلطان، وقتلوا أيضا شحنة «1» البلد. وفيها قصد قتلمش الرّىّ ومعه خمسون ألفا من التركمان، فدفعه عميد الملك عنها. وفيها توفّى السّلطان طغرلبك. واسمه محمد بن ميكائيل بن سلجوق أبو طالب السّلجوقىّ. قدم بغداد سنة سبع وأربعين وأربعمائة، وخلع عليه الخليفة القائم بأمر الله العباسىّ، وخاطبه بملك المشرق والمغرب. قلت: وهذا أوّل ملوك السلجوقيّة، وهو الذي مهّد لهم الدولة، وردّ ملك بنى العباس بعد أن كان اضمحلّ وزالت دعوتهم من العراق، وخطب لبنى عبيد خلفاء مصر لمّا استولى أبو الحارث أرسلان البساسيرىّ على بغداد. وقد تقدّم ذكر ذلك. فما زال طغرلبك هذا حتّى ردّ الخليفة القائم بأمر الله من الحديثة إلى بغداد، وأعاد الخطبة باسمه، وقتل البساسيرىّ. وكان شجاعا مقداما حليما، عصى عليه جماعة فظفر بهم وعفا عنهم. وهو الذي أزال ملك بنى بويه من العراق وغيره. وكانت وفاته بالرّىّ فى يوم الجمعة ثامن شهر رمضان من هذه السنة. وكانت مدّة ملكه خمسا وعشرين سنة؛ وقيل ثلاثون سنة. ومات وعمره سبعون سنة- وقيل جاوز الثمانين- والأول أشهر. وطغرلبك (بضم الطاء المهملة وكسر «2» الراء المهملة وسكون اللام وفتح الباء ثانية الحروف وسكون الكاف) . وفيها توفّى مسلم بن إبراهيم أبو الفضل السلمىّ البزّاز، ويعرف بابن الشّويطر، كان أديبا فاضلا. ومن شعره: [البسيط] ما فى زمانك من ترجو مودّته ... ولا صديق إذا خان الزمان وفا فعش فريدا ولا تركن إلى أحد ... فقد نصحتك فيما قلته وكفى

ما وقع من الحوادث سنة 456

وفيها توفّى منصور بن إسماعيل بن أبى قرّة القاضى أبو المظفّر الفقيه الهروىّ الحنفىّ قاضى هراة وخطيبها ومسندها، سمع الكثير وحدّث. وهو أحد أعيان فقهاء الحنفيّة فى زمانه. كان إماما حافظا مفتنّا. مات فى ذى القعدة عن قريب تسعين سنة. وفيها كان الطاعون العظيم بمصر وقراها فمات بمصر فى عشرة أشهر كلّ يوم ألف إنسان. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وخمس عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا واثنتا عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 456] السنة التاسعة والعشرون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة ستّ وخمسين وأربعمائة. فيها وقعت فتنة عظيمة بين عبيد مصر والتّرك؛ ووصل ناصر الدولة بن حمدان إلى الإسكندرية، والتقى مع العبيد بموضع يعرف بالكرم؛ فقتل من العبيد ألف رجل، وهرب من بقى. ثم تردّدت الرسل فى إصلاح ذات البين فتمّ. وقد تقدّم شىء من ذلك فى ترجمة المستنصر هذا. وفيها جرت مراسلة بين قاورد بك ابن [أخى] «1» طغرلبك السّلجوقىّ وبين أخيه ألب أرسلان، وسببه أن ألب أرسلان لمّا ملك الرىّ واستولى على الأموال. كان قاورد بك على أصبهان فرجع إلى كرمان وخطب لألب أرسلان المذكور ولنفسه من بعده؛ فلم يحصل له إنصاف من ألب أرسلان؛ فوقع بسبب ذلك ما وقع.

وفيها توفّى الحسن بن عبد الله بن أحمد أبو الفتح الحلبىّ الشاعر المعروف بآبن أبى حصينة. كان فاضلا شجاعا فصيحا، يخاطب بالأمير. وفيها توفّى عبد الواحد بن علىّ بن برهان «1» أبو القاسم النحوىّ. كان إماما فاضلا نحويّا وفيه شراسة خلق؛ ولم يلبس سراويل قطّ ولا غطّى رأسه أبدا. ومات ببغداد فى جمادى الأولى. وفيها توفّى علىّ بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف ابن معدان بن سفيان بن يزيد مولى يزيد بن أبى سفيان بن حرب بن أميّة الأموى الفارسىّ الأصل، ثمّ الأندلسىّ القرطبىّ أبو محمد المعروف بآبن حزم المحدّث صاحب التصانيف المشهورة. كان ظاهرىّ المذهب. وقد تكلّم فيه كلّ أحد ما خلا أهل الحديث، فإنّهم أثبتوا «2» على حفظه. كان إماما عارفا بفنون الحديث، إلا أنّه كان صاحب لسان خبيث، ويقع فى حقّ العلماء الأعلام حتّى صار مثلا، فيقال: «نعوذ بالله من سيف الحجّاج ولسان ابن حزم» . وكان له شعر جيّد. فمن ذلك قوله: [الوافر] لئن أصبحت مرتحلا بجسمى ... فقلبى عندكم أبدا مقيم ولكن للعيان لطيف معنى ... له سأل المعاينة الكليم أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع واثنتا عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وثلاث أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 457

*** [ما وقع من الحوادث سنة 457] السنة الثلاثون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة سبع وخمسين وأربعمائة. فيها توفّى محمد «1» بن منصور أبو نصر عميد الملك الكندرىّ وزير السلطان طغرلبك السّلجوقى. كان فاضلا مدبّرا حازما عاقلا. وكان طغرلبك فى مبدأ أمره قد بعثه ليخطب له امرأة فتزوّجها هو، فحصاه طغرلبك ثم أقرّه على خدمته، فآستولى عليه إلى أن مات. ووزر بعد موت طغرلبك لابنه ألب أرسلان وهو الذي قتله. وولى الوزارة بعده نظام الملك الذي نشر مذهب الإمام الشافعى بالعجم. وكان عميد الملك المذكور فاضلا أديبا شاعرا. ومن شعره لمّا تحقّق قتله، وأجاد إلى الغاية: [البسيط] إن كان بالناس ضيق عن مزاحمتى ... فالموت قد وسّع الدنيا على الناس قضيت والشامت المغرور يتبعنى ... إنّ المنية كاس كلّنا حاسى وفيها توفّى عبيد «2» الله بن عمر القاضى أبو زيد الدّبوسىّ «3» الحنفىّ شيخ الحنفيّة بما وراء النهر «4» . كان إماما عالما فقيها نحويّا بارعا فى فنون عفيفا مشكور السّيرة،

ما وقع من الحوادث سنة 458

انتهت إليه رياسة مذهب أبى حنيفة فى زمانه بما وراء النهر، ومات والمعوّل على فتواه بها. وفيها توفّى عبد الملك «1» بن محمد بن عبد الله بن بشران أبو القاسم الواعظ الفقيه المحدّث فى شهر ربيع الآخر. وكان له لسان حلو فى الوعظ مع دين وزهد وعفّة. وفيها توفّى موسى «2» بن عيسى بن أبى حاجّ أبو عمران الفقيه المالكىّ القابسىّ، شيخ المالكيّة فى زمانه. كان فقيها نحويّا إماما فاضلا بارعا فى فنون من العلوم. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وأربع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وعشر أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 458] السنة الحادية والثلاثون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة ثمان وخمسين وأربعمائة. فيها شرع أهل الكرخ فى عمل مأتم الحسين فى يوم عاشوراء، فثار عليهم أهل السنّة. فقال القائم بأمر الله: هذا شىء قد كان فلا تعاودوه، ونهى عنه. فانكفّت الرافضة بغيظهم إلى لعنة الله. وفيها توفّى أحمد بن الحسين بن علىّ بن عبد الله الحافظ أبو بكر البيهقىّ؛ مولده سنة أربع وثمانين. كان أوحد زمانه فى الحديث والفقه، وله تصانيف كثيرة، جمع نصوص الإمام الشافعىّ- رضى الله عنه- فى عشرة مجلّدات. ومات بنيسابور فى جمادى

الاخرة، ونقل تابوته إلى بيهق «1» . وقد روينا سننه الكبرى عن الشيخ أبى النعيم رضوان العقبىّ ثنا «2» التقىّ بن حاتم انا علىّ بن عمر الأرموىّ «3» انا ابن البخارىّ «4» انا منصور «5» بن عبد المنعم الفراوىّ انا محمد بن إسماعيل «6» الفارسىّ انا أبو بكر البيهقىّ. وفيها توفّى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد بن الفرّاء أبو يعلى القاضى الحنبلىّ. ولد سنة ثمانين وثلثمائة فى المحرّم، وسمع الكثير وتفقّه على جماعة من العلماء، وانتهت إليه رياسة الحنابلة فى زمانه، ومات يوم الاثنين العشرين من شهر رمضان، وكانت جنازته مشهورة مشى فيها الأعيان مثل القاضى الدّامغانىّ الحنفىّ ونقيب الهاشميّين أبى الفوارس طرّاد وغيرهما. وفيها توفّى محمد «7» بن الفضل بن نظيف أبو عبد الله المصرىّ الفرّاء فى شهر ربيع الآخر وله تسعون سنة، وكان إماما عالما زاهدا ورعا. وفيها توفّى المسدّد «8» بن علىّ أبو المعمّر الأملوكىّ الإمام المحدّث البارع خطيب حمص. كان إماما فقيها فصيحا، سمع الحديث ورواه.

ما وقع من الحوادث سنة 459

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وأربع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 459] السنة الثانية والثلاثون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة تسع وخمسين وأربعمائة. فيها بعث المستنصر صاحب الترجمة إلى محمود بن الرّوقلية المتغلّب على حلب يطالبه بحمل المال وغزّو الروم، وصرف ابن خاقان «1» ومن معه من الغزّ إن كان على طاعته. فأجاب بأنّنى التزمت على أخذ حلب من عمّى أموالا افترضتها وأنا مطالب بها، وليس فى يدى ما أقضيها فضلا عمّا أصرفه لغيره. وأمّا الرّوم فقد هادنتهم مدّة وأعطيتهم ولدى رهينة على مال اقترضته منهم، فلا سبيل إلى محاربتهم. وأمّا ابن خاقان والغزّ معه فيدهم فوق يدى. فلمّا وصل الجواب إلى المستنصر كتب المستنصر أيضا إلى بدر الجمالىّ أمير الجيوش المقيم بدمشق: إنّ ابن الرّوقلية خلع الطاعة ومال إلى جهة العراقية. ثم ندب بدر الجمالىّ المذكور عطيّة وهو بالرّحبة لقتاله؛ فدخل القاضى ابن عمّار المقيم بطرابلس بينهم وأصلح الحال. وفيها كان بمصر الغلاء والقحط المتواتر الذي خرج عن الحدّ- وقد تقدّم ذكره- ولا زال فى زيادة فى هذه السنة والتى قبلها إلى أن أخذ أمره فى نقص فى سنة إحدى وستّين وأربعمائة. وأبيع القمح فى هذه السنة بثمانين دينارا الإردبّ. وفيها توفّى سعيد بن محمد بن الحسن أبو القاسم إمام جامع صور. كان فاضلا سمع الحديث ورواه، ومن رواياته عن الحسن البصرىّ أنه قال: «لا تشتروا مودّة ألف رجل بعداوة رجل واحد» .

ما وقع من الحوادث سنة 460

وفيها توفّى علىّ بن الخضر أبو الحسن العثمانىّ الدمشقىّ الحاسب. كان له تصانيف فى علم الحساب. ومات بدمشق فى شوّال. وفيها كان بالرملة الزّلزلة الهائلة التى أخربتها حتّى طلع الماء من رءوس الآبار، وهلك من أهلها- كما نقل ابن الأثير- خمسة وعشرون ألفا. وقال ابن الصابئ: حدّثنى علوىّ كان بالحجاز: أنّ الزلزلة كانت عندهم فى الوقت المذكور، وهو يوم الثلاثاء حادى عشر جمادى الأولى، فرمت شرفتين من مسجد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وانشقّت الأرض فبان فيها كنوز ذهب وفضّة، وانفجرت فيها عين ماء، وأنها أهلكت أيلة ومن فيها؛ وذكر أشياء كثيرة من هذه المقولة. وأمّا ابن الأثير فإنّه قال: وانشقّت صخرة بيت المقدس وعادت بإذن الله، وأبعد البحر عن ساحله مسيرة يوم، فنزل النّاس إلى أرضه يلتقطون السمك فرجع الماء عليهم فأهلكهم. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 460] السنة الثالثة والثلاثون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة ستّين وأربعمائة. فيها ولّى المستنصر دمشق للأمير بارزطغان قطب الدولة، ووصل معه الشريف أبو طاهر حيدرة، ونزل بدار العقيقىّ «1» ، وانهزم بدر الجمالىّ أمير الجيوش من دمشق، فنهب أهلها خزائنه لأنّه كان مسيئا إليهم؛ ثم ظفر بدر الجمالى بالشريف حيدرة بعد أمور صدرت وسلخه.

وفيها جاء ناصر الدولة بالأتراك إلى باب المستنصر بالقاهرة- وقيل: بالساحل- وزحف المذكورون إلى باب وزيره ابن كدينة «1» فطالبوه بالمال؛ فقال: وأىّ مال بقى عندى بعد أخذكم الأموال واقتسامكم الإقطاعات! فقالوا: لا بدّ أن تكتب إلى المستنصر. فكتب إليه بما جرى. فكتب المستنصر الجواب على الرّقعة بخطه يقول: [السريع] أصبحت لا أرجو ولا أتّقى ... إلّا إلهى وله الفضل جدّى نبيّى وإمامى أبى ... وقولى التوحيد والعدل المال مال الله، والعبد عبد الله، والإعطاء خير من المنع وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن عقيل الشّهرزورىّ «2» الشاعر الفاضل فى القدس الشريف. وكان إماما فاضلا أديبا شاعرا. ومن شعره: [البسيط] وا حسرتا مات حظّى من قلوبكم ... وللحظوظ كما للناس آجال وفيها توفّى الحسن بن أبى طاهر بن الحسن أبو على الختّلىّ «3» . كان يسكن دمشق وبها توفّى. ومن رواياته عن الحسن عن الحسن عن الحسن عن الحسن عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أحسن الحسن الخلق الحسن» فالحسن الأوّل

ابن حسّان التميمىّ، والثانى ابن دينار، والثالث البصرىّ، والرابع ابن علىّ ابن أبى طالب، رضى الله عنهما. وفيها توفّيت خديجة بنت محمد بن علىّ بن عبد الله الواعظة الشّاهجانيّة. كانت عظيمة مشهورة بالصدق والورع والزهد والدّين المتين. ولدت «1» سنة ستّ وسبعين وثلثمائة. وكانت تسكن قطيعة الربيع «2» . وصحبت ابن «3» سمعون الواعظ. ولمّا ماتت دفنت إلى جانبه. وفيها توفّى عبد الملك بن محمد بن يوسف أبو منصور البغدادىّ، كان إماما بارعا لم يكن فى زمانه من يخاطب بالشيخ الأجلّ سواه. ولد سنة خمس وتسعين وثلثمائة، وكان أوحد زمانه فى فعل المعروف، والقيام بأمور العلماء، وقمع أهل البدع. وفيها توفّى أبو جعفر الطّوسىّ «4» فقيه الإماميّة الرافضة وعالمهم. وهو صاحب «التفسير الكبير» وهو عشرون مجلّدا، وله تصانيف أخر. مات بمشهد علىّ- رضى الله عنه- وكان مجاورا بضريحه. كان رافضيّا قوىّ التشيّع. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن عيسى بن هلال أبو عمر القرطبىّ المعروف بابن القطّان المالكىّ المغربىّ شيخ المالكيّة فى زمانه وعالمهم. مات فى هذه السنة وله سبعون سنة. وفيها توفّى أحمد بن الفضل أبو بكر الباطرقانىّ «5» المقرئ فى صفر وله ثمان وثمانون سنة. كان إماما عالما بالقراءات رحمه الله.

ما وقع من الحوادث سنة 461

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وثلاث أصابع. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وستّ أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 461] السنة الرابعة والثلاثون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة إحدى وستّين وأربعمائة. فيها خرج ناصر الدولة بن حمدان من عند الوزير أبى عبد الله [الماسكىّ «1» ] وزير المستنصر بمصر؛ فوثب عليه رجل صيرفىّ وضربه بسكّين؛ فأمسك الصيرفىّ وشنق فى الحال، وحمل ناصر الدولة بن حمدان إلى داره جريحا، فعولج فبرىء بعد مدّة. وقيل: إنّ المستنصر ووالدته كانا دسّا الصيرفىّ عليه. وفى هذه الأيام اضمحلّ أمر المستنصر بالديار المصريّة لتشاغله باللهو والشرب والطّرب. فلمّا عوفى ابن حمدان اتّفق مع مقدّمى المشارقة، مثل سنان الدولة وسلطان الجيوش وغيرهما، فركبوا وحصروا القاهرة. فاستنجد المستنصر وأمّه بأهل مصر، وأذكرهم حقوقه عليهم، ووعدهم بالإحسان؛ فقاموا معه ونهبوا دور أصحاب ابن حمدان وقاتلوهم. فخاف ابن حمدان وأصحابه، ودخلوا تحت طاعة المستنصر، بعد أمور كثيرة صدرت بين الفريقين. وفيها أبيع القمح بمصر بمائة دينار الإردبّ، ثمّ عدم وجوده. وقد ذكرنا ذلك كلّه فى أوّل ترجمة المستنصر مفصّلا.

ما وقع من الحوادث سنة 462

وفيها توفّى عبد الرحيم بن أحمد بن نصر الحافظ أبو زكريّا البخارىّ التميمىّ، سمع الحديث وطاف البلاد فى طلب الحديث، وسمع بعدّة أقطار واتّفقوا على صدقه وثقته. وكانت وفاته فى المحرّم بمصر. وفيها توفّى محمد بن مكّى بن عثمان الحافظ أبو الحسين الأزدىّ المصرىّ فى جمادى الأولى، وكان إماما فاضلا محدّثا، سمع الحديث ورحل البلاد. وفيها توفّى نصر بن عبد العزيز أبو الحسين الشّيرازىّ الفارسىّ المقرئ، كان إماما فى علم القراءات، وله سماع ورواية. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وأربع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 462] السنة الخامسة والثلاثون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة اثنتين وستّين وأربعمائة. فيها كان معظم الغلاء بالديار المصريّة حتّى خربت وخرب غالب أعمالها. وأبطل صاحب مكّة و [صاحب «1» ] المدينة خطبة المستنصر، وخطبا للقائم بأمر الله العبّاسىّ؛ فلم يلتفت المستنصر لذلك لشغله بنفسه ورعيّته من عظم الغلاء. وفيها وقف الوزير نظام الملك الأوقاف على مدرسته النظاميّة ببغداد.

وفيها توفّى الحسن بن علىّ بن محمد أبو الجوائز الواسطىّ الكاتب، ولد سنة اثنتين وخمسين وثلثمائة؛ وسكن بغداد دهرا طويلا. وكان شاعرا ماهرا. ومن شعره- رحمه الله تعالى-: [الرجز] واحربا «1» من قولها: ... خان عهودى ولها وحقّ من صيّرنى ... وقفا عليها ولها ما خطرت بخاطرى ... إلا كستنى ولها وفيها توفّى الشريف حيدرة بن إبراهيم أبو طاهر بن أبى الجنّ، الشريف العلوىّ. كان عالما قارئا محدّثا وكان عدوّا لبدر الجمالىّ؛ فلمّا دخل بدر الجمالىّ دمشق هرب منها حيدرة المذكور إلى عمّان «2» البلقاء؛ فغدر به بدر بن حازم وبعث به إلى بدر الجمالىّ بعد أن أعطاه بدر الجمالىّ اثنى عشر ألف دينار وخلعا كثيرة؛ فقتله بدر الجمالىّ أقبح قتله ثمّ سلخ جلده. وقيل: سلخه حيّا. وأظنّ القاضى شهاب الدين أحمد قاضى دمشق وكاتب مصر فى زماننا هذا كان من ذرّيّة ابن أبى الجنّ هذا. والله أعلم. وفيها توفّى محمد بن أحمد بن سهل أبو غالب بن بشران النحوىّ الواسطىّ الحنفىّ ويعرف بابن الخالة. كان إماما عالما فاضلا عارفا بالأدب والنّحو واللّغة والحديث وللفقه، وكان شيخ العراق ورحلته. وابن بشران جدّه لأمّه. ومات بواسط. ومن شعره: [المتقارب] يقول الحبيب غداة الوداع ... كأن قد رحلنا فما تصنع فقلت أواصل سفح «3» الدموع ... وأهجر نومى فما أهجع

ما وقع من الحوادث سنة 463

وله أيضا: [البسيط] لمّا رأيت سلوّى غير متّجه ... وأنّ عزم اصطبارى عاد مفلولا دخلت بالرّغم منّى تحت طاعتكم ... ليقضى الله أمرا كان مفعولا وفيها توفّى هزار سب بن تنكر «1» بن عياض أبو كاليجار تاج الملوك الكردىّ. كان قدم على السلطان ألب أرسلان السلجوقىّ بأصبهان ثمّ عاد إلى خوزستان، ونزل بموضع يعرف بخرندة «2» . وكان قد تجبّر وتكبر «3» وتسلط وتفرعن وتزوّج بأخت السلطان ألب أرسلان، فلحقه مرض الذّرب حتى مات منه. وفيها توفّى محمد بن عتّاب الإمام الفقيه أبو عبد الله القرطبىّ المالكىّ مفتى قرطبة وعالمها، انتهت إليه رياسة مذهبه فى زمانه ببلاد قرطبة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وعشر أصابع. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا سواء. *** [ما وقع من الحوادث سنة 463] السنة السادسة والثلاثون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهذه سنة ثلاث وستين وأربعمائة. فيها كانت الواقعة العظيمة بين السلطان ألب أرسلان بن طغرلبك السّلجوقىّ وبين ملك الرّوم، وانتصر المسلمون ولله الحمد. ثم سار ألب أرسلان إلى ديار بكر وافتتح بها عدّة حصون، ثم نزل على الفرات؛ ولم يخرج إليه محمود صاحب حلب

فغاظه ذلك، فقدم حلب فسار إليها ووصلها، وأخربت عساكره حلب ونهبوها، ووصلت عساكره إلى القريتين «1» من أعمال حمص؛ ثم شفع فيه الخليفة القائم بأمر الله، فقبل ألب أرسلان الشّفاعة واصطلحا. وفيها ملكت الفرنج جزيرة صقلّيّة. وسببه أنّه كان بها وال، فبعث إليه المستنصر صاحب مصر يطلب منه المال، وكان عاجزا عمّا طلب منه، فبعث إلى الفرنج وفتح لهم باب البلد فدخلوا وقتلوا «2» وملكوا الجزيرة. وفيها ظهر أتسز بن أوق مقدّم الأتراك، وفتح الرّملة وبيت المقدس، وضايق دمشق، وأخرب الشام. وفيها توفّى أحمد بن علىّ بن ثابت بن أحمد بن مهدى أبو بكر الخطيب البغدادىّ. ولد سنة إحدى وتسعين وثلثمائة بدرزيجان (قرية من قرى العراق) ثمّ انتقل إلى بغداد، ورحل وسمع الحديث، وصنّف الكتب الكثيرة. ويروى عن أبى «3» الحسين ابن الطيورىّ أنه قال: أكثر كتب الخطيب مستفادة من كتب الصورىّ «4» (يعنى أخذها برقتها) . منها: «تاريخ بغداد» الذي تكلّم فيه فى غالب علماء الإسلام بالألفاظ القبيحة بالرّوايات الواهية الأسانيد المنقطعة، حتى امتحن فى دنياه بأمور قبيحة- نسأل الله السلامة وحسن العاقبة- ورمى بعظائم. وأمر صاحب دمشق بقتله لولا [أنه] استجار بالشريف ابن أبى الجنّ «5» فأجاره. وقصته مع الصبىّ الذي عشقه

مشهورة. ومن أراد شيئا من ذلك فلينظر فى تاريخ الإمام الحافظ الحجة أبى الفرج ابن الجوزى المسمّى ب «المنتظم» ؛ وأيضا ينظر فى تاريخ العلّامة شمس الدين يوسف ابن قزأوغلى (أعنى مرآة الزمان) وما وقع له من الأمور والمحن. وما ربّك بظلّام للعبيد. أضربت عن ذكر [ذلك] كلّه لكونه متخلّقا بأخلاق الفقهاء، وأيضا من حملة الحديث الشريف. غير أنّنى أذكر من شعره ما تغزّل «1» به فى محبوبه المذكور. فمن ذلك قوله من قصيدة أوّلها: [البسيط] تغيّب الناس عن عينى سوى قمر ... حسبى من الناس طرّا ذلك القمر وكلّه على هذه الكيفيّة. وفيها توفّى أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون أبو الوليد المخزومىّ الأندليسىّ القرطبىّ الشاعر المشهور المعروف بابن زيدون، حامل لواء الشعراء فى عصره. كانت وفاته فى شهر رجب بمدينة إشبيلية. ومن شعره: [السريع] أيّتها النفس إليه اذهبى ... فما لقلبى عنه من مذهب مفضّض الثغر له نقطة ... من عنبر فى خدّه المذهب أنسانى التّوبة من حبّه ... طلوعه شمسا من المغرب وله القصيدة التى سارت بها الركبان الموسومة بالزيدونية التى أوّلها «2» : [البسيط] بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا ... شوقا إليكم ولا جفّت مآقينا

ما وقع من الحوادث سنة 464

وفيها توفّى محمد بن علىّ بن محمد بن حباب أبو عبد الله الصّورىّ الشاعر المشهور. كان فاضلا فصيحا. مات بطرابلس. ومن شعره أوّل قصيدة: [الكامل] صبّ جفاه حبيبه ... فحلا له تعذيبه وفيها توفّى محمد بن وشاح بن عبد الله أبو علىّ. ولد سنة تسع وسبعين وثلثمائة. وكان فاضلا كاتبا شاعرا فصيحا مترسّلا. رحمه الله. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وعشر أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثلاث أصابع. *** ا [ما وقع من الحوادث سنة 464] لسنة السابعة والثلاثون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة أربع وستين وأربعمائة. فيها بعث الخليفة القائم بأمر الله الشريف أبا طالب الحسن بن محمد أخا طرّاد الزّينبىّ إلى أبى هاشم محمد أمير مكّة بمال وخلع، وقال له: غيّر الأذان وأبطل «حىّ على خير العمل» . فناظره أبو هاشم المذكور مناظرة طويلة، وقال له: هذا أذان أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب. فقال له أخو الشريف: ما صحّ عنه، وإنّما عبد الله بن عمر بن الخطّاب روى عنه أنه أذّن به فى بعض أسفاره، وما أنت وابن عمر! فأسقطه من الأذان. وفيها توفّى عبد الله بن محمد بن عثمان القاضى أبو طالب أمير الدولة، الحاكم على طرابلس الشأم والمتولّى عليها. وكان كريما، كثير الصدقة، عظيم المراعاة للعلويّين. مات فى نصف شهر رجب.

ما وقع من الحوادث سنة 465

وفيها توفّى عيسون «1» بن علىّ الشيخ أبو بكر الصّقلّى الزاهد المشهور. كان كثير العبادة والزّهد والورع. صنّف كتابا سماه «دليل القاصدين» فى اثنى عشر مجلدا. وفيها توفّى محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الصّمد ابن الخليفة المهتدى بالله أبو الحسين «2» الهاشمىّ العبّاسىّ، خطيب جامع المنصور ببغداد. كان صالحا عالما زاهدا ثقة. وفيها توفّى المعتضد «3» بالله عبّاد بن محمد بن إسماعيل بن عبّاد الملك الجليل صاحب إشبيلية من بلاد الغرب، فى قول الذهبىّ. كان من أجلّ ملوك المغرب وأعظمهم؛ وكان محبّا للعلماء والشعراء، وعنده فضيلة ومشاركة. وكان ابن زيدون الشاعر- المقدّم ذكره- عنده فى صورة وزير. رحمه الله تعالى. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وعشر أصابع. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وعشر أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 465] السنة الثامنة والثلاثون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة خمس وستين وأربعمائة. فيها قتل الحسن بن الحسين بن حمدان الأمير أبو محمد ناصر الدولة التّغلبىّ ذو المجدين المقدّم ذكره فى أوّل ترجمة المستنصر هذا. وقع له أمور آل أمره بعدها إلى أن تزوج ببنت إلدكز، واتّفق معه. واتفق لهما أمور كثيرة مع المستنصر صاحب

الترجمة. ولما اتّفقا قوى أمر ناصر الدولة هذا ودخل إلى مصر واستولى عليها، ولقّب نفسه بسلطان الجيوش، وأمن إلدكز وناصر الدولة هذا كلّ منهما إلى الآخر. ووقع لهما أمور، إلى أن دخل ناصر الدولة مصر ثالث مرّة، فغدر إلدكز به وقتله، حسب ما ذكرناه مفصّلا فى ترجمة المستنصر. ثمّ خرج إلدكز بمن معه إلى محمود بن ذبيان أمير بنى سنبس فقتلوه، وكان عنده الأمير شاور فقتلوه أيضا، وخرجوا إلى خيمة تاج المعالى بن حمدان أخى ناصر الدولة فقتلوه بعد أن هرب منهم. ثم قطع ابن حمدان المذكور قطعا وأنفذ كلّ قطعة إلى بلد. قلت: وهذا ناصر الدولة آخر من بقى من أولاد بنى حمدان ملوك حلب وغيرها. وفيها توفّى عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة بن محمد أبو القاسم القشيرىّ النيسابورىّ. ولد سنة ستّ وسبعين وثلثمائة فى شهر ربيع الأوّل؛ وربّى يتيما فقرأ واشتغل بالأدب والعربية. وكان أوّلا من أبناء الدنيا، فجذبه أبو علىّ «1» الدّقّاق فصار من الصوفيّة. وتفقّه على بكر «2» بن محمد الطّوسىّ، وأخذ الكلام عن ابن «3» فورك، وصنّف «التفسير الكبير» و «الرسالة» . وكان يعظ ويتكلّم بكلام الصوفيّة. ومات بنيسابور. ومن شعره: [السريع] إن نابك الدهر بمكروهه ... فقل بتهوين تخاويفه فعن قريب ينجلى غمّه ... وتنقضى كلّ تصاريفه

وقد روينا رسالته عن حافظ العصر قاضى القضاة شهاب الدّين أحمد بن علىّ ابن حجر انا أبو الحسن «1» بن أبى المجد شفاها انا أبو محمد القاسم «2» بن مظفّر بن عساكر إجازة إن لم يكن سماعا انا محمد بن على بن محمود العسقلانىّ سماعا انا أمّ المؤيّد «3» زينب بنت عبد الرحمن الشّعريّة سماعا انا أبو الفتوح عبد الوهاب بن شاه الكرمانىّ انا المؤلّف رحمه الله. وفيها توفّى السلطان ألب أرسلان عضد الدولة أبو شجاع محمد الملقّب بالملك العادل ابن جغرى بك داود بن ميكائيل بن سلجوق السلجوقىّ التركىّ، ثانى ملوك بنى سلجوق، كان اسمه بالعربىّ محمدا. وبالتركىّ ألب أرسلان. وأصل هؤلاء السّلجوقية من الأتراك فيما وراء النهر، فى موضع بينه وبين بخارى مسافة عشرين فرسخا، وكانوا لا يدخلون تحت طاعة سلطان حتّى صار من أمرهم ما صار. وهو ابن أخى السلطان طغرلبك محمد، وبعده تولّى السلطنة. وألب أرسلان هذا هو أوّل من أسلم من إخوته، وأوّل من لقّب بالسلطان من بنى سلجوق، وذكر على منابر بغداد. وكانت سلطنته بعد عمّه طغرلبك فى سنة سبع وخمسين وأربعمائة. ونازعه أخوه قاورد بك فلم يتمّ [له] أمر. وكان ملكا مطاعا شجاعا. مات وهو أجلّ ملوك بنى سلجوق وأعد لهم فى الرعيّة. وهو الذي أنشأ وزيره نظام الملك. وتولّى السلطنة من بعده ولده ملكشاه. ومات ألب أرسلان وعمره أربعون سنة قتلا؛ وكان سبب موته أنه سار فى سنة خمس وستّين وأربعمائة فى مائتى ألف فارس إلى نحو

بلاد الروم، ثم عاد إلى ديار بكر، ثمّ إلى جهة حلب وقصد شمس الملك تكين. فلمّا دخل إليه أتاه أعوانه بوالى قلعة من قلاع شمس الملك، واسم الوالى يوسف الخوارزمى، وقرّبوه إلى سرير السلطان ألب أرسلان، فأمر ألب أرسلان أن يضرب له أربعة أوتاد وتشدّ أطرافه الأربعة إليها. فقال يوسف المذكور للسلطان: يا مخنّث، مثلى يقتل هذه القتلة! فغضب السلطان وأخذ القوس والنّشّاب وقال: خلّوه، فرماه فأخطأه، ولم يكن يخطئ له سهم قبل ذلك، فأسرع يوسف المذكور وهجم على السلطان على السرير، فنهض السلطان ونزل فعثر وخرّ على وجهه؛ فوصل يوسف إليه وبرك عليه وضربه بسكّين فى خاصرته؛ وقتل يوسف فى الحال، وحمل السلطان فمات بعد أيّام يسيرة- وقيل فى يومه- وكان ذلك فى جمادى الآخرة من السنة. وألب أرسلان بفتح الهمزة وسكون اللام وبعدها باء موحدة وبقية الأسم معروف. وفيها توفّى قاوردبك بن داود بن ميكائيل السّلجوقىّ أخو السلطان ألب أرسلان المقدّم ذكره. ولمّا مات أخوه ألب أرسلان نازع ابن أخيه ملكشاه وقاتله، فظفر به ملكشاه بعد حروب وأسره وأمر بقتله؛ فحنقه رجل أرمنىّ بوترقوس، وتولّى سعد الدولة كوهرائين «1» على قتله، وكان ذلك فى شعبان بهمذان. وأمر قاورد بك المذكور من العجائب؛ فإنّه كان يتمنّى موت ألب أرسلان ويتصوّر أنّه يملك الدنيا بعده، فكان هلاكه مقرونا بهلاكه. قلت: وكذلك كان أمر قتلمش مع أخيه طغرلبك عمّ ألب أرسلان وقاورد بك؛ فإنّه كان ينظر فى النجوم ويتحقّق أنه يملك بعده، وكان هلاكه أيضا مقرونا بهلاكه.

وفيها توفّى محمد بن أحمد بن المسلمة الحافظ أبو جعفر. كان إماما حافظا محدّثا عالما. مات ببغداد فى جمادى الأولى من السنة. وفيها توفّى علىّ بن الحسن «1» بن علىّ بن الفضل الرئيس أبو منصور الكاتب المعروف بصرّدرّ «2» الشاعر المشهور. كان أحد نجباء الشّعراء فى عصره، جمع بين جودة السّبك وحسن المعنى. ومن شعره: [البسيط] أكلّف القلب أن يهوى وألزمه ... صبرا وذلك جمع بين أضداد وأكتم الركب أو طارى وأسأله ... حاجات نفسى لقد أتعبت روّادى وله أيضا: [الكامل] لم أبك أن رحل الشباب وإنّما ... أبكى لأن يتقارب الميعاد شعر الفتى أوراقه فإذا ذوى ... جفّت على آثاره الأعواد وله أيضا فى جارية سوداء: [السريع] علقتها سوداء «3» مصقولة ... سواد قلبى صفة فيها ما انكسف البدر على تمّه ... ونوره إلا ليحكيها لأجلها الأزمان أوقاتها ... مؤرّخات بلياليها «4» أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وسبع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وسبع أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 466

*** [ما وقع من الحوادث سنة 466] السنة التاسعة والثلاثون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة ستّ وستّين وأربعمائة. فيها خرج عساكر غزنة وتعرّضوا لبلاد السلطان ملكشاه السّلجوقى؛ فخرج إليهم إلياس بن ألب أرسلان أخو ملكشاه، فقاتلهم واستأمن إليه سبعمائة منهم، وانهزم من بقى إلى غزنة، وأوغل خلفهم إلياس. وكان سلطان غزنة يوم ذاك إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتكين. ثم عاد إلياس من الوقعة وقد كفى ملكشاه أمر الغزنويّة. ولمّا وصل إلياس إلى بلخ مات بعدها بثلاثة أيّام، وسرّ أخوه ملكشاه بموته، فإنّه كان منحرفا على ملكشاه. فقال له وزيره نظام الملك: لا تظهر الشماتة واقعد فى العزاء؛ ففعل وأظهر الجزن عليه. وفيها بنى حسّان بن مسمار الكلبىّ قلعة صرخد «1» ، وكتب على بابها: أمر بعمارة هذا الحصن المبارك الأمير الأجلّ مقدّم العرب عزّ الدّين فخر الدولة عدّة أمير المؤمنين (يعنى المستنصر صاحب مصر) وذكر عليها اسمه ونسبه. وفيها قال ابن الصابئ: ورد إلى مكّة إنسان عجمىّ يعرف بسلار من جهة جلال الدولة ملكشاه، ودخل وهو على بغلة بمركب ذهب، وعلى رأسه عمامة سوداء، وبين يديه الطّبول والبوقات، ومعه للبيت كسوة ديباج أصفر، وعليها اسم محمود بن سبكتكين وهى من استعماله؛ وكانت مودعة بنيسابور من عهد محمود ابن سبكتكين عند إنسان يعرف بأبى القاسم الدّهقان، فأخذها الوزير نظام الملك منه وأنفذها مع المذكور.

وفيها توفّى أحمد «1» بن محمد بن عقيل أبو العباس الشّهرزورىّ. كان محدّثا وسمع الكثير، وكان فاضلا فقيها شاعرا. مات ببيت المقدس فى ذى القعدة. ومن شعره من قصيدة طويلة قوله: [البسيط] سألت طيفك عن تلفيق «2» إفكهم ... فقال معتذرا لا كان ما قالوا سعى الوشاة بقطع الودّ بينكما ... وللمودّات بين الناس آجال وفيها توفّى عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان أبو محمد الخفاجىّ «3» الحلبىّ الشاعر المشهور. كان فصيحا فاضلا. أخذ الأدب عن أبى العلاء المعرّى وغيره، وسمع الحديث وبرع فيه. ومات بقلعة اعزاز من أعمال حلب. ومن شعره قوله: [الرمل] أترى طيفكم لمّا سرى ... أخذ النّوم وأعطى السّهرا يا عيونا بالغضا «4» راقدة ... حرّم الله عليكن الكرى ومنها: سل فروع البان عن قلبى فقد ... وهم البارق فيما ذكرا قال فى الرّبع وما أحسبه ... فارق الأظعان حتّى انفطرا «5» وفيها توفّى عبد العزيز بن أحمد بن محمد بن علىّ بن سليمان أبو محمد الكتّانىّ الصوفىّ الحافظ الدّمشقىّ أحد الرّحّالين فى طلب العلم. كان من المكثرين فى الحديث كتابة وسماعا مع الصدق والأمانة.

ما وقع من الحوادث سنة 467

وفيها توفّى محمد بن إبراهيم بن علىّ الحافظ أبو بكر العطار الأصبهانىّ. كان عظيم الشأن ببلده، عارفا بالرجال والمتون، وكان إماما ثقة. وفيها توفّى محمد بن عبيد الله بن أحمد [بن محمد] «1» بن أبى الرّعد الفقيه الحنفىّ قاضى عكبرا. كان إماما فقيها صادقا ثقة. مات بعكبرا يوم الجمعة ثالث شهر ربيع الآخر. وفيها توفّيت الماورديّة البصرية. كانت زاهدة عابدة صالحة، تجتمع إليها النساء فتعظهنّ وتؤدّبهنّ، قاربت الثمانين سنة، أقامت منها خمسين سنة لا تفطر النهار ولا تنام الليل، ولا تأكل خبزا ولا رطبا ولا تمرا، وإنّما يطحن لها الباقلاء فتتقوّت به. وماتت بالبصرة فلم يبق بالبلد إلّا من شهد جنازتها. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وعشرون إصبعا. ولمّا كان ليلة النّوروز نقص أصابع، ثم زاد حتى أوفى. ونودى عليه فى سابع عشرين توت: إصبع من سبع عشرة ذراعا. وانتهت زيادته فى هذه السنة إلى ستّ عشرة ذراعا وثلاث أصابع (أعنى أنه زاد بعد الوفاء إصبعين لاغير) . *** [ما وقع من الحوادث سنة 467] السنة الأربعون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة سبع وستين وأربعمائة. فيها أعيدت الخطبة بمكّة للمستنصر صاحب الترجمة. وفيها توفّى الخليفة أمير المؤمنين القائم بأمر الله عبد الله ابن الخليفة القادر بالله أحمد ابن الأمير إسحاق ابن الخليفة جعفر المقتدر ابن الخليفة المعتضد بالله أحمد

ابن الأمير طلحة الموفّق ابن الخليفة المتوكّل على الله جعفر ابن الخليفة المعتصم بالله محمد ابن الخليفة الرشيد بالله هارون ابن الخليفة المهدى بالله محمد ابن الخليفة أبى جعفر. المنصور عبد الله بن محمد بن علىّ بن عبد الله بن عباس، أمير المؤمنين أبو جعفر الهاشمىّ العباسىّ البغدادىّ. وأمّه أمّ ولد روميّة تسمّى قطر النّدى. ماتت فى خلافته، حسب ما ذكرناه فى هذا الكتاب فى محلّه. ومولده فى سنة إحدى وتسعين وثلثمائة. وبويع بالخلافة بعد موت أبيه وعمره إحدى وثلاثون سنة فى ذى الحجة سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة. وكان جميلا مليح الوجه أبيض اللّون مشربا بحمرة أبيض الرأس واللّحية، متديّنا ورعا زاهدا عالما، فى وجهه أثر صفار من قيام اللّيل، وكان يسرد الصوم، وكان قليل الجماع، ولهذا قلّ نسله. وكان سبب تركه الجماع أنّه جامع ليلة وبين يديه شمعة فصار صورته على الحائط صورة شنيعة، فقام عنها وقال: لاعدت إلى مثلها. وكانت وفاته فى يوم الخميس ثالث عشر شعبان من هذه السنة، وله خمس وسبعون سنة وثمانية أشهر وأربعة وعشرون يوما، وقيل غير ذلك. وأقام فى الخلافة أربعا وأربعين سنة. قلت: ومن الغرائب أن القائم هذا كان معاصرا للمستنصر العبيدى صاحب الترجمة وهو خليفة مصر، وكلاهما مكث فى الخلافة ما لم يمكثه غيره من آبائه وأجداده من طول المدّة؛ فالقائم هذا كانت مدّته أربعا وأربعين سنة، والمستنصر ستّين سنة؛ فما وقع للقائم لم يقع لأحد من العباسيّين، وما وقع للمستنصر لم يقع لأحد من الفاطميّين. وبويع بالخلافة بعد القائم حفيده عبد الله بن محمد الذّخيرة بن القائم المذكور. ومولده بعد وفاة أبيه الذخيرة بستّة أشهر، وتولّى تربيته جدّه القائم، ولقّب بالمقتدى «1» بالله.

وفيها توفّى عبد الرحمن بن محمد بن المظفّر بن محمد بن داود أبو الحسن بن أبى طلحة الداوودىّ الحافظ. ولد سنة أربع وسبعين وثلثمائة، وسمع الحديث وقرأ الفقه ودرس وأفتى، ووعظ وصنّف، وكان له حظّ من النظم والنثر. ومن شعره: [الخفيف] كان فى الاجتماع للناس نور ... فمضى النّور وادلهمّ الظلام فسد الناس والزمان جميعا ... فعلى الناس والزمان السلام وفيها توفّى أبو الحسن علىّ بن الحسن بن علىّ بن أبى الطيّب الباخرزىّ «1» . كان إماما فاضلا شاعرا، صنّف «دمية القصر فى شعراء «2» أهل العصر» . والعماد «3» الكاتب حذا حذوه. وكان الباخرزىّ فريد عصره، وديوان شعره مشهور بأيدى الناس. ومن شعره قوله: [الطويل] زكاة رءوس الناس فى عيد فطرهم ... بقول رسول الله صاع من البرّ ورأسك أغلى قيمة فتصدّقى ... بفيك علينا فهو صاع من الدّرّ

وفيها توفّى علىّ بن الحسين بن أحمد بن الحسين أبو الحسن الثّعلبى، ويعرف بابن صصرى. ذكره الحافظ ابن عساكر وأثنى عليه. حدّث عن تمّام بن محمد وغيره، وكان ثقة. وأصل بنى صصرى من قرية بالموصل. ومات بدمشق. وفيها توفّيت كوهر خاتون عمّة السلطان ملكشاه السّلجوقىّ أخت السلطان ألب أرسلان. كانت ديّنة عفيفة، صادرها نظام الملك لمّا مات أخوها ألب أرسلان وأخذ منها أموالا عظيمة. فخرجت إلى الرىّ لتمضى إلى المباركيّة «1» تستنجدهم على قتال الوزير نظام الملك، فأشار نظام الملك على ملكشاه بقتلها فقتلها. فلما وصل خبر قتلها إلى بغداد ذمّ الناس نظام الملك وقالوا: ما كفاه بناء هذه المدرسة النظاميّة وغصبه لأراضى الناس وأخذ أنقاضهم حتى دخل فى الدماء من قتله هذه المرأة! وأيضا أنّه أشار على ملكشاه بقتل عمّه قاورد بك المقدّم ذكره، ثم أشار على ملكشاه بكحل أولاد عمّه. وهجا نظام الملك جماعة من أهل العراق؛ فلمّا بلغ نظام الملك قال: ما أقام هذه الشناعة علىّ إلّا فخر الدولة بن جهير «2» . وفيها توفّى محمود بن نصر بن صالح صاحب حلب ويعرف بابن الروقليّة. كان عمّه عطيّة قد أخذ حلب منه، فتجهّز محمود هذا وأتاه وحصره حتّى استعادها منه. ومات بها فى ليلة الخميس ثالث عشر شعبان، وهى الليلة التى مات فيها الخليفة القائم بأمر الله العباسىّ. وسبب موته أنه عشق جارية لزوجته، وكانت تمنعه منها، فماتت الجارية فحزن عليها حتّى مات بعد يومين. ولمّا مات وقع بين العسكر الخلاف. وكان محمود هذا قد أوصى إلى ولده أبى المعالى شبل وأسكنه القلعة والخزائن عنده؛

ما وقع من الحوادث سنة 468

وأسكن ولده نصرا البلد، وكان يكره نصرا ويحبّ شبلا، والعساكر تحب نصرا؛ فلا زالوا حتّى ملك نصر وخلع شبل. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وتسع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وسبع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 468] السنة الحادية والأربعون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة ثمان وستين وأربعمائة. فيها خرج مؤيّد الملك بن نظام الملك الوزير من بغداد يريد والده، وكان أبوه قد مرض، وخرج معه أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد البيضاوىّ «1» الشاهد رسولا من الديوان إلى السلطان إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتكين صاحب غزنة، يخبره بوفاة الخليفة القائم بأمر الله وإقامة ولده المقتدى بعده فى الخلافة. وفيها لبس بدر الجمالىّ أمير الجيوش من المستنصر خلعة الوزارة بمصر، وكانت منزلته قبل ذلك أجلّ من الوزارة، ولكن لبسها حتّى لا يترتّب أحد فى الوزارة فينازعه فى الأمر. وفيها أيضا قبض بدر الجمالىّ على قاضى الإسكندرية ابن المحيرق وعلى جماعة من فقهائها وأعيانها، وأخذ منهم أموالا عظيمة. وفيها استولى أتسز التّركمانىّ على دمشق وخطب بها للمقتدى العباسىّ، وكتب إلى المقتدى يذكر له تسليمها إليه وغلوّ الأسعار بها وموت أهلها، وأنّ الكارة

الطعام بلغت فى دمشق نيّفا وثمانين دينارا مغربيّة، وبقيت على ذلك أربع سنين «1» . والكارتان ونصف غرارة بالشامىّ. فتكون الغرارة بمائتى دينار. وهذا شىء لم يعهد مثله فى سالف الأعصار. قلت «2» : ولا بعده. وقد تقدّم ذكر هذا الغلاء بمصر والشام فى ترجمة المستنصر هذا. وفيها توفّى أحمد بن علىّ بن محمد القاضى أبو الحسين جلال الدولة الشريف العلوىّ، كان ولى قضاء دمشق للمستنصر، وهو آخر قضاة المصريّين الرافضة، وهو الذي أجار الخطيب البغدادىّ لمّا أمر أمير دمشق بقتله. قال يوما وعنده [أبو] الفتيان بن حيّوس: وددت أنّى فى الشجاعة مثل جدّى علىّ، وفى السخاء مثل حاتم. فقال له [أبو] الفتيان بن حيّوس: وفى الصدق مثل أبى ذرّ-[الغفارىّ «3» ] . فخجل الشريف، فإنّه كان يتزيّد فى كلامه. وفيها توفّى إسماعيل بن علىّ أبو محمد «4» العين زربىّ الشاعر الفصيح. كان يسكن دمّشق وبها مات. ومن شعره: [الطويل] وحقّكم لا زرتكم فى دجنّة ... من الليل تخفينى كأنّى سارق ولا زرت إلّا والسيوف شواهر «5» ... علىّ وأطراف الرماح لواحق

ما وقع من الحوادث سنة 469

وله أيضا: [الطويل] ألا يا حمام الأيك «1» عيشك آهل ... وغصنك ميّال وإلفك حاضر أتبكى وما امتدّت اليك يد النّوى ... ببين «2» ولم يذعر جناحك ذاعر قلت: وهذا يشبه قول القائل فى أحد معانيه: [الخفيف] نسب الناس للحمامة حزنا ... وأراها فى الحزن ليست هنالك خضبت كفّها وطوّقت الجي ... د وغنّت وما الحزين كذلك وفيها توفّى مسعود [بن عبد العزيز] «3» بن المحسن بن الحسن بن عبد الرزاق أبو جعفر البياضىّ الشاعر البغدادىّ. كان أديبا فاضلا شاعرا. مات ببغداد فى ذى القعدة. ومن شعره: [الخفيف] ليس لى صاحب معين سوى اللّي ... ل إذا طال بالصدود عليّا أنا أشكو همّ الحبيب إليه ... وهو يشكو بعد الصّباح إليّا أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وإصبعان. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وأربع عشرة إصبعا. وأوفى يوم نصف توت. *** [ما وقع من الحوادث سنة 469] السنة الثانية والأربعون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة تسغ وستّين وأربعمائة.

فيها فى صفر غلب على المدينة النبويّة محيط العلوىّ وأعاد خطبة المستنصر هذا بها، وطرد عنها أميرها الحسين بن مهنّا فقصد الحسين ملكشاه السّلجوقىّ. وفيها توفّى- والصحيح فى التى قبلها- علىّ بن أحمد بن محمد بن علىّ أبو الحسن الواحدىّ النيسابورىّ. كان من أولاد التجار من ساوة، وكان «1» أوحد عصره فى التفسير. كان إماما عالما بارعا محدّثا، صنف التفاسير الثلاثة: «البسيط» و «الوجيز» و «الوسيط» . والغزالىّ أخذ هذه الأسماء برمّتها وسمّى بها تصانيفه. وصنّف الواحدىّ أيضا «أسباب النزول» فى مجلّد و «شرح الأسماء الحسنى» وكتبا كثيرة غير ذلك. وكان له أخ اسمه عبد الرحمن قد تفقّه وحدّث أيضا. وفيها توفّى إسفهدوست «2» بن محمد بن الحسن أبو منصور الدّيلمىّ الشاعر. كان أوّلا يهجو الصحابة- رضى الله عنهم- والناس، ثم تاب وحسنت توبته. وقال فى ذلك قصيدة طنّانة أولها: [الكامل] لاح الهدى فجلا عن الأبصار ... كاللّيل يجلوه ضياء نهار ورات سبيل الرشد عينى بعد ما ... غطّى عليها الجهل بالأستار ومنها: وعدلت عما كنت معتقدا له ... فى الصحب صحب نبيّك «3» المختار السيد الصدّيق والعدل الرّضى ... عمر وعثمان شهيد الدار وهى طويلة جدّا.

ما وقع من الحوادث سنة 470

وفيها توفّى طاهر بن أحمد بن باب شاذ «1» أبو الحسن النحوىّ المصرىّ صاحب «المقدّمة «2» » المشهورة. كان عالما فاضلا وله تصانيف فى النحو. سمع الحديث ورواه، وقرىء عليه الأدب بجامع «3» مصر سنين. تردّى من سطح جامع مصر فى شهر رجب فمات من ساعته. وفيها توفّى عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مندة- واسم مندة إبراهيم بن الوليد- الحافظ أبو القاسم ابن الحافظ أبى عبد الله العبدىّ الأصبهانىّ. كان كبير الشأن، جليل القدر، حسن الخطّ واسع الرّواية. ولد سنة إحدى «4» وثمانين وثلثمائة، وهو أكبر إخوته- رحمه الله- ومات فى شوّال. وقال الذهبىّ: مات فى سبعين وأربعمائة. وفيها كان الطاعون العظيم بالشام، ومات خلائق لا تحصر. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وسبع أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثلاث عشرة إصبعا. وأوفى بأواخر توت. *** [ما وقع من الحوادث سنة 470] السنة الثالثة والأربعون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة سبعين وأربعمائة.

فيها ورد كتاب أرتق «1» بك على الخليفة المقتدى العباسىّ بأخذه بلاد القرامطة. وفيها توفّيت بنت الوزير نظام الملك وزوجة الوزير عميد الدولة «2» ، وجلس الوزير وولده للعزاء. ونظام الملك وزير السلطان ملكشاه، وعميد الدولة وزير الخليفة المقتدى بالله؛ وكان عميد الدولة فى المحلّ أعظم، ونظام الملك فى المال أكثر. وفيها توفّى أحمد بن عبد الملك بن علىّ الحافظ أبو صالح النيسابورىّ المؤذّن. ولد سنة ثمان وثمانين وثلثمائة، وسمع الحديث الكثير، وصنّف الأبواب والشيوخ؛ وكان يؤذّن ويعظ، وكان شيخ الصوفيّة فى وقته علما وعملا وصدقا وثقة وأمانة. وفيها توفّى عبد الخالق بن عيسى بن أحمد بن محمد بن عيسى بن أحمد أبو جعفر ابن أبى موسى، الشريف الهاشمى، إمام الحنابلة وعالمهم فى زمانه. ولد سنة إحدى عشرة وأربعمائة. وكان عالما ورعا فاضلا، تفقّه على القاضى أبى يعلى. وكان يشهد ثمّ ترك الشهادة. وكان صدوقا ثقة زاهدا عابدا مصنّفا. مات بنيسابور فى شهر رمضان. وفيها توفّى أحمد بن محمد [بن أحمد «3» ] بن عبد الله بن النفور «4» الحافظ أبو الحسن «5» البزّاز. مات ببغداد فى شهر رجب وله تسعون سنة. وكان إماما محدّثا فاضلا بارعا.

ما وقع من الحوادث سنة 471

وفيها توفّى الحسين «1» بن محمد [بن أحمد «2» ] بن طلّاب أبو نصر خطيب دمشق فى صفر بها وله إحدى وتسعون سنة. وكان إماما بارعا محدّثا فصيحا خطيبا. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع واثنتان وعشرون إصبعا. وفتح الخليج فى سابع عشر مسرى، والماء على اثنتى عشرة إصبعا من ست عشرة ذراعا. وأوفى فى رابع أيام النسىء، وبلغ سبع عشرة ذراعا وعشر أصابع. ونقص فى ثالث عشر بابة. *** [ما وقع من الحوادث سنة 471] السنة الرابعة والأربعون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة إحدى وسبعين وأربعمائة. فيما توفّى إبراهيم بن علىّ بن الحسين أبو إسحاق شيخ الصوفيّة بالشام. سمع الحديث، وكان صاحب رياضات ومجاهدات. أقام بصور «3» أربعين سنة، ومات بدمشق. وفيها توفّى الحسن بن أحمد بن عبد الله أبو علىّ بن البنّاء الحنبلىّ. ولد سنة سبع وتسعين وثلثمائة. وبرع فى الفقه وغيره، وصنّف فى كلّ فنّ. وكان يقول: صنّفت خمسين ومائة مصنّف. وكانت وفاته فى شهر رجب هذه السنة. وفيها توفّى الحسين «4» بن أحمد بن عقيل بن محمد أبو علىّ بن ريش الدمشقىّ. مات بدمشق فى جمادى الاخرة. وكان ثقة صدوقا فاضلا أديبا.

ما وقع من الحوادث سنة 472

وفيها توفّى سعد بن علىّ بن محمد بن علىّ بن الحسين الحافظ أبو القاسم الزّنجانىّ «1» الصّوفىّ. ولد سنة ثمانين وثلثمائة، وطاف البلاد وسمع الكثير. وانقطع فى آخر عمره بمكّة وصار شيخ الحرم. وفيها توفّى عبد القاهر بن عبد الرحمن أبو بكر الجرجانىّ النحوىّ اللغوىّ شيخ العربيّة فى زمانه. كان إماما بارعا مفتنّا. انتهت إليه رياسة النّحاة فى زمانه. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وسبع وعشرون «2» إصبعا. وفتح الخليج فى سابع عشرين مسرى والماء على ثمانى عشرة إصبعا من ست عشرة ذراعا. وكان الوفاء فى ثالث توت بعد ما توقّف ولم يزد إلى عاشر مسرى. وكان مبلغ الزيادة فى هذه السنة سبع عشرة ذراعا وعشرين إصبعا، ونقص فى خامس بابة. *** [ما وقع من الحوادث سنة 472] السنة الخامسة والأربعون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة. فيها توفّى منصور «3» بن بهرام الأمير نظام الملك صاحب ميّافارقين من ديار بكر، وملك بعده ابنه ناصر الدولة.

وفيها توفّى هيّاج بن عبيد بن الحسين أبو محمد الحطّينىّ الزاهد- وحطّين: قرية غربىّ طبريّة. ويقال: إن قبر شعيب عليه السلام بها، وبنته صفوراء زوجة موسى عليه السلام أيضا بها. وحطّين بكسر الحاء المهملة وفتحها-. وكان هيّاج المذكور إماما زاهدا. سمع الحديث وبرع، وجاور بمكّة وصار فقيه الحرم ومفتى مكّة. وكان يصوم يوما ويفطر يوما، ويأكل فى كلّ ثلاثة أيام مرّة، ويعتمر فى كلّ يوم ثلاث مرّات على قدميه. وأقام بالحرم «1» أربعين سنة لم يحدث فيه، وكان يخرج إلى الحلّ ويقضى حاجته. وكان يزور النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فى كلّ سنة ماشيا، وكان يزور عبد الله بن عبّاس فى كلّ سنة مرّة بالطائف؛ ويأكل أكلة بالطائف وأخرى بمكة، وما كان يدّخر شيئا، ولم يكن له غير ثوب واحد. وفيه قال بعضهم: [الوفر] أقول لمكّة ابتهجى وتيهى ... على الدنيا بهيّاج الفقيه إمام طلقّ الدنيا ثلاثا ... فلا طمع لها من بعد فيه وكان سبب موته أنّ بعض الرافضة شكا إلى صاحب مكّة محمد بن أبى هاشم، قال: إنّ أهل السّنة يستطيلون علينا بهيّاج، وكان صاحب مكّة المذكور رافضيا خبيثا، فأخذه وضربه ضربا عظيما على كبر سنّة، فبقى أيّاما ومات، وقد نيّف على الثمانين سنة، ودفن إلى جانب الفضيل بن عياض، رحمة الله عليهما. ولمّا مات قال بعض العلماء: لو ظفرت النصارى بهيّاج لما فعلوا فيه ما فعله به صاحب مكة هذا الخبيث!. قلت: وهم الآن على هذا المذهب سوى أنّ الله تعالى قمعهم بالدولة التركيّة ونصر أهل السنّة عليهم، وجعلهم رعايا ليس لهم بمكّة الآن غير مجرّد الاسم.

ما وقع من الحوادث سنة 473

وفيها توفّى الحسن بن عبد الرحمن أبو علىّ الفقيه المكىّ الشافعىّ فى ذى القعدة، وكان من الفضلاء. وفيها توفّى أبو عبد الله يحيى بن أبى مسعود عبد العزيز بن محمد الفارسىّ بهراة فى شوّال، وكان إماما فقيها نحويّا محدّثا. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم لم يتحرّر، «1» فإنّه زاد فى بؤونة خمس أذرع، ثم نقص ثلاث أذرع؛ ولم يزد إلى ثانى عشرين أبيب. وفتح الخليج فى عشرين مسرى والماء على تسع عشرة إصبعا من ستّ عشرة ذراعا. وكثرت زيادته فى توت، وانتهى إلى خمس عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا، ثم نقص فى ثانى بابة. *** [ما وقع من الحوادث سنة 473] السنة السادسة والأربعون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة. فيها وصل السلطان ملكشاه السّلجوقىّ إلى الرّىّ لقتال ابن عمّه سلطان شاه بن قاورد بك؛ فخرج إليه سلطان شاه مستأمنا وقبّل الأرض بين يديه. فقام السلطان ملكشاه له وأجلسه بجانبه وتحالفا وزوّجه ابنته، وعاد السلطان ملكشاه إلى أصبهان.

وفيها ملك جلال الملك أبو الحسن بن عمّار قاضى طرابلس وصاحبها حصنّ جبلة «1» ، وكان ابن عمّار هذا قاضى طرابلس وصاحبها، غلب على تلك البلاد سنين، وعجز بدر الجمالىّ أمير الجيوش عن مقاومته. وفيها عزل المقتدى بالله العباسىّ وزيره عميد الدولة واستوزر أبا شجاع «2» محمد ابن الحسين الرّوذراورىّ «3» ، وكان صالحا عفيفا دينا. فهجاه الموصلىّ فقال: [الكامل] ما استبدلوا ابن جهير «4» فى ديوانهم ... بأبى شجاع لرفعة وجلال لكن رأوه أشحّ أهل زمانه ... فاستوزروه لحفظ بيت المال وفيها توفّى محمد بن الحسين بن عبد الله بن أحمد بن يوسف بن الشّبلى أبو علىّ الشاعر البغدادىّ، كان شاعرا مجيدا؛ ومات فى المحرّم. ومن شعره: [الكامل] لا تظهرنّ لعاذل أو عاذر ... حاليك فى السرّاء والضرّاء فلرحمة المتوجّعين مرارة ... فى القلب مثل شماته الأعداء

وفيها توفّى محمد بن سلطان بن محمد بن حيّوس الأمير الشاعر. كان أحد شعراء الشاميّين وفحولهم المجيدين، وكان له ديوان شعر. ومات بدمشق فى شعبان وقد جاوز الثمانين سنة. وأنشد له ابن عساكر قصيدة أولها: [الطويل] أسكّان نعمان الأراك تيقّنوا ... بأنكم فى ربع قلبى سكّان وفيها توفّى علىّ بن محمد بن علىّ أبو كامل «1» الصّليحىّ الخارج باليمن. قال ابن خلّكان: كان أبوه قاضيا باليمن سنّىّ المذهب، ثمّ ذكر عنه فضيلة وأشياء أخر تدلّ على أنّه كان رافضيا خبيثا، إلى أن قال: ثمّ إنه صار يحجّ بالناس على طريق السّراة «2» والطائف خمس عشرة سنة. انتهى كلام ابن خلّكان. قلت: وتغلّب على اليمن حتّى ملكه، وجعل كرسىّ ملكه بصنعاء، وبنى عدّة قصور، وطالت أيامه، ودخل سنة خمس وخمسين وأربعمائة إلى مكّة واستعمل الجميل مع أهلها، ورخصت الأسعار، وأحبّه الناس لتواضع كان فيه. ودخل معه مكّة زوجته «3» الحرّة التى كان خطب لها على منابر اليمن؛ وأقام بمكّة شهرا ثمّ رحل. وكان يركب فرسا بألف دينار، وعلى رأسه العصائب. وإذا ركبت زوجته الحرّة ركبت فى مائتى جارية بالحلىّ والجواهر، وبين يديها الجنائب بالسروج الذهب. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وإحدى وعشرون إصبعا. وفتح الخليج فى خامس توت والماء على خمس عشرة إصبعا من ستّ عشرة ذراعا. وكان الوفاء فى خامس عشرين توت. وكان مبلغ الزيادة فى هذه السنة ست «4» عشرة ذراعا وخمس عشرة إصبعا. ونقص فى ثالث بابة.

ما وقع من الحوادث سنة 474

*** [ما وقع من الحوادث سنة 474] السنة السابعة والأربعون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة أربع وسبعين وأربعمائة. فيها توفّى داود ولد السلطان ملكشاه السّلجوقىّ فى يوم الخميس حادى عشرين ذى الحجة بأصبهان، وحزن عليه والده ملكشاه حزنا جاوز الحدّ، وفعل فى مصابه ما لم يسمع بمثله، ورام قتل نفسه دفعات وخواصّه تمنعه من ذلك، ولم يمكّن من أخذه وغسله لقلّة صبره على فراقه، حتّى تغيّر وكادت رائحته تظهر، فحينئذ مكّن منه. وامتنع عن الطعام والشراب. واجتمع الأتراك والتّركمان فى دار المملكة وجزّوا شعورهم، واقتدى بهم نساء الحواشى والحشم والأتباع والخدم، وجزّت نواصى الخيول وقلبت السروج، وأقيمت الخيول مسوّدات، وكذا النساء المذكورات؛ وأقام أهل البلد المأتم فى منازلهم وأسواقهم. وبقيت الحال على هذا سبعة أيام، حتى كلّمه أرباب الدولة فى منع ذلك؛ وأرسل إليه الخليفة يحثّه على الجلوس بالديوان. وفيها سار تنش صاحب دمشق فافتتح أنطرطوس «1» وغيرها. وفيها أخذ شرف الدولة صاحب الموصل حرّان «2» من بنى وثّاب النّميريين، وصالحه صاحب الرّهاء وخطب له بها. وفيها تملّك الأمير سديد الملك «3» أبو الحسن علىّ بن مقلّد بن نصر بن منقذ الكنانىّ حصن شيزر، وانتزعه من الفرنج، بعد أن نازلها وتسلّمها بالأمان وبمال

للأسقف. فلم تزل شيزر بيده وبيد أولاده إلى أن هدمتها الزلزلة وقتلت أكثر من كان بها؛ فعند ذلك أخذها السلطان الملك العادل نور الدين محمود الشهيد وأصلحها وجدّدها. وأمّا سديد الملك فلم يحيى بعد أن تملّكها إلّا نحو السنة ومات. وكان شجاعا فارسا شاعرا. وملكها بعده ابنه أبو المرهف نصر. وفيها توفّى سليمان بن خلف بن سعد بن أيّوب بن وارث الإمام أبو الوليد التّجيبيّ القرطبىّ الباجىّ صاحب التصانيف. أصله بطليوسىّ، «1» وانتقل آباؤه إلى باجة، وهى مدينة قريبة من إشبيلية. وولد فى ذى القعدة سنة ثلاث وأربعمائة. ورحل البلاد وحجّ وسافر إلى الشام وبغداد، وسمع بهما الكثير. قال القاضى عياض: وولى قضاء مواضع من الأندلس، وذكر مصنّفاته وأثنى على علمه وفضله. وفيها توفّى نور الدولة دبيس بن علىّ بن مزيد أبو الأغرّ صاحب الحلّة «2» . عاش ثمانين سنة، كان فيها أميرا نيّفا وستّين سنة؛ وكان الطبول تضرب على بابه فى أوقات الصلوات، وكان جوادا ممدّحا، كان محطّ رحال الرافضة- أخزاهم الله- وملك بعده ابنه أبو كامل بهاء الدولة منصور. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وثمانى عشرة إصبعا. وفتح الخليج فى خامس عشرين مسرى، والماء على ثمانى عشرة إصبعا من ستّ عشرة ذراعا. وكان الوفاء أوّل أيّام النسىء. وبلغ ثمانى عشرة ذراعا وثلاث عشرة إصبعا. ونقص فى ثالث بابة.

ما وقع من الحوادث سنة 475

*** [ما وقع من الحوادث سنة 475] السنة الثامنة والأربعون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة خمس وسبعين وأربعمائة. فيها شفع أرتق بك إلى تاج الدولة تتش صاحب الشام فى مسمار الكلبىّ فأفرج عنه، وسار الأمير أرتق بك إلى القدس. وفيها فتح ابن قتلمش حصن أنطرطوس من الروم، وبعث إلى ابن عمّار قاضى طرابلس وصاحبها يطلب منه قاضيا وخطيبا. وفيها سار مسلم بن قريش صاحب حلب إلى دمشق وحصر بها صاحبها تتش، ثم عاد عنها ولم يظفر بطائل. وفيها توفّى ابن ماكولا علىّ بن هبة الله بن علىّ بن جعفر بن علكان بن محمد ابن دلف ابن الأمير أبى دلف القاسم بن عيسى بن إدريس بن معقل العجلىّ. وعجل: بطن من بكر بن وائل من أمة ربيعة أخى مضر ابنى نزار بن معدّ بن عدنان. قال شيرويه فى طبقاته: وكان يعرف بالوزير سعد الملك بن ماكولا، وولد بعكبرا فى سنة إحدى وعشرين وأربعمائة فى شعبان، وكنيته أبو نصر. قال صاحب مرآة الزمان: «الأمير الحافظ أبو نصر العجلىّ» . قال أبو عبد الله «1» الحميدىّ: ما راجعت الخطيب فى شىء إلّا وأحالنى على كتاب «2» وقال: حتّى أبصره؛ وما راجعت أبا نصر ابن ماكولا فى شىء إلّا وأجابنى حفظا، كأنّه يقرأ من كتاب. قلت: وهو الذي صنّف عن أوهام الخطيب كتابا سماه «مستمرّ الأوهام» . ومات فى هذه

ما وقع من الحوادث سنة 476

السنة. وقيل سنة تسع وسبعين، وقيل سنة سبع وثمانين. ومن شعره- رحمه الله-: [الطويل] ولمّا توافينا تباكت قلوبنا ... فمسك دمع يوم ذاك كساكبه فيا كبدى الحرّى البسى ثوب حسرة ... فراق الذي تهوينه قد كساك به وفيها توفّى محمد بن أحمد بن عيسى «1» الإمام أبو بكر السّمسار. مات فى شوّال. كان إماما فاضلا بارعا، سمع الحديث وبرع فى فنون. وفيها وقع الطاعون ببغداد ثم بمصر وما والاهما، فمات فيه خلق كثير. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثمانى عشرة ذراعا. ثم زاد حتّى كان مبلغ الزيادة فى هذه السنة خمس عشرة ذراعا وعشر أصابع. ثم نقص فى خامس بابة. *** [ما وقع من الحوادث سنة 476] السنة التاسعة والأربعون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة ستّ وسبعين وأربعمائة. فيها عزل المقتدى بالله العباسىّ عميد الدولة عن الوزارة. وفيها سلّم ابن صقيل قلعة بعلبكّ إلى تاج الدولة تتش صاحب الشام، وكان مقيما فيها من قبل المستنصر العبيدىّ صاحب الترجمة، وكان ذلك فى صفر. وفيها عزم تتش صاحب دمشق على مصاهرة أمير الجيوش بدر الجمالىّ وزير مصر وصاحب عقدها وحلها [على ابنته» ] ، فأشار ابن عمّار قاضى طرابلس وصاحبها على تتش بألّا يفعل، فثنى عزمه عن ذلك.

وفيها توفّى سلطان شاه بن قاورد بك بن داود بن ميكائيل السّلجوقىّ صاحب كرمان وابن عمّ السلطان ملكشاه؛ فقدمت أمّه على ملكشاه بهدايا وأموال، فأكرمها وأقرّ ولدها الآخر مكانه. وفيها تغيّرت نيّة السلطان ملكشاة على وزيره نظام الملك، ثمّ أصلح نظام الملك أمره معه. وفيها توفّى إبراهيم بن علىّ بن يوسف أبو إسحاق الفيروزابادىّ الشيرازىّ الشافعىّ. ولد سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة، وتفقّه بفارس على أبى عبد الله «1» البيضاوىّ، وببغداد على أبى الطّيب الطّبرىّ. وسمع الحديث، وكان إماما فقيها عالما زاهدا. ولما قدم خراسان فى الرسالة تلقّاه الناس وخرجوا إليه من نيسابور، فحمل إمام الحرمين أبو المعالى الجوينىّ غاشيته «2» ومشى بين يديه كالخدم وقال: أنا أفتخر بهذا «3» . قال أبو المظفر فى المرآة: وما عيب عليه شىء إلّا دخوله النّظاميّة «4» ، وذكره الدروس

ما وقع من الحوادث سنة 477

[بها «1» ] ، لأنّ حاله فى الزهد والورع خلاف ذلك. ثم ساق له أشعارا كثيرة. منها فى غريق فى الماء: [الطويل] غريق كأنّ الموت رقّ لأخذه ... فلان له فى صورة الماء جانبه أبى الله أن أنساه دهرى فإنّه ... توفّاه فى الماء الذي أنا شاربه وله: [الوافر] سالت الناس عن خلّ وفى ... فقالوا ما إلى هذا سبيل تمسّك إن ظقرت بود «2» حرّ ... فإنّ الحرّ فى الدنيا قليل وكانت وفاته ببغداد من الجانب الشرقى. وفيها توفّى محمد بن أحمد بن محمد بن إسماعيل أبو طاهر بن أبى الصقر «3» الأنبارىّ، كان محدّثا فاضلا ثقة صدوقا صاحب صيام وقيام. وله شعر. وأنشد لابن الرومىّ: [الكامل] يا دهر صافيت اللئام مواليّا ... أبدا وعاديت الأكارم عامدا فغدرت كالميزان ترفع ناقصا ... أبدا وتخفض لا محالة زائدا أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وسبع عشرة إصبعا. وفتح الخليج فى ثانى النسىء. وكان الوفاء فى ثامن توت. وكان مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وتسع أصابع. ونقص فى تاسع بابة. *** [ما وقع من الحوادث سنة 477] السنة الخمسون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة سبع وسبعين وأربعمائة.

فيها بنى أمير الجيوش بدر الجمالىّ جامع العطّارين «1» بالإسكندرية. وسببه أنّ ولد بدر الجمالىّ عصى عليه وتحصّن بالإسكندرية. فسار إليه أبوه بدر الجمالىّ حتى نزل على الإسكندرية وحاصرها شهرا حتّى طلب أهلها الأمان وفتحوا له الباب، فدخلها وأخذ ابنه أسيرا ثم بنى هذا الجامع. وفيها توفّى عبد السعيد بن محمد بن عبد الواحد أبو نصر بن الصبّاغ الفقيه الشافعىّ. ولد سنة أربعمائة، وتفقّه وبرع حتّى صار فقيه العراق، وكان يقدّم على أبى إسحاق الشيرازىّ فى معرفة مذهبه. وصنّف الكتب فى الفقه، منها: «الشامل» و «الكامل» و «تذكرة العالم» و «الطريق السالم» . وولى تدريس النّظاميّة قبل أبى إسحاق عشرين يوما. ومات فى جمادى الأولى. وفيها توفّى مسلم بن قريش بن بدران الأمير أبو البركات شرف الدولة أمير بنى عقيل صاحب الموصل والجزيرة وحلب. وزوّجه السلطان ألب أرسلان السلجوقى أخته. وكان شجاعا جوادا ذا همّة وعزم، احتاج إليه الخلفاء والملوك والوزراء، وخطب له على المنابر من بغداد إلى العواصم والشام. وأقام حاكما على البلاد نيّفا وعشرين سنة. ولمّا مدحه ابن حيّوس بقصيدته التى أوّلها: [الكامل] ما أدرك الطّلبات «2» مثل مصمّم ... إن أقدمت أعداؤه لم يحجم فأعطاه الموصل جائزة له، فأقامت فى حكمه ستة أشهر. وقتل مسلم هذا فى وقعة كانت بينه و [بين سليمان «3» بن] قتلمش فى هذه السنة.

ما وقع من الحوادث سنة 478

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وأربع عشرة إصبعا. وفتح الخليج فى رابع عشرين مسرى، والماء على اثنتى عشرة إصبعا من ست عشرة ذراعا. وكان الوفاء آخر أيام النسىء. ووقف مدّة ثم نقص فى العشرين من توت بعد ما بلغ سبع عشرة ذراعا وثلاث عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 478] السنة الحادية والخمسون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة ثمان وسبعين وأربعمائة. فيها وقع طاعون عظيم بالعراق ثم عمّ الدنيا؛ فكان الرجل قاعدا فى شغله فتثور به الصفراء فتصرعه فيموت من وقته. ثم هبّت ريح سوداء ببغداد، أظلمت الدنيا، ولاحت نيران فى أطراف السماء وأصوات هائلة، فأهلكت خلقا كثيرا من الناس والبهائم. فكان أهل الدرب يموتون فيسدّ الدرب عليهم. قاله صاحب مرآة الزمان- رحمه الله-. وفيها اتّفق جماعة بمصر مع ولد أمير الجيوش بدر الجمالىّ على قتل والده وينفرد الولد بالملك، ففطن به أبوه فقتل الجماعة وعفّى أثر ولده؛ ويقال: إنّه دفنه حيّا، وقيل: غرّقه، وقيل: جوّعه حتى مات. وكان بدر الجمالىّ أرمنىّ الجنس، فاتكا جبّارا، قتل خلقا كثيرا من العلماء وغيرهم، وأقام الأذان ب «حىّ على خير العمل» ، وكبّر على الجنائز خمسا، وكتب سبّ الصحابة على الحيطان. قلت: وبالجملة إنّه كان من مساوئ الدنيا، جزاه الله. وغالب من كان بمصر فى تلك الأيام كان رافضيّا خبيثا بسبب ولاة مصر بنى عبيد إلّا من ثبّته الله تعالى على السنّة.

وفيها توفّى أحمد بن الحسن «1» بن محمد بن إبراهيم أبو بكر سبط ابن فورك وختن أبى القاسم القشيرىّ على ابنته، وكان يعظ فى النّظاميّة، وكان قبيح السّيرة. وفيها توفّى عبد الملك بن عبد الله بن يوسف أبو المعالى الجوينىّ الفقيه الشافعىّ المعروف بإمام الحرمين. وجوين: قرية من قرى نيسابور. ولد سنة سبع عشرة وأربعمائة، وتفقّه على والده فأقعد مكانه وله دون العشرين من العمر، فأقام الدرس، وسمع بالبلاد، وحجّ وجاور؛ ثم عاد إلى نيسابور، ودرّس بها ثلاثين سنة، وإليه المنبر والمحراب، ويجلس للوعظ، وتخرّج به جماعة، وصنّف «نهاية المطلب [فى رواية «2» المذهب] » . وصنّف فى الكلام الكتب الكثيرة: «الإرشاد» وغيره. قال صاحب مرآة الزمان: وقال محمد بن علىّ تلميذ أبى المعالى الجوينىّ: دخلت عليه فى مرضه الذي مات فيه وأسنانه تتناثر من فيه ويسقط منها الدود، لا يستطاع شمّ فيه؛ فقال: هذه عقوبة اشتغالي بالكلام فاحذروه! وكانت وفاته ليلة الأربعاء الخامس والعشرين من شهر ربيع الأوّل عن تسع وخمسين سنة. وفيها توفّى محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن الوليد أبو علىّ المتكلّم المعتزلىّ شيخ المعتزلة والفلاسفة والداعية إلى مذهبهم. وهو من أهل الكرخ، وكان يدرّس هذه العلوم، فآضطرّه أهل السّنة إلى أنّه لزم بيته خمسين سنة لا يتجاسر أن يظهر. ومات فى ذى الحجة. وفيها توفّى محمد بن علىّ بن محمد بن الحسن بن عبد الملك «3» بن عبد الوهّاب بن حمويه، الإمام أبو عبد الله الدّامغانىّ القاضىّ الحنفىّ. ولد بالدامغان فى شهر ربيع الآخر

سنة ثمان وتسعين وثلثمائة، وتفقّه ببلده، ثم قدم بغداد وتفقّه أيضا بالصّيمرىّ والقدورىّ، وسمع منهما الحديث، وبرع فى الفقه، وخصّ بالفضل الوافر والتواضع الزائد، وارتفع وشيوخه أحياء، وانتهت إليه رياسة المذهب فى زمانه. وكان فصيح العبارة مليح الإشارة غزير العلم سهل الأخلاق معظّما عند الخلفاء والملوك. ولى قضاء القضاة ببغداد سنة سبع وأربعين، وصار رأس علماء عصره فى كلّ مذهب. وحسنت سيرته فى القضاء حتّى أقام فيه ثلاثين سنة. ومات ليلة السبت الرابع والعشرين من شهر رجب. وكانت جنازته عظيمة، نزع العلماء طيالستهم ومشوا فيها، وكثر أسف الناس عليه. رحمه الله تعالى. وفيها توفّى منصور بن دبيس بن علىّ بن مزيد الأمير الرافضىّ أبو كامل بهاء الدولة صاحب الحلّة. مات فيها فى شهر رجب، وكانت ولايته ستّ سنين. وقام بعده ولده سيف الدولة صدقة. قلت: والجميع رافضة، كلّ واحد أنجس من الآخر، عاملهم الله بما يستحقّونه. وفيها توفّى هبة الله بن عبد الله بن أحمد أبو الحسن السّيبىّ «1» البغدادىّ. سمع الحديث وتفقّه، وكان أديبا شاعرا فصيحا. مات فى المحرّم. ومن شعره: [المتقارب] رجوت الثمانين من خالقى ... لما جاء فيها عن المصطفى فبلّغنيها وشكرا له ... وزاد ثلاثا بها أردفا وهأنا منتظر وعده ... لينجزه فهو أهل الوفا

ما وقع من الحوادث سنة 479

وفيها توفّى يحيى بن محمد بن طباطبا الشريف أبو المعمّر بقيّة «1» شيوخ الطالبيّين. كان هو وأخوه من نسّابيهم، وكان فاضلا شاعرا فقيها فى مذهب الشّيعة. ومات فى شهر رمضان. وهو آخر من بقى من أولاد طباطبا بالعراق ولم يعقب. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وسبع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة يأتى ذكره؛ لأنّ النيل لم يزد فى هذه السنة إلى أوّل مسرى إلا ثلثى ذراع فقط، ثم زاد فى ثانى عشرين مسرى أذرعا حتى صار فى يوم النوروز على ثلاث عشرة ذراعا وستّ عشرة إصبعا. ثم نقص إصبعين ثم ثمانيا، ثم زاد فى خامس توت ستّ أصابع؛ وخرج الناس إلى الجبل واستسقوا، فزاد حتّى بلغ ثلاث عشرة ذراعا وتسع عشرة إصبعا، ثم نقص سبع أصابع- وقيل: ثمانيا- ثم زاد فى عيد الصليب حتّى صار على أربع عشرة ذراعا وخمس عشرة إصبعا. ونقص تسع أصابع، ثم زاد فى أوّل بابة حتّى بلغ خمس عشرة ذراعا وخمس أصابع. وكان ذلك منتهى زيادته فى هذه السنة. *** [ما وقع من الحوادث سنة 479] السنة الثانية والخمسون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة تسع وسبعين وأربعمائة. فيها صاد السلطان ملكشاه أربعة آلاف غزال- وقيل: عشرة آلاف وبنى بقرونها منارة سمّاها أمّ القرون. وفيها توفّى ختلغ بن كنتكين «2» الأمير أبو منصور أمير الكوفة والحاج. ذمّه محمد ابن هلال الصابئ وذمّ سيرته فى تاريخه، إلّا أنّه كان شجاعا، وله وقائع مع العرب

فى البرّيّة. وكان محافظا على الصلوات فى الجماعة، ويختم القرآن فى كلّ يوم، ويختصّ بالعلماء والقرّاء، وله آثار جميلة بطريق الحجاز والمشاهد والمساجد. ومكث فى إمارة الحاج اثنتى عشرة سنة. وفيها قتل سليمان بن قتلمش، هو ابن عمة السلطان ملكشاه السّلجوقىّ. كان أميرا شجاعا، فتح عدّة بلاد، وآخر ما فتحه أنطاكية، وكان قد حاصر حلب ورجع. وقتل مسلم بن قريش فى حربه؛ فجاءه تاج الدولة تتش والأمير أرتق بك من دمشق، والتّقوا معه واقتتلوا فجاء سليمان هذا سهم فى وجهه فوقع عن فرسه ميتا، فدفن إلى جانب مسلم بن قريش الذي قتل فى محاربته قبل ذلك بأيام. وفيها توفّى علىّ بن فضّال بن علىّ أبو الحسن المغربىّ الفيروانىّ. كان فاضلا أديبا، له نظم ونثر. ومات بغزنة فى شهر ربيع الأوّل. ومن شعره قوله: [السريع] إن تلقك الغربة فى معشر ... قد أجمعوا فيك على بغضهم فدارهم ما دمت فى دارهم ... وأرضهم ما دمت فى أرضهم وفيها توفّى علىّ بن المقلّد بن نصر بن منقذ بن محمد بن مالك الأمير أبو الحسن الكنانىّ. كان بينه وبين ابن عمّار قاضى طرابلس وصاحبها مودّة، وكان شجاعا فاضلا نحويّا لغويّا شاعرا، وكان صاحب شيزر وبها توفّى. وتولّى شيزر بعده ابنه نصر بن علىّ. وكان له ديوان شعر مشهور. ومن شعره: [البسيط] إذا ذكرت أياديك التى سلفت ... وسوء فعلى وزلّاتى ومجترمى أكاد أقتل نفسى ثم يمنعنى ... علمى بأنّك مجبول على الكرم وفيها توفى أبو سعيد «1» أحمد بن محمد بن دوست النيسابورىّ الفقيه المحدّث الصوفىّ شيخ الشيوخ ببغداد.

ما وقع من الحوادث سنة 480

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وتسع عشرة إصبعا. وزاد فى نصف بشنس، ثم نقص نصف ذراع، ثم زاد فى أوانه حتى أوفى فى ثالث أيام النسىء. وكان مبلغ الزيادة فى هذه السنة سبع عشرة ذراعا وخمس عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 480] السنة الثالثة والخمسون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة ثمانين وأربعمائة. فيها بعث تتش أخو السلطان ملكشاه يقول لأخيه: قد استولى المصريّون على الساحل وضايقوا دمشق، وأسأل السلطان أن يأمر آق سنقر وبوزان «1» أن ينجدانى. فكتب ملكشاه إليهما أن ينجداه. وكان الأمير بوزان بالرّهاء وآق سنقر بحلب. وسبب ذلك أنّ أمير الجيوش بدرا الجمالىّ لمّا قوى أمره بمصر، وصار هو المتحدّث عن المستنصر صاحب الترجمة بهذه البلاد، واسترجع كثيرا مما كان ذهب من ممالكهم، جهّز «2» جيشا إلى الساحل. فعظم ذلك على تتش صاحب دمشق. وفيها بنى تاج الملك أبو الغنائم «3» ببغداد المدرسة التاجيّة بباب أبرز «4» وضاهى بها النّظاميّة. قلت: ومن باب أبرز هذا أصل بنى البارزى كتّاب سرّ زماننا هذا. كان جدّهم مسلم يسكن فى بغداد بباب أبرز المذكور، ثم خرج من بغداد فى جفلة التتار إلى حلب فسمّى الأبرزىّ، ثم خفّف فسمّى البارزىّ. ويأتى ذكر جماعة منهم فى هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

وفيها توفّى شافع بن صالح بن حاتم أبو محمد الفقيه الحنبلىّ «1» . كان إماما عالما، تفقّه على أبى يعلى، ومات فى صفر ودفن بباب حرب، وكان صالحا زاهدا ثقة. وفيها توفّى محمد بن هلال بن المحسّن بن إبراهيم الصابئ أبو الحسن الملقّب بغرس النعمة صاحب التاريخ المسمّى ب «عيون التواريخ» ذيّله على تاريخ أبيه، وأبوه ذيّله على تاريخ ثابت بن سنان، وثابت ذيّل على تاريخ محمد بن جرير الطّبرىّ. وكان تاريخ الطبرىّ انتهى إلى سنة اثنتين أو ثلاث وثلثمائة. وتاريخ ثابت انتهى إلى سنة ستين وثلثمائة. وتاريخ هلال انتهى إلى سنة ثمان وأربعين وأربعمائة. وتاريخ غرس النعمة هذا انتهى إلى سنة تسع وسبعين وأربعمائة. وكان غرس النعمة هذا فاضلا أديبا مترسّلا، وله صدقة ومعروف، محترما عند الخلفاء والملوك والوزراء. وجدّ أبيه إبراهيم الصابئ هو صاحب «الرسائل» فى أيام عضد الدولة بن بويه. وقد تقدّم ذكره فى محلّه من هذا الكتاب. وفيها توفّى أمير الملثّمين «2» بمرّاكش وغيرها من بلاد المغرب الأمير أبو بكر بن عمر. أصله من ولد تاشفين. كان أميرا جليلا يجاهدا فى سبيل الله تعالى. ركب فى بعض غزواته فى خمسمائة ألف مقاتل من رجال الديوان والمطّوّعة. وكان يخطب فى بلاده للدولة العباسيّة، وكان يصلّى بالناس الصلوات الخمس، ويقيم الحدود، ويلبس الصوف، وينصف المظلوم، ويعدل فى الرعيّة، وكان بين رعيّته كواحد منهم. رحمه الله تعالى.

ما وقع من الحوادث سنة 481

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وخمس أصابع. وكان الوفاء فى آخر أيّام النسىء. وكان مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وسبع أصابع. ونقص فى رابع بابة. *** [ما وقع من الحوادث سنة 481] السنة الرابعة والخمسون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة إحدى وثمانين وأربعمائة. فيها توفّى أحمد بن محمد بن الحسن بن الخضر الحافظ أبو طاهر الجواليقىّ والد أبى منصور موهوب. كان شيخا صالحا متعبّدا، من أهل البيوتات القديمة ببغداد، وكان جدّه صاحب دنيا واسعة. ومات هو فجأة فى شهر رجب. وفيها توفّى عبد الله بن محمد بن علىّ بن محمد بن متّ بن أحمد بن علىّ بن جعفر ابن منصور بن متّ الحافظ شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصارىّ الهروىّ. هو من ولد أبى أيّوب الأنصارىّ رضى الله عنه. سمع الكثير وروى عنه جماعة. وكان إماما حافظا بارعا فى اللغة إمام وقته. قال المؤتمن: وكان يدخل على الأمراء والجبابرة فما كان يبالى بهم. ومات فى ذى الحجة وقد جاوز أربعا وثمانين سنة. وفيها توفّى محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن ماجة أبو بكر الأبهرىّ الأصبهانىّ الإمام العالم المشهور. مات بأصبهان عن خمس وتسعين سنة، وقد انتهت إليه رياسة العلم بها. وفيها توفّى عثمان بن محمد بن عبيد الله أبو عمرو المحمىّ «1» . مات فى صفر. وكان إماما عالما مفتنّا.

ما وقع من الحوادث سنة 482

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وسبع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وأربع أصابع. فهلكت الزروع والغلّات والمخازن من كثرة الماء. *** [ما وقع من الحوادث سنة 482] السنة الخامسة والخمسون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة. فيها جهّز بدر الجمالىّ أمير الجيوش عسكرا من مصر مع نصير الدولة الجيوشىّ، فنزل على صور وبها القاضى عين الدولة بن أبى عقيل، فسلّمها إليه لمّا لم يكن له به طاقة. وفتح نصير الدولة صيداء وعكّا. وكان لتتش بهذه البلاد ذخائر وأموال، فأخذها نصير الدولة المذكور، ثم نزل على بعلبكّ، وجاءه ابن ملاعب وخطب للمستنصر صاحب الترجمة (أعنى أنه دخل تحت طاعة المصريّين) . وبعث تتش إلى آق سنقر وبوزان وقال لهما: هذه البلاد كان لى فيها ذخائر وقد أخذت، وطلب منهما النجدة، فبعثا له عسكرا. وفيها توفّى طاهر بن بركات «1» بن إبراهيم الحافظ أبو الفضل القرشىّ الخشوعىّ. كان عظيم الشأن، من أكابر شيوخ دمشق. قال ابن عساكر: سألت ولده إبراهيم ابن طاهر: لم سمّيتم الخشوعيّين؟ فقال: لأنّ جدّنا الأعلى كان يؤمّ الناس فمات بالمحراب. انتهى. وكانت وفاة طاهر هذا بظاهر دمشق. وكان ثقة صدوقا عالما. وفيها توفى عاصم بن الحسن بن محمد بن على بن عاصم أبو الحسين. كان ظريفا أديبا شاعرا فصيحا حافظا للشعر.

ما وقع من الحوادث سنة 483

وفيها توفّى علىّ بن أبى يعلى بن زيد الشيخ أبو القاسم الدّبوسىّ من أهل دبوسية، وهى بلدة بين بخارى وسمرقند. كان إماما عالما. أقدمه الوزير نظام الملك إلى بغداد للتدريس [فى] مدرسته النظاميّة. وكان عارفا بالفقه والجدل والمناظرة. ومات ببغداد فى شعبان. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن صاعد رئيس نيسابور وعالمها وقاضيها أبو نصر النيسابورىّ الحنفىّ. كان إمام وقته ووحيد دهره علما وزهدا وفضلا ورياسة وعفّة. انتهت إليه رياسة السادة الحنفيّة فى زمانه. وفيها توفّى الشيخ الإمام أبو حامد أحمد بن محمد السّرخسىّ الشّجاعىّ البلخىّ الفقيه العالم المشهور. كان إماما عالما فاضلا، سمع الحديث الكثير وتفقّه وبرع فى فنون. وفيها توفّى إبراهيم بن سعيد الحافظ أبو إسحاق النّعمانىّ مولاهم الحبّال. كان إماما فاضلا حافظا، سمع الكثير ورحل البلاد وحدّث وسمع منه خلائق، ثمّ سكن مصر، وبها كانت وفاته، ومات وله تسعون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وثمانى عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وتسع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 483] السنة السادسة والخمسون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة.

فيها نزل تتش على حصن بعلبكّ «1» وبها ابن ملاعب ومع تتش آق سنقر وبوزان فقاتلوه مدّة، وقالوا له: أنت توجّهت إلى مصر وخطبت للمستنصر. فلمّا أخافوه طلب الأمان فأعطوه؛ فنزل من القلعة وتوجّه إلى مصر؛ وملك تتش بعلبكّ «2» . وأقام ابن ملاعب بمصر مدّة، وأحسن إليه المستنصر صاحب الترجمة، ثمّ عاد إلى الشام ودبّر الحيلة على حصن فامية حتّى ملكه. وفيها توفّى الشيخ الإمام علىّ بن محمد القيروانىّ. كان فقيها عالما شاعرا. ومن شعره- وأجاد إلى الغاية-: [الكامل] ما فى زمانك ماجد ... لو قد تأمّلت الشواهد «3» فاشهد بصدق مقالتى ... أو لا فكذّبنى بواحد قلت: لله درّه! لقد عبّر عن زماننا هذا كأنّه قد رآه. وفيها توفّى محمد بن محمد بن جهير الوزير أبو نصر فخر الدولة. أصله من الموصل وبها ولد، وقدم ميّافارقين. وكتب للخليفة القائم بأمر الله العبّاسىّ يسأله أن يستوزره، فأجابه ثم نقم عليه ونفاه إلى الحلّة ثم أعاده. ولما تولّى المقتدى الخلافة وزرله، ثم عزل ونفى؛ فمضى إلى السلطان ملكشاه وانتمى إليه، وفتح له ديار بكر وأتحفه بالأموال. ثم تغيّر عليه السلطان؛ فاستأذن فى الإقامة بالموصل فأذن له؛ فتوجّه إليه فلم يقم به إلّا اليسير، ومرض ومات ودفن بالموصل. وكان سخيّا كريما شجاعا مدبّرا عارفا.

ما وقع من الحوادث سنة 484

وفيها توفّى الشيخ المسند أبو الحسين «1» عاصم بن الحسن العاصمىّ الكرخىّ. كان إماما محدّثا، سمع الكثير وروى عنه خلق كثير، وكان أديبا شاعرا ثقة. وفيها توفّى الحافظ أبو نصر عبد العزيز بن محمد بن علىّ التّرياقىّ «2» . مات بمدينة هراة وله أربع وتسعون سنة. وكان عالما محدّثا فقيها فاضلا. وفيها توفّى الشيخ الإمام العارف بالله أبو بكر محمد بن إسماعيل التّفليسىّ الصوفىّ النّيسابورىّ. مات فى شوّال بنيسابور، وكان إماما محدّثا فقيها صوفيا معدودا من أعيان الصوفيّة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وست وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا سواء. *** [ما وقع من الحوادث سنة 484] السنة السابعة والخمسون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة أربع وثمانين وأربعمائة. فيها فى صفر كتب الوزير أبو شجاع إلى الخليفة يعرّفه باستطالة أهل الذمّة على المسلمين، وأنّ الواجب تمييزهم عنهم؛ فأمره الخليفة أن يفعل ما يراه. فألزمهم الوزير لبش الغيّار «3» والزّنانير وتعليق الدراهم الرّصاص فى أعناقهم مكتوب على الدراهم [ذمىّ «4» ] ، وتجعل هذه الدراهم أيضا فى أعناق نسائهم فى الحمّامات ليعرفن بها، وأن يلبسن الخفاف فردا أسود وفردا أحمر، وجلجلا فى أرجلهنّ. فذلّوا وانقمعوا

بذلك. وأسلم حينئذ أبو سعد بن الموصّلايا «1» ، كاتب الإنشاء للخليفة وابن أخته «2» أبو نصر هبة الله. وفيها فى جمادى الأولى قدم أبو حامد الطّوسىّ الغزالىّ إلى بغداد مدرّسا بالنظاميّة ومعه توقيع نظام الملك. وفيها وقع بالشام زلزلة عظيمة ووافق «3» ذلك تشرين الأوّل، وخرج الناس من دورهم هاربين، وانهدم معظم أنطاكية ووقع من سورها نحو من تسعين برجا. وفيها نزل آق سنقر على فامية فأخذها من ابن ملاعب. وفيها فى شهر رمضان خرج توقيع الخليفة المقتدى بالله العبّاسىّ بعزل الوزير أبى شجاع من الوزارة؛ وكان له أسباب، منها أنّ نظام الملك وزير السلطان ملكشاه السلجوقىّ كان يسعى عليه لابنه. فلمّا أتاه الخبر بعزله قام من الديوان ولم يتأثر؛ وأنشد: [الوافر] تولّاها وليس له عدوّ ... وفارقها وليس له صديق وفيها حاصر تتش أخو السلطان ملكشاه طرابلس ومعه آق سفر وبوزان وبها قاضيها، وهو صاحبها، واسمه جلال الملك بن عمّار، ونصب عليها المجانيق. فاحنجّ عليهم ابن عمّار بأن معه منشور السلطان ملكشاه بإقراره على طرابلس؛ فلم يقبل منه تتش ذلك، وتوقّف آق سنقر عن قتاله. فقال له تتش: أنت تبع لى، فكيف تخالفنى فقال: أنا تبع لك إلّا فى عصيان السلطان. فغضب تاج الدولة تتش

ما وقع من الحوادث سنة 485

ورجع إلى دمشق، ومضى آق سنقر إلى حلب، ومضى بوزان إلى الرّهاء (أعنى كلّ واحد إلى بلده) . وفيها ملك يوسف بن تاشفين الأندلس ونفى ابن عبّاد عنها. وفيها توفّى محمد بن أحمد بن علىّ بن حامد أبو نصر المروزىّ. كان إماما فى القراءات، وصنّف فيها التصانيف، وانتهت إليه الرياسة فيها. وكانت وفاته فى ذى القعدة. وفيها توفّى محمد بن علىّ بن محمد أبو عبد الله التّنوخىّ الحلبىّ، ويعرف بابن العظيمىّ «1» . كان إماما شاعرا فصيحا بليغا. ومن شعره قوله: [البسيط] يلقى العدا بجنان ليس يرعبه ... خوض الحمام ومتن ليس ينقصم فالبيض تكسر والأوداج دامية ... والخيل تعرم والأبطال تلتطم والنقع غيم ووقع المرهفات به ... لمع البوارق والغيث الملثّ دم أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا واثنتان وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 485] السنة الثامنة والخمسون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة خمس وثمانين وأربعمائة. فيها ورد الأمير تاج الدولة تتش على السلطان ملكشاه شاكيّا من «2» آق سنقر فلم يلتفت السلطان إليه؛ فترك ابنه عند السلطان وعاد إلى دمشق.

وفيها فى يوم الاثنين منتصف شهر ربيع الأوّل وقت الظهر، وهو السادس من نيسان، اقترن زحل والمرّيخ فى برج السّرطان، وذكر أهل صناعة النجوم أن هذا القران لم يحدث مثله فى هذا البرج منذ بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلم إلى هذه السنة. قال صاحب مرآة الزمان: وكان تأثير هذا القران هلاك ملكشاه السلجوقىّ سيّد الملوك، ومقتل نظام الملك سيّد الوزراء. انتهى. وفيها فى شهر رمضان توجّه السلطان ملكشاه من أصبهان إلى بغداد بنيّة غير مرضيّة فى حقّ الخليفة المقتدى بالله وعزم على تغييره، وكان معه وزيره نظام الملك، فقتل فى شهر رمضان فى الطريق، على ما سيأتى ذكره؛ إن شاء الله. ووصل ملكشاه إلى بغداد فى ثامن عشر شهر رمضان. فأوّل ما وصل بعث يقول للخليفة: لا بدّ أن تترك لى بغداد وتذهب إلى أىّ بلد شئت. فانزعج الخليفة وبعث إليه يقول: أمهلنى شهرا؛ فقال: ولا ساعة. فأرسل الخليفة إلى تاج الملك أبى الغنائم، وكان السلطان ملكشاه استوزره بعد قتل نظام الملك، فقال: سله بأن يؤخّرنا عشرة أيّام. فدخل تاج الملك على السلطان وقال له: لو أنّ بعض العوامّ أراد أن ينتقل من دار إلى دار لم يقدر على النّقلة فى أقلّ من عشرة أيام، فكيف بالخليفة! فأمر السلطان له بالمهلة عشرة أيام. ثم اشتغل بنفسه من مرض حصل له ومات منه بعد أيام. ذكر وفاته- هو السلطان جلال الدولة أبو الفتح ملكشاه بن ألب أرسلان [بن «1» ] محمد بن داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقمان «2» التركىّ السلجوقىّ. تسلطن

بعد موت أبيه بوصية منه إليه فى سنة خمس وستين وأربعمائة، وجعل وزيره نظام الملك وزيرا له ومتكلّما فى الدولة، وفرّق البلاد على أولاده وجعل مرجعهم إلى ملكشاه هذا. فلمّا تسلطن ملكشاه خرج عليه عمّه قاورد بك صاحب كرمان؛ فواقعه فأخذه ملكشاه أسيرا. فلمّا مثل بين يدى ملكشاه قال: أمراؤك كاتبونى، وأظهر مكاتبات. فأخذها ملكشاه وأعطاها للوزير نظام الملك، فأخذها نظام الملك وألقاها فى موقد «1» نار كان بين يدى ملكشاه فاحترقت. فسكنت قلوب الأمراء، وبذلوا الطاعة؛ وثبت ملكه بهذه الفعلة. ثم خنق عمّه قاورد بك المذكور بوتر، وتمّ له الأمر. وملك من الأقاليم ما لم يملكه أحد من السلاطين؛ فكان فى مملكته جميع بلاد ما وراء النهر، وبلاد الهياطلة «2» ، وباب الأبواب، وبلاد الروم والجزيرة والشام؛ حتّى إنّه ملك من مدينة كاشغر، وهى أقصى مدينة للترك، إلى بيت المقدس طولا، ومن القسطنطينيّة إلى بلاد الخزر وبحر الهند عرضا. وكان من أحسن الملوك سيرة، ولذلك كان يلقّب بالسلطان العادل. وكان منصورا فى حروبه، مغرى بالعمائر، حفر الأنهار وعمّر الأسوار والقناطر وعمّر جامع السلطان ببغداد ولم يتمّه، وأبطل المكوس فى جميع بلاده، وصنع بطريق مكة مصانع الماء، غرم عليها أموالا كثيرة. وكان مغرى بالصيد، حتى إنّه صاد مرّة فى حلقة واحدة عشرة آلاف صيد؛ وقد تقدّم ذكر ذلك. وكانت وفاته فى شوّال. قيل: إنّه سمّ فى خلال تخلّل به. ولم يشهده «3» الدولة ولا عمل له عزاء. وحمل فى تابوت إلى أصبهان فدفن بها. وقام فى السلطنة بعده أكبر أولاده بركياروق «4» ، ولقّب بركن الدولة. وخالفه عمّه، ووقع له معه وقائع.

وفيها توفّى الوزير نظام الملك وزير السلطان ملكشاه السلجوقىّ المقدّم ذكره. واسمه الحسن بن إسحاق بن العبّاس الوزير أبو على الطّوسىّ. كان من أولاد الدّهاقين بناحية بيهق «1» ، وكان فقيرا مشغولا بسماع الحديث، ثم بعد حين اتّصل بداود بن ميكائيل السلجوقىّ، فأخذه بيده وسلّمه إلى ولده ألب أرسلان، وقال له: يا محمد، هذا حسن الطوسىّ اتّخذه والدا ولا تخالفه. فلمّا وصل الملك إلى ألب أرسلان استوزره، فدبّر ملكه عشر سنين. ومات ألب أرسلان، فازدحم أولاده على الملك، فقام بأمر ملكشاه حتّى تمّ أمره وتسلطن. ولمّا دخل نظام الملك على الخليفة المقتدى أمره بالجلوس، وقال له: يا حسن، رضى الله عنك لرضا أمير المؤمنين عنك. وكان نظام الملك عالى الهمّة، وافر العقل، عارفا بتدبير الأمور، محبّا للعلماء والصلحاء، على ظلم وجور كان عنده، على عادة الوزراء. ولمّا خرج من أصبهان بعد مخدومه ملكشاه قاصدا بغداد نزل «2» قرية من قرى نهاوند مكان الوقعة التى كانت فى زمان عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- فقال: هذا موضع مبارك؛ قتل فيه جماعة من الصحابة، طوبى لمن كان منهم. وكان جالسا والأمراء بين يديه، وكان صائما، فإنّه كان يوم الخميس؛ فقدّم الأكل فأكل الناس؛ ثم ركب محفّته إلى خيمة النساء، وكان به مرض النّقرس، فاعترضه صبىّ ديلمىّ فى زىّ الصوفيّة وبيده قصّة، فدعا له وسأله أن يناوله إيّاها من يده إلى يده؛ فقال: هات؛ فمدّ يده ليأخذها فضربه بسكّين فى فؤاده، فحمل الى مضربه ومات؛ فهرب الديلمى فعثر بطنب خيمة فقطّع قطعا. وكانت وزارة نظام الملك لبنى سلجوق

ما وقع من الحوادث سنة 486

أربعا وثلاثين سنة- وقيل أربعين سنة- وكان عمره ستا وسبعين سنة. ومن شعره: [البسيط] بعد الثمانين ليس قوّه ... لهفى «1» على قوّة الصّبوّه كأننى والعصا بكفّى ... موسى ولكن بلا نبوّه وفيها توفّى مالك بن أحمد الإمام أبو عبد الله البانياسىّ «2» ثم البغدادىّ المعروف بالفرّاء فى جمادى الآخرة شهيدا فى الحريق. وكان معدودا من العلماء الفضلاء. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وستّ أصابع. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وإحدى عشرة إصبعا. وأوفى فى سابع توت، ونقص فيه أيضا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 486] السنة التاسعة والخمسون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة ستّ وثمانين وأربعمائة. فيها خطب تاج الدولة تتش السلجوقىّ لنفسه بعد موت أخيه ملكشاه، وأرسل إلى الخليفة بأن يخطب له ويوعده؛ فما التفت إليه فى الجواب، غير أنّه أرسل يقول له: إنما تصلح للخطبة إذا حصلت «3» الدنيا بحكمك، والخزائن التى بأصبهان معك، وتكون صاحب الشرق وخراسان، ولم يبق من أولاد أخيك ملكشاه من يخالفك؛ وأمّا فى هذا الحال فلا سبيل إلى ما التمسته. فلمّا وقف تتش على ذلك سار إلى الموصل وبها إبراهيم بن قريش؛ فخرج إليه فى بنى عقيل والتقوا معه فقتل

إبراهيم وقتل عليه أعيان بنى عقيل. وكان علىّ بن مسلم بن قريش عند بركياروق ابن ملكشاه، فأخبره بمصاب عمّه، فعزّ عليه فكتب إلى تتش يلومه. وفيها فتح عسكر مصر صور وحمل صاحبها إلى مصر ومعه أصحابه. فضرب بدر الجمالىّ رقاب الجميع، وقطع على أهل صور ستين ألفا «1» عقوبة لهم. وفيها بطل مسير الحاجّ من العراق خوفا عليهم، وسار حجّاج دمشق، ولم يوصّلوا إلى أمير مكة ما يرضيه. فلمّا رحلوا خرج ونهبهم، وعاد من سلم منهم على أقبح حال، وتخطّفهم العرب فى الطريق. وفيها توفّى عبد القادر بن عبد الكريم بن الحسين أبو البركات. كان شيخا صالحا، خطّب بدمشق لبنى العباس وللمصريّين؛ وأنشد لبعضهم: [الطويل] يعدّ رفيع القوم من كان عاقلا ... وإن لم يكن فى قومه بحسيب فإن حلّ أرضا عاش فيها بعقله ... وما عاقل فى بلدة بغريب وفيها توفّى علىّ بن أحمد بن يوسف بن جعفر بن عرفة الحافظ الفقيه الهكّارىّ. كان ينعت بشيخ الإسلام- والهكّاريّة: جبال فوق الموصل فيها قرّى وبنّى- وكنيته أبو الحسن. كان إماما عالما فقيها، سمع الحديث ورواه، وبنى أربطة، وقدم بغداد. وكان صالحا متعبّدا شيخ بلاده فى التصوّف، وكان من أهل السنة والجماعة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ست أذرع وثلاث أصابع. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وثلاث أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 487

*** [ما وقع من الحوادث سنة 487] السنة الستون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة سبع وثمانين وأربعمائة، وهى التى مات فيها المستنصر معدّ صاحب الترجمة حسب ما تقدّم ذكره. وفيها أيضا توفّى الخليفة المقتدى بالله العباسىّ وبدر الجمالى أمير الجيوش بمصر، وآق سنقر صاحب حلب قتيلا، وبوزان بالشأم، وأمير مكة. وتسمّى هذه السنة سنة موت الخلفاء والأمراء؛ فعدّ الناس هذا كلّه من القران المقدّم ذكره فى سنة خمس وثمانين وأربعمائة. ويأتى كلّ واحد من هؤلاء على حدته فى هذه السنة. وفيها كانت زلزلة عظيمة [ببغداد «1» ] بين العشاءين فى المحرّم. وفيها حدث فتن وحروب وغلاء بسائر الأقاليم وفيها توفّى الخليفة أمير المؤمنين أبو القاسم المقتدى بالله عبد الله ابن الأمير ذخيرة الدّين أبى العباس محمد ابن الخليفة القائم بأمر الله عبد الله ابن الخليفة القادر بأمر الله أحمد ابن الأمير إسحاق ابن الخليفة جعفر المقتدر ابن الخليفة المعتضد بالله أحمد ابن الأمير طلحة الموفّق ابن الخليفة المتوكّل على الله جعفر ابن الخليفة المعتصم بالله محمد ابن الخليفة الرشيد بالله هارون ابن الخليفة المهدى بالله محمد ابن الخليفة أبى جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس العباسى الهاشمى. بويع بالخلافة بعد موت جدّه القائم بأمر الله فى ثالث عشر شعبان سنة سبع وستين وأربعمائة، وهو ابن تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر. وكان توفّى أبوه الذخيرة محمد، والمقتدى هذا حمل فى بطن أمّه، وكان اسم أمّه أرجوان- وقيل قرّة العين- وكانت أرمينيّة، فولدته بعد موت أبيه بستة أشهر. وكان المقتدى من رجال بنى العباس

له همّة عالية، وشجاعة وافرة، وظهرت فى أيامه خيرات؛ وخطب له فى الشرق بأسره وما وراء النهر والهند وغزنة والصين والجزيرة والشام واليمن؛ وعمّرت فى أيامه بغداد، واسترجع المسلمون الرّهاء. وأنطاكية ومات فجأة فى ليلة السبت خامس عشر المحرّم، وكان عمره ثمانيا وثلاثين «1» سنة وثمانية أشهر ويومين. وتخلّف بعده ابنه أبو العبّاس أحمد. وكانت خلافة المقتدى تسع عشرة سنة وثمانية أشهر. وفيها توفّى الشريف أمير مكة محمد بن أبى هاشم. كان ظالما جبّارا فاتكا سفّا كاللدّماء مسرفا رافضيّا سبّابا خبيثا متلؤنا، تارة مع الخلفاء العباسيّين، وتارة مع المصريّين، وكان يقتل الحجّاج ويأخذ أموالهم. وهلك بمكة وقد ناهز السبعين. وفرح المسلمون وأهل مكّة بموته، وقام بعده ابنه هاشم. وفيها توفّى المستنصر صاحب الترجمة العبيدىّ خليفة مصر، وقد تقدّم ذكر وفاته فى ترجمته. وفيها توفّى الحسن بن أسد أبو نصر الفارقىّ الشاعر المشهور. كان فصيحا فاضلا عارفا باللغة والأدب، وهو الذي سلّم ميّافارقين إلى [منصور «2» بن] مروان. فلمّا دخلها تتش السلجوقىّ اختفى، ثم ظّهر لمّا عاد تتش، ووقف بين يديه وأنشده قصيدة، منها: [البسيط] واستحلبت حلب جفنىّ فانهملا ... وبشّرتنى بحرّ القتل حرّان فقال تتش: من هذا؟ فقيل له: هذا الفارقىّ؛ فأمر بضرب عنقه من وقته. فكان قوله: وبشّرتنى بحرّ القتل حرّان فألا عليه.

ومن شعره: [المنسرح] كم ساءنى الدّهر ثم سرّ فلم ... يدم لنفسى همّا ولا فرحا ألقاه بالصبر ثم يعركنى ... تحت رحا من صروفه فرحا وفيها توفّى الأمير آق سنقر بن عبد الله قسيم الدولة التّركىّ. كان شجاعا عادلا منصفا، وكان الملوك السلجوقيّة يحترمونه، ولم يكن له ولد غير زنكى. وآق سنقر هذا هو جدّ الملك العادل نور الدين محمود المعروف بالشهيد. ولمّا قتل آق سنقر انضمّ على ولده زنكى مماليك أبيه وصار معهم، واستفحل أمره، على ما يأتى ذكره إن شاء الله فى عدّة مواطن. وفيها توفّى أمير الجيوش بدر الجمالىّ الأرمنىّ وزير مصر للمستنصر بل صاحب أمرها وعقدها وحلّها. كان أوّلا ولى الشام والسواحل للمستنصر، ثم خالفه مدّة وأقام بعكّا، إلى أن استدعاه المستنصر المذكور إلى مصر بعد أن اختلّ أمرها من الغلاء والفتن؛ وفوّض إليه أمور مصر والشام وجميع ممالكه؛ فاستقامت الأمور بتدبيره وسكنت الفتن، وصار الأمر كلّه له؛ وليس للخليفة المستنصر معه سوى الاسم لا غير. ومات قبل المستنصر بأشهر. ولمّا مات بدر الجمالىّ أقام المستنصر ابنه أبا القاسم شاهنشاه «1» ، ولقّبه الأفضل؛ فأحسن الأفضل السّيرة فى الرعيّة، لكنه عظم فى الدولة أضعاف مكانة أبيه. وخلّف بدر الجمالىّ أموالا كثيرة يضرب بها المثل. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وإصبعان. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وإحدى وعشرون إصبعا.

ذكر ولاية المستعلى بالله على مصر

ذكر ولاية المستعلى بالله على مصر المستعلى بالله خليفة مصر اسمه أحمد وكنيته أبو القاسم بن المستنصر بالله معدّ ابن الظاهر بالله علىّ بن الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز بالله نزار بن المعزّ لدين الله معدّ بن المنصور إسماعيل بن القائم محمد بن المهدىّ عبيد الله، السادس من خلفاء مصر الفاطميّين بنى عبيد، والتاسع ممّن ولى من أجداده الخلافة بالمغرب. بويع بالخلافة بعد موت أبيه المستنصر معدّ فى يوم عيد الغدير، يوم ثامن عشر ذى الحجة سنة سبع وثمانين. ومولده بالقاهرة فى المحرّم سنة سبع وستين وأربعمائة. ولمّا ولى الخلافة كانت سنه يوم ذاك نيّفت على عشرين سنة. وقال ابن خلّكان: مولده لعشر ليال بقين من المحرّم، وذكر السنة. وكان القائم بأمره الأفضل شاهنشاه بن بدر الجمالىّ؛ فإنّ المستنصر كان قد أجلس بعده ابنه أبا منصور نزارا أكبر أولاده، وجعل إليه ولاية العهد بالخلافة. فلمّا مرض المستنصر أراد أخذ البيعة له فتقاعد الأفضل شاهنشاه ودافع المستنصر من يوم إلى يوم حتّى مات المستنصر؛ وكان ذلك كراهة من الأفضل فى نزار ولد المستنصر. وسببه أن نزارا خرج ذات يوم فى حياة أبيه المستنصر فإذا الأفضل راكب وقد دخل من أحد أبواب القصر، فصاح به نزار المذكور: انزل يا أرمنىّ يا نجس!. فحقدها عليه الأفضل وصار كلّ منهما يكره الآخر. فاجتمع الأفضل بعد موت المستنصر بالأمراء والخواصّ وخوّفهم من نزار وأشار عليهم بولاية أخيه الصغير أبى القاسم أحمد، فرضوا بذلك ما خلا محمود بن مصال اللّكّىّ «1» فإنّ نزارا كان وعده بالوزارة والتّقدمة على الجيوش مكان الأفضل. فلمّا علم ابن مصال الحال أعلم نزارا بذلك،

وبادر الأفضل بإخراج أبى القاسم أحمد هذا وبايعه ونعته بالمستعلى بالله، وذلك بكرة يوم الخميس لاثنتى عشرة ليلة بقيت من ذى الحجة، وأجلسه على سرير الخلافة، وجلس الأفضل شاهنشاه على دكّة الوزارة، وحضر قاضى القضاة المؤيّد بنصر الأنام علىّ بن نافع بن الكحّال والشهود معه، وأخذوا البيعة على مقدّمى الدولة ورؤسائها وأعيانها. ثم مضى الأفضل إلى إسماعيل وعبد الله ابنى المستنصر وهما بالمسجد بالقصر والموكّلون عليهما، فقال لهما: إنّ البيعة تمّت لمولانا المستعلى بالله، وهو يقرئكما السلام ويقول لكما: تبايعان أم لا؟ فقالا: السمع والطاعة؛ إنّ الله اختاره علينا؛ وقاما وبايعاه. فكتب الأفضل بذلك سجلّا قرأه الشريف سناء الملك محمد بن محمد الحسينىّ الكاتب بديوان الإنشاء على الأمراء. وأمّا أمر نزار فإنّه بادر وخرج من وقته وأخذ معه أخاه عبد الله الذي بايع وابن مصال اللّكّىّ وتوجّهوا إلى الإسكندريّة، وكان الوالى بها ناصر الدولة أفتكين التركىّ أحد مماليك أمير الجيوش بدر الجمالىّ (أعنى والد الأفضل هذا) ، فعرّفوه الحال ووعده نزار بالوزارة، فطمع أفتكين فى ذلك، وبايع نزارا المذكور، وبايع أيضا جميع أهل الإسكندرية، ولقّب المصطفى لدين الله. ثم وقع لنزار هذا أمور وحروب مع الأفضل نذكر منها نبذة من أقوال جماعة من المؤرخين. قال العلّامة شمس الدين يوسف بن قزأوغلى فى تاريخه مرآة الزمان- بعد ما ساق نسبه بنحو ما ذكرناه وأقلّ- قال: وكان المتصرّف فى دولته الأفضل ابن أمير الجيوش (يعنى عن المستعلى) . قال: وكان هرب أخوه نزار بن المستنصر إلى الإسكندريّة وبها أفتكين مولى أبيه. قلت: وهذا بخلاف ما ذكره غيره من أنّ أفتكين كان مولى لبدر الجمالىّ والد الأفضل شاهنشاه. قال: وزعم نزار أنّ أباه عهد إليه، فقام له بالأمر أفتكين ولقّبه ناصر الدولة. وأخذ له البيعة على

أهل البلد، وساعده ابن عمّار «1» قاضى الإسكندرية. فتوجّه الأفضل إلى الإسكندرية وضايقها؛ فخرج إليه أفتكين فهزمه وعاد الأفضل إلى القاهرة (يعنى مهزوما) فحشد وعاد إليها ونازلها وافتتحها عنوة وقتل أعيان أهلها، واعتقل أفتكين وابن عمّار. فكتب ابن عمّار إلى الأفضل ورقة من الحبس يقول فيها: [البسيط] هل أنت منقذ شلوى من يدى زمن ... أضحى يقدّ أديمى قدّ منتهس دعوتك الدّعوة الأولى وبى رمق ... وهذه دعوة والدهر مفترسى فلم تصل إليه الورقة حتّى قتل. فلمّا وقف عليها قال: والله لو وقفت عليها قبل ذلك ما قتلته. وكان ابن عمّار المذكور من حسنات الدهر. وقدم الأفضل بأفتكين ونزار إلى القاهرة، وكان أفتكين يلعن المستعلى والأفضل بن أمير الجيوش على المنابر؛ فقتله المستعلى بيده وبنى على أخيه نزار حائطا فهو تحته إلى الآن. وكان للمستعلى أخ اسمه عبد الله [فظفر «2» به الأفضل] . انتهى كلام صاحب مرآة الزمان بآختصار. وقال غيره: ولمّا استهلّت سنة ثمان وثمانين خرج الأفضل بعساكر مصر إلى الإسكندريّة، وهناك نزار وأفتكين، فكانت بينهم حرب شديدة بظاهر الإسكندرية، انكسر فيها الأفضل بمن معه، ورجع إلى القاهرة منهزما؛ فخرج نزار ونهب أكثر البلاد بالوجه البحرىّ. وأخذ الأفضل فى التجهّز لقتال نزار، ودسّ إلى جماعة ممّن كان مع نزار من العربان واستمالهم عنه، ثمّ خرج بالعساكر ثانيا إلى نحو الإسكندريّة، فكانت بينهم أيضا وقعة بظاهر الإسكندريّة انكسر فيها نزار بمن معه إلى داخل الإسكندرية؛ فحاصرهم الأفضل حصارا شديدا إلى ذى القعدة.

فلمّا رأى ذلك ابن مصال جمع ماله وفرّ إلى الغرب. وكان سبب فرار ابن مصال أنّه رأى فى منامه أنه راكب فرسا وسار والأفضل ماش فى ركابه؛ فقال له المعبّر: الماشى على الأرض أملك لها؛ فلمّا سمع ذلك فرّ. ولمّا فرّ ابن مصال صعفت قوى نزار وأفتكين وخافا وطلبا من الأفضل الأمان فأمّنهما ودخل البلد؛ ثم قبض على نزار وأفتكين وبعث بهما إلى مصر، وكان ذلك آخر العهد بنزار. وكان مولد نزار فى يوم الخميس العاشر من شهر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين وأربعمائة. وقيل: إنّ الأفضل بنى لنزار حائطين وجعله بينهما إلى أن مات. وأمّا أفتكين نائب الإسكندريّة فإنّه قتله بعد ذلك. ولم يزل الأفضل يؤمّن ابن مصال حتّى حضر إليه بالقاهرة ولزم داره حتّى رضى عنه الأفضل. انتهى ذكر نزار وكيفيّة قتله. وقال الحافظ أبو عبد الله الذهبىّ: وفى أيّامه وهنت دولتهم (يعنى المستعلى صاحب الترجمة) . قال: وانقطعت دعوتهم من أكثر مدن الشام، واستولى عليها الأتراك والفرنج، ونزل الفرنج على أنطاكية وحصروها ثمانية أشهر، وأخذوها فى سادس عشر رجب سنة إحدى وتسعين وأربعمائة، وأخذوا المعرة سنة اثنتين وتسعين، ثم أخذوا القدس فيها أيضا فى شعبان، واستولى الملاعين على كثير من مدن الساحل. ولم يكن المستعلى مع الأفضل بن أمير الجيوش حكم. وفى أيّامه هرب أخوه نزار إلى الإسكندريّة، فأخذ له البيعة على أهل الثغر أفتكين، وساعده قاضى الثغر ابن عمّار، وأقاموا على ذلك سنة. فجاء الأفضل سنة ثمان وثمانين وحاصر الثغر وخرج إليه أفتكين فهزمه، ثم نازلها ثانيا وافتتحها عنوة وقتل جماعة، وأتى القاهرة بنزار وأفتكين، فذبح أفتكين صبرا، وبنى المستعلي على أخيه حائطا، فهو تحته إلى

الآن: انتهى كلام الذهبىّ. قلت: ومن حينئذ نذكر كيفيّة أخذ الفرنج للسواحل فى أيام المستعلى هذا، وهو كالشرح لمقالة الذهبىّ وغيره: كان أوّل حركة الفرنج لأخذ السواحل وخروجهم إليها فى سنة تسعين وأربعمائة، فساروا إليها، فأوّل ما أخذوا نيقية «1» ، وهو أوّل بلد فتحوه وأخذوه من المسلمين. ثمّ فتحوا حصون الدروب شيئا بعد شىء، ووصلوا إلى البارة «2» وجبل السّمّاق «3» وفامية وكفر طاب «4» ونواحيها. وفى سنة إحدى وتسعين وأربعمائة ساروا إلى أنطاكية ولم ينازلوها، وجاءوا إلى المعرّة فنصبوا عليها السّلا لم فنزلوا إليها فقتلوا من أهلها مائة ألف إنسان، قاله أبو المظفّر سبط ابن الجوزىّ؛ قال: وسبوا مثلها. ثمّ دخلوا كفر طاب وفعلوا مثل ذلك، وعادوا إلى أنطاكية، وكان بها الأمير شعبان «5» . وقيل شقبان، وقيل فى اسمه غير ذلك- وكان على الفرنج صنجيل، فحاصرها مدّة؛ فنافق رجل من أنطاكية يقال له فيروز «6» وفتح لهم فى الليل شبّاكا فدخلوا منه، ووضعوا السيف، وهرب شعبان وترك أهله وأمواله وأولاده بها. فلما بعد عن البلد «7» ندم على ذلك، فنزل عن فرسه فحثى التّراب على رأسه وبكى ولطم، وتفرّق عنه أصحابه وبقى وحده؛ فمرّ به رجل أرمنىّ حطّاب فعرفه فقتله وحمل رأسه إلى صنجيل ملك الفرنج.

وقال أبو يعلى [بن] القلانسىّ: فى جمادى الأولى ورد الخبر بأنّ قوما من أهل أنطاكية عملوا عليها وواطئوا الفرنج على تسليمها إليهم لإساءة تقدّمت من حاكم البلد فى حقّهم ومصادرته لهم، ووجدوا الفرصة فى برج من الأبراج التى للبلد مما يلى الجبل، فباعوهم إيّاه، وأصعدوا منه فى السّحر وصاحوا «1» ، فانهزم ياغى سيان وخرج فى خلق عظيم فلم يسلم منهم شخص؛ فسقط الأمير عن فرسه عند معرّة مصرين، فحمله بعض أصحابه وأركبه فلم يثبت على ظهر الفرس وسقط ثانيا فمات. وأمّا أنطاكية فقتل منها وسبى من الرجال والنساء والأطفال ما لا يدركه حصر، وهرب إلى القلعة قدر ثلاثة آلاف تحصّنوا بها. وكان أخذ المعرّة فى ذى الحجّة بعد أخذ أنطاكية. ولمّا وقع ذلك اجتمع ملوك الإسلام بالشام، وهم رضوان صاحب حلب وأخوه دقماق وطغتكين وصاحب «2» الموصل وسكمان «3» بن ارتق صاحب ماردين وأرسلان شاه صاحب سنجار «4» - ولم ينهض الأفضل بإخراج عساكر مصر. وما أدرى ما كان السبب فى عدم إخراجه مع قدرته على المال والرجال- فاجتمع الجميع ونازلوا أنطاكية وضيّقوا على الفرنج حتّى أكلوا ورق الشجر. وكان صنجيل مقدّم الفرنج عنده دهاء ومكر، فرتّب مع راهب حيلة وقال: اذهب فآدفن هذه الحربة فى مكان كذا، ثم قل للفرنج بعد ذلك: رأيت المسيح فى منامى وهو يقول: فى المكان الفلانىّ حربة مدفونة فآطلبوها، فإن

وجدتموها فالظّفر لكم، وهى حربتى، فصوموا ثلاثة أيّام وصلّوا وتصدّقوا ثم قام وهم معه إلى المكان ففتّشوه «1» فظهرت الحربة؛ فصاحوا وصاموا وتصدّقوا وخرجوا إلى المسلمين، وقاتلوهم حتى دفعوهم عن البلد؛ فثبت جماعة من المسلمين فقتلوا عن آخرهم، رحمهم الله تعالى. والعجب أنّ الفرنج لمّا خرجوا إلى المسلمين كانوا فى غاية الضعف من الجوع وعدم القوت حتّى إنهم أكلوا الميتة وكانت عساكر الإسلام فى غاية القوّة والكثرة، فكسروا المسلمين وفرّقوا جموعهم، وانكسر أصحاب الجرد السوابق، ووقع السيف فى المجاهدين والمطّوّعين. فكتب دقماق ورضوان والأمراء إلى الخليفة (أعنى المستظهر العباسىّ) يستنصرونه؛ فأخرج الخليفة أبا نصر ابن الموصلايا إلى السلطان بركياروق ابن السلطان ملكشاه السلجوقىّ يستنجده. كلّ ذلك وعساكر مصر لم تهيّأ للخروج. وأمّا أخذ بيت المقدس فكان فى يوم الجمعة ثالث عشرين شعبان سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، وهو أنّ الفرنج ساروا من أنطاكية ومقدّم الفرنج كندهرى فى ألف ألف، منهم خمسمائة ألف مقاتل فارس، والباقون رجّالة وفعلة وأرباب آلات من مجانيق وغيرها، وجعلوا طريقهم على الساحل وكان بالقدس افتخار الدولة من قبل المستعلى خليفة مصر صاحب الترجمة، فأقاموا يقاتلون أربعين يوما، وعملوا برجين مطلّين على السور؛ أحدهما بباب صهيون، والآخر بباب العمود وباب الأسباط، وهو برج الزاوية؛ ومنه فتحها السلطان صلاح الدّين بن أيوب، على ما يأتى ذكره إن شاء الله تعالى. فأحرق المسلمون البرج الذي كان بباب صهيون وقتلوا من فيه. وأمّا الآخر فزحفوا به حتّى ألصقوه بالسور، وحكموا به على البلد، وكشفوا من كان عليه من المسلمين؛ ثم رموا بالمجانيق والسّهام رمية رجل واحد،

فانهزم المسلمون فنزلوا إلى البلد، وهرب الناس إلى الصخرة والأقصى واجتمعوا بها، فهجموا عليهم وقتلوا فى الحرم مائة ألف وسبوا مثلهم، وقتلوا الشيوخ والعجائز وسبوا النساء، وأخذوا من الصخرة والأقصى سبعين قنديلا، منها عشرون ذهبا فى كلّ قنديل ألف مثقال، ومنها خمسون فضّة فى كلّ قنديل ثلاثة آلاف وستمائة درهم بالشامىّ، وأخذوا تنّورا من فضّة زنته أربعون رطلا بالشامىّ، وأخذوا من الأموال ما لا يحصى. وكان بيت المقدس منذ افتتحه عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- فى سنة ستّ عشرة من الهجرة، لم يزل بأيدى المسلمين إلى هذه السنة. هذا كلّه وعسكر مصر لم يحضر، غير أنّ الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالىّ صاحب أمر مصر لمّا بلغه أنّ الفرنج ضايقوا بيت المقدس خرج فى عشرين ألفا من عساكر مصر وجدّ فى السير، فوصل إلى القدس يوم ثانى فتحه ولم يعلم بذلك. فقصده الفرنج وقاتلوه، فلم يثبت لهم ودخل عسقلان بعد أن قتل من أصحابه عدد كثير؛ فأحرق الفرنج ما حول عسقلان وقطعوا أشجارها، ثم عادوا إلى القدس. ثم عاد الأفضل إلى مصر بعد أمور وقعت له مع الفرنج. واستمرّ بيت المقدس مع الفرنج، فلا قوّة إلّا بالله. وقال ابن القلانسىّ: إنّ أخذ المعرّة كان فى هذه السنة أيضا، وإنّه كان قبل أخذ بيت المقدس. قال: وزحف الفرنج فى محرم هذه السنة إلى سور المعرّة من الناحية الشرقيّة والشمالية، وأسندوا البرج إلى سورها، فكان أعلى منه. ولم يزل الحرب عليها إلى وقت المغرب من اليوم الرابع عشر من المحرّم، وصعدوا السور، وانكشف أهل البلد بعد أن تردّدت إليهم رسل الفرنج، وأعطوهم الأمان على نفوسهم وأموالهم وألّا يدخلوا إليهم، بل يبعثوا إليهم شحنة «1» فمنع من ذلك الخلف

بين أهلها، فملكت الفرنج البلد بعد المغرب بعد أن قتل من الفريقين خلق كثير، ثم أعطوهم الأمان. فلمّا ملكوها غدروا بهم وفعلوا تلك الأفعال القبيحة وأقاموا عليها، إلى أن رحلوا عنها فى آخر شهر رجب إلى القدس. وانجفل الناس بين أيديهم، فجاءوا إلى الرملة فأخذوها عند إدراك الغلّة، ثم انتهوا إلى القدس. وذكر فى أمر القدس نحوا مما قلناه، غير أنّه زاد فقال: ولمّا بلغهم (يعنى الفرنج) خروج الأفضل من مصر جدّوا فى القتال ونزلوا من السور وقتلوا خلقا كثيرا، وجمعوا اليهود فى الكنيسة وأحرقوها عليهم، وهدموا المشاهد وقبر الخليل- عليه السلام- وتسلّموا محراب داود بالأمان. ووصل الأفضل بالعساكر وقد فات الأمر، فنزل عسقلان فى يوم رابع عشر شهر رمضان ينتظر الأسطول فى البحر والعرب؛ فنهض إليه مقدّم الفرنج فى خلق عظيم، فانهزم العسكر المصرىّ إلى ناحية عسقلان؛ ودخل الأفضل عسقلان، ولعبت سيوف الفرنج فى العسكر والرجال والمطّوّعة وأهل البلد، وكانوا زهاء عن عشرة آلاف نفس، ومضى الأفضل. وقرّر الفرنج على أهل البلد عشرين ألف دينار تحمل إليهم، وشرعوا فى جبايتها من أهل البلد؛ فاختلف المقدّمون فرحلوا ولم يقبضوا من المال شيئا. ثم قال: وحكى أنّه قتل من أهل عسقلان من شهودها وتجارها وأحداثها سوى أجنادها ألفان وسبعمائة نفس. ولما تمّت هذه الحادثة خرج المستنفرون من دمشق مع قاضيها زين الدين أبى سعد الهروىّ، فوصلوا بغداد وحضروا فى الديوان وقطّعوا شعورهم واستغاثوا وبكوا، وقام القاضى فى الديوان وأورد كلاما أبكى الحاضرين، وندب من الديوان من يمضى إلى العسكر السلطانىّ ويعرّفهم بهذه المصيبة؛ فوقع التقاعد لأمر يريده

الله. فقال القاضى الهروىّ- وقيل: هى لأبى «1» المظفّر الأبيوردىّ- القصيدة التى أوّلها: [الطويل] مزجنا دماء بالدموع السواجم ... فلم يبق منا عرضة للمراجم «2» ومنها: وكيف تنام العين ملء جفونها ... على هفوات «3» أيقظت كلّ ناتم وإخوانكم بالشام يضحى مقيلهم ... ظهور المذاكى «4» أو بطون القشاعم «5» ومنها: وكاد لهنّ المستجنّ بطيبة ... ينادى بأعلى الصوت يا آل هاشم أرى أمتى لا يشرعون إلى العدا ... رماحهم والدين واهى الدعائم ومنها: وليتهم إذ لم يذودوا حميّة ... عن الدين ضنّوا غيرة بالمحارم وإذ زهدوا فى الأجر إذ حمى «6» الوغى ... فهلّا أتوه رغبة فى الغنائم وقال آخر: [الوافر] أحلّ الكفر بالإسلام ضيما ... يطول عليه للدين النّحيب فحقّ ضائع وحمّى مباح ... وسيف قاطع ودم صبيب وكم من مسلم أمسى سليبا ... ومسلمة لها حرم سليب

وكم من مسجد جعلوه ديرا ... على محرابه نصب الصليب دم الخنزير فيه لهم خلوق ... وتحريق المصاحف فيه طيب أمور لو تأملهنّ طفل ... لطفّل «1» فى عوارضه المشيب أتسبى المسلمات بكلّ ثغر ... وعيش المسلمين إذا يطيب أمّا لله والإسلام حقّ ... يدافع عنه شبّان وشيب فقل لذوى البصائر حيث كانوا ... أجيبوا الله ويحكم أجيبوا وقال الناس فى هذا المعنى عدّة مراث. والمقصود أنّ القاضى ورفقته عادوا من بغداد إلى الشام بغير نجدة. ولا قوة إلّا بالله!. ثم إنّ الأفضل بن أمير الجيوش جهّز من مصر جيشا كثيفا وعليه سعد الدولة القواسىّ فى سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة، فخرج سعد الدولة المذكور من مصر بعسكره فالتقى مع الفرنج بعسقلان؛ ووقف سعد الدولة فى القلب، فقاتل قتالا شديدا، فكبا به فرسه فقتل. وثبت المسلمون بعد قتله وحملوا على الفرنج فهزموهم إلى قيسارية «2» . فيقال: إنّهم قتلوا من الفرنج ثلثمائة ألف، ولم يقتل من المسلمين سوى مقدّم عسكرهم سعد الدولة القواسىّ المذكور ونفر يسير. قاله صاحب مرآة الزمان. وقال الذهبىّ فى تاريخه: هذه مجازفة عظيمة (يعنى كونه قال قتل ثلثمائة ألف من الفرنج) . انتهى. قلت: ومن يومئذ بدأت الفرنج فى أخذ السواحل حتّى استولوا على الساحل الشامى بأجمعه إلى أن استولت الدولة الأيوبيّة والتركيّة واسترجعوها شيئا بعد شىء، حسب ما يأتى ذكره إن شاء الله فى هذا الكتاب.

ومات المستعلى صاحب الترجمة فى يوم الثلاثاء تاسع صفر سنة خمس وتسعين وأربعمائة، وقيل: فى ثالث عشر صفر، والأوّل أشهر. ومات وله سبع وعشرون سنة، وكانت خلافته سبع سنين وشهرين وأياما. وتولّى الخلافة بعده ابنه الآمر بأحكام الله منصور. وكان المتصرّف فى دولته وزيره الأفضل سيف الإسلام شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالىّ. فانتظمت أحوال مصر بتدبيره؛ واشتغل بها عن السواحل الشاميّة حتى استولت الفرنج على غالبها؛ وندم على ذلك حين لا ينفع الندم. وكان المستعلى حسن الطريقة فى الرعيّة، جميل السيرة فى كافّة الأجناد، ملازما لقصره كعادة أبيه، مكتفيا بالأفضل فيما يريده، إلا أنّه كان مع تقاعده عن الجهاد وتهاونه فى أخذ البلاد متغاليا فى الرّفض والتشيّع؛ كان يقع منه الأمور الشنيعة فى مأتم عاشوراء، وببالغ فى النّوح والمأتم، ويأمر الناس بلبس المسوح وغلق الحوانيت واللطم والبكاء زيادة عما كان يفعله آباؤه، مع أنّ الجميع رافضة، ولكنّ التفاوت نوع آخر. وأما الذي كان يفعله آباؤه وأجداده من النّوح فى يوم عاشوراء والحزن وترتيبه، فإذا كان يوم العاشر من المحرّم احتجب الخليفة عن الناس، فإذا علا النهار ركب قاضى القضاة والشهود وقد غيروا زيّهم ولبسوا قماش الحزن، ثم صاروا إلى المشهد الحسينىّ بالقاهرة- وكان قبل ذلك يعمل المأتم بالجامع الأزهر- فإذا جلسوا فيه بمن معهم من الأمراء والأعيان وقرّاء الحضرة والمتصدّرين فى الجوامع، جاء الوزير فجلس صدرا، والقاضى وداعى الدّعاة من جانبيه، والقرّاء يقرءون نوبة بنوبة، ثم ينشد قوم من الشعراء غير شعراء الخليفة أشعارا يرثون بها الحسن والحسين وأهل البيت، وتصيح الناس بالضجيج والبكاء والعويل- فإن كان الوزير رافضيّا على

مذهب القوم تغالوا فى ذلك وأمعنوا، وإن كان الوزير سنّيّا اقتصروا- ولا يزالون كذلك حتّى تمضى ثلاث ساعات، فيستدعون إلى القصر عند الخليفة بنقباء الرسائل؛ فيركب الوزير وهو بمنديل صغير إلى داره، ويدخل قاضى القضاة والداعى ومن معهما إلى باب الذهب (أحد أبواب القصر) فيجدون الدّهاليز قد فرشت مساطبها بالحصر والبسط «1» ، وينصب فى الأماكن الخالية الدكك لتلحق بالمساطب وتفرش؛ ويجدون صاحب الباب جالسا هناك، فيجلس القاضى والداعى إلى جانبه والناس على اختلاف طبقاتهم؛ فيقرأ القرّاء وينشد المنشدون أيضا. ثم يفرش وسط القاعة بالحصر المقلوبة (ليس على وجوهها، وإنما تخالف مفارشها) ؛ ثمّ يفرش عليها سماط الحزن مقدار ألف زبدية من العدس والملوحات والمخلّلات والأجبان والألبان الساذجة والأعسال النّحل والفطير والخبز المغيّر لونه بالقصد لأجل الحزن. فإذا قرب الظهر وقف صاحب الباب وصاحب المائدة (يعنى الحاجب والمشدّ) وأدخل الناس للأكل من السّماط. فيدخل القاضى والداعى ويجلس صاحب الباب ببابه؛ ومن الناس من لا يدخل من شدّة الحزن، فلا يلزم أحد بالدخول. فإذا فرغ القوم انفصلوا إلى مكانهم ركبانا بذلك [الزىّ «2» ] الذي ظهروا فيه من قماش الحزن. وطاف النّوّاح بالقاهرة فى ذلك اليوم، وأغلق البيّاعون حوانيتهم إلى بعد العصر، والنّوح قائم بجميع شوارع القاهرة وأزقّتها. فإذا فات العصر يفتح الناس دكاكينهم ويتصرّفون فى بيعهم وشرائهم؛ فكان [ذلك] دأب الخلفاء الفاطميّين من أولهم المعزّ لدين الله معدّ إلى آخرهم العاضد عبد الله. انتهت ترجمة المستعلى. ويأتى بعض أخباره أيضا فى السنين المتعلّقة به على سبيل الاختصار، كما هو عادة هذا الكتاب.

ما وقع من الحوادث سنة 488

*** [ما وقع من الحوادث سنة 488] السنة الأولى من ولاية المستعلى أحمد على مصر وهى سنة ثمان وثمانين وأربعمائة. فيها اصطلح أهل السّنة والرافضة ببغداد وعملوا الدعوات ودخل بعضهم إلى بعض. وفيها قتل تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان محمد بن داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقماق أبو سعيد السلجوقىّ أخو السلطان ملكشاه. كان أوّلا فى المشرق، فاستنجده أتسز الخوارزمىّ صاحب الشام فقدم دمشق، وقتل أتسز المذكور واستولى على الشام، وامتدّت أيّامه. وهو الذي قتل آق سنقر وبوزان، ثمّ خالف على ابن أخيه بركيا روق بن ملكشاه، ووقع بينهما أمور آخرها فى هذه السنة؛ كانت بينهما وقعة هائلة على الرّىّ. وكان لمّا قتل آق سنقر وبوزان أخذ جماعة من أمرائهما فقتلتهم بين يديه؛ وكان بكجور من أكابر الأمراء، فقتل أولاده بين يديه صبرا، وهرب بكجور إلى بركيا روق. فلمّا انتصر على الرّىّ جاء بكجور إلى السلطان بركياروق وهو يبكى، فقال: قد قتل عمّك أولادى وأنا قاتله بأولادى؛ فقال: افعل. وكان تش قد وقف بالقلب مقابل ابن أخيه السلطان بركياروق، فقصده الأمير بكجور المذكور وطعنه فألقاه عن فرسه؛ فنزل سنقرجه- وكان أيضا صاحب ثار- فحزّ رأسه، وقيل؛ رماه مملوك بوزان بسهم فى ظهره فوقع منه، وانهزم أصحابه؛ وطيف برأسه. وأسر وزيره فخر الملك علىّ بن نظام الملك، فعفا عنه السلطان بركياروق لأجل أخيه وزيره مؤيّد الملك بن نظام الملك. قلت: كان مؤيّد الملك وزير بركياروق، وفخر الملك وزير تتش، وهما ابنا نظام الملك. ثم وقع أيضا لأولاد تاج الدولة تتش هذا أمور وفتن بعد موت أبيهم؛ وهم رضوان وإخوته، على ما يأتى ذكره إن شاء الله تعالى.

وفيها توفّى عبد السلام بن محمد بن يوسف بن بندار أبو يوسف القزوينىّ شيخ المعتزلة. كان إماما فى فنون، فسّر القرآن فى سبعمائة مجلّد- وقيل فى أربعمائة، وقيل ثلثمائة- وكان الكتاب وقفا فى مشهد أبى حنيفة رضى الله عنه. وكان رحل إلى مصر وأقام بها أربعين سنة. وكان محترما فى الدول، ظريفا، حسن العشرة، صاحب نادرة. قيل: إنّه دخل على نظام الملك الوزير وكان عنده أبو محمد التميمىّ ورجل آخر أشعرىّ، فقال له القزوينىّ: أيّها الصدر قد اجتمع عندك رءوس أهل النار. قال نظام الملك: وكيف ذلك؟ قال: أنا معتزلىّ، وهذا مشبّه (يعنى التميمىّ) وذلك أشعرىّ، وبعضنا يكفّر بعضا؛ فضحك النظام. وقيل: إنّه اجتمع مع ابن البراج متكلّم الشّيعة، فقال له ابن البراج: ما تقول فى الشيخين؟ فقال: سفلتين ساقطين. قال: من تعنى؟ قال: أنا وأنت. وكانت وفاة القزوينىّ هذا فى ذى القعدة، وقد بلغ ستّا وتسعين سنة، ودفن بمقابر الخيزران عند أبى حنيفة، رضى الله عنه. وفيها توفّى محمد بن فتوح بن عبد الله بن حميد أبو عبد الله بن أبى نصر الحميدىّ الأندلسىّ. كان من جزيرة «1» ميورقة. ولد قبيل الأربعمائة، وسمع الكثير ورحل إلى الأقطار ثم استوطن بغداد. وكان مختصّا بصحبة ابن حزم الظاهرىّ، وحمل عنه أكثر كتبه. قال ابن ماكولا: «صديقنا أبو عبد الله الحميدىّ من أهل العلم والفضل، ورد بغداد وسمع أصحاب الدارقطنىّ وابن شاهين وغيرهم، وسمع منه خلق كثير، وصنّف «تاريخ الأندلس» ، ولم أر مثله فى عفّته ونزاهته» .

وفيها توفّى منصور [بن نظام «1» الدين] بن نصر الدولة بن مروان صاحب ميّافارقين، وكان استولى على الجزيرة فمات بها، فحمل إلى آمد فدفن بقبّة بنتها له زوجته ستّ الناس بنت عميد «2» الأمّة. وأوّل ولاية بنى مروان لديار بكر فى سنة ثمانين وثلثمائة، واستولى الوزير ابن جهير على بلادهم سنة تسع وسبعين وأربعمائة، ومات منصور فى هذه السنة. فكانت ولايتهم نيّفا ومائة سنة. وأعيان ملوكهم أوّلهم پاد الكردىّ، وبعده مروان وهو جدّهم، ثم بعده ولده أحمد، ثم بعده ولده نظام الدين ثم ولداه «3» سعيد ومنصور هذا. وفيها توفى محمد بن عبّاد بن محمد بن إسماعيل بن قريش السلطان المعتمد على الله أبو القاسم ابن السلطان المعتضد بالله أبى عمرو ابن الفقيه قاضى إشبيلية ثم سلطانها الظافر ابن المؤيّد بالله أبى العباس بن أبى الوليد اللّحمىّ، من ولد النّعمان بن المنذر صاحب الحيرة. كان المعتمد هذا صاحب إشبيلية وقرطبة. وأصلهم من بلد العريش «4» التى كانت فى أوّل رمل مصر. وكان المعتمد عالما ذكيا شاعرا عادلا فى الرعيّة، كان من محاسن الدنيا.

ما وقع من الحوادث سنة 489

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وست أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا واثنتا عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 489] السنة الثانية من ولاية المستعلى أحمد على مصر وهى سنة تسع وثمانين وأربعمائة. فيها حكم المنجّمون بأن يكون طوفان مثل طوفان نوح عليه السلام. فسأل الخليفة ابن عيسون المنجّم، فقال: أخطأ المنجّمون، طوفان نوح قد اجتمع فى برج الحوت الطوالع السبعة، والآن قد اجتمع فيه ستة، زحل لم يجتمع معها؛ ولكنّى أقول: إنّ بقعة من البقاع يجتمع بها عالم من بلاد كثيرة فيغرقون. فقيل: ما ثمّ أكبر من بغداد، ويجتمع فيها ما لا يجتمع فى غيرها، وربّما كانت هى؛ فقال ابن عيسون: لا أدرى غير ما قلت. فأمر الخليفة بإحكام المسنّيات «1» وسدّ الفروج، وكان الناس يتوقّعون الغرق؛ فوصل الخبر بأن الحاج نزلوا فى واد عند نخلة «2» ، فأتاهم سيل عظيم وأخذ الجميع بالجمال «3» والرجال، وما نجا منهم إلّا من تعلّق برءوس الجبال. فخلع الخليفة على ابن عيسون وأجرى له الجراية وأمن الناس. وفيها ورد كتاب المستعلى صاحب مصر وكتاب وزيره الأفضل أمير الجيوش إلى رضوان بن تتش السلجوقىّ بالدخول فى الطاعة. فأجاب وخطب للمستعلى صاحب الترجمة.

وفيها خرج العسكر المصرىّ إلى الساحل ونزل على صور وفتحوها عنوة، وأخذوا منها أموالا عظيمة، وكان بها رجل يعرف بالكتيلة، فأسر وحمل إلى مصر. وفيها سار الأفضل أمير الجيوش المذكور من مصر بالعساكر إلى القدس، وكان به سكمان بن أرتق وأخوه ايلغازى؛ فحصّر البلد ونصب عليها المجانيق وقاتلهم أربعين يوما؛ وأرسل أهل القدس فواطئوه على فتح الباب، وطلبوا منه الأمان فأمّنهم وفتحوا له الباب، وخرج سكمان من باب آخر ومضى إلى الرّها، ومضى أخوه ايلغازى إلى بغداد. وهما أول ملوك الارتقيّة ظهورا. وفيها تواترت الأخبار بخروج ملك الروم من بلاد الروم بقصد البلاد الشاميّة. وفيها قتل رضوان بن تاج الدولة تتش السلجوقىّ وقتل ولده ونهبت داره. وكان ظالما فاتكا. كان استوزر أبا الفضل بن الموصلىّ مشيّد الدين. وفيها توفّى عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله أبو حكيم الخيرىّ- وخير: إحدى بلاد فارس- وهو جدّ [أبى «1» ] الفضل بن ناصر لأبيه «2» . تفقّه على أبى إسحاق الشيرازىّ وبرع فى الفرائض، وله فيها مصنّف. وكان فقيها صالحا حسن الطريقة. وفيها توفّى عبد الرزّاق بن عبد الله بن المحسّن أبو غانم التّنوخىّ المعرّىّ. كان فاضلا شاعرا. ومن شعره فى كوز فقّاع «3» : [الوافر] ومحبوس بلا ذنب جناه ... له سجن بباب من رصاص يضيّق بابه خوفا [عليه «4» ] ... ويوثق بعد ذلك بالعفاص «5» إذا أطلقته خرج أرتقاصا ... وقبل فاك من فرح الخلاص

ما وقع من الحوادث سنة 490

وفيها توفّى منصور بن محمد بن عبد الجبّار الشيخ أبو المظفّر السمعانىّ، جدّ أبى سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور صاحب «الذيل» . وكان أبو المظفّر هذا من أهل مرو، وتفقّه على مذهب أبى حنيفة حتى برع، ثمّ ورد بغداد وانتقل لمذهب الشافعىّ لمعنى من المعانى، ورجع إلى بلده فلم يقبلوه وقام عليه العوامّ، فخرج إلى طوس، ثم قصد نيسابور. وصنّف «التفسير» و «البرهان» و «الاصطلام» و «القواطع فى أصول الفقه» وغير ذلك. ومات فى شهر ربيع الأول بمرو. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وسبع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثلاث عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 490] السنة الثالثة من ولاية المستعلي أحمد على مصر وهى سنة تسين وأربعمائة. فيها أخذت الفرنج نيقية وهى أوّل بلد أخذوه، ثم [فتحوا «1» حصون الدورب] شيئا بعد شىء، كما ذكرناه مفصّلا فى أوّل ترجمة المستعلى هذا. وفيها توفّى المعمّر» بن محمد بن المعمّر بن أحمد بن محمد أبو الغنائم الحسينىّ «3» الطاهر ذو المناقب نقيب الطالبيّين. مات بالكرخ، فحمل إلى مقابر قريش فدفن بها. وكان من كبار الشيعة. وولى النقابة بعده ولده أبو الفتوح حيدرة، ولقّب بالرضىّ ذى الفخرين. وفيها توفّى نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم أبو الفتح الفقيه القدسىّ الشافعىّ. أصله من نابلس، وأقام بالقدس مدّة ودرس بها. وكان فقيها عابدا زاهدا ورعا. مات فى المحرّم من هذه السنة.

ما وقع من الحوادث سنة 491

وفيها توفّى يحيى بن أحمد السّيبىّ «1» . مات فى شهر ربيع الاخر وعاش مائة وثلاثا وخمسين سنة وثلاثة أشهر وأياما، وكان صحيح الحواسّ، يقرأ عليه القرآن، ويسمع الحديث، ورحل الناس إليه. وكان ثقة صالحا صدوقا. وفيها قتل الملك أرسلان أرغون بن السلطان ألب أرسلان محمد بن داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقماق السلجوقىّ بمرو، كان قد حكم على خراسان. وسبب قتله أنه كان مؤذيا لغلمانه جبّارا عليهم؛ فوثب عليه رجل منهم فقتله بسكّين. وكان قد ملك مرو ونيسابور وبلخ وترمذ، وأساء السيرة وخرّب أسوار مدن خراسان، وصادر وزيره عماد الملك بن نظام الملك، وأخذ منه ثلثمائة ألف دينار ثم قتله. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وإحدى عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وإصبع واحدة. *** [ما وقع من الحوادث سنة 491] السنة الرابعة من ولاية المستعلى أحمد على مصر وهى سنة إحدى وتسعين وأربعمائة. فيها تواترت الشّكايات من الفرنج، وكتب السلطان بركياروق السلجوقىّ إلى العساكر يأمرهم بالخروج مع عميد «2» الدولة للجهاد، وتجهّز سيف الدولة صدقة، وبعث مقدّماته إلى الأنبار. ثمّ وردت الأخبار إلى بغداد بأنّ الفرنج ملكوا أنطاكية وساروا إلى معرّة النعمان فى ألف ألف إنسان، فقتلوا وسبوا، حسب ما ذكرنا فى أول ترجمة المستعلى هذا.

وفيها عزل السلطان بركياروق وزيره مؤيّد الملك بن نظام الملك عن وزارته، واستوزر أخاه فخر الملك. وكان مؤيّد الملك فى غاية من العقل والفضل وحسن التدبير؛ وفخر الملك بعكس ذلك كلّه. فلحق مؤيّد الملك بأخى بركياروق محمد بن ملكشاه، وأطمعه فى الملك. وكان عزل مؤيد الملك بإشارة [مجد «1» الملك] القمّى المستوفى. وفيها خرج محمد بن ملكشاه المذكور على أخيه بركياروق. وكان لملكشاه عدّة أولاد، منهم بركياروق السلطان بعده وأمّه زبيدة «2» ، ومحمود وأمه خاتون، ومحمد شاه هذا الذي خرج، وسنجر؛ ومحمد وسنجرهما أخوان لأب وأم. وكان محمد هذا رباه أخوه بركياروق وأقطعه كنجة «3» وأعمالها، ورتّب معه شخصا كالأتابك، واسمه أيضا محمد؛ فوثب عليه محمد شاه وقتله لكونه كان يحجر عليه، ولا يبتّ أمرا حتى يراجع بركياروق. ووافق ذلك مجىء مؤيّد الملك بن نظام الملك إليه، فجرت له مع أخيه بركياروق حروب ووقائع. وفيها توفّى طرّاد بن محمد بن علىّ أبو الفوارس الزينبىّ العبّاسىّ الهاشمىّ. هو من ولد زينب بنت سليمان بن علىّ بن عبد الله بن عباس. ولد سنة ثمان وتسعين وثلثمائة، وسمع الكثير، ورحل الناس إليه من الأقطار، وأملى بجامع المنصور، وحجّ سنة تسع وثمانين وأربعمائة، وأملى بمكة والمدينة، وولى نقابة العباسيّين بالبصرة، وكانت له رياسة وجلالة. ومات فى شوّال وقد جاوز تسعين سنة.

ما وقع من الحوادث سنة 492

وفيها توفّى نصر بن علىّ بن المقلّد بن نصر بن منقذ أبو المرهف الكنانىّ عزّ الدولة. ملك شيزر بعد أبيه، وقام بتربية إخوته أحسن قيام. وفيه يقول أبوه علىّ بن المقلّد من قصيدة: [الطويل] جزى الله نصرا خير ما جزيت به ... رجال قضوا فرض العلا وتنفلّوا ومنها: سألقاك يوم الحشر أبيض واضحا ... وأشكر عند الله ما كنت تفعل ومنها: إلى الله أشكو من فراقك لوعة ... توقّد فى الأحشاء ثم ترحّل ومن شعر نصر هذا: [الخفيف] كنت أستعمل البياض من الأم ... شاط عجبا بلمّي وشبابى فاتّخذت السواد فى حالة الشّي ... ب سلوّا عن الصّبا بالتّصابى وفيها توفى الحافظ أبو العباس أحمد بن بشرويه «1» الأصبهانىّ الإمام المحدّث. مات وله ست وتسعون سنة. وكان إماما حافظا، سمع الحديث وروى عنه غير واحد، وكان من أئمة المحدّثين. رحمه الله تعالى. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وثمانى عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وست عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 492] السنة الخامسة من ولاية المستعلى أحمد على مصر وهى سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.

فيها استولى الفرنج على بيت المقدس فى يوم الجمعة ثالث عشر شعبان، حسب ما ذكرناه فى ترجمة المستعلي هذا. وفيها توفّى السلطان إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتكين صاحب غزنة وغيرها من بلاد الهند. كان ملكا عادلا منصفا منقادا إلى الخير كثير الصدقات، كان لا يبنى لنفسه مكانا حتى يبنى لله مسجدا أو مدرسة. قال الفقيه أبو الحسن الطّبرى. أرسلنى إليه بركياروق فى رسالة، فرأيت فى مملكته ما لا يتأتّى وصفه. ومات فى شهر رجب وقد جاوز السبعين، وأقام ملكا نيّفا وأربعين سنة. وفيها توفّى الشيخ عبد الباقى بن يوسف بن علىّ بن صالح أبو تراب المراغىّ الفقيه الشافعىّ. كان إماما فقيها زاهدا مدرّسا. مات فى ذى القعدة عن اثنتين «1» وتسعين سنة، وقد انتهت إليه رياسة العلم بنيسابور. وفيها توفّى علىّ بن الحسن بن الحسين بن محمد القاضى أبو الحسن «2» الموصلىّ الأصل المصرىّ الفقيه الشافعىّ المعروف بالخلعىّ. ولد بمصر فى أوّل سنة خمس وأربعمائة، وسمع الحديث الكثير ورواه، وكان مسند الديار المصريّة فى وقته. ومات فى ذى الحجة. وفيها توفّى الحافظ أبو القاسم «3» مكىّ بن عبد السلام الرّميلىّ ببيت المقدس شهيدا حين أخذته الفرنج فى شعبان، واستشهد به عالم لا يحصى. وكان إماما محدّثا حافظا. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ست أذرع واثنتان وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وأربع عشرة إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 493

*** [ما وقع من الحوادث سنة 493] السنة السادسة من ولاية المستعلي أحمد على مصر وهى سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة. فيها عادت الخطبة ببغداد باسم بركياروق بعد الخليفة، وكان بطل اسمه وخطب لأخيه محمد شاه؛ وهذا بعد أن وقع بينهما حروب إلى أن ملك بركياروق وأخرج أعوان محمد شاه من بغداد. وفيها توفّى عبد الله بن أحمد بن علىّ بن صابر أبو القاسم السلمىّ الدمشقىّ ويعرف بابن سيدة. ولد سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة، ومات فى شهر ربيع الآخر بدمشق. وأنشد: [الوافر] صبرا لحكمك أيّها الدهر ... لك أن تجور ومنّى الصبر آليت لا أشكوك مجتهدا ... حتى يردّك من له الأمر وفيها توفّى محمد بن سلطان بن محمد بن حيّوس أبو الفتيان الأمير الشاعر. ولد سنة إحدى «1» وأربعمائة، وهو من بيت الفضل والعلم والرياسة. ومات فى شهر رجب وقد جاوز تسعين سنة. ومن شعره من قصيدة أوّلها: [الطويل] لكم أن تجوروا معرضين وتغضبوا ... وعادتكم أن تزهدوا حين تغضبوا جنيتم علينا واعتذرنا إليكم ... ولولا الهوى لم يسأل الصّفح مذنب وفيها توفّى الوزير محمد بن محمد [بن محمد «2» ] بن جهير الصاحب شرف الدين عميد الدولة. كان حسن التدبير، كافيا فى المهام، شجاعا جوادا عظيما فى الدول. وزر للخليفة القائم، ثم من بعده للمقتفى فعزله بأبى شجاع، ثم أعاده المستظهر فدبّر أموره ثمانى

ما وقع من الحوادث سنة 494

سنين وأحد عشر شهرا وأربعة أيام. وكان له ترسّل بديع، وتوقيعات وجيزة وأشعار رقيقة. ومدحه شعراء عصره؛ وفيه يقول أبو منصور علىّ بن الحسن المعروف بصرّدرّ الشاعر قصيدته العينية المشهورة التى أوّلها: [الكامل] قد بان عذرك والخليط مودّع ... وهوى النفوس مع الهوادج يرفع وفيها توفّى يحيى بن عيسى بن جزلة أبو علىّ المتطبّب صاحب «المنهاج «1» » فى الطب. كان نصرانيّا يقرأ على أبى علىّ بن الوليد المعتزلىّ، فلم يزل يدعوه إلى الإسلام حتى أسلم وحسن إسلامه. واستخدمه أبو عبد الله «2» الدامغانى قاضى القضاء فى كتب السّجلّات. وكان يطبّ أهل محلّته بغير عوض، ويعود الفقراء ويحسن إليهم. ووقف كتبه على مشهد أبى حنيفة- رضى الله عنه. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم عشر أذرع وستّ عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وخمس عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 494] السنة السابعة من ولاية المستعلى أحمد على مصر وهى سنة أربع وتسعين وأربعمائة. فيها قتل السلطان بركياروق خلقا من الباطنية، وكانوا ثلثمائة ونيّفا، وكتب إلى الخليفة بالقبض على من اتّهم أنّه منهم.

وفيها التقى بركياروق مع أخيه محمد شاه، وكان مع محمد شاه خمسة عشر ألفا، ومع بركياروق خمسة وعشرون ألفا؛ فاقتتلوا قتالا شديدا، قتل من الفريقين عدّة كبيرة؛ فانهزم محمد شاه وهرب وزيره مؤيّد الملك بن نظام الملك، فتبعه غلمان بركياروق وأخذوه وجاءوا به إلى بركياروق، فقام وضرب عنقه بيده. ومضى محمد شاه واستجار بأخيه سنجر شاه؛ فأرسل سنجر شاه إلى بركياروق يسأله فيه؛ فقال بركياروق: لا بدّ أن يطأ بساطى. ثم وقع أمور؛ وانتصر سنجر شاه لأخيه محمد شاه، ولا زال حتّى دخل محمد بغداد وخالب له بها، وتوجّه بركياروق إلى واسط. وفيها أخذ الفرنج جبلة من بلاد الساحل وأرسوف «1» وقيساريّة بالسيف. وفيها توفّى محمد بن منصور أبو سعد شرف الملك المستوفى الخوارزمىّ. كان جليل القدر فاضلا نبيلا متعصّبا لأصحاب أبى حنيفة- رضى الله عنه- وهو الذي بنى على أبى حنيفة القبّة والمدرسة الكبيرة بباب الطّاق- وقد قدّمنا ذكره فى وفاة أبى حنيفة فى هذا الكتاب- وبنى أيضا مدرسة بمرو، ووقف فيها كتبا نفيسة، وبنى الرّباطات فى المفاوز، وعمل خيرات كثيرة. ثم انقطع فى آخر عمره. وبذل لملكشاه مائة ألف دينار حتى أعفاه من الخدمة. ومات بأصبهان فى جمادى الآخرة. وفيها قتل أبو المحاسن «2» وزير بركياروق. كان قد نقم على أبى سعيد «3» شيئا فقتله؛ فركب بعد ذلك وسار على باب أصبهان، فوثب عليه غلام أبى سعيد الحدّاد فقتله وأخذ بثأر أستاذه. فأمر بركياروق بسلخ الغلام فسلخ وعلّق.

ما وقع من الحوادث سنة 495

وفيها توفّى الشيخ أبو الحسن علىّ بن أحمد بن الأخرم «1» المدينىّ المؤذّن. كان إماما محدّثا فاضلا. مات فى المحرّم وله تسع وثمانون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ست أذرع وثمانى عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وسبع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 495] السنة التى حكم فى أوّلها المستعلي أحمد ثم الآمر ولده، وهى سنة خمس وتسعين وأربعمائة. فيها جلس الخليفة المستظهر بالله أحمد العباسىّ لمحمد شاه وسنجر شاه ابنى ملكشاه جلوسا عامّا ودخلا عليه وقبلا الأرض له، فأدناهما وأفاض عليهما الخلع، وتوّجهما وطوّقهما وسوّرهما، وقرأ الخليفة: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ... الآية. ثم خرجا إلى قتال أخيهما بركياروق؛ فوقع بينهما وقائع وحروب أسفرت عن نصرة بركياروق وانهزام محمد شاه. وفيها قبض بركياروق على الكيا «2» الهرّاسىّ الفقيه الشافعىّ، لأنه بلغه عنه أنه باطنىّ شيعىّ؛ فكتب الخليفة إليه ببراءة ساحته وحسن عقيدته ودينه، فأطلقه. وفيها كانت وفاة صاحب الترجمة المستعلي بالله أحمد، كما تقدّم ذكره فى ترجمته. وفيها توفّى حسين بن ملاعب جناح الدولة صاحب حمص. كان أميرا مجاهدا شجاعا يباشر الحروب بنفسه. دخل جامع «3» حمص يوم الجمعة فصلّى الجمعة، فوثب

عليه ثلاثة من الباطنيّة فقتلوه. وكان سبب قتله أنه كان عند رضوان بن تتش ملك حلب منجّم باطنىّ، وهو أوّل من أظهر مذهب الباطنيّة بالشام، فندب لقتل جناح الدولة هذا أولئك النفر. ثمّ قتل المنجم بحلب بعد ذلك بأربعة عشر يوما. وفيها توفّى الشيخ أبو العلاء صاعد بن سيّار الكنانىّ الهروى الفقيه العالم المشهور. كان إماما فقيها مفتيا مدرّسا صالحا ثقة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وثمانى أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثلاث عشرة إصبعا.

ذكر ولاية الآمر بأحكام الله على مصر

ذكر ولاية الآمر بأحكام الله على مصر الآمر اسمه منصور، وكنيته أبو علىّ، ولقبه الآمر بأحكام الله بن المستعلى بالله أبى القاسم أحمد بن المستنصر بالله أبى تميم معدّ بن الظاهر بالله علىّ بن الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز بالله نزار بن المعزّ لدين الله معدّ بن المنصور إسماعيل بن القائم بأمر الله محمد بن المهدىّ عبيد الله العبيدىّ الفاطمىّ السابع من خلفاء مصر من بنى عبيد والعاشر منهم ممن ملك بالمغرب. قال الحافظ أبو عبد الله شمس الدّين محمد الذهبىّ فى تاريخ الإسلام: «كان رافضيّا كآبائه فاسقا ظالما «1» جبّارا متظاهرا بالمنكر واللهو، ذا كبر وجبروت، وكان مدبّر سلطانه الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش. ولى الآمر وهو صبىّ فلما كبر قتل الأفضل وأقام فى الوزارة المأمون أبا عبد الله محمد بن مختار بن فاتك البطائحىّ «2» ، فظلم وأساء السّيرة إلى أن قبض عليه الآمر سنة تسع عشرة وخمسمائة، وصادره ثم قتله فى سنة اثنتين وعشرين وصلبه، وقتل معه خمسة من إخوته. وفى أيّام الآمر أخذ الفرنج عكّا سنة سبع وتسعين وأربعمائة، وأخذوا طرابلس «3» فى سنة اثنتين وخمسمائة، فقتلوا وسبوا، وجاءتها نجدة المصريّين بعد فوات المصلحة؛ وأخذوا عرقة «4» وبانياس. وتسلّموا فى سنة إحدى عشرة وخمسمائة تبنين «5» وتسلمّوا صور سنة ثمانى عشرة، وأخذوا بيروت بالسيف فى سنة ثلاث وخمسمائة، وأخذوا صيداء «6» سنة أربع وخمسمائة.

ثم قصد الملك بردويل الإفرنجىّ مصر ليأخذها، ودخل الفرما «1» وأحرق جامعها ومساجدها؛ فأهلكه الله قبل أن يصل إلى العريش «2» . فشقّ أصحابه بطنه وصبرود، ورموا حشوته «3» هناك؛ فهى ترجم إلى اليوم بالسبخة «4» ، ودفنوه بقمامة «5» . وهو الذي أخذ بيت المقدس وعكا وعدّة حصون من السواحل. وهذا كله بتخلّف هذا المشئوم الطلعة. وفى أيّامه ظهر ابن تومرت «6» بالغرب. وولد الآمر فى أوّل سنة تسعين وأربعمائة، واستخلف وله خمس سنين، وبقي فى الملك تسعا وعشرين سنة وتسعة أشهر، إلى أن خرج من القاهرة يوما فى ذى القعدة

وعدّى على الجسر «1» إلى الجزيرة «2» ؛ فكمن له قوم بالسلاح. فلما عبر نزلوا عليه بأسيافهم، وكان فى طائفة يسيرة، فردّوه «3» إلى القصر وهو مثخن بالجراح، فهلك من غير عقب. وهو العاشر من أولاد المهدىّ عبيد الله الخارج بسجلماسة وبايعوا

بالآمر ابن عمه الحافظ أبا الميمون عبد المجيد بن محمد بن المستنصر بالله. وكان الآمر ربعة، شديد الأدمة، جاحظ العينين، حسن الخط، جيدّ العقل والمعرفة. وقد ابتهج بقتله لفسقه وسفكه للدماء وكثرة مصادرته واستحسانه الفواحش. وعاش خمسا وثلاثين سنة. وبنى وزيره المأمون بالقاهرة الجامع «1» الأقمر» . انتهى كلام الذهبىّ برمّته. ونذكر إن شاء الله قتله وأحواله بأوسع مما قاله الذهبىّ من أقوال جماعة من المؤرّخين أيضا. وقال العلّامة أبو المظفّر فى مرآة الزمان: «لما كان يوم الثلاثاء ثالث ذى القعدة خرج من القاهرة (يعنى الآمر) وأتى الجزيرة وعبر بعض الجسر، فوثب عليه قوم فلعبوا عليه بالسيوف- وقيل: كانوا غلمان الأفضل- فحمل فى مركب إلى القصر فمات فى ليلته، وعمره أربع وثلاثون سنة- وزاد غيره فقال: وتسعة أشهر وعشرون يوما- وكانت أيّامه أربعا وعشرين سنة وشهرا. قلت: وهم صاحب مرآة الزمان فى قوله: «وكانت مدّته أربعا وعشرين سنة وشهرا» . والصواب ما قاله الذهبىّ، فإنّه وافق فى ذلك جمهور المؤرخين. ولعل الوهم يكون من الناسخ. وما آفة الأخبار إلّا رواتها. قال (أعنى صاحب مرآة الزمان) : ومولده سنة تسعين وأربعمائة. قلت: وزاد غيره وقال: فى يوم الثلاثاء ثالث عشر المحرّم. قال: وكانت سيرته قد ساءت بالظلم والعسف والمصادرة. قال: ولمّا قتل الامر وثب غلام له أرمنىّ فاستولى على القاهرة، وفرّق الأموال فى العساكر، وأراد أن يتأمر على الناس؛ فخالفه جماعة

ومضوا إلى أحمد بن الأفضل (يعنى الوزير) فعاهدوه وجاءوا به إلى القاهرة، فخرج الغلام الأرمنىّ فقتلوه، وولّوا أبا الميمون عبد المجيد بن محمد بن المستنصر، وولى الخلافة، ولقّبوه بالحافظ؛ ووزر له أبو علىّ أحمد بن الأفضل بن أمير الجيوش، وسمّاه أمير الجيوش. فأحسن إلى الناس، وأعاد إليهم ما صادرهم به الآمر وأسقطه؛ فأحبّه الناس؛ فحسده مقدّمو الدولة فاغتالوه. وقيل: إنّ الآمر لم يخلّف ولدا وترك امرأة حاملا؛ فماج أهل مصر وقالوا: لا يموت أحد من أهل هذا البيت إلّا ويخلّف ولدا ذكرا، منصوصة عليه الإمامة؛ وكان قد نصّ على الحمل قبل موته، فوضعت الحامل بنتا، فعدلوا إلى الحافظ؛ وانقطع النّسل من الآمر وأولاده. وهذا مذهب طائفة من شيعة المصريّين؛ فإنّ الإمامة عندهم من المستنصر إلى نزار. وكان نقش خاتم الآمر هذا «الآمر بأحكام الله أمير المؤمنين» . وابتهج الناس بقتله. انتهى كلام صاحب مرآة الزمان أيضا برمّته. قلت: ونذكر إن شاء الله قتلة الآمر هذا بأوسع من هذا فى آخر ترجمته بعد أن نذكر أقوال المؤرّخين فى أمره. وقال قاضى القضاة شمس الدين أحمد بن محمد بن خلّكان- رحمه الله-: «وكان الآمر سيّئ الرأى جائر السّيرة مستهترا متظاهرا باللهو واللّعب. وفى أيّامه أخذت الفرنج مدينة عكّا- ثم ذكر ابن خلّكان نحوا ممّا ذكره الذهبىّ من أخذ الفرنج للبلاد الشامية. إلى أن قال:- خرج من القاهرة (يعنى الآمر) صبيحة يوم الثلاثاء ثالث عشر «1» ذى القعدة سنة أربع وعشرين وخمسمائة، ونزل إلى مصر وعدّى على الجسر إلى الجزيرة التى قبالة مصر (يعنى الرّوضة) ؛ فكمن له قوم بالأسلحة

وتواعدوا على قتله فى السكة التى يمرّ بها. فلمّا مرّ بها وثبوا عليه ولعبوا عليه بالسيوف، وكان قد جاوز الجسر وحده فى عدّة قليلة من غلمانه وبطانته وخاصّته وشيعته، فحمل فى زورق فى النيل ولم يمت، وأدخل القاهرة وهو حىّ وجىء به إلى القصر فمات من ليلته، ولم يعقب. وكان قبيح السّيرة، ظلم الناس وأخذ أموالهم، وسفك الدماء، وارتكب المحظورات، واستحسن القبائح، وابتهج الناس بقتله» . انتهى كلام ابن خلّكان. وقيل: إنّ الآمر كان فيه هوج عند طلوعه المنبر فى خطبته فى الجمع والأعياد، فاستحيا وزيره المأمون بن البطائحىّ أن يشافهه بما يقع له من الهوج؛ وأراد أن يفهمها له من غير مشافهة، فقال له: يا مولانا، قد مضى من الشهر أيّام ولم يبق إلا الرّكوب إلى الجمعة الأولى- قلت: وقد تقدّم فى ترجمة المعزّ لدين الله ترتيب خروج الخلفاء الفاطميّين إلى صلاة الجمعة- ويصلّوا بالناس ثلاث جمع، والجمعة الأخيرة «1» من كلّ شهر يصلّى بالناس الخطيب وتسمّى تلك الجمعة جمعة الراحة (أعنى يستريح فيها الخليفة) . ونستطرد فى هذه الترجمة أيضا لذكر شىء من ذلك مما لم نذكره فى ترجمة المعزّ. قال الوزير: يا مولانا، وبعد غد جمعة الراحة، فإن حسن فى الرأى أن يخرج مولانا بحاشيته خاصّة من باب النوبة «2» إلى القصر النافعىّ «3» فما فيه سوى عجائز وقرائب وألزام، ويجلس مولانا على القبّة التى على المحراب قبالة الخطيب ليشاهد نائبه فى الخطابة كيف يخطب، فإنّه رجل شريف فصيح اللّسان حافظ القرآن.

فأجابه الخليفة الآمر إلى ذلك. ولمّا حضر الجامع وجلس فى القبّة وفتح الرّوشن وقام الخطيب فخطب، فهو فى الصلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فى الخطبة الثانية وإذا بالهوى قد فتح الطاق فرفع الخطيب رأسه فوقع وجهه فى وجه الخليفة فعرفه فأرتج عليه وارتاع ولم يدر ما يقول، حتّى فتح عليه فقال: معاشر المسلمين، نفعكم الله وإيّاى بما سمعتم، وعن الضلال عصمكم. قال الله تعالى فى كتابه العزيز: وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً . إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ ... . إلى آخر الآية، وصلّى بالناس. فلما انفصل المجلس تكلم الآمر مع وزيره المذكور بما وقع للخطيب. فانفتح الكلام للوزير وتكلّم فيما كان بصدده، فرجع الآمر عن الخطّابة واستناب وزيره المذكور؛ فصار الوزير يخطب بجامع القاهرة وجامع ابن طولون وجامع مصر. وقال ابن أبى المنصور فى تاريخه: إنّ ابتداء خطبة الوزير المأمون كانت فى شهر رمضان سنة خمس وثمانين؛ وترك الآمر الخطابة مع ما كان له فى ذلك من الرغبة الزائدة، حتّى إنّه كان اقترح أشياء أخرى فى خروجه إلى الجامع زيادة على ما كانت آباؤه تفعله، غير أنّه كان يخطب فى الأعياد بعد ما استناب وزيره المأمون ابن البطائحىّ فى خطبة الجمع. فكان الآمر إذا خرج فى خطبة العيد خرج إلى المصلّى، ويخرجون قبله، على العادة السابقة المذكورة فى ترجمة المعزّ، بالفرش والآلات، وعلّق بالمحاريب الشروب المذهبة، وفرش فيه ثلاث سجّادات متراكبة، وبأغلاها السجادة اللطيفة التى كانت عندهم معظّمة، وهى قطعة من حصير، ذكر أنّها كانت من حصير لجعفر الصادق- رضى الله عنه- وكانت مما أخذه الحاكم بأمر الله عند فتح دار جعفر الصادق. ثم تغلق الأبواب الثلاثة التى بجنب القبّة التى فى صدرها المحراب. قلت: والذي ذكرناه فى ترجمة المعزّ لدين الله كانت صلاته بالجامع الأزهر،

والآمر هذا كانت صلاته فى الجمعة بالجامع الحاكمىّ، وفى العيد بالمصلّى. ونذكر أيضا هيئة خروج الامر إلى الجامع بنحو ما ذكرناه هناك وزيادة أخرى لم نذكرها؛ فبهذا المقتضى يكون للإعادة نتيجة. قال: ثمّ تفرش أرض القبّة المذكورة جمعيا بالحصر المحاريب المبطّنة، ثم تعلّق الستور بالمحراب وجانبى المنبر، ويفرش درجه، وينصب اللواءان ويعلّقان عليه، ويقف متولّى ذلك والقاضى تحت المنبر، ويطلق البخور، ويتقدّم «1» الوزير بألّا يفتح الباب أحد، وهو الباب الذي يدخل الخليفة منه ويقف عليه، ويقعد الداعى فى الدّهليز، ويقرأ المقرئون بين يديه، ويدخل الأمراء والأشراف والشهود والشيوخ، ولا يدخل غيرهم إلّا بضمان من الداعى. فإذا استحقّت الصلاة أقبل الخليفة فى زيه الذي ذكرناه فى ترجمة المعزّ لدين الله وقصيب الملك بيده، وجميع إخوته وبنو عمّه فى ركابه. فعند ذلك يتلقّاه المقرئون ويرجع من كان حوله من بنى عمه وإخوته. ويخرج من باب الملك إلى أن يصل إلى باب العيد، فتنشر المظلّة عليه- وقد ذكرنا أيضا زىّ المظلّة فى ترجمة المعزّ- ويترتّب الموكب فى دعة لا يتقدّم أحد ولا يتأخّر عن مكانه، وكذلك وراء الموكب العماريات- هم عوض المحفّات- والزّرافات والفيلة والأسود عليها الأسرّة مزيّنة بالأسلحة. ولا يدخل من باب المصلّى أحد راكبا إلا الوزير خاصّة، ثم يدخل الباب الثانى فيترجّل الوزير ويتسلّم شكيمه فرس الخليفة حتّى ينزل الخليفة ويمشى إلى المحراب، والقاضى والداعى عن يمينه ويساره يوصّلان التكبير لجماعة المؤذّنين. وكاتب الدّست وجماعة الكتّاب يصلّون تحت عقد المنبر، لا يمكن غيرهم أن يكون معهم. ويكبّر فى الأولى سبعا وفى الثانية خمسا على

سنّة القوم، ثم يطلع الوزير ثمّ يسلّم الدعو «1» القاضى، فيستدعى من جرت عادته بطلوع المنبر، وكلّ لا يتعدّى مكانه. ثم ينزل الخليفة بعد الخطبة ويعود فى أحسن زىّ على هيئة خروجه من رحبة باب العيد حتّى يأكل الناس السّماط. وقد ذكرنا كيفيّة السّماط وزىّ لبس الخليفة والمظلّة وصفة ركوبه وطلوعه إلى المنبر ونزوله، فى ترجمة المعزّ لدين الله أوّل خلفائهم، فينظر هناك من هذا الكتاب. قلت: وكان الآمر يتناهى فى العظمة ويتقاعد عن الجهاد. وما قاله الذهبىّ فى ترجمته فبحقّ؛ فإنّه مع تلك المساوى التى ذكرت عنه كان فيه تهاون فى أمر الغزو والجهاد حتّى استولت الفرنج على غالب السواحل وحصونها فى أيّامه، وإن كان وقع لأبيه المستعلى أيضا ذلك وأخذ القدس فى أيامه فإنّه اهتمّ لقتال الفرنج وأرسل [الأفضل «2» بن] بدر الجمالىّ أمير الجيوش بالعساكر، فوصلوا بعد فوات المصلحة بيوم. فكان له فى الجملة مندوحة، بخلاف الآمر هذا، فإنّه لم ينهض لقتال الفرنج البتّة، وإن كان أرسل مع الأسطول عسكرا فهو كلا شىء. وسنبيّن ذلك عند استيلاء الفرنج على طرابلس وغيرها على سبيل الاختصار فى هذا المحلّ، فنقول: أوّل ما وقع فى أيّامه من طمع الفرنج فى البلاد فإنّهم خرجوا فى أوّل سنة سبع وتسعين وأربعمائة من الرّهاء، وانقسموا قسمين، قسم قصد حرّان، وقسم قصد الرّقّة. فالذى توجّه إلى الرّقّة خرج لهم سكمان بن أرتق صاحب ماردين، وكان سالم بن بدر العقيلىّ فى بنى عقيل، وقد نزلوا على رأس «3» العين، فخرج بهم سكمان

المذكور، والتقوا مع الفرنج واقتتلوا قتالا شديدا أسر فيه سالم بن بدر المذكور، ثم كانت الدائرة على الفرنج، فانهزموا وقتل منهم خلق كثير. والقسم الآخر من الفرنج الذي قصد حرّان والبلاد الشاميّة لم ينهض لقتالهم وصالحهم ابن عمّار قاضى طرابلس وصاحبها وهادنهم، على أن يكون لصنجيل ملك الفرنج ظاهر البلد، وألّا يقطع الميرة عنها وأن يكون داخل البلد لابن عمّار. وهلك فى أثناء ذلك صنجيل المذكور ملك الروم. ولم ينهض أحد من المصريّين لقتال المذكورين. فعلمت الفرنج ضعف من بمصر. ثم بعد ذلك فى سنة اثنتين وخمسمائة قصد الفرنج طرابلس وأخذوها، بعد أن اجتمع عليها ملوك الفرنج مع ريمند «1» بن صنجيل المقدّم ذكره فى ستين مركبا فى البحر مشحونة بالمقاتلة؛ وطنكرى الفرنجىّ صاحب أنطاكية، وبغدوين الفرنجىّ صاحب القدس بمن معهم، جاءوا من البرّ وشرعوا فى قتالها وضايقوها من أوّل شعبان إلى حادى عشر ذى الحجّة، وأسندوا أبراجهم إلى سور البلد. فلمّا رأى أهل طرابلس ذلك أيقنوا بالهلاك مع تأخّر أسطول مصر عنهم. ثم حضر أسطول مصر من البحر. وصار كلّما سار نحو البلد ردّه الفرنج إلى نحو مصر. قلت: ومن هذا يظهر عدم اكتراث أهل مصر بالفرنج من كلّ وجه. الأوّل: من تقاعدهم عن المسير فى هذه المدّة الطويلة. والثانى: لضعف العسكر الذي أرسلوه مع أسطول مصر، ولو كان لعسكر الأسطول قوّة لدفع الفرنج من البحر عن البلد على حسب الحال. والثالث: لم لا خرج الوزير الأفضل بن أمير الجيوش بالعساكر المصرية كما كان فعل والده بدر «2» الجمالىّ فى أوائل الأمر. هذا مع قوّتهم

من العساكر والأموال والأسلحة. فلله الأمر من قبل ومن بعد. ولله درّ السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب فيما فعله فى أمر الجهاد وفتح البلاد، كما يأتى ذلك كلّه إن شاء الله مفصّلا فى وقته وساعته فى ترجمة السلطان صلاح الدين- رحمه الله-. ثمّ إنّ الفرنج لما علموا بحال أهل طرابلس وتحقّقوا أمرهم حملوا حملة رجل واحد فى يوم الاثنين حادى عشر ذى الحجة وهجموا على طرابلس، فأخذوها ونهبوها وأسروا رجالها وسبوا نساءهم وأخذوا أموالها وذخائرها؛ وكان فيها ما لا يحصى ولا يحصر واقتسموها بينهم. وطمعوا فى الغنائم، فساروا إلى جبلة وبها فخر الملك ابن عمّار الذي كان صاحب طرابلس وقاضيها، وتسلّموها منه بالأمان فى ثانى عشر ذى الحجّة فى يوم واحد، وخرج منها ابن عمّار سالما. ثم وصل بعد ذلك الأسطول المصرىّ بالعساكر، فوجدوا البلاد قد أخذت فعادوا كما هم إلى مصر. وسار ابن عمّار إلى شيزر، فأكرمه صاحبها سلطان بن علىّ بن منقذ واحترمه وعرض عليه المقام عنده فأبى، وتوجّه إلى الأمير طغتكين صاحب دمشق، فأكرمه طغتكين وأنزله وأقطعه الزّبدانىّ «1» وأعماله. ثم وقع بين بغدوين صاحب القدس وبين طغتكين المذكور أمور، حتّى وقع الاتفاق بينهما على أن يكون السّواد «2» وجبل عوف مثلّثة، الثّلث للفرنج والباقى للمسلمين. ثم انقضى ذلك فى سنة خمس وخمسائة. وقصد بغدوين الفرنجىّ المذكور صور؛ فكتب واليها وأهلها إلى طغتكين يسألونه أنهم يسلّمونها إليه قبل مجىء الفرنج لأنّهم يئسوا من نصرة مصر؛ فأبى وبعث إليهم الفرسان والرّجالة، وجاءهم هو من جبل عاملة ثمّ عاد. ثمّ سار إليهم بغدوين فى «3» الخامس

والعشرين من جمادى الأولى سنة خمس وخمسمائة فقطع أشجارها وقاتلها أياما، وهو يعود خاسرا. وخرج طغتكين وخيّم ببانياس وجهّز الخيّالة والرّجالة إلى صور نجدة، فلم يقدروا على الدخول إليها من الفرنج وثمّ رحلت الفرنج عنها، ونزلوا على الحبيس «1» (وهو حصن عظيم) وحاصروه حتى فتحوه عنوة؛ وقتلوا كلّ من كان فيه، ثم عاد بغدوين إلى صور وشرع فى عمل الأبراج، وأخذ فى قتالها «2» والزحف فى كلّ يوم. فلمّا بلغ ذلك طغتكين زحف عليهم ليشغلهم، فخندق عليهم وهجم الشتاء فلم يبال الفرنج به لأنّهم كانوا فى أرض رملة، والميرة تصل إليهم من صيداء فى المراكب. ثمّ ركب طغتكين البحر وسار إلى نحو صيداء، وقتل جماعة من الفرنج وغرّق مراكبهم وأوصل مكاتبته إلى أهل صور، فقوّى قلوبهم. ثم عمل الفرنج برجين عظيمين، طول الكبير منهما زيادة على خمسين ذراعا، وطول الصغير زيادة على أربعين ذراعا، وزحفوا بهما أوّل شهر رمضان، وخرج أهل صور بالنّفط والقطران ورموا النار، فهبّت الريح فاحترق البرج الصغير بعد المحاربة العظيمة، ونهب منه زرديات «3» وطوارق «4» وغير ذلك؛ ولعبت النار فى البرج الكبير أيضا فأطفأها الفرنج. ثم إنّ الفرنج طمّوا الخندق، وواتروا الزّحف طول شهر رمضان، وأشرف أهل البلد على الهلاك. فتحيّل واحد من المسلمين له خبرة بالحرب، فعمل كباشا من أخشاب تدفع البرج الذي يلصقونه بالسور. ثم تحيّل فى حريق البرج الكبير حتّى أحرقه، وخرج المسلمون فأخذوا منه آلات وسلاحا. فحينئذ يئس الفرنج من

أخذها، ورحلوا عنها بعد ما أحرقوا جميع ما كان لهم من المراكب على الساحل والأخشاب والعمائر والعلوفات وغيرها. وجاءهم طغتكين فما سلّموا إليه البلد؛ فقال طغتكين: أنا ما فعلت الذي فعلته إلّا لله تعالى لا لرغبة فى حصن ولا مال، ومتى دهمكم عدوّكم جئتكم بنفسى وبرجالى، ثمّ رحل عنهم- فلله درّه من ملك- كلّ ذلك ولم تأت نجدة المصريّين. ودام الأمر بين أهل صور والفرنج، تارة بالقتال وتارة بالمهادنة، إلى أن طال على أهل صور الأمر ويئسوا من نصرة مصر، فسلّموها للفرنج بالأمان فى سنة ثمانى عشرة وخمسمائة. قلت: وما أبقى أهل صور- رحمهم الله تعالى- ممكنا فى قتالهم مع الفرنج وثباتهم فى هذه السنين الطويلة مع عدم المنجد لهم من مصر. وقيل فى أخذ صور وجه آخر. قال ابن القلانسىّ: وفى سنة تسع عشرة وخمسمائة، ملك الفرنج صور بالأمان. وسببه خروج سيف الدولة مسعود منها، وكان قد حمل إلى مصر، وأقام الوالى الذي بها فى البلد. قلت: وهذه زيادة فى النّكاية للمسلمين من صاحب مصر؛ فإنّ سيف الدولة المذكور كان قائما بمصالح المسلمين، وفعل ما فعل مع الفرنج من قتالهم وحفظ سور المدينة هذه المدّة الطويلة، فأخذوه منها غصبا وخلّوا البلد مع من لا قبل له بمحاربة الفرنج. فكان حال المصريّين فى أوّل الأمر أنّهم تقاعدوا عن نصرة المسلمين، والآن بأخذهم سيف الدولة من صور صاروا نجدة للفرنج. وهذا ما فعله إلا الآمر هذا صاحب الترجمة بنفسه بعد أن قبض على الأفضل ابن أمير الجيوش وقتله، وقتل غيره أيضا معه.

ونعود إلى كلام ابن القلانسىّ قال: وعرف الفرنج (يعنى بخروج سيف الدولة) فتأهّبوا للنزول عليها، وعرف الوالى أنه لا قبل له بهم لقلّة النجدة والميرة بها؛ فكتب إلى صاحب مصر يخبره. فكتب إليه: قد رددنا أمرها إلى ظهير الدين- أظنه يعنى بظهير الدين طغتكين المقدّم ذكره أمير دمشق- قال: ليتولّى حمايتها والذّب عنها، وبعث منشورا له بها. ونزل الفرنج عليها وضايقوها بالحصار والقتال حتّى خفّت الأقوات، وجاء طغتكين فنزل ببانياس، وتواترت المكاتبات. إلى مصر باستدعاء المؤن، فتمادت الأيّام إلى أن أشرف أهلها على الهلاك. ولم يكن للأتابك طغتكين قدرة على دفع الفرنج، ويئس من مصر؛ فراسل أهلها الفرنج وطلبوا الأمان على نفوسهم وأهاليهم وأموالهم، ومن أراد الخروج خرج ومن أراد الإقامة أقام. وجاء الاتابك بعسكره فوقف بإزاء الفرنج، وركبت الفرنج ووقفوا بإزائه وصاروا صفّين؛ وخرج أهل البلد يمرّون بين الصّفّين ولم يعرض لهم أحد، وحملوا ما أطاقوه، ومن ضعف منهم أقام. فمضى بعضهم إلى دمشق، وبعضهم إلى غزّة، وتفرّقوا فى البلاد، وعاد الأتابك إلى دمشق. ودخل الفرنج صور وملكوها سنين إلى حين فتحت ثانيا، حسب ما سيأتى ذكره فى ترجمة السلطان الذي يتولّى فتحها. قلت: وهذا الذي ذكرناه هو كالشرح لكلام الذهبىّ وغيره من المؤرّخين فيما ذكروه عن الآمر هذا. ونعود إلى ترجمة الآمر. وكان للآمر نظم ونظر فى الأدب. ومما نسب إليه من الشعر قوله: [السريع] أصبحت لا أرجو ولا أتّقي ... إلّا إلهى وله الفضل جدّى نبيّى وإمامى أبى ... ومذهبى التوحيد والعدل

وقد نسب هذا الشعر لغيره من الفاطميّين «1» أيضا. وكان الآمر يحفظ القرآن، انفرد بذلك دون جميع خلفاء مصر من الفاطميّين، وكان ضعيف «2» الخطّ. وأمّا ما وعدنا به من ذكر قتله فنقول: كان الامر صاحب الترجمة مطلوبا من جماعة من أعوان عمه نزار المقتول بيد أبيه بعد واقعة الإسكندرية المقدّم ذكرها؛ لأنّ الآمر وأباه المستعلي غصبا الخلافة، وأن النّص كان على نزار. وقد ذكرنا ذلك كلّه فى أوّل ترجمة المستعلى. فاتّصل بالآمر أنّ جماعة من النّزارية حصلوا بالقاهرة ومصر يريدون قتله، فاحترز الآمر على نفسه وتحيّل فى قبضهم، فلم يقدّر له ذلك لما أراده الله. وفشا أمر النّزارية وكانوا عشرة، فخافوا أن يقع عليهم الآمر فيقتلهم قبل قتله، فآجتمعوا فى بيت وقال بعضهم لبعض: قد فشا أمرنا ولا نأمن أن يظفر بنا الآمر فيقتلنا، ومن المصلحة والرأى أن نقتل واحدا منّا ونلقى رأسه بين القصرين، وحلانا «3» عندهم؛ فإن عرفوه فلا مقام لنا عندهم، وإن لم يعرفوه تمّ لنا ما نريد، لأنّ القوم فى غفلة. فقالوا للذى أشار عليهم: ما يتّسع لنا قتل واحد منّا، ينقص عددنا وما يتمّ بذلك أمرنا، فقال الرجل: أليس هذا من مصلحتنا ومصلحة من تلزمنا طاعته؟ فقالوا نعم. فقال: وما دللتكم إلّا على نفسى، وشرع فى قتل نفسه بيده بسكّين فى جوفه فمات من وقته. فأخذوا رأسه فرموه فى الليل بين القصرين، وأصبحوا متفرّقين ينظرون ما يجرى فى البلد بسبب الرأس. فلمّا وجد الرأس اجتمع عليه الناس وأبصروه، فلم يقل أحد منهم أنا أعرفه. فحمل إلى الوالى، فأحضر الوالى عرفاء الأسواق وأرباب المعايش فلم يعرف؛ فأحضر أيضا

ما وقع من الحوادث سنة 496

أصحاب الأرباع والحارات فلم يعرف؛ ففرح التسعة بذلك ووثقوا بالمقام بالقاهرة لقضاء مرادهم. واتّفق للخليفة الآمر أن يمضى إلى الرّوضة- حسب ما ذكر فى أوّل ترجمته- وأنّه يجوز على الجسر الذي من مصر إلى جزيرة الرّوضة للمقام بها أياما للفرجة. وكان من شأن الخلفاء أنهم يشيعون الركوب فى أرباب خدمتهم حيثما قصدوا حتّى لا يتفرّقوا عنه، وأيضا لا يتخلّف أحد عن الركوب؛ فعلم النّزارية التسعة بركوبه فجاءوا إلى الجزيرة، ووجدوا قبالة الطالع من الجسر فرنا، فدخلوا فيه قبل مجىء الخليفة الآمر، ودفعوا إلى الفرّان دراهم وافرة ليعمل لهم بها فطيرا بسمن وعسل؛ ففرح الفرّان بها وعمل لهم الفطير؛ فما هو بأكثر ممّا أكلوه، ولم يتموا أكلهم إذ طلع الخليفة الآمر من آخر الجسر، وقد تفلّل عنه الرّكابيّة ومن يصونه لحرج الجواز على الجسر لضيقه، فلمّا قابلوه وثبوا عليه وثبة رجل واحد وضربوه بالسكاكين حتى إنّ واحدا منهم ركب وراءه وضربه عدّة ضربات؛ وأدوكهم الناس فقتل التسعة. وحمل الآمر فى عشارىّ «1» إلى قصر «2» اللّؤلؤة، وكان ذلك فى أيّام النيل، ففاضت نفس الآمر قبل وصوله إلى اللؤلؤة. وقد تقدّم عمر الآمر ومدّة خلافته فى أوّل ترجمته، فلا حاجة لذكر ذلك ثانيا. وقيل: إنّ بعض منجّميه كان عرّفه أنّه يموت مقتولا بالسكاكين، فكان الآمر كثيرا ما يلهج بقوله: الآمر مسكين، المقتول بالسكين. *** [ما وقع من الحوادث سنة 496] السنة الأولى من ولاية الآمر منصور على مصر وهى سنة ستّ وتسعين وأربعمائة.

فيها أعيدت الخطبة ببغداد إلى السلطان بركياروق السلجوقىّ بعد أن التقى مع أخيه محمد شاه وهزمه بركياروق. فتوجّه محمد شاه إلى أرمينية وأخلاط، ثم عاد إلى تبريز فى جمادى الآخرة، ومضى بركياروق إلى زنجان. ووقع بينهما فى الآخر الاتّفاق على شىء فعلوه. وفيها استوزر الخليفة المستظهر بالله العبّاسىّ زعيم الرؤساء أبا القاسم علىّ بن محمد [بن محمد «1» ] بن جهير على كره منه، وعزل وزيره سديد الملك أبا الفضل «2» بن عبد الرزّاق. فكانت ولايته عشرة أشهر. وفيها توفّى أردشير بن منصور أبو الحسين العبّادىّ الواعظ الأستاذ. كان أصله من أهل مرو، وكان يخاطب بالأمير قطب الدين. قدم بغداد وجلس فى النّظاميّة، وحضر أبو حامد الغزالىّ مجلس وعظه، وكان يحضر مجلسه من الرجال والنساء ثلاثون ألفا. وكان صمته أكثر من نطقه، وإذا تكلّم هابته الناس؛ وبوعظه حلق أكثر الصّبيان رءوسهم، ولزموا المساجد وبدّدوا الخمور وكسروا الملاهى. ولمّا قدم بغداد ووعظ بها، وكان البرهان «3» الغزنوىّ يعظ بها قبله فانكسر «4» سوقه. فقال الدّهّان الشاعر المشهور فى ذلك: [السريع] لله قطب الدّين من عالم ... منفرد بالعلم والباس قد ظهرت حجّته للورى ... قام بها البرهان للناس ومات قطب الدين فى غرّة جمادى الآخرة. رحمه الله.

ما وقع من الحوادث سنة 497

وفيها توفّى الشيخ أبو المعالى الزاهد الصالح البغدادىّ. كان مقيما بمسجد باب الطاق ببغداد؛ فحضر مجلس ابن أبى عمامة «1» فوقع كلامه فى قلبه فتزهّد. وكان لا ينام إلّا جالسا ولا يلبس إلّا ثوبا واحدا شتاء وصيفا. وكان منقطعا إلى العبادة، ويقصد للزيارة. وفيها توفّى الشيخ أبو طاهر أحمد بن علىّ بن عبيد «2» الله بن عمر بن سوار المقرئ المجوّد. كان إماما عارفا بالقراءات، وسمع الحديث واشتغل فى القراءات سنين. وفيها توفّى الشيخ أبو داود سليمان بن نجاح المؤيّدىّ المقرئ الإمام. مات فى شهر رمضان وله ثلاث وثمانون سنة، وقد انتهت إليه رياسة القرّاء فى زمانه. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وثمانى أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وإصبع واحدة. *** [ما وقع من الحوادث سنة 497] السنة الثانية من ولاية الآمر منصور على مصر وهى سنة سبع وتسعين وأربعمائة. فيها وقع الصلح بين الإخوة أولاد السلطان ملكشاه السلجوقىّ، وهم السلطان بركياروق ومحمد شاه وسنجر شاه، على أن يكون اسم السلطنة لبركياروق وضرب «3» النّوبة (أعنى الطبلخانات) فى أوقات الصلوات الخمس على بابه، وأن يكون لمحمد شاه أرمينية وأذربيجان وديار بكر والجزيرة والموصل، وأن يكون لسنجر شاه خراسان

على حاله أوّلا، وأن يكون لبركياروق الجبل وهمذان وأصبهان والرّىّ وبغداد وأعمالها والخطبة ببغداد، وأن محمد شاه وسنجر شاه يخطبان لنفوسهما «1» . وفيها نزل الأمير سكمان بن أرتق صاحب ماردين، وجكرمش صاحب الموصل على رأس العين عازمين على لقاء الفرنج، وكان خرج ريمند وطنكرى صاحب أنطاكية بعساكر الفرنج إلى الرّهاء، فالتقوا فنصر الله المسلمين وقتلوا منهم عشرة آلاف، وانهزم ريمند وطنكرى فى نفر يسير من الفرنج. وفيها نزل بغدوين صاحب القدس الفرنجىّ على عكّا فى البرّ والبحر فى نيّف وتسعين مركبا فحصروها من جميع الجهات، وكان واليها زهر الدولة الجيوشىّ، فقاتل حتّى عجز، فطلب الأمان له وللمسلمين فلم يعطوه لمّا علموا (الفرنج) من أهل مصر أنهم لم ينجدوه، ثم أخذوها بالسيف فى شهر رمضان. وقد قدّمنا ذكر ذلك فى ترجمة الآمر هذا بأكثر من هذا القول. وفيها حاصر صنجيل الفرنجىّ طرابلس وبنى عليها حصنا؛ فخرج القاضى ابن عمّار صاحب طرابلس بعسكره فى ذى الحجة، وهدم الحصن وقتل من فيه من الفرنج ونهبه، وكان فيه شىء كثير. وفيها توفّى أحمد بن الحسين بن حيدرة الأديب أبو الحسين، ويعرف بابن خراسان الطرابلسىّ الشاعر المشهور. وكان شاعرا مجيدا، هجا فخر الملك ابن عمّار قاضى طرابلس وصاحبها وأخاه؛ فأمر به قاضى طرابلس المذكور فضرب حتّى مات. ومن شعره من قصيدة: [الطويل] [جزى «2» الله عنا النّيرب الفرد صالحا ... لقد جمع المعنى الذي يذهب الفكرا ] خرجنا على أنّا نقيم ثلاثة ... فطاب لنا حتّى أقمنا به عشرا

وفيها توفّى إسماعيل بن علىّ بن الحسن «1» بن علىّ الشيخ أبو علىّ الجاجرمىّ «2» الأصمّ النّيسابورىّ. ولد سنة ستّ وأربعمائة، ورحل فى طلب العلم، وطاف البلاد وعاد إلى نيسابور فمات بها فى المحرّم. وكان فقيها واعظا زاهدا ورعا صدوقا ثقة حسن الطريقة. وفيها توفّى دقماق بن تش الأمير أبو نصر شمس الملوك السلجوقىّ صاحب دمشق. وسمّاه الذهبىّ وصاحب مرآة الزمان دقاقا بلا ميم. ولعلّ الذي قلناه هو الصواب؛ فإننا لم نسمع باسم قبل ذلك يقال له دقاق، وأيضا فإنّ جدّ السلجوقيّين الأعلى اسمه دقماق، وهذا من أكبر الأدلّة على أنّ اسمه دقماق. ولى دمشق بعد قتل أبيه تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان؛ وقام بأمره الأتابك ظهير الدّين طغتكين، وتزوّج طغتكين والدته. فأقام فى مملكة دمشق حتّى مات. وملك دمشق بعده ابنه تتش وهو حدث السن، وأوصى أن يكون طغتكين أيضا القائم بدولته؛ فوقع ذلك، وقام طغتكين بالأمر أحسن قيام. وفيها توفّى العلاء بن الحسن بن وهب بن الموصلا يا أبو سعد الكاتب الفاضل. كتب فى الإنشاء للخلفاء خمسا وستّين سنة. وكان نصرانيّا، فأسلم فى سنة أربع وثمانين وأربعمائة على يد الخليفة المقتدى بالله العبّاسىّ. ومات فجاءة. وكان طاهر اللّسان كريم الأخلاق شاعرا مجيدا مترسّلا. ومن شعره: [الوافر] يا خليلىّ خليّانى ووجدى ... فملام «3» العدول ما ليس يجدى

ما وقع من الحوادث سنة 498

ودعانى فقد دعانى إلى الحك ... م غريم الغرامة الّت «1» عندى فعساه يرقّ إذ ملك الرّ «2» ... قّ بنقد من وصله أو بوعد أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع واثنتا عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثلاث عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 498] السنة الثالثة من ولاية الآمر منصور على مصر وهى سنة ثمان وتسعين وأربعمائة. فيها هلك صنجيل عظيم الفرنج وصاحب أنطاكية. وفيها بعث ضياء الدّين محمد وزير ميّافارقين إلى قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش وهو بملطية يستدعيه إلى ميّافارقين؛ فتوجّه إليه قلج أرسلان وملك ميافارقين. وكان مبدأ قلج أرسلان هذا أنّه خدم ملكشاه السلجوقىّ، فأرسله على جيش لغزو الرّوم؛ فسار وافتتح ملطية وقيساريّة وأقصرى «3» وقونية وسيواس «4» وجميع ممالك الروم؛ فأقرّه ملكشاه بها، فأقام بها وعدّ من الملوك؛ إلى أن قدم ميافارقين واستولى عليها، وولّاها لمملوك والده خمرتاش السليمانىّ. واستوزر قلج أرسلان ضيا الدّين المذكور، وأخذه معه وولّاه أبلستين «5» . ثمّ وقع بين قلج

أرسلان هذا وبين جاولى مملوك السلطان محمد شاه بن ملكشاه وتقاتلا، فانكسر فلج أرسلان. فلمّا رأى الهزيمة عليه ألقى نفسه فى الخابور فغرق، فأخرج وحمل تابوته إلى ميّافارقين ودفن بها. وفيها بعث يوسف بن تاشفين صاحب المغرب إلى الخليفة المستظهر بالله العبّاسىّ يخبره أنّه خطب له على منابر ممالكه، وأرسل يطلب منه الخلع والتقليد؛ فبعث إليه بما طلب. وفيها توفّى السلطان ركن الدولة بركياروق ابن السلطان ملكشاه ابن السلطان ألب أرسلان بن داوود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقماق السلجوقىّ أبو المظفّر. مات فى شهر ربيع الأوّل وهو ابن أربع وعشرين سنة. وكانت سلطنته اثنتى عشرة سنة. وعهد لولده ملكشاه، وأوصى به الأمير آياز؛ فتوجّه آياز بالصبىّ إلىّ بغداد، ونزل به دار المملكة، وعمره أربع سنين وعشرة أيام، وأجلسه على تخت الملك مكان أبيه بركياروق؛ وخطب له ببغداد فى جمادى الأولى. فلم يتمّ أمر الصبىّ، وملك عمّه محمد شاه الذي كان ينازع أخاه بركياروق، وقتل آياز المذكور. وبركياروق: بفتح الباء الموحدة وسكون الراء والكاف وفتح الياء المثناة من تحتها وبعد الألف راء مضمومة وبعد الراء واو وقاف. وفيها توفّى محمد بن علىّ بن الحسن بن أبى الصقر أبو الحسن الواسطىّ. تفقّه على أبى إسحاق الشّيرازىّ، وسمع الحديث الكثير. وكان أديبا عالما. ومن شعره لمّا كبر سنّه وصار لا يستطيع القيام لأصحابه: [الوافر] علّة سمّيت ثمانين عاما ... منعتنى للأصدقاء القياما فإذا عمّروا تمهّد عذرى ... عندهم بالذى ذكرت وقاما

ما وقع من الحوادث سنة 499

وفيها توفّى الحافظ أبو علىّ الحسين بن محمد الغسّانىّ الجيّانىّ «1» عن إحدى وتسعين سنة. كان إماما حافظا، سمع الكثير وحدّث وكتب وصنّف. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وخمس أصابع. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا واثنتا عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 499] السنة الرابعة من ولاية الآمر منصور على مصر وهى سنة تسع وتسعين وأربعمائة. فيها ظهر رجل من نواحى نهاوند وادّعى النبوّة، وكان ممخرقا «2» بالسّحر والنجوم فتبعه خلق كثير وحملوا إليه أموالهم. وكان يعطى جميع ما عنده لمن يقصده، وسمّى أصحابه بأسماء الصحابة الخلفاء، رضوان الله عليهم. وكان خرج أيضا فى هذه السنة بنهاوند رجل من ولد ألب أرسلان السلجوقىّ يطلب الملك؛ فخرج إليهما العساكر، وأخذوا الرجل المدّعى النبوّة، والذي طلب الملك معا وقتلا. وفيها كان بين الفرنج وبين طغتكين واقعة عظيمة على سواد طبريّة. وفيها ملكت الإسماعيليّة «3» حصن فامية، وقتلوا خلف بن ملاعب صاحب الحصن بأمر أبى طاهر الصائغ العجمىّ المقيم بحلب. وهذا الصائغ هو الذي أظهر مذهب الباطنية الرافضة، وقتلته الفرنج، وأراح الله المسلمين منه.

ما وقع من الحوادث سنة 500

وفيها توفّى عمر بن المبارك بن عمر أبو الفوارس البغدادىّ. ولد سنة ثلاث عشرة «1» وأربعمائة، وبرع فى علم القرآن، وقرأ الناس عليه سنين كثيرة، وسمع الحديث الكثير، وكان من الصالحين. وفيها توفّى مهارش البدوىّ بن مجلّى الأمير أبو الحارث صاحب الحديثة، الذي خدم الخليفة القائم بأمر الله، فيما تقدّم ذكره لمّا حصل عنده بالحديثة. وكان مهارش هذا كثير الصلاة والصوم والصدقة صالحا محبّا لأهل العلم. وعاش نيّفا وثمانين سنة. رحمه الله. وفيها توفّى الشيخ الإمام المقرئ أبو البركات محمد بن عبد الله بن يحيى بن الوكيل المقرئ المحدّث؛ مات وله ثلاث وتسعون سنة. وكان عالما بفنون كثيرة، عارفا بعلوم القرآن. وفيها توفّى الشيخ الإمام أبو البقاء المعمّر بن محمد بن علىّ الكوفىّ الحبّال؛ ومات وله ستّ وثمانون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثمانى أذرع سواء. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا واثنتا عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 500] السنة الخامسة من ولاية الآمر منصور على مصر وهى سنة خمسمائة. فيها ولى الخليفة المستظهر بالله أبا جعفر عبد الله «2» الدّامغانىّ أخا قاضى القضاة حجبة الباب؛ فرمى الطّيلسان وتزيّا بزىّ الحجبة، فشقّ ذلك على أخيه.

وفيها بعث «1» السلطان محمد شاه برأس أحمد بن عبد الملك بن عطّاش مقدّم الباطنيّة، ورأس ولده. وكان ابن عطّاش هذا فى قلعة عظيمة بأصبهان. وفيها توفّى جعفر بن أحمد بن الحسين بن أحمد الشيخ أبو محمد السّراج القارئ البغدادىّ. ولد سنة ستّ عشرة وأربعمائة. وقرأ بالروايات وأقرأ سنين، وسافر إلى مصر والشام، وسمع الحديث وصنّف المصنّفات الحسان، منها كتاب «مصارع العشّاق» وغيره. وكان فاضلا شاعرا لطيفا. نظم «كتاب التنبيه» وغيره. ولم يمرض فى عمره سوى مرض الموت. ومن شعره: [السريع] يا ساكنى الدّير «2» حلولا به ... يطربهم فيه النواقيس قيسوا لنا القرب وكم بينه ... وبين أيّام النّوى قيسوا وفيها قتل السلطان محمد شاه بن ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقىّ وزيره سعد الملك، سعد بن محمد أبا المحاسن «3» ، واستوزر عوضه أبا نصر أحمد بن نظام الملك. وكان سبب قتله أنه بلغه أنّه دبّر عليه هو وجماعة، وكاتب أخاه سنجر شاه، فقبض عليه وصلبه وأصحابه. وفيها قتل أيضا الوزير فخر الملك علىّ بن الوزير نظام الملك حسن، وكنيته أبو المظفّر. كان استوزره بركياروق، ثم توجّه إلى نيسابور، فوزر إلى سنجر شاه. وثب عليه شخص فى زىّ الصوفيّة من الباطنيّة وناوله قصّة ثم ضربه بسكّين فقتله. قلت: وهكذا أيضا وقع لأبيه نظام الملك. حسب ما ذكرناه فى محلّه. فأخذ الباطنىّ وفصّل على قبر فخر الملك عضوا عضوا.

وفيها توفّى محمد بن إبراهيم أبو عبد الله الأسدىّ. ولد بمكّة سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، وسافر البلاد ولقى العلماء. وكان إماما فاضلا شاعرا. ومن شعره: [الخفيف] قلت ثقّلت «1» إذ أتيت مرارا ... قال ثقّلت كاهلى بالأيادى قلت طوّلت قال لا بل تطوّل ... ت وأبرمت قال حبل ودادى ورأيت هذين البيتين فى شرح البديعيّة لابن حجّة «2» فى القول بالموجب، ونسبهما لابن حجّاج. والله أعلم. وفيها توفّى الحافظ أبو الفتح أحمد بن محمد بن أحمد الحدّاد الإمام العالم المحدّث. مات فى ذى القعدة بأصبهان وله اثنتان وتسعون سنة. وفيها توفّى الشيخ الإمام أبو غالب محمد بن الحسن الكرخىّ الباقلّانىّ العالم المشهور. مات وله ثمانون سنة. وفيها توفّى أبو الكرم «3» المبارك بن فاخر النحوىّ البغدادىّ. كان إماما عالما بالنحو واللغة والعربيّة، وله مصنّفات حسان. وتوفّى ببغداد. وفيها توفّى سلطان المسلمين بالمغرب يوسف بن تاشفين اللّمتونىّ «4» صاحب المغرب، كان من عظماء ملوك الغرب.

ما وقع من الحوادث سنة 501

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثمانى أذرع وتسع أصابع. مبلغ الزيادة تسع عشرة ذراعا وإصبع واحدة. *** [ما وقع من الحوادث سنة 501] السنة السادسة من ولاية الآمر منصور على مصر وهى سنة إحدى وخمسمائة. فيها ظهرت ببغداد صبيّة عمياء تتكلّم عن أسرار الناس؛ فكانت تسأل عن نقوش الخواتم وما عليها، وألوان الفصوص، إلى غير ذلك. وفيها حاصر بغدوين الفرنجىّ صاحب القدس صيداء وضايقها. حسب ما ذكرناه فى أوّل هذه الترجمة. وفيها توفّى الحسين بن أحمد بن النّقّار الشيخ أبو طاهر. ولد بالكوفة ونشأ ببغداد. وكان أديبا شاعرا فاضلا. ومن شعره: [السريع] وزائر زار على غفلة ... وقد أماط الصبح ثوب الظلام راح وقد سهّلت الراح من ... أخلاقه ما كان صعب المرام وفيها قتل صدقة بن منصور بن دبيس بن مزيد الأمير أبو الحسن سيف الدولة صاحب الحلّة. كان كريما عفيفا عن الفواحش، وكانت داره ببغداد حرما للخائفين. لم يتزوّج غير امرأة واحدة فى عمره، ولا تسرى قطّ. قتل فى واقعة كانت بينه وبين عسكر السلطان محمد شاه. قلت: وكانت سيرته مشكورة، وخصاله محمودة وما سلم «1» من مذهب أهل الحلّة «2» ، فإنّ أباه كان من كبار الرافضة.

وفيها توفّى عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد الشيخ الإمام أبو المحاسن الرّويانىّ الطّبرىّ فخر الإسلام. ولد فى ذى الحجّة سنة خمس عشرة وأربعمائة، وتفقّه ببخارى مدة؛ وبرع فى مذهب الشافعىّ- رضى الله عنه- وله مصنّفات فى مذهبه منها كتاب «بحر المذهب» وهو أطول كتب الشافعيّة، وكتاب «مناصيص «1» الشافعىّ» وكتاب «الكافى» وصنّف فى الأصول والخلاف. وكان قاضى طبرستان؛ فقتلته الملاحدة فى يوم الجمعة حادى عشر المحرّم- ورويان: بلدة بنواحى طبرستان- وقيل: إنّه مات فى سنة اثنين وخمسمائة. وفيها توفّى يحيى بن علىّ بن محمد بن الحسن بن بسطام أبو زكريّاء الشّيبانى. التّبريزىّ الخطيب اللغوىّ. كان إماما فى علم اللّسان. رحل إلى الشام، وقرأ اللغة على أبى العلاء المعرّىّ، وسمع الحديث وحدّث؛ وأقرأ اللغة. ومات فى جمادى الآخرة، وله إحدى وثمانون سنة. وفيها توفّى الملك تميم بن المعزّ بن باديس صاحب إفريقية وما والاها من بلاد المغرب. امتدّت أيّامه وكان من أجلّ ملوك المغرب، أقام هو وأبوه المعزّ نحوا من مائة سنة وأكثر؛ ومات وله تسع وسبعون سنة. والصحيح أنه مات فى القابلة. حسب ما يأتى ذكره. وقد أثبت الذهبىّ وفاته فى هذه السنة. وفيها توفّى الشيخ المسلّك أبو محمد عبد الرحمن بن محمد الدّونىّ «2» الصوفىّ، أحد كبار مشايخ الصوفيّة فى شهر رجب. وكان له قدم فى علم التصوّف.

ما وقع من الحوادث سنة 502

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وخمس أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 502] السنة السابعة من ولاية الآمر منصور على مصر وهى سنة اثنتين وخمسمائة. فيها توفّى إسماعيل بن إبراهيم بن العبّاس بن الحسن الشريف أبو الفضل الحسينىّ الدمشقىّ المعروف بابن أبى الجنّ. كان فقيها فاضلا ثقة. ولى قضاء دمشق مدّة، وبها توفّى. وفيها توفّى ملك المغرب تميم بن المعزّ بن باديس أبو يحيى صاحب إفريقيّة، وينتهى نسبه إلى يعرب بن قحطان، قاله السمعانىّ. ولد سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، وعاش ثمانين سنة، وأقام فى الإمرة ستّا وأربعين سنة، وخلّف مائة ولد لصلبه، قاله صاحب مرآة الزمان؛ قال: لأنّه كان مغرى بالجوارى مع اهتمامه بالملك؛ وقيل: إنّه مات وله خمسون ولدا. وكان مقامه بالمهديّة. وكان عظيم القدر شاعرا جوادا ممدّحا. وله ديوان شعر. ومن شعره: [الكامل] ما بان عذرى فيه حتّى عذّرا «1» ... ومشى الدّجى فى خدّه فتحيّرا همّت تقبّله عقارب صدغه ... فأسلّ ناظره عليها خنجرا والله لولا أن يقال تغنى «2» ... وصبا وإن كان التّصابى أجدرا لأعدت تفّاح الخدود بنفسجا ... لثما وكافور الترائب عنبرا

ما وقع من الحوادث سنة 503

وله أيضا: [الطويل] أما والذي لا يعلم السّرّ غيره ... ومن هو بالسّر المكتّم أعلم لئن كان كتمان المصائب مؤلما ... لإعلامها عندى أشدّ وآلم وفيها توفّى الحسن العلوىّ أبو هاشم رئيس همذان. كان جوادا ممدّحا مموّلا شجاعا صاحب صدقات وصلوات. صادره السلطان محمد شاه السلجوقىّ على تسعمائة ألف دينار، أدّاها فى نيّف وعشرين يوما، ولم يبع فيها عقارا. وفيها توفّى الشيخ أبو القاسم علىّ بن الحسين الربعىّ البغدادىّ الفقيه المحدّث. مات فى شهر رجب. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وثمانى عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وستّ عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 503] السنة الثامنة من ولاية الآمر منصور على مصر وهى سنة ثلاث وخمسمائة. فيها كاتب السلطان محمد شاه السلجوقىّ الأمير سكمان بن أرتق صاحب أرمينية وأخلاط وميّافارقين، والأمير شرف الدّين مودودا صاحب الموصل، ونجم الدين إيلغازى صاحب ماردين بالاجتماع على جهاد الفرنج؛ فآجتمعوا وبدءوا بالرّهاء. وبلغ الفرنج، فاجتمع طنكرى صاحب أنطاكية، وابن صنجيل صاحب طرابلس، وبغدوين صاحب القدس، وتحالفوا هم أيضا على قتال المسلمين، وساروا؛ فكانت وقعة عظيمة نصر الله المسلمين فيها وغنموا منهم شيئا كثيرا.

ما وقع من الحوادث سنة 504

وفيها توفّى [عمر «1» بن] عبد الكريم بن سعدويه الحافظ ابو الفتيان الدّهستانىّ. كان إماما حافظا محدّثا، رحل البلاد وسمع الكثير، وروى عنه أبو بكر الخطيب وغيره، واتّفقوا على صدقه وثقته ودينه. ومات فى شهر ربيع الأول. وفيها توفّى وجيه «2» بن عبد الله بن نصر الأديب الفاضل أبو المقدام التّنوخىّ. كان شاعرا فصيحا. ولمّا أخربت الفرنج المعرّة، أنشد فى المعنى لمحمود بن علىّ: [الخفيف] هذه صاح «3» بلدة قد قضى اللّ ... هـ عليها كما ترى بالخراب وقّف العيس وقفة وابك من كا ... ن بها من شيوخها والشّباب واعتبر إن دخلت يوما إليها ... فهى كانت منازل الأحباب وفيها توفّى الشيخ الإمام أبو سعيد محمد بن محمد بن محمد الأصبهانىّ المعروف بالمطرّز. مات فى شوّال. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وثمانى عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وخمس أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 504] السنة التاسعة من ولاية الآمر منصور على مصر وهى سنة أربع وخمسمائة. فيها بنى الخليفة المستظهر بالله العباسىّ على الخاتون بنت ملكشاه السلجوقىّ أخت السلطان محمد شاه.

وفيها أيضا جهّز السلطان محمد شاه المذكور العساكر إلى الشام لقتال الفرنج، وندب جماعة من الملوك معهم، منهم شرف الدّين مودود صاحب الموصل، وقطب الدين سكمان بن أرتق صاحب ديار بكر فاجتمعوا ونزلوا على تلّ «1» باشر ينتظرون البرسقىّ صاحب همذان، فوصل إليهم وهو مريض، فاختلفت آراؤهم لأمور وقعت، ورجع كلّ واحد إلى بلاده. وفيها توفّى الأمير قطب الدّين سكمان بن أرتق- المقدّم ذكره- صاحب ديار بكر. عاد من الرّهاء مريضا فى محفّة حتّى وصل ميّافارقين فمات بها. وحمل تابوته من ميّافارقين إلى أخلاط فدفن به. وكان ملكا عادلا مجاهدا. وأبوه أرتق مات بالقدس. ونجم الدّين إيلغازى بن أرتق أخو سكمان المذكور هو الذي ولى بعده. توجّه إيلغازى المذكور إلى السلطان محمد شاه السلجوقىّ، فولاه شحنجية «2» العراق عوضا عن أخيه سكمان، ثم أخذ منه ماردين فى سنة ثمان وخمسمائة، وميّافارقين فى سنة اثنتى عشرة وخمسمائة، ثم أخذ منه حلب أيضا. ولسكمان هذا وقائع مع الفرنج كثيرة ومواقف. رحمه الله. وفيها توفّى علىّ بن محمد بن علىّ الشيخ الإمام العلّامة الفقيه العالم المشهور بالكيا الهرّاسىّ الشافعىّ العجمىّ. لقبه عماد «3» الدّين. كان من أهل طبرستان وخرج إلى نيسابور، وتفقّه على أبى المعالى الجوينىّ، وقدم بغداد ودرس بالنظاميّة ووعظ

وذكر مذهب الأشعرىّ، فرجم وثارت الفتن، واتّهم بمذهب الباطنيّة. فأراد السلطان قتله، فمنعه الخليفة المستظهر بالله وشهد له بالبراءة. وكانت وفاته فى يوم الخميس غرّة المحرم، ودفن عند الشيخ أبى إسحاق الشيرازىّ، وحضر لدفنه الشيخ أبو طالب الزّينبىّ وقاضى القضاة أبو الحسن الدامغانىّ- وكانا مقدّمى طائفة السادة الحنفية- فوقف أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال الدّامغانىّ متمثّلا بهذا البيت: [الوافر] وما تغنى النوادب والبواكى ... وقد أصبحت مثل حديث أمس وأنشد الزّينبىّ أيضا متمثّلا بهذا البيت: [الكامل] عقم النساء فما يلدن شبيهه ... إنّ النساء بمثله عقم ولمّا مات رثاه أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان الغزّىّ الشاعر المشهور ارتجالا بقصيدة أوّلها: [البسيط] هى الحوادث لا تبقى ولا تذر ... ما للبريّة من محتومها وزر لو كان ينجى علوّ من بوائقها ... لم تكسف الشمس بل لم يخسف القمر والكيا: بكسر الكاف وفتح الياء المثناة من تحتها وبعدها ألف. والهرّاسىّ معروف. والكيا بلغة الأعجام: الكبير القدر. وفيها توفّى أبو يعلى حمزة بن محمد الزّينبىّ أخو الإمام العالم طرّاد. مات فى شهر رجب وله سبع وتسعون سنة. وفيها توفّى الشيخ الإمام المقرئ أبو الحسين يحيى بن علىّ بن الفرج الخشّاب بمصر. كان عالم مصر ومقرئها. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وثلاث أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وأربع أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 505

*** [ما وقع من الحوادث سنة 505] السنة العاشرة من ولاية الآمر منصور على مصر وهى سنة خمس وخمسمائة. فيها عزل السلطان محمد شاه بن ملكشاه السلجوقىّ وزيره أحمد بن نظام الملك، وكانت وزارته أربع سنين وأحد عشر شهرا. وفيها توفّى الشيخ الإمام أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالىّ الطّوسىّ الفقيه الشافعىّ. كان إمام عصره. تفقّه على أبى المعالى الجوينىّ حتى برع فى عدّة علوم كثيرة، ودرس وأفتى، وصنّف التصانيف المفيدة فى الأصول والفروع، ودرّس بالنّظاميّة، ثم ترك ذلك كلّه ولبس الخام الغليظ، ولازم الصوم وحجّ وعاد، ثم قدم إلى القدس، وأخذ فى تصنيف كتابه «الإحياء» وتمّمه بدمشق. وله من المصنفات «البسيط» «والوسيط» «والوجيز» وله غير ذلك. وذكره ابن السمعانىّ فى الذيل فقال: ومن شعره: [الكامل] حلّت عقارب صدغه فى خدّه ... قمرا يجلّ بها عن التشبيه ولقد عهدناه يحلّ ببرجها ... ومن العجائب كيف حلّت فيه وفيها توفّى محمود بن علىّ بن المهنأ بن أبى المكارم الفضل بن عبد القاهر أبو سلامة المعرّىّ القائل فى حق المعرّة لما استولى عليها الفرنج الأبيات التى مرّت فى ترجمة وجيه بن عبد الله فى سنة ثلاث وخمسمائة التى أوّلها: [الخفيف] هذه صاح بلدة قد قضى اللّ ... هـ عليها كما ترى بالخراب وجد والد محمود هذا الفضل بن عبد القاهر هو القائل: [البسيط] ليلى وليلى نفى نومى اختلافهما ... بالطّول والطّول يا طوبى لو اعتدلا يجود بالطّول ليلى كلّما بخلت ... بالطّول ليلى وإن جادت به بخلا

ما وقع من الحوادث سنة 506

وفيها توفّى مقاتل بن عطيّة بن مقاتل الأمير شبل الدوله أبو الهيجاء البكرىّ من ولد أبى بكر الصدّيق رضى الله عنه. قال العماد الكاتب: «كان شبل الدولة من أولاد العرب، وقع بينه وبين إخوته خشونة ففارقهم، وسار إلى خراسان وغزنة ومدح أعيانها، واختصّ بنظام الملك الوزير» . انتهى كلام العماد. قلت وهو الذي رثى نظام الملك بقوله: [البسيط] كان الوزير نظام الملك لؤلؤة ... نفيسة صاغها الرحمن من شرف أضحت ولا تعرف الأيّام قيمتها ... فردّها غيرة منه إلى الصّدف أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وثلاث أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وأربع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 506] السنة الحادية عشرة من ولاية الآمر منصور على مصر وهى سنة ست وخمسمائة. فيها توفّى محمد بن موسى بن عبد الله اللّامشىّ «1» التركىّ الإمام الفقيه الحنفىّ، مصنّف «أصول الفقه» على مذهب أبى حنيفة رضى الله عنه. كان إماما عالما فقيها مفتنّا. ولى قضاء بيت المقدس مدّة. وكانت وفاته بدمشق فى يوم الجمعة ثالث عشر جمادى الآخرة. وسمّاه الذهبىّ البلاساغونىّ «2» الحنفىّ قاضى دمشق عدوّ الشافعيّة. وفيها توفّى قاضى القضاة أبو العلاء صاعد بن منصور النيسابورىّ الواعظ. كان إماما فقيها عالما واعظا، كان له لسان حلو فى الوعظ.

ما وقع من الحوادث سنة 507

وفيها توفّى الشيخ أبو سعد المعمّر بن علىّ [بن المعمّر «1» ] بن أبى عمامة الحنبلىّ الفقيه الواعظ، كان فقيه بغداد وواعظها. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثمانى أذرع وخمس عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وإصبعان. *** [ما وقع من الحوادث سنة 507] السنة الثانية عشرة من ولاية الآمر منصور على مصر وهى سنة سبع وخمسمائة. فيها توفّى إسماعيل بن أحمد بن الحسين بن علىّ بن موسى أبو علىّ البيهقىّ ولد أبى بكر «2» أحمد صاحب التصانيف. رحل البلاد، ولقى الشيوخ، وسكن خوارزم ودرس بها، ثم عاد إلى بيهق فتوفى بها. وكان إماما فاضلا صدوقا ثقة. وفيها توفّى الأمير رضوان ابن الأمير تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان بن داود ابن ميكائيل بن سلجوق بن دقماق السلجوقىّ المنعوت بفخر الملك صاحب حلب. ملكها بعد قتل أبيه تتش فى سنة ثمان وثمانين وأربعمائة. وكان غير مشكور السّيرة. قتل أخويه أبا طالب وبهرام؛ وقتل خواصّ أبيه. وهو أوّل من بنى بحلب دار الدعوة. وكان ظالما بخيلا شحيحا قبيح السّيرة، ليس فى قلبه رأفة ولا شفقة على المسلمين. وكانت الفرنج تغاور وتسبى وتأخذ من باب حلب ولا يخرج إليهم. ومرض أمراضا مزمنة، ورأى العبر فى نفسه، حتّى مات فى ثامن عشر جمادى

الاخرة، وملك بعده ابنه ألب أرسلان وعمره ستّ عشرة سنة، وقام بكفالته لؤلؤ الخادم. وفيها توفّى محمد بن أحمد بن الحسين أبو بكر الشّاشىّ الفقيه الشافعىّ. ولد سنة سبع وعشرين وأربعمائة، وكان يعرف بالمستظهرىّ، تفقّه بجماعة وقرأ على ابن الصّبّاغ «1» كتابه «2» «الشامل» ودرس بالنظاميّة. ومات فى شوّال، ودفن عند أبى إسحاق الشّيرازىّ. وكان كثيرا ما ينشد: [الوافر] تعلّم يافتى والعود رطب ... وطينك ليّن والطبع قابل فحسبك يا فتى شرفا وفخرا ... سكوت الحاضرين وأنت قائل وفيها توفّى محمد «3» بن أحمد بن محمد الإمام العلّامة أبو المظفّر الأبيوردىّ، وهو من ولد معاوية بن محمد بن عثمان بن عتبة بن عنبسة بن أبى سفيان صخر بن حرب. كان عالما بالأنساب وفنون اللغة والآداب، وسمع الحديث ورواه، وصنّف لأبيورد «4» تاريخا، وصنّف «المختلف والمؤتلف» فى أنساب العرب. وكان له الشعر الرائق. وكان فيه كبروتيه بحيث إنّه كان إذا صلّى يقول: اللهم ملّكنى مشارق الأرض ومغاربها. وكتب قصّة للخليفة وعلى رأسها «الخادم المعاوىّ» (يريد بذلك نسبه إلى

معاوية) . فأمر الخليفة بكشط الميم وردّ القصة؛ فبقيت «الخادم العاوى» . وكانت وفاته بأصبهان. ومن شعره وأجاد إلى الغاية: [الطويل] تنكّر لى دهرى ولم يدر أننى ... أعزّ وأحداث الزمان تهون وظلّ يرينى الخطب كيف اعتداؤه ... وبتّ أريه الصبر كيف يكون وفيها توفّى الأمير مودود صاحب الموصل. كان قدم الشام لمساعدة الأتابك ظهير الدين طغتكين وكسر الفرنج. وكان مودود هذا يدخل كلّ جمعة فيصلى بجامع دمشق ويتبرّك بمصحف عثمان رضى الله عنه. فدخل على عادته ومعه الأتابك طغتكين يمشى فى خدمته والغلمان حوله بالسيوف مسلّلة؛ فلمّا صار فى صحن الجامع وثب عليه رجل لا يؤبه له، وقرب من مودود هذا كأنّه يدعو له، وضربه بخنجر أسفل سرّته ضربتين، إحداهما نفذت إلى خاصرته، والأخرى إلى فخذه، والسيوف تأخذه من كلّ ناحية؛ وقطع رأسه ليعرف شخصه فما عرف. ومات مودود من يومه، وكان صائما فلم يفطر، وقال: والله ما ألقى الله إلّا صائما. وكان من خيار الملوك دينا وشجاعة وخيرا. ولمّا بلغ السلطان محمدا شاه السلجوقىّ موته أقطع الموصل والجزيرة لآق سنقر البرسقىّ، وأمره بتقديم عماد الدين زنكى والرجوع إلى إشارته. وزنكى هذا هو والد الملك العادل نور الدين محمود المعروف بالشهيد، المنشئ «1» لدولة بنى أيوب. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثمانى أذرع وخمس عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وإصبعان.

ما وقع من الحوادث سنة 508

*** [ما وقع من الحوادث سنة 508] السنة الثالثة عشرة من ولاية الآمر منصور على مصر وهى سنة ثمان وخمسمائة. فيها واطأ لؤلؤ خادم رضوان على قتل ابن أستاذه ألب أرسلان، ففتكوا به فى قلعة حلب. وفيها نزل الأمير نجم الدين إيلغازى بن أرتق على حمص، وفيها خيرخان «1» بن قراجا. وكان عادة نجم الدين إذا شرب الخمر وتمكّن منه أقام أيّاما مخمورا لا يفيق، لتدبيره، ولا يستأمر فى أمور. وعرف منه خيرخان هذه العادة فتركه حتّى سكر، فهجم عليه برجاله وهو فى خيمته، فقبض عليه وحمله إلى قلعة حمص وسجنه بها أيّاما، حتى أرسل إليه طغتكين يوبّخه ويلومه فأطلقه. وفيها هلك بغدوين الفرنجىّ صاحب القدس من جرح أصابه فى وقعة طبريّة، وأراح الله المسلمين منه، ومصيره إلى سقر. وفيها قتل الأمير أحمديل «2» الرّوّادى صاحب مراغة «3» ، قتله باطنىّ ضربه بسكّين فى دار السلطان محمد شاه ببغداد. وكان شجاعا جوادا، وكان يركب فى خمسة آلاف فارس. وكان إقطاعه أربعمائة ألف دينار فى السنة. وفيها توفّى علىّ بن محمد بن محمد بن محمد بن جهير الصاحب أبو القاسم الوزير ابن الوزير ابن الوزير، وزر لجماعة من الخلفاء غير مرّة. ومات فى سابع عشرين شهر ربيع الأوّل. وكان وزيرا عاقلا حليما سديد الرأى، حسن التدبير والثبات، من بيت رياسة ووزر. وفيها توفى الشريف الحسيب النسيب أبو القاسم علىّ بن إبراهيم الحسينىّ خطيب دمشق فى شهر ربيع الآخر. وكان فاضلا فصيحا خطيبا.

ما وقع من الحوادث سنة 509

وفيها توفّى الحافظ الفقيه أبو عبد الله أحمد بن محمد بن عبد الله الخولانىّ القرطبىّ، كان عالم بلاده ومفتيها. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وأربع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشر أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 509] السنة الرابعة عشرة من ولاية الآمر منصور على مصر وهى سنة تسع وخمسمائة. فيها صالح الأفضل أمير الجيوش مدبّر مملكة الآمر صاحب الترجمة بردويل الفرنجىّ صاحب القدس. وكان بردويل قد أخذ قافلة عظيمة من المسلمين بالسبخة المعروفة الآن بسبخة «1» بردويل. فرأى الأفضل مهادنته لعجزه عنه، وأمر الناس بذلك، وساروا إلى الشام وغيره. وفيها توفّى علىّ بن جعفر بن القطّاع «2» أبو القاسم السعدىّ الصقلىّ، من أولاد كبار علماء صقلّية. وقدم مصر ومدح الأفضل أمير الجيوش. وكان شاعرا بارعا. ومن شعره: [الطويل] ألا فليوطّن نفسه كلّ عاشق ... على سبعة محفوفة بغرام رقيب وواش كاشح ومفنّد ... ملحّ ودمع واكف وسقام «3»

وفيها توفّى محمد بن علىّ- وقيل محمد بن محمد- بن صالح الشيخ الأديب أبو يعلى العبّاسىّ المعروف بابن الهبّاريّة «1» الشاعر البغدادىّ. كان فيه إقدام بالهجو على أرباب المناصب. وقدم أصبهان وبها السلطان ملكشاه السلجوقىّ ووزيره نظام الملك حسن الطّوسىّ، فدخل على النظام المذكور ومعه رقعتان، رقعة فيها هجوه والأخرى فيها مدحه؛ فأعطاه التى فيها الهجو يظنّ أنها التى فيها المدح. وكان الهجو: [الكامل] لا غرو أن ملك ابن إس ... حاق وساعده القدر وصفا لدولته وخص ... أبا المحاسن «2» بالكدر فالدهر كالدّولاب لي ... س يدور إلّا بالبقر - وأبو المحاسن الذي أشار إليه كان صهر نظام الملك، وكان بينهما عداوة- فكتب نظام الملك: يصرف لهذا القوّاد رسمه مضاعفا. ثم هجاه بعد ذلك فأهدر دمه. قال العماد الكاتب: كان ابن الهبّاريّة من شعراء نظام الملك، غلب على شعره الهجاء والهزل والسّخف، وسلك فى قالب ابن «3» حجّاج وفاقه فى الخلاعة والمجون. ومن شعره أيضا: [الكامل] وإذا البيادق فى الدّسوت تفرزنت ... فالرأى أن يتبيدق الفرزان وإذا النفوس مع الدنوّ تباعدت ... فالحزم أن تتباعد الأبدان خد جملة البلوى ودع تفصيلها ... ما فى البريّة كلّها إنسان قلت: وابن الهبّاريّة هذا هو صاحب «الصادح «4» والباغم» .

ما وقع من الحوادث سنة 510

وفيها توفّى الحافظ البارع أبو شجاع شيرويه بن شهردار «1» بن شيرويه الديلمىّ الهمذانى بهمذان. كان إماما حافظا، سمع الكثير ورحل البلاد وحدّث، وكان من أوعية العلم. وفيها توفّى- فى قول الذهبىّ- الأمير يحيى بن تميم بن المعزّ بن باديس صاحب بلاد المغرب. وقد تقدّم ذكر أبيه وجدّه فى هذا الكتاب. كان ملك بعد أبيه تميم فى سنة اثنتين وخمسمائة إلى أن مات فى هذه السنة رحمه الله. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وسبع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا سواء. *** [ما وقع من الحوادث سنة 510] السنة الخامسة عشرة من ولاية الآمر منصور على مصر وهى سنة عشر وخمسمائة. فيها قتل الأمير لؤلؤ الذي كان قتل ابن أستاذه ألب أرسلان. والصحيح أنّه قتل فى الآتية. وفيها حجّ بالناس أمير الجيوش الجيوشى الحبشىّ المستظهرى العباسىّ، ودخل مكّة وعلى رأسه الأعلام وخلفه الكوسات «2» والبوقات والسيوف فى ركابه، وقصد بذلك إذلال «3» أمير مكة والسودان؛ فوقع له بمكة أمور، ولم يقاومه أحد.

وفيها توفّى محمد بن علىّ بن ميمون الحافظ أبو الغنائم بن النّرسىّ الكوفىّ، محدّث مشهور ويعرف بأبىّ «1» لأنّه كان جيّد القراءة، وسمع الحديث الكثير وسافر البلاد، وختم به علم الحديث بالكوفة. قال محمد بن ناصر: ما رأيت مثل أبى الغنائم فى ثقته «2» وحفظه، ما كان أحد يقدر أن يدخل فى حديثه ما ليس منه. وعاش ستا وثمانين سنة. وفيها توفّى محفوظ بن أحمد بن الحسن أبو الخطّاب الكلواذانىّ «3» الفقيه الحنبلىّ. تفقّه على القاضى أبى يعلى، وسمع الحديث وحدّث وأفتى ودرّس، وصنّف «الهداية «4» » وغيرها، وشهد عند قاضى القضاة أبى عبد الله الدّامغانىّ الحنفىّ. وكان فاضلا شاعرا. وله قصيدة «5» من جنس العقيدة؛ أولها: [الكامل] دع عنك تذكار الخليط المنجد ... والشّوق نحو الآنسات الخرّد والنوح فى أطلال سعدى إنّما ... تذكار سعدى شغل من لم يسعد وله أيضا من غير هذه القصيدة: [الوافر] لئن جار الزمان علىّ حتّى ... رمانى منه فى ضنك وضيق فإنّى قد خبرت له صروفا ... عرفت بها عدوّي من صديقى ومات وله ثمان وسبعون سنة.

ما وقع من الحوادث سنة 511

وفيها توفى المسند المعمّر أبو بكر عبد الغفّار بن محمد الشّيرويىّ «1» ، مسند نيسابور فى ذى الحجة، وله ستّ وتسعون سنة، ورحل إليه الناس من الأقطار. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وتسع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وست أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 511] السنة السادسة عشرة من ولاية الآمر منصور على مصر وهى سنة إحدى عشرة وخمسمائة. فيها زلزلت بغداد يوم عرفة زلزلة عظيمة ارتجّت لها الدنيا؛ فكانت الحيطان تذهب وتجىء، ووقع الدّور على أهلها فمات تحتها خلق كثير. ثم كان عقبها موت السلطان محمد شاه السّلجوقى، ثم موت الخليفة المستظهر العباسىّ فى السنة الآتية، وحارب دبيس بن مزيد الخليفة المسترشد بالله، وغلت الأسعار حتى بلغ الكرّ القمح أو الدقيق ثلثمائة دينار، وفقد أصلا، ومات الناس جوعا، وأكلوا الكلاب والسنانير. ثم جاء سيل عظيم فأخرب سنجار «2» . قال ذلك صاحب مرآة الزمان. وفيها نزل آق سنقر البرسقى على حلب وبها يارقتاش «3» الخادم بعد لؤلؤ، فحاصرها فلم يظفر منه بطائل، وعاد إلى الموصل.

وفيها توفّى محمد بن سعيد بن إبراهيم بن نبهان أبو علىّ الكاتب سبط هلال ابن المحسّن الصابئ المقدّم ذكره، مات فى شوّال ودفن بداره بالكرخ. وكان فاضلا فصيحا شاعرا، إلّا أنّه كان شيعيّا رافضيّا. ومن شعره: [السريع] لى أجل قدّره خالقى ... نعم ورزق أتوفّاه حتّى إذا استوفيت منه الذي ... قدّر لى لم أتعدّاه وفيها توفّى السلطان محمد شاه ابن السلطان ملكشاه ابن السلطان ألب أرسلان ابن داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقماق، أبو شجاع غياث الدين السّلجوقىّ. كان ملكا عادلا مهيبا شجاعا كريما. خرج فى السنة الماضية إلى أصبهان، فمرض بها مرضا طال به إلى أن مات فى حادى عشر ذى الحجّة، وعمره سبع وثلاثون سنة، ومدّة ملكه بعد وفاة أخيه بركياروق اثنتا عشرة سنة. وخلّف خمسة أولاد: مسعودا ومحمودا وطغرل وسليمان وسلجوق. وولى السلطنة من بعده ولده محمود. وفيها توفّى يمن بن عبد الله الخادم أبو الخير الحبشى خادم المستظهر العباسىّ. كان مهيبا جوادا حسن التدبير ذا رأى وفطنة، مات بأصبهان. وفيها توفّى المحدّث الفاضل أبو طاهر عبد الرحمن بن أحمد بن عبد القادر [ابن محمد «1» ] بن يوسف راوى سنن الدّار قطنىّ. كان من كبار المحدّثين. وفيها توفّى الشيخ الإمام الفقيه الواعظ الحافظ أبو زكرياء يحيى بن عبد الوهاب ابن مندة «2» بأصبهان. سمع الكثير ورحل البلاد وبرع فى فنون وحدّث، وروى عنه غير واحد.

ما وقع من الحوادث سنة 512

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع واثنتا عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وتسع عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 512] السنة السابعة عشرة من ولاية الآمر منصور على مصر وهى سنة اثنتى عشرة وخمسمائة. فيها فى يوم الجمعة ثالث عشرين المحرّم خطب ببغداد لمحمود بن محمد شاه السلجوقىّ بعد موت أبيه على المنابر. وفيها توفّى الخليفة أمير المؤمنين المستظهر بالله أبو العبّاس أحمد ابن الخليفة المقتدى بالله أبى القاسم عبد الله ابن الأمير محمد الذخيرة ابن الخليفة القائم بأمر الله أبى جعفر عبد الله ابن الخليفة القادر بالله أحمد ابن الأمير إسحاق ابن الخليفة المقتدر بالله جعفر ابن الخليفة المعتضد بالله أبى العباس أحمد ابن الأمير الموفّق طلحة ابن الخليفة المتوكّل على الله جعفر ابن الخليفة المعتصم بالله محمد ابن الخليفة الرشيد بالله هارون ابن الخليفة المهدىّ بالله محمد ابن الخليفة أبى جعفر المنصور بن محمد بن علىّ ابن عبد الله بن عبّاس العبّاسىّ الهاشمىّ البغدادىّ. وأمّه أمّ ولد تركيّة تسمّى الطن «1» . بويع بالخلافة بعد موت أبيه المقتدى بالله فى ثامن عشر المحرّم سنة تسع وثمانين وأربعمائة، وعمره سبع عشرة سنة وشهران. وكان ميمون الطّلعة حميد الأيّام. قال ابن الأثير: كان ليّن الجانب، كريم الأخلاق، يسارع فى أعمال البرّ، وكانت أيّامه أيّام سرور للرعيّة، فكأنّها من حسنها أعياد. وكان حسن الخطّ جيّد

التوقيعات لا يقار به فيها أحد، تدلّ على فضل غزير وعلم واسع. ومات بعلّة التّراقى وهى دمّل يطلع فى الحلق. ومن شعره: [البسيط] أذاب حرّ الهوى فى القلب ما جمدا ... يوم «1» مددت إلى رسم الوداع يدا وكيف أسلك «2» نهج الاصطبار وقد ... أرى طرائق فى مهوى الهوى قددا وكانت خلافته خمسا وعشرين سنة وأيّاما. ولم تصف له الخلافة، بل كانت أيّامه مضطربة كثيرة الحروب. وتولّى الخلافة من بعده ابنه المسترشد. وفيها خرجت والدة السلطان محمود بن محمد شاه من أصبهان إلى السلطان سنجر شاه، فلقيها ببلخ فأكرمها. فقالت له: أدرك ابن أخيك وإلّا تلف، فإنّ الأموال قد تمزّقت، والبلاد قد أشرفت على الأخذ، وهو صبىّ وحوله من يلعب بالملك. فقال لها: سمعا وطاعة. وكان وزير محمود ومدبّر مملكته أبو القاسم، وكان سيئ التدبير ظالما، وكان يخاف من مجىء سنجر شاه المذكور إلى البلاد؛ فأنفق ما فى خزائن محمد شاه فى أربعة أشهر، وباع الجواهر [والأثاث] وأنفقه «3» فى العساكر فلم يفده ذلك، على ما سيأتى ذكره. وفيها توفّى بكر بن محمد بن علىّ بن الفضل بن الحسن بن أحمد بن إبراهيم، الإمام الفقيه الحافظ المحدّث أبو الفضل الأنصارىّ الزّرنجرىّ- وزرنجر: قرية على خمسة فراسخ من بخارى- سمع الحديث الكثير من جماعة كثيرة، وتفرّد بالرواية عن جماعة منهم، لم يحدّث عنهم غيره. وكان بارعا فى الفقه يضرب به المثل، ويقولون: هو أبو حنيفة الصغير. وكان إذا طلب منه أحد من المتفقهة الدرس ألقى

عليه من أىّ موضع أراد من غير مطالعة ولا نظر فى كتاب، وكان إذا أشكل على الفقهاء شىء رجعوا إلى قوله ونقله. وفيها توفّى الحسين بن محمد بن علىّ بن الحسن الإمام العلّامة أبو طالب الزينبىّ الحنفىّ فريد عصره. ولد سنة عشرين وأربعمائة، وقرأ القرآن وسمع الحديث وبرع فى الفقه وأفتى ودرّس. انتهت إليه رياسة السادة الحنفيّة فى زمانه ببغداد، ولقّب بنور الهدى. وترسّل إلى ملوك الأطراف من قبل الخليفة، وولى نقابة الطالبيّين والعباسيّين. وكان شريف النفس والحسب، كثير العلم جليل القدر. ومات يوم الاثنين حادى عشر صفر، وصلّى عليه ابنه القاسم، وحمل إلى قبّة أبى حنيفة فدفن داخل القبّة، وله اثنتان وتسعون سنة. وكان سمع من غيلان وغيره، وانفرد ببغداد بروايته صحيح البخارىّ عن كريمة بنت «1» أحمد. وفيها توفّى محمد بن عتيق بن محمد التميمىّ القيروانىّ. قدم الشام مجتازا إلى العراق. وكان يقرئ علم الكلام بالنّظاميّة، وكان يحفظ كتاب سيبويه. وسمع يوما قائلا ينشد أبيات أبى العلاء المعرّى: [الطويل] ضحكنا وكان الضّحك منّا سفاهة ... وحقّ لسكّان البسيطة أن يبكوا وتحطمنا الأيّام حتّى كأنّنا ... زجاج ولكن لا يعاد لنا سبك فقال مجيبا: كذبت وبيت الله حلفة صادق ... سيسبكنا بعد النّوى من له الملك ونرجع أجساما صحاحا سليمة ... تعارف فى الفردوس ما عندنا شكّ

ما وقع من الحوادث سنة 513

وفيها توفّى أبو الفضل «1» بن الخازن الشاعر المشهور. كان ديّنا فاضلا شاعرا. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع سواء. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وأربع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 513] السنة الثامنة عشرة من ولاية الامر منصور على مصر وهى سنة ثلاث عشرة وخمسمائة. فيها قدم السلطان سنجر شاه السلجوقىّ الرىّ وملكها؛ واصطلح مع ابن أخيه محمود بن محمد شاه بعد حروب، وزوّجه ابنته، وأقرّه على ملكه. وفيها وقعت المباينة بين الآمر خليفة مصر (أعنى صاحب الترجمة) وبين مدبّر مملكته الأفضل بن أمير الجيوش؛ واحتجب الآمر عنه وتعلّل بمرض. واجتهد الأفضل أن يغتاله بالسمّ فلم يقدر، ودسّ إليه السمّ مرارا فلم يصل إليه. وكان للآمر قهرمانة كاتبة فاضلة تعرف أنواع العلوم: الطب والنجوم والموسيقى، حتّى كانت تعمل التحويلات وتحكم على الحوادث، فاحترزت على الآمر؛ ولم تزل تدبّر على الأفضل بن أمير الجيوش حتى قتل، حسب ما يأتى ذكره. قال ابن القلانسىّ: وفيها ظهرت صور الأنبياء عليهم السلام: الخليل وولديه إسحاق ويعقوب «2» - صلوات الله عليهم- وهم مجتمعون فى مغارة بأرض بيت المقدس، وكأنّهم أحياء لم يبل لهم جسد ولا رمّ لهم عظم، وعليهم قناديل من ذهب وفضّة معلّقة، فسدّوا باب المغارة وأبقوا على حالهم.

وفيها توفّى علىّ بن محمد بن علىّ بن محمد بن الحسن بن عبد الملك بن حمّويه قاضى القضاة أبو الحسن الدامغانىّ الحنفىّ. ولد فى رجب سنة تسع وأربعين وأربعمائة، وقلّد القضاء وهو ابن ستّ عشرة سنة بعد موت أبيه؛ وولى القضاء لأربعة خلفاء. وهذا لم يقع لغيره إلّا للقاضى شريح. وأمّا القاضى أبو طاهر محمد ابن أحمد الكوفىّ فذاك ولى لخمسة خلفاء. قلت: الشيء بالشيء يذكر؛ وهذا قاضى قضاة زماننا، جلال الدين عبد الرحمن بن عمر البلقينىّ، ولى القضاء لستة سلاطين: الناصر فرج، والمنصور عبد العزيز ابنى الظاهر برقوق، والخليفة المستعين بالله العباسى، والمؤيّد شيخ، وابنه المظفّر أحمد، والظاهر ططر. ووقع مثل هذا كثير فى آخر الزمان؛ والمقصود غير ذلك. وكان الدامغانىّ إماما عالما عفيفا ديّنا معظّما عند الخلفاء والملوك. وناب عن الوزارة، وانفرد بأخذ البيعة للخليفة المسترشد. وكان ذا مروءة وصدقات وإحسان، ومعرفة بصناعتى القضاء والشروط. ومات ليلة رابع عشر المحرّم، ودفن فى مشهد أبى حنيفة- رضى الله عنه- وعاش ثلاثا وستين سنة وأشهرا. ولى القضاء منها تسعا وعشرين سنة وخمسة أيّام. وسمع الحديث من القاضى أبى يعلى الفرّاء والخطيب وغيرهما، وكان صدوقا ثقة. وفيها توفّى الإمام العلّامة أبو الوفاء علىّ بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادىّ الحنبلىّ شيخ الحنابلة فى عصره. كان إماما عالما صالحا مفتنّا؛ ومات ببغداد وله اثنتان وثمانون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ست أذرع واثنتان وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وسبع أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 514

*** [ما وقع من الحوادث سنة 514] السنة التاسعة عشرة من ولاية الآمر منصور على مصر وهى سنة أربع عشرة وخمسمائة. فيها خطب ببغداد لسنجر شاه السلجوقىّ ولابن أخيه محمود بن محمد شاه جميعا فى المحرّم، ولقب سنجر شاه بالسلطان عضد الدولة، ومحمود بجلال الدولة. وفيها توفّى الحسين «1» بن علىّ بن محمد الإمام العلّامة مؤيّد الدين الطّغرائىّ الكاتب وزير السلطان محمود بن محمد شاه السلجوقىّ، المقدّم ذكره، والطغرائى هذا جدّ محمد بن الحسين وزير الظاهر غازى ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب. وكان السلطان محمود نسب خروج أخيه مسعود عليه إلى الطّغرائىّ فقتله. وقال الذهبىّ: وزير السلطان مسعود قتل فى المصافّ بين مسعود وأخيه محمود. وكان أفصح الفصحاء، وأفضل الفضلاء، وأمثل العلماء؛ وهو صاحب «لاميّة العجم» ، وديوانه مشهور بأيدى الناس. ومن شعره يمدح الوزير نظام الملك على قافيتين «2» : [الكامل] يا أيّها المولى الذي اص ... طنع الورى، شرقا وغربا والقصيدة كلها على هذا المنوال.

ما وقع من الحوادث سنة 515

ومن شعره أيضا: [السريع] قوموا إلى لذّاتكم يا نيام ... ونبّهوا العود وصفّوا المدام هذا هلال الفطر قد جاءنا ... بمنجل يحصد شهر الصيام وفيها توفى الحافظ أبو منصور محمود بن إسماعيل الأشقر الأصبهانىّ عالم أصبهان ومحدّثها، مات فى ذى القعدة. وفيها توفّى الشيخ الإمام المقرئ أبو الحسن عبد العزيز بن عبد الملك بن شفيع الأندلسىّ المرىّ «1» المقرئ المجوّد. كان رأسا فى علوم القرآن، وأفاد وأقرأسنين. وفيها توفّى الشيخ أبو الحسن علىّ بن الحسن بن الموازينىّ العالم المحدّث المشهور. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم تسع أذرع واثنتا عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وإصبع واحدة. *** [ما وقع من الحوادث سنة 515] السنة العشرون من ولاية الآمر منصور على مصر وهى سنة خمس عشرة وخمسمائة. فيها كتب الخليفة المسترشد بالله العباسىّ والسلطان محمود بن محمد شاه السلجوقىّ إلى إيلغارى يأمرانه بإبعاد بيس بن صدقة، وفسخ الكتاب الذي عقده له على ابنته.

وفيها توفّى عبد الرزّاق بن عبد الله بن علىّ بن إسحاق الطوسىّ ابن أخى نظام الملك. كان فاضلا، تفقّه على أبى المعالى الجوينىّ، وأفتى وناظر، ووزر للسلطان سنجر شاه السلجوقىّ. ومات بنيسابور. وفيها توفّى محمد بن محمد بن عبد العزيز أبو علىّ بن المهتدى الخطيب. كان فاضلا، شهد عند القاضى أبى عبد الله الدامغانىّ الحنفىّ، وكان ظريفا صالحا ديّنا. ومات فى شوّال، ودفن بباب حرب من بغداد. وفيها قتل الأفضل شاهنشاه أمير الجيوش أبو القاسم بن أمير الجيوش بدر الجمالىّ الأرمنىّ وزير مصر ومدبّر ممالكها. ولى مملكة مصر بعد موت أبيه بدر الجمالىّ فى أيّام المستعلى إلى أن مات المستعلى؛ فأقام الأفضل هذه ولده مكانه فى الخلافة، ولقّبه بالآمر (أعنى صاحب الترجمة) ودبّر دولته وحجر عليه. وكان الخليفة المستنصر جدّ الآمر هذا وولده المستعلى والد الآمر كلاهما أيضا تحت حجر بدر الجمالى والد الأفضل هذا. فلمّا ملك الأفضل سار على سيرة أبيه مع الخلفاء من الحجر والتضييق عليهم. وزاد الأفضل هذا فى حقّ الآمر صاحب الترجمة حتّى إنّه منعه من شهواته، وأراد قتله بالسّم. فحمله ذلك على قتله، واتّفق الآمر مع جماعة، وكان الأفضل يسكن بمصر؛ فلمّا ركب فى غير موكب وثبوا عليه وقتلوه فى سلخ شهر رمضان بعد أمور وقعت. وخلّف الأفضل من الأموال والنقود والقماش والمواشى ما يستحيا من ذكره كثرة. وقد ذكرنا ذلك فى «كتاب الوزراء» وهو محلّ الإطناب فى الوزراء، وليس لذكره هنا محلّ. والمقصود فى هذا الكتاب تراجم ملوك مصر لا غير، وما عدا ذلك يكون على سبيل الاستطراد. قال ابن الأثير: كانت ولايته (يعنى الأفضل) ثمانيا وعشرين سنة، وكان حسن السيرة عادلا. ثم أخذ فى تعداد أمواله.

ما وقع من الحوادث سنة 516

وفيها توفّى الإمام الحافظ المحدّث أبو محمد الحسين بن مسعود البغوىّ المعروف بابن الفرّاء. كان إماما حافظا، رحل إلى البلاد وسمع الكثير وحدّث وألّف وصنّف. وكان يقال له محيى السنة. ومات فى شوّال. وفيها توفّى الحافظ أبو محمد عبد الله بن أحمد بن عمر «1» السّمرقندىّ الإمام الحافظ المشهور. سمع الكثير وروى عنه غير واحد، وكان صدوقا ثقة دينّا. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وأربع أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشر أصابع، وقيل: خمس أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 516] السنة الحادية والعشرون من ولاية الآمر منصور على مصر وهى سنة ست عشرة وخمسمائة. فيها كانت وقعة عظيمة بين الأمير إيلغازى بن أرتق صاحب ماردين وبين الكفّار على تفليس، فعاد مريضا فمات بعد أيّام. ذكر وفاته- هو نجم الدين إيلغازى بن أرتق صاحب ماردين وديار بكر وحلب، وهو ثالث من ظهر أمره من ملوك بنى أرتق الأعيان. وكان ملكا شجاعا جوادا، له غزوات ومواقف مشهورة مع الفرنج. وكانت وفاته فى هذه السنة عند عوده من تفليس بميافارقين فى شهر رمضان. وذكر الذهبىّ وفاته فى الخالية؛ والأصحّ ما قلناه؛ فإنّه عاد إلى ميّافارقين مريضا، فنزل بظاهرها ومعه زوجته الخاتون بنت الأمير ظهير الدين طغتكين صاحب دمشق؛ فمات يوم الخميس سابع عشر شهر

رمضان فى قرية تعرف بالفحول؛ فحمل تابوته إلى ميّافارقين. وكان عنده ابنه شمس الدولة سليمان فاستولى على ميّافارقين؛ واستولى ابنه الآخر حسام الدولة تمرتاش «1» على ماردين. وفيها توفّى عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سليمان أبو محمد والد أبى اليسر شاكر التنوخىّ المعرّىّ. ولد بالمعرّة، وقرأ الأدب، وقال الشعر. ومن شعره: [الكامل] يا من تنكّب قوسه وسهامه ... وله من اللّحظ السقيم سيوف يغنيك عن حمل السلاح إلى العدا ... أجفانك المرضى وهنّ حتوف وفيها توفّى عبد الله بن يحيى بن البهلول الأندلسىّ. كان أصله من مدينة سر قسطة من الغرب، وكان فاضلا أديبا شاعرا. ومن شعره قوله: [الطويل] ولست بمن يبغى على الشعر رشوة ... أبّى ذاك لى جدّ كريم ووالد وإنّى من قوم قديما ومحدثا ... تباع عليهم بالألوف القصائد وفيها توفّى الحسين بن مسعود بن محمد الشيخ الإمام العلّامة أبو محمد البغوىّ الشافعىّ المعروف بابن الفرّاء، الفقيه المحدّث المفسر. وقد تقدّم ذكر وفاته فى الماضية. والصحيح أنّه مات فى هذه السنة. وهو مصنّف «شرح السنّة» و «معالم التنزيل» و «المصابيح» وكتاب «التهذيب فى الفقه» «والجمع بين الصحيحين» . وكان أبوه يعمل الفراء ويبيعها. ومات بمرو الرّوذ فى شوّال.

وفيها توفّى عبد الرحمن بن أبى بكر عتيق بن خلف أبو القاسم الصّقلّىّ المقرئ المجوّد المعروف بابن الفحّام، مصنّف «التجريد «1» » فى القراءات السبع. كان من كبار شيوخ القرّاء، سكن الإسكندريّة، وقصده الناس من النواحى لعلوّ إسناده وإتقانه. وفيها توفّى القاسم بن علىّ بن محمد بن عثمان الشيخ الإمام العلّامة الأديب اللغوىّ النحوىّ أبو محمد البصرىّ الحرامىّ الحريرىّ، مصنّف «المقامات» . كان يسكن بنى حرام «2» أحد محالّ البصرة مما يلى الشطّ. مولده ومرباه بقرية المشان «3» من أعمال البصرة فى حدود سنة ستّ وأربعين وأربعمائة، وكان أحد أئمة عصره فى الأدب والبلاغة والفصاحة، وله مصنّفات كثيرة، منها كتاب «المقامات» الذي لا نظير له فى معناه، وقد سلك فيه منوال بديع الزمان صاحب المقامات الذي عملها قبل الحريرىّ؛ وقد تقدّم ذكره فى هذا الكتاب فى محلّه. وفى مقامات الحريرى هذا يقول إمام الدنيا محمود الزمخشرىّ: [السريع] أقسم بالله وآياته ... ومعشر الحجّ وميقاته إنّ الحريرى حرىّ بأن ... نكتب بالتّبر مقاماته ومن شعر الحريرىّ: [البسيط] لا تخطونّ إلى خطء ولا خطأ ... من بعد ما الشيب فى فوديك قد وخطا وأىّ عذر لمن شابت ذوائبه ... إذا سعى فى ميادين الصّبا وخطا وقد أرّخ الذهبىّ وفاته فى السنة الماضية. والله أعلم

ما وقع من الحوادث سنة 517

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ست أذرع وست وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وثلاث أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 517] السنة الثانية والعشرون من ولاية الآمر منصور على مصر وهى سنة سبع عشرة وخمسمائة. فيها قبض السلطان محمود السلجوقىّ على وزيره عثمان بن نظام الملك، وبعث الخليفة بعزل أخيه أحمد عن وزارته. فبلغ أحمد فانقطع عن الديوان. وفيها سار الأمير نور الدولة بلك [بن بهرام «1» ] بن أرتق إلى غزو مدينة الرّهاء فى شهر رجب. وفيها توفّى الأمير الحاجب فيروز شحنة دمشق. وكان أميرا صالحا ديّنا، وله آثار جميلة بدمشق وغيرها. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن علىّ أبو عبد الله بن الخيّاط التغلبىّ الدمشقىّ الكاتب الشاعر المجيد، طاف البلاد ومدح الأكابر والملوك؛ قيل: إنّه دخل حلب فى حداثة سنّه، فقصد دار أبى الفتيان بن حيّوس الشاعر وقد أسنّ، قال: فدخلت عليه؛ فقال: من أين أنت؟ فقلت: من دمشق. فقال: ما صناعتك؟ قلت: الشعر. قال: فأنشدنى من شعرك. فأنشدته قولى: [الكامل] لم يبق عندى ما يباع بحبّة ... وكفاك شاهد منظرى عن مخبرى إلّا صبابة ماء وجه صنتها ... من أن تباع وأين أين المشترى

قال: نعيت إلىّ نفسى. قلت: ولم؟ قال: لأنّ الشام لا تخلو من شاعر مجيد، ولا يجتمع فيها شاعران، وأنت موازنى فى هذه الصناعة. ثم أعطانى دنانير وكسوة. ومن شعره أيضا قوله فى جواب كتاب: [البسيط] وافى كتابك أسنى ما يعود به ... وفد المسّرة منّى إذ يوافينى فظلت أطويه من شوق وأنشره ... والشوق ينشرنى فيه ويطوينى وفيها قتل الوزير عثمان بن نظام الملك. كان استوزره السلطان محمود بن محمد شاه السلجوقىّ؛ فبعث عمّه سنجر شاه السلجوقىّ يطلبه. فقال أبو نصر المستوفى: متى بعثت به حيّا إلى عمّك سنجر شاه لم تأمنه، اقتله وابعث إليه برأسه. فبعث عنبرا الخادم إليه ليقتله. فعرف عثمان وقال: أمهلنى حتّى أصلّى ركعتين؛ فقام وصلّى وقال لعنبر: أرنى «1» سيفك ما أراه إيّاه، سيفى أمضى منه، فلا تقتلنى إلّا به؛ وناوله إيّاه فقتله به. فلمّا كان بعد قليل بعث السلطان محمود إلى أبى نصر المستوفى من فعل به كذلك، وذبحه ذبح الشاة. قلت: الجزاء من جنس العمل. وفيها توفّى عبد المنعم بن حفاظ «2» بن أحمد بن خلف المحدّث أبو البركات الأنصارىّ الدمشقىّ، ويعرف بابن البقلىّ. كان جوادا فاضلا، سمع الكثير؛ واستوزره خير خان «3» بن قراجا صاحب حمص؛ ثم بلغه أنه كاتب طغتكين صاحب دمشق، فقبض عليه وكحله، فرجع إلى دمشق أعمى، فأقام بها حتّى مات. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثمانى أذرع وعشر أصابع. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وعشر أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 518

*** [ما وقع من الحوادث سنة 518] السنة الثالثة والعشرون من ولاية الآمر منصور على مصر وهى سنة ثمانى عشرة وخمسمائة. فيها عزم دبيس على قصد بغداد؛ وكان دبيس قد التجأ إلى طغرل بن محمد شاه السلجوقىّ. فتأهّب الخليفة المسترشد بالله للقائهما، وجمع الجيوش من كلّ جانب؛ ثم ترك دبيس المجىء فى هذه السنة لأمر ما. وفيها كاتب أهل حلب آق سنقر صاحب الموصل؛ فسار إلى حلب فسلمها إليه أهلها، وهرب منها الأمير سكمان بن أرتق؛ فساق آق سنقر البرسقىّ خلفه، فلحقه بمنبج فقتله. وفيها استولت الفرنج على صور بالأمان بعد أمور وحروب ذكرناها فى أوّل ترجمة الآمر هذا. وفيها توفّى عبد الله بن محمد بن علىّ بن محمد القاضى أبو جعفر الدّامغانىّ الحنفىّ، شهد عند أبيه، ثم ولى قضاء الكرخ من قبل أخيه، ثم ترك ذلك ورمى الطيلسان وولى حجبة باب النوبىّ للخليفة؛ وعظم ذلك على أخيه. وكان فاضلا كريم الأخلاق حسن العشرة خليقا بالرياسة. وفيها توفّى محمد بن نصر بن منصور أبو سعد القاضى الهروىّ. كان فى بداءة أمره فقيرا حتّى اتّصل بالخليفة، وصار سفيرا بينه وبين الملوك. واستشهد هو وولده بهمذان، وكانت له اليد الباسطة فى النظم والنثر. ومن شعره: [الوافر] أودّعكم وأودعكم جنانى ... وأنثر دمعىّ نثر الجمان وإنّى لا أريد لكم فراقا ... ولكن هكذا حكم الزمان

ما وقع من الحوادث سنة 519

وفيها توفّى الفقيه أبو الفتح سلطان بن إبراهيم المقدسىّ الشافعىّ بمصر؛ قاله الذهبىّ. كان فقيها عالما بارعا فى فنون. أمر النيل فى هذه- الماء القديم سبع أذرع وأربع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة تمانى عشرة ذراعا وأربع عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 519] السنة الرابعة والعشرون من ولاية الامر منصور على مصر وهى سنة تسع عشرة وخمسمائة. فيها جسّر دبيس بن صدقة طغرل بن محمد شاه السلجوقىّ على قصد بغداد وأن يطلب السلطنة لنفسه، فسار؛ واستعدّ له الخليفة المسترشد، ووقع له معهما حروب آلت إلى أنّ دبيسا توجّه بعد هزيمته إلى سنجر شاه السلجوقىّ مستجيرا به، فأجاره ثم قبض عليه. وفيها قبض الآمر صاحب الترجمة على وزيره المأمون أبى عبد الله بن البطائحىّ وعلى أخيه «1» أحمد المؤتمن، واستولى على أموالهما وذخائرهما ثم قتلهما، وكانا قد دبّرا فى القبض عليه. والمأمون هذا هو بانى جامع الأقمر بالقاهرة. وكان الآمر استوزره بعد قتل الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش. وفيها توفى أحمد بن محمد بن الفضل أبو الفضل الكاتب الأديب الفاضل الشاعر المشهور، المعروف بابن الخازن، وقد تقدّم ذكر وفاته فيما مضى «2» . والله أعلم.

ما وقع من الحوادث سنة 520

وفيها قتل الأمير آق سنقر البرسقىّ صاحب الموصل. كان أميرا شجاعا جوادا عادلا فى الرعيّة، وكان الخلفاء والملوك يحترمونه، وكان قد احترز من الباطنيّة بالرجال والسلاح والجانداريّة «1» . فدخل يوم الجمعة لجامع الموصل، فجاء إلى المقصورة وفيها جماعة من الصوفيّة لهم عادة يصلّون فيها، فاستراب بهم ودخل فى الصلاة وتأخّر عنه اصحابه؛ فوثب عليه ثلاثة فى زىّ الصوفيّة فضربوه بالسكاكين، فلم تعمل فى جسده للدرع الذي كان عليه؛ فصاحوا: رأسه وجهه، فضربوه حتّى قتلوه، وقتل الثلاثة. وحزن الناس عليه، وأقاموا ابنه مسعودا مقامه. وفيها توفّى الأمير سليمان بن إيلغازى بن أرتق صاحب ميّافارقين. كان عادلا شجاعا جوادا، مات فى شهر رمضان ودفن عند أبيه. وجاء أخوه تمرتاش «2» من ماردين، فملك ميّافارقين وأحسن إلى أهلها. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم تسع أذرع وثلاث أصابع. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وأربع عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 520] السنة الخامسة والعشرون من ولاية الآمر منصور على مصر وهى سنة عشرين وخمسمائة. فيها توفّى أحمد بن محمد بن محمد الشيخ أبو الفتوح «3» الغزالىّ الطوسىّ، أخو أبى حامد الغزالىّ المقدّم ذكره. كان متصوّفا متزهّدا فى أوّل عمره ثم وعظ، وكان مفوّها.

قال ابن الجوزىّ: ولمّا وعظ قبّله العوامّ. وجلس فى دار السلطان محمود فأعطاه ألف دينار، فلمّا خرج رأى «1» فرس الوزير فى الدهليز بمركب ذهب وقلائد وطوق ذهب، فركبه ومضى. وبلغ الوزير فقال: لا يتبعه أحد ولا يعاذ الفرس. وفيها توفّى عبد الله «2» بن القاسم بن المظفّر بن علىّ القاضى أبو محمد المرتضى الشّهرزورىّ والد قاضى القضاة كمال الدين. كان أحد الفضلاء الشّهرزوريّين والعلماء المذكورين، وكان له النظم والنثر. ومن شعره: [الطويل] وبانوا فكم دمع من الأسر أطلقوا ... نجيعا وكم قلب أعادوا إلى الأسر فلا تنكروا خلعى عذارى تأسّفا ... عليهم فقد أوضحت عندكم عدرى وفيها توفّى محمد بن الوليد بن محمد بن خلف بن سليمان بن أيّوب الشيخ الإمام الفقيه الصوفىّ المالكىّ أبو بكر الطّرطوشنىّ «3» الاندلسىّ العالم المشهور نزيل الإسكندرية- وطرطوشة آخر بلاد المسلمين من الأندلس، وقد عادت الآن للفرنج- وكان يعرف بابن أبى رندقة. حجّ ودخل العراق وسمع الكثير، وكان عالما زاهدا ورعا ديّنا متواضعا متقشّفا متقلّلا من الدنيا راضيا باليسير. وقال ابن خلّكان: إنّه دخل على الأفضل بن أمير الجيوش بمصر فبسط تحته مئزره، وكان إلى جانب الأفضل نصرانىّ، فوعظ الأفضل حتى أبكاه، ثم أنشد: [السريع] يا ذا الذي طاعته قربة ... وحقّه مفترض واجب إنّ الذي شرّفت من أجله ... يزعم هذا أنّه كاذب

ما وقع من الحوادث سنة 521

وأشار إلى النصرانىّ. فأقام الأفضل النصرانىّ من موضعه وأبعده. وقد صنّف الشيخ أبو بكر كتاب «سراج الملوك «1» » للمأمون الذي ولى وزارة مصر بعد الأفضل، وقد تقدّم ذكره فى الماضية، وله تصانيف أخرى، وفضله مشهور لا يحتاج إلى بيان. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثمانى أذرع وثلاث أصابع. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وإصبع واحدة. *** [ما وقع من الحوادث سنة 521] السنة السادسة والعشرون من ولاية الامر منصور على مصر وهى سنة إحدى وعشرين وخمسمائة. فيها قتل الباطنيّة وزير «2» السلطان سنجر شاه السلجوقىّ. وكان قد أفنى منهم اثنى عشر ألفا. فبعثوا إليه سائسا يخدم فى إصطبله مدّة إلى أن وجد الفرصة؛ فدخل الوزير يوما يفتقد خيله، فوثب عليه المذكور فقتله، وقتل بعده. وفيها قتل الأمير مسعود بن آق سنقر البرسقىّ بالرّحبة؛ وكان عزمه أخذ دمشق فعوجل. وكان ولى بعد موت أبيه آق سنقر فى الخالية، فلم تطل مدّته. وفيها توفّى أحمد [بن أحمد «3» ] بن عبد الواحد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن المتوكّل على الله الإمام المحدّث أبو السعادات. سمع الحديث الكثير ورحل البلاد. مات متردّيا من سطحه فى شهر رمضان ببغداد. وكان صحيح السماع ثقة. وفيها توفّى هبة الله بن علىّ بن إبراهيم أبو المعالى الشيرازىّ. كان من أعيان الفضلاء، وله شعر جيّد.

ما وقع من الحوادث سنة 522

وفيها توفّى العبد الصالح الزاهد أبو الحسن علىّ بن المبارك بن الفاعوس زاهد بغداد. كان كبير القدر، أحد أعيان الصوفيّة، وله أحوال وكرامات. مات ببغداد وكان له مشهد عظيم. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثمانى أذرع وسبع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا، وأصابع لم تحرّر. *** [ما وقع من الحوادث سنة 522] السنة السابعة والعشرون من ولاية الامر منصور على مصر وهى سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة. فيها توفّى الحسن بن علىّ بن صدقة الوزير أبو علىّ جلال الدين وزير الخليفة المسترشد بالله العباسىّ. كان فاضلا ديّنا رئيسا عاقلا حسن السّيرة محمود الطريقة محبوبا للخاصّة والعامّة جوادا ممدّحا؛ مات ببغداد وحزن عليه الخليفة. وتطاول بعد موته للوزارة جماعة، منهم عزّ الدولة بن المطلّب، وابن الأنبارىّ «1» ، وأحمد ابن نظام الملك وغيرهم؛ فلم يستوزر الخليفة أحدا منهم، واستناب نقيب النقباء علىّ بن طرّاد الزينبىّ الحنفىّ. وفيها توفى الحسين بن علىّ بن أبى القاسم الفقيه العلّامة أبو علىّ اللّامشىّ «2» السّمرقندىّ الحنفىّ. كان إماما مفتّنا يضرب به المثل فى النظر «3» ، وسمع الحديث ورواه، وكان صالحا دينا على طريق السلف مطّرحا للكلفة. ومات بسمرقند.

ما وقع من الحوادث سنة 523

وفيها توفّى الأمير ظهير الدين أبو المنصور طغتكين بن عبد الله الأتابك صاحب الشأم مملوك تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان السلجوقىّ. كان طغتكين مقدّما عند أستاذه تتش المذكور، وزوّجه أم ابنه دقماق، ونصّ عليه فى أتابكية ابنه دقماق المذكور. فقام بتدبير ملكه أحسن قيام، وغزا الفرنج غير مرّة، وله فى الجهاد اليد البيضاء. وقد ذكرنا بعض وقائعه فى أوّل ترجمة الآمر هذا مع الفرنج على سبيل الاختصار، نعرّف من ذلك همّته وشجاعته. وكان عادلا فى الرعيّة. ولمّا احتضر أوصى بالملك إلى ولده تاج الملوك بورى؛ فسار فى الناس أيضا أحسن سيرة. ومات طغتكين فى صفر بعد أن حكم دمشق سنين كثيرة. رحمه الله تعالى. وفيها توفى عبد الله بن طاهر بن محمد بن كاكو أبو محمد الواعظ. ولد بصور ونشأ بالشام. قال أنشدنى أبو إسحاق الشيرازىّ لنفسه: [البسيط] لمّا أتانى كتاب منك مبتسما ... عن كلّ معنى ولفظ غير محدود حكت معانيه فى أثناء أسطره ... أفعالك البيض فى أحوالى السّود أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وثمانى أصابع. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وثلاث عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 523] السنة الثامنة والعشرون من ولاية الآمر منصور على مصر وهى سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة. فيها ضمن زنكى بن آق سنقر للسلطان مائة ألف دينار على ألّا يعزله عن الموصل؛ وضمن الخليفة للسلطان أيضا مثل ذلك، ولا يولّى دبيسا ولاية- وكان الخليفة يكره دبيسا- فقبل السلطان ذلك.

ما وقع من الحوادث سنة 524

وفيها توفّى طاهر بن سعد الصاحب الوزير أبو علىّ المزدقانىّ «1» . كان شجاعا جوادا، بنى المسجد على الشرف «2» شمالى دمشق، ويسمّى مسجد الوزير، وكان قد عاداه وجيه الدولة «3» بن الصوفىّ، فآنتمى إلى الإسماعيليّة خوفا منه، فقتل هناك. وفيها توفّى هبة الله بن أحمد بن محمد الحافظ المحدّث أبو محمد الأنصارىّ المعروف يا بن الأكفانىّ. سمع الكثير ولقى الشيوخ، وسمع جدّه لأمّه أبا الحسن ابن صصرى وغيره. وفيها توفّى الحافظ أبو الفضل جعفر بن عبد الواحد الثقفى الفقيه العالم المشهور؛ مات وله تسع وثمانون سنة. وفيها توفّى أبو الحسن عبيد الله بن محمد بن الإمام أبى بكر البيهقىّ ببغداد فى جمادى الأولى، وكان فاضلا فقيها، سمع الحديث. وفيها توفّى الفقيه المحدّث أبو الحجّاج يوسف بن عبد العزيز الميورقىّ «4» الأصل ثمّ الإسكندرى، وبها توفّى. كان إماما فقيها عالما بارعا مفتنّا فى كثير من العلوم. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وست وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وخمس أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 524] السنة التاسعة والعشرون من ولاية الآمر منصور على مصر وهى سنة أربع وعشرين وخمسمائة، وهى السنة التى قتل فيها الآمر صاحب الترجمة، حسب ما ذكرناه مفصّلا فى ترجمته أوّلا.

وفيها (أعنى سنة أربع وعشرين) استوزر بورى بن طغتكين صاحب دمشق المفرّج بن الصوفىّ. وفيها وصل زنكى بن آق سنقر إلى حلب من الموصل، وقد أظهر أنّه على عزم الجهاد؛ وراسل بورى يلتمس منه المعونة على محاربة الفرنج. فأرسل إليه بورى من استحلفه الأيمان المغلّظة، واستوثق منه لنفسه ولصاحب حمص وحماة. وفيها ظهرت بالعراق عقارب طيارة لها أجنحة، وهى ذات شوكتين؛ فقتلت من الأطفال خلقا كثيرا. قاله صاحب مرآة الزمان؛ والعهدة عليه فيما نقلناه عنه. وفيها توفّى إبراهيم بن عثمان بن محمد أبو إسحاق العرّىّ الكلبىّ الشاعر. مولده بغزّة. كان أحد فضلاء الدهر، رحل إلى البلاد وامتدح جماعة من الرؤساء. ومن شعره وأجاد إلى الغاية: [الكامل] قالوا هجرت الشعر قلت ضرورة ... باب البواعث والدّواعى مغلق خلت البلاد فلا كريم يرتجى ... منه النوال ولا مليح يعشق ومن العجائب أنّه لا يشترى ... ويخان فيه مع الكساد ويسرق وفيها توفّى الحسين بن محمد بن عبد الوهّاب الإمام البارع أبو عبد الله النحوى، وهو أخو أبى الكرم «1» بن فاخر النحوىّ لأمّه. قرأ بالروايات، وسمع الحديث الكثير، واشتغل باللغة والأدب، وقال الشعر الرائق. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وأربع أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وأربع أصابع.

ذكر ولاية الحافظ لدين الله على مصر

ذكر ولاية «1» الحافظ لدين الله على مصر الحافظ لدين الله أبو الميمون عبد المجيد ابن الأمير أبى القاسم محمد ابن الخليفة المستنصر بالله معدّ بن الظاهر بالله علىّ بن الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز بالله نزار بن المعزّ لدين الله معدّ بن المنصور إسماعيل بن القائم محمد بن المهدىّ عبيد الله، العبيدىّ الفاطمىّ المصرىّ، الثامن من خلفاء مصر من بنى عبيد، والحادى عشر منهم ممن ولى من آبائه بالمغرب، وهم ثلاثة: المهدىّ والقائم والمنصور. وأوّل من ولى من آبائه بالقاهرة المعزّ لدين الله؛ فلهذا قلنا: هو الثامن من خلفاء مصر، والحادى عشر منهم ممن ولى بالمغرب. وولى الحافظ الخلافة بمصر بعد قتل ابن عمه الامر أبى علىّ منصور، على ما يأتى بيانه من أقوال كثيرة. ولم يكن من خلفاء مصر من أبوه غير خليفة سواه والعاضد الآتى ذكره. ولقبوه الحافظ لدين الله، ووزر له أبو على أحمد بن الأفضل ولقّب أمير الجيوش، فأحسن إلى الناس وعاملهم بالخير وأعاد لهم مصادراتهم. وكان قبل ولاية الحافظ هذا اضطرب أمر الديار المصرية؛ لأنّ الآمر قتل ولم يخلف ولدا ذكرا، وترك امرأة حاملا، فماج أهل مصر وقالوا: لا يموت أحد من أهل هذا البيت إلّا ويخلّف ولدا ذكرا منصوصا «2» عليه الإمامة. وكان الآمر قد نص على الحمل قبل موته؛ فوضعت الحامل بنتا، فعدلوا إلى الحافظ هذا، وانقضع

النسل من الآمر وأولاده. وهذا مذهب طائفة من الشّيعة المصريّين؛ فإنّ الإمامة عندهم من المستنصر إلى نزار الذي قتل بعد واقعة الإسكندريّة. وقال صاحب مرآة الزمان: ولمّا استمر الحافظ فى خلافة مصر، ضعف أمره مع وزيره أبى علىّ أحمد بن الأفضل أمير الجيوش وقوى شوكة الوزير المذكور، وخطب للمنتظر «1» المهدىّ، وأسقط من الأذان «حىّ على خير العمل» ودعا الوزير المذكور لنفسه على المنابر بناصر إمام الحق، هادى العصاة «2» إلى اتباع الحق؛ مولى الأمم؛ ومالك فضيلتى السيف والقلم. فلم يزل كذلك حتى قتل الوزير المذكور، على ما يأتى ذكره. وقال ابن خلّكان: «وهذا الحافظ كان كثير المرض بعلة القولنج، فعمل له شيرماه «3» الديلمىّ طبل القولنج الذي كان فى خزائنهم. ولمّا ملك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب مصر كسر فى أيّامه، وقصته مشهورة. [و «4» ] أخبرنى حفيد شيرماه المذكور أن جدّه ركّب هذا الطبل من المعادن السبعة، والكواكب السبعة فى أشرافها، وكل واحد منها فى وقته. وكان من خاصّته إذا ضربه أحد خرج الريح من مخرجه. ولهذه الخاصيّة كان ينفع من القولنج» . انتهى كلام ابن خلكان. قلت: ونذكر سبب كسر هذا الطبل فى ترجمة السلطان صلاح الدين عند استقلاله بمملكة مصر. ولما عظم أمر الحافظ بعد قتل الوزير المقدّم ذكره، جدد له ألقاب لم يسبق إليها، وخطب له بها على المنابر؛ وكان الخطيب يقول: «أصلح من شيّدت به الدّين

بعد دثوره، وأعززت به الإسلام بأن جعلته سببا لظهوره؛ مولانا وسيّدنا إمام العصر والزمان، أبا الميمون عبد المجيد الحافظ لدين الله صلّى الله عليه وسلّم وعلى آبائه الطاهرين، حجج الله على العالمين» . ولمّا قتل الوزير أبو علىّ أحمد المذكور- على ما يأتى ذكره- وزر للحافظ جماعة، فأساءوا التدبير، منهم أبو الفتح يانس أمير الجيوش ومات، فوزر له ابنه الحسن، ثم وزر له بهرام، ثم تولّى الحافظ الأمر بنفسه إلى أن مات. وكان أمره مع الوزير أبى علىّ أحمد بن الأفضل أنّه لمّا قتل الخليفة الآمر كان الحافظ هذا محبوسا، فأخرجوه وأشغلوا الوقت به إلى أن يولد حمل الآمر، فإن كان صبيّا يلى الخلافة ويحلع الحافظ. وتولّى أحمد المذكور الوزارة وجعلوا الأمور إليه، وليس للحافظ إلّا مجرّد الاسم فى الخلافة. وكان الوزير المذكور شهما شجاعا عالى الهمة كابيه الأفضل وجدّه بدر الجمالى السابق ذكرهما، فاستولى على الديار المصريّة. وولدت الحامل بنتا، فاستمرّ الحافظ فى الخلافة تحت الحجر، وصار الأمر كلّه للوزير؛ فضيّق على الحافظ وحجر عليه ومنعه من الظهور وأودعه فى خزانة لا يدخل إليه أحد إلّا بأمر الأكمل (أعنى الوزير المذكور) فإنّه كان لقّب بالأكمل فى أيام وزارته. وطلع الوزير إلى القصر وأخذ جميع ما فيه، وقال: هذا كله مال أبى وجدّى؛ ثم أهمل خلفاء بنى عبيد والدعاء لهم، فإنّه كان سنيّا كأبيه، وأظهر التمسّك بالإمام المنتظر فى آخر الزمان، فجعل الدعاء فى الخطبة له، وغيّر قواعد الرافضة. فأبغضه الأمراء والدعاة؛ لأنّ غالبهم كان رافضيّا بل الجميع. ثم أمر الوزير الخطباء بأن يدعو له بألقاب اختصّها لنفسه. فلمّا كرهه الشيعة المصريّون صمّموا على قتله. فخرج فى العشرين من المحرّم إلى لعب الكرة، فكمن له جماعة وحمل عليه مملوك إفرنجى

للحافظ فطعنه وقتله وقطعوا رأسه، وأخرجوا الحافظ وبايعوه ثانيا، ونهبت دار الوزير المذكور. وركب الحافظ إلى دار الخلافة واستولى على الخزائن، واستوزر مملوكه أبا الفتح يانس الحافظىّ. ولقّب أمير الجيوش أيضا وهو صاحب حارة اليانسية «1» ، فظهر هو أيضا شيطانا ما كرا بعيد الغور حتى خاف منه أستاذه الحافظ، فتحيّل عليه بكل ممكن وعجز حتى واطأه فرّاشه بأن جعل له فى الطهارة ماء مسموما، فاستنجى به فعمّل عليه سفله ودوّد؛ فكان يعالج بأن يلصق عليه اللحم الطرىّ فيتعلق به الدود إلى أن مات. وقال صاحب كتاب «المقلتين فى أخبار الدولتين» : «كان الآمر قد اصطفى مملوكين، يقال لأحدهما هزبر الملوك، واسمه جوامزد «2» ؛ والآخر برغش، وينعت بالعادل. وهو صاحب المسجد «3» قبالة الروضة من بر مصر. وكان الآمر يؤثر هذا الأصغر لرشاقته. فلما قتل الآمر، وما ثم من يدبر الأمر، اعتمدا على الأمير أبى الميمون عبد المجيد، وكان أكبر الجماعة سنّا، فتحيّلا بأن قالا: إنّ الخليفة المنتقل (يعنون الآمر) كان قبل وفاته بأسبوع أشار إلى شىء من ذلك، وإنّه كان يقول عن نفسه: المسكين المقتول بالسكين، وإنّه قال: إنّ الجهة الفلانيّة حامل

منه، وإنّه رأى رؤيا تدلّ على أنّها ستلد ولدا ذكرا، وهو الخليفة من بعده؛ وإنّ كفالته للأمير عبد المجيد أبى الميمون. فجلس عبد المجيد المذكور كفيلا، ونعت بالحافظ لدين الله، وأن يكون هزبر الملوك وزيرا، وأن يكون الأمير الأجل السعيد يانس متولّى الباب وإسفهسالار. وكان أصله من غلمان الأفضل بن أمير الجيوش (يعنى من مماليكه) ؛ وكان من أعيان الأمراء بمصر، وقرئ بهذا التقرير سجلّ بالإيوان، والحافظ فى الشبّاك جالس، قرأه قاضى القضاة على منبر نصب له أمام الشبّاك بحضور أرباب الدولة. واستمرّ الحافظ، وانفشّ ورم الحبلى، ووزر له هذا المذكور وأميران بعده، وهما: بهرام الأرمنىّ، ورضوان بن ولخشى. قلت: ولم يذكر هذا المؤرّخ أمر أحمد الوزير، ولا ما وقع له مع الحافظ، وهو أجدر بأخبار الفاطميّين من غيره. ولعلّه حذف ذلك لكونه كان فى أوّل الأمر. والله أعلم. قال: استمرّ الحافظ خليفة من سنة أربع وعشرين وخمسمائة إلى جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة. وكان له من الأولاد عدّة: سليمان وهو أكبرهم وأحبّهم إليه، وحسن وكان عاقّا له، ويوسف وجبريل، هؤلاء قبل خلافته. وولد له فى خلافته أبو منصور إسماعيل، وخلّف بعد موته. ولما ولّى العهد لسليمان أكبر أولاده فى حياته جعله يسدّ مكان الوزير، ويستريح من مقاساة الوزراء الذين يحيفون عليه ويضايقونه فى أمره ونهيه. فمات سليمان بعد ولايته العهد بشهرين، فحزن عليه شهورا. وترشّح حسن ثانيه فى العمر لولاية العهد، فلم يستصلحه أبوه الحافظ لذلك ولا أجابه إليه. فعظم ذلك على حسن المذكور، ودعا لنفسه وكاتب الأمراء وعوّل على اعتقال أبيه ليستبدّ هو بالأمر، وأطمع الناس فيما يواصلهم به إذا تمّ له الأمر؛ فامتدّت إليه الأعناق، وكاتب الأمراء وكاتبوه.

ثم عاودتهم عقولهم بأنّ هذا لا يتمّ مع وجود الخليفة. وكاتبوا أباه بخلاف ذلك. فسيّر أبوه تلك الكتب إليه؛ قال: لا تعتقد أن معك أحدا. فأوقع بعدّة من الأمراء، وأخذ ما فى آدرهم. وقصد أبوه الحافظ إضعافه وصرفه عن جرأته بغير فتك، ففسد أمره وافتقر إلى أبيه. وكان حسن المذكور سيّر بهرام الأرمنى المقدّم ذكره حاشدا له ليصل إليه بالأرمن، وكان هذا (بهرام) أميرهم وكبيرهم. فلمّا لجأ حسن إلى أبيه الحافظ احتفظ به أبوه وحرص عليه. فلما علم من بقى من الأمراء، وهم على تخوّف منه، اجتمعوا على طلبه من أبيه ليقتلوه ويأمنوا أمره؛ فوقفوا ببين القصرين فى عشرة آلاف. فراسلهم الخليفة الحافظ بلين الكلام وتقبيح مرادهم من قتل ولده، وأنّه قد أزال عنهم أمره، وأنّ ضمانه عليه فى ألّا يتصرّف أبدا؛ ووعدهم بالزيادة فى الأرزاق والإقطاعات. فلم يقبلوا شيئا من ذلك بوجه؛ وقالوا: إمّا نحن وإمّا هو؛ وإن لم نتحقّق الراحة الأبديّة منه وإلّا فلا حاجة لنا بك أيضا ونخلع طاعتك. وأحضروا الأحطاب والنيران لتحريق القصر، وبالغوا فى الإقدام عليه. فلم يجد الخليفة من ينصره عليهم؛ لأنّهم أنصاره وجنده الذين يستطيل بهم على غيرهم. فألجأته الضرورة أنّه استصبرهم ثلاثة أيّام ليتروّى فيما يعمل فى حق ولده؛ فرأى أنّه لا ينفكّ من هذه المنازلة العظيمة التى لم ير مثلها إلّا أن يقتله مستورا ويحسم مادّته ويأمن مباينة عسكره، وأنّه لا يأمن هو على نفسه، وأنّه لا بدّ من التصرف بهم وفيهم، وأنّهم لا ينفكّون من المقام ببين القصرين على هذا الأمر إلّا بعد إنجازه. وكان لخاصته طبيبان يهوديّان يقال لأحدهما أبو منصور، وللآخر ابن قرقة «1» . وكان ابن قرقة خبيرا بالاستعمالات ذكيّا. فحضر إليه أبو منصور قبل ابن قرقة، ففاوضه الخليفة فى عمل السقية القاتلة لولده؛ فتحرّج من ذلك وأنكر معرفته،

وحلف برأس الخليفة وبالتوراة أنّه لا يعرف شيئا من هذا فتركه. ثم حضر ابن قرقة ففاوضه فى السقية فقال: الساعة، ولا يتقطّع الجسد بل تفيض النفس لا غير، فأحضرها فى يومه؛ وألزم الخليفة ولده حسنا على شربها فشر بها ومات، وقيل للقوم سرّا: قد كان ما أردتم، فامضوا إلى دوركم. فلم يثقوا بذلك بل قالوا: يشاهد منّا من نثق به. فأحضروا أميرا معروفا بالجرأة يقال له المعظّم جلال الدين محمد جلب راغب «1» ؛ فدخل المذكور إلى المكان الذي فيه القتيل، فوجده مسجّى وعليه ملاءة، فكشف عن وجهه وأخرج من وسطه بارشينا «2» ، فغرزه بها فى مواضع خطرة من جسده حتى تحقّق موته، وعاد إلى القوم فأخبرهم فوثقوا منه وتفرّقوا. ولما نسّاهم الحافظ أمر ابنه قبض على ابن قرقة صاحب السقية فرماه فى خزانة البنود، وأمر بارتجاع جميع أملاكه وموجوده إلى الديوان. وكانت داره «3» بالزقاق الذي كان يسكنه فرّوخ شاه بن أيّوب، تطلّ على الخليج قبالة الغزالة «4» وما فيه من الدور والحمّام؛ وهذا الدرب يعرف بدرب ابن قرقة

قريب باب الخوخة. ثم أنعم الخليفة على رفيقه أبى منصور وجعله رئيس اليهود، وحصلت له نعمة ضخمة. قال: وكان الحافظ فى كلّ ستة أشهر يجرّد عسكرا إلى عسقلان بما يتحقّقه من عزمات الفرنج فى القلّة والكثرة مع من هو فيها مقيم من المركزية» والكنانيّة وغيرهم؛ فكان القلّة من الفرسان من ثلثمائة إلى أربعمائة (يعنى الذين يسيّرهم فى التجريدة) ، والكثرة من أربعمائة إلى ستمائة؛ ويقدّم على كلّ مائة فارس أميرا، ويسلّم للأمير الخريطة؛ وهذا اسم «2» لحمل أوراق العرض من الديوان ليتّفق مع والى عسقلان على عرضهم. ثم يسلّم إليه مبلغا من المال ينفقه فيمن فاتته النفقة. وكانت النفقة للأمراء مائة دينار، وللأجناد ثلاثين دينارا. فاتّفق أنّ والى عسقلان أرسل كتابا يعرّف الخليفة أنّ عند الفرنج حركة؛ فجرّد الخليفة فى تلك المرة العدّة الكبيرة، وفيهم جلال الدين جلب راغب «3» الأمير الذي كشف صحة موت حسن ابن الخليفة بسقية السمّ؛ فسيّر إليه الخليفة مائة دينار، وهى علامة التجريد والاهتمام؛ فتجهّز المذكور للسفر فى جملة الناس، وفى نفسه تلك الجناية التى قدّمها عند الخليفة فى ولده حتى قتله. فلمّا كان السفر جلس الخليفة ليخدموه بالوداع ويدعو لهم بالنصر والسلامة؛ فدخلوا إليه ومثلوا بين يديه لذلك وانصرفوا إلّا جلال الدين جلب راغب المذكور. فقال الخليفة: قولوا للأمير: ما وقوفك دون أصحابك! ألك حاجة؟ فقال: يأمرنى مولانا بالكلام. فقال له: قل. قال: يا مولانا ليس على وجه الأرض خليفة ابن بنت رسول الله غيرك. وقد كان الشيطان استزلّنى فأذنبت ذنبا

عظيما، عفو مولانا أوسع منه. فقال له: قل ما تريد غير هذا، فإنّا غير مؤاخذيك به. فقال: يا مولانا، قد توهّمت بل تحقّقت أنّى ماض فى حالة السخط منك، وقد آليت على نفسى أن أبذلها فى الجهاد، فلعلّى أموت شهيدا فيضيع ذلك سخط مولانا علىّ. فقال له الخليفة: أنت غنىّ عن هذا الكلام، وقد قلنا لك: إنّا ما آخذناك «1» ، فأىّ شىء تقصد؟ قال: لا يسيّرنى مولانا تبغا لغيرى، فقد سرت مرارا كثيرة مقدّما، وأخشى أن يظنّ هذا التأخير للذنب الذي أنا معترف به. قال: لا، بل مقدّما وصاحب الخريطة. وأمر بنقل الحال عن المقدّم الذي كان تقرّر للتقدّمة والخريطة. فسّر جلال الدين جلب راغب بذلك. ثم أعطاه الخليفة أيضا مائتى دينار، وقال له: اتّسع بهذه. قال: وكان الأغلب على أخلاق الحافظ الحلم. ومرض الخليفة مرضته التى توفّى فيها، فحمل إلى اللؤلؤة «2» خارج القصر فأثخن فى المرض فمات بها. وظهر من وصيّته أنّ ولده أبا منصور إسماعيل، وهو أصغر أولاده، هو الخليفة من بعده، مع وجود ولدين كاملين، هما أبو الحجّاج يوسف وهو أبو الخليفة العاضد الآتى ذكره، وأبو الأمانة جبريل. فعقدت عليه الخلافة من بعده، ونعت بالظافر بأمر الله، وأن يستوزر له الأمير نجم «3» الدين بن مصال» . انتهى كلام صاحب المقلتين. وقال ابن القلانسىّ: «وفى سنة أربع وأربعين وخمسمائة ورد الخبر من مصر بوفاة الحافظ بأمر الله، وولى الوزارة أمير الجيوش أبو الفتح بن مصال المغربىّ؛ فأحسن السيرة وأجمل السياسة، فاستقامت الأحوال. ثم حدث بعد ذلك من

ما وقع من الحوادث سنة 525

اضطراب الأمور والخلف بين السودان والعساكر بحيث قتل بين الفريقين العدد الكثير وسكنت الفتنة» . انتهى كلام ابن القلانسىّ. وكانت ولاية الحافظ على مصر تسع عشرة «1» سنة وسبعة أشهر، وتولّى الخلافة بعده أصغر أولاده، حسب ما ذكرناه عن كلام صاحب المقلتين. *** [ما وقع من الحوادث سنة 525] السنة الأولى من ولاية الحافظ عبد المجيد على مصر وهى سنة خمس وعشرين وخمسمائة. فيها توفّى حمّاد بن مسلم الرّحبىّ الشيخ الإمام الصالح المسّلك، أستاذ الشيخ عبد القادر فى التصوّف وشيخه. سمع الحديث. وكان على طريق التصوّف يدّعى «2» المعرفة والمكاشفة وعلوم الباطن. وكان يعطى كلّ من تصيبه حمّى لوزة وزبيبة فيأكلهما فيبرأ، وصار الناس يتردّدون إليه وينذرون إليه النذور، فيقبل الأموال ويفرّقها على أصحابه، ثم كره أخذ النذور، حتّى مات فى شهر رمضان ببغداد، ودفن بالشّونيزيّة «3» . وكان من الأبدال الصالحين. ويعرف بحمّاد الدّبّاس. رحمة الله عليه. وفيها توفّى السلطان محمود بن السلطان محمد شاه ابن السلطان ملكشاه ابن السلطان ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقماق، عضد الدولة السلجوقىّ. كان ملكا شجاعا. وكان قد عزم على إفساد الأمور على الخليفة المسترشد

العباسىّ، فعاجله الموت بهمذان فى يوم الخميس خامس عشر شوّال؛ وعمره ثمان «1» وعشرون سنة؛ ومدّة مملكته أربع عشرة سنة. وكان قد عهد إلى ابنه داود وهو صغير فى حجر زوج أمّه أحمد «2» يلى صاحب أذربيجان. فجدّد أبو القاسم وزير محمود على الأمراء العهود، وكتب إلى أحمديلى بذلك. وكان مسعود أخو محمود المتوفّى ببلاد أرمينية، فتحرّك لطلب السلطنة، فكتب إلى الخليفة ولم يكتب لعمّه سنجر شاه السلجوقىّ، فمشى سنجر شاه وولى السلطنة لابن أخيه طغرل (أعنى لعمّ الصبىّ داود) ورتّب لداود ما يكفيه إلى أن يكبر. ووقع بعد ذلك أمور. وفيها توفّى محمد بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد أبو عبد الله الرازىّ «3» ثم المصرىّ المعدّل الشاهد، ويعرف بابن الحطّاب، مسند الديار المصريّة وشيخ الإسكندريّة، مات فى سادس جمادى الأولى وله إحدى وتسعون سنة. وفيها توفّى هبة «4» الله بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن العبّاس بن الحصين أبو القاسم الشيبانىّ الهمذانىّ الكاتب البغدادىّ مسند العراق. ولد سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، وسمع الكثير وحدّث وروى عنه غير واحد. وفيها قتل الوزير أبو علىّ أحمد بن الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالىّ الأرمنىّ ثم المصرىّ وزير الحافظ العبيدىّ. قال الحافظ أبو عبد الله الذهبىّ:

ما وقع من الحوادث سنة 526

«صاحب مصر وسلطانها الملك الأكمل أبو علىّ وابن صاحبها ووزيرها» (يعنى الأفضل) . قلت: والحقّ ما نعته به الذهبىّ؛ فإن أحمد هذا ووالده وجدّه هم كانوا أصحاب مصر، والخلفاء معهم كانوا تحت الحجر والضيق. وتصديق [ذلك «1» ] ما خلفه الأفضل شاهنشاه أبو صاحب الترجمة من الأموال والمواشى وغير ذلك. وإنما «2» كان يطلق عليهم بالوزراء إلّا لكون العادة كانت جرت بأن الملك للخليفة لا وهم بلا مدافعة انهم كانوا أعظم من سلاطين زماننا هذا. ولمّا قتل أبوه الأفضل فى سنة خمس عشرة وخمسمائة فى خلافة الآمر وأخذ الآمر أمواله، سجن ابنه أحمد هذا إلى أن مات. فلمّا مات الآمر أخرج من السجن وجعل أمر مصر إليه، ووزر واستولى على الديار المصريّة. وحجر على الحافظ الخليفة ومنعه من الظهور، حسب ما ذكرناه فى ترجمة الحافظ. من أمر قتلته وكيف قتل، فلا يحتاج للتكرار هنا. وبموته صفا الوقت للحافظ واستولى على الملك، وسكن القصر على عادة الخلفاء إلى أن مات. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وإصبعان. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 526] السنة الثانية من ولاية الحافظ عبد المجيد على مصر وهى سنة ست وعشرين وخمسمائة.

فيها توفّى أحمد بن حامد بن محمد أبو نصر المستوفى المعروف بالعزيز عمّ العماد الكاتب. قبض عليه الأنساباذىّ «1» وزير طغرل وسلّمه إلى بهروز الخادم، فحمله إلى تكريت «2» فقتل بها. وكان من رؤساء الأعاجم، ولد بأصبهان، وهو من بيت كتابة وفضل. وفيها توفّى الملك تاج الملوك بورى بن ظهير الدين طغتكين صاحب دمشق. ولى أمر دمشق بعد موت أبيه الأتابك طغتكين فى سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة. وكان حليما شجاعا شهما. قتل أبا علىّ المزدقانىّ وجماعة كثيرة من الإسماعيليّة. قال ابن عساكر: بعث إليه الإسماعيليّة برجلين فضرباه بالسكاكين، وهو قد خرج من الحمام، فأثّر فيه بعض الأثر، وأقام ينتقض «3» عليه الجرح تارة ويندمل تارة إلى أن مات فى شهر رجب بعد سنين. ولما احتضر أوصى إلى ولده شمس الملوك إسماعيل فولى بعده. وكانت ولاية بورى على دمشق ثلاث سنين وشهورا. وفيها توفّى عبد الكريم بن حمزة بن الخضر المحدّث الفاضل ابن محمد السلمىّ الدمشقىّ، سمع الكثير، وتوفّى بدمشق. وأنشد لأبى القاسم العجلىّ قوله: [البسيط] الضيف مرتحل والمال عارية ... وإنّما الناس فى الدنيا أحاديث فلا تغرنّك الدنيا وزهرتها ... فإنّها بعد أيّام مواريث واعمل لنفسك خيرا تلق نائله ... فالخير والشر بعد الموت مبثوث

ما وقع من الحوادث سنة 527

وفيها توفّى علىّ بن عبيد «1» الله بن نصر بن عبيد الله بن سهل «2» ، الإمام أبو الحسن ابن الزاغونىّ «3» شيخ الحنابلة ببغداد. سمع الكثير بنفسه ونسخ بخطّه. وولد سنة خمس وخمسين وأربعمائة. وكان إماما فقيها متبحّرا فى الأصول والفروع متقنا واعظا شاعرا. وفيها توفّى أحمد بن عبيد «4» الله بن كادش، الإمام المحدّث أبو العز العكبرىّ، مات فى جمادى الأولى وله تسعون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وسبع أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشر أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 527] السنة الثالثة من ولاية الحافظ عبد المجيد على مصر وهى سنة سبع وعشرين وخمسمائة. فيها خطب لمسعود بن محمد شاه بن ملكشاه السلجوقىّ ببغداد، ومن بعده لابن أخيه داود، وخلع عليهما وعلى [آق «5» ] سنقر الأحمديلى. وفيها فتح شمس الملوك بن تاج الملوك بورى ابن الأتابك طغتكين صاحب دمشق [حصن «6» ] بانياس من يد الفرنج.

وفيها توفّى أحمد بن عمّار بن أحمد بن عمّار أبو عبد الله الحسينىّ، العالم الفاضل الفصيح الكوفىّ. قدم بغداد ومدح الوزير ابن صدقة. ومن شعره: [السريع] وشادن فى الشّرب قد أشربت ... وجنته ما مجّ راووقه ما شبّهت يوما أباريقه ... بريقه إلّا أبى ريقه قلت: وهذا يشبه قول القائل مواليا، ولم أدر من السابق لهذا المعنى: قم اسقنى ما تبقىّ فى أباريق ... أما ترى الصبح قد لاحت أباريق مع شادن قد روّق سقاريق ... يسقى المدام وإن عزّت سقاريق وقريب من هذا الشخص كان بخدمتى، يسمّى بدر الدين حسن الزركشىّ رحمه الله: أفدى مهفهف وقد روّق دواريق ... بالسقم داوى لقلبى من دواريق داساحر اللحظ قد صفّت نماريق ... مزج المدام بحضرا من نماريق وفيها توفّى محمد بن أحمد بن محمد بن صاعد القاضى أبو سعيد النيسابورىّ. ولد بنيسابور وقدم بغداد، وكان رئيس نيسابور وقاضيها، وله دنيا واسعة ومنزلة تامّة عند الخاص والعامّ. ومات فى ذى الحجة بنيسابور. وكان فقيها نبيلا ثقة. وفيها توفّى محمد بن الحسين بن علىّ بن إبراهيم الإمام المحدّث الفرضىّ أبو بكر المزرفىّ «1» ، سمع الكثير وانفرد بعلم الفرائض فى عصره. ومات فى سجوده فى المحرّم. وكان ثقة صالحا. وفيها توفّى أبو خازم محمد ابن القاضى أبى يعلى بن الفرّاء الحنبلىّ الفقيه الصالح. مات فى صفر وهو من بيت علم وفضل.

ما وقع من الحوادث سنة 528

وفيها توفّى الفقيه العلّامة أسعد بن أبى نصر الميهنىّ «1» شيخ الشافعيّة فى عصره وعالمهم، مات فى هذه السنة فى قول الذهبىّ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وخمس وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وخمس عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 528] السنة الرابعة من ولاية الحافظ عبد المجيد على مصر وهى سنة ثمان وعشرين وخمسمائة. فيها عاد طغرل إلى همذان «2» ومالت العساكر إليه وانحلّ أمر أخيه مسعود. ومسعود وطغرل كلاهما ولد محمد شاه بن ملكشاه السلجوقىّ. وفيها خرج شمس الملوك صاحب دمشق يتصيّد، وانفرد من عسكره؛ فوثب عليه أحد مماليك جدّه طغتكين يعرف بإيلبا. وضربه بالسيف ضربة هائلة، فآنقلب السيف من يده، فرمى بنفسه إلى الأرض؛ وضربه أخرى فوقعت فى عنق الفرس، وحال بينهما الفرس فانهزم إيلبا. وعاد شمس الملوك إلى دمشق سالما، ورتّب الغلمان فى طلب إيلبا حتى ظفروا به. فلمّا جاءوا به إليه، قال: ما الذي حملك على قتلى؟ قال: لم أفعله إلّا تقرّبا إلى الله لظلمك الناس. ثم قرّره فأقرّ على جماعة؛ فجمع شمس الملوك الجميع وقتلهم صبرا بين يديه. ولم يكفه قتلهم حتّى اتّهم أخاه سونج فجعله فى بيت، وسدّ عليه الباب حتّى مات. ثم بعد ذلك بالغ فى سفك الدماء والظلم والأفعال القبيحة إلى أن أخذه الله، حسب ما يأتى ذكره.

وفيها أيضا وقع الخلف بين ولدى الخليفة الحافظ صاحب الترجمة، وهما أبو علىّ الحسن المقتول بالسمّ المقدّم ذكره فى ترجمة أبيه، وهو كان ولىّ العهد بعد سليمان، وبين أخيه أبى تراب حيدرة، وكان ذلك بحضرة والدهم الحافظ بمصر. وانقسم العسكر فرقتين، أحدهما على مذهب السنّة، والثانى على مذهب الرافضة، ووقع بينهم القتال، فكان النصر لولىّ العهد؛ وأباد الحسن من تبع أخاه من السودان والأمراء بالقتل. وبعد هذا كان ركوب الأمراء بين القصرين على الحافظ لطلب حسن هذا حتّى قتله أبوه الحافظ بالسمّ الذي صنعه ابن قرقة اليهودىّ، وقد تبيّن ذكر ذلك كلّه مفصّلا فى ترجمة الحافظ. وفيها توفّى أحمد بن إبراهيم الشيخ الإمام أبو الوفاء الفيروزآبادي- وفيروزآباذ: أحد بلاد فارس- وقد تقدّم الكلام على أنّ كل اسم بلد يكون فيها «باذ» فهو بالتفخيم- كان إماما محدّثا، سمع الكثير، وخدم مشايخ الصوفيّة، وكان حافظا لسيرهم وأشعارهم، وكان يسمع الغناء، ويقول لعبد الوهّاب الأنماطىّ: إنى لأدعولك وقت السماع. وكان الأنماطىّ يتعجّب ويقول: أليس هذا يعتقد أن ذلك وقت إجابة! وكانت وفاته فى صفر، وحصر جنازته خلق كثير، وكان صالحا ديّنا. وفيها توفّى عبد الله بن محمد بن أبى بكر الشاشىّ، كان فقيها مفتيا مناظرا ظريف الشمائل حسن العبارة، ويعظ وينشئ الكلام المطابق المجانس. ومن شعره: [الدوبيت] الدمع دما يسيل من أجفاني ... إن عشت مع الفراق ما أجفانى سجنى شجنى وحالتى «1» سجّانى ... والعاذل بالملام قد سجّانى

والذكر لهم يزيد فى أشجانى ... والنوح مع الحمام قد أشجانى ضاقت ببعاد منيتى «1» أعطانى ... والبين به الهموم قد أعطانى وفيها توفّى علىّ بن محمد الأديب أبو الحسن العنبرىّ، ويقال له: ابن دوّاس القنّاء. كان شاعرا فصيحا. أصله من البصرة وسكن واسطا وبها مات. ومن شعره من أوّل قصيدة: [البسيط] هل أنت منجزة بالوصل ميعادى ... أم أنت مشمتة بالهجر حسّاى وفيها توفّى محمد بن عبد الله بن تومرت الأمير أبو عبد الله المنعوت بالمهدىّ الهرغىّ «2» صاحب دعوة عبد المؤمن بن علىّ. كان ابن تومرت هذا ينسب إلى الحسن ابن علىّ بن أبى طالب- رضى الله عنهما- وأصله من جبل السوس من أقصى بلاد المغرب، ونشأ هناك، ثم رحل فى شبيبته إلى العراق وغيره، وسمع الحديث وتنسّك وهجر لذّات الدنيا؛ ثم عاد إلى المغرب وانتهى إلى بجاية «3» ، فكسّر بها آلات اللهو وأهرق الخمور. ثمّ خرج منها إلى قرية يقال لها ملّالة «4» ، فرأى بها عبد المؤمن ابن علىّ فتفرّس فيه النجابة، وسأله عن نسبه حتى عرّفه عبد المؤمن. فقال له: أنت بغيّى. وقال ابن تومرت هذا لأصحابه: هذا الذي بشّر به النّبيّ صلى الله عليه وسلّم فقال: «إنّ الله تعالى ينصر هذا الدين برجل من قيس سليم» واستبشر به ابن تومرت هذا. ثمّ وقع له مع ملوك المغرب وقائع وأمور يطول شرحها حتّى ملك عدّة بلاد. وكان ابتداء أمره فى سنة اثنتى عشرة وخمسمائة- وقيل: سنة

ما وقع من الحوادث سنة 529

أربع عشرة وخمسمائة- ومولده فى يوم عاشوراء سنة خمس وثمانين وأربعمائة. ومات فى هذه السنة، وقال ابن خلّكان: فى سنة أربع وعشرين. والله أعلم. ومن شعره: [المتقارب] أخذت بأعضادهم إذ نأوا ... وخلّفك القوم إذ ودّعوا فكم أنت تنهى ولا تنتهى ... وتسمع وعظا ولا تسمع فيا حجر الشّحذ حتّى متى ... تسنّ الحديد ولا تقطع وكان كثيرا ما يتمثّل بهذا البيت: [الطويل] تجرّد من الدنيا فإنك إنّما ... سقطت «1» على الدنيا وأنت مجرّد وكان يتمثّل أيضا بقول المتنبى: [الوافر] إذا غامرت فى شرف مروم ... فلا تقنع بما دون النجوم فطعم الموت فى أمر حقير ... كطعم الموت فى أمر عظيم أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وخمس عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثلاث وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 529] السنة الخامسة من ولاية الحافظ على مصر وهى سنة تسع وعشرين وخمسمائة. فيها توفّى شمس الملوك إسماعيل بن تاج الملوك بورى ابن الأتابك ظهير الدين طغتكين صاحب دمشق. كانت ساءت سيرته وصادر الناس وأخذ أموالهم وسفك الدماء، وظهر منه شحّ زائد، وقتل مماليك أبيه وجدّه. وقد ذكرنا من أخباره فى السنة الماضية تبيين ذلك. وزاد ظلمه حتى كتب أهل دمشق إلى زنكى بن آق سنقر

بالمسير إليهم. فقيل: إنه مات قبل وصول زنكى إلى الشام، واستراح أهل دمشق منه. وفيها توفّى دبيس بن صدقة بن منصور بن دبيس بن علىّ بن مزيد الأمير أبو الأغرّ الأسدىّ. أصله من بنى أسد- وقيل: من بنى خفاجة- وأوّل من ظهر من بيته جدّه الأكبر مزيد فى أيّام بنى بويه؛ ومات مزيد فقام علىّ ولده مقامه؛ وكان عائنا، ما وقعت عينه على شىء إلّا هلك. ثم قام بعده ابنه دبيس، ثمّ منصور؛ فجرى من منصور فى الخليفة القائم بأمر الله ما جرى. ثم مات منصور وخلّف ابنه صدقة، فخدم ملكشاه السلجوقىّ ثم خالف ابنه بركياروق فقتله بركياروق. وقام بعده ابنه دبيس صاحب الترجمة؛ وكان شرّ أهل بيته، يرتكب الكبائر ويفعل العظائم، ولقى منه الخليفة والمسلون شرورا كثيرة، وأبطل الحجّ، وأباح الفروج فى شهر رمضان. وكانت أيّامه سبعا وستين سنة إلى أن قتله السلطان مسعود السلجوقىّ صبرا فى ذى الحجّة. وكان دبيس المذكور كثيرا ما ينشد: [الكامل] إنّ الليالى للأنام مناهل ... تطوى وتبسط بينها الأعمار فقصارهنّ مع الهموم طويلة ... وطوالهنّ مع السرور قصار وكان قتله بالمراغة «1» . وفيها توفّى الخليفة أمير المؤمنين المسترشد بالله أبو منصور الفضل ابن الخليفة المستظهر بالله أحمد ابن الخليفة المقتدى بالله عبد الله ابن الأمير محمد الذخيرة ابن الخليفة القائم بأمر الله عبد الله العباسىّ الهاشمى البغدادىّ. بويع بالخلافة بعد موت أبيه فى شهر ربيع الآخر سنة اثنتى عشرة وخمسمائة. ومولده فى حدود

ما وقع من الحوادث سنة 530

سنه خمس وثمانين وأربعمائة. وأمّه أمّ ولد تسمّى لبابة «1» . وكان شهما شجاعا ذا همّة ومعرفة وعقل، وكان مشتغلا بالعبادة، سالكا فى الخلافة سيرة القادر. قرأ القرآن وسمع الحديث وقال الشعر، ومن شعره: [الطويل] أنا الأشقر الموعود بى فى الملاحم ... ومن يملك الدنيا بغير مزاحم ومات قتيلا. وكان سبب ذلك أنّه خرج لقتال مسعود بن محمد شاه بن ملكشاه السلجوقىّ فخالف عليه عسكره فانكسر وأسر. فراسل سنجر شاه عمّ مسعود يلوم مسعودا؛ فرجع مسعود عن قتاله وضرب له السّرادق، فنزل المسترشد هذا فيه. ثمّ وصل رسول سنجر شاه إلى الخليفة ومعه سبعة عشر نفرا من الباطنيّة؛ فركب مسعودا لتلقّى رسول عمّه سنجر شاه ومعه العسكر، فسبقت الباطنيّة فى زىّ الغلمان ودخلوا على الخليفة وضربوه بالسكاكين حتّى قتلوه وقتلوا من كان عنده؛ وعادت العساكر فأحدقت بالسرادق، وخرج الباطنيّة والسكاكين بأيديهم فيها الدم؛ فمالت العساكر عليهم فقتلوهم وأحرقوهم. وغطّى الخليفة بسندسة خضراء لفّوه فيها، ودفن على حاله بباب مراغة. وكان قتله فى سابع عشر ذى القعدة، وعمره خمس وأربعون سنة، وخلافته سبع عشرة سنة وثمانية أشهر وأيام. وبويع بالخلافة بعده ابنه أبو جعفر منصور، ولقب بالراشد، وكان ببغداد. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وأربع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وثلاث أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 530] السنة السادسة من ولاية الحافظ عبد المجيد على مصر وهى سنة ثلاثين وخمسمائة.

فيها خلع الخليفة الراشد بالله أبو جعفر منصور بن المسترشد المقدّم ذكره، لأمور وقعت بينه وبين السلطان سنجر شاه وابن أخيه السلطان مسعود وقطع خطبته. وكاتب الخليفة زنكى بن آق سنقر وأطمعه فى الملك، وقال: يكون السلطان ألب أرسلان بن محمود بن محمد شاه بن ملكشاه، وأنت تكون أتابكه؛ فكان هذا أوّل سبب الفتنة، وخرج الخليفة من بغداد، ووقع له أمور آلت إلى خلعه. قال صدقة الحدّاد الحنبلىّ فى تاريخه: إن الوزير أبا القاسم بن طرّاد صدّر محضرا على الراشد فيه أنواع من الكبائر ارتكبها من الفسق والفجور ونكاح أمّهات أولاد أبيه وأخذ أموال الناس وسفك الدماء، وأنّه فعل أشياء لا يجوز أن يكون معها إماما. فتوقّف الشهود؛ فهدّدهم ابن طرّاد وقال: علمتم صحّة هذا، فما المانع من إقامة الشهادة! فشهدوا. وكان السلطان مسعود قد جمع القضاة والشهود والأعيان وأخرج لهم نسخة يمين كانت بينه وبين الراشد، أخذها عليه بخطّه: «متى حشدت «1» أو حاذيت وجذبت سيفا فى وجه مسعود فقد خلعت نفسى من هذا الأمر» ، وفيها خطوط القضاة والشهود بذلك. فحكم القضاة حينئذ بخلعه؛ فخلع فى يوم الاثنين ثامن عشر ذى القعدة. وولّوا المقتفى محمد ابن المستظهر أخ المسترشد عمّ الراشد هذا، وحبس الراشد إلى أن مات، حسب ما يأتى ذكره إن شاء الله فى محله. وفيها توفّى القاسم بن عبد الله بن القاسم القاضى شمس الدين الشّهرزورىّ أخو القاضى كمال الدّين الشهرزورىّ، ولى قضاء الموصل، وكان يعظ وله قبول حسن، وللناس فيه اعتقاد.

ما وقع من الحوادث سنة 531

وفيها توفّى يوسف بن فيروز حاجب شمس الملوك إسماعيل. كان [من «1» ] مماليك طغتكين. حقدوا عليه لأنّه هو الذي أشار على شمس الملوك بقتل إيلبا الذي ضرب شمس الملوك بالسيف، حسب ما ذكرناه؛ فاتّفقوا على قتله؛ فالتقاه بزاوش «2» الأتابكىّ عند المسجد الجديد فضربه بالسيف على وجهه فقتله فى جمادى الآخرة. وفيها توفّى الإمام العلّامة أبو الحسن علىّ بن أحمد بن منصور بن قيس الغسّانىّ المالكىّ النحوىّ. كان إماما فقيها عالما نحويّا، حلّق ودرّس سنين وأقرأ النحو وقصده الناس وانتفع به خلق كثير. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ست أذرع وثمانى أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وسبع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 531] السنة السابعة من ولاية الحافظ على مصر وهى سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة. فيها أرسل السلطان مسعود طالب الخليفة المقتفى لأمر الله العبّاسىّ وحواشيه بمائة ألف دينار. فبعث إليه المقتفى يقول: ما رأيت أعجب من أمرك! أنت تعلم أنّ أخى المسترشد سار من بغداد إليك بأمواله، فوصل الكلّ إليك ورجع أصحابه بعد قتله عراة، وولى ابن أخى الراشد ففعل ما فعل، ثمّ رحل وأبقى أمواله وخزائنه فى الدار، فأخذت الجميع. وأمّا الناس فإنّى عاهدت الله أنّى لا آخذ لأحد شيئا، وقد أخذت أنت أيضا الجوالى «3» والتركات «4» ؛ فمن أىّ وجه أقيم لك هذا المال!.

وفيها تتبّع المقتفى القوم الذين أفتوا بفسق الراشد وكتبوا المحضر، وعاقب من استحقّ العقوبة، وعزل من يستحقّ العزل، ونكب الوزير شرف الدّين علىّ بن طرّاد. وقال المقتفى: إذا فعلوا هذا مع غيرى فهم يفعلونه معى؛ واستصفى أموال الزينبى، واستوزر عوضه سديد الدولة بن الأنبارىّ «1» ، وكان كاتب الإنشاء. وفيها توفى مرشد بن علىّ بن المقلد بن نصر بن منقذ الأمير أبو سلامة صاحب شيزر. كان عارفا بفنون العلوم والآداب، صالحا كثير العبادة والتلاوة. وكان أخوه نصر ولّاه شيزر فتركها وقال: لا أدخل فى الدنيا! وولّاها أخاه سلطان بن علىّ. وسافر البلاد، وكان له يد طولى فى العربيّة والمكاتبة والشعر. كان كثير الصوم شديد البأس والنجدة فى الحرب حسن الخطّ، كتب بخطّه سبعين ختمة، وكان له شعر. وفيها توفّى بدران بن صدقة بن منصور، وهو من بنى مزيد، ولقبه شمس «2» الدولة. ولمّا فعل أخوه دبيس ما فعل بالعراق وتغيّرت أحواله، خرج إلى مصر، فأكرمه صاحبها الحافظ صاحب الترجمة. وكان أديبا فاضلا، مات فى هذه السنة. وفيها توفّى إسماعيل بن أبى القاسم بن أبى بكر النيسابورىّ الإمام القارئ، مات فى شهر رمضان. وكان رأسا فى علم القرآن وغيره. وفيها توفى الحافظ أبو جعفر محمد بن أبى علىّ الهمذانىّ الحافظ المحدّث المشهور، سمع الكثير وكتب وصنّف وحدّث، وروى عنه غير واحد. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وستّ عشرة إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 522

*** [ما وقع من الحوادث سنة 522] السنة الثامنة من ولاية الحافظ عبد المجيد على مصر وهى سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة. فيها توفّى أحمد بن محمد بن أحمد «1» الشيخ أبو بكر الدّينورىّ الحنبلىّ، تفقّه على أبى الخطّاب الكاوذانىّ، وبرع فى الفقه والمناظرة. ومات فى جمادى الأولى، ودفن قريبا من الإمام أحمد بن محمد بن حنبل. رضى الله عنه. وفيها توفّى الوزير أنوشروان [بن محمد «2» ] بن خالد بن محمد أبو نصر القاشانىّ القينىّ (وقين: قرية من قرى قاشان «3» ) وزر المسترشد الخليفة وللسلطان مسعود «4» السلجوقىّ. وكان مهيبا عاقلا فاضلا. وهو كان السبب فى عمل الحريرىّ المقامات التى أنشأها. حكى أنّ الحريرىّ كان جالسا بمسجد ببنى حرام، وهى محلّة من محال البصرة، إذ دخل شيخ ذو طمرين عليه أهبة السفر رثّ الثياب. فاستنطقه الحريرىّ فإذا هو فصيح اللهجة حسن العبارة. فسأله من أين الشيخ؟ فقال: من «5» سروج. قال: فما كنيته؟ قال: أبو زيد. فعمل الحريرىّ المقامة الحراميّة بعد قيامه من ذلك المجلس. هكذا قال صاحب مرآة الزمان. قلت: ولعلّ الحريرىّ كان سمع به قبل ذلك وما اجتمع به؛ فإنّ الذهبىّ قال عن أبى زيد السّروجىّ: إنّه رجل مكد لحوح فصيح العبارة يسمى المطهّر «6»

ابن سلّار. وكان الوزير أنوشروان كريما جوادا ذا همّة عالية وإقدام. ومات فى شهر رمضان. رحمه الله. وفيها توفّى المسند بدر بن عبد الله أبو النجم، سمع الحديث الكثير، ومات فى شهر رمضان عن ثمانين سنة ببغداد. وكان سليم الباطن. طلب منه أصحاب الحديث إجازة، فقال: كم تستجيزون! ما بقى عندى إجازة. وفيها توفّى الأمير البقش «1» السّلاحىّ. كان أميرا كبيرا، ناب عن السلطان فى ممالك؛ ثم توهّم السلطان منه وقبض عليه وحبسه بقلعة تكريت، ثم أمر بقتله، فغرّق نفسه فى دجلة، فأخرج من الماء وقطع رأسه وحمل إلى السلطان. وفيها توفّى الحسين بن تلمش «2» بن يزدمر أبو الفوارس التركىّ الصوفىّ البغدادىّ. كان شاعرا. ومن شعره: [الخفيف] أتمنّى أنّى أكون مريضا ... علّها أن تعود فى العوّاد فتراها عينى فيذهب عنّى ... ما أقاسيه من جوى فى فؤادى وفيها توفّى محمد بن عبد الملك بن محمد الشيخ أبو الحسن الكرجىّ «3» . كان محدّثا فقيها شاعرا شافعىّ المذهب، وصنّف فى مذهبه. وكان كريما جوادا. ومن شعره: [الوافر] تناءت داره عنّى ولكن ... خيال جماله فى القلب ساكن إذا امتلأ الفؤاد به فماذا ... يضرّ إذا خلت منه المساكن

وفيها توفّى الخليفة الراشد بالله أبو جعفر منصور ابن الخليفة المسترشد بالله أبى منصور الفضل ابن الخليفة المستظهر بالله أحمد ابن الخليفة المقتدى بأمر الله عبد الله ابن الأمير ذخيرة الدين محمد ابن الخليفة القائم بأمر الله عبد الله، العباسىّ الهاشمى. بويع بالخلافة بعد قتل أبيه المسترشد فى ذى القعدة سنة تسع وعشرين وخمسمائة. ومولده فى سنة اثنتين وخمسمائة. وخرج بعد خلافته بمدّة إلى الموصل لقتال مسعود وغيره، فخذله أصحابه؛ فقبض السلطان مسعود عليه، وخلعه من الخلافة، حسب ما ذكرناه فى سنة ثلاثين وخمسمائة، وحبسه إلى أن قتله فى هذه السنة. وأمّه أمّ ولد حبشية يقال لها [أمّ السادة «1» ] . ويقال: إنّ الراشد هذا ولد مسدودا، فأحضر أبوه المسترشد الأطبّاء، فأشاروا أن يفتح له مخرج بالة من ذهب، ففعل به ذلك فنفع. وحكى عن الراشد هذا أيضا أن والده أعطى له عدّة جوار وعمره أقلّ من تسع سنين، وأمرهنّ أن يلاعبنه؛ وكانت فيهنّ جارية حبشية فحملت من الراشد فلمّا ظهر الحمل وبلغ المسترشد أنكره لصغر سنّ ولده الراشد؛ وسألها فقالت: والله ما تقدّم إلىّ غيره، وإنّه احتلم. فسأل باقى الجوارى فقلن كذلك. ووضعت الجارية صبيا وسمّى أمير الجيش. وقيل لأبيه: إنّ صبيان تهامة يحتلمون لتسع، وكذلك نساؤهم. وكانت قتلة الراشد هذا فى شهر رمضان من هذه السنة بظاهر أصبهان. وقال الذهبىّ: إنّ قتلته كانت فى الخالية. والله أعلم. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وإصبع واحدة. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا واثنتا عشرة إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 523

*** [ما وقع من الحوادث سنة 523] السنة التاسعة من ولاية الحافظ عبد المجيد على مصر وهى سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة. فيها كانت زلزلة عظيمة أهلكت مائتى ألف وثلاثين ألف إنسان، قاله صاحب مرآة الزمان. وقال ابن القلانسىّ: إنّها كانت بالدنيا كلّها، وإنما كانت يحلب أعظم، جاءت ثمانين مرّة، ورمت أسوار البلد وأبراج القلعة، وهرب أهل البلد إلى ظاهرها. وفيها توفى إسماعيل بن محمد بن أحمد الشيخ الأديب أبو طاهر الوثّابىّ «1» . كان شاعرا فصيحا مترسّلا. وفيها توفّى علىّ بن أفلح الرئيس أبو القاسم الكاتب البغدادىّ. كان عالما فاضلا كاتبا شاعرا. تقدّم عند الخليفة المسترشد حتّى إنّه لقّبه جمال الملك وأعطاه الذهب ورتّب له الرواتب. ثمّ بلغه عنه أنّه كاتب دبيسا، فأراد القبض عليه، فهرب إلى تكريت واستجار ببهروز «2» الخادم؛ فشفع فيه فعفا عنه الخليفة. ومن شعره: [البسيط] دع الهوى لأناس يعرفون به ... قد ما رسوا الحبّ حتّى لان أصعبه بلوت نفسك فيما لست تخبره ... والشيء صعب على من لا يجرّ به وفيها توفّى الأمير محمود بن تاج الملوك بورى بن الأتابك ظهير الدين طغتكين، الملك شهاب الدين صاحب دمشق. ولى دمشق مكان أبيه- قلت: ولعلّه

ولى بعد أخيه شمس الملوك إسماعيل. والله أعلم- ولمّا ولى إمرة دمشق ساءت سيرته، فاستوحش منه جماعة من أمرائه واتّفقوا على قتله مع يوسف الخادم والتّفش «1» الأرمنىّ. وكانا ينامان حول سريره وساعدهما عنبر الفرّاش الخركاوىّ على ذلك. فلمّا كان ليلة الجمعة ثالث عشرين شوّال ذبحوه على فراشه وخرجوا هاربين؛ فظفروا بهم وأخذوا يوسف وعنبرا فصلبا، وهرب التّغش. وكتب الأمراء إلى أخى محمود هذا، وهو محمد بن بورى بن طغتكين وكان ببعلبكّ، وكان صبيّا لم يبلغ الحلم، فجاء مسرعا ودخل دمشق، فملّكوه ولقّبوه جمال الدين. وانتهى الخبر إلى خاتون صفوة الملك والدة محمود المقتول؛ فراسلت الأمير عماد الدين زنكى بن آق سنقر تعرّفه الحال وتطلب منه أخذ الثأر؛ فجاء إلى دمشق وملكها بالأمان، ثم غذر بهم وأمر بقتلهم وصلبهم. قلت: وعماد الدين زنكى هذا هو والد السلطان نور الدين محمود بن زنكى المعروف بالشهيد. وفيها توفّى الشيخ الإمام المقرئ أبو العبّاس أحمد بن عبد الملك بن أبى جمرة «2» . كان عالما فاضلا سمع الحديث وروى عنه غير واحد، وهو آخر من روى بالإجازة عن أبى عمرو الدانى «3» . أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وأربع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وخمس أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 534

*** [ما وقع من الحوادث سنة 534] السنة العاشرة من ولاية الحافظ على مصر وهى سنة أربع وثلاثين وخمسمائة. فيها قتل الأمير جوهر خادم السلطان سنجر شاه بن ملكشاه السلجوقىّ. كان خادما حبشيّا حاكما فى الدّول. قتله باطنىّ جاءه فى صورة امرأة فاستغاث به؛ فوقف له جوهر لأخذ ظلامته؛ فرمى الإزار ووثب عليه وقتله؛ فقتلته خدم جوهر فى الوقت. وعزّ على سنجر شاه قتله وحزن عليه. وفيها توفّى يحيى بن علىّ بن عبد العزيز القاضى الزّكىّ أبو الفضل قاضى دمشق، وهو جدّ ابن عساكر لأمّه. تفقّه على أبى بكر الشاشىّ ببغداد، وتفقّه بدمشق على القاضى المروزىّ، ومات بدمشق فى هذه السنة. وقال الذهبىّ: فى الآتية، وكان إماما فاضلا عالما. رحمه الله. وفيها توفّى الأمير جمال الدين محمد ابن الأمير تاج الملوك بورى ابن الأتابك ظهير الدين طغتكين صاحب دمشق. كان ملك دمشق بعد قتل أخيه محمود، فلم تطل مدّته، وحضر الأمير زنكى بن آق سنقر وأخذ دمشق منه واستولى عليها، حسب ما ذكرناه. ومات فى شعبان ولم أدر مات قتيلا أم حتف أنفه. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ست أذرع وثمانى عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا، وشرقت البلاد. *** [ما وقع من الحوادث سنة 535] السنة الحادية عشرة من ولاية الحافظ على مصر وهى سنة خمس وثلاثين وخمسمائة.

فيها نقل الخليفة المقتفى لأمر الله العبّاسىّ المظفّر بن محمد بن جهير من الأستاداريّة «1» إلى الوزر. قلت: وهذا أوّل ما سمعنا بوظيفة الأستاداريّة فى الدّول. وفيها توفّى محمد بن عبد الباقى الشيخ الإمام أبو بكر الأنصارىّ. هو من ولد كعب بن مالك أحد الثلاثة «2» الذين خلّفوا. كان إماما عالما. وكان إذا سئل عن مولده يقول: أقبلوا على شأنكم، لا ينبغى لأحد أن يخبر [عن] مولده، إن كان صغيرا يستحقرونه، وإن كان كبيرا يستهرمونه. وكان ينشد: [الكامل] لى مدّة لا بدّ أبلغها ... فإذا انقضت وتصرّمت متّ لو عاندتنى الأسد ضارية ... ما ضرّ بى ما لم يجى الوقت وفيها توفّى الشيخ الإمام حافظ عصره أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الطّلحىّ «3» الأصبهانى التيمىّ. ولد سنة تسع وخمسين وأربعمائة، وسافر البلاد وسمع الكثير وبرع فى فنون، وكان إماما فى التفسير والحديث والفقه واللغة، وهو أحد الحفّاظ المتقنين. ومات بأصبهان فى يوم عيد النحر. وفيها توفّى الشيخ الإمام الفقيه المحدّث أبو الحسن رزين بن معاوية العبدرىّ «4» السّرقسطىّ، مات بمكّة فى المحرّم.

ما وقع من الحوادث سنة 536

وفيها توفّى القدوة الصالح الواعظ أبو يعقوب يوسف بن أيّوب الهمذانىّ الواعظ المفسّر، كان إماما فاضلا، وله لسان حلو فى الوعظ، وللناس فيه محبّة وعليه القبول. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا واثنتا عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 536] السنة الثانية عشرة من ولاية الحافظ عبد المجيد على مصر وهى سنة ست وثلاثين وخمسمائة. فيها توفّى شيخ الإسلام الحسام عمر بن عبد العزيز بن مازة «1» ، إمام الحنفيّة ببخارى وصدر الإسلام. كان علّامة عصره، وكانت له الحرمة العظيمة، والنعمة الجليلة، والتصانيف المشهورة؛ وكان الملوك يصدرون عن رأيه. ولمّا عزم سنجر شاه ابن ملكشاه على لقاء الخطا «2» ، أخرجه معه، وفى صحبته من الفقهاء والخطباء والوعّاظ والمطّوّعة ما يزيد على عشرة آلاف نفر، فقتلوا فى المصافّ عن آخرهم، وأسر الحسام هذا وأعيان الفقهاء. فلمّا فرغ المصافّ أحضرهم ملك الخطا وقال: ما الذي دعاكم إلى قتال من لم يقاتلكم والإضرار بمن لم يضرّكم؟ وضرب أعناق الجميع. وانهزم سنجرشاه فى ستّ أنفس، وأسرت زوجته وأولاده وأمّه وهتك حريمه، وقتل عامّة أمرائه. قال صاحب مرآة الزمان: وقتل مع سنجرشاه اثنا عشر ألف

صاحب عمامة كلّهم رؤساء، وكان يوما عظيما لم ير مثله فى جاهليّة ولا إسلام، وكانت قتلة ابن مازة المذكور فى صفر. وفيها توفّى الشيخ الإمام أبو سعد «1» أحمد بن محمد بن الشيخ علىّ بن محمود الزّوزنىّ «2» الصّوفى. كان إماما عالما فاضلا رأسا فى علم التصوّف. مات ببغداد فى شعبان. وفيها توفّى الشيخ العارف بالله أبو العبّاس أحمد [بن محمد «3» ] بن موسى الصّنهاجىّ الأندلسىّ المالكىّ العالم الصوفىّ. كان ممن جمع بين علمى الشريعة والحقيقة. وفيها توفّى الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر بن أبى الأشعث السّمرقندىّ، مات ببغداد فى ذى القعدة. وكان حافظا مفتنّا، سمع الكثير وسافر البلاد وكتب وحصّل وحدّث، روى عنه غير واحد. وفيها توفّى شرف الإسلام عبد الوهّاب ابن الشيخ أبى الفرج عبد الواحد بن محمد الشّيرازىّ الفقيه الحنبلىّ الواعظ. كان رأسا فى الوعظ مشاركا فى فنون كثيرة. ومات بدمشق. وفيها توفّى الحافظ أبو عبد الله محمد بن علىّ المازرىّ «4» المالكىّ الحافظ المحدّث المشهور، مات فى شهر ربيع الأوّل وله ثلاث وثمانون سنة. وكان إماما حافظا متقنا عارفا بعلوم الحديث، وسمع الكثير وسافر البلاد وكتب الكثير.

وفيها توفّى إمام جامع دمشق أبو محمد هبة الله بن أحمد بن عبد الله بن علىّ بن طاوس. كان رجلا فقيها صالحا ورعا حسن القراءة، أمّ سنين بجامع دمشق، ومات بها. الذين ذكر الذهبىّ وقاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو سعد أحمد بن محمد ابن الشيخ على بن محمود الزّوزنى الصوفىّ ببغداد فى شعبان. وأبو العبّاس أحمد ابن محمد بن موسى [بن «1» عطاء الله] بن العزيف الصنهاجىّ الأندلسىّ العارف. والحافظ أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر بن أبى الأشعث السّمرقندىّ ببغداد فى ذى القعدة. والفقيه أبو محمد عبد الجبّار بن محمد بن أحمد الخوارىّ «2» البيهقىّ فى شعبان. وأبو الحكم عبد السلام بن عبد الرحمن بن أبى الرجال، وقد تغيّر. وشرف الإسلام عبد الوهاب ابن الشيخ أبى الفرج عبد الواحد بن محمد الشّيرازىّ الحنبلىّ الواعظ بدمشق. وأبو حفص عمر بن العزيز بن مازة شيخ الحنفيّة بما وراء النهر، قتل صبرا فى صفر. وأبو عبد الله محمد بن علىّ المازرىّ المالكىّ الحافظ فى شهر ربيع الأوّل، وله ثلاث وثمانون سنة. وأبو الكرم نصر «3» الله بن محمد بن محمد بن مخلد بن الجلخت «4» بواسط فى ذى الحجّة. وإمام جامع دمشق أبو محمد هبة الله بن أحمد بن عبد الله بن علىّ بن طاوس. وأبو محمد يحيى بن علىّ بن الطرّاح المدينىّ فى رمضان.

ما وقع من الحوادث سنة 537

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وخمس أصابع. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وإحدى عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 537] السنة الثالثة عشرة من ولاية الحافظ على مصر وهى سنة سبع وثلاثين وخمسمائة. فيها ملك الأمير زنكى بن آق سنقر التركى والد بنى زنكى قلعة الحديثة التى على الفرات، ونقل من كان بها من آل مهارش إلى الموصل، ورتّب فيها نوّابه. وفيها توفّى الحسن بن محمد بن علىّ بن أبى الضوء الشريف أبو محمد الحسينى البغدادىّ، نقيب مشهد موسى بن جعفر ببغداد. كان إماما فاضلا فصيحا شاعرا إلّا أنّه كان على مذهب القوم، متغاليا فى التشيّع، فشان سودده بذلك. ومن شعره قوله فى المرثية التى عملها فى الشريف النقيب طاهر، وأظنّها من جملة أبيات،: [الخفيف] قرّبانى إن لم يكن لكما عق ... ر إلى جنب قبره فاعقرانى وانضحا من دمى عليه فقد كا ... ن دمى من نداه لو تعلمان قلت: لله درّه! لقد أحسن وأبدع فيما قال. وقد ساق ابن خلّكان هذه الأبيات فى ترجمة خالد «1» الكاتب، وساق له حكاية ظريفة، وذكر الأبيات فى صمنها فلتنظر هناك. وفيها توفى السلطان داود ابن السلطان محمود شاه ابن السلطان محمد شاه ابن السلطان ملكشاه ابن السلطان ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق

ابن دقماق السلجوقىّ، صاحب أذربيجان وغيرها، الذي كسره السلطان مسعود وجرى له معه وقائع وحروب- تقدّم ذكر بعضها- حتّى استولى على تلك النواحى. وكان سبب موته أنّه ركب يوما فى سوق تبريز، فوثب عليه قوم من الباطنيّة فقتلوه غيلة، وقتلوا معه جماعة من خواصّه، ودفن بتبريز. وكان ملكا شجاعا جوادا عادلا فى الرعيّة يباشرا الحروب بنفسه. وفيها توفّى العلامة قاضى القضاة عبد المجيد بن إسماعيل بن محمد أبو سعيد الهروىّ الحنفىّ قاضى بلاد الروم. كان إماما فقيها متبحّرا مصنّفا، وله مصنّفات كثيرة فى الأصول والفروع، وخطب ورسائل، وأدّب وأفتى ودرّس سنين عديدة. ومات بمدينة قيساريّة فى شهر رجب من السنة المذكورة. ومن شعره: [الكامل] وإذا متتّ إلى الكريم خديعة ... فرأيته فيما تروم يسارع «1» فاعلم بأنّك لم تخادع جاهلا ... إنّ الكريم بفعله يتخادع وفيها توفّى القان «2» ملك الخطا والترك الملك كوخان «3» وهو على كفره. وأظنّه هو الذي كسر سنجرشاه السلجوقىّ المقدّم ذكره، وقتل تلك الأمم. والله أعلم. وفيها توفّى القاضى المنتخب أبو المعالى محمد بن يحيى بن علىّ القرشىّ قاضى قضاة دمشق وعالمها، مات بها فى شهر ربيع الأوّل وله تسع «4» وتسعون سنة. وفيها توفّى صاحب المغرب أمير المسلمين أبو الحسن على بن يوسف بن تاشفين المعروف بالملثّم، قاله الذهبىّ فى تاريخ الإسلام.

ما وقع من الحوادث سنة 538

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو عبد الله الحسين «1» ابن علىّ سبط أبى منصور الخيّاط. وأبو الفتح عبد الله بن محمد بن محمد البيضاوىّ فى جمادى الأولى. وأبو طالب علىّ «2» بن عبد الرحمن بن أبى عقيل الصورىّ بدمشق. وكوخان سلطان الخطا وهو على كفره. والخطيب أبو الفضل محمد «3» بن عبد الله بن المهتدى بالله. وأبو الفتح مفلح بن أحمد الرومىّ الورّاق ببغداد. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وست عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا سواء. *** [ما وقع من الحوادث سنة 538] السنة الرابعة عشرة من ولاية الحافظ على مصر وهى سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة. فيها توفّى نقيب النقباء علىّ بن طرّاد بن محمد بن علىّ أبو القاسم الزينبىّ. كان معظّما فى الدول. ولّاه الخليفة المستظهر بالله نقابة النقباء، ولقّبوه بالرضى ذى الفخرين. وكان من بيت الرياسة والنقابة والفضل. قلت: وكان ولى الوزارة؛ فنقم «4» عليه الخليفة المقتفى بالله وصادره بما فعله مع الخليفة الراشد من كتابة المحضر المقدّم ذكره فى سنة ثلاثين وخمسمائة. وكان

الزينبىّ هذا إماما فاضلا فقيها بارعا فى مذهب الإمام أبى حنيفة، وكان جوادا ممدّحا. مدحه الحيص «1» بيص بقصيدته التى أوّلها: [الكامل] ما أنصفت بغداد نائبها الذي ... كبرت نيابته على بغداد وفيها توفّى الشيخ الإمام العالم العلّامة فريد عصره ووحيد دهره وإمام وقته أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الزمخشرى الخوارزمىّ النحوىّ اللغوىّ الحنفىّ المتكلم المفسّر صاحب «الكشّاف» فى التفسير و «المفصّل» فى النحو. وكان يقال له جار الله؛ لأنّه جاور بمكّة المشرّفة زمانا، وقرأ بها على ابن وهّاس الذي يقول فيه: [الطويل] ولولا ابن وهّاس وسابق فضله ... رعيت هشيما واستقيت مصرّدا وزمخشر: قرية من قرى خوارزم، ومولده بها فى رجب سنة سبع وستين وأربعمائة. وقدم بغداد وسمع الحديث وتفقّه وبرع فى فنون؛ وصار إمام عصره فى عدّة علوم. ومن شعره يرثى شيخه أبا مضر منصورا «2» : [الطويل] وقائلة ما هذه الدّرر الّتى ... تساقط «3» من عينيك سمطين سمطين فقلت «4» لها الدّرّ الذي كان قد حشا ... أبو مضر أذنى تساقط من عينى أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع سواء. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وتسع أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 539

*** [ما وقع من الحوادث سنة 539] السنة الخامسة عشرة من ولاية الحافظ على مصر وهى سنة تسع وثلاثين وخمسمائة. فيها افتتح زنكى بن آق سنقر الرّهاء من يد الفرنج مع أمور وحروب، وردم سورها، وكتب إلى النصارى أمانا وأحسن للرعيّة، وحفر بها أساسا عميقا. وأول صخرة ظهرت فى هذا الأساس وجدوا مكتوبا عليها سطرين بالسريانيّة؛ فجاء شيخ يهودىّ فحلّهما إلى العربيّة، وهما: [السريع] أصبحت خلوا من بنى الأصفر ... أختال بالأعلام والمنبر فظهر الرّحب على أنّنى ... لولا ابن سنقر لم أظهر وفيها توفّى هبة الله بن الحسن الشيخ أبو القاسم المعروف بالبديع الأسطرلابىّ «1» . كان فريد وقته فى عمل الأسطرلابات وآلات الفلك والطّلّسمات، وكان مع ذلك أديبا فاضلا. ومن شعره وقد أرسل لبعض الرؤساء هديّة: [الكامل] أهدى لمجلسك الشريف وإنّما ... أهدى له ما حزت من نعمائه كالبحر يمطره السحاب وما له ... منّ عليه لأنّه من مائه وفيها توفّى صاحب المغرب وأمير المسلمين تاشفين بن علىّ بن يوسف بن تاشفين المصمودىّ المغربىّ. وتمكن بعده عبد المؤمن بن علىّ بعد أمور وقعت له مع تاشفين هذا وبعده.

وفيها توفّى الشيخ الإمام أبو الحسن شريح بن محمد بن شريح الرّعبنىّ المالكىّ الفقيه خطيب إشبيلية. كان إماما عالما خطيبا أديبا شاعرا. وفيها توفّى المسند المعمّر أبو الحسن علىّ بن هبة الله بن عبد السلام الكاتب الفقيه مسند الأندلس، سمع الكثير ورحل البلاد وتفرّد بأشياء عوال. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى أبو البدر «1» إبراهيم بن محمد بن منصور الكرخىّ فى شهر ربيع الأوّل. وتاشفين بن علىّ بن يوسف بن تاشفين المصمودىّ أمير المسلمين، وتمكّن بعده عبد المؤمن. وأبو منصور سعيد بن محمد ابن الرزاز «2» شيخ الشافعيّة ببغداد. وأبو الحسن شريح بن محمد بن شريح الرّعبنىّ خطيب إشبيلية. ومسند الأندلس أبو الحسن علىّ بن هبة الله بن عبد السلام الكاتب. وأبو البركات عمر بن إبراهيم بن محمد الزّيدىّ العلوىّ النحوىّ الكوفىّ. وفاطمة بنت محمد بن أبى سعد محمد «3» البغدادىّ بأصبهان، ولها أربع وتسعون سنة. وأبو المعالى محمد بن إسماعيل الفارسىّ النيسابورىّ. وأبو منصور [محمد «4» بن] عبد الملك [بن الحسن بن إبراهيم «5» ] بن خيرون المقرئ فى رجب. وأبو المكارم المبارك ابن علىّ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وأربع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وأربع أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 540

*** [ما وقع من الحوادث سنة 540] السنة السادسة عشرة من ولاية الحافظ عبد المجيد على مصر وهى سنة أربعين وخمسمائة. فيها توفّى بهروز الخادم أبو الحسن مجاهد الدين خادم السلطان مسعود السّلجوقىّ. كان خادما أبيض، ويلقّب مجاهد الدين. ولى إمرة العراق نيّفا وثلاثين سنة، وله به مآثر. منها أخذ كنيسة وبناها رباطا على شاطىء دجلة وأوقف عليها أوقافا، وبها دفن. وبهروز (بكسر الباء الموحدة ثانية الحروف وهاء ساكنة وراء مهملة مضمومة وواو وزاى ساكنة) ومعناه باللغة العجميّة يوم جيّد على التقديم والتأخير على عادة اللغة العجمية والتركية. وفيها توفّى موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر الجواليقىّ الشيخ أبو منصور إمام المقتفى العبّاسىّ. سمع الحديث ببغداد وقرأ الأدب فأكثر، وانتهى إليه علم اللغة ودرّس النحو والعربيّة بالنظاميّة بعد أبى زكريا «1» التّبريزى. فلمّا ولى المقتفى الخلافة اختصه وجعله إمامه، فكان غزير العلم طويل الصمت متواضعا مليح الخطّ. مات فى المحرّم. وفيها توفّى الشيخ أبو «2» بكر بن تقىّ (بتاء مثناة من فوق ثالثة الحروف) الأندلسى القرطبى الفقيه الشاعر، كان فاضلا شاعرا فصيحا. ومن شعره: [الطويل] ومشمولة فى الكأس تحسب أنّها ... سماء عقيق زيّنت بكواكب بنت كعبة اللّذّات فى حرم الصّبا ... فحجّ إليها اللهو من كلّ جانب

ما وقع من الحوادث سنة 541

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الحافظ أبو سعيد «1» أحمد بن محمد بن أبى سعد البغدادىّ ثم الأصبهانىّ فى شهر ربيع الأوّل. وأبو بكر عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن النيسابورىّ فى جمادى الأولى. وأبو منصور موهوب بن أحمد بن محمد الجواليقىّ النحوىّ اللغوىّ إمام المقتفى فى المحرّم. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وأربع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا سواء. *** [ما وقع من الحوادث سنة 541] السنة السابعة عشرة من ولاية الحافظ عبد المجيد على مصر وهى سنة إحدى وأربعين وخمسمائة. فيها بنى حسام الدين بن أرتق جسر القرمان بأرض ميّافارقين. وفيها توفّى الأمير جاولى صاحب أذربيجان. كان شجاعا شهما يخافه السلطان مسعود وغيره. وسبب موته أنه افتصد وركب للصيد، فعنّ له أرنب فرماه بسهم فانفجر فصاده فضعف، ولم يقدر الطبيب على حبس الدم فمات. وفيها توفّى الملك أبو المظفّر «2» عماد الدين زنكى «3» ابن الأتابك آق سنقر. كان أبوه يكنى بقسيم الدولة. وكان (أعنى اق سنقر) من خواصّ السلطان ملكشاه السلجوقىّ

وولّاه حلب والحمص؟؟؟ وغيرهما. ولمّا مات ملك بعده ابنه زنكى جميع هذه البلاد، وزاد مملكته حتّى ملك الشام من محمد بن بورى بن طغتكين بعد حروب. ثم استولى زنكى هذا على الشام جميعه، وأقام على ذلك سنين، إلى أن توجّه إلى قلعة جعبر «1» ، فقاتل صاحبها شهاب الدين سالم بن مالك العقيلىّ ونصب عليها المجانيق حتى لم يبق إلّا أخذها. فلمّا كان ليلة الثلاثاء سابع عشر شهر ربيع الآخر اتّفق ثلاثة من خدّامه على قتله فذبحوه على فراشه وهربوا إلى القلعة وعرّفوا من بها. وكان مع زنكى أولاده الثلاثة: سيف الدين غازى، ونور الدين محمود المعروف بالشهيد، وقطب الدين مودود. فملك بعده ابنه نور الدين محمود الشهيد، وسار غازى إلى الموصل. قلت: وبنو زنكى هؤلاء هم أوسط الدول؛ فإن أوّل من ملك مع الخلفاء وتلقّب بالسلطان والألقاب العظيمة بنو بويه، ثم أنشأ بنو بويه بنى سلجوق. وأنشأ بنو سلجوق بنى أرتق وآق سنقر جدّ بنى زنكى هؤلاء. ثم أنشأ بنو زنكى (أعنى الملك العادل نور الدين محمود الشهيد) بنى أيّوب سلاطين مصر وغيرها. ثم أنشأ بنو أيوب المماليك ودولة الترك. وأوّل ملوكهم الملك المعزّ أيبك التركمانىّ. فانظر إلى أمر الدنيا وكيف كلّ طائفة نعمة طائفة ونشؤها إلى يومنا هذا. وفيها توفّى الأمير عبّاس شحنة مدينة الرّىّ. كان أميرا شجاعا مقداما جوادا يباشر الحروب بنفسه. وفيها توفّى عبد الرحيم بن المحسّن بن عبد الباقى الشيخ أبو محمد التّنوخىّ. كان شاعرا فصيحا، مات بميّافارقين.

ما وقع من الحوادث سنة 542

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو البركات إسماعيل ابن أبى سعد أحمد بن محمد «1» بن دوست الصوفىّ شيخ الشيوخ فى جمادى الآخرة. وأبو جعفر [حسن «2» ] بن علىّ البخارىّ الصوفىّ بهراة. وعماد الدين زنكى الأتابك ابن قسيم الدولة آق سنقر، قتله غلام له وهو محاصر قلعة جعبر. وأبو الفتح محمد ابن محمد بن عبد الرحمن بن علىّ النيسابورىّ الخشّاب «3» ، آخر من حدّث بأصبهان عن القشيرى «4» . وأبو عبد الله محمد بن محمد [بن أحمد «5» ] بن السّلال «6» الورّاق. وأبو بكر وجيه بن طاهر الشّحّامى «7» العدل فى جمادى الاخرة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ست أذرع وإصبعان. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 542] السنة الثامنة عشرة من ولاية الحافظ على مصر وهى سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة. فيها افتتح نور الدين محمود المعروف بالشهيد صاحب الشام حصن «8» أرتاح وغيرها من يد الفرنج. قلت: وهذا أوّل أمر الفتوحات الزّنكيّة والأيّوبيّة الآتى ذكرها إن شاء الله تعالى.

ما وقع من الحوادث سنة 543

وفيها استولى عبد المؤمن بن علىّ على مدينة مرّاكش من المغرب بالسيف وقتل من بها من المقاتلة، ولم يتعرّض للرعيّة، وأحضر اليهود والنصارى وقال: إنّ الإمام المهدىّ أمرنى ألّا أقرّ الناس إلّا على ملّة واحدة وهى الإسلام، وأنتم تزعمون أن بعد الخمسمائة عام يظهر من يعضد شريعتكم، وقد انقضت المدّة؛ وأنا مخيّركم بين ثلاث: إمّا أن تسلموا، وإمّا أن تلحقوا بدار الحرب، وإمّا أن أضرب رقابكم. فأسلم منهم طائفة، ولحق بدار الحرب أخرى. وأخرب عبد المؤمن الكنائس والبيع وردّها مساجد، وأبطل الجزية، وفعل ذلك فى جميع ولاياته. وفيها قتل الوزير رضوان بن ولخشى أمير الجيوش وزير الحافظ صاحب الترجمة ومدبّر ممالكه بديار مصر وغيرها. كان استوزره الحافظ صاحب مصر المذكور. فلمّا ولى الوزر استولى على مصر، وحجر على الخليفة الحافظ، وسلك فى ذلك طريق الأفضل بن أمير الجيوش بدر الجمالى. وزاد أمره، حتى دسّ عليه الحافظ السودان فوثبوا عليه وقتلوه. وفيها توفّى الأستاذ هبة الله بن على بن محمد بن حمزة أبو السعادات العلوىّ النحوىّ، ويعرف بابن الشّجرىّ. انتهى إليه فى زمانه علم النحو والعربيّة ببغداد، وسمع الحديث وطال عمره وأقرأ وحدّث. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وثلاث أصابع. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وثلاث عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 543] السنة التاسعة عشرة من ولاية الحافظ عبد المجيد على مصر وهى سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة.

فيها أزال السلطان نور الدين محمود بن زنكى صاحب دمشق من حلب الأذان ب «حىّ على خير العمل» وسبّ الصحابة بها، وقال: من عاد إليه قتلته؛ فلم يعد أحد. رحمه الله تعالى. وفيها ظهر بمصر رجل من ولد نزار ابن الخليفة المستنصر العبيدىّ يطلب الخلافة، فاجتمع عليه خلق، حتّى جهّز إليه الخليفة الحافظ صاحب الترجمة العساكر فالتقوا بالصعيد، وقتل من الفريقين جماعة. ثم انهزم النّزارىّ الذي خرج وقتل ولده. وفيها أغار نور الدين محمود صاحب دمشق المعروف بالشهيد المقدّم ذكره على بلاد الفرنج وفتح عدّة حصون- تقبّل الله منه- وأسر وقتل وغنم. وفيها حجّ بالناس من العراق الأمير قايماز. وفيها توفّى قاضى القضاة أبو القاسم علىّ بن الحسين بن محمد بن علىّ الزينبى البغدادىّ الحنفىّ. ولد فى نصف شهر ربيع الأول سنة سبع وأربعين وأربعمائة، وسمع الحديث وتفقّه وبرع فى مذهبه. ولّاه الخليفة المسترشد قضاء القضاة، وطالت مدّته وحسنت سيرته، وناب فى الوزارة فى بعض الأحيان. وفيها توفى الفقيه أبو الحجّاج يوسف «1» بن درناس الفندلاوىّ «2» شيخ المالكيّة بدمشق، استشهد بظاهر دمشق فى حرب الفرنج ومحاصرتهم لدمشق. وكان إماما عالما ديّنا بارعا فى فنون.

وفيها توفّى الأستاذ أبو الدرّ ياقوت الرومىّ الكاتب مولى أبى المعالى أحمد بن علىّ بن البخارىّ التاجر بدمشق. قلت: وتسمّى بهذا الاسم جماعة كثيرة لهم ذكر، فمنهم من يذكر هنا ومنهم من لا يذكر على حسب الاتفاق، وهم ياقوت هذا المذكور. وياقوت بن عبد الله الصّقلبى أبو الحسن المعروف بالجمالى مولى الخليفة المسترشد بالله الفضل العبّاسىّ، ووفاته سنة ثلاث وستين وخمسمائة. وياقوت بن عبد الله أبو سعيد مولى أبى عبد الله عيسى بن هبة الله بن النقّاش، ووفاته سنة أربع وسبعين وخمسمائة. وياقوت بن عبد الله الموصلىّ الكاتب أمين الدين المعروف بالملكىّ نسبته إلى أستاذه السلطان ملكشاه السّلجوقىّ، انتشر خطّه فى الآفاق، توفّى بالموصل سنة ثمانى عشرة وستمائة. وياقوت بن عبد الله الحموىّ الرومىّ شهاب الدين أبو الدرّ. كان من خدّام بعض التجار ببغداد يعرف بعسكر الحموىّ، وهو صاحب التصانيف؛ توفّى سنة ست وعشرين وستمائة. وياقوت بن عبد الله مهذّب الدين الرومىّ مولى أبى منصور الجيلىّ «1» التاجر، كان شاعرا ماهرا، وهو صاحب القصيدة التى أوّلها: [البسيط] إن غاض دمعك والأحباب قد بانوا ... فكلّ ما تدّعى زور وبهتان توفّى سنة اثنتين وعشرين وستمائة. وياقوت بن عبد الله المستعصمىّ الرومىّ جمال الدين أبو المجد صاحب الخطّ البديع، مولى الخليفة المستعصم بالله العباسىّ، توفّى سنة ثمان وتسعين وستمائة. وياقوت الشّيخىّ افتخار الدين الحبشى مقدّم المماليك فى دولة الأشرف شعبان بن حسين، توفّى سنة سبع وسبعين وسبعمائة. وياقوت بن عبد الله الحبشىّ المعزّىّ المسعودىّ المحدّث الفاضل، توفّى سنة أربع وخمسين وستمائة. وياقوت بن عبد الله الأرغون شاوى الحبشىّ مقدّم

ما وقع من الحوادث سنة 544

المماليك للأشرف برسباى، توفّى سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة. قلت: وهؤلاء الأعيان. وأمّا غير الأعيان فكثير. وقد استطردنا ذكرهم هنا جملة لئلّا يلتبس أحد منهم على من ينظر فى ترجمة أحدهم فى محلّه. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وثمانى أصابع. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وثلاث عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 544] السنة العشرون من ولاية الحافظ عبد المجيد على مصر- مات فى جمادى الآخرة، حسب ما تقدّم ذكره- وهى سنة أربع وأربعين وخمسمائة. فيها واقع السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكى بن آق سنقر المعروف بالشهيد صاحب دمشق الفرنج وكسرهم الكسرة المشهورة، وقتل منهم ألفا وخمسمائة، وأسر مثلهم؛ وعاد إلى حلب بالغنائم العظيمة والأسارى، وبعث بعضها إلى أخيه مودود. وفيها يقول ابن «1» القيسرانىّ الشاعر: [السريع] وكم «2» له من وقعة يومها ... عند ملوك الشّرك مشهود حتّى إذا عادوا إلى مثلها ... قالت لهم هيبته عودوا

مناقب لم تك موجودة ... إلا ونور الدين موجود وكيف لانثنى على عيشنا ال ... محمود والسلطان محمود وفيها افتتح نور الدين محمود أيضا حصن فامية؛ وكان على حماة وحمص منه ضرر عظيم. وفيها توفّى القاضى الإمام الأديب العلّامة ناصح الدين أبو بكر أحمد بن محمد ابن الحسين الأرّجانىّ قاضى تستر. قال ابن خلّكان: «والأرجانىّ: بفتح الهمزة وتشديد الراء والفتح والجيم وبعد الألف نون، هذه نسبة إلى أرّجان، وهى من كور الأهواز من بلاد خوزستان» . انتهى. وقال صاحب المرآة: «كان إمام عصره فقيها أديبا شاعرا صاحب النظم الرائق. وديوان شعره مشهور بأيدى الناس، سمع الحديث وتفقّه. وكان بليغا مفوّها. وهو القائل: [الكامل] أنا أشعر الفقهاء غير مدافع ... فى العصر وانا أفقه الشعراء قلت: ومن شعره- والبيت الثانى يقرأ معكوسا:- [الوافر] أحبّ المرء ظاهره جميل ... لصاحبه وباطنه سليم مودّته تدوم لكلّ هول ... وهل كلّ مودته تدوم وفيها توفّى الحافظ الناقد الحجة عياض بن موسى بن عياض بن عمرو «1» بن موسى ابن عياض بن محمد بن موسى بن عياض اليحصىّ السّبتىّ أبو الفضل المعروف بالقاضى عياض أحد عظماء المالكيّة. ولد بسبتة فى منتصف شعبان سنة ست وتسعين وأربعمائة. وأصله من الأندلس ثم انتقل أخير أجداده إلى مدينة قاس، ثم من فاس إلى سبتة. كان إماما حافظا محدّثا فقيها متبحّرا، صنّف التصانيف المفيدة، وانتشر

اسمه فى الافاق وبعد صيته. ومن مصنّفاته كتاب «الشفا فى شرف المصطفى» . وكتاب «ترتيب المدارك وتقريب المسالك فى ذكر فقهاء مذهب مالك» وكتاب «العقيدة» وكتاب «شرح حديث أمّ زرع» وكتاب « [جامع «1» ] التاريخ» وهو كتاب جليل، وشىء كثير غير ذلك. ومات بمرّاكش فى جمادى الآخرة. ومن شعره رحمه الله: [السريع] انظر إلى الزرع وخاماته «2» ... تحكى وقد هبّت «3» عليها الرياح كتيبة خضراء مهزومة ... شقائق النّعمان فيها جراح وفيها توفّى الملك غازى بن زنكى بن آق سنقر التركىّ، أخو السلطان نور الدين محمود الشهيد الأتابك، سيف الدين صاحب الموصل، وهو أكبر أولاد زنكى. مات فى سلخ جمادى الآخرة وله أربع وخمسون سنة، وأقام فى الملك ثلاث سنين وشهورا. وكان شجاعا جوادا. وهو أوّل من حمل السّنجق «4» على رأسه فى الأتابكيّة، ولم يحمله أحد قبله لأجل «5» ملوك السلجوقيّة. وفيها توفّى الأمير معين الدين أنر «6» مملوك الأتابك طغتكين. كان مدبّر دولة أولاد أستاذه الأتابك طغتكين، وكان جليل القدر عالى الهمّة.

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى القاضى أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسين الأرّجانى الشاعر بتستر. ومعين الدين أنر الطّغتكىّ مدبّر دولة أولاد أستاذه. والحافظ لدين الله عبد المجيد بن محمد [بن] المستنصر العبيدىّ. والقاضى عياض بن موسى بن عياض أبو الفضل اليحصبىّ السّبتىّ بمرّاكش فى جمادى الآخرة. وصاحب الموصل سيف الدين غازى ابن الأتابك. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وأربع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا.

ذكر ولاية الظافر على مصر

ذكر ولاية الظافر على مصر الظافر بالله أبو منصور إسماعيل بن الحافظ لدين الله أبى الميمون عبد المجيد ابن الأمير محمد ابن الخليفة المستنصر معدّ بن الظاهر علىّ بن الحاكم منصور بن العزيز بالله نزار بن المعزّ لدين الله معدّ، التاسع من خلفاء مصر من بنى عبيد، والثانى عشر منهم ممّن ولى من أجداده خلفاء المغرب. بويع بالخلافة بعد موت أبيه الحافظ فى جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وهو ابن سبع عشرة سنة وأشهر؛ لأنّ مولده فى يوم الأحد منتصف شهر ربيع الآخر سنة سبع وعشرين وخمسمائة. وأمّه أم ولد تدعى ستّ الوفاء، وقيل: ست المنى. قال العلّامة شمس الدين أبو المظفّر يوسف بن قزأوغلى سبط ابن الجوزىّ فى تاريخه مرآة الزمان-، بعد أن سمّاه يوسف، والصواب ما قلناه أنّه إسماعيل- قال: «وكانت أيّامه مضطربة لحداثة سنّه واشتغاله باللهو، وكان عبّاس «1» الصّنهاجىّ لمّا قتل ابن سلّار «2» وزر له واستولى عليه. وكان له ولد اسمه نصر، فأطمع نفسه فى الأمر وأراد قتل أبيه، ودسّ إليه سمّا ليقتله. فعلم أبوه واحترز وأراد أن يقبض عليه فما قدر؛ ومنعه مؤيّد «3» الدولة أسامة بن منقذ وقبّح عليه ذلك، وقال: إن فعلت هذا لم يبق لك أحد ويفرّ الناس عنك. فشرع أبوه يلاطفه (يعنى

الوزير عباس يلاطف ابنه نصرا) وقال له: عوض ما تقتلنى اقتل الظافر. وكان نصر ينادم الظافر ويعاشره، وكان الظافر يثق به وينزل فى الليل إلى داره متخفّيا. فنزل ليلة إلى داره وكانت بالسوفيّين «1» داخل القاهرة ومعه خادم «2» له، فشربا ونام الظافر؛ فقام نصر فقتله ورمى به فى بئر. فلمّا أصبح عبّاس (يعنى الوزير أبا نصر المذكور) جاء إلى باب القصر يطلب الظافر؛ فقال له خادم القصر: ابنك يعرف أين هو [ومن «3» ] قتله. فقال عبّاس: ما لا بنى فيه علم. وأحضر أخوى الظافر وابن أخيه فقتلهم صبرا بين يديه؛ وأحضر أعيان الدولة وقال: إنّ الظافر ركب البارحة فى مركب فانقلبت به فغرق «4» . ثمّ أخرج عيسى ولد الظافر. فتفرّقوا عن عبّاس وابنه، وثار الجند والعبيد وأهل القاهرة وطلبوا بثأر الظافر من عبّاس وابنه نصر. فأخذ عبّاس وابنه نصر ما قدرا عليه من المال والجواهر وهربا إلى الشام. فبلغ الفرنج فخرجوا إليهما، وقتلوا عبّاسا وأسروا ابنه نصرا؛ وقتل نصر فى السنة الآتية» . انتهى. وقال القاضى شمس الدّين أحمد بن خلّكان: «بويع يوم مات أبوه بوصية أبيه، وكان أصغر أولاد أبيه سنّا. كان كثير اللهو واللّعب، والتفرّد بالجوارى، واستماع المغانى. وكان يأنس بنصر بن عبّاس. فاستدعاه إلى دار أبيه ليلا سرّا

بحيث لا يعلم به أحد، وتلك الدار فى المدرسة الحنفيّة السيوفيّة «1» الآن، فقتله بها وأخفى أمره. قال: وقصّته مشهورة، وذلك فى نصف المحرّم سنة تسع وأربعين وخمسمائة. وكان من أحسن الناس صورة. والجامع «2» الظّافرىّ الذي بالقاهرة داخل بآب زويلة منسوب إليه، وهو الذي عمّره وأوقف عليه شيئا كثيرا» . انتهى كلام ابن خلّكان. قلت: والجامع الظافرىّ هو المعروف الآن بجامع الفاكهانيّين على الشارع «3» الأعظم بالقرب من حارة الدّيلم «4» .

وقال ابن القلانسىّ: «إنّ الظافر إنّما قتله أخواه يوسف وجبريل وابن عمهما صالح بن الحسن. قلت: وهذا القول يؤيّده قول ما نقله أبو المظفر من أنّ عبّاسا قتل أخوى الظافر وابن عمه صبرا (أعنى لمّا بلغه قتلهم للظافر قتلهم به) ؛ غير أنّ جمهور المؤرخين اتّفقوا على أنّ قاتل الظافر نصر بن عبّاس المقدّم ذكره. قال: وكان الظافر قد ركن إليهم (يعنى أخويه وابن عمه) وأنس بهم فى وقت مسرّاته؛ فاتّفقوا عليه واغتالوه، وذلك فى يوم الخميس سلخ صفر. وحضر العادل عبّاس الوزير وابنه ناصر الدين نصر وجماعة [من «1» ] الأمراء والمقدّمين [للسلام «2» ] على الرسم. فقيل لهم: إن أمير المؤمنين ملتاث الجسم. فطلبوا الدخول إليه فمنعوا؛ فألحّوا فى الدخول بسبب العيادة فلم يمكّنوا. فهجموا ودخلوا القصر وانكشف أمره، فقتلوا الثلاثة وأقاموا ولده عيسى وهو ابن ثلاث سنين، ولقّبوه بالفائز بنصر الله وبايعوه؛ وعبّاس الوزير إليه تدبير الأمور. ثم ورد الخبر بأن طلائع بن رزّيك فارس المسلمين قد امتعض من ذلك وجمع وحشد وقصد القاهرة، وكان من أكابّر الأمراء. وعلم عبّاس أنّه لا طاقة له به، فجمع أمراءه وأسبابه وأهله وخرج من القاهرة. فلمّا قرب من عسقلان وغزّة خرج عليه جماعة من خيّالة الفرنج، فاغترّ بكثرة من معه؛ فلمّا حمل عليهم قتل أكثر أصحابه وانهزموا، فانهزم هو وابنه الصغير وأسر ابنه الكبير الذي قتل ابن سلّار مع ولده وحرمه وماله وكراعه «3» ، وصار الجميع للفرنج، ومن هرب مات من الجوع والعطش. ووصل طلائع بن رزّيك إلى القاهرة، فوضع السيف فيمن بقى من أصحاب عبّاس، وجلس فى منصب الوزارة» . انتهى كلام ابن القلانسىّ. وما نقله غالبه مخالف لغيره من المؤرّخين. والله أعلم.

وقيل غير ذلك: إنّ خدّام القصر كتبوا إلى طلائع بن رزّيك وهو والى قوص «1» وأسوان «2» والصعيد يخبرونه بقتل الظافر ويستنجدونه على عبّاس وابنه نصر. وكتب إليه فيمن كتب القاضى الجليس أبو المعالى عبد العزيز بن الحبّاب «3» قصيدته الدالية التى أوّلها: [الطويل] دمعى عن نظم القريض غوادى «4» ... وشفّ فؤادى شجوه المتمادى وأرّق عينى والعيون هواجع ... هموم أقضّت مضجعى ووسادى بمصرع أبناء الوصىّ وعترة الن ... بىّ وآل الذاريات وصاد فأين بنو رزّيك عنهم ونصرهم ... ومالهم من منعة وذياد أولئك أنصار الهدى وبنو الردّى ... وسمّ العدا من حاضرين وباد لقد هدّ ركن الدّين ليلة قتله ... بخير دليل للنّجاة وهاد تدارك من الإيمان قبل دثوره ... حشاشة نفس آذنت بنفاد

وقد كاد «1» أن يطفى تألّق نوره ... على الحقّ عاد من بقية عاد فلو عاينت عيناك بالقصر يومهم ... ومصرعهم لم تكتحل برقاد وهى طويلة كلّها على هذا المنوال فى معنى النجدة. وقد نقلتها من خطّ عقد لا يقرأ إلّا بجهد. فلمّا بلغ ذلك طلائع بن رزّيك جمع ودخل القاهرة فى تاسع شهر ربيع الأوّل، وجلس فى دست الوزارة، وتلقّب بالملك الصالح؛ وهو صاحب الجامع «2» خارج بابى زويلة، وأخرج جسد الظافر من البئر التى كان رمى فيها بعد قتله وجعله فى تابوت ومشى بين يديه حافيا مكشوف الرأس، وفعل الناس كذلك، وكثر الضجيج والبكاء والعويل فى ذلك اليوم. وقال بعضهم وأوضح الأمر، وقوله: إنّ الظافر كان قد أحبّ نصر بن عبّاس حبّا شديدا، وبقى لا يفارقه ليلا ولا نهارا. فقدم مؤيّد الدولة أسامة بن منقذ من الشام، فقال لعبّاس الوزير يوما: كيف تصبر على ما أسمع من قبيح القول! قال عبّاس: وما يقولون؟ قال يقولون: إن الظافر بنى «3» على ابنك نصر. فغضب عبّاس من ذلك، وأمر ابنه نصرا، فدعا الظافر لبيته فوثب عليه وقتله. وساق نحوا مما سقناه من قول أبى المظفّر وابن خلّكان. وانتهى كلامه. وقال صاحب كتاب المقلتين فى أخبار الدولتين: «ولمّا تمّ أمر الظافر ركب بزىّ الخلافة وعاد إلى القصر؛ ولم يقدّم شيئا على انتقامه من ابنى الأنصارى لما كان يبلغه عنهما فى أيام والده الحافظ.

وخبر ابنى الأنصارىّ أنّهما كانا من جملة الكتّاب، وتوصّلا إلى الحافظ، فاستخدمهما فى ديوان الجيش قصدا لتمييزهما؛ وهما غير قانعين بذلك، لما يعلمانه من إقبال الحافظ عليهما؛ فوثبا على السادة من رؤساء الدولة مثل الأجلّ الموفّق أبى «1» الحجّاج يوسف كاتب دست الخليفة ومشورته، ومن يليه مثل القاضى المرتضى «2» المحنّك، والخطيرى البوّاب؛ فتجرّأا على المذكورين وغيرهم من الأمراء مع قلّة دربة. فتتبّع القوم عوراتهم، والخليفة الحافظ لا يزداد فيهما إلّا رغبة. ووقع لهما أمور قبيحة، والقوم يبلّغون الخليفة خبرهم شيئا بعد شىء، وهو لا يلتفت إلى قولهم. ولا زال ابنا الأنصارىّ حتى صار الأكبر شريك الأجلّ الموفّق فى ديوان المكاتبات، ولكن خصّص الموفّق بالإنشاء جميعه. ولمّا تولّى ابن الأنصارىّ نصف الديوان نعت بالقاضى الأجلّ سناء الملك، بعد أن وصّاه الخليفة الحافظ أن يقنع مع الموفق بالرتبة ويدع المباشرة، ويخدم الموفّق. وصبر الأجلّ الموفّق على ذلك مراعاة لخاطر الخليفة. وأمّا ابن الأنصارى الصغير فإنّه تجنّد فتأمّر فى يوم، وخلع عليه بالطّوق وما يلزم الأمريّة، وصار أمير طوائف الأجناد. فقال الناس: هو الأمير الطارى ابن الأنصارى!. وبينما هم فى ذلك مرض الخليفة الحافظ ومات، وآلت الخلافة لولده الظافر هذا. فنرجع لما كنّا عليه من أمر الظافر مع ولدى «3» الأنصارىّ المذكورين. فركب الخليفة الظافر بعد العشاء الآخرة فى الشمع بالقصر، ووقف على باب الملك بالإيوان المجاور للشباك، وأحضر ابنى الأنصارىّ واستدعى متولّى؟؟؟

السّتر، وهو صاحب العذاب، وأحضرت آلات العقوبة، فضرب الأكبر بحضوره بالسّياط إلى أن قارب الهلاك، وثنىّ بأخيه كذلك؛ وامر بإخراجهما وقطع أيديهما وسلّ ألسنتهما من قفيّهما، وصلبا على بابى زويلة الأوّل والثانى زمانا. وأقام الظافر ابن مصال «1» المغربىّ وزيرا مدة شهرين. فخرج عليه ابن سلّار، وكان واليا على البحيرة والإسكندرية، ولم يرض بوزارة ابن مصال المذكور، وتابعه عباس وكان واليا على الغربية، وهو ولد زوجته. فلمّا بلغ الوزير ابن مصال ذلك، خرج إلى الصعيد لكونه لم يطق لقاء ابن سلّار ومن معه على غير موافقة من الخليفة الظافر. ودخل ابن سلّار إلى القاهرة وزيرا؛ فما طابت به نفس الخليفة الظافر بالله، فباشر الأمور مباشرة بجدّ. وأقام الظافر خليفة إلى أوائل سنة تسع وأربعين وخمسمائة، ولم يصف بين الخليفة والوزير عيش قطّ، وجرت بينهما أمور؛ وثبت عند ابن سلّار كراهة الخليفة فيه، فاحترز على نفسه منه، وأقام كذلك أربع سنين وبعض الخامسة، حتّى قتله نصر بن عبّاس اغتيالا فى داره. وذكر أنّ ذلك بموافقة الخليفة الظافر على ذلك؛ لأنّ هذا نصرا كان قد اختلط بالخليفة اختلاطا دائما أدّى إلى حسد أكثر أهل الدولة له على ذلك. وخشى عبّاس على نفسه من ولده نصر المذكور لما تمّ منه فى حقّ ابن سلّار؛ فرمى بينه وبين الخليفة بموهمات قبيحة، حتّى قتل نصر الخليفة أيضا. ودفنه فى داره التى بالسيوفيّين «2» ، وقتل أستاذين معه. ولمّا عدم الخليفة استخلف ولده بعده، وهو أبو القاسم عيسى، ونعت بالفائز بنصر الله، وكان عمره يومئذ خمس سنين. أخرجه الوزير عبّاس من عند جدّته أمّ

أبيه الخليفة يوم قتل عمّيه يوسف وجبريل ابنى الحافظ- وهما مظلومان- بتهمة أنّهما قتلا أخاهما الخليفة الظافر حسدا على الرتبة لينالاها بعده. وليس الأمر كذلك، بل عبّاس الوزير وولده نصر قتلاه. فرآهما الخليفة هذا الصغير مقتولين، فتفزّع واضطرب وغشى عليه، ولازمه ذلك وكثر به. قلت: وقول هذا عندى فى قتل الخليفة الظافر أثبت الأقاويل. وبكلامه أيضا يعرف جميع ما ذكرناه فى أمره من أقوال المؤرّخين؛ فانّه ساق أمره على جليّته من غير إدخال شىء معه. وأمّا تفصيل أمر عبّاس الوزير وابنه نصر فإنّ عبّاسا كان رجلا من بنى تميم ملوك الغرب، ودخل عبّاس القاهرة فاجتمع بالخليفة، فأكرمه وأنعم عليه بأشياء ثم خلع عليه بالوزارة على العادة ولقبه؛ فباشر عبّاس الوزارة وخدم الأمور وأكرم الأمراء وأحسن إلى الأجناد لينسيهم العادل ابن سلّار. واستمرّ ابنه نصر على مخالطة الخليفة الظافر؛ حتّى اشتغل الظافر عن كلّ أحد بآبن عبّاس المذكور، وأبوه عبّاس يكره خلطته بالخليفة. وانتهى الخليفة معه إلى أن يخرج من قصره لزيارة ابن عبّاس بداره التى بالسيوفيين، بحيث لا يعلم عبّاس بذلك. فلمّا علم استوحش من الخليفة لجرأة ابنه، وتوهّم أنّه ربما يحمله الخليفة على قتله. فقال عباس لابنه سرّا: قد أكثرت من ملازمة الخليفة حتى تحدّث الناس فى حقّك معه بما أزعج باطنى، وربّما يتناقل الناس ذلك ويصل إلى أعدائنا منه ما لا يزول، ففهم ابنه نصر عنه وأخذته حدّة الشباب؛ فقال نصر لأبيه: أيرضيك قتله؟ فقال أزل التهمة عنك كيف شئت. فخرج الخليفة ليلة إلى نصر بن عبّاس على عادته، فقتله بالجماعة الذين قتل بهم الوزير ابن سلّار، وقتل أيضا أستاذين كانا مع الخليفة

الظافر، وطمرهم فى بئر هناك. وأصبح عبّاس فبايع عيسى بن الظافر، ولقّبه الفائز، على ما يأتى ذكره فى أوّل ترجمة الفائز. ولما تمّ لعبّاس ما قصده من قتل الخليفة وتولية ولده الخلافة، كثرت الأقاويل ووقع الناس على الخبر الصحيح بالحدس، فاستوحش الناس قتل هؤلاء الأئمة. وكان طلائع بن رزّيك واليا على الأشمونين «1» والبهنسا «2» ؛ فتحرّك حاشدا على عبّاس، ولبس السواد وحمل شعور النساء حرم الخليفة على الرماح. فتخلخل أمر عبّاس وتفرّق الناس عنه، وصار الناس تسمبه المكروه فى الطّرقات من كلّ فجّ، حتى إنّه رمى من طاق ببعض الشوارع وهو جائز بهاون نحاس، وفى يوم آخر بقدر مملوءة ماء حارّا؛ فقال عبّاس: ما بقى بعد هذا شىء. فصار يدبّر كيف يخرج وأين يسلك. فأشار عليه بعض أصحابه بتحريق القاهرة قبل خروجه منها فلم يفعل، وقال: يكفى ما جرى. فلمّا قرب طلائع بن رزيك إلى القاهرة خرج عبّاس وابنه ومعهما كلّ ما يملكانه طالبّا للشرق. فحال الفرنج بينه وبين طريقه، فقاتل حتّى قتل وأسر ولده نصر، وفاز الفرنج بما كان معه، وذلك فى شهر ربيع الأوّل سنة تسع وأربعين وخمسمائة. وأمّا ولده نصر فنذكر أمره وقتله فى أوّل ترجمة الفائز بأوسع من هذا إن شاء الله تعالى. وكانت قتلة الخليفة الظافر هذا فى سلخ المحرّم سنة تسع «3» وأربعين وخمسمائة على قول من رحّج ذلك، وله اثنتان وعشرون سنة؛ وكانت خلافته أربع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام. وتولّى الخلافة بعده ولده الفائز عيسى. ونذكر إن شاء الله أمر قتله أيضا فى ترجمة الفائز بأوسع من هذا هناك.

ما وقع من الحوادث سنة 545

*** [ما وقع من الحوادث سنة 545] السنة الأولى من ولاية الظافر بأمر الله أبى منصور إسماعيل على مصر وهى سنة خمس وأربعين وخمسمائة. فيها مطرت اليمن مطرا دما، وبقى أثره فى الأرض وفى ثياب الناس. وفيها فى المحرّم نزل الملك العادل نور الدين محمود بن زنكى صاحب الشام على دمشق وحاصرها؛ فراسله صاحبها مجير «1» الدين، وخرج إليه هو والرئيس «2» ابن الصوفىّ وبذلا له الطاعة وأن يخطب له مجير الدين بعد الخليفة والسلطان، وأن ينقش اسمه على الدينار والدرهم؛ فرضى نور الدين وخلع عليه ورحل عنه. وعاد وافتتح قلعة اعزاز. وفيها اختلف وزير مصر ابن مصال المغربى والعادل ابن سلّار وجمعا العساكر واقتتلا، فقتل الوزير ابن مصال، واستقلّ ابن سلّار بالوزر والملك. وقد ذكرنا نحو ذلك فى ترجمة الظافر هذا. وفيها توفّى أبو المفاخر الحسن بن ذى «3» النون الواعظ [بن أبى القاسم] . كان فاضلا صالحا إماما فقيها حنفىّ المذهب، كان يعيد الدرس خمسين مرّة. ومن شعره: [البسيط] مات الكرام ومرّوا وانقضوا ومضوا ... ومات بعدهم تلك الكرامات وخلّفونى فى قوم ذوى سفه ... لو أبصروا طيف ضيف فى الكرى ماتوا

وفيها توفّى الأمير أبو الحسن علىّ بن دبيس صاحب الحلّة. كان شجاعا جوادا إلّا أنّه كان على عادة أهل الحلّة رافضيّا خبيثا. وفيها توفّى قتيلا الوزير علىّ «1» بن سلّار وزير الظافر صاحب الترجمة بديار مصر. كان يلقّب بالملك العادل. وتولّى الوزر بعده عبّاس أبو نصر الذي قتل الظافر، حسب ما ذكرنا ذلك كلّه مفصّلا. وفيها ملكت الفرنج عسقلان «2» بالأمان بعد أن قتل من الفريقين خلق كثير، وكان قد تمادى القتال بينهم فى كلّ سنة إلى أن سلّموها. وأخذ الفرنج جميع ما كان فيها من الذخائر وغيرها. وفيها توفّى أحمد بن منير بن أحمد «3» الأديب أبو الحسين الطرابلسىّ الشاعر المشهور المعروف بالرّفاء. ولد سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة بطرابلس. وكان بارعا فى اللغة والعربيّة والأدب إلّا أنّه خبيث اللّسان كثير الفحش. حبسه الملك تاج الملوك بورى صاحب دمشق، وعزم على قطع لسانه؛ فاستوهبه منه الحاجب يوسف بن فيروز فوهبه له فنفاه. وكان هجا خلائق كثيرة، وكان بينه وبين ابن القيسرانى مهاجاة، وكان رافضيّا. وكانت وفاته بحلب فى جمادى الآخرة. ومن شعره: [الطويل] جنى وتجنّى والفؤاد يطيعه ... فلا ذاق من يجنى عليه كما يجنى فإن لم يكن عندى كعينى ومسمعى ... فلا نظرت عينى ولا سمعت أذنى

ما وقع من الحوادث سنة 546

وفيها توفّى الأمير تمرتاش «1» بن نجم الدين إيلغازى الأرتقىّ صاحب ماردين وديار بكر. كان شجاعا جوادا عادلا محبّا للعلماء والفضلاء يبحث معهم فى فنون العلوم. وكان لا يرى القتل ولا الحبس. ومات فى ذى القعدة، وكانت مدّته نيّفا وثلاثين سنة. وقام بعده ابنه. وفيها توفّى حيدره «2» بن الصوفىّ الذي كان أقامه مجير الدين صاحب دمشق مقام أخيه، ثم وقع منه سعى بالفساد، فاستدعاه مجير الدين إلى القلعة على حين غفلة فضرب عنقه لسوء سيرته وقبح أفعاله. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى أبو بكر محمد بن أبى حامد بن عبد العزيز بن على الدّينورىّ البيّع ببغداد. والمبارك بن أحمد ابن بركة الكندىّ الحبّار «3» . أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ست أذرع وأربع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثلاث عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 546] السنة الثانية من ولاية الظافر على مصر وهى سنة ست وأربعين وخمسمائة. فيها دخل السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه السلجوقىّ إلى بغداد، وخرج الوزير ابن هبيرة «4» وأرباب الدولة إلى لقائه فأكرمهم.

وفيها عاد الملك العادل نور الدين محمود إلى حصار دمشق، ووقع له مع مجير الدين صاحب دمشق أمور حتّى استنجد مجير الدين بالفرنج، فرحل عنها نور الدين؛ ثم نازلها وتراسلا على يد الفقيه «1» برهان الدين البلخىّ وأسد الدين شيركوه «2» الكردىّ وأخيه نجم الدين أيوب، ثم تحالف نور الدين مع مجير الدين على أمر ورحل عنه. وفيها توفّى الأمير علىّ بن مرشد [بن علىّ «3» ] بن المقلّد بن نصر بن منقذ عزّ الدين. ولد بشيزر. وكان فاضلا أديبا حسن الخط، مات بعسقلان شهيدا. وكان أكبر إخوته وبعده أسامة. ومن شعره: [الكامل] قد قلت للمنثور إنّ الورد قد ... وافى على الأزهار وهو أمير فافترّ ثغر الأقحوان مسرّة ... لقدومه وتلوّن المنثور وفيها توفّى الفامىّ «4» الحافظ أبو نصر عبد الرحمن بن عبد الجبّار الهروىّ العجمىّ. كان إماما عالما فاضلا، رحل وسمع الحديث وتفقّه وبرع فى علوم شتّى. مات فى هذه السنة فى قول الذهبىّ. وفيها توفّى الأمير نوشتكين «5» بن عبد الله الرّضوانىّ السلجوقىّ ببغداد. كان أميرا معظّما فى الدول وله مواقف ووقائع.

ما وقع من الحوادث سنة 547

وفيها توفّى القاضى أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربىّ الأندلسىّ المالكىّ. كان إمام وقته مفتنّا فى علوم كثيرة، وولى القضاء مدّة طويلة، وكان مشكور السّيرة عدلا فى حكمه. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو نصر عبد الرحمن ابن عبد الجبّار الهروىّ الفامىّ الحافظ. والقاضى أبو بكر محمد بن عبد الله الأندلسىّ. والأمير نوشتكين الرّضوانىّ ببغداد. وأبو الوليد يوسف بن عبد العزيز بن الدّبّاغ «1» اللّخمىّ الأندلسىّ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ست أذرع وإصبعان. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وأربع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 547] السنة الثالثة من ولاية الظافر أبى منصور على مصر وهى سنة سبع وأربعين وخمسمائة. فيها توفّى محمد بن نصر أبو «2» عبد الله العكّاوىّ ويقال له ابن صغير القيسرانىّ الشاعر المشهور. ولد بعكّا ونشأ بقيساريّة الساحل، ثم انتقل إلى حلب وإلى دمشق. فبلغ تاج الملوك بورى بن طغتكين أنّه هجاه فتنكّر له، فهرب إلى حلب ومدح نور الدين محمود بن زنكى صاحبها. وله ديوان شعر مشهور، ومات بدمشق. ومن شعره فى مغنّ وأجاد إلى الغاية: [البسيط] والله لو أنصف الفتيان أنفسهم ... أعطوك ما ادّخروا منها وما صانوا ما أنت حين تغنّى فى مجالسهم ... إلا نسيم الصّبا والقوم أغصان

وفيها توفّى السلطان مسعود ابن السلطان محمد شاه ابن السلطان ملكشاه ابن السلطان ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقماق السلجوقىّ. كان ملكا جليلا شجاعا طالت أيامه. قال أبو المظفّر: لم ير أحد ما رأى من الملوك والسلاطين حتّى مرض على همذان بأمراض حارّة، وعسرت مداواته. ومات فى سلخ جمادى الآخرة. وأقيم بعده فى الملك ابن أخيه ملكشاه بن محمود بن محمد شاه ابن ملكشاه، فأقام ملكشاه المذكور خمسة أشهر ثمّ وقع له أمور وخلع. قلت: يكون ملكشاه هذا ثانى ملك من بنى سلجوق سمّى بملكشاه. وفيها توفّى الشيخ الإمام الواعظ المظفّر بن أردشير أبو منصور العبّادىّ «1» الواعظ. سمع الحديث الكثير، وقدم بغداد ووعظ بجامع القصر والنّظاميّة، وحصل له قبول زائد. وكان فصيحا بليغا. وترسّل بين الخليفة والملوك، وعظم أمره. وفيها توفّى القاضى أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف الأرموىّ الشافعىّ. كان إماما عالما فقيها مفتنّا فى عدّة فنون، وولى القضاء زمانا، وحمدت سيرته. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو عبد الله محمد ابن الحسن بن محمد بن سعيد الدّانىّ، المقرئ ابن غلام الفرس «2» . وأبو الفضل محمد ابن عمر بن يوسف الأرموىّ القاضى الشافعىّ. وأبو نصر محمد بن منصور ابن عبد الرحيم النّيسابورىّ الحرضىّ فى شوّال، وله تسعون سنة. والسلطان مسعود ابن محمد بن ملكشاه السلجوقىّ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وسبع أصابع. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وأربع أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 548

*** [ما وقع من الحوادث سنة 548] السنة الرابعة من ولاية الظافر أبى منصور على مصر وهى سنة ثمان وأربعين وخمسمائة. فيها انحل أمر بنى سلجوق باستيلاء الترك على السلطان سنجرشاه السلجوقىّ. وسببه أنّه لمّا التقى مع خاقان ملك الترك وخوارزم شاه قبل تاريخه، وانهزم منهم تلك الهزيمة القبيحة التى قتل فيها خلائق من العلماء والفقهاء وغيرهم، وعاد خاقان إلى بلاده، ثم صالح سنجرشاه خوارزم شاه، وبقى «1» فى قلب سنجر شاه ما جرى عليه. فلمّا حسن أمره تجهّز للقاء الترك ثانيا بعد أمور صدرت بينهم، والتقى معهم فانكسر ثانيا؛ واستولوا عليه وجعلوه فى قفص خديد؛ فبقى فيه مدّة وهو يخدم نفسه وليس معه أحد. واقتصّ الله منه للخليفة المسترشد وابنه الراشد ما كان فعله معهما حسب ما تقدّم ذكره. وامتحن بأشياء إلى أن مات، على ما يأتى ذكره إن شاء الله. وفيها توفّى القاضى محفوظ «2» بن أبى محمد الحسن بن صصرى أبو البركات، ويعرف بالقاضى الكبير. كان إماما عالما مشهورا بالخير والعفاف. ومات بدمشق فى ذى الحجّة وقد بلغ ثمانين سنة. وفيها توفّى الشيخ الزاهد المسلّك أبو العبّاس أحمد بن أبى غالب بن الطّلاية الصوفىّ العارف فى شهر رمضان.

وفيها توفّى الحافظ أبو الفرج عبد الخالق بن أحمد بن عبد القادر اليوسفىّ. كان إماما حافظا محدّثا، سمع الكثير ورحل وكتب وصنّف. ومات فى المحرّم وله أربع وثمانون سنة. وفيها توفّى الأفضل أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشّهرستانىّ الإمام العالم المتكلّم. كان إمام عصره فى علم الكلام عالما بفنون كثيرة من العلوم، وبه تخرّج جماعة كثيرة من العلماء. وفيها توفّى شيخ الصوفيّة فى زمانه أبو الفتح محمد بن عبد الرحمن بن محمد المروزىّ الكشميهنىّ. كان إماما مسلّكا عارفا بطريق القوم، إمام عصره فى علم التصوّف وغيره، وللناس فيه محبّة واعتقاد حسن. وفيها توفّى الشيخ الإمام أبو سعد محيىّ الدين محمد بن يحيى النّيسابورىّ الشافعىّ تلميذ أبى حامد الغزالىّ فى شهر رمضان حين استباحت الترك نيسابور. وكان فقيها إماما عالما مصنّفا. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وخمس عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وستّ أصابع.

ذكر ولاية الفائز بنصر الله على مصر

ذكر ولاية الفائز بنصر الله على مصر هو أبو القاسم عيسى ابن الخليفة الظافر بأمر الله أبى منصور إسماعيل ابن الخليفة الحافظ أبى الميمون عبد المجيد بن محمد- ومحمد هذا ليس بخليفة- ابن الخليفة المستنصر بالله معدّ ابن الخليفة الظاهر «1» لإعزاز دين الله على ابن الخليفة الحاكم بأمر الله منصور ابن الخليفة العزيز بالله نزار ابن الخليفة المعزّ لدين الله معدّ أول خلفاء مصر ابن الخليفة المنصور إسماعيل ابن الخليفة القائم بأمر الله محمد ابن الخليفة المهدىّ عبيد الله، العبيدىّ الفاطمىّ المغربىّ الأصل المصرىّ العاشر من خلفاء مصر من بنى عبيد والثالث عشر من أصلهم المهدىّ أحد خلفاء بنى عبيد بالمغرب. وأمّ الفائز هذا أمّ ولد يقال لها زين الكمال. قال أبو المظفّر بن قزأوغلى فى تاريخه مرآة الزمان: «مولده فى المحرّم سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وتوفّى وهو ابن إحدى عشرة سنة وشهور» . وزاد ابن خلّكان بأن قال: لتسع بقين من المحرّم «2» . قال: وكانت أيّامه ستّ سنين وستة أشهر وسبعة عشر يوما. وبين وفاته ووفاة المقتفى (يعنى خليفة بغداد العبّاسىّ) أربعة أشهر وأيّام. قلت: وقوله «وبين وفاته ووفاة المقتفى أربعة أشهر وأيام» لا يعرف بذلك من السابق منهما بالوفاة. وأنا أقول: أمّا السابق فهو الخليفة المقتفى الآتى ذكره، إن شاء الله؛ فإنّ وفاة المقتفى فى شهر ربيع الأوّل، ووفاة الفائز هذا صاحب الترجمة فى شهر رجب.

قال صاحب المرآة: «وقام بعده أبو محمد عبد الله بن يوسف بن الحافظ. ولم يكن أبوه خليفة، وأمّه (يعنى عبد الله) أمّ ولد تدعى ستّ المنى، ولقّب بالعاضد» . انتهى كلام صاحب المرآة. وقال صاحب كتاب المقلتين فى أخبار الدولتين: «ولمّا أصبح الوزير عبّاس (يعنى صبيحة قتل الخليفة الظافر بأمر الله) ركب إلى القصر ودخل إلى مقطع الوزارة من غير استدعاء، فأطال جلوسه ولم يجلس الخليفة له، فاستدعى عبّاس زمام القصر، وقال له: إن كان لمولانا ما يشغله عنّا فى هذا اليوم عدنا إليه فى الغد. فمضى الأستاذ وهو حائر فيما يعمل وقد فقد الخليفة. فدخل إلى أخوى الخليفة يوسف وجبريل، وهما رجلان أحدهما مكتهل، فأخبرهما بالقصّة؛ وما كان عندهما من خروج أخيهما البارحة إلى دار نصر بن عبّاس خبر ولا اطّلعا عليه إلّا فى تلك الساعة؛ فما شكّا فى قتل أخيهما الخليفة الظافر، وقالا للزّمام: إن اعتذرت اليوم هل يتمّ لك هذا مع الزمان؟ فقال الزّمام: ما تأمرانى به؟ قالا: تصدقه وتحقّقه. وكان للخليفة ولد عمره خمس سنين اسمه عيسى. فعاد الزّمام إلى عبّاس وقال له: ثمّ سرّ أقوله إليك بحضور الأمراء والأستاذين. فقال عبّاس: ما ثمّ إلّا الجهر. قال: إنّ الخليفة خرج البارحة لزيارة ولدك نصر فلم يعد بغير العادة. فقال عبّاس: تكذب يا عبد السوء! إنّما أنت مبايع أخويه يوسف وجبريل اللذين حسداه على الخلافة فاغتالاه، واتفقتم على هذا القول. فقال الزّمام: معاذ الله! قال عبّاس: فأين هما؟ فخرجا إليه ومعهما ابن أخ لهما اسمه صالح بن حسن الذي قتل والده الخليفة الحافظ بالسمّ. وقد تقدّم ذكر قتله فى ترجمة أبيه الحافظ عبد المجيد. قال: فلمّا حضروا قال لهم عبّاس الوزير: أين الخليفة؟ فقالوا: حيث يعلم ابنك ناصر الدين. قال لا. قالوا: بلى! وهذا بهتان منك، لأنّ بيعة أخينا

فى أعناقنا، وهؤلاء الأمراء الحاضرون يعلمون ذلك، وإنّا فى طاعته بوصيّة والدنا، وأقاما الحجّة عليه. فكذّبهما وأمر غلمانه بقتل الثلاثة فى دارهم. ثم قال للزّمام: أين ابن مولانا؟ قال حاضر. فقال عبّاس: قدّامى إلى مكانه. فدخل الوزير عبّاس بنفسه إليه، وكان عند جدّته لأمّه، فحمله على كتفه وأخرجه للنّاس قبل رفع المقتولين، وبايع له بالخلافة، ولقّبه بالفائز بنصر الله. فرأى الصبىّ القتلى فتفزّع واضطرب ودام مدّة خلافته لا يطيب له عيش من تلك الرجفة. وتم أمر الفائز فى الخلافة، ووزر له عبّاس المذكور، إلى أن وقع له مع طلائع بن رزّيك ما سنذكره من أقوال جماعة من المؤرّخين. وقد ذكرنا منه أيضا نبذة جيّدة فيما مضى، ولكن اختلاف النقول فيها فوائد. وقال الحافظ أبو عبد الله الذهبىّ فى تاريخ الإسلام- بعد أن ساق نسب الفائز هذا حتّى قال-: «بويع: بالقاهرة حين قتل والده الظافر وله خمس سنين، وقيل: بل سنتان، فحمله الوزير عبّاس على كتفه ووقف فى صحن الدار به مظهر الحزن والكآبة، وأمر أن يدخل الأمراء فدخلوا؛ فقال لهم: هذا ولد مولاكم، وقد قتل عمّاه مولاكم، وقد قتلتهما كما ترون به، وأشار إلى القتلى، والواجب إخلاص الطاعة لهذا الولد الطفل. فقالوا كلّهم: سمعنا وأطعنا، وضجّوا ضجّة واحدة بذلك. ففزع الطفل (يعنى الفائز) ، ومال على كتف عبّاس من الفزع. وسمّوه الفائز، ثم سيّروه إلى أمّه وقد اختلّ عقله من تلك الضجّة فيما قيل، فصار يتحرّك فى بعض الأوقات ويصرع- قلت: على كلّ قول كان الفائز قد اختلّ عقله-. قال: «ولم يبق على يد عبّاس الوزير يد ودانت له الممالك. وأمّا أهل القصر فإنّهم اطّلعوا على باطن القصّة فأخذوا فى إعمال الحيلة فى قتل عبّاس وابنه، فكاتبوا طلائع بن

رزّيك الأرمنىّ والى منية «1» بنى خصيب. ثم ساق الذهبىّ قصّة طلائع مع الوزير عبّاس. وقال ابن الأثير: «اتّفق أنّ أسامة «2» بن منقذ قدم مصر، فاتّصل بعبّاس الوزير وحسّن له قتل زوج أمّه العادل بن سلّار فقتله، وولّاه الظافر الوزارة من بعده؛ فاستبدّ بالأمر وتمّ له ذلك. وعلم الأمراء [والأجناد «3» ] أنّ ذلك من فعل ابن منقذ فعزموا على قتله. فخلا بعبّاس وقال له: كيف تصبر على ما أسمع من قبيح قول الناس إنّ الظافر يفعل بابنك نصر- وكان من أجمل الناس، وكان ملازما للظافر- فانزعج لذلك وقال: كيف الحيلة؟ قال: اقتله فيذهب عنك العار. فاتّفق مع ابنه على قتله. وقيل: إنّ الظافر أقطع نصر بن عبّاس [قرية «4» ] قليوب «5» كلّها فدخل وقال: أقطعنى مولانا قليوب. فقال ابن منقذ: ما هى فى مهرك بكثير!» .

فجرى ما ذكرناه، وهربوا وقصدوا الشام على ناحية أيلة «1» فى شهر ربيع الأوّل سنة تسع وأربعين. وملك الصالح طلائع بن رزّيك ديار مصر من غير قتال؛ وأتى إلى دار عبّاس المعروفة بدار الوزير المأمون بن البطائحىّ التى هى اليوم المدرسة «2» السّيوفيّة الحنفيّة؛ فاستحضر الخادم الصغير الذي كان مع الظافر لمّا نزل سرّا، وسأله عن الموضع الذي دفن فيه فعرّفه به. فقلع البلاطة التى كانت على الظافر ومن معه من المقتولين، وحملوا وقطّعت عليهم الشعور وناحوا عليهم بمصر، ومشى الأمراء قدّام الجنازة إلى تربة آبائه. فتكفّل الصالح طلائع بن رزّيك بالصغير (يعنى الفائز هذا) ودبّر أحواله. وأمّا عبّاس ومن معه فإنّ أخت الظافر كاتبت الفرنج الذين بعسقلان الذين استولوا عليها من مديدة يسيرة، وشرطت لهم مالا جزيلا إذا خرجوا عليه وأخذوه، فخرجوا عليه فواقعهم فقتل عباس وأخذت الفرنج أمواله وهرب ابن منقذ فى طائفة إلى الشام؛ وأرسلت الفرنج نصر بن عبّاس إلى مصر فى قفص حديد. فلما وصل سلّم رسولهم المال وذلك فى [شهر] ربيع الأوّل سنة خمسين وخمسمائة، ثم خلعت «3» أخت الظافريد نصر وضرب ضربا مهلكا، وقرض جسمه بالمقاريض، ثم صلب على باب زويلة حيّا ثم مات، وبقى مصلوبا إلى يوم عاشوراء سنة إحدى وخمسين، ثم أنزل وأحرقت عظامه. وقيل: إنّ الصالح طلائع بن رزّيك بعث إلى الفرنج بطلب نصر بن عبّاس وبذل إليهم أموالا. فلمّا وصل سلّمه الملك الصالح

إلى نساء الظافر فأقمن يضربنه بالقباقيب والزّرابيل «1» أياما، وقطّعن لحمه وأطعمنه إيّاه، إلى أن مات ثم صلب. وتكفّل الصالح طلائع بن رزّيك أمر الصبىّ (أعنى الفائز) وساس الأمور وتلقّب بالملك الصالح، وسار فى الناس أحسن سيرة. وفخم أمره وكان طلائع أديبا كاتبا. ولمّا ولى الوزر وتلقّب بالملك الصالح خلع عليه مثل الأفضل ابن أمير الجيوش بدر الجمالىّ من الطيلسان المقوّر، وأنشئ له السّجلّ؛ فتناهى فيه كتّاب الإنشاء. فمما قيل فيه: «واختصّك أمير المؤمنين بطيلسان غدا للسيف توءما، ليكون كلّ ما أسند إليك من أمور الدولة معلما. ولم يسمع بذلك إلّا ما أكرم به الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين أمير الجيوش أبا النجم بدرا وولده أبا القاسم شاهنشاه، وأنت أيّها السيد الأجلّ الملك الصالح. وأين سعيهما من سعيك، ورعيهما الذّمام من رعيك؛ لأنّك كشفت الغمّة، وانتصرت للأئمة، وبيّضت غياهب الظلمة، وشفيت قلوب الأمة» . وأشياء غير ذلك. وعظم أمر الصالح طلائع إلى أن وقع له ما سنذكره. كلّ ذلك والفائز ليس له من الخلافة إلّا مجرّد الاسم فقط، وذلك لصغر سنّه. ولمّا استفحل أمر الصالح طلائع أخذ فى جمع المال، فإنّه كان شرها حريصا على التحصيل. وكان مائلا إلى مذهب الإماميّة «2» (أعنى أنّه كان متغاليا فى الرّفض) فمال على المستخدمين فى الأموال، وأخذ يعمل على الأمراء المقدّمين فى الدولة، مثل ناصر «3» الدولة ياقوت، وكان صاحب الباب، وناب عن الحافظ فى مرضة مرضها

مدّة ثلاثة أشهر؛ وطلب أن يوزّره فأبى ياقوت المذكور. ومثل الأوحد بن تميم، فإنّه كان من أعيان الأمراء. ولمّا سمع بقصّة عبّاس من قتله الظافر، وكان واليا على دمياط «1» وتنّيس «2» ، تحرّك لطلب دم الظافر وقصد القاهرة، فسبقه طلائع بن رزيك بيوم واحد، فخاب قصده؛ فردّه طلائع بن رزّيك إلى ولايته، وأضاف إليه الدّقهليّة «3» والمرتاحيّة. وبقى تاج الملوك قايماز بالقاهرة، وهو من كبار الأمراء، وابن غالب لاحق به؛ فحمل الأجناد عليهما يطلبونهما، فخرجا فى جماعتهما، فتكاثر عليهما الأجناد فقتلا ونهبت دورهما بأطماع الصالح طلائع بن رزيك فى ذلك.

ثم إنّ طلائع ما اتّسع له قرب الأوحد بن تميم بدمياط، فقلّده أسيوط «1» وإخميم «2» . وكان ناصر الدولة بقوص من وزارة عباس؛ وكان ابن رزّيك لمّا استدعى لأخذ الثأر وهو بالأشمونين لم يجسر على الحركة إلّا بعد مكاتبة ناصر الدولة بذلك، واستدعاه ابن رزّيك ليكون الأمر له. فكاتبه ناصر الدولة بإزهاده فى ذلك، وأنّه سئل به وتركه فى أيام الحافظ عن قدرة، واعتقد أنّه لا يفلح لأنّه لم يتحقق ما كان من عبّاس. فعند ذلك خلت القاهرة لطلائع بن رزّيك من مماثل. وأظهر مذهب الإماميّة، وباع الولايات للأمراء، وجعل لها أسعارا، ومدّتها ستة أشهر؛ فتضرّر الناس من تردّد الولاة عليهم فى كلّ ستة أشهر. وصايق الفصر طمعا فى صغر سنّ الخليفة، فتعب الناس معه. وجعل له مجلسا فى أكثر الليالى يحضره أهل الأدب، ونظم هو شعرا ودوّنه، وصار الناس يهرعون إلى نقل شعره؛ وربّما أصلحه له شاعر كان يصحبه يقال له ابن الزّبير «3» . وممّا نسب إليه من الشعر.

قوله [الكامل] كم ذا يرينا الدهر من أحداثه ... عبرا وفينا الصّدّ والإعراض ننسى الممات وليس نجرى ذكره ... فينا فتذكرنا به الأمراض وله من قصيدة: [الوافر] مشيبك قد رمى «1» صبغ الشباب ... وحلّ الباز فى وكر الغراب ومنها: فكيف بقاء عمرك وهو كنز ... وقد أنفقت منه بلا حساب فلمّا ثقلت وطأته على القصر، وكان الخليفة الفائز فى تدبير عمته، شرعت «2» فى قتل طلائع بن رزّيك المذكور، وفرّقت فى ذلك مالا يقرب من خمسين ألف دينار. فعلم ابن رزّيك بذلك، فأوقع بها وقتلها بالأستاذين والصقالبة سرّا، والخليفة فى واد آخر من الاضطراب. ثم نقل ابن رزّيك كفالة الفائز إلى عمّته الصغرى، وطيّب قلبها وراسلها. فما حماه ذلك منها بل رتّبت قتله. وسعى لها فى ذلك أصحاب أختها المقتولة؛ فرتّبت قوما من السودان الأقوياء فى باب السّرداب فى الدّهليز المظلم الذي يدخل منه إلى القاعة، وقوم أخر فى خزانة هناك وفيهم واحد من الأجناد يقال له ابن الراعى «3» . فدخل يوم خمسة من شهر رمضان سنة ستّ وخمسين وخمسمائة؛ فلمّا انفصل من السلام على الخليفة، وكان صاحب الباب فى ذلك اليوم أميرا يقال له ابن قوّام الدولة، وكان إماميّا، فيقال: إنّه أخلى الدّهليز من الناس حتّى لم يبق فيه أحد، وإنّه استوقفه أستاذ يقال له عنبر الربعىّ بحديث طويل. وتقدّم طلائع بن رزّيك ومعه ولده رزّيك، فأرادت الجماعة المخبّأة أن تخرج،

فوجدوا الباب مغلقا، وخافوا من خلعه التشغيب «1» ؛ فخرجت عليه الجماعة الأخرى فضربوا رزّيك بن الصالح طلائع ضربة أوقعت عضده الأيمن، وجرح أبوه الصالح طلائع بن رزّيك من ابن الراعى المذكور. وقيل: إنّ طلائع كان متخوما فاستفرغ بالدّم، فأكبّ على وجهه وأخذ «2» منديله من على رأسه؛ فعاد إليه رجل يقال له ابن «3» الزّبد، فألبسه المنديل، وخرج به محمولا على الدّابة لا يفيق. فقيل: إنّه كان يقول إذا أفاق: رحمك الله يا عبّاس (يعنى بذلك عبّاسا الوزير الذي قتل الخليفة الظافر) . وكان الفائز قد مات، وتولّى الخلافة العاضد، وهو أيضا تحت حجر طلائع المذكور. فمات طلائع سحرا. وكان طلائع قد ولّى شاور «4» قوص «5» وندم على ولايته، فأراد استعادته من الطريق؛ فسبقه شاور حتّى حصل بها، وطلب منه كلّ شهر أربعمائة دينار، وقال: لا بدّ لقوص من وال، وأنا ذلك؛ والله لا أدخل القاهرة، ومتى صرفنى دخلت النّوبة. ولمّا مات الصالح طلائع بن رزّيك وطاب ولده رزّيك، طلبت عمّة الفائز رزّيك، وأحضرت له الذي ضربه فى عضده الأيمن، وأحضرت أيضا سيف الدين حسين ابن أخى طلائع، وحلفت لهما أنّها لم تدر بما جرى على أبيه الصالح، وأنّ فاعل ذلك أصحاب أختها المقتولة؛ وخلعت على رزّيك بالوزارة عوضا عن أبيه طلائع بن رزّيك، وفسحت له فى أخذ من ارتاب به فى قتل أبيه. فأخذ ابن قوّام الدولة فقتله وولده، والأستاذ الذي شغله. وأقام رزّيك المذكور

فى الوزارة سنة وكسرا، فما رأى الناس أحسن من أيامه، وسامح الناس بما عليهم من الأموال البواقى الثابتة فى الدواوين، ولم يسبق إلى ذلك. ودام فى الوزارة حتى قيل: اصرف شاور من قوص يتمّ الأمر لك. فأشار عليه سيف الدين حسين بإبقائه؛ فقال رزّيك: مالى طمع فيما آخذه منه، ولكن أريده يطأ بساطى. فقيل له: ما يدخل أبدا، فما قبل. وخلع على أمير يقال له ابن الرفعة بولاية قوص عوضا عن شاور؛ فخرج شاور من قوص فى جماعة قليلة إلى الواحات «1» . وأما رزّيك الوزير فإنّه رأى مناما أخبر به ابن عمّه سيف «2» الدين حسين؛ فقال له حسين: إنّ بمصر رجلا يقال له ابن الإيتاخى حاذقا فى التعبير، فأحضره رزّيك وقال له: رأيت كأنّ القمر قد أحاط به حنش، وكأنّنى روّاس فى حانوت. فغالطه المعبّر فى التفسير؛ وظهر ذلك لسيف الدين حسين، فأمسك إلى أن خرج المعبّر فقال له: ما أعجبنى كلامك، والله لا بدّ أن تصدقنى ولا بأس عليك. فقال: يا مولاى، القمر عندنا هو الوزير، كما أنّ الشمس خليفة؛ والحنش المستدير عليه هو جيش مصحف؛ وكونه روّاسا اقلبها تجدها شاور مصحّفا أيضا. فقال له حسين: اكتم هذا عن الناس. واهتمّ حسين فى أمره، ووطّأ له التوجّه إلى مدينة النّبيّ عليه السّلام، وكان أحسن إلى المقيمين بها، وحمل إليها مالا وأودعه عند من يثق به. وصار أمر شاور يزداد ويقوى حتى قرب من القاهرة، وصاح

الصائح فى بنى رزيك وكانوا أكثر من ثلاثة آلاف فارس. فأوّل من نجا بنفسه حسين. فلمّا بلغ رزّيك توجّه حسين انقطع قلبه، وأخذ أمواله على البغال وخرج فى خاصّته إلى إطفيح «1» ، فأخذه مقدّم إطفيح بعد أمور وكلّ من معه، وأتى بهم إلى شاور فى الحديد؛ فاعتقله شاور وأخاه جلال الإسلام؛ فطلب رزّيك من بعض غلمان أبيه مبردا فبرد قيده؛ فعلم أخوه جلال الإسلام فأعلم شاور بذلك، فقتل شاور رزّيك وأبقى على أخيه جلال الإسلام لهذه النصيحة. واستمر شاور فى الوزر أشهرا حتى وقع له مع الضّرغام أحد أمراء بنى رزّيك ما وقع، واستنجد عليه بتوجّهه إلى دمشق إلى نور الدين محمود بن زنكى؛ فأرسل معه نور الدين أسد الدين شيركوه بن شادى «2» . وشاور هو صاحب القصّة مع أسد الدين شيركوه وابن أخيه السلطان صلاح الدين. يأتى ذكر ذلك فى ترجمة العاضد مفصّلا، إن شاء الله. وكانت وفاة الفائز صاحب الترجمة فى شهر رجب سنة خمس وخمسين وهو ابن عشر سنين أو نحوها. وبايعوا العاضد لدين الله أبا محمد عبد الله بن يوسف

ما وقع من الحوادث سنة 549

ابن الحافظ عبد المجيد بن محمد بن المستنصر ابن عم الفائز هذا. وأجلسه الملك الصالح طلائع بن رزّيك على سرير الخلافة. وأزوجه ابنته. ثم بعد ذلك استعمل طلائع شاور على بلاد الصعيد. وهو شاور البدرىّ الذي استولى على ديار مصر فى خلافة العاضد آخر خلفاء بنى عبيد، على ما سيأتى ذكره إن شاء الله تعالى. *** [ما وقع من الحوادث سنة 549] السنة التى حكم فى أوّلها الظافر وفى آخرها الفائز، وكلاهما ليس له فى الخلافة إلّا مجرّد الاسم فقط، وهى سنة تسع وأربعين وخمسمائة. فيها حنقت الترك على سنجرشاه السلجوقىّ وتركوه فى قيد من حديد فى خيمة، ووكّل به جماعة وأجروا عليه ما لا يجرى على الكفرة، وكاد يموت خوفا، وصار يبكى ليلا ونهارا على نفسه، ويتمّنى الموت. وفيها ملك نور الدين محمود بن زنكى بن آق سنقر المعروف بالشهيد دمشق من الأمير مجير الدّين. وساعده فى ذلك بعض أهل دمشق على مجير «1» الدين المذكور لزيادة ظلمه ومصادراته الناس؛ فلمّا تحرك نور الدين لطلب دمشق وافقه أهلها لما فى نفوسهم من مجير الدين. وفيها توفى المظفّر بن علىّ [بن «2» محمد بن محمد] بن جهير الوزير أبو نصر ابن الوزير فخر الدولة، وجدّه كان أيضا وزيرا. وهو من بيت وزارة وفضل، وزر للمقتفى سبع سنين، وعزل عن الوزارة فى سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة، وكان الخليفة المقنفى نقله من الأستاداريّة إلى الوزر. وكانت وفاته فى ذى الحجة. وكان فاضلا نبيلا، سمع الحديث وحجّ وتصدّق.

ما وقع من الحوادث سنة 550

وفيها توفى محمد بن أحمد بن إبراهيم العلّامة أبو بكر البغدادىّ الحنفىّ. كان فقيها عالما نحويّا. مات فى ذى القعدة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الظافر بالله إسماعيل ابن الحافظ العبيدىّ، اغتاله عبّاس فى المحرّم وله اثنتان وعشرون سنة، وأجلس مكانه ولده الفائز طفلا. وأبو البركات عبد الله بن محمد بن الفضل الفراوىّ، مات جوعا فى ذى القعدة فى كائنة الغزّ. وأبو منصور عبد الخالق بن زاهر بن طاهر الشّحّامىّ، هلك فى شوّال بنيسابور. وأبو سعد محمد بن جامع الصّيرفىّ خيّاط الصوف، توفّى فى [شهر] ربيع الآخر. وأبو العشائر محمد بن خليل بن فارس القيسىّ بدمشق فى ذى الحجّة. والحافظ أبو المعمّر المبارك بن أحمد الأنصارى الأزجىّ «1» فى رمضان. والوزير أبو نصر المظفّر بن علىّ ابن الوزير فخر الدولة بن جهير، وزر للمقتفى سبع سنين، ومات فى ذى الحجة. وأبو المحاسن نصر بن المظفّر البرمكىّ بهمذان. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وسبع أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 550] السنة الثانية من ولاية الفائز بنصر الله على مصر وهى سنة خمسين وخمسمائة. فيها دخلت الترك «2» نيسابور بعد أن كان بينهم وبين أهلها قتال عظيم ونهبوا وسبوا وقتلوا بها نحوا من ثلاثين ألف نسمة، منهم محمد بن يحيى شيخ الشافعيّة،

وكان الملك سنجر شاه السلجوقىّ معهم فى الأسر، وعليه اسم السلطنة وهو مقيّد معتقل على أقبح وجه يخدم نفسه ويجلس وحده فى أضيق مكان. وفيها توفّى محمد بن ناصر بن محمد بن علىّ بن عمر السّلامىّ «1» الدار الفارسىّ الأصل. سمع الحديث ورحل إلى البلاد، وكان حافظا متقنا عالما بالأسانيد والمتون، ضابطا ثقة من أهل السنّة. ومات فى شعبان. وأنشد لغيره: [البسيط] دع المقادير تجرى فى أعنّتها ... واصبر فليس لها صبر على حال ما بين رقدة عين وانتباهتها ... يقلّب الدهر من حال إلى حال وفيها توفّى هبة الله بن علىّ أبو محمد بن عرام، كان فاضلا شاعرا. ومن شعره فى ذمّ إنسان: [البسيط] جميع أقواله دعاوى ... وكلّ أفعاله مساوى ما زال فى وقته «2» غريبا ... ليس له فى الورى مساوى وفيها توفّى محمد بن علىّ بن محمد بن أحمد بن إبراهيم أبو بكر القيسىّ المغربىّ المالكىّ، مات بفاس فى ذى القعدة. وكان فقيها أديبا مترسّلا شاعرا. ومن شعره: [الخفيف] أطيب الطّيبات قتل الأعادى ... واختيالى على متون الجياد ورسول يأتى بوعد حبيب ... وحبيب يأتى بلا ميعاد قلت: وقد تغالى الناس فى رسول الحبيب وقالوا فيه أحسن الأقوال. فمن ذلك قول بهاء الدين زهير فى أول قصيدة «3» : [الطويل] رسول الرضا أهلا وسهلا ومرحبا ... حديثك ما أحلاه عندى وأطيبا

وأحسن ما سمعت فى هذا المعنى قول صفىّ الدين الحلّىّ: [الكامل] من كنت أنت رسوله ... كان الجواب قبوله هو طلعة الشمس الذي ... جاء الصباح دليله وفى المعنى للسّراج «1» الورّاق: [الكامل] إن كانت العشّاق من أشواقهم ... جعلوا النسيم إلى الحبيب رسولا فأنا الذي أتلو لهم: يا ليتنى ... كنت اتّخذت مع الرسول سبيلا ومما يقارب هذا المعنى ما أنشدنى الحافظ شهاب الدّين بن حجر لنفسه إجازة إن لم يكن سماعا: [الطويل] أتى من أحبّائى رسول فقال لى ... ترفّق وهن واخضع تفز؟؟؟ برضانا فكم عاشق قاسى الهوان بحبّنا ... فصار عزيزا حين ذاق هوانا وقد خرجنا عن المقصود. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو العباس أحمد ابن معدّ التّجيبىّ الأقليشىّ «2» . وأبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن العصائدىّ «3» النّيسابورىّ. وأبو القاسم سعيد بن أحمد بن الحسن «4» [بن عبد الله «5» ] بن أحمد بن البنّاء فى ذى الحجّة. وأبو الفتح محمد بن علىّ بن هبة الله بن عبد السلام الكاتب. والحافظ

ما وقع من الحوادث سنة 551

أبو الفضل محمد بن ناصر بن محمد بن علىّ السّلامىّ فى شعبان، وله ثلاث وثمانون سنة. وأبو الكرم المبارك بن الحسن الشهرزورىّ المقرئ فى ذى الحجّة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وتسع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 551] السنة الثالثة من ولاية الفائز بنصر الله على مصر وهى سنة إحدى وخمسين وخمسمائة. فيها خلع الخليفة المقتفى بالله على سليمان شاه بن محمد شاه بن ملكشاه السلجوقىّ بعد عمّه سنجرشاه خلعة السلطنة: التاج والطوق والسّوار والمركب الذهب، واستحلفه الخليفة أن يكون العراق للخليفة ولا يكون لسليمان شاه المذكور إلّا ما يفتحه بسيفه من غير العراق، وخطب له على منابر العراق بالسلطنة، وتمّ أمره إلى ما سيأتى ذكره. وفيها خلص السلطان سنجر شاه من أسر الترك «1» بحيلة، وهرب إلى قلعة ترمذ «2» بعد أن أقام عندهم أربع سنين فى الذلّ والهوان حتى ضرب بحاله عندهم الأمثال. وفيها توفّى عبد القاهر بن عبد الله بن الحسين أبو الفرج المعروف بالواوا الشاعر المشهور. كان أصله من بزاعة ونشأ بحلب (وبزاعة بضم الباء الموحدة وفتح الزاى وبعد الألف عين مهملة مفتوحة وهاء، وهى قرية من أعمال حلب) وتأدّب

بحلب وبرع فى الأدب وقول الشعر، وشرح ديوان المتنّبىّ. ومما ينسب إليه من الخمريات- وقيل هما لغيره- قوله: [الوافر] مجرّة جدول وسماء آس ... وأنجم نرجس وشموس ورد ورعد مثلّث وسحاب كأس ... وبرق مدامة وضباب ندّ قلت: ويعجبنى فى هذا المعنى قول يزيد بن معاوية: [الكامل] ومدامة حمراء فى قارورة ... زرقاء تحملها يد بيضاء فالراح شمس والحباب كواكب ... والكفّ قطب والإناء سماء وما أظرف قول ديك الجنّ عبد السلام بن رغبان: [الوافر] شربنا فى غروب الشمس شمسا ... لها وصف يجلّ عن الصفات عجبت لعاصريها كيف ماتوا ... وقد صنعوا لنا ماء الحياة ومما قيل فى هذا المعنى- دو بيت-: يا ساقى خصّنى بما تهواه ... لا تمزج اقداحى رعاك الله دعها صرفا فإنّنى أمزجها ... إذ أشربها بذكر من أهواه وفيها توفّى علىّ بن الحسين الشيخ الإمام الواعظ أبو الحسن «1» الغزنوىّ الملقّب بالبرهان. قدم بغداد وسمع الحديث ووعظ، وكان فصيحا مفوّها. كان السلطان مسعود السّلجوقىّ يزوره. ولمّا أقام ببغداد أمرت الخاتون زوجة الخليفة المستظهر أن يبنى له رباط ووقفت عليه قرية اشترتها من الخليفة المسترشد. وانتفع الناس بجاهه وماله. وكان له أدب ونظم. فمن شعره قوله: [السريع] كم حسرة لى فى الحشا ... من ولد إذا نشا «2» وكم أردت رشده ... فما نشا كما نشا

وله فى غير هذا المعنى وأجاد: [السريع] يحسدنى قومى على صنعتى ... لأنّنى فى صنعتى فارس سهرت فى ليلى واستنعسوا ... هل يستوى الساهر والناعس وفيها توفّى السلطان مسعود بن محمد ملك الروم «1» . وتولّى ممالك الروم بعده ابنه قليج «2» أرسلان بن مسعود. وفيها توفّى الشيخ أبو العزّ بن أبى الدنيا القرشىّ الصوفىّ البصرىّ. كان أبوه محتسب البصرة، وكان شاعرا مجيدا (أعنى أباه «3» ) . ومن شعره: [الرجز] ما بال قلبى زائدا غرامه ... ودمع عينى هاطلا غمامه وذلك الجمر الذي خلفتم ... على الحشا لا ينطفى ضرامه الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو القاسم إسماعيل ابن علىّ النيسابورىّ ثم الأصبهانىّ الحمّامىّ الصوفى فى صفر وقد شارف المائة. وأبو القاسم الحسين بن الحسن بن البنّ الأسدىّ بدمشق فى ربيع الآخر. وأبو الحسن علىّ بن أحمد [بن الحسين بن أحمد «4» بن الحسين] بن محمويه اليزدىّ «5» الشافعىّ المصرىّ. وأبو عبد الله محمد بن عبد الله «6» بن سلامة الكرخىّ فى شوّال. والشيخ أبو البيان [نبا «7» ] ابن محمد بن محفوظ القرشىّ بن الحورانىّ الدمشقىّ اللغوىّ الشافعىّ الزاهد القدوة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وتسع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثمانى أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 552

*** [ما وقع من الحوادث سنة 552] السنة الرابعة من ولاية الفائز بنصر الله على مصر وهى سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة. فيها جمع الملك محمد شاه بن محمود شاه بن محمد شاه بن ملك شاه السّلجوقىّ التركمان والأكراد وسار حتّى قارب بغداد، وبعث إلى الخليفة المقتفى يطلب منه الخطبة والسلطنة، فقيل له: السلطان هو سنجر شاه بن ملكشاه عمّ أبيك، وأنتم مختلفون. فلم يلتفت محمد شاه حتّى قدم بغداد وحصرها، ووقع له بها أمور؛ وطال الأمر بينهم إلى أن رحل منها إلى جهة همذان. وفيها كانت زلازل عظيمة بالشأم وحلب وحماة وشيزر وغالب بلاد الشام والشرق، وهلك خلق كثير، حتّى حكى أن معلّما كان بحماة فى كتّاب، فقام من المكتب يقضى حاجة ثم عاد وقد وقع المكتب على الصبيان فماتوا بأسرهم. والعجب أنه لم يأت أحد يسأل عن صبىّ منهم بل جميع آبائهم ماتوا أيضا تحت الهدم فى دورهم. ووقعت أبراج قلعة حلب وغيرها، وهلك جميع من كان فى شيزر إلا امرأة واحدة وخادما. وساخت قلعة فامية، وانشقّ تلّ حرّان نصفين، وظهر فيه بيوت وعمائر قديمة. وانشقّ فى اللّاذقيّة موضع ظهر فيه صنم قائم فى الماء، وخربت صيداء وبيروت وطرابلس وعكّا وصور وجميع قلاع الفرنج. وعمل شعراء ذلك العصر فى هذه الزلزلة أشعارا كثيرة. وفيها ملك الملك العادل نور الدين محمود بن زنكى بن آق سنقر المعروف بالشهيد حصن شيزر، وزال ملك بنى منقذ عنها بعد أن ملكوها سنين كثيرة.

وفيها توفّى أحمد بن عمر «1» الشيخ الإمام العلّامة أبو اللّيث السّمرقندىّ الحنفىّ. كان إماما فقيها حسن الهيئة كثير الصّمت غزير العلم واسع الحفظ. حجّ وعاد إلى بغداد، وصنّف التصانيف المفيدة النافعة، وتفقّه به جماعة كبيرة. ولمّا خرج من بغداد خرج الناس لوداعه، فلمّا ودّعهم أنشد: [البسيط] يا عالم الغيب والشّهادة ... إنّ «2» بتوحيدك الشهاده أسأل فى غربتى وكربى ... منك وفاة على الشهاده وخرج فى قافلة؛ فلما ساروا قطع قوم الطريق على القافلة المذكورة وقتلوا منهم جماعة كبيرة من العلماء، فيهم صاحب الترجمة، فقتل الجميع شهداء. وفيها توفّى أحمد بن المبارك بن محمد بن عبد الله. ولد سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة. كان أديبا شاعرا فاضلا. ومن شعره: [دو بيت] ساروا وأقام فى فؤادى الكمد ... لم يلق كما لقيت منهم أحد شوق وجوى ونار وجد تقد ... مالى جلد ضعفت مالى جلد وفيها توفّى السلطان سنجر شاه ابن السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقماق، السلطان أبو الحارث- وقيل: اسمه أحمد. وسمّى بسنجر لأنّه ولد بسنجار فى شهر رجب سنة تسع وسبعين وأربعمائة حين توجّه أبوه إلى غزو الروم- ونشأ ببلاد الخوز «3» ، وسكن خراسان واستوطن مدينة مرو. وكان دخل بغداد مع أخيه محمد شاه على الخليفة المستظهر. قال سنجر شاه: فلمّا وقفنا بين يدى الخليفة المذكور ظنّ أنى أنا السلطان، فافتتح

كلامه معى؛ فخدمت وقلت: يا مولانا أمير المؤمنين، السلطان هو أخى، وأشرت إلى أخى محمد شاه؛ ففوّض إليه السلطنة وجعلنى ولىّ عهده. قلت: ولمّا مات محمد شاه خوطب سنجر شاه هذا بالسلطنة، وكان قبلها فى ملك ضخم نحوا من عشرين سنة، وخطب له على عامّة منابر الإسلام؛ وأسره الترك أربع سنين، حسب ما ذكرناه فى وقته. ثم خلص وكاد ملكه أن يرجع إليه، فأدركته المنيّة فمات فى يوم الاثنين رابع عشر شهر ربيع الأوّل. ودفن بمرو فى قبّة بناها بها. وكان روى الحديث وعنده فضيلة. وأصابه صمم فى آخر عمره. واستقرّ الملك بعده لابن أخيه «1» أبى القاسم محمود بن محمد شاه بن ملكشاه السّلجوقىّ. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى السلطان معزّ الدين أبو الحارث سنجر بن ملكشاه السّلجوقىّ فى [شهر] ربيع الأوّل، وبقى فى الملك نحوا من خمسين سنة. وأبو صابر عبد الصّبور بن عبد السلام الهروىّ. وأبو عمرو عثمان ابن علىّ البيكندىّ «2» الزاهد ببخارى. وأبو حفص عمر بن عبد الله الحربىّ المقرئ. وأبو بكر محمد بن عبيد «3» الله بن نصر بن الزّاغونىّ «4» . وشيخ الشافعيّة أبو الحسن محمد بن المبارك بن الخلّ. وأبو القاسم نصر بن نصر العكبرىّ الواعظ فى ذى الحجّة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وإحدى وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وإحدى عشرة إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 553

*** [ما وقع من الحوادث سنة 553] السنة الخامسة من ولاية الفائز بنصر الله على مصر وهى سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة. فيها اتّفق السلطان محمد شاه السّلجوقىّ مع أخيه ملكشاه وأمدّه بعساكر، فسار إلى خوزستان وفتحها. وفيها توفّى عبد الأوّل بن عيسى بن شعيب بن إبراهيم أبو الوقت الهروىّ المنشأ السّجزىّ «1» الأصل. ومولده فى سنة ثمان وخمسين وأربعمائة. وحمله أبوه من هراة إلى بوشنج على عنقه، فسمع صحيح البخارى، وقدم بغداد وطال عمره وحدّث وسمع منه خلائق وألحق الصّغار بالكبار. وكان كثير التعبّد والتهجّد. ومات ببغداد ودفن بالشّونيزيّة عن نيّف وتسعين سنة. وفيها توفّى يحيى بن سلامة بن الحسين بن محمد الشيخ أبو الفضل الحصكفىّ «2» ولد بطنزة (مدينة صغيرة بديار بكر) ونشأ بحصن كيفا وانتقل إلى ميّافارقين. وكان إماما فى كلّ فنّ، وله أدب وترسّل وشعر. ومن شعره: [البسيط] والله ولو كانت الدّنيا بأجمعها ... تبقى علينا ويأتى رزقها رغدا ما كان من حقّ حرّ أن يذلّ لها ... فكيف وهى متاع يضمحلّ غدا

ما وقع من الحوادث سنة 554

قلت: وهذا الشعر تكلّم [به] الحصكفىّ المذكور عن خاطرى. وكثيرا ما كنت ألهج بهذا المعنى نثرا قبل أن أقف على هذين البيتين، فطابقا ما كان يخطر ببالى، فلله درّه!. ومن شعره أيضا قوله: [البسيط] على ذوى الحبّ آيات مترجمة ... تبين من أجله عن كلّ مشتبه عرف يلوح وآثار تلوح وأس ... رار تبوح وأحشاء تنوح به الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو الوقت عبد الأوّل بن عيسى السّجزىّ الصوفىّ فى ذى القعدة، وله ستّ وتسعون سنة. وأبو مسعود عبد الجليل بن محمد كوتاه الحافظ بأصبهان فى شعبان. وعلىّ بن عساكر ابن سرور المقدسىّ الكيّال «1» بدمشق فى شوّال عن ست وتسعين سنة. والعلّامة أبو حفص عمر بن أحمد بن منصور النّيسابورىّ الصّفّار يوم النحر. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع سواء. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وعشر أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 554] السنة السادسة من ولاية الفائز بنصر الله على مصر وهى سنة أربع وخمسين وخمسمائة. فيها غرقت بغداد وصارت تلالا لا يعرف أحد موضع داره. وفيها توفّى عبد الواحد بن حميد «2» بن مفرّج الدمشقىّ. كان أديبا شاعرا فصيحا.

ومن شعره قوله من أوّل قصيدة: [الرمل] ظالمى فى الحبّ أضحى حكمى ... كيف لا يأثم فى سفك دمى كم كتمت الحبّ عن عاذلتى ... حذر البين فلم ينكتم وكانت وفاته بدمشق فى ذى القعدة. وفيها توفّى السلطان محمد شاه بن محمود شاه [بن محمد شاه «1» ] بن ملكشاه بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن دقماق بن سلجوق، أبو نصر السلجوقىّ. قد تقدّم نبذة كبيرة من ذكره فى الحوادث. ولمّا حاصر بغداد كان مريضا، وبلغه موت عمّه سنجر شاه فزاد به المرض إلى أن مات على باب همذان فى ذى الحجّة. واختلف الأمراء بعد موته؛ فمنهم من مال إلى أخيه ملكشاه، ومنهم من مال إلى سليمان شاه، ومنهم من مال إلى أرسلان شاه؛ ثم اتّفقوا على سليمان شاه. وكان محبوسا بالموصل؛ فجهّزه زين «2» الدين صاحب الموصل بإشارة الملك العادل نور الدين محمود بن زنكى المعروف بالشهيد؛ فأجلسوه على سرير الملك بهمذان. وكان قصدهم أن يأكلوا به البلاد، لأنّه كان مشغولا باللهو إلّا أنّه كان فاضلا جوادا مشفقا أمينا. وأما محمد شاه صاحب الترجمة فإنه كان شابّا وعنده شجاعة وإقدام وكرم. وفيها توفّى محمد بن أبى عقامة أبو عبد الله قاضى زبيد «3» . كان حاكما على اليمن، ولمّا تغلّب ابن مهدى «4» على اليمن قتله وقتل ولده، وكانا فاضلين.

ما وقع من الحوادث سنة 555

ومن شعر محمد هذا من أوّل قصيدة قوله: [البسيط] للوجد عنكم روايات وأخبار ... وللعلا نحوكم حاج وأوطار وحيث كنتم فثغر الرّوض مبتسم ... وأين سرتم فدمع العين مدرار لله قوم إذا حلّوا بمنزلة ... حلّ النّدى ويسير الجود إن ساروا تشتاقكم كلّ أرض تنزلون بها ... كأنّكم لبقاع الأرض أمطار الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو القاسم أحمد بن المبارك بن عبد الباقى الذهبىّ القطّان. وأبو جعفر أحمد بن محمد بن عبد العزيز العبّاسىّ المكىّ النقيب فى شعبان. وأبو زيد جعفر بن زيد بن جامع الحموىّ صاحب «الرسالة «1» » . وأبو علىّ الحسن بن جعفر [بن عبد الصمد «2» ] بن المتوكّل. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وثمانى عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وإصبع واحدة. *** [ما وقع من الحوادث سنة 555] السنة السابعة من ولاية الفائز بنصر الله على مصر وهى سنة خمس وخمسين وخمسمائة على أنّ الفائز مات فيها فى شهر رجب، وحكم فى باقيها العاضد بالله عبد الله. فيها فى يوم الجمعة سلخ صفر أرجف ببغداد بموت الخليفة المقتفى بالله العباسىّ، فلمّا كان ثانى شهر ربيع الأوّل تحقّق الناس موته، ودعى الناس إلى بيعة ولىّ العهد المستنجد بالله أبى المظفر يوسف بن محمد المقتفى، وتمّ ذلك وبويع بالخلافة. وفيها توفّى الحسن بن علىّ بن عبد الله بن أبى جرادة أبو علىّ ثقة الملك الحلبىّ الحنفىّ. نشأ بحلب ثم سافر إلى مصر، فتقدّم عند وزيرها الملك الصالح طلائع

ابن رزّيك، وكان طلائع المذكور يحترمه لفضله وبيته. ومات بمصر فى هذه السنة- وقيل: فى سنة إحدى وخمسين وخمسمائة- وكان إماما بارعا فصيحا شاعرا. ومن شعره: [البسيط] يا صاحبىّ أطيلا فى مؤانستى ... وذكّرانى بخلّانى وعشّاقى وحدّثانى حديث الخيف إنّ به ... روحا لروحى وتسهيلا لآماقى وفيها توفّى حمزة بن أسد بن علىّ بن محمد أبو يعلى التميمىّ العميد الدمشقىّ، ويعرف بآبن القلانسىّ. كان فاضلا أديبا مترسلا، جمع تاريخ دمشق وسماه الذيل، وذكر فى أوّله طرفا من أخبار المصريّين وبعض حوادث السنين. وقد نقلنا عنه نبذة فى هذا الكتاب. وكانت وفاته بدمشق فى يوم الجمعة سابع شهر ربيع الأوّل، ودفن يوم السبت بقاسيون. ومن شعره: [الكامل] إياك تقنط عند كلّ شديدة ... فشدائد الأيّام سوف تهون وانظر أوائل كلّ أمر حادث ... أبدا فما هو كائن سيكون وفيها توفّى الأمير قايماز الأرجوانىّ أمير الحاج حجّ غير مرّة بالناس. وكان شجاعا عادلا رفيقا بالحاجّ محسنا إليهم. دخل ميدان دار الخلافة يلعب بالكرة فسقط من الفرس فمات، فحزن الخليفة عليه والناس، ثم أمر الخليفة أمراء الدولة أن يمشوا فى جنازته. وكان حجّ بالناس مدّة سنين. وفيها توفّى الخليفة المقتفى بالله أمير المؤمنين أبو عبد الله محمد ابن الخليفة المستظهر بالله أحمد بن المقتدى بالله عبد الله ابن الأمير محمد ابن الخليفة القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بالله أحمد ابن الأمير إسحاق ابن الخليفة المقتدر بالله جعفر ابن المعتضد بالله أحمد ابن الأمير الموفّق طلحة ابن الخليفة المتوكّل على الله جعفر ابن المعتصم محمد بن الرشيد هارون بن المهدى محمد بن أبى جعفر المنصور بن محمد

ابن علىّ بن عبد الله بن عباس الهاشمىّ العباسىّ البغدادىّ. بويع بالخلافة بعد قتل ابن أخيه الراشد بالله فى شهر رمضان سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة. ومولده فى سنة تسع وثمانين وأربعمائة. وأمّه أمّ ولد تدعى بغية النفوس- وقيل: نسيم- ومات فى يوم الأحد ثانى شهر ربيع الأوّل ودفن بداره بعد أن صلّى عليه بالمسجد. وكانت خلافته أربعا وعشرين سنة وثلاثة أشهر وواحدا وعشرين يوما. وولى الخلافة من بعده ابنه المستنجد يوسف. وكان إماما عالما أديبا شجاعا حليما دمث الأخلاق كامل السّودد، خليقا بالخلافة قليل المثل فى الأئمة. رحمه الله تعالى. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى العميد أبو يعلى حمزة ابن أسد التميمىّ ابن القلانسىّ رئيس دمشق فى عشر التسعين. وأبو يعلى حمزة ابن علىّ بن هبة الله بن الحبوبىّ «1» الثعلبىّ «2» البزّاز فى جمادى الأولى. وصاحب غزنة خسروشاه «3» بن مسعود السّبكتكينىّ. والفائز عيسى بن الظافر بن الحافظ العبيدىّ، أقاموه فى الخلافة بمصر وله خمس سنين أو دونها، وكان يصرع، فمات فى رجب وبايعوا العاضد. وتوفّى المقتفى لأمر الله أمير المؤمنين محمد بن المستظهر بالله ابن المقتدى فى شهر ربيع الأوّل وله ستّ وستون سنة، وكانت دولته خمسا وعشرين سنة، وأمه حبشيّة. وأبو المظفّر محمد بن أحمد بن التّريكىّ «4» الهاشمىّ. وأبو الفتوح محمد بن محمد بن علىّ الطائىّ الهمذانىّ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وعشر أصابع. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وعشر أصابع.

ذكر ولاية العاضد بالله على مصر

ذكر ولاية العاضد بالله على مصر الخليفة أبو محمد عبد الله العاضد بالله ابن الأمير يوسف ابن الخليفة الحافظ بالله عبد المجيد ابن الأمير محمد ابن الخليفة المستنصر بالله معدّ بن الظاهر بالله علىّ بن الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز بالله نزار بن المعزّ لدين الله معدّ بن المنصور إسماعيل بن القائم بالله محمد بن المهدىّ عبيد الله، الفاطمىّ العبيدىّ، المغربىّ الأصل المصرىّ، الحادى عشر من خلفاء بنى عبيد بمصر، والرابع عشر بالثلاثة الذين ولوا بالمغرب: المهدىّ والقائم والمنصور. ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وقيل سنة أربعين. وقال قاضى القضاة شمس الدين أحمد بن خلّكان- رحمه الله-: «ولد يوم الثلاثاء لعشر بقين من المحرّم سنة «1» سبع وأربعين وخمسمائة، وبويع فى رجب بعد موت ابن عمّه الفائز بنصر الله سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وهو ابن إحدى عشرة سنة وشهور. وكان أبوه يوسف أحد الأخوين اللذين قتلهما عبّاس الوزير بعد قتل الظافر» . انتهى. وقال أبو المظفّر بن قزأوغلى فى تاريخه: «وتوفّى (يعنى العاضد) يوم عاشوراء وعمره ثلاث وعشرون سنة، فكانت أيّامه إحدى عشرة سنة. واختلفوا فى سبب وفاته على أقوال. أحدها أنّه تفكّر فى أموره فرآها فى إدبار فأصابه ذرب عظيم فمات منه. والثانى أنّه لمّا خطب لبنى العباس بلغه فاغتمّ ومات؛ وقيل: إنّ أهله أخفوا عنه ذلك، وقالوا: إن سلم فهو يعلم، وإن مات فلا ينبغى أن ننغّص عليه هذه الأيام التى بقيت من عمره. والثالث أنّه لمّا أيقن بزوال دولته كان

فى يده خاتم، له فصّ مسموم فمصّه فمات منه. وجلس صلاح الدين فى عزائه ومشى فى جنازته وتولّى غسله وتكفينه، ودفنه عند أهله. واستولى السلطان صلاح الدين على ما فى القصر من الأموال والذخائر والتّحف والجواهر والعبيد والخدم والخيل والمتاع وغيره. وكان فى القصر من الجواهر النفيسة ما لم يكن عند خليفة ولا ملك، مما كان قد جمع فى طول السنين. فمنه: القضيب الزّمرّد وطوله قبضة ونصف، والجبل «1» الياقوت الأحمر، والدرّة اليتيمة مثل بيض الحمام، والياقوتة الحمراء وتسمّى الحافر، وزنتها أربعة عشر مثقالا. ومن الكتب المنتخبة بالخطوط النفيسة «2» مائة ألف مجلد. ووجد عمامة القائم وطيلسانه، كان البساسيرىّ بعث بهما إلى المستنصر» (يعنى لمّا استولى البساسيرىّ على بغداد، وأسر الخليفة القائم العباسىّ، وخطب ببغداد للمستنصر من بنى عبيد، ثم بعث بعمامة القائم وطيلسانه، فأخذوهما خلفاء مصر فاحتفظوا عليهما، نوعا من النكاية فى بنى العبّاس، فهذا شرح قول أبى المظفّر من عمامة القائم والطيلسان) . قال: «ووجدوا أموالا لا تحدّ ولا تحصى. وأفرد صلاح الدين أهل العاضد ناحية عن القصر، وأجرى عليهم جميع ما يحتاجون إليه، وسلّمهم إلى الخادم قراقوش؛ فعزل الرجال عن النساء واحتاط عليهم. وممّا وجد فى خزانة العاضد طبل القولنج الذي صنع للظافر، وكان من ضربه خرج منه ريح واستراح من القولنج- قلت: قد تقدّم الكلام قبل ذلك على هذا الطبل فى محلّه-. قال: «فوقع الطبل إلى بعض الأكراد فلم يدر ما هو فكسره، لأنّه ضرب عليه فخرج منه ريح فحنق وضربه وكسره.

قال: «وفرّق صلاح الدين الأموال التى أخذها من القصر فى العساكر، وباع بعض الجوارى والعبيد، وأعطى للقاضى الفاضل من الكتب ما أراد، وبعث إلى نور الدين بعمامة القائم وطيلسانه وهدايا وتحف وطيب ومائة ألف دينار. وكان نور الدين بحلب فلمّا حضرت بين يديه قال: والله ما كان لى حاجة إلى هذا، ما وصل إلينا عشر معشار ما أنفقناه على العساكر التى جهّزناها إلى مصر، وما قصدنا بفتحها إلّا فتح الساحل، [وقلع الكفّار منه «1» ] . وانقضت أيام الخلفاء المصرييّن بوفاة العاضد، وعدّتهم أربعة عشر على عدد بنى أمية، إلّا أنّ أيّامهم طالت فملكوا مائتين وثمانى سنين، وبنو أمية ملكوا نيّفا وتسعين سنة. قال: وأوّل المصرييّن عبيد الله الملقّب بالمهدىّ» . قلت: ليس هو كما قال: إنّ عبيد الله أوّل خلفاء المصرييّن، وإنما أوّلهم المعزّ لدين الله معدّ. نعم إن كان قصد بأن يكون أوّلهم ممّن دعى له على المنابر بالمغرب وأطلق عليه اسم الخليفة فيكون، وأمّا أنّه ملك مصر فلا. ويأتى بيان ذلك. وقد تقدّم أيضا فى ترجمة المعزّ وغيره. قال أبو المظفّر: «قال ابن عبد البرّ: هو عبيد الله بن محمد بن ميمون بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق- عليه السلام-. والثانى ابنه أبو القاسم محمد ويلقّب بالقائم بأمر الله، والثالث ابنه إسماعيل ويلقّب بالمنصور، والرابع ابنه معدّ ويلقّب بالمعزّ لدين الله» . - قلت: وهذا المعز هو الذي تقدّم ذكره أنّه أوّل من ولى مصر من بنى عبيد، وبنى له جوهر القائد القاهرة، وهو أوّل خليفة سكن مصر من بنى عبيد؛ ولهذا

كنا نقول فى تراجمهم الأوّل من خلفاء مصر والرابع ممّن ولى من آبائه بالمغرب، وعلى هذا سلكنا فى تراجمهم-. قال: والخامس ابنه نزار ويلقّب بالعزيز بالله، والسادس ابنه منصور ويلقب بالحاكم بأمر الله، والسابع ابنه علىّ ويلقّب بالظاهر لدين الله، والثامن ابنه معدّ ويلقّب بالمستنصر بالله وقد ولى ستين سنة، والتاسع أبو القاسم أحمد ويلقّب بالمستعلى، والعاشر ابنه منصور ويلقّب بالآمر بأحكام الله، وانقطع نسله، وولى ابن عمّه أبو الميمون عبد المجيد بن أبى القاسم بن المستنصر [ويلقّب «1» بالحافظ لدين الله] وهو الحادى عشر، والثانى عشر ولده إسماعيل ويلقّب بالظافر، والثالث عشر أبو القاسم عيسى ويلقّب بالفائز بنصر الله، والرابع عشر عبد الله بن يوسف بن الحافظ ويلقّب بالعاضد» . انتهى كلام صاحب مرآة الزمان وغيره. قلت-: فائدة جليلة- لم يل الخلافة أحد من الفاطميّين بعد أخيه، وهذا لم يقع لغيرهم. وأمّا عدد خلفاء بنى أمية فهم كما قال: أربعة عشر، لكنه ما عدّهم، فنقول: هم معاوية بن أبى سفيان، ثم ابنه يزيد بن معاوية، ثم ابنه معاوية بن يزيد، ثم مروان بن الحكم، ثم ابنه عبد الملك بن مروان، ثم ابنه الوليد ابن عبد الملك، ثم أخوه سليمان بن عبد الملك، ثم ابن عمّه عمر بن عبد العزيز بن مروان، ثم يزيد بن عبد الملك، ثم أخوه هشام بن غبد الملك ثم الوليد الفاسق ابن يزيد بن عبد الملك، ثم ابن عمّه يزيد بن الوليد بن عبد الملك، المعروف بالناقص، ثم أخوه إبراهيم، ثم مروان بن محمد بن مروان بن الحكم المعروف بالحمار؛ وهو آخرهم، قتل بسيف بنى العباس. وقد خرجنا عن المقصود ولنعد إلى ترجمة العاضد وما يتعلّق به.

قلت: وكان وزير العاضد شاور. وشاور هذا هو الذي وقع له مع الأمير أسد الدين شيركوه الآتى ذكره ما وقع. يأتى ذلك كلّه فى ترجمة ابن أخيه السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب مفصّلا؛ لكن نذكر هنا من أحوال شاور المذكور نبذة كبيرة ليكون الناظر بعد ذلك فيما يأتى على بصيرة بترجمة شاور المذكور. وكان شاور قد وزر للعاضد بعد قتل رزّيك ابن الملك الصالح طلائع بن رزّيك. وكان دخوله إلى القاهرة من قوص فى سنة ثمان وخمسين وخمسمائة لمّا ملكها رزّيك، ودخل معه خلق كثير ونزل بدار سعيد السعداء، ودخل معه أولاده طيىء وشجاع. فلما وزر زاد الأجناد على ما كان لهم عشر مرّات. وكان يجلس والأبواب مغلّقة عليه خيفة من حواشى رزّيك. وكان رزّيك أنشأ أمراء يقال لهم البرقية، ويقال لكبيرهم ضرغام. فولّى شاور ضرغاما المذكور الباب، وكان فارسا شجاعا، جمع على شاور حتى أخرجه من القاهرة وقتل ولده الأكبر المسمى بطيّئ، وبقى ابنه شجاع المنعوت بالكامل. فسار شاور إلى الشام، واستنجد بالملك العادل نور الدين محمود بن زنكى بن آق سنقر المعروف بالشهيد؛ فأرسل معه الملك العادل أحد أمرائه وهو الأمير أسد الدين شيركوه بن شادى. يأتى ذكر ذلك كلّه فى آخر هذه الترجمة، وأيضا فى ترجمة السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب بأوسع من هذا، بعد أن نذكر أقوال جماعة من المؤرّخين فى حقّ العاضد هذا وأحواله. قال الحافظ أبو عبد الله الذهبىّ فى تاريخ الإسلام- بعد ما ساق نسبته إلى أن قال-: العبيدىّ الرافضىّ الذي زعم هو وبيته أنّهم فاطميّون، وهو آخر خلفاء مصر. ولد سنة ستّ وأربعين وخمسمائة فى أوّلها. فلمّا هلك الفائز ابن عمّه واستولى الملك الصالح طلائع بن رزّيك الديار المصريّة، بايع العاضد وأقامه صورة، وكان كالمحجور عليه لا يتصرّف فى كلّ ما يريد، ومع هذا كان رافضيّا سبّابا خبيثا.

قال ابن خلّكان: كان إذا رأى سنّيّا استحلّ دمه. وسار وزيره الملك الصالح طلائع بن رزّيك بسيرة مذمومة، واحتكر الغلّات فغلت الأسعار، وقتل أمراء الدولة خيفة منهم، وأضعف أحوال دولتهم، فقتل ذوى الرأى والبأس وصادر أولى الثروة. وفى أيام العاضد ورد حسين بن نزار بن المستنصر العبيدىّ من المغرب وقد جمع وحشد؛ فلمّا قارب مصر غدر به أصحابه وقبضوا عليه وأتوا به إلى العاضد فذبحه صبرا فى سنة سبع وخمسين. ثم قتل العاضد طلائع بن رزّيك ووزر له شاور؛ فكان سبب خراب دياره؛ ودخل أسد الدين إلى ديار مصر وقتل شاور، ومات أسد الدين شيركوه وقام فى الأمر ابن أخيه صلاح الدين يوسف ابن أيوب، وتمكّن فى المملكة. انتهى. وقال القاضى «1» جمال الدين بن واصل: حكى لى الأمير حسام الدين بن أبى علىّ قال: كان جدّى فى خدمة صلاح الدّين، فحكى أنّه لمّا وقعت هذه الواقعة (يعنى وقعة السودان بالقاهرة) التى زالت دولتهم فيها، وزالت آل عبيد من مصر (يأتى ذكر هذه الواقعة فى آخر ترجمة العاضد إن شاء الله تعالى) قال: وشرع «2» صلاح الدين يطلب من العاضد أشياء من الخيل والرقيق والأموال ليتقوّى بذلك. قال: فسيرّنى يوما إلى العاضد أطلب منه فرسا ولم يبق عنده إلّا فرس واحد، فأتيته وهو راكب فى البستان «3» المعروف بالكافورىّ الذي يلى القصر، فقلت: السلطان صلاح الدين يسلّم عليك ويطلب منك فرسا؛ فقال: ما عندى إلّا الفرس الذي أنا راكبه، ونزل عنه وشقّ خفّيه ورمى بهما وسلّم إلىّ الفرس، فأتيت به صلاح الدين، ولزم العاضد بيته.

واشتغل صلاح الدين بالأمر وبقى العاضد معه صورة إلى أن خلعه وخطب فى حياته لأمير المؤمنين المستضىء بأمر الله العبّاسىّ، وأزال الله تلك الدولة المخذولة. انتهى. وقال الشيخ شهاب «1» الدين أبو شامة: اجتمعت بالأمير أبى الفتوح بن العاضد وهو مسجون مقيد فى سنة ثمان وعشرين وستمائة، فحكى لى أن أباه فى مرضه استدعى صلاح الدين فحضر، فأحضرونا (يعنى أولاده) ونحن صغار فأوصاه بنا، فالتزم إكرامنا واحترامنا. ثم قال أبو شامة: وهم أربعة عشر خليفة وعدّهم نحوا ممّا ذكرناه، إلى أن قال: ويدّعون الشرف، ونسبتهم إلى مجوسىّ أو يهودىّ، حتّى اشتهر لهم ذلك بين العوامّ، فصاروا يقولون الدولة الفاطميّة والدولة العلويّة، وإنما هى الدولة اليهودية والمجوسية الملحدة الباطنيّة. قال: وقد ذكر ذلك جماعة من العلماء الأكابر [و] أنهم لم يكونوا لذلك أهلا ولا نسبهم صحيحا بل المعروف أنهم بنو عبيد، وكان والد عبيد هذا من نسل القدّاح الملحد المجوسىّ. قال: وقيل إن والد عبيد هذا كان يهوديّا من أهل سلمية «2» وكان جوادا. وعبيد كان اسمه سعيدا، فلمّا دخل المغرب تسمّى بعبيد الله وادّعى نسبا ليس بصحيح؛ قال ذلك جماعة من علماء الأنساب. ثم ترقّت به الحال إلى أن ملك المغرب وبنى المهديّة «3» وتلقّب بالمهدىّ، وكان زنديقا خبيثا عدوّا للإسلام، من أوّل دولتهم إلى آخرها، وذلك من ذى الحجة سنة تسع وتسعين ومائتين إلى سنة سبع وستين وخمسمائة. وقد بيّن نسبهم جماعة مثل القاضى أبى بكر الباقلانى، فإنّه كشف فى أوّل كتابه المسمّى

«كشف أسرار الباطنيّة» عن بطلانى نسب هؤلاء إلى علىّ- رضى الله عنه-، وكذلك القاضى عبد «1» الجبار بن أحمد استقصى الكلام فى أصولهم. انتهى. قلت. وقد ذكرنا نوعا من ذلك فى عدّة تراجم من هذا الكتاب من بنى عبيد المذكورين، وفى المحضر المكتتب من جهة الخليفة القائم بأمر الله العبّاسىّ وغيره وقال بعضهم: كانت وفاة العاضد فى يوم عاشوراء بعد إقامة الخطبة بيويمات قليلة فى أوّل جمعة من المحرّم لأمير المؤمنين المستضىء بالله، والعاضد آخر خلفاء مصر؛ فلمّا كانت الجمعة الثانية خطب بالقاهرة أيضا للمستضىء بسائر الجوامع، ورجعت الدعوة العبّاسيّة بعد أن كانت قد قطعت بها (أعنى الديار المصريّة وأعمالها) أكثر من مائتى سنة. وتسلّم السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيّوب قصر الخلافة، واستولى على ما كان به من الأموال والذخائر، وكانت عظيمة الوصف، وقبض على أولاد العاضد وحبسهم فى مكان واحد بالقصر، وأجرى عليهم ما يموّنهم وعفّى آثارهم، وقمع مواليهم وسائر نسائهم «2» . قال: وكانت هذه الفعلة من أشرف أفعاله، فلنعم ما فعل؛ فإنّ هؤلاء كانوا باطنييّن زنادقة دعوا إلى مذهب التناسخ واعتقاد حلول الجزء الإلهى فى أشباحهم. وقد قال الحاكم لداعيه: كم فى جريدتك؟ قال ستة عشر ألفا يعتقدون أنّك الإله. وقال قائلهم- وأظنّه فى الحاكم «3» بأمر الله-: [الكامل] ما شئت لا ما شاءت الأقدار ... فاحكم فأنت الواحد القهّار

قال: فلعن الله المدّاح والممدوح؛ فليس هذا فى القبح إلّا كقول فرعون: أنا ربّكم الأعلى. وقال الحافظ شمس الدين الذهبىّ: وقال بعض شعرائهم فى المهدىّ- وهو غاية فى الكفر-: [البسيط] حلّ برقّادة المسيح ... حلّ بها آدم ونوح حلّ بها الله فى «1» علاه ... وما سوى الله فهو ريح قال: وهذا أعظم كفرا من النصارى؛ لأنّ النصارى يزعمون أن الجزء الإلهى حلّ بناسوت «2» عيسى فقط، وهؤلاء يعتقدون «3» حلوله فى جسد آدم ونوح والأنبياء وجميع الأمة. هذا اعتقادهم. لعنهم الله!. وقال القاضى شمس الدين بن خلّكان- رحمه الله-: سمعت جماعة من المصريّين يقولون: هؤلاء القوم فى أوائل دولتهم قالوا لبعض العلماء: اكتب لنا ألقابا فى ورقة تصلح للخلفاء، حتى إذا تولّى واحد لقّبوه ببعض تلك الألقاب. فكتب لهم ألقابا كثيرة، وآخر ما كتب فى الورقة العاضد؛ فاتّفق أنّ آخر من ولى منهم تلقّب بالعاضد. وهذا من عجيب الاتّفاق. وأخبرنى أحد علماء المصريّين أيضا: أنّ العاضد المذكور فى آخر دولته رأى فى منامه أنّه بمدينة مصر، وقد خرجت إليه عقرب من مسجد هو معروف بها، فلدغته. فلما استيقظ ارتاع لذلك فطلب بعض معبّرى الرؤيا وقصّ عليه المنام؛ فقال: ينالك مكروه من شخص هو مقيم بالمسجد. فطلب والى مصر وقال له: اكشف عمّن هو مقيم بالمسجد الفلانىّ- وكان العاضد قد رأى ذلك المسجد- فإذا رأيت به أحدا أحضره إلىّ. فمضى الوالى

إلى المسجد فوجد به رجلا صوفيّا، فأخذه ودخل به إلى العاضد. فلمّا رآه سأله من أين هو، ومتى قدم البلاد، وفى أىّ شىء قدم؟ [وهو يجاو «1» به عن كلّ سؤال] . فلمّا ظهر منه ضعف الحال والصدق والعجز عن إيصال المكروه إليه أعطاه شيئا وقال له: يا شيخ، ادع لنا وخلّى سبيله، وخرج من عنده وعاد إلى المسجد. فلمّا استولى السلطان صلاح الدّين على الديار المصريّة وعزم على قبض العاضد [وأشياعه «2» ] واستفتى الفقهاء [وأفتوه «3» ] بجواز ذلك لما كان عليه من انحلال العقيدة وفساد الاعتقاد وكثرة الوقوع فى الصحابة والاشتهار بذلك، فكان أكثرهم مبالغة فى الفتيا الصوفىّ المقيم بالمسجد، وهو الشيخ نجم الدين الخبوشانىّ «4» . انتهى كلام ابن خلّكان. ولمّا استولى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب على مصر، كتب إلى الوزير ببغداد على يد شمس الدين محمد بن المحسّن بن الحسين بن أبى المضاء «5» البعلبكّىّ الذي خطب أوّل شىء بمصر لبنى العبّاس بإشارة السلطان صلاح الدين، وكان الكتاب من إنشاء القاضى الفاضل عبد الرحيم البيسانىّ، وكان ممّا فيه: «وقد توالت الفتوح غربا «6» ويمنا وشاما، وصارت البلاد [بل «7» الدنيا] والشهر بل الدهر حرما حراما، وأضحى الدّين واحدا بعد ما كان أديانا، والخلافة إذا ذكّر بها أهل الخلاف لم يخرّوا عليها صمّا وعميانا؛ والبدعة خاشعة، والجمعة جامعة، والمذلّة فى شيع الضلال شائعة؛ وذلك بأنّهم اتّخذوا عباد الله من دونه أولياء، وسمّوا

أعداء الله أصفياء؛ وتقطّعوا أمرهم [بينهم] شيعا، وفرّقوا أمر الأمة وكان مجتمعا؛ وكذّبوا بالنار فعجّلت لهم نار الجتوف، ونثرت أقلام الظّبا حروف رءوسهم نثر الأقلام للحروف؛ ومزّقوا كلّ ممزّق، وأخذ منهم كلّ مخنّق، وقطع دابرهم، ووعظ آئبهم غابرهم، ورغمت أنوفهم ومنابرهم؛ وحقّت عليهم الكلمة تشريدا وقتلا، وتمّت كلمات ربّك صدقا وعدلا. وليس السيف عمّن سواهم من [كفّار «1» ] الفرنح بصائم، ولا اللّيل عن السير إليهم بنائم. ولا خفاء عن المجلس الصاحبىّ أنّ من شدّ عقد خلافة وحلّ [عقد «2» ] خلاف، وقام بدولة وقعد بأخرى قد عجز عنها الأخلاف والأسلاف؛ فإنّه مفتقر إلى أن يشكر ما نصح، ويقلّد ما فتح، ويبلّغ ما اقترح، ويقدّم حقّه ولا يطّرح، ويقرّب مكانه وإن نزح؛ وتأتيه التشريفات الشريفة. - ثم قال بعد كلام آخر-: وقد أنهض لإيصال ملطّفاته، وتنجيز تشريفاته «3» ؛ خطيب الخطباء بمصر، وهو الذي اختاره بمصر لصعود المنبر، وقام بالأمر قيام من برّ. واستفتح بلبس السواد الأعظم، الذي جمع الله عليه السواد الأعظم» . ثم كتب السلطان صلاح الدّين إلى الملك العادل نور الدين يطلب منه أباه وأقاربه. ويأتى ذلك كلّه فى ترجمة صلاح الدين مفصّلا، إن شاء الله تعالى. وقد ذكرنا أقوال جماعة من العلماء والمؤرّخين فى أحوال العاضد وتوليته ووفاته ونسبه. والآن نذكر الأسباب التى كانت سببا لذهاب ملك العاضد وزوال دولة الفاطميّين بنى عبيد من ديار مصر، وابتداء ملك بنى أيّوب على سبيل الاختصار مجملا. وقد ذكرنا ذلك كلّه فى التراجم والحوادث على عادة سياق هذا الكتاب من أوّله

إلى آخره؛ غير أنّ الذي نذكره هنا متعلّق بالوزراء وكيفيّة انفصال الدولة الفاطمية واتّصال الدولة الأيّوبيّة. فأوّل الأمر قتل العاضد وزيره الملك الصالح طلائع بن رزّيك، وكنيته أبو الغارات الأرمنىّ الأصل. أقام وزيرا بمصر سبع سنين، وقد ذكرنا ابتداء أمره فى آخر ترجمة الظافر وأوّل ترجمة الفائز، وكان الفائز معه كالمحجور عليه. ولمّا مات الفائز أقام العاضد هذا فى الخلافة، وتولّى تدبير ملكه على عادته، وولّى شاور بن مجير «1» السعدىّ الصعيد. ثم ثقل طلائع هذا على العاضد فدبّر فى قتله. فلمّا كان عاشر شهر رجب سنة ستّ وخمسين وخمسمائة حضر الصالح طلائع إلى قصر الخلافة، فوثب عليه باطنىّ فضر به بسكّين فى رأسه، ثم فى ترقوته فحمل إلى داره، وقتل الباطنىّ. ومات الملك الصالح طلائع بن رزّيك من الغد، فحزن الناس عليه لحسن سيرته، وأقيم المأتم عليه بالقصر وبالقاهرة ومصر. وكان جوادا ممدّحا فاضلا شاعرا كثير الصدقات حسن الآثار، بنى جامعا خارج بابى زويلة يعرف بجامع «2» الصالح، وآخر بالقرافة «3» وتربة «4» إلى جانبه، وهو مدفون بها. وقام بعده فى الوزر أبنه رزّيك بن طلائع

ابن رزيك، ولقّب بمجد الإسلام. وفرح العاضد بقتل طلائع المذكور إلى الغاية، وكان فى ذلك عكسه؛ على ما يأتى: وهو أن رزّيك لمّا وزر مكان والده طلائع سار على سيرة أبيه، فلم يحسن ذلك ببال العاضد، فأحبّ ذهابه أيضا ليستبدّ بالأمور من غير وزير؛ فدسّ إلى شاور، فتحرّك شاور بن مجير السعدىّ من بلاد الصعيد وجمع أوباش الصعيد من العبيد والأوغاد، وقدم إلى القاهرة تحرابا لرزّيك. فخرج إليه رزيك بن طلائع وقاتله والعاضد فى الباطن مع شاور، فانهزم رزّيك. ودخل شاور إلى القاهرة وملكها وأخرب دور الوزارة ودور بنى رزّيك؛ واختفى الوزير رزّيك المذكور إلى أن ظفر به شاور وقتله. يأتى بعض ذكر ذلك فى الحوادث كلّ واحد على حدته. وتولّى شاور الوزارة، فعلمل العاضد بأفعال قبيحة وأساء السّيرة فى الرعيّة، وأخذ أمر مصر فى وزارته فى إدبار. ولمّا كثر ظلمه خرج عليه أبو الأشبال ضرغام بن عامر «1» من الصعيد- وقيل من مصر- وحشد. فخرج إليه شاور بدسته فهزمه ضرغام، وقتل ولده الأكبر طيىء؛ وخذل أهل القاهرة شاور لبغضهم له. فهرب شاور إلى الشام ودخل إلى السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكى المعروف بالشهيد؛ فالتقاه نور الدين وأكرمه. فطلب شاور منه النجدة والعساكر وأطمعه فى الديار المصرية، وقال له: أكون نائبك بها، وأقنع بما تعيّن لى من الضّياع والباقى لك. فأجّابه نور الدين لذلك وجهّز له العساكر مع الأمير أسد الدين شيركوه بن شادى الكردىّ، أحد أمراء نور الدين. وخرجوا من دمشق فى العشرين

من جمادى سنة سبع وخمسين وخمسمائة، وكان مع أسد الدين شيركوه ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيّوب فى خدمته. فلمّا وصلوا إلى القاهرة خرج إليهم أبو الأشبال ضرغام بن عامر بن سوار «1» ، فحار بهم أيّاما ووقع بينهم حروب وأمور يطول شرحها، إلى أن التقوا على باب القاهرة؛ فحمل ضرغام بنفسه فى أوائل الناس فطعن وقتل، واستقام أمر شاور. فكانت وزارة ضرغام تسعة أشهر. واستولى شاور ثانيا على القاهرة. وكان خبيثا سفّا كاللدماء. ولمّا ثبت أمره ظهر منه أمارات الغدر بأسد الدّين شيركوه. فأشار صلاح الدين يوسف بن أيّوب على عمّه أسد الدين شيركوه بالتأخّر إلى بلبيس «2» . وكان أسد الدين لا يقطع أمرا دون صلاح الدين، ففعل ذلك وخرج إلى بلبيس، وبعث أسد الدين يطلب من شاور رزق الجند (أعنى النفقة) فاعتذر وتعلّل عليه. فكتب أسد الدين إلى نور الدين يخبره بما جرى، ودسّ شاور إلى الفرنج رسلا يدعوهم إلى مصر ويبذل لهم الأموال، فاجتمع الفرنج من الساحل وساروا من الدّاروم «3» متّفقين مع شاور على أسد الدين شيركوه. فتهيّأ أسد الدين لحربهم وحاربهم فقوى الفرنج عليه وحاصروه بمدينة بلبيس نحو شهرين حتّى صالحهم أسد الدين على مال. وكان حصارهم له من أوّل شهر رمضان إلى ذى القعدة. ووقع بينهم حروب وأمور حتى بلغهم أنّ نور الدين

الشهيد قصد بلادهم من الشام؛ فعند ذلك رجعت الفرنج وصالحوا أسد الدين شيركوه، فعاد أسد الدين إلى الشام وهو فى غاية من القهر. وأقام شاور بالقاهرة على عادته يظلم ويقتل ويصادر الناس، ولم يبق للعاضد معه أمر ولا نهى. وأقام أسد الدين بدمشق فى خدمة نور الدين إلى سنة اثنتين وستين، فعاد بعساكر الشام إلى مصر ثانيا. وسببه أنّ العاضد لمّا غلب عليه شاور كتب إلى نور الدين يستنجده على شاور وأنّه قد استبدّ بالأمر وظلم وسفك الدم. وكان فى قلب نور الدين من شاور حرازة لكونه غدر بأسد الدين شيركوه واستنجد عليه بالفرنج. فخرج أسد الدين بعساكر الشام من دمشق فى منتصف شهر ربيع الأوّل من سنة اثنتين وستين المذكورة، وسار أسد الدين ومعه ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيّوب حتّى نزل برّ الجيزة «1» غربىّ مصر على بحر النيل. وكان شاور قد أعطى الفرنج الأموال وأقطعهم الإقطاعات وأنزلهم دور القاهرة وبنى لهم أسواقا تخصّهم. وكان مقدّم الفرنج الملك مرّى وابن نيرزان. فأقام أسد الدين على الجيزة شهرين، وعدّى إلى برّ مصر والقاهرة فى خامس عشرين جمادى الآخرة، وخرج إليه شاور والفرنج. ورتّب شاور عساكره، فجعل الفرنج على الميمنة مع ابن نيرزان، وعسكر مصر فى الميسرة، وأقام الملك مرّى الفرنجىّ فى القلب فى عسكره من الفرنج. ورتّب أسد الدين عساكره فجعل

صلاح الدين فى الميمنة؛ وفى الميسرة الأكراد، وأسد الدين فى القلب «1» ، فحمل الملك مرّى على القلب فتعتعه، وكانت أثقال المسلمين خلفه فاشتغل الفرنج بالنهب؛ وحمل صلاح الدين على شاور فكسره وفرّق جمعه. وعاد أسد الدين إلى ابن أخيه صلاح الدين وحملا على الفرنج فانهزموا، فقتلا منهم ألوفا وأسرا مائة وسبعين فارسا. وطلبوا القاهرة، فلو ساق أسد الدين خلفهم فى الحال ملك القاهرة، وإنّما عدل إلى الإسكندرية فتلقّاه أهلها طائعين، فدخلها وولّى عليها صلاح الدين. فأقام صلاح الدين بها وسار أسد الدين إلى الصعيد فاستولى عليه، وأقام يجمع أمواله. وخرج شاور والفرنج من القاهرة فحصروا الإسكندرية أربعة أشهر، وأهلها يقاتلون مع صلاح الدين ويقوّونه بالمال. وبلغ أسد الدين فجمع عرب البلاد وسار إلى الإسكندرية، فعاد شاور إلى القاهرة وراسل أسد الدين حتّى تمّ الصلح بينهم، وأعطى شاور أسد الدين إقطاعا بمصر وعجّل له مالا. فعاد أسد الدين إلى الشام ومعه صلاح الدين. واعتذر أسد الدين إلى الملك العادل نور الدين محمود بكثرة الفرنج والمال. ورأى صلاح الدين لأهل الإسكندرية ما فعلوا، فلمّا ملك مصر بعد ذلك أحسن إليهم. ثم إنّ الفرنج طلبوا من شاور أن يكون لهم شحنة بالقاهرة ويكون أبوابها بأيدى فرسانهم وتحمل إليهم فى كلّ سنة مائة ألف دينار، ومن سكن منهم بالقاهرة يبقى على حاله ويعود بعض ملوكهم إلى الساحل؛ فأجابهم شاور إلى ما طلبوا منه.

كل ذلك تقرّر بين شاور والفرنج والعاضد لا يعلم بشىء منه. وسار بعض الفرنج إلى الساحل. وكان الملك العادل نور الدين محمود يخاف على مصر من غلبة الفرنج عليها، فسار بعساكره من دمشق وفتح المنيطرة «1» وقلاعا كثيرة؛ فخاف من كان بمصر من الفرنج. وبيناهم فى ذلك عاد الفرنج من الساحل إلى نحو مصر فى سنة أربع وستين، وطمعوا فى أخذها. وكان خروجهم من عسقلان والساحل إلى نحو مصر فى أوائل السنة، وساروا حتّى نزلوا بلبيس، وأغاروا على الريف وأسروا وقتلوا. هذا وقد تلاشى أمر الديار المصرية من الظلم ولم يبق للعاضد من الخلافة سوى الاسم والخطبة لا غير. فلمّا بلغ شاور فعل الفرنج بالأرياف، أخرج من كان بمصر من الفرنج بعد أن أساء فى حقّهم قبل ذلك، وقتل منهم جماعة كبيرة وهرب الباقون. ثم أمر شاور أهل مصر بأن ينتقلوا إلى القاهرة ففعلوا، وأحرق شاور مصر. وسار الفرنج من بلبيس حتّى نزلوا على القاهرة فى سابع صفر، وضايقوها وضربوها بالمجانيق. فلم يجد شاور بدّا أن كاتب الملك العادل نور الدين محمودا بأمر العاضد. وكان الفرنج لمّا وصلوا إلى مصر فى المرّتين الأوليين اطّلعوا على عوراتها وطمعوا فيها؛ وعلم نور الدين بذلك فأسرع بتجهيز العساكر خوفا على مصر. ثم جاءته كتب شاور والعاضد؛ فقال نور الدين لأسد الدين شيركوه: خذ العساكر وتوجّه إليها؛ وقال لصلاح الدين: اخرج مع عمّك أسد الدين؛ فامتنع وقال: يا مولاى، يكفى ما لقينا من الشدائد فى تلك المرّة. فقال نور الدين: لا بدّ من خروجك؛ فما أمكنه مخالفة مخدومه نور الدين المذكور؛ فخرج مع عمّه، وساروا إلى مصر. وبلغ الفرنج ذلك فرجعوا عن مصر إلى الساحل. وقيل: إن شاور أعطاهم مائة ألف دينار. وجاء أسد الدين بمن معه من العساكر

ونزل على باب القاهرة. فاستدعاه العاضد إلى القصر وخلع عليه فى الإيوان خلعة الوزارة ولقّبه بالمنصور، وسرّ أهل مصر بذلك. وقيل: إنّه لم يستدعه، وإنّما بعث إليه بالخلع والأموال والإقامات؛ وكذلك إلى الأمراء الذين كانوا معه. وأقام أسد الدين مكانه وأرباب الدولة يتردّدون إلى خدمته فى كلّ يوم، ولم يقدر شاور على منعهم لكثرة العساكر ولكون العاضد مائلا إلى أسد الدين المذكور. فكاتب شاور أيضا الفرنج واستدعاهم وقال لهم: يكون مجيئكم إلى دمياط «1» فى البحر والبرّ. فبلغ ذلك أعيان الدولة بمصر، فاجتمعوا عند الملك المنصور أسد الدين شيركوه وقالوا له: شاور فساد العباد والبلاد، وقد كاتب الفرنج، وهو يكون سبب هلاك الإسلام. ثم إنّ شاور خاف لما تأخّر وصول الفرنج، فعمل فى عمل دعوة لأسد الدين المذكور ولأمرائه ويقبض عليهم. فنهاه ابنه الكامل وقال له: والله لئن لم تنته عن هذا الأمر لأعرّفنّ أسد الدين. فقال له أبوه شاور: والله لئن لم نفعل هذا لنقتلنّ كلّنا. فقال له ابنه الكامل: لأن نقتل والبلاد بيد المسلمين خير من أن نقتل والبلاد بيد الفرنج. وكان شاور قد شرط لأسد الدين شيركوه ثلث أموال البلاد؛ فأرسل أسد الدين يطلب منه المال؛ فجعل شاور يتعلّل ويماطل وينتظر وصول الفرنج؛ فابتدره أسد الدين وقتله. واختلفوا فى قتله على أقوال، أحدها أنّ الأمراء اتّفقوا على قتله لمّا علموا مكاتبته للفرنج، وأنّ أسد الدين تمارض، وكان شاور يخرج إليه فى كلّ يوم والطبل والبوق يضربان بين يديه على عادة وزراء مصر.- قلت: وعلى هذا القول يكون قول من قال: إنّ الغاضد خلع على أسد الدين شيركوه بالوزارة ولقّبه بالمنصور فى أوّل قدومه إلى مصر ليس بالقوىّ، ولعلّ ذلك يكون بعد قتل شاور، على ما سيأتى

ذكره.- فجاء شاور ليعود أسد الدين فقبض عليه وقتله. والثانى أنّ صلاح الدين وجرديك اتّفقا على قتله وأخبرا أسد الدين فنهاهما، وقال: لا تفعلا، فنحن فى بلاده ومعه عسكر عظيم، فأمسكا عن ذلك إلى أن اتّفق أنّ أسد الدين ركب إلى زيارة الإمام الشافعىّ- رضى الله عنه- وأقام عنده، فجاء شاور على عادته إلى أسد الدين فالتقاه صلاح الدين وجرديك وقالا: هو فى الزيارة انزل، فامتنع؛ فجذباه فوقع إلى الأرض فقتلاه. والثالث أنّهما لمّا جذباه لم يمكنهما قتله بغير أمر أسد الدين فسحبه الغلمان إلى الخيمة وانهزم أصحابه عنه إلى القاهرة ليجيّشوا عليهم. وعلم أسد الدين فعاد مسرعا، وجاء رسول من العاضد برقعة يطلب من أسد الدين رأس شاور، وتتابعت الرّسل. وكان أسد الدين قد بعث إلى شاور مع الفقيه عيسى «1» يقول: لك فى رقبتى أيمان، وأنا خائف عليك من الذي عندى فلا تجىء. فلم يلتفت وجاء على العادة فوقع ما ذكرناه. ولما تكاثرت الرسل من العاضد دخل جرديك إلى الخيمة وجزر رأسه، وبعث أسد الدين برأسه إلى العاضد فسرّبه. ثم طلب العاضد ولد شاور الملك الكامل وقتله فى الدّهليز وقتل أخاه، واستوزر أسد الدين شيركوه، وذلك فى شهر ربيع الأوّل. وهذا الذي أشرنا إليه من أنّ ولاية أسد الدين للوزر كانت بعد قتل شاور. ولما قتل شاور وابنه الكامل، بعث العاضد منشورا بالوزارة لأسد الدين بخطّ القاضى الفاضل وعليه خطّ العاضد بما صورته:

«هذا «1» عهد لم يعهد إلى وزير بمثله، فتقلّد ما أراك الله أهلا بحمله؛ وخذ كتاب أمير المؤمنين بقوّة، واسحب ذيل الافتخار بخدمتك بيت النبوّة؛ والزم حقّ الإمامة تجد إلى الفوز سبيلا، ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا» . ثم أرسل العاضد نسخة الأيمان إلى أسد الدين، وحلف كلّ واحد منهما لصاحبه على الوفاء والطاعة والصفاء. فتصرّف أسد الدين شهرين ومات. ولمّا احتضر أوصى إلى ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيّوب، فولّى صلاح الدين الوزارة ولقّب بالملك الناصر، على ما يأتى ذكر ذلك كلّه فى ترجمتهما بأوضح من ذلك. ولمّا وزر صلاح الدين اختلف عليه جماعة من الأمراء عقيب وفاة أسد الدين. وبلغ الملك العادل نور الدين اتّفاق الأمراء عليه بمصر؛ فقال له توران «2» شاه بن أيّوب الذي لقّب بعد ذلك بالملك المعظّم، وكان أسنّ من صلاح الدين: يا مولانا، أريد أن أسير إلى أخى (يعنى إلى صلاح الدين) فقال له نور الدين: إن كنت تسير إلى مصر وترى يوسف أخاك بعين أنّه كان يقف فى خدمتك وأنت قاعد فلا تسر، فإنّك تفسد العباد والبلاد فتحوجنى إلى عقوبتك بما تستحقّه، وإن كنت تسير إليه وترى أنّه قائم مقامى وتخدمه كما تخدمنى، وإلّا فلا «3» تذهب إليه. فقال:

يا مولانا، سوف يبلغك ما أفعل من الخدمة والطاعة. وسار إلى مصر فتلقّاه صلاح الدين من بلبيس وخدمه وقدّم له المال والخيل والتّحف، وأقام عنده على أحسن حال، وفعل ما ضمن لنور الدين من خدمة أخيه صلاح الدين، وقوى أمر صلاح الدين به واستقام أمره. كلّ ذلك والخطبة باسم العاضد فى هذه السنين إلى سنة سبع وستين وخمسمائة، على ما يأتى ذكره فى ترجمة السلطان صلاح الدين. ولمّا تمّ أمر صلاح الدين بمصر خاف العاضد عاقبة أمره. وكان للعاضد خادم يقال له مؤتمن الخلافة، وكان مقدّم السودان والخدم والمشار إليه بالقصر. فأمره العاضد بقتال الترك والغزّ. واتّفق العسكر المصرىّ مع الخادم وثاروا على الترك فقتلوا منهم جماعة. فركب صلاح الدين وشمس الدولة ودخلا إلى باب القصر، وتقاتلا مع مؤتمن الخلافة، وأبلى شمس الدولة بلاء حسنا، وقتل الخادم مؤتمن الخلافة وجماعة كبيرة من السودان بعد حروب وقتال عظيم. فأرسل العاضد إلى صلاح الدين يتعتّب عليه ويقول له: فأين أيماناتكم! هذا الخادم جاهل فعل ما فعل بغير أمرنا فقال صلاح الدين: نحن على الأيمان والعهود ما نتغيّر، وما قتلنا إلّا من قصد قتلنا. وقول العاضد: أين الأيمان والعهود يعنى بذلك أنّه لمّا مات أسد الدين شيركوه وأوصى لابن أخيه صلاح الدين المذكور اختلف جماعة من أمراء نور الدين الذين كانوا قدموا مع أسد الدين على صلاح الدين، ورام كلّ واحد منهم الأمر لنفسه استصغارا بصلاح الدين، وهم: عين «1» الدين الياروقى رأس الأتراك، وسيف «2» الدين المشطوب ملك الأكراد، وشهاب الدين محمود صاحب

حارم «1» وهو خال صلاح الدين، وجماعة أخر؛ فبادر العاضد واستدعى صلاح الدين وخلع عليه فى الإيوان خلعة الوزارة وكتب عهده ولقّبه الملك الناصر. وقيل: الذي لقّبه بالملك الناصر إنّما هو الخليفة المستضىء العباسىّ بعد ذلك. ولمّا ولى الوزارة شرع الفقيه عيسى فى تفريق البعض عن بعض، وأصلح الأمور لصلاح الدين، على ما يأتى فى ترجمة صلاح الدين بعد ذلك. وبذل صلاح الدين الأموال وأحسن لجميع العسكر الشامىّ والمصرىّ فأحبّوه وأطاعوه، وأقام نائبا عن نور الدين، يدعى لنور الدين على منابر مصر بعد الخليفة العاضد، ولصلاح الدين بعدهما. واستمرّ صلاح الدين على ذلك والخطبة للعاضد، وقد ضعف أمره وقوى أمر صلاح الدين، حتّى كانت أوّل سنة سبع وستين وخمسمائة، فكتب إليه الملك العادل نور الدين محمود يأمره بقطع الخطبة لبنى عبيد، وأن يخطب بمصر لبنى العبّاس. فخاف صلاح الدين من أهل مصر ألّا يجيبوه ولم يسعه مخالفة أمر نور الدين، وقال: ربّما وقعت فتنة لا تتدارك؛ فكتب الجواب إلى نور الدين يخبره بذلك، فلم يسمع منه نور الدين وخشّن عليه فى القول، وألزمه إلزاما لا محيد عنه. ومرض العاضد، فجمع صلاح الدين الأمراء والأعيان واستشارهم فى أمر نور الدين بقطع الخطبة للعاضد والدعاء لبنى العبّاس، فمنهم من أجاب ومنهم من امتنع؛ وقالوا: هذا باب فتنة وما يفوت ذلك، والجميع أمراء نور الدين، فعاودوا نور الدين فلم يلتفت وأرسل إلى صلاح الدين يستحثّه فى ذلك؛ فأقامها والعاضد مريض. واختلفوا فى الخطيب فقيل: إنّه رجل من الأعاجم يسمّى الأمير العالم، وقيل: هو رجل من أهل بعلبكّ يقال له محمد بن المحسّن بن أبى المضاء «2» البعلبكّىّ

المقدّم ذكره الذي توجّه فى الرسلية من قبل صلاح الدين إلى بغداد، وقيل: إنّه كان رجلا شريفا عجميا، ورد من العراق أيام الوزير الملك الصالح طلائع بن رزّيك. قلت: فأشبه أمر الفاطميّين فى هذا الأمر أمر العباسيين لمّا انتقلت الدعوة منهم إلى الفاطميّين بنى عبيد؛ فإنّه أوّل من خطب للمعزّ معدّ أوّل خلفاء مصر من بنى عبيد الخطيب عمر بن عبد السميع العبّاسىّ الخطيب بجامع عمرو وجامع أحمد ابن طولون، وهذا من باب المكافأة والمجازاة (أعنى أنّ الذي خطب لبنى عبيد كان عبّاسيا والذي خطب لبنى العبّاس الآن علوىّ) . انتهى أمر الفاطميّين. وأقيمت الخطبة لبنى العبّاس فى أوّل المحرّم، والعاضد مريض، فأخفى عنه أهله ذلك؛ وقيل: بلغه، فأرسل إلى صلاح الدين يستدعيه ليوصيه، فخاف أن يكون خديعة فلم يتوجّه إليه. ومات العاضد فى يوم عاشوراء سنة سبع وستين وخمسمائة، وانقضت دولة الفاطميّين من مصر بموته. وندم صلاح الدين على قطع خطبته، وقال: ليتنى صبرت حتّى يموت. ثمّ كتب صلاح الدين يخبر الملك العادل نور الدين بإقامة الدعوة العبّاسيّة بمصر. فكتب نور الدين كتابا إلى بغداد من إنشاء العماد الكاتب الأصبهانىّ، وفيه: [الخفيف] قد خطبنا للمستضىء بمصر ... نائب المصطفى إمام العصر ولدينا تضاعفت نعم اللّ ... هـ وجلّت عن كلّ عدّ وحصر واستنارت عزائم الملك العا ... دل نور الدين الهمام الأغرّ هو فتح بكر ودون البرايا ... خصّنا الله بافتراع «1» البكر

وهى أطول من ذلك. وصفا الوقت لصلاح الدين وسمى السلطان، وصار يخطب باسمه على منابر مصر بعد الخليفة العبّاسىّ والملك العادل نور الدين محمود. وكان ابتداء مرض العاضد من أواخر ذى الحجة سنة ست وستين وخمسمائة. فلمّا كان رابع المحرّم سنة سبع وستين جلس العاضد فى قصره بعد الإرجاف بأنّه أثخن فى مرضه، فشوهد وهو على ما حقّق الإرجاف من ضعف القوى وتخاذل الأعضاء وظهور الحمّى. وقيل: إنّ الحمّى فشت بأعضائه، وأمسك طبيبه المعروف بابن السديد «1» عن الحضور إليه، وامتنع من مداواته وخدله، مساعدة عليه للزمان وميلا مع الأيام. ثم خطب فى سابع المحرّم باسم الخليفة المستضىء بالله العبّاسىّ وصرّح باسمه ولقبه وكنيته بمصر، حسب ما تقدم ذكره. فمات العاضد بعد ذلك بثلاثة أيام فى يوم الاثنين يوم عاشوراء. وكان لموته بمصر يوم عظيم إلى الغاية، وعظم مصابه على المصريّين إلى الغاية، ووجدوا عليه وجدا عظيما لا سيّما الرافضة؛ فإنّ نفوسهم كادت تزهق حزنا لانقضاء دولة الرافضة من ديار مصر وأعمالها. وقد تقدّم التعريف بأحوال العاضد فى أوّل ترجمته من عدة أقوال، فلا حاجة لتكرار ذلك فى هذا المحل.

ما وقع من الحوادث سنة 556

*** [ما وقع من الحوادث سنة 556] السنة الأولى من ولاية العاضد على مصر وهى سنة ستّ وخمسين وخمسمائة. فيها توفى محمود بن نعمة الشيخ أبو الثناء الشّيرازىّ الشاعر المشهور. كان أديبا فاضلا بارعا. ومن شعره يعارض قول ابن سكّرة فى قوله: [البسيط] جاء الشتاء وعندى من حوائجه ... سبع إذا القطر «1» عن حاجاتنا حبسا كيس وكنّ وكانون وكأس طلا ... مع الكباب وكسّ ناعم وكسا فقال الشّيرازىّ: [الطويل] يقولون كافات الشتاء كثيرة ... وما هى إلّا فرد كاف بلا مرا إذا صحّ كاف الكيس فالكلّ حاصل ... لديك «2» وكلّ الصيد يوجد فى الفرا ولغيره فى المعنى: [الوافر] وكافات الشتاء تعدّ سبعا ... وما لى طاقة بلقاء سبع إذا ظفرت بكاف الكيس كفى ... ظفرت بمفرد يأتى بجمع وأمّا ما يشبه قول ابن سكّرة فكثير. من ذلك ما قاله ابن قزل: [البسيط] عجّل إلىّ فعندى سبعة كملت ... وليس فيها من اللّذات إعواز طار وطبل وطنبور وطاس طلا ... وطفلة وطباهيج «3» وطنّاز «4»

قلت: لم يحك وفاته «1» الشنب. وأكثر الصّفدىّ فى المعنى فقال: [البسيط] إن قدّر الله لى بالعمر واجتمعت ... سبع فما أنا فى اللّذات مغبون قصر وقدر وقوّاد وقحبته ... وقهوة وقناديل وقانون وله أيضا: [الطويل] ثمانية إن يسمح الدهر لى بها ... فمالى عليه بعد ذلك مطلوب مقام ومشروب ومزج ومأكل ... وملهى ومشموم ومال ومحبوب وللّسراج «2» الورّاق فى هذا المعنى أيضا- وهو عندى أقربهم لقول ابن سكّرة-: [البسيط] عندى فديتك لذّات ثمانية ... أنفى بها الحزن إن وافى وإن وردا راح وروح وريحان وريق رشا ... ورفرف ورياض ناعم وردا ولغيره فى المعنى: [البسيط] إذا بلغت من الدّنيا ولذّتها ... سبعا فإنّى فى اللذات سلطان خمر وخود وخاتون وخاتمها ... وخضرة وخلاعات وخلّان وقد خرجنا عن المقصود فى الاستطراد فى معنى هذين البيتين. ولنعد لما نحن بصدده. وفيها كانت مقتلة وزير العاضد الملك الصالح طلائع بن رزّيك الأرمنىّ أبى الغارات، أقام وزيرا سبع سنين. وقد تقدّم ذكر طلائع هذا فى ترجمة جماعة من خلفاء مصر: الحافظ والفائز والعاضد، وكيف كان قدومه إلى مصر وكيف قتل.

وكان ملكا جوادا ممدّحا شاعرا بليغا. ومن شعره من جملة أبيات، وكان قد خرج من الحمّام فقال: [الخفيف] نحن فى غفلة ونوّم وللمو ... ت عيون يقظانة لا تنام قد «1» دخلنا الحمّام عاما ودهرا ... ليت شعرى متى يكون الحمام فقتل بعد قوله بثلاثة أيام. ومن شعره أيضا إلى صديق له بالشام: [البسيط] أحباب قلبى إن شطّ المزار بكم ... فأنتم فى صميم القلب سكّان وإن رجعتم إلى الأوطان إنّ لكم ... صدورنا عوض الأوطان أوطان جاورتم غيرنا لمّا نأت بكم ... دار وأنتم لنا بالودّ جيران فكيف ننساكم يوما لبعدكم ... عنا وأشخصكم للعين إنسان وفيها توفّى القاضى الأعزّ أبو البركات بن أبى جرادة، أخو القاضى ثقة الملك الحسن بن علىّ بن أبى جرادة. كان أبو البركات هذا أمينا على خزانة الملك العادل نور الدين الشهيد، وكان فاضلا بليغا. كتب إلى أخيه بمصر قصيدة منها: [الطويل] أحباب قلبى والذين أودّهم ... وأشتاقهم فى كلّ صبح وغيهب الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى الإشارة «2» ، قال: وفيها توفّى أبو حكيم إبراهيم بن دينار النّهروانىّ الحنبلىّ الزاهد. والملك الصالح طلائع بن رزّيك الأرمنىّ الرافضىّ.

ما وقع من الحوادث سنة 557

وأبو الفتح عبد الوهاب بن محمد بن الحسين بن الصابونىّ الخفّاف. وأبو محمد محمد ابن أحمد بن عبد الكريم التميمىّ بن المادح «1» . أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وأربع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 557] السنة الثانية من ولاية العاضد على مصر وهى سنة سبع وخمسين وخمسمائة. فيها توفّى الحسين بن علىّ بن القاسم بن المظفّر قاضى القضاة أبو علىّ الشّهرزورىّ قاضى الموصل. كان عظيم الشأن عالما فاضلا عفيفا، رحمه الله. وفيها توفّى الشيخ الصالح الزاهد عدىّ بن مسافر بن إسماعيل بن موسى بن مروان ابن الحسن بن مروان بن الحكم بن مروان، القدوة شرف الدين أبو الفضائل الأموىّ الهكّارىّ، استوطن ليلش «2» من جبل الهكّاريّة «3» إلى أن مات بها فى سنة ثمان «4» ، وقيل سنة سبع وخمسين وخمسمائة، ودفن بزاويته؛ وقبره بها ظاهر يزار. وكان فقيها عالما عابدا فصيحا متواضعا حسن الأخلاق مع كثرة الهيبة والوقار، وهو أحد كبار

ما وقع من الحوادث سنة 558

مشايخ الطريقة، وأحد العلماء الأعلام فيها. سلك فى المجاهدة طريقا صعبا بعيدا. وكان القطب محيى الدين عبد القادر ينوّه بذكره ويثنى عليه كثيرا، وشهد له بالسلطنة (يعنى على الأولياء) ، وقال: لو كانت النبوّة تنال بالمجاهدة لنا لها الشيخ عدىّ ابن مسافر. وكان فى أوّل أمره فى الجبال والصحارى مجرّدا يأخذ نفسه بأنواع المجاهدات مدّة سنين، وكانت الحيّات والسباع تألفه، ثم عاد وسكن بزاويته. وتلمذ له خلق كثير من الأولياء، وتخرّج بصحبته غير واحد من ذوى الأحوال. وكان له كلام على لسان أهل الطريقة فى توحيد البارئ عظيم. ومناقبه كثيرة يضيق هذا المحلّ عن استيعابها، رحمه الله. الذي ذكرهم الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو يعلى حمزة بن أحمد [بن فارس «1» ] بن كروّس السلمىّ الدمشقىّ. والشيخ عدىّ بن مسافر الهكّارىّ الزاهد العارف، يوم عاشوراء. وأبو المظفّر هبة الله بن أحمد الشّبلىّ القصّار فى سلخ العام. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وعشر أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وأربع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 558] السنة الثالثة من ولاية العاضد على مصر وهى سنة ثمان وخمسين وخمسمائة. فيها سار الملك العادل نور الدين محمود بن زنكى المعروف بالشهيد إلى قتال قليج «2» أرسلان ابن السلطان مسعود صاحب بلاد الروم، ووقع له معه أمور وحروب.

وفيها ظهر شاور بن مجير السعدىّ وجمع جمعا كثيرا وقتل وزير العاضد صاحب الترجمة رزّيك بن طلائع بن رزّيك، وتولّى الوزارة عوضه. وفيها توفّى عبد المؤمن بن علىّ أبو محمد القيسىّ الكومىّ الذي قام بأمره محمد بن تومرت المعروف بالمهدىّ. قال ابن خلّكان: رأيت فى بعض تواريخ الغرب أن ابن تومرت كان قد ظفر بكتاب يقال له الجفر، وفيه ما يكون على يده. فأقام ابن تومرت مدّه يتطلّبه حتى وجده وصحبه وهو إذ ذاك غلام، وكان يتفرّس فيه النجابة، وينشد إذا أبصره: [البسيط] تكاملت فيك أوصاف خصصت بها ... فكلّنا بك مسرور ومغتبط السنّ ضاحكة والكفّ مانحة ... والنفس واسعة والوجه منبسط وكان يقول ابن تومرت لأصحابه: صاحبكم هذا غلّاب الدّول. ولم يصح عنه أنّه استخلفه، بل راعى أصحابه فى تقديمه [إشارته «1» ] ، فتمّ له الأمر. وأوّل ما أخذ من البلاد وهران ثم تلمسان ثم فاس ثم مرّاكش بعد أن حاصرها أحد عشر شهرا، وذلك فى سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة، واستوثق له الأمر وامتدّ ملكه إلى الغرب الأقصى والأدنى وبلاد إفريقيّة، وتسمّى أمير المؤمنين. وقصدته الشعراء وامتدحته. ذكر العماد الكاتب الأصبهانىّ فى «كتاب الخريدة» أنّ الفقيه أبا عبد الله محمد بن أبى العبّاس لمّا أنشده: [البسيط] ما هزّ عطفيه بين البيض والأسل ... مثل الخليفة عبد المؤمن بن على أشار إليه بأن يقتصر على هذا البيت، وأمر له بألف دينار. وكانت وفاة عبد المؤمن المذكور فى العشر الأخير من جمادى الآخرة، وكانت مدّة ولايته ثلاثا وثلاثين سنة

وأشهرا. والكومىّ المنسوب إليها هى كومية «1» قبيلة صغيرة نازلة بساحل البحر من أعمال تلمسان. وفيها توفّى محمد بن عبد الكريم أبو عبد الله سديد الدولة بن الأنبارى كاتب الإنشاء بديوان الخليفة. أقام كاتبا به نيّفا وخمسين سنة، وناب فى الوزارة. وكان بينه وبين الحريرىّ صاحب المقامات مكاتبات ومراسلات. وفيها توفّى يحيى بن سعيد النصرانىّ البغدادىّ أوحد زمانه فى الطّبّ والأدب، له ستون مقامة ضاهى بها مقامات الحريرىّ، وله شعر جيّد. من ذلك فى الشيب: [الخفيف] نفرت هند من طلائع شيبى ... واعترتها سآمة من وجوم هكذا عادة الشياطين ينفر ... ن إذا ما بدت رجوم النجوم الذين ذكرهم الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة؛ قال: وفيها توفّى الزاهد أبو العبّاس أحمد بن محمد بن قدامة. وأبو منصور شهردار بن شيرويه الديلمىّ بهمذان. وصاحب الغرب عبد المؤمن بن علىّ بن علوىّ القيسىّ التلمسانىّ فى جمادى الآخرة بمدينة سلا «2» . والصاحب جمال الدين محمد بن علىّ الأصبهانىّ الملقّب بالجواد وزير الموصل. أمر النيل فى هذه السنة الماء القديم خمس أذرع وثلاث عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثمانى أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 559

*** [ما وقع من الحوادث سنة 559] السنة الرابعة من ولاية العاضد على مصر وهى سنة تسع وخمسين وخمسمائة. فيها توفّى الحسن بن محمد بن الحسن الشيخ أبو المعالى الوزكانىّ الفقيه الشافعىّ- ووركان: بلد بنواحى قاشان- كان إماما فى فنون العلوم، عاش نيّفا وثمانين سنة. وفيها توفّى محمد «1» بن علىّ بن [أبى «2» ] المنصور الوزير أبو جعفر جمال الدين الأصبهانىّ وزير الأتابك زنكى وسيف الدين غازى وقطب الدين مودود، وكان هو الحاكم على الدولة. وكان بينه وبين زين الدين كوجك مصافاة وعهود ومواثيق. وكانت الموصل فى أيامه ملجأ لكلّ ملهوف. ولم يكن فى زمانه من يضاهيه ولا يقاربه فى الجود والنّوال؛ وكان كثير الصّلات والصدقات، بنى مسجد الخيف بمنى وغرم عليه أموالا عظيمة، وجدّد الحجر إلى جانب الكعبة، وزخرف البيت بالذهب، وبنى أبواب الحرم وشيّدها ورفع أعتابها صيانة للحرم؛ وبنى المسجد الذي على عرفة والدرج الذي فيها، وأجرى الماء إلى عرفات، وعمل البرك والمصانع؛ وبنى على مدينة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سورا، وكانت الأعراب تنهبها، وكان الخطيب يقول على المنبر: اللهمّ «3» صن من صان حرم حريم نبيّك محمد صلى الله عليه وسلم. وكانت صدقاته تسير إلى المشرق والمغرب، رحمه الله تعالى. وفيها توفّى أبو الفرج عبد الله بن أسعد بن علىّ بن عيسى الموصلىّ المعروف بابن الدهّان وبالحمصىّ أيضا، الفقيه الشافعى المنعوت بالمهذّب الشاعر المشهور.

كان فصيحا فقيها فاضلا أديبا شاعرا، غلب عليه الشعر واشتهر به، وله ديوان صغير وكلّه جيّد، ورحل البلاد ومدح بمصر الوزير الصالح طلائع بن رزّيك وغيره. ومن شعره فى غلام لسبته نحلة فى شفته: [الرمل] بأبى من لسبته نحلة ... آلمت أكرم شىء وأجلّ أثّرت لسبتها فى شفة ... ما براها الله إلّا للقبل حسبت أنّ بفيه بيتها ... إذ رأت ريقته مثل العسل ومن شعره أيضا: [الكامل] قالوا سلا، صدقوا، عن السّ ... لّوان ليس عن الحبيب قالوا فلم ترك الزيا ... رة قلت من خوف الرقيب قالوا فكيف يعيش مع ... هذا فقلت من العجيب الذين ذكرهم الذهبىّ [وفاتهم] فى هذه السنة، قال: فيها توفّى أبو سعد «1» عبد الوهاب بن الحسن الكرمانىّ آخر من روى عن ابن خلف وغيره. والسيد أبو الحسن علىّ بن حمزة العلوىّ الموسوىّ بهراة، وكان مسندها وله إحدى وتسعون سنة. وأبو الخير محمد بن أحمد بن محمد الباغبان «2» . أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثمانى أذرع وثمانى أصابع. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وعشر أصابع. وزاد بعد طلوع السّماك «3» بعدّة أيام.

ما وقع من الحوادث سنة 560

*** [ما وقع من الحوادث سنة 560] السنة الخامسة من ولاية العاضد على مصر وهى سنة ستين وخمسمائة. فيها فتح الملك العادل نور الدين محمود بن زنكى الشهيد بانياس عنوة، وكان معه أخوه نصرة «1» الدين، فأصابه سهم فأذهب إحدى عينيه؛ فقال له أخوه نور الدين: لو كشف عما أعدّ لك من الأجر لتمنّيت ذهاب الأخرى، فحمد الله على ذلك. وفيها فوّض الملك العادل شحنجية «2» دمشق إلى صلاح الدين يوسف بن أيوب، فأظهر صلاح الدين السياسة وهذّب الأمور، وذلك فى حياة والده وعمّه أسد الدين شيركوه. وفيها توفّى أمير أميران نصرة الدين بن زنكى بن آق سنقر التركىّ أخو الملك العادل نور الدين المقدّم ذكره فى ذهاب عينه فى فتح بانياس. وكان أميرا شجاعا مقداما عزيزا على أخيه نور الدين محمود، وعظم مصابه عليه؛ رحمه الله. وفيها توفّى حسّان بن تميم بن نصر الشيخ أبو الندى الدمشقىّ المحدّث، سمع الحديث وحجّ ومات فى شهر رجب، ودفن بمقبرة باب الفراديس. وفيها توفّى الشيخ المعتقد محمد بن إبراهيم الكيزانىّ «3» أبو عبد الله الواعظ المصرىّ. قيل إنه كان يقول: إنّ أفعال العباد قديمة. ولمّا مات دفن عند قبر الإمام الشافعىّ بالقرافة الصغرى، واستمرّ هناك إلى أن نبشه الشيخ نجم الدين الخبوشانىّ فى أيام السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب وأخرجه، فدفن بمكان آخر فى القرافة.

وقبره معروف يقصد للزيارة. قيل إنّ الخبوشانىّ لمّا أراد نبشه قال: لا يتّفق مجاورة زنديق إلى صدّيق. ثم نبشه قال صاحب المرآة وغيره: كان (يعنى الكيزانىّ) زاهدا عابدا قنوعا من الدنيا باليسير. وله شعر جيّد، وديوانه مشهور. ومن شعره: [الرمل] اصرفوا عنّى طبيبى ... ودعونى وحبيبى عللّوا قلبى بذكرا ... هـ فقد زاد لهيبى طاب هتكى فى هواه ... بين واش ورقيب ما أبالى بفوات النّ ... فس ما دام نصيبى ليس من لام وإن أط ... نب فيه بمصيب (1) جسدى راض بسقمى ... وجفونى بنحيبى ومن شعره أيضا قوله من أبيات: [الكامل] يا من يتيه على الزمان بحسنه ... اعطف على الصّبّ المشوق التائه أضحى يخاف على احتراق فؤاده ... أسفا لأنّك منه فى سودائه قلت: وللكيزانىّ كلام فى علم الطريق ولسان حلو فى الوعظ، وكان للناس فيه محبّة ولكلامه تأثير فى القلوب؛ ولا يلتفت لقول الخبوشانىّ فيه؛ لأنّهما أهل عصر واحد، وتهوّر الخبوشانىّ معروف، كما سيأتى ذكره فى وفاته إن شاء الله تعالى. وفيها توفّى محمد بن عبد الله بن عبّاس الشيخ أبو عبد الله الحرّانىّ. كان شهد عند القاضى أبى الحسن الدامغانىّ الحنفىّ، وعاش حتّى لم يبق من شهوده غيره. وسمع الحديث، وصنّف كتابا سمّاه «روض الأدباء» . قال الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن

ابن الجوزىّ فى تاريخه: زرته يوما وأطلت الجلوس عنده؛ فقلت له: ثقّلت عليك. فأنشدتى- رحمه الله-: [الوافر] لئن سمّيت «1» إبراما وثقلا ... زيارات رفعت بهنّ قدرى فما أبرمت إلّا حبل ودّى ... ولا ثقّلت إلّا ظهر شكرى وكانت وفاته فى جمادى الاخرة. وفيها توفّى يحيى بن محمد بن هبيرة بن سعيد «2» بن حسن الشيبانىّ- قد رفع نسبه صاحب مرآة الزمان إلى عدنان- هو الوزير عون الدين أبو المظفّر بن هبيرة. ولد سنة تسع وتسعين وأربعمائة بقرية الدّور «3» من أعمال العراق، وقرأ بالروايات وسمع الحديث الكثير، وقرأ النحو واللغة والعروض، وتفقّه على مذهب الإمام أحمد ابن حنبل رضى الله عنه، وصنّف الكتب الحسان. وكان قبل وزارته فقيرا؛ فلما أضرّ الفقر بحاله تعرّض للخدمة، فجعله الخليفة المقتفى مشرفا فى المخزن، ثم صار صاحب الديوان ثم استوزره، فسار فى الوزارة أجمل سيرة. وكان دينّا جوادا كريما. دخل عليه الحيص بيص الشاعر مرّة؛ فقال له ابن هبيرة: قد نظمت بيتين، تقدر أن تعزّزهما بثالث؟ قال: وما هما؟ قال: [البسيط] زار الخيال بخيلا مثل مرسله ... ما شاقنى منه إلّا الضّمّ والقبل ما زارنى قطّ إلّا كى يوافقنى ... على الرّقاد فينفيه ويرتحل فقال الحيص بيص من غير رويّة: وما درى أنّ نومى حيلة نصبت ... لوصله حين أعيا اليقظة الحيل

ما وقع من الحوادث سنة 561

فأعجبه وأجازه. وكانت وفاة ابن هبيرة فى جمادى الأولى فجأة، وله إحدى وستون سنة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو العبّاس أحمد ابن عبد الله [بن أحمد «1» بن هشام] بن الحطيئة الفاسىّ الناسخ المقرئ بمصر. وأبو النّدى حسّان بن تميم الزيّات. والوزير أبو المظفّر سعيد بن سهل الفلكىّ فى شوّال. وأبو الحسن «2» علىّ بن أحمد اللّبّاد بأصبهان. وعلىّ بن أحمد بن مقاتل السّوسىّ الشّاغورىّ «3» . وأبو القاسم عمر بن محمد بن البزرىّ الشافعىّ فقيه الجزيرة. وأبو عبد الله محمد بن عبد الله بن العبّاس الحرّانىّ العدل ببغداد. والقاضى أبو يعلى الصغير شيخ الحنابلة محمد بن أبى خازم ابن القاضى أبى يعلى بن الفرّاء. والشريف أبو طالب «4» محمد بن محمد بن أبى زيد العلوىّ البصرىّ النقيب. والوزير عون الدّين يحيى بن محمد بن هبيرة الشيبانىّ فى جمادى الأولى فجأة وله إحدى وستون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وخمس عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 561] السنة السادسة من ولاية العاضد على مصر وهى سنة إحدى وستين وخمسمائة.

فيها هرب عزّ الدين محمد بن الوزير عون الدّين بن هبيرة من دار الخلافة، وكان صودر بعد موت والده. وفيها توفّى عبد العزيز بن الحسين بن الحبّاب أبو المعالى القاضى الجليس السعدىّ، كان يجالس خلفاء مصر من بنى عبيد فسمّى الجليس. وكان أديبا مترسّلا شاعرا. ومن شعره وأبدع: [الطويل] ومن عجيب أنّ الصوارم فى الوغى ... تحيض بأيدى القوم وهى ذكور وأعجب من ذا أنّها فى أكفّهم ... تأجّج نارا والأكفّ بحور وفيها توفّى شيخ الإسلام تاج العارفين محيى الدين أبو محمد عبد القادر بن أبى صالح موسى بن عبد الله بن يحيى الزاهد بن محمد بن داود بن موسى بن عبد الله ابن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن أبى محمد المثنّى بن الحسن بن علىّ ابن أبى طالب الهاشمىّ القرشىّ العلوىّ الجيلىّ الحنبلىّ السيد الشريف الصالح المشهور المعروف بسبط أبى عبد الله الصّومعىّ الزاهد. وكان يعرف بجيلان «1» . وأمّه أمّ الخير أمة الجبّار فاطمة بنت أبى عبد الله الصّومعىّ. مولده بجيلان فى سنة إحدى وسبعين وأربعمائة. كان شيخ العراق صاحب حال ومقال، عالما عاملا قطب الوجود، إمام أهل الطريقة، قدوة المشايخ فى زمانه بلا مدافعة. ومناقبه وشهرته أشهر من أن تذكر. كان ممّن جمع بين العلم والعمل، أفتى ودرّس ووعظ سنين، ونظم ونثر؛ وكان محقّقا، صاحب لسان فى التحقيق، وبيان فى الطريق. وهو أحد المشايخ الذين طنّ ذكرهم فى الشرق والغرب. أعاد الله علينا من بركاته وبركات أسلافه الطاهرين.

وفيها توفّى محمد بن حيدر بن عبد الله الشيخ أبو طاهر البغدادىّ الأديب الشاعر المعروف بابن شعبان. ومن شعره من أوّل قصيدة: [الطويل] خليلىّ هذا آخر العهد منكما ... ومنّى فهل من موعذ نستجدّه وفيها توفّى محمد بن يحيى بن محمد بن هبيرة أبو عبد الله عزّ الدّين ابن الوزير عون الدين. كان فاضلا كبير الشأن عظيم القدر. ناب عن أبيه فى الوزارة مدّة، ثم قبض عليه بعد موت أبيه وصودر وحبس، ثم هرب من محبسه خوفا على نفسه فلم يستتر أمره؛ وأخذ وقتل خنقا. وكان من بيت علم وفضل ورياسة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو طاهر إبراهيم ابن الحسن بن الحصين الشافعىّ بدمشق. وأبو عبد الله الحسن بن العبّاس الرّستمىّ الشافعىّ فى صفر وله ثلاث وتسعون سنة. وأبو محمد عبد الله بن رفاعة بن غدير السّعدىّ الفرضىّ فى ذى القعدة وله أربع وتسعون سنة. والحافظ أبو محمد عبد الله ابن محمد الأشيرىّ- وأشير «1» : بين حمص وبعلبكّ- وأبو طالب عبد الرحمن بن الحسن بن العجمىّ بحلب. والقدوة الشيخ عبد القادر الجيلى شيخ العراق وله تسعون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ست أذرع وإحدى عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثلاث وعشرون إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 562

*** [ما وقع من الحوادث سنة 562] السنة السابعة من ولاية العاضد على مصر وهى سنة اثنتين وستين وخمسمائة. فيها تزوّج الخليفة المستنجد بالله بابنة عمّه أبى نصر بن المستظهر، ودخل بها فى شهر رجب ليلة الدعوة التى كان يعملها فى كلّ سنة للصوفيّة وغيرهم؛ وغنّى المغنّى: [الطويل] يقول رجال الحىّ تطمع أن ترى ... محاسن ليلى مت بداء المطامع وكيف ترى ليلى بعين ترى بها ... سواها وما طهّرتها بالمدامع وتلتذّ منها بالحديث وقد جرى ... حديث سواها فى خروق المسامع وكان مع الصوفية رجل من أهل أصبهان، فقام قائما وجعل يقول للمغنّى: «أى خواجا كفت «1» » وهو يكرّر ذلك، والمغنّى يعيد الأبيات حتى وقع الرجل ميتا؛ فصار ذلك الفرح مأتما؛ وبكى الخليفة والصوفيّة ولا زالوا يتراقصون حوله إلى الصباح، فحملوه إلى الشّونيزيّة فدفنوه بها، وكان له مشهد عظيم. وفيها عاد الأمير أسد الدين شيركوه بعساكر دمشق إلى مصر، وهى المرّة الثانية. وقد تقدّم ذلك كلّه فى ترجمة العاضد. وفيها احترقت اللّبّادون «2» وباب الساعات بدمشق حريقا عظيما صار تاريخا. وسببه أنّ بعض الطبّاخين أو قد نارا عظيمة تحت قدر هريسة ونام، فاحترقت دكّانه ولعبت النار فى اللّبّادين وغيرها إلى أن عظم الأمر. وفيها توفّى أحمد بن علىّ بن الزّبير القاضى الرشيد. كان أصله من أسوان وسكن مصر، وكان من شعراء شاور بن مجير السّعدىّ، وله فيه مدائح، إلّا أنّه لم ينج من شرّ

شاور، اتّهمه بمكاتبة أسد الدين شيركوه فقتله. وكان فاضلا شاعرا، وله التصانيف المفيدة، من ذلك كتاب «جنّات «1» الحنان ورياض الأذهان» ذيّل به على اليتيمة. ومن شعره: [الطويل] تواطا على ظلمى الأنام بأسرهم ... وأظلم من لاقيت أهلى وجيرانى لكل امرئ شيطان جنّ يكيده ... بسوء ولى دون الورى ألف شيطان وفيها توفّى يحيى بن عبد الله بن القاسم القاضى تاج الدين الشّهرز ورىّ. كان إماما فاضلا شاعرا فصيحا، مات بالموصل. ومن شعره يوازن «2» قصيدة مهيار التى يقول فيها: [المتقارب] وعطّل «3» كئوسك إلّا الكبار ... تجد للصغار أناسا صغارا وفيها توفّى محمد بن الحسن [بن محمد «4» ] بن على العلّامة أبو المعالى بن حمدون الكاتب، الملقّب كافى الكفاة، بهاء الدين البغدادىّ. كان فاضلا ذا معرفة تامّة بالأدب والكتابة من بيت مشهور بالرياسة والفضل هو وأبوه وأخواه أبو نصر وأبو المظفّر. وأبو المعالى هذا هو مصنّف كتاب «التذكرة «5» » وهو من أحسن التصانيف، يشتمل على التاريخ

والأدب والأشعار، وقفت عليه وهو فى غاية الحسن. وكان ابن حمدون المذكور صاحب ديوان الخليفة المستنجد العباسىّ، وروى عن المستنجد قول أبى حفص «1» الشّطرنجىّ فى جارية حولاء، وهو: [الطويل] حمدت إلهى إذ بليت بحبّها ... وبى «2» حول يغنى عن النظر الشّزر نظرت إليها والرقيب يخالنى ... نظرت إليه فاسترحت من العذر وقال ابن خلّكان: إنّه توفّى ببغداد فى يوم الأربعاء من شهر رجب سنة خمس «3» وسبعين وخمسمائة، بخلاف ما ذكرناه من قول أبى المظفّر. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: فيها توفّى أبو البركات الخضر ابن شبل بن الحسين «4» بن عبد الواحد خطيب دمشق. والحافظ أبو سعد «5» عبد الكريم [بن محمد «6» ] بن منصور التميمىّ السّمعانىّ تاج» الإسلام محدّث خراسان فى شهر ربيع الأوّل وله ست وخمسون سنة. وأبو عروبة عبد الهادى بن محمد بن عبد الله بن عمر بن مأمون السجستانىّ الزاهد. وجمال الأئمة بن الماسح أبو القاسم علىّ بن الحسن الكلابىّ الدمشقىّ فى ذى الحجّة. وأبو الحسن علىّ بن مهدىّ بن

ما وقع من الحوادث سنة 563

الهلال الطبيب. والعلّامة أبو شجاع عمر بن محمد البسطامىّ ثم البلخىّ. وأبو عاصم قيس بن محمد السّويقىّ المؤذّن. وأبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن ثابت المصرىّ الكيزانىّ «1» الواعظ فى المحرّم. وأبو المعالى محمد بن محمد بن محمد فى شهر ربيع الآخر. والمبارك بن المبارك بن صدقة السمسار. وأبو طالب المبارك بن خضير الصيرفىّ. وأبو الفرج مسعود بن الحسن الثقفىّ فى رجب وله مائة سنة. وأبو القاسم هبة الله ابن الحسن الدقّاق «2» فى المحرّم. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وأربع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وثلاث وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 563] السنة الثامنة من ولاية العاضد على مصر وهى سنة ثلاث وستين وخمسمائة. فيها أبيع الورد ببغداد مائة رطل بقيراط وحبّة. وفيها زاد ظلم أبى جعفر بن البلدىّ وزير الخليفة، واستغاث أهل بغداد منه. وفيها توفّى ظافر بن القاسم الأديب أبو منصور الجذامىّ الإسكندرىّ المعروف بالحدّاد الشاعر المشهور. كان فصيحا فاضلا بليغا. وشعره فى غاية الحسن. وهو صاحب القصيدة الذالية التى أوّلها: [الكامل] لو كان بالصبر الجميل ملاذه ... ما سحّ وابل دمعه ورذاذه ما زال جيش الحبّ يغزو قلبه ... حتّى وهى وتقطّعت أفلاذه لم يبق فيه من الغرام بقيّة ... إلّا رسيس يحتويه جذاذه

من كان يرغب فى السلامة فليكن ... أبدا من الحدق المراض عياذه لا تخدعنّك بالفتور فإنّه ... نظر يضرّ بقلبك استلذاذه يأيّها الرّشأ الذي من طرفه ... سهم إلى حبّ القلوب نفاذه درّ يلوح بفيك من نظّامه ... خمر يجول عليه من نبّاذه وقناة ذاك القدّ كيف تقوّمت ... وسنان ذاك اللّحظ ما فولاذه رفقا بجسمك لا يذوب فإنّنى ... أخشى بأن يجفو عليه لاذه «1» هاروت يعجز عن مواقع سحره ... وهو الإمام فمن ترى أستاذه تالله ما علقت محاسنك امرأ ... إلّا وعزّ على الورى استنقاذه أغربت حبّك بالقلوب فأذعنت ... طوعا وقد أودى بها استحواذه مالى أتيت الحبّ «2» من أبوابه ... جهدى فدام نفاره ولواذه إيّاك من طمع المنى فعزيزه ... كذليله وغنّيه شحّاذه ومنها: دالّية ابن دربد استهوى بها ... قوما غداة نبت به بغداذه دانوا لزخرف قوله فتفرّقت ... طمعا بهم صرعاه أو جذاذه ويحكى أنّ ابن ظفر أمير الإسكندريّة أحضره مرّة ليبرد له خاتما قد ضاق فى خنصره؛ فقال ظافر المذكور: [السريع] قصّر عن أوصافك العالم ... فاعترف «3» الناثر والناظم من يكن البحر له راحة ... يضيق عن خنصره الخاتم

وكانت وفاته فى هذه السنة. وقال ابن خلّكان: فى سنة تسع وعشرين وخمسمائة. وفيها توفّى عبد الكريم «1» بن محمد بن منصور بن محمد بن عبد الجبّار الإمام الحافظ أبو سعيد بن السّمعانىّ «2» التميمىّ، مولده بمرو. وكان إماما فاضلا محدّثا فقيها. ذيّل على تاريخ أبى بكر الخطيب، ورحل إلى دمشق. قال ابن عساكر: ثمّ عاد من دمشق إلى بغداد فسمّع تاريخ الخطيب وذيّله، وعاد إلى خراسان وعبر النهر «3» ، وحدّث ببلخ وهراة. وصنّف كتابا سماه «فرط الغرام إلى ساكنى الشام» وأرسل به إلى دمشق وهو بخطّه فى ثمانية أجزاء تشتمل على أخبار وحكايات. ومات بمرو فى شهر ربيع الأوّل. وفيها توفّى الأمير زين الدّين علىّ بن بكتكين بن مظفّر الدّين كوكبورى «4» ، المعروف كوجك «5» ، التركىّ. كان حاكما على الموصل وغيرها، وكان حسن السّيرة عادلا فى الرعيّة. وكان أوّلا بخيلا مسيكا، ثمّ إنّه جاد فى آخر عمره، وبنى المدارس والقناطر والجسور. وحكى أنّ بعض الجند جاءه بذنب فرس وقال له: مات فرسى، فأغطاه عوضه؛ وأخذ ذلك الذنب آخر وجاءه به وقال له: مات فرسى، فأعطاه عوضه؛ ولا زال يتداول الذنب اثنا عشر رجلا، وهو يعلم أنّه الأوّل ويعطيهم الخيل. فلمّا أعجزوه أنشد: [الكامل] ليس الغبىّ بسيّد فى قومه ... لكنّ سيّد قومه المتغابى فعلموا أنّه علم فتركوه. ولما كبر سنّه سلّم البلاد إلى قطب الدين مودود، وقال له:. إنّك لا تنتفع بى، فقد كبرت وضعفت قوّتى وخاننى سمعى وبصرى. وكان الأتابك

زنكى قد أعطاه إربل «1» ، فمضى إليها وأقام بها حتّى مات فى ذى الحجّة. وكانت أيّامه على الموصل إحدى وعشرين سنة ونصفا. وملك بعده ابنه زين الدّين يوسف ابن علىّ بن مظفّر الدّين كوكبورى. وفيها توفّى محمد بن عبد «2» الحميد أبو الفتح علاء الدّين الرازىّ «3» السّمرقندىّ صاحب «التعليقة» و «المعترض والمختلف» على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة، رضى الله عنه. وكان إماما بارعا مفتنّا، كان من فرسان الكلام؛ قدم بغداد وناظر وبرع وفاق أهلها. وكان شحيحا بكلامه؛ فكانوا يوردون عليه أسئلة وهو عالم بأخوبتها، فيكاد ينقطع ولا يذكرها لشحّه ولئلّا تستفاد منه؛ وعلم ذلك منه علماء عصره. وقيل: إنّه تنسّك وترك المناظرة مع شهادة أهل عصره من العلماء له بالسّبق والفضيلة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو المعالى أحمد ابن عبد الغنى الباجسرائىّ «4» . والقاضى الرشيد أبو الحسين «5» [أحمد بن] علىّ بن الزّبير الأسوانى الكاتب بمصر. وأبو المظفّر أحمد بن محمد بن علىّ الكاغدىّ فى رجب ببغداد. وأبو بكر أحمد بن المقرّب الكرخىّ فى ذى الحجّة. وأبو المناقب حيدرة بن عمر بن إبراهيم العلوىّ الزّيدىّ فى ذى الحجّة بالكوفة. وأبو طاهر الخضر بن الفضل

الصّفّار، ويعرف بزحل، فى جمادى الأولى، وله إجازة عالية. وأبو الفضل شاكر ابن علىّ الأسوارىّ «1» . وأبو محمد عبد الله بن علىّ الطّامذىّ «2» المقرئ بأصبهان فى شعبان. والشيخ العلّامة أبو النجيب عبد القاهر بن عبد الله السهروردىّ «3» عن ثلاث وسبعين سنة. وأبو الحسن علىّ بن عبد الرحمن الطّوسىّ بن تاج القرّاء. وعمرو بن سمّان البغدادىّ. وأبو الحسن محمد بن إسحاق بن محمد بن الصابئ. والشريف الخطيب أبو الفتوح ناصر بن الحسن «4» الحسينىّ المقرئ بمصر. وأبو بكر محمد ابن علىّ [بن عبد الله «5» ] بن ياسر الجيّانىّ «6» الأندلسىّ. ونفيسة بنت محمد بن علىّ البزّازة «7» . والصائن هبة الله بن الحسن بن هبة الله بن عساكر فى شعبان وله خمس وسبعون سنة. وأبو المظفّر هبة الله بن عبد الله بن أحمد بن السّمرقندىّ. وأبو الغنائم هبة الله بن محفوظ بن صصرى. ومدرّس النّظاميّة أبو الحسن يوسف بن عبد الله ابن بندار الدمشقىّ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وأربع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثلاث وعشرون إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 564

*** [ما وقع من الحوادث سنة 564] السنة التاسعة من ولاية العاضد على مصر وهى سنة أربع وستين وخمسمائة. فيها ملك السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكى الشّهيد قلعة جعبر «1» من صاحبها «2» ابن مالك العقيلىّ. وفيها قدم أسد الدين شيركوه إلى الديار المصريّة ومعه ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيّوب لقتال الفرنج. وهذه قدمته إلى مصر الثالثة التى ملك فيها مصر، حسب ما تقدّم ذكره فى ترجمة العاضد: من قتله لشاور، وتوليته الوزر للعاضد، ووفاته بديار مصر، وتولية صلاح الدين يوسف بعده. وفيها توفّى حميد بن مالك بن مغيث بن نصر بن منقذ الأمير أبو الغنائم الكنانىّ. مولده بشيزر «3» ، ثمّ انتقل منها وسكن دمشق، ثم رحل إلى حلب ومات بها فى شعبان. وكان أديبا فاضلا شاعرا. وفيها توفّى عبد الخالق بن أسد بن ثابت الإمام أبو محمد الدّمشقىّ الحنفىّ. كان فقيها مفتنّا عارفا بالحديث وفنون العلوم، ودرس بالصادريّة «4» بدمشق ومات بها. ومن شعره: [الكامل] قال العواذل ما اسم من ... أضنى فؤادك قلت أحمد قالوا أتحمده وقد ... أضنى فؤادك قلت أحمد الذي ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الأمير مجير الدّين [آبق «5» بن محمد] بن بورى بن طغتكين الذي أخذ منه نور الدين دمشق، ثم صار

ما وقع من الحوادث سنة 565

أميرا ببغداد. والملك أبو شجاع شاور بن مجير بن نزار السعدىّ، وزير العاضد، قتله جرديك النّورىّ. والملك المنصور أسد الدين شيركوه بن شادى فجأة بعد شاور بشهرين. وأبو محمد عبد الخالق بن أسد الحنفىّ الحافظ فى المحرّم. وأبو الحسن علىّ ابن محمد بن علىّ البلنسىّ «1» المقرئ فى رجب وله أربع وتسعون سنة. وقاضى القضاة زكىّ الدّين علىّ بن المنتخب [محمد بن «2» ] يحيى القرشىّ الدمشقىّ فى شوّال غريبا ببغداد وله سبع وخمسون سنة. وأبو الفتح محمد بن عبد الباقى بن البطّىّ الحاجب مسند العراق فى جمادى الأولى وله سبع وثمانون سنة. والحافظ أبو أحمد معمر ابن عبد الواحد القرشىّ بن الفاخر الأصبهانىّ فى ذى القعدة بطريق الحجاز وله سبعون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وثمانى أصابع. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا واثنتا عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 565] السنة العاشرة من ولاية العاضد على مصر، وقد وزر له الملك الناصر صلاح الدّين يوسف بن أيّوب، ولم يكن له مع صلاح الدين إلّا مجرّد الاسم فقط، وهى سنة خمس وستين وخمسمائة. فيها نزل الفرنج على دمياط يوم الجمعة فى ثالث صفر، وجدّوا فى القتال، وأقاموا عليها ثلاثة وخمسين يوما يحاصرونها ليلا ونهارا. ونذكر هذه الواقعة بأوسع من هذا فى أوّل ترجمة صلاح الدّين إن شاء الله.

وفيها توفّى حمّاد بن منصور البزاعىّ «1» الحلبىّ ويعرف بالخرّاط. كان أديبا شاعرا فصيحا. ومن شعره فى كريم: [الخفيف] ما «2» نوال الغمام وقت ربيع ... كنوال الأمير وقت سخاء فنوال الأمير بدرة مال ... ونوال الغمام قطرة ماء قلت: ومن الغاية فى هذا المعنى قول الشيخ علاء الدين علىّ الوداعىّ «3» . [البسيط] من زار بابك لم تبرح جوارحه ... تروى أحاديث ما أوليت من منن فالعين عن قرّة والكفّ عن صلة ... والقلب عن جابر والسمع عن حسن وفيها توفّى محمد بن إبراهيم بن هانىء أبو القاسم المغربىّ. كان من شعراء الخلفاء الفاطميّين. ومن شعره من أوّل قصيدة مدح بها بعض خلفاء مصر: [الرمل] امسحوا عن ناظرى كخل السّهاد ... وانفضوا عن مضجعى شوك القتاد أو خذوا منّى الذي أبقيتم ... ما أحبّ الجسم مسلوب الفؤاد وفيها توفّى مودود بن زنكى بن آق سنقر الملك قطب الدّين صاحب الموصل وأخو السلطان الملك العادل نور الدين محمود الشهيد. ولمّا احتضر مودود هذا

ما وقع من الحوادث سنة 566

أوصى بالملك لولده عماد الدين زنكى، وكان أكبرهم «1» وأعزّهم عليه. وكان الحاكم على الموصل فخر الدين عبد المسيح، وكان يكره عماد الدّين زنكى هذا؛ وكان عماد الدين قد أقام عند عمّه نور الدين محمود بحلب مدّة وتزوّج بابنته، فلا زال فخر الدين المذكور بقطب الدين مودود حتّى جعل العهد من بعده لولده سيف الدين غازى وعزل عماد الدين زنكى؛ فعزّ ذلك على نور الدين وقصد الموصل وقال: أنا أحقّ بتدبير ملك أولاد أخى. الذين ذكرهم الذهبىّ فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو بكر عبد الله ابن محمد بن أحمد بن النّقور البزّاز فى شعبان عن إحدى وثمانين سنة. وأبو المكارم عبد الواحد بن محمد بن المسلّم بن الحسن بن هلال الأزدىّ العدل فى جمادى الآخرة. وأبو القاسم محمود بن عبد الكريم الأصبهانىّ التاجر. وصاحب الموصل قطب الدين مودود ابن أتابك زنكى. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وثمانى عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وأربع عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 566] السنة الحادية عشرة من ولاية العاضد على مصر، وتحكّم وزيره الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيّوب، وهى سنة ست وستين وخمسمائة. فيها سار الملك العادل نور الدين محمود من دمشق إلى الموصل وسلّمها لابن أخيه عماد الدين زنكى بعد أمور وقعت بينه وبين فخر الدين عبد المسيح المقدّم ذكره فى الماضية.

وفيها بنى الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيّوب مدرسة للشافعيّة «1» ، وكان موضعها حبس المعونة، وبنى بها أيضا مدرسة للمالكيّة تعرف بدار الغزل «2» . وولّى صدر الدّين عبد الملك بن درباس «3» الكردىّ القضاء بالقاهرة. وفيها فى جمادى الآخرة خرج صلاح الدّين يوسف بن أيّوب بعساكر العاضد إلى الشام فأغار على غزّة وعسقلان والرملة ومضى إلى أيلة، وكان بها قلعة فيها

جماعة من الفرنج، والتقاه الأسطول فى البحر؛ فافتتحها وقتل من فيها وشحنها بالرجال والعدد؛ وكان على درب الحجاز منها خطر عظيم. ثم عاد صلاح الدين إلى مضر فى جمادى الآخرة. وفيها فى شعبان اشترى تقىّ الدين عمر بن شاهنشاه منازل «1» العزّ بمصر، وعملها مدرسة للشافعيّة. وفيها توفّى الخليفة المستنجد بالله أمير المؤمنين أبو المظفر يوسف بن المقتفى لأمر الله محمد بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدى بأمر الله عبد الله الهاشمىّ العباسىّ البغدادىّ. استخلف يوم مات أبوه فى شهر ربيع الآخر سنة خمس وخمسين وخمسمائة. ومولده فى سنة ثمانى عشرة وخمسمائة. وأمّه أمّ ولد تسمى «طاوس» كرجيّة، أدركت خلافته. وكان المستنجد أسمر طويل اللّحية معتدل القامة شجاعا مهيبا عادلا فى الرعيّة ذكيّا فصيحا فطنا، أزال المظالم والمكوس. وكانت وفاته فى يوم السبت ثامن شهر ربيع الآخر، ودفن بداره. وكانت خلافته إحدى عشرة سنة وشهرا. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع سواء. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وإحدى وعشرون إصبعا.

ذكر ولاية أسد الدين شيركوه على مصر

ذكر ولاية أسد الدين شيركوه على مصر وقد اختلف المؤرّخون فى أمر ولايته على مصر، فمنهم من عدّه من الأمراء، ومنهم من ذكره من الوزراء. ولهذا أخّرنا ترجمته إلى هذه السنة، ولم نسلك فيها طريق أمراء مصر. وقد ذكرنا من تردّده إلى مصر وقتله لشاور وتوليته الوزارة من قبل العاضد نبذة كبيرة فى ترجمة العاضد المذكور. ونذكر ترجمته الآن على هيئة تراجم أمراء مصر؛ ففى مساق هذه الترجمة وفى سياق تلك الترجمة جمع بين القولين، وللناظر فيهما الاختيار، فمن شاء يجعله وزيرا، ومن شاء يجعله أميرا. هو الملك المنصور أسد الدّين شيركوه بن شادى بن مروان عمّ السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب. يأتى بقيّة نسبه وما قيل فى أصله فى ترجمة ابن أخيه صلاح الدين المذكور، من أقوال كثيرة. وقد تقدّم من حديثه نبذة كبيرة. ونسوق ذلك كلّه هنا على سبيل الاختصار، فنقول: كان شاور قد توجّه إلى الشام يستنجد نور الدين فى سنة تسع وخمسين وخمسمائة؛ فنجده بأسد الدين شيركوه هذا بالعساكر، ووصلوا إلى مصر فى الثانى من جمادى الآخرة من سنة تسع وخمسين، وغدر بهم شاور ولم يف بما وعدهم به؛ فعادوا إلى دمشق وعرّفوا نور الدين بذلك. ثم إنّ شاور ألجأته الضرورة لطلبهم ثانيا «1» خوفا من الفرنج؛ فعاد أسد الدين ثانيا إلى مصر فى شهر ربيع الأول سنة اثنتين وستين؛ وسلك

طريق وادى الغزلان «1» وخرج عند وادى إطفيح، فكانت بينه وبينهم وقعة هائلة. وتوجّه صلاح الدين إلى الإسكندرية واحتمى بها وحاصره شاور؛ لأنّه كان قد وقّع بينهم وبينه أيضا، واصطلح عليهم مع الفرنج. ثم رجع أسد الدين من الصعيد نجدة لابن أخيه صلاح الدين، وأخذه وسار إلى بلبيس حتّى وقع الصلح بينه وبين المصريّين؛ وعاد إلى الشام. فحنق نور الدين لذلك ولم يمكنه الكلام لاشتغاله بفتح السواحل، ودام ذلك إلى أن وصل الفرنج إلى مصر وملكوها فى سنة أربع وستين وقتلوا أهلها. أرسل العاضد يطلب النجدة من نور الدين فنجدهم بأسد الدين شيركوه، وهى ثالث مرّة، فمضى إليهم أسد الدين وطرد الفرنج عنهم، وملك مصر فى شهر ربيع الأوّل من سنة أربع وستين وخمسمائة. وعزم شاور على قتل أسد الدين وقتل أصحابه أكابر أمراء نور الدين معه؛ ففطن أسد الدين لذلك فاحترز على نفسه. وعلم ذلك صلاح الدين يوسف بن أيوب أيضا، فاتّفق صلاح الدين يوسف مع الأمير جرديك النّورىّ على مسك شاور وقتله؛ واتّفق ركوب أسد الدين إلى زيارة قبر الإمام الشافعىّ- رضى الله عنه- وكان شاور يركب فى كلّ يوم إلى أسد الدين؛ فلمّا توجّه إليه فى هذا اليوم المذكور قيل له: إنّه توجّه إلى الزيارة. فطلب العود؛ فلم يمكنه صلاح الدين وقال: انزل، الساعة يحضر عمّى. فامتنع فجذبه هو وجرديك فأنزلوه عن فرسه وقبضوا عليه وقتلوه بعد حضور أسد الدين. وقد تقدم ذكر ذلك كلّه مفصلا فى ترجمة العاضد. وخلع العاضد على الأمير أسد الدين شيركوه المذكور بالوزارة، ولقّبه بالملك المنصور. فلم تطل مدّته ومات بعد شهرين فجأة فى يوم السبت ثانى عشر جمادى

الآخرة- وقيل: يوم الأحد ثالث عشرينه- سنة أربع وستين وخمسمائة، ودفن بالقاهرة ثم نقل إلى المدينة. وقال ابن شدّاد «1» : «كان أسد الدين شيركوه كثير الأكل، كثير المواظبة على أكل اللحوم الغليظة، فتواتر عليه التّخم والخوانيق وهو ينجو منها بعد مقاساة شدّة عظيمة، ثم اعترضه بعد ذلك مرض شديد واعتراه خانوق فقتله فى التاريخ المقدّم ذكره» . قلت: ولمّا مات تولّى ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيّوب الوزارة من بعده. وكان أسد الدين أميرا عاقلا شجاعا مدبّرا عارفا فطنا وقورا. كان هو وأخوه أيّوب من أكابر أمراء نور الدين محمود الشهيد، وهو الذي أنشأهم حتى صار منهم ما صار. رحمهم الله تعالى. *** انتهى الجزء الخامس من النجوم الزاهرة، ويليه الجزء السادس، وأوّله: ذكر ولاية السلطان الناصر صلاح الدين على مصر

الجزء السادس

[الجزء السادس] [تتمة ما وقع من الحوادث سنة 566] بسم الله الرّحمن الرّحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحابته والمسلمين الجزء السادس من النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة ذكر ولاية السلطان صلاح الدين على مصر هو السلطان الملك الناصر أبو المظفّر صلاح الدين يوسف ابن الأمير نجم الدين أيّوب بن شادى بن مروان، ويقال: إنّ مروان من أولاد خلفاء بنى أميّة، وقال ابن القادسى «1» : كان شادى مملوك بهروز الخادم. قال صاحب مرآة الزمان: «وهذا من غلطات «2» ابن القادسى، ما كان شادى مملوكا قطّ، ولا جرى على أحد من بنى أيّوب رقّ، وإنّما شادى خدم بهروز الخادم، فاستنابه بقلعة تكريت» . انتهى. قلت: كان بداية أمر بنى أيّوب أنّ نجم الدين أيّوب والد صلاح الدين هذا، وأخاه أسد الدين شيركوه- ونجم الدين هو الأكبر- كان أصلهم من

دوين: بلدة صغيرة فى العجم، وقيل: هو من الأكراد الرّواديّة، وهو الأصحّ. فقدم نجم الدين أيّوب وأخوه أسد الدين شيركوه إلى العراق وخدما مجاهد الدين بهروز الخادم شحنة بغداد، فرأى بهروز من نجم الدين رأيا وعقلا، فولّاه دزدارا بتكريت «1» ، وكانت تكريت لبهروز، أعطاها له السلطان مسعود بن غياث الدين محمد ابن ملكشاه- المقدّم ذكره- السّلجوقىّ. وبهروز كان يلقّب مجاهد الدين. وكان خادما روميّا أبيض، ولّاه السلطان مسعود شحنة العراق. وبهروز (بكسر الباء الموحدة وسكون الهاء وضم الراء وسكون الواو وبعدها زاى) ، وهو لفظ عجمىّ معناه: يوم جيّد. فأقام نجم الدين بتكريت ومعه أخوه أسد الدين إلى أن انهزم الأتابك زنكى بن آق سنقر من الخليفة المسترشد فى سنة ستّ وعشرين وخمسمائة، ووصل إلى تكريت وبه نجم الدين أيّوب، فأقام له المعابر فعبر زنكى بن آق سنقر [دجلة «2» ] من هناك، وبالغ نجم الدين فى إكرامه؛ فرأى له زنكى ذلك. وأقام نجم الدين بعد ذلك بتكريت إلى أن خرج منها بغير إذن بهروز. وسببه أنّ نجم الدين كان يرمى يوما بالنشاب فوقعت نشّابة فى مملوك بهروز فقتلته من غير قصد، فاستحى نجم الدين من بهروز فخرج هو وأخوه إلى الموصل. وقيل غير ذلك: إنّ بهروز أخرجهما لمعنى من المعانى، وقيل فى خروجهما غير ذلك أيضا. ولمّا خرجا من تكريت قصدا الأتابك زنكى بن آق سنقر- المقدّم ذكره- وهو والد الملك العادل نور الدين محمود بن زنكى المعروف بالشّهيد، فأحسن إليهما زنكى وأقطعهما إقطاعات كثيرة، وصارا من جملة أجناده إلى أن فتح زنكى مدينة

بعلبكّ «1» ، وولّى نجم الدين أيّوب دزدارا بقلعتها، والدّزدار (بضمّ الدال المهملة وسكون الزاى وفتح الدال المهملة وبعدها ألف وراء مهملة) ومعناها بالعجمى: ماسك القلعة. ودام نجم الدين ببعلبكّ إلى أن قتل زنكى على قلعة «2» جعبر. وتوجّه صاحب دمشق [يومئذ مجير الدين «3» ] وحصر نجم الدين المذكور فى بعلبكّ وضايقه، فكتب نجم الدين إلى نور الدين الشهيد بن زنكى وسيف الدين غازى يطلب منهما نجدة، فاشتغلا عنه بملك جديد «4» ؛ واشتدّ الحصار على بعلبكّ، فخاف نجم الدين من فتحها عنوة وتسليم أهلها، فصالح مجير الدّين صاحب دمشق على مال؛ وانتقل هو وأخوه أسد الدين شيركوه إلى دمشق وصارا من كبار أمرائها. ولا زال بها أسد الدين شيركوه حتّى اتّصل بخدمة الملك العادل نور الدين محمود بن زنكى [صاحب حلب «5» ] وصار من أكابر دولته. فرأى منه محمود نجابة وشجاعة فأعطاه حمص والرّحبة، وجعله مقدّم عساكره. فلمّا صرف نور الدين همّته لأخذ دمشق أمر أسد الدين أن يكاتب أخاه نجم الدين أيّوب على المساعدة على فتحها، فكتب أسد الدين إلى أخيه، وقال له: هذا يجب عليك؛ فإنّ مجير الدين قد أعطى الفرنج بانياس «6» وربما سلّم إليهم دمشق بعد ذلك؛ فأجابه نجم الدين، وطلبا من نور الدين إقطاعا وأملاكا فأعطاهما، وحلف لهما ووفّى بيمينه. وأمّا مجير الدين المذكور صاحب دمشق، فكان

اسمه ابق بن محمد بن بورى بن الأتابك ظهير الدين طغتكين. وطغتكين مولى تتش ابن ألب أرسلان أخى ملكشاه السّلجوقىّ. ولمّا ملك نور الدين محمود دمشق وفّى لهما بما وعدهما، وصارا من أكابر أمرائه خصوصا نجم الدين؛ فإنّ جميع الأمراء كانوا إذا دخلوا على نور الدين لا يقعد أحد حتّى يأمره نور الدين بالقعود إلّا نجم الدين هذا، فإنّه كان إذا دخل قعد من غير إذن. وداما عند نور الدين فى أعلى المنازل إلى أن وقع من أمر شاور وزير مصر ما وقع- وقد حكيناه فى ترجمة العاضد العبيدىّ- ودخول أسد الدين شيركوه إلى الديار المصريّة ثلاث مرّات، ومعه ابن أخيه صلاح الدين يوسف هذا، حتّى ملك أسد الدين الديار المصريّة فى الثالثة، وقتل شاور؛ وولى أسد الدين وزارة مصر، ولقّب بالمنصور، ومات بعد شهرين؛ فولّى العاضد الخليفة صلاح الدين هذا الوزارة، ولقّبه الملك الناصر؛ وذلك فى العشر الأخير من جمادى الآخرة سنة أربع وستين وخمسمائة. واستولى على الديار المصريّة ومهّد أمورها. وصار يدعى للعاضد، ثمّ من بعده للملك العادل نور الدين محمود، ثمّ من بعدهما لصلاح الدين هذا. ونذكر ولايته إن شاء الله بأوسع من هذا من كلام ابن خلّكان، بعد أن نذكر نبذة من أموره. واستمرّ صلاح الدين بمصر وأرسل يطلب أباه نجم الدين أيّوب من الملك العادل نور الدين محمود الشهيد، فأرسله إليه معظّما مبجّلا؛ وكان وصوله (أعنى نجم الدين) إلى القاهرة فى شهر رجب سنة خمس وستين وخمسمائة؛ فلمّا قرب نجم الدين إلى الديار المصريّة خرج ابنه السلطان صلاح الدين بجميع أمراء مصر إلى ملاقاته، وترجّل صلاح الدين وجميع الأمراء ومشوا فى ركابه؛ ثمّ قال له ابنه صلاح الدين: هذا الأمر لك (يعنى الوزارة) وهى السلطنة الآن، وتدبير ملك مصر، ونحن بين يديك؛

فقال له نجم الدين: يا بنىّ، ما اختارك الله لهذا الأمر إلّا وأنت أهل له، وأبى نجم الدين عن قبول السلطنة، غير أنّه حكّمه ابنه صلاح الدين فى الخزائن، فكان يطلق منها ما يختار من غير مراجعة صلاح الدين. وكانت الفرنج تولّت على دمياط فى ثالث صفر من السنة المذكورة وجدّوا فى قتالها، وأقاموا عليها نحو الشهرين يحاصرونها بالمجانيق ويزحفون عليها ليلا ونهارا، وصلاح الدين يوجّه إليها العساكر مع خاله شهاب الدين وتقىّ الدين، وطلب من العاضد مالا فبعث إليه شيئا كثيرا، حتّى قال صلاح الدين: ما رأيت أكرم من العاضد! جهّز إلىّ فى حصار الفرنج لدمياط ألف ألف دينار سوى الثياب وغيرها. ولمّا سمع نور الدين بما وقع لدمياط أخذ فى غزو الفرنج بالغارات عليهم. ثم وقع فيهم الوباء والفناء فرحلوا عن دمياط بعد أن مات منهم خلق كثير. كلّ ذلك فى حياة العاضد فى أوائل أمر صلاح الدين، ثمّ أخذ السلطان صلاح الدين فى إصلاح أحوال مصر وعمارة البلاد وبينا هو فى ذلك ورد عليه كتاب الملك العادل نور الدين محمود بن زنكى من دمشق، فأمره فيه بقطع خطبة العاضد وإقامتها لبنى العبّاس خلفاء بغداد، فخاف صلاح الدين من أهل مصر ألّا يجيبوه إلى ذلك، وربّما وقعت فتنة؛ فعاد الجواب لنور الدين يخبره بذلك، فلم يسمع له نور الدين؛ وأرسل إليه وخشّن له فى القول، وألزمه بذلك إلزاما كلّيّا إلى أن وقع ذلك؛ وقطعت خطبة العاضد فى أوّل المحرّم سنة سبع وستين وخمسمائة. وكان العاضد مريضا فأخفى عنه أهله ذلك حتّى مات يوم عاشوراء، فندم صلاح الدين على قطع خطبته، وقال: ليتنى صبرت حتّى مات. وقد ذكرنا ذلك كلّه مفصّلا فى ترجمة العاضد السابقة لهذه الترجمة. ومن هنا نذكر- إن شاء الله تعالى- أقوال المؤرّخين فى أحوال السلطان صلاح الدين هذا وغزواته وأموره، كلّ مؤرّخ على حدته. ومن يوم مات العاضد

عظم أمر صلاح الدين واستولى على خزائن مصر واستبدّ بأمورها من غير منازع. غير أنّه كان من تحت أوامر الملك العادل نور الدين محمود بن زنكى المعروف بالشهيد صاحب دمشق على ما سنّبينه فى هذا المحلّ. وكان يدعو له الخطيب بمصر وأعمالها بعد نور الدين المذكور ويدعو لنور الدين بعد الخليفة. وكان مولد صلاح الدين بتكريت فى سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة، ونشأ فى حجر أبيه نجم الدين أيّوب فى الدولة النّوريّة، وترقّى فيها؛ وكان ولّاه نور الدين قبل خروجه مع عمّه أسد الدين شيركوه الثالثة إلى ديار مصر، شحنجية «1» دمشق، فخرج عنها غضبا على ما سنذكره إن شاء الله. قال العلّامة أبو المظفّر شمس الدين يوسف بن قزأوغلى فى تاريخه مرآة الزمان: «كان السلطان صلاح الدين شجاعا شهما مجاهدا فى سبيل الله، وكان مغرما بالإنفاق فى سبيل الله، وحسب ما أطلقه ووهبه مدّة مقامه على عكّا مرابطا للفرنج، من شهر رجب سنة خمس وثمانين، إلى يوم انفصاله عنها فى شعبان سنة ثمان وثمانين، فكان اثنى عشر ألف رأس من الخيل العراب «2» والأكاديش الجياد للحاضرين معه للجهاد، غير ما أطلقه من الأموال. قال العماد الكاتب: لم يكن له فرس يركب إلّا وهو موهوب، ولا جاءه «3» قود إلّا وهو مطلوب؛ وما كان يلبس إلّا ما يحلّ لبسه، كالكتّان والقطن والصوف؛ وكانت مجالسه منزّهة عن الهزء والهزل؛ ومحافله حافلة بأهل العلم والفضل؛ ويؤثر سماع الحديث وكان من جالسه لا يعلم

أنه جالس سلطانا لتواضعه. قال: ورأى معى يوما دواة محلّاة بفضّة فأنكر علىّ وقال: ما هذا! فلم أكتب بها عنده بعدها. وكان محافظا على الصلوات فى أوقاتها لا يصلّى إلّا فى جماعة، وكان لا يلتفت إلى قول منجّم، وإذا عزم على أمر توكّل على الله. انتهى كلام العماد باختصار. وذكره القاضى ابن شدّاد فى السّيرة فقال: كان حسن العقيدة، كثير الذكر لله تعالى؛ وإذا جاء وقت صلاة وهو راكب نزل فصلّى، وما قطعها إلّا فى مرضه الذي مات فيه ثلاثة أيّام اختلط ذهنه فيها. وكان قد قرأ عقيدة القطب «1» النّيسابورىّ. وعلّمها أولاده الصغار لترسخ فى أذهانهم، وكان يأخذها عليهم. وأمّا الزكاة فإنّه مات ولم تجب عليه قطّ. وأمّا صدقة النوافل فاستنفدت أمواله كلّها فيها. وكان يحبّ سماع القرآن؛ واجتاز يوما على صبىّ صغير بين يدى أبيه وهو يقرأ القرآن فاستحسن قراءته، فوقف عليه وعلى أبيه مزرعة. وكان شديد الحياء خاشع الطّرف، رقيق القلب، سريع الدمعة، شديد الرغبة فى سماع الحديث. وإذا بلغه عن شيخ رواية عالية وكان ممّن يحضر عنده، استحضره «2» وسمع عليه وأسمع أولاده ومماليكه، ويأمرهم بالقعود عند سماع الحديث إجلالا له، وإن لم يكن ممن يحضر عنده، ولا يطرق أبواب الملوك سعى إليه. وكان مبغضا لكتب الفلاسفة وأرباب المنطق ومن يعاند الشريعة. ولمّا بلغه عن السّهروردىّ «3» ما بلغه أمر ولده الملك

الظاهر بقتله. وكان محبّا للعدل يجلس فى كلّ يوم اثنين وخميس [فى «1» ] مجلس عام يحضره القضاة والفقهاء، ويصل إليه الكبير والصغير والشيخ والعجوز، وما استغاث إليه أحد إلّا أجابه وكشف ظلامته؛ واستغاث اليه ابن زهير الدّمشقىّ على تقىّ الدين عمر [ابن أخيه «2» ] وقال: ما يحضر معى مجلس الشرع، فأمر تقىّ الدين بالحضور معه. وادّعى رجل على السلطان صلاح الدين المذكور بأنّ سنقر الخلاطىّ مملوكه ومات على ملكه. قال ابن شدّاد: فأخبرته فأحضر الرجل، وقد خرج عن طرّاحته وساواه فى الجلوس، فادّعى الرجل؛ فرفع السلطان رأسه إلى جماعة الأمراء والشيوخ الأخيار، وهم وقوف على رأسه، فقال: أتعرفون سنقر الخلاطىّ؟ قالوا: نشهد أنّه مملوكك، وأنّه مات على ملكك. ولم يكن للرجل المدّعىّ بيّنة، فأسقط فى يده. فقلت: يا مولانا، رجل غريب، وقد جاء من خلاط فى طمع، ونفدت نفقته، وما يحسن أن يرجع خائبا؛ فقال: يا قاضى، هذا إنّما يكون على غير هذا الوجه، ووهب له نفقة وخلعة وبغلة وأحسن إليه. قال: وفتح آمد، ووهبها لابن قرا أرسلان. واجتمع عنده وفود بالقدس ولم يكن عنده مال، فباع ضيعة وفرّق ثمنها فيهم. قال ابن شدّاد: وسألت باليان بن بارزان «3» يوم انعقاد الصلح عن عدّة الفرنج الذين كانوا على عكّا، وهو جالس بين يدى السلطان، فقال للتّركمان: قل له كانوا من خمسمائة ألف إلى ستّمائة ألف، قتل منهم أكثر من مائة ألف وغرق معظمهم. قال: وكان يوم المضاف يدور على الأطلاب ويقول: وهل أنا إلا واحد منكم! وكان

فى الشتاء يعطى العساكر دستورا وهو نازل على برج عكّا، ويقيم طول الشتاء فى نفر يسير. وكان على الرّملة «1» فجاءه كتاب بوفاة تقىّ الدين [ابن أخيه «2» ] ، فقال وقد خنقته العبرة: مات تقىّ الدين! اكتموا خبره مخافة العدوّ. قال: ولقد واجهه الجناح «3» على يافا بذلك الكلام القبيح «4» ، فما قال له كلمة، واستدعاه فأيقن بالهلاك؛ وارتقب الناس أن يضرب رقبته فأطعمه فاكهة قدمت من دمشق وسقاه ماء وثلجا. قال: وكان للمسلمين لصوص يدخلون خيام الفرنج بالليل ويسرقونهم، فسرقوا ليلة صبيّا رضيعا فباتت أمّه تبكى طول الليل، فقال لها الفرنج: إنّ سلطانهم رحيم القلب فاذهبى إليه، فجاءته وهو على تلّ الخرّوبة «5» راكب، فعفرت وجهها وبكت، فسأل عنها فأخبر بقصّتها، فرقّ لها ودمعت عيناه، وتقدّم إلى مقدّم اللصوص بإحضار الطفل، ولم يزل واقفا حتّى أحضروه؛ فلمّا رأته بكت وشهقت وأخذته وأرضعته ساعة وضمّته إليها، وأشارت إلى ناحية الفرنج؛ فأمر أن تحمل على فرس وتلحق بالفرنج ففعلوا. قال ابن شدّاد: وكان حسن العشرة طيّب الخلق حافظا لأنساب العرب، عارفا بخيولهم، طاهر اللسان والقلم، فما شتم أحدا قطّ ولا كتب بيده ما فيه أذى مسلم. وما حضر بين يديه يتيم إلّا وترحّم على من خلّفه، وجبر قلبه وأعطاه ما يكفيه؛ فإن كان له كافل [سلّمه إليه «6» ] وإلّا كفله. وسرق «7» يوما من خزائنه ألفا دينار وجعل فى الكيس فلوس فما قال شيئا. انتهى كلام ابن شدّاد باختصار.

قال أبو المظفّر: وحكى لى المبارز «1» سنقر الحلبىّ- رحمه الله تعالى- قال: كان الحجّاب يزدحمون على طرّاحته فجاء سنقر الخلاطىّ ومعه قصص فقدّم إليه قصّة، وكان السلطان مدّ يده اليمنى على الأرض ليستريح، فداسها سنقر الخلاطىّ ولم يعلم؛ وقال له: علّم عليها، فلم يجبه، فكرّر عليه القول؛ فقال له: يا طواشى، أعلّم بيدى أم برجلى! فنظر سنقر فرأى يد السلطان تحت رجله فخجل، وتعجّب الحاضرون من هذا الحلم؛ ثم قال السلطان: هات القصّة فعلّم عليها» . وقال القاضى شمس الدين أحمد بن محمد بن خلّكان- رحمه الله- فى تاريخه: «وصلاح الدين كان واسطة العقد، وشهرته أكبر من أن يحتاج إلى التنبيه عليه. اتّفق أهل التاريخ على أنّ أباه وأهله من دوين (بضم الدال المهملة وكسر الواو وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها نون) ، وهى بلدة فى آخر عمل أذربيجان من جهة أرّان وبلاد الكرج، وأنّهم أكراد رواديّة (بفتح الراء والواو وبعد الألف دال مهملة [مكسورة «2» ] ثم ياء مثنّاة من تحتها مشدّدة ثم هاء) . والرّواديّة: بطن من الهذانيّة «3» (بفتح الهاء والذال المعجمة وبعد الألف نون مكسورة ثم ياء مثنّاة مشدّدة من تحتها وبعدها هاء) وهى قبيلة كبيرة من الأكراد. وقال لى رجل عارف بما يقول، وهو من أهل دوين: إنّ على باب دوين قرية يقال لها: أجدانقان (بفتح الهمزة وسكون الجيم وفتح الدال المهملة وبعد الألف نون مفتوحة ثم قاف وبعد الألف الثانية نون أخرى) وجميع أهلها أكراد رواديّة؛ ومولد أيّوب والد صلاح الدين بها، وشادى أخذ ولديه، [منها «4» ] : أسد الدين شيركوه،

ونجم الدين أيّوب، وخرج بهما إلى بغداد؛ ومن هناك إلى تكريت. ومات شادى بها، وعلى قبره قبة داخل البلد. ولقد تتبّعت نسبهم كثيرا فلم أجد أحدا [ذكر] «1» بعد شادى أبا آخر، حتّى إنى وقفت على كتب كثيرة بأوقاف وأملاك باسم شيركوه وأيّوب فلم أر فيها سوى شيركوه بن شادى [وأيّوب «2» ] بن شادى لا غير. وقال لى بعض أعوانهم: هو شادى بن مروان، وقد ذكرته فى ترجمة أيوب وشيركوه. قال: ورأيت مدرجا رتّبه الحسن بن غريب «3» بن عمران الحرسى يتضمّن أن أيّوب ابن شادى بن مروان بن [أبى «4» ] على بن عنترة «5» بن الحسن بن علىّ بن أحمد ابن علىّ «6» بن عبد العزيز بن هدبة بن الحصين بن الحارث بن سنان بن عمرو بن مرة بن عوف بن أسامة بن بيهس «7» بن الحارث صاحب الحمالة ابن عوف بن أبى حارثة بن مرّة بن نشبة «8» بن غيظ بن مرّة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض ابن ريث بن غطفان [بن سعد «9» ] بن قيس بن عيلان بن الياس بن مضر بن نزار ابن معدّ «10» بن عدنان، ثم رفع هذا النسب إلى أن انتهى إلى آدم عليه السلام. ثم ذكر بعد ذلك أن علىّ بن أحمد بن أبى علىّ فقال: هو ممدوح المتنبىّ، ويعرف بالخراسانىّ. وفيه يقول من جملة قصيدة: شرق الجوّ بالغبار إذا سا ... ر علىّ بن أحمد القمقام

وأمّا الحارث بن عوف بن أبى حارثة صاحب الحمالة فهو الذي حمل الدماء بين عبس وذبيان، وشاركه فى الحمالة خارجة بن سنان أخو هرم بن سنان. وفيهما قال زهير بن أبى سلمى المزنىّ قصائد كثيرة، منها قوله: وهل ينبت الخطّىّ إلّا وشيجه ... وتغرس إلّا فى منابتها النخل هذا آخر ما ذكره فى المدرّج وكان قد قدّمه إلى الملك المعظّم شرف الدين عيسى بن الملك العادل صاحب دمشق، وسمعه عليه هو وولده الملك الناصر صلاح الدين أبو المفاخر داود بن الملك المعظّم، وكتب لهما بسماعهما عليه فى آخر رجب سنة تسع عشرة وستمائة. والله أعلم. انتهى ما ذكرته من المدرّج. ثم قال: «وأقول ذكر المؤرّخون أنّ أسد الدين شيركوه لمّا مات استقرّت الأمور بعده لصلاح الدين يوسف بن أيّوب وتمهّدت القواعد، ومشى الحال على أحسن الأوضاع، وبذل الأموال وملك قلوب الرجال، وشكر نعمة الله تعالى عليه، فتاب عن الخمر وأعرض عن أسباب اللهو، وتقمّص بقميص الجدّ والاجتهاد، ولا زال على قدم الخير وما يقرّبه إلى الله تعالى إلى أن مات» . قال: «وقال شيخنا ابن شدّاد- رحمه الله-: [سمعته «1» ] يقول قال صلاح الدين- رحمه الله-: لمّا يسّر الله تعالى بملك الديار المصرية علمت أنّ الله أراد فتح الساحل لأنه أوقع ذلك فى نفسى. قال: ومن حين استقام له الأمر ما زال صلاح الدين يشنّ الغارات على الفرنج إلى أن ملك الكرك «2» والشّوبك «3» وغيرهما من البلاد «4» ، وغشى الناس من سحائب الإفضال والإنعام [ما لم «5» يؤرّخ غير تلك الأيام. و] هذا كلّه وهو وزير متابع للقوم، ولكنّه يقول

بمذهب أهل السّنة؛ [مارس «1» فى البلاد أهل الفقه والعلم والتصوّف والدين، والناس يهرعون إليه من كلّ صوب ويفدون عليه من كل جانب وهو لا يخيّب قاصدا، ولا يعدم وافدا] إلى سنة خمس وستين وخمسمائة. فلمّا عرف نور الدين استقرار «2» أمر صلاح الدين بمصر أخذ حمص من نوّاب أسد الدين شيركوه، وذلك فى رجب سنة أربع وستين. ولمّا علم الفرنج ما جرى من «3» المسلمين وعساكرهم، وما تمّ للسلطان من استقامة الأمر له بالبلاد المصرية علموا أنه يملك بلادهم، ويخرّب ديارهم، ويقطع آثارهم؛ فاجتمع الفرنج والروم جميعا وقصدوا الديار المصريّة، ونزلوا دمياط ومعهم آلات الحصار وما يحتاج إليه» . قلت: وهذه الواقعة التى ذكرناها فى أوّل هذه الترجمة. غير أنّنا نذكرها أيضا من قول ابن خلّكان لزيادات تأتى فيها. قال: «ولمّا سمع فرنج الشام ذلك اشتدّ أمرهم، فسرقوا حصن عكّا من المسلمين وأسروا صاحبها، وكان مملوكا لنور الدين محمود، يقال له: «خطلخ العلم دار» . وذلك فى شهر ربيع الآخر سنة خمس وستّين. ولمّا رأى نور الدين ظهور الفرنج ونزولهم على دمياط قصد شغل قلوبهم، فنزل على الكرك فحاصرها فى شعبان من السنة المذكورة، فقصده فرنج الساحل فرحل عنها، وقصد لقاءهم فلم يقووا له. ثم بلغه وفاة مجد الدين بن الدّاية، وكانت وفاته بحلب فى [شهر «4» ] رمضان سنة خمس وستين، فاشتغل قلبه، فإنّه كان صاحب أمره. وعاد يطلب الشام فبلغه أمر الزلازل بحلب التى أخربت البلاد، وكانت فى ثانى عشر شوّال فسار يطلب حلب، فبلغه موت أخيه

قطب الدين مودود بالموصل، وبلغه خبر موته وهو بتلّ باشر «1» ، فسار من ليلته طالبا لبلاد الموصل. ودام صلاح الدين فى قتال الفرنج بدمياط إلى ان رحلوا عنها خائبين» . قال ابن خلّكان: «والذي ذكره شيخنا عزّ الدين بن الأثير: [أمّا «2» ] كيفيّة ولاية صلاح الدين فإنّ جماعة من الأمراء النّوريّة الذين كانوا بمصر طلبوا التقدّم على العساكر و [ولاية «3» ] الوزارة (يعنى بعد موت أسد الدين شيركوه) : منهم الأمير عين الدولة الياروقى؛ وقطب الدين خسرو بن تليل «4» ، وهو ابن أخى أبى الهيجاء الهدبانىّ «5» الذي كان صاحب إربل. قلت: [وهو «6» ] صاحب المدرسة «7» القطبيّة بالقاهرة؛ ومنهم سيف الدين علىّ بن أحمد الهكّارىّ، وجدّه كان صاحب القلاع الهكاريّة «8» . قلت: هو المعروف بالمشطوب- ولوالده أحمد ترجمة فى تاريخنا «المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى» - ومنهم شهاب الدين محمود الحارمىّ، وهو خال صلاح الدين؛ وكلّ واحد من هؤلاء قد خطبها «9» لنفسه؛ فأرسل العاضد صاحب مصر إلى صلاح الدين يأمره بالحضور إلى قصره ليخلع عليه خلعة الوزارة

ويولّيه الأمر بعد عمّه. وكان الذي حمل العاضد على تولية صلاح الدين ضعف صلاح الدين، فإنّه ظنّ أنّه إذا ولّى صلاح الدين، وليس له عسكر ولا رجال، كان فى ولايته مستضعفا، يحكم عليه ولا يقدر على المخالفة، وأنّه يضع على العسكر الشامىّ من يستميلهم، فإذا صار معه البعض أخرج الباقين، وتعود البلاد إليه؛ وعنده من العساكر الكتاميّة «1» من يحميها من الفرنج ونور الدين. والقصّة مشهورة «أردت عمرا وأراد الله خارجة» . فامتنع صلاح الدين وضعفت نفسه عن هذا «2» المقام، فألزمه العاضد وأخذ كارها؛ إنّ الله ليعجب من قوم يقادون إلى الجنّة بالسلاسل. فلمّا حضر فى القصر خلع عليه خلعة الوزارة: الجبّة والعمامة وغيرهما، ولقّب بالملك الناصر، وعاد إلى دار عمّه أسد الدين شيركوه وأقام بها، ولم يلتفت إليه أحد من أولئك الأمراء الذين يريدون الأمر لأنفسهم ولا خدموه. وكان الفقيه ضياء الدين عيسى الهكّارىّ معه، فسعى مع سيف الدين علىّ بن أحمد حتّى أماله إليه، وقال له: إنّ هذا الأمر لا يصل إليك مع وجود عين الدولة والحارمىّ وابن تليل، فمال إلى صلاح الدين. ثم قصد شهاب الدين الحارمىّ، وقال له: إنّ هذا صلاح الدين هو ابن أختك وملكه «3» لك، وقد استقام له الأمر فلا تكن أوّل من يسعى فى إخراجه عنه [ولا يصل إليك «4» ] ، ولم يزل به حتى أحضره أيضا عنده وحلّفه له. ثم عدل إلى قطب الدين وقال له: إنّ صلاح الدين قد أطاعه الناس ولم يبق غيرك وغير الياروقىّ، وعلى كلّ حال فيجمع بينك وبين صلاح الدين أنّ أصله من الأكراد، ووعده وزاد فى إقطاعه «5» فأطاع صلاح الدين. ثم عدل إلى عين الدولة

الياروقىّ، وكان أكبر الجماعة وأكثرهم جمعا، فاجتمع به فلم ينفع فيه رقاه ولا نفذ فيه سحره، وقال: أنا لا أخدم يوسف أبدا! وعاد إلى نور الدين محمود ومعه غيره. فأنكر عليهم نور الدين فراقه «1» ، وقد فات الأمر، ليقضى الله أمرا كان مفعولا. وثبتت قدم صلاح الدين ورسخ ملكه، وهو نائب عن الملك العادل نور الدين، والخطبة لنور الدين فى البلاد كلّها، ولا يتصرّفون إلّا عن أمره. وكان نور الدين يكاتب صلاح الدين بالأمير الإسفهسالار «2» ، ويكتب علامته فى الكتب تعظيما أن يكتب اسمه، وكان لا يفرده بمكاتبة، بل يكتب الأمير الإسفهسالار صلاح الدين، وكافّة الأمراء بالديار المصريّة يفعلون كذا وكذا. واستمال صلاح الدين قلوب الناس وبذل الأموال ممّا كان أسد الدين قد جمعه، فمال الناس إليه وأحبّوه، وقويت نفسه على القيام بهذا الأمر والثبات فيه؛ وضعف أمر العاضد، وكان العاضد كالباحث عن حتفه بظلقه» . قال ابن الأثير فى تاريخه الكبير: قد اعتبرت التواريخ فرأيت كثيرا من التواريخ الإسلاميّة، ورأيت كثيرا ممّن يبتدئ الملك تنتقل الدولة عن صلبه إلى بعض أهله وأقاربه: منهم فى أوّل الإسلام معاوية بن أبى سفيان، أوّل من ملك من أهل بيته، تنقّل الملك عن أعقابه إلى بنى مروان من بنى عمّه. ثم من بعده السفّاح أوّل من ملك من ملوك بنى العبّاس، انتقل الملك عن أعقابه إلى أخيه أبى جعفر المنصور. ثم السامانيّة أوّل من ملك منهم نصر بن أحمد فانتقل الملك عنه إلى أخيه إسماعيل بن أحمد وأعقابه. ثم يعقوب الصّفّار أوّل من ملك من أهل بيته فانتقل الملك عنه إلى أخيه عمرو وأعقابه. ثم عماد الدولة بن بويه أوّل من ملك

من أهل بيته ثم انتقل الملك عنه إلى أخويه: ركن الدولة ومعزّ الدولة. ثم السّلجوقيّة أوّل من ملك منهم طغرلبك. ثم انتقل الملك إلى أولاد أخيه داود. ثم هذا شيركوه كما ذكرنا انتقل الملك عنه إلى ولد أخيه نجم الدين أيّوب. ولولا خوف الإطالة لذكرنا أكثر من هذا. والذي أظنّه السبب فى ذلك أن الذي يكوّن أوّل دولة يكثر القتل، فيأخذ الملك وقلوب من كان فيه متعلّقة به؛ فلهذا يحرم الله تعالى أعقابه ويفعل ذلك لأجلهم عقوبة [له «1» ] . انتهى. قلت: وما ذكره ابن الأثير من انتقال الملك من عقب من يلى الملك أوّلا إلى أقاربه، هو بعكس ما وقع لخلفاء مصر بنى عبيد، فإنّه لم يل الخلافة منهم أحد بعد أخيه من أوّلهم المعزّ إلى آخرهم العاضد. قلت: ونادرة أخرى وقعت لخليفة زماننا هذا، فإنّه خامس أخ ولى الخلافة بعد إخوته، وهو أمير المؤمنين المستنجد «2» بالله يوسف، وهم خمسة إخوة من أولاد المتوكّل، «3» كلّ منهم ولى الخلافة: وأوّلهم المستعين «4» بالله العباسىّ، الذي تسلطن بعد خلع الملك الناصر فرج بن برقوق، فى سنة خمس عشرة [وثمانمائة] ؛ ثم من بعده المعتضد «5» داود؛ ثمّ من بعده المستكفى «6» سليمان؛ ثم من بعده القائم حمزة «7» ؛ ثم يوسف هذا خليفة زماننا.

وأكثر من ولى من بنى أميّة أربعة من أولاد عبد الملك بن مروان: وهم الوليد وسليمان ويزيد وهشام؛ قيل: إنّ عبد الملك رأى فى نومه أنّه بال فى محراب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أربع بولات، فأوّله المعبّرون بأنّه يلى الخلافة من ولده لصلبه أربعة، فكان كذلك. وأمّا ثلاثة الإخوة: فالأمين محمد والمأمون عبد الله والمعتصم محمد أولاد الرشيد هارون. ثم وقع ذلك أيضا لبنى العبّاس فى أولاد المتوكّل جعفر، ولى من أولاده ثلاثة: المنتصر والمعتزّ والمعتمد. ثمّ وقع ذلك أيضا للمعتضد ولى من أولاده ثلاثة: وهم المكتفى «1» علىّ والمقتدر جعفر والقاهر محمد. ثم وقع ذلك للمقتدر جعفر ولى من أولاده ثلاثة: الراضى والمتّقى والمطيع. ونادرة أخرى، قيل: إنّ المستنجد بن المقتفى رأى فى حياة والده فى منامه كأنّ ملكا نزل من السماء فكتب فى كفه أربع خاءات معجمات، فعبّروه أنّه يلى الخلافة سنة خمس وخمسين وخمسمائة فكان كذلك. وقد خرجنا عن المقصود، ونعود إلى ذكر صلاح الدين. ثم ذكر ابن الأثير شيئا عن أحوال صلاح الدين إلى أن قال: وتوفّى العاضد وجلس صلاح الدين للعزاء، واستولى على قصره وجميع ما فيه؛ فكان قد رتّب فيه قبل وفاة العاضد بهاء الدين قراقوش، وهو خصىّ يحفظه، فحفظ ما فيه حتّى تسلّمه صلاح الدين، ونقل صلاح الدين أهله إلى مكان منفرد، ووكّل بهم من يحفظهم، وجعل أولاده وعمومته وأبناءه فى إيوان بالقصر، وأخرج من كان فيه من العبيد والإماء، فأعتق البعض ووهب البعض وأخلى القصر من سكّانه وأهله. فسبحان؟؟؟ من لا يزول ملكه! قال: ولمّا استولى صلاح الدين على القصر وأمواله وذخائره اختار منه ما أراد، ووهب أهله وأمراءه، وباع منه كثيرا، وكان فيه من

الجواهر النفيسة ما لم يكن عند ملك من الملوك. قال ابن «1» الأثير: ولمّا وصل الخبر إلى الإمام المستضىء بأمر الله أبى محمد الحسن بن الإمام المستنجد، وهو والد الإمام الناصر لدين الله، بما تجدّد من أمر مصر، وعود الخطبة والسكّة بها باسمه بعد انقطاعها بمصر هذه المدّة الطويلة عمل أبو الفتح محمد سبط [ابن «2» ] التعاويذىّ قصيدة «3» طنّانة مدح بها المستضىء، وذكر هذا الفتوح المتجدّد له، وفتوح بلاد ايمن، وهلاك الخارجىّ «4» بها الذي سمّى نفسه المهدىّ. نذكر فى آخر ترجمته أمر القصيدة التى نظمها ابن التّعاويذىّ من كلام ابن خلّكان وغيرها إن شاء الله تعالى. وكان صلاح الدين قد أرسل له من ذخائر مصر وأسلاب المصريّين شيئا كثيرا. ثم ذكر ابن الأثير فصلا فى سنة سبع وستين وخمسمائة يتضمّن حصول الوحشة بين نور الدين الشهيد وبين صلاح الدين باطنا؛ فقال: «فى هذه السنة جرت أمور أوجبت تأثّر نور الدين من صلاح الدين، ولم يظهر ذلك. وكان سببه أنّ صلاح الدين سار [عن مصر «5» ] فى صفر منها إلى بلاد الفرنج، ونازل حصن الشّوبك، وبينه وبين الكرك يوم، وحصره وضيّق على من به من الفرنج، وأدام القتال؛ فطلبوا

الأمان واستمهلوه عشرة أيّام، فأجابهم إلى ذلك. فلمّا سمع نور الدين ما فعله صلاح الدين سار من دمشق قاصدا بلاد الفرنج ليدخل إليها من جهة أخرى، فقيل لصلاح الدين: إن دخل نور الدين إلى بلاد الفرنج وهم على هذه الحال- أنت من جانب ونور الدين من جانب- ملكها، ومتى زال ملك الفرنج عن الطريق لم يبق لك بديار مصر مقام مع نور الدين؛ ومتى جاء نور الدين إليك وأنت هاهنا فلا بدّ لك من الاجتماع به؛ وحينئذ يكون هو المتحكّم فيك «1» ، إن شاء تركك وإن شاء عزلك، ولا تقدر على الامتناع عليه؛ وحينئذ المصلحة الرجوع إلى مصر. فرحل عن الشّوبك عائدا إلى مصر [ولم «2» يأخذه من الفرنج] . وكتب إلى نور الدين يعتذر باختلال الديار المصريّة لأمور بلغته عن بعض شيعة العلويّين، وأنّهم عازمون على الوثوب بها، وأنّه يخاف عليها من البعد عنها أن يقوم أهلها على من تخلّف بها. فلم يقبل نور الدين هذا الاعتذار منه وتغيّر عليه، وعزم على الدخول إلى مصر وإخراجه عنها. وظهر ذلك لصلاح الدين فجمع أهله وفيهم أبوه نجم الدين أيّوب، وخاله شهاب الدين الحارمىّ وسائر الأمراء، وأعلمهم بما بلغه من عزم نور الدين وحركته إليه، فاستشارهم فلم يجبه أحد منهم بكلمة؛ فقام تقىّ الدين عمر ابن أخيه وقال: إذا جاء قاتلناه ومنعناه عن البلاد، ووافقه غيره من أهله؛ فشتمهم نجم الدين أيّوب وأنكر ذلك واستعظمه، وقال لصلاح الدين: أنا أبوك وهذا شهاب الدين خالك، ونحن أكثر محبّة لك من جميع من ترى، والله لو رأيت أنا وخالك نور الدين لم يمكّنا إلّا أن نقبّل الأرض بين يديه، ولو أمرنا أن نضرب عنقك لفعلنا، فإذا كنّا نحن هكذا فما ظنّك بغيرنا! وكلّ من ترى من الأمراء لو رأى نور الدين وحده لم يتجاسروا من الثبات على سروجهم. ثم قال: وهذه البلاد له، ونحن مماليكه ونوّابه فيها،

فإن اراد غير ذلك سمعنا وأطعنا؛ والرأى أن تكتب إليه وتقول: بلغنى أنّك تريد الحركة لأجل البلاد، فأىّ حاجة إلى هذا! يرسل المولى نجّابا يضع فى رقبتى منديلا ويأخذنى إليك، فما هاهنا من يمتنع عليك؛ وقام الأمراء وتفرّقوا. فلمّا خلا نجم الدين أيّوب بابنه صلاح الدين قال له: يا بنىّ، بأىّ عقل قلت هذا! أمّا علمت أنّ نور الدين متى سمع عزمنا على منعه ومحاربته جعلنا أهمّ الوجوه عنده؛ وحينئذ لا نقوى به؛ وإذا بلغه طاعتنا له تركنا واشتغل بغيرنا، والأقدار تعمل عملها؛ والله لو أراد نور الدين قصبة من قصب السّكّر لقاتلته أنا عليها حتى أمنعه أو أقتل. ففعل صلاح الدين ما أشار به والده عليه؛ فترك نور الدين قصده واشتغل بغيره؛ فكان الأمر كما ظنّه أيّوب. وتوفّى نور الدين ولم يقصده. وملك صلاح الدين البلاد، وكان هذا من أصوب الآراء وأحسنها» . انتهى كلام ابن الأثير باختصار. قال ابن شدّاد: «ولم يزل صلاح الدين فى نشر الإحسان وإفاضة النعم على الناس إلى سنة ثمان وستّين وخمسمائة، فعند ذلك خرج بالعسكر يريد بلاد الكرك والشّوبك، وإنّما بدأ بها لأنّها كانت أقرب إليه، وكانت على الطريق تمنع من يقصد الديار المصريّة، وكان لا يمكن أن تعبر قافلة حتّى يخرج هو بنفسه يعبرها، فأراد توسيع الطريق وتسهيلها، فحاصرها فى هذه السنة، وجرى بينه وبين الفرنج وقعات، وعاد إلى مصر ولم يظفر منها بشىء. ولمّا عاد بلغه خبر وفاة والده نجم الدين قبل وصوله إليه. قال: ولمّا كانت سنة تسع وستين رأى قوّة عسكره وكثرة عدده، وكان بلغه أنّ باليمن إنسانا استولى عليها وملك حصونها، وكان يسمّى عبد النّبيّ «1» ابن مهدىّ، فأرسل أخاه توران شاه فقتله وأخذ البلاد منه. ثم مات الملك العادل نور الدين محمود صاحب دمشق فى سنة تسع وستين وخمسمائة. على

ما سيأتى ذكره فى الوفيات. ثم بلغ صلاح الدين أنّ إنسانا جمع بأسوان خلقا كثيرا من السودان، وزعم أنّه يعيد الدولة العبيديّة المصريّة. وكان أهل مصر يؤثرون عودهم وانضافوا إليه، فسيّر صلاح الدين إليه جيشا كثيفا وجعل مقدّمه أخاه الملك العادل، فساروا والتقوا به، وكسروه فى السابع من صفر سنة سبعين وخمسمائة. ثم بعد ذلك استقرّت له قواعد الملك. وكان نور الدين محمود قد خلّف ولده الملك الصالح إسماعيل، وكان بدمشق عند وفاة أبيه. وكان بحلب شمس الدين علىّ بن الدّاية، وكان ابن الداية حدّث نفسه بأمور، فسار الملك الصالح من دمشق إلى حلب، فوصل إلى ظاهرها فى المحرّم سنة سبعين ومعه سابق الدّين «1» ، فخرج بدر الدين حسن «2» بن الدّاية فقبض على سابق الدين. ولمّا دخل الملك الصالح قلعة حلب قبض على شمس الدين علىّ بن الداية، وعلى أخيه بدر الدين حسن المذكور، وأودع الثلاثة السجن. وفى ذلك اليوم قتل أبو الفضل بن الخشّاب «3» لفتنة جرت [بحلب «4» ] ، وقيل: بل قتل قبل القبض على أولاد الدّاية. ثم إنّ صلاح الدين بعد وفاة نور الدين علم أنّ ولده الملك الصالح صبىّ لا يستقلّ بالأمر، ولا ينهض بأعباء الملك، واختلفت الأحوال بالشام. وكاتب شمس الدين [محمد «5» بن عبد الملك] بن المقدّم صلاح الدين، فتجهّز صلاح الدين من مصر فى جيش كثيف، وترك بالقاهرة من يحفظها، وقصد دمشق مظهرا أنّه يتولى مصالح الملك الصالح؛ فدخلها بالتسليم فى يوم الثلاثاء سلخ شهر ربيع الآخر سنة سبعين وخمسمائة، وتسلّم قلعتها واجتمع الناس إليه وفرحوا به، وأنفق فى ذلك اليوم مالا

جزيلا، وأظهر السرور بالدّمشقيّين وصعد القلعة؛ ثم سار إلى حلب ونازل حمص وأخذ مدينتها فى أوّل جمادى الأولى، ولم يشتغل بقلعتها وتوجّه إلى حلب، ونازلها فى يوم الجمعة سلخ جمادى الأولى من السنة، وهى الوقعة الأولى. ثم إنّ سيف الدين غازى بن قطب الدين مودود بن زنكى صاحب الموصل لمّا أحسّ بما جرى علم أنّ الرجل قد استفحل أمره وعظم شأنه، فخاف إن غفل عنه استحوذ على البلاد واستقرّت قدمه فى الملك وتعدّى الأمر إليه، فأرسل عسكرا وافرا، وجيشا عظيما، وقدّم عليه أخاه عزّ الدين مسعود بن قطب الدين مودود، وساروا يريدون لقاء صلاح الدين نجدة لابن عمّه الملك الصالح ابن نور الدين، ليردّوا صلاح الدين عن البلاد. فلمّا علم صلاح الدين ذلك رحل من حلب فى مستهلّ رجب من السنة عائدا إلى حماة، ثم رجع إلى حمص وأخذ قلعتها. ووصل عزّ الدين مسعود إلى حلب وأخذ معه عسكر ابن عمّه الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين محمود، وهو صاحب حلب يومئذ، وخرجوا فى جمع عظيم؛ وما علم صلاح الدين بخروجهم حتّى وافاهم على قرون حماة، فراسلهم وراسلوه، واجتهد صلاح الدين على أن يصالحوه فلم يصالحوه؛ ورأى أن ضرب المصافّ معهم ربّما نالوا به غرضهم، والقضاء يجرى إلى أموره وهم لا يشعرون، فتلاقوا فقضى الله تعالى أنهم انكسروا بين يديه، وأسر جماعة منهم فمنّ عليهم وأطلقهم، وذلك فى تاسع غشر شهر رمضان من السنة عند قرون حماة. ثم سار صلاح الدين عقيب انكسارهم «1» ونزل على حلب، وهى الدفعة الثانية فصالحوه على المعرّة وكفر طاب وبارين «2» . ولمّا جرت هذه الواقعة كان سيف الدين غازى محاصرا أخاه عماد الدين زنكى صاحب سنجار، وعزم على أخذها

منه، لأنّه كان قد انتمى إلى صلاح الدين؛ وكان قد قارب أخذها، فلمّا بلغه خبر هذه الواقعة، وأنّ عسكره انكسر من صلاح الدين على قرون حماة خاف أن يبلغ أخاه عماد الدين الخبر فيشتدّ أمره ويقوى جأشه، فراسله وصالحه. ثم سار غازى من وقته إلى نصيبين واهتمّ بجمع العساكر والإنفاق فيها، وسار إلى الفرات وعبر البيرة «1» وخيّم على الجانب الشامىّ، وراسل ابن عمّه الملك الصالح ابن الملك العادل نور الدين صاحب حلب حتّى تستقرّ له قاعدة يصل إليها. ثم إنّه وصل إلى حلب وخرج ابن عمّه الملك الصالح صاحب حلب إلى لقائه، وأقام غازى على حلب مدّة، وصعد قلعتها جريدة؛ ثم نزل وسار إلى تلّ السلطان، وهى منزلة بين حلب وحماة ومعه جمع كبير. وأرسل صلاح الدين إلى مصر وطلب عسكرها، فوصل إليه منها جمع كبير؛ فسار بهم صلاح الدين حتّى نزل قرون حماة ثانيا، وتصافّوا بكرة يوم الخميس العاشر من شوّال سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، وجرى قتال عظيم، وانكسرت ميسرة صلاح الدين من مظفّر الدين بن زين الدين صاحب إربل؛ فإنّه كان على ميمنة سيف الدين غازى، فحمل صلاح الدين بنفسه على عسكر سيف الدين غازى حملة شديدة فانكسر القوم، وأسر منهم جماعة من كبار الأمراء، فمنّ عليهم صلاح الدين وأطلقهم. وعاد سيف الدّين غازى إلى حلب فأخذ منها خزائنه وسار حتّى عبر الفرات، وترك ابن عمّه الملك الصالح صاحب حلب بها وعاد إلى بلاده. ومنع صلاح الدين من تتبّع القوم، ونزل فى بقيّة اليوم فى خيامهم، فإنّهم تركوا أثقالهم وانهزموا؛ وفرّق صلاح الدين الأطلاب ووهب الخزائن وأعطى خيمة سيف الدين غازى لابن أخيه عزّ الدين فرخشاه بن شاهنشاه بن أيّوب أخى تقىّ الدين عمر صاحب

حماة، وكان فرخشاه صاحب بعلبكّ. ثم سار صلاح الدين إلى منبج «1» فتسلّمها، ثم سار إلى قلعة عزاز «2» وحاصرها فى رابع ذى القعدة سنة إحدى وسبعين وخمسمائة. وبينما صلاح الدين بها وثب عليه جماعة من الإسماعيليّة (أعنى الفداوية) فنجّاه الله منهم وظفر بهم. وأقام عليها حتّى أخذها فى رابع عشر ذى الحجّة من السنة. ثم سار فنزل على حلب فى سادس عشر ذى الحجّة وأقام عليها مدّة. ثم رحل عنها بعد أن أخرجوا له ابنة صغيرة لنور الدين محمود فسألته عزاز فوهبها لها. ثم عاد صلاح الدين إلى مصر ليتفقّد أحوالها، وكان مسيره إليها فى شهر ربيع الأوّل سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة؛ وكان أخوه شمس الدولة توران شاه بن أيّوب قد وصل إليه من اليمن فاستخلفه بدمشق. ثم بعد ذلك تأهّب صلاح الدين للغزاة وخرج يطلب الساحل حتى وافى الفرنج على الرّملة، وذلك فى أوائل جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، وكانت الكسرة على المسلمين فى ذلك الوقت، ولمّا انهزموا لم يكن لهم حصن قريب يأوون إليه، فطلبوا جهة الديار المصريّة وضلّوا فى الطريق وتبدّدوا، وأسر منهم جماعة: منهم الفقيه عيسى الهكّارىّ، وكان ذلك وهنا عظيما، جبره الله تعالى بوقعة حطّين المشهورة. ووصل صلاح الدين إلى مصر ولمّ شعثه وشعث أصحابه من أثر «3» كسرة الرّملة ثم بلغه تخبّط الشام فعاد إليه واهتم بالغزاة، فوصله رسول صاحب الروم يلتمس الصلح ويتضرّر من الأرمن، يقصد بلاد «4» ابن لاون (يعنى بلادسيس الفاصلة بين حلب والروم من جهة الساحل) ؛ فتوجّه صلاح الدين إليه، واستدعى عسكر

حلب، لأنّه كان فى الصلح متى استدعاه حضر إليه؛ (يعنى صلح صلاح الدين مع الملك الصالح صاحب حلب) . ثم دخل صلاح الدين بلاد ابن لاون وأخذ فى طريقه حصنا وأخربه، ورغبوا إليه فى الصلح فصالحهم ورجع عنهم. ثم سأله قليج أرسلان [صاحب «1» الروم] فى صلح الشرقيّين أسرهم (يعنى سيف الدين غازى وإخوته) فأجاب ذلك صلاح الدين وحلف فى عاشر جمادى الأولى سنة ستّ وسبعين وخمسمائة، ودخل فى الصلح قليج أرسلان والمواصلة. ثم عاد صلاح الدين بعد تمام الصلح إلى دمشق؛ ثم منها إلى مصر. فورد عليه الخبر بموت الملك الصالح ابن الملك العادل نور الدين محمود الشهيد بعد أن استحلف أمراء حلب وأجنادها قبل موته لابن عمّه عز الدين مسعود صاحب الموصل، وهو ابن عم قطب الدين مودود. ولمّا بلغ عزّ الدين مسعودا خبر موت ابن عمّه الملك الصالح المذكور، وأنّه أوصى له بحلب بادر إلى التوجّه إليها خوفا أن يسبقه صلاح الدين إليها فأخذها. وكان أوّل قادم إليها مظفّر الدين بن زين الدين صاحب إربل، وكان إذ ذاك صاحب حرّان، وهو مضاف إلى الموصل، ووصلها مظفّر الدين المذكور فى ثالث شعبان من سنة سبع وسبعين. وفى العشرين منه وصلها عزّ الدين مسعود وطلع إلى القلعة واستولى على ما فيها من الحواصل، وتزوّج بأم الملك الصالح فى الخامس من شوّال من السنة. قال: وحاصل الأمر أنّ عزّ الدين مسعودا قايض عماد الدين زنكى صاحب سنجار عن حلب بسنجار، وخرج عزّ الدين من حلب ودخلها عماد الدين زنكى، فلمّا بلغ صلاح الدين ذلك توجّه إليه وحاصره فلم يقدر عماد الدين على حفظ حلب، وكان نزول صلاح الدين على حلب فى السادس والعشرين من المحرّم سنة سبع وسبعين وخمسمائة. فتحدّث عماد الدين زنكى مع الأمير حسام الدين طمان بن غازى فى السرّ

بما يفعله، فأشار عليه أن يطلب من صلاح الدين بلادا وينزل له عن حلب، بشرط أن يكون له جميع ما فى القلعة من الأموال؛ فقال له عماد الدين: وهذا كان فى نفسى. ثم اجتمع حسام الدين طمان بن غازى مع صلاح الدين فى السرّ على تقرير القاعدة لذلك، فأجابه صلاح الدين إلى ما طلب ووقّع له بسنجار وخابور ونصيبين وسروج، ووقّع لطمان المذكور بالرّقّة لسفارته بينهما، وحلف صلاح الدين على ذلك فى سابع «1» صفر من السنة؛ وكان صلاح الدين قد نزل قبل تاريخه على سنجار وأخذها فى ثانى «2» شهر رمضان من سنة ثمان وسبعين وأعطاها لابن أخيه تقىّ الدين عمر؛ فلمّا جرى الصلح على هذا أخذها من عمر وأعطاها لعماد الدين المذكور. وتسلّم صلاح الدين قلعة حلب وصعد إليها فى يوم الاثنين السابع والعشرين من صفر [سنة «3» تسع وسبعين وخمسمائة] ، وأقام بها حتّى رتّب أمورها ثم رحل عنها فى الثانى والعشرين من شهر ربيع الآخر من السنة، وجعل فيها ولده الملك الظاهر وكان صبيّا، وولّى القلعة لسيف الدين يازكوج «4» الأسدىّ وجعله يرتّب مصالح ولده. ثم سار صلاح الدين إلى دمشق وتوجّه من دمشق لقصد محاصرة الكرك فى الثالث من رجب من السنة، وسيّر إلى أخيه الملك العادل وهو بمصر، يستدعيه ليجتمع به على الكرك، فسار إليه الملك العادل أبو بكر بجمع عظيم وجيش كبير، واجتمع به على الكرك فى رابع شعبان. فلمّا بلغ الفرنج نزوله على الكرك حشدوا خلقا عظيما وجاءوا إلى الكرك ليكونوا من خارج قبالة عسكر المسلمين، فخاف صلاح الدين على الديار المصريّة، فسيرّ اليها ابن أخيه تقىّ الدين عمر، ثم تزحزح «5»

صلاح الدين عن الكرك فى سادس عشر شعبان من السنة (واستصحب أخاه الملك العادل معه ودخل دمشق فى الرابع والعشرين من شعبان من السنة، وأعطى أخاه العادل حلب، فتوجّه إليها العادل ودخلها يوم الجمعة الثانى والعشرين من شهر رمضان من السنة. وخرج الملك الظاهر ويازكوج من حلب ودخلا دمشق يوم الاثنين الثامن والعشرين من شوّال من السنة. وكان الملك الظاهر أحب أولاد أبيه إليه لما فيه من الخلال الحميدة، ولم يأخذ منه حلب إلّا لمصلحة رآها أبوه صلاح الدين فى ذلك الوقت. وقيل: إنّ الملك العادل أعطاه على أخذ حلب ثلثمائة ألف دينار يستعين بها على الجهاد. ثم إنّ صلاح الدين رأى أنّ عود الملك العادل إلى مصر، وعود الملك الظاهر إلى حلب أصلح. قيل: إنّ علم الدين سليمان بن جندر «1» كان هو السبب لذلك، فإنّه قال لصلاح الدين، وكانت بينهما مؤانسة قبل أن يتملّك البلاد، وقد سايره يوما، وكان من أمراء حلب، والملك العادل لا ينصفه، وقدّم عليه غيره؛ وكان صلاح الدين قد مرض على حصار الموصل! وعمل الى حرّان وأشفى على الهلاك، ولمّا عوفى ورجع إلى الشام واجتمعا فى المسير، قال له: وكان صلاح الدين قد أوصى لكلّ واحد من أولاده بشىء من البلاد-: بأىّ رأى كنت تظنّ أنّ وصيّتك تنفذ! كأنّك كنت خارجا إلى الصيد ثم تعود فلا يخالفونك! أما تستحى [أن «2» ] يكون الطائر أهدى منك إلى المصلحة! قال صلاح الدين: وكيف ذلك؟ وهو يضحك؛ قال: إذا أراد الطائر أن يعمل عشّا لفراخه قصد أعالى الشجر ليحمى فراخه، وأنت سلّمت الحصون إلى أهلك وجعلت أولادك على الأرض؛ هذه حلب- وهى أمّ البلاد- بيد أخيك،

وحماة بيد ابن أخيك «1» ، وحمص بيد ابن عمك أسد الدين؛ وابنك الأفضل مع تقىّ الدين بمصر يخرجه متى شاء، وابنك الآخر مع أخيك فى خيمة يفعل به ما أراد؛ فقال له صلاح الدين: صدقت، فاكتم هذا الأمر؛ ثم أخذ حلب من أخيه العادل وأعادها إلى ابنه الملك الظاهر، وأعطى العادل بعد ذلك حرّان والرّها وميّافارقين ليخرجه من الشام. وفرق الشام على أولاده، فكان ما كان. وزوّج السلطان صلاح الدين ولده الملك الظاهر بغازية خاتون ابنة أخيه الملك العادل المذكور. ثم كانت وقعة حطّين المباركة على المسلمين، وكانت فى يوم السبت رابع عشر شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة فى وسط نهار الجمعة. وكان صلاح الدين كثيرا ما يقصد لقاء العدوّ فى يوم الجمعة عند الصلاة تبرّكا بدعاء المسلمين والخطباء على المنابر، فسار فى ذلك الوقت واجتمع له من العساكر الإسلاميّة عدد يفوت الحصر، وكان قد بلغه أنّ العدوّ اجتمع فى عدّة كثيرة بمرج «2» صفّورية بأرض عكّا عند ما بلغهم اجتماع العساكر الإسلامية، فسار صلاح الدين ونزل على طبريّة «3» على سطح الجبل ينظر قصد الفرنج، فلمّا بلغهم نزوله فى الموضع المذكور لم يتحرّكوا ولا خرجوا من منزلتهم، وكان نزولهم فى الموضع المذكور يوم الأربعاء الحادى والعشرين من شهر ربيع الآخر؛ فلمّا رآهم لا يتحرّكون ترك جريدة على طبريّة، وترك الأطلاب على حالها قبالة العدوّ، ونزل طبريّة وهجمها وأخذها فى ساعة واحدة، وانتهب الناس ما فيها، وأخذوا فى القتل والسّبى والحريق؛ وبقيت القلعة ممتنعة

بمن فيها. ولمّا بلغ العدوّ ما جرى فى طبريّة قلقوا لذلك ورحلوا نحوها، فبلغ السلطان صلاح الدين ذلك فترك على طبريّة من يحاصرها ولحق بالعسكر، والتقى بالعدوّ على سطح جبل طبريّة الغربىّ منها، وذلك فى يوم الخمس الثانى والعشرين من شهر ربيع الآخر، فحال الليل بين العسكرين «1» ، فناما على المصافّ إلى بكرة يوم الجمعة الثالث والعشرين منه، فركب العسكران وتصادما والتحم القتال واشتدّ الأمر؛ ودام القتال حتّى لم يبق إلّا الظّفر، فحال الليل بينهم، وناما على المصافّ، وتحقّق المسلمون أنّ من ورائهم الأردنّ، ومن بين أيديهم بلاد العدوّ، وأنّهم لا ينجيهم إلّا القتال والجهاد، وأصبحوا من الغد فحملت أطلاب المسلمين من جميع الجوانب، وحمل القلب وصاحوا صيحة رجل واحد: [الله أكبر «2» ] وألقى الله الرّعب فى قلوب الكافرين، وكان حقّا عليه نصر المؤمنين. ولما أحسّ الملك القومص بالخذلان هرب فى أوائل الأمر، فتبعه جماعة من المسلمين، فنجا منهم، وأحاط المسلمون بالكافرين من كلّ جانب، وأطلقوا عليهم السهام، وحملوا عليهم بالسيوف، وسقوهم كأس الحمام، وانهزمت طائفة منهم فتبعهم المسلمون يقتلونهم؛ واعتصمت طائفة منهم بتلّ يقال [له «3» ] : تلّ حطّين، وهى قرية عندها قبر النّبيّ شعيب عليه السلام، فضايقهم المسلمون وأشعلوا حولهم النيران، واشتدّ بهم العطش فاستسلموا [للأسر «4» خوفا من] القتل، فأسر مقدّمتهم، وقتل الباقون، وكان ممّن أسر من مقدميهم الملك جفرى وأخوه الملك، [والبرنس «5» أرناط] صاحب الكرك والشوبك، وابن الهنفرى وابن صاحب طبريّة.

قال ابن شدّاد: لقد حكى لى من أثق به أنّه رأى بحوران «1» شخصا واحدا ومعه نيّف وثلاثون أسيرا ربطهم بطنب خيمة، لما وقع عليهم من الخذلان؛ ثم إنّ الملك القومص الذي هرب فى أوّل الوقعة وصل إلى طرابلس، وأصابه ذات الجنب فهلك. وأمّا مقدّم الأسبتار «2» والدّيويّة «3» فإنّه قتلهما السلطان صلاح الدين، وقتل من بقى من أصحابهما حيّا، وأمّا البرنس أرناط فإنّ السلطان كان نذر أنّه إن ظفر به قتله، وذلك أنّه كان عبر إليه بالشّوبك قوم من الديار المصريّة فى حال الصلح فغدر بهم وقتلهم، فناشدوه الصلح الذي بينه وبين السلطان، فقال: ما يتضمّن الاستخفاف بالنبىّ صلّى الله عليه وسلّم؛ وبلغ ذلك السلطان، فحملته حميّة دينه على أن أهدر دمه. ولمّا فتح الله عليه بالنصر جلس بالدّهليز (يعنى الخيمة) فإنّها لم تكن نصبت بعد لشغل السلطان بالجهاد، وعرضت عليه الأسارى، وصار الناس يتقرّبون إليه بما فى أيديهم منهم، وهو فرح بما فتح الله عليه؛ واستحضر «4» الملك جفرى وأخاه، والبرنس أرناط، وناول السلطان الملك جفرى شربة من جلّاب وثلج فشرب منها، وكان على أشدّ حال من العطش ثم ناولها للبرنس، ثم قال السلطان للتّرجمان: قل للملك أنت الذي سقيته وإلّا أنا فما سقيته، فإنّه كان من جميل عادة العرب

وكريم أخلاقهم أنّ الأسير إذا أكل أو شرب من مال من أسره أمن؛ فلذا قال السلطان للتّرجمان: أنت الذي سقيته. ثمّ أمر السلطان بمسيرهم إلى موضع عيّنه لهم فأكلوا شيئا، ثم عادوا بهم ولم يبق عند السلطان سوى بعض الخدم؛ فآستحضرهم وأقعد الملك فى دهليز الخيمة، فطلب البرنس أرناط وأوقفه بين يديه، وقال [له «1» ] : هأنا أنتصر لمخمد منك، ثم عرض عليه الإسلام فلم يفعل، فسلّ النّيمجاه «2» فضربه بها فحلّ كتفه، وتمّم قتله من حضر، وأخرجت جثّته ورميت على باب الخيمة؛ فلما رآها الملك جفرى لم يشكّ أنه يلحقه به، فاستحضره السلطان وطيّب قلبه، وقال له: لم تجر عادة الملوك أن يقتلوا الملوك إلّا أنّ هذا تجاوز الحدّ وتجرّأ على الأنبياء صلوات الله عليهم، ثم أمره بالانصراف. وبات الناس تلك الليلة على أتمّ سرور. وفى هذه الواقعة يقول العماد الكاتب قصيدة طنّانة منها: حططت «3» على حطّين قدر ملوكهم ... ولم تبق من أجناس كفرهم جنسا بطون ذئاب الأرض صارت قبورهم ... ولم ترض أرض أن تكون لهم رمسا وقد طاب ريّانا على طبريّة ... فياطيبها ريّا ويا حسنها مرسى وقال ابن «4» السّاعاتىّ قصيدة أخرى عظيمة فى هذا الفتح، أوّلها: جلت «5» عزماتك الفتح المبينا ... فقد قرّت عيون المؤمنينا

ثمّ رحل السلطان بعد أن تسلم طبريّة ونزل على عكّا فى يوم الأربعاء سلخ شهر ربيع الآخر، وقاتلها بكرة يوم الخميس مستهلّ جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة؛ وأخذها واستنقذ من كان فيها من أسارى المسلمين، وكانوا أكثر من أربعة آلاف أسير، واستولى على ما كان فيها من الأموال والذخائر والبضائع، لأنّها كانت مظنّة التجّار؛ وتفرّقت العساكر فى بلاد الساحل يأخذون الحصون والقلاع. ثم سار السلطان من عكّا ونزل على تبنين «1» يوم الأحد حادى عشر جمادى الأولى، وهى قلعة منيعة، فحاصرها حتّى أخذها فى يوم الأحد ثامن عشر جمادى الأولى، المذكور عنوة. ثمّ رحل عنها إلى صيدا فنزل عليها وتسلّمها فى غد يوم نزوله عليها. ثم رحل عنها وأتى بيروت فنازلها يوم الخميس الثانى والعشرين من جمادى الأولى، حتى أخذها فى يوم الخميس تاسع عشرين جمادى الأولى. ولمّا فرغ باله من هذا رأى قصد عسقلان، ولم ير الاشتغال بصور بعد أن نزل عليها؛ ثم رأى أنّ العسكر قد تفرّق فى الساحل وكانوا قد ضرسوا من القتال؛ وكان قد اجتمع بصور من بقى من الفرنج فرأى أنّ قصده عسقلان أولى، لأنّها أيسر من صور؛ فأتى عسقلان ونزل عليها يوم الأحد سادس عشر جمادى الآخرة. وأقام عليها إلى أن تسلّم أصحابه مدينة غزّة وبيت «2» جبريل والماطرون «3» من غير قتال، وكان بين فتح عسقلان وأخذ الفرنج لها ثانيا من المسلمين خمس وثلاثون سنة؛ فإنّ أخذها كان فى سنة ثمان وأربعين وخمسمائة. ولمّا تسلّم السلطان عسقلان والبلاد المحيطة

بالقدس شمّر عن ساق الجدّ والاجتهاد فى قصد القدس المبارك، واجتمع عليه العساكر التى كانت متفرّقة فى الساحل، فسار بهم نحو القدس معتمدا على الله تعالى مفوّضا أمره إليه منتهزا الفرصة فى فتح باب الخير الذي حثّ على انتهازه بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من فتح له باب خير فلينتهزه فإنّه لا يعلم متى يغلق دونه» . وكان نزول السلطان على القدس فى يوم الأحد الخامس عشر من شهر رجب سنة ثلاث وثمانين المذكورة، ونزل بالجانب الغربىّ، وكان مشحونا بالمقاتلة من الخيّالة والرّجّالة حتّى إنّه حزر أهل الخبرة، ممّن كان مع السلطان، من كان «1» فيه من المقاتلة فكانوا يزيدون على ستين ألفا خارجا عن النساء والصّبيان؛ ثم انتقل السلطان لمصلحة رآها إلى الجانب الشمالى فى يوم الجمعة العشرين من رجب ونصب عليها المجانيق وضايق البلد بالزّحف والقتال حتّى أخذ النّقب فى السور ممّا يلى وادى جهنّم «2» ؛ ولمّا رأى العدوّ ما نزل بهم من الأمر الذي لا مدفع لهم عنه، وظهرت لهم أمارات فتح المدينة وظهور المسلمين عليهم، وكان قد اشتدّ روعهم لما جرى على أبطالهم ما جرى «3» ، فاستكانوا إلى طلب الأمان، وسلّموا المدينة فى يوم الجمعة السابع والعشرين «4» من رجب، وليلته كانت ليلة المعراج المنصوص عليها فى القرآن الكريم. فآنظر إلى هذا الاتفاق العظيم، كيف يسر الله تعالى عوده إلى المسلمين فى مثل زمان الإسراء بنبيّهم صلّى الله عليه وسلّم.

قال: وكان فتحا عظيما شهده من العلماء خلق، ومن أرباب الحرب «1» والزّهد عالم كثير، وارتفعت الأصوات بالضّجيج بالدعاء والتهليل والتكبير، وصلّيت فيه الجمعة يوم فتحه، ونكّس الصليب الذي كان على قبّة الصخرة، وكان الصليب شكلا عظيما، ونصر الله الإسلام. وكان الفرنج قد استولوا على القدس- بعد فتحه الأوّل فى زمن عمر- فى يوم الجمعة الثالث والعشرين من شعبان سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة؛ وقيل: فى ثانى شعبان وقيل يوم الجمعة السادس والعشرين من شهر رمضان من السنة (أعنى سنة اثنتين وتسعين) ، وذلك كان فى خلافة المستعلى أبى القاسم أحد خلفاء مصر من بنى عبيد، وكان فى وزراة بدر الجمالى بديار مصر. وقد حكينا طرفا من ذلك فى ترجمة المستعلى فى هذا الكتاب. قلت: وعلى هذا الحساب يكون القدس أقام بيد الفرنج نيّفا وتسعين سنة من يوم أخذوه فى خلافة المستعلي إلى أن فتحه السلطان صلاح الدين فى هذه المرّة ثانيا. ولله الحمد. قال ابن شدّاد: «وكانت قاعدة الصلح أنهم قطعوا على أنفسهم عن كلّ رجل عشرين «2» دينارا، وعن كلّ امرأة خمسة دنانير صوريّة، وعن كلّ صغير ذكر أو أنثى دينارا واحدا، فمن أحضر قطيعته نجا بنفسه وإلّا أخذ أسيرا، وأفرج عمّن كان بالقدس من أسارى المسلمين، وكانوا خلقا عظيما؛ وأقام السلطان بالقدس يجمع الأموال ويفرّقها على الأمراء والرجال، ثم رسم «3» بإيصال من قام بقطيعته من الفرنج إلى مأمنه، وهى مدينة صور، فلم يرحل السلطان من القدس ومعه من المال الذي جى شىء، وكان يقارب مائتى ألف دينار [وعشرين «4» ألف دينار] .

ولمّا فتح القدس حسن عنده فتح صور، وعلم أنّه متى أخّره عسر عليه فتحه، فسار نحوها حتى أتى عكّا فنزل عليها ونظر فى أمورها؛ ثم رحل عنها متوجّها إلى صور فى يوم الجمعة خامس شهر رمضان من سنة ثلاث وثمانين المذكورة، فنزل قريبا منها، وأرسل لإحضار آلات القتال حتّى تكاملت عنده، نزل عليها فى ثانى «1» عشر الشهر المذكور، وقاتل أهلها قتالا شديدا وضايقها، واستدعى أسطول مصر، وكان السلطان يضايقها فى البرّ والبحر؛ وخرج أسطول صور فى الليل فكبس أسطول المسلمين فى البحر، وأخذوا المقدّم والرئيس وخمس قطع للمسلمين، وقتلوا خلقا كثيرا من الرجال، وذلك فى السابع والعشرين من شهر «2» شوّال؛ وعظم ذلك على السلطان وضاق صدره؛ وكان الشتاء قد هجم وتراكمت الأمطار وامتنع الناس من القتال لكثرة الأمطار، فجمع السلطان الأمراء واستشارهم فيما يفعل، فأشاروا عليه بالرحيل لنستريح الرجال، فرحل عنها فى يوم الأحد ثانى ذى القعدة وتفرّقت العساكر، وأعطى كلّ طائفة منها دستورا؛ فسار كلّ قوم إلى بلادهم، وأقام هو فى جماعة من خواصّه بمدينة عكّا إلى أن دخلت سنة أربع وثمانين وخمسمائة. فرحل ونزل على كوكب «3» فى أوّل المحرّم، ولم يبق معه من العسكر إلّا القليل؛ وكان كوكب حصنا حصينا فيه الرجال [والأقوات «4» ] ، فعلم السلطان أنّه لا يؤخذ إلّا بقتال شديد. فرحل إلى دمشق فدخلها فى سادس «5» عشرين شهر ربيع الأوّل من السنة؛ وأقام بدمشق خمسة أيّام. وبلغه أنّ الفرنج قصدوا جبلة «6» واغتالوها، فخرج مسرعا وقد سيّر يستدعى العساكر

من جميع البلاد، وسار يطلب جبلة؛ فلمّا علم الفرنج بخروجه كفّوا عن ذلك. وكان السلطان بلغه وصول عماد الدين صاحب سنجار ومظفّر الدين [بن] زين الدين صاحب إربل وعسكر الموصل إلى حلب قاصدين خدمته والغزاة معه؛ فسار السلطان نحو حصن «1» الأكراد حتى اجتمع بالمذكورين [و] تقوّى بهم للغاية» . انتهى كلام ابن شدّاد. وقال القاضى شمس الدين بن خلّكان: «وفى يوم الجمعة رابع جمادى الأولى دخل السلطان (يعنى صلاح الدين) بلاد العدوّ على تعبئة حسنة ورتّب الأطلاب، وسارت الميمنة أوّلا ومقدّمها عماد الدين زنكى، والقلب فى الوسط، والميسرة فى الأخير ومقدّم الميسرة مظفّر الدين بن زين الدين صاحب إربل، فوصل إلى أنطرطوس «2» يوم الأحد سادس جمادى الأولى، فوقف قبالتها ينظر إليها فإنّ قصده مجبلة، فاستهان أمرها وعزم على قنالها فسيّر من ردّ الميمنة، وأمرها بالنزول إلى جانب البحر، والميسرة على الجانب الآخر، ونزل هو موضعه والعساكر محدقة بها من البحر إلى البحر، وهى مدينة راكبة على البحر ولها برجان، فركبوا وقاربوا البلد وزحفوا عليها، واشتدّ القتال فما استتمّ نصب الخيام حتّى صعد المسلمون سورها وأخذوها بالسيف، وغنم المسلمون جميع ما فيها، وأحرق البلد وأقام عليها إلى رابع عشر جمادى الأولى، وسلّم أحد البرجين إلى مظفّر الدين، فما زال يحار به حتىّ أخربه. وحضر إلى السلطان ولده الملك الظاهر بعساكر حلب، لإنّه كان طلبه فجاء بعساكر عظيمة. ثم سار السلطان يريد جبلة فوصلها فى ثانى عشر جمادى الأولى،

وما استتمّ نزول العسكر عليها حتّى أخذت البلد؛ وكان فيه مسلمون مقيمون وقاض يحكم بينهم، وقوتلت القلعة قتالا شديدا ثم سلّمت بالأمان. ثم سار السلطان عنها إلى اللّاذقيّة فنزل عليها يوم الخميس الرابع والعشرين من جمادى الأولى، ولها قلعتان (يعنى اللّاذقيّة) متّصلتان على تلّ مشرف على البلد، واشتدّ القتال إلى آخر النهار، فأخذ البلد دون القلعتين، وغنم المسلمون منه غنيمة عظيمة لأنّه كان بلد التجّار؛ ثم جدّوا فى أمر القلعتين بالنّقوب حتّى بلغ طول النّقب ستين ذراعا وعرضه أربع أذرع. فلمّا رأى أهل القلعتين الغلبة لاذوا بطلب الأمان، وذلك فى عشيّة يوم الجمعة الخامس والعشرين من الشهر، والتمسوا الصلح على سلامة أنفسهم وذراريهم ونسائهم وأموالهم ما خلا الغلال والذخائر والسلاح وآلات الحرب، فأجاب السلطان إلى ذلك، ورفع العلم الإسلامىّ عليها فى يوم السبت وأقام عليها إلى يوم الأحد السابع والعشرين من الشهر. ثم رحل عنها ونزل صهيون «1» وقاتلهم أشدّ قتال حتّى أخذ البلد يوم الجمعة ثانى عشر جمادى الآخرة؛ ثم تقدّموا إلى القلعة وصدقوا القتال، فلمّا عاينوا الهلاك طلبوا الأمان فأجابهم إليه بحيث يؤخذ من الرجل عشرة دنانير، ومن المرأة خمسة دنانير، ومن كل صغير ديناران، الذكر والأنثى سواء. وأقام السلطان صلاح الدين بهذه الجهات حتّى أخذ عدّة قلاع منها بلاطنس «2» وغيرها من الحصون المتعلّقة بصهيون. ثم رحل عنها وأتى بكاس، وهى قلعة حصينة على العاصى «3» ولها نهر يخرج من تحتها، وكان النزول عليها فى يوم الثلاثاء

سادس «1» جمادى الاخرة، وقاتلوها قتالا شديدا إلى يوم الجمعة تاسع الشهر ففتحها عنوة، فقتل أكثر من بها وأسر الباقون، وغنم المسلمون جميع ما كان فيها، ولها قلعة تسمّى الشّغر «2» ، وهى فى غاية المنعة يعبر إليها بجسر وليس عليها طريق، فسلّطت المجانيق عليها من جميع الجوانب، فرأوا أن لا ناصر لهم فطلبوا الأمان فى يوم الثلاثاء ثالث عشر الشهر. ثم سار السلطان الى برزيه «3» ، وهى أيضا من الحصون المنيعة فى غاية القوّة يضرب بها المثل، ويحيط بها أودية من جميع جوانبها، وعلوّها خمسمائة ونيّف وسبعون ذراعا، وكان نزوله عليها يوم السبت الرابع والعشرين من الشهر، فقاتلوها حتّى أخذوها عنوة فى يوم الثلاثاء السابع والعشرين منه. ثم سار السلطان إلى دربساك «4» فنزل عليها يوم الجمعة ثامن رجب، وهى قلعة منيعة فقاتلها قتالا شديدا حتى أخذها وترقّى العلم الإسلامىّ عليها يوم الجمعة الثانى والعشرين من رجب، وأعطاها للأمير علم الدين سليمان بن جندر، وسار عنها بكرة يوم السبت الثالث والعشرين من رجب ونزل على بغراس، وهى قلعة حصينة بالقرب من أنطاكية، وقاتلها قتالا شديدا حتّى صعد العلم الإسلامى عليها فى ثانى شعبان؛ وراسله أهل أنطاكية فى طلب الصلح فصالحهم لشدّة ضجر العسكر؛ فكان الصلح بينهم على أن يطلقوا كلّ أسير عندهم لا غير، والصلح إلى سبعة أشهر؛ فإن جاءهم من ينصرهم وإلّا سلّموا البلد.

ثم رحل السلطان فسأله ولده الملك الظاهر صاحب حلب أن يجتاز به فأجابه إلى ذلك، فوصل إلى حلب فى حادى عشر شعبان، وأقام بالقلعة ثلاثة أيام، وولده يقوم بالضّيافة حقّ القيام. ثم سار من حلب فاعترضه تقىّ الدين عمر ابن أخيه، وأصعده إلى قلعة حماة، وصنع له طعاما وأحضر له سماعا من جنس ما يعمل الصّوفيّة، وبات فيها ليلة واحدة، وأعطاه السلطان جبلة واللّاذقيّة. ثم سار السلطان على طريق بعلبكّ، ودخل دمشق قبل شهر رمضان بأيّام يسيرة. ثم سار فى أوائل شهر رمضان يريد صفد «1» ، فنزل عليها ولم يزل القتال عمّالا فى كلّ يوم حتّى تسلّمها بالأمان فى رابع عشر شوّال؛ وفى شهر رمضان المذكور سلّمت الكرك، سلّمها نوّاب صاحبها وخلّصوا صاحبها بذلك، فإنّه كان فى الأسر من نوبة حطّين. ثم نزل السلطان بالغور «2» ، وأقام بقيّة الشهر، فأعطى الجماعة دستورا. وسار السلطان مع أخيه العادل يريد زيارة القدس ووداع أخيه العادل المذكور، لأنّ العادل المذكور كان متوجّها إلى مصر، فدخل السلطان القدس فى ثامن ذى الحجّة وصلّى به العيد. وتوجّه فى حادى عشر ذى الحجّة إلى عسقلان لينظر فى أمورها، فتوجّه إليها وأخذها من أخيه، وعوّضه عنها الكرك. ثم مرّ على بلاد الساحل يتفقّد أحوالها. ثم سار فدخل عكّا وأقام بها معظم المحرّم من سنة خمس وثمانين وخمسمائة يصلح أحوالها، ورتّب فيها الأمير بهاء الدين قراقوش، وأمره بعمارتها وعمارة سورها. ودخل السلطان دمشق فى مستهل صفر من السنة، وأقام بها إلى شهر ربيع الأوّل من السنة. ثم خرج إلى شقيف «3» أرنون، وهو موضع حصين، فخيّم فى مرج عيون

بالقرب من الشّقيف فى سابع عشر «1» شهر ربيع الأوّل فأقام أيّاما على قتاله، والعسكر تتواصل إليه؛ فلمّا تحقّق صاحب الشّقيف أنّه لا طاقة له به نزل إليه بنفسه، فلم يشعر به إلّا وهو قائم على باب خيمته، فأذن له فى الدخول وأكرمه السلطان واحترمه، وكان من أكبر الفرنج قدرا، وكان يعرف بالعربية، وعنده اطّلاع على بعض التواريخ والأحاديث، وكان حسن التأتّى؛ لمّا خضر بين يدى السلطان وأكل معه الطعام، ثم خلا به وذكر أنّه مملوكه وتحت طاعته، وأنّه يسلّم إليه المكان من غير تعب، واشترط عليه أن يعطى موضعا يسكنه بدمشق، فإنّه بعد ذلك لا يقدر على مساكنة الفرنج، وإقطاعا بدمشق يقوم به وبأهله، وشروطا غير ذلك، فأجابه إلى ذلك. وفى أثناء شهر ربيع الأوّل وصل إلى السلطان [الخبر «2» ] بتسليم الشّوبك، وكان قد أقام عليه جمعا يحاصرونه مدّة سنة كاملة إلى أن نفد زاد من كان فيه فسلّموه بالأمان. ثم ظهر للسلطان بعد ذلك أنّ جميع ما قاله صاحب شقيف كان خديعة، فرسم عليه. ثم بلغه أنّ الفرنج قصدوا عكّا ونزلوا عليها فى ثالث عشر شهر رجب من سنة خمس وثمانين المذكورة. وفى ذلك اليوم سيّر السلطان صاحب الشّقيف إلى دمشق بعد الإهانة الشديدة. ثم سار السلطان وأتى عكّا ودخلها بغتة ليقوّى قلوب من بها، واستدعى العساكر من كلّ ناحية؛ وكان العدوّ مقدار ألفى فارس وثلاثين ألف راجل، وتكاثر الفرنج واستفحل أمرهم، وأحاطوا بعكّا ومنعوا من يدخل إليها ويخرج، وذلك فى يوم الخميس سلخ رجب، فضاق صدر السلطان لذلك، ثم اجتهد فى فتح الطريق إليها لتستمرّ السابلة بالميرة والنّجدة، وشاور الأمراء فاتّفقوا على مضايقة العدوّ لفتح الطريق،

ففعلوا ذلك وانفتح الطريق وسلكه المسلمون؛ ودخل السلطان عكّا فأشرف على أمورها؛ ثم جرى بين الفريقين مناوشات فى عدّة أيام، وتأخّر الناس إلى تلّ العياضيّة وهو مشرف على عكّا. وفى هذه المنزلة توفّى الأمير حسام الدين طمان المقدّم ذكره، وذلك فى نصف شعبان من سنة خمس وثمانين وخمسمائة، وكان من الشّجعان» . قال ابن خلّكان: «قال شيخنا ابن شدّاد: وسمعت السلطان ينشد- وقد قيل له: إنّ الوخم قد عظم بعكّا، وإنّ الموت قد فشا بين الطائفتين-: اقتلانى «1» ومالكّا ... واقتلا مالكّا معى - قلت: وهذا الشعر له سبب ذكرناه فى ترجمة الأشتر النّخعىّ، اسمه مالك، فى أوائل هذا الكتاب فإنّه ملك مصر، وكان الأشتر من أصحاب علىّ بن أبى طالب- رضى الله عنه- والحكاية مطوّلة تنظر فى ترجمة مالك (أعنى الأشتر النّخعىّ من هذا الكتاب-. قال ابن شدّاد: ثم إنّ الفرنج جاءهم الإمداد من البحر، واستظهروا على الجماعة الإسلاميّة بعكّا، وكان فيهم الأمير سيف الدين علىّ بن أحمد الهكّارىّ المعروف بالمشطوب، والأمير بهاء الدين قراقوش الخادم الصّلاحىّ، وضايقوهم أشدّ مضايقة إلى أن غلبوا عن حفظ البلد. فلمّا كان يوم الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة [سنة «2» سبع وثمانين وخمسمائة] خرج من عكّا رجل عوّام فى البحر، ومعه كتب إلى السلطان من المسلمين يذكرون حالهم وما هم فيه، وأنّهم تيقّنوا

الهلاك، ومتى أخذوا البلد عنوة ضربت رقابهم، وأنّهم صالحوا على أن يسلّموا البلد وجميع ما فيه من الآلات والأسلحة والمراكب، ومائتى ألف دينار وخمسمائة «1» أسير مجاهيل ومائة أسير معيّنين من جماعتهم، وصليب الصلبوت، على أن يخرجوا بأنفسهم سالمين، وما معهم من الأموال والأقمشة المختصّة بهم وذراريهم ونسائهم، وصمنوا «2» للمركيس- لأنه كان الواسطة فى هذا الأمر- أربعة آلاف دينار. فلمّا وقف السلطان على الكتب المشار إليها أنكر ذلك إنكارا عظيما، وعظم عليه هذا الأمر، وجمع «3» أهل الرأى من أكابر دولته، وشاورهم فيما يصنع، واضطربت آراؤه، وتقسّم فكره وتشوّش حاله، وعزم أن تكتب فى تلك الليلة كتب مع الرجل العوّام الذي قدم عليه بهذا الخبر ينكر المصالحة على هذا الوجه، وبينما هو يتردّد فى هذا فلم يشعر إلّا وقد ارتفعت أعلام العدوّ وصلبانه «4» وناره على سور البلد؛ وذلك فى يوم الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة؛ وصاح الفرنج صيحة واحدة، وعظمت المصيبة على المسلمين، واشتدّ حزنهم، ووقع من الصباح والعويل والبكاء ما لا بذكر. ثم خرجت الفرنج بعد أن ملكوا عكّا قاصدين عسقلان ليأخذوها أيضا من المسلمين، وساروا على الساحل والسلطان وعساكره قبالتهم إلى أن وصلوا إلى أرسوف «5» ، فكان بينهما قتال عظيم، ونال المسلمين وهن شديد. ثم ساروا على تلك الهيئة تتمّة عشر منازل من سيرهم من عكّا، فأتى السلطان الرّملة، فأتاه من أخبر بأنّ القوم على عزم عمارة يافا وتقويتها بالرجال والعدد والآلات، فأحضر السلطان أرباب

مشورته، وشاورهم فى أمر عسقلان، وهل الصواب خرابها أو بقاؤها؟ فاتّفقت آراؤهم أن يبقى الملك العادل فى قبالة العدوّ، ويتوجّه السلطان بنفسه ويخربها خوفا من أن يصل العدوّ إليها ويستولى عليها وهى عامرة ويأخذ بها القدس، وينقطع بها طريق مصر، وامتنع العسكر من الدخول «1» وخافوا ممّا جرى على المسلمين بعكّا. فلا قوّة إلّا بالله. ورأوا أنّ حفظ القدس أولى، فتعيّن خرابها من عدّة جهات؛ وكان هذا الاجتماع يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان من سنة سبع وثمانين وخمسمائة، فسار إليها السلطان فى سحر يوم الأربعاء ثامن عشر شعبان المذكور. قال ابن شدّاد: وتحدّث معى فى معنى خرابها (يعنى عسقلان) بعد أن تحدّث مع ولده الملك الأفضل أيضا فى أمرها، ثم قال السلطان: لأن أفقد ولدى جميعهم أحبّ إلىّ من أهدم منها حجرا واحدا، ولكن إذا قضى الله تعالى ذلك، وكان فيه مصلحة للمسلمين، فما الحيلة فى ذلك! فلمّا اتّفق الرأى على خرابها أوقع الله ذلك فى نفسه، وأنّ المصلحة فيه لعجز المسلمين عن حفظها. وشرع فى إخرابها فى سحر يوم الخميس التاسع عشر من شعبان من السنة المذكورة، وقسّم السور على الناس وجعل لكلّ أمير وطائفة من العسكر بدنه معلومة وبرجا معلوما يخربه، ودخل الناس البلد ووقع فيهم الضّجيج والبكاء لفرقة بلدهم وأوطانهم، وكان بلدا خفيفا على القلب محكم الأسوار عظيم البناء مرغوبا فى سكنه، فلحق الناس على خرابه حزن عظيم. وشرع أهل البلد فى بيع ما لا يقدرون على حمله، فباعوا ما يساوى عشرة دراهم بدرهم واحد، حتّى باعوا اثنى عشر طير دجاج بدرهم، واختبط أهل البلد وخرجوا بأولادهم وأهليهم إلى الخيم وتشتّتوا، فذهب منهم قوم إلى مصر وقوم إلى الشام، وجرت عليهم أمور عظيمة، واجتهد السلطان وأولاده فى خراب البلد كى لا يسمع العدوّ فيسرع إليها؛

فلا يمكن إخرابه، وكانت الناس على أصعب حال، واشتد تعب الناس مما قاسوه فى خرابها. وفى تلك الليلة وصل للملك العادل من حلب من أخبره أنّ الفرنج تحدّثوا معه فى الصلح، وطلبوا جميع البلاد الساحليّة، فرأى السلطان أنّ ذلك مصلحة لما علم من نفوس الناس والعساكر من الضّجر من القتال وكثرة ما عليه من الديون؛ فكتب السلطان إلى أخيه الملك العادل يأذن له فى ذلك، وفوّض الأمر إلى رأيه، وأصبح السلطان يوم الجمعة وهو مصرّ على الخراب، ويستعجل الناس عليه ويحثّهم على العجلة فيه؛ وأباحهم ما فى الهرى «1» الذي كان مدخرا للميرة خوفا من أن يهجم العدوّ والعجز عن نقله. ثمّ أمر السلطان بإحراق البلد فأضرمت النيران فى بيوته، ولم يزل الخراب يعمل فى البلد الى سلخ شعبان المذكور؛ ثم أصبح السلطان يوم الاثنين مستهلّ شهر رمضان، أمر ولده الملك الأفضل أن يباشر خراب البلد بنفسه وخواصّه. قال ابن شدّاد، ولقد رأيته يحمل الخشب بنفسه (يعنى الملك الأفضل) . وفى يوم الأربعاء ثالث شهر رمضان أتى السلطان الرّملة وأشرف عليها، وأمر أيضا بإحراقها وإخراب قلعتها (يعنى الرملة) فأحرقت وأخربت قلعتها خوفا أيضا من الفرنج. وفى يوم السبت ثالث عشر رمضان تأخّر السلطان والعسكر إلى جهة الجبل ليتمكّن الناس من تسيير دوابّهم لإحضار ما يحتاجون إليه. ثم شرع السلطان أيضا فى خراب قلعة الماطرون «2» ، وكانت قلعة منيعة فشرع الناس فى ذلك. ثم ذكر ابن شدّاد فصلا طويلا يتضمّن الصلح بين الأنكلتير «3» ملك الفرنج وبين السلطان صلاح الدين المذكور إلى أن قال: وحاصل الأمر أنه تمّ الصلح بينهم، وكانت الأيمان يوم

الأربعاء الثانى والعشرين من شعبان سنة ثمان وثمانين وخمسمائة؛ ونادى المنادى بانتظام الصلح، وأنّ البلاد الإسلامية والنّصرانية واحدة فى الأمن والمسالمة «1» ، فمن شاء «2» من كلّ طائفة أن يتردّد إلى بلاد الطائفة الأخرى من غير خوف ولا محذور. وكان يوما مشهودا نال الطائفتين فيه من السرور ما لا يعلمه إلّا الله تعالى؛ وقد علم الله تعالى أنّ الصلح لم يكن عن مرضاة السلطان، لكنّه رأى المصلحة فى الصلح لسآمة العسكر من القتال، ومظاهرتهم للمخالة. وكان مصلحة فى علم الله تعالى، فإنّه اتّفقت وفاته بعد الصلح، فلو اتّفق ذلك فى أثناء وقعاته كان الإسلام على خطر ثم إنّ السلطان أعطى العساكر الوافدة عليه من البلاد البعيدة برسم الغزاة والنّجدة دستورا، فساروا عنه «3» . وعزم السلطان على الحجّ لمّا فرغ باله من هذه الجهة، وأمن الناس وتردّد المسلمون إلى بلاد الفرنج، وجاءوا هم أيضا إلى بلاد المسلمين، وحملت البضائع والمتاجر إلى البلاد؛ وتوجّه السلطان إلى القدس ليتفقّد أحواله، وتوجّه أخوه الملك العادل إلى الكرك، وابنه الملك الظاهر إلى حلب، وابنه الملك الأفضل إلى دمشق. ثم تأهّب السلطان إلى المسير إلى الديار المصريّة، ولم يزل كذلك إلى أن صحّ عنده سير مركب الأنكلتير ملك الفرنج إلى بلاده فى مستهلّ شوّال، فعند ذلك قوى عزمه على أن يدخل الساحل جريدة يتفقّد أحواله وأحوال القلاع البحريّة إلى بانياس. ثم يدخل دمشق فيقيم بها قليلا، ثم يعود إلى القدس ومنه إلى الديار المصريّة.

قال ابن شدّاد: وأمرنى بالمقام بالقدس إلى حين عوده إليه لعمارة بيمارستان أنشأه به، وتكميل المدرسة التى أنشأها به، وسار ضحوة «1» نهار الخميس السادس من شوّال سنة ثمان وثمانين وخمسمائة. فلمّا فرغ السلطان من افتقاد أحوال القلاع وإزاحة خللها دخل دمشق بكرة يوم الأربعاء سادس «2» عشرين شوّال، وفيها أولاده: الملك الأفضل، والملك الظاهر، والملك الظافر مظفّر الدّين الخضر المعروف بالمشمّر «3» وأولاده الصغار؛ وكان السلطان يحبّ البلد (يعنى دمشق) ويؤثر الإقامة به على سائر البلاد، وجلس للناس فى بكرة يوم الخميس السابع والعشرين منه، وحضروا عنده وبلّوا أشواقهم منه، وأنشده الشعراء، ولم يتخلّف عنه أحد من الخاصّ والعامّ، وأقام ينشر جناح عدله بدمشق إلى أن كان يوم الاثنين «4» مستهلّ ذى القعدة، عمل الملك الأفضل دعوة للملك الظاهر أخيه لأنّه لمّا وصل إلى دمشق وبلغه حركة السلطان أقام بها [حتّى «5» يتملّى بالنظر إليه ثانيا] ، ولمّا عمل الأفضل الدعوة أظهر فيها من الهمم العالية ما يليق بهمّته، وكان أراد بذلك مجازاته لما خدمه [به «6» ] حين وصوله إلى بلده، وحضر الدعوة المذكورة أرباب الدنيا والآخرة، وسأل الأفضل والده السلطان فى الحضور فحضر، وكان يوما مشهودا على ما بلغنى. قال: ولمّا أصلح الملك العادل الكرك سار قاصدا الديار الفراتيّة «7» ، وأحبّ أن يدخل دمشق،

فوصل إليها وخرج السلطان إلى لقائه، وأقام يتصيّد «1» حول غباغب إلى الكسوة حتّى لقى أخاه الملك العادل وسارا جميعا «2» يتصيّدان، ثم عادا إلى دمشق؛ فكان دخولهما دمشق آخر نهار يوم الأحد حادى عشرين «3» ذى القعدة سنة ثمان وثمانين وخمسمائة. وأقام السلطان بدمشق يتصيّد هو وأخوه الملك العادل وأولاده ويتفرّجون فى أراضى دمشق، وكأنه وجد راحة ممّا كان فيه من ملازمة التعب والنّصب وسهر الليل، فكان ذلك كالوداع لأولاده، ونسى عزمه إلى مصر، وعرضت له أمور أخر وعزمات غير ما تقدّم. قال ابن شدّاد: ووصلنى كتابه إلى القدس يستدعينى لخدمته، فخرجت من القدس فى يوم الجمعة الثالث والعشرين من المحرّم سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وكان الوصول إلى دمشق يوم الثلاثاء ثانى عشر صفر من السنة. وركب السلطان ليتلقى الحاج فى يوم الجمعة خامس عشر صفر، وكان ذلك آخر ركوبه. ولمّا كانت ليلة السبت وجد كسلا عظيما وما انتصف الليل حتّى غشيته حمّى صفراوية، وكانت فى باطنه أكثر ممّا فى ظاهره، وأصبح يوم السبت متكسّلا، عليه أثر الحمّى، ولم يظهر ذلك للناس، لكن حضرت عنده أنا والقاضى الفاضل، فدخل ولده الملك الأفضل وطال جلوسنا عنده وأخذ يشكو قلقه بالليل، وطاب له الحديث إلى وقت الظهر، ثم انصرفنا وقلوبنا عنده، فتقدّم إلينا بالحضور على الطعام فى خدمة

ولده الأفضل، ولم يكن للقاضى الفاضل فى ذلك عادة فآنصرف، ودخلت إلى الإيوان القبلىّ وقد مدّ السّماط، وابنه الملك الأفضل قد جلس موضعه، فانصرفت وما كانت لى قوّة للجلوس استيحاشا له، وبكى فى ذلك اليوم جماعة تفاؤلا بجلوس ولده الأفضل موضعه. ثمّ أخذ المرض يترايد به من حينئذ، ونحن نلازم التردّد له طرفى النهار، وكان مرضه فى رأسه. وكان من أمارات انتهاء العمر غيبة طبيبه الذي كان قد عرف مزاجه سفرا وحضرا، ورأى الأطباء فصده ففصدوه فى الرابع، فاشتدّ مرضه وحلّت «1» رطوبات بدنه، وكان يغلب على مزاجه اليبس، فلم يزل المرض يتزايد به حتّى انتهى إلى غاية الضعف، واشتدّ مرضه فى السادس والسابع والثامن، ولم يزل يتزايد ويغيب ذهنه؛ ولمّا كان التاسع حدثت له غشية وامتنع من تناول المشروب، واشتدّ الخوف فى البلد؛ وخاف الناس ونقلوا أقمشتهم من الأسواق، وعلا الناس من الكآبة والحزن ما لا يمكن حكايته. ولمّا كان اليوم العاشر من مرضه أيس منه الأطبّاء. ثم شرع ولده الملك الأفضل فى تحليف الناس له. ثم إنّه توفّى- إلى رحمة الله تعالى- بعد صلاة الصبح من يوم الأربعاء السابع والعشرين من صفر سنة تسع وثمانين وخمسمائة. وكان يوم موته يوما لم يصب الإسلام والمسلمون بمثله بعد فقد الخلفاء الراشدين- رضى الله عنهم- وغشى القلعة والملك والدنيا وحشة لا يعلمها إلّا الله تعالى. وبالله لقد كنت أسمع من الناس أنّهم يتمنّون فداء من يعزّ عليهم بنفوسهم، وكنت أتوهّم أنّ هذا على ضرب من التجوّز والترخّص إلى ذلك اليوم، فإنّى علمت من نفسى ومن غيرى أنّه لو قبل الفداء لفدى

بالأنفس. تم جلس ولده الملك الأفضل للعزاء وغسّله أبو القاسم ضياء الدّين عبد الملك بن زيد الدّولعىّ «1» خطيب دمشق، وأخرج تابوت السلطان- رحمه الله تعالى- بعد صلاة الظهر مسجّى بثوب فوط، فارتفعت الأصوات عند مشاهدته، وعظم الضّجيج وأخذ الناس فى البكاء والعويل، وصلّوا عليه أرسالا، ثم أعيد إلى داره التى فى البستان، وهى التى كان متمرضا بها، ودفن فى الضّفّة الغربيّة منها. وكان نزوله فى حفرته قريبا من صلاة العصر. ثم أطال ابن شدّاد القول فى هذا المعنى إلى أن أنشد فى آخر السيرة بيت أبى تمّام الطائىّ، وهو قوله: ثمّ انقضت تلك السّنون وأهلها ... فكأنّها وكأنّهم أحلام ولقد كان- رحمه الله تعالى-. من محاسن الدنيا وغرائبها. ثم ذكر ابن شدّاد أنّه مات ولم يخلّف فى خزائنه من الذهب والفضّة إلا سبعة وأربعين درهما ناصريّة ودينارا «2» واحدا ذهبا صوريّا، ولم يخلّف ملكا ولا دارا ولا عقارا ولا بستانا ولا قرية ولا مزرعة. وفى ساعة موته كتب القاضى الفاضل إلى ولده الملك الظاهر صاحب حلب بطاقة مضمونها: «لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة. إنّ زلزلة الساعة شىء عظيم. كتبت إلى مولانا السلطان الملك الظاهر، أحسن الله عزاءه وجبر مصابه؛ وجعل

فيه الخلف لمماليك المرحوم «1» وأصحابه، وقد زلزل المسلمون زلزالا شديدا؛ [وقد حفرت «2» الدموع المحاجر، وبلغت القلوب الحناجر؛ وقد ودّعت أباك ومخدومى وداعا لا تلافىّ بعده] ؛ وقد قبلّت وجهه عنّى وعنك، وأسلمته إلى الله تعالى مغلوب الحيلة، ضعيف القوّة، راضيا عن الله، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله؛ وبالباب من الجنود المجنّدة، والأسلحة المغمدة؛ ما لا يدفع البلاء، ولا يردّ القضاء «3» ؛ وتدمع العين ويخشع القلب، ولا نقول إلّا ما يرضى الربّ؛ وإنّا عليك يا يوسف لمحزونون. وأمّا الوصايا فما يحتاج إليها، والآراء فقد شغلنى المصاب عنها؛ وأمّا لائح الأمر فإنّه إن وقع اتّفاق فما عدمتم إلا شخصه الكريم، وإن كان غير ذلك فالمصائب المستقبلة أهونها موته، وهو الهول العظيم والسلام» . انتهى كلام القاضى الفاضل بما كتبه للملك الظاهر. قال ابن خلّكان: «واستمرّ السلطان صلاح الدين مدفونا بقلعة دمشق إلى أن بنيت له قبّة شمالىّ الكلّاسة «4» التى هى شمالىّ جامع دمشق، ولها بابان، أحدهما إلى الكلّاسة والآخر زقاق غير نافذ؛ وهو مجاور المدرسة العزيزيّة. ثم نقل من مدفنه بالقلعة إلى هذه القبّة فى يوم عاشوراء فى يوم الخميس من سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة. ثم إنّ ولده الملك العزيز عثمان لمّا ملك دمشق من أخيه الملك الأفضل بنى إلى جانب هذه القبّة المدرسة العزيزيّة» . قلت: فى أيّامه بنى الخصىّ

بهاء الدين قراقوش قلعة الجبل «1» ثم قلعة «2» المقس ثم سور القاهرة، وذرع السور المذكور سبعة «3» وعشرون ألف ذراع وثلثمائة ذراع. قال ابن خلّكان: «وكان السلطان صلاح لمّا ملك الديار المصرية لم يكن بها شىء من المدارس، فإنّ الدولة المصريّة كان مذهبها مذهب الإماميّة «4» ، فلم يكونوا يقولون بهذه الأشياء، فعمّر السلطان صلاح الدين بالقرافة الصغرى المدرسة «5»

المجاورة للإمام الشافعىّ- رضى الله عنه- وبنى مدرسة «1» مجاورة للمشهد المنسوب للحسين ابن علىّ- رضى الله عنهما- بالقاهرة. وجعل دار سعيد السعداء خادم الخلفاء المصريّين خانقاه «2» ، ووقف عليها وقفا هائلا؛ وكذلك وقف على كلّ مدرسة عمّرها وقفا جيّدا، وجعل دار عبّاس الوزير العبيدى مدرسة «3» للحنفيّة، وأوقف عليها وقفا جيّدا أيضا وهى بالقاهرة، وبنى المدرسة التى بمصر المعروفة [بابن «4» ] زين التجّار للشافعيّة، ووقف عليها وقفا جيّدا، وبنى بالقصر داخل القاهرة بيمارستانا «5» ، وأوقف له وقفا جيدا؛ وله بالقدس مدرسة وخانقاه. قال ابن خلّكان: «ولقد فكّرت فى نفسى فى أمور هذا الرجل، وقلت: إنه سعيد فى الدنيا والآخرة، فإنّه فعل فى الدنيا هذه الأفعال المشهورة من الفتوحات الكثيرة وغيرها، ورتّب هذه الأوقاف العظيمة، وليس شىء منسوبا إليه فى الظاهر،

فإنّ المدرسة التى بالقرافة ما يسمّونها الناس إلّا بالشافعىّ، والمجاورة للمشهد لا يقولون إلّا المشهد، والخانقاه لا يقولون إلّا سعيد السعداء، والمدرسة الحنفيّة لا يقولون إلا السيوفيّة، والتى بمصر لا يقولون إلّا مدرسة زين التّجّار، والتى بمصر أيضا مدرسة المالكيّة، وهذه صدقة السّرّ على الحقيقة. والعجب أنّ له بدمشق فى جانب البيمارستان النّورىّ مدرسة أيضا، ويقال لها: الصلاحيّة، وهى منسوبة إليه وليس لها وقف. قال: وكان مع هذه المملكة المتّسعة والسلطنة العظيمة كثير التواضع واللّطف قريبا من الناس رحيم القلب كثير الاحتمال والمداراة، وكان يحبّ العلماء وأهل الخير ويقرّبهم ويحسن إليهم؛ وكان يميل إلى الفضائل، ويستحسن الأشعار الجيّدة ويردّدها فى مجالسه، حتّى قيل: إنّه كان كثيرا ما ينشد قول أبى المنصور محمد بن الحسين بن أحمد بن الحسين بن إسحاق الحميرىّ، وهو قوله: وزارنى طيف من أهوى على حذر ... من الوشاة وداعى الصبح قد هتفا فكدت أوقظ من حولى به فرحا ... وكاد يهتك سترا لحبّ بى شفغا ثم انتبهت وآمالى تخيّل لى ... نيل المنى فاستحالت غبطتى أسفا وقيل: إنّه كان يعجبه قول نشو الملك أبى الحسن علىّ بن مفرّج المعروف بابن المنجّم المغربىّ «1» الأصل المصرىّ الدار والوفاة، وهو فى خضاب الشّيب وأجاد: وما خضب الناس البياض لفبحه ... وأقبح منه حين يظهر ناصله ولكنّه مات الشباب فسوّدت ... على الرسم من حزن عليه منازله قالوا: فكان [إذا قال «2» : مات الشباب] يمسك كريمته وينظر إليها ويقول: إى والله مات الشباب!. وذكر العماد الكاتب الأصبهانىّ فى كتابه الخريدة أنّ السلطان صلاح الدين فى أوّل ملكه كتب إلى بعض أصحابه بدمشق:

أيّها الغائبون عنّا وإن كن ... تم لقلبى بذكركم جيرانا إنّنى مذ فقدتكم لأراكم ... بعيون الضمير عندى عيانا قال ابن خلّكان: وأمّا القصيدتان اللتان ذكرت أنّ سبط بن التّعاويذىّ أنفذهما إليه من بغداد، وأنّ إحداهما وازن بها قصيدة صرّدرّ «1» الشاعر، وقد ذكرت منها أبياتا فى ترجمة الكندرىّ «2» وأوّلها: أكذا يجازى ودّ كلّ قرين ... أم هذه شيم الظّباء العين ثم ذكر قصيدة سبط [بن] التّعاويذىّ. وهى على هذا الوزن أضربت عن ذكرها لطولها. ثم قال ابن خلّكان: وأمّا القصيدة الثانية (يعنى التى كتبها إليه الخليفة فى أوائل أمر صلاح الدين) قال: فمنها قوله: حتّام أرضى فى هواك وتغضب ... وإلى متى تجنى علىّ وتعتب ما كان لى لولا ملالك زلّة ... لمّا مللت زعمت أنّى مذنب خذ فى أفانين الصدود فإنّ لى ... قلبا على العلّات لا يتقلّب أتظنّنى أضمرت بعدك سلوة ... هيهات عطفك من سلوّى أقرب لى فيك نار جوانح ما تنطفى ... حزنا وماء مدامع ما ينضب أنسيت أيّاما لنا ولياليا ... للهو فيها والبطالة ملعب أيام لا الواشى يعدّ ضلالة ... ولهى عليك ولا العذول يؤنّب قد كنت تنصفنى المودّة راكبا ... فى الحبّ من أخطاره ما أركب

واليوم أفنع أن يمرّ بمضجعى ... فى النوم طيف خيالك المتأوّب ما خلت «1» أنّ جديد أيّام الصّبا ... يبلى ولا ثوب الشّبيبة يسلب حتّى انجلى ليل الغواية واهتدى ... سارى الدجى وانجاب «2» ذاك الغيهب وتنافر البيض الحسان فأعرضت ... عنّى سعاد وأنكرتنى زينب قالت وريعت من بياض مفارقى ... ونحول جسمى بان منك الأطيب إن تنكرى سقمى فخصرك ناحل ... أو تنكرى شيبى فثغرك أشنب يا طالبا بعد المشيب غضارة ... من عيشه ذهب الزمان المذهب أتروم بعد الأربعين تعدّها ... وصل الدّمى هيهات عزّ المطلب والقصيدة طويلة ذكرها ابن خلّكان، وقد نقلتها من خط عسر. ثم قال ابن خلّكان: وقد مدحه جميع شعراء عصره، فمنهم العلم الشّاتانىّ «3» واسمه الحسن- رحمه الله- مدحه بقصيدة أوّلها: أرى النصر مقرونا برايتك الصّفرا ... فسرو املك الدنيا فأنت بها أحرى ومدحه المهذّب أبو حفص عمر بن محمد بن علىّ بن أبى نصر المعروف بابن الشّحنة الموصلىّ الشاعر المشهور بقصيدته التى أوّلها: سلام مشوق قد براه التشوّق ... على جيرة الحىّ الذين تفرّقوا وعدد أبياتها مائة وثلاثة عشر بيتا، وفيها البيتان السائران أحدهما: وإنّى امرؤ أحببتكم لمكارم ... سمعت بها والأذن كالعين تعشق

وقد أخذ هذا المعنى من قول بشّار بن برد، وهو: يا قوم أذنى لبعض الحى عاشقة ... والأذن تعشق قبل العين أحيانا والبيت الثانى من قول ابن الشّحنة المذكور. وقالت لى الآمال إن كنت لا حقا ... بأبناء أيّوب فأنت الموفّق قال: ومدحه ابن قلاقس «1» وابن الذّروىّ «2» وابن «3» المنجّم وابن سناء «4» الملك وابن الساعاتى «5» والإربلىّ «6» ومحمد بن إسماعيل بن حمدان. انتهى ما أوردته من كلام ابن خلّكان ومن كلام ابن شدّاد وابن الأثير وابن الجوزىّ وغيرهم باختصار. وقال العلّامة أبو المظفّر فى تاريخه مرآة الزمان: «ولمّا كان فى سادس عشر صفر وجد السلطان كسلا وحمّ حمّى صفراويّة، ثم ذكر نحوا ممّا ذكره ابن شدّاد إلى أن قال: وأحضر الأفضل (يعنى ولده) الأمراء: سعد الدين مسعودا أخا بدر الدين مودود شحنة دمشق، وناصر الدّين صاحب صهيون، وسابق الدين عثمان صاحب شيزر ابن الداية، وميمونا «7» القصرىّ، والبكى الفارسى، وأيبك فطيس، وحسام الدين

بشارة، وأسامة الحلبىّ» وغيرهم، فاستحلفهم لنفسه. وكان عند السلطان أبو جعفر إمام الكلّاسة يقرأ القرآن، فلمّا انتهى إلى قوله تعالى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ، وكان قد غاب ذهنه فتح عينيه، وقال: صحيح. ثم قال أبو المظفّر: وغسّله ابن الدّولعىّ، وصلّى عليه القاضى محيى الدّين بن الزّكىّ. وبعث القاضى الفاضل له الأكفان والحنوط من أجلّ الجهات. ثم قال: «وقال العماد الكاتب: دخلنا عليه ليلة الأحد للعيادة، ومرضه فى زيادة؛ وفى كلّ يوم تضعف القلوب، وتتضاعف الكروب؛ ثم انتقل من دار الفناء، إلى دار البقاء، سحر يوم الأربعاء؛ ومات بموته رجاء الرجال، وأظلم «2» بغروب شمسه فضاء الإفضال. ورثاه الشعراء؛ فمن ذلك قول بعضهم «3» : شمل «4» الهدى والملك عمّ شتاته ... والدهر ساء وأقلعت حسناته بالله أين الناصر الملك الذي ... لله خالصة صفت نيّاته أين الذي [مذ «5» ] لم يزل مخشيّة ... مرجوّة رهباته وهباته أين الذي كانت له طاعاتنا ... مبذولة ولربّه طاعاته أين الذي ما زال سلطانا لنا ... يرجى نداه وتتّقى سطواته أين الذي شرف الزمان بفضله ... وسمت على الفضلاء تشريفاته

لا تحسبوه مات شخصا واحدا ... قد عمّ «1» كلّ العالمين مماته ملك عن الإسلام كان محاميّا ... أبدا لماذا أسلمته حماته قد أظلمت مذ غاب عنّا دوره ... لمّا خلت من بدره داراته دفن السماح فليس تنشر بعدما ... أودى إلى يوم النشور رفاته الدين بعد أبى المظفّر يوسف ... أقوت «2» قراه وأقفرت ساحاته بحر خلا من وارديه ولم تزل ... محفوفة بوروده حافاته من لليتامى والأرامل راحم ... متعطّف مفضوضة صدقاته لو كان فى عصر النّبيّ لأنزلت ... فى ذكره من ذكره آياته بكت الصوارم والصواهل إذ خلت ... من سلّها «3» وركوبها عزماته يا وحشة الإسلام حين تمكّنت ... من كلّ قلب مؤمن روعاته يا راعيا للدين حين تمكنت ... منه الذئاب وأسلمته رعاته ما كان ضرّك لو أقمت مراعيا ... دينا تولّى مذ رحلت ولاته فارقت ملكا غير باق متعبا ... ووصلت ملكا باقيا راحاته فعلى صلاح الدين يوسف دائما ... رضوان ربّ العرش بل صلواته «4»

ذكر أولا السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب- رحمه الله- كانوا ستة «1» عشر ذكرا وابنة واحدة، أكبرهم الأفضل علىّ، ولد بمصر سنة خمس وستين يوم عيد الفطر. وأخوه لأبيه وأمّه الملك الظافر خضر، ولد بمصر سنة ثمان وستين. وأخوهما أيضا لأبيهما وأمّهما قطب الدين موسى، ولد بمصر سنة ثلاث وسبعين. فهؤلاء الثلاثة أشقّاء. ثم الملك العزيز عثمان الذي ملك مصر بعد أبيه، ولد بها سنة سبع «2» وستين. وأخوه لأبيه وأمّه الأعز يعقوب، ولد بمصر سنة اثنتين وسبعين. والملك الظاهر غازى صاحب حلب، ولد بمصر سنة ثمان وستين. وأخوه لأبيه وأمّه الملك الزاهر داود، ولد بمصر سنة ثلاث وسبعين. والملك المعز إسحاق، ولد سنة سبعين. والملك المؤيّد مسعود، ولد بدمشق سنة إحدى وسبعين. والملك الأشرف محمد، ولد بالشام سنة خمس وسبعين. وأخوه أيضا لأبيه وأمّه الملك المحسن أحمد، ولد بمصر سنة سبع وسبعين. وأخوه أيضا لأبيه وأمّه الملك الغالب ملكشاه، ولد بالشام سنة ثمان وسبعين. وأخوهم أيضا لأبيهم وأمّهم أبو بكر النصر «3» ، ولد بحرّان بعد وفاة أبيه سنة تسع وثمانين. والبنت مؤنسة خاتون تزوّجها ابن عمّها الملك الكامل- الآتى ذكره- ابن الملك العادل وماتت عنده. وملك بعد السلطان صلاح الدين مصر ابنه الملك العزيز عثمان الآتى ذكره إن شاء الله تعالى وملك دمشق بعده ابنه الملك الأفضل علىّ، وملك حلب ابنه

ما وقع من الحوادث سنة 567

الظاهر غازى كما كانوا أيام أبيهم. ثم وقع بين الملك العزيز والأفضل أمور نذكرها فيما يأتى إن شاء الله تعالى. انتهت ترجمة السلطان صلاح الدين- رحمه الله-. ونذكر الآن ما وقع فى أيامه من الحوادث، ومن توفّى من الأعيان فى زمانه على سبيل الاختصار على عادة هذا الكتاب. وبالله المستعان. *** [ما وقع من الحوادث سنة 567] السنة الأولى من ولاية الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيّوب على مصر، وهى سنة سبع وستين وخمسمائة. (أعنى سلطنته بعد موت العاضد العبيدىّ آخر خلفاء الفاطميّين بمصر) . وأمّا وزارته فكانت قبل ذلك بمدّة من يوم مات عمّه الملك المنصور أسد الدين شيركوه بن أيّوب فى يوم السبت ثانى عشر جمادى الآخرة سنة أربع وستين وخمسمائة. وقد ذكرنا حوادث وزارته فيما مضى، ونذكر الآن من يوم سلطنته بعد الخليفة العاضد (أعنى حوادث سنة سبع وستين وخمسمائة) . فيها خطب لبنى العباس بمصر وأبطل الخطبة لبنى عبيد حسب ما تقدّم ذكره فى ترجمة العاضد، وفى ترجمة صلاح الدين أيضا؛ ولمّا وقع ذلك كتب العماد الكاتب عن السلطان صلاح الدين لنور الدين الشهيد يخبره بذلك: قد خطبنا للمستضىء بمصر ... نائب المصطفى إمام العصر ولدينا تضاعفت نعم اللّ ... هـ وجلّت عن كلّ عدّ وحصر واستنارت عزائم الملك العا ... دل نور الدين الهمام الأغرّ وفيها بعث الملك العادل نور الدين محمود المذكور بالبشارة للخليفة المستضىء على يد الشيخ شهاب الدين المطهّر بن شرف الدين بن أبى عصرون، فلمّا وصل

شهاب الدين المذكور للخليفة قال فى المعنى ابن الحرستانىّ «1» الشاعر المشهور قصيدة أوّلها: جاء البشير فسرّ الناس وابتهجوا ... فما على ذى سرور بعدها حرج وخلع الخليفة على شهاب الدين المذكور. ثم بعث جواب الملك العادل على يد الخادم صندل «2» وعلى يديه الخلع والتقاليد له، وفى الخلعة الطّوق وفيه ألف دينار والفرجيّة والعمامة، ثم أرسل مع الخادم المذكور لصلاح الدين صاحب الترجمة خلعا دون خلع نور الدين. وبعث أيضا لنور الدين سيفا قلّده للشام «3» ، ثم سيفا آخر قلّده بمصر، ويكون صلاح الدين نائبه بمصر. وزيّنت بغداد وضربت القباب لذلك. وفيها وقعت الوحشة بين نور الدين وصلاح الدين. هذا لأمر ذكرناه فى أوائل ترجمة صلاح الدين، ثم سكن ذلك. وفيها توفّى حسّان بن نمير الكلبىّ أبو النّدى الشاعر المشهور المعروف بعرقلة الدمشقىّ، ويقال له عرقلة من حاضرة دمشق، كان شيخا خليعا أعور مطبوعا لطيفا ظريفا، كان اختصّ بالسلطان صلاح الدين وله فيه مدائح، وله شعر رائق كثير. من ذلك قصيدته المشهورة: كتم الهوى فوشت عليه دموعه ... من حرّ نار تحتويه ضلوعه صبّ تشاغل بالربيع وزهره ... زمنا «4» وفى وجه الحبيب ربيعه

يا لائمى فيمن تمتّع وصله ... عن صبّه «1» أحلى الهوى ممنوعه كيف التخلّص إن تجنّى أو جنى ... والحسن شىء ما يردّ شفيعه شمس ولكن فى فؤادى حرّها ... بدر ولكن فى القباء «2» طلوعه قال العواذل ما الذي استحسنته ... منه وما يسبيك قلت جميعه وفيها توفّى عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد العلّامة أبو محمد المعروف بابن الخشّاب النحوىّ اللغوىّ حجّة العرب، برع فى فنون العلوم وانفرد بعلم النحو والعربيّة حتّى فاق أهل عصره. وفيها توفّى عبد الله بن أحمد بن الحسين [بن أحمد «3» بن الحسين] بن إسحاق أبو محمد الحميرىّ «4» ويعرف بابن النّقّار «5» الكاتب. ولد بطرابلس سنة تسع وسبعين وأربعمائة. ولمّا استولى الفرنج على طرابلس انتقل منها إلى دمشق؛ وكان شاعرا ماهرا. ومن شعره- رحمه الله- القصيدة المشهورة التى أوّلها: بادر إلى اللّذات فى أزمانها ... واركض خيول اللهو فى ميدانها واستقبل الدنيا بصدر واسع ... ما أوسعت لك من رحيب مكانها وله: الله يعلم أنّنى ما خلته ... يصبو إلى الهجران حين وصلته من منصفى من ظالم متعنّت «6» ... يزداد ظلما كلّما حكّمته

ملّكته روحى ليحفظ ملكه ... فأضاعنى وأضاع ما ملّكته لا ذنب لى إلّا هواه لأنّه «1» ... لمّا دعانى للسّقام أجبته وفيها توفّى العاضد خليفة مصر، حسب ما ذكرناه فى ترجمته. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو علىّ أحمد بن محمد ابن علىّ الرّحبىّ الحرمىّ «2» فى صفر. وأبو محمد عبد الله بن منصور بن الموصلىّ. وأبو محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد [بن أحمد «3» ] بن الخشّاب النحوىّ. والعاضد عبد الله بن يوسف بن الحافظ العبيدىّ فى المحرّم، وانقضت دولة الرّفض عن مصر. وأبو الحسن علىّ بن عبد الله بن خلف بن النّعمة الأندلسىّ بسبتة «4» فى رمضان. وأبو المطهّر القاسم بن الفضل بن عبد الواحد الصّيدلانىّ بأصبهان فى جمادى الأولى، وقد نيّف على التسعين. وأبو المظفّر محمد بن أسعد [بن محمد بن نصر «5» ] بن حكيم العراقىّ الواعظ شيخ الحنفيّة بدمشق. وأبو المكارم المبارك بن محمد بن المعمّر البادرايىّ «6» . وأبو العلاء وجيه بن عبد الله السّقطىّ. وأبو بكر يحيى بن سعدون القرطبىّ الأزدىّ «7» ونزيل الموصل يوم الفطر. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وسبع أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشرون إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 568

*** [ما وقع من الحوادث سنة 568] السنة الثانية من ولاية السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب على مصر، وهى سنة ثمان وستين وخمسمائة. فيها سار الملك العادل نور الدين محمود صاحب دمشق إلى الموصل، وصلّى بالجامع الذي بناه وسط الموصل وتصدّق بمال عظيم. ولمّا علم صلاح الدين صاحب الترجمة بتوجّهه إلى الموصل خرج بعساكره من مصر إلى الشام، وحصر الكرك والشّوبك ونهب أعمالهما؛ ثم عاد لمّا بلغه عود نور الدين إلى الشام. وهذه أوّل غزوات صلاح الدين. وفيها توفّى الأمير نجم الدين أيّوب بن شادى بن مروان والد صلاح الدين المذكور. كان أميرا عاقلا حازما شجاعا جوادا عاطفا على الفقراء والمساكين محبّا للصالحين، قليل الكلام جدّا لا يتكلّم إلّا لضرورة. ولمّا قدم مصر سأله ولده السلطان صلاح الدين صاحب الترجمة أن يكون هو السلطان، فقال: أنت أولى. وكان سبب موته أنّه ركب يوما وخرج من باب النّصر يريد الميدان «1» ، فشبّ به فرسه فوقع على رأسه، فأقام ثمانية أيام ومات فى ليلة الثلاثاء السابع والعشرين من ذى الحجّة، ودفن إلى جانب أخيه أسد الدين شيركوه بن أيوب فى الدار

السلطانية «1» ثم نقلا بعد سنتين «2» إلى مدينة النّبيّ صلّى الله عليه وسلم. وكان ابنه السلطان، صلاح الدين قد عاد من الكرك فبلغه خبر موته فى الطريق، فوجد عليه وتأسّف حيث لم يحضره. وخلّف من الذكور ستة: السلطان صلاح الدين يوسف، وأبا بكر العادل الآتى ذكره فى ملوك مصر، وشمس الدولة توران شاه وهو أكبر الجميع، وشاهنشاه، وسيف الإسلام طغتكين، وتاج الملوك بورى وهو الأصغر. وفيها توفّى الحسن بن أبى الحسن صافى ملك النحاة مولى الحسين بن الأرموىّ التاجر البغدادىّ، قرأ النحو وأصول الدين والفقه والخلاف والحديث وبرع فى النحو وفاق أهل زمانه، وسافر البلاد وصنّف الكتب فى فنون العلوم، من ذلك «المقامات» التى من جنس «مقامات الحريرىّ» ؛ وكان يقول: مقاماتى جدّ وصدق، ومقامات الحريرىّ هزل وكذب. قلت: ولكن بين ذلك أهوال. ومن مصنّفاته كتاب أربعمائة كراسة، سمّاها «التذكرة السفريّة «3» » . وفيها توفى سعد الدين بن علىّ بن القاسم بن علىّ أبو المعالى الكتبىّ الحظيرىّ الحنفىّ، كان شاعرا فاضلا. والحظيرة: قرية فوق بغداد وهى (بفتح الحاء المهملة وكسر الظاء المعجمة وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها راء) وإلى هذه القرية ينسب كثير من العلماء. ومن شعر الحظيرىّ- رحمه الله تعالى وعفا عنه-: صبح مشيبى بدا وفارقنى ... ليل شبابى فصحت وا قلقى وصرت أبكى دما عليه ولا ... بدّ لصبح المشيب من شفق

ما وقع من الحوادث سنة 569

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى نجم الدين أيّوب بن شادى والد الملوك. وملك النحاة أبو نزار الحسن بن صافى البغدادىّ بدمشق. وأبو جعفر محمد بن الحسن الصّيدلانىّ بأصبهان، وله خمس وتسعون سنة. وصالح ابن إسماعيل أبو طالب ابن بنت معافى المالكىّ مفتى الإسكندريّة- رحمه الله-. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 569] السنة الثالثة من ولاية السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب على مصر، وهى سنة تسع وستّين وخمسمائة. فيها كتب صلاح الدين صاحب الترجمة لنور الدين يستأذنه فى إنفاذ جيش إلى اليمن فأذن له، فبعث صلاح الدين أخاه شمس الدولة توران شاه بن أيّوب، فسار إليها، وكان فيها عبد النّبيّ بن مهدىّ من أصحاب المصريّين «1» ، وكان ظالما فاتكا، فحصره شمس الدولة توران شاه فى قصره بزبيد «2» مدّة، حتّى طلب الأمان فأمّنه؛ فلمّا نزل إليه قيّده ووكّل به، وفتح صنعاء وحصون اليمن والمدائن، يقال: إنّه فتح ثمانين حصنا ومدينة واستولى على أموالها وذخائرها، وقتل عبد النّبيّ المذكور. وولّى على زبيد سيف الدولة مبارك بن منقذ «3» ، وعزّ الدّين عثمان بن الزّنجيلىّ «4» على باقى «5» البلاد.

وفيها قبض صلاح الدين على جماعة من أعيان الدولة العبيديّة: مثل داعى الدّعاة «1» ، وعمارة اليمنىّ وغيرهما، بلغه أنّهم يجتمعون على إثارة الفتن، واتّفقوا مع السّودان وكاتبوا الفرنج، فقتل داعى الدعاة، وصلب عمارة اليمنىّ. قال القاضى شمس الدين ابن خلّكان: هو أبو محمد عمارة بن أبى الحسن على بن زيدان «2» ابن أحمد بن محمد الحكمىّ اليمنىّ، الملقّب نجم الدين الشاعر؛ وهو من جبال «3» اليمن من مدينة مرطان «4» ، بينها وبين مكّة من جهة الجنوب أحد عشر يوما. وكان فقيها فصيحا، أقام بزبيد مدّة يقرأ عليه مذهب الشافعىّ، وله فى الفرائض مصنّف مشهور باليمن، ومدح خلفاء مصر، فقرّبوه وأعطوه الأموال، فكان عندهم بمنزلة الوزير، وكان أيضا معظّما قبل ذلك فى اليمن؛ ثم ظهرت أمور اقتضت خروجه منها، فقدم إلى مصر فى سنة خمسين وخمسمائة. وقيل: إنّ سبب قتله أنّه مدح توران شاه، وحرّضه على أخذ اليمن بقصيدة أوّلها: العلم مذ كان محتاج إلى العلم ... وشفرة السيف تستغنى عن القلم إلى أن قال: هذا ابن تومرت قد كانت بدايته ... كما يقول الورى لحما على وضم وكان أوّل هذا الدّين من رجل ... سعى إلى أن دعوه سيّد الأمم قال العماد الكاتب: اتّفقت لعمارة اتّفاقات: منها أنّه نسب إليه قول هذا البيت فكان أحد أسباب قتله؛ وأفتى قضاة مصر بقتله، وقيل: إنّه لمّا أمر صلاح الدين

بصلبه، مرّوا به على دار القاضى الفاضل، فرمى بنفسه على بابه وطلب الدخول إليه ليستجير به فلم يؤذن له، فقال: عبد الرحيم قد احتجب ... إنّ الخلاص من العجب فصلب وهو صائم فى شهر رمضان. وفيها توفّى السلطان الملك العادل نور الدين أبو القاسم محمود بن زنكى بن آق سنقر صاحب الشام ومصر المعروف بنور الدين الشهيد. قال ابن عساكر: «ولد سنة إحدى عشرة وخمسمائة، وكان معتدل القامة أسمر اللّون واسع الجبهة حسن الصورة، لحيته شعرات خفيفة فى حنكه، ونشأ على الخير والصلاح. وكان زنكى يقدّمه على أولاده، ويرى فيه مخايل النّجابة. وفتح فى أيام سلطنته نيّفا وخمسين حصنا» . قلت: ومصر أيضا من جملة فتوحاته، وأيضا ما فتحه صلاح الدين من البلاد والحصون هو شريكه فى الأجر والثواب، ولولاه إيش كان صلاح الدين! حتّى ملك مصر من أيدى تلك الرافضة من بنى عبيد خلفاء مصر وقوّة بأسهم!. قلت: وترجمة الملك العادل طويلة، يضيق هذا المحلّ عن ذكرها، وأحواله أشهر من أن تذكر. غير أنّنا نذكر مرض موته ووفاته. وكان ابتداء مرضه أنّه ختن ولده الملك الصالح إسماعيل يوم عيد الفطر، فهنّىء بالعيد والطهور، فقال العماد الكاتب- رحمه الله-: عيدان فطر وطهر ... فتح قريب ونصر كلاهما لك فيه ... حقّا هناء وأجر فمرض بعد عوده من صلاة العيد بالخوانيق، وما كان يرى الطبّ؛ على قاعدة الأتراك، فأشير عليه بالفصد فى أوّل مرضه فامتنع؛ وكان مهيبا فما روجع؛ فمات يوم الأربعاء حادى عشر شوّال، ودفن بالقلعة، ثم نقل إلى مدرسته التى أنشأها مجاورة

الخوّاصين بدمشق. وعاش ثمانيا وخمسين سنة. وكانت سلطنته ثمانيا وعشرين سنة وستة أشهر. ورثاه العماد الكاتب بعدّة مراث؛ من ذلك قوله: يا ملكا أيّامه لم تزل ... لفضله فاضلة فاخره ملكت دنياك وخلّفتها ... وسرت حتّى تملك الآخره قال أبو اليسر «1» شاكر بن عبد الله [التّنوخىّ «2» المعرّىّ] : تعدّى بعض أمراء صلاح الدين بن أيّوب [على رجل «3» ] وأخذ ماله، فجاء إلى صلاح الدين فلم يأخذ له بيد؛ فجاء إلى قبر نور الدين وشقّ ثيابه، وحثا التراب على رأسه، وجعل يستغيث: يا نور الدين أين أيّامك! ويبكى. فبلغ صلاح الدين فاستدعاه وأعطاه ماله، فازداد بكاؤه؛ فقال له صلاح الدين: ما يبكيك وقد أنصفناك؟ فقال: إنّما أبكى على ملك أنصفت ببركاته وبعد موته، كيف يأكله التراب ويفقده المسلمون!. وتسلطن بعده ولده الملك الصالح إسماعيل ولم يبلغ الحلم. وقد مرّ من أخباره نبذة كبيرة فى ترجمة صلاح الدين. الذي ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى النقيب أبو عبد الله أحمد [بن علىّ «4» ] بن المعمّر العلوىّ ببغداد فى جمادى الأولى. والحافظ أبو العلاء الحسن بن أحمد الهمذانىّ العطّار المقرئ فى جمادى الأولى، وله إحدى وثمانون سنة. ودهبل بن علىّ [بن «5» منصور بن إبراهيم بن عبد الله المعروف با] بن كارة الحنبلىّ. وناصح الدين سعيد بن المبارك بن الدهّان النحوىّ ببغداد، وله خمس وسبعون سنة. وأبو تميم سلمان بن علىّ الرّحبىّ الخبّاز بدمشق. وعبد النبي بن المهدىّ صاحب اليمن،

ما وقع من الحوادث سنة 570

وكان باطنيّا استأصله أخو صلاح الدين. وأبو الحسن علىّ بن أحمد الكنانىّ القرطبىّ بفاس، وله ثلاث وتسعون سنة. والفقيه عمارة بن علىّ بن زيدان اليمنىّ الشاعر؛ شنق فى جماعة سعوا فى إعادة الدولة العبيديّة. والسلطان نور الدين محمود بن زنكى الأتابكىّ بن آق سنقر التركىّ الملكشاهىّ فى شوّال، وله ثمان وخمسون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وستّ عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشر أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 570] السنة الرابعة من ولاية السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب على مصر، وهى سنة سبعين وخمسمائة. فيها ملك السلطان صلاح الدين دمشق من الملك الصالح ابن الملك العادل نور الدين محمود، حسب ما ذكرناه فى ترجمته. وكان أخذه لدمشق بمكاتبة القاضى كمال الدين الشّهرزورىّ و [صدّيق «1» ] بن الجاولىّ والأعيان، وكان بالقلعة ريحان الخادم، فعزم على قتاله، فجهّز إليه عسكر دمشق، وركب صلاح الدين من الجسور، فالتقاه أهل دمشق بأسرهم وأحدقوا به، فنثر عليهم الدراهم والدنانير، ودخل دمشق فلم يغلق فى وجهه باب ولا منعه مانع، فملكها عناية لا عنوة. وفيها استخدم صلاح الدين العماد الكاتب الأصبهانىّ، وسببه أنه التقى بالقاضى الفاضل ومدحه بأبيات منها: عاينت طود سكينة ورأيت شم ... س فضيلة ووردت بحر فواضل «2» ورأيت سحبان البلاغة ساحبا ... ببيانه ذيل الفخار لوائل

حلف [الحصافة «1» ] والفصاحة والسما ... حة والحماسة والتّقى والنّائل بحر من الفضل «2» الغزير خضمّه ... طامى العباب وماله من ساحل فى كفّه قلم يعجّل جريه ... ما كان من أجل ورزق آجل أبصرت قسّا فى الفصاحة معجزا ... فعرفت أنّى فى فهاهة باقل فدخل القاضى الفاضل على السلطان صلاح الدين وقال: غدا تأتيك تراجم الأعاجم، وما يحلّها مثل العماد الكاتب. فقال: [مالى «3» ] عنك مندوحة، أنت كاتبى ووزيرى، وقد رأيت على وجهك البركة، فإذا استكبت غيرك تحدّث الناس؛ فقال الفاضل: هذا يحلّ التراجم، وربّما أغيب «4» أنا ولا أقدر على ملازمتك، فإذا غبت قام العماد الكاتب مقامى، وقد عرفت فضل العماد، وخدمته للدولة النورية، فاستكنبه. وفيها توفّى السلطان أرسلان «5» شاه بن طغرل [بن محمد «6» ] بن ملكشاه بن ألب أرسلان ابن داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقماق السّلجوقىّ. وقام بعده فى الملك ابنه طغرل شاه، وكان صغير السّن، فتولّى تدبير ملكه محمد بن إيلدكز الأتابك وكان يلقّب بالبهلوان. وفهيا توفّى يحيى بن جعفر أبو الفضل زعيم الدّين، صاحب مخزن الخلفاء: المقتفى والمستنجد والمستضىء، وناب فى الوزارة، وتقلّب فى الأعمال نيّفا

وعشرين سنة، وكان حافظا للقرآن فاضلا عارفا منصفا، محبّا للعلماء والصالحين؛ ومات فى شهر ربيع الأوّل، وكانت جنازته مشهودة. قال العماد الكاتب: جلس يوما فى ديوان الوزارة فقام شهاب «1» الدين بن الصّيفىّ فأنشده: لكلّ زمان من أمائل أهله ... برامكة يمتارهم كلّ معسر «2» أبو الفضل يحيى مثل يحيى بن خالد ... يدا «3» وأبوه جعفر مثل جعفر ثم قام ثابت «4» الواعظ- رحمه الله- فأنشد بديها: وفى الجانب الشرقىّ يحيى بن جعفر ... وفى الجانب الغربىّ موسى بن جعفر فذاك «5» إلى الله الكريم شفيعنا ... وهذا إلى المولى الإمام المطهّر (يعنى ساكن الجانب الشرقىّ صاحب الترجمة، وبالجانب الغربىّ موسى بن جعفر الصادق) . الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى قاضى القضاة أبو طالب روح بن أحمد الحديثىّ «6» ، وله ثمان وستّون سنة. وفخر النساء خديجة بنت أحمد النّهروانيّة فى شهر رمضان. وعبد الله [بن عبد الصمد «7» ] بن عبد الرّزاق السّلمىّ العطّار. وأبو بكر محمد بن علىّ بن محمد الطّوسىّ. وأبو عبد الله محمد بن عبد الله بن خليل القيسىّ مسند المغرب.

ما وقع من الحوادث سنة 571

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وإحدى وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وتسع عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 571] السنة الخامسة من ولاية صلاح الدين يوسف بن أيّوب على مصر، وهى سنة إحدى وسبعين وخمسمائة. فيها عزل الخليفة المستضىء بالله الحسن صندل الخادم «1» عن الأسناداريّة، وضيّق على ولده الأمير أبى العبّاس أحمد، لأمر بلغه عنهما، وولّى [ابن «2» ] الصاحب الأستادارية عوضا عن صندل المذكور. وفيها وثبت الإسماعيليّة على السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب وهو على اعزاز، جاءه ثلاثة فى زىّ الأجناد، فضربه واحد بسكّين فى رأسه فلم يجرحه وخدشت السكّين خدّه وقتل الثلاثة، فرحل صلاح الدين إلى حلب، فلمّا نزل عليها بعث إليه الملك الصالح إسماعيل بن الملك العادل نور الدين محمود أخته خاتون بنت نور الدين فى اللّيل، فدخلت عليه فقام قائما وقبّل الأرض لها وبكى على نور الدين؛ فسألته أن يردّ عليهم اعزاز، فأعطاها إيّاها، وقدّم لها من الجواهر والتّحف شيئا كثيرا؛ واتّفق مع الملك الصالح أنّ من حماة وما فتحه إلى مصر له، وباقى البلاد الحلبيّة للصالح. وفيها قدم شمس الدولة توران شاه بن أيّوب أخو صلاح الدين من اليمن إلى دمشق فى سلخ ذى الحجّة. وفيها فوّض سيف الدولة غازى أمر الموصل إلى مجاهد الدين قيماز الخادم.

وفيها توفّى علىّ بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين الحافظ أبو القاسم الدمشقى المعروف بابن عساكر، مولده فى أوّل المحرم سنة تسع وتسعين وأربعمائة. كان أحد أئمة الحديث المشهورين، والعلماء المذكورين، سمع الكثير وسافر، وصنّف تاريخا لدمشق، وصنّف كتبا كثيرة، وكان إماما فى الفنون، فقيها محدّثا حافظا مؤرّخا. قال العماد الكاتب: أنشدنى لنفسه بالمزّة «1» : أيا نفس ويحك جاء المشيب ... فماذا التّصابى وماذا الغزل تولّى شبابى كأن لم يكن ... وجاء مشيبى كأن لم يزل [كأنّى «2» بنفسى على غرة ... وخطب المنون بها قد نزل] فياليت شعرى ممّن أكون ... وما قدّر الله لى فى الأزل الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الحافظ ثقة الدّين أبو القاسم علىّ بن الحسن بن هبة الله بن عساكر فى رجب، وله ثلاث وسبعون سنة إلا شهرا. ومجد الدين أبو منصور محمد بن أسعد بن [محمد «3» المعروف ب] حفدة الطّوسىّ العطّارىّ الشافعىّ الواعظ. وأبو حنيفة محمد بن عبيد «4» الله الأصبهانىّ الخطيبىّ فى صفر. وأبو جعفر هبة الله بن يحيى بن البوقىّ «5» الشافعىّ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وست عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وعشر أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 572

*** [ما وقع من الحوادث سنة 572] السنة السادسة من ولاية السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب على مصر، وهى سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة. فيها تزوّج السلطان صلاح الدين يوسف بالخاتون عصمة الدّين بنت الأمير معين الدين أنر «1» زوجة الملك العادل نور الدين محمود، وكانت بقلعة دمشق. وفيها كانت فتنة مقدّم السّودان من صعيد مصر، سار من الصعيد إلى مصر فى مائة ألف أسود، ليعيد الدولة المصريّة الفاطميّة، فخرج إليه أخو صلاح الدين الملك العادل أبو بكر، وأبو الهيجاء الهكّارىّ، وعزّ الدين موسك بمن معهم من عساكر مصر؛ والتقوا مع السّودان، فكانت بينهم وقعة هائلة، قتل كبير السودان المذكور ومن معه. قال الشيخ شمس الدين يوسف فى مرآة الزمان: «يقال إنهم قتلوا منهم ثمانين ألفا وعادوا إلى القاهرة» . وفيها خرج السلطان صلاح من دمشق إلى مصر، واستناب أخاه شمس الدولة توران شاه على الشام. وجاءت الفرنج إلى داريّا «2» ، فأحرقوا ونهبوا وعادوا. وفيها أمر السلطان صلاح الدين قراقوش الخادم بعمارة سور القاهرة ومصر، وضيّع فيه أموالا كثيرة ولم ينتفع به أحد. وفيها أبطل صلاح الدين المكوس التى كانت تؤخذ من الحاج بجدّة، ممّا يحمل فى البحر؛ وعوّض صاحب مكّة عنها فى كلّ سنة ثمانية آلاف اردبّ قمحا تحمل إليه فى البحر، [ويحمل «3» مثلها] فتفرّق فى أهل الحرمين.

وفيها عمّر صلاح الدين مدرسة الشافعىّ «1» بالقرافة، وتولّى الشيخ نجم الدين الخبوشانىّ عمارتها. وعمّر البيمارستان «2» فى القصر، ووقف عليه الأوقاف. وفيها حجّ بالناس من الشام قيماز النّجمىّ. وفيها توفّى علىّ بن منصور أبو الحسن السّروجىّ الأديب، مؤدّب أولاد الأتابك زنكى بن آق سنقر، كان يأخذ الماء بفيه ويكتب به على الحائط كتابة حسنة كأنّها كتبت بقلم الطومار، وينقط ما يكتب ويشكله. ومن شعره فى فصل الربيع وفضل دمشق، ومدح نور الدين قصيدة طنّانة أوّلها: فصل الربيع زمان نوره نور ... أنفاس «3» أشجاره مسك وكافور وفيها توفّى محمد بن مسعود أبو المعالى، خرج إلى الحجّ فى هذه السنة فتوفّى يفند «4» ، كان أديبا فاضلا. ومن شعره هجو فى قاض ولى القضاء: ولمّا [أن «5» ] تولّيت القضايا ... وفاض الجور من كفّيك فيضا ذبحت بغير سكّين وإنّى ... لأرجو الذبح بالسّكّين أيضا وفيها توفّى محمد بن عبد الله بن القاسم أبو الفضل كمال الدين الشهرزورىّ قاضى دمشق. مولده فى سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، كان إماما فاضلا فقيها مفتنّا، كان إليه فى أيّام نور الدين الشهيد مع القضاء أمر المساجد والمدارس والأوقاف والحسبة، والأمور الدينيّة والشرعيّة. وكان صاحب القلم والسيف، وكانت شحنجية دمشق إليه، ولّى فيها بعض غلمانه؛ ثم ولّاها نور الدين بعد ذلك

لصلاح الدين يوسف بن أيّوب قبل قدومه إلى مصر. وكان مع فضله ودينه له الشعر الجيّد، وكان بينه وبين صلاح الدين يوسف بن أيّوب، صاحب الترجمة فى أيام نور الدين مضاغنة. ومن شعره: وجاءوا عشاء يهرعون وقد بدا ... بجسمى من داء الصبابة ألوان فقالوا وكلّ معظم بعض ما رأى ... أصابتك عين قلت عين وأجفان قلت: وهذا شبه قول القائل ولم أدر من السابق: ولمّا رأونى العاذلون متيّما ... كئيبا بمن أهوى وعقلى ذاهب رثوا لى وقالوا كنت بالأمس عاقلا ... أصابتك عين قلت عين وحاجب الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو [محمد «1» ] صالح ابن المبارك بن الرّخلة القزّاز. والمحدّث أبو [محمد «2» ] عبد الله بن عبد الرحمن الأموىّ الدّيباجىّ الأصبهانىّ العثمانىّ الإسكندرانىّ. وأبو الحسن «3» علىّ بن عساكر. وأبو بكر محمد بن أحمد بن ماه «4» شاده الأصبهانىّ المقرئ، آخر من روى عن سليمان الحافظ. وقاضى الشام كمال الدين أبو الفضل محمد بن عبد الله بن القاسم بن المظفّر الشّهرزورىّ فى المحرّم. والقاضى أبو الفتح نصر بن سيّار بن صاعد الكتّانىّ الهروىّ الحنفىّ مسند خراسان يوم عاشوراء، وله سبع وتسعون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وإحدى وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وإحدى وعشرون إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 573

*** [ما وقع من الحوادث سنة 573] السنة السابعة من ولاية صلاح الدين يوسف بن أيّوب على مصر، وهى سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة. فيها توفّى صدقة بن الحسين بن الحسن أبو الفرج «1» الناسخ الحنبلىّ، كان يعرف بابن الحدّد، كان فقيها مفتنّا مناظرا. قال أبو المظفّر: لكنّه قرأ «الشفاء» «2» وكتب الفلاسفة، فتغيّر اعتقاده، وكان يبدو من فلتات لسانه ما يدلّ على ذلك. ومن شعره- رحمه الله تعالى-: لا توطّنها فليست بمقام ... واجتنبها فهى دار الانتقام أتراها صنعة من صانع ... أم تراها رمية من غير رام وفيها توفّى كمشتكين خادم السلطان نور الدين الشهيد. كان من أكابر خدّامه (أعنى مماليكه) ، وكان ولّاه الموصل نيابة عنه. فلمّا مات نور الدين هرب إلى حلب، وخدم شمس الدين ابن الداية، ثم جاء إلى الملك الصالح ابن نور الدين الشهيد فأعطاه حارم، ثم غضب عليه لأمر وطلب منه قلعة حارم بعد أن قبض عليه، فامتنعوا أصحابه من تسليمها، فعلّقه الملك الصالح منكّسا، ودخّن تحت أنفه حتّى مات. وفيها توفّى محمد بن عبد الله بن هبة الله بن المظفّر، الوزير أبو الفرج ابن رئيس الرؤساء، ولقبه عضد الدولة. وكان أبوه أستادار المقتفى وأقرّه المستنجد. فلمّا ولى المستضىء استوزره، فشرع ظهير الدين [بن العطّار «3» ] أبو بكر صاحب المخزن فى عداوته،

حتّى غيّر قلب الخليفة عليه، فطلب الحجّ فأذن له، فتجهّز جهازا عظيما واشترى ستّمائة جمل لحمل المنقطعين وزادهم، وحمل معه جماعة من العلماء والزهّاد، وأخذ معه بيمارستانا فيه جميع ما يحتاج إليه، وسافر بتجمّل زائد. فلمّا وصل إلى باب قطفتا «1» خرج إليه رجل صوفىّ بيده قصّة، فقال: مظلوم! فقال الغلمان: هات قصّتك. فقال: ما أسلّمها إلّا للوزير. فلمّا دنا منه ضربه بسكّين فى خاصرته، فصاح: قتلتنى، وسقط من دابّته، وبقى على قارعة الطريق ملقى، وتفرّق من كان معه إلّا حاجب الباب، فإنّه رمى بنفسه عليه، فضربه الباطنىّ بسكّين فجرحه، وظهر للباطنىّ رفيقان فقتلوا وأحرقوا. ثم حمل الوزير إلى داره فمات بها. وكان مشكور السّيرة محببّا إلى الرعيّة، غير أنّ القاضى الفاضل لمّا بلغه خبر قتله، أنشد: وأحسن من نيل الوزارة للفتى ... حياة تريه مصرع الوزراء وما ربّك بظلّام للعبيد. كان- عفا الله عنه- قد قتل ولدى الوزير ابن هبيرة وخلقا كثيرا. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الوزير أبو الفرج محمد بن عبد الله ابن رئيس الرؤساء، وثبت عليه الإسماعليّة فى ذى القعدة. وهارون ابن العبّاس أبو محمد بن المأمونىّ صاحب التاريخ. وأبو شاكر يحيى بن يوسف السّقلاطونىّ «2» . أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وثلاث أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وإحدى وعشرون إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 574

*** [ما وقع من الحوادث سنة 574] السنة الثامنة من ولاية صلاح الدين يوسف بن أيّوب على مصر، وهى سنة أربع وسبعين وخمسمائة. فيها جرى بحث فى مجلس ظهير الدين بن العطّار [صاحب المخزن «1» ] ، فى قتال «2» عائشة لعلىّ. فقال ابن البغدادىّ الحنفىّ: كانت عائشة باغية على علىّ، فصاح عليه ابن العطّار وأقامه من مكانه وأخبر الخليفة، فجمع الفقهاء وسأل: ما يجب عليه؟ فقالوا: يعزّر. فقال ابن الجوزىّ: لا يجب عليه التعزير، لأنّه رجل ليس له علم بالنّقل، وقد سمع أنّه جرى قتال ولم يعلم أنّ السفهاء أثاروه بغير رضا الفريقين، وتأديبه «3» العفو عنه، فأطلق. وفيها توفّى سعد بن محمد بن سعد أبو الفوارس شهاب الدين [بن «4» ] الصّيفىّ التّميمىّ، المعروف بالحيص بيص، كان شاعرا فاضلا، مدح الخلفاء والوزراء والأكابر، وله ديوان شعر، وكانت وفاته ببغداد فى شعبان. وسبب تسميته بالحيص بيص أنّه رأى الناس فى يوم حركة فقال: ما للناس فى حيص بيص! فغلب عليه هذا اللّقب. ومعنى هاتين الكلمتين: الشدّة والاختلاط. تقول العرب: وقع الناس فى حيص بيص [أى «5» فى شدّة واختلاط] . ومن شعر الحيص بيص- رحمه الله وعفا عنه-: لم ألق مستكبرا إلّا تحوّل لى ... عند اللقاء له الكبر الذي فيه ولا حلا لى من الدنيا ولذّتها ... إلّا مقابلتى للتّيه بالتّيه

ما وقع من الحوادث سنة 575

وكان الحيص بيص يلبس زىّ العرب، ويتقلّد سيفا، فعمل فيه أبو القاسم «1» ابن الفضل: كم تنادى «2» وكم تطوّل طرطو ... رك ما فيك شعرة من تميم فكل الضّبّ واقرض الحنظل [اليا «3» ... بس] واشرب ما شئت بول الظليم ليس ذا وجه من يضيف ولا ... يقرى ولا يدفع الأذى عن حريم الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو أحمد أسعد بن بلدرك «4» الجبريلىّ البوّاب. والحيص بيص الشاعر شهاب الدين أبو الفوارس سعد ابن محمد بن سعد بن صيفىّ التّميمىّ فى شوّال. وفخر النساء شهدة بنت أحمد ابن الفرج الإبرىّ فى المحرّم، وقد جاوزت التسعين. وأبو رشيد عبد الله بن عمر الأصبهانىّ فى شهر ربيع الآخر. وأبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق اليوسفىّ. وأبو الخطّاب عمر بن محمد التاجر بدمشق. وأبو عبد الله محمد بن نسيم العيشونىّ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وثلاث عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وتسع عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 575] السنة التاسعة من ولاية السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب على مصر، وهى سنة خمس وسبعين وخمسمائة.

فيها ختن السلطان صلاح الدين ولده الملك العزيز عثمان. وفيها توفّى الخليفة أمير المؤمنين المستضىء بأمر الله أبو محمد الحسن بن يوسف المستنجد بن المقتفى محمد العباسىّ الهاشمىّ البغدادىّ. كان أحسن الخلفاء سيرة، كان إماما عادلا شريف النفس حسن السيرة ليس للمال عنده قدر، حليما شفيقا على الرعيّة، أسقط المكوس والضرائب فى أيّام خلافته، وكانت وفاته ببغداد فى ثانى ذى القعدة عن ستّ «1» وثلاثين سنة، وكانت خلافته تسع سنين. وهو الذي عادت الخطبة باسمه فى الديار المصريّة والبلاد الشاميّة والثغور، واجتمعت الأمّة على خليفة واحد، وانقطع فى أيّامه دولة بنى عبيد الفاطميّين الرافضة من مصر وأعمالها. ولله الحمد. وأمّه أمّ ولد مولّدة. وفيها توفّيت الزاهدة العابدة علم بنت عبد الله بن المبارك. كانت تضاهى رابعة العدويّة فى زمانها، مرض ولدها أحمد بن الزّبيدىّ فاحتضر، وجاء وقت الصلاة، فقالت: يا بنى، ادخل فى الصلاة، فدخل وكبر ومات، فخرجت إلى النساء وقالت: هنّيننى! قلن ماذا؟ قالت: ولدى مات فى الصلاة. فتعجّب الناس من ذلك. وكانت وفاتها ببغداد، وعمرها مائة سنة وستّ سنين، ولم يتغيّر لها شىء من حواسّها. وفيها توفّى منصور بن نصر بن الحسين الرئيس ظهير الدين صاحب المخزن للخلفاء، ونائب الوزارة. نال من الوجاهة والرياسة ما لم ينله غيره من أطباقه، إلى أن قبض عليه الخليفة الناصر لدين الله، وعلى أصحابه وحواشيه، وصادره وأجرى عليه العقوبة إلى أن مات.

ما وقع من الحوادث سنة 576

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة قال: وفيها توفّى أبو الفتح أحمد بن أبى الوفاء الحنبلىّ بحرّان. والمستضىء بأمر الله أبو محمد الحسن بن المستنجد يوسف ابن المقتفى فى شوّال. وأبو الحسين عبد الحقّ بن عبد الخالق اليوسفىّ فى جمادى الأولى. وأبو الفضل عبد الحسن بن تريك «1» الأزجىّ. وأبو الحسن علىّ بن أحمد الزّيدىّ المحدّث الزاهد. وأبو المعالى علىّ بن هبة الله [بن علىّ «2» ] بن خلدون. والقاضى أبو المحاسن عمر بن علىّ القرشى عمّ كريمة. وأبو هاشم عيسى بن أحمد الهاشمىّ الدّوشابىّ «3» . أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وستّ أصابع. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وسبع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 576] السنة العاشرة من ولاية السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب على مصر، وهى سنة ستّ وسبعين وخمسمائة. فيها قدمت امرأة إلى القاهرة عديمة اليدين، وكانت تكتب برجليها كتابة حسنة، فحصل لها القبول التام، ونالها مال جزيل. وفيها حجّ من العراق الأمير طاشتكين «4» ، ومن الشام الأمير سيف الدين علىّ بن المشطوب.

وفيها توفّى أحمد بن محمد بن أحمد الحافظ أبو طاهر السّلفىّ «1» الأصبهانىّ، ولد سنة سبعين وأربعمائة، وكان طاف الدنيا ولقى المشايخ، وكان يمشى حافيا لطلب العلم والحديث، وقدم دمشق وغيرها، وسمع بعدّة بلاد، ثم دخل مصر وسمع بها، واستوطن الإسكندريّة حتى مات بها فى يوم الجمعة خامس شهر ربيع الآخر، ودفن داخل الإسكندرية وقد جاوز المائة بخمس سنين. ومن شعره فى معنى كبر سنّه: أنا إن بان شبابى ومضى ... فلربّى الحمد ذهنى حاضر ولئن خفّت وجفّت أعظمى ... كبرا غصن علومى ناضر وفيها توفّى الملك المعظّم فخر الدين شمس الدولة توران شاه بن أيّوب أخو السلطان صلاح الدين صاحب الترجمة لأبيه. كان أكبر من صلاح الدين فى السنّ، وكان يرى فى نفسه أنّه أحقّ بالملك من صلاح الدين يوسف المذكور، وكان تبدو منه كلمات فى سكره فى حقّ صلاح الدين، ويبلغ صلاح الدين، فأبعده وبعثه إلى اليمن، فسفك الدماء وقتل الأمائل وأخذ الأموال. ولم يطب له اليمن فعاد إلى الشام على مضض من صلاح الدين، فأعطاه بعلبكّ فبلغه عنه أشياء فأبعده إلى الإسكندريّة، فتوجّه إليها وأقام بها معتكفا على اللهو، ولم يحضر حروب أخيه صلاح الدين ولا غزواته؛ ومات بالإسكندريّة، فأرسلت أخته شقيقته ستّ الشام، فحملته فى تابوت إلى دمشق فدفنته فى تربتها التى أنشأتها بدمشق. وكان توران شاه المذكور جوادا ممدّحا حسن الأخلاق؛ إلّا أنّه كان أسوأ بنى أيّوب سيرة وأقبحهم طريقة.

ما وقع من الحوادث سنة 577

وفيها توفّى الملك غازى بن مودود بن زنكى بن آق سنقر التركىّ سيف الدين صاحب الموصل وابن أخى السلطان الملك العادل نور الدين محمود الشهيد. كان غازى من أحسن الناس صورة، وكان وقورا عاقلا غيورا، ما يدع خادما بالغا يدخل داره على حرمه، وكان طاهر اللّسان عفيفا عن أموال الناس، قليل السفك للدماء، مع شحّ كان فيه. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السّلفىّ فى شهر ربيع الآخر، وقد جاوز المائة بيقين. وشمس الدولة توران شاه بن أيّوب بن شادى صاحب اليمن بالإسكندرية فى صفر. وأبو المعالى عبد الله بن عبد الرحمن [بن أحمد «1» بن علىّ] بن صابر السلمىّ فى رجب. وأبو المفاخر سعيد بن الحسين المأمونىّ. وأبو الفهم عبد الرحمن بن عبد العزيز بن محمد الأزدىّ ابن أبى العجائز فى جمادى الآخرة. وأبو الحسن «2» علىّ بن عبد الرحيم بن العصّار السّلمىّ البغدادىّ اللغوىّ فى المحرّم. وصاحب الموصل سيف الدين غازى بن مودود ابن اتابك فى صفر، وله ثلاثون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وعشر أصابع. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وستّ عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 577] السنة الحادية عشرة من ولاية السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب على مصر، وهى سنة سبع وسبعين وخمسمائة.

فيها عاد السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيّوب صاحب الترجمة من دمشق إلى القاهرة، واستناب على الشام [ابن «1» ] أخيه عزّ الدين فرخشاه. وفيها أمر السلطان صلاح الدين أخاه سيف الإسلام طغتكين بالمسير إلى اليمن، فأخذ يتجهّز للمسير. وفيها بعث السلطان صلاح الدين الخادم بهاء الدين قراقوش إلى «2» اليمن، فتوجّه وقبض على سيف الدولة مبارك بن كامل بن منقذ، وطلب منه المال؛ وكان نائب أخيه توران شاه. وفيها بنيت قلعة «3» الجبل بالقاهرة. وفيها توفّى الملك الصالح إسماعيل ابن الملك العادل نور الدين محمود بن زنكى ابن آق سنقر صاحب حلب بمرض القولنج، وكان لمّا اشتدّ به مرض القولنج وصف له الحكماء قليل خمر، فقال: لا أفعل حتّى أسأل الفقهاء. فسأل الشافعيّة «4» فأفتوه بالجواز فلم يقبل، وقال: إن الله تعالى قرّب أجلى، أيؤخّره شرب الخمر! قالوا: لا. قال: فو الله لا لقيت الله وقد فعلت ما حرّم علىّ، فمات ولم يشر به. ولمّا أشرف على الموت أحضر الأمراء واستحلفهم لابن عمّه عزّ الدين [مسعود «5» ابن مودود] صاحب الموصل؛ فقيل له: لو أوصيت لابن عمك عماد الدين صاحب سنجار! فإنّه صعلوك ليس له غير سنجار، وهو تربية أبيك وزوج أختك،

وشجاع كريم، وعزّ الدين له من الفرات إلى همذان؛ فقال: هذا لم يخف عنىّ، ولكن قد علمتم استيلاء صلاح الدين على الشام، [سوى «1» ما بيدى] ، ومصر واليمن، وعماد الدين لا يثبت له إذا أراد أخذ البلاد؛ وعزّ الدين له العساكر والأموال فهو أقدر على حفظ حلب وأثبت من عماد الدين، ومتى ذهبت حلب ذهب الجميع؛ فاستحسنوا قوله. قلت: ولم يخطر ببال أحد أخذ صلاح الدين بن أيّوب الشام من الملك الصالح هذا قبل تاريخه، فإنّه كان غرس نعمة أبيه الملك العادل، فلم يلتفت صلاح الدين للأيادى السالفة، وانتهز الفرصة حيث أمكنته، وقاتل الملك الصالح هذا حتّى أخذ منه دمشق، فلهذا صار عند الصالح كمين من صلاح الدين. وفيها توفّى عبد الرحمن «2» بن محمد [بن «3» عبيد الله] بن أبى سعيد أبو البركات الأنبارىّ النحوىّ، مصنّف كتاب «الأسرار «4» فى علم العربيّة» وكتاب «هداية الذاهب فى معرفة المذاهب» . كان إماما فى فنون كثيرة مع الزهد والورع والعبادة، وكانت وفاته فى شعبان. وفيها توفّى عمر «5» بن حموّيه عماد الدين والد شيخ الشيوخ صدر الدين وتاج الدين، وهو من ولد حموّيه بن علىّ الحاكم على خراسان إمام السامانيّة.

ما وقع من الحوادث سنة 578

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة فى كتاب الإشارة «1» ، قال: وفيها توفّى الملك الصالح إسماعيل ابن السلطان نور الدين بحلب فى رجب، وله ثمانى عشرة سنة. والكمال أبو البركات عبد الرحمن بن محمد الأنبارىّ النحوىّ العبد الصالح. وشيخ الشيوخ أبو الفتوح «2» عمر بن علىّ الجوينىّ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وعشر أصابع. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وخمس أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 578] السنة الثانية عشرة من ولاية الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيّوب على مصر، وهى سنة ثمان وسبعين وخمسمائة. فيها سار سيف الإسلام طغتكين أخو صلاح الدين من مصر إلى اليمن إلى أن نزل زبيد، وبها حطّان [بن منقذ «3» الكنانىّ] ، فأمره أن يسير إلى الشام، فجمع أمواله وذخائره ونزل بظاهر زبيد فقبض عليه سيف الإسلام، وأخذ جميع ما كان معه، وقيمته ألف ألف دينار، ثم قتله بعد ذلك. وكان عثمان الزنجبيلىّ بعدن، فلمّا بلغه ذلك سافر إلى الشام بعد أن أثّر باليمن آثارا كبيرة ووقف الأوقاف؛ وله مدرسة أيضا بمكّة، ورباط بالمدينة وغيرها. وفيها فى خامس المحرّم خرج صلاح الدين من مصر فنزل البركة «4» قاصدا الشام، وخرج أعيان الدولة لوداعه، وأنشده الشعراء أبياتا فى الوداع، فسمع قائلا يقول فى ظاهر المخيّم:

تمتّع من شميم عرار نجد ... فما بعد العشيّة من عرار فطلب القائل فلم يجده. فوجم الناس وتطيّر الحاضرون، فكان كما قال. قلت: وقول من قال، فكان كما قال، ليس بشىء، فإنّ صلاح الدين عاش بعد ذلك نحو العشر سنين، غير أنّه ما دخل مصر بعدها فيما أظنّ، فإنّه اشتغل بفتح الساحل وقتال الفرنج، كما تقدّم ذكره فى ترجمته. وفهيا توفّى أحمد بن علىّ بن أحمد الشيخ أبو العبّاس المعروف بابن الرّفاعىّ، إمام وقته فى الزهد والصلاح والعلم والعبادة. كان من الأفراد الذين أجمع الناس على علمه وفضله وصلاحه. كان يسكن أمّ عبيدة بالعراق، وكان شيخ البطائحة «1» ، وكان له كرامات ومقامات، وأصحابه يركبون السّباع ويلعبون بالحيّات، ويتعلّق أحدهم فى أطول النخل ثم يلقى نفسه إلى الأرض ولا يتألّم، وكان يجتمع عنده كلّ سنة فى المواسم خلق عظيم. قال الشيخ شمس الدين يوسف فى تاريخه مرآة الزمان: «حكى لى بعض أشياخنا قال: حضرت عنده ليلة نصف شعبان، وعنده نحو من مائة ألف إنسان قال: فقلت له: هذا جمع عظيم، فقال لى: حشرت محشر هامان إن خطر ببالى أنّى مقدّم هذا الجمع. قال: وكان متواضعا سليم الصدر مجرّدا من الدنيا ما ادّخر شيئا قطّ» . انتهى. قلت: وعلم الشيخ أحمد بن الرفاعىّ وفضله وورعه أشهر من أن يذكر، وهو أكثر الفقراء أتباعا شرقا وغربا، والأعاجم يسمّونه: سيّدى أحمد الكبير، وقيل:

إنّ سبب مرضه الذي مات منه، أنّ عبد الغنىّ بن محمد بن نقطة الزاهد مضى إلى زيارته، فأنشد «1» أبياتا منها: إذا جنّ ليلى هام قلبى ذكركم ... أنوح كما ناح الحمام المطوّق وفوقى سحاب يمطر الهمّ والأسى ... وتحتى بحار بالأسى تتدفّق سلوا أمّ عمرو كيف بات أسيرها ... تفكّ الأسارى دونه وهو موثق فلا هو مقتول ففى القتل راحة ... ولا هو ممنون عليه فيعتق «2» وكانت وفاة الشيخ أحمد فى يوم الخميس ثانى عشر «3» جمادى الأولى، وقد جاوز سبعين «4» سنة. وفيها توفّى الأمير فرخشاه بن شاهنشاه بن أيّوب أبو سعد عزّ الدين. كان من الأماثل الأفاضل، كان متواضعا سخيّا جوادا شجاعا مقداما، وكان عمّه صلاح الدين قد استنابه بالشام، وكان فصيحا شاعرا. مات بدمشق فى جمادى الأولى. ومن شعره- رحمه الله تعالى-: أقرضونى زمنا قرّبهم ... واستعادوا بالنّوى ما أقرضوا أنا راض بالذى يرضيهم ... ليت شعرى بالتلاقى هل رضوا؟ وفيها توفّى الأمير يوسف بن عبد المؤمن بن علىّ أبو يعقوب صاحب المغرب، أمير الموحّدين. كان حسن السيرة عادلا ديّنا ملازما للصلوات الخمس، لا بسا للصوف، مجاهدا فى سبيل الله تعالى.

ما وقع من الحوادث سنة 579

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الشيخ الكبير أبو العبّاس أحمد بن علىّ بن أحمد الرفاعىّ بالبطائح. وأبو طالب الخضر بن هبة الله بن أحمد بن طاوس فى شوّال. والحافظ أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود بن موسى ابن بشكوال الأنصارىّ القرطبىّ فى شهر رمضان، وله أربع وثمانون سنة. وأبو طالب أحمد بن المسلم بن رجاء اللّخمىّ التّنوخىّ فى شهر رمضان بالإسكندريّة. وخطيب الموصل أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد الطّوسىّ فى شهر رمضان عن اثنتين وتسعين سنة. وعزّ الدين فرخشاه بن شاهنشاه بن أيّوب نائب دمشق فى جمادى الأولى. والقطب النّيسابورىّ أبو المعالى مسعود بن محمد بن مسعود شيخ الشافعيّة فى آخر شهر رمضان. وأبو محمد هبة الله بن محمد بن هبة الله الشّيرازىّ بدمشق فى شهر ربيع الأوّل. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وإحدى وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وإصبعان. *** [ما وقع من الحوادث سنة 579] السنة الثالثة عشرة من ولاية صلاح الدين يوسف بن أيّوب على مصر، وهى سنة تسع وسبعين وخمسمائة. فيها فى يوم الأحد عاشر المحرّم تسلّم السلطان صلاح الدين آمد من ديار بكر، ودخل إليها وجلس فى دار الإمارة، ثم سلّمها وأعمالها إلى نور الدين محمد» بن قرا أرسلان صاحب حصن كيفا، وكان قد وعده بها لمّا جاء إلى خدمته. ثم عاد

إلى حلب وحاصرها حتى أخذها من عماد الدين زنكى ابن أخى نور الدين الشهيد، وبذل له عوضها سنجار، وعمل الناس فى ذلك أشعارا كثيرة، منها: وبعت بسنجار خير القلاع ... ثكلتك من بائع مشترى وكان فى أيّام حصار حلب أصاب تاج الملوك بورى بن أيّوب سهم فى عينه فمات بعد أيّام، فحزن أخوه السلطان صلاح الدين عليه حزنا شديدا، وكان يبكى ويقول: ما وفت حلب بشعرة من أخى تاج الملوك بورى. وخرج عماد الدين من حلب وسار إلى سنجار. ولمّا طلع صلاح الدين إلى قلعة حلب فى سلخ صفر [أنشدنا «1» ] القاضى [محيى الدين «2» بن] زكىّ الدين محمد بن علىّ القرشىّ قاضى دمشق أبياتا منها: وفتحه «3» حلبا بالسيف فى صفر ... مبشّر بفتوح القدس فى رجب فكان كما قال، لكن بعد سنين؛ وهو الذي [خطب «4» ] بالقدس لمّا فتحه صلاح الدين فى رجب. وفيها توفّى محمد بن بختيار الأديب، أبو عبد الله المولّد «5» المعروف بالأبله البغدادىّ الشاعر المشهور، كان شاعرا ماهرا جمع فى شعره بين الصناعة والرقّة. ومن شعره: زار من أحيا بزورته ... والدّجى فى لون طرّته قمر يثنى معاطفه ... بانة فى ثنى بردته

بتّ أستجلى المدام على ... غرّة الواشى وغرّته يا لها من زورة قصرت ... فأماتت طول جفوته يا له فى الحسن من صنم ... كلّنا فى جاهليّته وله قصيدة طنّانة أولها: دعنى أكابد لوعتى وأعانى ... أين الطّليق من الأسير العانى وفيها توفّى الملك تاج الملوك بورى بن أيّوب بن شادى أبو سعيد أخو السلطان صلاح الدين من سهم أصابه فى حصار حلب كما تقدّم ذكره. كان مولد تاج الملوك فى ذى الحجّة سنة ستّ وخمسين وخمسمائة، وكان قد جمع فيه محاسن الأخلاق: من مكارم وشيم ولطف طباع، مع شجاعة «1» وفضل وفصاحة، وكان شاعرا بليغا. ومن شعره: رمضان بل مرضان إلّا أنّهم ... غلطوا إذا فى قولهم وأساءوا مرضان فيه تخالفا ... فنهاره سلّ وأما ليله استسقاء الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى إسماعيل بن قاسم الزّيات بمصر. وتقيّة بنت [غيث «2» بن] علىّ الأرمنازيّة «3» الشاعرة. وأبو الفتح عبد الله بن أحمد الأصبهانىّ الخرقىّ فى رجب، وله تسع وثمانون سنة. ومحمد بن بختيار البغدادىّ الشاعر المعروف بالأبله. وأبو العلاء محمد بن جعفر بن عقيل، وله ثلاث وتسعون سنة. وأبو طالب محمد بن علىّ الكتّانىّ المحتسب. والعلّامة رضىّ الدين يونس بن محمد بن منعة فقيه الموصل.

ما وقع من الحوادث سنة 580

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وإحدى وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثلاث وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 580] السنة الرابعة عشرة من ولاية صلاح الدين يوسف بن أيّوب على مصر، وهى سنة ثمانين وخمسمائة. فيها حجّ بالناس من العراق طاشتكين. وفيها توفّى إيلغازى بن ألبى بن تمرتاش بن إيلغازى بن أرتق قطب الدين صاحب ماردين، كانت وفاته فى جمادى الآخرة. وخلّف ولدين صغيرين. وكان ملكا شجاعا عادلا منصفا عاقلا. وفيها توفّى عبد الرحيم «1» بن إسماعيل بن أبى «2» سعد شيخ الشيوخ صدر الدين وابن شيخ الشيوخ النّيسابورىّ. ولد سنة ثمان وخمسمائة، وكان فاضلا رسولا «3» بين الخليفة وصلاح الدين، وكان يلبس الثياب الفاخرة، ويتخصّص بالأطعمة الطّيبة، فكان أهل بغداد يعيبون عليه حيث لم يسلك طريق المشايخ فى التعفّف عن الدنيا، ولمّا مات رثاه ابن «4» المنجّم المصرىّ: يا أخلّائى وحقّكم ... ما بقى من بعدكم فرح أىّ صدر فى الزمان لنا ... بعد صدر الدين ينشرح

ما وقع من الحوادث سنة 581

وتولّى مشيخة الرّباط بعده الشيخ صفىّ الدين إسماعيل. وفيها توفّى محمد بن قرا أرسلان نور الدين صاحب حصن كيفا؛ الذي كان أعطاه السلطان صلاح الدين آمد. وترك ابنه ظهير الدين سكمان صغيرا، عمره عشر سنين. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى صدر الدين عبد الرحيم بن إسماعيل بن أبى سعد شيخ الشيوخ فى رجب بالرّحبة راجعا فى الرسليّة «1» . وأبو عبد الله محمد بن حمزة بن أبى الصّقر القرشىّ. وأبو الوفا محمود بن أبى القاسم [عمر «2» ] الأصبهانىّ فى شهر ربيع الآخر، وله إحدى وسبعون سنة. أجاز له طرّاد [الزّينبى «3» النّقيب] وسمع من أبى الفتح [أحمد «4» بن محمد] البيود رحانىّ «5» . وصاحب المغرب أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن «6» شهيدا على حصار شنترين «7» بالأندلس فى رجب. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وثلاث عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وثلاث عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 581] السنة الخامسة عشرة من ولاية السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب على مصر، وهى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة.

فيها قطع السلطان صلاح الدين الفرات ونزل على الموصل وافتتح عدّة بلاد. وفيها توفّى عبد السلام بن يوسف بن محمد الأديب أبو الفتوح «1» الجماهرىّ «2» . كان فاضلا شاعرا. ومن شعره من قصيدة: على ساكنى بطن العقيق سلام ... وإن أسهرونى بالفراق وناموا حرمتم «3» علىّ النوم وهو محلّل ... وحلّلتم التعذيب وهو حرام ألا يا حمامات الأراك إليكم ... فمالى فى تغريدكّنّ مرام فوجدى وشوقى مسعد ومؤانس ... ونوحى ودمعى مطرب ومدام وفيها توفّيت عصمة الدين خاتون بنت معين الدين أنر زوجة السلطان صلاح الدين صاحب الترجمة، تزوّجها بعد زوجها الملك العادل نور الدين الشهيد. كانت من أعفّ الناس وأكرمهنّ، كان لها صدقات كثيرة وبرّ عظيم؛ بنت بدمشق مدرسة للحنفيّة فى حجر «4» الذهب، ورباطا للصوفيّة، وبنت تربة بقاسيون على نهر «5» بردى، وبها دفنت؛ وأوقفت على هذه الأماكن أوقافا كثيرة. وماتت فى رجب، فبلغ صلاح الدين موتها وهو مريض بحرّان فتزايد مرضه لموتها ولحزنه عليها. ثم مات بعدها أخوها سعد الدين مسعود بن أنر في هذه السنة، وكان من أكابر الأمراء، زوّجه صلاح الدين أخته ربيعة خاتون. فلمّا توفّى تزوّجها بعده الأمير مظفّر الدين بن زين الدين. وفيها توفّى محمد ابن الملك المنصور أسد الدين شيركوه بن شادى الأمير ناصر الدين ابن عمّ السلطان صلاح الدين. كان السلطان صلاح الدين يخافه لأنّه

كان يدّعى أنّه أحقّ بالملك منه. وكان السلطان صلاح الدين يبلغه عنه هذا، وكان زوج أخت السلطان صلاح الدين ستّ الشام بنت أيّوب. ومات بحمص فى يوم عرفة، وتناثر لحمه حتّى قيل إنّه سمّ، وقيل: مات فجأة، فنقلته زوجته ستّ الشام إلى تربتها، ودفنته عند أخيها الملك المعظّم توران شاه بن أيّوب المقدّم ذكره. ولمّا بلغ صلاح الدين موته أبقى على ولده أسد الدين شيركوه بن محمد المذكور ما كان بيد والده: حمص وتدمر والرّحبة وسلمية، وخلع عليه وكتب منشورا بذلك. وفيها توفّى محمد بن أحمد بن فتح الدين البغدادىّ الحنفىّ، كان فقيها شاعرا أديبا. ومن شعره فى مليح عليه قباء كمّه مطرّز: ضممت معذّبى لمّا أتانى ... ورقم طرازه قد راق عينى فياطرزيه هل يدنى زمانى ... ليالى وصلنا بالرّقمتين الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو الطاهر إسماعيل ابن مكّىّ [بن «1» إسماعيل بن عيسى] بن عوف الزّهرىّ شيخ المالكيّة بالثغر فى شعبان. وصاحب أذربيجان البهلوان [محمد «2» ] بن إيلدكز. والشيخ حياة بن قيس الحرّانىّ العابد فى جمادى الأولى. وأبو اليسر شاكر بن عبد الله بن محمد التّنوخىّ كاتب نور الدين. والمهذّب عبد الله بن أسعد [بن علىّ «3» ] بن الدهّان الموصلىّ الشافعىّ النحوىّ الشاعر فى شعبان بحمص. والحافظ أبو محمد عبد الحقّ بن عبد الرحمن الأزدىّ الإشبيلىّ فى شهر ربيع الآخر بيجاية «4» ، وله سبعون سنة. والحافظ أبو زيد «5» عبد الرحمن

ما وقع من الحوادث سنة 582

ابن عبد الله السّهيلىّ المالقىّ «1» الأديب فى شعبان. وعبد الرازق بن نصر بن المسلم النجّار الدمشقىّ. وأبو الفتح [عبيد الله» بن] عبد الله [بن محمد «3» بن نجا] بن شاتيل «4» الدبّاس فى رجب، وله تسعون سنة. وأبو الجيوش عساكر بن علىّ المقرئ بمصر. وأبو حفص عمر بن عبد المجيد الميانشىّ «5» بمكّة. وأبو المجد الفضل بن الحسين البانياسىّ فى شوّال. وصاحب حمص ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه. والحافظ أبو سعد «6» محمد بن عبد الواحد الصائغ بأصبهان فى ذى القعدة. والحافظ العلّامة أبو موسى محمد بن أبى بكر عمر بن أبى عيسى المدينىّ فى جمادى الأولى، وله ثمانون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وتسع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وإصبع واحدة. *** [ما وقع من الحوادث سنة 582] السنة السادسة عشرة من ولاية صلاح الدين يوسف بن أيّوب على مصر، وهى سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة. فيها حكم المنجّمون فى الآفاق بخراب العالم فى جمادى الآخرة، وقالوا: تقترن الكواكب السيّارة: الشمس والقمر وزحل والمرّيخ [والزّهرة «7» ] وعطارد والمشترى فى برج الميزان أو السّرطان، فتؤثّر تأثيرا يضمحلّ به العالم، وتهبّ سموم محرقة تحمل

وملا أحمر، فاستعدّ الناس وحفروا السراديب وجمعوا فيها الزاد. وانقضت المدّة المعيّنة، وظهر كذب المنجّمين. فقال [أبو الغنائم «1» محمد] بن المعلّم فى أبى الفضل «2» المنجّم قصيدة طنّانة: قل لأبى الفضل قول معترف ... مضى جمادى وجاءنا رجب وما جرت «3» زعزع كما حكموا ... ولا بدا كوكب له ذنب ومنها: مدبّر الأمر واحد ليس للسب ... عة فى كلّ حادث سبب لا المشترى سالم ولا زحل ... باق ولا زهرة ولا قطب ومنها: فليبطل المدّعون ما وضعوا ... فى كتبهم ولتحرق الكتب قلت: وهذا الكذب متداول بين القوم إلى زماننا هذا، حتّى إنّه لا يمضى شهر إلّا وقد أوعدوا الناس بشىء لا حقيقة له. والعجب أنّ الشخص من العامّة إذا كذب مرّة على رجل يستحى ولا يعود إلى مثلها، وهؤلاء القوم لا عرض لهم ولا دين ولا مروءة. ولله درّ القائل ولم أدر لمن هو: دع النجوم لصوفىّ يعيش بها ... وبالعزائم فانهض أيّها الملك إنّ النّبيّ وأصحاب النبي نهوا ... عن النجوم وقد أبصرت ما ملكوا

وفيها عاد السلطان صلاح الدين إلى الشام وتلقّاه شيركوه بن محمد بن شيركوه وأخته سفرى خاتون أولاد ابن عمّه محمد بن أسد الدين شيركوه وزوجته ستّ الشام، وهى أخت السلطان صلاح الدين؛ فقال السلطان لأخيه العادل أبى بكر بن أيّوب: اقسم التركة بينهم على فرائض الله تعالى. وكان محمد قد خلّف أموالا عظيمة، فكان مبلغ التركة ألف ألف دينار. وفهيا دخل سيف الإسلام أخو صلاح الدين إلى مكّة، ومنع من الأذان فى الحرم ب «حىّ على خير العمل» . وفيها قسّم السلطان صلاح الدين يوسف البلاد بين أهله وولده برأى القاضى الفاضل، فأعطى مصر لولده العزيز عثمان؛ والشام لولده الأفضل؛ وحلب لولده الظاهر؛ وأعطى أخاه العادل أبا بكر إقطاعات كثيرة بمصر، وجعله أتابك العزيز؛ وأعطى لابن أخيه تقىّ الدين حماة والمعرّة ومنبج وأضاف إليه ميّافارقين. وفيها توفّى الحسن بن علىّ بن بركة أبو محمد المقرئ النحوىّ، كان إماما فاضلا انتفع بعلمه خلائق كثيرة، وكان أديبا بارعا ومات فى شوّال. ومن شعره: وما شنآن الشّيب من أجل لونه ... ولكنّه حاد «1» إلى الموت مسرع إذا ما بدت منه الطّليعة آذنت ... بأنّ المنايا بعدها تتطلّع وفيها توفّى عبد الله [بن برّىّ «2» ] بن عبد الجبّار المعروف بآبن برّىّ النحوىّ بمصر، كان إماما أديبا فاضلا بارعا فى علم النحو والعربيّة، وانتفع به خلق كثير، ومات بمصر فى شوّال. وكان حجّة ثقة. ومن شعره- رحمه الله-:

ما وقع من الحوادث سنة 583

خدّ وثغر فجلّ ربّ ... بمبدع الحسن قد تفرّد فذا عن الواقدىّ يروى ... وذاك يروى عن المبرّد الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو محمد عبد الله ابن برّى النحوىّ بمصر فى شوّال، وله ثلاث وثمانون سنة. وأبو محمد عبد الله بن محمد بن جرير القرشىّ الناسخ ببغداد. وأبو محمد الحسن بن علىّ [بن بركة «1» ] بن عبيدة الكوفىّ النحوىّ المقرئ فى شوّال. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع واثنتا عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وإصبع واحدة. *** [ما وقع من الحوادث سنة 583] السنة السابعة عشرة من ولاية السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب على مصر، وهى سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة. فيها فتح السلطان صلاح الدين بيت المقدس وعكّا وحصونا كثيرة بالساحل، بعد أمور وحروب ذكرناها فى ترجمته. وفيها توفّى علىّ بن أحمد بن علىّ بن محمد قاضى القضاة أبو الحسن بن الدامغانىّ الحنفىّ قاضى قضاة بغداد. قال أبو المظفّر: قاضى ابن قاضى ابن قاضى ابن قاضى ابن قاضى ابن قاضى. ولد سنة ثلاث عشرة «2» وخمسمائة، وولّاه الخليفة المقتفى القضاء بمدينة السلام وسائر البلاد مشرقا ومغربا، وأقرّه المستنجد ثم عزله؛ ثم أعاده

المستضىء سنة سبعين وخمسمائة؛ ثم أقرّه الناصر لدين الله تعالى إلى أن توفّى ببغداد فى ذى القعدة ودفن بالشّونيزيّة عند جدّه لأمّه أبى الفتح الشاوى «1» . وكان إماما فقيها عالما نزها عفيفا معدودا من كبار فقهاء السادة الحنفية- رحمه الله تعالى-. وفيها توفّى محمد بن عبد الملك «2» بن المقدّم الأمير شمس الدين، كان من أكابر أمراء الملك العادل نور الدين، ثم صلاح الدين يوسف بن أيّوب. وله المواقف المشهودة، وحضر جميع فتوحات السلطان صلاح الدين، ثم إنّه استأذن صلاح الدين فى الحجّ فأذن له على كره من مفارقته؛ فلمّا وصل إلى عرفات أراد أن يرفع علم صلاح الدين ويضرب الطّبل، فمنعه طاشتكين وقال: لا يرفع هنا سوى علم الخليفة. فقال ابن المقدّم هذا: والسلطان مملوك الخليفة. فمنعه طاشتكين، فأمر ابن المقدّم غلمانه فرفع العلم فنكّسوه، فركب ابن المقدّم ومن معه، وركب طاشتكين له، واقتتلوا فقتل من الفريقين، ورمى مملوك طاشتكين ابن المقدّم بسهم فوقع فى عينه فخرّ صريعا، وجاء طاشتكين وحمله إلى خيمته فتوفّى فى يوم الخميس يوم النحر ودفن بالمعلى. ثم أرسل الخليفة يعتذر لصلاح الدين أنّ ابن المقدّم كان الباغى، فلم يقبل صلاح الدين، وقال: أنا الجواب عن الكتاب. ولولا اشتغاله بالجهاد لكان له وللخليفة شأن. وفيها توفّى محمد بن عبيد الله الأديب أبو الفتح البغدادىّ، المعروف بسبط [ابن] التّعاويذىّ. الشاعر المشهور. وله ديوان شعر كبير، الموجود غالبه فى المديح. ومن شعره- رحمه الله- فى غير المديح، فى الزهد:

ما وقع من الحوادث سنة 584

اجعل همومك واحدا ... وتخلّ عن كلّ الهموم فعساك أن تحظى بما ... يغنيك عن كلّ الهموم وله: فكم ليلة قد بتّ أرشف ريقه ... وجرت على ذاك الشّنيب المنضّد وبات كما شاء الغرام معانقى ... وبتّ وإيّاه كحرف مشدّد الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى شيخ الفتوى عبد الجبّار بن يوسف ببغداد. والمحدّث أبو العزّ «1» عبد المغيث بن زهير الحربىّ. وقاضى القضاة أبو الحسن علىّ بن أحمد ابن قاضى القضاة علىّ بن محمد بن الدامغانىّ الحنفىّ. وأبو الفتح محمد بن يحيى بن محمد بن مواهب البردانىّ «2» . والأمير الكبير شمس الدين محمد [بن عبد «3» الملك] بن المقدّم النّورىّ، قتل بعرفات. وأبو السعادات نصر الله بن عبد الرحمن بن محمد [يعرف «4» ] بابن زريق القزّاز فى شهر ربيع الآخر، وله اثنتان وتسعون سنة. وشيخ الحنابلة ناصح «5» الدين أبو الفتح نصر بن فتيان [بن «6» مطرّف المعروف با] بن المنّى فى رمضان عن إحدى وثمانين سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وثمانى أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا واثنتا عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 584] السنة الثامنة عشرة من ولاية السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب على مصر، وهى سنة أربع وثمانين وخمسمائة.

فيها توفّى الأمير أسامة بن مرشد بن علىّ بن المقلّد بن نصر بن منقذ الأمير أبو الحارث «1» مؤيّد الدولة مجد الدين الكنانىّ. مولده بشيزر فى سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وكانت له اليد الطّولى فى الأدب والكتابة والشعر، وكان فارسا شجاعا عاقلا مدبّرا، كان يحفظ عشرين ألف بيت من شعر العرب الجاهليّة، وطاف البلاد ثم استوطن حماة فتوفّى فيها «2» فى شهر رمضان، وقد بلغ ستا وتسعين سنة. وله ديوان شعر مشهور، وكان السلطان صلاح الدين مغرى بشعره. ومن شعره فى قلع الضّرس: وصاحب لا «3» أملّ الدهر صحبته ... يشقى لنفعى ويسعى سعى مجتهد لم ألقه مذ تصاحبنا فمذ «4» وقعت ... عينى عليه افترقنا فرقة الأبد وقال فى أيّام الملك العادل نور الدين الشهيد: سلطاننا زاهد والناس قد زهدوا ... له فكلّ على الخيرات منكمش أيّامه مثل شهر الصّوم طاهرة ... من المعاصى وفيها الجوع والعطش وفيها توفّى مجاهد الدين خالص بن عبد الله الناصرىّ خادم الخليفة الناصر لدين الله، كان قريبا من الخليفة سلّم إليه مماليكه الخواص؛ وكان سليم الباطن ديّنا، صلى به إمامه صلاة الفجر فقرأ الإمام فيها: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ فلمّا سمع خالص ذلك رفع صوته وهو فى الصلاة وقال: صلّى الله عليك يا رسول الله.

فضحك القوم وقطعوا الصلاة. فقال لهم خالص المذكور: مجانين أنتم! يقول الله: صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً وأسكت أنا! وفيها توفّى محمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن المظفّر بن علىّ؛ أبو حامد محيى الدين «1» الشّهرزورىّ الإمام الفقيه؛ ولى القضاء بالموصل، وقدم بغداد رسولا من صاحب الموصل، فأكرمه الخليفة وخلع عليه. ثم عاد فمات فى جمادى الأولى. ومن شعره: ولمّا شاب رأس الدهر غيظا ... لما قاساه من فقد الكرام أقام «2» يميط عنه الشيب عمدا ... وينشر ما أماط على الأنام الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الأمير مؤيّد الدولة أبو المظفر أسامة بن مرشد بن علىّ بن مقلّد بن نصر بن منقذ الكنانىّ فى شهر رمضان عن سبع «3» وتسعين سنة. وظاعن بن محمد الزّبيرىّ الخيّاط. وأبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله «4» [بن يوسف بن أبى عيسى «5» القاضى] بن حبيش الأنصارىّ بمرسية «6» ، وكان خطيبها وقاضيها ومحدّثها ومسندها، توفّى فى صفر. وأبو» القبائل ابن علىّ عن مائة سنة وزيادة. والعلّامة شمس الأئمّة عماد الدين عمر بن شمس الأئمّة بكر بن محمد الزّرنجرىّ «8» البخارىّ شيخ الحنفيّة فى شوّال، وله خمس وستون سنة.

ما وقع من الحوادث سنة 585

وأبو عبد الله محمد بن علىّ بن محمد بن الحسن بن صدقة الحرّانىّ التاجر، وله سبع وتسعون سنة. والحافظ أبو بكر محمد بن موسى بن عثمان الحازمىّ الهمذانىّ فى جمادى الأولى شابّا، وله خمس وثلاثون سنة. وأبو الفرج يحيى بن محمود الثّقفىّ الصّوفىّ فى نواحى همذان غريبا. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع واثنتا عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثلاث عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 585] السنة التاسعة عشرة من ولاية صلاح الدين يوسف بن أيّوب على مصر، وهى سنة خمس وثمانين وخمسمائة. فيها ولّى السلطان صلاح الدين على عكّة حسام الدين بشارة، وولّى على عمارة سورها الخادم بهاء الدين قراقوش. وفيها توفّى الأمير طمان بن عبد الله النّورىّ صاحب الرّقّة، كان شجاعا جوادا محبّا للخير كثير الصدقات يحبّ الفقهاء والعلماء، بنى مدرسة بحلب للحنفيّة. وكانت وفاته فى ليلة نصف شعبان؛ وحزن السلطان صلاح الدين عليه والمسلمون لحرصه على الجهاد ولمواقفة المشهودة. وفيها توفّى عبد الله بن محمد بن هبة الله بن المطهّر «1» بن علىّ أبو سعد بن أبى السّرىّ التّميمىّ الموصلىّ القاضى شرف الدين بن أبى عصرون. كان إماما فاضلا مصنّفا، وكان خصيصا بالملك العادل نور الدين، ثم اقتضى «2» به السلطان صلاح الدين، وولى القضاء بعدّة بلاد وضرّ قبل وفاته بعشر سنين. ومن شعره قوله:

كلّ جمع إلى الشتات يصير ... أىّ صفو ما شانه التكدير أنت فى اللهو والأمانى مقيم ... والمنايا فى كلّ وقت تسير وفيها توفّى الفقيه عيسى «1» الهكّارىّ ضياء الدين، حضر فتح مصر مع أسد الدين شيركوه، وهو الذي مشى بين الأمراء وبين السلطان صلاح الدين لمّا ولى وزارة العاضد بعد موت عمّه أسد الدين شيركوه، حسب ما تقدّم ذكره حتّى تمّ أمره. ثمّ حضر مع السلطان صلاح الدين فتح القدس والغزوات، وكان صلاح الدين يميل إليه ويستشيره، وكأنّ الله قد أقامه لقضاء حوائج الناس والتفريج عن المكروبين مع الورع والعفّة والدين- رحمه الله-. وفيها توفّى الأمير موسك بن جكو [ابن «2» ] خال صلاح الدين. كان حافظا للقرآن سامعا للحديث، وكان محسنا إلى الناس ملازما للسلطان فى غزواته، وكان ديّنا صالحا جوادا، مرض بمرج عكّا فأمره السلطان أن يمضى إلى دمشق ليتطبّب بها، فتوجّه إلى دمشق ومات بها- رحمه الله-. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو العبّاس التّرك أحمد بن أحمد بن محمد بن ينّال شيخ الصوفيّة بأصبهان ومسندها فى شعبان. وأبو الحسين «3» أحمد بن حمزة الموازينىّ فى المحرّم. وقاضى القضاة شرف الدين أبو سعد عبد الله ابن محمد بن أبى عصرون التّميمىّ الموصلىّ فى رمضان. وأبو الفضل عبد المجيد بن [الحصينىّ «4» بن يوسف بن الحسن بن أحمد بن] دليل الإسكندرانىّ المعدّل. وشيخ

ما وقع من الحوادث سنة 586

الشافعيّة أبو طالب المبارك بن المبارك [بن المبارك «1» ] الكرخىّ «2» صاحب ابن الخلّ. وأبو المعالى [وأبو «3» النجاح] منجب بن عبد الله المرشدىّ الخادم فى المحرّم. والحافظ يوسف بن أحمد الشّيرازىّ ثم البغدادىّ الصوفىّ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وخمس عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا واثنتان وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 586] السنة العشرون من ولاية السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب على مصر، وهى سنة ستّ وثمانين وخمسمائة. فيها ملك سيف الإسلام أخو السلطان صلاح الدين صنعاء من بلاد اليمن. وفيها حجّ بالناس من العراق طاشتكين المذكور فى السنة الماضية. وفيها توفّى مسعود [بن «4» علىّ] بن عبيد الله أبو الفضل بن النادر الصفّار الأديب الشاعر، كان بارعا فى الأدب، وكتب خطّا حسنا نحوا من مائة ربعة. ومن شعره قوله: تولّوا فأولوا الجسم من بعدهم ضنا ... وحراّ شديدا فى الحشا يتزايد وزاد بلائى بالذين أحبّهم ... وللناس فيما يذهبون مقاصد وفيها توفّى يوسف بن علىّ بن بكتكين الأمير زين الدين صاحب إربل. كان قدم إلى السلطان صلاح الدين نجدة فمرض ومات، وفرح بموته أخوه مظفّر

ما وقع من الحوادث سنة 587

الدين، وتولّى إربل مكانه من قبل السلطان صلاح الدين. وكان زين الدين أميرا كبيرا شجاعا مقداما مدبرا. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الحافظ أبو المواهب الحسن «1» بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى التّغلبىّ الدمشقىّ، وله تسع واربعون سنة. وأبو الطيّب عبد المنعم بن يحيى [بن خلف «2» بن نفيس] بن الخلوف الغرناطىّ المقرئ. وأبو عبد الله محمد بن سعيد [بن أحمد «3» بن عبد العزيز بن عبد البرّ بن مجاهد المعروف ب] ابن زرقون الإشبيلىّ المالكىّ المسند. وأبو بكر محمد بن عبد الله بن يحيى بن الفرح بن الجدّ الفهرىّ الحافظ بإشبيلية. وقاضى القضاة محيى «4» الدين أبو حامد محمد ابن قاضى القضاة كمال الدين بن الشّهرزورىّ، وله اثنتان وستون سنة. ولى حلب ثم الموصل. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وخمس وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وأربع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 587] السنة الحادية والعشرون من ولاية السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب على مصر، وهى سنة سبع وثمانين وخمسمائة. فيها كان استيلاء الفرنج على عكّا، كما تقدّم فى ترجمة السلطان صلاح الدين من هذا الكتاب.

وفيها توفّى الموفّق أسعد بن [إلياس «1» بن جرجس] المطران الطبيب. كان نصرانيّا فأسلم على يد السلطان، وكان غزير المروءة حسن الأخلاق كريم العشرة. وكان يصحبه صبىّ حسن الصورة اسمه عمر. وكان الموفّق يحبّ أهل البيت ويبغض ابن عنين «2» الشاعر لخبث لسانه، وكان يحرّض السلطان صلاح الدين عليه ويقول له: أليس هذا هو القائل: سلطاننا أعرج وكاتبه ... أعمش والوزير منحدب فهجاه ابن عنين بقوله: قالوا الموفّق شيعىّ فقلت لهم ... هذا خلاف الذي للناس منه ظهر فكيف يجعل دين الرّفض مذهبه ... وما دعاه إلى الإسلام غير عمر وفيها توفّى سليمان بن جندر. كان من أكابر أمراء حلب، ومشايخ الدولتين: النّوريّة والصلاحيّة، شهد مع السلطان صلاح الدين حروبه كلّها، وهو الذي أشار بخراب عسقلان مصلحة للمسلمين. ومات فى أواخر ذى الحجّة. وفيها توفّى عمر بن شاهنشاه بن أيّوب الملك المظفّر تقىّ الدين. قد ذكرنا من أمره: أنّ عمّه السلطان صلاح الدين كان أعطاه حماة، وعدّة بلاد من حماة إلى دياربكر، فطمع فى ملكة الشرق فنفرت عنه وعن عمّه صلاح الدين القلوب لعظم طمعهما. ووقع لتقىّ الدين هذا مع بكتمر [بن عبد الله «3» مملوك شاه أرمن] صاحب خلاط وقائع وحروب، فمات تقىّ الدين بتلك البلاد، فكتم محمد ولده موته، وحمله

إلى ميّافارقين، فدفن بها. وكانت وفاته يوم الجمعة عاشر شهر رمضان، ثم بنيت له مدرسة بظاهر حماة، فنقل إليها. وكان السلطان صلاح الدين يكره ابنه محمدا فأخذ منه بلاد أبيه، وأبقى معه حماة لا غير. ولقّب محمد هذا بالملك المنصور. وهو أبو ملوك حماة من بنى أيّوب الآتى ذكرهم. وكان تقىّ الدين شجاعا مقداما شاعرا فاضلا، عاشر العلماء والأدباء وتخلّق بأخلاقهم، وله ديوان شعر. ومن شعره: يا ناظريه ترفّقا ... ما فى الورى لكما مبارز هبكم حجبتم أن أرا ... هـ فهل لقلب الصّب حاجز وفيها توفّى يحيى «1» السّهروردىّ المقتول بحلب، كان يعانى علوم الأوائل والمنطق والسيمياء وأبواب النّيرنجيّات «2» ، فاستمال بذلك خلقا كثيرا وتبعوه، وله تصانيف فى هذه العلوم. واجتمع بالملك الظاهر ابن السلطان صلاح الدين صاحب حلب، فأعجب الظاهر كلامه ومال إليه. فكتب أهل حلب إلى السلطان صلاح الدين: أدرك ولدك وإلّا تتلف عقيدته؛ فكتب إليه أبوه صلاح الدين بإبعاده فلم يبعده، فكتب بمناظرته، فناظره العلماء فظهر عليهم بعبارته، فقالوا: إنّك قلت فى بعض تصانيفك: إنّ الله قادر على أن يخلق نبيّا، وهذا مستحيل. فقال: ما وجه استحالته؟ فإنّ الله القادر هو الذي لا يمتنع عليه شىء. فتعصّبوا عليه، فحبسه الظاهر وجرت بسببه خطوب وشناعات. وكان السّهروردىّ ردىء الهيئة، زرىّ الخلقة، دنس الثياب، وسخ البدن، لا يغسل له ثوبا ولا جسما، ولا يقصّ ظفرا ولا شعرا، فكان القمل يتناثر على وجهه، وكان من رآه يهرب منه لسوء منظره، وقبح زيّه.

وطال أمره إلى أن أمر السلطان بقتله فقتل فى يوم الجمعة منسلخ ذى الحجّة من هذه السنة، أخرج من الحبس ميّتا. وممّا ينسب إليه من الشعر القصيدة «1» التى أوّلها: أبدا تحنّ إليكم الأرواح ... ووصالكم ريحانها والراح وقلوب أهل ودادكم تشتاقكم ... وإلى كمال جمالكم ترتاح وقال السيف «2» الآمدىّ: اجتمعت بالسّهروردىّ بحلب، فقال لى: لا بدّ أن أملك الأرض. فقلت: من أين لك هذا؟ فقال رأيت فى المنام أنّى شربت ماء البحر؛ فقلت: لعلّ ذلك يكون اشتهار العلم فلم يرجع؛ فرأيته كثير العلم قليل العقل. ويقال: إنّه لمّا تحقّق القتل كان كثيرا ما ينشد: أرى قدمى أراق دمى ... وهان دمى فهاندمى والأوّل قول أبى الفتح «3» البستى وهو قوله: إلى حتفى سعى قدمى ... أرى قدمى أراق دمى فلا أنفك من ندم ... وليس بنافعى ندمى وفيها توفّى الشيخ نجم الدين الخبوشانىّ «4» . قال صاحب المرآة: «قدم إلى الديار المصريّة وأظهر الناموس وتزهّد، وكان يركب الحمار فيقف على السلطان صلاح الدين وأهله. وأعطاه السلطان مالا فبنى به المدرسة «5» التى بجانب الشافعىّ- رحمة الله عليه-. وكان كثير الفتن- منذ دخل مصر إلى أن مات- ما زالت الفتنة قائمة

بينه وبين الحنابلة [و] ابن الصابونىّ وزين الدين بن نجيّة «1» ، يكفّرونه ويكفرهم؛ وكان طائشا متهوّرا، نبش على ابن الكيزانىّ «2» وأخرج عظامه من عند الشافعىّ، وقد تقدّم ذلك. وكان يصوم ويفطر على خبز الشعير، فلمّا مات وجد له ألوف الدنانير، وبلغ صلاح الدين فقال: يا خيبة المسعى! ومات فى صفر. وتولّى بعده- تدريس مدرسة الشافعىّ التى بناها- شيخ الشيوخ صدر الدين ابن حمّويه «3» » . انتهى كلام صاحب المرآة باختصار بعد أن ثلب الخبوشانىّ المذكور بمساوئ أضربت عن ذكرها- رحمه الله تعالى-. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى الفقيه أبو محمد عبد الرحمن بن علىّ الحرقىّ اللّحمىّ فى ذى القعدة، وله ثمان وثمانون سنة. وأبو المعالى عبد المنعم بن عبد الله بن محمد الفراوىّ «4» فى شعبان. وصاحب حماة المظفّر عمر بن شاهنشاه بن أيّوب. ونجم الدين محمد بن الموفّق الخبوشانىّ الشافعى الزاهد. والشهاب السّهروردىّ الفيلسوف. ويعقوب بن يوسف الحربىّ «5» المقرئ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وأربع عشرة إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 588

*** [ما وقع من الحوادث سنة 588] السنة الثانية والعشرون من ولاية صلاح الدين يوسف بن أيّوب على مصر، وهى سنة ثمان وثمانين وخمسمائة. فيها توفّى سنان بن سليمان «1» ، صاحب الدعوة «2» بقلاع الشام. كان أصله من البصرة من حصن ألموت «3» ، فرأى منه صاحب الأمر بتلك البلاد نجابة وشهامة وعقلا وتدبيرا، فسيّره إلى حصون الشام، فسار حتّى وصل إلى البلاد الشاميّة، وكان فيه معرفة وسياسة. وجدّ فى إقامة الدعوة واستجلاب القلوب، وكان مجيئه إلى الشام فى أيّام السلطان الملك العادل نور الدين الشهيد. فجرت له معه حروب وخطوب، واستولى سنان هذا على عدّة قلاع وأقام واليا ثلاثين سنة والبعوث ترد عليه فى كلّ قليل من قبل نور الدين. ثم إنّ السلطان نور الدين عزم على قصده فتوفّى. وأقام سنان على ذلك إلى أن توفّى ببلاد الشام فى هذه السنة. وفيها توفّى علىّ بن أحمد الأمير سيف الدين بن المشطوب ملك الهكّاريّة «4» . وكان أميرا شجاعا صابرا فى الحروب مطاعا فى قبيلته، دخل مع أسد الدين شيركوه إلى مصر فى مرّاته الثلاث، ثم عاد بعد سلطنة صلاح الدين إلى البلاد الشاميّة، فدام بها إلى أن مات فى آخر شوّال. وقال ابن شدّاد: مات بالقدس وصلّى عليه بالجامع الأقصى. وفيها توفّى السلطان قليج أرسلان بن مسعود بن قليج أرسلان بن سليمان بن قتلمش بن إسرائيل بن سلجوق، الملك عزّ الدين السلجوقىّ صاحب بلاد الروم.

طالت أيّامه واتّسعت ممالكه. ولمّا أسنّ أصابه الفالج فتعطّلت حركته، وتنافس أولاده فى الملك، وحكم عليه ولده قطب الدين ملكشاه، وقتل كثيرا من خواصّه فى حياة أبيه. وكان قطب الدين مقيما بسيواس «1» وأبوه بقونية «2» . ثم جاء إلى أبيه يقاتله فأخرج إليه العساكر، فالتقاهم قطب الدين وكسرهم وبدّد شمل أصحاب أبيه، ثم ظفر بأبيه فأخذه مكرها وحمله إلى قيساريّة «3» ، ووقع له معه أمور أخر. وآخر الأمر أنّه عهد إلى ولده غياث الدين بالملك ولم يعهد لقطب الدين. وكانت وفاته فى نصف شعبان. وفيها توفّى نصر بن منصور أبو المرهف النّميرىّ الشاعر المشهور، منسوب إلى نمير بن عامر بن صعصعة «4» . ولد برقّة الشام، وأمّه بنت سالم بن مالك صاحب الرّحبة، وربّى بالشام وعاشر الأدباء وقال الشعر وهو ابن ثلاث عشرة سنة. وقلّ بصره بالجدرىّ وله أربع عشرة سنة. وقدم بغداد ليداوى عينيه فآيسه الأطبّاء، فحفظ القرآن وتفقّه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل- رضى الله عنه- وكان طاهر اللسان عفيفا ديّنا. وله مدائح فى صلاح الدين وغيره. ومن شعره- رحمه الله تعالى-: ترى يتألّف الشمل الصديع ... وآمن من زمان ما يروع وتأنس بعد وحشتنا بنجد ... منازلنا القديمة والرّبوع ذكرت بأيمن العلمين عصرا ... مضى والشمل «5» ملتئم جميع

فلم أملك لدمعى ردّ غرب ... وعند الشوق تعصيك الدموع ينازعنى إلى خنساء قلبى ... ودون لقائها بلد شسوع وأخوف ما أخاف على فؤادى ... إذا ما أنجد البرق اللّموع لقد حملّت من طول التنائى ... عن الأحباب ما لا أستطيع الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الفقيه أحمد ابن الحسين بن علىّ العراقىّ الحنبلىّ بدمشق. والمحدّث أبو الفضل إسماعيل بن علىّ الجنزوىّ «1» الشّروطىّ «2» بدمشق فى سلخ جمادى الأولى. وأبو ياسر عبد الوهاب [بن «3» هبة الله بن عبد الوهاب] بن أبى حبّة الدقاق بحرّان فى شهر ربيع الأول. وأبو جعفر عبيد الله بن أحمد [بن «4» علىّ بن علىّ] بن السّمين. والأمير الكبير سيف الدين علىّ بن أحمد الهكّارىّ المشطوب فى شوّال بالقدس. وصاحب الروم قليج أرسلان بن مسعود السلجوقىّ. والنّسابة أبو علىّ محمد بن أسعد الحسينىّ الجوّانىّ بمصر. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وثلاث وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وإحدى عشرة إصبعا.

ذكر ولاية الملك العزيز عثمان على مصر

ذكر ولاية الملك العزيز عثمان على مصر هو الملك العزيز عماد الدين أبو الفتح عثمان سلطان الديار المصريّة وابن سلطانها الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن الأمير نجم الدين أيّوب بن شادى ابن مروان الأيّوبىّ الكردىّ الأصل المصرىّ. ولى سلطنة مصر فى حياة والده صورة؛ ثم تسلطن بعد وفاته استقلالا باتّفاق الأمراء وأعيان الدولة بديار مصر، لأنه كان نائبا عن أبيه صلاح الدين بها لمّا كان أبوه مشتغلا بفتح السواحل بالبلاد الشاميّة وتمّ أمره. وكان مولده بالقاهرة فى ثامن جمادى الأولى سنة سبع وستين وخمسمائة. وكان الملك العزيز هذا أصغر من أخيه الملك الظاهر غازى صاحب حلب، وأصغر من أخيه الأفضل صاحب دمشق. وكان الأفضل هو أكبر الإخوة، وهو المشار إليه فى أيّام أبيه صلاح الدين ومن بعده، وهو الذي جلس للعزاء بعد موت صلاح الدين، وصار هو السلطان الأكبر إلى أن ظهر منه أمور، منها: أنّه كان استوزر ضياء الدين «1» الجزرىّ، فأساء ضياء الدين السّيرة؛ وشغّف قلوب الجند إلى مصر، وساروا إليها فالتقاهم الملك العزيز وأكرمهم، وكانوا معظم الصلاحيّة. واشتغل الأفضل بلهوه. وكان القدس فى يده فعجز عنه وسلّمه إلى نوّاب الملك العزيز هذا؛ فبان للناس عجز الأفضل. ثم وقعت الوحشة بين العزيز هذا وبين أخيه الأفضل المذكور. وبلغ الفرنج ذلك، فطمعوا فى البلاد وحاصروا جبلة، وكان بها جماعة من الأكراد فباعوها للفرنج. وبرز الملك العزيز من مصر يريد قتال الفرنج فى الظاهر، وفى الباطن أخذ دمشق من أخيه الأفضل؛

وعلم الأفضل بذلك فكتب إلى عمّه العادل أبى بكر بن أيّوب، وللمشارقة «1» بالنجدة، فأجابوه إلى ما يريد؛ وكان مع العادل عدّة بلاد بالشرق، وكان لمّا توفّى أخوه السلطان الملك الناصر صلاح الدين بالكرك قدم دمشق معزّيا للأفضل وأقام عنده أيّاما؛ ثم رحل إلى محلّ ولايته بالجزيرة والرّها «2» وسميساط «3» والرّقّة «4» وقلعة «5» جعبر وديار «6» بكر وميّافارقين «7» . وهى البلاد التى كان أعطاها له أخوه صلاح الدين فى حياته، وكان له أيضا مع ذلك بالبلاد الشاميّة الكرك والشّوبك. والمقصود أنّ الملك العزيز هذا لمّا رحل من مصر إلى نحو دمشق، سار حتى نزل بظاهر دمشق، وقيل بعقبة الشّحورة «8» ؛ وجاء العادل بعساكر الشرق ونزل بمرج «9» عدواء. فأرسل إليه العزيز يقول: أريد الاجتماع بالعادل؛ فاجتمعا على ظهور خيلهما وتفاوضا؛ فقال له العادل: لا تخرّب البيت وتدخل عليه الآفة! والعدوّ وراءنا من كلّ جانب، وقد أخذوا جبلة؛ فارجع إلى مصر واحفظ عهد أبيك. وأيضا فلا تكسر حرمة دمشق، وتطمع فيها كل أحد! وعاد الملك العادل عنه إلى دمشق، واقام العزيز فى منزلته. وقدمت العساكر على الأفضل وبعث العادل إلى العزيز يقول له: ارحل إلى مرج الصّفّر؛ فرحل وهو مريض. وكان

قصد العادل أن يبعده عن البلد. فوصل الملك الظاهر غازى من حلب، والملك المنصور من حماة، وشيركوه بن محمد بن شيركوه من حمص، والأمجد من بعلبكّ، والجميع نجدة للأفضل. فقال لهم العادل: قد تقرّر أنّه يرحل إلى مصر. واشتدّ مرض العزيز فاحتاج إلى المصالحة، ولولا المرض ما صالح؛ فأرسل الملك العزيز كبراء دولته فخر الدين اياز جهاركس «1» وغيره يحلّف الملوك، وطلب مصاهرة عمّه العادل فزوّجه ابنته الخاتون. ورجع كلّ واحد إلى بلده، وذلك فى شعبان سنة تسع وثمانين وخمسمائة. وقال العماد الكاتب الأصفهانىّ: خرج الملوك لتوديع الملك العزيز إلى مرج الصّفّر واحدا بعد واحد. وأوّل من خرج إليه أخوه الملك الظاهر غازى صاحب حلب، فبات عنده ليلة وعاد، فخرج إليه أخوه الأفضل صاحب الواقعة، فقام إليه واعتنقا وبكيا، وأقام عنده أيضا يوما، وكان قد فارقه منذ تسع سنين، فلمّا عاد كتب إلى العزيز من إنشائه من عدّة أبيات: نظرتك «2» نظرة من بعد تسع ... تقضّت بالتفرّق من سنين ولمّا انفصل العساكر عن دمشق شرع الأفضل على عادته فى اللهو واللّعب، فاحتجب عن الرعيّة فسمّى «الملك النوّام» وفوّض الأمر إلى وزيره ضياء الدين الجزرىّ، وحاجبه الجمال محاسن بن العجمىّ، فأفسدا «3» عليه الأحوال، وكانا سببا لزوال دولته. واستمرّ الملك العزيز هذا بمصر وأمره ينمو ويزداد إلى سنة تسعين. وفيها عاد الاختلاف ثانيا بين العزيز والأفضل؛ وسببه إغراء الجند والوسائط. وكان أكبر المحرّضين للعزيز على أخيه الأفضل أسامة، حتّى قال له: إنّ الله يسألك عن

الرعيّة، هذا الرجل قد غرق فى اللهو وشربه، واستولى عليه الجزرىّ وابن العجمىّ. ثم قال له القاضى ابن أبى عصرون: لا تسلم يوم القيامة. وبلغ الأفضل قول أسامة وابن أبى عصرون فأقلع عمّا كان عليه، وتاب وندم على تفريطه، وعاشر العلماء والصلحاء، وشرع يكتب مصحفا بخطّه، وكان خطّه فى النهاية، فلم يغن عنه ذلك. وتحرّك العزيز يقصده، فسار الأفضل إلى عمّه العادل يستنجد به، فالتقاه العادل على صفّين «1» ، فسار معه بعساكر الشرق إلى دمشق؛ وكان الأفضل لمّا اجتاز بحلب اتّفق مع أخيه الظاهر غازى وتحالفا، وجاء إلى حماة ففعل كذلك مع ابن عمّه المنصور. وصار العادل يشير عليه بعزل الجزرىّ عن الوزارة، ويقول له: هذا يخرّب بيتك. فصار لا يلتفت إليه فحنق منه. ثم إنّ العادل سأل الملك الظاهر غازى فى شىء فلم يجبه، فغضب لذلك العادل وانفرد عنهم، وكتب إلى العزيز يخبره أنّه معه، ويستحثّه على القدوم إلى دمشق؛ فخرج العزيز من مصر مسرعا، ثم علم العادل أنّه لا طاقة له بالعزيز ولا بالظاهر؛ فراسل الأسديّة الذين كانوا بمصر، وأوعدهم بالأموال والإقطاعات. وكان الملك العزيز قد قدّم عليهم الصلاحيّة مماليك أبيه. والأسديّة هم مماليك عمّه أسد الدين شيركوه وحواشيه الأكراد؛ ثم دسّ العادل للأسديّة الأموال، وكان مقدّم الأكراد الأسديّة أبو الهيجاء السّمين؛ وكان العزيز قد عزله عن ولاية القدس، وتقدّمت الأسديّة بسيف الدين جرديك؛ فركب أبو الهيجاء بجموعه، ومعه أزكش فى الليل، وقصدوا دمشق، فأصبح العزيز فلم يرفى الخيام من الأسديّة أحدا، فرجع إلى مصر. وشرع أزكش وأبو الهيجاء والأسديّة يحرّضون العادل على أخذ مصر؛ وكانت الأسديّة والأكراد يكرهون العادل، وإنّما دعتهم

الضرورة إليه. واتّفق العادل مع ابن أخيه الأفضل وسارا إلى جهة العزيز نحو مصر. فلمّا وصلوا إلى القدس ولّوا أبا الهيجاء كما كان، وعزلوا جرديك عنها؛ ثم ساروا حتّى نزلوا بلبيس وبها جماعة من الصلاحيّة. فتوقّف العادل عن القتال ولم ير انتزاع مصر من يد العزيز، وظهرت منه قرائن تدلّ على أنّه لا يؤثر السلطنة للأفضل، ولا يرى بتقدمته على العزيز. فأرسل العادل إلى العزيز يطلب منه القاضى الفاضل، وكان الفاضل قد اعتزلهم وانقطع إلى داره، فأرسل إليه العزيز يسأله فامتنع، فتضرّع إليه وأقسم عليه، فخرج إلى العادل، فاحترمه العادل وأكرمه وتحدّث معه بما قرّره، وعاد الفاضل إلى العزيز وتحدّث معه، فأرسل العزيز ولديه الصغيرين مع خادم له برسالة ظاهرة، مضمونها: «لا تقاتلوا المسلمين ولا تسفكوا دماءهم، وقد أنفذت ولدىّ يكونان تحت كفالة عمّى العادل، وأنا أنزل لكم عن البلاد وأمضى إلى الغرب» . وكان ذلك بمشهد من الأمراء، فرقّ العادل وبكى من حضر. فقال العادل: معاذ الله! ما وصل الأمر إلى هذا الحدّ. وكان العادل قد قرّر مع القاضى الفاضل ردّ خير الأسديّة وإقطاعاتهم وأملاكهم، وأن يبقى أبو الهيجاء على ولاية القدس. ثم قال العادل للأفضل: المصلحة أن تمضى إلى أخيك وتصالحه، ما عذرنا عند الله وعند الناس إذا فعلنا بابن أخينا ما لا يليق!. وكان العزيز أرسل يقول للعادل مع الخادم المقدّم ذكره: «البلاد بلادك وأنت السلطان ونحن رعيّتك» . ففهم الأفضل أنّ العادل رجع عن يمينه، وأنّه اتّفق مع العزيز على أخذ البلاد منه، لكنّه لم يمكنه الكلام، ومضى إلى أخيه الملك العزيز واصطلحا، وعاد إلى دمشق. ودخل العزيز والعادل والأسديّة إلى القاهرة يوم الخميس رابع ذى الحجّة. وسلطن العادل العزيز ومشى بين يديه بالغاشية «1» .

ولو أراد العادل مصر فى هذه المرّة لأخذها؛ وإنّما كان قصده الإصلاح بين الإخوة. ثم وقع بين العزيز هذا والأفضل ثالثا، وهو أنّه لمّا عاد الأفضل إلى دمشق ازداد وزيره الجزرىّ من الأفعال القبيحة، والأفضل يسمع منه ولا يخالفه، فكتب قيماز النّجمىّ وأعيان الدولة إلى العادل يشكونه، فأرسل العادل إلى الأفضل: «ارفع يد هذا الأحمق السيّئ التدبير القليل التوفيق» ، فلم يلتفت. فاتّفق العادل مع ابن أخيه العزيز هذا على التوجّه إلى الشام فسارا. واستشار الأفضل أصحابه، فكلّ أشار عليه بأن يلتقى عمّه العادل وأخاه العزيز ولا يخالفهما إلّا الجزرىّ، فإنّه أشار بالعصيان، فاستعد الأفضل للقتال والحصار وحلّف الأمراء والمقدّمين، وفرّقهم فى الأبراج والأسوار، فراسلوا العزيز والعادل وأصلحوا أمرهم فى الباطن؛ واتّفق العادل مع عزّ الدين الحمصى على فتح الباب الشرقىّ؛ وكان مسلّما إليه، فلمّا كان يوم الأربعاء سادس عشرين شهر رجب ركب العادل والعزيز وجاءا إلى الباب الشرقىّ ففتحه ابن الحمصى فدخلا إلى البلد من غير قتال؛ فنزل العزيز دار عمّته ستّ الشام، ونزل العادل دار العقيقىّ، ونزل الأفضل إليهما وهما بدار العقيقى؛ فدخل عليهما وبكى بكاء شديدا، فأمره العزيز بالانتقال من دمشق إلى صرخد، فأخرج وزيره الجزرىّ فى الليل فى جملة الصناديق خوفا عليه من القتل، فأخذ أموالا عظيمة وهرب إلى بلاده. وكان العزيز قد قرّر مع عمّه العادل أن يكون نائبه بمصر، ويقيم العزيز بدمشق. ثم ندم فأرسل إلى أخيه الأفضل رسالة فيها صلاح حاله. ثم وقعت أمور إلى أن سلّم العزيز بصرى إلى العادل، وكان بها الظافر. وأقام العزيز بعد ذلك بدمشق مدّة، وصلّى الجمعة عند قبر والده بالكلّاسة وأمر ببناء القبّة والمدرسة إلى جانبها،

ثم أمر محيى الدين بن الزّكىّ بعمارة المدرسة العزيزيّة، ونقل السلطان صلاح الدين إلى الكلّاسة فى سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة. وكان الأفضل قد شرع فى بناء تربة عند مشهد «1» القدم بوصيّة من السلطان صلاح الدين. وكان الملك العزيز إذا جلس فى مجالس لهوه يجلس العادل على بابه، كأنّه برد [هـ «2» ] داره. فلمّا كان آخر ليلة من مقام العزيز بدمشق، وكانت ليلة الاثنين تاسع شعبان، قال العادل لولده المعظم عيسى: ادخل إلى العزيز فقبّل يده واطلب منه دمشق، وكان المعظّم قد راهق الحلم، فدخل إلى ابن عمّه العزيز وقبّل يده وطلب منه دمشق، فدفعها إليه وأعطاه مستحقّه، وقيل: بل استناب العادل فيها، ثم أعطاها للمعظّم فى سنة أربع وتسعين. وكان خروج الملك العزيز من دمشق فى يوم تاسع شعبان المذكور. وسار إلى مصر ومضى الأفضل إلى صرخد، واجتاز العزيز بالقدس فعزل أبا الهيجاء السمين عن نيابتها، وولّاها لسنقر الكبير، ومضى أبو الهيجاء إلى بغداد. واستمرّ الملك العزيز بمصر، واستقامت الأمور فى أيّامه، وعدل فى الرعيّة، وعفّ عن أموالها حتّى قيل: إنّ ابن البيسانىّ أخا القاضى الفاضل بذل على قضاء المحلّة «3» أربعين ألف دينار، فعجّل منها عشرين ألفا، وكان رسوله فى ذلك الملك العادل عمّ العزيز المقدّم ذكره، وبذل له عن ترسّله خمسة آلاف دينار، وللحاجب

أبى بكر ألف دينار، ولجهاركس ألف دينار. فاجتمعوا على العزيز جميعا وخاطبوه فى ذلك، وألحّ عليه الملك العادل. فقال له العزيز: والله يا عمّ، هذا الرجل بذل لنا هذا البذل [لا «1» ] عن محبّة لنا، والله إنّه ليأخذ من أموال الرعيّة أضعاف ذلك، لا ولّيته أبدا! فرجع العادل عن مساعدته، فلمّا آل الأمر إلى العادل صادر ابن البيسانىّ المذكور، وأخذ منه أموالا كثيرة. انتهى. وقال القاضى شمس الدين بن خلّكان فى ترجمة الملك العزيز هذا بعد أن ذكر اسمه ولقبه قال: «وكان ملكا مباركا كثير الخير واسع الكرم محسنا إلى الناس معتقدا فى أرباب الخير والصلاح، وسمع بالإسكندرية الحديث من [الحافظ «2» ] السّلفىّ، والفقيه أبى طاهر بن عوف الزّهرىّ، وسمع [بمصر «3» ] من العلّامة أبى محمد بن برّىّ النحوىّ وغيرهم. ويقال: إنّ والده لمّا كان بالشام والقاضى الفاضل عبد الرحيم بالقاهرة عند العزيز ولد للعزيز المذكور ولد، فكتب القاضى الفاضل يهنّئ والده السلطان صلاح الدين بولد ولده، فقال: «المملوك يقبّل الأرض بين يدى مولانا الملك الناصر، دام «4» رشده وإرشاده، وزاد سعده وإسعاده، وكثر أولياؤه وعبيده وأحفاده، واشتدّ بأعضاده فيهم اعتضاده، وأنمى الله عدده حتّى يقال هذا آدم الملوك وهذه أولاده؛ وينهى أنّ الله تعالى- وله الحمد- رزق الملك العزيز- عزّ نصره- ولدا مباركا عليّا، ذكرا سريّا، [برّا «5» ] زكيّا، نقيّا تقيّا؛ من ورثة كريمة بعضها من بعض، وبيت شريف كادت ملوكه تكون ملائكة فى السماء، ومماليكه ملوكا فى الأرض» . انتهى ما كتبه القاضى الفاضل فى التهنئة.

قال ابن خلّكان- رحمه الله-: «وكانت ولادة العزيز بالقاهرة فى ثامن جمادى الأولى سنة سبع وستين وخمسمائة. وكان قد توجّه إلى الفيّوم، فطرد فرسه وراء، صيد فتقنطر به فرسه، فأصابته الحمّى من ذلك، وحمل إلى القاهرة فتوفّى بها فى الساعة السابعة من ليلة الأربعاء «1» الحادى والعشرين من المحرّم سنة خمس وتسعين وخمسمائة- رحمه الله تعالى- قال: ولمّا مات كتب القاضى الفاضل إلى عمّه العادل رسالة يعزّيه، من جملتها: «فنقول فى توديع النّعمة بالملك العزيز: لا حول ولا قوّة إلا بالله قول الصابرين، ونقول فى استقبالها بالملك العادل؛ الحمد لله ربّ العالمين قول الشاكرين؛ وقد [كان «2» ] من أمر هذه الحادثة «3» ما قطّع «4» كلّ قلب وجلب كلّ كرب ومثّل وقوع هذه الواقعة لكلّ أحد ولا سيما لأمثال المملوك، ومواعظ الموت بليغة، وأبلغها ما كان فى شباب الملوك؛ فرحم الله ذلك الوجه ونضّره، ثمّ السبيل إلى الجنة يسّره. وإذا محاسن أوجه بليت ... فعفا الثرى عن وجهه الحسن والمملوك فى حال تسطير هذه الخدمة جامع بين مرضى قلب وجسد، ووجع أطراف وعليل كبد؛ فقد فجع المملوك بهذا المولى، والعهد بوالده غير بعيد، والأسى فى كلّ يوم جديد؛ وما كان ليندمل ذلك القرح، حتّى أعقبه هذا الجرح؛ والله تعالى لا يعدم المسلمين بسلطانهم الملك العادل [السلوة «5» ، كما لم يعدمهم بنبيّهم صلّى الله عليه وسلم الأسوة]- وأخذ فى نعت الملك العادل إلى أن قال-: ودفن بالقرافة

الصغرى (يعنى العزيز) فى قبّة الإمام الشافعىّ- رضى الله عنه-. وقبره معروف هناك» انتهى كلام ابن خلّكان برمّته، ولم يتعوّض لشىء من أحواله، ولا إلى ما كان فى بداية أمره. وقال أبو المظفّر سبط ابن الجوزىّ فى تاريخه: «وفيها (يعنى سنة خمس وتسعين) توفّى الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين صاحب مصر. كان صلاح الدين يحبّه، وكان جوادا شجاعا عادلا منصفا لطيفا كثير الخير رفيقا بالرعيّة حليما. حكى لى المبارز سنقر الحلبىّ- رحمه الله- قال: ضاق ما بيده بمصر (يعنى عن العزيز) ولم يبق فى الخزانة درهم ولا دينار، فجاء رجل من أهل الصعيد إلى أزكش سيف الدين، قال: عندى للسلطان عشرة آلاف دينار ولك ألف دينار، وتولينى قضاء الصعيد؛ فدخل أزكش إلى العزيز فأخبره؛ فقال: والله لا بعت دماء المسلمين وأموالهم «1» بملك الأرض! وكتب ورقة لأزكش بألف دينار. وقال: اخرج فاطرد هذا الدبر «2» ، ولولاك لأدّبته. وقد ذكرنا أنّه وهب دمشق [للملك «3» ] المعظّم، وكان يطلق عشرة آلاف دينار وعشرين ألفا. وكان سبب وفاته أنّه خرج إلى الفيّوم يتصيّد، فلاح له ظبى فركض الفرس خلفه فكبا به الفرس، فدخل قربوس [السرج «4» ] فى فؤاده، فحمل إلى القاهرة فمات فى العشرين من المحرّم، ودفن عند الشافعى- رحمه الله- عن سبع وعشرين سنة وشهور؛ وقيل: عن ثمان وعشرين سنة. ولمّا مات نصّ على ولده ناصر الدين محمد، وهو أكبر أولاده، وكان له عشرة أولاد، ولم يذكر عمّه العادل فى الوصيّة.

وأوصى للأمير أزكش، وكان مقدّم الأسديّة وكبيرهم، وعاش بعد العزيز مدّة طويلة» . انتهى كلام أبى المظفّر. وقال ابن القادسىّ- خلاف ما نقل أبو المظفّر وابن خلّكان وغيرهما- قال: «كان قد ركب وتبع غزالة فوقع فاندقّت عنقه، وبقى أربعة أيّام ومات. ونصّ على ولده الأكبر محمد إن أمضى العادل ذلك. وكانت الوصيّة إلى أمير كبير اسمه أزكش فوثبت الأسديّة عليه فقتلته» . انتهى. وقال الشيخ شمس الدين يوسف بن قزأوغلى فى تاريخه: «ولمّا مات العزيز كان لابنه محمد عشر سنين، وكان مقدّم الصّلاحيّة فخر الدين جهاركس، وأسد الدين سرا سنقر، وزين الدّين قراجا؛ فاتّفقوا على ناصر الدين محمد (يعنى ابن العزيز) ، وحلّفوا له الأمراء. وكان سيف الدين أزكش مقدّم الأسدية غائبا بأسوان، فقدم فصوّب رأيهم وما فعلوه، إلّا أنّه قال: هو صغير السّن لا ينهض بأعباء الملك، ولا بدّ من تدبير كبير يحسم الموادّ ويقيم الأمور؛ والعادل مشغول فى الشرق بماردين «1» ، وما ثمّ أقرب من الأفضل نجعله أتابك العساكر. فلم يمكن الصّلاحيّة مخالفته. وقالوا: افعل، فكتب أزكش إلى الأفضل يستدعيه وهو بصرخد «2» ، وكتبت الصلاحيّة إلى من بدمشق من أصحابهم يقولون: قد اتّفقت الأسديّة على الأفضل، وإن ملكوا حكموا علينا، فامنعوه من المجىء؛ فركب عسكر دمشق ليمنعوه ففاتهم؛ وكان الأفضل قد التقى نجّابا من جهاركس إلى من بدمشق بهذا المعنى، ومعه كتب فأخذها منه وقال: ارجع فرجع إلى مصر. ولمّا وصل الأفضل إلى مصر التقاه

الأسديّة- نحكى ذلك كلّه فى أوّل ترجمة الملك المنصور بن العزيز هذا، إن شاء الله- وكان الملك العزيز قوّيّا ذا بطش وخفّة حركة، كريما محسنا «1» عفيفا لم يردّ سائلا؛ وبلغ من كرمه أنّه لم يبق له خزانة ولا خاصّ ولا ترك ولا فرش. وأمّا عفته فإنّه كان له غلام تركىّ اشتراه بألف دينار يقال له: أبو شامة، فوقف يوما على رأسه فى خلوة ليس معهما ثالث، فنظر العزيز إلى جماله، وأمره أن ينزع ثيابه، وقعد العزيز منه مكان الفاحشة؛ فأدركه التوفيق ونهض مسرعا إلى بعض سراريه فقضى وطره، وخرج إلى الغلام وأمره بالخروج عنه» . انتهى. ويحكى عن عفّته عن الأموال: أنّ عرب المحلّة قتلوا بعض أمرائه، وكان والى المحلة ابن بهرام، فجباهم عشرة آلاف دينار، وجاء بها إلى القاهرة؛ فصادف فى الدّهليز غلاما خارجا من عند السلطان؛ فقال ابن بهرام: ارجع إلى السلطان واستأذنه لى؛ فقال الغلام: دعنى، أنا فى أمر مهمّ للسلطان، قد وهب لشيخ صيّاد دينارين، وقد سيّرنى إلى الجهات كلّها فلم أجد فيها شيئا، وقد تعذّر عليه هذا المبلغ اليسير؛ فقال: ارجع إليه، معى مال عظيم. فلمّا دخل ابن بهرام إلى العزيز فضّ المال بين يديه وقال: هذا دية فلان؛ فقال: أخذتها من القاتل؟ قال: لا، بل من القبيلة؛ فقال العزيز: لا أستجيز أخذه، ردّه على أربابه، فراجعه فاكفهرّ؛ فخرج ابن بهرام بالمال وهو يقول: ما يردّ هذا مع شدّة الحاجة إلّا مجنون!. فرحم الله هذه الشّيم. انتهت ترجمة الملك العزيز من عدّة أقوال. رحمه الله تعالى وعفا عنه وعن جميع المسلمين والحمد لله رب العالمين.

ما وقع من الحوادث سنة 589

*** [ما وقع من الحوادث سنة 589] السنة الأولى من ولاية السلطان العزيز عثمان بن صلاح الدين يوسف على مصر، وهى سنة تسع وثمانين وخمسمائة، على أنّ والده السلطان صلاح الدين يوسف حكم منها المحرّم وصفرا. فيها كانت وفاة السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب حسب ما تقدّم ذكره فى ترجمته. وفيها توفّى الأمير بكتمر [بن عبد الله مملوك «1» ] شاه أرمن. وعزّ الدين صاحب الموصل كما سيأتى. وفيها بنى الخليفة الناصر لدين الله العباسىّ دار الكتب بالمدرسة النظاميّة ببغداد، ونقل إليها عشرة آلاف مجلد، فيها الخطوط المنسوبة وغيرها. وفيها توفّى أسعد بن نصر بن أسعد النحوىّ، كان إماما فاضلا أديبا شاعرا. ومن شعره قوله: يجمع المرء ثم يترك ما جمّ ... ع من كسبه لغير شكور ليس يحظى إلّا بذكر جميل ... أو بعلم من بعده مأثور وفيها توفّى الأمير بكتمر بن عبد الله مملوك شاه أرمن بن سكمان صاحب خلاط، مات شاه أرمن ولم يخلّف ولدا، فاتّفق خواصّه على بكتمر فولّى، وضبط الأمور وأحسن للرعيّة، وصاحب العلماء، وكان حسن السّيرة متصدّقا ديّنا صالحا؛ جاءه أربعة على زىّ الصوفيّة فتقدّم إليه واحد منهم فمنعه الجانداريّة «2» . فقال:

دعوه، فتقدّم وبيده قصّة فأخذها منه، فضربه بسكّين فى جوفه فمات فى ساعته. فأخذوا الأربعة وقرّروا، فقالوا: نحن إسماعيليّة «1» ؛ فقتلوا وأحرقوا؛ وذلك فى جمادى الأولى. وفيها توفّى السلطان مسعود بن مودود بن زنكى بن آق سنقر عزّ الدّين صاحب الموصل وابن أخى السلطان الملك العادل نور الدين الشهيد. كان خفيف العارضين أسمر مليح اللّون، عادلا عاقلا محسنا إلى الرعية شجاعا، صبر على حصار السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب له بالموصل ثلاث مرّات، وحفظ البلد وفرّق الأموال العظيمة. وكان ديّنا صالحا، خرج من الموصل لقتال الملك العادل أبى بكر ابن أيّوب، وكان العادل على حرّان «2» بعد موت صلاح الدين. فعاد مريضا ومات فى شهر رمضان، وكانت أيّامه ثلاث عشرة «3» سنة وستّة أشهر. وأوصى بالملك من بعده لولده الأكبر نور الدين أرسلان شاه، وكان أخوه شرف الدين مودود يروم السلطنة، فصرفت عنه لنور الدين هذا فعزّ ذلك عليه. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الشيخ سنان «4» بن سليمان البصرىّ زعيم الإسماعيليّة. وأبو منصور عبد الله بن محمد [بن علىّ «5» بن هبة الله] ابن عبد السلام الكاتب. والقاضى أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الحضرمىّ بالإسكندريّة. وصاحب الموصل عزّ الدين مسعود بن قطب الدين مودود بن زنكى.

ما وقع من الحوادث سنة 590

والمكرم بن هبة الله بن المكرم الصّوفىّ. والسلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن أيّوب فى صفر بقلعة دمشق، وله سبع وخمسون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وثلاث أصابع. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وثمانى أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 590] السنة الثانية من ولاية العزيز عثمان بن صلاح الدين يوسف على مصر، وهى سنة تسعين وخمسمائة. فيها توفّى أحمد بن إسماعيل بن يوسف الشيخ الإمام أبو الخير القزوينىّ الشافعىّ. كان إماما عالما بالتفسير والفقه، وكان متعبّدا يختم القرآن فى كلّ يوم وليلة. ومولده بقزوين «1» فى سنة اثنتى عشرة وخمسمائة. وقدم بغداد ووعظ ومال إلى الأشعرىّ، فوقعت الفتن. وجلس يوم عاشوراء فى النظاميّة فقيل له: العن يزيد بن معاوية؛ فقال: ذاك إمام مجتهد «2» ، فجاءه الرّجم حتّى كاد يقتل، وسقط عن المنبر فأدخل إلى بيت فى النظاميّة، وأخذت فتاوى الفقهاء بتعزيره؛ فقال بعضهم يضرب عشرين سوطا: قيل له: من أين لك هذا. فقال: عن عمر ابن عبد العزيز، سمع قائلا يقول: أمير المؤمنين يزيد بن معاوية، فضربه عشرين سوطا. ثم خلّص القزوينىّ بعد ذلك وأخرج من بغداد إلى قزوين. وفيها توفى السلطان طغرلبك شاه بن أرسلان شاه بن طغرل شاه بن محمد ابن ملكشاه بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق السّلجوقىّ آخر ملوك

السّلجوقيّة بالعراق سوى «1» صاحب الروم. وكان مبدأ أمره- عند وفاة والده- سنة ثلاث «2» وسبعين وخمسمائة، وكان صغير السّنّ فكفله البهلوان «3» إلى أن مات فى سنة اثنتين وثمانين، فكفله بعده أخو «4» البهلوان لأبيه حتّى أنف من الحجر وخرج عن يده، وانضاف إليه جماعة من الأمراء، وكسر عسكر الخليفة وأسر ابن يونس «5» وهابته الملوك. وكان طغرلبك هذا سفّا كاللدماء، قتل وزيره رضىّ الدين الغزنوىّ «6» ، وفخر الدين العلوىّ رئيس همذان. ثم وقع له أمور ومحن وأخذ وحبس. وقد تقدّم أن طغرلبك هذا آخر ملوك السّلجوقيّة، وعدّتهم نيّف وعشرون ملكا، ومدّة ملكهم مائة وستون سنة. وأوّل من ملك منهم طغرلبك فى سنة اثنتين وثلاثين «7» وأربعمائة؛ ثم ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقماق «8» ، وهو ابن أخى طغرلبك؛ ثم بعده ولده ملكشاه؛ ثم ولده محمود؛ ثم أخوه بركياروق؛ ثم أخوه محمد شاه؛ ثم ولده محمود؛ ثم واحد بعد واحد. حسب ما ذكرناهم فى هذا الكتاب كلّ واحد فى محلّه. وطغر يلبك (بضم الطاء المهملة وسكون الغين المعجمة وكسر «9» الراء

ما وقع من الحوادث سنة 591

المهملة وبعدها ياء ولام ساكنتان) . وهو اسم باللغة التركيّة لطائر معروف عندهم. وبك: هو الأمير، واضح لا يحتاج إلى تفسير. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى العلّامة رضىّ الدّين أبو الخير أحمد بن إسماعيل الطّالقانىّ القزوينىّ الشافعىّ الواعظ فى المحرّم، وله ثمان وثمانون سنة. وطغرلبك شاه السلطان ابن «1» أرسلان بن طغرل بن محمد بن ملكشاه السّلجوقىّ، قتله [فى] المصاف خوارزم شاه تكش. وأبو المظفّر عبد الخالق بن فيروز الجوهرىّ. والإمام أبو محمد القاسم بن فيّره «2» الرّعينىّ «3» الشّاطبىّ «4» المقرئ فى جمادى الآخرة، وله اثنتان وخمسون سنة. والحافظ محمد بن إبراهيم بن خلف المالقىّ «5» أبو عبد الله بن الفخّار بمرّاكش. والفخر محمد بن علىّ بن شعيب بن الدّهّان الأديب المؤرّخ فجأة بالحلّة «6» . أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ست أذرع وخمس أصابع. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا واثنتان وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 591] السنة الثالثة من ولاية العزيز عثمان بن صلاح الدين يوسف على مصر، وهى سنة إحدى وتسعين وخمسمائة.

فيها اقطع الملك العزيز فارس الدين ميمون القصرىّ نابلس «1» فى سعمائة فارس من مقاتلة «2» الفرنج. وفيها كانت وقعة الزّلّاقة «3» بين يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن وبين ألفنش «4» الفرنجىّ ملك طليطلة «5» ، وكان قد استولى على جزيرة الأندلس وقهر ولاتها، ويعقوب المذكور مشغول بقتال الخارجين عليه، وبينه وبين الأندلس زقاق سبتة «6» ، وعرضه ثلاث فراسخ، فجمع يعقوب العساكر وعرض جنده، وكانوا مائتى ألف [مقاتل «7» : مائة ألف] يأكلون الأرزاق، ومائة ألف مطّوّعة، وعبر الزّفاق إلى مكان يقال له الزّلّاقة؛ والتقوا فجرى بينهم قتال لم يجر فى جاهلية ولا إسلام حتّى أنزل الله نصره على المسلمين. فولّى ألفنش هاربا فى نفر يسير إلى طليطلة، وغيم المسلمون ما كان فى عسكره. وكان عدّة من قتل من الفرنج مائة ألف وستة وأربعين ألفا، وعدّة الأسارى ثلاثين ألفا؛ ومن الخيام: مائة ألف خيمة وخمسين ألفا؛ ومن الخيل ثمانين ألفا؛ ومن البغال والأموال والجواهر والثياب ما لا يحدّ ولا يحصى. ويبع الأسير من الفرنج بدرهم؛ والسيف بنصف درهم، والحضان بخمسة دراهم، والحمار بدرهم. وقسم الملك يعقوب هذه الغنائم بين المسلمين على مقتضى الشريعة،

ما وقع من الحوادث سنة 592

فاستغنوا إلى الأبد. ووصل ألفنش إلى طليطلة على أقبح وجه، فحلق رأسه ولحيته، ونكّس صليبه وآلى أنّه لا ينام على فراش ولا يقرّب النساء ولا يركب فرسا حتّى يأخذ بالثأر. وفيها اعتنى الخليفة الناصر لدين الله العباسىّ بحمام البطاقة اعتناء زائدا، حتى صار يكتب بأنساب الطير المحاضر أنّه من ولد الطير الفلانىّ؛ وقيل: إنّه باع طيرا بألف دينار. وفيها حجّ بالناس من بغداد سنجر «1» الناصرىّ، ومن الشام سرا سنقر وأيبك فطيس الصلاحيّان، ومن مصر الشريف إسماعيل بن ثعلب الجعفرىّ «2» الطالبىّ. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال. وفيها توفّى أبو القاسم ذاكر بن كامل الخفّاف. والفقيه أبو محمد عبد الله الزاهد ابن محمد بن على الأندلسىّ فى المحرّم عن بضع وثمانين سنة. وأبو الحسن «3» نجبة بن يحيى [بن خلف «4» ] بن نجبة الإشبيلىّ المقرئ النحوىّ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ست أذرع وإصبعان. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشر أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 592] السنة الرابعة من ولاية العزيز عثمان بن صلاح الدين يوسف على مصر، وهى سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة.

فيها بعد خروج الحاجّ من مكّة هبّت ريح سوداء عمّت الدنيا، ووقع على الناس رمل أحمر، ووقع من الركن اليمانىّ قطعة، وتحرّك البيت الحرام مرارا. وهذا شىء لم يعهد منذ بناه عبد الله بن الزّبير- رضى الله عنهما-. وفيها أيضا كانت الوقعة الثانية بين السلطان يعقوب وبين ألفنش ملك الفرنج بعد أن حشد ألفنش جمعا كبيرا والتقوا، فكان بينهم قتلة عظيمة؛ ونصر الله المسلمين. وهزمه يعقوب وتبعه وحصره على الزّلّاقة وبطليطلة ونصب عليها المجانيق وضيّق عليها، ولم يبق إلّا أخذها. فخرجت «1» إليه والدة ألفنش وبناته ونساؤه وبكين بين يديه، وسألته إبقاء البلد عليهنّ، فرقّ لهنّ «2» ومنّ عليهنّ بها؛ ولو فتح طليطلة لفتح إلى مدينة النّحاس «3» . ثم عاد يعقوب إلى قرطبة فأقام بها شهرا يقسم الغنائم، وجاءته رسل ألفنش أيضا تسأل الصلح، فصالحه على مدّة معيّنة. وفيها توفّى محمد بن علىّ بن أحمد «4» ، الوزير أبو الفضل مؤيّد الدّين بن القصّاب. أصله من شيراز، وقدم بغداد واستخدم فى الديوان، ثم ترقّى إلى أن ولى الوزارة؛ وقرأ الأدب والنحو. وكان داهية ردىء الاعتقاد إلّا أنّه كان له خبرة بالأمور والحروب وفتح البلاد، وكان الخليفة الناصر لدين الله يثنى عليه ويقول: لو قبلوا من رأيه ما جرى ما جرى، ولقد أتعب الوزراء من بعده. وفيها توفّى محمد «5» بن علىّ بن شعيب، الشيخ أبو شجاع الفرضىّ الحاسب البغدادىّ المعروف بابن الدّهان. كان فاضلا عالما وصنّف تاريخا من عشر وخمسمائة إلى سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة.

وفيها توفّى محمد بن علىّ بن فارس الشيخ أبو الغنائم [المعروف «1» ب] ابن المعلّم الهرثىّ الشاعر المشهور. وهرث: قرية تحت واسط. كان رقيق الشعر، لطيف المعانى، وله ديوان شعر. ومن شعره القصيدة التى أوّلها: لو قضى من أهل نجد أربه ... لم يهج نشر الخزامى طربه علّلوا الصبّ بأنفاس الصّبا ... إنّها تشفى النفوس الوصبه فهى إن مرّت عليه نشرت ... ما انطوى عنه وجلّت كربه كلفى فيكم قديم عهده ... ما صباباتى بكم مكتسبه أين ورق الجزع من لى أن أرى ... عجمه إن لم أشاهد عربه ومنها: عن جفونى النوم من بعّده ... وإلى جسمى الضّنا من قرّبه وصلوا الطّيف إذا لم تصلوا ... مستهاما قد قطعتم سببه وإلى أن تحسنوا صنعابنا ... قد أساء الحبّ فينا أدبه وهى أطول من هذا. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى المحدّث أبو الرّضا أحمد بن طارق الكركىّ «2» فى ذى الحجّة ببغداد. وعبد الخالق بن عبد الوهّاب بن محمد المالكىّ «3» الصابونىّ الخفّاف. وأبو الغنائم محمد بن علىّ بن فارس [المعروف ب] ابن المعلّم الواسطىّ شاعر العراق عن إحدى وتسعين سنة. والوزير مؤيّد الدّين محمد بن علىّ بن القصّاب. والعلّامة مجير الدين محمود بن المبارك البغدادىّ الشافعىّ عن خمس وسبعين سنة. ويوسف بن معالى الكتّانىّ المقرئ بدمشق.

ما وقع من الحوادث سنة 593

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وست وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 593] السنة الخامسة من ولاية الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين يوسف على مصر، وهى سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة. فيها قدم حسام الدّين أبو الهيجاء السّمين بغداد وخرج الموكب للقائه، ودخل أبو الهيجاء فى زىّ عظيم [و] رتّب الأطلاب على ترتيب أهل الشام، وكان فى خدمته عدّة من الأمراء؛ وأوّل «1» ما تقدّم من الأمراء طلب ابن أخيه المعروف بكور الغرس ثم أمير أمير؛ وجاء هو بعد الكلّ فى العدّة الكاملة والسلاح التامّ، وخرج أيضا أهل بغداد للقائه، وكان رأسه صغيرا وبطنه كبيرا جدّا، بحيث كان بطنه على رقبة البغلة؛ فرآه رجل كوّاز فعمل فى الساعة كوزا من طين على هيئته، وسبقه فعلّقه فى السوق؛ فلمّا اجتاز به ضحك. ثم عمل بعد ذلك أهل بغداد كيزانا سمّوها: أبا الهيجاء. وأكرمه الخليفة وأقام له بالضّيافات. قلت: أبو الهيجاء هذا هو الذي عزله الملك العزيز هذا عن نيابة القدس بجرديك فى أوائل أمره. حسب ما تقدّم ذكره فى ترجمة العزيز. وفيها توفّى الأمير طغتكين بن أيّوب أخو السلطان صلاح الدين بن أيوب، ولقبه سيف الإسلام. كان والى اليمن، ملكها من زبيد إلى حضر موت «2» ، وكان

شجاعا مقداما شهما. وتوفّى بزبيد. وولى اليمن بعده ولده شمس الملوك إسماعيل وادّعى الخلافة. وفيها توفّى عبد الله بن منصور بن عمران الشيخ أبو بكر الباقلانىّ. ومولده فى سنة خمسمائة. وانفرد بالرّواية فى القراءات العشر، وكان حسن التلاوة. وقدم بغداد ومات بواسط فى سلخ شهر ربيع الآخر. وفيها توفّى عبيد الله «1» بن يونس بن أحمد الوزير جلال الدين أبو المظفّر الحنبلىّ، ولى حجابة الديوان ثم استوزره الخليفة؛ وكان إماما عالما فى الأصلين والحساب والهندسة والجبر والمقابلة، غير أنّه شان أمره بأمور فعلها، منها: أنّه أخرب بيت الشيخ عبد القادر [الجيلانىّ» ] وشتّت أولاده، ويقال: إنّه بعث فى الليل من نبش على الشيخ عبد القادر ورمى بعظامه فى اللّجّة، وقال: هذا وقف ما يحلّ أن يدفن فيه أحد. قلت: وما فعله هو بعظام الشيخ أقبح من أن يدفن بعض المسلمين فى بعض أوقاف المسلمين، وما ذاك إلّا الحسد داخله من الشيخ عبد القادر وعظم شهرته حتّى وقع منه ما وقع؛ ولهذا كان موته على أقبح وجه، بعد أن قاسى خطوبا ومحنّا وحبس سنين، حتى أخرج من الحبس ميّتا؛ وهذا ما وقع له فى الدنيا، وأمّا الأخرى فأمره إلى الله تعالى. وبالجملة فإنّه كان من مساوىء الدهر. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى سيف الإسلام طغتكين بن أيّوب بن شادى صاحب اليمن فى شوّال، وولى بعده ابنه إسماعيل. ومقرئ العراق أبو بكر عبد الله بن منصور الرّبعىّ الباقلانىّ بواسط فى شهر ربيع

ما وقع من الحوادث سنة 594

الأول عن ثلاث وتسعين سنة. والوزير جلال الدين عبيد الله بن يونس، مات فى المطمورة «1» . وعذراء بنت شاهنشاه بن أيّوب ودفنت بالعذراويّة «2» . وقاضى القضاة أبو طالب علىّ بن علىّ بن أبى البركات البخارىّ الشافعىّ ببغداد. وأبو المعمّر محمد ابن حيدرة بن عمر بن إبراهيم العلوىّ الزّيدىّ الرافضىّ. وأبو «3» الفتح الأصبهانىّ ناصر الدين بن محمد الوترح فى ذى الحجّة. وأبو القاسم يحيى بن أسعد بن [يحيى «4» ] بن بوش الخبّاز فى ذى القعدة، غصّ بلقمة، وعاش بضعا وثمانين سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وخمس وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وإحدى وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 594] السنة السادسة من ولاية العزيز عثمان بن صلاح الدين يوسف على مصر، وهى سنة أربع وتسعين وخمسمائة. فيها توفّى الأمير جرديك بن عبد الله النّورىّ. كان من أكابر أمراء الملك العادل نور الدين محمود الشهيد؛ ثم خدم السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب فى جميع غزواته وحروبه من يوم قتل شاور بمصر وابن الخشّاب بحلب. وكان أميرا شجاعا مهيبا جوادا، ولّاه صلاح الدين نيابة القدس إلى أن أخذها منه الأفضل.

وفيها توفى زنكى بن مودود بن زنكى بن آق سنقر عماد الدين صاحب سنجار، وابن أخى نور الدين الشهيد. كان عاقلا جوادا لم يزل مع السلطان صلاح الدين؛ وكان السلطان صلاح الدين يحترمه مثل ما كان يحترم نور الدين، ويعطيه الأموال والهدايا، وكانت وفاته بسنجار. ولمّا احتضر أوصى إلى أكبر أولاده قطب الدين محمد، ولقّب بالملك المنصور. وفيها توفّى قيماز بن عبد الله مجاهد الدين الخادم الرومىّ الحاكم على الموصل، وهو الذي بنى الجامع المجاهدىّ والمدرسة والرّباط والبيمارستان بظاهر الموصل على دجلة ووقف عليها الأوقاف. وكان عليه رواتب بحيث إنّه لم يدع [بالموصل «1» بيت] فقير إلّا أغنى أهله، وكان ديّنا صالحا عابدا عادلا كريما، يتصدّق كلّ يوم خارجا عن الرواتب بمائة دينار. ولمّا مات عزّ الدّين مسعود «2» وولى ابنه أرسلان «3» شاه حبس قيماز هذا وضيّق عليه وآذاه إلى أن مات فى حبسه. وفيها توفّى يحيى بن سعيد بن هبة الله العلّامة أبو طالب قوام الدّين الشّيبانىّ المنشئ الكاتب الواسطىّ الأصل، البغدادىّ المولد والدار والوفاة. مولده فى سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة. واشتغل بالأدب وبرع فى الإنشاء وفنون من العلوم كالفقه وعلم الكلام والأصول والحساب والشعر، وجالس أبا منصور بن الجواليقىّ وقرأ عليه، وسمع أبا القاسم بن الصائغ وغيره؛ وولى للخليفة عدّة خدم: حجبة الباب، ثم الأستادارية، ثم كتابة الإنشاء آخر عمره ومات فى ذى الحجّة. ومن شعره- وأحسن فيما قال-:

باضطراب الزمان ترتفع الأن ... ذال فيه حتّى يعم البلاء وكذا الماء ساكنا فإذا ... حرّك ثارت من قعره الأقذاء قلت: وفى هذين البيتين شرح حال زماننا هذا لكثرة من ترقّى فيه من الأوباش إلى الرّتب السنيّة من كلّ طائفة، وقد أذكرنى ذلك واقعة جرت فى أوّل سلطنة الملك الأشرف إينال «1» ، وهى أنّ بعض أوباش الخاصكيّة ممّن ليس له ذات ولا أدوات وقف إلى السلطان وطلب منه إمرة عشرة، وقال له: يا مولانا السلطان، إمّا أن تنعم علىّ بإمرة عشرة وإلّا وسّطنى هنا؛ وقيل: إنّه تمدّد ونام بين يديه حتّى أخذ إمرة عشرة؛ وهو معروف لا يحتاج إلى تسميته. ومن هذه المقولة شىء كثير، ومع ذلك خرج الزمان وللدولة أعيان، فلا قوّة إلّا بالله. وفيها توفّى أبو الهيجاء السّمين الأمير حسام الدين الكردىّ المقدّم ذكره فى عدّة أماكن، وذكرنا أيضا دخوله إلى بغداد، وأنّه صار من جملة أمراء الخليفة حتى سيّره إلى همذان، فلم يتمّ له أمر، واختلف أصحابه عليه فاستحيا أن يعود إلى بغداد، فسار إلى الشام ومرض بها ومات بعد أيّام. وكان أميرا شجاعا مقداما عارفا متجمّلا سيوسا. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وأربع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وإصبعان.

ذكر ولاية الملك المنصور محمد على مصر

ذكر ولاية الملك المنصور محمد على مصر اختلف المؤرّخون فيمن ولى ملك مصر بعد موت الملك العزيز عثمان ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب. فمن الناس من قال: أخوه الأفضل نور الدين علىّ بن صلاح الدين يوسف بن أيّوب؛ ومنهم من قال: ولده الملك المنصور محمد هذا. والصواب المقالة الثانية، فإنّه كان ولّاه والده العزيز من بعده، وإليه أوصى العزيز بالملك، وأيضا ممّا يقوّى المقالة الثانية أنّ المنصور كان تحت كنف والده العزيز بمصر، وكان الأفضل بصرخد «1» ، ولم يحضر إلى مصر، حتّى تمّ أمر المنصور وتسلطن بعد موت أبيه. وبيان ذلك أيضا يأتى فيما نذكره الآن فى سياق ترجمة الملك المنصور، فيعرف بهذا السياق من كان فى هذه المدّة السلطان بمصر إلى حين ملك الملك العادل أبو بكر بن أيّوب؛ فنقول: لمّا مات الملك العزيز عثمان بديار مصر فى العشرين من المحرّم أوصى بالملك لأكبر أولاده وهو ناصر الدين محمد المذكور، ونصّ عليه فى الوصيّة؛ وكان للعزيز عشرة أولاد، ولم يذكر فى الوصيّة عمّه العادل؛ وجعل وصيّه الأمير أزكش مقدّم الأسديّة. قال أبو المظفّر سبط ابن الجوزىّ فى تاريخه: «كان لابنه محمد عشر سنين وكان مقدّم الصلاحيّة فخر الدين جهاركس، وأسد الدين سرا سنقر، وزين الدين قراجا؛ فاتّفقوا على ناصر الدين محمد وحلّفوا له الأمراء؛ وكان سيف الدين أزكش مقدّم الأسديّة غائبا بأسوان، فقدم وصوّب رأيهم وما فعلوه، إلّا أنّه قال: هو صغير السن لا ينهض بأعباء الملك، ولا بدّ من تدبير كبير يحسم الموادّ ويقيم الأمور، والعادل مشغول فى الشرق بماردين، وما ثمّ أقرب من الأفضل نجعله أتابك العساكر، فلم يمكن

الصلاحيّة مخالفة الأسديّة وقالوا: افعلوا ففعلوا. فكتب أزكش إلى الأفضل يستدعيه وهو بصرخد. وكتبت الصلاحيّة إلى من بدمشق من أصحابهم يقولون: قد اتّفقت الأسديّة على الأفضل، وإن ملك الأفضل الديار المصريّة حكموا علينا، فامنعوا الأفضل من المجىء؛ فركب عسكر دمشق ليمنعوه ففاتهم؛ وكان الأفضل قد التقى النّجّاب المتوجّه إلى دمشق ثانيا من قبل الصلاحيّة، وعلى يده الكتب التى تتضمّن ما ذكرناه من منع الأفضل من المجىء إلى الديار المصريّة، فأخذ الأفضل النّجّاب وعاد به إلى مصر، ولمّا وصل الأفضل إلى مصر التقاه الأسديّة والصلاحيّة، ورأى جهاركس النّجّاب الذي أرسله، فقال له: ما أسرع ما عدت! فأخبره الخبر، فساق هو وقراجا بمن معهما من وقتهما إلى القدس وتحصّنا به. فلمّا وقع ذلك أشارت الأسديّة على الأفضل بقصد دمشق، وأنّ العادل مشغول بماردين. فكتب الأفضل إلى أخيه الملك الظاهر غازى صاحب حلب يستنجده، فأجابه وقال: اقدم حتّى أساعدك. فسار الأفضل بالعساكر المصريّة إلى الشام واستناب بمصر سيف الدين أزكش، ووصل الأفضل إلى دمشق فى شعبان من السنة فأحدق بها. وبلغ هذا الخبر الملك العادل وهو على ماردين، وقد أقام عليها عشرة أشهر، ولم يبق إلّا تسليمها وصعدت أعلامه على «1» القلعة؛ فلمّا سمعوا بوفاة العزيز توقّفوا عن تسليمها؛ فرحل الملك العادل أبو بكر عنها، وترك على حصارها ولده الكامل محمدا الآتى ذكره فى سلاطين مصر- إن شاء الله تعالى- وسار العادل إلى نحو الشام فوصلها ومعه جماعة من الأمراء؛ وكان الأفضل نازلا فى الميدان الأخضر فأشار عليه جماعة من الأمراء أن يتأخّر إلى مشهد «2» القدم [حتّى «3» يصل الظاهر وصاحب

حمص والأمراء] . ودخل العادل ومن معه إلى دمشق، وجاء الظاهر بعسكر حلب، وجاء عسكر حماة وحمص، وبشارة من بانياس، وعسكر الحصون، وسعد الدين مسعود صاحب صفد «1» ، وضايقوا دمشق وبها العادل، وكسروا باب «2» السلامة؛ وجاء آخرون إلى باب الفراديس «3» وكان العادل فى القلعة وقد استأمن إليه جماعة من المصريين مثل ابن كهدان «4» ومثقال الخادم وغيرهما. فلمّا بلغه أنّ ابن الحنبلىّ وأخاه شهاب الدين وأصحابهما قد كسروا باب الفراديس ركب من وقته وخرج إليهم وجاء إلى جيرون «5» والمجد أخو الفقيه عيسى قائم «6» على فرسه يشرب الفقّاع، ثم صاح العادل: يا فعلة يا صنعة إلى هاهنا! فلمّا سمعوا كلامه انهزموا وخرجوا؛ فأغلق العادل باب السلامة، وجاء إلى باب الفراديس فوجدهم قد كسروا الأقفال بالمرزبّات؛ فقال من فعل هذا؟ قالوا: الحنابلة؛ فسكت ولم يقل شيئا. وقال أبو المظفّر: وحكى لى المعظّم عيسى- رحمه الله- قال: [لمّا «7» ] رجعنا من باب الفراديس [و «8» ] وصلنا إلى باب مدرسة الحنابلة رمى على رأس أبى (يعنى العادل) حبّ «9» الزّيت فأخطأه، فوقع فى رقبة الفرس فوقع ميتا، فنزل أبى وركب غيره ولم ينطق بكلمة،

وجاء جهاركس وقراجا فى اللّيل من جبل سنير «1» فدخلا دمشق. وأمّا المواصلة فساقوا على الكامل محمد فرحّلوه عن ماردين، فجاء أيضا يقصد دمشق، وجمع النّركمان «2» وغيرهم. وأمّا أمر دمشق فإنّه لمّا اشتدّ الحصار عليها، وقطعوا أشجارها ومياهها الداخلة إليها، انقطعت عن أهلها الميرة وضجّوا، فبعث العادل إلى ابن أخيه الظاهر غازى صاحب حلب يقول له: أنا أسلّم إليك دمشق على أن تكون أنت السلطان، وتكون دمشق لك لا للأفضل، فطمع الظاهر وأرسل إلى الأفضل يقول: أنت صاحب مصر فآثرنى بدمشق، فقال الأفضل: دمشق لى من أبى، وإنّما أخذت منّى غصبا. فلا أعطيها لأحد، فوقع الخلف بينهما ووقع التقاعد، وخرجت السّنة على هذا. ثمّ دخلت السنة السادسة والتسعون، والحصار على دمشق. وكان أتابك أرسلان شاه صاحب الموصل قد رحّل الكامل من ماردين كما تقدّم ذكره. فقدم الكامل دمشق ومعه خلق كثير من التّركمان وعسكر حرّان «3» والرّها «4» ، فتأخّر الأفضل بالعساكر إلى عقبة «5» الشّحورة فى سابع عشر صفر. ووصل الكامل فى تاسع عشره فنزل بجوسق «6» أبيه على الشرف «7» ، ثم رحل الأفضل إلى مرج الصّفّر «8» ، ورحل الظاهر إلى حلب، وأحرقوا ما عجزوا عن حمله. وسار الأفضل إلى مصر. وأحضر العادل

بنى الحنبلىّ: الناصح وأخاه شهاب الدين وغيرهما، وكان الأفضل قد وعد الناصح بقضاء دمشق، والشهاب بالحسبة، فقال لهم العادل: ما الذي دعاكم إلى كسر باب الفراديس، ومظاهرة أعدائى علىّ، وسفك دمى؟ فقال له الناصح: أخطأنا وما ثمّ إلّا عفو السلطان. - ثم ساق أبو المظفّر كلاما طويلا محصوله العفو عن الحنابلة، إلى أن قال-: وأمّا الأفضل فإنّه سار إلى مصر، فأرسل العادل وراءه «1» [أبا محمد] نجيب الدين إليه بالزّبدانىّ «2» يقول [له] : ترفّق، فأنا لك مثل الوالد، وعندى كلّ ما تريد. فقال الأفضل: قل له: إن صحّت مقالتك فأبعد عنك أعدائى الصّلاحيّة. وبلغ ذلك الصلاحيّة، فقالوا للعادل: إيش قعودنا هنا؟ قم بنا، وساروا خلف الأفضل مرحلة مرحلة؛ فنزل الأفضل بلبيس ونزل العادل السائح «3» ؛ فرجع الأفضل وضرب معهم المصافّ، وتقاتلوا فانكسر الأفضل وتفرّق عنه أصحابه؛ ورحل إلى القاهرة وأغلق أبوابها. وجاء العادل فنزل البركة «4» ، ودخل سيف الدين أزكش بين العادل والأفضل، واتّفقوا أن يعطيه العادل ميّافارقين وجبل «5» جور وديار بكر، ويأخذ منه مصر؛ فاتّفق الأمر على ذلك. ورحل الأفضل من مصر فى شهر ربيع الآخر، ودخل العادل إلى القاهرة، وأحسن إلى أزكش، وقال للأفضل: جميع من كان معك كاتبنى إلّا سيف الدين أزكش. ثمّ قدّم العادل أزكش المذكور وحكّمه فى البلاد، وردّ القضاء

إلى صدر الدين عبد الملك بن درباس الكردىّ، وولىّ شيخ الشيوخ ابن حمّويه «1» التدريس بالشافعىّ ومشهد الحسين والنّظر فى خانقاه «2» الصّوفيّة، وجلس الوزير صفىّ الدين عبد الله بن علىّ بن شكر فى دار السلطنة فى حجرة القاضى الفاضل، ونظر فى الدواوين. وسار الأفضل إلى ميّافارقين. واستدعى العادل ولده الكامل إلى مصر فخرج من دمشق فى ثالث «3» عشرين شعبان وودّعه أخوه الملك المعظّم عيسى إلى رأس الماء «4» . قال العماد الكاتب: وسرت معه إلى مصر وأنشدته: دعتك مصر إلى سلطانها فأجب ... دعاءها فهو حقّ غير مكذوب قد كان يهضمنى «5» دهرى فأدركنى ... محمد بن أبى بكر بن أيّوب ووصل الكامل إلى مصر فى عاشر شهر رمضان، والتقاه أبوه العادل من العبّاسة «6» ، وأنزله فى دار الوزارة. وكان قد زوّجه بنت أخيه صلاح الدين فدخل بها. ولم يقطع العادل الخطبة لولد العزيز. قلت: وهذا ممّا يدلّ أيضا على أنّ الأفضل كان عند الملك المنصور محمد ابن العزيز عثمان بمنزلة الأتابك. والظاهر أنّه كان ظنّ الأفضل إذا تمّ أمره مع عمّه العادل هذا استقلّ بالملك، فلم يقع له ذلك؛ ولهذا لم نذكره فى ملوك مصر، وما «7» ذكرناه هنا إلّا فى ضمن ترجمة المنصور صاحب الترجمة.

قال: ثم إنّه جمع الفقهاء (يعنى الملك العادل) وقال لهم: هل يجوز ولاية الصغير على الكبير؟ فقالوا: الصغير «1» مولّى عليه. قال: فهل يجوز للكبير أن ينوب عن الصغير؟ قالوا: لا، لأنّ الولاية من الأصل إذا كانت غير صحيحة فكيف تصحّ النيابة! فعند ذلك قطع خطبة ابن العزيز (يعنى عن المنصور صاحب الترجمة) وخطب لنفسه ولولده الكامل من بعده. ونقص النيل فى هذه السنة ولم يبلغ ثلاث عشرة ذراعا. ووقع الغلاء بديار مصر» . قلت: وعلى هذا يكون أوّل سلطنة العادل على مصر فى يوم خطب له بمصر؛ وهو يوم الجمعة الحادى والعشرين من شوّال سنة ست وتسعين وخمسمائة. قال ابن المستوفى «2» فى تاريخ إربل «3» : فتكون أوّل سلطنة الملك العادل من هذا اليوم، ولا عبرة باستيلائه على مصر قبل ذلك. وعلى هذا أيضا تكون مدّة الملك المنصور محمد صاحب الترجمة على سلطنة مصر سنة واحدة وتسعة أشهر سواء، فإنّ والده العزيز عثمان مات فى عشرين المحرّم من سنة خمس وتسعين وخمسمائة فتسلطن من يوم موت أبيه، وخلع فى العشرين من شوّال سنة ست وتسعين وخمسمائة. انتهى. ولم أقف على وفاته الآن.

ما وقع من الحوادث سنة 595

*** [ما وقع من الحوادث سنة 595] السنة الأولى من ولاية الملك المنصور محمد ابن الملك العزيز عثمان ابن الملك الناصر يوسف على مصر، وهى سنة خمس وتسعين وخمسمائة، على أنّ الملك العزيز والده حكم منها نحو العشرين يوما من المحرّم كما تقدّم ذكره. فيها حجّ بالناس من بغداد مظفّر الدين وجه السّبع. وفيها كانت وفاة الملك العزيز عثمان حسب ما تقدّم ذكره فى ترجمته. وفيها توفّى يحيى بن علىّ بن الفضل أبو القاسم بن فضلان مدرّس النّظاميّة، كان فقيها بارعا، قدم بغداد وناظر وأفتى ودرّس، وكان مقطوع اليد، وقع من الجمل فعملت عليه يده فحيف عليه فقطعت. وكانت وفاته فى شعبان. ومن شعره: - رحمه الله تعالى-: وإذا أردت منازل الأشراف ... فعليك بالإسعاف والإنصاف وإذا بغى باغ عليك فخلّه ... والدهر فهو له مكاف كاف وفيها توفّى يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن الملك المنصور أبو يوسف صاحب المغرب. كان ملكا مغازيا مجاهدا، وهو الذي كسر ألفنش ملك الفرنج المقدّم ذكره على الزّلّاقة، وهو أعظم ملوك المغرب وأحسنهم سيرة لما كان جمع من المحاسن: الدّين والصلاح والشجاعة والكرم والحزم والعزم، ودام فى ملكه إلى أن مات فى شهر ربيع «1» الأوّل بعد أن أوصى بالملك إلى ولده أبى عبد الله محمد. وكانت مدّة أيامه خمس عشرة سنة. وفيه يقول شاعره أبو بكر «2» يحيى بن عبد الجليل

ابن عبد الرحمن بن مجير الأندلسىّ المرسىّ قصيدته المطوّلة، وعدّة أبياتها مائة وسبعة أبيات. أوّلها: أتراه يترك الغزلا ... وعليه شبّ واكتهلا ومدحه أيضا «1» إبراهيم بن يعقوب الشاعر المشهور بقصيدة طنّانة أوّلها: أزال حجابه عنى وعينى ... تراه من المهابة فى حجاب وقرّ بنى تفضّله ولكن ... بعدت مهابة عند اقترابى الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى الملك العزيز عثمان ابن صلاح الدين يوسف بن أيّوب صاحب مصر فى المحرّم، وله ثمان وعشرون سنة. والحفيد ابن رشد العلّامة أبو الوليد «2» محمد بن أحمد بن أبى الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبىّ المتكلّم. وأبو جعفر محمد بن إسماعيل الطّرسوسىّ بأصبهان فى جمادى الآخرة. وأبو الحسن مسعود بن أبى مسعود «3» الأصبهانىّ الخيّاط الجمّال فى شوّال. وأبو الفضل منصور بن أبى الحسن الطّبرىّ الصوفىّ الواعظ. والعلّامة جمال الدّين يحيى بن علىّ بن فضلان البغدادىّ الشافعىّ فى شعبان. وصاحب المغرب المنصور أبو يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن القيسىّ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وأربع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وستّ عشرة إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 596

*** [ما وقع من الحوادث سنة 596] السنة الثانية من ولاية الملك المنصور محمد ابن الملك العزيز عثمان على مصر، على أنّه حكم فى آخرها من شهر رمضان إلى آخر السنة عمّ أبيه الملك العادل أبو بكر ابن أيّوب، وهى سنة ستّ وتسعين وخمسمائة. فيها توفّى تكش بن أرسلان شاه بن أتسز «1» الملك علاء الدّين خوارزم شاه، هو من ولد طاهر بن الحسين. كان شجاعا مقداما جودا، ملك الدنيا من الصّين والهند وما وراء النهر إلى خراسان إلى باب بغداد، وكان نوّابه فى حلوان «2» ، وكان فى ديوانه مائة ألف مقاتل، وهو الذي أزال دولة بنى سلجوق، وكان عارفا بعلم الموسيقى؛ ولم يكن فى زمانه أعرف منه بضرب العود، وكان يباشر الحروب بنفسه حتّى ذهبت إحدى عينيه فى الحرب، وكان قد عزم على أخذ بغداد وسار إليها؛ فلمّا وصل إلى دهستان «3» توفّى بها فى شهر رمضان. ووقع له فى مسيره إلى أخذ بغداد فى هذه المرّة طريفة: وهو أنّ الباطنيّة جهّزوا إليه رجلا ليقتله، وكان قوىّ الاحتراس، فجلس تلك الليلة يلعب بالعود، وقد شرّع الخيمة وغنّى بيتا بالعجميّة، وفيه «ببيتم» ومعناه بالعجمىّ: أبصرتك «4» ؛ وكرّر هذه اللفظة؛ فلمّا سمع الباطنىّ ذلك خاف وظنّ أنه رآه فهرب، فأخذ وحمل إليه فعزّره وأمر بقتله. فكان ذلك من الطرائف.

وفيها توفّى إمام عصره ووحيد دهره، القاضى الفاضل عبد الرحيم ابن القاضى الأشرف أبى المجد «1» علىّ [ابن «2» القاضى السعيد أبى محمد محمد] بن الحسن بن الحسين ابن أحمد [بن المفرّج «3» بن أحمد] اللّخمىّ العسقلانىّ المولد، المصعرىّ [الدار «4» ] ، المعروف بالقاضى الفاضل الملقّب محيى الدين «5» ؛ وزير السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب. قال ابن خلّكان- رحمه الله-: [و «6» ] تمكّن منه غاية التمكّن (يعنى من صلاح الدين) وبرز فى صناعة الإنشاء وفاق المتقدّمين، وله فيه الغرائب مع الإكثار. أخبرنى أحد الفضلاء الثّقات المطّلعين على حقيقة أمره: أنّ مسودات رسائله فى المجلّدات، والتعليقات فى الأوراق إذا جمعت ما تقصر عن مائة مجلد، وهو مجيد فى أكثرها. قال العماد الكاتب الأصبهانىّ فى كتاب الخريدة فى حقّه: «ربّ القلم والبيان، واللّسن واللّسان؛ والقريحة الوقّادة، والبصيرة النقّادة؛ والبديهة المعجزة، والبديعة المطرّزة؛ والفضل الذي ما سمع فى الأوائل ممّن «7» لو عاش فى زمانه لتعلّق فى غباره، أو جرى فى مضماره؛ فهو كالشريعة المحمديّة التى نسخت الشرائع، ورسخت بها الصنائع؛ يخترع الأفكار، ويفترع الأبكار، ويطلع الأنوار، ويبدع الأزهار؛ وهو ضابط الملك بآرائه، ورابط السلك بلألائه «8» ؛ إن شاء أنشأ فى اليوم الواحد بل فى الساعة، ما لو دوّن لكان لأهل الصناعة، [خير] بضاعة «9» » انتهى كلام العماد باختصار.

وقال غيره: وكان مع فضله كثير العبادة تاليا للقرآن العزيز دينّا خيّرا، وكان السلطان صلاح الدين يقول: لا تظنّوا أنّى ملكت البلاد بسيوفكم، بل بقلم الفاضل. وكان بين الفاضل وبين الملك العادل أبى بكر بن أيّوب وحشة «1» ، فلمّا بلغ الفاضل مجىء العادل إلى مصر دعا الله على نفسه بالموت، فمات قبل دخوله. وقيل: إنّ العادل كان داخلا من باب النصر، وجنازة الفاضل خارجة من باب زويلة «2» . انتهى. قلت: وفضل الفاضل وبلاغته وفصاحته أشهر من أن يذكر. ومن شعره: قوله: وإذا السعادة لاحظتك «3» عيونها ... نم فالمخاوف كلّهنّ أمان واصطد «4» بها العنقاء فهى حبائل ... واقتد بها الجوزاء فهى عنان وقد استشهد علماء البديع بكثير من شعره فى أنواع كثيرة، فممّا ذكره الشيخ تقىّ «5» الدين أبو بكر [بن علىّ «6» ] بن حجّة فى شرح بديعيّته فى نوع «تجاهل العارف» قوله من قصيدة: أهذى كفّه أم غوث غيث ... ولا بلغ السحاب ولا كرامه وهذا بشره أم لمع برق ... ومن للبرق فينا بالإقامه وهذا الجيش أم صرف اللّيالى ... ولا سبقت حوادثها زحامه

وهذا الدهر أم عبد لديه ... يصرّف عن عزيمته زمامه وهذا «1» نصل غمد أم هلال ... إذا أمسى كنون أم قلامه وهذا التّرب أم خدّ لثمنا ... فآثار الشّفاه عليه شامه ومنها وهو غير تجاهل العارف [ولكنّه من «2» المرقص والمطرب] : وهذا الدرّ منثور ولكن ... أرونى غير أقلامى نظامه وهذى روضة تندى وسطرى ... بها غصن وقافيتى حمامه وهذا الكأس روّق من بنانى ... وذكرك كان من مسك ختامه وذكر أيضا فى «تجاهل العارف» قوله من قصيدة: أهذه سير فى المجد أم سور ... وهذه أنجم فى السعد أم غرر وأنمل أم بحار والسيوف لها ... موج وإفرندها فى لجّها درر وأنت فى الأرض أم فوق السماء وفى ... يمينك البحر أم فى وجهك القمر وفيها توفّى علىّ بن نصر بن عقيل المعروف بالهمام البغدادىّ العبدىّ الشاعر المشهور، قدم الشام ومدح الملك العادل، والملك الأمجد صاحب بعلبك. ومن شعره: وما الناس إلّا كامل الحظّ ناقص ... وآخر منهم ناقص الحظّ كامل وإنّى لمثر من حياء وعفّة ... وإن لم يكن عندى من المال طائل الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو جعفر أحمد ابن علىّ القرطبىّ المقرئ إمام الكلّاسة. وإسماعيل بن صالح بن يس بمصر فى ذى الحجّة. وأبو سعيد خليل بن أبى الرجاء الرّارانىّ «3» الصوفىّ فى شهر ربيع الآخر،

وله ست وتسعون سنة. والسلطان علاء الدين خوارزم شاه تكش بن خوارزم شاه أرسلان بن أتسز بن محمد فى رمضان بالخوانيق، وتملّك بعده ابنه علاء الدين محمد. والقاضى الفاضل أبو علىّ عبد الرحيم بن علىّ [بن محمد «1» ] بن حسن اللّخمىّ البيسانىّ «2» الوزير فى شهر ربيع الآخر، وله سبع وستون سنة. وأبو الحسن عبد اللطيف بن إسماعيل ابن [أبى «3» ] سعد الصّوفىّ فى ذى الحجّة بدمشق. وأبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب [بن سعد «4» بن صدقة بن الحضر] بن كليب فى شهر ربيع الأول، وله ست وتسعون سنة وشهر. والأثير أبو الفضل «5» محمد بن محمد بن بيان الأنبارىّ ثم المصرىّ الكاتب فى شهر ربيع الآخر. والعلّامة شهاب الدين محمد بن محمود الطّوسىّ بمصر. وأبو جعفر المبارك بن المبارك بن أحمد بن زريق الواسطىّ الحدّاد «6» المقرئ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم لم يذكر لقلّته. وكان مبلغ الزيادة فى هذه السنة اثنتى عشرة ذراعا وإحدى وعشرين إصبعا. وشرقت الأراضى، وعمّ البلاء والغلاء الديار المصريّة وأعمالها.

ذكر ولاية الملك العادل على مصر

ذكر ولاية الملك العادل على مصر هو السلطان الملك العادل سيف الدين أبو بكر محمد ابن الأمير أبى الشكر نجم الدين أيّوب بن شادى بن مروان الدّوينىّ التّكريتىّ ثم الدمشقىّ. وقد تقدّم ذكر نسبه وأصله فى ترجمة أخيه السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب. وقد ذكرنا أيضا من أحوال العادل هذا نبذة كبيرة فى ترجمة أخيه صلاح الدين المذكور، وأيضا فى ترجمة أولاده، ثم فى ترجمة حفيده الملك المنصور محمد ابن الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين يوسف، الذي خلعه العادل هذا وتسلطن مكانه فى العشرين من شوّال سنة ستّ وتسعين وخمسمائة. وقد تقدّم ذلك كلّه فى ترجمة المنصور محمد المخلوع عن السلطنة. ولا بدّ من ذكر شىء من أحوال العادل هنا على حدته، وإيراد قطعة جيّدة من أقوال الناس فى ترجمته- إن شاء الله تعالى-. قال الحافظ أبو عبد الله شمس الدين محمد الذهبىّ فى تاريخة: «ولد ببعلبكّ فى سنة أربع «1» وثلاثين، وأبوه نائب عليها للأتابك زنكى والد نور الدين محمود، وهو أصغر من أخيه صلاح الدين بسنتين؛ وقيل: ولد فى سنة ثمان «2» وثلاثين؛ وقيل: ولد فى أوائل سنة أربعين. قال أبو شامة: توفّىّ الملك العادل سيف الدين أبو بكر محمد، وهو بكنيته أشهر. ومولده ببعلبكّ، وعاش ستّا وسبعين سنة. ونشأ فى خدمة نور الدين مع أبيه وإخوته؛ [وحضر «3» مع أخيه صلاح الدين فتوحاته وقام أحسن قيام فى الهدنة مع الأنكلتير ملك الفرنج بعد أخذهم عكّا] ، وكان

صلاح الدين يعوّل عليه كثيرا، واستنابه بمصر مدّة، ثم أعطاه حلب، ثم أخذها منه وأعطاها لولده الظاهر، وأعطاه الكرك عوضها، ثم حرّان» . انتهى كلام الذهبىّ. وقال الشيخ شمس الدين أحمد بن خلّكان- رحمه الله- فى وفيات الأعيان: «كان الملك العادل قد وصل إلى مصر صحبة أخيه وعمّه أسد الدين شيركوه المقدّم ذكره. وكان يقول: لمّا عزمنا على المسير إلى مصر احتجت الى چرمدان «1» فطلبته من والدى فأعطانى، وقال يا أبا بكر: إذا ملكتم مصر أعطونى ملأه ذهبا. فلمّا جاء إلى مصر، قال يا أبا بكر: [أين «2» ] الجرمدان؟ فرحت وملأته له من الدّراهم السّود، وجعلت على أعلاها شيئا من الذهب وأحضرته إليه، فلمّا رآه اعتقده ذهبا، فقلبه فظهرت الفضّة السوداء، فقال يا أبا بكر: تعلمت زغل المصريّين! قال: ولمّا ملك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب مصر كان ينوب عنه فى حال غيبته بالشام، ويستدعى منه الأموال للإنفاق فى الجند وغيرهم. قال: ورأيت فى بعض رسائل القاضى الفاضل أنّ الحمول تأخّرت مدّة فتقدّم السلطان صلاح الدين إلى العماد الأصبهانىّ أن يكتب إلى أخيه العادل يستحثّه على إنفاذها حتّى قال: يسير [لنا «3» ] الحمل من مالنا أو من ماله! فلمّا وصل الكتاب إليه، ووقف على هذا الفصل شقّ عليه، وكتب إلى القاضى الفاضل يشكو من السلطان لأجل ذلك. فكتب القاضى الفاضل جوابه، وفى جملته: «وأمّا ما ذكره المولى من قوله: يسير لنا الحمل من مالنا أو من ماله، فتلك لفظة ما المقصود منها من الملك النّجعة، وإنّما المقصود من الكاتب السّجعة. وكم من لفظة فظّة، وكلمة فيها غلظة؛ حيّرت عيىّ الأقلام، فسدّت خلل الكلام. وعلى المملوك الضمان فى هذه

النّكتة، وقد فات لسان القلم منها أىّ سكتة» . قال: ولمّا ملك السلطان (يعنى صلاح الدين) مدينة حلب فى صفر سنة تسع وسبعين وخمسمائة كما تقدّم ذكره، [أعطاها «1» لولده الملك الظاهر غازى ثم أخذها منه و] أعطاها للملك العادل فانتقل إليها [وقصد «2» قلعتها يوم الجمعة الثانى والعشرين] من شهر رمضان من السنة المذكورة؛ ثم نزل عنها للملك الظاهر غازى ابن السلطان صلاح الدين؛ ثم أعطاه السلطان قلعة الكرك، وتنقّل فى الممالك فى حياة السلطان صلاح الدين وبعد وفاته. وقضاياه مشهورة مع الملك الأفضل والملك العزيز والملك المنصور فلا حاجة إلى الإطالة فى شرحها. وآخر الأمر أنّه استقلّ بملكة الديار المصريّة. وكان دخوله إلى القاهرة لثلاث عشرة ليلة خلت «3» من شهر ربيع الآخر سنة ست وتسعين وخمسمائة، واستقرّت له القواعد. وقال أبو البركات بن المستوفى فى تاريخ إربل: فى ترجمة ضياء الدين أبى الفتح نصر الله المعروف بابن الأثير [الوزير «4» ] الجزرىّ ما مثاله- وجدت بخطّه-: خطب للملك العادل أبى بكر بن أيّوب بالقاهرة ومصر يوم الجمعة الحادى والعشرين من شوّال سنة ست وتسعين وخمسمائة، وخطب له بحلب يوم الجمعة حادى عشر جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين وخمسمائة- والله أعلم بالصواب- هذا ما ذكره ابن خلّكان وهو بخلاف ما ذكرناه من أنّه خطب «5» له فى عاشر شهر رمضان من السنة، ويمكن الجمع بين القولين، لأنّنا قلنا فى شهر رمضان تخمينا، لأنّ الاتّفاق كان فى شهر رمضان، ولعلّ الخطبة كانت فى شوّال- انتهى. قال: «وملك مع ذلك البلاد الشاميّة والمشرقيّة، وصفت له الدنيا، ثم ملك بلاد اليمن فى سنة اثنتى عشرة وستمائة [و «6» ] سيّر إليها ولد ولده الملك المسعود صلاح الدين

أبا المظفر يوسف ابن الملك الكامل محمد الآتى ذكره. وكان ولده الملك الأوحد نجم الدين أيّوب ينوب عنه فى ميّافارقين وتلك النواحى، فاستولى «1» على مدينة خلاط و [بلاد «2» ] أرمينية، واتّسعت مملكته، وذلك فى سنة أربع وستمائة. ولمّا تمهدت له البلاد قسمها بين أولاده، فأعطى الملك الكامل محمدا الديار المصريّة، وأعطى الملك المعظّم عيسى البلاد الشاميّة، وأعطى الملك الأشرف موسى البلاد الشرقية، والأوحد فى المواضع التى ذكرناها. وكان ملكا عظيما ذا رأى ومعرفة تأمّة قد حنّكته التجارب، حسن السّيرة جميل الطويّة وافر العقل، حازما فى الأمور صالحا محافظا على الصلوات فى أوقاتها، متتبّعا لأرباب السّنّة مائلا إلى العلماء. صنّف له فخر الدين «3» الرازىّ «كتاب تأسيس التقديس» ، وذكر اسمه فى خطبته، وسيره إليه من بلاد خراسان. وبالجملة فإنّه كان رجلا مسعودا، ومن سعادته أنّه كان خلّف أولادا لم يخلّف أحد من الملوك أمثالهم؛ فى نجابتهم [وبسالتهم «4» ] ومعرفتهم وعلوّ همّتهم، ودان لهم العباد وملكوا البلاد. ولمّا مدحه ابن عنين «5» بقصيدته الرائية ذكر منها فى مديح أولاده المذكورين، فقال: وله البنون بكلّ أرض منهم ... ملك يقود إلى الأعادى عسكرا من كلّ وضّاح الجبين تخاله ... بدرا وإن شهد الوغى فغضنفرا

متقدّم حتّى إذا النّقع انجلى ... بالبيض عن سبى الحريم تأخّرا قوم زكوا أصلا وطابوا محتدا ... وتدفّقوا جودا وراقوا منظرا قال ومن جملة هذه القصيدة فى مدح الملك العادل هذا قوله، ولقد أحسن فيها، [العادل «1» الملك الذي أسماؤه ... فى كلّ ناحية تشرّف منبرا] وبكلّ أرض جنّة من عدله الصّ ... افى أسال [نداه «2» ] فيها كوثرا عدل يبيت الذئب منه على الطّوى ... غرثان وهو يرى الغزال الأعفرا ما فى أبى بكر لمعتقد الهدى ... شكّ مريب أنّه خير الورى سيف صقال المتن أخلص متنه ... وأبان طيب الأصل منه الجوهرا ما مدحه بالمستعار له ولا ... آيات سؤدده حديث يفترى بين الملوك الغابرين وبينه ... فى الفضل ما بين الثّريّا والثّرى نسخت خلائقه الحميدة ما أتى ... فى الكتب عن كسرى الملوك وقيصرا «3» ملك إذا خفّت حلوم ذوى النّهى ... فى الرّوع زاد رصانة وتوقّرا ثبت الجنان تراع من وثباته ... وثباته يوم الوغى أسد الشّرى يقظ يكاد يقول عمّا فى غد ... ببديهة أغنته أن يتفكّرا حلم تخفّ له الحلوم وراءه ... رأى وعزم يخفر الإسكندرا يعفو عن الذنب العظيم تكرّما ... ويصدّ عن قيل الخنا متكبّرا لا تسمعنّ حديث ملك غيره ... يروى فكلّ الصّيد فى جوف الفرا قال: ولمّا قسم البلاد بين أولاده كان يتردّد بينهم، ويتنقّل من مملكة إلى أخرى، وكان يصيف بالشام لأجل الفواكه والمياه الباردة، ويشتّى بالديار المصريّة لاعتدال

الوقت فيها وقلّة البرودة؛ وعاش فى أرغد عيش. وكان يأكل كثيرا خارجا عن المعتاد، حتّى يقال إنّه كان يأكل وحده خروفا لطيفا مشويّا، وكان له فى النكاح نصيب وافر. وحاصل الأمر أنّه كان ممتّعا فى دنياه. وكانت ولادته بدمشق فى المحرّم سنة أربعين؛ وقيل: ثمان وثلاثين وخمسمائة. قلت: وافق الذهبىّ فى مولده فى السنة، مع خلاف ذكره الذهبىّ فيه، وخالفه فى المكان الذي ولد فيه، فإنّ الذهبىّ قال: كانت ولادته ببعلبكّ كما تقدّم ذكره. قال: وتوفّى فى سابع جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وستمائة بعالقين. ونقل إلى دمشق، ودفن بالقلعة ثانى يوم وفاته، ثمّ نقل إلى مدرسته المعروفة به، ودفن بالتّربة التى بها؛ [وقبره «1» ] على الطريق يراه المجتاز من الشّبّاك المركّب هناك. وعالقين (بفتح العين المهملة وبعد الألف لام مكسورة وقاف مكسورة أيضا وياء مثناة من تحتها ساكنة وبعدها نون) وهى قرية بظاهر دمشق» . انتهى كلام ابن خلّكان- رحمه الله تعالى- بتمامه. وقال غيره: ولمّا افتتح ولده الكامل إقليم أرمينية فرح العادل فرحا شديدا، وسيّر أستاداره [شمس الدين «2» ] إيلدكز وقاضى العسكر نجم الدين خليل إلى الخليفة يطلب التقليد بمصر والشام وخلاط وبلاد الجزيرة، فأكرمهما الخليفة وأرسل إليه الشيخ شهاب الدين أبا حفص عمر بن محمد السّهروردىّ بالتشريف، ومرّ بحلب ووعظ بها؛ واحترمه الظاهر غازى صاحب حلب، وبعث معه بهاء الدّين ابن شدّاد بثلاثة آلاف دينار لينثرها على عمّه العادل، إذا لبس خلعة الخليفة. ولمّا وصل السّهروردىّ إلى دمشق «3» فرح العادل وتلقّاه من القصير «4» ، وكان يوما مشهودا،

ثمّ من الغد أفيضت عليه الخلع؛ وهى: جبّة سوداء بطراز ذهب، وعمامة سوداء بطراز ذهب، وطوق ذهب فيه جوهر، وقلّد سيفا محلّى جميع قرابه بالذهب، وحصان أشهب بمركب ذهب، وعلم أسود مكتوب فيه بالبياض ألقاب الناصر لدين الله. ثمّ خلع السّهروردىّ على ولدى العادل: المعظّم عيسى والأشرف موسى، لكلّ واحد عمامة سوداء، وثوبا أسود واسع الكمّ؛ وخلع على الصاحب ابن شكر كذلك. ونثر الذهب على رأس العادل من رسل صاحب حلب وحماة وحمص وغيرهم. وركب الأربعة (أعنى العادل وولديه وابن شكر الوزير) بالخلع، ثمّ عادوا إلى القلعة؛ وقرأ ابن شكر التقليد على كرسىّ، وخوطب العادل: بشاهنشاه «1» ملك الملوك خليل أمير المؤمنين. ثمّ قدم السّهروردىّ إلى مصر وخلع على الملك الكامل بن العادل. وهو يوم ذاك صاحب مصر نيابة عن أبيه العادل كما تقدّم ذكره. وقال الموفّق «2» عبد اللّطيف فى سيرة الملك العادل: «كان أصغر الإخوة وأطولهم عمرا وأعمقهم فكرا وأبصرهم فى العواقب وأشدّهم إمساكا وأحبّهم للدرهم؛ وكان فيه حلم «3» وأناة وصبر على الشدائد، وكان سعيد الجدّ عالى الكعب مظفّرا بالأعداء من قبل السماء، وكان نهمّا أكولا يحبّ الطعام واختلاف ألوانه، وكان أكثر أكله باللّيل كالخيل، وله عند ما ينام رضيع، ويأكل رطلا بالدّمشقىّ خبيص السّكّر، يجعل هذا كالجوارش «4» ؛ وكان كثير الصلاة ويصوم الخميس؛ وله صدقات فى كثير من الأوقات، وخاصّة عندما تنزل به الآفات، وكان كريما على الطعام يحب من يؤاكله، وكان قليل الأمراض. قال لى طبيبه بمصر: إنّى آكل خير هذا السلطان

سنين كثيرة ولم يحتج إلىّ سوى يوم واحد، أحضر إليه من البطّيخ أربعون حملا فكسر الجميع بيده، وبالغ فى الأكل منه ومن الفواكه والأطعمة، فعرض له تخمة فأصبح، فأشرت عليه بشرب الماء الحارّ، وأن يركب طويلا ففعل، وآخر النهار تعشّى وعاد إلى صحّته. وكان نكّاحا يكثر من اقتناء السّرارىّ، وكان غيورا لا يدخل فى داره خصىّ إلّا دون البلوغ، وكان يحبّ أن يطبخ لنفسه مع أنّ فى كلّ دار من دور حظاياه مطبخا [دائرا «1» ] ، وكان عفيف الفرج لا يعرف له نظر إلى غير حلائله. نجب له أولاد من الذكور والإناث، سلطن الذكور وزوّج البنات بملوك الأطراف. وكان العادل قد أوقع الله تعالى بغضته فى قلوب رعاياه، والمخامرة عليه فى قلوب جنده؛ وعملوا فى قتله أصنافا من الحيل الدقيقة مرّات كثيرة، وعند ما يقال إنّ الحيلة تمّت تنفسخ وتنكشف وتحسم موادّها، ولولا أولاده يتولّون بلاده لما ثبت ملكه؛ بخلاف أخيه صلاح الدين فإنّه إنّما «2» حفظ ملكه بالمحبّة له وحسن الطاعة، ولم يكن- رحمه الله- بالمنزلة المكروهة؛ وإنّما كان الناس قد ألفوا دولة صلاح الدين وأولاده، فتغيرت عليهم العادة دفعة واحدة. ثم إن وزيره ابن شكر بالغ فى الظّلم. قال: وكان العادل يواظب على خدمة أخيه صلاح الدين، يكون أوّل داخل وآخر خارج، وبهذا جلبه، وكان يشاوره فى أمور الدولة، لما جرّب من نفوذ رأيه. ولمّا تسلطن الأفضل بدمشق والعزيز بمصر قصد العزيز دمشق، ووقع له ما حكيناه إلى أن ملكها. قال: ثم أخذ العادل يدبّر الحيلة حتى يستنيبه «3» العزيز على مصر، ويقيم العزيز بدمشق، ففطن بعض أصحاب العزيز فرمى قلنسوتا

بين يديه، وقال: ألم يكفك أنّك أعطيته دمشق حتّى تعطيه مصر! فنهض العزيز لوقته على غرّة ولحق بمصر. قال الموفّق: ومات الملك الظاهر غازى قبله بسنتين فلم يتهنّ العادل بالملك من بعده، وكان كلّ واحد منهما ينتظر موت الآخر، فلم يصف للعادل العيش بعد موته، لأمراض لزمته بعد طول الصّحّة، والخوف من الفرنج بعد طول الأمن. وخرجوا (يعنى الفرنج) إلى عكّا وتجمّعوا على الغور «1» ، فنزل العادل قبالتهم على بيسان «2» ، وخفى عليه أن ينزل على عقبة أفيق «3» ، وكانوا قد هدموا قلعة كوكب، وكانت ظهرهم، ولم يقبل من الجواسيس ما أخبروه بما عزم عليه الفرنج من الغارة، فاغترّ بما عوّدته المقادير من طول السلامة، فغشيت الفرنج عسكره على غرّة، وكان قد آوى إليه خلق من البلاد يعتصمون به، فركب مجدّا؛ وماج الفرنج فى أثره حتّى وصل دمشق على شفا وهمّ؛ فدخل إليها فمنعه المعتمد وشجّعه، وقال له: المصلحة أن تقيم بظاهر دمشق. وأمّا الفرنج فاعتقدوا أنّ هزيمته مكيدة فرجعوا من قرب دمشق بعد ما عاثوا فى البلاد قتلا وأسرا وعادوا إلى بلادهم، وقصدوا دمياط فى البحر فنازلوها. وكان قد عرض له قبل ذلك ضعف وصار يعتريه ورم الأنثيين. فلمّا هزّته «4» الحيل على خلاف العادة ودخله الرّعب، لم يبق إلّا مدّة يسيرة ومات بظاهر دمشق. وكان مع حرصه يهين المال عند الشدائد غاية الإهانة ببذله. وشرع فى بناء قلعة

دمشق فقسم أرضها على أمرائه وأولاده، وكان الحفّارون يحفرون الخندق ويقطعون الحجارة، فخرج من تحته خرزة بئر فيها ماء معين. قال: ودعا مرة فقال: اللهمّ حاسبنى حسابا يسيرا؛ فقال له رجل ماجن من خواصّة: يا مولانا، إنّ الله قد يسّر حسابك؛ قال: ويلك! وكيف ذلك؟ قال: إذا حاسبك قل له: المال كلّه فى قلعة جعبر لم أفرّط فيه فى قليل ولا كثير. وكانت خزائنه بالكرك ثمّ نقلها إلى قلعة جعبر وبها ولده الملك الحافظ، فسوّل له بعض أصحابه الطمع فيها، فأتاها الملك العادل ونقل ما فيها إلى قلعة دمشق، فحصلت فى قبضة ولده الملك المعظّم عيسى، فلم ينازعه فيها إخوته؛ وقيل: إنّ الذي سوّل للحافظ الطمع والعصيان هو المعظّم ففعل ذلك الحافظ، وكانت مكيدة من المعظّم حتّى رجع إليه المال» . انتهى كلام الموفّق باختصار. وقال أبو المظفّر شمس الدين يوسف بن قزاوغلى فى تاريخه: «سألته عن مولده فقال: فتوح الرّها (يعنى سنة تسع وثلاثين وخمسمائة) - وهذا نقل آخر فى مولده- قال: وقد ذكرنا أحواله «1» فى السنين إلى أن استقرّ له الملك وامتدّ من بلاد الكرخ «2» إلى همذان والجزيرة والشام ومصر والحجاز ومكّة والمدينة واليمن إلى حضر موت، وكان ثبتا خليقا بالملك حسن «3» التدبير، حليما صفوحا مدبّرا للملك على وجه الرضا، عادلا مجاهدا دينا عفيفا متصدّقا، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، طهّر جميع ولاياته من الخمور والخواطىء والقمار والمكوس والمظالم. وكان الحاصل من هذه الجهات بدمشق على الخصوص مائة ألف دينار، فأبطل الجميع لله تعالى.

وكان واليه على دمشق المبارز والمعتمد «1» ، أعانه المبارز على ذلك، أقام رجالا على عقاب قاسيون «2» وجبل الثّلج وحوالى دمشق بالجامكيّة «3» والجراية يحرمون أحدا يدخل دمشق بمنكر. بلغنى أنّ بعض المغانى دخلت على العادل فى عرس فقال لها: أين كنت؟ فقالت: ما قدرت أجىء حتّى وفيت ما علىّ للضامن. فقال: وأىّ ضامن؟ قالت ضامن القيان، فقامت عليه القيامة، وطلب المعتمد [وعمل «4» به ما لا يليق] ، وقال: والله لئن عاد بلغنى مثل هذا لأفعلنّ ولأصنعنّ. ولقد فعل العادل فى غلاء مصر عقيب موت العزيز ما لم يفعله غيره؛ كان يخرج فى الليل بنفسه ويفرّق الأموال فى ذوى البيوتات والمساكين، وكفّن تلك الأيام من ماله ثلثمائة ألف من الغرباء، وكان إذا مرض أو تشوّش مزاجه خلع جميع ما عليه وباعه حتى فرسه وتصدّق به. قال أبو المظفّر: وقد ذكرنا وصول شيخ الشيوخ إليه بخبر برج دمياط «5» ، وأنّه انزعج وأقام مريضا إلى يوم الجمعة سابع أو ثامن جمادى الآخرة وتوفّى بعالقين. وكان المعظّم قد كسر الفرنج على القيمون «6» يوم الخميس خامس جمادى الآخرة، وقيل يوم الأربعاء. ولمّا توفّى العادل لم يعلم بموته غير كريم الدّين الخلاطىّ، فأرسل الطير إلى نابلس إلى المعظم، فجاء يوم السبت إلى عالقين فاحتاط على الخزائن،

وصبّر العادل وجعله فى محفّة وعنده خادم يروّح عليه وقد رفع طرف سجافها وأظهر أنّه مريض، ودخلوا به دمشق يوم الأحد والناس يسلّمون على الخادم، وهو يومئ إلى ناحية العادل ويردّ السلام؛ ودخلوا به القلعة وكتموا موته؛ و [من «1» العجائب أنهم] طلبوا له كفنا فلم يقدروا عليه، فأخذوا عمامة الفقيه ابن فارس فكفّنوه بها، وأخرجوا قطنا من مخدّة فلفّوه به، وصلّى عليه [وزيره «2» ] ابن فارس ودفنوه فى القلعة. قال أبو المظفّر: وكنت قاعدا إلى جانب المعظّم عند باب الدار التى فيها الإيوان وهو واجم ولم أعلم بحاله؛ فلمّا دفن أبوه قام قائما وشقّ ثيابه ولطم رأسه ووجهه، وكان يوما عظيما، وعمل له العزاء ثلاثة أيام بالإيوان الشمالى، وعمل له العزاء فى الدنيا كلّها، ونودى ببغداد من أراد الصلاة على الملك العادل الغازى المجاهد فى سبيل الله فليحضر إلى جامع القصر، فحضر الناس ولم يتخلّف سوى الخليفة، وصلّوا عليه صلاة الغائب وترحّموا عليه، وتقدّموا إلى خطباء الجوامع بأسرهم، ففعلوا ذلك بعد صلاة الجمعة. وبقى العادل بالقلعة إلى سنة تسع عشرة وستمائة، [ثم] نقل إلى تربته التى أنشأها عند دار العقيقىّ «3» ومدرسته. - قلت: لا أعلم ما كان السبب فى عدم وجود الكفن القطن للملك العادل مع همة ولده الملك المعظّم عيسى وأخذه من عالقين ميتا فى محفّة ولم يفطن به أحد. وهذا أعظم وأكثر كلفة وأصعب من شراء ثوب بعلبكّىّ، وما يحتاج إليه الميت من الحنوط والقطن وغيره فلعلّ لها «4» عذرا وأنت تلوم-.

قال: وكان له عدّة أولاد: منهم شمس الدين مودود «1» والد الملك الجواد [يونس «2» ] . والكامل «3» محمد. والأشرف «4» موسى. والمعظّم «5» عيسى. والأوحد «6» أيّوب. والفائز إبراهيم [ويلقّب «7» بسابق الدين] . وشهاب «8» الدّين غازى. والعزيز «9» عثمان. والأمجد «10» حسن. والحافظ «11» أرسلان. والصالح «12» إسماعيل. والمغيث «13» عمر. ومجير «14» الدين يعقوب. وتقىّ «15» الدين عبّاس. وقطب «16» الدين أحمد. والقاهر «17» إسحاق. وخليل «18» أصغرهم «19» .

ما وقع من الحوادث سنة 597

وكان له عدّة بنات أفضلهنّ صفيّة خاتون صاحبة حلب أم الملك العزيز «1» » . انتهت ترجمة الملك العادل- رحمه الله تعالى-. ولمّا مات العادل استقرّ كلّ واحد من أولاده فى مملكته، فإنه كان قسم ممالكه فى أولاده حسب ما تقدّم ذكر ذلك كلّه فى صدر هذه الترجمة، فالذى كان بمصر الملك الكامل محمد، وبالشام المعظّم عيسى، وبالشرق الأشرف شاه أرمن، وباقى أولاده كلّ واحد فى مملكة، أو فى خدمة أخ من إخوته. انتهى. *** [ما وقع من الحوادث سنة 597] السنة الأولى من ولاية الملك العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة سبع وتسعين وخمسمائة. فيها كان هبوط النيل، ولم يعهد ذلك فى الإسلام إلّا مرّة واحدة فى دولة الفاطميّين، ولم يبق منه إلّا شىء يسير؛ واشتدّ الغلاء والوباء بمصر، فهرب الناس إلى المغرب والحجاز واليمن والشام وتفرّقوا وتمزّقوا كلّ ممزّق. قال أبو المظفّر: «كان الرجل يذبح ولده الصغير وتساعده أمّه على طبخه وشيّه؛ وأحرق السلطان جماعة فعلوا ذلك ولم ينتهوا. وكان الرجل يدعو صديقه وأحبّ الناس إليه إلى منزله ليضيفه فيذبحه ويأكله، وفعلوا بالأطبّاء كذلك، [فكانوا «2» يدعونهم ليبصروا المرضى فيقتلونهم ويأكلونهم] وفقدت الميتات والجيف [من كثرة «3» ما أكلوها] . وكانوا يختطفون الصّبيان من الشوارع فيأكلونهم. وكفّن السلطان فى مدّة يسيرة مائتى ألف وعشرين ألفا؛ وامتلأت طرقات المغرب والمشرق والحجاز

والشام برمم الناس، وصلّى إمام جامع الإسكندريّة فى يوم على سبعمائة جنازة. وقال العماد الكاتب الأصبهانىّ: « [و «1» ] فى سنة سبع وتسعين وخمسمائة: اشتدّ الغلاء، وامتدّ البلاء؛ وتحقّقت المجاعة، وتفرّقت الجماعة؛ وهلك القوىّ فكيف الضعيف! ونحف السمين فكيف العجيف! وخرج الناس حذر الموت من الديار، وتفرّق فريق مصر فى الأمصار؛ ولقد رأيت الأرامل على الرمال، والجمال باركة تحت الأحمال، ومراكب الفرنج واقفة بساحل البحر على اللّقم «2» ، تسترقّ الجياع باللّقم» . انتهى. قال: وجاءت [فى شعبان «3» ] زلزلة هائلة من الصّعيد هدمت بنيان مصر، فمات تحت الهدم خلق كثير، ثم امتدّت إلى الشام والساحل فهدمت مدينة نابلس، فلم تبق فيها جدارا قائما إلّا حارة السّمرة «4» ؛ ومات تحت الهدم ثلاثون ألفا، وهدمت عكّا وصور وجميع قلاع الساحل؛ وامتدّت إلى دمشق فرمت بعض المنارة الشرقيّة بجامع دمشق، وأكثر الكلّاسة والبيمارستان النّورىّ، وعامّة دور دمشق إلّا القليل؛ فهرب الناس إلى الميادين، وسقط من الجامع ستّ عشرة شرفة، وتشقّقت قبّة النّسر «5» » . انتهى كلام صاحب المرآة باختصار، فإنّه أمعن وذكر أشياء مهولة من هذا النّموذج. وفيها توفّى عبد الرحمن بن علىّ بن محمد بن علىّ بن عبيد الله بن عبد الله بن حمّادى ابن أحمد بن محمد بن جعفر الجوزىّ بن عبد الله بن القاسم بن النضر بن القاسم

ابن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق عبد الله ابن أبى قحافة، الشيخ الإمام الحافظ الواعظ المفسّر العلّامة جمال الدين أبو الفرج القرشى «1» التّيمى البكرىّ البغدادىّ الحنبلىّ المعروف بابن الجوزىّ «2» ؛ صاحب التصانيف المشهورة فى أنواع العلوم: كالتفسير والحديث والفقه والوعظ والزّهد والتاريخ والطبّ وغير ذلك. مولده ببغداد سنة عشر وخمسمائة تقريبا بدرب حبيب. وتوفى أبوه وله ثلاث سنين. قلت: وفضل الشيخ جمال الدين وحفظه وغزير علمه أشهر من أن يذكر هنا، والمقصود أنّ وفاته كانت فى ليلة الجمعة بين العشاءين فى داره «3» بقطفتا» ودفن من الغد، وكانت جنازته مشهودة، وكثر أسف الناس عليه، ولم يخلّف بعده مثله. قال ابن خلّكان: «وبالجملة فكتبه أكثر من أن تعدّ، وكتب بخطّه كثيرا، والناس يغالون فى ذلك حتّى يقولوا إنّه جمعت الكراريس الّتى كتبها، وحسبت مدّة عمره وقسمت الكراريس على المدّة، فكان ما خصّ كلّ يوم تسع كراريس؛ وهذا شىء عظيم لا يكاد يقبله العقل. ويقال: إنّه جمعت براية أقلامه التى كتب بها حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحصل منها شىء كثير، وأوصى أن يسخّن بها الماء الذي يغسل به بعد موته ففعل ذلك [فكفت «5» ] » . انتهى كلام ابن خلّكان باختصار.

ومن شعره: يا صاحبى إن كنت لى أو معى ... فعج إلى وادى الحمى «1» نرتع وسل عن الوادى وسكّانه ... وانشد فؤادى فى ربا المجمع حىّ كثيب الرّمل رمل الحمى ... وقف وسلّم لى على لعلع «2» واسمع حديثا قد روته الصّبا ... تسنده عن بانة الأجرع وابك فما فى العين من فضلة ... ونب فدتك النفس عن مدمعى وله: رأيت خيال الظّلّ أعظم عبرة ... لمن كان فى أوج الحقيقة راق شخوص وأشكال تمرّ وتنقضى ... وتفنى جميعا والمحرّك باق وفيها توفّى الأمير بهاء الدين قراقوش «3» [بن عبد الله «4» ] الأسدىّ الخادم الخصىّ المنسوب إليه حارة «5» بهاء الدّين بالقاهرة داخل باب الفتوح، وهو الذي بنى قلعة «6» الجبل بالقاهرة، والسّور [على «7» مصر والقاهرة]

والقنطرة «1» التى عند الأهرام وغير ذلك؛ وكان من أكابر الخدّام، من خدّام القصر، وقيل إنّ أصله من خدّام العاضد، وقيل إنّه من خدّام أسد الدين شيركوه وهو الأصحّ. واتّصل بخدمة السلطان صلاح الدين، وكان صلاح الدّين يثق به ويعوّل

عليه فى مهمّاته. ولمّا افتتح عكّا من الفرنج سلّمها إليه؛ ثم لمّا استولوا عليها أخذ أسيرا، ففداه صلاح الدين بعشرة آلاف دينار؛ وقيل: بستين ألف دينار. قال ابن خلّكان: «والناس ينسبون إليه أحكاما عجيبة فى ولايته نيابة مصر عن صلاح الدين، حتّى إنّ الأسعد «1» بن ممّاتى له فيه كتاب لطيف سماه: «الفاشوش فى أحكام قراقوش» . وفيه أشياء يبعد وقوع مثلها منه، والظاهر أنّها موضوعة؛ فإنّ صلاح الدين كان يعتمد فى أحوال المملكة عليه، ولولا وثوقه بمعرفته وكفايته ما فوّضها إليه. وكانت وفاته فى مستهلّ رجب» . وفيها توفّى محمد بن محمد بن حامد بن محمد بن عبد الله بن علىّ بن محمود بن هبة الله أبو عبد الله الإمام العلّامة عماد الدّين الأصبهانىّ المنشئ المعروف بالعماد الكاتب، وبآبن أخى العزيز. ولد بأصبهان سنة تسع عشرة وخمسمائة وبها نشأ. وقدم بغداد مع أبيه وبها تفقّه، واشتغل بالأدب وبرع فى الإنشاء، وخدم الوزير يحيى [بن محمد «2» ] بن هبيرة، وكان أحد كتّابه. ثم قدم دمشق أيّام نور الدين الشهيد واتّصل به وخدمه. وكان فاضلا حافظا لدواوين العرب، وله عدّة مصنّفات، منها: «خريدة القصر فى شعراء «3» العصر» وغير ذلك وكان القاضى الفاضل يقول: العماد الكاتب. كالزناد الوقّاد (يعنى أنّ النّار فى باطنه كامنة، وظاهره فيه فترة) . وكانت وفاة العماد بدمشق فى يوم الاثنين غرّة شهر رمضان. ودفن عند مقابر الصوفية

عند المنيبع «1» . وقيل إنّ العماد اجتمع بالقاضى الفاضل يوما فى موكب السلطان فسارا جميعا، وقد انتشر الغبار لكثرة الفرسان ما سدّ الفضاء فتعجّبا من ذلك، فأنشد العماد فى الحال: أمّا الغبار فإنّه ... ممّا أثارته السّنابك والجوّ منه مظلم ... لكن أنار به السّنابك يا دهر لى عبد الرح ... يم فلست أخشى مسّ نابك ومن شعره: دار غير اللّبيب إن كنت ذا لبّ ... ولا طفه حين يأتى بحذق فأخو السّكر لا يخاطبه الصّا ... حى إلى أن يفيق إلّا برفق وفيها توفّى محمد «2» بن المبارك بن محمد الطّهير أبو غالب المصرىّ، كان فاضلا أديبا. ولد سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة؛ ومن شعره- رحمه الله تعالى- قوله: تقنّع بالقليل وعش عزيزا ... خفيف الظّهر من كلف وإثم وإلّا هىّ نفسك للبلايا ... وهمّ وارد فى إثر همّ الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى القاضى أبو المكارم أحمد بن محمد بن محمد التّميمىّ «3» الأصبهانىّ المعروف بابن اللّبان العدل فى ذى الحجّة.

ما وقع من الحوادث سنة 598

ومفيد بغداد تميم بن أحمد البندنيجىّ «1» فى جمادى الآخرة، أدرك ابن الزّاغونىّ «2» . والإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن علىّ بن الجوزىّ، وقد ناهز التسعين. وأبو محمد عبد المنعم ابن محمد المالكىّ فقيه الأندلس. والأمير بهاء الدين قراقوش الأسدىّ الخادم الأبيض. ومحمد بن أبى زيد الكرّانىّ «3» الخبّاز بأصبهان فى شوّال، وقد كمّل المائة. والعماد الكاتب العلّامة محمد بن محمد بن حامد الأصبهانىّ فى [شهر] رمضان، وله سبع وسبعون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ذراعان سواء. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وستّ عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 598] السنة الثانية من ولاية الملك العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة ثمان وتسعين وخمسمائة. فيها برز العادل المذكور من ديار مصر طالبا حلب، وكان الملك الأفضل بحمص عند شيركوه، فجاء إلى العادل فأكرمه العادل وعوّضه عن ميّافارقين سميساط «4» وسروج «5» ، ثم سار العادل ونزل على حماة، وصالحه الملك الظاهر صاحب حلب، وعاد الملك العادل إلى حمص.

وفيها توفّى عبد الملك بن زيد بن يس التّغلبىّ الدّولعىّ خطيب دمشق؛ والدّولعيّة: قرية من قرى الموصل. قدم دمشق واستوطنها وصار خطيبها، ودرّس بالزاوية «1» الغربيّة من جامع دمشق؛ وكان منزّها حسن الأثر حميد الطريقة. مات فى شهر ربيع الأوّل. وفيها توفّى هبة الله بن الحسن بن المظفّر الهمذانىّ، محدّث ابن محدّث ابن محدّث. كانت وفاته بباب المراتب «2» ببغداد فى المحرّم. قال أبو المظفّر أنشدنا لغيره: إذا الفتى ذمّ عيشا فى شبيبته ... فما يقول إذا عصر الشباب مضى وقد تعوّضت عن كلّ بمشبهه ... فما وجدت لأيّام الصّبا عوضا الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الملك المعزّ إسماعيل ابن سيف الإسلام [طغتكين «3» ] صاحب اليمن. وأبو طاهر بركات بن إبراهيم الخشوعىّ. والمحدّث حمّاد بن هبة الله الحرّانىّ التاجر فى ذى الحجّة. وعبد الله [بن أحمد «4» ] بن أبى المجد الحربىّ الإسكاف فى المحرّم بالموصل. وزين القضاة أبو بكر عبد الرحمن بن سلطان ابن يحيى القرشىّ الزّكوىّ «5» فى ذى الحجّة، سمع من جدّه. وأبو الحسن عبد الرحيم ابن أبى القاسم [عبد الرحمن «6» ] الشّعرى، أخو زينب «7» فى المحرّم. وخطيب دمشق الضّياء عبد الملك بن زيد بن يس الدّولعىّ فى شهر ربيع الأول، وله إحدى وتسعون سنة. وقاضى القضاة محيى الدين أبو المعالى محمد ابن القاضى الزّكى علىّ بن محمد القرشىّ «8» ،

ما وقع من الحوادث سنة 599

وله ثمان وأربعون سنة، توفّى فى شعبان. وأبو القاسم «1» هبة الله بن علىّ بن مسعود الأنصارىّ البوصيرىّ فى صفر، وله اثنتان وتسعون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ذراع واحدة وأربع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وثلاث وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 599] السنة الثالثة من ولاية الملك العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة تسع وتسعين وخمسمائة. فيها فى ليلة السبت سلخ المحرّم ماجت النجوم فى السماء شرقا وغربا، وتطايرت كالجراد المنتشر يمينا وشمالا؛ ولم ير هذا إلّا عند مبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ وفى سنة إحدى وأربعين ومائتين، وكانت هذه السنة أعظم. وفيها توفّى إبراهيم بن أحمد «2» بن محمد أبو إسحاق الموفّق الفقيه بن الصّقال الحنبلى. ولد سنة خمس وعشرين وخمسمائة. وتفقّه على أبى يعلى «3» الفرّاء، وسمع الحديث الكثير، وكان شيخا ظريفا صالحا زاهدا. مات فى ذى الحجّة، ودفن بباب حرب ببغداد. وفيها توفّيت زمرّد خاتون امّ الخليفة الناصر لدين الله العباسىّ ببغداد. كانت صالحة كثيرة البرّ والصدقات، وحجّت مرّة فأنفقت ثلثمائة ألف دينار، وكان معها نحو ألفى جمل، وتصدّقت على أهل الحرمين، وأصلحت البرك والمصانع؛ وعمرّت التّربة عند قبر معروف الكرخىّ والمدرسة إلى جانبها. وماتت فى جمادى الأولى.

وفيها توفّى علىّ بن الحسن بن إسماعيل أبو الحسن [العبدىّ «1» ] من عبد القيس، كان فاضلا بارعا فى الأذب وغيره، وله شعر جيّد؛ من ذلك قوله- رحمه الله تعالى-: لا تسلك الطّرق إذا أخطرت ... لو أنها تفضى إلى المملكه قد أنزل الله تعالى ولا ... تلقوا بأيديكم إلى التّهلكه وفيها توفّى القاسم بن يحيى بن عبد الله بن القاسم أبو الفضائل ضياء الدين الشّهرزورىّ، وهو ابن أخى القاضى كمال الدين [محمد «2» ] الشّهرزورىّ. كان فقيها فاضلا جوادا كريما أديبا شاعرا. ومن شعره أوّل قصيدة: فى كلّ يوم ترى للبين آثار ... وماله فى التئام الشّمل آثار يسطو علينا بتفريق فواعجبا ... هل كان للبين فيما بيننا ثار وفيها توفّى «3» يحيى بن طاهر بن محمد أبو زكرياء الواعظ، ويعرف بابن النجار البغدادىّ. كان فاضلا فصيحا. وكان ينشد فى مجلسه- رحمه الله تعالى- عاشر من الناس من تبقى مودّته ... فأكثر الناس جمع غير مؤتلف منهم صديق بلا قاف ومعرفة ... بغير فاء وإخوان بلا ألف الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى السنة، قال: وفيها توفّى أبو القاسم عبد الرحمن ابن مكّىّ بن حمزة بن «4» موقا الأنصارىّ الإسكندرانىّ التاجر فى شهر ربيع الآخر، وله أربع وتسعون سنة. وزين الدين أبو الحسن علىّ بن إبراهيم بن نجا «5» الدمشقىّ

ما وقع من الحوادث سنة 600

الحنبلىّ الواعظ بمصر فى رمضان، وله إحدى وتسعون سنة. وأبو الحسن علىّ بن حمزة بن علىّ بن طلحة البغدادىّ الكاتب بمصر فى شعبان. وسلطان غزنة غياث «1» الدين. وقاضى القضاة ضياء الدين القاسم بن يحيى بن عبد الله بن القاسم الشّهرزورى [أبو الفضائل «2» ] الشافعىّ، وله خمس وستون سنة، ولى القضاء بدمشق بعد عمّه «3» ، ثم استعفى لأمر ما، ثمّ بعد مدّة ولى قضاء العراق، ثم استعفى وخاف [العواقب «4» ] ثمّ سكن حماة؛ وولى قضاءها؛ وبها مات فى رجب. والزاهد أبو عبد الله محمد بن أحمد القرشىّ الهاشمىّ الأندلسىّ ببيت المقدس. والشهاب أبو الفضل محمد بن يوسف الغزنوىّ الحنفىّ المقرئ بمصر. وأبو طاهر المبارك بن المبارك [بن هبة الله «5» ] ابن المعطوش فى جمادى الأولى عن اثنتين وتسعين سنة ببغداد. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ذراعان وست وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 600] السنة الرابعة من ولاية الملك العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة ستمائة. فيها وصل إلى بغداد أبو الفتح «6» بن أبى نصر الغزنوىّ رسولا من صاحب غزنة وجلس بباب بدر «7» ، وقال: هنيئا لكم يأهل بغداد، أنتم تحظون بأمير المؤمنين، ونحن محرومون! وأنشد- رحمه الله-:

ألا قل لسكّان وادى العقيق ... هنيئا لكم [فى «1» ] الجنان الخلود أفيضوا علينا من الماء فيضا ... فنحن عطاش وأنتم ورود وفيها توفّى الحافظ عبد الغنىّ بن عبد الواحد [بن «2» علىّ] بن سرور أبو محمد المقدسىّ. ولد بجمّاعيل، وهى قرية من أعمال نابلس فى شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وكان أكبر من الشيخ موفّق «3» الدين بأربعة أشهر [وهما «4» ابنا خالة] وكان إماما حافظا متقنا مصنّفا ثقة، سمع الكثير ورحل إلى البلاد وكتب الكثير، وهو أحد أكابر أهل الحديث وأعيان حفّاظهم، ووقع له محن ذكرها صاحب مرآة الزمان، ونجّاه الله منها. ومات فى يوم الاثنين ثالث عشرين شهر ربيع الأوّل، ودفن بالقرافة «5» عند الشيخ أبى عمرو بن مرزوق، وكان إماما عابدا زاهدا ورعا. قال تاج الدين الكندىّ: هو أعلم من الدّارقطنىّ «6» والحافظ أبى «7» موسى. قال أبو المظفّر: وفى هذه السنة سافرت من بغداد إلى الشام، وهى أوّل رحلتى، فاجتزت بدقوقا «8» وجلست بها (يعنى للموعظة) ثم قدمت إربل واجتمعت بمحيى الدين الساعاتىّ «9» ، وأنشدنى مقطعات لغيره. منها- رحمه الله-:

ما وقع من الحوادث سنة 601

رحمت أسود هذا الخال حين بدا ... فى جمرة الخدّ مرميّا بأبصار كأنّه بعض عبّاد المجوس وقد ... ألقى بمهجته فى لجّة النار الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى منتخب «1» الدين أبو الفتح «2» أسعد بن أبى الفضائل محمود بن خلف العجلىّ الأصبهانىّ شيخ الشافعيّة ببلده فى صفر، وله خمس وثمانون سنة. وأبو سعد عبد الله بن عمر بن أحمد النيسابورىّ الصفّار فى رمضان، وله اثنتان وتسعون سنة. والحافظ تقىّ الدين عبد الغنى بن عبد الواحد بن علىّ الجمّاعيلىّ المقدسىّ فى شهر ربيع الأوّل، وله تسع وخمسون سنة. وفاطمة بنت سعد الخير الأنصاريّة فى شهر ربيع الأوّل، ولها ثمان وسبعون سنة. وبهاء الدين أبو محمد القاسم ابن الحافظ علىّ بن الحسن بن هبة الله ابن عساكر فى صفر، وله ثلاث وسبعون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وست أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وإحدى وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 601] السنة الخامسة من ولاية الملك العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة إحدى وستمائة. فيها جاءت الفرنج حماة بغتة وأخذوا النساء الغسّالات من باب البلد على العاصى «3» ، وخرج إليهم الملك المنصور «4» بن تقىّ الدين وقاتلهم وثبت وأبلى بلاء حسناء

وكسر الفرنج عسكره، فوقف على الساقة «1» ، ولولا وقوفه ما أبقوا من المسلمين أحدا. وفيها حجّ بالناس من العراق وجه السبع، ومن الشام صارم الدين برغش العادلى وزين الدين قراجا صاحب صرخد. وفيها توفّى عبد المنعم بن علىّ [بن نصر «2» ] بن الصّيقلىّ أبو محمد نجم الدين الحرّانىّ، قدم بغداد وتفقّه بها؛ وسمع الحديث؛ ثم عاد إلى حرّان ووعظ بها وحصل له القبول التام، ثم عاد إلى بغداد واستوطنها. قال أبو المظفّر سبط ابن الجوزىّ فى تاريخه: سمعته ينشد: وأشتاقكم يا أهل ودّى وبيننا ... كما زعم «3» البين المشتّ فراسخ فأمّا الكرى عن ناظرى فمشرّد ... وأما هواكم فى فؤادى فراسخ وفيها توفّى محمد بن سعد «4» الله بن نصر أبو نصر بن الدّجاجىّ الواعظ الحنبلىّ. ولد سنة أربع وعشرين وخمسمائة، ومات فى شهر ربيع الأوّل، ودفن بباب حرب. ومن شعره- رحمه الله-: نفس الفتى إن أصلحت أحوالها ... كان إلى نيل المنى «5» أحوى لها وإن تراها سدّدت أقوالها ... كان على حمل العلا أقوى لها

وفيها توفّى ملك خلاط سيف الدين بكتمر «1» . كان من أحسن الشباب؛ ولم يبلغ عشرين سنة من العمر، قتله الهزار «2» دينارى؛ قيل: إنّه غرّقه فى بحر خلاط، وقتل الهزار دينارى بعده بمدّة يسيرة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى المحدّث أحمد بن سليمان «3» الحربىّ الملقب بالسّكّر. وأبو الفضل «4» محمد بن الحسين «5» بن الخصيب «6» بدمشق. ويوسف بن المبارك بن كامل الخفّاف. وعبد الله بن عبد الرحمن بن أيّوب الحربى البقلىّ. وشميم الحلّىّ أبو الحسن علىّ بن الحسن بن عنتر «7» الأديب. ومحمد بن أحمد بن حامد أبو عبد الله الأرتاحىّ «8» الحنبلىّ بمصر، وله بضع وتسعون سنة.

ما وقع من الحوادث سنة 602

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وست أصابع. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وثمانى أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 602] السنة السادسة من ولاية الملك العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنه اثنتين وستمائة. فيها توجّه ناصر «1» الدين صاحب ماردين إلى خلاط بمكاتبة أهلها وملكها «2» ، فجاء الملك الأشرف موسى شاه أرمن ابن الملك العادل هذا فنزل على دنيسر، وأقطع بلاد ماردين؛ فلمّا بلغ ذلك ناصر الدين عاد إلى ماردين بعد أن غرم مائة ألف دينار، ولم تسلّم له خلاط. وفيها أغار [ابن «3» ] لاون على حلب وأخذ الجشار «4» من نواحى حارم، فبعث إليه الملك الظاهر غازى ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب- وهو يوم ذاك صاحب حلب- فارس الدين ميمونا القصرىّ، وأيبك فطيس، والأمير حسام الدين [بن أمير تركمان «5» ] فتقاتلا قتالا شديدا، وكان ميمون تقدّم ولولا هما لأخذ ميمون؛ فلمّا بلغ ذلك الملك الظاهر خرج من حلب ونزل مرج «6» دابق، ثمّ جاء إلى حارم،

فهرب ابن لاون إلى بلاده. وكان ابن لاون قد بنى قلعة فوق دربساك، فأخذها الظاهر وأخربها، ثم عاد الملك الظاهر إلى حلب. وفيها حجّ بالناس من العراق وجه السّبع، ومن الشام الشّجاع علىّ بن السّلّار. وفيها توفّى الأمير طاشتكين بن عبد الله المقتفوىّ «1» مجير الدين أمير الحاجّ، حجّ بالناس ستّا وعشرين حجّة، وكان يسير فى طريق الحجّ مثل الملوك. شكاه ابن يونس [الوزير «2» ] إلى الخليفة أنّه يكاتب السلطان صلاح الدين صاحب مصر [وزوّر «3» عليه كتابة] ، فحبسه الخليفة مدّة، ثم تبيّن له أنّه برىء، فأطلقه وأعطاه خوزستان «4» ؛ ثم أعاده إلى إمرة الحاجّ؛ وكانت الحلّة «5» إقطاعه. وكان شجاعا جوادا سمحا قليل الكلام يمضى عليه الأسبوع ولا يتكلّم. استغاث إليه رجل يوما فلم يكلّمه، فقال الرجل: الله كلّم موسى، فقال: وأنت موسى! [فقال «6» الرجل: وأنت الله! فقضى حاجته. وكان حليما، التقاه رجل فآستغاث إليه من نوّابه فلم يجبه] فقال الرجل: أنت حمار؟ فقال طاشتكين: لا. وفى قلّة كلامه يقول ابن التّعاويذىّ «7» الشاعر المشهور: وأمير على البلاد مولّى ... لا يجيب الشاكى بغير السكوت كلّما زاد رفعة حطّنا اللّ ... هـ بتغفيله إلى البهموت وفيها توفّى مسعود بن سعد الدين صاحب صفد. وأخوه «8» بدر الدين ممدود شحنة دمشق، وهما ابنا الحاجب مبارك بن عبد الله، وأمّهما أمّ فرخشاه

ما وقع من الحوادث سنة 603

ابن «1» شاهنشاه بن أيّوب [ففرخشاه «2» أخوهما لأمّهما] ، وأختهما لأمّهما أيضا الستّ عذراء صاحبة المدرسة العذراويّة المجاورة لقلعة دمشق. وكانا أميرين كبيرين (أعنى ممدودا ومسعودا) صاحبى الترجمة، ولهما مواقف مع السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب، وتقدّمت وفاة ممدود على أخيه مسعود، فإنّه مات بدمشق فى يوم الأحد خامس شهر رمضان من هذه السنة. وتوفّى مسعود هذا بصفد فى يوم الاثنين خامس شوّال- رحمهما الله تعالى-. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى سلطان غزنة شهاب الدين [أبو المظفر «3» محمد بن سام] الغورى قتلته الباطنيّة. وأبو علىّ ضياء الدين ابن أبى القاسم [أحمد «4» بن الحسن أبى علىّ] بن الخريف. والمفتى أبو المفاخر خلف بن أحمد الأصبهانىّ الفرّاء، وله أربع وثمانون سنة. وأبو يعلى حمزة بن علىّ [بن «5» حمزة بن فارس] بن القبّيطىّ، قرأ القرآن على سبط الخيّاط وجماعة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وأربع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وست عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 603] السنة السابعة من ولاية الملك العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة ثلاث وستمائة. فيها فارق وجه السّبع الحاجّ، وقصد الشام مغضبا، وكان فى الحجّ جماعة من الأعيان، فبكوا وسألوه العود معهم على العادة، فقال: مولاى أمير المؤمنين محسن

إلىّ، وما أشكو إلّا من الوزير ابن مهدى «1» ، وما عن التوجّه بدّ؛ ففارقهم وسار إلى الشام، فتلقّاه الملك العادل صاحب الترجمة وأولاده، وأحسن العادل إليه وأكرم نزله، وحزن الخليفة على فراقه. وفيها ولّى الخليفة عماد الدين أبا القاسم عبد الله بن الدّامغانىّ الحنفىّ قاضى قضاة بغداد. وفيها قبض الخليفة على عبد السلام بن عبد الوهاب بن الشيخ عبد القادر الجيلىّ، واستأصله حتّى احتاج إلى الطلب من الناس. وفيها نزلت الفرنج على حمص، وكان الملك الظاهر غازى صاحب حلب قد بعث المبارز يوسف بن خطلخ الحلبىّ إليها نجدة لأسد الدين صاحبها، وحصل القتال بينهم وبين الفرنج وأسر الصّمصام بن العلائىّ، وخادم صاحب حمص. ورجع الفرنج إلى بلادهم. وفيها توفّى عبد الرزاق ابن الشيخ عبد القادر الجيلىّ المعروف بالكيلانى- رضى الله عنه- وكان عبد الرزاق هذا زاهدا ورعا عابدا مقتنعا من الدنيا باليسير صالحا ثقة، لم يدخل فى الدنيا كما دخل فيها غيره من إخوته. وكان مولده سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، ومات فى شوّال ببغداد ودفن بباب حرب. وفيها توفّى أبو القاسم [أحمد «2» ] ابن المقرئ صاحب ديوان الخليفة ببغداد، كان شابا حسنا يعاشر ابن الأمير أصبه، وكان ابن أصبه شابّا جميلا، جلسا يوما فداعب ابن المقرئ ابن أصبه فرماه بسكّين صغيرة، فوقعت فى فؤاده فقتلته، فسلّم الخليفة ابن المقرئ إلى أولاد أصبه، فلمّا خرجوا به ليقتلوه أنشد.

ما وقع من الحوادث سنة 604

قدمت على الإله بغير زاد ... من الأعمال بالقلب السليم وسوء الظن أن تعتدّ زادا ... إذا كان القدوم على كريم فقتلوه- رحمه الله تعالى-. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر الصّيدلانىّ، وله أربع وتسعون سنة. وأبو عبد الله محمد بن معمّر [بن عبد الواحد «1» بن رجاء] بن الفاخر القرشىّ. وأبو بكر عبد الرزّاق بن عبد القادر ابن أبى صالح الجيلىّ الحافظ فى شوّال، وله خمس وسبعون سنة. أمر النيل فى هذه السنة، الماء القديم خمس أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وأربع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 604] السنة الثامنة من ولاية الملك العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة أربع وستمائة. فيها ملك الأوحد ابن الملك العادل صاحب الترجمة خلاط بمكاتبة أهلها بعد قتل ابن بكتمر «2» والهزار دينارى المقدّم ذكرهما؛ وكانت بنت بكتمر مع صاحب «3» أرزن «4» الروم،- فقالت بعد قتل أخيها-: لا أرضى حتّى تقتل قاتل أخى، وهو الهزار

دينارى وتأخذ بثأره؛ فسار صاحب أرزن إلى خلاط، وخرج الهزار دينارى للقائه، فضربه صاحب أرزن فأبان رأسه، وعاد إلى أرزن الروم. وبقيت خلاط بغير ملك، وكان الأوحد بن العادل صاحب ميّافارقين، فكاتبوه أهل خلاط فجاء إليهم واستولى عليها. وفيها حجّ بالناس من العراق ياقوت «1» . وفيها توفّى محمود «2» بن هبة الله بن أبى القاسم الحلبىّ أبو الثناء البزّاز. كان فاضلا قرأ القرآن، وسمع الحديث على إسماعيل بن موهوب بن الجواليقىّ، وحكى عنه قال: كنت فى حلقة والدى بجامع القصر، فوقف عليه شابّ وقال: ما معنى قول القائل: وصل الحبيب جنان الخلد أسكنها ... وهجره النار يصلينى به النارا فالشمس بالقوس أضحت «3» وهى نازلة ... إن لم يزرنى وبالجوزاء إن زارا فقال له والدى: يا بنىّ، هذا شىء يتعلّق بعلم النجوم لا بعلم الأدب. ثم قام والدى وآلى على نفسه ألّا يعود إلى مكانه حتّى ينظر فى علم النجوم، ويعرف مسير الشمس والقمر، فنظر فيه وعلمه. ومعنى الشعر: أنّ الشمس إذا نزلت القوس يكون الليل فى غاية الطول، وإذا كانت فى الجوزاء كان فى غاية القصر. قلت: ومحصول البيتين: أنّه إذا لم يزره محبوبه كان الليل عليه أطول الليالى، وإذا زاره كان عليه أقصر الليالى، فقصد القوس للطّول، والجوزاء للقصر. وهذا يشبه قول القائل، وقد تقدّم ذلك فى غير هذا المحلّ من هذا الكتاب،:

ليلى «1» وليلى نفى نومى اختلافهما ... بالطّول والطّول يا طوبى لو اعتدلا يجود بالطّول ليلى كلّما بخلت ... بالطّول ليلى وإن جادت به بخلا ومثل هذا قول شرف الدين أحمد بن نصر بن كامل- وقيل هما لغيره-: عهدى بهم ورداء الوصل يجمعنا ... والليل أطوله كاللّمح بالبصر فاليوم ليلى مذ غابوا فديتهم ... ليل الضرير فصبحى غير منتظر ويعجبنى قول من قال- وهو قريب من هذا المعنى إن لم يكن هو بعينه-: هجم السّهاد على عيونى فى الدّجى ... سرق الرقاد ودمع عينى سافح وغدا يسامح للدجى فى بيعه ... واللّصّ كيف يبيع فهو الرابح وقد استوعبنا هذا النوع (أعنى ما قيل فى طول الليل وقصره فى كتابنا المسمّى: ب «حلية الصفات فى الأسماء والصناعات» ) فلينظر هناك فى حرف الطاء المهملة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى حنبل بن عبد الله ابن الفرج بن سعادة أبو «2» علىّ الرّصافىّ المكبّر [بجامع المهدى «3» ] الدلّال فى المحرّم. وعبد المجيب بن عبد الله بن زهير الحربىّ بحماة. وأبو الفضل عبد الواحد ابن عبد السلام بن سلطان المقرئ. وستّ الكتبة نعمة بنت علىّ بن يحيى [بن «4» محمد] ابن الطراح بدمشق. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وسبع أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا سواء.

ما وقع من الحوادث سنة 605

*** [ما وقع من الحوادث سنة 605] السنة التاسعة من ولاية الملك العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة خمس وستمائة. فيها زلزلت نيسابور زلزلة عظيمة دامت عشرة أيام، فمات تحت الردم خلق كثير. وفيها اتّفق الفرنج من طرابلس وحصن «1» الأكراد على الإغارة على أعمال حمص، فتوجّهوا إليها وحاصروها، فعجز صاحب حمص أسد الدين شيركوه عنهم، ونجده ابن عمّه الملك الظاهر غازى صاحب حلب، فعاد الفرنج إلى طرابلس. وبلغ السلطان الملك العادل صاحب الترجمة، فخرج إليهم من مصر بالجيوش وقصد عكّا، فصالحه صاحبها، فسار حتّى نزل على بحيرة قدس «2» ، وأغار على بلاد طرابلس وأخذ من أعمالها حصنا صغيرا. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال وفيها توفّى قاضى القضاة صدر الدين أبو القاسم عبد الملك بن عيسى بن درباس بمصر عن تسع وثمانين سنة. والقاضى أبو الفتح محمد بن أحمد بن بختيار بواسط فى شعبان، وله ثمان وثمانون سنة. وأبو الجود غياث بن فارس اللّخمىّ مقرئ ديار مصر. وأبو بكر محمد بن المبارك [بن «3» محمد بن أحمد بن الحسين] بن مشّق محدّث بغداد، وله اثنتان وسبعون سنة. والحسين بن أبى نصر [بن «4» الحسين بن هبة الله بن أبى حنيفة] بن القارص «5» الحريمىّ

ما وقع من الحوادث سنة 606

الضرير آخر من روى شيئا عن المسند، توفّى فى شعبان. وخطيب القدس علىّ بن محمد بن علىّ بن جميل المعافرى. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا واثنتا عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 606] السنة العاشرة من ولاية الملك العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة ستّ وستمائة. فيها توفّى الحسن بن أحمد [بن «1» محمد] بن جكينا من أهل الحرم الطاهرىّ، كان فاضلا رئيسا شاعرا. ومن شعره: قد بان لى عذر الكرام وصدّهم ... عن أكثر الشعراء ليس بعار لم يسأموا بذل النوال وإنّما ... جمد النّدى لبرودة الأشعار وفيها توفّى محمد بن عمر بن الحسين العلّامة أبو المعالى «2» فخر الدين الرازىّ المتكلّم صاحب التصانيف فى علم الكلام والمنطق والتفسير. كان إماما بارعا فى فنون من العلوم، صنّف «التفسير «3» » و «المحصّل «4» » و «الأربعين «5» » و «نهاية «6» العقول» وغير ذلك. قال صاحب المرآة: «واختصّ بكتب ابن سينا فى المنطق وشرحها، وكان

يعظ وينال من الكرّاميّة «1» وينالون منه، ويكفّرهم ويكفّرونه، وقيل: إنّهم دسّوا عليه من سقاه السم فمات ففرحوا بموته؛ وكانوا يرمونه بالكبائر، وكانت وفاته فى ذى الحجّة. ثم ذكر عنه صاحب المرآة أشياء، الأليق الإضراب عنها والسّكات عن ذكرها. وفيها توفّى المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم أبو السعادات مجد الدين ابن الأثير الموصلىّ الجزرىّ الكاتب، ولد سنة أربعين «2» وخمسمائة بجزيرة ابن عمر، ثم انتقل إلى الموصل وكتب لأمرائها، وكانوا يحترمونه، وكان عندهم بمنزلة الوزير الناصح إلّا أنّه كان منقطعا إلى العلم قليل الملازمة لهم. صنّف الكتب الحسان، منها: «جامع الأصول فى أحاديث الرسول» ، جمع فيه «3» بين الصّحاح الستة. وكتاب «النهاية فى غريب الحديث» فى خمسة مجلدات. وكتاب «الإنصاف فى الجمع بين الكشف «4» والكشّاف» فى تفسير القرآن، أخذه من تفسير الثّعلبىّ «5» والزمخشرىّ «6» ، وله كتاب «المصطفى والمختار فى الأدعية والأذكار» وله كتاب لطيف فى صناعة الكتابة، وكتاب «البديع فى شرح الفصول فى النحو لابن الدّهان «7» » وله «ديوان رسائل» ، وكتاب «الشافى فى شرح مسند الإمام الشافعىّ» - رضى الله عنه-. ومن شعره

- رحمه الله- ما أنشده لصاحب الموصل، وقد زلّت به بغلته وألقته إلى الأرض: إن زلّت البغلة من تحته ... فإنّ فى زلّتها عذرا حمّلها من علمه شاهقا ... أو من ندى راحته بحرا وكانت وفاته بالموصل فى يوم الخميس سلخ ذى الحجّة، ودفن برباطه بدرب درّاج «1» ، وهو أخو أبى الحسن «2» علىّ بن الجزرىّ الكاتب. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى القاضى وجيه الدين أسعد بن المنجّا التّنوخىّ فى المحرّم، وله سبع وثمانون سنة. وأبو مسلم المؤيّد [هشام «3» ] بن عبد الرحيم [بن «4» أحمد بن محمد] بن الإخوة العدل بأصبهان فى جمادى الآخرة. وأبو عبد الله محمود بن أحمد المضرىّ «5» الأصبهانىّ إمام جامع أصبهان عن تسع وثمانين سنة. وأبو القاسم إدريس بن محمد العطّار بأصبهان، وله نحو مائة سنة. وفخر الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين الرازىّ المصنّف ابن خطيب الرىّ يوم عيد الفطر، وله اثنتان وستون سنة. ومجد الدين يحيى بن الربيع الواسطىّ مدرس النظاميّة عن ثمان وسبعين «6» سنة. ومجد الدين أبو السعادات المبارك بن الأثير الجزرىّ الكاتب صاحب «جامع الأصول» و «النهاية» فى سلخ العام، وله ثلاث

ما وقع من الحوادث سنة 607

وستون سنة. وأمّ هانىء عفيفة بنت أحمد الفارفانيّة «1» مسندة أصبهان، ولها ستّ وتسعون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وست عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 607] السنة الحادية عشرة من ولاية الملك العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة سبع وستمائة. فيها حجّ بالناس من الشام سيف الدّين [علىّ «2» ] بن علم الدين سليمان بن جندر. وفيها توفّى أرسلان [شاه «3» ] بن عزّ الدين مسعود الأمير نور الدين الأتابك صاحب الموصل، كان متكبّرا جبّارا بخيلا فاتكا سفّا كاللدماء، حبس أخاه علاء «4» الدين سنين حتّى مات فى حبسه، وولّى الموصل لرجل ظالم يقال له السراج فأهلك الحرث والنّسل، وكانت وفاة أرسلان هذا فى صفر. وخلّف ولدين: القاهر «5» مسعودا وزنكى «6» ، وأوصى إلى بدر الدين لؤلؤ «7» أن يكون مسعود السلطان ويكون زنكى فى شهرزور «8» .

وفيها توفّى عبد الوهّاب بن علىّ الشيخ أبو محمد «1» الصّوفىّ ضياء الدين المعروف بابن سكينة سبط شيخ الشيوخ إسماعيل بن أحمد النّيسابورىّ. وكان فاضلا محدّثا عابدا زاهدا، وكان ينشد لمحمد الفارقىّ «2» - رحمه الله-: تحمّل أخاك على خلقه ... فما فى استقامته مطمع وأنّى له خلق واحد ... وفيه طبائعه الأربع وفيها توفّى عمر بن محمد بن معمّر بن أحمد بن يحيى بن حسّان المسند الكبير رحلة الآفاق أبو حفص بن أبى بكر البغدادىّ الدّارقزّىّ «3» المؤدّب المعروف بآبن طبرزذ، والطّبرزذ: هو السّكر. ولد فى ذى الحجّة سنة ست عشرة وخمسمائة، وسمع الكثير بإفادة أخيه المحدّث أبى البقاء محمد ثم بنفسه، وحصّل الأصول وحفظها إلى وقت الحاجة إليه، فلمّا كبرت سنّه حدّث بالكثير، وصار رحلة الزمان إلى أن مات فى تاسع شهر رجب ببغداد؛ ودفن بباب حرب. وفيها توفّى محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام الإمام القدوة الزاهد أبو عمر المقدسىّ الجمّاعيلىّ. قال ابن أخته الحافظ ضياء الدين: مولده فى سنة ثمان وعشرين وخمسمائة بجمّاعيل، وسمع الكثير بدمشق من والده وخلق كثير سواه، وروى عنه أخوه الشيخ الموفّق «4» وولداه شرف الدين عبد الله وشمس الدين عبد الرحمن وجماعة كثيرة، وكان إماما عالما زاهدا ورعا متقنا متعبّدا: قال أبو المظفّر: وكان معتدل القامة حسن الوجه، عليه أنوار العبادة لا يزال مبتسما،

نحيل الجسم من كثرة الصيام والقيام. ثم قال- بعد كلام طويل وبعد أن أورد أشعارا كثيرة- وأنشدنى لغيره: لى حيلة فيمن ينمّ ... وليس فى الكذّاب حيله من كان يخلق ما يقو ... ل فحيلتى فيه قليله وفيها توفّى الوجيه بن النّورىّ المصرىّ الفقيه المقرئ الحنفىّ إمام مقصورة الحنفية الغربية بجامع دمشق، كان صالحا ديّنا فقيرا قارئا للقرآن بالسبع. قال أبو المظفّر وأنشد لغيره: ومن عادة السادات أن يتفقّدوا ... أصاغرهم والمكرمات مصايد سليمان ذو ملك تفقد هدهدا ... وإنّ أقلّ الطائرات الهداهد الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى أبو محمد جعفر بن محمد [بن «1» أبى محمد] بن آموسان «2» الأصبهانىّ بعد حجّه بالمدينة فى المحرّم، وله خمس وسبعون سنة. وأبو محمد «3» عبد الوهّاب ابن الأمين علىّ بن سكينة الصوفىّ مسند العراق وشيخها، وله ثمان وثمانون سنة. مات فى شهر ربيع الآخر. والشيخ أبو عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة الزاهد شيخ المقادسة فى شهر ربيع الآخر، وله تسع وسبعون سنة. وعائشة بنت معمّر بن الفاخر عن بضع وثمانين سنة. وأبو الفرج محمد بن هبة الله بن كامل الوكيل ببغداد عن خمس وثمانين سنة. وأبو حفص عمر ابن محمد بن معمّر بن طبرزذ عن إحدى وتسعين سنة، كلاهما فى رجب. وأبو المجد زاهر «4» بن أحمد بن أبى غانم الثّقفىّ الأصبهانىّ وقد قارب التسعين

ما وقع من الحوادث سنة 608

فى ذى القعدة. وأسعد بن سعيد [بن محمود «1» بن محمد بن أحمد بن جعفر] بن روح التاجر بأصبهان فى ذى الحجّة، وله تسعون سنة، وختم به حديث الطّبرانىّ فى الدنيا. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم لم يوجد له قاع فى هذه السنة. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا «2» وأربع أصابع، بعد ما توقّف عن الزيادة أيّاما. *** [ما وقع من الحوادث سنة 608] السنة الثانية عشرة من ولاية الملك العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة ثمان وستمائة. فيها قدم بغداد رسول جلال الدين حسن صاحب ألموت «3» ، يخبر الخليفة بأنّهم تبرّءوا من الباطنيّة، وبنوا الجوامع والمساجد، وأقيمت الجمعة والجماعات عندهم، وصلّوا التراويح فى شهر رمضان؛ فسرّ الخليفة والناس بذلك. وقدمت الخاتون أمّ جلال الدين حاجّة، واحتفل «4» بها الخليفة، وجهّز لها ما يليق بها. وفيها بعث الخليفة الناصر لدين الله خاتمه للأمير وجه السّبع بالشام، وقد تقدّم ذكره فيما مضى، فتوجّه وجه السبع إلى الخليفة ومعه رسول الملك العادل صاحب الترجمة، فأكرم الخليفة وجه السبع، وأعطاه الكوفة إقطاعا. وفيها توفّى عبد الواحد بن عبد الوهّاب بن علىّ بن سكينة ويلقّب بالمعين. ولد سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة، وسافر إلى الشام فى أيام الأفضل، وبسط

لسانه فى الدولة، ثم عاد إلى بغداد بأمان من الخليفة؛ وولى مشيخة الشيوخ. ومات غريقا فى البحر، وكان سمع جدّه لأمّه شيخ الشيوخ عبد الرحيم «1» وغيره. وأنشد لجدّه المذكور قوله فى الخضاب: ولم أخضب مشيبى وهو زين ... لإيثارى جهالات الشبّاب ولكن كى يرانى من أعادى ... فأرهبه بوثبات التّصابى وفيها توفّى مظفر «2» الماسكى البغدادىّ، كان ظريفا أديبا، وكان يقول من الشعر «كان وكان «3» » وغيره. ومن شعره فى «كان وكان» قوله: ذى زوجها ما شطها وكل من جا حفّها ... قصده يرى النقش عنده فى كفّها ألوان إن شندرت فلوجهه تصيب قبل كفوفها ... ما صحّ ذاك النشادر إلّا من الدّخان الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو المعالى «4» محمد ابن صالح آخر من حدّث عن الميورقىّ. ويحيى بن البنّاء، وله تسعون سنة. وأبو الفتح منصور بن عبد المنعم بن عبد الله بن [محمد «5» ] الفراوىّ العدل بنيسابور، وله ستّ وثمانون سنة فى شعبان. والقاضى أبو القاسم هبة الله بن جعفر بن سناء الملك بمصر. وأبو عبد الله محمد بن أيّوب بن محمد بن [وهب بن محمد «6» بن وهب] بن نوح

ما وقع من الحوادث سنة 609

الغافقىّ «1» ببلنسية، وله ثمان وسبعون سنة. والخضر بن كامل [بن سالم «2» ] بن سبيع الدلّال بدمشق. وأبو العبّاس أحمد بن الحسن بن أبى البقاء العاقولىّ» فى ذى الحجّة ببغداد. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وست أصابع. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وعشر أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 609] السنة الثالثة عشرة من ولاية الملك العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر. وهى سنة تسع وستمائة. فيها اجتمع الملك العادل المذكور وأولاده: الكامل والفائز والمعظّم على دمياط لقتال الفرنج، وكان الأمير أسامة بالقاهرة، فاتّهم بمكاتبة الملك الظاهر غازى صاحب حلب، ووجدوا كتبا إليه وأجوبة؛ فخرج أسامة المذكور من القاهرة كأنّه يتصيّد وساق إلى الشام فى مماليكه يطلب قلعة كوكب وعجلون. وكان ذلك فى يوم الاثنين سلخ جمادى الآخرة. فأرسل والى بلبيس الحمام إلى دمياط بالخبر؛ فقال العادل: من ساق خلفه فله أمواله وقلاعه؛ فقال ولده الملك المعظم عيسى: أنا، وركب من دمياط يوم الثلاثاء غرّة رجب. قال أبو المظفّر سبط ابن الجوزىّ: «وكنت معه، فقال لى: أنا أريد أن أسوق فآبق أنت مع قماشى ودفع لى بغلة، وساق ومعه نفر يسير وعلى يده حصان، فكان صباح يوم الجمعة بغزّة، [ساق «4» مسيرة ثمانية أيام فى ثلاثة أيّام] فسبق أسامة. [وأمّا أسامة «5» ] فتقطّع عنه مماليكه وبقى

وحده؛ وكان به مرض النّقرس (يعنى بأسامة) ، فجاء إلى بلد الدّاروم «1» ؛ وكان المعظّم أمسك عليه من البحر إلى الزّرقاء «2» ، فرآه بعض الصيّادين فى برّية الدّاروم فعرفه، فقال له: انزل، فقال: هذه ألف دينار وأوصلنى إلى الشام، فأخذها الصيّاد وجاء إلى رفاقه [فعرفوه «3» أيضا] ، فأخذوه على طريق الخليل «4» ليحملوه إلى عجلون، فدخلوا به إلى القدس فى يوم الأحد فى سادس رجب بعد وصول المعظّم بثلاثة أيام، فتسلّمه المعظّم وأنزله بصهيون، وبعث إليه بثياب وطعام ولا طفه [وراسله «5» ] وقال له: أنت شيخ كبير وبك نقرس وما تصلح لك قلعة، سلّم إلىّ كوكب وعجلون، وأنا أحلف لك على مالك وجميع أسبابك، وتعيش بيننا مثل الوالد. فامتنع وشتم المعظّم، فبعث به المعظّم إلى الكرك فاعتقله بها، واستولى على قلاعه وأمواله وذخائره [وخيله «6» ] ، فكان قيمة ما أخذ منه ألف ألف دينار. وفيها حجّ بالناس من العراق حسام الدين بن أبى «7» فراس نيابة عن محمد بن ياقوت، وكان معه مال وخلع لقتادة «8» صاحب مكّة. وحجّ بالناس من الشام شجاع الدين بن «9» محارب، من على أيلة «10» .

وفيها توفّى الملك الأوحد نجم الدين أيّوب ابن السلطان الملك العادل أبى بكر صاحب الترجمة. كان صاحب خلاط وغيرها فى أيام أبيه الملك العادل، وقد تقدّم ذكر أخذه خلاط وغيرها؛ وكان قد ابتلى بأمراض مزمنة، وكان يتمنّى الموت وكان قد استزار أخاه الملك الأشرف موسى من حرّان، فأقام عنده أياما، واشتدّ مرضه فطلب الأشرف الرجوع إلى حرّان لئلا يتخيّل منه الأوحد، فقال له الأوحد: يا أخى، لم تلحّ فى الرّواح! والله إنّى ميّت وأنت تأخذ البلاد من بعدى، فكان كذلك. وملك الأشرف بعد موته خلاط وأحبّه أهلها. كلّ ذلك فى حياة أبيهما الملك العادل هذا. فكانت مدّة تملّك الأوحد خلاط أقلّ من خمس سنين، ووجد عليه الملك العادل كثيرا. وفيها توفّى محمود بنعثمان بن مكارم أبو الثناء الحنبلىّ، كان شيخا زاهدا عابدا صاحب رياضات ومجاهدات يصوم الدهر، وانتفع بصحبته خلق كثير، وكان من الأبدال. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو جعفر أحمد ابن علىّ الأنصارىّ الدّانىّ «1» الحصّار المقرئ ببلنسية، استشهد فى وقعة «2» العقاب هو وخلق من المسلمين. وأبو الفرج محمد بن علىّ بن حمزة بن القبّيطىّ، وله نيّف وثمانون سنة. والحافظ أبو نزار ربيعة بن الحسن الحضرمىّ اليمنىّ بمصر عن اثنتين «3» وثمانين سنة. وأبو [شجاع «4» ] زاهر بن رستم المقرئ بمكّة.

ما وقع من الحوادث سنة 610

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وعشر أصابع. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وإحدى عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 610] السنة الرابعة عشرة من ولاية الملك العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة عشر وستمائة. فيها حجّ بالناس من العراق ابن أبى فراس نيابة عن ابن ياقوت. وحجّ بالناس من الشام الغرز «1» صديق بن تمرداش التّركمانىّ من على عقبة أيلة «2» بحجّاح الكرك والقدس. وحجّ فى هذه السنة الملك الظافر «3» خضر ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب من على تيماء «4» ، ومعه حجّ الشام بأذن عمّه السلطان الملك العادل- فيما قيل-، فلمّا بلغ الملك الكامل محمّد بن العادل أنّه توجّه إلى الحجاز خاف على بلاد اليمن منه، فوجّه إليه عسكرا من مصر فلحقوه، وقالوا له: ارجع؛ فقال: قد بقى بينى وبين مكّة مسافة يسيرة، والله ما قصدى اليمن، وإنّما قصدى الحجّ، فقيّدونى واحتاطوا بى حتّى أقضى المناسك وأعود إلى الشام؛ فلم يلتفتوا لكلامه؛ فأراد أن يقاتلهم فلم يكن له بهم طاقة، فرجع إلى الشام ولم يحجّ. وفيها توفّى الأمير أيدغمش صاحب همذان، أرسله الخليفة إلى همذان فسار وانتظر العسكر وطال عليه الأمر فرحل عن همذان. فالتقاه عسكر منكلى بغا ملك

التتار، وقاتلوه «1» فقتلوه، وحملوا رأسه إلى منكلى بغا المذكور. وكان أميرا صالحا كثير الصدقات ديّنا صائما عادلا كثير المحاسن- رحمه الله-. وفيها توفّى الوزير الرئيس سعيد بن علىّ بن أحمد أبو المعالى بن حديدة من ولد قطبة «2» بن عامر بن حديدة الأنصارىّ الصحابىّ. وكان مولده بكرخ سامرّا سنة ست وثلاثين وخمسمائة؛ وكان له مال كثير، واستوزره الخليفة الناصر لدين الله، ووقع له بعد ذلك محن، فهرت واختفى إلى أن توفّى. وفيها توفّى الأمير سنجر [بن عبد «3» الله] الناصرىّ صهر طاشتكين، وكان ذليلا بخيلا ساقط النفس مع كثرة المال. وتولّى مرّة إمرة الحاجّ [سنة «4» تسع وثمانين وخمسمائة] فاعترض الحاجّ رجل «5» بدوىّ فى نفر يسير جدّا، وكان مع سنجر هذا خمسمائة نفس، فذلّ وجبن عن ملاقاتة، وجبى له مالا من الحجّ؛ فلمّا دخل بغداد رسم عليه الخليفة حتّى أخذ منه المال وردّه إلى أصحابه، ثمّ عزله وأخذ إقطاعه. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو الحسن مهذّب الدين علىّ بن أحمد بن علىّ [المعروف «6» بابن هبل] البغدادىّ الطبيب بالموصل. وأبو عبد الله الحسين «7» بن سعيد بن الحسين بن شنيف الدّارقزّىّ الأمين ببغداد، كلاهما فى المحرّم. وأمّ النور عين الشمس بنت أحمد بن أبى الفرج الثّقفيّة، ولها ستّ وثمانون سنة. وأبو مسعود عبد الجليل بن أبى غالب [بن «8» أبى المعالى بن محمد بن الحسين]

ما وقع من الحوادث سنة 611

ابن مندويه الصوفىّ بدمشق عن ثمان وثمانين سنة، وإنّما سمع فى كبره. وتاج الأمناء أحمد بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقىّ. والفخر إسماعيل بن علىّ الحنبلىّ المتكلّم غلام بن المنّى «1» . أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وعشر أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وإصبع واحدة. *** [ما وقع من الحوادث سنة 611] السنة الخامسة عشرة من ولاية الملك العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة إحدى عشرة وستمائة. قلت: وفى مدّة هذه السنين كلّها [كان «2» ] صاحب مصر ولده الكامل محمد بن العادل، والملك العادل يتنقّل فى البلاد، غير أنّه هو الأصل فى السلطنة وعليه المعوّل؛ ولا تحسب سلطنة الكامل على مصر إلّا بعد موت أبيه العادل هذا. كما سيأتى ذكره إن شاء الله تعالى. فيها ملك اليمن أضيس «3» بن الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبى بكر صاحب الترجمة. ولقب أضيس المذكور بالملك المسعود، والعامّة يسمّونه «أقسيس» وغلب عليه مقالة العامّة، والصواب ما قلناه لأنّ والده الملك الكامل ما كان يعيش له ولد، فلمّا ولد له هذا أضسيس قال له بعض الأتراك: فى بلادنا إذا كان «4» الإنسان

لا يعيش له ولد يسمّونه أضسيس. ومعناه باللغة التركية: ماله اسم؛ فسمّاه والده الملك الكامل بذلك؛ فلمّا كبر ثقل على العامّة لفظ أضسيس؛ فسمّوه «أقسيس» . انتهى. وكان أقسيس المذكور شابّا جبّارا فاتكا قتل باليمن نحو ثمانمائة شريف. ودخل إلى مكّة إلى حاشية الطواف راكبا. وقيل إنه: كان يسكر وينام بدار على المسعى، فتخرج أعوانه تمنع الناس من الصّياح والضّجيج فى المسعى، ويقولون: الأمير سكران نائم! لا ترفعوا أصواتكم بالذكر والتّلبية! وقتل أقسيس هذا خلقا كثيرا من الأكابر والعظماء. ولو لم يحجّ عمّه الملك المعظّم عيسى صاحب دمشق ما قدر أقتسيس هذا على أخذ اليمن. كلّ ذلك فى حياة جدّه الملك العادل صاحب الترجمة. وفيها أخذ الملك المعظم عيسى ابن الملك العادل هذا قلعة صرخد من الأمير [ابن «1» ] قراجا، وعوّضه مالا وإقطاعا. وفيها حجّ بالناس من العراق ابن أبى فراس بن ورّام نائبا عن محمد بن ياقوت. وفيها حجّ الملك المعظّم عيسى المقدّم ذكره من دمشق، وحجّ معه عدّة أمراء من أعيان دمشق، وحجّ على مذهب أبى حنيفة واستمرّ على المذهب، وكلّمه والده الملك العادل صاحب الترجمة فى العود إلى مذهب الشافعىّ فلم يقبل، وجاو به بكلام السّكات عنه أليق. وفيها توفّى عبد العزيز بن محمود بن المبارك [بن «2» محمود بن الأخضر] الشيخ أبو محمد البزاز، سمع الحديث وأكثر وصنّف وكتب، وكان فاضلا ديّنا صالحا. مات فى شوّال.

ما وقع من الحوادث سنة 612

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الحافظ شرف الدين أبو الحسن علىّ بن المفضّل بن [علىّ «1» ] المقدسىّ الإسكندرانىّ المالكىّ، وله سبع وستون سنة. وفقيه بغداد أبو بكر محمد بن معالى بن غنيمة بن الحلاوى الحنبلىّ، وكان من أبناء السبعين «2» . والحافظ عبد العزيز بن محمود [بن المبارك «3» بن محمود] بن الأخضر، وله سبع وثمانون سنة فى شوّال. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وأربع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 612] السنة السادسة عشرة من ولاية الملك العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة اثنتى عشرة وستمائة. فيها خرج وجه السّبع من بغداد بالعساكر إلى همذان للقاء منكلى مملوك السلطان أزبك «4» خان، وكان قد عصى على مولاه وعلى الخليفة وقطع الطريق، فكتب الخليفة إلى ابن زين الدين «5» ، وإلى الملك الظاهر غازى صاحب حلب، وإلى الملك العادل هذا يطلب العساكر، فجاءته العساكر من كلّ مكان؛ وتوجّه ابن زين الدين مقدّم العساكر، وجاء أزبك وجلال الدين مقدّم الإسماعيليّة. وجمع أيضا منكلى جموعا كثيرة والتقوا قريبا من همذان، واقتتلوا قتالا شديدا، فكانت الدائرة على منكلى، وقتل من أصحابه ستة آلاف، ونهبوا أثقاله، فحال بينهم اللّيل فصعد

منكلى على جبل، وابن زين الدين والعساكر أسفل، وأوقد منكلى نارا عظيمة وهرب فى اللّيل، فأصبح الناس وليس لمنكلى أثر؛ ثم قتل منكلى بعد ذلك. وأزبك خان هذا هو غير أزبك خان النّترىّ المتأخّر. وفيها أخذ خوارزم شاه محمد [بن تكش «1» ] مدينة غزنة من يلدز تاج الدين مملوك شهاب الدين [أحمد «2» ] الغورىّ بغير قتال. وفيها أخذ ابن لاون الإفرنجىّ أنطاكية فى يوم الأحد رابع عشرين شوّال. وفيها حجّ بالناس ابن أبى فراس من العراق نيابة عن محمد بن ياقوت. وفيها توفّى علىّ ابن الخليفة الناصر لدين الله العباسىّ وكنيته أبو الحسن. وكان لقّبه أبوه الخليفة بالملك المعظّم، وكان جليلا نبيلا. مات فى ذى القعدة وأخرج تابوته وبين يديه أرباب الدولة. ومن الاتّفاق الغريب أنّه يوم الجمعة دخل بغداد رأس منكلى على رمح، وزيّنت بغداد وأظهر الخليفة السرور والفرح، ووافق تلك الساعة وفاة ابن الخليفة علىّ هذا، ووقع صراخ عظيم فى دار الخلافة، فانقلب ذلك الفرح بحزن. وخرجت المخدّرات من خدورهنّ ونشرن شعورهنّ. قال أبو المظفّر: «ولطمن وقام النوائح فى كلّ ناحية، وعظم حزن الخليفة بحيث إنه امتنع من الطعام والشراب، وغلّقت الأسواق، وعطّلت الحمّامات، وبطل البيع والشّراء، وجرى ما لم يجر قبله. وكان الخليفة قد رشّحه للخلافة، ففعل الله فى ملكه ما أراد. وخلّف ولدين: أبا عبد الله الحسين ولقّبه جدّه «المؤيد» ويحيى ولقّبه ب «الموفّق» .

وفيها توفّى المبارك بن المبارك أبو بكر الواسطىّ النحوىّ. ولد سنة أربع «1» وثلاثين وخمسمائة، وكان حنبليّا، ثم صار حنفيّا، ثم صار شافعيّا لأسباب وقعت له، وكان قرأ الأدب على ابن الخشّاب «2» وغيره، وكان أديبا فاضلا شاعرا. ومن شعره- رحمه الله- قوله: لا خير فى الخمر فمن شأنها ... إفقادها العقل وجلب الجنون أو أن ترى الأقبح مستحسنا ... وتظهر السرّ الخفىّ المصون قلت: ويعجبنى قول القائل، وهو قريب ممّا نحن فيه: على قدر عقل المرء فى حال صحوه ... تؤثّر فيه الخمر فى حال سكره فتأخذ من عقل كبير أقلّه ... وتأتى على العقل اليسير بأسره الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الفقيه سليمان بن محمد بن علىّ الموصلىّ فى صفر، وله أربع وثمانون سنة. وأبو العبّاس أحمد بن يحيى ابن بركة الدّبيقىّ «3» البزّاز فى شهر ربيع الأول، وله أربع وثمانون سنة أيضا. والحافظ عبد القادر [بن «4» عبد الله أبو محمد] الرّهاوى «5» بحرّان، وله ست وسبعون سنة فى جمادى الأولى. وأبو الفرج [يحيى «6» ] بن ياقوت الفرّاش «7» فى جمادى الاخرة. والقدوة

ما وقع من الحوادث سنة 613

الزاهد أبو الحسن «1» علىّ بن الصّبّاغ بن حميد الصّعيدىّ ببلدة قنا «2» . وأبو الفتوح «3» محمد بن علىّ الجلاجلىّ التاجر بالقدس عن إحدى وسبعين سنة. ومحمد «4» بن أبى المعالى [عبد الله «5» ] بن موهوب الصوفىّ ابن البنّاء فى ذى القعدة. وأبو محمد عبد العزيز بن معالى [بن غنيمة «6» بن الحسن المعروف ب] ابن منينا الاشنانىّ، وله سبع وثمانون سنة. مات فى ذى الحجّة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع سواء. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 613] السنة السابعة عشرة من ولاية الملك العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة ثلاث عشرة وستمائة. فيها جهّز الخليفة الناصر لدين الله ولدى ولده المقدّم ذكرهما إلى تستر، وضمّهما إلى بدر الدين محمد سبط «7» العقاب، وخرج أرباب الدولة بين يديهما، وضرب لهما خيمة الأطلس بأطناب خضر إبريسم، وعلى رءوسهما الشمسيّة والبنود والأعلام،

وخلفهما الكوسات، وسار معهما نجاح «1» الشرّابىّ والمكين «2» القمّىّ بالعساكر فى سابع المحرّم، فأقاما بتستر شهرين فلم تطب لهما، فعادا إلى بغداد عند جدّهما الخليفة فى شهر ربيع الآخر. وفيها توفّى الملك الظاهر غازى- على ما يأتى ذكره- فى هذه السنة. وتوجّه الشيخ أبو العبّاس عبد السلام بن [أبى «3» ] عصرون رسولا من الملك العزيز محمد بن الظاهر غازى المذكور إلى الخليفة الناصر لدين الله يطلب تقريره بسلطنة حلب على ما كان أبوه عليها. وفيها قصد الملك المعظّم عيسى صاحب دمشق الاجتماع بأخيه الملك الأشرف موسى، فاجتمعا بنواحى الرّقة، وفاوض المعظّم الأشرف فى أمر حلب. وفيها حجّ بالناس من العراق ابن أبى فراس، ومن الشام الشيخ علم الدين الجعبرىّ. وفيها توفّى زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن [بن زيد «4» بن الحسن] بن سعيد بن عصمة بن حمير «5» العلامة تاج الدين أبو اليمن الكندى البغدادىّ المقرئ النحوىّ اللغوىّ. مولده فى شعبان سنة عشرين وخمسمائة، وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، وكمّل القراءات العشر وله عشر سنين.

قال الذهبىّ: «وكان أعلى أهل الأرض إسنادا فى القراءات، فإنّى لا أعلم أحدا من الأئمة عاش بعد ما قرأ القراءات [ثلاثا «1» و] ثمانين سنة غيره. هذا مع أنّه قرأ على أسنّ شيوخ العصر بالعراق، ولم يبق أحد ممّن قرأ عليه مثل بقائه ولا قريبا منه، بل آخر من قرأ عليه الكمال [بن «2» ] فارس، وعاش بعده نيّفا وستين سنة. ثم إنّه سمع الحديث على الكبار، وبقى مسند الزمان فى القراءات والحديث» . انتهى كلام الذهبىّ باختصار. وكان فاضلا أديبا ومات فى شوّال. ومن شعره- رحمه الله تعالى-: دع المنجّم يكبو فى ضلالته ... إن ادّعى علم ما يجرى به الفلك تفرّد الله بالعلم القديم فلا ال ... إنسان يشركه فيه ولا الملك وفيها توفّى سعيد بن حمزة بن أحمد أبو الغنائم بن شاروخ «3» الكاتب العراقىّ. كان فاضلا بارعا فى الأدب، وله رسائل ومكاتبات وشعر. ومن شعره القصيدة التى أوّلها: يا شائم البرق من نجدىّ «4» كاظمة ... يبدو مرارا وتخفيه الدياجير وفيها توفّى السلطان الملك الظاهر أبو منصور غازى صاحب حلب ابن السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن الأمير نجم الدين أيّوب. ولد بالقاهرة فى سنة ثمان وستين وخمسمائة فى سلطنة والده. ونشأ تحت كنف والده، وولّاه أبوه سلطنة حلب فى حياته. وكان ملكا مهيبا وله سياسة وفطنة، ودولة معمورة بالعلماء والأمراء والفضلاء. وكان محسنا للرعيّة والوافدين عليه. وحضر معظم غزوات والده

السلطان صلاح الدين، وكان فى دولة الظاهر هذا من الأمراء: ميمون القصرىّ، والمبارز «1» ابن يوسف بن خطلخ، وسنقر الحلبىّ، وسرا سنقر، وأيبك فطيس وغيرهم من الصلاحيّة. ومن أرباب العمائم القاضى بهاء الدين بن شدّاد، والشريف الافتخارىّ الهاشمىّ، والشريف النّسّابة، وبنو العجمىّ والقيسرانىّ، وبنو الخشّاب [وغيرهم «2» ] . وكان ملجأ للغرباء وكهفا للفقراء، يزور الصالحين ويتفقّدهم، ودام على ذلك إلى أن توفّى ليلة الثلاثاء العشرين من جمادى الآخرة بعلّة الذّرب. ودفن بقلعة حلب، ثم نقل بعد ذلك إلى مدرسته التى أنشأها. وقام بعده ولده الملك العزيز محمد بوصيّته، وولّاه الخليفة حسب ما تقدّم ذكره. وفيها توفّى الشيخ عزّ الدين محمد بن الحافظ عبد الغنى المقدسىّ، ولد سنة ستّ وستين وخمسمائة، وسمع الحديث ورحل البلاد، وكان حافظا ديّنا ورعا زاهدا. ودفن بقاسيون «3» . وفيها توفّى يحيى بن محمد بن محمد بن محمد [بن محمد «4» ] أبو جعفر الشريف الحسينىّ. ولى نقابة الطالبيّين بالبصرة بعد أبيه؛ وقرأ الأدب، وسمع الحديث، ومن شعره- رحمه الله تعالى-: هذا العقيق وهذا الجزع والبان ... فاحبس فلى فيه أوطار وأوطان آليت والحرّ لا يلوى أليّته ... ألّا تلذّ بطيب النوم أجفان حتّى تعود ليالينا التى سلفت ... بالأجرعين وجيرانى كما كانوا

ما وقع من الحوادث سنة 614

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى العلّامة تاج الدين أبو اليمن زيد بن الحسن الكندىّ فى شوّال، وله ثلاث وتسعون سنة وشهران. والملك الظاهر أبو منصور غازى ابن السلطان صلاح الدين بحلب فى جمادى الآخرة. والمحدّث عزّ الدين محمد ابن الحافظ عبد الغنى المقدسىّ فى شوّال. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وأربع أصابع. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وثلاث وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 614] السنة الثامنة عشرة من ولاية الملك العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة أربع عشرة وستمائة. فيها قدم الملك خوارزم شاه واسمه محمد [بن تكش «1» ] إلى همذان بقصد «2» بغداد فى أربعمائة ألف مقاتل، وقيل فى ستمائة ألف، فأستعدّ له الخليفة الناصر لدين الله، وفرّق المال والسلاح، وأرسل إليه الشيخ شهاب الدّين السّهروردىّ «3» فى رسالة فأهانه واستدعاه وأوقفه إلى جانب تخته، ولم يأذن له بالقعود. قال أبو المظفّر:- «حكى الشهاب قال- استدعانى فأتيت إلى خيمة عظيمة لها دهليز لم أر فى الدنيا مثله، والدّهليز والشقة أطلس والأطناب حرير، وفى الدّهليز ملوك العجم على اختلاف طبقاتهم: صاحب همذان وأصبهان والرّى وغيرهم، فدخلنا إلى خيمة أخرى إبريسم؛ وفى دهليزها ملوك خراسان: مرو ونيسابور وبلخ وغيرهم؛ ثم دخلنا خيمة أخرى، وملوك ما وراء النهر فى دهليزها، كذلك ثلاث خيام.

ثم دخلنا عليه وهو فى خركاة عظيمة من ذهب؛ وعليها سجاف مرصّع بالجواهر. وهو صبىّ له شعرات قاعد على تخت ساذج وعليه قباء بخارىّ يساوى خمسة دراهم، وعلى رأسه قطعة من جلد تساوى درهما، فسلّمت عليه فلم يردّ، ولا أمرنى بالجلوس؛ فشرعت فخطبت خطبة بليغة، ذكرت فيها فضل بنى العبّاس ووصفت الخليفة بالزّهد والورع والتّقى والدين؛ والتّرجمان يعيد عليه قولى. [فلمّا فرغت «1» ] قال للترجمان: قل له هذا الذي وصفته ما هو فى بغداد؟.: قلت: نعم. قال [أنا «2» ] أجىء وأقيم خليفة يكون بهذه الأوصاف. ثم ردّنا بغير جواب. فنزل الثّلج عليهم فهلكت دوابّهم وركب خوارزم شاه يوما فعثر به فرسه فتطيّر، ووقع الفساد فى عسكره وقلّت الميرة. وكان معه سبعون ألفا من الخطا فردّه الله ونكب تلك النكبة العظيمة» . وسنذكرها- إن شاء الله تعالى- فى محلّها. وفيها توفّى إبراهيم [بن «3» عبد الواحد] بن علىّ بن سرور الشيخ العماد المقدسىّ الزاهد القدوة الحنبلىّ أخو الحافظ عبد الغنى، ولد بجمّاعيل فى سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، فهو أصغر من الحافظ عبد الغنى «4» بسنتين وسمع الكثير، وكان إماما حافظا عالما محدّثا زاهدا عابدا فقيها. مات فجأة فى ليلة الأربعاء سادس عشر ذى القعدة. وفيها توفّى عبد الصمد بن محمد بن أبى الفضل بن علىّ بن عبد الواحد أبو القاسم القاضى جمال الدين الحرستانىّ «5» الأنصارىّ شيخ القضاة. ولد بدمشق فى سنة عشرين وخمسمائة، ورحل وسمع الحديث وتفقّه، وكان إماما عفيفا خطيبا ديّنا صالحا. له حكايات مع الملك المعظّم عيسى فى أحكامه- رحمه الله تعالى-.

ما وقع من الحوادث سنة 615

وفيها توفّى محمد بن أبى القاسم بن محمد أبو عبد الله الهكّارىّ الأمير بدر الدين، استشهد على الطور «1» ، وأبلى بلاء حسنا ذلك اليوم وكان من المجاهدين، له المواقف المشهودة فى قتال الفرنج، وكان من أكابر أمراء الملك المعظّم، كان يستشيره ويصدر عن رأيه ويثق به لصلاحه ودينه وكان سمحا جوادا. الذين ذكر الذهبى وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى المحدّث أبو الخطّاب أحمد بن محمد البلنسىّ بمرّاكش. وأبو الحسن علىّ بن محمد بن علىّ الموصلىّ أخو سليمان «2» . وأبو الحسين محمد بن أحمد بن جبير الكنانىّ البلنسىّ الأديب الإسكندرانىّ بها، وله أربع وسبعون سنة. وقاضى القضاة أبو القاسم عبد الصمد بن محمد الحرستانىّ فى ذى الحجّة، وله أربع وتسعون سنة وأشهر. والإمام عماد الدين إبراهيم ابن عبد الواحد المقدسىّ فجأة فى ذى القعدة، وله سبعون سنة. والمحدّث أبو محمد عبد الله «3» بن عبد الجبّار العثمانىّ الإسكندرانىّ الكارمىّ بمكّة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وأربع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 615] السنة التاسعة عشرة من ولاية الملك العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى التى مات فيها العادل فى جمادى الآخرة حسب ما تقدّم ذكره، وهى سنة خمس عشرة وستمائة.

وفيها نزلت الفرنح على دمياط فى شهر ربيع الأوّل، وكان العادل بمرج الصّفّر، فبعث بالعساكر التى كانت معه إلى مصر إلى ولده الكامل، وأقام المعظّم بالساحل بعسكر الشام فى مقابلة الفرنج ليشغلهم عن دمياط. وفيها استدعى الملك العادل صاحب الترجمة ابنه الملك المعظّم المقدّم ذكره وقال له: قد بنيت هذا الطّور «1» ، وهو يكون سببا لخراب الشام، وقد سلّم الله من كان فيه من أبطال المسلمين، وسلاح الدنيا والذخائر؛ وأرى من المصلحة خرابه ليتوفّر من فيه من المسلمين والعدد على حفظ دمياط، وأنا أعوّضك عنه؛ فتوقّف المعظّم وبقى أيّاما لا يدخل إلى أبيه العادل، فبعث إليه العادل ثانيا وأرضاه بالمال، ووعده فى مصر ببلاد، فأجاب المعظّم وبعث ونقل ما كان فيه. وفيها فى يوم الجمعة ثانى عشر شهر ربيع الآخر كسر الملك الأشرف موسى صاحب خلاط وديار بكر وحلب ابن الملك العادل هذا ملك الروم كيكاوس. وفيها أيضا بعث الأشرف المذكور بالأمير سيف الدين بن كهدان والمبارز ابن خطلخ بجماعة من العساكر نجدة إلى أخيه الملك الكامل بدمياط، كلّ ذلك والقتال عمّال بين الملك الكامل والفرنج على ثغر دمياط. وفيها فى آخر جمادى الأولى أخذ الفرنج برج السّلسلة «2» من الكامل، فأرسل الكامل شيخ الشيوخ صدر الدين إلى أبيه العادل وأخبره، فدقّ العادل بيده على صدره، ومرض من قهره مرض الموت.

وفيها فى جمادى الآخرة التقى الملك المعظّم الفرنج بساحل الشام وقاتلهم فنصره الله عليهم، وقتل منهم مقتلة، وأسر من الدّاويّة «1» مائة فارس، وأدخلهم القدس منكّسى الأعلام. وفيها وصل رسول خوارزم شاه إلى الملك العادل هذا وهو بمرج الصّفّر، فبعث بالجواب الخطيب «2» الدّولعىّ ونجم الدين خليل [بن «3» علىّ الحنفى] قاضى العسكر، فوصلا همذان فوجدا الخوارزمىّ قد اندفع بين يدى الخطا [والتتار «4» ] ، وقد خامر عليه عسكره، فسارا إلى حدّ بخارى؛ فاجتمعا بولده الملك جلال الدين فأخبرهما بوفاة العادل صاحب الترجمة مرسلهما، فرجعا إلى دمشق. وفيها حجّ بالناس من بغداد أقباش «5» الناصرى. وفيها توفّى عبد الله بن الحسين أبو القاسم عماد الدين الدّامغانىّ الحنفىّ قاضى القضاة ببغداد؛ ومولده فى شهر رجب سنة أربع وستين وخمسمائة. وكان له صمت ووقار ودين وعصمة وعفّة وسيرة حسنة مع العلم والفضل، وكانت وفاته فى ذى القعدة ودفن بالشّونيزيّة. وفيها توفّى كيكاوس «6» الأمير عزّ الدين صاحب الروم، كان جبّارا ظالما سفّاكا للدماء، ولمّا عاد إلى بلده من كسرة الأشرف موسى اتّهم أقواما من أمراء دولته

أنهم قصّروا فى قتال الحلبيّين، وسلق منهم جماعة فى القدور، وجعل آخرين فى بيت وأحرقه؛ فأخذه الله بغتة. ومات سكران فجأة؛ وقيل: بل ابتلى فى بدنه، وتقطّعت أوصاله. وكان أخوه علاء الدين كيقباد محبوسا فى قلعة، وقد أمر كيكاوس بقتله، فبادروا وأخرجوه، وأقاموه فى الملك. وكانت وفاة كيكاوس فى شوّال، وهو الذي أطمع الفرنج فى دمياط. وفيها توفّى خوارزم شاه واسمه محمد بن تكش بن إيل أرسلان بن أتسر ابن محمد بن أنوشتكين السلطان علاء الدين المعروف بخوارزم شاه. قال ابن واصل «1» : نسبه ينتهى إلى إيلتكين أحد مماليك السلطان ألب أرسلان ابن طغرلبك السّلجوقىّ، وكانت سلطنة خوارزم شاه المذكور فى سنة ست وتسعين وخمسمائة عند موت والده السلطان علاء الدين تكش. وقال عز الدين بن الأثير: كان صبورا على التعب وإدمان السّير غير متنعّم ولا مقبل على اللّذات، إنّما همّته فى الملك وتدبيره وحفظه وحفظ رعيّته، وكان فاضلا عالما بالفقه والأصول وغيرهما، وكان مكرما للعلماء محبّا لهم محسنا إليهم يحبّ مناظرتهم بين يديه ويعظم أهل الدين ويتبرّك بهم. - قلت: وهذا بخلاف ما ذكره أبو المظفّر ممّا حكاه عن الشيخ شهاب الدين السّهروردىّ، لمّا توجه إلى خوارزم شاه هذا رسولا من قبل الخليفة الناصر لدين الله فإنّه ذكر عنه أشياء من التكبّر والتعاظم عليه، وعدم الالتفات له، وإنّه صار لا يفهم كلام السّهروردىّ إلّا بالتّرجمان؛ ولعلّه كان فعل ذلك لإظهار العظمة، وهو نوع من تجاهل العارف- قال: وكان أعظم ملوك الدنيا واتّسعت ممالكه شرقا وغربا

وهابته الملوك حتّى لم يبق إلّا من دخل تحت طاعته وصار من عسكره. ومحق أبوه التّتار بالسيف وملك منهم البلاد. ووقع له أمور طويلة حتّى إنّه نزل همذان، وكان فى عسكره سبعون ألفا من الخطا؛ فكاتب القمّىّ «1» عساكره ووعدهم بالبلاد، فآتّفقوا مع الخطا على قتله. وكان خاله من الخطا وحلّفوه ألّا يطلعه على ما دبّروا عليه، فجاء إليه فى الليل وكتب فى يده صورة الحال «2» ، فقام وخرج من وقته ومعه ولداه: جلال الدين وآخر؛ ولمّا خرج من الخيمة دخل الخطا والعساكر من بابها ظنّا منهم أنّه فيها، فلم يجدوه فنهبوا الخزائن، يقال: إنّه كان فى خزائنه عشرة آلاف ألف دينار، وألف حمل قماش أطلس، وعشرون ألف فرس وبغل، وكان له عشرة آلاف مملوك، فتمزّق الجميع وهرب ولداه إلى الهند، وهرب خوارزم شاه إلى الجزيرة، وفيها قلعة ليتحصّن بها، فمات دون طلوع القلحة المذكورة فى هذه السنة، وقيل: فى سنة سبع «3» عشرة وستمائة. والله أعلم. وفيها توفّى الملك القاهر عزّ الدّين مسعود [بن أرسلان «4» بن مسعود بن مودود ابن زنكى أبو الفتح] صاحب الموصل، وترك ولدا صغيرا اسمه محمود، فأخرج الأمير بدر الدين لؤلؤ زنكىّ أخا «5» القاهر من الموصل واستولى عليها، ودبّر مملكة محمود المذكور.

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الشهاب فتيان بن علىّ الشاغورىّ» الأديب. وصاحب الروم السلطان عزّ الدين كيكاوس، وولى بعده علاء الدين أخوه. وصاحب الموصل عزّ الدين مسعود بن أرسلان شاه الاتابكىّ. وصاحب مصر وغيرها السلطان الملك العادل سيف الدين أبو بكر بن أيّوب فى جمادى الآخرة عن سبع وسبعين سنة. وأبو الفتوح محمد بن محمد [بن «2» محمد] بن عمروك البكرىّ النّيسابورىّ الصّوفىّ فى جمادى الآخرة، وهو فى عشر المائة. والشمس أبو القاسم أحمد بن عبد الله بن عبد الصمد السلمىّ العطّار فى شعبان. والحافظ أبو العبّاس أحمد بن أحمد بن أحمد بن كرم البندنيجىّ «3» فى رمضان عن أربع وسبعين سنة، سمع ابن الزّاغونىّ «4» . وأمّ المؤيّد زينب بنت عبد الرحمن بن الحسن الشّعريّة، ولها إحدى وتسعون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وستّ أصابع. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وستّ أصابع.

ذكر سلطنة الملك الكامل على مصر

ذكر سلطنة الملك الكامل على مصر أعنى بذلك استقلالا بعد وفاة أبيه العادل، لأنّ الكامل هذا كان متولّى سلطنة مصر فى حياة والده العادل، لمّا قسم العادل الممالك فى أولاده من سنين عديدة؛ أعطى المعظّم عيسى دمشق، وأعطى الأشرف موسى الشرق، وأعطى الملك الكامل محمدا هذا مصر، وصار هو يتنقّل فى ممالك أولاده، والعمدة فى كلّ الممالك عليه إلى أن مات الملك العادل تفرّد الملك الكامل محمد بالخطبة فى ديار مصر وأعمالها، واستقلّ بأمورها وتدبير أحوالها، وذلك من يوم وفاة والده الملك العادل المذكور، وهو من يوم الجمعة سابع جمادى الآخرة من سنة خمس عشرة وستمائة. قلت: وقد تقدّم نسب الملك الكامل هذا فى ترجمة عمه السلطان صلاح الدين، واستوعبنا ذلك من عدّة أقوال وحررناه، فلينظر هناك. قال أبو المظفّر: «ولد الكامل سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، وكان أكبر أولاد العادل بعد مودود «1» ، وكان العادل قد عهد إليه لما رأى من ثباته وعقله وسداده. وكان شجاعا ذكيّا فطنا يحبّ العلماء والأمائل ويلقى عليهم المشكلات، ويتكلّم على صحيح مسلم بكلام مليح، ويثبت بين يدى العدوّ. وأمّا عدله فإليه المنتهى» انتهى كلام أبى المظفّر باختصار. وقال الحافظ أبو عبد الله شمس الدين محمد الذهبىّ فى تاريخ الإسلام: «الملك الكامل محمد السلطان ناصر الدين أبو المعالى وأبو المظفّر ابن السلطان الملك العادل سيف الدين أبى بكر محمد بن أيّوب بن شادى صاحب مصر. ولد بمصر سنة ست وسبعين وخمسمائة.

- قلت: وهذا بخلاف ما نقله أبو المظفّر فى سنة مولده، وعندى أنّ أبا المظفر أثبت لصحبته بأخيه المعظم عيسى، وكونه أيضا عصرى الملك الكامل هذا-. والله أعلم. قال (أعنى الذهبىّ) : وأجاز له العلّامة عبد الله «1» بن برّى، وأبو عبد الله ابن صدقه «2» الحرّانىّ، وعبد الرحمن بن الخرقىّ، قرأت بخطّ ابن مسدىّ «3» فى معجمه. كان الكامل محبّا للحديث وأهله، حريصا على حفظه ونقله، وللعلم عنده شرف؛ خرّج له أبو القاسم «4» بن الصّفراوىّ أربعين حديثا، وسمعها جماعة. وحكى لى عنه مكرم الكاتب أنّ أباه العادل استجاز له السّلفىّ قبل موت السّلفىّ بأيّام، قال ابن المسدىّ: ثم وقفت أنا على ذلك وأجاز لى [و] لابنى. قال الذهبىّ: وتملّك الديار المصريّة أربعين سنة، شطرها فى أيّام والده. وقيل: بل ولد فى ذى القعدة سنة خمس وسبعين. قلت: وهذا قول ثالث فى مولده.

وقال الحافظ عبد العظيم «1» المنذرىّ استادار الحديث بالقاهرة (يعنى بذلك المدرسة «2» الكامليّة ببين القصرين) . قال: وعمّر القبّة «3» على ضريح الشافعىّ، وأجرى الماء من بركة الحبش «4» إلى حوض السّبيل «5» والسّقاية، وهما على باب القبّة المذكورة،

ووقف غير ذلك من الوقوف على أنواع من أعمال البر بمصر وغيرها. وله المواقف المشهودة فى الجهاد بدمياط المدّة الطويلة، وأنفق الأموال الكثيرة، وكافح العدوّ المخذول برّا وبحرا ليلا ونهارا. يعرف ذلك من مشاهده. ولم يزل على ذلك حتّى أعزّ الله الإسلام وأهله، وخذل الكفر وأهله. وكان معظّما للسّنّة النبويّة وأهلها، راغبا فى نشرها والتمسّك بها، مؤثّرا الاجتماع مع العلماء والكلام معهم حضرا وسفرا. انتهى كلام المنذرى باختصار. وقال القاضى شمس الدين ابن خلّكان فى تاريخه بعد ما ساق نسبه وذكره نحوا ممّا ذكرناه حتّى قال: «ولمّا وصل الفرنج إلى دمياط كما تقدّم ذكره، كان الملك الكامل فى مبدأ استقلاله بالسلطنة، وكان عنده جماعة كثيرة من أكابر الأمراء: منهم: عماد الدين أحمد بن المشطوب، فاتّفقوا مع أخيه الملك الفائز سابق الدين إبراهيم ابن الملك العادل، وانضموا إليه، فظهر للملك الكامل منهم أمور تدلّ على أنّهم عازمون على تفويض الملك إليه وخلع الكامل، واشتهر ذلك بين الناس؛ وكان الملك الكامل يداريهم لكونه فى قبالة العدوّ ولا يمكنه المقاهرة «1» ، وطوّل روحه معهم، ولم يزل على ذلك حتّى وصل إليه أخوه الملك المعظّم عيسى صاحب دمشق يوم الخميس تاسع عشر ذى القعدة من سنة خمس عشرة وستمائة، فأطلعه الكامل فى الباطن على صورة الحال، وأنّ رأس هذه الطائفة ابن المشطوب، فجاءه يوما على غفلة فى خيمته واستدعاه فخرج إليه، فقال [له «2» ] : أريد أن أتحدّث [معك «3» ] سرّا فى خلوة، فركب فرسه (يعنى [ابن] المشطوب) . وسار معه جريدة، وقد جرّد المعظّم جماعة ممّن يعتمد عليهم ويثق إليهم، وقال لهم: اتّبعونا، ولم يزل المعظّم يشغله

بالحديث ويخرج معه من شىء إلى شىء حتّى أبعد عن المخيّم، ثم قال له: يا عماد الدين هذه البلاد لك، [و «1» ] نشتهى أن تهبها لنا، ثم أعطاه شيئا من النفقة، وقال لأولئك المجرّدين: تسلّموه حتّى تخرجوه من الرمل، فلم يسعه إلا الامتثال لانفراده وعدم القدرة على الممانعة فى تلك الحال؛ ثم عاد المعظّم إلى أخيه الملك الكامل وعرّفه صورة ما جرى. ثم جهّز أخاه الملك الفائز المذكور إلى الموصل لإحضار النجدة منها [و «2» ] من بلاد الشرق فمات بسنجار «3» . وكان ذلك خديعة لإخراجه من البلاد. فلمّا خرج هذان الشخصان من العسكر تحلّلت عزائم من بقى من الأمراء الموافقين لهما، ودخلوا فى طاعة الملك الكامل كرها لا طوعا. وجرى فى قصّة دمياط ما هو مشهور فلا حاجة للإطالة فى ذكره. ولمّا ملك الفرنج دمياط وصارت فى أيديهم خرجوا منها قاصدين القاهرة ومصر [و «4» ] نزلوا فى رأس الجزيرة «5» التى دمياط فى برّها، وكان المسلمون قبالتهم فى القرية المعروفة بالمنصورة «6» ، والبحر حائل بينهم، وهو بحر «7» أشموم، ونصر الله- سبحانه وتعالى- بمنّه

وجميل لطفه المسلمين عليهم كما هو مشهور؛ ورحل الفرنج عن منزلتهم ليلة الجمعة سابع رجب سنة ثمانى عشرة وستمائة، وتمّ الصلح بينهم وبين المسلمين فى حادى عشر الشهر المذكور، ورحل الفرنج عن البلاد فى شعبان من السنة المذكورة، وكانت مدّة إقامتهم فى بلاد الإسلام «1» ما بين الشام والديار المصريّة أربعين شهرا وأربعة عشر يوما؛ وكفى الله- تعالى- المسلمين شرّهم والحمد لله على ذلك. - قلت ونذكر أمر دمياط من كلام أبى المظفّر فى آخر هذه الترجمة بأوسع من ذلك، لأنّه معاصر الكامل وصاحب المعظّم، فهو أجدر بهذه الواقعة-. فلمّا استراح خاطر الملك الكامل من جهة هذا العدوّ تفرّغ للأمراء الذين كانوا متحاملين «2» عليه فنفاهم عن البلاد وبدّد شملهم وشرّدهم، ودخل القاهرة وشرع فى عمارة البلاد واستخراج الأموال من جهاتها، وكان سلطانا عظيم القدر جميل الذكر محبّا للعلماء متمسّكا بالسّنة، حسن الاعتقاد معاشرا لأرباب الفضائل حازما فى أموره لا يضع الشيء إلّا فى مواضعه من غير إسراف ولا إقتار، وكان يبيت عنده كلّ ليلة [جمعة «3» ] جماعة من الفضلاء يشاركهم فى مباحثهم، ويسألهم عن المواضع المشكلة فى كلّ فنّ، وهو معهم كواحد منهم، وكان- رحمه الله- يعجبه هذان البيتان وينشدهما كثيرا وهما:

ما كنت [من] قبل ملك قلبى ... تصدّ عن مدنف حزين وإنّما قد طمعت لمّا ... حللت فى موضع حصين قال: ولمّا مات أخوه الملك المعظّم عيسى صاحب الشام، وقام ابنه الملك الناصر صلاح الدين دواد مقامه، خرج الملك الكامل من الديار المصريّة قاصدا أخذ دمشق منه؛ وجاءه أخوه الملك الأشرف مظفّر الدين موسى، واجتمعا على أخذ دمشق بعد فصول يطول شرحها. وملك الكامل دمشق فى أوّل شعبان سنة ست وعشرين وستمائة، وكان يوم الاثنين؛ فلمّا ملكها دفعها لأخيه الملك الأشرف، وأخذ عوضها من بلاد الأشرف: حرّان والرّها وسروج والرّقّة ورأس «1» العين؛ وتوجّه إليها بنفسه فى تاسع شهر رمضان من السنة. قال ابن خلّكان: واجتزت بحرّان فى شوّال سنة ستّ وعشرين وستمائة والملك الكامل مقيم به بعساكر الديار المصريّة؛ وجلال الدين خوارزم شاه يوم ذاك محاصر لخلاط، وكانت لأخيه الملك الأشرف. ثم رجع إلى الديار المصريّة؛ ثم تجهّز فى جيش عظيم، وقصد آمد فى سنة تسع وعشرين وستمائة فأخذها مع حصن كيفا والبلاد من الملك المسعود بن الملك الصالح أبى الفتح «2» محمود بن نور الدين محمد بن فخر الدين قرا أرسلان بن ركن الدولة داود بن قطب «3» الدين سقمان؛ ويقال سكمان بن أرتق، قال: ثمّ مات أخوه الملك الأشرف وجعل ولىّ عهد أخاه الملك الصالح إسماعيل بن العادل، فقصده الملك الكامل أيضا، وانتزع منه دمشق بعد مصالحة جرت بينهما فى التاسع من جمادى

الأولى سنة خمس وثلاثين وستمائة، وأبقى له بعلبكّ وأعمالها، وبصرى وأرض السّواد «1» وتلك البلاد. ولمّا ملك البلاد المشرقيّة: آمد وتلك النواحى استخلف فيها ولده الملك الصالح نجم الدين أيّوب، واستخلف ولده الأصغر الملك العادل سيف الدين أبا بكر بالديار المصريّة. وقد تقدّم فى ترجمة الملك العادل أنّه سيّر ولده الملك المسعود أقسيس «2» إلى اليمن، وكان أكبر أولاد الملك الكامل. وملك الملك المسعود مكّة- حرسها الله تعالى- وبلاد الحجاز مضافة إلى اليمن، وكان رحيل الملك المسعود من الديار المصريّة متوجّها إلى اليمن فى يوم الاثنين سابع عشر رمضان سنة إحدى عشرة وستمائة، ودخل مكّة فى ثالث ذى القعدة من السنة، وخطب له بها وحجّ؛ ودخل زبيد وملكها مستهلّ المحرّم سنة اثنتى عشرة وستمائة. ثم ملك مكّة فى شهر ربيع الآخر سنة عشرين وستمائة، أخذها من الشريف حسن بن قتادة الحسبنىّ. قلت: وقد ذكرنا خروج الملك المسعود إلى اليمن من وقته فى ترجمة جدّه الملك العادل. وتوفّى الملك المسعود فى حياة والده الملك الكامل بمكّة فى ثالث جمادى الأولى سنة ست وعشرين وستمائة. وكان مولده فى سنة سبع «3» وتسعين وخمسمائة وأظنّه أكبر أولاد الكامل. والله أعلم. قال ابن خلّكان: واتّسعت المملكة للملك الكامل، ولقد حكى لى من حضر الخطبة يوم الجمعة بمكّة أنّه لمّا وصل الخطيب إلى الدعاء للملك الكامل قال: سلطان مكّة وعبيدها، واليمن وزبيدها ومصر وصعيدها، والشام وصناديدها، والجزيرة ووليدها، سلطان القبلتين وربّ العلامتين وخادم الحرمين الشريفين الملك الكامل

أبو المعالى ناصر الدين محمد خليل أمير المؤمنين. قال: ولقد رأيته بدمشق سنة ثلاث وثلاثين وستمائة عند رجوعه من بلاد المشرق، واستنقاذه إيّاها من الأمير علاء الدين كيقباد بن كيخسرو بن قليج أرسلان بن مسعود [بن قليج أرسلان «1» ] بن سليمان [بن قتلمش «2» ] بن إسرائيل بن سلجوق بن دقماق السّلجوقىّ صاحب الروم. وهى وقعة مشهورة يطول شرحها؛ وفى خدمته يومئذ بضعة عشر ملكا، منهم: [أخوه «3» ] الملك الأشرف، ولم يزل فى علوّ شأنه وعظيم سلطانه إلى أن مرض بعد أخذه دمشق ولم يركب، وكان ينشد فى مرضه كثيرا: يا خليلىّ خبّرانى بصدق ... كيف طعم الكرى فإنّى نسيته ولم يزل كذلك إلى أن توفّى يوم الأربعاء بعد العصر، ودفن بالقلعة بمدينة دمشق يوم الخميس الثانى والعشرين من رجب سنة خمس وثلاثين وستمائة، وأنا بدمشق يومئذ، وحضرت الصّيحة يوم السبت فى جامع دمشق، لأنّهم أخفوا موته إلى وقت صلاة الجمعة، فلمّا دنت الصلاة قام «4» بعض الدّعاة [على العريش الذي] بين يدى المنبر وترحّم على الملك الكامل، ودعا لولده الملك العادل صاحب مصر، وكنت حاضرا فى ذلك الوقت، فضجّ الناس ضجّة واحدة، وكانوا قد أحسّوا بذلك، لكنهم لم يتحقّقوا إلّا ذلك الوقت، وترتّب ابن أخيه الملك الجواد مظفّر الدين يونس ابن شمس الدين مودود بن الملك العادل فى نيابة السلطنة بدمشق عن الملك العادل بن الكامل صاحب مصر باتفاق الأمراء الذين كانوا حاضرين ذلك الوقت بدمشق؛ ثم بنى له تربة مجاورة للجامع، ولها شبّاك إلى الجامع، ونقل إليها. قال: وأمّا ولده الملك العادل [فإنه «5» ] أقام فى المملكة إلى يوم الجمعة ثامن ذى الحجة من سنة سبع وثلاثين وستمائة،

فقبض عليه أمراء دولته بظاهر بلبيس» . انتهى كلام ابن خلّكان على جليّته. ونذكر أيضا من أحوال الكامل نبذة جيّدة من أقوال غيره من المؤرّخين. إن شاء الله تعالى. قال بعضهم: كان الملك الكامل فاضلا عالما شهما مهيبا عاقلا محبّا للعلماء، وله شعر حسن، واشتغال فى العلم. قيل: إنّه شكا إليه ركبدار أستاذه بأنّه استخدمه ستة أشهر بلا جامكيّة، فأنزل أستاذه من فرسه وألبسه ثياب الركبدار، وألبس الركبدار ثيابه، وأمره بخدمة الركبدار وحمل مداسه ستة أشهر حتّى شفع فيه. وكانت الطرق آمنة فى زمانه. ولمّا بعث ابنه الملك المسعود أقسيس وافتتح اليمن والحجاز ثم مات قبله كما ذكرناه ورث منه أموالا عظيمة، ففرّق غالبها فى وجوه البرّ والصدقات. وكانت راية الملك الكامل صفراء. وفيه يقول البهاء زهير: - رحمه الله تعالى-. بك «1» اهتزّ عطف الدّين فى حلل النّصر ... وردّت على أعقابها ملّة الكفر وأقسم إن ذاقت بنو الأصفر الكرى ... لما حلمت إلّا بأعلامك الصفر ثلاثة أعوام أقمت وأشهرا ... تجاهد فيهم لا بزيد ولا عمرو وليلة غزو «2» للعدوّ كأنّها ... بكثرة من أرديته ليلة النّحر فياليلة قد شرّف الله قدرها ... فلا غرو إن سمّيتها ليلة القدر وقال: وكان فيه جبروت مع سفك الدماء. وذكر الشيخ شمس «3» الدين محمد بن إبراهيم الجزرىّ: أنّ عماد الدين يحيى البيضاوىّ الشريف قال: حكى لى الخادم الذي للكامل قال: طلب منّى الكامل

طستا حتّى يتقيّأ فيه فأحضرته، وكان الملك الناصر داود على الباب، جاء ليعود عمّه الكامل؛ فقلت: داود على الباب، فقال: ينتظر موتى! فانزعج، فخرجت وقلت: ما ذاك وقتك السلطان منزعج، فنزل إلى داره؛ ودخلت إلى السلطان فوجدته قد قضى والطست بين يديه وهو مكبوب على المخدّة. وقال ابن واصل: حكى لى طبيبه قال: أصابه لمّا دخل قلعة دمشق زكام، فدخل الحمّام وصبّ على رأسه ماء شديد الحرارة، اتّباعا لقول محمد «1» بن زكريّا الرازىّ فى كتاب سمّاه «طبّ ساعة «2» » ؛ قال فيه: من أصابه زكام يصبّ على رأسه ماء شديد الحرارة انحلّ زكامه لوقته، وهو لا ينبغى أن يعمل على إطلاقه؛ قال الطبيب: فانصبّ من «3» دماغه إلى فم معدته فتورّمت، وعرضت له حمّى شديدة، وأراد القىء فنهاه الأطبّاء، وقالوا: إن تقيّأ هلك، فخالفهم وتقيّأ فهلك لوقته. قال ابن واصل: وحكى لى الحكم رضىّ الدين قال: عرضت له خوانيق، وتقيّأ دما كثيرا ومدّة؛ فأراد القىء أيضا فنهاه موفّق الدين إبراهيم، وأشار عليه بعض الأطباء بالقىء فتقيّأ، فانصبّت بقيّة المادة إلى قصبة الرئة وسدّتها فمات. وقال ابن واصل: وكان ملكا جليلا حازما، سديد الآراء حسن التدبير لممالكه عفيفا حليما؛ عمّرت فى أيّامه الديار المصريّة عمارة كبيرة، وكان عنده مسائل غريبة من الفقه والنحو يوردها، فمن أجابه حظى عنده.

ذكر أخذ دمياط

ذكر أخذ دمياط قال أبو المظفّر فى تاريخه: «فى شعبان أخذ الفرنج دمياط، وكان المعظّم قد جهّز إليها الناهض بن الجرخى «1» فى خمسمائة راجل، فهجموا على الخنادق فقتل ابن الجرخى ومن كان معه، وصفّوا رءوس القتلى على الخنادق، وكان الفرنج قد طمّوها (يعنى الخنادق) وضعف أهل دمياط وأكلوا الميتات، وعجز الملك الكامل عن نصرتهم، ووقع فيهم الوباء والفناء، فراسلوا الفرنج على أن يسلّموا إليهم البلد ويخرخوا منه بأموالهم وأهلهم، واجتمعوا؟؟؟ وحلّفوهم على ذلك، فركبوا فى المراكب وزحفوا فى البرّ والبحر، وفتح لهم أهل دمياط الأبواب، فدخلوا ورفعوا أعلامهم على السّور، وغدروا بأهل دمياط، ووضعوا فيهم السيف قتلا وأسرا، وباتوا تلك الليلة بالجامع يفجرون بالنساء، ويفتضّون البنات، وأخذوا المنبر والمصاحف ورءوس القتلى، وبعثوا بها إلى الجزائر، وجعلوا الجامع كنيسة؛ وكان أبو الحسن ابن قفل «2» بدمياط، فسألوا عنه، فقيل لهم: هذا رجل صالح من مشايخ المسلمين يأوى اليه الفقراء، فما تعرّضوا له. ووقع على المسلمين «3» كآبة عظيمة. وبكى الكامل والمعظّم بكاء شديدا، ثم تأخّرت العساكر عن تلك المنزلة. ثم قال الكامل لأخيه المعظّم: قد فات المطلوب، وجرى المقدر بما هو كائن، وما فى مقامك هاهنا فائدة؛ والمصلحة أن تنزل إلى الشام تشغل خواطر الفرنج، وتستجلب العساكر من بلاد الشرق. قال أبو المظفّر: فكتب المعظّم إلىّ وأنا بدمشق كتابا بخطّه، يقول- فى أوّله «4» -

قد علم الأخ العزيز بأن قد جرى على دمياط ما جرى، وأريد أن تحرّض الناس على الجهاد، ونعرّفهم ما جرى على إخوانهم أهل دمياط من الكفرة أهل العناد. وإنّى كشفت ضياع الشام فوجدتها ألفى قرية، منها ألف وستّمائة أملاك لأهلها، وأربعمائة سلطانيّة، وكم مقدار ما تقوم به هذه الأربعمائة من العساكر؟ وأريد أن تخرج الدماشقة ليذبّوا عن أملاكهم الأصاغر «1» منهم والأكابر. ويكون لقاؤنا وهم صحبتك إلى نابلس فى وقت سمّاه. قال: فجلست بجامع دمشق وقرأت كتابه عليهم، فأجابوا بالسمع والطاعة، [وقالوا «2» : نمتثل أمره بحسب الاستطاعة] . وتجهّزوا؛ فلمّا حلّ ركابه بالساحل وقع التقاعد، وكان تقاعدهم سببا لأخذه الثمن والخمس من أموالهم «3» . وكتب إلىّ يقول: إذا لم يخرجوا فسر أنت إلينا، فخرجت إلى الساحل وهو نازل على قيسارية، فأقمنا حتّى فتحها عنوة، ثم سرنا إلى النفر «4» ففتحه وهدمه؛ وعاد إلى دمشق بعد أن أخرج «5» العساكر إلى السواحل. واستمرّ الملك الكامل على مقاتلة الفرنج إلى أن فتح الله عليه فى سنة ثمانى عشرة وستمائة، وطلب من إخوته النجدة، وتوجّه المعظّم فى أوّل السنة إلى أخيه الأشرف موسى، واجتمعا على حرّان. وكتب صاحب ماردين إلى الأشرف يسأله أن يصعد المعظّم إليه، فسأله فسار إلى ماردين، فتلقّاه صاحب ماردين من دنيسر، وأصعده إلى القلعة وخدمه خدمة

عظيمة، وقدّم له التّحف والجواهر «1» وتحالفا واتّفقا على ما أرادا، ثم عاد المعظّم إلى أخيه الأشرف. وجاء خبر دمياط. وكان المعظّم أحرص الناس على خلاص دمياط والغزاة، وكان مصافيا لأخيه الكامل، وكان الأشرف مقصّرا فى حقّ الكامل مباينا له فى الباطن؛ فلمّا اجتمعت العساكر على حرّان قطع بهم المعظّم الفرات، وسار الأشرف فى آثاره، ونزل المعظّم حمص والأشرف سلمية. قال: وكنت قد خرجت من دمشق إلى حمص لطلب الغزاة، فإنّهم كانوا «2» على عزم الدخول إلى طرابلس، فاجتمعت بالمعظّم فى شهر ربيع الآخر فقال لى: قد سحبت الأشرف إلى هاهنا وهو كاره، وكلّ يوم أعتبه فى تأخّره وهو يكاسر «3» وأخاف من الفرنج أن يستولوا على مصر، وهو صديقك؛ وأشتهى أن تقوم تروح إليه فقد سألنى عنك [مرارا «4» ] ؛ ثم كتب إلى [أخيه «5» ] كتابا بخطّه نحو ثمانين سطرا، فأخذته ومضيت إلى سلمية؛ وبلغ الأشرف وصولى فخرج من الخيمة وتلقّانى وعاتبنى على انقطاعى، [عنه «6» ] وجرى بينى وبينه فصول؛ وقلت له: المسلمون فى ضائقة، وإذا أخذ الفرنج الديار المصريّة ملكوا إلى حضرموت، وعفّوا آثار مكّة والمدينة والشام [وأنت «7» تلعب] ، قم الساعة وارحل؛ فقال: ارموا الخيام [والدهليز «8» ] ، وسبقته إلى حمص فتلقّانى المعظّم؛ وقال: ما نمت البارحة ولا أكلت اليوم شيئا، فقلت: غدا يصبّح أخوك الأشرف حمص. فلمّا كان من الغد أقبلت الأطلاب «9» وجاء طلب الأشرف، والله ما رأيت أجمل منه ولا أحسن رجالا ولا أكمل عدّة، وسرّ المعظّم سرورا عظيما؛ وجلسوا تلك الليلة

يتشاورون، فاتّفقوا على الدخول فى السحر إلى طرابلس، وكانوا على حال، فأنطق الله الملك الأشرف من غير قصد وقال للمعظّم: ياخوند «1» ، عوض ما ندخل الساحل وتضعف خيلنا وعساكرنا ويضيع الزمان ما نروج إلى دمياط ونستريح؟ فقال له المعظّم- قول رماة البندق قال-: نعم، فقبّل المعظّم قدمه ونام الأشرف، فخرج المعظّم من الخيمة كالأسد الضارى يصيح: الرحيل الرحيل إلى دمياط؛ وما كان يظنّ أنّ الأشرف يسمح بذلك، وساق المعظّم إلى دمشق وتبعته العساكر، ونام الأشرف فى خيمته إلى قرب الظهر، وانتبه فدخل الحمّام فلم ير [حول «2» ] خيمته أحدا، فقال: وأين العساكر؟ فأخبروه الخبر فسكت، وساق إلى دمشق فنزل القصير يوم الثلاثاء رابع جمادى الأولى، فأقام إلى سلخه، وعرض العساكر تحت قلعة دمشق، وكان هو وأخوه المعظّم فى الطّيارة بقلعة دمشق، وساروا إلى مصر. وأمّا الفرنج فإنّهم خرجوا بالفارس والراجل، وكان البحر زائدا جدّا، فجاءوا إلى ترعة فأرسوا عليها، وفتح المسلمون عليهم الترع من كلّ مكان، وأحدق بهم عساكر الكامل، فلم يبق [لهم «3» ] وصول إلى دمياط؛ وجاء أسطول المسلمين فأخذوا مراكبهم، ومنعوهم أن تصل إليهم الميرة من دمياط، وكانوا خلقا عظيما، وانقطعت أخبارهم عن دمياط، وكان فيهم مائة كند «4» وثمانمائة من الخيّالة المعروفين وملك عكّا والدوك؟ «5» واللوكان نائب البابا؛ ومن الرجّالة مالا يحصى، فلمّا عاينوا الهلاك أرسلوا إلى الكامل يطلبون الصلح والرهائن، ويسلّمون دمياط؛ فمن حرص «6» الكامل على

خلاص دمياط أجابهم، ولو أقاموا يومين أخذوا برقابهم؛ فبعث إليهم الكامل ابنه الملك الصالح نجم الدين أيّوب، وابن أخيه شمس الملوك؛ وجاء ملوكهم إلى الكامل ممّن سمّينا، فالتقاهم وأنعم عليهم وضرب لهم الخيام. ووصل المعظّم والأشرف فى تلك الحال إلى المنصورة فى ثالث رجب، فجلس الكامل مجلسا عظيما فى خيمة كبيرة عالية، وقد مدّ سماطا عظيما، وأحضر ملوك الفرنج [والخيّالة «1» ] ، ووقف المعظّم والأشرف والملوك فى خدمته، وقام الحلّى «2» الشاعر- رحمه الله تعالى- فأنشد: هنيئا فإنّ السعد راح مخلّدا ... وقد أنجز الرحمن بالنصر موعدا حبانا إله الخلق فتحا بدا لنا ... مبينا وإنعاما وعزّا مؤبّدا تهلّل وجه الدهر «3» بعد قطوبه ... وأصبح وجه الشرك بالظلم أسودا ولمّا طغى البحر الخضمّ بأهله ال ... طغاة وأضحى بالمراكب مزبدا أقام لهذا الدّين من سلّ سيفه ... صقيلا كما سلّ الحسام مجرّدا فلم ينج إلّا كلّ شلو مجدّل ... ثوى منهم أو من تراه مقيّدا ونادى لسان الكون فى الأرض رافعا ... عقيرته فى الخافقين ومنشدا أعبّاد عيسى إنّ عيسى وحزبه ... وموسى جميعا يخدمون محمّدا وهذا من أبيات كثيرة. قلت: صحّ للشاعر فيما قصد من التورية فى المعظّم عيسى والأشرف موسى، لمّا وقفا فى خدمة الكامل محمد، فلله دره! لقد أجاد فيما قال.

ووقع الصلح بين الملك الكامل وبين الفرنج فى يوم الأربعاء تاسع عشر شهر رجب سنة ثمانى عشرة وستمائة، وسار بعض الفرنج فى البرّ وبعضهم فى البحر إلى عكّا، وتسلّم الكامل دمياط. قلت: ويعجبنى قول البارع كمال الدين «1» علىّ بن النّبيه فى مدح مخدومه الملك الأشرف موسى لمّا حضر مع أخيه المعظّم إلى دمياط فى هذه الكائنة قصيدته التى أوّلها: للذّة العيش والأفراح «2» أوقات ... فانشر لواء له بالنصر عادات إلى أن قال منها: دمياط طور ونار الحرب موقدة ... وأنت موسى وهذا اليوم ميقات ألق العصا تتلقّف كلّ ما صنعوا ... ولا تخف ما حبال القوم حيّات وهى قصيدة طويلة مثبتة فى ديوان ابن النبيه. قال أبو المظفّر قال فخر الدين ابن «3» شيخ الشيوخ: «4» لمّا حضر الفرنج دمياط صعد الكامل على مكان عال، وقال لى: ما ترى ما أكثر الفرنج! ما لنا بهم طاقة؛ [قال «5» ] فقلت [له «6» ] : أعوذ بالله من هذا الكلام؛ قال: ولم؟ قلت لأنّ السعد [موكّل «7» ] بالمنطق، قال: فأخذت الفرنج دمياط بعد قليل، فلمّا طال الحصار صعد يوما على مكان عال، وقال: يا فلان، ترى الفرنج ما أقلّهم! والله ما هم شىء؛

ما وقع من الحوادث سنة 616

فقلت: أخذتهم والله؛ قال: وكيف؟ قلت: قلت فى يوم كذا وكذا: كذا وكذا، فأخذوا دمياط، وقد قلت اليوم: كذا، والملوك منطّقون بخير وشرّ؛ فأخذ دمياط بعد قليل» . انتهى. وقد تقدّم ذكر الكامل فى أوائل الترجمة من قول جماعة من المؤرّخين، ويأتى أيضا- من ذكره فى السنين المتعلّقة به- نبذة كبيرة. إن شاء الله تعالى. والله الموفّق لذلك بمنّه وكرمه. *** [ما وقع من الحوادث سنة 616] السنة الأولى من ولاية الملك الكامل محمد ابن الملك العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة ستّ عشرة وستّمائة، وقد تقدّم أنّ الكامل كان ولى مصر فى حياة والده العادل سنين عديدة فلا عمدة بولايته تلك الأيام، فإنّه كان كالنائب بمصر لأبيه العادل، ولا عبرة إلّا بعد استقلاله بسلطنة مصر بعد وفاة أبيه. فيها (أعنى سنة ستّ عشرة وستمائة) أخرب الملك المعظّم عيسى صاحب دمشق القدس، لأنّه كان توجّه إلى أخيه الملك الكامل صاحب الترجمة فى نوبة دمياط فى المرّة الأولى، فبلغه أنّ الفرنج على عزم أخذ القدس، فاتّفق الأمراء على خرابه؛ وقالوا: قد خلا الشام من العساكر، فلو أخذ الفرنج القدس حكموا على الشام جميعه. وكان بالقدس [أخوه] العزيز عثمان، وعزّ الدين أيبك أستادار، فكتب إليهما المعظّم بخرابه، فتوقّفا وقالا: نحن نحفظه، فكتب إليهما المعظّم ثانيا: لو أخذوه لقتلوا كلّ من فيه وحكموا على الشام وبلاد الإسلام، فألجأت الضرورة إلى خرابه. فشرعوا فى خراب السور أوّل يوم من المحرّم، ووقع فى البلد ضجّة عظيمة. وخرج النساء المخدّرات والبنات والشيوخ وغيرهم إلى الصخرة «1» والأقصى

وقطعوا شعورهم ومزّقوا ثيابهم، وفعلوا أشياء من هذه الفعال؛ ثم خرجوا هاربين وتركوا أموالهم وأهاليهم، وما شكّوا أنّ الفرنج تصبّحهم، وامتلأت بهم الطّرقات؛ فتوجّه بعضهم إلى مصر، [وبعضهم «1» الى الكرك] ، وبعضهم إلى دمشق، وكانت البنات المخدّرات يمزّقن ثيابهنّ ويربطنها على أرجلهن من الحفا؛ ومات خلق كثير من الجوع والعطش، ونهبت الأموال التى كانت لهم بالقدس، وبلغ ثمن القنطار الزيت عشرة دراهم، والرّطل النّحاس نصف درهم؛ وذمّ الناس المعظّم؛ فقال بعض أهل العلم فى ذلك: فى رجب حلّل الحميّا «2» ... وأخرب القدس فى المحرّم وقال القاضى مجد الدين محمد بن عبد الله الحنفىّ قاضى الطّور «3» فى خراب القدس: مررت على القدس الشريف مسلّما ... على ما تبقّى من ربوع كأنجم ففاضت دموع العين منّى صبابة ... على ما مضى من عصرنا «4» المتقدّم وقد رام علج أن يعفّى رسومه ... وشمّر عن كفّى لئيم مذمّم فقلت له شلّت يمينك خلّها ... لمعتبر أو سائل أو مسلّم فلو كان يفدى بالنفوس فديته ... بنفسى وهذا الظنّ فى كلّ مسلم وفيها حجّ بالناس من العراق أقباش [بن عبد الله «5» ] الناصرىّ، ومن الشام مملوك الملك المعظّم عيسى.

وفيها توفّيت ستّ الشام بنت الأمير نجم الدّين أيّوب أخت السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب، كانت سيّدة الخواتين فى زمنها، كانت كثيرة البرّ والصدقات، كانت تعمل فى دارها الأشربة والمعاجين والعقاقير كلّ سنة بألوف دنانير وتفرّقها على الناس، وكان بابها ملجأ للقاصدين؛ وكان زوجها ابن عمّها الأمير ناصر الدين محمد بن شيركوه صاحب حمص، وهى أمّ حسام الدّين [محمد بن عمر «1» بن] لاچين، وصاحبة الأوقاف والأربطة بدمشق وغيرها- رحمها الله تعالى-. وفيها توفّى محمد بن زنكى الملك المنصور صاحب سنجار، كان ملكا عادلا عاقلا جوادا، خلّف عدّة أولاد: سلطان شاه وزنكى ومظفّر الدّين، وعدّة بنات. وكان من بيت ملك وسلطنة. وفيها توفّى علىّ بن القاسم بن علىّ بن الحسن بن هبة الله بن عساكر ابن صاحب تاريخ دمشق. كان فاضلا سمع الحديث وتفقّه وسافر إلى بغداد، فلمّا عاد قطع عليه الطريق، فأصابه جراح فمات منه بعد أيّام. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى العدل أبو منصور سعيد بن محمد بن سعيد الرزّاز فجأة فى المحرّم. وأبو منصور عتيق «2» بن أحمد فى صفر. والعلّامة أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن أبى البقاء العكبرىّ الضّرير فى شهر ربيع الآخر. وقد قارب الثمانين. وأبو البركات داود بن أحمد بن محمد [بن «3» منصور ابن ثابت] بن ملاعب الأزجىّ الوكيل فى رجب، ولد فى أوّل سنة اثنتين وأربعين. وأبو الفضل أحمد بن محمد بن سيّدهم الأنصارىّ بن الهرّاس الجابى «4» فى شعبان،

ما وقع من الحوادث سنة 617

وله أربع وثمانون سنة. وأبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن علىّ الأنبارىّ الكاتب سبط قاضى القضاة أبى الحسن «1» بن الدّامغانىّ، وله تسعون سنة. وأبو يعلى حمزة ابن السيّد [المعروف «2» با] بن أبى لقمة الصفّار فى شهر رمضان، وهو أصغر من أخيه «3» . وأبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن مسعود [بن سعد «4» بن علىّ] بن الناقد المقرئ، ويقال: كان آخر من قرأ المصباح «5» على مؤلّفه الشّهرزورىّ «6» ، مات فى شوّال عن ستّ وثمانين سنة. والخاتون ستّ الشام أخت الملك العادل فى ذى القعدة. والعلّامة افتخار الدين أبو هاشم عبد المطّلب بن الفضل الهاشمىّ الحنفىّ بحلب. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع ونصف إصبع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا سواء. *** [ما وقع من الحوادث سنة 617] السنة الثانية من ولاية الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة سبع عشرة وستمائة. فيها قتل صاحب سنجار أخاه، فسار الملك الأشرف موسى أخو الملك الكامل هذا إليها، فأخذها وعوّض صاحبها الرّقّة. وفيها نزل الملك الأشرف المذكور على الموصل نجدة لبدر الدين على بن زين الدين، وعزم على قصد إربل، فبعث الخليفة من ردّه عن إربل وأصلح بينهما.

وفيها فى شهر رجب كانت واقعة البرلّس «1» بين الكامل صاحب الترجمة وبين الفرنج، ونصر الله الكامل وقتل منهم عشرة آلاف وغنم خيولهم وسلاحهم ورجعوا إلى دمياط مهزومين. وفيها عزل الملك المعظّم عيسى صاحب دمشق [المبارز «2» ] المعتمد عن ولاية دمشق، وولّى عوضه عليها العزيز خليلا. وفيها كان أوّل ظهور التّتار وعبورهم جيحون، وكان أوّل ظهورهم من [ما] وراء النهر سنة خمس عشرة وستمائة، وقبل عبورهم «3» جيحون قصدوا بخارى وسمرقند، وقتلوا أهلها وسبوهم، وحصروا خوارزم شاه، فآنضمّ إليهم «4» الخطا، وصاروا تبعا لهم. وكان خوارزم شاه قد أخلى البلاد من الملوك، فلم يجدوا أحدا يردّهم، ووصلوا فى هذه السنة إلى الرّىّ وقزوين وهمذان، وقتلوا أهلها وأحرقوا مساجدها، ثم فعلوا بأذربيجان كذلك. وفيها حجّ بالناس من العراق أقباش الناصرىّ وقتل بمكّة، ولم يحجّ أحد من العجم [بسبب «5» التّتار] ، وعاد الحجّ البغدادىّ من على الشام. وحجّ بالناس من الشام [المبارز «6» ] المعتمد.

وفيها توفّى الملك الفائز إبراهيم ابن الملك العادل أبى بكر ابن الأمير نجم الدين أيّوب أخو الملك الكامل صاحب الترجمة. وقد تقدّم أنّه كان يريد الوثوب على أخيه الملك الكامل، واتّفق مع ابن المشطوب حتّى أخرجهما أخوه الملك المعظّم عيسى من مصر؛ فمات الفائز بين سنجار والموصل، فحمل إلى سنجار ودفن بتربة عماد الدّين زنكى والد السلطان الملك العادل نور الدين محمود الشهيد، ومات وهو فى عنفوان شبيبته. وفيها توفّى الأمير أقباش بن عبد الله الناصرى. قال أبو المظفّر: «اشتراه الخليفة (يعنى الناصر لدين الله) وهو ابن خمس عشرة سنة بخمسة آلاف دينار، ولم يكن بالعراق أجمل صورة منه، ثم قرّبه إليه ولم يكن يفارقه؛ فلمّا ترعرع ولّاه إمرة الحاجّ والحرمين، وكان متواضعا محبوبا إلى القلوب. قتل بمكّة المشرّفة فى واقعة بين أشراف مكّة، خرج ليصلح بينهم فقتل. وكان قتله فى سادس «1» عشر ذى الحجّة. وفيها توفّى الشيخ عبد الله «2» بن عثمان بن جعفر بن محمد اليونينىّ «3» ، أصله من قرية من قرى بعلبك يقال لها «يونين» . كان صاحب رياضات وكرامات ومجاهدات ومكاشفات، وكان من الأبدال. وكانت وفاته يوم السبت فى العشر الأوّل من ذى الحجّة- رحمه الله-. وفيها توفّى الشريف قتادة بن إدريس أبو عزيز «4» الحسينىّ المكىّ أمير مكّة. كان شيخا عارفا منصفا نقمة على عبيد مكّة المفسدين، وكان الحاجّ فى أيّامه فى أمان

على أموالهم ونفوسهم، وكان يؤذّن فى الحرم ب «حىّ على خير العمل» على قاعدة الرافضة، وما كان يلتفت إلى أحد من خلق الله تعالى، ولا وطئ بساط الخليفة ولا غيره، وكان يحمل إليه من بغداد فى كلّ سنة الذهب والخلع وهو بداره فى مكّة، وهو يقول: أنا أحقّ بالخلافة [من الناصر «1» لدين الله] ، ولم يرتكب كبيرة فيما قيل. قلت: وأىّ كبيرة أعظم من الرّفض وسبّ الصحابة! - رضى الله عنهم-. وفيها توفّى محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيّوب الملك المنصور صاحب حماة. كان شجاعا محبّا للعلماء والفضلاء، مات بحماة ودفن بها. وقام بعده ولده الأكبر الملك الصالح الناصر قليج أرسلان. وجرى له مع الملك الكامل صاحب الترجمة أمور وفصول. وفيها توفّى محمود بن محمد بن قرا أرسلان بن أرتق الملك الصالح ناصر الدين صاحب آمد، كان شجاعا عاقلا جوادا محبّا للعلماء، وكان الأشرف يحبّه، وجاء إلى الأشرف وخدمه غير مرّة؛ ومات بآمد فى صفر. وقام بعده ولده مسعود، وكان مسعود ضدّ اسمه بخيلا فاسقا، حصره الملك الكامل هذا وظفر به وأخذه إلى مصر وأحسن إليه؛ فكاتب الروم وسعى فى هلاك الكامل، فحبسه الكامل- لمّا سمع ذلك- فى الجبّ «2» مدّة ثم أطلقه، فمضى إلى التتار، وكان معه الجواهر والأموال فقتلته التتار، وأخذوا جميع ما كان معه.

ما وقع من الحوادث سنة 618

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى عبد الرحمن بن أحمد ابن هديّة «1» الورّاق فى شهر ربيع الأوّل، وقد جاوز التسعين، وهو آخر من روى عن عبد الوهّاب الأنماطىّ «2» . وشيخ الشيوخ صدر الدين أبو الحسن محمد بن أبى الفتح عمر بن علىّ بن محمد بن حمّويه فى جمادى الأولى ذاهبا فى الرسليّة من الكامل بالموصل، وله أربع وسبعون سنة. وصاحب حماة الملك المنصور محمد ابن تقىّ الدّين عمر بن شاهنشاه. والزاهد الكبير الشيخ عبد الله اليونينىّ فى ذى الحجّة ببعلبك. وصاحب مكّة قتادة بن إدريس الحسينىّ. وأبو الحسن المؤيّد بن محمد ابن على الطّوسى المقرئ فى شوّال. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع ونصف إصبع. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وثمانى أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 618] السنة الثالثة من ولاية الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيوب على مصر، وهى سنة ثمانى عشرة وستمائة. فيها توفّى إسماعيل «3» بن عبد الله أبو طاهر الأنماطىّ المحدّث، كان إماما فاضلا سمع الكثير ولقى الشيوخ وحدّث، وتوفّى بدمشق فى شهر رجب وكان ثقة. وفيها توفّى محمد بن خلف بن راجح المقدسىّ ويلقّب بالشهاب والد القاضى نجم الدين «4» ، كان زاهدا عابدا فاضلا فى فنون العلوم.

وفيها توفّى محمد بن محمد الشيخ الإمام النحوى التّكريتىّ، كان بارعا فى النحو والأدب والشعر. ومن شعره قوله: من كان ذمّ الرّقيب يوما ... فإنّنى للرقيب شاكر لم أروجه الرقيب وقتا ... إلّا ووجه الحبيب حاضر وله فى مجنونة: أمسيت «1» مجنونا بمجنونة ... يغار من قامتها الغصن فمن عذيرى من هوى ظبية ... قد عشقتها الإنس والجنّ قلت: وطريف قول الشيخ زين الدّين عمر بن الوردىّ «2» - رحمه الله- فى هذا المعنى «3» : زاد «4» جنونى بذى جنون ... معذّر والعذار زين قالوا به عارض وعين ... قلت وبى عارض وعين الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى شهابّ الدين محمد ابن خلف بن راجح المقدسىّ فى صفر، وله ثمان وستون سنة. وأبو محمد هبة الله ابن الخضر بن هبة الله [بن أحمد بن عبد الله «5» ] بن طاوس فى جمادى الأولى، وله إحدى وثمانون سنة. وأبو نصر موسى ابن الشيخ عبد القادر الجيلىّ فى جمادى الآخرة. واستشهد بهمذان خلق بأيدى التتار، منهم: الإمام تقىّ الدين أبو جعفر محمد بن

ما وقع من الحوادث سنة 619

محمود بن إبراهيم الحمّامىّ الواعظ. وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن هبة الله الرّوذراورىّ «1» . وبهراة أبو روح [عبد المعزّ «2» ] بن محمد الهروىّ. وبنيسابور أبو بكر القاسم بن عبد الله ابن عمر بن الصّفّار. وأبو النّجيب إسماعيل «3» بن عثمان بن إسماعيل بن أبى القاسم القارئ الصوفى. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وستّ أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وإصبعان. *** [ما وقع من الحوادث سنة 619] السنة الرابعة من ولاية الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة تسع عشرة وستمائة. فيها ظهر جراد بالشام أكل الشجر والزروع والثمر ولم ير مثله. وفيها نقلت رمّة الملك العادل أبى بكر من قلعة دمشق إلى مدرسته التى عند دار العقيقىّ «4» ، فدفن بها. وفيها توفّى مسمار بن عمر «5» بن محمد الشيخ أبو بكر بن العويس البغدادىّ فى شعبان بالموصل، وكان. فاضلا ثقة. وفيها توفّى نصر بن أبى الفرج الفقيه الحنبلىّ، كان إمام الحنابلة بمكّة، جاور بمكّة سنين، ثم خرج إلى اليمن فمات بالمهجّم «6» ودفن به، وكان صالحا متعبّدا لا يفتر عن الطّواف.

وفيها توفّى الأمير قطب الدين أحمد ابن الملك العادل أبى بكر بن أيّوب أخو الملك الكامل محمد هذا. مات بالفيّوم «1» فنقل إلى القاهر ودفن بها. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الحافظ أبو الفتوح نصر بن أبى الفرج البغدادىّ ابن الحصرىّ المقرئ الحنبلىّ فى المحرّم، وله ثلاث وثمانون سنة. والحافظ أبو الطاهر تقىّ الدين إسماعيل بن عبد الله بن عبد المحسن المصرىّ «2» ابن الأنماطىّ فى رجب كهلا. وأبو بكر مسمار بن عمر بن محمد بن العويس النّيّار «3» بالموصل فى شعبان. والقدوة الشيخ علىّ [بن أبى بكر محمد «4» بن عبد الله] بن إدريس اليعقوبىّ فى ذى القعدة. وأبو سعد ثابت بن مشرف المعمار فى ذى الحجّة.

ما وقع من الحوادث سنة 620

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وسبع أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثلاث أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 620] السنة الخامسة من ولاية الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة عشرين وستمائة. قال أبو شامة: ففيها عاد الملك الأشرف موسى من مصر [إلى الشام قاصدا «1» بلاده بالشرق] ، فالتقاه أخوه المعظّم عيسى وعرض عليه النزول [بالقلعة «2» ] فامتنع، ونزل بجوسق والده العادل، وبدت الوحشة بين الإخوة الثلاثة (يعنى الكامل «3» محمدا صاحب الترجمة، والمعظّم عيسى صاحب دمشق، والأشرف موسى صاحب خلاط وغيرها) . قال: ثم رحل الأشرف سحرا على ضمير «4» ثم سار إلى حرّان، وكان [الأشرف «5» ] قد استناب أخاه شهاب الدين غاز يا صاحب ميّافارقين على خلاط، [لمّا سافر «6» إلى مصر] وجعله ولىّ عهده، ومكّنه من بلاده؛ فسوّلت له نفسه العصيان، وحسّن له ذلك الملك المعظّم وكاتبه وأعانه، وكذا كاتبه صاحب إربل [والمشارقة «7» ] ، فأرسل الأشرف إلى غازى المذكور يطلبه فامتنع، فأرسل إليه: يا أخى لا تفعل، أنت ولىّ عهدى والبلاد فى حكمك فأبى؛ فجمع الأشرف عساكره وقصده، ووقع له معه أمور حتّى هزمه، ثم رضى عنه الأشرف حسب ما نذكره فى السنة الآتية. وفيها كانت بين التّتار الذين جاءوا إلى الدّربند «8» وبين القبجاق «9» والروس «10» وقعة هائلة، وصبر الفريقان أيّاما، ثم انهزم القبجاق والروس، ولم يسلم منهم إلّا اليسير.

وفيها توفّىّ عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر شيخ الإسلام موفّق الدين أبو محمد المقدسىّ الجمّاعيلىّ الدمشقىّ الصالحىّ الحنبلى صاحب التصانيف. ولد بجمّاعيل فى شعبان سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وقرأ القراءات واشتغل فى صغره وسمع من أبيه سنة نيّف وخمسين، ورحل إلى البلاد وسمع الكثير، وكتب وصنّف وبرع فى الفقه والحديث، وأفتى ودرّس وشاع ذكره وبعد صيته. وكانت وفاته فى يوم عيد الفطر، وله ثمانون سنة. وفيها توفّى عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين الإمام المفتى فخر الدين أبو منصور الدّمشقىّ الشافعىّ المعروف بابن عساكر شيخ الشافعيّة بالشام. ولد فى سنة خمسين وخمسمائة، وسمع من عميّه: [الصائن «1» ] هبة الله، والحافظ أبى القاسم وجماعة أخر، وتفقّه على حميه قطب الدين «2» النّيسابورىّ، وكان بارعا مفتنّا مدرّسا فقيها عالما محدّثا، وكانت وفاته فى شهر رجب. وفيها توفّى ملك الغرب يوسف بن محمد بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن ابن علىّ السلطان المستنصر بالله الملقّب بأمير المؤمنين المكنى أبا يعقوب القيسىّ المغربىّ صاحب بلاد المغرب، لم يكن فى بنى عبد المؤمن أحسن صورة منه، ولا أبلغ خطابا، ولكنّه كان مشغولا باللّذات؛ ومات وهو شابّ فى هذه السنة، ولم يخلّف ولدا؛ فاتفق أهل دولته على تولية الأمر لأبى محمد عبد الواحد بن يوسف ابن عبد المؤمن بن علىّ، فولى ولم يحسن التدبير ولا المداراة. وكان مولد يوسف صاحب الترجمة فى سنة أربع وتسعين وخمسمائة، وأمّه أم ولد روميّة اسمها قمر، وكانت دولته عشر «3» سنين وشهرين.

ما وقع من الحوادث سنة 621

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو سعد عبد السلام ابن المبارك [بن «1» عبد الجبّار بن محمد بن عبد السلام] بن البرد «2» عول فى المحرّم، وله تسع وثمانون سنة. والعلّامة فخر الدين أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن ابن عساكر الشافعىّ فى رجب، وله سبعون سنة. والعلامة موفّق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسىّ شيخ الحنابلة فى يوم الفطر، وله ثمانون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع ونصف إصبع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا سواء. *** [ما وقع من الحوادث سنة 621] السنة السادسة من ولاية الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة إحدى وعشرين وستمائة. فيها استردّ الملك الأشرف موسى مدينة خلاط من أخيه شهاب الدين غازى، وأبقى عليه ميّافارقين، ورضى عنه بعد أمور وقعت بينهما، وقد تقدّم ذكر ذلك أيضا. وفيها ظهر السلطان جلال الدين بن خوارزم شاه بعد ما انفصل عن بلاد الهند وكرمان، واستولى على أذربيجان وحكم عليها. وراسله الملك المعظّم عيسى ليعينه على قتال أخيه الملك الأشرف موسى؛ ثم كتب المعظّم أيضا لصاحب إربل فى هذا المعنى، وبعث ولده الملك الناصر داود إليه رهينة. وفيها استولى بدر الدين لؤلؤ على الموصل وأظهر أنّ الملك محمود «3» بن القاهر قد توفّى، وكان قد أمر بخنقه.

وفيها بنى الملك الكامل صاحب الترجمة دار «1» الحديث الكامليّة بالقاهرة فى بين القصرين، وجعل أبا «2» الخطّاب بن دحية شيخها. وفيها قدم الملك مسعود أضسيس «3» (المشهور بأقسيس) على أبيه الملك الكامل من اليمن طائعك، وعزمه أخذ الشام من عمّه الملك المعظّم عيسى، وقدّم لأبيه أشياء «4» عظيمة، منها مائتا خادم. قال ابن الأثير: وفيها عادت التتار من بلاد القبجاق ووصلت إلى الرّىّ، وكان من سلم من أهلها قد عمّروها، فلم يشعروا إلّا بقدوم التتار بغتة، فوضعوا فيهم السيف، ثم فعلوا بعدّة بلاد أخر كذلك، فما شاء الله كان. وفيها حدثت واقعه قبيحة من الكرج، وهو أنّ الكرج- لعنهم الله- لم يبق فيهم من بيت الملك أحد سوى امرأة فملّكوها عليهم. قال ابن الأثير: ثم طلبوا لها زوجا يتزوّجها وينوب عنها فى الملك، ويكون من بيت مملكة. وكان صاحب أرزن الروم مغيث الدين طغرل شاه بن قليج أرسلان بن مسعود بن قليج أرسلان وهو من الملوك السّلجوقيّة وله ولد، فأرسل إلى الكرج يخطب الملكة لولده فامتنعوا، وقالوا: لا يملكنا مسلم، فقال لهم: إنّ ابنى يتنصّر ويتزوّجها، فأجابوه فتنصّر وتزوّج بها، وأقام عندها حاكما فى بلادهم، فنعوذ بالله من الخذلان! وكانت الملكة تهوى مملوكا، فكان هذا الزوج يسمع عنها من القبائح أشياء ولا يمكنه الكلام لعجزه، فدخل يوما فرآها مع المملوك، فأنكر ذلك، فقالت: إن رضيت بذا وإلّا

أنت أخبر بما أفعله معك!. [فقال: إنّنى لا «1» أرضى بهذا] فنقلته إلى بلد [آخر «2» ] ووكّلت به من يحفظه وحجرت عليه؛ وأحضرت لها رجلين وصفا لها بحسن الصورة فتزوّجت بأحدهما، وبقى معها ذاك يسيرا، ثمّ فارقته وأحضرت آخر من كنجة «3» وهو مسلم، فطلبت منه أن يتنصّر ويتزوّجها فلم يفعل، فأرادت أن تتزوّجه [وهو مسلم «4» ] فقام عليها الأمراء ومعهم إبوانى «5» مقدّمهم؛ وقالوا لها: فضحتينا بين الملوك بما تفعلين! [ثم «6» تريد بن أن يتزوّجك مسلم، وهذا لا نمكّنك منه أبدا] ، والأمر بينهم متردّد، والرجل الكنجىّ عندهم [لم يجبهم إلى «7» الدخول فى النّصرانيّة] ، وهى تهواه. انتهى كلام ابن الأثير. وفيها توفّى فخر الدين أبو المعالى محمد بن أبى الفرج الموصلىّ المقرئ ببغداد فى شهر رمضان. وكان إماما فاضلا بارعا فى فنون. ومن شعره «مواليا» : ساق قمر بكفّه شمس ضحا ... قد أسكرنى من راحتيه وصحا لو أمكننى والراح فى راحته ... فى الحان شربت كفّه والقدحا قلت: ويعجبنى فى هذا المعنى قول أبى الحسن علىّ بن عبد الغنىّ الفهرىّ القيروانىّ الضّرير المعروف بالحصرىّ الشاعر المشهور، ووفاته سنة ثمان [وثمانين «8» ] وأربعمائة، وهما: أقول له وقد حيّا بكأس ... لها من مسك ريقته ختام أمن خدّيك يعصر قال كلّا ... متى عصرت من الورد المدام وفيها توفّى القاضى أبو البركات عبد القوىّ بن عبد العزيز بن الجبّاب السّعدىّ فى شوّال، وله خمس وثمانون سنة. وكان عالما بارعا ديّنا عفيفا أفتى ودرّس سنين.

ما وقع من الحوادث سنة 622

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفىّ أبو جعفر محمد بن هبة الله بن مكرّم الصوفىّ ببغداد فى المحرّم. وأبو طالب عبد الرحمن بن محمد بن عبد السميع الهاشمىّ المقرئ بواسط. وأبو العبّاس أحمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن صرمى «1» الأزجىّ فى شعبان. وفخر الدين أبو المعالى محمد بن أبى الفرج الموصلىّ البغدادىّ المقرئ فى رمضان. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع سواء. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وثلاث وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 622] السنة السابعة من ولاية الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة اثنتين وعشرين وستمائة. فيها فى شهر ربيع الأول وصل السلطان جلال الدين بن خوارزم شاه إلى دقوقا «2» فافتتحها بالسيف، وأحرق البلد ونهب أهلها، وفعل فيها ما لا تفعله الكفّار لكونهم شتموه ولعنوه على الأسوار؛ ثم عزم على قصد بغداد، فانزعج الخليفة الناصر لدين الله واستعدّ لقتاله وأنفق ألف ألف دينار فى هذا المعنى. قال أبو المظفّر: «قال لى الملك المعظّم عيسى: كتب إلىّ جلال الدين يقول: تحضر أنت ومن عاهدنى فنتّفق حتّى نقصد الخليفة، فإنّه كان السبب فى هلاك المسلمين، وفى هلاك أبى، وفى مجىء الكفّار إلى البلاد؛ ووجدنا كتبه إلى الخطا

وتواقيعه لهم بالبلاد والخلع والخيل؛ فقال المعظّم: فكتبت إليه: أنا معك على كلّ أحد» إلّا على الخليفة فإنّه إمام المسلمين!» . انتهى. قلت: ثم وقع لجلال الدين المذكور فى هذه السنة أمور ووقائع مع غير الخليفة من الملوك يطول شرحها. يأتى ذكر بعضها إن شاء الله. وفيها توفّى الخليفة الناصر لدين الله أمير المؤمنين أبو العبّاس أحمد ابن الخليفة المستضىء بالله أبى محمد الحسن ابن الخليفة المستنجد بالله أبى المظفر يوسف ابن الخليفة المقتفى بأمر الله أبى عبد الله محمد ابن الخليفة المستظهر بالله أحمد الهاشمىّ العباسىّ البغدادىّ. ولد يوم الاثنين عاشر شهر رجب سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، وبويع بالخلافة بعد موت أبيه المستضىء فى أوّل ذى القعدة سنة خمس وسبعين وخمسمائة. وأمّه أمّ ولد تركيّة. قال الشيخ شمس الدين: «وكان أبيض اللّون تركىّ الوجه مليح العينين، أنور الجبهة، أقنى الأنف، خفيف العارضين، أشقر اللّحية رقيق المحاسن. كان نقش خاتمه: «رجائى من الله عفوه» . لم يل الخلافة قبله أحد من بنى العبّاس أطول مدّة منه، إلّا ما ذكرنا من خلفاء العبيديّة المستنصر معدّ» انتهى. وفى أيّام الناصر لدين الله ظهرت الفتوّة ببغداد ورمى البندق ولعب الحمام [المناسيب «2» ] ، وافتنّ الناس فى ذلك، ودخل فيه الأجلّاء ثم الملوك؛ فألبسوا الملك العادل ثم أولاده سراويل الفتوّة، ولبسها أيضا الملك شهاب الدين صاحب غزنة والهند من الخليفة الناصر لدين الله، ولبسها جماعة أخر من الملوك. وأمّا لعب الحمام فخرج فيه عن الحدّ، يحكى عنه أنّه لمّا دخلت التّتار البلاد وملكوا من [ما] وراء النهر إلى العراق، وقتلوا تلك المقتلة

من المسلمين، التى ما نكب المسلمون بأعظم منها، دخل عليه الوزير فقال له: آه يا مولانا، إنّ التّتار قد ملكت البلاد وقتلت المسلمين! فقال له الناصر لدين الله: دعنى أنا فى شىء أهمّ من ذلك! طيرتى البلقاء، لى ثلاثة أيام ما رأيتها! وفى هذه الحكاية كفاية إن صحّت عنه. وكانت وفاته فى سلخ شهر رمضان «1» ، وكانت خلافته سبعا وأربعين سنة. وبويع بعده لولده أبى نصر ولقّب بالظاهر بأمر الله، فكانت خلافة الظاهر المذكور تسعة أشهر ومات. حسب ما يأتى ذكره. وفيها توفّى السلطان الملك الأفضل علىّ ابن السلطان صلاح الدين يوسف ابن الأمير نجم الدين أيّوب فى يوم الجمعة من شهر ربيع الأوّل من السنة، وهو الذي كان ملك الشام فى حياة أبيه ثمّ من بعده، ووقع له تلك الأمور مع أخيه وعمّه العادل، وقد تقدّم ذكر ذلك كلّه؛ وتنقّلت به الأحوال إلى أن صار صاحب سميساط، وبقى بها إلى أن مات فى هذه السنة. وكان مولده بمصر فى سلطنة والده سنة خمس وستين وخمسمائة. وكان فاضلا شاعرا حسن الخطّ قليل الحظّ غير مسعود فى حركاته- رحمه الله تعالى- ومن شعره- ممّا كتبه إلى الخليفة لمّا خرج من دمشق، واتّفق عليه الملك العادل عمّه والعزيز أخوه-: مولاى إنّ أبا بكر وصاحبه ... عثمان قد غصبا بالسيف حقّ على فانظر إلى حظّ هذا الاسم كيف لقى ... من الأواخر ما لاقى من الأول الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الواعظ أبو إسحاق إبراهيم بن المظفّر [بن إبراهيم «2» ] بن البرنىّ «3» بالموصل فى المحرّم. والخطيب المفسّر فخر

ما وقع من الحوادث سنة 623

الدين محمد بن الخضر بن محمد [بن الخضر بن علىّ «1» بن عبد الله] بن تيميّة الحرّانى فى صفر. والملك الأفضل علىّ بن السلطان صلاح الدين بسميساط فى صفر، وله سبع وخمسون سنة. وأبو الحسن علىّ بن أبى الكرم [نصر بن «2» المبارك] الجلال بن البنّاء بمكّة فى شهر ربيع الأوّل. وعبد المحسن خطيب الموصل ابن عبد الله بن أحمد الطّوسى فى شهر ربيع الأوّل. وقاضى القضاة بالقاهرة زين الدين علىّ ابن العلّامة يوسف بن عبد الله بن بندار الدّمشقىّ. والوزير الكبير صفىّ الدين عبد الله بن علىّ الشّيبىّ «3» ابن شكر بالقاهرة فى شعبان. ومجد الدين أبو المجد محمد بن الحسين القزوينى الصوفىّ بالموصل فى شعبان. والناصر لدين الله أبو العبّاس أحمد بن المستضىء بالله حسن بن المستنجد فى سلخ شهر رمضان، وله سبعون سنة، وكانت خلافته سبعا وأربعين سنة. وفخر الدين محمد بن إبراهيم بن أحمد الفارسىّ الخبرىّ «4» الصوفىّ بمصر فى ذى الحجّة، وله أربع وتسعون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع ونصف إصبع. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وتسع عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 623] السنة الثامنة من ولاية الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة ثلاث وعشرين وستمائة. فيها قدم الشيخ محيى الدين «5» بن الجوزىّ إلى دمشق رسولا إلى الملك المعظّم عيسى صاحب دمشق، ومعه الخلع له ولإخوته أولاد العادل من الخليفة الظاهر

بأمر الله أبى نصر محمد العبّاسىّ المتولّى الخلافة بعد وفاة والده الناصر لدين الله. [ومضمون «1» رسالته طلب رجوع المعظّم عن موالاة ابن الخوارزمىّ] . قال أبو المظفّر سبط ابن الجوزىّ، قال لى الملك المعظّم، قال خالك: المصلحة رجوعك عن هذا الخارجىّ (يعنى جلال الدين [بن] الخوارزمىّ وترجع إلى إخوتك ونصلح بينكم؛ قال: فقلت لخالك: إذا رجعت عن [ابن] الخوارزمىّ وقصدنى إخوتى تنجدوننى؟ قال: نعم؛ فقلت: مالكم عادة تنجدون أحدا! هذه كتب الخليفة الناصر لدين الله عندنا، ونحن على دمياط نكتب ونستصرخ به، فيجىء الجواب بأنّا قد كتبنا إلى ملوك الجزيرة ولم يفعلوا. قال: قلت: مثلى معكم كمثل رجل كان يخرج إلى الصلاة وبيده عكّاز خوفا من الكلاب، فقال له بعض أصدقائه: أنت شيخ كبير، وهذا العكّاز يثقلك، وأنا أدلك على شىء يغنيك عن حمله، قال: وما هو؟ قال: تقرأ سورة يس عند خروجك من الدار، وما يقربك كلب، وأقام مدّة فرأى الشيخ حامل العكّاز، فقال له: أما قد علّمتك ما يغنيك عن حمله؟ فقال: هذا العكّاز لكلب لا يعرف القرآن. وقد اتّفق إخوتى علىّ، وقد أنزلت [ابن] الخوارزمىّ على خلاط، إن قصدنى أخى الأشرف «2» منعه؛ وإن قصدنى أخى الكامل (يعنى صاحب الترجمة) فأنا له. ثم اصطلح الإخوة بعد ذلك فى السنة. وفيها توفّى كافور بن عبد الله شبل الدولة الحسامىّ «3» خادم ستّ الشام بنت أيّوب. كان عاقلا ديّنا صالحا، بنى مدرسته على نهر ثورا بدمشق لأصحاب أبى حنيفة- رضى الله عنه- والخانقاه إلى جانب مدرسته. وكانت وفاته بدمشق فى شهر رجب.

وفيها توفّى الخليفة أمير المؤمنين الظاهر بأمر الله أبو نصر محمد ابن الخليفة الناصر لدين الله أبى العباس أحمد الهاشمىّ العباسىّ البغدادىّ. ولى الخلافة بعد وفاة أبيه فى السنة الماضية فلم تطل مدّته فيها، ووقع له شدائد إلى أن مات فى شهر رجب؛ وامّه أمّ ولد. وكانت خلافته تسعة أشهر وأيّاما، وكان مولده فى المحرّم سنة «1» سبعين وخمسمائة، وكان جميل الصورة أبيض مشربا بحمرة حلو الشمائل شديد القوى. أفضت الخلافة إليه، وله اثنتان وخمسون سنة إلا أشهرا، فقيل له: ألا تنفسح؟ فقال: قد فات الزرع! فقيل له: يبارك الله فى عمرك، فقال: من فتح دكّانا بعد العصر إيش يكسب!. وكان خيّرا عادلا قطع الظّلامات والمكوس، حتّى قيل: إنّ جملة ما قطع من الظّلامات والمكوس ثمانية آلاف دينار فى كلّ سنة، وتصدّق فى ليلة العبد بمائة ألف دينار. وسببه أنّه لمّا ولى الخلافة ولّى الشيخ عماد «2» الدين ابن الشيخ عبد القادر الجيلىّ القضاء، فما قبل عماد الدين إلّا بشرط أن يورّث ذوى الأرحام، فقال له الخليفة: أعط كلّ ذى حقّ حقّه واتّق الله ولا لتثق بسواه؛ فكلّمه القاضى أيضا فى الأوراق التى ترفع إلى الخليفة؛ وهو أنّ حرّاس الدروب كانت ترفع إلى الخليفة فى صبيحة كلّ يوم ما يكون عندهم من أحوال الناس الصالحة والطالحة، فأمر الظاهر بتبطيل ذلك، وقال: أىّ فائدة فى كشف أحوال الناس! فقيل له: إن تركت ذلك فسدت أحوال الرعيّة، فقال: نحن ندعو لهم بالإصلاح. ثم أعطى القاضى المذكور عشرة آلاف دينار يفى بها ديون من فى السجون من الفقراء، ثم فرّق بقيّة المائة الألف الدينار فى العلماء والفقراء. ولمّا مات الظاهر تولّى الخلافة بعده ولده المستنصر بالله أبو جعفر.

ما وقع من الحوادث سنة 624

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو المحاسن محمد بن السيد بن أبى لقمة الأنصارىّ الصفّار فى شهر ربيع الأوّل عن أربع وتسعين سنة. وقاضى الشام جمال الدين يونس بن بدران القرشىّ المصرىّ الشافعىّ فى شهر ربيع الأوّل، ودفن بقرب الصليحيّة «1» . وشمس الدين أحمد بن عبد الواحد المقدسىّ الملقّب بالبخارىّ الفقيه المناظر فى جمادى الآخرة، وله تسع وخمسون سنة. والتقىّ خزعل «2» ابن عسكر المصرىّ النحوىّ اللغوىّ بدمشق. والمحارى «3» الزاهد أبو محمد عبد الرحمن ابن عبد الله بن علوان بحلب فى جمادى الآخرة، وله تسعون سنة. والعلّامة إمام الدين عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل الرافعىّ القزوينىّ صاحب الشرح «4» . والظاهر بأمر الله أبو نصر محمد بن الناصر لدين الله فى رجب، وله ثلاث وخمسون سنة، وكانت خلافته عشرة أشهر. وبويع بعده ابنه المستنصر. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وإصبع واحدة. *** [ما وقع من الحوادث سنة 624] السنة التاسعة من ولاية الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة أربع وعشرين وستمائة. فيها عاد الملك الأشرف موسى ابن الملك العادل إلى بلاده بعد أن صالح أخاه الملك المعظّم عيسى ابن الملك العادل، وكلاهما أخو الملك الكامل هذا.

وفيها حجّ بالناس من الشام الشجاع [علىّ «1» ] بن السلّار، ومن ميافارقين الشهاب غازى ابن الملك العادل. وفيها توفّى السلطان الملك المعظّم شرف الدين عيسى ابن الملك العادل أبى بكر ابن أيّوب بن شادى الأيّوبىّ صاحب الشام. قال أبو المظفّر: وفيها توفّى الملك المعظّم العالم الفقيه المجاهد فى سبيل الله الغازى النحوىّ اللغوىّ. ولد بالقاهرة سنة ستّ وسبعين وخمسمائة، ونشأ بالشام وقرأ القرآن وتفقّه على مذهب أبى حنيفة بجمال «2» الدين الحصيرىّ، وحفظ المسعودىّ، واعتنى «بالجامع «3» الكبير» ، وقرأ الأدب [والنحو «4» ] على تاج الدين «5» الكندىّ، فأخذ عنه «كتاب سيبويه» وشرحه الكبير للسيرافىّ، «والحجّة فى القراءات» لأبى علىّ الفارسىّ «والحماسة» ، وقرأ عليه «الإيضاح» لأبى علىّ حفظا؛ ثمّ ذكر مسموعاته فى الحديث وغيره إلى أن قال: وشرح الجامع الكبير، وصنّف الردّ «6» على الخطيب، والعروض، وله «ديوان شعر» . قال: وكان شجاعا مقداما كثيرا لحياء متواضعا مليح الصورة ضحوكا غيورا جوادا حسن السّيرة. وأطلق أبو المظفّر عنان القلم فى ميدان محاسنه حتّى إنّه ساق ترجمته فى عدّة أوراق فى مرآة الزمان.

قلت: ويحقّ له ذلك، فإنّ المعظّم كان فى غاية ما يكون من الكمال فى عدّة علوم وفنون، وهو رجل بنى أيّوب وعالمهم بلا مدافعة، ومحاسنه أشهر من أن تذكر. وكانت وفاته- رحمه الله- فى ثالث ساعة من نهار الجمعة أوّل يوم من ذى الحجّة، ودفن بقلعة دمشق، ثم نقل بعد ذلك من قلعة دمشق ودفن مع والدته «1» فى القبّة عند «2» الباب. وخلّف عدّة أولاد: الملك الناصر داود، والملك المغيث عبد العزيز، والملك القاهر عبد الملك؛ ومن البنات تسعا، وقيل إحدى عشرة. وتولّى ابنه الناصر داود دمشق بعده إلى أن أخذها منه عمّه الملك الكامل صاحب الترجمة. وفيها توفّى الملك چنكز خان التركىّ، طاغية التّتار وملكهم الأوّل الذي خرّب البلاد وأباد العباد، وليس للتتار ذكر قبله. قلت: هو صاحب «التورا» «واليسق» ، وقد أوضحنا أمره فى غير هذا الكتاب، وذكرنا أصله واعتقاد التتار فيه وأشياء كثيرة. والتورا باللغة التركية هو المذهب، واليسق هو الترتيب، وأصل كلمة اليسق سى يسا، وهو لفظ مركّب من أعجمىّ وتركىّ، ومعناه: التراتيب الثلاث، لأنّ سى بالعجمى فى العدد ثلاثة، ويسا بالتركى: الترتيب؛ وعلى هذا مشت التتار من يومه إلى يومنا هذا، وانتشر ذلك فى سائر الممالك حتّى ممالك مصر والشام، وصاروا يقولون: «سى يسا» فثقلت عليهم فقالوا: «سياسة «3» » على تحاريف أولاد العرب فى اللغات الأعجمية. ولمّا أن تسلطن الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البند قدارىّ أحبّ أن يسلك فى ملكه بالديار المصريّة طريقة چنكزخان هذا وأموره، ففعل ما أمكنه، ورتّب فى سلطنته

ما وقع من الحوادث سنة 625

أشياء كثيرة؛ لم تكن قبله بديار مصر: مثل ضرب البوقات، وتجديد الوظائف، على ما نذكره- إن شاء الله تعالى- فى ترجمته. واستمرّ أولاد چنكزخان فى ممالكه التى قسمها عليهم فى حياته، ولم يختلف منهم واحد على واحد، ومشوا على ما أوصاهم به، وعلى طريقته «التورا» و «اليسق» إلى يومنا هذا. انتهى. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى داود بن معمّر بن عبد الواحد بن الفاخر القرشىّ فى رجب أو فى شعبان، وله تسعون سنة. وطاغية التتار چنكزخان فى شهر رمضان. وقاضى القضاة بحرّان أبو بكر عبد الله بن نصر الحنبلىّ، وله خمس وسبعون سنة. وأبو محمد عبد البرّ «1» ابن الحافظ ابن العلاء الهمذانىّ بروذراور «2» فى شعبان. والبهاء عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسىّ الحنبلىّ الفقيه المحدّث فى ذى الحجّة، وله تسع وستون سنة. والملك المعظّم شرف الدين عيسى بن العادل فى ذى القعدة، وله ثمان وأربعون سنة. وأبو الفرج الفتح بن عبد الله [بن محمد «3» ابن علىّ بن هبة الله] بن عبد السلام الكاتب فى المحرّم، وله سبع وثمانون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبع أذرع «4» واثنتا عشرة إصبعا. هكذا وجدته مكتوبا، ولعلّه وهم من الكاتب. *** [ما وقع من الحوادث سنة 625] السنة العاشرة من ولاية الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة خمس وعشرين وستمائة.

فيها نزل جلال الدين بن خوارزم شاه على خلاط مرّة ثانية، وهجم عليه الشتاء فرحل عنها إلى أذربيجان، وخرج الحاجب «1» علىّ من خلاط بالعسكر، فاستولى على خوىّ «2» وسلماس «3» وتلك النواحى، وأخذ خزائن جلال الدين المذكور وعاد إلى خلاط، فقيل له: بئس ما فعلت! وهذا يكون سببا لهلاك العباد والبلاد، فلم يلتفت. وفيها كان فراغ مدرسة ركن الدين الفلكى بقاسيون دمشق. وفيها توفّى عبد الرحيم بن علىّ بن إسحاق سبط القاضى جمال الدين القرشىّ. كان إماما عالما فاضلا غزير المروءة كثير الإحسان شاعرا مترسّلا، وكانت وفاته بدمشق فى سابع المحرّم. ومن شعره قوله فى مليح بالحمّام: تجرّد للحمّام عن قشر لؤلؤ ... وألبس من ثوب المحاسن ملبوسا وقد زيّن الموسى لتزيين رأسه ... فقلت لقد أوتيت سؤلك يا موسى الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو المعالى أحمد ابن الخضر بن هبة الله بن طاوس الصوفىّ فى رمضان. والمحدّث محبّ «4» الدين أحمد ابن تميم اللّبلىّ «5» . وأبو منصور أحمد بن يحيى بن البرّاج «6» الصوفىّ الوكيل فى المحرّم. والعلامة أبو القاسم أحمد بن يزيد القرطبىّ آخر من روى بالإجازة عن شريح

ما وقع من الحوادث سنة 626

فى رمضان. وأبو علىّ الحسن بن إسحاق بن موهوب بن [أحمد «1» ] الجواليقىّ فى شعبان، وله إحدى وثمانون سنة. ونفيس الدين الحسن بن علىّ [بن أبى القاسم الحسين «2» ] بن الحسن بن البنّ الأسدىّ فى شعبان، وله ثمان وثمانون سنة. والرئيس المنشئ جمال الدين عبد الرحيم بن علىّ «3» بن إسحاق بن شيث القرشىّ الفرضىّ بدمشق فى المحرّم، وكان كاتب المعظّم. وأبو منصور محمد بن عبد الله بن المبارك البندنيجىّ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وتسع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وخمس أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 626] السنة الحادية عشرة من ولاية الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة ستّ وعشرين وستمائة. فيها أعطى الملك الكامل صاحب الترجمة بيت المقدس لملك الفرنج الأنبرور «4» . وفيها خرج الملك الكامل فى صفر من مصر، ونزل تل العجول «5» ، وكان الملك الناصر داود ابن الملك المعظّم عيسى صاحب دمشق كاتب عمّه الملك الأشرف موسى بالحضور إلى دمشق، فوصل إليها ونزل بالنّيرب «6» ؛ وكان عزّ الدين أيبك قد أشار على الملك الناصر داود بمداراة عمّه الملك الكامل محمد صاحب مصر

فخالفه؛ وقال الناصر «1» لعمّه الأشرف فى قتال عمّه الكامل، فلم يلتفت الأشرف إلى كلامه؛ واجتمع الأشرف مع أخيه الملك الكامل واتّفقا على حصار دمشق. ووصلت الأخبار بتسليم القدس إلى الأنبرور، فقامت قيامة الناس لذلك ووقع أمور، وتسلّم الأنبرور القدس؛ والكامل والأشرف على حصار دمشق، فلم يقم الأنبرور بالقدس سوى ليلتين، وعاد إلى يافا بعد أن أحسن إلى أهل القدس، ولم يغيّر من شعائر الإسلام شيئا. وفيها سلّم الملك الناصر داود إلى عمّه الملك الكامل دمشق وعوّضه عمّه الكامل الشّوبك، وذلك فى شهر ربيع الآخر من السنة. وفيها توفى أضسيس المعروف بأقسيس المنعوت بالملك المسعود بن الملك الكامل صاحب الترجمة، مرض بعد خروجه من اليمن مرضا مزمنا، ومات بمكّة ودفن بالمعلى فى حياة والده الملك الكامل، وكان معه من الأموال شىء كثير. وكان ظالما جبّارا سفّا كاللدماء قتل باليمن خلائق لا تدخل تحت حصر، واستولى على أموالهم. وكان أبوه الملك الكامل يكرهه ويخافه. ودام باليمن حتى سمع بموت عمّه الملك المعظّم عيسى، فخرج من اليمن بطمع دمشق، فمرض ومات. فلمّا سمع أبوه الملك الكامل بموته سرّ بذلك، واستولى على جميع أمواله. وفيها توفّى الحسن بن هبة الله بن محفوظ بن صصرّى الشيخ الإمام أبو القاسم الدمشقىّ التّغلبىّ. سمع الحافظ ابن عساكر وغيره، وروى الكثير، وكان صالحا ثقة- رحمه الله-.

ما وقع من الحوادث سنة 627

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو القاسم [الحسن «1» ] ابن هبة الله بن محفوظ بن صصرّى التّغلبىّ فى المحرّم، وقد قارب التسعين. وتوفّيت أمة الله بنت أحمد بن عبد الله بن علىّ الآبنوسىّ. وأبو الحسن محمد بن محمد بن أبى حرب النّرسىّ الشاعر. والمهذّب بن علىّ بن قنيدة «2» أبو نصر الأزجىّ. والملك المسعود أقسيس صاحب اليمن ابن الملك الكامل فى جمادى الآخرة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وثلاث أصابع. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وإحدى عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 627] السنة الثانية عشرة من ولاية الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة سبع وعشرين وستمائة. فيها أخذ السلطان جلال الدين بن خوارزم شاه مدينة خلاط بعد حصار طويل «3» أقام عليها عشرة أشهر، ولمّا بلغ صاحبها الملك الأشرف ذلك استنجد بملك الروم وغيره من الملوك، وواقع جلال الدين الخوارزمىّ المذكور وكسره بعد أمور، وقتل معظم عسكره، وامتلأت الجبال والأودية منهم، وشبعت الوحوش والطيور من رممهم، وعظم الملك الأشرف فى النفوس. وفيها توفّى الحسن بن محمد بن الحسن بن هبة الله الشيخ أبو البركات زين الأمناء المعروف بابن عساكر فى ليلة الجمعة سابع عشر صفر، ودفن عند أخيه «4» فخر الدين، وكان فاضلا محدّثا، سمع الكثير وروى تاريخ الحافظ ابن عساكر.

وفيها توفّى فتيان بن علىّ بن فتيان الأسدىّ الحريمىّ «1» المعروف بالشّاغورىّ المعلّم الشاعر المشهور، كان فاضلا شاعرا خدم الملوك ومدحهم وعلّم أولادهم، وله ديوان شعر مشهور. قال الإسعردىّ «2» : إنّه مات فى هذه السنة. وقال ابن خلّكان: إنّه توفّى سحر الثانى والعشرين من المحرّم سنة خمس «3» عشرة وستمائة بالشّاغور، «4» ودفن [بمقابر «5» ] الباب الصغير، وقول ابن خلّكان هو الأرجح. انتهى. ومن شعر الشاغورىّ فى مدح أرض الزّبدانى «6» من دمشق: قد أجمد الخمر كانون بكلّ قدح ... وأخمد الجمر فى الكانون حين قدح يا جنّة الزّبدانى أنت مسفرة ... بحسن وجه إذا وجه الزمان كلح فالثلج قطن عليه السحب تندفه ... والجو يحلجه والقوس قوس قزح وله وقد دخل الحمّام وماؤها شديد الحرارة، وكان قد شاخ، فقال: أرى ماء حمّامكم كالحميم ... نكابد منه عناء وبوسا وعهدى بكم تسمطون الجداء ... فما بالكم تسمطون التّيوسا ومثل هذا قول بعضهم: حمّامكم هذه حمام ... وقودها الناس والحجاره أعجب شىء رأيت فيها ... طهورها ينقض الطّهاره ومن أحسن لغز سمعناه فى الحمّام:

ما وقع من الحوادث سنة 628

وما ليل يخالطه نهار ... وأقمار تصدّ عن الشموس وأنهار على النّيران تجرى ... وأسلحة تسلّ على الرءوس الذين ذكر الذّهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى زين الأمناء الحسن ابن محمد بن الحسن بن عساكر فى صفر، وله ثلاث وثمانون سنة. والشرف راجح ابن إسماعيل الحلىّ الشاعر. وعبد الرحمن بن عتيق [بن عبد العزيز «1» ] بن صيلا المؤدّب. وعبد السلام بن عبد الرحمن [ابن الأمين «2» ] علىّ [بن علىّ «3» ] بن سكينة. وأبو المعالى محمد [بن أحمد «4» ] بن صالح الحنبلىّ ببغداد. وفخر الدين محمد بن عبد الوهاب الأنصارىّ يوم عيد الأضحى. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ذراعان سواء. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وثلاث أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 628] السنة الثالثة عشرة من ولاية الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة ثمان وعشرين وستمائة. فيها ساق التّتار خلف السلطان جلال الدين بن خوارزم شاه بعد أن واقعهم عدّة وقائع من بلاد تبريز، فانهزم بين أيديهم إلى ديار بكر، فقتل فى قرية من أعمال ميّافارقين. وفيها توفى بهرام شاه بن فرخشاه بن شاهنشاه بن أيّوب، الملك الأمجد صاحب بعلبكّ. كان السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب أعطاه بعلبكّ عند وفاة أبيه

سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، فأقام فيها خمسين سنة حتّى حصره الملك الأشرف موسى بن العادل أبى بكر بن أيّوب وأخرجه منها، وساعده عليه ابن عمّه أسد الدين شيركوه صاحب حمص؛ فانتقل الملك الأمجد إلى الشام وسكنها حتّى قتله بعض مماليكه غيلة؛ وكان فاضلا شاعرا فصيحا كاتبا، وله ديوان شعر كبير. ومن شعره «دو بيت» : كم يذهب هذا العمر فى الخسران ... يا غفلتى فيه وما أنسانى ضيّعت زمانى كلّه فى لعب ... يا عمر فهل بعدك عمر ثان قلت: وما أحسن قول قاضى القضاة شهاب «1» الدين أحمد بن حجر- رحمه الله- فى هذا المعنى، وهو ممّا أنشدنى من لفظه لنفسه- عفا الله عنه-: خليلىّ ولىّ العمر منا ولم نتب ... وننوى فعال الصالحات ولكنّا فحتّى متى نبنى بيوتا مشيدة ... وأعمارنا منا تهدّ وما تبنى وما ألطف قول السّراج «2» الورّاق- رحمه الله- وهو قريب ممّا نحن فيه: يا خجلتى وصحائفى سودا غدت ... وصحائف الأبرار فى إشراق وفضيحتى «3» لمعنّف لى قائل ... أكذا تكون صحائف الورّاق وفيها قتل السلطان جلال الدين بن خوارزم شاه، واسمه تكش «4» ، وقيل محمود ابن السلطان علاء الدين خوارزم شاه؛ واسمه محمد بن تكش، وهو من نسل

عبد الله بن طاهر بن الحسين، وجدّه تكش هو الذي أزال ملك السّلجوقيّة. قتل بديار بكر، كما ذكرناه فى أوّل هذه السنة. ولمّا قتل دخل جماعة على الملك الأشرف موسى فهنّئوه بموته؛ فقال: تهنّونى به وتفرحون! سوف ترون غبّه! والله لتكوننّ هذه الكسرة سببا لدخول التتار إلى بلاد الإسلام، ما كان الخوارزمىّ إلّا مثل [السدّ «1» ] الذي بيننا وبين يأجوج ومأجوج؛ فكان كما قال الأشرف. كان الخوارزمىّ يقاتل التتار عشرة أيّام بلياليها بعساكره، يترجّلون عن خيولهم ويلتقون بالسيوف، ويبقى الرجل منهم يأكل ويبول وهو يقاتل. وفيها توفّى المهذّب بن الدّخوار الطبيب، كان فاضلا حاذقا بعلم الطبّ أستاذ عصره، تقدّم على جميع أطبّاء زمانه، ومع هذا مات بستة أمراض مختلفة، ووقف داره وكتبه على الأطبّاء. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو نصر أحمد بن الحسين بن عبد الله بن النّرسىّ البيّع فى رجب، وله ثلاث وثمانون سنة. والملك الأمجد مجد الدين بهرام شاه بن فرخشاه صاحب بعلبكّ. ومحمد بن عمر بن حسين «2» المقرئ الكردىّ بدمشق. والمهذّب عبد الرجيم بن علىّ رئيس الطبّ، ويعرف بالدّخوار فى صفر. وأبو الفضل عبد السلام بن عبد الله «3» الدّاهرىّ الخفّاف فى شهر ربيع الأوّل عن ثنتين وثمانين سنة. وأبو الرضا محمد بن أبى الفتح المبارك [ابن عبد الرحمن «4» ] ابن عصيّة الحربىّ فى المحرّم، وله ثلاث وثمانون سنة.

ما وقع من الحوادث سنة 629

والعلّامة زين الدين يحيى «1» بن عبد المعطى بن عبد النّور الزّواوىّ النحوىّ فى ذى القعدة بمصر. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ذراع واحدة ونصف إصبع. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا سواء. *** [ما وقع من الحوادث سنة 629] السنة الرابعة عشرة من ولاية الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة تسع وعشرين وستمائة. فيها عاد التّتار إلى الجزيرة وحرّان وقتلوا وأسروا وسبوا، وخرج الملك الكامل صاحب الترجمة من مصر إلى أن وصل إلى ديار بكر واجتمع مع أخيه الأشرف موسى، واجتمعوا على دفع التّتار؛ وكان أهل حرّان قد خرجوا لقتال التّتار، فما رجع منهم إلّا القليل. وعاد التّتار إلى بلادهم بعد أمور صدرت منهم فى حقّ المسلمين. فلمّا بلغ الكامل عود التّتار نزل على مدينة آمد ومعه أخوه الأشرف، وحاصرها حتّى استولى عليها وعلى عدّة قلاع. وفيها توفّى إسماعيل بن إبراهيم الشيخ شرف الدين الفقيه الحنفىّ وهو ابن خالة شمس الدين ابن الشّيرازىّ. كان فقيها فاضلا زاهدا عابدا ورعا وله تصانيف حسان، منها «مقدمة فى الفرائض» ، وكان بعث إليه الملك المعظّم عيسى صاحب دمشق يقول: أفت بإباحة الأنبذة، وما يعمل من ماء الرمّان ونحوه، فقال: لا أفتح هذا الباب على أبى حنيفة! إنّما هى رواية النوادر، وقد صحّ عن أبى حنيفة أنّه

ما وقع من الحوادث سنة 630

ما شربه قطّ، وحديث ابن مسعود لا يصحّ، وكذا ما يروى عن «1» عمر فى إباحة شربه لا يثبت عنه. فغضب المعظّم وأخرجه من مدرسة طرخان. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو القاسم أحمد بن أحمد بن السّمّذىّ «2» الكاتب. والحافظ أبو موسى عبد الله ابن الحافظ عبد الغنى بن عبد الواحد المقدسىّ فى رمضان، وله ثمان وأربعون سنة. وعبد اللطيف بن عبد الوهاب بن الطّبرىّ فى شعبان. والعلّامة موفّق الدين عبد اللطيف بن يوسف ابن محمد البغدادىّ النحوىّ الطبيب فى المحرّم عن اثنتين وسبعين سنة. والزاهد الشيخ عمر بن عبد الملك الدّينورىّ بقاسيون. وأبو حفص عمر بن كرم بن أبى الحسن الدّينورىّ الحمّامى فى رجب، وله تسعون سنة. وأبو القاسم عيسى بن عبد العزيز بن عيسى المقرئ بالإسكندريّة. والحافظ معين الدين أبو بكر محمد بن عبد الغنى بن نقطة الحنبلىّ فى صفر كهلا. *** أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وثمانى أصابع. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وثلاث أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 630] السنة الخامسة عشرة من ولاية الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة ثلاثين وستمائة. فيها فتح الملك الكامل محمد صاحب الترجمة آمد، وأخرج منها صاحبها الملك المسعود بن مودود بعد حصار طويل؛ وتسلّم منه جميع القلاع التى كانت بيده،

وبقى حصن كيفا عاصيا؛ فبعث الكامل أخاه الأشرف، وأخاه شهاب الدين غازيا، ومعهما صاحب آمد تحت الحوطة؛ فسألهم صاحب آمد فى تسليم الحصن فلم يسلّموا البلد، فعذّبه الأشرف عذابا عظيما، وكان يبغضه؛ ولا زال الأشرف يحاصر حصن كيفا حتّى تسلّمها بعد أمور فى صفر من السنة، ووجد عند مسعود المذكور خمسمائة بنت من بنات الناس للفراش. وفيها فتحت دار الحديث الأشرفيّة المجاورة لقلعة دمشق التى بناها الملك الأشرف موسى، وأملى بها ابن الصلاح «1» الحديث، وذلك فى ليلة النصف من شعبان، ووقف عليها الأشرف الأوقاف، وجعل بها نعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلم. وفيها توفّى الوزير «2» صفىّ الدين عبد الله بن علىّ بن شكر، وزير الملك العادل؛ وأصله من الدّميرة «3» ، وهى قرية بالوجه البحرى من أعمال مصر. وكان صفىّ الدين المذكور وزيرا مهيبا عالما فاضلا له معرفة بقوانين الوزارة، وكانت عنايته مصروفة إلى العلماء والفقهاء والادباء، وكان مالكىّ المذهب. ومات بالقاهرة وهو على حرمته، وله بالقاهرة مدرسة «4» معروفة به.

وفيها توفّى الملك العزيز عثمان ابن السلطان الملك العادل أبى بكر بن أيّوب أخو الملك الكامل هذا، وكان شقيق المعظّم عيسى، وهو صاحب بانياس وتبنين «1» والحصون، وهو الذي بنى الصّبيبة «2» ؛ ودام مالكا لهذه القلاع إلى أن مات فى يوم الاثنين عاشر شهر رمضان ببستانه ببيت «3» لهيا، وحمل تابوته فدفن بقاسيون عند أخيه الملك المعظّم عيسى، وقد تقدّم أنّه كان شقيقه. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى بهاء الدين إبراهيم ابن أبى اليسر شاكر بن عبد الله التّنوخىّ الشافعىّ فى المحرّم، ولى قضاء المعرّة خمسة أعوام. وأبو الحسن علىّ بن أحمد بن يوسف الأزجىّ بالقدس فى صفر. وأبو محمد الحسن ابن الأمير السيد علىّ بن المرتضى العلوىّ الحسينىّ فى شعبان. وصفىّ الدين أبو بكر «4» عبد العزيز بن أحمد [بن عمر بن سالم «5» بن محمد] بن باقا التاجر فى رمضان، وله خمس وسبعون سنة. وصاحب الصّبيبة الملك العزيز عثمان بن العادل- رحمه الله- والعلّامة عزّ الدين أبو الحسن علىّ بن الأثير بن محمد بن محمد بن عبد الكريم

ما وقع من الحوادث سنة 631

الشّيبانىّ الجزرىّ المؤرّخ فى شعبان، وقد قارب ستّا وسبعين «1» سنة. وصاحب إربل مظفّر الدّين كوكبورى «2» ابن صاحب إربل أيضا زين الدين «3» علىّ بن بكتكين التّركمانىّ فى رمضان. والوزير «4» مؤيّد الدّين محمد بن محمد بن القمّىّ ببغداد. وشرف «5» الدين محمد بن نصر الله بن مكارم الدّمشقىّ الشاعر الكاتب فى شهر ربيع الأوّل. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وعشر أصابع. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وستّ أصابع، وطال مكثه على الأراضى. والله أعلم. *** [ما وقع من الحوادث سنة 631] السنة السادسة عشرة من ولاية الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة إحدى وثلاثين وستمائة. فيها اجتمع الملك الكامل صاحب الترجمة وإخوته وأسد الدين شيركوه صاحب حمص، وساروا ليدخلوا بلاد الروم من عند النهر الأزرق «6» ، فوجدوا الروم قد حفظوا الدّربند، ووقفوا على رءوس الجبال وسدّوا الطرق، فامتنعت العساكر من الدخول؛ وكان الملك الأشرف صاحب دمشق يومئذ ضيّق الصدر من أخيه الملك الكامل هذا، لأنّه طلب منه الرّقّة فامتنع؛ وقال له: ما يكفيك كرسىّ بنى أميّة! فاجتمع أسد الدين شيركوه صاحب حمص بالأشرف وقال له: إن

حكم الكامل على الروم أخذ جميع ما بأيدينا فوقع التقاعد، فلمّا رأى الكامل ذلك عبر الفرات ونزل السّويداء «1» ، وجاءه صاحب خرتبرت «2» ، وهو من بنى أرتق، وقال له: عندنا طريق سهلة تدخل منها إلى الروم. فجهّر الملك الكامل بين يديه ولده الملك الصالح نجم الدين أيّوب، وابن أخيه الملك الناصر داود بن المعظّم، والخادم صوابا، فجاءتهم عساكر الروم؛ وكان الناصر تأخّر وتقدّم صواب فى خمسة آلاف فارس، ومعه الملك المظفّر صاحب حماة، وقاتلوا الروم وانهزموا؛ فعاد الملك الكامل إلى آمد. وكان أسر صواب وجماعة من الأمراء فأطلقهم الروم بعد أن أحسنوا إليهم. وفيها قدم رسول الأنبرور الفرنجىّ على الملك الكامل «3» بهدايا فيها دبّ أبيض، وشعره مثل شعر السّبع، ينزل البحر فيصعد بالسمك فيأكله ومعه أيضا طاوس أبيض. وفيها توفّى الشيخ العارف المسلّك الزاهد شهاب الدين أبو حفص- وقيل أبو عبد الله- عمر بن محمد بن عبد الله بن [محمد بن عبد الله «4» ] بن عمّويه القرشىّ التّيمىّ البكرىّ السّهروردىّ الصّوفىّ. وذكر الذهبىّ وفاته فى سنة اثنتين وثلاثين وهو الأشهر. قلت: ومولده فى شهر رجب سنة تسع وثلاثين وخمسمائة بسهرورد، وقدم بغداد وهو أمرد، فصحب عمّه الشيخ أبا النّجيب «5» عبد القاهر وأخذ عنه التصوّف والوعظ

وصحب أيضا الشيخ عبد القادر «1» الجيلى، وسمع الحديث من عمّه المذكور وغيره، وروى عنه البرزالى «2» وجماعة كثيرة؛ وكان له فى الطريقة قدم ثابتة ولسان ناطق، وولى عدّة ربط للصّوفيّة، ونفّذه الخليفة إلى عدّة جهات رسولا؛ وكان فقيها عالما واعظا مفتنّا مصنّفا، وهو صاحب التصانيف المشهورة، واشتهر اسمه وقصد من الأقطار، وظهرت بركات أنفاسه على خلق من العصاة فتابوا، ووصل به خلق إلى الله تعالى، وكفّ بصره قبل موته. قال أبو المظفّر سبط بن الجوزىّ: رأيته فى سنة تسعين وخمسمائة يعظ برباط درب المقير «3» على منبر طين، وعلى رأسه مئزر صوف؛ قال: وصنّف كتابا للصوفيّة وسمّاه «عوارف المعارف» . قال: وجلس يوما ببغداد وذكر أحوال القوم وأنشد- رحمه الله تعالى وعفا عنه-: ما فى الصّحاب أخو وجد نطارحه ... حديث نجد ولا صبّ نجاريه وجعل يردّد البيت ويطرب، فصاح به شابّ من أطراف المجلس، وعليه قباء وكلوتة «4» ؛ وقال: يا شيخ، لم تسطح وتنتقص القوم! والله إنّ فيهم من لا يرضى أن يجاريك، ولا يصل فهمك إلى ما يقول، هلّا أنشدت: ما فى الصّحاب وقد سارت حمولهم ... إلّا محبّ له فى الرّكب محبوب كأنّه يوسف فى كلّ راحلة ... والحىّ فى كلّ بيت منه يعقوب!

فصاح الشيخ ونزل من على المنبر وقصده فلم يجده، ووجد موضعه حفرة بها دم ممّا فحص برجلية عند إنشاد الشيخ البيت. انتهى كلام أبى المظفّر باختصار. وفيها توفّى الشيخ طىّ «1» المصرىّ مويد الشيخ محمد الفزارىّ، قدم الشام وأقام مدّة بزاويته، وكان يغشاه الأكابر، وانتفع بصحبته جماعة، وكان زاهدا عابدا، ودفن بزاويته بدمشق. وفيها توفّى الشيخ عبد الله الارمنى الزاهد العابد الورع، كان رحّالا سافر إلى البلاد ولقى الأبدال وأخذ عنهم، وكان له مجاهدات ورياضات وعبادات وسياحات، وكان فى بداية أمره لا يأوى إلّا البرارى القفار ويتناول المباحات؛ قرأ القرآن وكتاب القدورى فى الفقه، وصحب رجالا من الأولياء، وكان معدودا من فقهاء الحنفية؛ وله حكايات ومناقب كثيرة. ومات فى يوم الجمعة تاسع عشرين ذى القعدة، ودفن بسفح قاسيون، وقد جاوز سبعين سنة. وفيها توفّى العلّامة سيف الدّين علىّ بن أبى علىّ بن محمد بن سالم المعروف بالسيف الآمدىّ، كان إماما بارعا لم يكن فى زمانه من يجاريه فى علم الكلام. قال أبو المظفّر: وكان يرمى بأشياء ظاهرها أنّه كان بريئا منها، لأنّه كان سريع الدّمعة، رقيق القلب سليم الصدر، وكان مقيما بحماة وسكن دمشق، وكان بنو العادل: المعظّم والأشرف والكامل يكرهونه لما اشتهر عنه من الاشتغال بالمنطق وعلوم الأوائل. ثم قال أبو المظفّر بعد كلام آخر: وأقام السيف خاملا فى بيته إلى أن توفّى فى صفر، ودفن بقاسيون فى تربته.

وفيها توفّى كريم الدين الخلاطىّ الأمير، كان أديبا لطيفا حسن اللّقاء ذا مروءة خدم الأشرف والمعظّم والكامل، وحجّ بالناس أميرا من الشام، وتوفّى بدمشق ودفن بقاسيون عند مغارة الجوع. وفيها توفّى الصلاح «1» الإربلىّ، كان أديبا فاضلا شاعرا، خدم مظفّر الدّين صاحب إربل، ثمّ انتقل إلى خدمة الملك المغيث بن العادل، ثمّ خدم الكامل وتقدّم فى دولته وصار نديمه؛ ثم سخط عليه، لأنّه بعثه رسولا إلى أخيه المعظّم فنقل عنه أنّ المعظّم استماله، فحبسه الكامل فى الجبّ «2» مدّة سنتين، ثم رضى عنه وأخرجه. ومن شعره من قصيدة: من يوم فراقنا على التحقيق ... هذى كبدى أحقّ بالتمزيق لو دام لنا الوصال ألفى سنة ... ما كان يفى بساعة التفريق الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى إسماعيل بن علىّ بن إسماعيل ابن ماتكين الجوهرىّ فى ذى القعدة، وله ثمانون سنة. ونجم الدين ثابت بن بادان «3» التّفليسى الصّوفىّ شيخ الأسديّة. وسراج الدين الحسين بن أبى بكر المبارك بن محمد الزّبيدىّ الحنبلىّ فى صفر، وله خمس وثمانون سنة. وزكريّا بن علىّ بن حسّان العلبىّ فى شهر ربيع الأوّل. والخادم طغريل أتابك الملك العزيز «4» ومدبّر دولته. والشيخ القدوة عبد الله بن يونس الأرمنىّ «5» . والسيف الآمدىّ علىّ بن أبى علىّ بن محمد بن سالم الثّعلبى فى صفر، وله ثمانون سنة. والمحدّث أبو رشيد محمد بن أبى بكر

ما وقع من الحوادث سنة 632

الأصبهانىّ الغزالىّ المقرئ. وأبو عبد الله محمد بن عمر بن يوسف القرطبىّ فى صفر بالمدينة. وأبو الغنائم المسلم بن أحمد المازنى النّصيبىّ فى شهر ربيع الأوّل. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع سواء. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وثلاث أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 632] السنة السابعة عشرة من ولاية الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة اثنتين وثلاثين وستمائة. فيها خرجت عساكر الروم نحو آمد وحاصروها وأقامو عليها أياما، ثم نازلوا السّويداء «1» فأخذوها. وفيها كان الوباء العظيم بمصر حيث إنّه مات فى شهر نيّف وثلاثون ألف إنسان. وفيها توفّى عبد السلام بن المطهّر بن عبد الله بن محمد بن [أبى «2» ] عصرون. كان فقيها فاضلا زاهدا إلّا أنّه كان مغزى بالنكاح، كان عنده نيّف وعشرون جارية للفراش. ومات بدمشق ودفن بقاسيون، وهو والد قطب «3» الدين وتاج «4» الدين. وفيها توفّى صواب العادلى مقدّم عسكر الملك الكامل الذي كانت الروم أسرته فى عام أوّل، وكان خادما عاقلا شجاعا، وكان العادل والكامل يعتمدان عليه، وكان حاكما على الشرق كلّه من قبل الكامل.

وفيها توفّى الشيخ شرف الدين أبو حفص «1» عمر بن أبى الحسن علىّ بن المرشد ابن علىّ المعروف بابن الفارض الحموىّ الأصل، المصرىّ [المولد و «2» ] الدار والوفاة الصالح الشاعر المشهور، أحد البلغاء الفصحاء الأدباء. مولده فى رابع ذى القعدة سنة ستّ وسبعين وخمسمائة، وتوفّى بالقاهرة فى يوم الثلاثاء الثانى من جمادى الأولى «3» ، ودفن من الغد بسفح المقطم، وقبره معروف به يقصد للزيارة. والفارض (بفتح الفاء وبعدها ألف وراء مكسورة «4» وضاد معجمة) . وهو الذي مكتب الفروض على النساء والرجال. وهو صاحب النظم الرائق والشعر الفائق الغرامىّ. وديوان شعره مشهور كثير الوجود بأيدى الناس، وشعره أشهر من أن يذكر. فمن مقطّعات شعره قوله: وحياة أشواقى إلي ... ك وحرمة «5» الصبر الجميل لا أبصرت «6» عينى سوا ... ك ولا صبوت إلى خليل ومن قصائده المشهورة- رحمه الله وعفا عنه-: سائق الأظعان يطوى البيد طىّ ... منعما عرّج على كثبان طىّ وبذات الشّيح عنّى إن مرر ... ت بحىّ من عريب الجزع حىّ وتلطّف واجر ذكرى عندهم ... علّهم أن ينظروا عطفا إلىّ قل تركت الصّبّ فيكم شبحا ... ماله ممّا براه الشّوق فىّ

خافيا عن عائد لاح كما ... لاح فى برديه بعد النّشر طىّ صار وصف الضّرّ ذاتيّا له ... عن عناء والكلام الحىّ لىّ كهلال الشّكّ لولا أنّه ... أنّ عينى عينه لم تتأىّ مثل مسلوب حياة مثلا ... صار فى حبّكم ملسوب حىّ مسبلا للنّأى طرفا جاد إن ... ضنّ نوء الطّرف إذ يسقط خىّ بين أهليه غريبا نازحا ... وعلى الأوطان لم يعطفه لىّ جامحا إن سيم صبرا عنكم ... وعليكم جانحا لم يتأىّ نشر الكاشح ما كان له ... طاوى الكشح قبيل النأى طىّ فى هواكم رمضان عمره ... ينقضى ما بين إحياء وطىّ صاديا شوقا لصدّى طيفكم ... جدّ ملتاح إلى رؤيا ورىّ حائرا فيما إليه أمره ... حائر والمرء فى المحنة عىّ فكأيّن من أسى أعيا الأسى ... نال لو يغنيه قولى وكأىّ رائيا إنكار ضرّ مسّه ... حذر التعنيف فى تعريف رىّ والذي أرويه عن ظاهر ما ... باطنى يزويه عن علمى زىّ يا أهيل الودّ أنّى تنكرو ... نى كهلا بعد عرفانى فتىّ وهوى الغادة عمرى عادة ... يجلب الشّيب إلى الشابّ الأحىّ نصبا أكسبنى الشوق كما ... تكسب الأفعال نصبا لام كئّ [ومتى أشكو جراحا بالحشى ... زيد بالشّكوى إليها الجرح كىّ] عين حسّادى عليها لى كوت ... لا تعدّاها أليم الكىّ كىّ عجبا فى الحرب أدعى باسلا ... ولها مستبسلا فى الحبّ كىّ هل سمعتم أو رأيتم أسدا ... صاده لحظ مهاة أو ظبىّ

سهم شهم القوم أشوى وشوى ... سهم ألحاظكم أحشايى شىّ وضع الآسى بصدرى كفّه ... قال مالى حيلة فى ذا الهوىّ أىّ شىء مبرد حرّا شوى ... للشّوى حشو حشاى أىّ شىّ سقمى من سقم أجفانكم ... وبمعسول الثّنايا لى دوىّ أوعدونى أوعدونى وامطلوا ... حكم دين الحبّ دين الحبّ لىّ رجع اللّاحى عليكم آيسا ... من رشادى وكذاك العشق غىّ أبعينيه عمّى عنكم كما ... صمم عن عذله فى أذنىّ أو لم ينه النّهى عن عذله ... زوايا وجه قبول النّصح زى ظلّ يهدى لى هدى فى زعمه ... ضلّ كم يهذى ولا أصغى لغىّ ولما يعذل عن لمياء طو ... ع هوى فى العذل أعصى من عصىّ لومه صبّا لدى الحجر صبا ... بكم دلّ على حجر صبىّ عاذلى عن صبوة عذريّة ... هى بى لا فتئت هىّ بن بىّ ذابت الرّوح اشتياقا فهى بع ... د نفاد الدمع أجرى عبرتىّ فهبوا عينىّ ما أجدى البكا ... عين ماء فهى إحدى منيتىّ أو حشا سال ولا أختارها ... إن تروا ذاك بها منّا علىّ بل أسيئوا فى الهوى أو أحسنوا ... كلّ شىء حسن منكم لدىّ وفيها توفّى عيسى بن سنجر بن بهرام بن جبريل بن خمارتكين «1» الشيخ الإمام الأديب البارع حسام الدين أبو يحيى- وقيل: أبو الفضل- الإربلىّ المعروف بالحاجرىّ الشاعر المشهور. كان جنديّا من أولاد الأتراك. وكان أديبا فاضلا ظريفا فصيحا، وله ديوان شعر مشهور، يغلب على شعره الرّقة والانسجام.

قال ابن خلّكان- رحمه الله-: وكان صاحبى وأنشدنى كثيرا من شعره، فمن ذلك وهو معنى جيّد فى نهاية الجودة: ما زال يحلف لى بكلّ أليّة ... ألّا يزال مدى الزمان مصاحبى لمّا جفا نزل العذار بخدّه ... فتعجّبوا لسواد وجه الكاذب قال وأنشدنى لنفسه أيضا: لك خال من فوق عر ... ش شقيق قد استوى بعث الصّدع مرسلا ... يأمر الناس بالهوى انتهى. قلت: ومن شعره أيضا: لك «1» أن تشوّقنى إلى الأوطان ... وعلىّ أن أبكى بدمعى القانى إنّ الألى «2» رحلوا غداة محجّر ... ملئوا القلوب لواعج الأحزان فلأبعثنّ مع النسيم إليهم ... شكوى تميل لها غصون البان نزلوا برامة قاطنين فلا تسل ... ما حلّ بالأغصان والغزلان وكانت وفاته فى يوم الخميس ثانى شوّال، وتقدير عمره خمسون سنة. والحاجرىّ (بفتح الحاء المهملة وبعد الألف جيم مكسورة وبعدها راء) وهذه النسبة إلى حاجر، وكانت بليدة بالحجاز. وسبب تسميته بذلك لأنّه كان يكثر من ذكر الحاجر فى شعره فسمّى بذلك.

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الحسن «1» بن صباح بن حسام المخزومىّ الكاتب فى رجب، وله إحدى وتسعون سنة، وتقي الدين علىّ بن أبى الفتح [المبارك بن «2» الحسن بن أحمد] بن ماسويه الواسطىّ فى شعبان، وله ست وسبعون سنة. والأديب شرف الدّين عمر بن علىّ بن المرشد الحموىّ بن الفارض بمصر فى جمادى الأولى. والزاهد العارف أبو حفص «3» عمر بن محمد بن عبد الله التّيمىّ السّهروردىّ فى أوّل السنة، وله ثلاث وتسعون سنة. وأبو عبد الله محمد بن عماد ابن محمد الحرّانىّ التاجر فى صفر بالإسكندرية، وله تسعون سنة. والقدوة الزاهد غانم بن علىّ [بن «4» إبراهيم بن عساكر] المقدسىّ. والقاضى العلّامة بهاء «5» الدين يوسف ابن رافع بن تميم الشافعىّ ابن شدّاد بحلب فى صفر. وسيف الدولة محمد بن غسّان الحمصى فى شعبان. وأبو الوفا محمود [بن إبراهيم «6» بن سفيان] بن مندة التاجر بأصفهان شهيدا فى خلق لا يحصون بسيف التتار فى شوّال. وأبو سعد «7» محمد بن عبد الواحد المدينى. وحسام الدين عيسى بن سنجر بن بهرام الإربلىّ المعروف بالحاجرىّ الشاعر المشهور، قتله شخص فى شوّال، وله خمسون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع سواء. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وثلاث عشرة إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 633

*** [ما وقع من الحوادث سنة 633] السنة الثامنة عشرة من ولاية الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيّوب، على مصر، وهى سنة ثلاث وثلاثين وستمائة. فيها استعاد الكامل من الروم حرّان والرّها وغيرهما، وأخرب قلعة الرّها ونزل على دنيسر فأخربها ومعه أخوه الأشرف، وبينما هم فى ذلك جاء كتاب بدر الدين لؤلؤ إلى الأشرف يقول: قد قطع التّتار دجلة فى مائة طلب كلّ طلب خمسمائة فارس، ووصلوا إلى سنجار، فخرج إليهم معين الدين بن كمال الدين بن مهاجر فقتلوه على باب سنجار، ثم رجع التتار ثم عادت. فأمّنهم الأشرف للتوجّه إلى جهة الشرق. وفى هذه السنة كان الطاعون العظيم بمصر وقراها، مات فيه خلق كثير من أهلها وغيرها حتى تجاوز الحدّ. وفيها جاءت الخوارزميّة إلى صاحب ماردين فنزل إليهم وقاتلهم، ثم نزلوا نصيبين وأحرقوها، وفعلوا فيها أعظم ما فعل الكامل بدنيسر. وفيها توفّى الحسن بن محمد القاضى القيلوىّ «1» ، وقيلويّة: قرية من قرى بغداد. كان فاضلا كاتبا، ولد بالعراق سنة أربع وستين وخمسمائة، وكان كثير الأدب مليح الخطّ عارفا بالتواريخ حسن العبارة متواضعا، وكانت وفاته فى ذى القعدة ودفن بمقابر الصوفيّة عند المنيبع. وفيها توفّى أبو المحاسن «2» محمد بن نصر [الدين بن نصر بن «3» الحسين] بن عتين الزرعى، أصله من حوران.

قال أبو المظفّر: «كان خبيث اللّسان هجّاء فاسقا متهتّكا، عمل قصيدة سمّاها: «مقراض الأعراض» خمسمائة بيت، لم يفلت أحد من أهل دمشق منها بأقبح هجو. ونفاه السلطان صلاح الدين إلى الهند، فمضى ومدح ملوكها واكتسب مالا، وعاد إلى دمشق. ومن هجوه فى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب- رحمه الله تعالى- قوله: سلطاننا أعرج وكاتبه ... ذو عمش والوزير منحدب وصاحب الأمر خلقه شرس ... وعارض الجيش داؤه عجب والدّولعىّ الخطيب معتكف ... وهو على قشر بيضة يثب ولابن باقا وعظ يغرّ به الن ... اس وعبد اللطيف محتسب ولمّا نفى كتب من الهند إلى دمشق: فعلام أبعدتم أخا ثقة ... لم يجترم ذنبا ولا سرقا انفوا المؤذّن من بلادكم ... إن كان ينفى كلّ من صدقا ولمّا عاد إلى دمشق هجا الملك العادل سيف الدين أبا بكر بن أيّوب بقوله: إن سلطاننا الذي نرتجيه ... واسع المال ضيّق الإنفاق هو سيف كما يقال ولكن ... قاطع للرّسوم والأرزاق قال: واستكتبه الملك المعظّم، وكان من أكبر سيّئات المعظّم. ومات عن إحدى وثمانين سنة» . انتهى كلام أبى المظفّر باختصار. وقال ابن خلّكان: «كان خاتمة الشعراء، لم يأت بعده مثله، ولا كان فى أواخر عصره من يقاس به، ولم يكن شعره مع جودته مقصورا على أسلوب واحد. ثم نعته بأشياء إلى أن قال: ولمّا ملك الملك العادل دمشق كتب إليه قصيدته الرائيّة

يستأذنه فى الدخول إليها، ويصف دمشق ويذكر ما قاساه فى الغربة؛ وقد أحسن فيها كلّ الإحسان واستعطفه كلّ الاستعطاف، وأوّلها: ماذا على طيف الأحبّة لو سرى ... وعليهم لو سامحونى فى الكرى ثم وصف دمشق وقال: فارفتها لا عن رضا وهجرتها ... لا عن قلّى ورحلت لا متخيّرا أسعى لرزق فى البلاد مشتّت ... ومن العجائب أن يكون مقتّرا وأصون وجه مدائحى متقنّعا ... وأكفّ ذيل مطامعى متستّرا ومنها يشكو الغربة: أشكو إليك نوى تمادى عمرها ... حتّى حسبت اليوم منها أشهرا لا عيشتى تصفو ولا رسم «1» الهوى ... يعفو ولا جفنى يصافحه الكرى أضحى عن الأحوى المريع محلّأ ... وأبيت عن ورد النّمير منفّرا ومن «2» العجائب أن يقيل بظلّكم ... كلّ الورى وأبيت وحدى بالعرا فلمّا وقف عليها العادل أذن له فى الدخول إلى دمشق، فلمّا دخلها قال: هجوت الأكابر فى جلّق «3» ... ورعت الوضيع بسبّ الرّفيع وأخرجت منها ولكنّنى ... رجعت على رغم أنف الجميع وفيها توفّى أبو الخطّاب بن دحية المغربىّ. قال أبو المظفّر: كان فى المحدّثين مثل ابن عنين فى الشعراء، يثلب علماء المسلمين ويقع فيهم، ويتزيّد فى كلامه، فترك الناس الرواية عنه وكذّبوه. وكان الكامل مقبلا عليه، فلمّا انكشف له حاله

ما وقع من الحوادث سنة 634

أعرض عنه، وأخذ منه دار الحديث وأهانه، فمات فى شهر ربيع الأوّل بالقاهرة ودفن بقرافة مصر. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الجمال أبو حمزة أحمد ابن عمر بن الشيخ أبى عمر المقدسى. وعفيف الدين علىّ بن عبد الصمد [بن محمد «1» بن مفرج] بن الرمّاح المصرىّ المقرئ النحوى. وأبو الحسن [علىّ «2» ] بن أبى بكر بن روزبة القلانسىّ الصّوفىّ فى شهر ربيع الآخر، وقد جاوز التسعين. والعلّامة أبو الخطّاب عمر [بن الحسن «3» ] بن علىّ البلنسىّ المعروف بابن دحية فى شهر ربيع الأوّل عن سبع وثمانين سنة. والفخر محمد بن إبراهيم بن مسلم الإربلىّ الصّوفى بإربل فى شوّال أو شهر رمضان. وقاضى القضاة عماد الدين أبو صالح نصر بن عبد الرزاق ابن الشيخ عبد القادر الجيلىّ الحنبلىّ فى شوّال. امر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وسبع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وإصبعان. *** [ما وقع من الحوادث سنة 634] السنة التاسعة عشرة من ولاية الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر ابن أيّوب على مصر، وهى سنة أربع وثلاثين وستمائة. فيها نزلت التّتار على إربل وحاصرتها مدّة حتّى أخذوها عنوة، وقتلوا كلّ من فيها وسبوا وفضحوا البنات، وصارت الابار والدّور قبورا للناس. وكان أيدكين «4»

مملوك الخليفة بالقلعة فقاتلهم، فنقبوا القلعة وجعلوا لها سردابا وطرقا، وقلّت عندهم المياه حتّى مات بعضهم عطشا، فلم يبق سوى أخذها؛ فرحلوا عنها فى ذى الحجّة، وقد عجزوا عن حمل ما أخذوا من الأموال والغنائم. وفيها استخدم الملك الصالح نجم الدين أيّوب ابن الملك الكامل- صاحب الترجمة- الخوارزميّة أصحاب جلال الدين، فانضمّوا عليه وانفصلوا من الروم؛ وسرّ والده الملك الكامل بذلك. وفيها بدت الوحشة بين الأخوين، وسببها أنّ الأشرف طلب من الكامل الرّقّة وقال: الشرق كلّه صار له، وأنا أركب كلّ يوم فى خدمته، فتكون الرّقّة برسم عليق دوابّى، فأبى الكامل وأغلظ فى الجواب، فوقعت الوحشه بينهم بسبب ذلك. وفيها توفى الناصح عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهّاب الحنبلىّ، ولد بدمشق ونشأ بها، وتفقّه ووعظ وصنّف ودرّس بمدرسة ربيعة خاتون. ومات فى غرّة المحرّم. وفيها توفّى السلطان الملك العزيز محمد ابن السلطان الملك الظاهر غازى ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب. كان صاحب حلب، وليها بعد وفاة أبيه الظاهر. ومولده فى ذى الحجّة سنة تسع أو عشر وستمائة. وتوفّى والده وهو طفل، فنشأ تحت حجر شهاب الدين الخادم، فرتّب شهاب الدين أموره أحسنى ترتيب إلى سنة تسع وعشرين وستمائة. استقلّ الملك العزيز هذا بالأمر إلى أن توفّى بحلب فى شهر ربيع الأوّل. وكان حسن الصورة كريما عفيفا، ولم يبلغ أربعا وعشرين سنة. ودفن بقلعة حلب، وإليه تنسب المماليك العزيزية الآتى ذكرهم فى عدّة أماكن. وفيها توفّى كيقباذ السلطان علاء الدين صاحب الروم. كان عاقلا شجاعا مقداما جوادا، وهو الذي كسر الخوارزمىّ وكسر الكامل واستولى على بلاد الشرق.

وكان الملك العادل زوّجه ابنته فأولدها أولادا؛ وكان عادلا منصفا مهيبا، ما وقف له مظلوم إلّا وكشف ظلامته، وكانت وفاته فى شوّال. قلت: وبنو قرمان «1» ملوك الروم فى زماننا هذا يزعمون أنّهم من نسل السلطان علاء الدين هذا- والله أعلم-. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الملك المحسن أحمد ابن السلطان صلاح الدين فى المحرّم، وله سبع وخمسون سنة. والخطيب أبو طاهر الخليل أحمد الجوسقىّ فى شهر ربيع الأوّل. وأبو منصور سعيد بن محمد بن يس السفّار، وقد حجّ تسعا وأربعين حجّة، فى صفر. والحافظ أبو الربيع سليمان بن موسى بن سالم الكلاعىّ «2» البلنسىّ فى ذى الحجّة، وله سبعون سنة. والإمام ناصح الدين عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب الحنبلىّ فى المحرّم، وقد نيّف على الثمانين. ومفتى حرّان ناصر «3» الدّين عبد القادر بن عبد القاهر بن أبى الفهم الحنبلىّ فى شهر ربيع الأوّل عن اثنتين وسبعين سنة. وعلىّ بن محمد بن جعفر بن كب «4» المؤدّب. وكمال الدين علىّ بن أبى الفتح بن الكبارى الطبيب بحلب فى المحرّم. وسلطان الروم علاء الدين كيقباذ بن كيخسرو بن قلج أرسلان السّلجوقىّ فى شوّال. والحافظ أبو الحسن محمد بن أحمد بن عمر القطيعىّ «5» فى شهر ربيع الآخر عن تسع وثمانين سنة. والملك العزيز

ما وقع من الحوادث سنة 635

محمد ابن الملك الظاهر غازى بن [صلاح الدين] يوسف صاحب حلب بها فى شهر ربيع الأوّل. ومحتسب دمشق الفخر محمود بن عبد اللطيف. وأبو الحسن مرتضى ابن أبى الجود حاتم بن المسلم الحارثىّ المصرىّ فى شوّال. وأبو بكر هبة «1» الله بن عمر ابن الحسن القطّان، وكان آخر من روى عن أمّه كمال بنت عبد الله بن السّمرقندىّ، وعن هبة الله الشّبلىّ، عاش نيفا وثمانين سنة. وياسمين بنت سالم [بن «2» علىّ] بن البيطار يوم عاشوراء. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع سواء. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وثلاث وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 635] السنة العشرون من ولاية الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة خمس وثلاثين وستمائة، وهى السنة التى مات الكامل المذكور فى رجبها، وحكم ابنه العادل فى باقيها حسب ما تقدّم [فى] وفاة الكامل فى ترجمة. وفيها أيضا توفّى الملك الأشرف موسى، ثم بعده أخوه الملك الكامل. وملك دمشق بعد موت الأشرف الملك الجواد بن الأشرف. على ما سيأتى ذكره [فى] وفاة الأشرف فى هذه السنة. وفيها اختلفت الخوارزميّة على الملك الصالح أيّوب بن الكامل، وأرادوا القبض عليه فهرب إلى سنجار، وترك خزائنه وأثقاله، فنهبوا الجميع. ولمّا قدم الصالح سنجار سار إليه بدر الدين لؤلؤ فى ذى القعدة وحصره بها، فأرسل إليه الصالح يسأله الصلح؛ فقال: لا بدّ من حمله فى قفص إلى بغداد، وكان لؤلؤ [و] المشارقة

يكرهونه وينسبونه إلى التكبّر والظلم؛ فاحتاج الصالح أن يبعث إلى الخوارزميّة، وهم على حرّان يستنجدهم، فساقوا جريدة من حرّان، وكبسوا لؤلؤا، فنجا وحده، ونهبوا أمواله وخرائنه وجميع ما كان فى عسكره. وفيها توفّى الملك الأشرف أبو الفتح مظفر الدين موسى شاه أرمن ابن السلطان الملك العادل أبى بكر ابن الأمير نجم الدين أيّوب، أخو الملك الكامل محمد صاحب الترجمة. وأوّل شىء ملكه الأشرف هذا من القلاع والبلاد الرّها فى أيّام أبيه، وآخر شىء دمشق. ومات بها بعد أن ملك قلاع ديار بكر سنين. وقد تقدّم من ذكره نبذة كبيرة فى حوادث دولة أخيه الكامل، وفى غزوة دمياط وغير ذلك. ومولده سنة ثمان «1» وسبعين وخمسمائة بقصر «2» الزّمرّد بالقاهرة قبل أخيه المعظّم عيسى بليلة واحدة، وكان مولدهما بموضع واحد- وقيل: كان بقلعة الكرك- والأول أشهر. وكان الملك الأشرف ملكا كريما حليما واسع الصدر كريم الأخلاق كثير العطايا، لا يوجد فى خزائنه شىء من المال مع اتّساع مملكته؛ ولا تزال عليه الديون؛ ونظر يوما فى دواة كاتبه وشاعره كمال «3» الدين علىّ بن النّبيه المصرىّ فرأى بها قلما واحدا فأنكر عليه، فأنشد الكمال بديها دو بيت:

قال الملك الأشرف قولا رشدا ... أقلامك يا كمال قلّت عددا جاوبت لعظم كتب ما تطلقه ... تحفى فتقطّ فهى تفنى أبدا ولكمال الدين ابن النبيه المذكور فيه غرر المدائح معروفة بمخالص قصائده فى ديوانه، وتسمّى الأشرفيّات. وكانت وفاة الأشرف فى يوم الخميس رابع المحرّم بدمشق، ودفن بقلعتها؛ ثم نقل بعد مدّة إلى التربة التى أنشئت له بالكلّاسة فى الجانب الشمالى من جامع دمشق. وفيها توفّى يحيى بن هبة الله بن الحسن القاضى شمس الدين أبو البركات بن سناء الدولة، كان إماما فقيها فاضلا حافظا للقوانين الشرعيّة، ولى القضاء بالبيت المقدّس ثمّ بدمشق، وكان الملك الأشرف موسى يحبّه ويثنى عليه. ومات فى ذى القعدة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الأنجب بن أبى السعادات الحمّامى فى شهر ربيع الآخر، وله نيّف وثمانون سنة. وأبو محمد «1» الحسين بن علىّ بن الحسين بن رئيس الرؤساء فى رجب. وقاضى حلب زين الدّين أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدىّ ابن الأستاذ. وأبو المنجّا عبد الله بن عمر بن علىّ بن اللّتّى القزّاز فى جمادى الأولى، وله تسعون سنة. وأبو طالب علىّ «2» بن عبد الله بن مظفّر ابن الوزير علىّ بن طرّاد الزّينبىّ فى رمضان. والرّضى عبد الرحمن بن محمد بن عبد الجبّار المقدسىّ المقرئ. وشيخ الشيوخ صدر الدين عبد الرزّاق بن عبد الوهّاب [بن «3» علىّ بن علىّ] بن سكينة فى جمادى الأولى. والسلطان

الملك الكامل ناصر الدين محمد بن العادل فى رجب بدمشق، وله ستون سنة. وأبو بكر محمد بن مسعود بن بهروز الطبيب فى شهر رمضان، وقد نيّف على التسعين، وهو آخر من حدّث ببغداد عن أبى الوقت. وشرف الدين محمد بن نصر المقدسىّ ابن أخى الشيخ أبى البيان «1» فى رجب. والقاضى شمس الدين أبو نصر محمد «2» بن هبة الله بن محمد ابن الشّيرازىّ فى جمادى الآخرة، وله ستّ وثمانون سنة. وخطيب دمشق جمال الدين محمد بن أبى الفضل الدّولعىّ فى جمادى الأولى، ودفن بمدرسته بجيرون «3» ، وله ثمانون سنة. ونجم الدين مكرّم بن محمد بن حمزة بن أبى الصّقر القرشىّ السفّار فى رجب، وله سبع وثمانون سنة. والسلطان الملك الأشرف مظفّر الدين موسى بن العادل فى المحرّم، وله تسع وخمسون سنة. وقاضى القضاة شمس الدين يحيى بن هبة الله بن سناء الدولة فى ذى القعدة، وله ثلاث وثمانون سنة، وهو من تلامذة القطب النّيسابورىّ. والشهاب «4» يوسف بن إسماعيل الحلبىّ بن الشّوّاء الشاعر المشهور. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع ونصف إصبع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا سواء.

ذكر سلطنة الملك العادل الصغير على مصر

ذكر سلطنة الملك العادل الصغير على مصر هو السلطان الملك العادل أبو بكر ابن السلطان الملك الكامل محمد ابن السلطان الملك العادل أبى بكر ابن الأمير نجم الدين أيّوب الأيوبىّ المصرىّ. وسبب تسلطنه وتقدّمه على أخيه الأكبر نجم الدين أيّوب أنّه لمّا مات أبوه الملك الكامل محمد بقلعة دمشق فى رجب- حسب ما ذكرناه فى أواخر ترجمته- كان ابنه الملك الصالح نجم الدين أيوب- وهو الأكبر- نائب أبيه الملك الكامل على الشرق وإقليم ديار بكر، وكان ابنه الملك العادل أبو بكر هذا- وهو الأصغر- نائب أبيه بديار مصر؛ فلمّا مات الكامل قعد الأمراء يشتورون فيمن يولّون من أولاده فوقع الاتفاق بعد اختلاف كبير- نذكره من قول صاحب المرآة- على إقامة العادل هذا فى سلطنة مصر والشام، وأن يكون نائبه بدمشق ابن عمّه الملك الجواد يونس، وأن يكون أخوه الملك الصالح نجم الدين أيّوب على ممالك الشرق على حاله، فتم ذلك وتسلطن الملك العادل هذا فى أواخر سنة خمس وثلاثين وستمائة، وتمّ أمره ونعت بالعادل سيف الدين على لقب جدّه. ومولد العادل هذا بالمنصورة، ووالده الملك الكامل على قتال الفرنج بدمياط فى ذى الحجّة سنة سبع عشرة وستمائة. وقال العلّامة شمس الدين يوسف بن قزأوغلى فى مرآة الزمان: «ذكر ما جرى بعد وفاة الملك الكامل، اجتمع الأمراء وفيهم سيف الدين [علىّ «1» ] بن قليج، وعزّ الدّين أيبك، والركن الهيجاوى، وعماد الدين وفخر الدين ابنا الشيخ، وتشاوروا وانفصلوا على غير شىء؛ وكان الناصر داود (يعنى ابن الملك المعظّم عيسى) بدار «2» أسامة، [فجاءه «3» ] الهيجاوىّ؛ وأرسل إليه عزّ الدين أيبك يقول: أخرج

المال وفرّقه فى مماليك أبيك المعظّم والعوامّ معك، وتملّك البلد ويبقوا فى القلعة محصورين فما اتّفق ذلك؛ وأصبحوا يوم الجمعة فى القلعة فحضر من سمّينا [بالأمس «1» ] ، وذكروا الناصر والجواد- قلت: والناصر داود هو ابن المعظم عيسى، والجواد مظفّر الدين يونس هو ابن شمس الدين مودود بن العادل (أعنى هما أولاد عمّ) . انتهى- قال: وكان أضرّ ما على الناصر عماد الدين ابن الشيخ، لأنّه كان يجرى فى مجالس الكامل مباحثات فيخطئه فيها ويستجهله فبقى فى قلبه، وكان أخوه فخر الدين يميل إلى الناصر؛ فأشار عماد الدين بالجواد، ووافقوا أمره، وأرسلوا الهيجاوىّ فى يوم الجمعة إلى الناصر، وهو فى دار أسامة، فدخل عليه وقال له: إيش قعودك فى بلد القوم؟ قم فاخرج، فقام وركب [وجميع من فى دمشق «2» من دار أسامة إلى القلعة] وما شكّ أحد أنّ الناصر لمّا ركب من دار أسامة إلّا أنّه طالع إلى القلعة، فلمّا تعدّى مدرسة العماد الكاتب وخرج من باب الدّرب عرج إلى باب الفرج، فصاحت العامّة لا لا [لا «3» ] ؛ وانقلبت دمشق وخرج الناصر من باب الفرج إلى القابون «4» ، فوقع بهاء الدين بن ملكيشوا «5» وغلمانه فى الناس بالدبابيس، فأنكوا فيهم فهربوا. وأمّا الجواد فإنّه فتح الخزائن وأخرج المال وفرّق ستة آلاف ألف دينار، وخلع خمسة آلاف خلعة، وأبطل المكوس والخمور، ونفى الخواطىء. وأقام الناصر بالقابون أيّاما، فعزموا على قبضه، فرحل وبات بقصر «6» أمّ حكيم، وخرج خلفه أيبك الأشرفىّ ليمسكه، وعرف عماد الدّين بن موسك فبعث إليه فى السرّ، فسار فى الليل إلى عجلون» ، ووصل أيبك إلى قصر أمّ حكيم، وعاد إلى دمشق.

وسار الناصر إلى غزّة، فاستولى على الساحل؛ فخرج إليه الجواد فى عسكر مصر والشام، وقال للأشرفيّة: كاتبوه وأطمعوه فكاتبوه وأطمعوه فاغترّ بهم، وساق من غزّة فى سبعمائة فارس إلى نابلس بأثقاله وخزائنه وأمواله، وكانت على سبعمائة جمل، وترك العساكر منقطعة خلفه، وضرب دهليزه على سبسطية «1» ، والجواد على جيتين «2» فساقوا عليه وأحاطوا به، فساق فى نفر قليل إلى نابلس، وأخذوا الجمال بأحمالها والخزائن والجواهر والجنائب واستغنوا غنى الأبد، وافتقر هو فقرا ما افتقره أحد؛ ووقع عماد الدين بسفط صغير فيه اثنتا عشرة قطعة من الجوهر وفصوص ليس لها قيمة؛ فدخل على الجواد فطلبه منه فأعطاه إيّاه. وسار الناصر لا يلوى على شىء إلى الكرك. ثم وقع له أمور نذكر بعضها فى حوادث العادل والصالح وغيرهما» . انتهى. ولمّا تمّ أمر العادل وتسلطن بمصر واستقرّ الجواد بدمشق على أنّه نائب العادل، وبلغ هذا الخبر الملك الصالح نجم الدين أيّوب عظم عليه ذلك، كونه كان هو الأكبر، فقصد الشام بعد أمور وقعت له مع الخوارزميّة ومع لؤلؤ صاحب الموصل؛ ثم سار الملك الصالح بعساكر الشرق حتّى وافى دمشق ودخلها فى جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين وستمائة، فخرج إليه الملك الجواد والتقاه؛ واتّفق معه على مقايضة دمشق بسنجار وعانة «3» ، وسببه [ضيق «4» ] عطن الجواد، [وعجزه عن «5» القيام بمملكة الشام] فإنّه كان يظهر أنّه نائب العادل بدمشق فى مدّة إقامته، ثم خاف الجواد أيضا من العادل، وظنّ أنّه يأخذ دمشق منه، فخرج الجواد إلى البرّيّة وكاتب الملك الصالح

المذكور حتّى حضر، فلمّا حضر استانس به وقايضه ودخلا دمشق، ومشى الجواد بين يدى الصالح وحمل الغاشية من تحت «1» القلعة، ثمّ حملها بعده الملك المظفّر صاحب حماة من باب «2» الحديد، ونزل الملك الصالح أيّوب بقلعة دمشق، والجواد فى دار فرخشاه؛ ثم ندم الجواد على مقايضة دمشق بسنجار، واستدعى المقدّمين والجند واستحلفهم، وجمع الصالح أصحابه عنده فى القلعة، وأراد الصالح أن يرحق دار فرخشاه، فدخل ابن «3» جرير فى الوسط وأصلح الحال. ثم خرج الجواد إلى النّيرب «4» ، واجتمع الخلق عند باب النصر «5» يدعون عليه ويسبّونه فى وجهه، وكان قد أساء السّيرة فى أهل دمشق. ثم خرج الصالح من دمشق وتوجّه إلى خربة «6» اللّصوص على عزم الديار المصريّة، فكاتب عمّه صاحب بعلبكّ الملك الصالح إسماعيل بن العادل، وسار الملك الصالح نجم الدين إلى نابلس فاستولى عليها وعلى بلاد الناصر داود؛ فتوجّه الناصر داود إلى مصر داخلا فى طاعة الملك العادل، فأكرمه العادل وأقام الصالح بنابلس ينتظر مجىء عمّه الصالح إسماعيل، فلم يلتفت الملك الصالح إسماعيل إلى ابن أخيه الصالح نجم الدين أيّوب هذا؛ وتوجّه نحو دمشق وهجم عليها ومعه أسد الدين شيركوه صاحب حمص فدخلوها يوم الثلاثاء سابع عشرين صفر من سنة سبع وثلاثين؛ كلّ ذلك والصالح نجم الدين مقيم بنابلس؛ واتّفق الملك الصالح إسماعيل صاحب بعلبكّ، وأسد الدين شيركوه صاحب حمص على أن تكون البلاد بينهما مناصفة. ونزل الصالح إسماعيل فى دمشق بداره بدرب الشعّارين، ونزل صاحب جمص بداره

أيضا، وأصبحوا يوم الأربعاء فزحفوا على القلعة ونقبوها من ناحية باب الفرج، وهتكوا حرمتها ودخلوها، وبها الملك المغيث عمر بن الملك الصالح أيّوب، فآعتقله الصالح إسماعيل فى برج، واستولى على جميع ما فى القلعة. وبلغ الملك الصالح نجم الدين أيّوب ما جرى، وقيل له فى العود إلى دمشق، فخلع الصالح أيّوب على عمّيه مجير «1» الدين وتقىّ «2» الدين وعلى غيرهم، وأعطاهم الأموال وقال لهم: ما الرأى؟ قالوا: نسوق إلى دمشق قبل أن تؤخذ القلعة. فخرجوا من نابلس فنزلوا القصير «3» فبلغهم أخذ القلعة، فنفر بنو أيّوب بأسرهم وخافوا على أولادهم وأهليهم بدمشق، وكان الفساد قد لعب فيهم، فتركوا الصالح أيّوب وتوجّهوا إلى دمشق؛ وبقى الصالح فى مماليكه وغلمانه لا غير، ومعه جاريته شجرة الدّرّ أمّ خليل؛ فرحل من القصير يريد نابلس فطمع فيه أهل الغور «4» والقبائل، وكان مقدّمهم شيخا جاهلا يقال له مسبل «5» من أهل بيسان قد سفك الدماء، فتقاتل عسكر الصالح معه حتّى كسروه؛ ثم اتّفق بعد ذلك مجىء الملك الناصر داود من مصر بغير رضا من الملك العادل صاحب مصر ووصل إلى الكرك؛ وكتب الوزيرىّ «6» إلى الناصر يخبره الخبر، فلمّا بلغ الناصر ذلك أرسل عماد الدين بن موسك والظّهير بن سنقر الحلبىّ فى ثلثمائة فارس إلى نابلس. فركب الصالح أيّوب والتقاهم فخدموه وسلّموا عليه بالسلطنة، وقالوا له: طيّب قلبك، إلى بيتك جئت، فقال الصالح: لا ينظر ابن عمّى فيما فعلت، فلا زال الملوك على هذا؛ وقد جئت إليه أستجير به، فقالوا: قد أجارك وما عليك بأس؛

وأقاموا عنده أيّاما حول الدار. فلمّا كان فى بعض الليالى ضربوا بوق النّفير وقالوا: جاءت الفرنج، فركب الناس ومماليك الصالح ووصلوا إلى سبسطية، وجاء عماد الدين والظهير بالعسكر إلى الدار، وقالوا للصالح: تطلع إلى الكرك، فإنّ ابن عمّك له بك اجتماع، وأخذ سيفه. وكانت شجرة الدّرّ حاملا فسقطت، وأخذوه وتوجّهوا به إلى الكرك. واستفحل أمر أخيه الملك العادل صاحب مصر بالقبض على الصالح هذا، وأخذ وأعطى وأمر ونهى، فتغيّر عليه بعض أمراء مصر، ولكن ما أمكنهم يومئذ إلّا السّكات. وأمّا الصالح، قال أبو المظفّر: ولمّا اجتمعت به (يعنى الصالح) فى سنة تسع وثلاثين وستمائة بالقاهرة حكى لى صورة الحال قال: أركبونى بغلة بغير مهماز ولا مقرعة، وساروا إلى الموتة «1» فى ثلاثة أيام، والله ما كلّمت أحدا منهم كلمة، ولا أكلت لهم طعاما حتى جاءنى خطيب الموتة ومعه بردة عليها دجاجة، فأكلت منها وأقاموا بى فى الموتة يومين وما أعلم إيش كان المقصود، فإذا بهم يريدون [أن] يأخذوا طالعا نحسا «2» يقتضى ألّا أخرج من حبس الكرك، ثم أدخلونى إلى الكرك ليلا على الطالع الذي كان سبب سعادتى ونحوسهم. قلت: وأنا ممّن ينكر على أرباب التقاويم أفعالهم وأقوالهم لأنّى من عمرى أصحب أعيانهم فلم أر لما يقولونه صحّة، بل الكذب الصريح المحض، ويعجبنى قول الإمام الرّبانىّ عبد المؤمن بن هبة الله الجرجانى فى كتابه «أطباق الذهب» الذي يشتمل على مائة مقالة [واثنتين] ، والذي أعجبنى من ذلك هى المقالة الثالثة والعشرون،

وهى ممّا نحن فيه من علم الفلك والنجوم، قال: «أهل التسبيح والتقديس، لا يؤمنون بالتربيع والتسديس؛ والإنسان بعد علوّ النفس، يجلّ عن ملاحظة السعد والنحس؛ وإنّ فى الدين القويم، استغناء عن الزيج والتقويم؛ والإيمان بالكهانة، باب من أبواب المهانة؛ فأعرض عن الفلاسفة، وغضّ بصرك عن تلك الوجوه الكاسفة، فأكثرهم عبدة الطبع، وحرسة الكواكب السبع؛ ما للمنجم الغبىّ، والعلم الغيبىّ، [وما للكاهن «1» الأجنبىّ] ، وسرّ حجب عن النّبيّ؛ وهل ينخدع بالفال، إلّا قلوب الأطفال؛ وإنّ امرأ جهل حال قومه، وما الذي يجرى عليه فى يومه؛ كيف يعرف علم الغد وبعده، ونحس الفلك وسعده! وإنّ قوما يأكلون من قرصة الشمس لمهزولون، وإنهم عن السمع لمعزولون؛ ما السماوات إلّا مجاهل خالية، والكواكب صواها «2» ، والنجوم إلّا هياكل عالية، ومن الله قواها؛ سبعة سيّرة نيّرة، خمسة منها متحيّرة، شرّارة وخيّرة طباعها متغايرة؛ كلّ يسرى لأمر معمّى، وكلّ يجرى لأجل مسمّى!» انتهت المقالة بتمامها وكمالها. وقد خرجنا بذكرها عن المقصود، ولنرجع إلى ما نحن فيه من ترجمة العادل وأخبار أخيه الصالح. قال: ووكّلوا بى مملوكا لهم، [فظّا غليظا «3» ] يقال له: زريق، وكان أضرّ علىّ من كلّ ما جرى، فأقمت عندهم إلى شهر رمضان سبعة أشهر، ولقد كان عندى خادم صغير فاتّفق أن أكل ليلة كثيرا فاتّخم وبال على البساط، فأخذت البساط بيدى والخادم، وقمت من الإيوان إلى قرب الدّهليز، وفى الدهليز ثمانون رجلا يحفظوننى، وقلت: يا مقدّمون، هذا الخادم قد أتلف هذا البساط، فاذهبوا به إلى الوادى

واغسلوه فنفر فىّ زريق، وقال: إيش جاء بك إلى هاهنا! وصاحوا علىّ فعدت إلى موضعى. انتهى. قلت: وأمّا مماليكه وخزائنه فإنّ الوزيرىّ توجّه بهم إلى قلعة الصّلت «1» . وأقام مماليكه بنابلس، واستمرّ الحال على ذلك إلى أن بلغ الملك العادل صاحب الترجمة ما جرى على أخيه الصالح، فأظهر الفرح ودقّت الكوسات وزيّنت القاهرة؛ ثم أرسل الملك العادل المذكور العلاء بن النّابلسىّ إلى الملك الناصر داود صاحب الكرك، يطلب الملك الصالح نجم الدين المذكور منه، ويعطيه مائة ألف دينار فما أجاب «2» . ثم كاتبه الملك الصالح صاحب بعلبك، وصاحب حمص أسد الدين شيركوه فى إرساله إلى الملك العادل إلى مصر؛ كلّ ذلك والعادل فى قلق من جهة الصالح، فلم يلتفت الملك الناصر داود لكلامهم؛ وأقام الصالح مدّة فى الحبس حتّى أشار عماد الدين وابن قليج والظّهير على الملك الناصر بالاتّفاق مع الصالح نجم الدين أيّوب وإخراجه، فأخرجه الناصر وتحالفا واتّفقا، وذلك فى آخر شهر رمضان، وكان تحليف الناصر داود للصالح أيّوب على شىء ما يقوم به أحد من الملوك، وهو أنّه يأخذ له دمشق وحمص وحماة وحلب والجزيرة والموصل وديار بكر ونصف ديار مصر ونصف ما فى الخزائن من المال والجواهر والخيل والثياب وغيرها، فحلف الصالح على هذا كلّه وهو تحت القهر واليف. ولمّا علم الملك العادل صاحب الترجمة بخلاص أخيه الصالح اتّفق مع عمّه الملك الصالح إسماعيل صاحب بعلبكّ الذي ملك دمشق؛ فسار الملك العادل من مصر والملك الصالح من

دمشق ومعه أسد الدين صاحب حمص، ثم عزموا على قصد الناصر والصالح؛ فأوّل من برز لهم الملك العادل صاحب الترجمة بعساكر مصر، وخرج وسار حتى وصل إلى بلبيس؛ وكان قد أساء السّيرة فى أمرائه وحواشيه، فوقع الخلف بينهم وتزايد الأمر حتى قبضوا عليه، وأرسلوا إلى الصالح نجم الدين أيّوب يعرّفونه ويسألونه الإسراع فى المجىء إلى الديار المصريّة. فسار ومعه الملك الناصر داود صاحب الكرك وجماعة من أمرائه ابن موسك وغيره، فكان وصول الصالح إلى بلبيس فى يوم الأحد رابع عشرين ذى القعدة، فنزل فى خيمة العادل، والعادل معتقل فى خركاه. قال أبو المظفّر: حكى لى الصالح واقعات جرت له فى مسيره إلى مصر [منها «1» ] أنّه قال: ما قصدت بمجيء الناصر معى إلّا خوفا أن تكون معمولة علىّ، ومنذ فارقنا غزّة تغيّر علىّ، ولا شكّ أنّ بعض أعدائى أطمعه فى الملك، فذكر لى جماعة من مماليكى أنّه تحدّث معهم فى قتلى. قال: ومنها أنّه لما أخرجنى (يعنى الناصر) ندم وعزم على حبسى، فرميت روحى على ابن قليج، فقال «2» : ما كان قصده إلّا أن يتوجّه إلى دمشق أوّلا فإذا أخذنا دمشق عدنا إلى مصر. قال: ومنها أنّه ليلة وصل إلى بلبيس شرب وشطح إلى العادل، فخرج له من الخركاه فقبّل الأرض بين يديه، فقال له: كيف رأيت ما أشرت عليك ولم تقبل منى! فقال: يا خوند، التوبة، فقال: طيّب قلبك، الساعة أطلقك، وجاء فدخل علينا الخيمة ووقف، فقلت: باسم الله اجلس، فقال: ما أجلس حتى تطلق العادل، فقلت: اقعد، وهو يكرّر الحديث؛ ثم سكت ونام فما صدّقت بنومه وقمت فى باقى اللّيل، فأخذت العادل فى محفة ورحلت به إلى القاهرة. ولمّا دخلنا القاهرة

بعثت إليه بعشرين ألف دينار، فعادت إلىّ مع غلمانى، وغضب وأرد نصف ما فى خزائن مصر. قلت: واستولى الصالح على ملك مصر وقبض على أخيه العادل صاحب الترجمة فى يوم الاثنين خامس عشرين ذى الحجّة وحبسه عنده بالقلعة سنين. قال سعد الدين مسعود بن حمّويه: وفى خامس شوّال سنة ستّ وأربعين وستمائة جهّز الصالح أخاه أبا بكر العادل ونفاه إلى الشّوبك، وبعث إليه الخادم محسنا يكلّمه فى السفر، فدخل عليه الحبس «1» وقال له: السلطان يقول لك: لا بدّ من رواحك إلى الشّوبك، فقال: إن أردتم أن تقتلونى فى الشوبك فهاهنا أولى ولا أروح أبدا، فعذله محسن، فرماه بدواة كانت عنده، فخرج وعرّف الصالح أيّوب بقوله، فقال: دبّر أمره، فأخذ المحسن ثلاث مماليك ودخلوا عليه ليلة الاثنين ثانى عشر شوّال فخنقوه بشاش وعلّقوه به، وأظهروا أنه شنق نفسه وأخرجوا جنازته مثل بعض الغرباء، ولم يتجاسر أحد أن يترحّم عليه أو يبكى حول نعشه، وعاش بعده الملك الصالح عشرة أشهر رأى فى نفسه العبر من مرض تمادى به وما نفعه الاحتراز كما سيأتى ذكره فى ترجمته. إن شاء الله تعالى. وزاد ابن خلّكان «2» فى وفاته بأن قال: ودفن فى تربة شمس الدولة خارج باب النصر- رحمه الله تعالى-. وكان للعادل المذكور ولد صغير يقال له الملك المغيث مقيم بالقلعة فلا زال بها إلى أن وصل ابن عمّه الملك المعظم توران شاه بعد موت أبيه الصالح نجم الدين إلى المنصورة، وسيّر المغيث المذكور من هناك ونقله إلى الشّوبك؛ فلمّا جرت الكائنة على المعظّم ملك المغيث الكرك وتلك النواحى. قلت: وكانت ولاية الملك العادل

ما وقع من الحوادث سنة 636

على مصر سنة واحدة ونحو شهرين وأيّاما مع ما وقع له فيها من الفتن والأنكاد، ولم يعرف حاله فيها لصغر سنه وقصر مدّته- رحمه الله تعالى- والعادل هذا يعرف بالعادل الصغير، والعادل الكبير هو جدّه. *** [ما وقع من الحوادث سنة 636] السنة الأولى من ولاية الملك العادل الصغير أبى بكر ابن الملك الكامل محمد على مصر، وهى سنة ست وثلاثين وستمائة. على أنّه ولى السلطنة فى شهر رجب منها. فيها توفّى محمود بن أحمد الشيخ الإمام العلّامة جمال الدين الحصيرىّ الحنفىّ، أصله من بخارى من قرية يقال لها حصير «1» ، وتفقّه فى بلده وسمع الحديث وبرع فى علوم كثيرة، وقدم الشام ودرّس بالنوريّة؛ وانتهت إليه رياسة الحنفيّة فى زمانه، وصنّف الكتب الحسان، وشرح «الجامع «2» الكبير» ، وقرأ عليه الملك المعظّم عيسى الجامع الكبير وغيره. وكان كثير الصدقات غزير الدّمعة، عاقلا ديّنا نزها عفيفا وقورا، وكان المعظّم يحترمه ويجلّه. وكانت وفاته فى يوم الأحد ثامن صفر، ودفن بمقابر الصوفيّة عند المنيبع، ومات وله تسعون سنة. وفيها توفّى عماد الدين عمر ابن شيخ الشيوخ محمد المنعوت بالصاحب، وهو الذي كان السبب فى عطاء دمشق الجواد، فلمّا مضى إلى مصر لامه العادل على ذلك وتهدّده، فقال: أنا أمضى إلى دمشق، وأنزل بالقلعة وأبعث بالجواد إليك، وإن امتنع قمنا عليه؛ فسار إلى دمشق فوصلها قبل مجىء الملك الصالح نجم الدين أيّوب، ونزل بقلعة دمشق وأمر ونهى، وقال: أنا نائب العادل، وأمر الجواد بالمسير

إلى مصر. وكان أسد الدين صاحب حمص بدمشق، فاتّفق مع الجواد على قتل عماد الدين، فآستدعى صاحب حمص بعض نصارى قارة «1» وأمره بقتله، فركب ابن الشيخ يوما من القلعة بعد العصر فوثب عليه النّصرانىّ وضربه بالسكاكين حتّى قتله؛ وذلك فى جمادى الأولى. ودخل الصالح أيّوب دمشق فحبس النّصرانىّ أياما ثم أطلقه، ومات عماد الدين وله ستّ وخمسون سنة. وفيها توفّى الحافظ زكىّ الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف البرزالىّ «2» الإشبيلىّ بحماة فى رابع عشرين «3» شهر رمضان ودفن بها، وكان إماما فقيها محدّثا فاضلا ديّنا- رحمه الله- الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو العباس أحمد بن علىّ القسطلانيّ «4» المالكىّ بمكّة. وصاحب ماردين ناصر الدين أرتق الأرتقىّ. وأبو المعالى أسعد بن المسلم بن مكّىّ بن علّان القيسىّ فى رجب، وله ست وتسعون سنة. والمحدّث بدل «5» بن أبى المعمّر التّبريزىّ فى جمادى الأولى. وأبو الفضل جعفر بن علىّ بن هبة الله الهمذانىّ المالكىّ المقرئ فى صفر، وله تسعون سنة. والعلّامة جمال الدين أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد المجيد بن إسماعيل [بن عثمان «6» ابن يوسف بن حسين] بن حفص الصّفراوىّ «7» المالكىّ مفتى الإسكندرية ومقرئها فى شهر ربيع الآخر، وله اثنتان وتسعون سنة. والشيخ عثمان القصير الزاهد. وشيخ

ما وقع من الحوادث سنة 637

نصيبين عسكر بن عبد الرحيم بن عسكر بن نيّف وسبعين سنة. والصاحب عماد الدين عمر ابن شيخ الشيوخ صدر الدين محمد بن عمر الجوينىّ قتيلا بقلعة دمشق. وأبو الفضل محمد بن محمد بن الحسن «1» بن السّبّاك فى شهر ربيع الآخر. والحافظ زكىّ الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن البرزالىّ الإشبيلىّ بحماة فى رمضان، وله ستون سنة. والعلّامة جمال الدين محمود بن أحمد بن عبد السيد البخارىّ الحصيرىّ شيخ الحنفية بدمشق فى صفر، وله تسعون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وإحدى عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 637] السنة الثانية من ولاية الملك العادل الصغير ابن الملك الكامل على مصر، وهى سنة سبع وثلاثين وستمائة. فيها خلع الملك العادل المذكور من ملك مصر بأخيه الملك الصالح نجم الدين أيّوب حسب ما تقدّم ذكره. وفيها هجم الملك الصالح إسماعيل صاحب بعلبكّ على دمشق، ومعه أسد الدين شيركوه صاحب حمص وملكها فى يوم الثلاثاء سابع عشرين صفر. وفيها توفّى الملك ناصر «2» الدين أرتق صاحب ماردين الأرتقى، كان الملك المعظّم عيسى بن العادل تزوّج أخته، وهى التى بنت المدرسة والتربة عند الجسر الأبيض بقاسيون، ولم تدفن فيها لأنّها نقلت بعد موت زوجها المعظم إلى عند أبيها بماردين

فماتت هناك. وكان ناصر الدين المذكور شيخا شجاعا شهما جوادا ما قصده أحد وخيّبه. قتله ولده بماردين خنقا وهو سكران. وفيها توفّى الملك المجاهد أسد الدين شيركوه بن محمد بن أسد الدين شيركوه ابن شادى الأيّوبى صاحب حمص، أعطاه ابن عمّ أبيه السلطان صلاح الدين يوسف ابن أيّوب حمص بعد وفاة أبيه محمد بن شيركوه فى سنة إحدى وثمانين، فأقام بها إلى هذه السنة، وحفظ المسلمين من الفرنج والعرب، ومات بحمص فى يوم الثلاثاء العشرين من شهر رجب ودفن بها. وفيها توفّى يعقوب الخيّاط كان يسكن مغارة الجوع بقاسيون. وكان شيخا صالحا لقى المشايخ وعاصر الرجال ومات بقاسيون- رحمه الله تعالى-. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى قاضى القضاة شمس الدين أحمد بن الخليل الخويّىّ «1» فى شعبان، وله أربع وخمسون سنة. وأبو البقاء إسماعيل بن محمد بن يحيى المؤدّب راوى مسند إسحاق، فى المحرّم. والصدر علاء الدين أبو سعد ثابت بن محمد [بن أبى بكر «2» ] الخجندي بشيراز، وله تسع وثمانون سنة. وأمين الدين سالم ابن الحافظ «3» ابن صصرّى فى جمادى الآخرة، وله ستون «4» سنة. وصاحب حمص الملك المجاهد أسد الدين شيركوه بن شادى فى رجب، وكانت

دولته ستّا وخمسين سنة. والقاضى أبو بكر عبد المجيد «1» بن عبد الرشيد بن علىّ بن سمّان الهمذانى سبط الحافظ أبى العلّاء «2» فى شوّال عن ثلاث وسبعين سنة. وأبو القاسم عبد الرحيم بن يوسف بن هبة الله بن الطّفيل فى ذى الحجّة. وإمام الرّبوة «3» عبد العزيز بن دلف المقرئ الناسخ فى صفر. وأبو الحسن علىّ بن أحمد الأندلسىّ الحرّانىّ الصوفىّ المفسّر بحماة. وشمس الدين محمد بن الحسن بن محمد بن عبد «4» الكريم الكاتب بدمشق فى رجب. والحافظ أبو عبد الله «5» محمد بن سعيد بن يحيى فى شهر ربيع الآخر، وله تسع وسبعون سنة. وتقىّ الدين محمد بن طرخان السلمىّ الصالحىّ فى المحرّم، وله ستّ وسبعون سنة. وأبو طالب محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن [بن أحمد «6» ابن علىّ] بن صابر السلمىّ الزاهد فى المحرّم. والمحتسب رشيد الدين أبو الفضل محمد بن عبد الكريم بن الهادى التّنسىّ «7» فى جمادى الآخرة، وله ثمان وثمانون سنة.

والصاحب شرف الدّين أبو البركات «1» المبارك بن أحمد المستوفىّ بالموصل فى المحرّم. والصاحب ضياء الدّين نصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الكريم [بن عبد الواحد «2» المعروف با] بن الأثير الشّيبانىّ الجزرىّ الكاتب مؤلّف كتاب «المثل السائر» فى شهر ربيع الآخر، وله نحو من ثمانين سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وثمانى أصابع. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وتسع عشرة إصبعا.

ذكر سلطنة الملك الصالح نجم الدين أيوب على مصر

ذكر سلطنة الملك الصالح نجم الدين أيّوب على مصر هو السلطان الملك الصالح نجم الدين أيّوب ابن السلطان الملك الكامل ناصر الدين محمد ابن السلطان الملك العادل سيف الدين أبى بكر ابن الأمير نجم الدين أيّوب بن شادى الأيّوبىّ سلطان الديار المصريّة. وقد تقدّم أنّ الملك الصالح هذا ولى الشرق وديار بكر فى أيّام والده الملك الكامل سنين، وذكرنا أيضا ما وقع له بعد موت الكامل مع أخيه العادل، ومع ابن عمّه الملك الناصر داود وغيرهما فى ترجمة أخيه العادل مفصّلا إلى أن ملك الديار المصريّة فى يوم الاثنين الخامس والعشرين من ذى الحجّة سنة سبع وثلاثين وستمائة. ومولده بالقاهرة فى سنة ثلاث وستّمائة وبها نشأ، واستخلفه أبوه على مصر لمّا توجه إلى الشرق فأقام الصالح هذا بمصر مع صواب الخادم لا أمر له ولا نهى إلى أن عاد أبوه الكامل إلى الديار المصريّة، وأعطاه حصن كيفا فتوجّه إليها، ووقع له بها أمور ووقائع مع ملوك الشرق بتلك البلاد فى حياة والده حتّى مات أبوه، ووقع له ما حكيناه إلى أن ملك مصر؛ ولمّا تمّ أمره بمصر أصلح أمورها ومهّد قواعدها. قلت: والملك الصالح هذا هو الذي أنشأ المماليك الأتراك وأمّرهم بديار مصر، وفى هذا المعنى يقول بعضهم: الصالح المرتضى أيّوب أكثر من ... ترك بدولته يا شرّ مجلوب قد «1» آخذ الله أيّوبا بفعلته ... فالناس كلّهم فى ضرّ أيّوب وقال الحافظ أبو عبد الله شمس الدين الذهبىّ فى تاريخه- بعد أن ذكر من مبدأ أمره نبذة إلى أن قال-: «ثم ملك مصر بلا كلفة واعتقل أخاه، ثم جهّز من أوهم

الناصر بأنّ الصالح فى نيّة القبض عليه، فخاف وغضب فأسرع إلى الكرك. ثم تحقّق الصالح [فساد «1» ] نيّات الأشرفيّة، وأنّهم يريدون الوثوب عليه؛ فأخذ فى تفريقهم والقبض عليهم، فبعث مقدّم الأشرفيّة وكبيرهم أيبك الأشقر «2» نائبا على جهة، ثم سيّر من قبض عليه، ثم مسكهم عن بكرة أبيهم وسجنهم؛ وأقبل على شراء المماليك الترك والخطائيّة، واستخدم الأجناد؛ ثم قبض على أكبر الخدّام: شمس الدّين الخاصّ وجوهر النّوبىّ وعلى جماعة من الأمراء الكامليّة وسجنهم بقلعة صدر بالقرب من ايلة؛ وأخرج فخر الدين ابن الشيخ من سجن العادل فركب ركبة عظيمة، ودعت له الرعيّة لكرمه وحسن سيرته، فلم يعجب الصالح ذلك وتخيّل، فأمره بلزوم بيته. واستوزر أخاه معين الدين. ثم شرع يؤمّر غلمانه (يعنى مماليكه) فأكثر من ذلك، وأخذ فى بناء قلعة الجزيرة «3» واتّخذها سكنا، وأنفق عليها أموالا عظيمة، وكانت الجزيرة قبلا متنّزها لوالده، فشيّدها فى ثلاثة أعوام وتحوّل إليها. وأمّا الناصر داود فإنّه اتّفق مع عمّه الصالح إسماعيل والمنصور صاحب حمص فاتّفقوا على الصالح.

وأمّا الخوارزميّة فإنّهم تغلّبوا على عدّة «1» قلاع وعاثوا وخرّبوا البلاد، وكانوا شرّا من التّتار، لا يعفون عن قتل ولا [عن] سبى ولا فى قلوبهم رحمة. وفى سنة إحدى وأربعين وقع الصلح بين الصالحين «2» وصاحب حمص على أن تكون دمشق للصالح إسماعيل؛ وأن يقيم هو والحلبيّون والحمصيّون الخطبة فى بلادهم لصاحب مصر، وأن يخرج ولده الملك المغيث من اعتقال الملك الصالح إسماعيل.- والملك المغيث هو ابن الملك الصالح نجم الدين، كان معتقلا قبل سلطنته فى واقعة جرت. قلت: (يعنى أنّ الصالح قبض عليه لمّا ملك دمشق بعد خروج الصالح من دمشق قاصدا الديار المصريّة قبل أن يقبض عليه الناصر داود) وقد ذكرنا ذلك كلّه فى ترجمة العادل مفصّلا. قلت: وكذلك أطلق أصحاب الصالح، مثل حسام الدين ابن أبى علىّ، ومجير الدين بن أبى ذكرى، فأطلقهم الملك الصالح إسماعيل-. وركب الملك المغيث وبقى يسير ويرجع إلى القلعة، وردّ على حسام الدين ما أخذ منه. ثم ساروا إلى مصر، واتّفق الملوك على عداوة الناصر داود وجهّز الصالح إسماعيل عسكرا يحاصرون عجلون «3» وهى للناصر، وخطب لصاحب مصر فى بلاده، [وبقى عنده المغيث حتّى تأتيه نسخ الأيمان، ثم بطل ذلك كلّه «4» ] . وقال ابن «5» واصل: فحدّثنى جلال الدين الخلاطىّ قال:

كنت رسولا من جهة الصالح إسماعيل، فورد علىّ منه كتاب وفى طيّه: كتاب من الصالح نجم الدين إلى الخوارزمية يحثّهم على الحركة ويعلمهم [أنّه «1» ] إنّما صالح عمّه الصالح ليخلّص ابنه المغيث من يده، وأنّه باق على عداوته، ولا بدّ له من أخذ دمشق منه، فمضيت بهذا الكتاب إلى الصاحب معين [الدين» ] فأوقفته عليه، فما أبدى عنه عذرا يسوغ. وردّ الصالح إسماعيل المغيث بن الصالح نجم الدين إلى الاعتقال، وقطع الخطبة وردّ عسكره عن عجلون وأرسل إلى الناصر داود واتّفق معه على عداوة صاحب مصر؛ وكذلك رجع صاحب حلب وصاحب حمص عنه، وصاروا كلمة واحدة عليه، واعتقلت رسلهم بمصر؛ واعتضد صاحب دمشق بالفرنج، وسلّم إليهم القدس وطبريّة وعسقلان، وتجهّز صاحب [مصر «3» ] الملك الصالح هذا لقتالهم، وجهّز البعوث وجاءته الخوارزمية فساقوا إلى غزّة واجتمعوا بالمصريّين، وعليهم ركن الدين بيبرس البندقدارىّ الصالحىّ. قلت: وبيبرس هذا هو غير بيبرس البندقدارىّ الظاهرىّ، وإنّما هذا أيضا على اسمه وشهرته، وهذا أكبر من الظاهر بيبرس [وأقدم «4» ] ، وقبض «5» عليه الملك الصالح بعد ذلك وأعدمه. انتهى. قال ابن واصل: وتسلّم الفرنج حرم القدس وغيره، وعمّروا قلعتى طبريّة وعسقلان وحصّنوهما، ووعدهم الصالح إسماعيل بأنّه إذا ملك مصر أعطاهم بعضها، فتجمّعوا وحشدوا وسارت عساكر الشام إلى غزة، ومضى المنصور صاحب حمص بنفسه إلى عكّا وطلبها فأجابوه. قال: وسافرت أنا إلى مصر ودخلت القدس، فرأيت الرّهبان على الصخرة وعليها قنانى الخمر، ورأيت الجرس

فى المسجد الأقصى، وأبطل الأذان بالحرم وأعلن الكفر. وقدم- وأنا بالقدس- الناصر داود إلى القدس فنزل بغربيّه. وفيها ولّى الصالح نجم الدين قضاء مصر للأفضل «1» بعد أن عزل ابن عبد السلام «2» نفسه بمديدة. ولمّا عدّت الخوارزميّة الفرات، وكانوا أكثر من عشرة آلاف ما مرّوا بشىء إلّا نهبوه وتقهقر الذين بغزّة منهم، وطلع الناصر إلى الكرك وهربت الفرنج من القدس، فهجمت الخوارزميّة القدس وقتلوا من به من النصارى، وهدموا مقبرة القمامة «3» ، وجمعوا بها عظام الموتى فحرقوها، ونزلوا بغزّة وراسلوا صاحب مصر (يعنى الملك الصالح هذا) فبعث إليهم بالخلع والأموال وجاءتهم العساكر، وسار الأمير حسام الدين بن أبى علىّ بعسكر ليكون مركزا بنابلس، وتقدّم المنصور إبراهيم على الشاميّين (يعنى لقتال المصريّين) وكان شهما شجاعا قد انتصر على الخوارزميّة غير مرّة، وسار بهم ورافقته الفرنج من عكّا وغيرها بالفارس والراجل، ونفّذ الناصر داود عسكرا فوقع المصافّ بظاهر غزّة، فانكسر المنصور إبراهيم شرّ كسرة. وأخذت سيوف المسلمين الفرنج فأفنوهم قتلا وأسرا، ولم يفلت منهم إلّا الشارد، وأسر أيضا من عسكر دمشق والكرك جماعة من المقدّمين. قال ابن واصل: حكى لى عن المنصور أنّه قال: والله لقد قصّرت ذلك اليوم

ووقع فى قلبى أنّه لا ننتصر لانتصارنا بالفرنج- قلت: عليه من الله ما يستحقّه من الخزى. وإيش يفيد تقصيره بعد أن صار هو والفرنج يدا واحدة على المسلمين! - قال: ووصلت عسكر دمشق معه فى أسوأ حال. وأمّا مصر فزيّنت زينة لم ير مثلها، وضربت البشائر ودخلت أسارى الشام الفرنج والأمراء، وكان يوما مشهودا بالقاهرة. ثم عطف حسام الدين بن أبى علىّ، وركن الدين بيبرس فنازلوا عسقلان وحاصروها وبها الفرنج الذين تسلّموها فجرح حسام الدين، ثم ترحّلوا إلى نابلس، وحكموا على فلسطين والأغوار إلا عجلون فهى بيد سيف الدين [بن] قليج نيابة عن الناصر داود. ثم بعث السلطان الملك الصالح نجم الدين وزيره معين الدين ابن الشيخ على جيشه وأقامه مقام نفسه، وأنفذ معه الخزائن وحكّمه فى الأمور، وسار إلى الشام ومعه الخوارزميّة، فنازلوا دمشق وبها الصالح إسماعيل والمنصور صاحب حمص؛ فذلّ الصالح إسماعيل، وبعث وزيره أمين الدولة مستشفعا بالخليفة ليصلح بينه وبين ابن أخيه الملك الصالح نجم الدين، فلم يظفر بطائل، ورجع واشتدّ الحصار على دمشق، وأخذت بالأمان لقلّة من مع صاحبها، ولعدم الميرة بالقلعة، ولتخلّى الحلبيّين عنه، فترحّل الصالح إسماعيل إلى بعلبكّ، والمنصور إلى حمص، وتسلّم الصاحب معين الدين القلعة والبلد. ولمّا رأت الخوارزميّة أنّ السلطان قد تملّك الشام بهم وهزم أعداءه صار لهم عليه إدلال كثير، مع ما تقدّم من نصرهم له على صاحب الموصل قبل سلطنته وهو بسنجار، فطمعوا فى الأخباز العظيمة؛ فلمّا لم يحصلوا على شىء فسدت نيتهم له وخرجوا عليه، وكاتبوا الأمير ركن الدين بيبرس البندقدارىّ، وهو أكبر أمراء الصالح نجم الدين أيّوب، وكان بغزّة، فأصغى إليهم- فيما قيل- وراسلوا صاحب

الكرك فنزل إليهم [ووافقهم «1» ] . وكانت أمّه [أيضا «2» ] خوارزميّة وتزوّج منهم، ثم طلع إلى الكرك واستولى حينئذ على القدس ونابلس [وتلك «3» الناحية] ، وهرب منه نوّاب صاحب مصر، ثم راسلت الخوارزمية الملك الصالح إسماعيل وهو فى بعلبكّ وحلفوا له فسار إليهم، واتّفقت كلمة الجميع على حرب الصالح صاحب مصر، فقلق الصالح لذلك وطلب ركن الدين بيبرس فقدم مصر فاعتقله. وكان آخر العهد به، ثم خرج بعساكره فخيم بالعبّاسة «4» وكان قد نفذّ رسوله إلى الخليفة المستعصم يطلب تقليدا بمصر والشام [والشرق «5» ] ، فجاءه التشريف والطّوق الذهب والمركوب، فلبس التشريف الأسود والعمامة والجبّة، وركب الفرس بالحلية الكاملة، وكان يوما مشهودا؛ ثم جاء الصالح إسماعيل والخوارزميّة ونازلوا دمشق وليس بها كبير عسكر، وبالقلعة الطّواشى رشيد، وبالبلد نائبها حسام الدين بن أبى علىّ الهذبانى، فضبطها وقام بحفظها بنفسه ليلا ونهارا، واشتدّ بها الغلاء وهلك أهلها جوعا ووباء. قال: وبلغنى أنّ رجلا مات فى الحبس فأكلوه؛ كذلك حدّثنى حسام الدين بن أبى علىّ، فعند ذلك اتّفق عسكر حلب والمنصور صاحب حمص على حرب الخوارزميّة وقصدوهم، فتركوا حصار دمشق وساقوا أيضا يقصدونهم فالتقى الجمعان، ووقع المصافّ فى أوّل سنة أربع وأربعين على القصب «6» ، وهى منزلة بريد من حمص من قبليها، فاشتدّ القتال والصالح إسماعيل مع الخوارزميّة فانكسروا عند ما قتل مقدّمهم حسام الدين بركة خان، وانهزموا ولم تقم لهم بعدها قائمة، وقتل بركة خان مملوك من الحلبيّين وتشتّتت الخوارزميّة، وخدم طائفة منهم بالشام وطائفة بمصر

وطائفة مع كشلو خان ذهبوا إلى التّتار وخدموا معهم؛ وكفى الله شرّهم. وعلّق رأس بركة خان على قلعة حلب. ووصل الخبر إلى القاهرة فزيّنت، وحصل الصلح التامّ بين السلطان (يعنى الصالح نجم الدين أيّوب) وبين صاحب حمص والحلبيّين. وأمّا الصالح إسماعيل [فإنّه] التجأ إلى ابن أخته «1» الملك الناصر صلاح الدين صاحب حلب. وأما نائب دمشق حسام الدين فإنّه سار إلى بعلبك وحاصرها وبها أولاد الصالح إسماعيل فسلّموها بالأمان؛ ثم أرسلوا إلى مصر تحت الحوطة هم والوزير أمين الدولة والأستادار ناصر الدين بن يغمور فاعتقلوا بمصر. وصفت البلاد للملك الصالح. وبقى الملك الناصر داود بالكرك فى حكم المحصور، ثم رضى السلطان على فخر الدين ابن الشيخ وأخرجه من الحبس بعد موت أخيه الوزير معين الدين، وسيّره إلى الشام واستولى على جميع بلاد الناصر داود، وخرّب ضياع الكرك ثم نازلها أياما، وقلّ ما عند الناصر من المال والذخائر وقلّ ناصره، فعمل قصيدة يعاتب فيها السلطان فيما له عنده من اليد من الذبّ عنه وتمليكه ديار مصر، وهى: قل للذى قاسمته ملك اليد ... ونهضت فيه نهضة المستأسد عاصيت فيه ذوى الحجى من أسرتى ... وأطعت فيه مكارمى وتودّدى يا قاطع الرّحم التى صلتى بها ... كتبت على الفلك الأثير بعسجد إن كنت تقدح فى صريح مناسبى ... فأصبر بعزمك للهيب المرصد عمّى أبوك ووالدى عمّ به ... يعلو انتسابك كلّ ملك أصيد صالا وجالا كالأسود ضواريا ... فارتدّ تيّار الفرات المزيد

دع سيف مقولى البليغ يدبّ عن ... أعراضكم بفرنده المتوقّد فهو الذي قد صاغ تاج فخاركم ... بمفصّل من لؤلؤ وزبرجد ثم أخذ يصف نفسه [وجوده ومحاسنه «1» وسؤدده] إلى أن قال: يا محرجى بالقول والله الذي ... خضعت لعزّته جباه السّجّد لولا مقال الهجر منك لما بدا ... منّى افتخار بالقريض المنشد إن [كنت] قلت خلاف ما هو شيمتى ... فالحاكمون بمسمع وبمشهد والله يا بن العمّ لولا خيفتى ... لرميت ثغرك بالعداة المرّد لكننى ممّن يخاف حرامه ... ندما يجرّعنى سمام الأسود فأراك ربّك بالهدى ما ترتجى ... لنراك تفعل كلّ فعل مرشد لتعيد وجه الملك طلقا ضاحكا ... وتردّ شمل البيت غير مبدّد كى لا ترى الأيام فينا فرصة ... للخارجين وضحكة للحسّد قال: ثم إنّ السلطان طلب الأمير حسام الدين بن أبى علىّ وولّاه نيابة الديار المصريّة، واستناب على دمشق الصاحب جمال الدين يحيى بن مطروح، ثم قدم الشام وجاء إلى خدمته صاحب حماة الملك المنصور وهو ابن اثنتى عشرة سنة وصاحب حمص [وهو صغير «2» ] ، فأكرمهما وقرّبهما، ووصل إلى بعلبكّ، ثم ردّ إلى الشام، ثم رجع السلطان ومرض فى الطريق. قال ابن واصل: حكى لى الأمير حسام الدين قال: لمّا ودّعنى السلطان قال: إنّى مسافر وأخاف أن يعرض لى موت وأخى العادل بقلعة مصر، فيأخذ البلاد وما يجرى عليكم منه خير، فإن مرضت ولو أنّه حمّى يوم فأعدمه، فإنّه لا خير فيه؛

وولدى توران شاه لا يصلح للملك، فإن بلغك موتى فلا تسلّم البلاد لأحد من أهلى، بل سلّمها للخليفة. انتهى. قال: ودخل السلطان مصر، وصرف حسام الدين عن نيابة مصر بجمال الدين ابن يغمور، وبعث الحسام بالمصريّين إلى الشام، فأقاموا [بالصالحيّة «1» ] أربعة أشهر. قال ابن واصل: وأقمت مع حسام الدين هذه المدّة، وكان السلطان فى هذه المدّة وقبلها مقيما بأشمون «2» طنّاح، ثم «3» فى السنة خرج الحلبيّون وعليهم شمس الدين لؤلؤ الأمينىّ، فنازلوا حمص، ومعهم الملك الصالح إسماعيل يرجعون إلى رأيه، فحاصرها شهرين ولم ينجدها صاحب مصر؛ وكان السلطان مشغولا بمرض عرض له فى بيضه ثم فتح، وحصل منه ناسور بعسر بول «4» ، وحصلت له فى رئته بعض قرحة متلفة، لكنّه عازم على إنجاد صاحب حمص. ولمّا اشتدّ الحصار بالأشرف صاحب حمص اضطرّ إلى أن أذعن بالصلح، وطلب العوض عن حمص تلّ باشر مضافا إلى ما بيده، وهو الرّحبة «5» وتدمر، فتسلمها الأمير شمس الدين لؤلؤ الأمينىّ، وأقام بها نوّابا لصاحب

حلب. فلمّا بلغ السلطان أخذ حمص، وهو مريض، غضب وعظم عليه، وترحّل إلى القاهرة فاستناب بها ابن يغمور وبعث الجيوش إلى الشام لاستنقاذ حمص، وسار السلطان فى محفّة، وذلك فى سنة ستّ وأربعين وستمائة؛ فنزل بقلعة دمشق وبعث جيشه فنازلوا حمص ونصبوا عليها المجانيق، منها منجنيق مغربىّ. ذكر الأمير حسام الدين أنّه كان يرمى حجرا زنته مائة وأربعون رطلا بالدمشقىّ؛ ونصب عليها قرابغا اثنى عشر منجنيقا سلطانيّة، وذلك فى الشتاء. وخرج صاحب حلب بعسكره فنزل بأرض كفر طاب، ودام الحصار إلى أن قدم البادرانىّ «1» للصلح بين صاحب حلب والسلطان، على أن تقرّ حمص بيد صاحب حلب، فوقع الاتّفاق على ذلك؛ وترحّل السلطان عن حمص لمرض السلطان ولأنّ الفرنج تحرّكوا [وقصدوا «2» مصر] ، وترخّل السلطان إلى الديار المصريّة كذلك وهو فى محفّة. وكان الناصر صاحب الكرك قد بعث شمس الدين الخسرو شاهى إلى السلطان وهو بدمشق يطلب خبزا بمصر والشّوبك وينزل له عن الكرك، فبعث السلطان تاج الدين [بن «3» ] مهاجر فى إبرام ذلك إلى الناصر، فرجع عن ذلك لمّا سمع حركة الفرنج؛ وطلب السلطان نائب مصر جمال الدين بن يغمور فاستنابه بدمشق وبعث على نيابة مصر حسام الدين بن أبى علىّ فدخلها فى المحرّم سنة سبع وأربعين؛ وسار السلطان فنزل بأشموم طنّاح ليكون فى مقابلة الفرنج إن قصدوا دمياط، وتواترت الأخبار بأنّ ريدا فرنس مقدّم الأفرنسيسيّة قد خرج من بلاده فى جموع عظيمة وشتّى بجزيرة قبرص؛ وكان من أعظم ملوك الفرنج وأشدّهم بأسا. وريدا

بلسانهم: الملك، فشحنت دمياط بالذخائر وأحكمت الشوانى، ونزل فخر الدين ابن الشيخ بالعساكر على جزيرة دمياط، فأقبلت مراكب الفرنج فأرست فى البحر بازاء المسلمين فى صفر من الستة، ثم شرعوا من الغد فى النزول إلى البرّ الذي فيه المسلمون وضربت خيمة حمراء لريدا فرنس وناوشهم [المسلمون «1» ] القتال، فقتل يومئذ الأمير نجم الدين ابن شيخ الإسلام، والأمير الوزيرىّ- رحمهما الله تعالى- فترحّل فخر الدين ابن الشيخ بالناس، وقطع بهم الجسر إلى البرّ الشرقى الذي فيه دمياط، وتقهقر إلى أشمون طنّاح، ووقع الخذلان على أهل دمياط، فخرجوا منها طول الليل على وجوههم حتّى لم يبق بها أحد؛ وكان هذا من قبيح رأى فخر الدين، فإنّ دمياط كانت فى نوبة سنة خمس عشرة وستمائة أقلّ ذخائر وعددا، وما قدر عليها الفرنج إلّا بعد سنة، وإنّما هرب أهلها لمّا رأوا هرب العسكر وضعف السلطان؛ فلمّا أصبحت الفرنج ملكوها صفوا بما حوت من العدد والأسلحة والذخائر والغلال والمجانيق، وهذه مصيبة لم يجر مثلها! فلمّا وصلت العساكر وأهل دمياط إلى السلطان حنق على الشجعان الذين كانوا بها، [وأمر «2» بهم] فشنقوا جميعا ثم رحل بالجيش، وسار إلى المنصورة فنزل بها فى المنزلة التى كان أبوه نزلها، وبها قصر بناه أبوه الكامل، ووقع النّفير العامّ فى المسلمين، فاجتمع بالمنصورة أمم لا يحصون من المطّوّعة والعربان؛ وشرعوا فى الإغارة على الفرنج ومناوشتهم وتخطّفهم، واستمرّ ذلك أشهرا، والسلطان يتزايد والأطباء قد آيسته لاستحكام المرض به. وأمّا صاحب الكرك (يعنى الملك الناصر داود) فإنّه سافر إلى بغداد فاختلف أولاده، فسار أحدهم إلى الملك الصالح نجم الدين أيّوب وسلّم إليه الكرك، ففرح [بها] مع ما فيه من الأمراض، وزيّنت بلاده وبعث إليها بالطواشى بدر الدين الصّوابى

نائبا، وقدم عليه أولاد الناصر داود، فبالغ الملك الصالح فى إكرامهم وأقطعهم أخبازا جليلة. ولم يزل يتزايد به المرض إلى أن مات، وأخفى موته على ما سيأتى ذكره. إن شاء الله تعالى. قال ابن واصل فى سيرة الملك الصالح نجم الدين أيّوب هذا: وكان مهيبا عزيز النفس عفيفا طاهر اللّسان والذّيل، لا يرى الهزل ولا العبث، شديد الوقار كثير الصّمت، اشترى من المماليك الترك ما لم يشتره أحد من أهل بيته حتّى صاروا معظم عسكره، ورجّحهم على الأكراد [وأمّرهم «1» ] ، واشترى وهو بمصر خلقا منهم، وجعلهم بطانته والمحيطين بدهليزه، وسمّاهم «البحرية» . حكى لى حسام الدين ابن أبى علىّ: أن هؤلاء المماليك مع فرط جبروتهم وسطوتهم كانوا أبلغ من يعظّم هيبته، كان إذا خرج وشاهدوا صورته يرعدون خوفا منه، وأنّه لم يقع منه فى حال غضبه كلمة قبيحة قطّ، أكثر ما يقول إذا شتم: يا متخلّف، وكان كثير الباه بجواريه فقط، ولم يكن عنده فى آخر وقت غير زوجتين: إحداهما شجرة الدّر، والأخرى بنت العالمة، تزوّجها بعد مملوكه الجوكندار «2» ؛ وكان إذا سمع الغناء لا يتزعزع ولا يتحرّك، وكذلك الحاضرون يلتزمون حالته كأنّما على رءوسهم الطير؛ وكان لا يستقلّ أحدا من أرباب دولته بأمر بل يراجعون القصص مع الخدّام، فيوقّع عليها بما يعتمده كتّاب الإنشاء؛ وكان يحبّ أهل الفضل والدّين، وما كان له ميل لمطالعة الكتب؛ وكان كثير العزلة والانفراد، وله نهمة باللّعب بالصّوالجة، وفى إنشاء الأبنية العظيمة الفاخرة. انتهى كلام ابن واصل.

وقال غيره: وكان ملكا مهيبا جبّارا ذا سطوة وجلالة، وكان فصيحا حسن المحاورة عفيفا عن الفواحش، أمّر مماليكه الترك؛ وجرى بينه وبين عمّه الملك الصالح أمور وحروب إلى أن أخذ «1» نقابة دمشق عام ثلاثة وأربعين؛ وذهب إسماعيل إلى بعلبكّ، ثم أخذت من إسماعيل بعلبك، وتعثّر والتجأ إلى ابن أخته الناصر صاحب حلب. ولمّا خرج الملك الصالح هذا من مصر إلى الشام خاف من بقاء أخيه الملك العادل فقتله سرّا ولم يتمتع بعده؛ ووقعت الأكلة فى خدّه «2» بدمشق. ونزل الأفرنس ملك الفرنج بجيوشه على دمياط فأخذها، فسار إليه الملك الصالح فى محفّة حتى نزل المنصورة عليلا، ثم عرض له إسهال إلى أن مات فى ليلة النصف من شعبان بالمنصورة، وأخفى موته حتى أحضروا ولده الملك المعظم توران شاه من حصن كيفا وملّكوه. وقال سعد الدين: إنّ ابن عمّه فخر الدين نائب السلطنة أمر بتحليف الناس لولده الملك المعظم توران شاه، ولولىّ عهده فخر الدين فتقرّر ذلك، وطلبوا الناس فحضروا وحلفوا إلّا أولاد الناصر داود صاحب الكرك توقّفوا، وقالوا: نشتهى [أن] نبصر السلطان، فدخل خادم وخرج وقال: السلطان يسلّم عليكم، وقال: ما يشتهى أن تروه فى هذه الحالة، وقد رسم لكم أن تحلفوا. فحلفوا؛ وكان للسلطان مدّة من وفاته ولا يعلم به أحد، وزوجته شجرة الدرّ توقّع مثل خطّه على التواقيع- على ما يأتى ذكره- ولمّا حلف أولاد الناصر صاحب الكرك جاءتهم المصيبة من كلّ ناحية، لأنّ الكرك راحت من يدهم، واسودّت وجوههم عند أبيهم، ومات الملك الصالح الذي أمّلوه وأعطوه الكرك؛

ثم عقيب ذلك نفوهم من مصر. ثم إنّ الأمير فخر الدين نفذ نسخة الأيمان إلى البلاد [ليحلفوا للمعظّم «1» ] ثم كلّ ذلك والسلطان لم يظهر موته. قال: وكانت أمّ ولده شجرة الدرّ ذات رأى وشهامة، فدبّرت أمر الملك الصالح وأخفت موته. وهى التى وليت الملك مدّة شهرين بعد ذلك، وخطب لها على المنابر بمصر وغيرها- على ما يأتى ذكر ذلك فى محلّه إن شاء الله تعالى. ثم ملك بعدها الأتراك إلى يومنا هذا. انتهى. وقال الشيخ شمس الدين يوسف بن قزأوغلى فى تاريخه مرآة الزمان- بعد ما ذكر اسم الملك الصالح ومولده قال-: «ولما ملك مصر اجتهد فى خلاص ولده المغيث فلم يقدر. قلت (يعنى المغيث الذي كان حبسه الملك الصالح إسماعيل بقلعة دمشق فى مبادئ أمر الملك الصالح) . قال: وكان مهيبا، هيبته عظيمة، جبّارا أباد الأشرفيّة وغيرهم. وقال جماعة من أمرائه: والله ما نقعد على بابه إلّا ونقول من هاهنا نحمل إلى الحبوس، وكان إذا حبس إنسانا نسيه، ولا يتجاسر أحد أن يخاطبه فيه، وكان يحلف أنّه ما قتل نفسا بغير حقّ. قال صاحب المرآة: وهذه مكابرة ظاهرة؛ فإنّ خواص أصحابه حكوا أنّه لا يمكن إحصاء من قتل من الأشرفية وغيرهم، ولو لم يكن إلّا قتل أخيه العادل [لكفى «2» ] . قال: وكانت عتيقته شجرة الدرّ تكتب خطّا يشبه خطّه، فكانت تعلّم على التواقيع، وكان قد نسر مخرج السلطان وامتدّ إلى فخذه اليمنى ورجله ونحل جسمه وعملت له محفّة يركب فيها، وكان يتجلّد، ولا يطّلع أحد على حاله؛ ولمّا مات حمل تابوته إلى الجزيرة فعلّق بسلاسل حتّى قبر فى تربته إلى جانب مدرسته بالقاهرة» .

قلت: وذكر القطب «1» اليونينىّ فى كتابه الذيل على مرآة الزمان، قال فى ترجمة البهاء «2» زهير كاتب الملك الصالح قال: فلمّا خرج الملك الصالح بالكرك من الاعتقال وسار إلى الديار المصرية، كان بهاء الدين زهير المذكور فى صحبته، وأقام عنده فى أعلى المنازل وأجلّ المراتب، وهو المشار إليه فى كتّاب الدرج والمقدّم عليهم، وأكثرهم اختصاصا بالملك الصالح واجتماعا به، وسيّره رسولا فى سنة خمس وأربعين وستمائة إلى الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب حلب يطلب منه إنفاذ الملك الصالح عماد الدين إسماعيل إليه فلم يجب إلى ذلك، وأنكر الناصر هذه الرسالة غاية الإنكار، وأعظمها واستصعبها، وقال: كيف يسعنى أن أسيّر عمّه إليه، وهو خال أبى وكبير البيت الأيّوبىّ حتى يقتله، وقد استجار بى! والله هذا شىء لا أفعله أبدا. ورجع البهاء زهير إلى الملك الصالح نجم الدين بهذا الجواب، فعظم عليه وسكت على ما فى نفسه من الحنق. وقبل موت الملك الصالح نجم الدين أيّوب بمديدة يسيرة- وهو نازل على المنصورة- تغيّر على بهاء الدين زهير وأبعده لأمر لم يطّلع عليه أحد. قال: حكى لى البهاء أن سبب تغيّره عليه أنّه كتب عن الملك الصالح كتابا إلى الملك الناصر داود صاحب الكرك، وأدخل الكتاب إلى الملك الصالح ليعلّم عليه على العادة، فلمّا وقف عليه الملك الصالح كتب بخطّه بين الأسطر: «أنت تعرف قلّة عقل ابن عمّى، وأنّه

يحبّ من يعظّمه ويعطيه من يده فاكتب له غير هذا الكتاب ما يعجبه» ، وسيّر الكتاب إلى البهاء زهير ليغيّره، والبهاء زهير مشغول، فأعطاه لفخر الدين إبراهيم بن لقمان وأمره بختمه، فختمه وجهّزه إلى الناصر على يد نجّاب، ولم يتأمّله فسافر به النجّاب لوقته؛ واستبطأ الملك الصالح عود الكتاب إليه ليعلّم عليه؛ ثم سأل عنه بهاء الدين زهير بعد ذلك، وقال له: ما وقفت على ما كتبته بخطّى بين الأسطر؟ قال البهاء زهير: ومن يجسر أن يقف على ما كتبه السلطان بخطه إلى ابن عمّه! وأخبره أنّه سيّر الكتاب مع النجّاب، فقامت قيامة السلطان، وسيّروا فى طلب النجّاب فلم يدركوه؛ ووصل الكتاب إلى الملك الناصر بالكرك فعظم عليه وتألّم له، ثم كتب جوابه إلى الملك الصالح، وهو يعتب فيه العتب المؤلم، ويقول له فيه: والله ما بى ما يصدر منك فى حقّى، وإنما بى اطلاع كتّابك على مثل هذا! فعزّ ذلك على الملك الصالح، وغضب على بهاء الدين زهير، وبهاء الدين لكثرة مروءته نسب ذلك إلى نفسه ولم ينسبه لكاتب الكتاب، وهو فخر الدين بن لقمان- رحمه الله تعالى-. قال: وكان الملك الصالح كثير التخيّل والغضب والمؤاخذة على الذنب الصغير والمعاقبة على الوهم، لا يقيل عثرة ولا يقبل معذرة ولا يرعى سالف خدمة، والسيئة عنده لا تغفر، والتوسّل إليه لا يقبل، والشفائع لديه لا تؤثّر، فلا يزداد بهذه الأمور التى تسلّ سخائم الصدور إلا انتقاما. وكان ملكا جبّارا متكبّرا شديد السطوة كثير التجبّر والتعاظم على أصحابه وندمائه وخواصه، ثقيل الوطأة؛ لا جرم أن الله تعالى قصّر مدّة ملكه وابتلاه بأمراض عدم فيها صبره. وقتل مماليكه ولده توران شاه من بعده؛ لكنه كان عنده سياسة حسنة ومهابة عظيمة وسعة صدر فى إعطاء العساكر والإنفاق فى مهمّات الدولة، لا يتوقّف فيما يخرجه فى هذا الوجه؛ وكانت همّته عالية جدا، وآماله بعيدة، ونفسه تحدّثه بالاستيلاء على الدنيا بأسرها والتغلّب

عليها، وانتزاعها من يد ملوكها، حتّى لقد حدّثته نفسه بالاستيلاء على بغداد والعراق؛ وكان لا يمكّن القوىّ من الضعيف، وينصف المشروف من الشريف؛ وهو أوّل من استكثر من المماليك من ملوك البيت الأيّوبىّ، ثم اقتدوا به لمّا آل الملك إليهم. قلت: ومن ولى مصر بعد الصالح من بنى أيّوب حتى اقتنى المماليك! هو آخر ملوك مصر، ولا عبرة بولاية ولده الملك المعظم توران شاه، اللهم إن كان الذي بالبلاد الشاميّة فيمكن، وأمّا بمصر فلا. وكانت ولايته بمصر تسع سنين وسعة أشهر وعشرين يوما لأنّه ولى السلطنة فى عشرين ذى الحجّة سنة سبع وثلاثين، ومات فى نصف شعبان سنة سبع وأربعين وستمائة. انتهى. قال: ولمّا مات الملك الصالح نجم الدين لم يحزن لموته إلّا القليل مع ما كان الناس فيه من قصد الفرنج الديار المصرية واستيلائهم على قلعة منها، ومع هذا سرّ معظم الناس بموته حتّى خواصّه، فإنّهم لم يكونوا يأمنون سطوته ولا يقدرون على الاحتراز منه. قال: ولم يكن فى خلقه الميل لأحد من أصحابه ولا أهله ولا أولاده ولا المحبة لهم ولا الحنوّ عليهم على ما جرت به العادة. وكان يلازم فى خلواته ومجالس أنسه من الناموس ما يلازمه إذا كان جالسا فى دست السلطنة. وكان عفيف الذيل طاهر اللسان قليل الفحش فى حال غضبه، ينتقم بالفعل لا بالقول- رحمه الله تعالى-. انتهى ما أوردناه فى ترجمة الملك الصالح من أقوال جماعة كثيرة من المؤرّخين ممّن عاصره وبعدهم، فمنهم من شكر ومنهم من أنكر. قلت: وهذا شأن الناس فى أفعال ملوكهم، والحاكم أحد الخصمين غضبان منه إذا حكم بالحقّ، فكيف السلطان! وفى الجملة هو عندى أعظم ملوك بنى أيّوب

وأجلّهم وأحسنهم رأيا وتدبيرا ومهابة وشجاعة وسؤددا بعد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب، وهو أخو جدّه الملك العادل أبى بكر بن أيّوب؛ ولو لم يكن من محاسنه إلّا تجلّده على مقابلة العدوّ بالمنصورة، وهو بتلك الأمراض المزمنة المذكورة وموته على الجهاد، والذبّ عن المسلمين.- والله يرحمه- ما كان أصبره وأغزر مروءته. ولمّا مات رثاه الشعراء بعدّة مراث. وأمّا مدائحه فكثيرة من ذلك ما قاله فيه كاتبه وشاعره بهاء الدين زهير من قصيدته التى أوّلها: وعد الزيارة طرفه المتملّق ... وبلاء قلبى من جفون تنطق إنّى لأهوى الحسن حيث وجدته ... وأهيم بالقدّ الرشيق وأعشق يا عاذلى أنا من سمعت حديثه ... فعساك تحنو أو لعلّك ترفق لو كنت منّا حيث تسمع أو ترى ... لرأيت ثوب الصبر كيف يمزّق ورأيت ألطف عاشقين تشاكيا ... وعجبت ممّن لا يحبّ ويعشق أيسومنى العذّال عنه تصبّرا ... وحياته قلبى أرقّ وأشفق إن عنّفوا أو سوّفوا أو خوّفوا ... لا انتهى لا أنثنى لا أفرق أبدا أزيد مع الوصال تلهّفا ... كالعقد فى جيد المليحة يقلق يا قاتلى إنّى عليك لمشفق ... يا هاجرى إنّى اليك لشيّق وأذاع أنّى قد سلوتك معشر ... يا ربّ لا عاشوا لذاك ولا بقوا ما أطمع العذّال إلّا أنّنى ... خوفا عليك إليهم أتملّق وإذا وعدت الطيف منك بهجعة ... فاشهد علىّ بأنّنى لا أصدق فعلام قلبك ليس بالقلب الذي ... قد كان لى منه المحبّ المشفق وأظنّ قدّك شامتا لفراقنا ... فلقد نظرت إليه وهو مخلّق

ما وقع من الحوادث سنة 638

ولقد سعيت إلى العلا بعزيمة ... فقضى لسعيى أنّه لا يحقق وسريت فى ليل كأنّ نجومه ... من فرط غيرتها إلىّ تحدّق حتّى وصلت سرادق الملك الذي ... تقف الملوك ببابه تسترزق ووقفت من ملك الزمان بموقف ... ألفيت قلب الدهر منه يخفق فإليك يا نجم السماء فإنّنى ... قد لاح نجم الدين لى يتألّق الصالح الملك الذي لزمانه ... حسن يتيه به الزمان ورونق ملك تحدّث عن أبيه وجدّه ... نسب لعمرى فى العلا لا يلحق سجدت له حتّى العيون مهابة ... أو ما تراها حين يقبل تطرق والقصيدة أطول من هذا تركتها خوف الإطالة والملل. *** [ما وقع من الحوادث سنة 638] السنة الأولى من ولاية الملك الصالح نجم الدين أيّوب بن الكامل محمد على مصر، وهى سنة ثمان وثلاثين وستمائة. فيها سلّم الملك الصالح إسماعيل الشّقيف «1» لصاحب صيداء الفرنجىّ. وعزل عزّ الدين بن عبد السلام عن الخطابة وحبسه، وحبس أيضا أبا «2» عمرو بن الحاجب لأنّهما أنكرا عليه فعله، فحبسهما مدّة ثم أطلقهما؛ وولّى العماد «3» ابن خطيب بيت الأبّار الخطابة عوضا عن ابن عبد السلام.

وفيها ظهر بالروم رجل تركمانىّ يقال له البابا وادّعى النبوّة، وكان يقول قولوا: لا إله إلا الله البابا ولىّ الله، واجتمع إليه خلق كثير؛ فجهّز إليه صاحب الروم جيشا فالتقوا، فقتل بينهم أربعة آلاف، وقتل البابا المذكور. قال أبو المظفّر: «وفيها ذكر أنّ بمازندران «1» - وهى مدينة العجم- عين ماء يطلع منها فى كلّ ستّ وثلاثين سنة حيّة عظيمة مثل المنارة، فتقيم طول النهار، فإذا غربت الشمس غاصت الحيّة فى العين فلا ترى إلّا مثل ذلك الوقت؛ وقيل: إنّ بعض ملوك العجم جاء بنفسه إليها فى مثل ذلك اليوم، وربطها بسلاسل حتّى يعوقها، فلمّا غربت الشمس غاصت فى العين، وهى إلى الآن إذا طلعت رأوا السلاسل فى وسطها» . قلت: ولعلّها لم تتعرّض لأحد بسوء، وإلّا فكان الناس تحيّلوا فى قتلها وقتلوها بأنواع المكايد. وأمر هذه الحيّة مشهور ذكره غير واحد من المؤرّخين. وفيها وصل الملك الناصر داود من مصر إلى غزّة، وكان بينه وبين الفرنج وقعة، وكسرهم فيها وغنم منهم أشياء كثيرة. وفيها توفّى أبو بكر «2» محمد بن علىّ بن محمد الشيخ الإمام محى الدين العالم المشهور بابن عربى الطائىّ [الأندلسىّ «3» ] الحاتمىّ فى شهر ربيع الآخر «4» ، وله بمان وسبعون سنة. وكان إماما فى علوم الحقائق، وله المصنّفات الكثيرة. وقد اختلف الناس فى تصانيفه وأقواله اختلافا كبيرا. قال «5» : وكان يقول: أعرف الاسم الأعظم، وأعرف الكيمياء

بطريق المنازلة لا بطريق الكسب «1» ، وكانت وفاته بدمشق ودفن بقاسيون بتربة القاضى محيى الدين [بن الزكىّ «2» ] . ومن شعره فى جزار: ناديت جزّارا تروق صفاته ... قد أخجلت سمر القنا حركاته يا واضع السّكين فى فمه وقد ... أهدى بها ماء الحياة لهاته ضعها على المذبوح ثانى كرّة ... وأنا الضمين بأن تعود حياته قلت: وأحسن من هذا قول البرهان القيراطىّ «3» - رحمه الله- فى المعنى: ربّ جزّار هواه ... صار لى دما ولحما فزت بالألية منه ... وامتلا قلبى شحما الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو علىّ أحمد بن محمّد بن محمود الحرّانىّ ثم البغدادىّ فى المحرّم. والعلّامة القاضى نجم الدين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن خلف بن راجح المقدسىّ الشافعىّ مدرس العذراويّة فى شوّال. وخطيب داريّا «4» سمح بن ثابت. وجمال الملك علىّ بن مختار العامرىّ ابن الجمل فى شعبان، وله تسعون سنة. ومحيى الدين أبو بكر محمد بن علىّ بن محمد بن العربىّ الطائى الحاتمىّ المرسىّ، وله ثمان وسبعون سنة. مات فى شهر ربيع الآخر. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وتسع أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 639

*** [ما وقع من الحوادث سنة 639] السنة الثانية من ولاية الملك الصالح نجم الدين أيّوب على مصر، وهى سنة تسع وثلاثين وستمائة. فيها شرع الملك الصالح المذكور فى عمارة المدارس «1» ببين القصرين من القاهرة، وشرع أيضا فى بناء قلعة «2» الجزيرة، وأخذ أملاك الناس، وأخرب نيّفا وثلاثين مسجدا، وقطع ألف نخلة، وغرم عليها خراج مصر سنين كثيرة؛ فلم تقم بعد وفاته، وأخر بها مماليكه الأتراك سنة إحدى وخمسين وستمائة.

وفيها توفّى أحمد بن الحسين بن أحمد الشيخ الإمام العالم شمس الدين النحوى الإربلىّ ثم الموصلىّ الضّرير [المعروف «1» بابن الخبّاز] صاحب التصانيف. كان إماما بارعا مفتنّا عالما بالنحو واللغة والأدب. ومن شعره فى العناق: كأنّنى عانقت ريحانة ... تنفّست فى ليلها البارد فلو ترانا فى قميص الدّجى ... حسبتنا فى جسد واحد قلت: ومثل هذا قول العلّامة أبى الحسن علىّ «2» بن الجهم- رحمه الله تعالى-: سقى الله ليلا ضمّنا بعد هجعة ... وأدنى فؤادا من فؤاد معدّب فبتنا جميعا لو تراق زجاجة ... من الخمر فيما بيننا لم تسرّب ومثل هذا قول القائل: لا والمنازل من نجد وليلتنا ... بالخيف إذ جسدانا بيننا جسد كم رام منّا الكرى من لطف مسلكه ... نوما فما انفكّ لا خد ولا عضد ومثل هذا أيضا قول [ابن] النّعاويذىّ «3» - رحمه الله تعالى-: فكم ليلة قد بتّ أرشف ريقه ... وجرت على ذاك الشّنيب المنضّد وبات كما شاء الغرام معانقى ... وبتّ وإيّاه كحرف مشدّد وقد خرجنا عن المقصود ولنرجع لما نحن بصدده. وفيها توفى موسى بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك العلّامة كمال الدين أبو الفتح الموصلىّ الشافعىّ. مولده فى صفر سنة إحدى وخمسين وخمسمائة بالموصل، وتفقّه على والده وغيره، وبرع فى عدّة علوم.

قال ابن خلّكان- رحمه الله-: وكان الشيخ يعرف الفقه والأصلين والخلاف والمنطق والطبيعى والإلهى والمجسطى «1» وأقليدس «2» والهيئة والحساب والجبر والمقابلة والمساحة والموسيقى معرفة لا يشاركه فيها غيره. ثم قال بعد ثناء زائد إلّا أنّه كان يتّهم فى دينه لكون العلوم العقليّة غالبة عليه. وعمل فيه العماد المغربىّ وهو عمر بن «3» عبد النور الصّنهاجى النحوىّ هجوا- رحمه الله تعالى- أجدّك أن قد جاد بعد التعبّس ... غزال بوصل لى وأصبح مؤنسى وعاطيته صهباء من فيه مزجها ... كرقّة شعرى أو كدين ابن يونس وكان العماد المذكور قد مدحه قبل ذلك بأبيات منها: كمال كمال الدين للعلم والعلا ... فهيهات ساع فى مساعيك يطمع إذا اجتمع النّظّار فى كلّ موطن ... فغاية كلّ أن تقول ويسمعوا فلا تحسبوهم من عناد تطيلسوا ... ولكن حياء واعترافا تقنّعوا ومن شعر ابن يونس ما كتبه لصاحب الموصل يشفع عنده شفاعة، وهو: لئن شرّفت أرض بمالك قدرها «4» ... فمملكة الدنيا بكم تتشرّف

ما وقع من الحوادث سنة 640

بقيت بقا نوح «1» وأمرك نافذ ... وسعيك مشكور وظلّك منصف ومكّنت فى حفظ البسيطة مثل ما ... تمكّن فى أمصار فرعون يوسف الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى العلّامة شمس الدين أحمد بن الحسين بن أحمد الإربلىّ ثم الموصلىّ الضّرير النحوىّ صاحب التصانيف. وأحمد بن يعقوب أبو العيناء «2» المارستانىّ الصّوفىّ فى ذى الحجّة. والفقيه إسحاق ابن طرخان الشّاغورىّ «3» فى رمضان، وله نحو تسعين سنة. وأبو الطاهر إسماعيل ابن ظفر النابلسىّ فى شوّال، وله خمس «4» وستّون سنة. وأبو علىّ الحسن بن إبراهيم ابن هبة الله بن دينار الصائغ فى جمادى الآخرة. وخطيب بيت لهيا «5» أبو الرّبيع سليمان بن إبراهيم بن هبة الله بن رحمة الإسعردىّ الحنبلىّ فى شهر ربيع الآخر. والفقيه عبد الحميد بن محمد بن أبى بكر بن ماض. والعلّامة كمال الدين أبو الفتح موسى بن يونس الموصلىّ، ذو الفنون فى شعبان عن تسع وثمانين سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وإحدى وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 640] السنة الثالثة من ولاية الملك، الصالح نجم الدين أيّوب على مصر، وهى سنة أربعين وستّمائة.

فيها كان الوباء ببغداد وتزايدت الأمراض. وتوفّى الخليفة المستنصر وبويع ابنه المستعصم. وفيها عزم الملك الصالح المذكور على التوجّه إلى الشام، فقيل له: البلاد مختلّة والعساكر مختلفة، فجهّز إليها العساكر وأقام هو بمصر. وفيها توفّى كمال الدين أحمد ابن صدر الدين شيخ الشيوخ بمدينة غزّة فى صفر عن ستّ وخمسين سنة، وبنى عليه أخوه معين الدين قبّة على جانب الطريق، وكان قد كسره الجواد بعسكر الملك الناصر داود صاحب الكرك؛ وقيل: إنّه مات مسموما. ومن شعره ما كتبه لابن عمّه «1» سعد الدين: لو أنّ فى الأرض جنّات مزخرفة ... تحفّ أركانها الولدان والخدم ولم تكن رأى عينى فالوجود بها ... إذ لا أراك وجود كلّه عدم وفيها توفّى الخليفة أمير المؤمنين المستنصر بالله أبو جعفر منصور ابن الخليفة الظاهر بأمر الله محمد ابن الخليفة الناصر لدين الله أبى العباس أحمد ابن الخليفة المستضىء بأمر الله حسن ابن الخليفة المستنجد بالله يوسف العباسىّ الهاشمىّ البغدادىّ. مولده فى سنة ثمان وثمانين وخمسمائة ببغداد، وأمّه أمّ ولد تركيّة، بويع بالخلافة بعد موت أبيه الظاهر بأمر الله فى شهر رجب سنة ثلاث وعشرين وستمائة؛ ولمّا ولى الخلافة نشر العدل فى الرعايا وبذل الإنصاف، وقرّب أهل العلم والدين، وبنى المساجد والرّبط والمدارس، وأقام منار الدين وقمع المتمرّدة، ونشر السنن وكفّ الفتن. وكان أبيض أشقر الشعر ضخما قصيرا، وخطه الشيب فخضب بالحنّاء، ثم ترك الخضاب. ومات فى العشرين من جمادى، وقيل: فى يوم الجمعة عاشر جمادى الآخرة عن إحدى وخمسين سنة وأربعة أشهر وتسعة أيام وكتم موته،

ما وقع من الحوادث سنة 641

وخطب له يومئذ بالجامع حتى أقبل شرف الدين «1» إقبال الشّرابىّ ومعه جمع من الخدّام، وسلّم على ولده المستعصم بالله أمير المؤمنين، واستدعاه إلى سدّة الخلافة، ثم عرّف الوزير وأستاذ الدار، ثم طلبوا الناس، وبايعوه بالخلافة وتمّ أمره. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى زين الدين أحمد بن عبد الملك بن عثمان المقدسىّ المحدّث الشّروطىّ. وإبراهيم بن بركات بن إبراهيم الخشوعىّ فى رجب. وعبد العزيز بن محمد بن الحسن بن عبد الله ويعرف بابن الدجاجيّة. وعلم الدين علىّ بن محمود ابن الصابونىّ الصّوفى فى شوّال، وله أربع وثمانون سنة. وأبو الكرم محمد بن عبد الواحد بن أحمد المتوكّلىّ، المعروف بابن شفنين فى رجب، وله إحدى وتسعون سنة. والمستنصر بالله أبو جعفر منصور بن الظاهر، وله اثنتان وخمسون سنة، توفّى فى جمادى الآخرة، وكانت خلافته ثلاث عشرة سنة. قلت: لعل الذهبىّ وهم فى مدّة خلافته، والصحيح أنّه ولى فى سنة ثلاث وعشر بن وستمائة، وتوفّى سنة أربعين. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وأربع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وثلاث أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 641] السنة الرابعة من ولاية الملك الصالح نجم الدين أيّوب على مصر، وهى سنة إحدى وأربعين وستمائة. فيها تردّدت الرسل بين السلطان الملك الصالح نجم الدين أيّوب المذكور وبين عمّه الملك الصالح إسماعيل صاحب الشام [فى الصلح «2» ] ، وكان الملك المغيث بن الصالح

نجم الدين هذا فى حبس الصالح إسماعيل صاحب الشام بدمشق، فأطلقه الصالح إسماعيل وخطب للصالح هذا ببلاده، ثم تغيّر ذلك كلّه وقبض الصالح إسماعيل ثانيا على الملك المغيث بن الصالح نجم الدين وحبسه. قال أبو المظفر- رحمه الله-: «وفيها قدمت القاهرة وسافرت إلى الإسكندريّة فى هذه السنة، فوجدتها كما قال الله تعالى: ذات قرار ومعين معمورة بالعلماء، مغمورة بالأولياء، [الذين «1» هم فى الدنيا شامة] : كالشيخ محمد القبّارىّ «2» والشاطبىّ وابن أبى أسامة «3» . وهى أولى بقول القيسرانىّ «4» رحمه الله فى وصف دمشق: أرض تحلّ الأمانى من أماكنها ... بحيث تجتمع الدنيا وتفترق إذا شدا الطير فى أغصانها وقفت ... على حدائقها الأسماع والحدق قلت: وأين [قول «5» ] أبى المظفّر من قول مجير الدين «6» بن تميم فى وصف الإسكندريّة!: لمّا قصدت سكندريّة زائرا ... ملأت فؤادى بهجة وسرورا ما زرت فيها جانبا إلّا رأت ... عيناى فيها جنّة وحريرا وفيها صالح صاحب الروم التتار على أن يدفع إليهم فى كلّ يوم ألف دينار وفرسا ومملوكا وجارية وكلب صيد؛ وكان صاحب الروم يومئذ ابن علاء الدين كيقباذ، وهو شابّ لعّاب ظالم قليل العقل، يلعب بالكلاب والسباع ويسلّطها على الناس فعضّه بعد ذلك سبع فمات، فأقام التّتار شحنة على الروم.

وفيها توفّى الشيخ نجم الذين خليل بن علىّ بن الحسين الحموىّ الحنفىّ الفقيه [قاضى العسكر «1» ] ، قدم دمشق وتفقّه بها وخدم المعظّم ودرس فى الرّيحانيّة بدمشق، وناب فى القضاء بها عن الرّفيع «2» . ومات فى شهر ربيع الأوّل ودفن بقاسيون. وفيها توفّى مظفّر الدين الملك الجواد يونس بن مودود بن الملك العادل أبى بكر بن أيّوب. وقد تقدّم من ذكره نبذة كبيرة عند وفاة الملك الكامل محمد بدمشق. انتهى. وكان مظفّر الدين هذا قد جاء إلى ابن عمّه الملك المعظّم لمّا وقع بينه وبين الملك الكامل صاحب مصر [ما وقع «3» ] فأحسن إليه المعظّم، ثم عاد إلى مصر لمّا مات الملك الأشرف موسى شاه أرمن، فأقام بها عند الكامل إلى أن عاد. صحبته إلى دمشق وأقام بها إلى أن مات الكامل فملّكوه دمشق، حسب ما حكيناه فى ترجمة الكامل والعادل ابنه؛ ووقع له بعد ذلك أمور. وكان جوادا كما اسمه، ويحبّ الصالحين والفقراء. قال أبو المظفّر: «إلّا أنّه كان حوله من ينهب الناس ويظلم وينسب ذلك إليه» . قلت: ثمّ قبض عليه عمّه الملك الصالح إسماعيل واعتقله، فطلبه منه الفرنج لصحبة كانت بينهم، فحنقه ابن يغمور وقال: إنّه مات، وكان ذلك فى شوّال، ودفن بقاسيون دمشق فى تربة المعظّم. وأمّا ابن يغمور فإنّه حبس بأذن الصالح بقلعة دمشق، ثم شنقه الملك الصالح أيّوب لما ملك دمشق بعث به ابن شيخ

الشيوخ إلى مصر، فحبسه الصالح بالجبّ، ثم شنقه بعد مدّة هو وأمين «1» الدولة على قلعة القاهرة. وفيها توفّى الشيخ الصالح الزاهد أبو بكر [الشّعيبى «2» ] ، كان من أهل ميّافارقين وكان من الأبدال، بعث إليه غازى صاحب ميّافارقين «3» مرارا يسأله الإذن فى الزيارة، فلم يأذن له، فقيل له: هل يطرق البلاد التتار؟ فرفع رأسه إلى السماء وأنشد: وما كلّ أسرار القلوب مباحة ... ولا كلّ ما حلّ الفؤاد يقال ثم خرج إلى الشّعيبة «4» وهى قرية هناك وقال: احفروا لى ها هنا، فبعد يومين اموت، فمات بعد يومين- رحمه الله تعالى-. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو تمّام علىّ ابن أبى الفخار هبة الله بن محمد الهاشمىّ خطيب جامع ابن المطّلب [ببغداد «5» ] ، وله تسعون سنة. وأبو الوفاء عبد الملك بن عبد الحقّ [بن «6» عبد الوهّاب بن عبد الواحد] ابن الحنبلى. وأمّ الفضل كريمة بنت عبد الوهاب القرشيّة فى جمادى الآخرة. والعدل أبو المكارم عبد الواحد بن عبد الرحمن بن عبد الواحد [بن محمد «7» ] بن هلال فى رجب. وأبو طالب عبد اللطيف بن محمد بن علىّ بن القبّيطىّ «8» التاجر، وله ستّ وثمانون سنة. وأبو محمد عبد الحقّ بن خلف الحنبلىّ. وأبو الرضا علىّ بن زيد التّسارسىّ «9» الخيّاط بالثغر. والأعزّ بن كرم بن «10» محمد الإسكاف. والقاضى شمس الدين عمر بن أسعد بن المنجّا الحنبلى، وله أربع وثمانون سنة. والحافظ تقىّ الدين إبراهيم

ما وقع من الحوادث سنة 642

ابن محمد بن الأزهر بدمشق، وله ستون سنة. وقيصر «1» بن فيروز المقرئ البوّاب فى رجب. وقاضى القضاة الرّفيع الحنبلىّ فى آخر السنة. أمر النيل فى هذه السنة الماء القديم ثلاث أذرع، وقيل أكثر. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وثمانى أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 642] السنة الخامسة من ولاية الملك الصالح نجم الدين أيّوب على مصر، وهى سنة اثنتين وأربعين وستمائة. فيها توفّى شهاب «2» الدين أحمد [بن «3» محمد بن علىّ بن أحمد] بن الناقد وزير الخليفة. كان أبوه وكيل أمّ الخليفة الناصر لدين الله، ونشأ ابنه هذا وتنقّل فى الخدم حتّى ولى الوزارة للخليفة المستنصر، ولقّب مؤيّد الدين، وحسنت سيرته. وكان رجلا صالحا فاضلا عفيفا ديّنا صار فى وزارته أحسن سيرة- رحمه الله تعالى-. وفيها توفّى شيخ الشيوخ تاج الدين أبو محمد عبد الله بن عمر [بن علىّ «4» ] بن محمد ابن حمّويه. كان فاضلا نزها شريف النفس عالى الهمّة، صنّف التاريخ وغيره، وكان معدودا من العلماء الفضلاء. ومات فى صفر. وفيها قتل القاضى الرّفيع عبد العزيز بن عبد الواحد بن إسماعيل أبو حامد الملقّب بالرّفيع. قال أبو المظفّر فى تاريخه: قيل إنّه كان فاسد العقيدة دهريّا مستهترا بأمور الشريعة، يخرج إلى الجمعة سكران، وكذلك كان يجلس فى مجلس الحكم، وكانت داره مثل الحانات، قبض عليه أمين الدولة وبعث به فى الليل إلى بعلبكّ،

وصودر هناك، وباع أملاكه؛ وبعد ذلك جاءه داود النصرانىّ [سيف «1» النّقمة] فقال: قد أمرنا بحملك إلى بعلبكّ، فأيقن بالهلاك؛ فقال: دعونى أصلى ركعتين! فقال له داود: صلّ، فقام يصلّى فأطال، فرفسه داود من رأس شقيف مطلّ على نهر إبراهيم فوقع، فما وصل إلى الماء إلا وقد تقطّع- وقيل: إنّه تعلّق بذيله بسنّ الجبل فما زال داود يضربه بالحجارة حتّى قتله-. قلت: لا شلّت يداه! فإنّه كان من مساوىء الدنيا!. وفيها توفّى الملك المغيث عمر بن السلطان الملك الصالح نجم الدين أيّوب صاحب الترجمة، مات فى حياة والده الملك الصالح فى حبس دمشق- بعد أن عجز والده فى خلاصه- فى يوم الجمعة ثانى عشرين شهر ربيع الآخر، وحمل إلى تربة جدّه الملك الكامل محمد فدفن بها، وكان شابّا حسنا عاقلا ديّنا. وقد مرّ من ذكره نبذة كبيرة فى عدّة مواضع من هذا الكتاب. وفيها توفّى شمس الأئمة محمد بن عبد الستّار بن محمد الإمام العلّامة فريد دهره ووحيد عصره المعروف بشمس الأئمة الكردرىّ «2» البراتقينىّ الحنفىّ. وبراتقين: قصبة من قصبات كردر من أعمال جرجانيّة «3» . قال الذهبىّ: كان أستاذ الأئمة على الإطلاق والموفود إليه من الآفاق؛ برع فى علوم، وأقرأ فى فنون؛ وانتهت إليه رياسة الحنفيّة فى زمانه. انتهى. قلت: وشمس الأئمة أحد العلماء الأعلام وأحد من سار ذكره شرقا وغربا، وانتشرت تصانيفه فى الدنيا- رحمه الله تعالى-. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى شيخ الشيوخ تاج الدين عبد الله بن عمر بن علىّ الجوينىّ فى صفر، وله سبعون «4» سنة. وأبو المنصور

ما وقع من الحوادث سنة 643

ظافر بن طاهر [بن ظافر بن «1» إسماعيل] بن سحم الأزدى المطرّز بالإسكندريّة فى شهر ربيع الأوّل. وأبو الفضل يوسف بن عبد المعطى بن منصور بن نجا العسالىّ «2» ابن المخيلىّ «3» أحد رءوس الثغر فى جمادى الآخرة، وله أربع وسبعون سنة. وأبو الضوء قمر بن هلال بن بطّاح «4» القطيعىّ فى رجب. وتاج الدين أحمد بن محمد بن هبة الله بن محمد بن الشّيرازىّ فى رمضان، وقد نيّف على السبعين. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع سواء. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا سواء. *** [ما وقع من الحوادث سنة 643] السنة السادسة من ولاية الملك الصالح نجم الدين أيّوب على مصر، وهى سنة ثلاث وأربعين وستمائة. فيها كان الحصار على دمشق [من المصريين «5» و] من الخوارزميّة. وفيها كان الغلاء العظيم بدمشق، وبلغت الغرارة القمح ألفا وستمائة درهم، وأبيعت الأملاك والأمتعة بالهوان. وفيها أيضا كان الغلاء بمصر، وقاسى أهلها شدائد. وفيها توفّى الوزير معين الدين الحسن ابن شيخ الشيوخ أبو علىّ وزير الملك الصالح أيّوب، وهو الذي حصر دمشق فيما مضى. كان استوزره الملك الصالح بعد أخيه

عماد الدين، وكانت وفاته بدمشق فى شهر رمضان، ودفن إلى جانب أخيه عماد الدين المذكور بقاسيون. وفيها توفّى عبد المحسن بن حمّود بن [عبد «1» ] المحسن أبو الفضل أمين الدين الحلبىّ، كان كاتبا لعزّ «2» الدين أيبك المعظّمىّ، وكان فاضلا ديّنا بارعا حسن الخط. ومن شعره فى إجازة- رحمه الله تعالى-: قد أجزت الذي فيها ... إلى ما التمسوه منى فلهم بعدها رواية ما صح ... لديهم من الرواية عنّى «3» وكانت وفاته فى شهر رجب، ودفن بباب «4» توما. وفيها توفّيت ربيعة خاتون بنت أيّوب أخت السلطان صلاح الدين يوسف ابن أيّوب، وأخت الملك العادل أبى بكر بن أيّوب، كان تزوّجها أوّلا سعد الدين مسعود بن معين [الدين «5» ] أنر، وبعد موته تزوّجها صلاح الدين بن مظفّر الدين بن زين الدين صاحب إربل، ثم قدمت دمشق، وهى صاحبة الأوقاف، وماتت بدمشق ودفنت بقاسيون، وقد جاوزت ثمانين سنة. وفيها توفّى أحمد بن عيسى ابن العلّامة موفّق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الإمام الحافظ الزاهد سيف الدين بن المجد الحنبلىّ. ولد سنة خمس وستمائة. وسمع الحديث الكثير، وكتب وصنّف وجمع وخرّج، وكان ثقة حجّة بصيرا بالحديث ورجاله، ومات فى أوّل شعبان.

وفيها توفى عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن موسى أبى نصر الإمام المفتى تقىّ الدين أبو عمرو ابن الإمام البارع صالح الدين النّصرى الكردىّ الشّهرزورىّ الشافعىّ المعروف بابن الصلاح. ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة وتفقّه على والده الصلاح بشهرزور وغيره، وبرع فى الفقه والحديث والعربيّة وشارك فى فنون. ومات فى شهر ربيع الآخر ودفن بمقابر الصوفيّة. وفيها توفّى علىّ بن محمد بن عبد الصمد العلّامة شيخ القرّاء بدمشق علم الدين أبو الحسن الهمذانىّ السّخاوىّ المصرىّ. ولد سنة ثمان أو تسع وخمسين وخمسمائة، وكان إماما علّامة مقرئا محققا مجوّدا بصيرا بالقراءات، ماهرا فى النحو واللغة إماما فى التفسير، مات بدمشق فى جمادى الآخرة. وفيها توفى محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل الحافظ ضياء الدين أبو عبد الله المقدسىّ السّعدىّ ثم الدّمشقىّ الصالحىّ صاحب التصانيف المشهورة. ولد سنة تسع وستين وخمسمائة، وسمع الكثير ورحل البلاد، وكتب وصنّف وحصّل شيئا كثيرا من الأجزاء والأسانيد. ومات يوم الاثنين الثامن والعشرين من جمادى الآخرة، وله أربع وسبعون سنة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن مقرّب التّجيبى الإسكندرىّ فى صفر. والحافظ أبو العبّاس أحمد ابن محمود بن إبراهيم بن نبهان بن الجوهرىّ بدمشق فى صفر. والحافظ العلّامة تقىّ الدين عثمان بن الصلاح عبد الرحمن بن عثمان الكردىّ فى شهر ربيع الآخر، وله ست وستون سنة. والحافظ سيف الدين أحمد بن المجد عيسى بن الموفّق فى شعبان. والحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسىّ فى جمادى الآخرة، وله أربع وسبعون سنة. والحافظ الفقيه تقىّ الدين أحمد بن المعزّ محمد بن عبد الغنى

ابن عبد الواحد المقدسىّ فى شهر ربيع الآخر، وله اثنتان وخمسون سنة. والحافظ المفيد تاج الدين محمد بن أبى جعفر [أحمد بن «1» علىّ] القرطبىّ إمام الكلّاسة فى جمادى الأولى. والرئيس عزّ الدين ابن النّسابة محمد بن أحمد بن محمد [بن الحسن «2» ] ابن عساكر فى رجب، وله ثمان وسبعون سنة. والعلّامة موفّق الدين يعيش بن علىّ بن يعيش النحوىّ بحلب فى جمادى الأولى، وله تسعون سنة. والعلّامة علم الدين علىّ بن محمد بن عبد الصمد الهمذانىّ السّخاوىّ المقرئ المفسّر؛ وله خمس وثمانون سنة فى جمادى الآخرة. وأبو غالب منصور بن أحمد بن أبى غالب [محمد بن «3» محمد] المراتبىّ «4» ابن المعوج فيه، وله ثمان وثمانون سنة. وخطيب الجبل شرف الدين عبد الله ابن الشيخ أبى عمر [محمد «5» ] المقدسىّ فيه أيضا. والحافظ مجد الدين محمد بن محمود بن حسن [بن هبة الله «6» بن محاسن] بن النجّار محدث العراق فى شعبان، وله خمس وتسعون سنة. والصاحب معين الدين حسن ابن شيخ الشيوخ صدر الدين محمد بن عمر الجوينىّ بدمشق فى رمضان. والشيخ أبو الحسن علىّ بن الحسين بن المقيّر «7» النجّار بمصر فى ذى القعدة، وله ثمان وتسعون سنة. وأبو بكر محمد بن سعد «8» بن الموفّق الصّوفىّ بن الخازن ببغداد فى ذى الحجّة، وله سبع وثمانون سنة. والأمير سيف الدين علىّ بن قليج، ودفن بتربته داخل دمشق. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وأربع عشرة إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 644

*** [ما وقع من الحوادث سنة 644] السنة السابعة من ولاية الملك الصالح نجم الدين أيّوب على مصر، وهى سنة أربع وأربعين وستمائة. فيها توفّى الملك المنصور صاحب حمص واسمه إبراهيم بن شيركوه بن محمد بن أسد الدين شيركوه الكبير أخو أيّوب. كان المنصور هذا شجاعا متواضعا موافقا للملك الصالح إسماعيل ومصاهرا له. ومات بدمشق فى يوم الأربعاء حادى عشر صفر، وحمل فى تابوت إلى حمص، ومات وله عشرون سنة. وقام بعده على حمص ولده الأشرف موسى، فأقام بها سنتين وشهورا وأخذت منه. وفيها تسلّم السلطان الملك الصالح أيّوب قلعة الصّبيبة «1» من ابن عمّه الملك السعيد ابن الملك العزيز، ثم أخذ السلطان أيضا حصن الصّلت «2» من الملك الناصر داود صاحب الكرك. وفيها قدم رسولان من التّتار إلى بغداد، أحدهما من بركة خان، والآخر من ناخو، فاجتمعا بالوزير مؤيّد الدين ابن العلقمىّ، فتغمّت على الناس بواطن الأمور. وفيها أخذت الفرنج مدينة شاطبة من بلاد المغرب صلحا، ثم أجلوا أهلها بعد سنة عنها. فما شاء الله كان. وفيها توفّى بركة خان الخوارزمىّ أحد الخانات الأربعة، كان أصلحهم فى الميل إلى الخير، وكان الملك الصالح نجم الدين- صاحب الترجمة- قد صاهره وأحسن إليه، وجرى منه [عليه «3» ] ما جرى فى حياة والده الملك الكامل. ولمّا

ما وقع من الحوادث سنة 645

قتل انحلّ نظام الخوارزميّة من بعده، وكان قتله بالقرب من حلب فى قتال كان بينه وبين صاحب حلب وحمص. وقد تقدّم ذكر ذلك كلّه فى أوّل ترجمة الصالح هذا. قال الأمير شمس الدين لؤلؤ: لمّا التقينا على حمص رأيت الخوارزمية خلقا عظيما، وكتا بالنسبة إليهم كالشّامة السوداء فى الثور الأبيض، فقال لى غلمانى (يعنى مماليكه) : أيّما أحبّ إليك، نأخذ بركة خان أسيرا، أو نحمل رأسه إليك؟ فقلت: رأسه، كأنّ الله أنطقنى والتقينا. فلمّا كان بعد ساعة وإذا بواحد من أصحابنا يحمل رأسا مليح الصّورة وليس فى وجهه سوى شعرات يسيرة، ولم يعرفه أحد ولا نحن عرفناه، وانهزموا، وجىء بطائفة منهم أسارى، فلمّا رأوا الرأسّ رموا نفوسهم من خيولهم وحثوا التراب على رءوسهم، فعلمنا حينئذ أنّه رأسه، وبعثنا به إلى حلب. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو عبد الله محمد بن حسّان بن رافع العامرىّ خطيب الموصل. وعبد المنعم بن محمد [بن محمد «1» ] بن أبى الضياء «2» الدّمشقىّ بحماة. والزاهد إسماعيل بن علىّ الكورانىّ «3» ، ودفن بمقابر الصّوفيّة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وتسع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 645] السنة الثامنة من ولاية الملك الصالح نجم الدين أيّوب على مصر، وهى سنة خمس وأربعين وستّمائة.

فيها نزل الوزير فخر الدين ابن الشيخ بعسكر الصالح نجم الدين المذكور على طبريّة ففتحها عنوة، وحاصر عسقلان وقاتل عليها قتالا عظيما [وأخذها المسلمون «1» ] . وفيها وجّه الملك الصالح نجم الدين تاج الدين بن مهاجر من مصر إلى دمشق ومعه المبارز نسيبه ومعهما تذكرة فيها أسماء جماعة من أعيان الدّماشقة بأن يحملوا إلى مصر فحملوا، وهم: [القاضى «2» ] محيى الدين بن الزّكىّ وابن الحصيرىّ وابن العماد الكاتب وبنو صصرّى الأربعة، وشرف الدين بن المعتمد وابن الخطيب العقربانىّ والتاج [الإسكندرانىّ «3» ] الملقّب بالشّحرور وأبو الشامات والحكيمىّ «4» مملوك إسماعيل وغازى والى بصرى وابن الهادى المحتسب؛ وأخرج العماد «5» ابن خطيب بيت الأبّار من جامع دمشق، وولّى العماد «6» الحرستانىّ الخطابة عوضه. وسبب حمل هؤلاء الجماعة إلى مصر، أنّه نقل إلى الملك الصالح أيّوب أنّهم خواصّ الصالح إسماعيل، فخاف أن يجرى ما جرى فى النوبة الأولى من أخذ دمشق. ولمّا وصلوا إلى مصر حبس منهم السلطان الملك الصالح جماعة فأقاموا فى الحبس إلى أن مات الملك الصالح، فأخرجوا وعادوا إلى دمشق. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى العلّامة أبو علىّ عمر بن محمد الأزدىّ الإشبيلىّ النحوىّ الشّلوبينى «7» فى صفر، وله ثلاث وثمانون سنة.

ما وقع من الحوادث سنة 646

وأبو مدين شعيب بن يحيى الإسكندرانىّ الزّعفرانىّ التاجر بمكّة- شرّفها الله تعالى- والشيخ علىّ الحريرىّ فى رمضان عن سنّ عالية. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وتسع عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 646] السنة التاسعة من ولاية الملك الصالح نجم الدين أيّوب على مصر، وهى سنة ستّ وأربعين وستمائة. فيها قايض الملك الأشرف موسى صاحب حمص تلّ باشر بحمص مع الملك الناصر يوسف [بن العزيز بن الظاهر بن صلاح الدين «1» ] صاحب حلب، ولذلك خرج الملك الصالح نجم الدين أيّوب هذا من مصر بالعساكر حسب ما ذكرناه فى ترجمته، ثم عاد مريضا لمّا بلغه مجىء الفرنج إلى دمياط. وفيها أخذ الملك الصالح نجم الدين المذكور من الأمير علاء الدين أيدكين البندقدارىّ بيبرس البندقدارىّ الذي تسلطن، اشتراه منه ورقّاه إلى أن صار من أمره ما صار. وفيها زار الملك الصالح فى عوده إلى مصر القدس الشريف، وأمر أن يذرع سوره، فجاء ستة آلاف ذراع، فأمر بأن يصرف مغلّ القدس فى عمارته. وتصدّق السلطان الملك الصالح بألفى دينار فى الحرم، وزار الخليل- عليه السلام- ثم عاد إلى مصر.

وفيها توفّى علىّ «1» بن أبى الجنّ بن منصور الشيخ أبو الجنّ. وأبو محمد «2» الحريرىّ، مقدّم الطائفة الفقراء الحريريّة، ولد بقرية بسر «3» وقدم دمشق صبيّا فنشأ بها. وفى أحوال الحريرىّ هذا أقوال كثيرة، أثنى «4» عليه أبو شامة وغيره، وتكلّم فيه جماعة منهم الذهبىّ وغيره. والله أعلم بحاله. وقال ابن إسرائيل: وتوفّى فى الساعة التاسعة من يوم الجمعة السادس والعشرين من رمضان سنة خمس وأربعين من عير مرض، وكان أخبر بذلك قبل موته بمدّة. وفيها توفّى عثمان بن عمر بن أبى بكر بن يونس الشيخ الإمام العالم العلّامة جمال الدين أبو عمرو المعروف بابن الحاجب الكردىّ المالكىّ النحوىّ الأصولىّ صاحب التصانيف فى النحو وغيره. مولده فى سنة سبعين وخمسمائة بإسنا «5» من بلاد الصعيد، ومات فى شوّال، وفى شهرته ما يغنى عن الإطناب فى ذكره- رحمه الله تعالى-.

ما وقع من الحوادث سنة 647

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو علىّ منصور ابن سند «1» [بن منصور المعروف با «2» ] بن الدبّاغ بالإسكندريّة فى شهر ربيع الأوّل. وأبو القاسم عبد الله بن الحسين بن عبد الله [بن الحسين «3» بن عبد الله] بن رواحة الأنصارىّ فى جمادى الآخرة. وله ستّ وثمانون سنة. وأمّ حمزة صفيّة بنت عبد الوهّاب بن علىّ القرشيّة أخت كريمة فى رجب. والعلّامة أبو الحسن علىّ بن جابر بن الدّبّاح الإشبيلىّ بها عند استيلاء الفرنج عليها. والوزير الأكرم علىّ بن يوسف جمال الدين القفطى «4» بحلب. والعلّامة جمال الدين أبو عمرو عثمان بن الحاجب. وعمرو بن عبد الله بن أبى بكر الإشبيلىّ فى شوّال بالإسكندريّة، وله ستّ وسبعون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وأربع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثلاث وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 647] السنة العاشرة من ولاية السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب على مصر، وهى سنة سبع وأربعين وستمائة، وفهيا كانت وفاته فى شعبان، حسب ما تقدّم ذكره. فيها فى أوّلها كان عود السلطان الملك الصالح المذكور من دمشق- حسب ما ذكرناه فى العام الماضى- قال الذهبىّ: وفيها فى أوّلها عاد الملك الصالح إلى

الديار المصريّة مريضا فى محفّة، وكان قد قتل أخاه الملك العادل قبل خروجه من مصر فما هنّأه الله. واستعمل على نيابة دمشق الأمير جمال الدين [موسى «1» ] ابن يغمور. قال: وفيها ولدت امرأة ببغداد ابنين وبنتين فى جوف، وشاع ذلك فطلبوا إلى دار الخلافة وأحضروا، وقد مات واحد، فأحضر ميّتا فتعجّبوا، وأعطيت الأمّ من الثياب والحلىّ ما يبلغ ألف دينار. وفيها توجّه الملك الناصر داود صاحب الكرك إلى الملك الناصر يوسف صاحب حلب، وبلغ السلطان الملك الصالح نجم الدين ذلك، فأرسل إلى نائبه ابن يغمور بدمشق بخراب دار أسامة وقطع شجر بستان القصر الذي للنّاصر داود بالقابون «2» وخراب القصر، ففعل ذلك. وفيها سار الملك الظاهر [شادى «3» ] والملك الأمجد «4» ابنا الملك الناصر داود المقدّم ذكره من الكرك إلى مصر، وسلّما الكرك إلى السلطان الملك الصالح نجم الدين بغير رضا أبيهما الناصر، فأعطى الملك الصالح للظاهر بن الناصر داود عوضّا عن الكرك خبز مائتى فارس بمصر، وخمسين ألف دينار، وثلثمائة قطعة قماش، والذخائر التى بالكرك؛ وأعطى لأخيه الأمجد إخميم «5» ، وخبزمائة وخمسين فارسا بمصر؛ فلم تطل مدّتهم بمصر ومات الملك الصالح وزال ذلك كلّه من أيديهم حسب ما تقدّم ذكره، وحسب ما يأتى ذكره أيضا. وفيها هجمت الفرنج دمياط وأحاطت بها فى شهر ربيع الأوّل، وقد ذكر ذلك كلّه.

وفيها توفّى الصّاحب فخر الدين يوسف بن صدر الدين شيخ الشيوخ [أبى «1» الحسن محمد بن عمر بن على بن محمد بن حمّويه الجوينىّ] . كان عاقلا جوادا ممدّحا مدبّرا خليقا بالملك محبوبا إلى الناس. ولمّا مات الملك الصالح نجم الدين أيّوب على دمياط ندب إلى الملك فامتنع، ولو أجاب لما خالفوه، واستشهد على دمياط بعد أخذها. ومن شعره قوله: عصيت هوى نفسى صغيرا فعند ما ... رمتنى الليالى بالمشيب وبالكبر أطعت الهوى عكس القضيّة ليتنى ... خلقت كبيرا وانتقلت إلى الصّغر قلت: ويذكر هذا الشعر أيضا لغيره فيما يأتى- إن شاء الله تعالى-. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو يعقوب يوسف ابن محمود بن الحسين الساوىّ «2» فى رجب بالقاهرة، وولد بدمشق فى سنة ثمان وستّين. والسلطان الملك الصالح نجم الدين أيّوب بن الكامل بن العادل بالمنصورة فى شعبان، وله أربع وأربعون سنة. والأمير مقدّم الجيوش فخر الدين يوسف ابن شيخ الشيوخ صدر الدين الجوينىّ فى ذى القعدة شهيدا يوم وقعة المنصورة. وأبو جعفر محمد بن عبد الكريم بن محمد ببغداد. وصفىّ الدين عمر بن عبد الوهّاب ابن البرادعىّ فى شهر ربيع الآخر. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وستّ أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثمانى أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 648

[ما وقع من الحوادث سنة 648] ذكر سلطنة الملك المعظّم توران شاه على مصر هو السلطان الملك المعظّم توران شاه ابن السلطان الملك الصالح نجم الدين أيّوب ابن السلطان الملك الكامل ناصر الدين محمد ابن الملك العادل سيف الدين محمد أبى بكر ابن الأمير نجم الدين أيّوب بن شادى، سلطان الديار المصريّة الأيّوبىّ الكردىّ، آخر ملوك بنى أيّوب بمصر، ولا عبرة بولاية الأشرف فى سلطنة الملك المعزّ أيبك. تسلطن الملك المعظّم هذا بعد موت أبيه الملك الصالح بنحو شهرين ونصف، وقيل: أربعة أشهر ونصف وهو الأصحّ؛ لأنّ الملك الصالح أيّوب كانت وفاته فى ليلة النصف من شعبان سنة سبع وأربعين بالمنصورة، والفرنج محدقة بعساكر الإسلام، فأخفت زوجته أمّ ولده خليل شجرة الدّرّ موته مخافة على المسلمين، وبايعوا لابنه المعظّم هذا بالسلطنة فى غيبته، وصارت شجرة الدّرّ تدبرّ الأمور وتخفى موت السلطان الملك الصالح إلى أن حضر المعظّم توران شاه هذا من حصن كيفا إلى المنصورة فى أوّل المحرّم من سنة ثمان وأربعين وستمائة. وكان المعظّم هذا نائبا لأبيه الملك الصالح على حصن كيفا وغيرها من ديار بكر. ولمّا وصل المعظّم إلى المنصورة فتح الله على يديه، ونصر الله الإسلام فى يوم دخوله فتيمّن الناس بطلعته. وسبب النصر أنّه لمّا استهلّت سنة ثمان وأربعين والفرنج على المنصورة والجيوش الإسلاميّة بإزائهم، وقد طال القتال بين الفريقين أشهرا ضعف حال الفرنج لانقطاع الميرة عنهم، ووقع فى خيلهم وباء وموت، وعزم ملكهم الفرنسيس على أن يركب فى أوّل اللّيل ويسير إلى دمياط، فعلم المسلمون بذلك. وكان الفرنج قد عملوا جسرا عظيما من الصّنوبر على النيل، فسهوا عن قطعه، فعبر منه المسلمون فى الليل إلى برّهم، وخيامهم على حالها وثقلهم، وأحدق المسلمون بهم يتخطّفونهم طول الليل قتلا وأسرا، فالتجئوا

إلى قرية تسمّى منية «1» أبى عبد الله وتحصّنوا بها، ودار المسلمون حولها، وظفر أسطول المسلمين بأسطولهم، فغنموا جميع المراكب بمن فيها. واجتمع إلى الفرنسيس خمسمائة فارس من أبطال الفرنج، وقعد فى حوش منية أبى عبد الله؛ وطلب الطّواشى رشيد [الدين «2» ] ، والأمير سيف الدين القيمرىّ «3» فحضرا إليه؛ فطلب منهما، الأمان على نفسه ومن معه؛ فأجاباه وأمّناه فلم يرض الفرنج وحملوا «4» على حميّة؛ وأحدق المسلمون بهم؛ وبقوا يحملون عليهم حملة بعد حملة، حتّى أبيدت الفرنج، ولم يبق منهم سوى فارسين، فرموا نفوسهم بخيولهم إلى البحر فغرقوا [ولم يصل إلى دمياط من يخبر «5» بحالهم] وغنم المسلمون منهم ما لا يوصف واستغنى خلق؛ وأنزل الفرنسيس فى حرّاقة، وأحدقت به مراكب المسلمين تضرب فيها الكوسات «6» والطّبول. وفى البرّ الشرقىّ العسكر سائر منصور مؤيّد، والبرّ الغربىّ فيه العربان والعامّة فى لهو وتهان وسرور بهذا الفتح العظيم، والأسرى تقاد فى الحبال؛ فكان يوما من الأيّام العظيمة المشهودة. وقال سعد «7» الدين فى تاريخه: لو أراد الفرنسيس أن ينجو بنفسه لخلص على خيل سبق أو فى حرّاقة، لكنّه أقام فى الساقة يحمى أصحابه. وكان فى الأسر ملوك وكنود «8» من الفرنج. وأحصى عدّة الأسرى فكانوا نيّفا وعشرين ألف آدمىّ، والذي غرق وقتل سبعة

آلاف نفس. قال: فرأيت القتلى وقد ستروا وجه الأرض من كثرتهم، وكان الفارس العظيم يأتيه وسائق يسوقه وراءه كأذلّ ما يكون، وكان يوما لم يشاهد المسلمون مثله؛ ولم يقتل فى ذلك اليوم من المسلمين مائة نفس، ونفّذ السلطان الملك المعظّم توران شاه للفرنسيس والملوك الذين معه والكنود خلعا. وكانوا نيّفا وخمسين، فلبس الكلّ سواه. وقال: إنّ بلادى بقدر بلاد صاحب مصر، كيف ألبس خلعته! وعمل السلطان من الغد دعوة عظيمة فامتنع الملعون أيضا من حضورها؛ وقال: أنا ما آكل طعامه وما يحضرنى إلا ليهزأ بى عسكره ولا سبيل إلى هذا! وكان عنده عقل وثبات ودين، فالنصارى كانوا يعتقدون فيه بسبب ذلك. وكان حسن الخلقة. وأبقى الملك المعظّم الأسرى، وأخذ أصحاب الصنائع، ثم أمر بضرب رقاب الجميع. انتهى. وقال غيره: وحبسوا الفرنسيس بالمنصورة بدار «1» ابن لقمان يحفظه الطواشى [جمال الدين «2» ] صبيح [المعظّمىّ «3» ] مكرما غاية الكرامة. وقال آخر: بمصر بدار ابن لقمان وهو الأصحّ، وزاد بعضهم فقال: دار ابن لقمان هى الدار الكبيرة بالقرب من باب الخرق (يعنى دار ابن قطينة) انتهى.

وقال أبو المظفّر فى تاريخه مرآة الزمان: «وفى أوّل ليلة منها (يعنى سنة ثمان وأربعين) كان المصافّ بين الفرنج والمسلمين على المنصورة بعد وصول المعظّم توران شاه إلى المخيّم، ومسك الفرنسيس وقتل من الفرنج مائة [ألف «1» ] ، ووصل كتاب المعظّم توران شاه إلى جمال الدين بن يغمور (يعنى إلى نائب الشام) يقول: «الحمد لله الذي أذهب عنّا الحزن. وما النصر إلّا من عند الله. ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم. وأمّا بنعمة ربّك فحدّث. وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها. نبشّر المجلس السامى الجمالىّ، بل نبشّر الإسلام كافّة بما منّ الله به على المسلمين، من الظّفر بعدوّ الدين، فإنّه كان قد استفحل أمره واستحكم شرّه؛ ويئس العباد من البلاد، [والأهل «2» ] والأولاد؛ فنودوا: وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ الآية. ولمّا كان يوم الأربعاء «3» مستهلّ السنة المباركة تممّ الله على الإسلام بركتها؛ فتحنا الخزائن، وبذلنا الأموال، وفرّقنا السلاح، وجمعنا العربان والمطّوّعة واجتمع خلق لا يحصيهم إلّا الله تعالى، فجاءوا من كلّ فجّ عميق، ومن كلّ مكان بعيد سحيق؛ ولمّا رأى العدوّ ذلك أرسل يطلب الصلح على ما وقع عليه الاتّفاق بينهم وبين الملك العادل أبى بكر فأبينا. ولمّا كان فى الليل تركوا خيامهم وأثقالهم وأموالهم وقصدوا دمياط هاربين، فسرنا فى آثارهم طالبين؛ وما زال السيف يعمل فيهم عامّة الليل، ويدخل فيهم الخزى والويل. فلمّا أصبحنا نهار الأربعاء قتلنا منهم ثلاثين ألفا غير من ألقى نفسه فى اللّجج. وأمّا الأسرى فحدّث عن البحر ولا حرج؛ والتجأ الفرنسيس إلى المنية «4» وطلب الأمان فأمّناه، وأخذناه وأكرمناه؛ وتسلّمنا دمياط بعونه وقوته، وجلاله وعظمته» .

وأرسل الملك المعظّم مع الكتاب إلى ابن يغمور المذكور بغفارة «1» الفرنسيس فلبسها ابن يغمور فى دست مملكته بدمشق، وكانت سقرلاط «2» أحمر بفرو سنجاب. فكتب ابن يغمور فى الجواب إلى السلطان الملك المعظّم المذكور بيتين لابن إسرائيل «3» ، وهما: أسيّد أملاك الزمان بأسرهم ... تنجّزت من نصر الإله وعوده فلا زال مولانا يبيح حمى العدا ... ويلبس أسلاب الملوك عبيده انتهى كلام أبى المظفّر بعد أن ساق كلاما طويلا من هذا النموذج بنحو ما حكيناه. وقال غيره: وبقى الفرنسيس فى الاعتقال إلى أن قتل الملك المعظّم توران شاه ابن الملك الصالح نجم الدين أيّوب (يعنى صاحب الترجمة) ، فدخل حسام الدين ابن أبى علىّ فى قضيّته، على أن يسلّم للمسلمين دمياط ويحمل خمسمائة ألف دينار. فأركبوه بغلة وساقت معه الجيوش إلى دمياط، فما وصلوا إلّا والمسلمون على أعلاها بالتكبير والتهليل، والفرنج الذين كانوا بها قد هربوا إلى المراكب وأخلوها، فخاف الفرنسيس واصفرّ لونه. فقال الأمير حسام الدين بن أبى علىّ [للملك «4» المعزّ] : هذه دمياط قد حصلت لنا، وهذا الرجل فى أسرنا وهو عظيم النصرانيّة، وقد اطّلع على عوراتنا، والمصلحة ألّا نطلقه؛ وكان قد تسلطن أيبك التّركمانىّ الصالحىّ أو صار حاكما عن الملكة شجرة الدّر؛ فقال أيبك وغيره من المماليك الصالحيّة: ما نرى

الغدر! وكانت المصلحة ما قاله حسام الدين. فقووا عليه وأطلقوه طمعا فى المال! فركب فى البحر الرومىّ فى شينىّ «1» . وذكر حسام الدين أنّه سأل الفرنسيس عن عدّة العسكر الذي كان معه لمّا قدم لأخذ دمياط؛ فقال: كان معى تسعة آلاف وخمسمائة فارس، ومائة ألف وثلاثون ألف طبسىّ «2» سوى الغلمان والسّوقة والبحّارة. انتهى. قال سعد الدين فى تاريخه: اتّفقوا على أن يسلّم الفرنسيس دمياط، وأن يعطى هو والكنود ثمانمائة ألف دينار عوضا عما كان بدمياط من الحواصل، ويطلقوا أسرى المسلمين، فحلفوا على هذا؛ وركبت العساكر ثانى صفر إلى دمياط قرب الظهر، وساروا حتّى دخلوها، ونهبوا وقتلوا من بقى من الفرنج حتّى ضربتهم الأمراء وأخرجوهم، وقوّموا الحواصل التى بقيت فى دمياط بأربعمائة ألف دينار؛ وأخذوا من الملك الفرنسيس أربعمائة ألف دينار، وأطلقوه العصر هو وجماعته؛ فانحدروا فى شينى إلى البطس «3» ، وأنفذ رسولا إلى الأمراء الصالحيّة يقول: ما رأيت أقلّ عقلا ولا دينا منكم! أمّا قلّة الدين فقتلتم سلطانكم بغير ذنب (يعنى لمّا قتلوا ابن أستاذهم الملك المعظّم توران شاه بعد أخذ دمياط بأيّام) على ما سنذكره هنا إن شاء الله تعالى. قال: وأمّا قلّة العقل فكذا، مثلى ملك البحر وقع فى أيديكم بعتموه بأربعمائة ألف دينار، ولو طلبتم مملكتى دفعتها لكم حتّى أخلص. ثم لمّا سار إلى بلاده أخذ فى الاستعداد والعود إلى دمياط فأهلكه الله تعالى. وندمت الأمراء على إطلاقه. ولمّا أراد الفرنسيس العود إلى دمياط قال فى ذلك الصاحب جمال الدين «4» يحيى بن مطروح قصيدته المشهورة، وكتب بها إليه يعنى إلى الفرنسيس، وهى:

قل للفرنسيس إذا جئته ... مقال صدق «1» من قؤول فصيح آجرك الله على ما جرى ... من قتل عبّاد يسوع المسيح أتيت مصر تبتغى ملكها ... تحسب أنّ الزمر يا طبل ريح فساقك الحين إلى أدهم ... ضاق به عن ناظريك الفسيح وكلّ أصحابك أودعتهم ... بحسن تدبيرك بطن الضريح خمسون «2» ألفا لا ترى منهم ... إلّا قتيلا أو أسيرا جريح وفّقك الله لأمثالها ... لعلّ عيسى منكم يستريح إن كان باباكم بذا راضيا ... فربّ غشّ قد أتى من نصيح وقل لهم إن أضمروا عودة ... لأخذ ثار أو لعقد «3» صحيح دار ابن لقمان على حالها ... والقيد باق والطواشى صبيح قلت: لله درّه! فيما أجاب عن المسلمين مع اللطف والبلاغة وحسن التركيب، رحمه الله. وأمّا أمر الملك المعظّم توران شاه صاحب الترجمة، قال العلّامة شمس الدين يوسف بن قزأوغلى فى تاريخه فى سبب قتله، قال: «ذكرنا مجيئه إلى الشام وذهابه إلى مصر، واتّفق كسرة الفرنج عند قدومه فتيمّن الناس بطلعته، [واستبشروا «4» بمشاهدته] ؛ غير أنّه بدت منه أسباب نفّرت القلوب عنه فاتّفقوا على قتله وكان فيه نوع خفّة، فكان يجلس على السماط، فإذا سمع فقيها يذكر مسألة وهو بعيد عنه، يصيح: لا نسلّم!. ثمّ احتجب عن الناس أكثر من أبيه؛ وكان

إذا سكر يجمع الشموع ويضرب رءوسها بالسيف فيقطعها ويقول: كذا أفعل بالبحريّة! يعنى مماليك أبيه الذين كان جعلهم بقلعة البحر بجزيرة الرّوضة «1» ، ثم يسمّى مماليك أبيه بأسمائهم؛ وأهانهم وقدّم الأرذال وأبعد الأماثل. ووعد [الفارس] أقطاى «2» أن يؤمّره ولم يف له، فاستوحش منه. وكانت أمّ خليل (يعنى شجرة الدرّ) زوجة والده الملك الصالح لمّا وصل إلى القاهرة مضت هى إلى القدس، فبعث يهدّدها ويطلب المال والجواهر منها فخافت منه، فكاتبت فيه، فاتّفق الجميع عند ذلك على قتله. فلمّا كان يوم الاثنين سابع عشرين المحرّم جلس المعظّم على السّماط فضربه بعض مماليك أبيه البحريّة بالسيف فتلقّاه بيده فقطع بعض أصابعه؛ وقام من وقته ودخل البرج [الخشب «3» الذي كان قد عمل هناك بفارسكور] وصاح: من جرحنى؟ قالوا: الحشيشيّة. فقال: لا والله إلّا البحريّة، والله لا أبقيت منهم بقيّة. واستدعى المزيّن فخيّط يده وهو يتوعّدهم، فقال بعضهم لبعض: تمّموه وإلّا أبادكم! فدخلوا عليه فانهزم إلى أعلى البرج، فأوقدوا النّيران حول البرج ورموه بالنّشّاب، فرمى بنفسه وهرب نحو البرج، وهو يقول: ما أريد ملكا! دعونى أرجع إلى الحصن «4» يا مسلمون! ما فيكم من يصطنعنى ويجيرنى! والعساكر واقفة فما أجابه أحد، والنّشّاب تأخذه، فتعلق بذيل [الفارس] أقطاى فما أجاره «5» ، فقطّعوه قطعا وبقى على جانب البحر ثلاثة أيّام منتفخا لا يجسر أحد أن يدفنه حتّى شفع فيه رسول الخليفة، فحمل إلى ذلك الجانب فدفن به. ولمّا قتلوه دخلوا على

الفرنسيس الخيمة بالسيوف، فقالوا: نريد المال، فقال: نعم، فأطلقوه وسار إلى عكّا على ما اتّفقوا عليه معه. قال: وكان الذي باشر قتله أربعة؛ وكان أبوه الملك الصالح أيّوب قال لمحسن الخادم «1» : اذهب إلى أخى العادل إلى الحبس، وخذ معك من المماليك من يخنقه، فعرض محسن ذلك على جميع المماليك فامتنعوا إلّا هؤلاء الأربعة فإنّهم مضوا معه وخنقوه، فسلّطهم الله على ولده فقتلوه أقبح قتلة، ومثّلوا به أعظم مثلة لما فعل بأخيه! قال الأمير حسام الدين بن أبى علىّ: كان توران شاه لا يصلح للملك؛ كتا نقول لأبيه الملك الصالح نجم الدين أيّوب: ما تنفذ تحضره إلى هاهنا، فيقول: دعونى من هذا، فألححنا عليه يوما، فقال: أجيبه إلى ها هنا أقتله! وقال عماد الدين بن درباس: رأى بعض أصحابنا الملك الصالح أيّوب فى المنام وهو يقول: قتلوه شرّ قتله ... صار للعالم مثله لم يراعوا [فيه «2» ] إلّا ... لا ولا من كان قبله ستراهم عن قليل ... لأقلّ الناس أكله وكانوا قد جمعوا فى قتله ثلاثة أشياء: السيف والنار والماء! وتسلطن بعده زوجة والده أمّ خليل شجرة الدرّ باتّفاق الأمراء وخشدا شينها المماليك الصالحيّة، وخطب لها على المنابر بمصر والقاهرة. وكانت ولاية توران شاه هذا على مصر دون الشهر، وقتل فى يوم الاثنين سابع عشرين المحرّم من سنة ثمان وأربعين وستّمائة، وكان قدومه من حصن كيفا إلى المنصورة فى ليلة مستهلّ المحرّم من السنة المذكورة حسب ما تقدّم ذكره.

ذكر ولاية الملكة شجرة الدر على مصر

ذكر ولاية الملكة شجرة الدّر على مصر هى الملكة شجرة الدرّ بنت عبد الله جارية السلطان الملك الصالح نجم الدين أيّوب وزوجته وأمّ ولده خليل، وكانت حظيّة عنده إلى الغاية، وكانت فى صحبته وهو ببلاد المشرق فى حياة أبيه الملك الكامل، ثم سارت معه لمّا حبسه الملك الناصر داود صاحب الكرك بالكرك، ومعها ولدها خليل أيضا، وقاست مع الصالح تلك الأهوال والمحن، ثم قدمت معه مصر لمّا تسلطن؛ وعاش ابنها خليل بعد ذلك وتوفّى صغيرا. ولا زالت فى عظمتها من الحشم والخدم وإليها غالب تدبير الديار المصريّة فى حياة سيّدها الملك الصالح وفى مرضه وبعد موته، والأمور تدبّرها على أكمل وجه إلى أن قدم ولد زوجها الملك المعظّم توران شاه، فلم يشكر لها توران شاه ما فعلته من الإخفاء لموت والده وقيامها بالتدبير أتمّ قيام، حتّى حضر إلى المنصورة وجلس فى دست السلطنة. ولم تدع أحدا يطمع فى الملك لعظمتها فى النفوس، فترك توران شاه ذلك كلّه وأخذ فى تهديدها، وطلب الأموال منها سرعة، فلم يحسن ذلك ببال أحد. واتّفقوا على ولايتها لحسن سيرتها وغزير عقلها وجودة تدبيرها، وجعلوا المعزّ أيبك التركمانىّ أتابكا لها، وخطب لها على المنابر بمصر والقاهرة لكنّها لم تلبس خلعة السلطنة الخليفتى على العادة، غير أنّهم بايعوها بالسلطنة فى أيّام أرسالا وتمّ أمرها. قال الشيخ صلاح «1» الدين خليل بن أيبك الصفدىّ فى تاريخه: «شجرة الدر أمّ خليل الصالحيّة وجارية السلطان الملك الصالح نجم الدين أيّوب، وأمّ ولده خليل؛

كان الملك الصالح يحبّها حبّا عظيما، ويعتمد عليها فى أموره ومهمّاته، وكانت بديعة الجمال ذات رأى وتدبير ودهاء وعقل، ونالت من السعادة ما لم ينله أحد فى زمانها. ولمّا مات الملك الصالح فى شعبان سنة سبع وأربعين وستمائة على دمياط فى حصار الفرنج، أخفت موته وصارت تعلّم بخطّها مثل علامة الملك الصالح، وتقول: السلطان ما هو طيّب. وتمنع الناس من الدخول إليه؛ وكان أرباب الدولة يحترمونها. ولمّا علموا بموت السلطان ملّكوها عليهم أيّاما. وتسلطنت بعد قتل السلطان الملك المعظّم ابن الملك الصالح نجم الدين أيّوب، وخطب لها على المنابر، وكان الخطباء يقولون على المنبر بعد الدعاء للخليفة: «واحفظ اللهمّ الجهة الصالحية ملكة المسلمين، عصمة الدنيا والدين أمّ خليل المستعصميّة صاحبة السلطان الملك الصالح» . انتهى كلام الصّفدىّ. وقال غيره: وكانت تعلّم على المناشير وغيرها «والدة خليل» ، وبقيت على ذلك مدّة ثلاثة أشهر إلى أن خلعت نفسها، واستقرّ زوجها الملك المعزّ أيبك التّركمانىّ الصالحىّ الآتى ذكره [مدّة «1» ، إلى أن اتّفقت المماليك البحريّة وقالوا: لا بدّ لنا من واحد من بنى أيّوب يجتمع الكلّ على طاعته، وكان القائم بهذا الأمر الأمير الفارس أقطاى الجمدار، وبيبرس «2» البندقدارىّ، وبلبان الرشيدىّ وسنقر الرّومىّ؛ فأقاموا فى السلطنة] الملك الأشرف «3» الأيّوبىّ. وقيل: إنه تزوّجها أيبك بعد سلطنته، وكانت مستولية على أيبك فى جميع أحواله ليس له معها كلام، وكانت تركيّة ذات

شهامة ونفس قويّة وسيرة حسنة، شديدة الغيرة. فلمّا بلغها أنّ زوجها الملك المعزّ أيبك يريد أن يتزوّج ببنت الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ «1» صاحب الموصل، وقد عزم على ذلك، فتخيّلت منه [أنه «2» ] ربّما عزم على إبعادها أو إعدامها [بالكليّة «3» ] لأنّه سئم من حجرها عليه واستطالتها، فعاجلته وعزمت على الفتك به وإقامة غيره فى الملك. قال الشيخ قطب الدين: «وطلبت صفىّ الدين [إبراهيم «4» ] بن مرزوق وكان بمصر فاستشارته ووعدته بالوزارة، فأنكر عليها ونهاها عن ذلك فلم تصغ إلى قوله، وطلبت مملوكا للطّواشى محسن [الجوهرىّ «5» ] الصالحى وعرضت عليه أمرها ووعدته ومنّته إن قتل المعزّ! ثم استدعت جماعة من الخدّام واتّفقت معهم. فلمّا كان يوم الثلاثاء الثالث والعشرون من شهر ربيع الأوّل «6» لعب المعزّ بالكرة ومن معه، وصعد إلى القلعة آخر النهار، وأتى الحمّام ليغتسل، فلمّا قلع ثيابه وثب عليه سنجر الجوهرىّ «7» والخدم فرموه وخنقوه؛ وطلبت شجرة الدر ابن مرزوق على لسان الملك المعزّ، فركب حماره وبادر وطلع القلعة من باب السرّ، فرآها جالسة والمعزّ بين يديها ميّت، فأخبرته الأمر فعظم عليه جدّا، واستشارته فقال: ما أعرف ما أقول، وقد وقعت فى أمر عظيم مالك منه مخلص! ثم طلبت الأمير جمال الدين بن أيدغدى [بن عبد الله «8» ] العزيزىّ وعزّ الدين أيبك الحلبىّ، وعرضت عليهما السلطنة فامتنعا؛ فلمّا ارتفع النهار شاع الخبر واضطربت الناس» . انتهى كلام قطب الدين.

وقيل فى قتله وجه آخر: وهو أنّ شجرة الدرّ لمّا غارت رتّبت للمعزّ سنجر الجوهرىّ مملوك الفارس أقطاى، فدخل عليه الحمّام [و] لكمه ورماه، وألزم الخدّام معاونته، وبقيت هى تضربه بالقبقاب وهو يستغيث ويتضرّع إليها إلى أن مات، وانطوت الأخبار عن الناس تلك الليلة. فلمّا كان سحر يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شهر ربيع الأول ركب الأمراء الأكابر إلى القلعة على عادتهم، وليس عندهم خبر بما جرى، ولم يركب الفائزىّ «1» فى ذلك اليوم؛ وتحيّرت شجرة الدرّ فيما تفعل، فأرسلت إلى الملك المنصور نور الدين علىّ ابن الملك المعزّ تقول له عن أبيه: إنه ينزل إلى البحر فى جمع من الأمراء لإصلاح الشوانى التى تجهّزت للمضى إلى دمياط ففعل، وقصدت بذلك لتقلّ الناس من على الباب لتتمكن ممّا تريد، فلم يتمّ مرادها. ولمّا تعالى النهار شاع الخبر بقتل الملك المعزّ، واضطربت الناس فى البلد واختلفت أقاويلهم ولم يقفوا على حقيقة الأمر، وركب العسكر إلى جهة القلعة، وأحدقوا بها ودخلها مماليك الملك المعزّ أيبك والأمير بهاء الدين بغدى «2» الأشرفىّ مقدّم الحلقة؛ وطمع الأمير عزّ الدين الحلبىّ فى التقدّم، وساعده على ذلك جماعة من الأمراء الصالحيّة، فلم يتمّ له ذلك. ثم استحضر الذين فى القلعة الوزير شرف الدين الفائزىّ واتّفقوا على تمليك الملك المنصور نور الدين علىّ بن الملك المعزّ أيبك، وعمره يومئذ نحو خمس عشرة سنة، فرتّبوه فى الملك ونودى فى البلد بشعاره، وسكن الناس وتفرّقوا إلى دورهم، ونزل الأمراء الصالحيّة إلى دورهم. فلمّا كان يوم الخميس خامس عشرين الشهر وقع فى البلد خبطة عظيمة وركب العسكر إلى القلعة. واتّفق رأى الذين بالقلعة على نصب الأمير علم الدين سنجر الحلبىّ فى السلطنة، وكان أتابك الملك المعزّ ويعرف بالمشدّ، واستحلفوا العسكر له، وحلف له الأمراء الصالحيّة

على كره من أكثرهم، وامتنع الأمير عزّ الدين ثم خاف على نفسه فحلف وانتظمت الأمور، ثم انتقض بعد ذلك. وفى يوم الجمعة سادس عشرين شهر ربيع الأوّل خطب للملك المنصور بمصر والقاهرة. وأمّا شجرة الدر صاحبة الترجمة فإنّها امتنعت بدار السلطنة، هى والذين قتلوا الملك المعزّ أيبك، وطلب المماليك المعزيّة هجوم الدار عليهم، فحالت الأمراء الصالحيّة بينهم وبينها، حمية لشجرة الدر لأنّها خشداشتهم؛ فلمّا غلبوا مماليك المعزّ منهم ومنها أمّنوها وحلفوا لها أنّهم لا يتعرّضون لها بسوء. فلمّا كان يوم الاثنين التاسع والعشرون منه أخرجت من دار السلطنة إلى البرج «1» الأحمر فحبست به وعندها بعض جواريها، وقبض على الخدّام واقتسمت الأمراء جواريها؛ وكان نصر العزيزىّ الصالحىّ، وهو أحد الخدّام القتلة، قد تسرّب إلى الشام يوم ظهور الواقعة، وأحاطت المماليك المعزيّة بالدار السلطانيّة وجميع ما فيها؛ ويوم «2» ظهور الواقعة أحضر الصفىّ بن مرزوق من الدار وسئل عن حضوره عند شجرة الدر لمّا طلبته بعد قتل المعزّ واستشارته، فعرّفهم صورة الحال فصدّقوه وأطلقوه. وحضر الأمير جمال الدين أيدغدى العزيزىّ، وكان الناس قد قطعوا بموت المعزّ، فعند حضور أيدغدى العزيزىّ المذكور أمر باعتقاله بالقلعة، ثم نقل إلى الإسكندريّة، فاعتقل بها، ثمّ صلب الخدّام الذين اتّفقوا على قتل المعزّ، وهرب سنجر غلام الجوهرىّ ثم ظفر به وصلب إلى جانب أستاذه محسن، فمات سنجر من يوم الاثنين المذكور وقت العصر على

الخشبة، وتأخّر موت الباقين إلى تمام يومين. واستمرّت شجرة الدرّ بالبرج الأحمر بقلعة الجبل، والملك المنصور علىّ ابن الملك المعز أيبك ووالدته يحرّضان المعزية على قتلها، والمماليك الصالحيّة تمنعهم عنها، لكونها جارية أستاذهم، ولا زالوا على ذلك إلى يوم السبت حادى عشر شهر ربيع الآخر وجدت مقتولة مسلوبة خارج القلعة، فحملت إلى التّربة «1» التى كانت بنتها لنفسها بقرب مشهد السيدة نفيسة «2» - رحمها الله تعالى- فدفنت بها. ولشجرة الدرّ أوقاف على التربة المذكورة وغيرها. وكان الصاحب «3» بهاء الدين علىّ بن محمد بن سليم المعروف بابن حنّا وزيرها، ووزارته لها أوّل درجة ترقّاها من المناصب الجليلة. ولما تيقّنت شجرة الدرّ أنّها مقتولة أودعت جملة من المال والجواهر، وأعدّت أيضا جملة من الجواهر النفيسة فسحقتها فى الهاون لئلا يأخذها الملك المنصور ابن المعزّ أيبك وأمّه، فإنّها كانت تكره المنصور ووالدته،

وكانت غير متجمّلة فى أمرها لمّا تزوّجها أيبك حتّى منعته الدخول إليهما بالكليّة، فلهذا كان المنصور وأمّه يحرّضان المماليك المعزيّة على قتلها. وكانت خيّرة ديّنة رئيسة عظيمة فى النفوس، ولها مآثر وأوقاف على وجوه البرّ معروفة بها. والذي وقع لها من تملّكها الديار المصريّة لم يقع ذلك لأمرأة قبلها ولا بعدها فى الإسلام. *** انتهى الجزء السادس من النجوم الزاهرة، ويليه الجزء السابع، وأوّله: ذكر ولاية المعزّ أيبك التّركمانىّ على مصر

استدراكات

استدراكات على بعض تعليقات وردت فى الأجزاء الثالث والرابع والخامس من هذا الكتاب منبوبة ورد فى الحاشية رقم 3 ص 99 بالجزء الثالث (من هذه الطبعة) أن منبوبة هى المعروفة اليوم باسم انبابه التى يقال لها أيضا أنبوبة. والصواب أن منبوبة وانبابه ناحيتان إحداهما منفصلة عن الأخرى: فأما منبوبة ويقال لها أنبوبة فهذه تعرف اليوم باسم أمبوبة وقد أضيفت إلى ناحيتى وراق الحضر وميت النصارى وأصبح يتكوّن من هذه النواحى الثلاث قرية واحدة مشتركة فى الزمام والادارة باسم «وراق الحضر وأمبوبة وميت النصارى بمركز امبابة بمديرية الجيزة» . وأما انبابة وتعرف اليوم باسم امبابة فقد وردت فى نزهة المشتاق للإدريسىّ ثم حدث أن قسمت هذه البلدة إلى خمس نواح: وهى منية تاج الدولة التى تعرف اليوم باسم تاج الدول، ومنية كرداك التى تعرف اليوم باسم ميت كردك، ومنية أبو على التى تعرف اليوم باسم كفر الشوام، وكفر الشيخ إسماعيل، وجزيرة امبابة. وهذه النواحى مدرجة فى جدول أسماء البلاد الحالية بأسمائها المذكورة كلّ ناحية قائمة بذاتها إلّا أنّه بسبب تجاورها فى السكن لا يزال يطلق على مجموعها اسم «امبابة» وإليها ينسب مركز امبابة أحد مراكز مديرية الجيزة. خليج القاهرة ورد فى التعليق الخاص بهذا الخليج فى صفحة 43 من الجزء الرابع أن الخليج المصرى ردم فى سنة 1896. والصواب أنه بدئ فى ردمه من جهة قنطرة غمرة فى أول ابريل سنة 1897 وأتم ردمه من جهة فم الخليج فى يونية سنة 1899

قنطرة السد

قنطرة السدّ بما أنّ الشرح الخاصّ بهذه القنطرة المدرج فى صفحة 44 بالجزء الرابع جاء غير واف فيستبدل به الشرح الآتى: يستفاد مما ورد فى الجزء الثانى من الخطط المقريزية ص 146: أن هذه القنطرة أنشأها الملك الصالح نجم الدين أيّوب فى سنة 643 هـ على الخليج المصرى (خليج القاهرة) بالقرب من فمه وكانت واقعة فى شارع الخليج المصرى تجاه النقطة التى يتلاقى فيها هذا الشارع بشارع مدرسة الطب. وكانت هذه القنطرة موجودة ومعروفة كما شاهدتها باسم قنطرة الماوردى إلى منتصف سنة 1899 التى تم فيها ردم هذا الخليج، وبردمه اختفت هذه القنطرة من تلك السنة. وذكر المقريزى أنها عرفت بقنطرة السد بسبب السدّ الذي كان يقام سنويا من التراب بجوار هذه القنطرة عند ما يبدأ ماء النيل فى الزيادة وقت الفيضان لكى يصد الماء، ومتى وصلت الزيادة إلى ست عشرة ذراعا يفتح السدّ حينئذ باحتفال رسمى عظيم ويمرّ الماء فى الخليج فتملأ منه صهاريج مدينة القاهرة وبركها وتروى منه بساتينها كما تروى الأراضى الزراعية الواقعة على جانبى الخليج حتى نهايته الشمالية فى مديرية الشرقية. بركة الحبش بما أنّ الشرح الخاصّ بهذه البركة المدرج فى صفحة 14 بالجزء الخامس جاء غير واف فيستبدل به الشرح الآتى: هذه البركة كانت واقعة جنوبى مدينة مصر فيما بين النيل والجبل. وذكر المقريزى فى الجزء الثانى من خططه عند الكلام على البرك ص 152: بأن هذه البركة كانت تعرف ببركة المغافر وبركة حمير وباصطبل قرة وباصطبل قامش وبركة الأشراف وبركة الحبش وهو الاسم الذي اشتهرت به.

وهذه البركة لم تكن بركة عميقة فيها ماء راكد بالمعنى المفهوم الآن من لفظ بركة وإنّما كانت تطلق على حوض من الأراضى الزراعيّة التى يغمرها ماء النيل وقت فيضانه سنويا بواسطة خليج بنى وائل الذي كان يأخذ ماءه من النيل جنوبى مصر القديمة، فكانت الأرض وقت أن يغمرها الماء تشبه البرك ولهذا سميت بركة. وبعد أن ينتهى فيضان النيل ويصرف الماء عنها تنكشف أرضها ولا تحتاج إلى الحرث للينها بل تلاق لوقا وتزرع أصنافا شتوية أسوة بأراضى الملق التى فى حياض الوجه القبلى. وأمّا اليوم فقد بطلت طريقة الرىّ الحوضى لهذه الأرض وأصبحت تروى ريّا صيفيا وشتويّا من ترعة الخشاب التى تأخذ مياهها من النيل بواسطة طلمبات الليثى ببلدة الصف فى أيام الصيف، وبواسطة طلمبات بلدة الكريمات فى أيام فيضان النيل. ويتّضح ممّا ذكر المقريزى أنّها سمّيت بركة الحبش لأنّه كان يوجد بجوارها من الجهة الجنوبية جنان تعرف بالحبش فنسبت إليها البركة. ويستفاد مما ذكره أبو صالح الأرمنى فى كتاب الديارات أن هذه الجنان عرفت بالحبش لأنها كانت لطائفة من الرهبان الحبش، يؤيّد ذلك ما ذكره المقريزى أيضا عند الكلام على هذه البركة حيث قال: «وفى تواريخ النصارى أن الأمير أحمد بن طولون صادر البطريق ميخائيل بطرك اليعاقبة على عشرين ألف دينار قباع النصارى رباع الكنائس بالإسكندرية وأرض الحبش بظاهر مصر» . ومن تطبيق الحدود التى ذكرها المقريزى لهذه البركة على موضعها اليوم يتبين أنها كانت تشغل من الأرض مساحة قدرها نحو 1500 فدان: منها 213 فدانا وهو مجموع الزمام المنزرع من أرأضى قرية دير الطين، والباقى من زمام ناحية البساتين، وتحدّ هذه المنطقة اليوم من الشمال بصحراء جبانة مصر وجبل الرصد الذي يعرف اليوم بجبل اصطبل عنتر وأرض قرية أثر النبي فى الحدّ الفاصل بينها وبين دير الطين،

قوص

ومن الغرب جسر النيل بين قرية دير الطين ومعادى الخبيرى، ومن الجنوب والشرق باقى أراضى ناحية البساتين التابعة لمركز الجيزة بمدرية الجيزة. قوص يضاف إلى ما ورد فى شرحها المدرج بصفحة 292 بالجزء الخامس ما يأتى: وكانت مدينة قوص قاعدة لإقليم يعرف بالأعمال القوصية نسبة إلى قوص من عهد الدولة الفاطمية إلى آخر أيام حكم المماليك. وفى أيام الحكم العثمانى اندمجت الأعمال القوصية كلها بما فيها مدينة قوص فى ولاية جرجا التى كانت تمتدّ فى ذاك الوقت على جانبى النيل من مدينة أسيوط شمالا إلى وادى حلفا عند الشلال الثانى جنوبا. ولمّا أنشئت مديرية قنا فى سنة 1833 تتبعت لها مدينة قوص وجعلت قاعدة لأحد أقسام هذه المديرية ولا تزال قوص قاعدة لمركز قوص بمديرية قنا إلى اليوم. منية ابن خصيب ذكر سهوا فى صفحة 309 بالجزء الخامس أن منية ابن خصيب واقعة على الشاطئ الشرقى للنيل. والصواب أنها واقعة على الشاطئ الغربى للنيل كما هو معلوم. *** تنبيه: التعليقات الخاصة بالأماكن الأثرية على اختلاف أنواعها والمدن والقرى القديمة وغيرها مع تعيين وتحديد مواضعها هى من وضع حضرة الأستاذ محمد رمزى بك المفتش بوزارة المالية سابقا. فنسدى إليه حزيل الشكر ونسأل الله جلت قدرته أن يجزيه خير الجزاء عن خدمته للعلم وأهله.

فهرس الولاة الذين تولوا مصر من سنة 567 هـ إلى سنة 648 هـ

فهرس الولاة «1» الذين تولوا مصر من سنة 567 هـ الى سنة 648 هـ (ا) ابن العزيز- المنصور محمد بن العزيز عثمان. أبو بكر- العادل سيف الدين بن أيوب. أبو المظفر- صلاح الدين يوسف بن أيوب. أبو المظفر- الكامل محمد بن العادل. أبو المعالى ناصر الدين- الكامل محمد بن العادل. أم خليل المستعصمية- شجرة الدر. (ش) شاهنشا ملك الملوك- العادل سيف الدين أبو بكر بن أيوب. شجرة الدر بنت عبد الله جارية السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب وزوجته وأم ولده خليل 373- 379 (ص) الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل محمد بن العادل أبى بكر ابن أيوب بن شادى بن مروان 319- 363 صلاح الدين يوسف ابن الأمير نجم الدين أيوب بن شادى ابن مروان الملك الناصر أبو المظفر 1- 119 (ع) العادل سيف الدين أبو بكر محمد بن نجم الدين أيوب بن شادى ابن مروان 160- 226 العادل الصغير أبو بكر بن الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيوب ابن شادى بن مروان 303- 318 العزيز عماد الدين أبو الفتح عثمان بن صلاح الدين يوسف ابن أيوب 120- 145 (ك) الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيوب بن شادى بن مروان 227- 302 (م) محمد بن أبى بكر بن أيوب- الكامل محمد بن العادل. محمد بن العزيز عثمان بن صلاح الدين يوسف بن أيوب 146- 159 المعظم توران شاه بن الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل ابن العادل أبى بكر بن أيوب بن شادى بن مروان 364- 372 المنصور- محمد بن العزين عثمان. (ن) الناصر- صلاح الدين يوسف بن أيوب. ناصر الدين- محمد بن العزيز عثمان.

الجزء السابع

[الجزء السابع] [تتمة ما وقع من الحوادث سنة 648] بسم الله الرّحمن الرّحيم وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله وصحابته والمسلمين الجزء السابع «1» من كتاب النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة ذكر ولاية الملك المعزّ أيبك التّركمانىّ على مصر هو السلطان الملك المعزّ عزّ الدين أيبك بن عبد الله الصالحىّ النّجمىّ المعروف بالتّركمانىّ، أوّل ملوك الترك بالديار المصرية. وقد ذكرهم بعض الناس فى أبيات مواليّا إلى يومنا هذا، وهم الملوك الذين مسّهم الرّق، غير أولادهم، فقال: أيبك قطز يعقبو بيبرس «2» يا ذا الدين ... بعدو قلاوون بعدو كتبغا لاچين بيبرس برقوق بعدو شيخ ذو التبيين ... ططربرسباى جقمق صاحب التمكين قلت: هذا قبل أن يتسلطن الملك الأشرف إينال العلائى، فلمّا ملك إينال قلت أنا:

أيبك قطز يعقبو بيبرس ذو الإكمال ... بعدو قلاوون بعدو كتغا المفضال لاچين بيبرس برقوق شيخ ذو الإفضال ... ططر برسباى جقمق ذو العلا إينال وقد خرجنا عن المقصود، ولنعد إلى ذكر الملك المعزّ أيبك المذكور، فنقول: أصله من مماليك السلطان الملك الصالح نجم الدين أيّوب، اشتراه فى حياة والده الملك الكامل محمد، وتنقّلت به الأحوال عنده، ولازم أستاذه الملك الصالح فى الشرق حتّى جعله جاشنكيره «1» ، ولهذا لمّا أمّره كان عمل رنكه «2» صورة خوانجا. واستمرّ على ذلك إلى أن قتل المعظّم توران شاه وملكت شجرة الدّرّ بعده، اتّفق الأمراء على سلطنة الملك المعزّ أيبك هذا وسلطنوه بعد أن بقيت الديار المصريّة بلا سلطان مدّة، وتشوّف إلى السلطنة عدّة أمراء، فحيف من شرّهم؛ ومال الناس إلى أيبك المذكور، وهو من أوسط الأمراء، [و] لم يكن من أعيانهم؛ غير أنّه كان معروفا بالسّداد وملازمة الصلاة، ولا يشرب الخمر؛ وعنده كرم وسعة صدر ولين جانب. وقالوا أيضا: هذا متى أردنا صرفه أمكننا ذلك لعدم شوكته. وكونه من أوسط الأمراء. فبايعوه وسلطنوه وأجلسوه فى دست الملك فى أواخر شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين وستّمائة. وحملت «3» الغاشية بين يديه، وركب

بشعائر «1» السلطنة، وأوّل من حمل الغاشية بين يديه الأمير حسام «2» الدّين بن أبى علىّ، ثمّ تداولها أكابر الأمراء واحدا بعد واحد. وتمّ أمره فى السلطنة وخطب له على المنابر، ونودى فى القاهرة ومصر بسلطنته، إلى أن كان الخامس من جمادى الأولى بعد سلطنته بخمسة أيّام ثارت المماليك البحريّة الصالحيّة وقالوا: لابدّ لنا من سلطان يكون من بنى أيّوب يجتمع الكلّ على طاعته؛ وكان الذي قام بهذا الأمر الأمير فارس الدين أقطاى الجمدار «3» ، والأمير ركن الدين بيبرس البندقدارىّ، والأمير سيف الدين بلبان «4» الرشيدىّ، والأمير شمس الدين سنقر الرّومىّ، واتّفقوا على أن يكون الملك المعزّ أيبك هذا أتابكا «5» عليهم، واختاروا أن يقيموا صبيّا عليهم من بنى أيّوب يكون له اسم السلطنة، وهم يدبّرونه كيفما شاءوا ويأكلون الدنيا به! كلّ ذلك والملك المعزّ سامع مطيع. فوقع الاتّفاق على الملك الأشرف مظفّر الدين موسى ابن الملك الناصر يوسف ابن الملك المسعود أقسيس ابن السلطان الملك الكامل محمد ابن السلطان الملك العادل أبى بكر ابن الأمير نجم الدين أيّوب؛ وكان هذا الصبىّ عند عمّاته القطبيّات «6» ، وتقدير عمره عشر «7» سنين، فأحضروه

وسلطنوه وخطبوا له، وجعلوا الملك المعزّ أيبك التّركمانىّ أتابكه، وتمّ ذلك. فكان التوقيع يخرج وصورته: «رسم بالأمر العالى المولوىّ السلطانىّ الملكىّ الأشرفىّ والملكىّ المعزّىّ» . واستمرّ الحال على ذلك مدّة، والمعزّ هو المستولى بالتدبير ويعلّم على التواقيع، والأشرف المذكور صورة وبينما هم فى ذلك ورد الخبر عليهم بخروج السلطان الملك الناصر «1» صلاح الدّين يوسف صاحب الشام وحلب، خرج من دمشق إلى المزّة «2» يريد الديار المصريّة ليملكها لمّا بلغه قتل ابن عمّه الملك المعظم توران شاه. فاجتمع الامراء عند الملك المعزّ أيبك وأجمعوا على قتاله وتأهّبوا لذلك، وجهّزوا العساكر وتهيّئوا للخروج من مصر. وأمّا الملك الناصر فإنّه سار من دمشق نحو الديار المصرية بإشارة الأمير شمس الدين لؤلؤ [الأمينىّ] «3» ، فإنّه ألحّ عليه فى ذلك إلحاحا كان فيه سببا لحضور منيّته، وكان لؤلؤ المذكور يستهزئ بالعساكر المصريّة، ويستخفّ بالمماليك، ويقول: آخذها بمائتى قناع «4» ، وكانت تأتيه كتب من مصر من الأصاغر فيظنّها من الأعيان، ودخلوا الرّمل ودنوا من البلاد؛ وتقدّم عسكر الشام ومعهم الأمير «5» جمال الدين بن يغمور نائب الشام وسيف الدين المشدّ وجماعة؛ وانفرد شمس الدين لؤلؤ، والأمير ضياء الدين القيمرىّ؛ وخرجت العساكر المصريّة إليهم، والتقوا معهم وتقاتلوا فانهزم المصريّون ونهبت أثقالهم، ووصلت طائفة منهم من البحريّة على وجوههم إلى الصعيد،

وكانوا قد أساءوا إلى المصريّين ونهبوهم وارتكبوا معهم كلّ قبيح، فخافوا منهم فتوجّهوا إلى الصعيد. وخطب فى ذلك النهار بالقاهرة «1» ومصر والقلعة للملك الناصر صلاح الدين يوسف المذكور وفى جميع البلاد. وأيقن كلّ أحد بزوال دولة الملك المعزّ أيبك. وبات «2» فى تلك الليلة جمال الدين بن يغمور بالعبّاسة «3» ، وأحمى الحمّام للملك الناصر صلاح الدين يوسف، وهيّأ له الإقامة. كلّ ذلك والملك الناصر ما عنده خبر بما وقع من القتال والكسرة، وهو واقف بسناجقه «4» وأصحابه ينتظر ما يرد عليه من أمر جيشه. وأمّا أمر المصريّين فإنّه لمّا وقعت الهزيمة عليهم ساق الملك المعزّ أيبك وأقطاى الجمدار المعروف ب «أقطيا» فى ثلثمائة فارس طالبين الشام هاربين، فعثروا فى طريقهم بشمس الدين لؤلؤ المقدّم ذكره والضّياء القيمرىّ، فساق شمس الدين لؤلؤ عليهم فحملوا عليه فكسروه وأسّروه وقتلوا ضياء الدين القيمرىّ، وجىء بشمس الدين لؤلؤ إلى بين يدى الملك المعزّ أيبك، فقال الأمير حسام الدين بن أبى علىّ: لا تقتلوه لنأخذ به الشام، فقال أقطاى الجمدار: هذا الذي يأخذ مصر منّا بمائتى قناع! وجعلنا مخانيث، كيف نتركه! وضربوا عنقه، وساقوا على حميّة إلى جهة، فاعترضوا طلب السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف فوقع المصافّ بينهم،

فخامر على الملك الناصر جماعة من المماليك العزيزيّة من مماليك أبيه، وجاءوا إلى الملك المعزّ أيبك التّركمانىّ، وقالوا له: إلى أين تتوجّه؟ هذا السلطان واقف فى طلبه ليس له علم بكسرتهم، فعطفوا على الطّلب، وتقدمتهم العزيزيّة فكسروا سناجق السلطان وصناديقه ونهبوا ماله، ورموه بالنّشّاب، فأخذه نوفل الزّبيدىّ «1» وجماعة من مماليكه وأصحابه وعادوا به إلى الشام، وأسر المصريّون الملك المعظّم [توران شاه «2» ] ابن السلطان صلاح الدين بعد أن جرحوه وجرحوا ولده تاج الملوك، وأخذوا الملك الأشرف «3» صاحب حمص، والملك الزاهر عمّه، والملك الصالح إسماعيل صاحب الوقائع مع الملك الصالح نجم الدين أيّوب، وجماعة كثيرة من أعيان الحلبيّين؛ ومات تاج الملوك من جراحته «4» فحمل إلى بيت المقدس ودفن به؛ وضرب الشريف المرتضى فى وجهه بالسيف ضربة هائلة عرضا وأرادوا قتله، فقال: أنا رجل شريف وابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتركوه؛ وتمزّق عساكر دمشق كلّ ممزّق، ومشوا فى الرمل أيّاما. وأمّا المصريّون فإنّهم لمّا وقعت لهم هذه النّصرة عادوا إلى القاهرة بالأسارى، وسناجق الناصر مقلوبة وطبوله مشقّقة، ومعهم الخيول والأموال والعدد وشقّوا القاهرة، فلمّا وصلت المماليك الصالحيّة النّجميّة إلى تربة أستاذهم الملك الصالح نجم الدين أيّوب ببين القصرين أخذوا الملك الصالح إسماعيل الذي أسروه فى الوقعة،

وكان عدوّ أستاذهم الملك الصالح المذكور، ووقفوا به عند التّربة، وقالوا: يا خوند، أين عينك ترى عدوّك أسيرا بأيدينا! ثمّ سحبوه ومضوا به إلى الحبس، فحبسوه هو وأولاده أيّاما ثم غيّبوه إلى يومنا هذا، ولم يسمع عنه خبر إلّا ما تحدّث به العوامّ بإتلافه. وأمّا عساكر الناضر الذين كانوا بالعبّاسة (أعنى الذين كسروا الملك المعزّ أيبك أوّلا) فإنّ المعزّ لمّا تمّ له النصر وهزم الناصر ردّ إلى المذكورين فى عوده إلى القاهرة، ومال عليهم بمن معه قتلا وأسرا حتى بدّد شملهم، ورحل إلى القاهرة بمن معه من الأسارى وغيرهم. ولمّا دخل الملك المعزّ أيبك هذا إلى القاهرة ومعه المماليك الصالحيّة مالوا على المصريّين قتلا ونهبا ونهبوا أموالهم وسبوا حريمهم وفعلوا بهم ما لم يفعله الفرنج بالمسلمين. قلت: وسبب ذلك أنّه لمّا بلغهم كسرة المعزّ فرحوا وتباشروا بزوال المماليك من الديار المصريّة، وأسرعوا أيضا بالخطبة للملك «1» صلاح الدّين يوسف صاحب الشام المقدّم ذكره. وكان وزير «2» الملك الصالح إسماعيل المقدّم ذكره معتقلا بقلعة» الجبل هو وناصر الدين [إسماعيل] «4» بن يغمور نائب الشام وسيف الدين القيمرىّ والخوارزمىّ صهر الملك الناصر يوسف، فخرجوا من الجبّ «5» وعصوا بقلعة الجبل، فلم يوافقهم سيف الدين القيمرىّ بل جاء وقعد على باب الدار التى فيها أعيان الملك المعزّ أيبك وحماها من النهب، ولم يدع أحدا يقربها؛ وأمّا الباقون فصاحوا:

«الملك الناصر يا منصور!» . فلما جاء الترك فتحوا باب القلعة ودخلوها، وأخذوا من كان عصى فيها، وشنقوا وزير الصالح وابن يغمور والخوارزمىّ متقابلين، وشنقوا أيضا مجير الدين بن حمدان، وكان شابّا حسنا، وكان تعدّى على بعض المماليك وأخذ خيله. وأمّا الملك الناصر يوسف فإنّه سار حتّى وصل إلى غزّة وأقام ينتظر اصحابه، فوصل إليه منهم من سلم من عسكر الشام وعسكر الموصل ومضوا إلى الشام. وأمّا العساكر المصريّة فإنّ الملك المعزّ أيبك المذكور لمّا دخل إلى مصر بعد هذه الوقعة عظم أمره وثبتت قواعد ملكه ورسخت قدمه. ثمّ وقع له فصول مع الملك الناصر يوسف المذكور يطول شرحها. محصول ذلك: أنّه لمّا كانت سنة إحدى وخمسين وستمائة وقع الاتّفاق بينه وبين الملك الناصر المذكور على أن يكون للعزّ وخشداشيته «1» المماليك الصالحيّة البحريّة الديار المصريّة وغزّة والقدس، وما بقى بعد ذلك من البلاد الشاميّة تكون للملك الناصر صلاح الدين يوسف. وأفرج الملك المعزّ عن الملك المعظّم توران شاه ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف المذكور وعن أخيه نصرة الدين وعن الملك الأشرف صاحب حمص وغيرهم من الاعتقال، وتوجّهوا إلى الشام. ولمّا فرغ الملك المعزّ من ذلك أخذ ينظر فى أمره مع فارس الدّين أقطاى الجمدار فإنّه كان أمره قد زاد فى العظمة والتفّت عليه المماليك البحريّة، وصار أقطاى المذكور

يركب بالشاويش «1» وغيره من شعار الملك، وحدّثته نفسه بالملك، وكان أصحابه يسمّونه «الملك الجواد» فيما بينهم. كلّ ذلك والمعزّ سامع مطيع، حتّى خطب أقطاى بنت الملك المظفّر تقىّ الدين محمود صاحب حماة وكان أخوها الملك المنصور «2» هو يومئذ صاحب حماة بعد موت أبيه. وتحدّث أقطاى مع الملك المعزّ أيبك أنّه يريد يسكنها فى قلعة الجبل لكونها من بنات الملوك، ولا يليق سكناها بالبلد، فاستشعر الملك المعزّ منه بما عزم عليه، وأخذ يدبّر أمره وعمل على قتله فلم يقدر على ذلك. فكاتب الملك المعزّ السلطان صلاح الدين يوسف واستشاره فى الفتك به، فلم يجبه فى ذلك بشىء، مع أنّه كان يؤثر ذلك، لكنّه علم أنّه مقتول على كلّ حال، فترك الجواب. ثم سيّر فارس الدّين أقطاى الجمدار المذكور جماعة لإحضار بنت صاحب حماة إليه، فخرجت من حماة ووصلت إلى دمشق بتجمّل عظيم فى عدّة محفّات «3» مغشّاة بالأطلس وغيره من فاخر الثياب وعليها الحليّ والجواهر، ثم خرجت بمن معها من دمشق متوجّهة إلى الديار المصريّة. وأمّا الملك المعزّ فإنّه لمّا أبطأ عليه جواب الملك الناصر صلاح الدين فى أمر أقطاى وتحقّق أن بنت صاحب حماة فى الطريق بقى متحيّرا، إن منعه من سكنى القلعة حصلت المباينة الكليّة، وإن سكّنه قويت أسبابه بها ولا يعود يتمكّن من إخراجه، ويترتّب على ذلك استقلال الأمير فارس الدين أقطاى بالملك فعمل على معاجلته؛

فدخل أقطاى عليه على عادته، وقد رتّب له الملك المعزّ جماعة للفتك به، منهم: الأمير سيف الدين قطز المعزى (أعنى الذي تسلطن بعد ذلك) ، فلمّا دخل أقطاى وثبوا عليه وقتلوه فى دار السلطنة بقلعة الجبل فى سنة اثنتين وخمسين وستمائة؛ فتحرّك لقتله جماعة من خشداشيته البحريّة، ثم سكن الحال ولم ينتطح فى ذلك شاتان!. ولمّا وقع ذلك التفت الملك المعزّ إلى خلع الملك الأشرف مظفّر الدين موسى الأيّوبىّ فخلعه وأنزله من قلعة الجبل إلى حيث كان أوّلا عند عمّاته «1» القطبيّات. وركب الملك المعزّ بالسناجق السلطانيّة وحملت الأمراء الغاشية بين يديه واستقلّ على الملك بمفرده استقلالا تامّا إلى أن قصدت المماليك العزيزيّة القبض عليه فى سنة ثلاث وخمسين، فشعر بذلك قبل وقوعه فقبض على بعضهم وهرب بعضهم. م وقعت الوحشة ثانيا بين الملك المعزّ هذا وبين الملك الناصر صلاح الدين يوسف، فمشى الشيخ نجم الدين البادرائىّ «2» بينهما حتّى قرّر الصلح بين المعزّ وبين الناصر، على أن تكون الشام جملة للملك الناصر، وديار مصر للملك المعزّ؛ وحدّ ما بينهما بئر القاضى «3» ،

وهو فيما بين الورّادة «1» والعريش «2» ؛ واستمرّ الحال على ذلك. ثم إنّ الملك المعزّ تزوّج بالملكة شجرة الدّرّ أمّ خليل فى هذه السنة ودخل بها، وكان زواجه بها سببا لقتله على ما تقدّم فى ترجمتها، وعلى ما يأتى فى هذه الترجمة أيضا. ولمّا تزوّجها وأقام معها مدّة أراد أن يتزوّج ببنت الملك الرحيم صاحب الموصل، وكانت شجرة الدرّ شديدة الغيرة، فعملت عليه وقتلته فى الحمّام، وأعانها على ذلك جماعة من الخدّام. وقد ذكرنا ذلك كلّه مفصّلا فى ترجمة شجرة الدرّ فيما مضى. وكان قتل الملك المعزّ فى يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من شهر ربيع الأوّل سنة خمس وخمسين وستّمائة. وكان ملكا شجاعا كريما عاقلا سيوسا كثير البذل للاموال، أطلق فى مدّة سلطنته من الأموال والخيول وغير ذلك ما لا يحصى كثرة حتّى رضى الناس بسلطان مسّه الرّقّ. وأمّا أهل مصر فلم يرضوا بذلك إلى أن مات، وهم يسمعونه ما يكره، حتّى فى وجهه إذا ركب ومرّ بالطرقات، ويقولون: لا نريد إلّا سلطانا رئيسا مولودا على الفطرة. على أنّ الملك المعزّ كان عفيفا طاهر الذّيل بعيدا عن الظلم والعسف كثير المداراة لخشداشيته والاحتمال لتجنّيهم عليه وشرّ أخلاقهم، وكذلك مع الناس. وخلّف عدّة أولاد منهم الملك المنصور علىّ الذي تسلطن بعده، وناصر الدين قان.

قال الشيخ قطب «1» الدين اليونينىّ فى الذيل على مرآة الزمان: «ورأيت له ولدا آخر بالديار المصريّة فى سنة تسع وثمانين وستمائة، وهو فى زىّ الفقراء الحريريّة «2» » . انتهى. وكان للمعزّ برّ ومعروف وعمائر، من ذلك: المدرسة المعزّيّة «3» على النيل بمصر القديمة ووقف عليها أوقافا. ودهليز المدرسة متّسع طويل مفرط؛ قيل: إنّ بعض الأكابر دخل إلى هذه المدرسة المذكورة فرآها صغيرة بالنسبة إلى دهليزها، فقال: هذه المدرسة مجاز بلا حقيقة! انتهى. وكان مدرّسها القاضى برهان «4» الدين الخضر ابن الحسن السّنجارىّ إلى أن مات. وكانت مدّة سلطنة الملك المعزّ على مصر سبع سنين. ومات وقد ناهز الستّين سنة- رحمه الله تعالى-. قلت: وقد تقدّم أنّ الملك المعزّ أيبك هذا هو أوّل من ملك الديار المصريّة من الأتراك الذين مسّهم الرّقّ. وقد ذكرنا مبدأ أمره وما وقع له من الحروب

وغيرها على سبيل الاختصار. ولنذكر هنا أيضا من عاصره من ملوك الأقطار ليعلم الناظر فى هذه الترجمة بأصل جماعة كبيرة من الملوك الآتى ذكرهم فى الحوادث، وأيضا بحدّ مملكة الملك المعزّ يوم ذاك، وحد تحكّمه من البلاد؛ ومع هذا كان له من المماليك والحشم والعساكر أضعاف ما لملوك زماننا هذا مع اتّساع ممالكهم. انتهى. ونذكر أيضا من أمر النار التى كانت بأرض الحجاز فى أيّام سلطنته فى سنة أربع وخمسين وستمائة، فنقول: استهلّت سنة أربع وخمسين المذكورة والخليفة المستعصم بالله أبو أحمد عبد الله العباسىّ ببغداد، وسلطان مصر الملك المعزّ أيبك التّركمانىّ هذا، وسلطان الشام إلى الفرات الملك الناصر صلاح الدين يوسف الأيوبىّ ما خلا حماة وحمص والكرك وبلادا أخر نذكر ملوكها فيما يأتى- إن شاء الله تعالى- وهم: صاحب حماة الملك المنصور ناصر الدين محمد بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيّوب. وصاحب الكرك والشوبك الملك المغيث فتح الدين عمر ابن الملك العادل أبى بكر ابن الملك الكامل محمد ابن الملك العادل أبى بكر بن أيّوب. وصاحب صهيون «1» وبرزيه «2» وبلاطنس «3» الأمير مظفّر الدين عثمان ابن الأمير ناصر الدين منكورس. وصاحب تلّ «4» باشر والرّحبة «5» وتدمر الملك الأشرف مظفّر الدين موسى بن إبراهيم بن شير كوه بن محمد بن شير كوه بن شادى. وصاحب الموصل وأعمالها الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ الأتابكىّ. وصاحب ميّافارقين

وديار بكر وتلك الأعمال الملك الكامل ناصر الدين محمد ابن الملك المظفّر شهاب الدين غازى بن الملك العادل أبى بكر بن أيوب. وصاحب ماردين الملك السعيد إيلغازى الأرتقىّ. وصاحب إربل «1» وأعمالها الصاحب تاج الدين «2» بن صلايا العلوىّ من جهة الخليفة. والنائب فى حصون الإسماعيليّة الثمانية «3» بالشام رضىّ الدين أبو المعالى. وصاحب المدينة الشريفة- صلوات الله وسلامه على ساكنها- الأمير عزّ «4» الدين أبو ملك منيف بن شيحة بن قاسم الحسينىّ. وصاحب مكّة المشرّفة- شرفّها الله تعالى- الشريف قتادة الحسينىّ. وصاحب اليمن الملك المظفّر شمس الدين يوسف بن عمر. وأمّا ملوك الشرق: فسلطان ما وراء النهر وخوارزم السلطان «5» ركن الدين وأخوه «6» عزّ الدين والبلاد بينهما مناصفة، وهما فى طاعة هولاكو ملك التّتار. وأمّا أمر النار التى ظهرت بالحجاز قال قاضى المدينة سنان «7» الحسينىّ: «لمّا كان ليلة الأربعاء ثالث جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستّمائة، ظهر بالمدينة الشريفة

دوىّ عظيم ثم زلزلة عظيمة رجفت «1» منها المدينة والحيطان والسّقوف ساعة بعد ساعة إلى يوم الجمعة خامس الشهر المذكور ظهرت نار عظيمة، وقد سالت أودية منها بالنّار إلى وادى «2» شظا حيث يسيل الماء، وقد سدّت مسيل شظا وما عاد يسيل. ثم قال: والله لقد طلعنا جماعة نبصرها فإذا الجبال تسيل نيرانا، وقد سدّت الحرّة طريق الحاجّ العراقىّ، وسارت إلى أن وصلت إلى الحرّة «3» فوقفت بعد ما أشفقنا أن تجىء إلينا؛ ورجعت تسير فى الشرق، يخرج من وسطها مهود وجبال نيران تأكل الحجارة» ، كما أخبر الله فى كتابه العزيز فقال عزّ من قائل: (إنّها ترمى بشرر كالقصر. كأنّه جمالت صفر) . قال: وقد كتبت هذا الكتاب يوم خامس رجب سنة أربع وخمسين والنار فى زيادة ما تغيّرت؛ وقد عادت إلى الحرّة وفى قريظة طريق الحاجّ العراقىّ. وأمّا أمر النار الكبيرة فهى جبال نيران حمر، والأمّ الكبيرة النار التى سالت النيران منها من عند قريظة وقد زادت، وما عاد الناس يدرون أىّ شىء يتمّ بعد ذلك، والله يجعل العاقبة إلى خير؛ وما أقدر أصف هذه النار» . انتهى كلام القاضى فى كتابه. وقال غيره بعد ما ساق من أمر النار المذكورة عجائب نحوا ممّا ذكرناه وأعظم إلى أن قال: «وقد سال من هذه النار واد يكون مقداره أربعة فراسخ وعرضه

أربعة أميال وعمقه قامة ونصفا، وهى تجرى على وجه الأرض، وتخرج منها أمهاد وجبال صغار تسير على الأرض، وهو صخر يذوب حتّى يبقى مثل الآنك «1» ، فإذا جمد صار أسود، وقبل الجمود لونه أحمر؛ وقد حصل بسبب هذه النار إقلاع عن المعاصى والتقرّب إلى الله تعالى بالطاعات؛ وخرج أمير المدينة عن مظالم كثيرة» . ثم قال قطب الدين فى الذّيل: «ومن كتاب شمس الدين سنان بن نميلة الحسينىّ قاضى المدينة إلى بعض أصحابه يصف الزّلزلة إلى أن ذكر قصّة النار وحكى منها شيئا إلى أن قال: وأشفقنا منها وخفنا خوفا عظيما، وطلعت إلى الأمير وكلّمته وقلت: قد أحاط بنا العذاب، ارجع إلى الله! فاعتق كلّ مماليكه، وردّ على جماعة أموالهم، فلمّا فعل هذا قلت له: اهبط الساعة معنا إلى النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- فهبط، وبتنا ليلة السبت والناس جميعهم والنسوان وأولادهم، وما بقى أحد لا فى النخيل ولا فى المدينة إلّا عند رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- وأشفقنا منها وظهر ضوءها إلى أن أبصرت من مكّة، ومن الفلاة جميعها. ثم سال من ذلك نهر من نار وأخذ فى وادى أحيلين «2» وسدّ الطريق ثم طلع إلى بحرة الحاجّ، وهو بحر نار يجرى وفوقه جمر يسير إلى أن قطعت الوادى: وادى الشّظا، وما عاد يجرى سيل قطّ لأنّها حفرته نحو قامتين. والمدينة قد تاب جميع أهلها ولا بقى يسمع فيها رباب ولا دفّ. ثمّ ذكر أشياء مهولة من هذا الجنس إلى أن قال: والشمس والقمر من يوم طلعت النار ما يطلعان إلّا كاسفين! قال: وأقامت هذه النار أكثر من شهرين» . وفيها يقول بعضهم:

يا كاشف الضّرّ صفحا عن جرائمنا ... لقد أحاطت بنا يا ربّ بأساء نشكو إليك خطوبا لا نطيق «1» لها ... حملا ونحن بها حقّا أحقّاء زلازلا تخشع الصمّ الصّلاب لها ... وكيف يقوى على الزّلزال شمّاء أقام سبعا يرجّ الأرض فانصدعت ... عن منظر منه عين الشمس عشواء «2» والقصيدة طويلة جدّا كلّها على هذا المنوال. ولولا خشية الإطالة لذكرنا أمر هذه النار وما وقع منها، فرأينا أنّ الشرح يطول، والمقصود هنا بقيّة ترجمة السلطان الملك المعزّ أيبك. ولمّا مات المعزّ رثاه سراج «3» الدّين الورّاق بقصيدة أوّلها: نقيم عليه مأتما بعد مأتم ... ونسفح دمعا دون سفح المقطّم ولو أنّنا نبكى على قدر فقده ... لدمنا عليه نتبع الدّمع بالدم وسل طرفى ينبيك عنّى أنّنى ... دعوت الكرى من بعده بالمحرّم ومنها فى ذكر ولده الملك المنصور علىّ- رحمه الله-: بنى الله بالمنصور ما هدّم الرّدى ... وإنّ بناء الله غير مهدّم مليك الورى بشرى لمضمر طاعة ... وبؤسى لطاغ فى زمانك مجرم فما للذى قدّمت من متأخّر ... ولا للذى أخّرت من متقدّم وأيبك صوابه كما هو مكتوب، وهو لفظ تركىّ مركّب من كلمتين. فأى هو القمر، وبك أمير، فمعنى الاسم باللغة العربية أمير قمر، ولا عبرة بالتقديم والتأخير فى اللفظ، وأيبك (بفتح الهمزة وسكون الياء المثناة من تحت وتفخيمهما معا) وبك معروف لا حاجة إلى التعريف به. انتهى.

السنة التى حكم فى محرّمها الملك المعظّم توران شاه ابن الملك الصالح نجم الدين، ثم فى صفر والربيعين منها الملكة شجرة الدّرّ أمّ خليل الصالحيّة، ثمّ فى باقيها الملك المعزّ أيبك صاحب الترجمة، ومعه الملك الأشرف مظفّر الدين موسى، والعمدة فى ذلك على المعزّ هذا، وهى سنة ثمان وأربعين وستّمائة. فيها كانت كسرة الفرنج على دمياط وقبض على الفرنسيس كما تقدّم. وفيها قتل الملك المعظّم توران شاه، وقد مرّ أيضا. وفيها كانت الوقعة بين الملك الناصر صلاح الدين يوسف وبين الملك المعزّ هذا. وفيها حجّ طائفة من العراق، ولم يحجّ أحد من الشام ولا مصر فى هذه السنة. وفيها ثارت الجند ببغداد لقطع أرزاقهم. وكلّ ذلك كان من عمل الوزير «1» ابن العلقمىّ الرافضىّ، فإنّه كان حريصا على زوال دولة بنى العبّاس ونقلها إلى العلوييّن، وكان يرسل إلى التّتار فى السرّ والخليفة المستعصم لا يطّلع على باطن الأمور. وفيها لمّا فرغوا من حرب دمياط وتفرّق أهلها نقلوا أخشاب بيوتهم وأبوابهم منها وتركوها خاوية على عروشها، ثم بنيت بعد ذلك بليدة بالقرب منها تسمّى المنشيّة «2» . وكان سور دمياط من أحسن الأسوار.

وفيها توفّيت أرغوان «1» الحافظية عتيقة الملك العادل أبى بكر بن أيّوب، سمّيت الحافظيّة لأنّها ربّت الملك الحافظ صاحب [قلعة] «2» جعبر، وكانت امرأة عاقلة صالحة، وكانت مدّة حبس الملك المغيث ابن الملك الصالح نجم الدين أيّوب بدمشق تهيّي له الأطعمة والأشربة وتبعث له النياب، فحقد عليها الملك الصالح إسماعيل فصادرها وأخذ منها أموالا عظيمة، يقال: إنّه أخذ منها أربعمائة صندوق. ولها تربة ومسجد ووقفت عليهما أوقافا. وفيها قتل الأمير شمس الدين لؤلؤ بن عبد الله مقدّم عسكر حلب، وهو الذي قتلته المماليك الصالحيّة فى الوقعة التى كانت بين الناصر والمعزّ صاحب الترجمة. وكان أميرا شجاعا مقداما زاهدا مدبّرا عظيم الشأن، وكان فيه قوّة وبأس غير أنّه كان مستخفّا بالمماليك، ويقول: كلّ عشرة من المماليك فى مقابلة كرىّ، ولا زال يمعن فى ذلك حتى كانت منيته بأيدى المماليك الصالحيّة كما تقدّم ذكره. وفيها توفّى ابو «3» الحسن المتطبّب وزير الملك الصالح إسماعيل، وهو الذي كان السبب زوال ملك مخدومه، فإنّه كان سيىء السّيرة كثير الظلم قليل الخير، وكان يتستّر بالإسلام، وكان يرمى فى دينه بعظائم؛ وقيل: إنّه كان أوّلا سامريّا فلم يحسن إسلامه؛ وظهر له بعد موته من الأموال والجواهر والتّحف والذخائر ما لا يوجد فى خزائن الخلفاء، وأقاموا ينقلونه مدّة سنين. وقيمة ما ظهر له غير ما ذهب عند الناس ثلاثة آلاف ألف دينار؛ ووجد له عشرة آلاف مجلّد من الكتب النفيسة والخطوط المنسوبة. قال الشيخ إسماعيل [بن علىّ «4» ] الكورانىّ يوما وقد زاره الوزير

ما وقع من الحوادث سنة 649

المذكور: لو بقيت على دينك كان أصلح لأنّك تتمسّك بدين فى الجملة؛ وأمّا الآن فأنت مذبذب لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء!. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الإمام أبو محمد إبراهيم بن محمود بن سالم بن الخيّر «1» فى شهر ربيع الاخر، وله خمس وثمانون سنة. والحافظ شمس الدين يوسف بن خليل الدّمشقىّ الأدمىّ بحلب فى جمادى الاخرة، وله ثلاث وتسعون سنة. والقاضى أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن الحبّاب «2» التّميمىّ السّعدىّ، وله سبع وثمانون سنة فى شهر رمضان. والمحدّث أبو محمد عبد الوهاب ابن رواح «3» ، واسمه ظافر بن علىّ بن فتوح القرشىّ المالكىّ، وله أربع وتسعون سنة. وأبو المنصور مظفّر بن عبد الملك بن الفوّىّ المالكىّ. ونائب الملك الناصر الأمير شمس الدين لؤلؤ قتل فى جماعة فى الوقعة الكائنة بين المصريّين والشامييّن. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وأربع أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وإصبعان. [ما وقع من الحوادث سنة 649] السنة الثانية من ولاية السلطان الملك المعزّ أيبك الصالحىّ النّجمىّ التّركمانىّ على مصر، وهى سنة تسع وأربعين وستمائة.

فيها عاد الملك الناصر صلاح الدين يوسف من غزّة إلى دمشق، وأرسل المعزّ عسكر مصر فنزل إلى غزّة والساحل، ثم عادوا إلى القاهرة «1» . وفيها أيضا أخذ الملك المغيث ابن الملك العادل بن الملك الكامل الكرك والشّوبك، أعطاه إيّاهما الخادم «2» . ولمّا سمع الملك المعزّ بذلك جهّز الأمير فارس الدين أقطاى الجمدار فى ألف فارس إلى غزّة. وفيها نقلوا تابوت الملك الصالح نجم الدين أيّوب إلى تربته بالقاهرة ببين القصرين، ولبس الأمراء ثياب العزاء وناحوا عليه ببين القصرين، وتصدّقت جاريته شجرة الدّرّ فى ذلك اليوم بمال عظيم. وفيها أخرب الترك دمياط «3» وحملوا «4» آلاتها إلى مصر وأخربوا الجزيرة «5» (أعنى الروضة) وأخلوها. وفيها كثر الظلم بالديار المصريّة وعظم الجور والمصادرات لكلّ أحد حتى أخذوا مال الأوقاف ومال الأيتام على نيّة القرض، ومن أرباب الصنائع كالأطباء والشهود «6» .

وفيها توفّى الفقيه بهاء الدين علىّ بن هبة الله بن سلامة بن الجميزىّ، كان إماما فاضلا عارفا بمذهب الشافعىّ ديّنا، وكان يخالط الملوك. ولمّا حجّ قبل هدية صاحب اليمن فأعرض عنه الملك الصالح نجم الدين أيّوب لذلك. وكانت وفاته فى ذى الحجة بمصر، ودفن بالقرافة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى الإمام عبد الظاهر ابن نشوان السّعدىّ «1» المقرئ النحوىّ الضرير فى جمادى الأولى. وأبو نصر عبد العزيز ابن يحيى بن الزبيدىّ، وله تسع وثمانون سنة. والإمام أبو المظفّر محمد بن مقبل ابن فتيان النّهروانىّ بن المنّىّ فى جمادى الآخرة. وأبو نصر الأعزّ بن فضائل ببغداد فى رجب. والأمير الصاحب جمال الدين يحيى بن عيسى المصرى ابن مطروح الأديب. وأبو القاسم عيسى بن أبى الحرم «2» مكّىّ بن حسين العامرىّ المصرىّ المقرئ فى شوّال. والإمام أبو محمد عبد الخالق بن الأنجب بن المعمّر النّشتبرىّ «3» بماردين فى ذى الحجة. والإمام العلّامة بهاء الدين أبو الحسن علىّ بن هبة الله بن سلامة بن الجمّيزىّ فى ذى الحجّة، وله تسعون سنة وأسبوعان. والفقيه عبيد «4» الله بن عاصم خطيب رندة «5» ، وله سبع وثمانون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 650

[ما وقع من الحوادث سنة 650] السنة الثالثة من ولاية الملك المعزّ أيبك التّركمانىّ على مصر، وهى سنة خمسين وستّمائة. فيها وصلت التّتار إلى الجزيرة ونهبوا ديار بكر وميّافارقين، وجاءوا إلى رأس «1» عين وسروج «2» وغيرها، وقتلوا زيادة على عشرة آلاف إنسان، وصادفوا قافلة خرجت من حرّان «3» تقصد بغداد، فأخذوا منها أموالا عظيمة: منها ستّمائة حمل سكّر مصرىّ وستّمائة ألف دينار، قاله أبو المظفّر فى مرآة الزمان، قال: وقتلوا الشيوخ والعجائز وساقوا من النساء والصّبيان ما أرادوا، ثم رجعوا إلى خلاط «4» . وقطع أهل الشرق الفرات وخاض الناس فى القتلى من دنيسر «5» إلى الفرات. قال بعض التّجار: عددت على جسر بين حرّان ورأس عين فى مكان واحد ثلثمائة وثمانين قتيلا من المسلمين؛ ثم قتل ملك التّتار كشلوخان. وفيها حجّ بالناس من بغداد بعد أن كان بطل الحجّ منذ عشر سنين من سنة مات الخليفة المستنصر. وفيها قدم الشيخ نجم «6» الدين البادرانىّ رسولا من الخليفة وأصلح بين المعزّ أيبك صاحب الترجمة وبين الناصر يوسف، وقد تقدّم ذلك، وكان كلّ واحد من الطائفتين قد سئم وضرس «7» من الحرب، وسكنت الفتنة بين الملوك واستراح الناس.

وفيها توفّى العلّامة رضىّ الدين أبو الفضائل الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر بن علىّ القرشىّ العدوىّ العمرىّ الصاغانىّ «1» الأصل الهندىّ اللاهورىّ «2» المولد البغدادىّ الوفاة المحدّث الفقيه الحنفىّ اللغوىّ الإمام صاحب التصانيف، ولد بمنية لاهور فى عاشر صفر سنة سبع وسبعين وخمسمائة ونشأ بغزنة «3» ، ودخل بغداد فسمع الكثير فى عدّة بلاد ورحل. وكان إليه المنتهى فى علم العربية واللغة، وصنّف كتاب «مجمع البحرين» فى اللغة، اثنا عشر مجلّدا، وكتاب «العباب الزاخر» فى اللّغة أيضا عشرون مجلدا، وأشياء غير ذلك. قال الحافظ «4» الدّمياطى: وكان شيخا صدوقا صالحا صموتا عن فضول الكلام إماما فى اللّغة والفقه والحديث؛ قرأت عليه يوم الأربعاء وتوفّى ليلة الجمعة تاسع عشر شعبان، وحضرت دفنه بداره بالحريم «5» الطاهرىّ ببغداد. ثم ترجمه الدمياطى ترجمة طويلة وأثنى على علمه وفضله ودينه. وفيها توفّى الشيخ شمس الدين محمد بن سعد [ «6» بن عبد الله بن سعد بن مفلح بن هبة الله] الكاتب المقدسىّ نشأ بقاسيون على الخير والصلاح وقرأ النحو والعربيّة وسمع الحديث الكثير، وبرع فى الأدب. وكان ديّنا حسن الخط وكتب للملك الصالح إسماعيل وللملك الناصر داود. ومن شعره:

لنا بقدوم طلعتك الهناء ... وللأعداء ويحهم الفناء قدمت فكنت شبه الغيث وافى ... بلادا قد أحلّ بها الظّماء قلت: ويعجبنى فى هذا المعنى قول القائل ولم أدر لمن هو: قدومك أشهى من زلال على ظما ... وأحسن من نيل المنى فى المآرب حكى الغيث وافى الأرض من بعد جدبها ... وأطلع فيها النبت من كلّ جانب وفيها توفّى الأمير الصاحب «1» جمال الدين أبو الحسين يحيى بن عيسى بن إبراهيم ابن الحسين بن علىّ بن حمزة بن إبراهيم بن الحسين «2» بن مطروح. كان أصله من صعيد «3» مصر، وولد به ونشأ هناك، ثم قدم القاهرة واشتغل وبرع فى الأدب والكتابة واتّصل بخدمة الملك الصالح نجم الدين أيّوب. قال أبو المظفّر: كان فاضلا كيّسا شاعرا. ومن شعره لمّا فتح الناصر داود برج داود بالقدس، قال: المسجد الأقصى له عادة ... سارت فصارت «4» مثلا سائرا إذا غدا للكفر مستوطنا ... أن يبعث الله له ناصرا فناصر طهّره أوّلا ... وناصر طهّره آخرا قال: وتوفى فى شعبان ودفن بسارية «5» بالقرافة وكانت له أخبار عظيمة، وكان قد دخل بين الخوارزميّة والصالح أيّوب، واستنابه أيّوب بالشام ولبس ثياب الجند وما كانت تليق به. ثمّ غضب عليه الصالح وأعرض عنه إلى أن مات، فأقام خاملا

إلى أن مات. وقد كان جوادا ذا مروءة متعصّبا سمحا حليما حسن الظنّ «1» بالفقراء عارفا فاضلا. انتهى كلام أبى المظفّر. قلت: وديوان شعره مشهور. ومن شعره القصيدة المشهورة: هى رامة فخذوا يمين الوادى ... وذروا السيوف تقرّ فى الأغماد وحذار من لحظات أعين عينها ... فلكم صرعن بها من الاساد من كان منكم واثقا بفؤاده ... فهناك ما أنا واثق بفؤادى يا صاحبىّ ولى بجرعاء الحمى ... قلب أسير ماله من فادى سلبته منّى يوم بانوا مقلّة ... مكحولة أجفانها بسواد وبحىّ «2» من أنا فى هواه ميّت ... عين على العشّاق بالمرصاد وأغنّ مسكىّ اللّمى معسوله ... لولا الرقيب بلغت منه مرادى كيف السبيل إلى وصال محجّب ... ما بين بيض ظبا وسمر صعاد فى بيت شعر نازل من شعره ... فالحسن منه عاكف فى بادى حرسوا مهفهف قدّه بمثقّف ... فتشابه الميّاس بالميّاد قالت لنا ألف العذار بخدّه ... فى ميم مبسمه شفاء الصادى وهى أطول من ذلك اختصرتها خوف الإطالة. ويعجبنى قصيدة الجزّار «3» فى مدح ابن مطروح هذا. أذكر غزلها: هو ذا الرّبع ولى نفس مشوقه ... فاحبس الركب عسى «4» أقضى حقوقه فقبيح بى فى شرع الهوى ... بعد ذاك البرّ أن أرضى «5» عقوقه

لست أنسى فيه ليلات مضت ... مع من أهوى وساعات أنيقة ولئن أضحى مجازا بعدهم ... فغرامى فيه ما زال حقيقة يا صديقي والكريم الحرّ فى ... مثل هذا الوقت لا ينسى صديقه ضع يدا منك على قلبى عسى ... أن تهدّى بين جنبىّ خفوقه فاض دمعى مذ رأى ربع الهوى ... ولكم فاض وقد شام بروقه نفد اللؤلؤ من أدمعه ... فغدا ينثر فى التّرب عقيقه قف [معى «1» ] واستوقف الركب فإن ... لم يقف فاتركه يمضى «2» وطريقه فهى أرض قلّما يلحقها ... آمل والرّكب لم أعدم لحوقه طالما استجليت فى أرجائها ... من يتيه البدر إذ يدعى شقيقه يفضح الورد احمرارا خدّه ... وتودّ الخمر لو تشبه ريقه فبه الحسن خليق لم يزل ... والمعالى بابن مطروح خليقه وله بيتان ضمّنهما بيت المتنبّى الذي هو أوّل قصيدته، وهو: تذكّرت ما بين العذيب وبارق ... مجرّ عوالينا ومجرى السوابق فقال ابن مطروح مضمّنا: إذا ما سقانى ريقه وهو باسم ... تذكّرت ما بين العذيب وبارق ويذكرنى من قدّه ومدامعى ... مجرّ عوالينا ومجرى السوابق الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو البركات هبة الله ابن محمد بن الحسين [المعروف «3» بآ] بن الواعظ المقدسىّ ثم الإسكندرانىّ عن إحدى

ما وقع من الحوادث سنة 651

وثمانين سنة. وأبو القاسم يحيى بن أبى السعود [نصر «1» ] بن قميرة «2» التاجر فى جمادى الأولى، وله خمس وثمانون سنة. والعلّامة أبو الفضائل الحسن بن محمد بن الحسن العدوى العمرىّ الصّغانىّ النحوىّ اللغوىّ. والأديب شمس الدين محمد بن سعد بن عبد الله المقدسىّ الكاتب فى شوّال. والمسند رشيد الدين أحمد بن المفرّج «3» بن علىّ [بن عبد «4» العزيز] بن مسلمة العدل فى ذى القعدة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وسبع أصابع. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا. [ما وقع من الحوادث سنة 651] السنة الرابعة من ولاية الملك المعزّ أيبك الصالحىّ النّجمىّ التّركمانىّ على مصر، وهى سنة إحدى وخمسين وستمائة. فيها كانت الوقفة الجمعة. وفيها عظم بمصر أمر الأمير فارس الدين أقطاى الجمدار ورشّح للسلطنة، وكان من حزبه من خشداشيته بيبرس البندقدارىّ، وبلبان الرّشيدىّ، وسنقر الرّومىّ، وسنقر الأشقر «5» . وصار الملك المعزّ فى خوف. وقد تقدّم ذكر هذه الحكاية فى ترجمة المعزّ. وفيها كان الغلاء بمكّة المشرّفة، وأبيع فيها الشّربة الماء بدرهم، والشاة بأربعين درهما.

ما وقع من الحوادث سنة 652

وفيها توفّى الشيخ الإمام سعد الدين محمد بن المؤيّد [بن عبد «1» الله بن علىّ] بن حمّويه ابن عمّ شيخ الشيوخ صدر «2» الدين. مات بخراسان، وكان زاهدا عابدا ديّنا متكلّما فى الحقيقة، وله مجاهدات ورياضات، وقدم الشام «3» وحجّ وسكن بدمشق، ثمّ عاد إلى الشرق بعد أن افتقر بالشام، واجتمع بملك التّتار فأحسن به الظنّ وأعطاه مالا كثيرا، وأسلم على يده خلق كثير من التّتار، وبنى هناك خانقاه وتربة إلى جانبها، وأقام يتعبّد، وكان له قبول عظيم هناك- رحمه الله تعالى-. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو البقاء صالح بن شجاع بن محمد بن سيّدهم المدلجىّ الخيّاط فى المحرّم. وسبط السّلفىّ «4» أبو القاسم عبد الرحمن بن أبى الحرم مكّىّ بن عبد الرحمن الطّرابلسىّ الإسكندرانىّ فى شوّال عن إحدى وثمانين سنة. وأبو محمد عبد القادر بن حسين [بن محمد «5» بن جميل] البندنيجىّ البوّاب آخر من روى عن عبد الحق «6» اليوسفىّ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وتمانى أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا. [ما وقع من الحوادث سنة 652] السنة الخامسة من ولاية الملك المعزّ أيبك الصالحىّ النّجمىّ التّركمانىّ على مصر؛ وهى سنة اثنتين وخمسين وستمائة.

فيها وصلت الأخبار من مكّة بأنّ نارا ظهرت فى أرض عدن «1» فى بعض جبالها، بحيث يطير شررها إلى البحر فى الليل، ويصعد منها دخان عظيم فى النهار، فما شكّوا أنّها النار التى ذكر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّها تظهر فى آخر الزمان. فتاب الناس وأقلعوا عمّا كانوا عليه من المظالم والفساد، وشرعوا فى أفعال الخير والصدقات. قلت: وقد تقدّم «2» ذكر هذه النار بأوسع من هذا فى ترجمة الملك المعزّ هذا. وفيها وصلت الأخبار من الغرب باستيلاء إنسان على إفريقيّة وادّعى أنّه خليفة، وتلقّب بالمستنصر «3» ، وخطب له فى تلك النواحى، وأظهر العدل وبنى برجا وأجلس الوزير والقاضى والمحتسب بين يديه يحكمون بين الناس، وأحبّته الرعيّة وتمّ أمره. وفيها توفّى الإمام عبد الحميد بن عيسى الخسرو «4» شاهىّ. كان إماما فاضلا فى فنون، وصحب الفخر الرازىّ ابن خطيب الرّىّ، وأقام عند الملك الناصر داود سنين كثيرة بدمشق والكرك، وكان متواضعا كبير القدر كثير الإحسان. مات بدمشق ودفن بقاسيون فى تربة المعظّم عيسى.

وفيها توفّى الشيخ الإمام العلّامة مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن عبد الله [ابن «1» أبى القاسم الخضر بن محمد بن علىّ] بن تيميّة الحرّانىّ الحنبلىّ جدّ الشيخ تقىّ الدين «2» ابن تيميّة. ولد فى حدود سنة تسعين «3» وخمسمائة وتفقّه فى صغره على عمّه الخطيب فخر الدين «4» ؛ وسمع الكثير ورحل البلاد وبرع فى الحديث والفقه وغيره، ودرّس وأفتى وانتفع به الطلبة، ومات يوم الفطر بحرّان. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى سديد [الدين «5» ] أبو محمد مكّى [بن أبى الغنائم «6» ] ابن المسلم [بن مكّى «7» ] بن علّان القيسى فى صفر، وله تسع وثمانون سنة. والرشيد إسماعيل بن أحمد بن الحسين العراقىّ الحنبلىّ عن نيّف وثمانين سنة فى جمادى الأولى. والمفتى كمال الدين أبو سالم محمد بن طلحة النّصيبىّ بحلب عن سبعين سنة. وأبو البقاء محمد بن على بن بقاء [بن «8» ] السبّاك. والعلّامة مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبى القاسم ابن تيميّة بحرّان يوم الفطر عن اثنتين وستين سنة. وأبو الغيث فرج [بن عبد الله «9» ] الحبشىّ فتى أبى جعفر «10» القرطبى فى شوّال. والإمام شمس الدين عبد الحميد بن عيسى الخسرو شاهىّ بدمشق. وأبو العزائم عيسى بن سلامة بن سالم الخيّاط بحرّان فى أواخر «11» السنة، وله مائة وسنة. والفارس أقطاى مقدّم البحريّة، قتله المعزّ بمصر.

ما وقع من الحوادث سنة 653

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وستّ أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا واثنتا عشرة إصبعا. [ما وقع من الحوادث سنة 653] السنة السادسة من ولاية الملك المعزّ أيبك الصالحىّ النّجمىّ التّركمانىّ على مصر، وهى سنة ثلاث وخمسين وستمائة. فيها عزمت المماليك العزيزيّة على القبض على الملك المعزّ وكاتبوا الملك الناصر فلم يوافقهم أيدغدىّ العزيزىّ، واستشعر الملك المعزّ منهم بذلك وعلم الخبر، وعلموا هم أيضا فهربوا على حميّة، وكبيرهم آقوش البرنلى، ولم يهرب أيدغدى وأقام بمخيّمه، فجاء الملك المعزّ راكبا إلى قرب خيمته فخرج إليه أيدغدى فأمر المعزّ بحمله، وقبض أيضا على الأمير الأتابكى ونهبت خيام العزيزيّة وكانوا بالعبّاسة، والأعيان الذين هربوا: هم بلبان الرّشيدىّ، وعزّ الدين أزدمر، وبيبرس البندقدارىّ، وسنقر الأشقر، وسيف الدين قلاوون الألفى، وبدر الدين بيسرى، وسنقر الرّومى، وبلبان المستنصرىّ. «1» وفيها عاد الملك الناصر داود من الأنبار إلى دمشق بعد أن حبسه الملك الناصر صلاح الدين يوسف بقلعة حمص ثلاث سنين وبعث به إلى بغداد، ثم عاد إلى دمشق وأقام بها، ثم عاد فى سنة ثلاث وخمسين إلى العراق، وحجّ وأقام بالحلّة «2» ، وكان قد جرى بين الحجّ العراقىّ وأصحاب أمير مكّة فتنة، فأصلح بينهم. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى المفتى ضياء الدين صقر بن يحيى بن سالم الحلبىّ فى صفر عن نيّف وتسعين سنة. والمحدّث

ما وقع من الحوادث سنة 654

شهاب الدين أبو العرب إسماعيل بن حامد الأنصارى القوصىّ فى شهر ربيع الأوّل عن ثمانين سنة. والنور محمد بن أبى بكر بن أحمد بن خلف البلخىّ ثم الدّمشقىّ، فى شهر ربيع الآخر، وقد رأى السّلفىّ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع واثنتا عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا سواء. [ما وقع من الحوادث سنة 654] السنة السابعة من ولاية الملك المعزّ أيبك الصالحىّ النّجمىّ التّركمانىّ على مصر، وهى سنة أربع وخمسين وستمائة. فيها فتح الملك الناصر صلاح الدين يوسف مدرسته التى أنشأها بدمشق بباب الفراديس. وفيها غرقت بغداد الغرق العظيم الذي لم يعهد مثله بحيث انتقل الخليفة، ودخل الماء إلى دار الوزير وغرقت خزائن الخليفة، وجرى شىء لم يجر مثله، وكان ذلك فى شهر ربيع الآخر وجمادى الأولى. وفيها توفّى الشيخ الزاهد العابد الورع المجاهد عماد الدين عبد الله [بن «1» أبى المجد الحسن بن الحسين بن علىّ الأنصارىّ] ابن النحّاس، خدم فى مبادئ أمره الملوك، وولى الوزارة لبعضهم، ثم انقطع فى آخر عمره بقاسيون بزاويته، فأقام بها ثلاثين سنة صائما قائما مشغولا بالله تعالى ويقضى حوائج الناس بنفسه وماله، ودفن بقاسيون، وكان له مشهد هائل.

وفيها كان ظهور النار العظيمة بالمدينة الشريفة وهى غير التى ذكرناها فى السنة الماضية «1» ، وهذه النار التى تقدّم ذكرها فى ترجمة الملك المعزّ هذا. وفيها احترق مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فى شهر رمضان، وهذا غير النار التى ظهرت بنواحى المدينة، فإن هذا الحريق له سبب «2» ، ابتدأ من زاوية الحرم النبوىّ [الغربية «3» من الشمال] ، فعلقت فى آلات الحرم ثم دبّت فى السّقوف، فما كان إلّا ساعة حتّى احترقت سقوف المسجد أجمع، ووقع بعض أساطينه، وكان ذلك قبل أن ينام الناس، واحترق أيضا سقف الحجرة، وأصبح الناس فى يوم الجمعة فعزلوا موضعا للصلاة. ونظم فى حريق المسجد غير واحد من الشعراء، فقال معين الدين بن تولو المغربىّ: قل للرّوافض بالمدينة مالكم ... يقتادكم للذّمّ كلّ سفيه ما أصبح الحرم الشريف محرّقا ... إلّا لسبّكم الصحابة فيه وقال غيره: لم يحترق حرم النبي لحادث ... يخشى عليه ولا دهاه العار لكنها أيدى الرّوافض لامست ... ذاك الجناب فطهّرته النار قال: وعدّ ما وقع من تلك النار الخارجة وحريق المسجد من جملة الآيات. وقال أبو شامة: فى ليلة السادس عشر من جمادى الآخرة خسف القمر أوّل الليل، وكان شديد الحمرة ثم انجلى، وكسفت الشمس فى غده، احمرّت وقت طلوعها

و [قريب «1» ] غروبها، واتّضح بذلك ما صوّره الإمام الشافعىّ من اجتماع الخسوف والكسوف، واستبعده أهل النّجامة. وفيها تواترت الأخبار بوصول هولاكو إلى أذربيجان قاصدا بلاد الشام، فتصالح العسكر المصرىّ والشامىّ على قتاله وتهيّأ كلّ منهم للقاء التّتار. وفيها توفّى الأمير مجاهد الدين إبراهيم بن أونبا [بن عبد الله] «2» الصّوابى نائب دمشق، وليها بعد حسام الدّين بن أبى علىّ، وكان فى أوّل أمره أمير جاندار الملك الصالح نجم «3» الدين أيّوب، وكان أميرا كبيرا عاقلا فاضلا شاعرا. ومن شعره- رحمه الله تعالى-: أشبهك الغصن فى خصال ... القدّ واللّين والتثنّى لكن [تجنّيك «4» ] ما حكاه ... الغصن يجنى وأنت تجنى وفيها توفّى الإمام العلّامة عبد العظيم بن عبد الواحد بن ظافر بن عبد الله بن محمد بن جعفر بن الحسن زكىّ الدين أبو محمد البغدادىّ ثم المصرىّ المعروف بابن أبى الإصبع. كان أحد الشعراء المجيدين، وهو صاحب التصانيف المفيدة فى الأدب وغيره. ومولده فى سنة خمس وقيل سنة تسع وثمانين وخمسمائة بمصر وتوفّى بها. ومن شعره فى نوع «التصدير» وسمّاه الأوائل «ردّ العجز على الصدر» على خلاف وقع فى ذلك: اصبر على خلق من تصاحبه «5» ... واصحب صبورا على أذى خلقك

وذكر أيضا فى نوع «المدح فى معرض الذم» أبياتا يعارض بها القاضى السعيد ابن سناء الملك فى قوّاد. فقال هو فيمن ادّعى الفقه والكرم: إنّ فلانا أكرم الناس لا ... يمنع ذا الحاجة من فلسه «1» وهو فقيه ذو اجتهاد وقد ... نصّ على التقليد فى درسه فيحسن البحث على وجهه ... ويوجب الدّخل على نفسه وأمّا قول ابن سناء الملك فى قوّاد: لى صاحب أفديه من صاحب ... حلو التأتّى حسن الاحتيال لو شاء من رقّة ألفاظه ... ألّف [ما «2» ] بين الهدى والضلال يكفيك منه أنّه ربّما ... قاد إلى المهجور طيف الخيال قلت: ويعجبنى قول من قال فى هذا المعنى- أعنى فى قوّاد-: إذا كان الذي تهواه غصنا ... وأقسم لا يرقّ لمن يهيم «3» فدونك والنّسيم له رسولا ... فإنّ الغصن يعطفه النسيم وأحسن من هذا قول من قال: لى صاحب ما زلت أشكر فعله ... قد عمّنى بلطائف الإحسان لو لم يكن مثل النسيم لطافة ... ما كان يعطف لى غصون البان

وفيها توفّى الشيخ الإمام الفقيه الواعظ المؤرّخ العلّامة شمس الدين أبو المظفّر يوسف بن قزأوغلى بن عبد الله البغدادىّ ثم الدّمشقىّ الحنفىّ سبط الحافظ أبى الفرج ابن الجوزىّ. كان والده حسام الدين قزأوغلى من مماليك الوزير «1» عون الدين يحيى ابن هبيرة، وكان عنده بمنزلة الولد، ربّاه وأعتقه وأدّبه. ومولد الشيخ شمس الدين هذا فى سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة ببغداد، وبها نشأ تحت كنف جدّه لأمّه الحافظ أبى الفرج ابن الجوزىّ إلى أن مات فى سنة سبع وتسعين وخمسمائة، واشتغل وبرع فى عدّة علوم، ووعظ ببغداد وغيرها، وقدم دمشق واستوطنها، ونالته السعادة والوجاهة عند الملوك، لا سيّما الملك المعظّم عيسى، فإنّه كان عنده بالمنزلة العظمى؛ ورحل البلاد وسمع الحديث وجلس للوعظ فى الأقطار، وكان له لسان حلو فى الوعظ والتّذكار، ولكلامه موقع فى القلوب، وعليه قابليّة من الخاص والعام؛ وله مصنّفات مفيدة: تاريخه المسمّى «مرآة الزمان» وهو من أجلّ الكتب فى معناها. ونقلت منه فى هذا الكتاب معظم حوادثه. وكانت وفاته فى ذى الحجّة. رحمه الله تعالى. وقد استوعبنا ترجمته فى تاريخنا «المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى» بأوسع من هذا إذ هو كتاب تراجم وليس للإطناب فى ذكره هنا محلّ، كون أننا شرطنا فى هذا الكتاب ألّا نطنب إلّا فى تراجم ملوك مصر الذين تأليف هذا الكتاب بصددهم، وما عداهم يكون على سبيل الاختصار فى ضمن الحوادث المتعلقة بالمترجم من ملوك مصر. انتهى. وفيها توفّى الأمير سيف الدين أبو الحسن يوسف بن أبى الفوارس بن موسك القيمرىّ واقف المارستان بجبل الصالحيّة «2» ، كان أكبر الأمراء فى آخر عمره وأعظمهم

مكانة، وجميع أمراء الأكراد القيمريّة «1» وغيرهم كانوا يتأدّبون ويقفون فى خدمته إلى أن مات فى شعبان، وهو أجلّ الأمراء مرتبة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى العماد أبو بكر عبد الله بن أبى المجد الحسن بن الحسين الأنصارىّ ابن النحّاس الأصمّ فى المحرّم، وله اثنتان وثمانون سنة. والإمام أبو إسحاق إبراهيم بن محمد [بن عبد الرحمن «2» ] بن وثيق الإشبيلىّ المقرئ بالإسكندريّة، وله سبع وثمانون سنة، توفّى فى شهر ربيع الآخر. والقاضى أبو بكر محمد بن الحسن بن عبد السلام بن المقدسيّة السّفاقسىّ «3» ، آخر من حضر على السّلفىّ فى جمادى الأولى. والمفتى شمس الدين عبد الرحمن بن نوح المقدسىّ. والواعظ شمس الدين يوسف بن قزأوغلى سبط ابن الجوزىّ فى ذى الحجّة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وستّ عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وثلاث أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 655

[ما وقع من الحوادث سنة 655] ذكر سلطنة الملك المنصور علىّ بن أيبك التّركمانى على مصر السلطان الملك المنصور نور الدين علىّ ابن السلطان الملك المعزّ عزّ الدين أيبك التّركمانىّ الصالحىّ النجمىّ، ملك الديار المصريّة بعد قتل أبيه المعزّ أيبك فى يوم الخميس خامس عشرين شهر ربيع الأوّل سنة خمس وخمسين وستمائة، وتمّ أمره وخطب له من الغد فى يوم الجمعة سادس عشرينه على منابر مصر وأعمالها. والمنصور هذا هو الثانى من ملوك مصر من الترك بالديار المصريّة. وتسلطن المنصور هذا وعمره خمس عشرة سنة، وركب فى يوم الخميس ثانى شهر ربيع الآخر بشعار السلطنة من القلعة إلى قبة «1» النصر فى موكب هائل، ثم عاد ودخل القاهرة من باب النصر، وترجّل الأمراء ومشوا بين يديه ما خلا الأتابك علم الدين سنجر الحلبىّ، ثم صعد المنصور إلى القلعة وجلس بدار السلطنة ومدّ السّماط للأمراء فأكلوا، ووزر له وزير أبيه شرف الدين «2» الفائزىّ وانفضّ الموكب. وفى يوم الجمعة ثالث «3» شهر ربيع الآخر خطب للملك المنصور وبعده لأتابكه

علم الدين «1» سنجر الحلبىّ المذكور. وفوّض القضاء بالقاهرة وأعمالها إلى القاضى بدر الدين «2» السّنجارىّ، وعزل تاج الدين «3» ابن بنت الأعزّ وأبقى عليه قضاء مصر القديمة وأعمالها. وفى عاشر شهر ربيع الآخر قبض الأمير قطز وسنجر [الغتمى «4» ] وبهادر وغيرهم من الأمراء المعزّيّة على الأتابك سنجر الحلبىّ، وأنزلوه إلى الجبّ «5» بالقلعة، وكان القبض عليه لأمور: أحدها أنّه كان طمع فى السلطنة بعد قتل الملك المعزّ أيبك لمّا طلبته شجرة الدّرّ وعرضت عليه الملك، والثانى أنه بلغهم أنه ندم على ترك الملك وهو فى عزم الوثوب؛ فعاجلوه وقبضوا عليه. ولمّا قبض عليه اضطربت خشداشيته من المماليك الصالحيّة النّجميّة وخاف كلّ أحد على نفسه، فهرب أكثرهم إلى جهة الشام، فخرج فى إثرهم جماعة من الأمراء المعزّيّة وغيرهم، وتقنطر بالأمير عزّ الدين أيبك «6» الحلبىّ الكبير فرسه، وكذلك الأمير خاصّ ترك الصغير فهلكا خارج القاهرة وأدخلا ميتين، وكانوا ركبوا فى جماعة من المماليك الصالحيّة فى قصد الشام أيضا. واتّبع العسكر المهزومين إلى الشام، فقبض على أكثرهم وحملوا إلى القلعة واعتقلوا بها. وقبض أيضا على الوزير شرف الدين الفائزى. وفوّض أمر الوزارة إلى القاضى بدر الدين يوسف السّنجارىّ مضافا إلى القضاء، وأخذ موجود الفائزى

وكان له مال كثير. ثم قبض على بهاء الدين علىّ [بن محمد بن سليم «1» ] بن حنّا وزير شجرة الدّرّ، وأخذ خطّه بستّين ألف دينار. ثم خلع الملك المنصور على الأمير أقطاى «2» المستعرب باستقراره أتابكا عوضا عن سنجر الحلبىّ. ثم فى شهر رجب رفعت يد القاضى بدر الدين السّنجارىّ من الوزارة وأضيف إليه قضاء مصر القديمة، فكمل له قضاء الإقليم بكماله، وولى القاضى تاج الدين ابن بنت الأعزّ الوزارة. ثم فى شعبان كثرت الأراجيف بين الناس بأنّ الأمراء والأجناد اتّفقوا على إزالة حكم مماليك الملك المعزّ من الدولة، وأنّ الملك المنصور تغيّر على الأمير سيف الدين قطز المعزّى، واجتمع الأمراء فى بيت الأمير بهاء الدين بغدى «3» مقدّم الحلقة، وتكلّموا إلى أن صلح الأمر بين الملك المنصور وبين مملوك أبيه الأمير قطز. وخلع عليه وطيّب قلبه؛ ثم وقع الكلام أيضا من المعزّيّة وغيرهم. فلمّا كان رابع شهر رمضان ركب الأمير بغدى وبدر الدين «4» بلغان وانضاف إليهما جماعة ووقفوا بآله الحرب، فخرج إليهم حاشية السلطان فقاتلوهم وهزموهم وقبضوا على بغدى بعد أن جرح وعلى بلغان وحملا إلى القلعة؛ ودخلت المعزّية إلى القاهرة، فقبضوا على الأمير عزّ الدين أيبك الأسمر وأرزن الرّومىّ وسابق الدين بوزنا الصّيرفىّ وغيرهم من المماليك الأشرفيّة ونهبت دورهم، فاضطربت القاهرة حتّى نودى بالأمان لمن دخل فى الطاعة وسكن الناس، وركب السلطان الملك المنصور فى خامس

شهر رمضان وشقّ القاهرة وفى خدمته الأمير قطز وباقى مماليك أبيه، ثم نزل أيضا فى عيد الفطر وصلّى بالمصلّى. وركب وعاد إلى القلعة ومدّ السّماط. ثم ورد كتاب الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب الشام وحلب على الملك المنصور بمفارقة البحريّة والصالحيّة له (أعنى الأمراء والمماليك الذين خرجوا من القاهرة بعد القبض على علم الدين سنجر الحلبىّ المقدّم ذكره) . فلمّا وقف المصريّون على الكتاب ظنّوا أن ذلك خديعة من الملك الناصر فآحترزوا لأنفسهم. ثم جهّز الملك المنصور عسكرا من المماليك والأمراء ومقدّمهم الدّمياطىّ «1» إلى الشام، فتوجّهوا ونزلوا بالعبّاسة؛ فوردت الأخبار على السلطان الملك المنصور بأنّ عساكر الملك الناصر وصلت إلى نابلس لقتال البحريّة الذين قدموا عليه من مصر ثم فارقوه، وكان البحرية نازلين بغزّة، ثم وردت الأخبار بأنّ البحريّة، وكان مقدّم البحريّة بلبان الرّشيدىّ وبيبرس البندقدارىّ، خرجوا من غزّة وكبسوا عسكر الملك الناصر وقتلوا منهم جماعة كثيرة ليلا. ثم ورد الخبر ثانيا بأنّ عسكر الملك الناصر كسروا البحريّة وأنّ البحريّة انحازوا إلى ناحية زغر «2» من الغور. ثم ورد الخبر أيضا بمجيء البحريّة إلى جهة القاهرة طائعين للسلطنة، فقدم منهم الأمير عزّ الدين أيبك الأفرم ومعه جماعة، فتلقّوا بالإكرام، وأفرج عن أملاك الأفرم وأرزاقه ونزل بداره بمصر. ثم بلغ السلطان أنّ البحرية (أعنى الذي بقى منهم) رحلوا من زغر طالبين بعض الجهات، فاتّضح من أمرهم أنّهم خرجوا من دمشق على حميّة وأنّهم قصدوا القدس الشريف، ومقطع القدس يوم ذاك سيف الدين كبك من جهة الملك الناصر

يوسف صاحب الشام وحلب، فطلبوا منه البحريّة أن يكون معهم فامتنع فاعتقلوه، وخطبوا بالقدس للملك المغيث بن العادل بن الكامل بن العادل بن أيّوب. ثم جاءوا إلى غزّة وقبضوا على واليها (أعنى نائبها) وأخذوا حواصل الملك الناصر من غزّة والقدس وغيرهما «1» . ثم إنّهم أطمعوا الملك المغيث صاحب الكرك فى ملك مصر، وقالوا له: هذا ملك أبيك وجدّك وعمّك، ثم عزموا على قصد الديار المصريّة، فجاء الخبر إلى مصر بذلك فخرج إليهم العسكر المصرىّ، واجتمعوا بالصالحيّة «2» وأقاموا بها، فلمّا كان سحر ليلة السبت منتصف ذى القعدة وصلت البحريّة بمن معهم من عسكر الملك المغيث، ووقعت «3» الحرب بين الفريقين واشتدّ القتال بينهم وجرح جماعة، والمصريّون مع ذلك يزدادون كثرة وطلعت الشمس، فرأت البحريّة كثرة المصريّين فانهزموا وأسر منهم بلبان الرّشيدىّ وبه جراحات وهو من كبار القوم، وهرب بيبرس البندقدارىّ وبدر «4» الصّوابى إلى الكرك، وبعض البحريّة دخل فى العسكر المصرىّ، ودخل العسكر المصرىّ القاهرة، وزيّن البلد لهذا النصر وفرح الملك المنصور والأمير قطز بذلك. وأمّا البحريّة فإنّهم توجّهوا إلى الملك المغيث صاحب الكرك وحسنّوا له أن يركب ويجيء معهم لأخذ مصر فأصغى لهم وتجهّز وخرج بعساكره من الكرك فى أوّل سنة ستّ وخمسين وستّمائة، وسار حتّى قدم غزّة، وأمر البحريّة راجع إلى بيبرس البندقدارىّ. فلمّا بلغ ذلك المصريّين خرج الأمير سيف الدين قطز بعساكر

مصر ونزل بالعبّاسة، فلمّا تكامل عسكره سار منه قاصدا الشاميّين، وخرج الملك المغيث من غزّة إلى الرمل فالتقى بالعسكر المصرىّ وتقاتلا قتالا شديدا فى يوم الثلاثاء الحادى والعشرين من شهر ربيع الآخر، فانكسر الملك المغيث بمن معه من البحريّة، وقبض على جماعة كثيرة من المماليك البحرية الصالحيّة، وهم: الأمير عزّ الدين أيبك الرّومى وعزّ الدين أيبك الحموىّ وركن الدين الصّيرفىّ «1» وابن أطلس خان الخوارزمىّ وجماعة كثيرة، فأحضروا بين يدى الأمير سيف الدين قطز والأمير الغتمىّ والأمير بهادر المعزّيّة فأمروا بضرب أعناقهم فضربت، وحملت رءوسهم إلى القاهرة وعلّقت بباب زويلة، ثم أنزلت من يومها لمّا أنكر قتلهم على المعزّية بعض أمراء مصر واستشنع ذلك. وأمّا الملك المغيث فإنّه هرب هو والطواشى بدر الصّوابىّ وبيبرس البندقدارىّ ومن معهم، ووصلوا إلى الكرك فى أسوأ حال بعد أن نهب ما كان معهم من الثّقل والخيام والسلاح وغير ذلك وأقاموا بالكرك؛ وبينما هم فى ذلك أرسل الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب الشام جيشا مقدّمه الأمير «2» مجير الدين إبراهيم [بن «3» أبى بكر] بن أبى زكرى والأمير نور الدين علىّ بن الشجاع الأكتع فى طلب البحريّة، وخرجت البحريّة لمّا بلغهم ذلك إلى غزّة، والتقوا مع العسكر الشامىّ وتقاتلوا فآنكسر العسكر الشامىّ، وقبض على مجير الدين ونور الدين وحملوها البحريّة إلى الكرك، وقوى أمر البحريّة بهذه الكسرة واشتدّوا. وأمّا الملك الناصر لمّا بلغه كسر عسكره تجهّز وخرج بنفسه لقتال البحريّة، وضرب دهليزه قبلى دمشق، فلمّا بلغ البحريّة ذلك توجّهوا نحو دمشق وضربوا

أطراف عساكر الملك الناصر، وخفّ بيبرس البندقدارىّ حتّى إنّه أتى فى بعض الأيام وقطع أطناب خيمة الملك الناصر المضروبة، وذلك قبل خروج الناصر من دمشق. وبينما الناس فى ذلك ورد الخبر بأخذ التّتار لبغداد وقتل هولاكو الخليفة المستعصم بالله وإخراب بغداد. قلت: نذكر سبب أخذ هولاكو لبغداد ثم نعود إلى أمر المصريّين والشاميّين والبحريّة. فأمّا أمر هولاكو فإنّه هولاكو: وقيل: هولاو [وقيل هلاوون «1» ] بن تولى خان ابن چنكز خان المغليّ، ولى الملك بعد موت أبيه تولى قان، واتّسعت ممالكه وعظم أمره وكثرت جيوشه من المغل والتّتار، ولا زال أمره فى زيادة حتى ملك مدينة ألموت «2» وقتل متولّيها شمس «3» الشموس وأخذ بلاده، ثم أخذ الروم وأبقى بها ركن الدين كيقباد بن غياث الدين كيخسرو صورة بلا معنى والحكم والتصرّف لغيره؛ وكان وزير الخليفة المستعصم بالله مؤيّد الدّين بن العلقمىّ ببغداد، وكان رافضيّا خبيثا حريصا على زوال الدولة العباسيّة ونقل الخلافة إلى العلويّين، يدبّر ذلك فى الباطن ويظهر للخليفة المستعصم خلاف ذلك، ولا زال يثير الفتن بين أهل السّنّة والرافضة حتّى تجالدوا بالسيوف، وقتل جماعة من الرافضة ونهبوا، فاشتكى أهل باب البصرة إلى الأمير مجاهد «4» الدين الدّوادار وللأمير أبى بكر ابن الخليفة فتقدّما إلى الجند بنهب

الكرخ فركبوا من وقتهم وهجموا على الرافضة بالكرخ وقتلوا منهم جماعة وارتكبوا معهم «1» العظائم فحنق الوزير ابن العلقمى ونوى الشرّ فى الباطن وأمر أهل الكرخ الرافضة بالصّبر والكفّ عن القتال، وقال لهم: أنا أكفيكم «2» فيهم وكان الخليفة المستنصر بالله قد استكثر من الجند قبل موته حتّى بلغ عدد عسكره مائة ألف، وكان الوزير ابن العلقمىّ مع ذلك يصانع التّتار فى الباطن ويكاتبهم ويهاديهم، فلمّا استخلف المستعصم بعد موت أبيه المستنصر، وكان المستعصم خليّا من الرأى والتدبير، فأشار عليه ابن العلقمىّ المذكور بقطع أرزاق أكثر الجند، وأنّه بمصانعة التتار وإكرامهم يحصل بذلك المقصود، ولا حاجة لكثرة الجند ففعل الخليفة ذلك! قلت: وكلمة الشيخ مطاعة! ثم إنّ الوزير بعد ذلك كاتب التّتار وأطمعهم فى البلاد سرّا، وأرسل إليهم غلامه وأخاه وسهّل عليهم فتح العراق وأخذ بغداد، وطلب منهم أن يكون نائبهم بالبلاد فوعدوه بذلك، وتأهّبوا لقصد بغداد وكاتبوا لؤلؤا «3» صاحب الموصل فى تهيئة الإقامات والسلاح، فكاتب لؤلؤ الخليفة سرّا وحذّره، ثم هيّأ لهم الآلات والإقامات. وكان الوزير ابن العلقمىّ المذكور ليس لأحد معه كلام فى تدبير أمر الخليفة، فصار لا يوصّل مكاتبات لؤلؤ ولا غيره للخليفة، وعمّى عنه الأخبار والنصائح، فكان يقرؤها هو ويجيب عنها بما يختار، فنتج أمر التّتار بذلك غاية النّتاج وأخذ أمر الخليفة والمسلمين فى إدبار! وكان تاج الدين بن صلايا نائب الخليفة بإربل «4»

حذّر الخليفة وحرّك عزمه، والخليفة لا يتحرّك ولا يستيقظ! فلمّا «1» تحقّق الخليفة حركة التّتار نحوه سيّر إليهم شرف «2» الدين بن محيى الدين ابن الجوزى رسولا يعدهم بأموال عظيمة، ثم سيّر مائة رجل إلى الدّربند يكونون فيه يطالعون الخليفة بالأخبار، فمضوا فلم يطلع لهم خبر، لأنّ الأكراد الذين كانوا هناك دلّوا التّتار عليهم، فهجموا عليهم وقتلوهم أجمعين. ثم ركب هولاكو بن تولى خان بن چنكز خان فى جيوشه من المغل والتّتار وقصدوا العراق، وكان على مقدّمته الأمير بايجونوين «3» ، وفى جيشه خلق من أهل الكرخ الرافضة ومن عسكر بركة خان ابن عمّ هولاكو، ومدد من صاحب الموصل مع ولده الملك الصالح ركن الدين إسماعيل، فوصلوا قرب بغداد واقتتلوا من جهة البرّ الغربىّ عن دجلة، فخرج عسكر بغداد وعليهم ركن الدين الدّوادار، فالتقوا على نحو مرحلتين من بغداد، فانكسر البغداديّون وأخذتهم السيوف، وغرق بعضهم فى الماء وهرب الباقون. ثم ساق بايجونوين مقدّمة هولاكو فنزل القرية «4» مقابل دار الخلافة وبينه وبينها دجلة لا غير. وقصد هولاكو بغداد من البرّ الشرقىّ، وضرب سورا وخندقا على عسكره وأحاط ببغداد، فأشار الوزير ابن العلقمىّ على الخليفة المستعصم بالله بمصانعتهم. وقال له: أخرج إليهم أنا فى تقرير الصلح فخرج إليهم، واجتمع بهولاكو وتوثّق لنفسه وردّ إلى الخليفة، وقال: إنّ الملك قد رغب

فى أن يزوّج بنته بآبنك الأمير أبى بكر، ويبقيك على منصب الخلافة كما أبقى صاحب الروم فى سلطنته، ولا يطلب إلّا أن تكون الطاعة له كما كان أجدادك مع السلاطين السّلجوقيّة، وينصرف هو عنك بجيوشه! فتجيبه يا مولانا أمير المؤمنين لهذا، فإنّ فيه حقن دماء المسلمين، ويمكن أن تفعل بعد ذلك ما تريد! والرأى أن تخرج إليه؛ فسمع له الخليفة وخرج إليه فى جمع من الأعيان من أقاربه وحواشيه وغيرهم. فلمّا توجّه إلى هولاكو لم يجتمع به هولاكو وأنزل فى خيمة؛ ثم ركب الوزير وعاد إلى بغداد بإذن هولاكو، واستدعى الفقهاء والأعيان والأماثل ليحضروا عقد بنت هولاكو على ابن الخليفة، فخرجوا من بغداد إلى هولاكو، فأمر هولاكو بضرب أعناقهم! ثم مدّ الجسر ودخل بايجونوين «1» بمن معه إلى بغداد وبذلوا السيف فيها واستمرّ القتل والنهب والسّبى فى بغداد بضعة وثلاثين يوما، فلم ينج منهم إلّا من اختفى. ثمّ أمر هولاكو بعدّ القتلى فبلغوا ألف ألف وثمانمائة ألف وكسرا. وقال الذهبىّ- رحمه الله- فى تاريخ الإسلام: والأصحّ أنّهم بلغوا ثمانمائة ألف. ثم نودى بعد ذلك بالأمان، فظهر من كان اختفى وهم قليل من كثير. وأمّا الوزير ابن العلقمىّ فلم يتمّ له ما أراد، وما اعتقد أنّ التّتار يبذلون السيف مطلقا فى أهل السّنّة والرافضة معا، وراح مع الطائفتين أيضا أمم لا يحصون كثرة، وذاق ابن العلقمىّ الهوان والذّلّ من التّتار! ولم تطل أيامه بعد ذلك كما سيأتى ذكره. ثم ضرب هولاكو عنق مقدّم جيشه بايجونوين لأنّه بلغه عنه من الوزير ابن العلقمىّ أنّه كاتب الخليفة المستعصم لمّا كان بالجانب الغربىّ. وأمّا الخليفة فيأتى ذكره فى الحوادث على عادة هذا الكتاب فى محلّه غير أنّنا نذكره هنا على سبيل الاستطراد. ولمّا تمّ أمر هولاكو طلب الخليفة وقتله خنقا. وقيل

غمّ فى بساط، وقيل جعله هو وولده فى عدلين وأمر برفسهما حتّى ماتا. ثم قتل الأمير مجاهد الدين الدّوادار، والخادم إقبال «1» الشّرابى صاحب الرّباط بحرم مكّة، والأستادار محيى «2» الدين ابن الجوزىّ وولداه «3» وسائر الأمراء الأكابر والحجّاب والأعيان، وانقضت الخلافة من بغداد وزالت أيامهم من تلك البلاد، وخربت بغداد الخراب العظيم، وأحرقت كتب العلم التى كانت بها من سائر العلوم والفنون التى ما كانت فى الدنيا؛ قيل: إنّهم بنوا بها جسرا من الطين والماء عوضا عن الآجرّ، وقيل غير ذلك. وكانت كسرة الخليفة يوم عاشوراء من سنة ستّ وخمسين وستّمائة المذكورة، ونزل هولاكو بظاهر بغداد فى عاشر المحرّم، وبقى السيف يعمل فيها أربعة وثلاثين يوما وآخر جمعة خطب الخطيب ببغداد، كانت الخطبة: الحمد لله الذي هدم بالموت مشيّد الأعمار، وحكم بالفناء على أهل هذه الدار، إلى أن قال: اللهمّ أجرنا فى مصيبتنا التى لم يصب الإسلام وأهله بمثلها، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون! ثم عمل الشعراء والعلماء قصائد فى مراثى بغداد وأهلها، وعمل الشيخ تقي الدين إسماعيل [بن إبراهيم «4» ] بن أبى اليسر [شاكر بن عبد الله «5» التّنوخىّ] قصيدته المشهورة، وهى: لسائل الدّمع عن بغداد أخبار ... فما وقوفك والأحباب قد ساروا يا زائرين إلى الزّوراء لا تفدوا ... فما بذاك الحمى والدار ديّار تاج الخلافة والرّبع الذي شرفت ... به المعالم قد عفّاه إقفار

أضحى لعطف البلى فى ربعه أثر ... وللدّموع على الآثار آثار يا نار قلبى من نار لحرب وغى ... شبّت عليه ووافى الرّبع إعصار علا الصليب على أعلى منابرها ... وقام بالأمر من يحويه زنّار ومنها: وكم بدور على البدريّة «1» انخسفت ... ولم يعد لبدور منه إبدار وكم ذخائر أضحت وهى شائعة ... من النّهاب وقد حازته كفّار وكم حدود أقيمت من سيوفهم ... على الرّقاب وحطّت فيه أوزار ناديت والسّبى مهتوك يجرّهم ... إلى السّفاح من الأعداء دعّار ومنها: وهم يساقون للموت الذي شهدوا ... النار يا ربّ...... «2» ...... ولا العار يا للرّجال لأحداث «3» تحدّثنا ... بما غدا فيه إعذار وإنذار من بعد أسر بنى العبّاس كلّهم ... فلا أنار لوجه الصّبح إسفار ما راق لى قطّ شىء بعده بينهم ... إلّا أحاديث أرويها وآثار لم يبق للدّين والدنيا وقد ذهبوا ... شوق لمجد وقد بانوا وقد باروا إنّ القيامة فى بغداد قد وجدت ... وحدّها حين للإقبال إدبار آل النّبىّ وأهل العلم قد سبيوا «4» ... فمن ترى بعدهم تحويه أمصار. ما كنت آمل أن أبقى وقد ذهبوا ... لكن أبى دون ما أختار أقدار

وهى أطول من ذلك. وجملة القصيدة ستة وستون بيتا. وقال غيره فى فقد الخلافة من بغداد بيتا مفردا وأجاد: خلت المنابر والأسرّة منهم ... فعليهم حتّى الممات سلام انتهى ذكر بغداد هنا، ولا بدّ من ذكر شىء منها أيضا فى الحوادث. وأمّا أمر البحريّة فإنّه لمّا دخلت سنة سبع وخمسين وستمائة رحل الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب الشام بعساكر فى أثر البحريّة، فاندفعوا البحريّة أمامه إلى الكرك، فسار الناصر حتى نزل بركة «1» زيزاء ليحاصر الكرك، وصحبته الملك المنصور صاحب حماة؛ فأرسل الملك المغيث عمر «2» بن العادل بن الكامل صاحب الكرك رسله إلى الملك الناصر يطلب الصلح، وكان مع رسله الدار «3» القطبيّة ابنة الملك المفضّل «4» قطب الدّين بن العادل، وهى من عمّات الناصر والمغيث يتضرّعون إلى الناصر ويطلبون الصلح ورضاه على ابن عمه المغيث، فشرط عليه الناصر أن يقبض على من عنده من البحريّة، فأجاب إلى ذلك وقبض عليهم وجهّزهم إلى الملك الناصر على الجمال، وهو نازل ببركة زيزاء. فحملهم الملك الناصر إلى حلب واعتقلهم بقلعتها ما خلا الأمير بيبرس البندقدارىّ، فإنّه لمّا أحسّ بما وقع عليه الصلح هرب من الكرك فى جماعة من البحريّة وأتى إلى الملك الناصر صلاح الدين المذكور داخلا تحت طاعته، فأكرمه الملك الناصر وأكرم رفقته إكراما زائدا؛ وعاد الناصر إلى دمشق وفى خدمته الأمير ركن الدين بيبرس البندقدارىّ وغيره من البحريّة.

وأمّا المصريّون فإنّه لمّا بلغ الملك المنصور عليّا والأمير قطز المعزّىّ ما وقع للبحريّة فرحا فرحا زائدا، وزيّنت مصر أيّاما لذلك؛ وصفا الوقت للأمير قطز. وبينما هو فى ذلك ورد الخبر عليه بنزول هولاكو على مدينة آمد من ديار بكر، وأنّه فى قصد البلاد الشاميّة، وأنّ هولاكو بعث رسله إلى الملك السعيد نجم الدين إيلغازى صاحب ماردين يستدعيه إلى طاعته وحضرته، فسيّر إليه الملك السعيد ولده الملك المظفّر «1» قرا أرسلان وقاضى القضاة مهذّب الدين محمد [بن «2» مجلّى] والأمير سابق الدين بلبان وعلى أيديهم هديّة، وحمّلهم رسالة تتضمّن الاعتذار عن الحضور بمرض منعه الحركة، ووافق وصولهم إلى هولاكو أخذه لقلعة اليمانيّة وإنزاله من بها من حريم صاحب ميّافارقين وأولاده وأقاربه، وهم: ولده الملك الناصر صلاح الدين يوسف جفتاى، والملك السعيد عمر وابن أخيه الملك الأشرف أحمد وتاج الدين على ابن الملك العادل، فأدّوا الرسالة؛ فقال هولاكو: ليس مرضه بصحيح، وإنّما هو يتمارض مخافة الملك الناصر صاحب الشام، فإن انتصرت عليه اعتذر لى بزيادة المرض، وإن انتصر علىّ كانت له اليد البيضاء عنده، ثم قال: ولو كان للملك الناصر قوّة يدفعنى لم يمكّنى من دخول هذه البلاد؛ وقد بلغنى أنّه بعث حريمه إلى مصر؛ ثم أمر بردّ القاضى وحده فردّ القاضى وأخبر الملك السعيد بالجواب. وأمّا هولاكو فإنّه لا زال يأخذ بلدا بعد أخرى إلى أن استولى على حلب والشام، واضمحلّ أمر الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب الشام بعد أمور ووقائع وقعت له، وانفلّ عنه أصحابه. فلمّا وقع ذلك فارقه الأمير بيبرس البندقدارىّ وقدم إلى مصر ومعه جماعة من البحريّة طائعا للملك المنصور هذا فأكرمه قطز

وأكرم رفقته وصاروا الجميع من عساكر مصر على العادة أوّلا. يأتى تفصيل ذلك فى ترجمة الملك المظفّر قطز. إن شاء الله تعالى. ولمّا استفحل أمر قطز بديار مصر وصار هو المشار إليه فيها لصغر السلطان الملك المنصور علىّ، ولكثرة حواشى قطز المذكور، ثم تحقّق قطز مجىء التّتار إلى البلاد الشاميّة، وعلم أنّه لا بدّ من خروجه من الديار المصريّة بالعساكر للذّبّ عن المسلمين، فرأى أنّه لا يقع له ذلك، فإنّ الآراء مغلولة لصغر السلطان ولاختلاف الكلمة، فجمع قطز كمال الدّين بن العديم الحنفىّ وغيره من الأعيان والأمراء بالديار المصريّة، وعرّفهم أنّ الملك المنصور هذا صبّى لا يحسن التدبير فى مثل هذا الوقت الصّعب، ولا بدّ أن يقوم بأمر الملك رجل شهم يطيعه كلّ أحد، وينتصب للجهاد فى التّتار، فأجابه الجميع: ليس لها غيرك! وكان قطز قبل ذلك قد قبض على الملك المنصور علىّ هذا وعوّقه بالدور السلطانيّة، فخلع الملك المنصور فى الحال من الملك وبويع الأمير قطز ولقّب بالملك المظفّر سيف الدين قطز، واعتقل الملك المنصور ووالدته بالدور السلطانيّة من قلعة الجبل، وحلّف قطز الناس لنفسه وتمّ أمره، وذلك فى يوم السبت سابع عشر ذى القعدة سنة سبع وخمسين وستمائة. وكانت مدّة الملك المنصور فى السلطنة بالديار المصريّة سنتين وسبعة «1» أشهر واثنين وعشرين يوما، وبقى معتقلا سنين «2» كثيرة إلى أن تولّى الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقدارىّ، فنفاه هو ووالدته وأخاه ناصر الدين قاقان «3» إلى بلاد الأشكرى «4» فى ذى القعدة سنة ثمان وخمسين وستمائة.

قلت: والملك المظفر قطز هذا هو أوّل مملوك خلع ابن أستاذه من الملك وتسلطن عوضه، ولم يقع ذلك قبله من أحد من الملوك. وتمّت هذه السّنّة السيّئة فى حاصد إلى يوم القيامة. وبهذه الواقعة فسدت أحوال مصر. السنة الأولى من ولاية الملك المنصور علىّ ابن الملك المعزّ أيبك التّركمانىّ على مصر، وهى سنة خمس وخمسين وستمائة، على أنّ والده الملك المعزّ حكم فيها نحوا من ثلاثة أشهر. فيها أرسل الملك الناصر يوسف صاحب الشام ولده الملك العزيز بهديّة إلى هولاكو ملك التّتار وطاغيتهم. وفيها قتلت الملكة شجرة الدرّ الملك المعزّ أيبك، ثم قتلت هى أيضا. وقد تقدّم ذكر ذلك كلّ واحد على حدته فى ترجمته من هذا الكتاب، فلا حاجة إلى الإعادة. وفيها توفّى الأمير «1» عزّ الدين أيبك بن عبد الله الحلبىّ الكبير، كان من أعيان المماليك الصالحيّة النجميّة، وممّن يضاهى الملك المعزّ أيبك التّركمانىّ فى موكبه، وكانت له المكانة العظمى فى الدولة، كان الأمراء يعترفون له بالتقدّم عليهم، وكان له عدّة مماليك نجباء صاروا من بعده أمراء، منهم: ركن «2» الدين إياجى الحاجب، وبدر الدين بيليك الجاشنكير، وصارم «3» الدين أزبك الحلبىّ وغيرهم. ولما قتل الملك

المعزّ أيبك التركمانىّ حدّثته نفسه بالسلطنة، فلمّا قبض قطز على الأمير سنجر الحلبى، ركب أيبك هذا ومعه الأمراء الصالحيّة فتقنطر به فرسه فهلك خارج القاهرة وأدخل إليها ميتا؛ وكذلك وقع للامير خاصّ ترك. وقد تقدّم ذكر ذلك فى ترجمة الملك المنصور. وفيها توفّى الشيخ الإمام العلّامة نجم الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن الحسن ابن عبد الله البغدادىّ البادرائىّ، ولد فى سنة أربع وتسعين وخمسمائة، وسمع الكثير وتفقّه وبرع وأفتى ودرّس، وترسّل عن الخليفة إلى ملوك الشام ومصر غير مرّة إلى هذه السنة، ولى قضاء القضاة ببغداد. ومات فى سلخ ذى القعدة. وفيها توفّى الشيخ الأديب أبو الحسن علىّ بن محمد بن الرضا الموسوىّ الحسينىّ الشريف المعروف بابن دفتر خوان. ولد سنة تسع وثمانين بحماة، وكان فاضلا وله تصانيف وشعر جيّد، من ذلك قوله: إذا لمت قلبى قال عيناك أبصرت ... وإن لمت عينى قالت الذنب للقلب فعينى وقلبى قد تشاركن فى دمى ... فيا ربّ كن عونى على العين والقلب وفيها توفّيت الصاحبيّة غازيّة خاتون بنت الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر ابن أيّوب، والدة الملك المنصور «1» صاحب حماة. كانت صالحة ديّنة دبّرت ملك ولدها المنصور بعد وفاة زوجها الملك المظفّر أحسن تدبير، وهى والدة الملك الأفضل نور الدين أبى الحسن علىّ أيضا. وكانت وفاتها فى أواخر ذى القعدة أو فى ذى الحجّة من السنة.

وفيها توفّى الشيخ الإمام العالم العلّامة المقرئ أبو عبد الله محمد بن أبى القاسم [قاسم «1» ] بن فيّره «2» بن خلف الرّعينىّ «3» الشاطبىّ الأصل المصرىّ المولد والدار الضّرير راوى «4» القصيدة المشهورة فى القراءات التى لم يسبق إلى مثلها التى سمّاها «حرز الأمانى ووجه التهانى» . ومولده فى حادى عشر ذى الحجّة سنة ست أو سبع وسبعين وخمسمائة بمصر، وتوفّى بها فى حادى عشر شوّال ودفن من يومه بسفح المقطّم، ولم يخلف بعده مثله. وكان الشيخ كثيرا ما ينشد هذا اللّغز وهو «نعش الموتى» واللّغز المذكور للخطيب أبى زكريّا يحيى بن سلامة الحصكفىّ، وهو: أتعرف شيئا فى السماء نظيره ... إذا سار صاح الناس حين يسير فتلقاه مركوبا وتلقاه راكبا ... وكلّ أمير يعتليه أسير يحضّ على التّقوى وتكره قربه ... وتنفر منه النفس وهو نذير وفيها توفّى الوزير الصاحب شرف الدين هبة الله بن صاعد الفائزىّ، كان أوّلا نصرانيّا يلقّب بالأسعد، وهو منسوب بالفائزىّ إلى الملك الفائز إبراهيم ابن الملك العادل أبى بكر بن أيّوب، ثم أسلم وتنقّل فى الخدم حتّى ولى الوزارة. وكان عنده رياسة ومكارم وعقل وحسن تدبير، وخدم عدّة ملوك وكان محفوظا عندهم، وهو الذي هجاه الصاحب جمال الدين يحيى بن مطروح، وقيل بهاء الدين زهير بقوله: لعن الله صاعدا ... وأباه فصاعدا وبنيه فنازلا ... واحدا ثم واحدا

ما وقع من الحوادث سنة 656

وفيها توفّى أبو الحسن المغربىّ المورقىّ «1» الشيخ نور الدين، كان من أقارب المورقى الملك المشهور ببلاد الغرب، مات بدمشق ودفن بقاسيون، وكان فاضلا أديبا شاعرا. ومن شعره من أبيات: القضب راقصة والطير صادحة ... والستر مرتفع والماء منحدر وقد تجلّت من اللذات أوجهها ... لكنّها بظلال الدّوح تستتر فكلّ واد به موسى يفجّره ... وكلّ روض على حافاته الخضر قلت: وهذا يشبه قول من قال فى مليح حليق: مرّت الموسى على عارضه ... فكأنّ الماء بالآس غمر مجمع البحرين أضحى خدّه ... إذ تلاقى فيه موسى والخضر الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى المحدّث أبو محمد عبد الرحمن بن أبى الفهم اليلدانىّ «2» فى شهر ربيع الأوّل، وله سبع وثمانون سنة. والإمام شرف الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن أبى الفضل السّلمىّ المرسىّ فى نصف شهر ربيع الأوّل، وله ست وثمانون سنة. والإمام نجم الدين أبو محمد عبد الله بن أبى الوفاء البادرانىّ الشافعىّ فى ذى القعدة ببغداد. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وخمس وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا. [ما وقع من الحوادث سنة 656] السنة الثانية من ولاية الملك المنصور علىّ ابن الملك المعزّ أيبك على مصر، وهى سنة ست وخمسين وستمائة.

فيها استولى الطاغية هولاكو على بغداد، وقتل الخليفة المستعصم بالله ومعظم أهل بغداد؛ وقد تقدّم ذلك. وفيها كان الوباء العظيم بدمشق وغيرها. وفيها توفّى الأديب البارع شرف الدين أبو الطيب أحمد بن محمد بن أبى الوفا الربعىّ الموصلىّ المعروف بابن الحلاوى الشاعر المشهور، كان من أحسن الناس صورة وألطفهم أخلاقا مع الفضيلة التامة، ورحل البلاد ومدح الخلفاء والملوك وخدم الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤا صاحب الموصل ولبس زىّ الجند. وشعره فى نهاية الرّقّة والجزالة «1» ، وهو صاحب القصيدة التى أوّلها: حكاه من الغصن الرّطيب وريقه ... وما الخمر إلّا وجنتاه وريقه هلال ولكن أفق قلبى محلّه ... غزال ولكن سفح عينى عقيقه وأسمر يحكى الأسمر اللّدن قدّه ... غدا راشقا قلب المحبّ رشيقه على خدّه جمر من الحسن مضرم ... يشبّ ولكن فى فؤادى حريقه أقرّ له من كلّ حسن جليله ... ووافقه من كلّ معنى دقيقه بديع التّثنّى راح قلبى أسيره ... على أنّ دمعى فى العرام طليقه على سالفيه للعذار جريرة ... وفى شفتيه للسّلاف عتيقه يهدّد منه الطّرف من ليس خصمه ... ويسكر منه الرّيق من لا يذوقه على مثله يستحسن الصّبّ هتكه ... وفى حبّه يجفو الصديق صديقه من التّرك لا يصبيه وجد إلى الحمى ... ولا ذكر بانات الغوير تشوقه ولا حلّ فى حىّ تلوح قبابه ... ولا سار فى ركب يساق وسوقه

ولا بات صبّا بالفريق «1» وأهله ... ولكن إلى خاقان يعزى فريقه له مبسم ينسى المدام بريقه ... ويخجل نوّار الأقاحى بريقه تداويت من حرّ الغرام ببرده ... فأضرم من ذاك الحريق رحيقه إذا خفق البرق اليمانىّ موهنا ... تذكّرته فاعتاد قلبى خفوقه حكى وجهه بدر السماء فلو بدا ... مع البدر قال الناس هذا شقيقه رآنى خيالا حين وافى خياله ... فأطرق من فرط الحياء طروقه فأشبهت منه الخصر سقما فقد غدا ... يحمّلنى كالخصر ما لا أطيقه فما بال قلبى كلّ حبّ يهيجه ... وحتّام طرفى كلّ حسن يروقه فهذا ليوم البين لم تطف ناره ... وهذا لبعد الدار ما جفّ موقد ولله قلبى ما أشدّ عفافه ... وإن كان طرفى مستمرّا فسوقه فما فاز إلّا من يبيت صبوحه ... شراب ثناياه ومنها غبوقه وفيها توفّى الأمير بكتوت بن عبد الله سيف الدين العزيزىّ أستادار الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب الشام، كان من أكابر الأمراء فى الدولة الناصريّة، وكان حسن السّيرة مليح الشكل متجمّلا، كان موكبه يضاهى مواكب الملوك. وفيها توفّى الملك الناصر أبو المظفّر وقيل أبو المفاخر داود صاحب الكرك ابن الملك المعظّم عيسى صاحب الشام ابن الملك العادل أبى بكر صاحب مصر ابن الأمير نجم الدين أيّوب. مولده فى جمادى الآخرة سنة ثلاث وستمائة؛ ووقع له أمور وحوادث ومحن تكرّر ذكرها فى عدّة تراجم من هذا الكتاب. وكان تغلّب على الشام بعد موت عمّه الملك الكامل محمد، وقدم مصر بعد ذلك غير مرّة وتوجّه إلى الشّرق، ووقع له أمور يطول شرحها إلى أن مات فى جمادى الأولى. وكان ملكا شجاعا

مقداما فاضلا أديبا شاعرا، وقد تقدّم من شعره عدّة أبيات يستعطف بها الملك الصالح نجم الدين أيّوب فى ترجمة الملك الصالح المذكور. ومن شعره أيضا: لئن عاينت عيناى أعلام جلّق ... وبان من القصر المشيد قبابه تيقّنت أنّ البين قد بان والنّوى ... نأى شحطها والعيش عاد شبابه «1» وفيها توفّى العلّامة المفتن أبو الفضل وقيل أبو العلاء بهاء الدين زهير بن محمد ابن على بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن المنصور بن عاصم الأزدى المكّىّ القوصىّ المنشأ المصرىّ الدار، الكاتب الشاعر المشهور المعروف بالبهاء زهير صاحب الديوان المشهور. مولده بوادى نخلة بقرب مكّة فى خامس ذى الحجّة سنة إحدى وثمانين وخمسمائة؛ وربّى بصعيد مصر بقوص «2» ، وقرأ الأدب وسمع الحديث وبرع فى النّظم والنّثر والترسّل، وله الشعر الرائق الفائق، وكان رئيسا فاضلا حسن الأخلاق، اتّصل بخدمه الملك الصالح نجم الدين أيّوب فى حياة أبيه الملك الكامل، ودام فى خدمته إلى أن توفّى. وقد تقدّم من ذكره فى ترجمة الملك الصالح نبذة جيّدة. وكانت وفاة البهاء زهير هذا فى يوم الأحد قبل المغرب رابع ذى القعدة وقيل خامسه. ومن شعره- رحمه الله-: ولمّا جفانى «3» من أحبّ وخاننى ... حفظت له الودّ الذي كان ضيّعا ولو شئت قابلت الصدود بمثله ... ولكنى أبقيت للصلح موضعا وقد كان ما قد كان بينى وبينه ... أكيدا ولكنّى رعيت وما رعى سعى بيننا الواشى ففرّق بيننا ... لك الذنب يا من خاننى لا لمن سعى

ومن شعره أيضا قصيدته التى أوّلها: رويدك قد أفنيت يا بين أدمعى ... وحسبك قد أحرقت يا شوق أضلعى إلى كم أقاسى لوعة بعد لوعة ... وحتّى متى يا بين أنت معى معى وقالوا علمنا ما جرى منك بعدنا ... فلا تظلمونى ما جرى غير أدمعى وفيها توفّى الإمام الحافظ الحجّة أبو محمد زكىّ الدين عبد العظيم بن عبد القوىّ ابن عبد الله بن سلامة «1» بن سعد بن سعيد المنذرىّ الدّمشقىّ الأصل المصرىّ المولد والدار والوفاة. ولد سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، وسمع الكثير ورحل وكتب وصنّف وخرّج وأملى وحدّث بالكثير، وتخرّج به جماعة، وهو أحد الحفّاظ المشهورين. وفيها توفّى الخليفة أمير المؤمنين المستعصم بالله أبو أحمد عبد الله ابن الخليفة المستنصر بالله منصور ابن الخليفة الظاهر بأمر الله محمد ابن الخليفة الناصر لدين الله أبى العباس أحمد ابن الخليفة المستضىء بالله أبى محمد الحسن ابن الخليفة المستنجد بالله أبى المظفّر يوسف ابن الخليفة المقتفى بالله أبى عبد الله محمد ابن الخليفة المستظهر بالله أبى العبّاس أحمد ابن الخليفة المقتدى بالله أبى القاسم عبد الله ابن الأمير محمد الذّخيرة، وهو غير خليفة، ابن الخليفة القائم بأمر الله عبد الله ابن الخليفة القادر بالله أبى العباس أحمد ابن الأمير إسحاق، وإسحاق غير خليفة، ابن الخليفة المقتدر بالله أبى الفضل جعفر ابن الخليفة المعتضد بالله أبى العباس أحمد ابن الأمير طلحة الموفّق، وطلحة غير خليفة أيضا، ابن الخليفة المتوكّل على الله أبى الفضل جعفر ابن الخليفة المعتصم بالله محمد ابن الخليفة الرشيد بالله هارون ابن الخليفة

المهدىّ بالله محمد ابن الخليفة أبى جعفر عبد الله المنصور بن محمد بن علىّ بن عبد الله ابن العبّاس بن عبد المطلب الهاشمىّ البغدادىّ، آخر خلفاء بنى العباس ببغداد، وبموته انقرضت الخلافة من بغداد. ولى الخلافة بعد وفاة والده المستنصر بالله فى العشرين من جمادى الأولى سنة أربعين وستمائة، ومات قتيلا بيد هولاكو طاغية التّتار فى هذه السنة. وقد تقدّم كيفية قتله فى ترجمة الملك المنصور علىّ هذا، وكانت مدّة خلافته خمس عشرة سنة وثمانية أشهر وأيّاما. وتقدير عمره سبع وأربعون سنة. وكان قليل المعرفة بتدبير الملك نازل الهمة مهملا للأمور المهمّة محبّا لجمع الأموال يقدم على فعل ما يستقبح، أهمل أمر هولاكو حتّى كان فى ذلك هلاكه. وشغرت الخلافة بعده سنين، وبقيت الدّنيا بلا خليفة حتّى أقام الملك الظاهر بيبرس البندقدارىّ بعض بنى العبّاس فى الخلافة. على ما يأتى ذكر ذلك فى ترجمة الظاهر بيبرس البندقدارىّ إن شاء الله تعالى. وفيها توفّى الأمير الأديب الشاعر سيف الدين أبو الحسن علىّ بن عمر بن قزل المعروف بالمشدّ الشاعر المشهور. مولده بمصر فى شوّال سنة اثنتين وستمائة، وتولّى شدّ «1» الدواوين بمصر «2» مدّة سنين، وكان من أكابر الأمراء الفضلاء وهو قريب «3» الأمير جمال الدين بن يغمور، وله ديوان شعر مشهور بأيدى الناس، وتوفّى بدمشق فى يوم عاشوراء. ورثاه «4» بعض الفضلاء، فقال:

عاشور يوم قد تعاظم ذنبه ... إذ حلّ فيه كلّ خطب مشكل لم يكفه قتل الحسين وما جرى ... حتّى تعدّى بالمصاب على على ومن شعره- رحمه الله- بيت مفرد كلّ كلمة منه قلب نفسها وهو: ليل أضاء هلاله ... أنّى يضيء بكوكب ومن شعره أيضا، قوله: وشادن أو ردنى جبّه ... لهيب حرّ الشوق والفرقه أصبحت حرّانا إلى ريقه ... فليت لى من قلبه الرّقّه وله أيضا مضمّنا مقتبسا: وافى إلىّ وكأس الراج فى يده ... فخلت من لطفه أنّ النسيم سرى لا تدرك الراح معنى من شمائله ... والشمس لا ينبغى أن تدرك القمرا وله فى خود عمياء: علقتها نجلاء مثل المها ... فخان فيها الزمن الغادر أذهب عينيها فإنسانها ... فى ظلمة لا يهتدى حائر تجرح قلبى وهى مكفوفة ... وهكذا قد يفعل الباتر ونرجس اللحظ غدا ذابلا ... وا حسرتا لو أنّه ناظر وله فى لاعب شطرنج: لعبت بالشّطرنج مع شادن ... رشاقة الأغصان من قدّه أحلّ عقد البند من خصره ... وألثم الشامات من خدّه «1»

وفيها توفّى الشيخ الإمام الأديب الرّبانىّ جمال الدين أبو زكريّا يحيى بن يوسف ابن يحيى بن منصور بن المعمّر بن عبد السلام الصّرصرىّ «1» الضّرير الشاعر المشهور. كان من العلماء الفضلاء الزّهّاد العبّاد، وكان له اليد الطّولى فى النظم، وشعره فى غاية الجودة، ومدح النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بقصائد لا تدخل تحت الحصر كثرة؛ قيل: إنّ مدائحه فى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تقارب عشرين مجلّدا. ومن شعره من المدائح النبويّة قوله: زار وهنّا ونحن بالزّوراء ... فى مقام خلا من الرّقباء من حبيب القلوب طيف خيال ... فجلا نوره دجى الظّلماء يا لها زورة على غير وعد ... بتّ منها فى ليلة سرّاء نعمت عيشتى وطابت حياتى ... فى دجاها يا طلعة الغرّاء ومنها: يا هلال السرور يا قمر الأذ ... س ونجم الهدى وشمس البهاء يا ربيع القلوب يا قرّة العي ... ن وباب الإحسان والنّعماء ومنها: سيّد حبّه فخار وتشري ... ف وعزّ باق لأهل الصّفاء أحمد المصطفى السّراج المنير ال ... خير خاتم الأنبياء «2» ومن شعره فى عدد الخلفاء بنى العبّاس إلى المستعصم آخر خلفاء بنى العبّاس ببغداد، قال

لكرب بنى العبّاس سفّاحهم جلا ... وجرّ لمنصور ومهدىّ الولا وهاد وهارون الرشيد تلاهما ... أمين ومأمون ومعتصم الملا وواثقهم من بعده متوكّل ... ومنتصر والمستعين بنو العلا وطاب بمعتزّ جنى مهتد كما ... بمعتضد عيش لمعتمد حلا قلت: لعله ما قال إلا: ... ... ... ... كما ... بمعتضد عيش لمعتضد حلا لأن المعتمد عمّ المعتضد وتولى المعتضد الخلافة بعده. انتهى. ومكتفيا فاعدد ومقتدرا وقد ... تلا قاهرا راض لمتّقى تلا ومستكفيا ثم المطيع وطائعا ... وقادرهم والقائم أعدد محصّلا وبالمقتدى مستظهر ساد مثلما ... بمسترشد والراشد المقتفى علا بمستنجد والمستضىء وناصر ... وظاهر والمستنصر اجل مقفّلا ومستعصم لا زال بالنصر قاهرا ... لأعدائه ما حنّت العيس فى الفلا قال الذهبىّ: «حكى لنا شيخنا ابن الدّباهىّ «1» - وكان خال أمّه (يعنى الصّرصرىّ) - قال: بلغنا أنّه دخل عليه التّتار وكان ضريرا، فطعن بعكّازه بطن واحد فقتله، ثم قتل شهيدا بيد التّتار» . انتهى. قلت: كلّ ذلك فى واقعة هولاكو المقدّم ذكرها. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الأمير سيف الدين المشدّ الشاعر صاحب الديوان، واسمه علىّ بن عمر بن قزل فى المحرّم، والشيخ يحيى ابن يوسف بن يحيى الصّرصرىّ الزاهد صاحب «الديوان» ، استشهد ببغداد

فى صفر فى أمم لا يحصون: منهم المستعصم بالله أبو أحمد عبد الله بن المستنصر، وله سبع وأربعون سنة، وكانت خلافته ستّ عشرة سنة. ومنهم أستاداره محيى الدين يوسف بن الشيخ أبى الفرج بن الجوزىّ. ومدرّس المستنصريّة الإمام أبو المناقب محمود بن أحمد بن محمود الزّنجانىّ «1» الشافعىّ، وله ثلاث وثمانون سنة. والمحدّث شمس الدين علىّ بن المظفّر بن القاسم النّشبىّ «2» فى شهر ربيع الأوّل. وأبو عمرو عثمان ابن علىّ القرشىّ بن خطيب القرافة فى شهر ربيع الآخر، وله أربع وثمانون سنة. وأبو العزّ عبد العزيز بن محمد بن أحمد بن محمد بن صديق المؤدّب الحرّانىّ بدمشق. والملك الناصر أبو المظفّر داود بن الملك المعظّم بن العادل فى جمادى الأولى، وله ثلاث وخمسون سنة. والمحدّث نجيب الدين نصر الله [ «3» بن المظفّر بن عقيل بن حمزة أبو الفتح] بن أبى العزّ الشّيبانىّ بن شقيشقة فى جمادى الآخرة، وقد جاوز السبعين. وأبو الفضل عبد العزيز بن عبد الوهاب بن بنان «4» الكفر طابىّ فى شوّال، وله تسع وسبعون سنة. والأديب شرف الدين الحسين «5» بن إبراهيم الإربلىّ اللغوىّ فى ذى القعدة، وله ثمان وثمانون سنة. والحافظ زكىّ الدين عبد العظيم ابن عبد القوىّ المنذرىّ فى ذى القعدة، وله ستّ وسبعون سنة. والبهاء زهير بن محمد ابن علىّ المهلّبى الكاتب الشاعر. والعارف أبو الحسن علىّ بن عبد الله بن عبد الجبّار «6»

ما وقع من الحوادث سنة 657

الشّاذلىّ الضّرير [بصحراء «1» ] عيذاب «2» فى ذى القعدة. وأبو العبّاس القرطبى أحمد بن عمر بن إبراهيم العدل بالإسكندريّة، وله ثمان وسبعون سنة. وخطيب مردا «3» أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن أحمد الحنبلىّ فى ذى الحجّة. والحافظ صدر الدين أبو على الحسن بن محمد بن محمد بن محمد البكرىّ بالقاهرة فى ذى الحجّة، وله اثنتان وثمانون سنة. والشيخ أبو عبد الله الفاسىّ محمد بن حسن شيخ الإقراء بحلب فى شهر ربيع الآخر. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وتسع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وخمس أصابع. [ما وقع من الحوادث سنة 657] السنة الثالثة من ولاية الملك المنصور علىّ ابن الملك المعزّ أيبك على مصر، وهى سنة سبع وخمسين وستمائة.

فيها خلع الملك المنصور علىّ المذكور بمملوك ابيه الملك المظفّر قطز المعزّىّ. وقد تقدّم ذلك. وفيها دخل هولاكو ديار بكر قاصدا حلب. يأتى ذكر ذلك كلّه فى ترجمة الملك المظفّر قطز إن شاء الله تعالى. وفيها توفى الملك «1» الرحيم أبو الفضائل بدر الدين لؤلؤ بن عبد الله الأتابكىّ صاحب الموصل، كان من أجلّ الملوك. وطالت أيّامه بالموصل لأنّه أقام بتدبير أستاذه نور الدين أرسلان شاه بن عزّ الدين مسعود بن مودود بن زنكى بن آق سنقر التّركيّ، فلمّا توفّى نور الدين قام بتدبير ولده الملك القاهر عزّ الدين مسعود، فلما توفّى الملك القاهر سنة أربع عشرة وستمائة أقام صبّيين من ولده هما ابنا بنت مظفّر «2» الدين صاحب إربل [ثم إنّه أخنى على أولاد أستاذه فقتلهم غيلة «3» ] واحدا بعد واحد، ثم بعد ذلك استبدّ بمملكة الموصل وأعمالها سبعا وأربعين سنة. وكان كثير التجمّل بالرّسل والوافدين عليه، وكان له همّة عالية ومعرفة تامّة، وكان شديد البحث عن أخبار رعاياه ما يخفى عنه من أحوالهم إلّا ما قلّ، وكان يغرم على القصّاد والجواسيس فى كلّ سنة مالا عظيما، وكان إذا عدم من بلاده ما قيمته مائة درهم هان عليه أن يبذل عشرة آلاف دينار ليبلغ غرضه فى عوده، ولا يذهب مال رعيّته. قلت: لله درّ هذا الملك! ما أحوج الناس إلى ملك مثل هذا يملك الدنيا بأسرها. وكانت وفاته بالموصل وهو فى عشر التسعين سنة.

وفيها توفّى الأديب الفاضل أبو عبد الله بهاء الدين محمد بن مكّى بن محمد بن الحسن القرشىّ الدمشقىّ العدل المعروف بابن الدّجاجيّة، كان فاضلا شاعرا مطبوعا. ومن شعره قوله: كم تكتم الوجد يا معنّى ... منّا وما يختفى اللهيب سل عرب الواديين عمّن ... بانوا فما بيننا غريب الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال وفيها توفّى أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد الأنصارىّ الإشبيلىّ بن السّرّاج مسند الغرب ببجاية «1» فى صفر، وله سبع وتسعون سنة، وكانت الرّحلة إليه من الأقطار. وصدر الدين أسعد بن عثمان [بن أسعد «2» ] بن المنجّى، ودفن بمدرسته الصّدريّة «3» فى شهر رمضان، والمقرئ شمس الدين أبو الفتح محمد [بن علىّ «4» ] بن موسى الأنصارىّ بدمشق فى المحرّم. والملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل فى شعبان. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وست وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وإصبع واحدة.

ذكر سلطنة الملك المظفر قطز على مصر

ذكر سلطنة الملك المظفّر قطز على مصر السلطان الملك المظفّر سيف الدين قطز بن عبد الله المعزّى الثالث من ملوك الترك بالديار المصريّة. وقطز (بضم القاف والطاء المهملة وسكون الزاى) ، وهو لفظ مغلىّ. تسلطن بعد خلع ابن أستاذه الملك المنصور علىّ ابن الملك المعزّ أيبك فى يوم السبت سابع عشر ذى القعدة سنة سبع وخمسين وستمائة، وذلك بعد أن عظمت الأراجيف بتحريك التّتار نحو البلاد الشاميّة وقطعهم الفرات وهجمهم بالغارات على البلاد الحلبيّة، وكان وصل إليه بسبب ذلك الصاحب كمال الدّين «1» عمر بن العديم رسولا من الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب حلب والشام يطلب منه النّجدة على قتال التّتار، فأنزله قطز بالكبش «2» وجمع القضاة والفقهاء والأعيان لمشاورتهم فيما يعتمد عليه فى أمر التّتار وأن يؤخذ من الناس ما يستعان به على جهادهم، فحضروا فى دار السّلطنة بقلعة الجبل، وحضر الشيخ عزّ الدين ابن عبد السلام والقاضى بدر الدين السّنجارىّ قاضى الديار المصرية وغيرهما من العلماء، وجلس الملك المنصور علىّ فى دست السلطنة، وأفاضوا فى الحديث، فكان الاعتماد على ما يقوله ابن عبد السّلام، وخلاصة ما قال: إنّه إذا طرق العدوّ بلاد الإسلام وجب على العالم قتالهم، وجاز لكم أن تاخذوا من الرعيّة ما تستعينون به

على جهادكم، بشرط ألّا يبقى فى بيت المال شىء، وتبيعوا مالكم من الحوائص «1» المذهبة والآلات النفيسة، ويقتصر كلّ الجند على مركوبه وسلاحه ويتساووا هم والعامّة. وأمّا أخذ الأموال من العامّة مع بقايا فى أيدى الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا، وانفضّ المجلس على ذلك، ولم يتكلّم السلطان بكلمة فى المجلس لعدم معرفته بالأمور ولصغر سنّه؛ فلهج الناس بخلع المنصور وسلطنة قطز حتّى يقوم بهذا الأمر المهمّ، واتّفق ذلك بعد أيّام، وقبض قطز هذا على الملك المنصور علىّ، واحتجّ لكمال الدّين بن العديم وغيره بأنّه صبىّ لا يحسن تدبير الملك، وفى مثل هذا الوقت الصّعب لا بدّ أن يقوم بأمر الملك رجل شهم يطيعه الناس وينتصب للجهاد. وكان الأميران: علم الدين سنجر [الغتمىّ المعظّمىّ «2» ] وسيف الدين بهادر حين جرى هذا الأمر غائبين فى الصيد، فاغتنم قطز لغيبتهما الفرصة، فلمّا حضرا قبض عليهما واعتقلهما، وتسلطن. وركب بشعار الملك، وجلس على كرسىّ السلطنة وتمّ أمره. ولمّا وقع ذلك تقدّم قطز إلى برهان الدين الخضر «3» أن يتوجّه فى جواب رسالة الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب الشام صحبة الصاحب كمال الدين ابن العديم، ويعد الملك الناصر بالنّجدة وإنفاذ العساكر إليه؛ فتوجّها ووصلا إلى دمشق وأدّيا الرسالة؛ ولم يزل البرهان بدمشق إلى أن رحل الملك الناصر من دمشق إلى جهة الديار المصريّة جافلا من التّتار.

وكان الناصر لمّا تحقّق بحركة التّتار رحل إلى برزة شمالى دمشق، ونزل بها بعساكره واجتمع إليه أمم عظيمة من العرب والعجم والتّركمان والأتراك والمطوّعة؛ فلم يعجب الناصر حاله لما رأى من تخاذل عسكره، وعلم انّه إذا لاقى التّتار لم يثبت عسكره لهم لكثرتهم ولقوّتهم، فإنّ هولاكو فى خلق لا يحصيهم إلّا الله تعالى من المغل والكرج والعجم وغيرهم، ولم يكن من حين قدومهم على بلاد المسلمين من سنة ستّ عشرة وستمائة إلى هذه السنة يلقاهم عسكر إلّا فلّوه سوى وقائع كانت بينهم وبين جلال الدين «1» بن خوارزم شاه، انتصف جلال الدين فى بعضها، ثمّ كبسوه على باب آمد وبدّدوا جمعه، وأعقب ذلك موت جلال الدين بالقرب من ميّافارقين. وأمّا أمر هلاكو فإنّه فى جمادى الأولى من هذه السنّة نزل حرّان واستولى عليها وملك بلاد الجزيرة، ثمّ سيّر ولده أشموط «2» بن هولاكو إلى الشام وأمره بقطع الفرات وأخذ البلاد الشاميّة، وسيّره فى جمع كثيف من التّتار فوصل أشموط إلى نهر الجوز «3» وتلّ باشر «4» ، ووصل الخبر إلى حلب من البيرة «5» بذلك. وكان نائب السلطان صلاح الدين يوسف بحلب ابنه الملك المعظّم توران شاه، فجفل الناس بين يدى

التّتار إلى جهة دمشق وعظم الخطب، واجتمع الناس من كلّ فجّ عند الملك الناصر بدمشق، واحترز الملك المعظّم توران شاه ابن الملك الناصر بحلب غاية الاحتراز. وكذلك جميع نوّاب البلاد الحلبيّة؛ وصارت حلب فى غاية الحصانة بأسوارها المحكمة البناء وكثرة الآلات. فلمّا كان العشر الأخير من ذى الحجّة [سنة «1» سبع وخمسين وستمائة] قصد التّتار حلب ونزلوا على قرية يقال لها سلمية «2» وامتدوا إلى حيلان «3» والحارى «4» ، وسيّروا جماعة من عسكرهم أشرفوا على المدينة. فخرج عسكر حلب ومعهم خلق عظيم من العوام والسّوقة، وأشرفوا على التّتار وهم نازلون على هذه الأماكن، وقد ركبوا جميعهم لانتظار المسلمين، فلمّا تحقّق المسلمون كثرتهم كرّوا راجعين إلى المدينة؛ فرسم الملك المعظّم بعد ذلك ألّا يخرج أحد من المدينة. ولمّا كان غد هذا اليوم رحلت التّتار من منازلهم طالبين مدينة حلب، واجتمع عسكر المسلمين بالنّواشير وميدان «5» الحصا وأخذوا فى المشورة فيما يعتمدونه، فأشار عليهم الملك المعظّم أنّهم لا يخرجون أصلا لكثرة التّتار ولقوّتهم وضعف المسلمين على لقائهم، فلم يوافقه جماعة من العسكر وأبوا إلّا الخروج إلى ظاهر البلد لئلّا يطمع العدوّ فيهم؛ فخرج العسكر إلى ظاهر حلب وخرج معهم العوامّ والسّوقة واجتمعوا الجميع بجبل بانقوسا «6» ؛ ووصل جمع التّتار إلى أسفل الجبل فنزل إليهم جماعة من العسكر ليقاتلوهم؛ فلما رآهم التّتار اندفعوا بين أيديهم مكرا منهم وخديعة،

فتبعهم عسكر حلب ساعة من النهار؛ ثم كرّ التّتار عليهم فولّوا منهزمين إلى جهة البلد والتّتار فى أثرهم. فلما حاذوا جبل بانقوسا وعليه بقيّة عسكر المسلمين والعوامّ اندفعوا كلّهم نحو البلد والتّتار فى أعقابهم، فقتلوا من المسلمين جمعا كثيرا من الجند والعوامّ. وممّن استشهد فى ذلك اليوم الأمير علم الدين زريق العزيزىّ- رحمه الله- وكان من أعيان الأمراء. ونازل التّتار المدينة فى ذلك اليوم إلى آخره، ثم رحلوا طالبين أعزاز فتسلّموها بالأمان. ثم عادوا إلى حلب فى ثانى صفر من سنة ثمان وخمسين وستمائة وحاصروها حتّى استولوا عليها فى تاسع صفر بالأمان، فلمّا ملكوها غدروا بأهل حلب وقتلوا ونهبوا وسبوا وفعلوا تلك الأفعال القبيحة على عادة فعلهم. وبلغ الملك الناصر يوسف أخذ حلب فى منتصف صفر، فخرج الناصر من الشام بأمرائه نحو القبلة. وكان رسل التّتار بقرية حرستا «1» فأدخلوا دمشق ليلة الاثنين سابع عشر صفر. وقرئ بعد صلاة الظهر فرمان (أعنى مرسوما) جاء من عند ملك التّتار يتضمّن الأمان لأهل دمشق وما حولها، وشرع الأكابر فى تدبير أمرهم. ثم وصلت التّتار إلى دمشق فى سابع عشر شهر ربيع الأوّل، فلقيهم أعيان البلد أحسن ملتقى وقرئ ما معهم من الفرمان المتضمّن الأمان، ووصلت عساكرهم من جهة الغوطة مارّين من وراء الضّياع إلى جهة الكسوة «2» وأهلكوا فى ممرّهم جماعة كانوا قد تجمّعوا وتحزّبوا «3» . وفى السادس والعشرين منه جاء منشور من هولاكو للقاضى كمال الدين عمر بن بندار «4»

التّفايسىّ بتفويض قضاء القضاة إليه بمدائن الشام إلى الموصل وميّافارقين وغير ذلك، وكان القاضى قبله صدر «1» الدين أحمد بن سنىّ الدولة. وتوجّه الملك الناصر نحو الديار المصريّة ونزل العريش ثم قطيا «2» بعد أن تفرّق عسكره عنه وتوجّه معظم عسكره إلى مصر قبله مع الأثقال. فلمّا وصل الناصر إلى قطيا عاد منها إلى جهة الشام لشىء بلغه عن الملك المظفّر صاحب مصر، ونزل بوادى «3» موسى ثم نزل بركة زيزاء «4» ، فكبسه التّتار بها وهو فى خواصّه وقليل من مماليكه، فاستأمن الناصر من التّتار وتوجّه إليهم، فلمّا وصل إليهم احتفظوا به وبقى معهم فى ذلّ وهوان إلى أن قتل على ما يأتى ذكره فى محله إن شاء الله تعالى. وأمّا التّتار فإنّه بلغت غارتهم إلى غزّة وبلد الخليل «5» - عليه السلام- فقتلوا الرجال وسبوا النساء والصّبيان واستاقوا من الأسرى والأبقار والأغنام والمواشى شيئا كثيرا. كلّ ذلك والسلطان الملك المظفّر قطز سلطان مصر يتهيّأ للقاء التّتار.

فلمّا اجتمعت العساكر الإسلاميّة بالديار المصريّة ألقى الله تعالى فى قلب الملك المظفّر قطز الخروج لقتالهم بعد أن كانت القلوب قد أيست من النّصرة على التّتار، وأجمعوا على حفظ مصر لا غير لكثرة عددهم واستيلائهم على معظم بلاد المسلمين، وأنّهم ما قصدوا إقليما إلّا فتحوه ولا عسكرا إلّا هزموه، ولم يبق خارج عن حكمهم فى الجانب الشرقىّ إلّا الديار المصريّة والحجاز واليمن، وهرب جماعة من المغاربة الذين كانوا بمصر إلى الغرب، وهرب جماعة من الناس إلى اليمن والحجاز، والباقون بقوا فى وجل عظيم وخوف شديد يتوقّعون دخول العدوّ وأخذ البلاد؛ وصمّم الملك المظفّر- رحمه الله- على لقاء التّتار، وخرج من مصر فى الجحافل» الشاميّة والمصريّة فى شهر رمضان، وصحبته الملك المنصور صاحب حماة؛ وكان الأتابك فارس الدين أقطاى المستعرب، الأمور كلّها مفوّضة إليه؛ وسيّر الملك المظفّر قطز إلى صاحب حماة، وهو بالصالحيّة، يقول: له لا تحتفل فى مدّ سماط، بل كلّ واحد من أصحابك يفطر على قطعة لحم فى صولقه «2» . وسافر الملك المظفّر بالعساكر من الصالحيّة ووصل غزّة والقلوب وجلة. وأما كتبغانوين «3» مقدّم التّتار على عسكر هولاكو لمّا بلغه خروج الملك المظفّر قطز كان بالبقاع؛ فاستدعى الملك الأشرف [موسى «4» ابن المنصور صاحب حمص] وقاضى القضاة محيى «5» الدين واستشارهم فى ذلك، فمنهم من أشار بعدم الملتقى

والاندفاع بين يدى الملك المظفّر إلى حيث يجيئه مدد من هولاكو ليقوى على ملتقى العسكر المصرىّ، ومنهم من أشار بغير ذلك وتفرّقت الآراء، فاقتضى رأى كتبغانوين الملتقى، وتوجّه من فوره لما أراد الله تعالى من إعزاز الإسلام وأهله، وإذلال الشّرك وحزبه، بعد أن جمع كتبغانوين من فى الشام من التّتار وغيرهم، وقصد محاربة المسلمين، وصحبته الملك السعيد [حسن «1» ] ابن الملك العزيز عثمان. ثم رحل الملك المظفّر قطز بعساكره من غزّة ونزل الغور بعين جالوت «2» ، وفيه جموع التّتار فى يوم الجمعة خامس عشرين شهر رمضان، ووقع المصافّ بينهم فى اليوم المذكور، وتقاتلا قتالا شديدا لم ير مثله حتّى قتل من الطائفتين جماعة كثيرة وانكسرت ميسرة المسلمين كسرة شنيعة، فحمل الملك المظفّر- رحمه الله- بنفسه فى طائفة من عساكره وأردف الميسرة حتّى تحايوا وتراجعوا، واقتحم الملك المظفّر القتال وباشر ذلك بنفسه وأبلى فى ذلك اليوم بلاء حسنا، وعظم الحرب وثبت كلّ من الفريقين مع كثرة التتار. والمظفّر مع ذلك يشجّع أصحابه ويحسّن إليهم الموت، وهو يكرّ بهم كرّة بعد كرّة حتّى نصر الله الإسلام وأعزّه، وانكسرت التّتار وولّوا الأدبار على أقبح وجه بعد أن قتل معظم أعيانهم وأصيب مقدّم العساكر التّتاريّة كتبغانوين، فإنّه أيضا لمّا عظم الخطب باشر القتال بنفسه فأخزاه الله تعالى وقتل شرّ قتلة. وكان الذي حمل عليه وقتله الأمير جمال الدين آقوش الشّمسىّ- رحمه الله تعالى- وولّوا التّتار الأدبار لا يلوون على شىء، واعتصم منهم طائفة بالتلّ المجاور لمكان الوقعة، فأحدقت بهم العساكر وصابروهم على القتال حتّى أفنوهم قتلا، ونجا من نجا. وتبعهم الأمير ركن الدين بيبرس البندقدارىّ فى جماعة من الشّجعان إلى أطراف البلاد؛

واستوفى أهل البلاد والضّياع من التّتار آثارهم، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة حتّى إنّه لم يسلم منهم إلّا القليل جدّا. وفى حال الفراغ من المصافّ حضر الملك السعيد [حسن] ابن الملك العزيز عثمان ابن الملك العادل بين يدى السلطان الملك المظفّر قطز؛ وكان التّتار لمّا ملكوا قلعة البيرة وجدوه فيها معتقلا فأطلقوه وأعطوه باياس وقلعة الصّبيبة «1» فانضمّ على التّتار وبقى منهم، وقاتل يوم المصافّ «2» المسلمين قتالا شديدا، فلما أيّد الله المسلمين بنصره وحضر الملوك عند الملك المظفّر فحضر الملك السعيد هذا من جملتهم على رغم أنفه، فلم يقبل المظفّر عذره، وأمر بضرب عنقه فضربت فى الحال. ثم كتب الملك المظفّر كتابا إلى أهل دمشق يخبرهم فيه بالفتح وكسر العدوّ المخذول ويعدهم بوصوله إليهم ونشر العدل فيهم، فسرّ عوامّ دمشق وأهلها بذلك سرورا زائدا، وقتلوا فخر الدين محمد بن يوسف بن محمد الكنجىّ «3» فى جامع دمشق، وكان المذكور من أهل العلم، لكنّه كان فيه شرّ، وكان رافضيّا خبيثا وانضم على التّتار. وقتلوا أيضا بدمشق من أعوان التّتار ابن الماسكينى «4» ، وابن النّفيل «5» وغيرهما. وكان النّصارى بدمشق قد شمخوا وتجرّءوا على المسلمين واستطالوا بتردّد التّتار إلى كنائسهم. وذهب بعضهم إلى هولاكو وجاءوا من عنده بفرمان يتضمّن الوصيّة بهم والاعتناء بأمرهم، ودخلوا بالفرمان من باب توما «6» وصلبانهم مرتفعة، وهم ينادون بارتفاع دينهم واتّضاع دين المسلمين، ويرشّون الخمر على الناس وفى أبواب المساجد، فحصل

عند «1» المسلمين من ذلك همّ عظيم. فلمّا هرب نوّاب التّتار حين بلغتهم الكسرة أصبح الناس وتوجّهوا إلى دور النّصارى ينهبونها ويأخذون ما استطاعوا منها، وأخربوا كنيسة اليعاقبة «2» وأحرقوا كنيسة مريم «3» حتّى بقيت كوما، وقتلوا منهم جماعة واختفى الباقون. وكانت النصارى فى تلك الأيام ألزموا المسلمين بالقيام فى دكاكينهم للصّليب، ومن لم يقم أخرقوا «4» به وأهانوه، وشقّوا السّوق على هذا الوجه إلى عند القنطرة آخر سويقة كنيسة مريم؛ فقام بعضهم على الدّكّان الوسطى من الصف الغربىّ بين القناطر وخطب وفضّل دين النّصارى ووضع من دين الإسلام، وكان ذلك فى ثانى عشرين شهر رمضان. ثم من الغد طلع المسلمون مع قضاتهم وشهودهم إلى قلعة دمشق وبها التّتار فأهانوهم التتار، ورفعوا قسّيس النّصارى عليهم، ثم أخرجوهم بالضرب؛ فصار ذلك كلّه فى قلوب المسلمين. انتهى. ثمّ إنّ أهل دمشق هموا أيضا بنهب اليهود فنهبوا منهم يسيرا، ثم كفّوا عنهم. ثمّ وصل الملك المظفّر قطز إلى دمشق مؤيّدا منصورا فانجبرت بذلك قلوب الرّعايا وتضاعف شكرهم لله تعالى. والتقاه أهل دمشق بعد أن عفّوا آثار النصارى وخرّبوا كنائسهم جزاء لما كانوا سلفوه من ضرب النواقيس على رءوس المسلمين، ودخولهم بالخمر إلى الجامع. وفى هذا المعنى يقول بعض شعراء دمشق:

هلك الكفر فى الشآم جميعا ... واستجدّ الإسلام بعد دحوضه بالمليك المظفّر الملك الأر ... وع سيف الإسلام عند نهوضه ملك [جاءنا «1» ] بعزم وحزم ... فآعتززنا بسمره وبيضه أوجب الله شكر ذاك علينا ... دائما مثل واجبات فروضه وفى نصرة الملك المظفّر هذا يقول الشيخ شهاب الدين أبو شامة: غلب التّتار على البلاد فجاءهم ... من مصر تركى يجود بنفسه بالشام أهلكهم وبدّد شملهم ... ولكلّ شىء آفة من جنسه ثم قدم الخبر على السلطان بدمشق فى شوّال بأنّ المنهزمين من رجال التّتار ونسائهم لحقهم الطّلب من الأمير ركن الدين بيبرس البندقدارىّ، فإنّ بيبرس كان تقدّم قبل السلطان إلى دمشق يتتبّع آثار التّتار إلى قرب حلب، فلمّا قرب منهم بيبرس سيّبوا ما كان فى أيديهم من أسارى المسلمين، ورموا أولادهم فتخطّفهم النّاس، وقاسوا من البلاء ما يستحقّونه. وكان الملك المظّفر قطز قد وعد الأمير بيبرس بحلب وأعمالها، فلمّا انتصر على التّتار انثنى عزمه عن إعطائه حلب، وولّاها لعلاء الدّين [علىّ ابن «2» بدر الدين لؤلؤ] صاحب الموصل، فكان ذلك سبب الوحشة بين بيبرس وبين الملك المظفّر قطز. على ما يأتى ذكره. ولمّا قدم الملك المظفّر إلى دمشق أحسن إلى الناس وأجراهم على عوائدهم وقواعدهم إلى آخر أيّام الملك الناصر صلاح الدين يوسف. وسيّر الملك الأشرف صاحب حمص يطلب منه أمانا على نفسه وبلاده، وكان الأشرف أيضا ممّن انضاف

إلى التّتار فأمّنه وأعطاه بلاده وأقرّه عليها؛ فحضر الأشرف إلى خدمة الملك المظفّر ثم عاد إلى بلده. ثم توجّه الملك المظفّر صاحب حماة إلى حماة على ما كان عليه، وكان حضر مع الملك المظفّر قطز من مصر. قلت: والملك المظفّر قطز هو أوّل من ملك البلاد الشاميّة واستناب بها من ملوك الترك. ثمّ إنّ الملك المظفّر قطز رتّب أمور الشام واستناب بدمشق الأمير علم الدين سنجر الحلبىّ الكبير. ثم خرج المظفّر من دمشق عائدا إلى مصر إلى أن وصل إلى القصير «1» ، وبقى بينه وبين الصالحيّة مرحلة واحدة، ورحلت العساكر إلى جهة الصالحيّة وضرب الدهليز السلطانىّ بها وبقى المظفّر مع بعض خواصّه وأمرائه؛ وكان جماعة قد اتّفقوا مع الأمير بيبرس البندقدارىّ على قتل الملك المظفّر: منهم الأمير سيف الدين أنص «2» من مماليك [نجم الدين «3» ] الرومى الصالحى، وعلم الدين صنغلى «4» ، و [سيف «5» الدين بلبان] الهارونىّ وغيرهم؛ كلّ ذلك لكمين كان فى نفس بيبرس، لأجل نيابة حلب. واتّفق عند القصير بعد توجّه العساكر إلى الصالحيّة أن ثارت أرنب فساق الملك المظفّر قطز عليها، وساق هؤلاء المتّفقون على قتله معه، فلمّا أبعدوا ولم يبق معه غيرهم، تقدّم إليه الأمير بيبرس البندقدارىّ وشفع عنده

شفاعة فى إنسان فأجابه، فأهوى بيبرس ليقبّل يده فقبض عليها؛ وحمل أنص «1» عليه، وقد أشغل بيبرس يده، وضربه بالسيف، ثمّ حمل الباقون عليه ورموه عن فرسه، ورشقوه بالنّشّاب فقتلوه، ثم حملوا على العسكر وهم شاهرون سيوفهم حتّى وصلوا إلى الدّهليز السلطانىّ بالصالحيّة؛ فنزلوا ودخلوا والأتابك «2» على باب الدّهليز فأخبروه بما فعلوا؛ فقال: من قتله منكم؟ فقال بيبرس: أنا، فقال: يا خوند، اجلس على مرتبة السلطان! يأتى بقية ذلك فى أوّل ترجمة الملك الظاهر بيبرس البندقدارىّ المذكور. إن شاء الله تعالى. ولمّا وقع ذلك وبلغ الأمير علم الدين سنجر الحلبىّ الكبير نائب دمشق عزّ عليه قتل الملك المظفّر، ثم دعا الناس لنفسه واستحلفهم وتلقّب بالملك المجاهد. على ما يأتى ذكره أيضا. أمّا الملك المظفّر قطز فإنّه دفن موضع قتله- رحمه الله تعالى- وكثر أسف الناس وحزنهم عليه. قال الحافظ أبو عبد الله شمس الدين محمد الذهبىّ فى تاريخه- رحمه الله تعالى- بعد ما سمّاه ونعته قال: وكان المظفّر أكبر مماليك الملك المعزّ أيبك التّركمانىّ، وكان بطلا شجاعا مقداما حازما حسن التدبير، يرجع إلى دين وإسلام وخير، وله اليد البيضاء فى جهاد التّتار، فعوّض الله شبابه بالجنّة ورضى عنه. وحكى الشيخ شمس «3» الدين الجزرىّ فى تاريخه

عن أبيه، قال: كان قطز فى رقّ ابن الزعيم «1» بدمشق فى القصّاعين «2» ، فضربه أستاذه فبكى ولم يأكل شيئا يومه، ثم ركب أستاذه للخدمه وأمر الفرّاش أن يترضّاه ويطعمه، قال: فحدّثنى الحاجّ علىّ الفراش قال: فجئته وقلت: ما هذا البكاء من لطشة؟ فقال: إنّما بكائى من لعنة أبى وجدّى وهم خير منه، فقلت: من أبوك؟ واحد كافر! فقال: والله ما أنا إلّا مسلم ابن مسلم، أنا محمود بن ممدود «3» ابن أخت خوارزم شاه من أولاد الملوك، فسكّتّه وترضّيته. وتنقّلت به الأحوال إلى أن تملّك مصر، ولمّا تملك أحسن إلى الحاج علىّ الفراش المذكور، وأعطاه خمسمائة دينار وعمل له راتبا. قال الذهبىّ أيضا: ولمّا تسلطن لم يبلغ ريقه ولا تهنّى بالسلطنة حتى امتلأت الشامات المباركة بالتّتار؛ ثم ساق الذهبىّ أمره مع التّتار بنحو ما حكيناه. وقال الشيخ قطب الدين: حكى عن الملك المظفّر قطز أنّه قتل جواده يوم القتال مع التّتار، ولم يصادف المظفّر أحد من الأوشاقية «4» فبقى راجلا، فرآه بعض الأمراء الشجعان فترجّل له وقدّم له حصانه، فامتنع المظفّر من ركوبه وقال: ما كنت لأمنع المسلمين الانتفاع بك فى هذا الوقت! ثم تلاحقت الأوشاقيّة إليه. وقال ابن الجزرىّ فى تاريخه: حدّثنى أبى قال حدّثنى أبو بكر بن الدّريهم الإسعردىّ والزكىّ إبراهيم أستاذ الفارس أقطاى قالا: كنّا عند سيف الدين قطز لمّا تسلطن أستاذه الملك المعزّ أيبك التركمانىّ، فأمرنا قطز بالقعود، ثم أمر المنجّم فضرب الرّمل،

ثم قال له قطز: اضرب لمن يملك بعد أستاذى الملك المعزّ أيبك، ومن يكسر التّتار، فضرب وبقى زمانا يحسب، فقال: يطلع معى خمس حروف بلا نقط. فقال له قطز: لم لا تقول محمود بن ممدود، فقال: يا خوند لا ينفع غير هذا الاسم، فقال: أنا هو، أنا محمود بن ممدود، وأنا أكسر التّتار وآخذ بثأر خالى خوارزم شاه، فتعجّبنا من كلامه، وقلنا: إن شاء الله يكون هذا يا خوند، فقال: اكتموا ذلك، وأعضى المنجّم ثلثمائة درهم. قلت: ونقل الشيخ قطب الدين اليونينىّ فى تاريخه الذي ذيلّه على مرآة الزمان، فقال فى أمر المنجّم غير هذه الصورة. وسنذكرها فى سياق كلام قطب الدين المذكور. قال (أعنى قطب الدين) : كان المظفّر أخصّ مماليك الملك المعزّ وأقربهم إليه وأوثقهم عنده. وهو الذي قتل الأمير فارس الدين أقطاى الجمدار. قال: وكان الملك المظفّر بطلا شجاعا مقداما حازما حسن التدبير لم يكن يوصف بكرم ولا شحّ بل كان متوسّطا فى ذلك، وذكر حكايته لمّا أن قتل جواده يوم الوقعة بنحو ممّا حكيناه، لكنّه زاد بأن قال: فلام المظفّر بعض خواصّه على عدم ركوبه، وقال: يا خوند- لو صادفك، والعياذ بالله تعالى- بعض المغل وأنت راجل كنت رحت وراح الإسلام! فقال: أما أنا فكنت رحت إلى الجنّة- إن شاء الله تعالى- وأما الإسلام فما كان الله ليضيعه؛ فقد مات الملك الصالح نجم الدين أيّوب، وقتل بعده ابنه الملك المعظّم توران شاه، وقتل الأمير فخر الدين ابن الشيخ مقدّم العساكر يوم ذاك، ونصر الله الإسلام بعد اليأس من نصره! (يعنى عن نوبة أخذ الفرنج دمياط) . ثم قال قطب الدين، بعد ما ساق توجّهه إلى دمشق وإصلاح أمرها إلى أن قال: وقتل الملك المظفّر قطز مظلوما بالقرب من القضير وهى المنزلة التى بقرب الصالحية، وبقى ملقى بالعراء فدفنه بعض من كان فى خدمته

بالقصير، وكان قبره يقصد للزيارة دائما. قال: واجتزت به فى شهر رمضان سنة تسع وخمسين وستمائة، وترحّمت عليه وزرته. وكان كثير الترحّم عليه والدعاء على من قتله. فلمّا بلغ بيبرس ذلك أمر بنبشه ونقله إلى غير» ذلك المكان وعفّى أثره، ولم يعفّ خبره- رحمه الله تعالى وجزاه عن الإسلام خيرا- قال: ولم يخلّف ولدا ذكرا، وكان قتله يوم السبت سادس عشر ذى القعدة سنة ثمان وخمسين وستمائة. قلت: فعلى هذا تكون مدّة سلطنة الملك المظفّر قطز سنة إلّا يومنا واحدا، فإنّه تسلطن فى يوم السبت سابع عشر ذى القعدة من سنة سبع وخمسين وستمائة، وقتل فيما نقله الشيخ قطب الدين فى يوم السبت سادس عشر ذى القعدة من سنة ثمان وخمسين وستمائة: انتهى. قال: حكى لى المولى علاء الدين بن غانم فى غرّة شوّال سنة إحدى وتسعين وستّمائة ببعلبكّ، قال: حدّثنى المولى تاج «2» الدين أحمد ابن الأثير- تغمده الله برحمته- ما معناه: أنّ الملك الناصر صلاح الدين يوسف- رحمه الله- لمّا كان على برزة فى أواخر سنة سبع وخمسين وصله قصّاد من الديار المصريّة بكتب يخبرونه فيها أنّ قطز تسلطن وملك الديار المصريّة وقبض على ابن أستاذه، قال المولى تاج الدين- رحمه الله-: فطلبنى السلطان الملك الناصر قرأت عليه الكتب، وقال لى: خذ هذه الكتب ورح إلى الأمير ناصر «3» الدين القيمرىّ، والأمير جمال «4» الدين بن يغمور أوقف كلّا منهما عليها، قال: فأخذتها

وخرجت فلما بعدت عن الدّهليز لقينى حسام الدين البركة خانى «1» وسلّم علىّ، وقال: جاءكم بريدىّ أو قصّاد من الديار المصريّة؟ فورّيت وقلت: ما عندى علم بشىء من هذا، قال: قطز تسلطن وتملّك الديار المصريّة ويكسر التّتار؛ قال تاج الدين: فبقيت متعجّبا من حديثه، وقلت له: إيش هذا القول، ومن أين لك هذا؟ قال: والله هذا قطز خشداشى، كنت أنا وإيّاه عند الهيجاوى «2» من أمراء مصر ونحن صبيان، وكان عليه قمل كثير، فكنت أسرّح رأسه على أنّنى كلّما أخذت منه قملة أخذت منه فلسا أو صفعته، ثم قلت فى غضون ذلك: والله ما أشتهى إلا أنّ الله يرزقنى إمرة خمسين فارسا، فقال لى: طيّب قلبك، أنا أعطيك إمرة خمسين فارسا، فصفعته وقلت: أنت تعطينى إمرة خمسين! قال: نعم فصفّعته، فقال لى: وأ لك علّة! إيش يلزم لك إلّا إمرة خمسين فارسا؟ أنا والله أعطيك، قلت: ويلك «3» ! كيف تعطينى؟ قال: أنا أملك الديار المصريّة، وأكسر التّتار وأعطيك الذي طلبت، قلت: ويلك أنت مجنون! أنت بقملك تملك الديار المصرية؟ قال: نعم، رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فى المنام وقال لى: أنت تملك الديار المصريّة وتكسر التّتار، وقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حقّ لا شكّ فيه، قال: فسكتّ وكنت أعرف منه الصدق فى حديثه وعدم الكذب. قال تاج الدين: فلمّا قال لى هذا، قلت له: قد وردت الأخبار بأنّه تسلطن، قال لى: والله وهو يكسر التّتار. قال تاج الدين: فرأيت حسام الدين البركة خانى- الحاكى ذلك- بالديار المصريّة بعد كسر التّتار فسلّم علىّ، وقال: يا مولاى تاج الدين،

ما وقع من الحوادث سنة 658

تذكر ما قلت لك فى الوقت الفلانىّ؟ قلت: نعم، قال: والله حالما عاد الملك الناصر من قطيا دخلت الديار المصريّة أعطانى إمرة خمسين فارسا كما قال، لا زائد على ذلك. قال: وحكى لى عزّ «1» الدين محمد بن أبى الهيجاء ما معناه: أنّ سيف الدين بلغاق حدّثه أنّ الأمير بدر الدين بكتوت الأتابكىّ، حكى لى قال: كنت أنا والملك المظفّر قطز والملك الظاهر بيبرس- رحمهما الله تعالى- فى حال الصّبا كثيرا ما نكون مجتمعين فى ركوبنا وغير ذلك، فاتّفق أن رأينا منجّما فى بعض الطريق بالديار المصريّة، فقال له الملك المظفّر قطز: أبصر نجمى، فضرب بالرّمل وحسب وقال: أنت تملك هذه البلاد وتكسر التّتار، فشرعنا نهزأ به. ثم قال له الملك الظاهر بيبرس: أبصر نجمى، فقال: وأنت أيضا تملك الديار المصريّة وغيرها، فتزايد استهزاؤنا به، ثم قالا لى، لا بدّ أن تبصر نجمك، فقلت له: أبصر لى نجمى، فحسب وقال: أنت تخلص لك إمرة مائة فارس، يعطيك هذا، وأشار إلى الملك الظاهر، فاتّفق أن وقع الأمر كما قال، ولم يخرم منه شىء. وهذا من عجيب الاتّفاق. انتهت ترجمة الملك المظفّر قطز. ويأتى ذكر حوادثه على عادة هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. [ما وقع من الحوادث سنة 658] السنة التى حكم فيها الملك المظفّر قطز على الديار المصريّة، وهى سنة ثمان وخمسين وستمائة على أنّه حكم من سنة سبع شهرين وقتل قبل انقضاء السنة أيضا بشهرين. فيها كانت كاثنة التّتار مع الملك المظفّر قطز وغيره، حسب ما تقدّم ذكره من أنّهم ملكوا حلب والشام ثم رحلوا عنها.

وفيها غلت الأسعار بالبلاد الشاميّة. وفيها توفّى الملك السعيد نجم الدين إيلغازى ابن الملك المنصور ناصر الدين أبى المظفّر أرتق بن أرسلان «1» بن نجم الدين إيلغازى ابن ألبى بن تمرتاش بن إيلغازى ابن أرتق، السلطان أبو الفتح صاحب ماردين. كان ملكا جليلا كبير القدر شجاعا جوادا حازما ممدّحا. مات فى ذى الحجّة، وملك ماردين بعده ابنه الملك المظفّر رحمه الله. وفيها توفّى الملك المعظّم فخر الدين أبو المفاخر توران شاه ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب، كان قد كبرت سنّه وصار كبير البيت الأيّوبىّ، وكانت نفسه لا تحدّثه بالوثوب على الأمر، فلذلك عاش عيشا رغدا وطال عمره. وكان الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب الشام يعظّمه ويحترمه ويثق به. وهو غير الملك المعظم توران شاه ابن الملك الصالح نجم الدين أيوب. وقد تقدّم قتل هذاك فى كائنة دمياط، وعدّ أيضا من ملوك مصر. وتوران شاه هذا هو ابن عم الملك الكامل محمد جدّ توران شاه هذاك. وهو أيضا غير توران شاه ابن الملك الكامل محمد المعروف بأقسيس «2» . انتهى. ومولد توران شاه هذا بالقاهرة فى سنة سبع وسبعين وخمسمائة ومات فى شهر ربيع الأوّل من هذه السنة بحلب. وفيها قتل الأمير كتبغانوين مقدّم عساكر التّتار الذي قتل فى الوقعة التى كانت بينه وبين المظفّر قطز بعين جالوت المقدّم ذكرها. كان كتبغانوين عظيما عند

التّتار يعتمدون على رأيه وشجاعته وتدبيره، وكان بطلا شجاعا مقداما خبيرا بالحروب وافتتاح الحصون والاستيلاء على الممالك، وهو الذي فتح معظم بلاد العجم والعراق. وكان هولاكو ملك التتار يثق به ولا يخالفه فيما يشير إليه ويتبرّك برأيه. يحكى عنه عجائب فى حروبه، وكانت مقتلته فى يوم الجمعة خامس عشرين شهر رمضان فى المصافّ على عين جالوت. قلت: إلى سقر وبئس المصير، ولقد استراح الإسلام منه، فإنّه شرّ عصابة على الإسلام وأهله. ولله الحمد على هلاكه. وفيها توفّى الملك المظفّر أبو المعالى ناصر الدين محمد ابن الملك المظفّر غازى بن أبى بكر «1» محمد العادل بن أيّوب صاحب ميّافارقين وتلك البلاد. ملكها فى سنة «2» خمس وأربعين وستمائة عقيب وفاة والده، [و] دام فى الملك سنين إلى أن جفل من التّتار بعد أن كان يداريهم سنين، وقدم على الملك الناصر صلاح الدين يوسف بدمشق واستنجده على التّتار فوعده الناصر بالنّجدة، وآخر الأمر أنّه رجع إلى بلاده، وحصره التّتار بها نحو سنتين حتّى استشهد بأيديهم- رحمه الله تعالى وعفا عنه-. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى واستشهد بحلب خلائق لا يحصون؛ منهم، إبراهيم بن خليل الأدمىّ. والرئيس أبو طالب عبد الرحمن ابن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن العجمىّ، تحت عذاب التّتار. وبدمشق عبد الله ابن بركات بن إبراهيم [المعروف «3» بابن] الخشوعىّ فى صفر. والعماد عبد الحميد بن عبد الهادى المقدسىّ فى شهر ربيع الأوّل عن خمس وثمانين سنة. والملك المعظّم

توران شاه ابن السلطان صلاح الدين فى شهر ربيع الأوّل، وله إحدى وثمانون سنة. والشمس محمد بن عبد الهادى أخو العماد بقرية ساوية «1» [من عمل نابلس] شهيدا. وقاضى القضاة صدر الدين أحمد ابن شمس «2» الدين أبى البركات يحيى بن هبة الله بن سنىّ الدولة ببعلبكّ، وقد قارب السبعين «3» فى جمادى الآخرة. وأبو الكرم لاحق بن عبد المنعم الأرتاحىّ «4» بالقاهرة، وله خمس وثمانون سنة. والحافظ المفيد محبّ الدين عبد الله بن أحمد المقدسىّ. والفقيه الكبير أبو عبد الله محمد بن أبى الحسين [أحمد «5» ] بن عبد الله اليونينىّ «6» فى رمضان، وله سبع وثمانون سنة فى المحرّم «7» . والحافظ البليغ أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبى بكر القضاعىّ البلنسىّ «8» الكاتب المعروف بالأبّار بتونس مقتولا. والملك الكامل الشهيد ناصر الدين محمد ابن المظفّر شهاب الدين غازى بن العادل. والملك المظفّر الشهيد سيف الدين فطز فى ذى القعدة، فتكوا به فى الرمل. وصاحب الصّبيبة الملك السعيد حسن بن العزيز عثمان بن العادل، قتل صبرا يوم عين جالوت بأمر الملك المظفّر. وفى آخرها صاحب ماردين الملك السعيد نجم الدين إيلغازى بن أرتق. والملك كتبغانوين رأس التّتار يوم عين

جالوت، قتله آقوش «1» الشّمسىّ. وحسام «2» الدين محمد بن أبى علىّ الهذبانىّ نائب السلطنة بمصر. والأمير مجير الدين إبراهيم [بن أبى «3» بكر] بن أبى زكرى بنابلس شهيدا بعد أن قتل جماعة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وست عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وإحدى عشرة إصبعا.

ذكر سلطنة الملك الظاهر بيبرس البندقدارى على مصر

ذكر سلطنة الملك الظاهر بيبرس البندقدارىّ «1» على مصر السلطان الملك القاهر ثم الظاهر ركن الدين أبو الفتوح «2» بيبرس بن عبد الله البندقدارىّ الصالحىّ النّجمىّ الأيّوبىّ التّركىّ، سلطان الديار المصريّة والبلاد الشاميّة والأقطار الحجازيّة، وهو الرابع من ملوك الترك. مولده فى حدود العشرين وستمائة بصحراء القبجاق «3» تخمينا والقبجاق قبيلة عظيمة فى التّرك، وهو (بكسر القاف «4» وسكون الباء ثانية الحروف وفتح الجيم ثم ألف وقاف ساكنة) ، وبيبرس (بكسر الباء الموحدة ثانية الحروف وسكون الياء المثناة من تحتها ثم فتح الباء الموحدة وسكون الراء والسين المهملتين) ومعناه باللغة التركيّة: أمير فهد. انتهى. قلت: أخذ بيبرس المذكور من بلاده وأبيع بدمشق للعماد الصائغ. ثم اشتراه الأمير علاء الدين أيدكين الصالحى البندقدارىّ وبه سمّى البندقدارىّ. قلت: والعجيب أن علاء الدين أيدكين البندقدارىّ المذكور عاش حتّى صار من جملة أمراء الظاهر بيبرس هذا. على ما سيأتى ذكره مفصّلا- إن شاء الله تعالى- حكى شيخ الشيوخ شرف الدين عبد «5» العزيز الأنصارىّ الحموىّ قال:

كان الأمير علاء الدين البندقدارىّ الصالحىّ لمّا قبض عليه وأحضر إلى حماة واعتقل بجامع قلعتها اتّفق حضور ركن الدين بيبرس مع تاجر، وكان الملك «1» المنصور (يعنى «2» صاحب حماة) إذ ذاك صبيا وكان إذا أراد شراء رقيق تبصره الصاحبة والدته، فأحضر بيبرس هذا مع آخر فرأتهما من وراء السّتر فأمرت بشراء خشداشه، وقالت: هذا الأسمر لا يكون بينك وبينه معاملة فإنّ فى عينيه شرّا لائحا فردّتهما جميعا؛ فطلب البندقدارىّ الغلامين يعنى بيبرس ورفيقه فاشتراهما وهو معتقل، ثم أفرج عنه فسار إلى مصر؛ وآل أمر ركن الدين إلى ما آل. وقال الذهبىّ: اشتراه الأمير علاء الدين البندقدارىّ الصالحىّ فطلع بطلا شجاعا نجيبا لا ينبغى [أن] يكون إلّا عند ملك، فأخذه الملك الصالح منه. وقيل: بقى بيبرس المذكور فى ملك البندقدارىّ حتى صادره أستاذه الملك الصالح نجم الدين أيوب، وأخذ بيبرس هذا فيما أخذه منه فى المصادرة فى شهر شوّال سنة أربع وأربعين وستمائة. قلت: وهذا القول هو المشهور. ولمّا اشتراه الملك الصالح أعتقه وجعله من جملة مماليكه، وقدّمه على طائفة الجمداريّة لما رأى من فطنته وذكائه؛ وحضر مع أستاذه الملك الصالح واقعة دمياط. وقال الشيخ عزّ الدين عمر بن علىّ بن إبراهيم بن شدّاد: أخبرنى الأمير بدر الدين بيسرى «3» الشّمسىّ أنّ مولد الملك الظاهر بأرض القبجاق سنة خمس وعشرين وستمائة

تقريبا. وسبب انتقاله من وطنه إلى البلاد أنّ التّتار لمّا أزمعوا على قصد بلادهم سنة تسع وثلاثين وستمائة، وبلغهم ذلك، كاتبوا أنس خان ملك أولاق «1» أن يعبروا بحر صوداق «2» إليه ليجيرهم من التّتار، فأجابهم إلى ذلك وأنزلهم واديا بين جبلين، وكان عبورهم إليه فى سنة أربعين وستمائة؛ فلما اطمأنّ بهم المقام غدر بهم وشنّ الغارة عليهم، فقتل منهم وسبى. قال بيسرى: وكنت أنا والملك الظاهر فيمن أسر؛ قال: وكان عمره إذ ذاك أربع عشرة سنة تقديرا، فبيع فيمن بيع وحمل إلى سيواس «3» ثمّ افترقنا واجتمعنا فى حلب فى خان ابن قليج ثم افترقنا؛ فاتّفق أن حمل إلى القاهرة فبيع على الأمير علاء الدين أيدكين البندقدارىّ وبقى فى يده إلى أن انتقل عنه بالقبض عليه فى جملة ما استرجعه الملك الصالح نجم الدين أيّوب منه، وذلك فى شوّال سنة أربع وأربعين وستمائة. قلت: وهذا القول مطابق «4» لقولنا الذي ذكرناه. قال: ثم قدّمه الملك الصالح على طائفة الجمداريّة. انتهى. وقال غيره: ولمّا مات الملك الصالح نجم الدين أيّوب وملك بعده ابنه الملك المعظّم توران شاه وقتل «5» وأجمعوا على الأمير عزّ الدين أيبك التّركمانىّ وولّوه الأتابكيّة،

ثم استقلّ بالملك وقتل الأمير فارس الدين أقطاى الجمدار، ركب الملك الظاهر بيبرس هذا والبحريّة وقصدوا قلعة الجبل؛ فلمّا لم ينالوا مقصودهم خرجوا من القاهرة مجاهرين بالعداوة للملك المعزّ أيبك التّركمانى ومهاجرين إلى الملك الناصر صلاح الدين يوسف [ابن الملك «1» العزيز محمد بن الظاهر غازى ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب] صاحب الشام. وهم: الملك الظاهر بيبرس هذا، وسيف الدين بلبان الرّشيدىّ، وعزّ الدين أزدمر السّيفىّ، وشمس الدين سنقر الرّومى، وشمس الدين سنقر الأشقر، وبدر الدين بيسرى الشّمسىّ، وسيف الدين قلاوون الألفى، وسيف الدين بلبان المستعرب وغيرهم؛ فلمّا شارفوا دمشق سيّر إليهم الملك الناصر طيّب قلوبهم، فبعثوا فخر «2» الدين إياز المقرئ يستحلفه لهم فخلف الناصر لهم ودخلوا دمشق فى العشر الأخير من شهر رمضان سنة اثنتين وخمسين وستمائة، فأكرمهم الملك الناصر صلاح الدين وأطلق للملك الظاهر بيبرس ثلاثين ألف درهم، وثلاثة قطر بغال وثلاثة قطر جمال وملبوسا، وفرّق فى بقيّة الجماعة الأموال والخلع على قدر مراتبهم. وكتب الملك المعزّ أيبك إلى الملك الناصر يحذّره منهم ويغريه بهم، فلم يصغ إليه الناصر، ودام على إحسانه إليهم. وكان عيّن الناصر لبيبرس إقطاعا بحلب، فطلب الملك الظاهر بيبرس من الملك الناصر أن يعوّضه عمّا كان له بحلب من الإقطاع بجينين «3» وزرعين «4» فأجابه الملك الناصر إلى

ذلك؛ فتوجّه بيبرس إليها وعاد، فاستشعر بيبرس من الملك الناصر بالغدر فتوجّه بمن معه ومن تبعه من خشداشيته إلى الكرك، واجتمعوا بصاحب الكرك الملك المغيث «1» عمر بن العادل أبى بكر بن الكامل محمد، فجهّز الملك المغيث عسكره مع بيبرس المذكور، وعدّة من كان جهّزه معه ستّمائة فارس، وخرج من عسكر مصر جماعة لملتقاه؛ فأراد بيبرس كبسهم فوجدهم على أهبة، ثم واقع المصريّين فانكسر ولم ينج منهم إلّا القليل، فالذى نجا من الأعيان: بيبرس وبيليك «2» الخازندار، وأسر بلبان الرّشيدى. وقد تقدّم ذكر ذلك كلّه فى ترجمة المعزّ مجملا، ولكن نذكره هنا مفصّلا. وعاد بيبرس هذا إلى الكرك وأقام بها، فتواترت عليه كتب المصريّين يحرّضونه على قصد الديار المصريّة، وجاءه جماعة كثيرة من عسكر الملك الناصر. فأخذ بيبرس يطمع الملك المغيث صاحب الكرك فى ملك مصر، ولا زال به حتّى ركب معه بعسكره ونزل غزّة، وندب الملك المعزّ أيبك عسكرا لقتالهم، وقدّم على العسكر المصرىّ مملوكه الأمير قطز والأمير أقطاى المستعرب، وساروا وهرب من عسكر مصر إلى بيبرس والمغيث الأمير عزّ الدين أيبك الرومىّ، والأمير بلبان الكافورىّ «3» والأمير سنقر شاه العزيرى، والأمير أيبك الخواشى «4» ، والأمير بدر الدين برخان «5» ، والأمير بغدى، وأيبك الحموىّ، وجمال الدين هارون القيمرىّ والجميع أمراء، واجتمعوا الجميع مع بيبرس والملك المغيث بعزّة، فقويت شوكتهما بهؤلاء، وساروا الجميع إلى الصالحيّة،

ولقوا عسكر مصر يوم الثلاثاء رابع عشر شهر ربيع الآخر سنة ست وخمسين، فاستظهر عسكر بيبرس والمغيث أوّلا، ثم عادت الكسرة عليهم لثبات قطز المعزّىّ، وهرب الملك المغيث ولحقه بيبرس، وأسر من عسكر بيبرس عزّ الدين أيبك الرومىّ، وركن الدين منكورس «1» الصّيرفىّ، وبلبان الكافورىّ وعزّ الدين أيبك الحموىّ، وبدر الدين بلغان الأشرفى، وجمال الدين هارون القيمرىّ، وسنقر شاه العزيزىّ، وبهاء «2» الدين أيدغدى الإسكندرانىّ، وبدر الدين برخان، وبغدى، وبيليك الخازندار «3» الظاهرىّ فضربت [أعناق «4» ] الجميع صبرا، ما خلا الخازندار [فإنّ جمال «5» الدين] الجوكندارى «6» شفع فيه، وخيّروه بين المقام والذّهاب فاختار الذّهاب إلى أستاذه، فأطلق وتوجّه إلى أستاذه، ولمّا أن وصل الملك المغيث إلى الكرك حصل بينه وبين ركن الدين بيبرس هذا وحشة؛ وأراد المغيث القبض عليه بعد أمور صدرت، فأحسّ بيبرس بذلك وهرب وعاد إلى الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب الشام، بعد أن استحلفه على أن يعطيه خبز مائة فارس من جملتها قصبة نابلس، وجينين «7» وزرعين «8» فأجاب إلى نابلس لا غير. وكان قدومه على الناصر فى شهر رجب سنة سبع وخمسين وستّمائة، ومعه الجماعة الذين

حلف لهم الملك الناصر أيضا وهم: بيسرى الشّمسىّ وأيتمش «1» السّعدىّ وطيبرس «2» الوزيرىّ وآقوش الرومىّ الدّوادار «3» ، وكشتغدى «4» الشّمسىّ ولاجين الدّرفيل، وأيدغمش الحلبىّ «5» وكشتغدىّ الشرقى «6» وأيبك السيخى «7» وبيبرس خاص ترك الصغير، وبلبان المهرانىّ، وسنجر الباشقردى «8» وسنجر الهمامىّ، وأرسلان الناصرىّ ويكنى الخوارزمىّ، وسيف الدين طمان [الشّقيرى «9» ] ، وأيبك العلائىّ، ولاچين الشّقيرىّ، وبلبان الأقسيسىّ، وعلم الدين سلطان الإلدكزىّ، فأكرمهم الملك الناصر، ووفّى لهم بما حلف، وداموا على ذلك حتّى قبض الأمير قطز على ابن أستاذه الملك المنصور علىّ، وتسلطن وتلقّب بالملك المظفّر قطز، شرع بيبرس يحرّض الملك الناصر على التوجّه إلى الديار المصريّة ليملكها، فلم يجبه، فكلّمه بيبرس فى أن يقدّمه على أربعة آلاف فارس، أو يقدّم عليهم غيره، ويتوجّه بها إلى شطّ الفرات يمنع التّتار من العبور إلى الشام، فلم يمكّنه ابن «10» عمّه الملك الصالح إسماعيل لباطن كان له مع التّتار، قاتله الله! فاستمرّ بيبرس عند الناصر إلى سنة ثمان وخمسين فارقه بمن معه

وقصد الشّهرزوريّة «1» وتزوّج منهم؛ ثم أرسل إلى الملك المظّفر قطز من استحلفه له، فحلف قطز. ودخل بيبرس إلى القاهرة فى يوم السبت الثانى والعشرين من شهر ربيع الأوّل سنة ثمان وخمسين، فركب الملك المظفّر قطز للقائه وأنزله فى دار الوزارة وأقطعه قصبة قليوب «2» ، فلم تطل مدّته بالقاهرة وتهيّأ الملك المظفّر قطز لقتال التّتار، وسيّر بيبرس هذا فى عسكر أمامه كالجاليش «3» ليتجسّس أخبار التّتار؛ فكان أوّل ما وقعت عينه عليهم ناوشهم بالقتال، فلما انقضت الوقعة بعين جالوت تبعهم بيبرس هذا، يقتل من وجده منهم، إلى حمص؛ ثم عاد فوافى الملك المظفّر قطز بدمشق، وكان وعده بنيابة حلب، فأعطاها قطز لصاحب الموصل، فحقد عليه بيبرس فى الباطن، واتّفق على قتله مع جماعة لمّا عاد الملك المظّفر إلى نحو الديار المصريّة. والذين اتّفقوا معه: بلبان الرّشيدىّ، وبهادر المعزّى، وبكتوت الجوكندار المعزىّ، وبيدغان الرّكنىّ، وبلبان الهارونىّ، وأنص الأصبهانىّ، واتّفقوا الجميع مع بيبرس على قتل الملك المظفّر قطز؛ وساروا معه نحو الديار المصريّة إلى أن وصل الملك المظفّر قطز إلى القصير «4» ، وبقى بينه وبين الصالحيّة مرحلة، ورحل العسكر طالبا الصالحيّة، وضرب دهليز السلطان بها، واتّفق عند القصير أن ثارت أرنب فساق المظفّر قطز، وساق هؤلاء المتّفقون على

قتله معه، فلمّا أبعدوا ولم يبق مع المظفّر غيرهم، تقدّم إليه ركن الدين بيبرس وشفع عنده فى إنسان فأجابه المظفّر، فأهوى بيبرس ليقبّل يده فقبض عليها، وحمل أنص «1» عليه وقد أشغل بيبرس يده وضربه أنص بالسيف، وحمل الباقون عليه ورموه عن فرسه ورشقوه بالنّشّاب إلى أن مات، ثم حملوا على العسكر وهم شاهرون سيوفهم حتّى وصلوا إلى الدّهليز السلطانىّ، فنزلوا ودخلوه والأتابك على باب الدهليز فأحبروه بما فعلوا، فقال فارس الدين الأتابك: من قتله منكم؟ فقال بيبرس: أنا؛ فقال: ياخوند، اجلس فى مرتبة السلطنة فجلس؛ واستدعيت العساكر للحلف، وكان القاضى برهان الدين قد وصل إلى العسكر متلقّيا للملك المظفّر قطز، فاستدعى وحلّف العسكر للملك الظاهر بيبرس، وتمّ أمره فى السلطنة وأطاعته العساكر؛ ثم ركب وساق فى جماعة من أصحابه حتّى وصل إلى قلعة الجبل فدخلها من غير ممانع، واستقرّ ملكه. وكانت البلد قد زيّنت للملك المظفّر فاستمرّت الزينة، وكان الذي ركب معه من الصالحيّة إلى القلعة وهم خواصّه من خشداشيته، وهم: فارس الدين الأتابك، وبيسرى، وقلاوون الألفىّ، وبيليك الخازندار، وبلبان الرشيدىّ؛ ثم فى يوم الأحد سابع عشر ذى القعدة وهو صبيحة قتل المظفّر قطز؛ وهو أوّل يوم من سلطنة الظاهر بيبرس جلس بالإيوان من قلعة الجبل. قلت: ولم يذكر أحد من المؤرّخين لبسه خلعة السلطنة الخليفتى «2» ، ولعلّه اكتفى بالمبايعة والحلف. انتهى. ولمّا جلس الظاهر بالإيوان رسم أن يكتب إلى الأقطار بسلطنته؛ فأوّل من بدأ به الملك الأشرف صاحب حمص، ثم الملك المنصور صاحب حماة؛ ثم الأمير

مظفّر الدين «1» صاحب صهيون «2» ثم إلى الإسماعيليّة، ثم إلى [الملك السعيد المظفّر علاء «3» الدين علىّ بن لؤلؤ] صاحب الموصل الذي صار نائب السلطنة بحلب، ثم إلى من فى بلاد الشام يعرّفهم بما جرى ثم أفرج عمّن بالحبوس من أصحاب الجرائم؛ واقرّ الصاحب زين الدين يعقوب بن الزّبير «4» على الوزارة، وتقدّم بالإفراج عن الأجناد المحبوسين والإنعام عليهم، وزيادة من رأى استحقاقه من الأمراء وخلع عليهم، وسيّر الأمير جمال الدين آقوش المحمّدى بتواقيع للامير سنجر الحلبى نائب دمشق، فتوجّه إليه فوجده قد تسلطن بدمشق ودعا لنفسه، وحلّف الأمراء، وتلقّب بالملك المجاهد؛ فعظم ذلك على الملك الظاهر بيبرس وأخذ فى إصلاح أمره معه والإحسان إلى خشداشيته البحريّة الصالحيّة؛ وأمّر أعيانهم. ثم إنّه أخرج الملك المنصور نور الدين عليّا ابن الملك المعزّ أيبك التّركمانىّ وأمّه وأخاه ناصر الدين قاقان من مصر إلى بلاد الأشكرى «5» ، وكانوا معتقلين بقلعة الجبل. وكان بيبرس لمّا تسلطن لقّب نفسه الملك القاهر، فقال الوزير زين الدين يعقوب بن الزّبير، وكان فاضلا فى الأدب والترسّل وعلم التاريخ، فأشار بتغيير هذا اللّقب، وقال: ما لقّب به أحد فأفلح: لقّب به القاهر «6» بن المعتضد، فلم تطل مدّته

وخلع من الخلافة وسمل، ولقّب به القاهر «1» ابن صاحب الموصل فسمّ، فأبطل بيبرس اللّقب الأوّل، وتلقّب بالملك الظاهر. وأمّا أمر دمشق ففى العشر الأخير من ذى القعدة أمر الأمير علم الدين سنجر الحلبىّ الذي تسلطن بدمشق بتجديد عمارة [قلعة «2» ] دمشق، وزفّت بالمغانى والطبول والبوقات، وفرحت أهل دمشق بذلك، وحضر كبراء الدولة وخلع على الصّناع والنقباء، وعمل «3» الناس فى البناء حتّى النساء؛ وكان يوم الشروع فى تجديدها يوما مشهودا، ثم فى اليوم الأوّل من العشر الأوّل من ذى الحجّة دعا الأمير علم الدين سنجر الحلبى الناس بدمشق إلى الحلف له بالسلطنة فأجابوه، وحضر الجند والأكابر وحلفو له ولقّب بالملك المجاهد، وخطب له على المنابر، وضربت السّكّة باسمه؛ وكاتب الملك المنصور صاحب حماة ليحلف له فامتنع، وقال: أنا مع من يملك الديار المصريّة كائنا من كان. ولمّا صحّ عند التّتار قتل الملك المظفّر قطز- رحمه الله تعالى- وكان النائب ابن صاحب الموصل أساء السيرة فى الجند والرعيّة، فاجتمع رأى الأمراء والجند بحلب على قبضه وإخراجه من حلب، وتحالفوا على ذلك، وعيّنوا للقيام بالأمر الأمير حسام الدين الجوكندارىّ العزيزىّ، فبينا هم على ذلك وردت عليهم بطاقة نائب البيرة «4» يخبر أنّ التّتار قاربوا البيرة لمحاصرتها، واستصرخ بهم لينجدوه بعسكر، وكان التّتار قد هدموا أبراج البيرة وأسوارها، وهى مكشوفة من جميع

جهاتها، فجرّد الملك السعيد ابن صاحب الموصل الذي هو نائب حلب عسكره إليها، وقدّم عليهم الأمير سابق الدين أمير مجلس الناصرىّ، فحضر الأمراء عنده، وقالوا له: هذا العسكر الذي جرّدته لا يمكنه ردّ العدوّ، ونخاف أن يحصل النّشوب بيننا وبين العدوّ، وعسكرنا قليل فيصل العدوّ إلى حلب، ويكون ذلك سببا لخروجنا منها فلم يقبل منهم، فخرجوا من عنده وهم غضبانون، وسار العسكر المذكور إلى البيرة فى قلّة. فلّما وصلوا إلى عمق البيرة صادفوا التتار بجموعهم، فاقتتلوا قتالا شديدا وقصد سابق الدين البيرة، فتبعه التّتار وقتلوا من أصحابه جماعة كثيرة، وما سلم منهم إلّا القليل؛ وورد هذا الخبر لحلب فجفل أهل حلب إلى جهة القبلة ولم يبق بها إلّا القليل، وندم الملك السعيد نائب حلب على مخالفة الأمراء، وقوى بذلك غضبهم عليه وقاطعوه، ووقعت بطاقة نائب البيرة، فيها: أنّ التّتار توجّهوا إلى ناحية منبج «1» ، فخرج نائب حلب وضرب دهليزه بباب إله «2» شرقىّ حلب، وبعد يومين وصل الأمير عزّ الدين أزدمر الدّاودار العزيزىّ، وكان قطز قد جعله نائبا باللّاذقيّة «3» وجبلة «4» ، فقصده خشداشيته بحلب؛ فلمّا قرب ركبت العزيزيّة والناصرية والتقوا به، فأخبرهم بأنّ الملك المظفّر قطز قتل، وأنّ ركن الدين بيبرس ملك الديار المصريّة، وأنّ سنجر الحلبىّ خطب لنفسه بدمشق، ونحن أيضا نعمل بعمل أولئك، ونقيم واحدا من الجماعة ونقبض على هذا (يعنى على

نائب حلب) ونقتصر على حلب وبلادها مملكة أستاذنا وابن أستاذنا فأجابوه إلى ذلك وتقرّر بينهم: أنّه حال دخولهم إلى المخيّم يمضى إليه الأمراء: حسام الدين الجوكندارى، وبكتمر الساقى وأزدمر الدّوادار؛ وكان الملك السعيد نائب حلب نازلا بباب لا فى بيت القاضى، وهو فوق سطحه والعساكر حوله، فعند ما طلعوا إليه وحضروا عنده على السطح شرعت أعوانهم فى نهب وطاقه «1» فسمع الضّجة فاعتقد أنّ التّتار قد كبست العسكر، ثم شاهد نهب العزيزيّة والناصريّة لوطاقه، ووثب الأمراء الذين عنده ليقبضوا عليه، فطلب منهم الأمان على نفسه فأمّنوه وشرطوا عليه أن يسلّم إليهم جميع ما حصّله من الأموال، ثم نزلوا به إلى الدار وقصدوا الخزانة، فما وجدوا فيها طائلا فهدّدوه، وقالوا له: أين الأموال التى حصّلتها؟ وطلبوا قتله، فقام إلى ساحة بستان فى الدار المذكورة وحفر وأخرج الأموال، وهى تزيد على أربعين ألف «2» دينار، ففرّقت على الأمراء على قدر منازلهم، ثمّ رسموا عليه جماعة من الجند وسيّروه إلى قلعة «3» حبسوه بها. ثمّ بعد أيّام قلائل دهم العدوّ حلب، فاندفع الأمير حسام الدين الجوكندارى المقدّم على عسكر حلب بمن معه إلى جهة دمشق، ودخلت التّتار حلب وأخرجوا من كان فيها إلى ظاهر حلب، ووضعوا السيف فيهم، فقتل بعضهم وفرّ بعضهم، ونزل العسكر الحلبىّ بظاهر حماة، فقام الملك المنصور بضيافتهم، ثمّ تقدّم التّتار إلى حماة، فلمّا قاربوا منها رحل صاحبها الملك المنصور ومعه الجوكندارى بعساكر حلب إلى حمص، ونزل التّتار على حماة فامتنعت عليهم، فاندفعوا من حماة طالبين العسكر، وجفل

الناس بين أيدهم، وخاف أهل دمشق خوفا شديدا، وأقاموا الجميع على حمص حتّى قدم إليهم التّتار فى أوائل المحرّم من سنة تسع وخمسين وستمائة، وكانوا فى ستّة «1» آلاف فارس، فخرج إليهم الملك المنصور صاحب حماة والأشرف صاحب حمص والجوكندارىّ العزيزىّ بعساكر حلب، وحملوا عليهم حملة رجل واحد فهزموهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وهرب الأمير بيدرا مقدّم التّتار فى نفر يسير، وكانت الوقعة عند قبر «2» خالد بن الوليد- رضى الله عنه- ثم عاد التتار إلى حلب وفعلوا بأهلها تلك الأفعال القبيحة على عادتهم. وأمّا الملك الظاهر بيبرس صاحب الترجمة فإنّه كاتب أمراء دمشق يستميلهم إليه ويحضّهم على منابذة الأمير علم الدين سنجر الحلبىّ والقبض عليه، فأجابوه إلى ذلك وخرجوا من دمشق منابذين لسنجر، وفيهم: الأمير علاء الدين أيدكين البندقدارىّ (أعنى أستاذ الملك الظاهر بيبرس المذكور) الذي قدّمنا من ذكره أنّ الملك الصالح نجم الدين أيّوب اشتراه منه. انتهى. والأمير بهاء الدين بغدى فتبعهم الحلبىّ بمن بقى معه من أصحابه، فحاربوه فهزموه وألجئوه إلى قلعة دمشق فأغلقها دونهم؛ وذلك فى يوم السبت حادى عشر صفر من السنة. ثم خرج الأمير علم الدين سنجر الحلبىّ تلك الليلة من القلعة وقصد بعلبك، فدخل قلعتها ومعه قريب عشرين نفرا من مماليكه؛ فدخل الأمير علاء الدين أيدكين البندقدارىّ دمشق، واستولى عليها وحكم فيها نيابة عن الملك الظاهر بيبرس؛ ثم جهّز عسكرا

إلى بعلبكّ لحصار الحلبىّ وعليهم الأمير بدر الدين محمد بن «1» رحال وكان من الشّجعان، وأمير آخر، فحال وصولهما إلى بعلبكّ دخلا المدينة ونزلا بالمدرسة النّوريّة، وكان الحلبىّ لمّا وصلها جعل عنده طائفة كبيرة من أهل محلّه مقدّمهم على بن «2» عبور، فسيّر إليهم الأمير بدر الدين بن رحال وأفسدهم، فتدلّوا من القلعة ليلا ونزلوا إليه، فعند ذلك تردّدت المراسلات بين الحلبىّ وعلاء الدين البندقدارىّ حتّى استقرّ الحال على نزول الحلبىّ وتوجّهه إلى الملك الظاهر بيبرس بمصر، فخرج الحلبىّ من قلعة بعلبكّ راكبا [حصانه «3» و] فى وسطه عدّته وفى قرابه «4» قوسان وهو كالأسد، فجاء حتّى بعد عن القلعة، قدّم له بغلة فتحوّل إليها وقلع العدّة وركبها، وسار حتّى وصل إلى دمشق وسار منها إلى مصر، فأدخل على الملك ليلا بقلعة الجبل، فقام إليه واعتنقه وأدنى مجلسه منه وعاتبه عتابا لطيفا؛ ثم خلع عليه ورسم له بخيل وبغال وجمال وقماش وغير ذلك. ثم التفت الملك الظاهر إلى إصلاح مملكته فخلع «5» على الصاحب بهاء الدين على بن «6» حنّا وزير شجرة الدّرّ بالوزارة، وذلك فى شهر ربيع الاوّل من سنة تسع وخمسين، وهى أوّل ولايته للوزر. ثمّ حضر عند الظاهر شخص وأنهى إليه أنّ الأمير عزّ الدين الصّقلىّ «7» يريد الوثوب على السلطان، واتّفق معه الأمير علم الدين سنجر الغتمىّ وبهادر [المعزّىّ «8» ] والشجاع بكتوت فقبض الملك الظاهر عليهم.

ثم تسلّم الملك الظاهر الكرك من نوّاب الملك المغيث فى هذه السنة. ثم قبض على الأمير بهاء الدين بغدى الأشرفىّ بدمشق وحمل إلى القاهرة وحبس بقلعة الجبل إلى أن مات. ثم جهّز الملك الظاهر عسكرا لخروج التّتار من حلب فساروا إليها وأخرجوهم منها على أقبح وجه، كلّ ذلك والدنيا بلا خليفة من سنة ستّ وخمسين وستمائة. ففى هذه السنة كان وصول المستنصر بالله الخليفة إلى مصر وبايعه الملك الظاهر بيبرس، وهو أبو القاسم أحمد، كان محبوسا ببغداد مع جماعة من بنى العبّاس فى حبس الخليفة المستعصم، فلمّا ملكت التّتار بغداد أطلقوهم، فخرج المستنصر هذا إلى عرب العراق، واختلط بهم إلى أن سمع بسلطنة الملك الظاهر بيبرس، وفد عليه مع جماعة من بنى مهارش، وهم عشرة أمراء مقدّمهم ابن قسا وشرف «1» الدين ابن مهنّا، وكان وصول المستنصر إلى القاهرة فى ثامن شهر رجب من سنة تسع وخمسين وستمائة؛ فركب السلطان للقائه ومعه الوزير بهاء الدين بن حنّا وقاضى القضاة تاج الدين بن بنت الأعزّ والشهود والرؤساء والقرّاء والمؤذّنون واليهود بالتوراة والنصارى بالإنجيل فى يوم الخميس؛ فدخل من باب النّصر وشقّ القاهرة، وكان لدخوله يوم مشهود. فلمّا كان يوم الاثنين ثالث عشر الشهر جلس السلطان الملك الظاهر والخليفة بالإيوان وأعيان الدولة بأجمعهم وقرئ نسب الخليفة، وشهد عند القاضى

بصحته فأسجل عليه بذلك وحكم به وبويع بالخلافة «1» ، وركب من يومه وشقّ القاهرة فى وجوه الدولة وأعيانها، وكان أوّل من بايعه قاضى القضاة تاج الدين عبد الوهاب بن بنت الأعزّ عند ما ثبت نسبه عنده، ثم السلطان، ثم الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام، ثم الأمراء والوزراء على مراتبهم. والمستنصر هذا هو الثامن والثلاثون من خلفاء بنى العباس- رضى الله عنهم- وهو المستنصر بالله أبو القاسم أحمد الأسمر ابن الظاهر بأمر الله محمد ابن الناصر لدين الله أحمد ابن المستضىء الحسن ابن الخليفة المستنجد بالله يوسف ابن الخليفة المقتفى لأمر الله محمد ابن الخليفة المستظهر بالله أحمد ابن الخليفة المقتدى بأمر الله عبد الله ابن الأمير محمد الذخيرة ابن الخليفة القائم بأمر الله عبد الله ابن الخليفة القادر بالله أحمد ابن الأمير إسحاق ابن الخليفة المقتدر بالله جعفر ابن الخليفة المعتضد بالله أحمد ابن الأمير طلحة الموفّق ابن الخليفة المتوكّل على الله جعفر ابن الخليفة المعتصم بالله محمد ابن الخليفة الرشيد هارون ابن الخليفة المهدى محمد ابن الخليفة أبى جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن عبّاس الهاشمىّ العباسىّ البغدادىّ. وقد تقدم أنّ الناس كانوا بغير خليفة منذ قتل التّتار ابن أخيه الخليفة المستعصم بالله فى أوائل سنة ست وخمسين وستّمائة إلى يومنا هذا، فكانت مدة شغور الخلافة ثلاث سنين ونصفا والناس بلا خليفة. وكان المستنصر هذا جسيما وسيما شديد السّمرة عالى الهمّة

شديد القوّة وعنده شجاعة وإقدام، وهو أخو الخليفة المستنصر ولقّب بلقبه، وهذا لم تجربه العادة من أنّ خليفة يلقّب بلقب خليفة تقدّمه من أهل بيته. وفى يوم الجمعة سابع عشر الشهر خرج الخليفة المستنصر بالله وعليه ثياب سود إلى الجامع بالقلعة وخطب خطبة بليغة ذكر فيها شرف بنى العبّاس، ثم صلّى على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ثم فى مستهلّ شعبان من سنة تسع وخمسين المذكورة تقدّم الخليفة بتفصيل خلعة سوداء وبعمل طوق ذهب وقيد ذهب «1» وبكتابة تقليد بالسلطنة للملك الظاهر بيبرس ونصب خيمة ظاهر القاهرة. فلمّا كان يوم الاثنين رابعه ركب الخليفة والسلطان والوزير والقضاة والأمراء ووجوه الدولة إلى الخيمة ظاهر القاهرة بقبّة النصر «2» ، فألبس الخليفة السلطان الملك الظاهر بيبرس خلعة السلطنة بيده وطوّقه وقيّده، وصعد فخر الدين إبراهيم بن لقمان رئيس الكتّاب منبرا نصب له فقرأ التقليد وهو من إنشائه وبخطّه. ثم ركب السلطان بالخلعة والطّوق والقيد ودخل من باب النّصر وقد زيّنت القاهرة له، وحمل الصاحب بهاء الدين التقليد على رأسه راكبا والأمراء يمشون بين يديه؛ فكان يوما يقصر اللسان عن وصفه. ونسخة التقليد: «الحمد لله الذي أضفى «3» على الإسلام ملابس الشّرف، وأظهر بهجة درره، وكانت خافية، بما استحكم عليها من الصّدف، وشيّد ما وهى من علائه حتّى أنسى ذكر من

سلف، وقيّض لنصره ملوكا اتّفق عليهم «1» من اختلف، أحمده على نعمته التى رتعت «2» الأعين منها فى الرّوض الأنف، وألطافه «3» التى وقف الشكر عليها فليس له عنها منصرف؛ وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة توجب من المخاوف أمنا، وتسهّل من الأمور ما كان حزنا، وأشهد أنّ محمّدا عبده الذي جبر من الدّين وهنا، ورسوله الذي أظهر من المكارم فنونا لا فنّا، صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله الذين أصبحت مناقبهم باقية لا تفنى، وأصحابه الذين أحسنوا فى الدّين فاستحقّوا الزيادة بالحسنى. وبعد: فإنّ أولى الأولياء بتقديم ذكره، وأحقّهم أن يصبح القلم راكعا وساجدا فى تسطير مناقبه وبرّه، من سعى فأضحى سعيد «4» الجدّ متقدّما، ودعا إلى طاعته فأجاب من كان منجدا ومتهما، وما بدت يد فى المكرمات إلّا كان لها زندا ومعصما، ولا استباح بسيفه حمى وغى إلا أضرم منه نارا وأجراه دما. ولمّا كانت هذه المناقب الشريفة مختصّة بالمقام العالى المولوىّ السلطانىّ الملكىّ الظاهرىّ الرّكنىّ- شرّفه الله وأعلاه- ذكرها الديوان العزيز النّبوىّ الإمامىّ المستنصرىّ- أعزّ الله سلطانه- تنويها بشريف «5» قدره، واعترافا بصنعه الذي تنفد العبارة المسهبة ولا تقوم بشكره؛ وكيف لا وقد أقام الدولة العبّاسيّة بعد أن أقعدتها زمانة الزمان، وأذهبت «6» ما كان لها من محاسن وإحسان؛ وعتب دهرها المسىء لها فأعتب، وأرضى عنها «7» زمنها وقد كان صال عليها صولة مغضب؛ فأعاده لها سلما بعد أن كان

[عليها «1» ] حربا، وصرف إليها اهتمامه فرجع كلّ متضايق من أمورها واسعا رحبا؛ ومنح أمير المؤمنين عند القدوم عليه حنوّا وعطفا، وأظهر من الولاء رغبة فى [ثواب «2» ] الله ما لا يخفى؛ وأبدى من الاهتمام بأمر البيعة أمرا لو رامه غيره لامتنع عليه، ولو تمسّك بحبله متمسّك لانقطع به قبل الوصول إليه؛ ولكن الله ادّخر هذه الحسنة ليثقل بها [فى «3» ] الميزان ثوابه، ويخفّف بها يوم القيامة حسابه، والسعيد من خفّف حسابه! فهذه منقبة أبى الله إلّا أن يخلّدها فى صحيفة صنعه، ومكرمة قضت «4» لهذا البيت الشريف بجمعه، بعد أن حصل الإياس من جمعه. وأمير المؤمنين يشكر لك هذه الصنائع، ويعترف أنّه لولا اهتمامك لاتّسع الخرق على الراقع؛ وقد قلّدك الديار المصريّة والبلاد الشاميّة، والديار بكريّة، والحجازيّة واليمنيّة والفراتيّة؛ وما يتجدّد من الفتوحات غورا ونجدا؛ وفوّض أمر جندها ورعاياها إليك حين «5» أصبحت بالمكارم فردا» . ثم أخذ فى آخر التقليد «6» يذكر فضل الجهاد والرفق بالرعيّة وطوّل فى الكلام إلى الغاية. وهذا الذي ذكرناه من نسخة التقليد هو المراد. ثم إنّ الملك الظاهر ولّى الأمير علم الدين سنجر الحلبىّ «7» نيابة حلب لمّا بلغه أن البرنلى «8» تغلّب على حلب، وسيّر معه عسكرا فسار إليها الأمير علم الدين سنجر الحلبىّ، ودخل إليها وملكها وخرج منها البرنلى وتوجّه إلى الرّقّة؛ ثم حشد وجمع العساكر وأخذ البيرة، ثمّ عاد إلى حلب وأخرج منها الحلبىّ بعد أمور ووقائع جرت بينهم. فلمّا بلغ الملك الظاهر ذلك عزم على التوجّه إلى البلاد الشاميّة، وبرز من القاهرة

ومعه الخليفة المستنصر وأولاد صاحب الموصل، وكان خروجهم الجميع من القاهرة فى تاسع عشر شهر رمضان بعد أن رتّب السلطان الأمير «1» عزّ الدين أيدمر الحلبى نائب السلطنة بقلعة الجبل؛ والصاحب بهاء الدين بن حنّا مدبر الأمور، وخرج مع السلطان العساكر المصريّة وأقام ببركة الجبّ «2» إلى عيد الفطر؛ ثم سافر فى ثالث شوّال بعد ما عزل قاضى القضاة تاج الدين عبد الوهاب بن بنت الأعزّ عن القضاء ببرهان الدين خضر السّنجارىّ، وسار السلطان حتّى دخل دمشق فى يوم الاثنين سابع ذى القعدة، وقدم عليه الملك الأشرف صاحب حمص فخلع عليه وأعطاه ثمانين ألف دينار وحملين ثيابا، وزاده على ما بيده من البلاد تلّ «3» باشر؛ ثم قدم عليه الملك المنصور صاحب حماة فخلع عليه وأعطاه ثمانين ألف درهم وحملين ثيابا، وكتب له توقيعا ببلاده التى بيده؛ ثم جهّز السلطان الخليفة وأولاد صاحب الموصل صحبته بتجمّل زائد وبرك «4» يضاهى برك السلطان من الأطلاب والخيول والجمال وأرباب الوظائف من الكبير إلى الصغير؛ قيل: إنّ الذي غرمه السلطان الملك الظاهر على تجهيز الخليفة وأولاد صاحب الموصل فوق الألف ألف دينار عينا. ثم جهّز السلطان الأمير علاء الدين أيدكين البندقدارىّ لنيابة السلطنة بحلب، وأيدكين هذا هو أستاذ الملك الظاهر بيبرس صاحب الترجمة المقدّم ذكره، فسبحان من يعزّ ويذلّ! وبعث السلطان مع البندقدارىّ عسكر المحاربة البرنلى وصحبته أيضا الأمير بلبان الرّشيدىّ فخرجا من دمشق فى منتصف ذى القعدة؛ فلمّا وصلا حماة خرج البرنلى وقصد حرّان فتبعه الرشيدىّ بالعساكر، ودخل علاء الدّين البندقدارىّ

إلى حلب؛ ثم عاد الرّشيدىّ إلى أنطاكية ثم رحل عنها بعد ما حاصرها مدّة لمّا بلغه عود الملك الظاهر إلى مصر. وأمّا الخليفة فإنّه لمّا توجّه نحو العراق ومعه أولاد صاحب الموصل، وهم: الملك «1» الصالح وولده علاء الدين «2» والملك «3» المجاهد سيف الدين صاحب الجزيرة، والملك المظفّر «4» علاء الدّين صاحب سنجار، والملك الكامل ناصر الدين محمد؛ فلمّا وصلوا صحبة الخليفة إلى الرّحبة وافوا عليها الأمير يزيد بن علىّ بن حديثة «5» أمير آل فضل وأخاه الأخرس فى أربعمائة فارس من العرب. وفارق الخليفة أولاد صاحب الموصل من الرّحبة؛ وكان الخليفة طلب منهم المسير معه فأبوا، وقالوا: ما معنا مرسوم بذلك، وأرسلوا معه من مماليك والدهم نحو ستّين نفرا فانضافوا إليه، ولحقهم الأمير عز الدين أيدكين «6» من حماة ومعه ثلاثون فارسا. ورحل الخليفة بمن معه من الرّحبة بعد ما أقام بها ثلاثة أيّام، ونزل مشهد علىّ- رضى الله عنه- ثم رحل إلى قائم «7» عنقه، ثم إلى عانة «8» فوافوا الإمام الحاكم بأمر الله العبّاسىّ على عانة من ناحية الشرق ومعه نحو سبعمائة فارس من التّركمان. وكان البرنلى قد جهّزه من حلب، فبعث الخليقة المستنصر بالله إليهم واستمالهم؛ فلمّا جاوزوا الفرات فارقوا الحاكم فبعث إليه المستنصر بالله يطلبه إليه ويؤمّنه على نفسه ويرغّب إليه فى اجتماع الكلمة،

فأجاب ورحل إليه، فوفّى إليه المستنصر وأنزله معه فى الدّهليز. وكان الحاكم لمّا نزل على عانة امتنع أهلها منه، وقالوا: قد بايع الملك الظاهر خليفة وهو واصل فما نسلّمها إلّا إليه؛ فلمّا وصل المستنصر بالله إليها نزل إليه نائبها وكريم الدين ناظرها وسلّماها إليه وحملا له إقامة، فأقطعها الخليفة للأمير ناصر الدين أغلمش «1» أخى الأمير علم الدين سنجر الحلبىّ. ثم رحل الخليفة عنها إلى الحديثة ففتحها أهلها له، فجعلها خاصّا له، ثم رحل عنها ونزل على شطّ قرية الناووسة «2» ؛ ثم رحل عنها قاصدا هيت «3» ، ولمّا اتّصل مجىء الخليفة المستنصر بالله بقرابغا مقدّم عسكر التّتار بالعراق، وبهادر «4» علىّ الخوارزمىّ شحنة بغداد وخرج قرابغا بخمسة آلاف فارس من التّتار على الشطّ العراقى وقصد الأنبار، فدخلها إغارة؛ وقتل جميع من فيها، ثم ردفه الأمير بهادر علىّ الخوارزمىّ بمن بقى ببغداد من عساكر التّتار، وكان قد بعث ولده إلى هيت متشوّقا لما يرد من أخبار المستنصر، وقرّر معه أنّه إذا اتّصل به خبره بعث بالمراكب إلى الشطّ الآخر وأحرقها؛ فلمّا وصل الخليفة هيت أغلق أهلها الباب دونه، فنزل عليها وحاصرها حتّى فتحها، ودخلها فى التاسع والعشرين من ذى الحجّة، ونهب من فيها من اليهود والنّصارى؛ ثم رحل عنها ونزل الدور «5» وبعث طليعة من عسكره مقدّمها الأمير أسد الدين محمود ابن الملك المفضّل موسى، فبات تجاه الأنبار «6» تلك اللّيلة، وهى ليلة الأحد ثالث المحرّم من سنة ستين وستمائة؛ فلمّا رأى قرابغا

الطليعة أمر من معه من العساكر بالعبور إليها فى المخائض والمراكب ليلا، فلمّا أسفر الصبح أفرد قرابغا من معه من عسكر بغداد ناحية. وأمّا الخليفة فإنّه رتّب اثنى عشر طلبا، وجعل التّركمان والعربان ميمنة وميسرة وباقى العساكر قلبا؛ ثم حمل بنفسه مبادرا وحمل من كان معه فى القلب فآنكسر بهادر، ووقع معظم عسكره فى الفرات؛ ثم خرج كمين من التّتار، فلمّا رآه التّركمان والعرب هربوا، وأحاط الكمين بعسكر الخليفة فصدق المسلمون الحملة، فأفرج لهم التّتار، فنجا الحاكم وشرف «1» الدين بن مهنّا وناصر الدين بن صيرم وبوزنا «2» وسيف الدين بلبان الشّمسى وأسد الدين محمود وجماعة من الجند نحو الخمسين نفرا، وقتل الشريف نجم الدين [جعفر «3» ] أستادار الخليفة، وفتح الدين بن الشهاب أحمد، وفارس الدين «4» [أحمد «5» ] بن أزدمر اليغمورىّ، ولم يوقع للخليفة المستنصر على خبر، فقيل إنّه: قتل فى الوقعة وعفّى أثره؛ وقيل: إنّه نجا مجروحا فى طائفة من العرب فمات عندهم؛ وقيل: سلم وأضمرته البلاد. وأمّا السلطان الملك الظاهر بيبرس فإنّه لمّا عاد إلى مصر عاد بعده بلبان الرشيدىّ فى أثره وعاد البرنلى إلى حلب ودخلها وملكها، فجرّد إليه الملك الظاهر عسكرا ثانيا، عليهم الأمير شمس الدين سنقر الرومىّ، وأمره بالمسير إلى حلب؛ ثمّ إلى الموصل وكتب إلى الأمير علاء الدين طيبرس نائب السلطنة بدمشق وإلى الأمير علاء الدين أيدكين البندقدارىّ يأمرهما أن يكونا معه بعسكرهما حيث توجّه يتوجّه الجميع، فسار الجميع إلى جهة حلب، فخرج البرنلى من حلب وتسلّم نوّاب أيدكين

البندقدارىّ حلب. ثم جاء مرسوم السلطان بتوجّه البندقدارىّ إلى حلب، ويعود طبيرس إلى دمشق ويعود سنقر الرومىّ إلى مصر، فعاد الرومىّ إلى القاهرة. فلمّا اجتمع بالسلطان أوغر خاطره على طبيرس، فكان ذلك سببا للقبض على طبيرس المذكور وحبسه بالقاهرة مدّة سنين. ثم وصل إلى الديار المصريّة فى السابع والعشرين من شهر ربيع الآخر «1» الإمام الحاكم بأمر الله أبو العبّاس أحمد ابن الأمير أبى علىّ الحسن ابن الأمير أبى بكر بن الحسن «2» بن علىّ القبّى «3» ابن الخليفة المسترشد بالله أبى منصور الفضل ابن الخليفة المستظهر بالله أحمد العبّاسىّ. قلت: ومن المستظهر يعرف نسبه من ترجمة المستنصر وغيره من أقاربه إلى العبّاس. ووصل صحبته شمس الدين صالح بن محمد بن أبى الرشيد الأسدىّ الحاكمىّ المعروف بابن البنّاء وأخوه محمد ونجم الدين محمد، واحتفل الملك الظاهر بيبرس بلقائه وأنزله بالبرج «4» الكبير داخل قلعة الجبل، ورتّب له ما يحتاج إليه، ووصل معه ولده. وبايعه بالخلافة فى يوم الخميس تاسع المحرّم من سنة إحدى وستين بقلعة الجبل. وكانت المسلمون بلا خليفة منذ استشهد الخليفة المستنصر بالله فى أوائل

السنة الحالية «1» ، وجلس السلطان بالإيوان لبيعته وحضر القضاة والأعيان وارباب الدولة، وقرئ نسبه على قاضى القضاة وشهد عنده جماعة بذلك، فأثبته ومدّ يده وبايعه بالخلافة، ثم بايعه السلطان ثم الوزير ثم الأعيان على طبقاتهم، وخطب له على المنابر، وكتب السلطان إلى الأقطار بذلك وأن يخطبوا باسمه، وأنزل إلى مناظر «2» الكبش فسكن بها إلى أن مات فى ليلة الجمعة ثامن عشر جمادى الأولى سنة إحدى وسبعمائة ودفن بجوار السيّدة نفيسة، وهو أوّل خليفة مات بالقاهرة من بنى العبّاس حسب ما يأتى ذكره- إن شاء الله تعالى- فى محلّه بأوسع من هذا. وأمّا الملك الظاهر فإنّه تجهّز للسفر إلى البلاد الشاميّة، وخرج من الديار المصريّة فى يوم السبت سابع شهر ربيع الآخر من سنة إحدى وستين وستمائة. وفى هذه السّفرة قبض على الملك المغيث صاحب الكرك الذي كان معه تلك الأيّام على قتال المصريين وغيرهم، ولما قبض عليه الظاهر بعث به إلى قلعة الجبل صحبة الأمير آق سنقر «3» الفارقانىّ، فوصل به إلى القاهرة فى يوم الأحد خامس عشر

جمادى الآخرة، فكان ذلك آخر العهد به. ثمّ عاد الملك الظاهر إلى الديار المصريّة فى يوم السبت سادس عشر شهر رجب. ولمّا دخل إلى القاهرة قبض على الأمير بلبان الرشيدى وأيبك الدّمياطى وآقوش البرنلى. ثم فى هذه السنة شرع الملك الظاهر فى عمارة المدرسة «1» الظاهريّة ببين القصرين، وتمّت فى أوائل سنة اثنتين وستين وستمائة. ورتّب فى تدريس الإيوان القبلىّ القاضى تقىّ الدين محمد بن الحسين «2» بن رزين الشافعى، وفى تدريس الإيوان الذي يواجهه القاضى مجد الدين عبد «3» الرحمن بن العديم، والحافظ شرف «4» الدين الدّمياطى لتدريس الحديث فى الإيوان الشرقىّ، والشيخ كمال الدين المحلّى «5» فى الإيوان [الذي] يقابله

لإقراء القرآن بالروايات والطرق؛ ثم رتّب جماعة يقرءون السبع بهذا الإيوان أيضا بعد صلاة الصبح، ووقف بها خزانة كتب، وبنى إلى جانبها مكتبا لتعلم الأيتام وأجرى عليهم الخبز فى كلّ يوم، وكسوة الفصلين وسقاية تعين على الطّهارة؛ وجلس للتدريس بهذه المدرسة يوم الأحد ثالث «1» عشر صفر من سنة اثنين وستين، وحضر الصاحب بهاء الدين بن حنّا، والأمير جمال الدين بن يغمور؛ والأمير جمال الدين أيدغدى العزيزىّ وغيرهم من الأعيان. وفى سنة إحدى وستين أيضا تسلّم الأمير بيليك العلائىّ حمص بعد وفاة صاحبها الملك الأشرف الأيّوبى. ثم أمر الملك الظاهر أيضا بإنشاء خان فى القدس الشريف للسبيل، وفوّض بناءه ونظره إلى الأمير جمال الدين محمد بن نهار «2» ؛ ولمّا تمّ الخان المذكور أوقف عليه قيراطا ونصفا بالمطر «3» ، وثلث وربع قرية المشيرفة من بلد بصرى «4» ، ونصف قرية لبنى «5» ، يصرف ريع ذلك فى خبز وفلوس وإصلاح نعال من يرد عليه من المسافرين المشاة. وبنى له طاحونا وفرنا، واستمر ذلك كلّه. ثم ولّى الملك الظاهر فى سنة ثلاث وستين وستمائة فى كلّ مذهب قاضيا مستقلّا بذاته، فصارت قضاة القضاة أربعة، وسبب «6» ذلك كثرة توقّف قاضى القضاة تاج الدين عبد الوهاب بن بنت الأعزّ فى تنفيذ الأحكام، وكثرة الشكاوى منه بسبب ذلك. فلمّا كان يوم الاثنين ثانى عشر ذى الحجّة شكا «7» القاضى المذكور الأمير جمال الدين أيدغدى العزيزىّ فى المجلس، وكان يكره القاضى تاج الدين

المذكور؛ فقال أيدغدى بحضرة السلطان: يا تاج الدين، نترك مذهب الشافعىّ لك، ونولّى معك من كلّ مذهب قاضيا، فمال الملك الظاهر إلى كلامه، وكان لأيدغدى منه محلّ عظيم؛ فولّى السلطان الشيخ صدر «1» الدين سليمان الحنفى قاضى قضاة الحنفيّة بالديار المصريّة، وكان للقضاة الحنفيّة أزيد من ثلثمائة سنة من أوّل الدولة الفاطميّة قد بطل حكمهم من ديار مصر استقلالا عند ما أبطل الفاطميّون القضاة من سائر المذاهب، وأقاموا قضاة الشّيعة بمصر. انتهى. وولىّ القاضى شرف «2» الدين عمر السّبكىّ المالكىّ قاضى قضاة المالكيّة. وولّى الشيخ شمس «3» الدين محمد ابن الشيخ العماد الحنبلى قاضى القضاة الحنابلة، وفوّض لكلّ واحد منهم أن يستنيب بالأعمال وغيرها؛ وأبقى على تاج الدين النّظر فى مال الأيتام، وكتب لهم التقاليد وخلع عليهم؛ ثم فعل ذلك ببلاد الشام كلّه. قلت: وقد جمعت أسماء من ولى القضاء من المذاهب الأربعة من يوم رتّب الملك الظاهر بيبرس القضاة (أعنى من سنة ثلاث وستين وستمائة) إلى يومنا هذا على الترتيب على سبيل الاختصار لتكثر الفائدة فى هذا الكتاب، وإن كان يأتى ذكر غالبهم فى الوفيات فى حوادث الملوك على عادة هذا الكتاب، فذكرهم هنا جملة أرشق وأهون على من أراد ذلك، والله المستعان. فنقول:

[ذكر قضاة الشافعية]

[ذكر قضاة الشافعيّة] كان قاضى قضاة الشافعيّة يوم ذاك القاضى تاج «1» الدين عبد الوهاب، وهى ولايته الثانية؛ وتوفّى سنة خمس وستين وستمائة. ثم القاضى تقىّ الدين محمد «2» بن رزين العامرىّ «3» سنة خمس وستين وستمائة، ومولده فى شعبان سنة ثلاث وستمائة، وتوفّى ثالث رجب سنة ثمانين وستمائة. ثم القاضى صدر «4» الدين عمر بن عبد الوهاب بن بنت الأعزّ سنة ثمان وسبعين وستمائة. ثم أعيد القاضى تقىّ الدين محمد بن رزين سنة تسع وسبعين وستمائة. ثمّ القاضى وجيه «5» الدين عبد الوهّاب البهنسىّ سنة ثمانين وستمائة. ثم القاضى تقىّ «6» الدين عبد الرحمن ابن القاضى تاج الدين عبد الوهّاب بن بنت الأعزّ سنة خمس وثمانين وستمائة. ثم القاضى بدر «7» الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الحموىّ الكنانىّ سنة تسعين وستمائة. ثم أعيد القاضى تقىّ الدين عبد الرحمن بن بنت الأعزّ فى صفر سنة ثلاث وتسعين وستمائة. ثم ولى القاضى تقىّ «8» الدين محمد بن على بن دقيق العيد سنة خمس وتسعين وستمائة، ومولده فى شعبان سنة خمس وعشرين وستمائة، وتوفّى سنة اثنتين وسبعمائة. ثم أعيد القاضى بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة الحموىّ فى سنة أربع وسبعمائة. ثمّ ولى القاضى جمال «9» الدين

سليمان بن عمر الزّرعىّ سنة عشر وسبعمائة. ثم أعيد القاضى بدر الدين محمد بن إبراهيم ابن جماعة سنة إحدى عشرة وسبعمائة. ثم ولى القاضى جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزوينىّ سنة سبع وعشرين وسبعمائة، وتوفّى سنة تسع وثلاثين وسبعمائة. ثم ولى القاضى «1» عزّ الدين عبد العزيز ابن القاضى بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة الحموىّ سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة. ثم ولى القاضى بهاء الدين عبد الله [بن عبد الرحمن «2» ] ابن عقيل سنة تسع وخمسين وسبعمائة. ثم أعيد القاضى عزّ الدين عبد العزيز بن جماعة سنة تسع وخمسين وسبعمائة. ثم ولى القاضى بهاء الدين «3» محمد أبو البقاء بن عبد البرّ السّبكىّ فى سنة ست وستين وسبعمائة. ثم ولى القاضى برهان الدين إبراهيم بن عبد الرحيم [بن محمد «4» بن إبراهيم بن سعد الله] بن جماعة سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة. ثم ولى القاضى بدر الدين «5» محمد بن بهاء الدين محمد بن عبد البرّ السّبكىّ فى صفر سنة تسع وسبعين وسبعمائة. ثم أعيد القاضى برهان الدين إبراهيم بن جماعة سنة إحدى وثمانين وسبعمائة. ثم أعيد القاضى بدر الدين محمد بن أبى البقاء السّبكىّ فى صفر سنة أربع وثمانين وسبعمائة. ثم ولى القاضى ناصر الدين محمد [بن عبد الدائم ابن «6» محمد بن سلامة] ابن بنت الميلق فى شعبان سنة تسع وثمانين وسبعمائة، وامتحن وعزل. ثم ولى القاضى صدر الدين «7» محمد بن إبراهيم السلمىّ المناوىّ فى ذى القعدة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة. ثم أعيد القاضى بدر الدين محمد بن أبى البقاء

السّبكىّ سنة إحدى وتسعين وسبعمائة. ثم ولى القاضى عماد الدين أحمد «1» الكركىّ فى رجب [سنة «2» اثنتين وتسعين، ثم عزل فى ذى الحجّة] سنة أربع وتسعين وسبعمائة. ثم أعيد القاضى صدر الدين محمد بن إبراهيم المناوىّ فى شعبان سنة خمس «3» وتسعين وسبعمائة. ثم أعيد القاضى بدر الدين محمد بن أبى البقاء السّبكىّ فى شهر ربيع الآخر سنة ست وتسعين وسبعمائة. ثم أعيد القاضى صدر الدين محمد ابن إبراهيم المناوىّ فى شعبان سنة سبع وتسعين وسبعمائة. ثم ولى القاضى تقىّ «4» الدين الزّبيرىّ فى جمادى الأولى سنة تسع وتسعين وسبعمائة. ثم أعيد القاضى صدر الدين المناوىّ فى شهر رجب سنة إحدى وثمانمائة. ثم ولى القاضى ناصر الدين «5» الصّالحىّ فى سلخ شعبان سنة ثلاث وثمانمائة. ثم ولى القاضى جلال الدين عبد الرحمن بن عمر ابن رسلان بن نصير البلقينىّ «6» فى جمادى الأولى سنة أربع وثمانمائة فى حياة والده. ثم أعيد القاضى ناصر الدين الصالحى فى شوّال سنة خمس وثمانمائة، ومات فى المحرّم سنة ست وثمانمائة «7» . ثم ولى القاضى شمس الدين محمد الإخنائىّ «8» فى شهر الله المحرّم سنة ستّ وثمانمائة. ثم أعيد القاضى جلال الدين عبد الرحمن البلقينىّ فى شهر ربيع الأوّل سنة ستّ وثمانمائة، ومولده سنة إحدى «9» وستين وسبعمائة؛ وهكذا حكى لى

من لفظه،- رحمه الله- وتوفّى بالقاهرة فى شوّال سنة أربع وعشرين وثمانمائة. ثم أعيد القاضى شمس الدين محمّد الإخنائىّ فى شهر شعبان سنة ستّ وثمانمائة. ثم أعيد القاضى جلال الدين عبد الرحمن البلقينىّ فى ذى الحجّة من سنة ست وثمانمائة. ثم أعيد القاضى شمس الدين الإخنائى فى ثانى عشرين جمادى الأولى سنة سبع وثمانمائة. ثم أعيد القاضى جلال الدين البلقينىّ فى ثالث عشر ذى القعدة سنة سبع وثمانمائة. ثم أعيد القاضى شمس الدين محمد الإخنائى فى حادى عشر صفر سنة ثمان وثمانمائة. ثم أعيد القاضى جلال الدين البلقينىّ فى خامس شهر ربيع الأوّل سنة ثمان وثمانمائة، وهى ولايته الخامسة، ولم يزل فى هذه المرة قاضيا إلى أن توجّه صحبة الملك الناصر فرج إلى الشام سنة أربع عشرة وثمانمائة. ثم عزل بالقاضى شهاب الدين أحمد الباعونىّ «1» بدمشق فى المحرّم سنة خمس عشرة وثمانمائة. ثم أعيد القاضى جلال الدين البلقينىّ المذكور فى أوّل صفر من سنة خمس عشرة وثمانمائة، فاستمرّ فى القضاء إلى آخر جمادى الأولى سنة إحدى وعشرين وثمانمائة. ثم عزل بالقاضى شمس الدين محمد الهروىّ «2» فى سلخ جمادى الأولى سنة إحدى وعشرين وثمانمائة. ثم أعيد القاضى جلال الدين البلقينىّ فى شهر ربيع الأوّل سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة، واستمرّ إلى أن مات فى شوّال كما تقدّم ذكره. قلت: وقاضى القضاة جلال الدين المذكور هو صهرى وزوج كريمتى، ومات عنها. رحمهما الله تعالى وعفا عنهما.

ثم ولى القاضى ولىّ الدين أحمد «1» ابن الحافظ عبد الرحيم بن الحسين العراقىّ فى شوّال سنة أربع وعشرين وثمانمائة. ثم ولى القاضى علم الدين «2» صالح بن عمر البلقينىّ فى يوم السبت سادس ذى الحجّة سنة خمس وعشرين وثمانمائة. ثم ولى القاضى شهاب الدين «3» أحمد بن علىّ بن حجر فى سابع عشرين المحرّم سنة سبع وعشرين وثمانمائة. ثم أعيد القاضى شمس الدين الهروىّ فى سابع ذى القعدة سنة سبع وعشرين وثمانمائة. ثم أعيد القاضى شهاب الدين أحمد بن حجر فى ثانى رجب سنة ثمان وعشرين وثمانمائة. ثم أعيد القاضى علم الدين صالح البلقينىّ فى خامس عشرين صفر سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة. ثم أعيد القاضى شهاب الدين أحمد بن حجر فى رابع عشرين جمادى الأولى سنة أربع وثلاثين وثمانمائة. ثم أعيد القاضى علم الدين صالح البلقينىّ فى خامس شوّال سنة أربعين وثمانمائة. ثم أعيد القاضى شهاب الدين أحمد بن حجر فى يوم الثلاثاء سادس شوّال سنة إحدى وأربعين وثمانمائة. ثم ولى القاضى شمس «4» الدين محمد القاياتىّ فى يوم الخميس رابع عشر المحرّم سنة تسع وأربعين وثمانمائة، ومات فى ثامن عشرين المحرّم سنة خمسين وثمانمائة- رحمه الله تعالى- ثم أعيد القاضى شهاب الدين أحمد بن حجر فى خامس صفر سنة خمسين وثمانمائة. ثم أعيد القاضى علم الدين صالح البلقينىّ فى يوم السبت مستهلّ سنة إحدى وخمسين

ذكر القضاة الحنفية

وثمانمائة. ثم ولى القاضى ولىّ «1» الدين محمد السّفطىّ فى يوم الخميس خامس عشر شهر ربيع الأوّل سنة إحدى وخمسين وثمانمائة. ثم أعيد القاضى شهاب الدين أحمد بن حجر فى ثامن شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، ثم عزل نفسه ومات معزولا- رحمه الله تعالى-. ثم أعيد القاضى علم الدين صالح البلقينىّ فى سادس عشر جمادى الآخرة سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة. ثم ولى القاضى شرف «2» الدين يحيى المناوىّ فى يوم الاثنين ثالث عشر رجب سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة. ثم أعيد القاضى علم الدين صالح البلقينىّ فى يوم السبت ثامن عشرين صفر سنة سبع وخمسين وثمانمائة. ذكر القضاة الحنفيّة فالذى ولى أوّلا قاضى القضاة صدر «3» الدين سليمان. ثمّ من بعده قاضى القضاة معزّ الدين النّعمان بن الحسن [بن «4» يوسف] إلى أن توفّى فى سابع عشر شعبان سنة اثنتين وتسعين وستمائة. ثم ولى قاضى القضاة شمس الدين أحمد «5» السّروجىّ فاستمرّ إلى أن تسلطن الملك المنصور لاچين عزله. ثم ولى قاضى القضاة «6» حسام الدين الرازىّ فاستمرّ إلى أن قتل لاچين، نقل إلى قضاء دمشق سنة

ثمان وتسعين. ثم أعيد شمس الدين السّروجىّ، ثمّ عزل أوّل شهر ربيع الآخر سنة عشر وسبعمائة. ثم ولى بعده قاضى القضاة شمس «1» الدين محمد الحريرىّ إلى أن مات يوم السبت رابع جمادى الآخرة- رحمه الله- سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. ثم ولى بعده قاضى القضاة برهان الدين إبراهيم «2» بن عبد الحقّ إلى أن عزل يوم الأحد ثامن عشر جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة. ثم ولى بعده قاضى القضاة حسام «3» الدين الغورىّ إلى أن كانت واقعة الأمير قوصون نهبوا الرسل والعامّة بيته وطلبوه ليقتلوه فهرب. ثم ولى بعده قاضى القضاة «4» زين الدين عمر البسطامىّ فى سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة إلى أن عزل فى سنة ثمان وأربعين وسبعمائة. ثم تولّاها من بعده قاضى القضاة علاء «5» الدين التّركمانىّ فى جمادى منها إلى أن توفّى عاشر المحرّم سنة خمسين. فولى بعده ولده قاضى القضاة جمال الدين عبد الله ابن التّركمانىّ إلى أن مات فى شعبان سنة تسع وستين وسبعمائة. فولى بعده قاضى القضاة سراج الدين عمر «6» الهندىّ إلى أن مات فى شهر رجب سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، ثم ولى بعده قاضى القضاة صدر «7» الدين بن جمال الدين التّركمانىّ إلى أن

مات فى ذى القعدة سنة ست وسبعين. فوليها بعده قاضى القضاة «1» نجم الدين بن الكشك، طلب من دمشق فى المحرّم سنة سبع وسبعين وسبعمائة، ثم عزل عنها. وتولى من بعده قاضى القضاة صدر «2» الدين علىّ بن أبى العز الأذرعىّ، ثم اعتفى عنها. فتولّاها قاضى القضاة شرف الدين أبو العبّاس أحمد [بن «3» علىّ] بن منصور فى سنة سبع وسبعين، فاستمرّ إلى سادس عشرين شهر رجب عزل. ثم تولّاها بعده قاضى «4» القضاة جلال الدين جار الله، فاستمر قاضيا إلى أن مات فى يوم الاثنين رابع عشر شهر رجب سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة. فتولى بعده قاضى القضاة صدر الدين محمد بن علىّ بن منصور فى شهر رمضان سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة، فاستمرّ إلى أن مات فى شهر ربيع الأوّل سنة ستّ وثمانين وسبعمائة. فتولّاها بعده قاضى القضاة شمس الدين محمد «5» بن أحمد بن أبى بكر الطّرابلسىّ، فاستمرّ إلى بعد فتنة الأتابك «6» يلبغا الناصرىّ ومنطاش «7» مع الظاهر برقوق سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة عزل عنها. ثم تولّاها قاضى القضاة مجد الدين إسماعيل بن إبراهيم [بن محمد «8» بن علىّ بن موسى] الكنانىّ، أقام فيها قليلا ثمّ عزل. ثم تولّاها من بعده قاضى القضاة جمال الدين محمود [بن «9» محمد بن علىّ بن عبد الله] القيصرىّ العجمىّ مضافا لنظر

الجيش، فاستمرّ إلى أن مات فى ليلة الأحد سابع شهر ربيع الأوّل سنة تسع وتسعين وسبعمائة. ثم تولّاها من بعده قاضى القضاة شمس الدين الطّرابلسىّ ثانيا فى الشهر والسنة، فاستمرّ إلى أن مات فى آخر السنة المذكورة. وتولّى بعده قاضى القضاة جمال الدين يوسف بن موسى الملطىّ الحلبىّ فى يوم الخميس العشرين من شهر ربيع الآخر [سنة «1» ثمانمائة] ، طلب من حلب واستمرّ إلى أن مات فى ليلة الاثنين تاسع عشر شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانمائة. وتولّاها من بعده قاضى القضاة أمين «2» الدين عبد الوهّاب ابن القاضى شمس الدين الطرابلسىّ فى يوم الخميس ثانى عشر جمادى الآخرة من السنة، فاستمرّ إلى سادس عشرين شهر رجب سنة خمس وثمانمائة، عزل. فتولّاها من بعده قاضى «3» القضاة كمال الدين عمر بن العديم الحلبى، واستمرّ إلى أن مات فى ليلة السبت ثانى عشر جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة وثمانمائة، ومولده بحلب سنة إحدى «4» وسبعين وسبعمائة. فتولّاها من بعده ابنه القاضى ناصر الدين «5» محمد فى يوم الاثنين رابع عشر الشهر المذكور مضافا لمشيخة الشّيخونيّة «6» ، واستمرّ إلى أن صرف. وأعيد القاضى أمين الدين الطرابلسى ثانيا فى رابع عشرين

شهر رجب من سنة إحدى عشرة وثمانمائة، فاستمرّ القاضى أمين الدين إلى سابع المحرّم من سنة اثنتى عشرة وثمانمائة صرف. وأعيد قاضى القضاة ناصر الدين ابن العديم ثانيا؛ واستقرّ القاضى أمين الدين الطرابلسىّ فى مشيخة الشّيخونيّة عوضا عن ناصر الدين بن العديم المذكور. قلت: وناصر الدين المذكور هو صهرى زوج كريمتى. انتهى. واستمرّ ناصر الدين بن العديم إلى أن عزل، فتولّاها قاضى القضاة صدر الدين علىّ [بن محمد «1» بن محمد المعروف با] بن الأدمىّ الدّمشقىّ فى سنة خمس عشرة وثمانمائة، واستمرّ إلى أن مات فى يوم السبت ثامن شهر رمضان من سنة ست عشرة وثمانمائة. ثم أعيد ناصر الدين بن العديم ثالثا، فاستمرّ إلى أن مات فى ليلة السبت تاسع شهر ربيع الآخر سنة تسع عشرة وثمانمائة، وشغرت الوظيفة الى أن طلب الملك المؤيّد شيخ شمس الدين محمد «2» الدّيرىّ من القدس، وقدم القاهرة فى ثالث عشر جمادى الأولى من سنة تسع عشرة المذكورة، ونزل بقاعة الحنفيّة بالمدرسة الصالحيّة «3» إلى أن استقرّ فى القضاء يوم الاثنين سابع عشره، واستمرّ إلى أن عزل برغبة منه.

وتولّاها من بعده قاضى القضاة «1» زين الدين عبد الرحمن التّفهنىّ فى يوم الجمعة سادس ذى القعدة سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة، واستمرّ إلى أن عزل. ثم تولّاها من بعده قاضى القضاة «2» بدر الدين محمود العينى فى يوم الخميس سابع عشرين شهر ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وثمانمائة، واستقرّ التّفهنىّ المذكور فى مشيخة خانقاه شيخون، بعد موت شيخ الإسلام سراج «3» الدين عمر قارئ «الهداية» ، واستمرّ العينىّ إلى أن عزل. ثم أعيد التّقهنىّ فى يوم الخميس سادس عشرين صفر سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، فدام إلى أن صرف لطول مرضه. ثم أعيد قاضى القضاة العينى ثانيا فى سابع عشرين جمادى الآخرة سنة خمس وثلاثين وثمانمائة، فاستمرّ العينىّ إلى أن صرف فى دولة الملك العزيز «4» يوسف ابن الملك الأشرف برسباى بقاضى القضاة سعد الدين سعد «5» ابن القاضى شمس الدين محمد بن الدّيرىّ فى أوّل سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة «6» ... قلت: وهؤلاء القضاة الذين استجدّهم الملك الظاهر بيبرس البندقدارىّ. حسب ما ذكرناه فى أوّل الترجمة. وذلك بعد انقضاء الدولة الأيّوبيّة. وأمّا قبل خراب الديار المصرية فى الدّولة العبيديّة فكانت قضاة الحنفيّة هم حكّام مصر بل حكّام المشرق والمغرب إلى حدود نيّف وأربعمائة، لمّا حمل المعزّ بن باديس الناس

ذكر القضاة المالكية

ببلاد المغرب على اتّباع مذهب الإمام مالك- رضى الله عنه- ثم ملكت العبيديّة مصر فمحوا آثار السّنّة وولّوا قضاة الشّيعة وبطل الأربعة مذاهب من مصر إلى أن زالت دولتهم وتولّى السلطان صلاح يوسف بن أيّوب- رحمه الله- فولّى قاضيا شافعيّا فقط كونه كان شافعيّا، وأذهب الرافضة، واستمرّ ذلك نحو تسعين سنة حتّى ولى الملك الظاهر بيبرس فجدّد المذاهب الثلاثة كما سقناه. انتهى. ذكر القضاة المالكيّة فالذى كان أوّلهم ولاية فى دولة الظاهر بيبرس هو القاضى شرف الدين «1» عمر السّبكىّ المالكىّ تغمّده الله برحمته وجميع المسلمين «2» ... ذكر قضاة الحنابلة فالذى ولّاه الملك الظاهر بيبرس هو قاضى القضاة شمس الدين أبو بكر «3» محمد الجمّاعيلىّ الحنبلىّ إلى أن امتحن وصرف فى ثانى شعبان سنة سبعين وستمائة، ولم يل بعد عزله بالقاهرة أحد من الحنابلة حتى توفّى شمس الدين المذكور فى يوم الخميس فى العشر الأوّل من المحرّم سنة ست وسبعين. ثم ولى بعده قاضى القضاة عزّ الدين

عمر بن عبد الله [بن عمر «1» ] بن عوض فى النصف من جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين، فاستمرّ حتى مات سنة ستّ وتسعين وستمائة. ثم تولّى بعده قاضى القضاة شرف الدين أبو محمد «2» عبد الغنى الحرّانىّ إلى أن مات فى رابع عشرين شهر ربيع الأوّل سنة تسع وسبعمائة. ثم تولّى بعده قاضى القضاة سعد الدين مسعود بن أحمد الحارثىّ «3» فى ثالث شهر ربيع الآخر من السنة، وعزل بعد سنتين ونصف بقاضى القضاة تقىّ الدين «4» ابن قاضى القضاة عزّ الدين عمر فى حادى عشر شهر ربيع الأوّل سنة اثنتى عشرة وسبعمائة، بعد ما شغر منصب القضاء ثلاثة أشهر، فلم تطل «5» أيّامه وعزل بقاضى القضاة موفّق الدين عبد الله بن محمد بن عبد الملك المقدسىّ فى نصف جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، فدام فى المنصب إلى أن مات فى المحرّم سنة تسع وستين وسبعمائة. ثم تولّى عوضه قاضى القضاة ناصر الدين نصر الله بن أحمد بن محمد العسقلانىّ حتّى مات فى ليلة الحادى والعشرين من شهر شعبان سنة خمس وتسعين وسبعمائة. ثم تولّى بعده ابنه قاضى القضاة برهان الدين إبراهيم بن نصر الله حتّى مات فى ثامن شهر ربيع الأوّل سنة اثنتين وثمانمائة. ثم تولّى عوضه أخوه قاضى القضاة موفّق الدين أحمد بن نصر الله، فدام حتّى صرف بقاضى القضاة نور الدين علىّ [بن خليل «6» بن علىّ بن أحمد بن عبد الله] الحكرىّ، فلم تطل مدّة الحكرىّ

وصرف. ثم أعيد موفّق الدين فاستمرّ إلى أن مات فى سنة ثلاث وثمانمائة. ثم تولّى بعده قاضى القضاة مجد الدين سالم [بن أحمد «1» ] فى ثالث عشرين شهر رمضان من سنة ثلاث فاستمرّ فى القضاء إلى أن صرف بقاضى القضاة علاء الدين علىّ [بن «2» محمود ابن أبى بكر] بن مغلى فى حدود سنة ست عشرة وثمانمائة، فاستمرّ علاء الدين بن مغلى فى القضاء إلى أن توفّى بالقاهرة فى العشرين من صفر سنة ثمان وعشرين وثمانمائة. ثم تولّى بعده قاضى القضاة محبّ الدين أحمد بن نصر الله [بن أحمد بن «3» محمد بن عمر] البغدادىّ من التاريخ المذكور إلى أن صرفه الملك الأشرف بقاضى القضاة عزّ الدين عبد العزيز [بن علىّ بن العزّ بن «4» عبد العزيز] البغدادىّ فى ثالث عشر جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين، فدام القاضى عزّ الدين إلى أن صرف فى يوم الثلاثاء ثانى عشر صفر سنة ثلاثين وثمانمائة. ثم أعيد قاضى القضاة محبّ الدين، واستمرّ إلى أن مات فى يوم الأربعاء خامس عشر جمادى الأولى سنة أربع وأربعين وثمانمائة. ثم تولى بعده قاضى القضاة بدر الدين محمد [بن «5» محمد] بن عبد المنعم البغدادىّ إلى أن مات فى ليلة الخميس سابع جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وثمانمائة. ثم تولّى بعده قاضى القضاة عز الدين «6» أحمد فى يوم السبت تاسع جمادى الأولى المذكور.

قلت: وقد خرجنا عن المقصود فى ترجمة الملك الظاهر بيبرس بالإطالة فيما ذكرناه، غير أنّ ذلك كلّه هو أيضا ممّا يضاف إلى ترجمته، ولا بأس بالإطالة مع تحصيل الفائدة، ولنعد إلى ذكر السلطان الملك الظاهر بيبرس. ثم أمر الملك الظاهر بأن يعمل بدمشق أيضا كذلك فى سنة أربع وستين فوقع ذلك، وولّى بها قضاة أربعة. ولمّا وقّع ولايته القضاء من كلّ مذهب بدمشق اتّفق أنّه كان لقب ثلاثة قضاة منهم شمس الدين، وهم: قاضى القضاة شمس «1» الدين أحمد بن محمد بن خلّكان الشافعىّ. وقاضى القضاة شمس الدين عبد «2» الله بن محمد بن عطا الأذرعىّ الحنفى. وقاضى القضاة شمس «3» الدين عبد الرحمن ابن الشيخ أبى «4» عمر الحنبلىّ «5» ؛ فقال بعض الشعراء رحمه الله فى هذا المعنى: أهل الشآم استرابوا ... من كثرة الحكّام إذ هم جميعا شموس ... وحالهم فى ظلام وقال غيره: بدمشق آية قد ... ظهرت للناس عاما كلّما ولّى» شمس ... قاضيا زادت ظلاما

فتوحاته رحمه الله

فتوحاته رحمه الله ثم سافر الملك الظاهر من مصر إلى البلاد الشامية فى هذه السنة (أعنى سنة أربع وستين) فخرج منها فى يوم السبت مستهلّ شعبان، وجعل نائبه بديار مصر ولده الملك السعيد، وجعل الجيش فى خدمته والوزير بهاء الدين بن حنّا؛ وسار الملك الظاهر حتّى نزل عين جالوت وبعث عسكرا مقدّمه الأمير جمال الدين أيدغدىّ العزيزىّ، ثم عسكرا آخر مقدّمه الأمير سيف الدين قلاوون الألفى للإغارة على بلاد الساحل، فأغاروا على عكّا وصور وطرابلس وحصن الأكراد وسبوا وغنموا ما لا يحصى؛ ثم نزل الملك الظاهر بنفسه على صفد فى ثامن شهر رمضان، ونصب عليها المجانيق، ودام الاهتمام بعمل الآلات الحربيّة إلى مستهلّ شوّال شرع فى الزّحف والحصار وأخذ النّقوب من جميع الجهات إلى أن ملكها بكرة يوم الثلاثاء خامس عشر شوّال؛ واستمرّ الزّحف والقتال ونصب السلالم على القلعة وتسلطت عليها النقوب، والسلطان يباشر ذلك بنفسه، حتّى طلب أهل القلعة الأمان على أنفسهم وطلبوا اليمين على ذلك، فأجلس السلطان الملك الظاهر الأمير كرمون [أغا «1» ] التّتارىّ فى دست السلطنة، وحضرت رسلهم فاستحلفوه فخلف [لهم «2» كرمون التّتارىّ] وهم يظنونه الملك الظاهر، فإنه كان يشبه الملك الظاهر. وكان فى قلب الملك الظاهر منهم حزازة، ثم شرط عليهم ألّا يأخذوا معهم من أموالهم شيئا. فلمّا كان يوم الجمعة ثامن عشر شوّال طلعت السناجق على قلعة صفد، ووقف الملك الظاهر بنفسه على بابها وأخرج من كان فيها من الخيّالة والرجّالة والفلاحين؛ ودخل الأمير بدر الدين بيليك الخازندار وتسلّمها، واطّلع على أنّهم أخذوا شيئا كثيرا من التّحف

له قيمة، فأمر الملك الظاهر بضرب رقابهم فضربت على تلّ هناك، وكتبت البشائر بهذا النصر إلى مصر والأقطار، وزيّنت الديار المصريّة لذلك. ثم أمر الملك الظاهر بعمارة قلعة صفد وتحصينها ونقل الذخائر إليها والأسلحة، وأزال دولة الكفر، منها، ولله الحمد، وأقطع بلدها لمن رتّبه لحفظها من الأجناد، وجعل مقدّمهم الأمير علاء الدين الكبكى «1» ، وجعل فى نيابة السلطنة بالمدينة الأمير عزّ الدين العلائىّ، وولاية القلعة للأمير مجد الدين الطّورىّ. ثم رحل الملك الظاهر إلى دمشق فى تاسع «2» عشر شوّال. ولمّا كان الملك الظاهر نازلا بصفد وصل إليه رسول صاحب صهيون بهديّة جليلة ورسالة مضمونها الاعتذار من تأخيره عن الحضور، فقبل الملك الظاهر الهديّة والعذر. ثمّ وصلت رسل صاحب سيس «3» أيضا بهديّة فلم يقبلها ولا سمع رسالتهم. ثم وصلت البريديّة «4» من متولّى قوص ببلاد الصّعيد بخبر أنّه استولى على جزيرة سواكن «5» وأنّ صاحبها هرب، وأرسل يطلب من الملك الظاهر الدخول فى الطاعة وإبقاء سواكن عليه، فرسم

له الملك الظاهر بذلك. ثم رحل الملك الظاهر من دمشق يوم السبت ثالث ذى القعدة وأمر العساكر بالتقدّم إلى بلاد سيس للإغارة عليها، وقدّم عليهم الملك المنصور «1» صاحب حماة وتدبير الأمور راجع إلى الأمير آق سنقر الفارقانىّ، فساروا حتّى وصلوا إلى الدّربند «2» الذي يدخلون منه إليها، وكان صاحبها قد بنى عليها أبرجة فيها المقاتلة؛ فلمّا رأوا العسكر تركوها ومضوا فأخذها المسلمون وهدموها، ودخلوا بلاد سيس فنهبوا وأسروا وقتلوا؛ وكان فيمن أسر ابن صاحب سيس وابن أخته وجماعة من أكابرهم، ودخلوا المدينة يوم السبت ثانى عشر ذى القعدة وأخذوا منها ما لا يحصى كثرة، وعادوا نحو دمشق. فلمّا قاربوها خرج الملك الظاهر لتلقّيهم فى ثانى ذى الحجّة، واجتاز بقارة «3» فى سادسه، فأمر بنهبها وقتل من فيها من الفرنج، فإنّهم كانوا يخيفون «4» السبيل ويستأسرون المسلمين، فأراح الله منهم وجعلت كنيستها جامعا، ورتّب بقارة خطيبا وقاضيا، ونقل إليها الرعية من المسلمين؛ ثم التقى العساكر وخلع عليهم وعاد معهم، فدخل دمشق، والغنائم والأسرى بين يديه، فى يوم الاثنين خامس «5» عشر شهر ذى الحجّة فأقام بها مدّة. ثم خرج منها طالبا الكرك فى مستهلّ المحرّم سنة خمس وستين وستّمائة، وأمر الملك الظاهر بعد خروجه من دمشق بعمارة جسر «6»

بالغور على [نهر «1» ] الشّريعة؛ وكان المتولّى لعمارته جمال الدين محمد بن نهار «2» وبدر الدين محمد بن رحال وهما من أعيان الأمراء؛ ولمّا تكامل عمارته اضطرب بعض أركانه، فقلق الملك الظاهر لذلك وأعاد الناس لإصلاحه فتعذّر ذلك لزيادة الماء، فاتّفق وقوف الماء عن جريانه حتّى أمكن إصلاحه؛ فلمّا تمّ إصلاحه عاد الماء إلى حاله؛ قيل إنّه كان وقع فى النهر قطعة كبيرة مما يجاوره من الأماكن العالية فسدّته من غير قصد. وهذا من عجيب الاتّفاق. ثمّ عاد الملك الظاهر إلى ديار مصر وعند «3» عوده إليها وصل إليه رسل صاحب اليمن الملك المظفر «4» [شمس الدين] يوسف بن عمر ومعهم فيل وحمار وحش أبيض وأسود وخيول وصينى وتحف، وطلب معاضدة الملك الظاهر له وشرط له أن يخطب له ببلاده. ثمّ خرج السلطان فى يوم السبت فى ثانى جمادى الآخرة إلى بركة الجب «5» عازما على قصد الشام على حين غفلة، وجعل نائب السلطنة على مصر الأمير بيليك

الخازندار، ورحل فى سابع الشهر، فوردت عليه رسل صاحب يافا فى الطريق فاعتقلهم، وأمر العسكر بلبس آلة الحرب ليلا وسار فأصبح يافا، وأحاط بها من كل جانب، فهرب من كان فيها من الفرنج إلى قلعتها، فملك السلطان المدينة وطلب أهل القلعة الأمان، فأمّنهم وعوّضهم عما نهب لهم أربعين ألف درهم، فركبوا فى المراكب إلى عكّا؛ وكان أخذ قلعة يافا فى الثانى والعشرين من الشهر المذكور وأمر بهدمها؛ فلمّا فرغ السلطان من هدمها رحل عنها يوم الأربعاء ثانى عشر «1» شهر رجب طالبا للشّقيف «2» ، فنزل عليه يوم الثلاثاء وحاصرها حتّى تسلّمها يوم الأحد تاسع عشرين رجب؛ وكان الملك الظاهر أيضا ملك الباشورة «3» بالسيف فى السادس والعشرين منه؛ ثم رحل الملك الظاهر عنها بعد أن رتّب بها عسكرا فى عاشر شعبان، وبعث أكثر أثقاله إلى دمشق وسار إلى طرابلس فشنّ عليها الغارة وأخرب قراها وقطع أشجارها وغوّر أنهارها. ثم رحل «4» إلى حصن الأكراد ونزل بالمرج الذي تحته، فحضر إليه رسول من فيه بإقامة وضيافة، فردّها عليه وطلب منهم دية رجل من أجناده، كانوا قتلوه، مائة ألف دينار فأرضوه. فرحل إلى حمص ثم إلى حماة ثم

إلى أفامية «1» ثم سار ونزل منزلة أخرى؛ ثم رحل ليلا وأمر العسكر بلبس آلة الحرب، ونزل أنطاكية فى غرّة شهر رمضان، فخرج إليه جماعة من أهلها يطلبون الأمان وشرطوا شروطا لم يجب إليها، وزحف عليها فملكها يوم السبت رابع الشهر؛ ورتّب على أبوابها جماعة من الأمراء لئلّا يخرج أحد من الحرافشة بشىء من النهب، ومن يوجد معه شىء يؤخذ منه، فجمع من ذلك ما أمكن جمعه وفرّقه على الأمراء والأجناد بحسب مراتبهم. وحصر من قتل بأنطاكية فكانوا فوق الأربعين ألفا، وأطلق جماعة من المسلمين كانوا فيها أسراء من الحلبيّين، وكتب البشائر بذلك إلى مصر وإلى سائر الأقطار. وأنطاكية: مدينة عظيمة مشهورة، مسافة سورها اثنا عشر ميلا، وعدد أبراجها مائة وستة وثلاثون برجا، وعدد شرفاتها أربع وعشرون ألفا. ولم يفتحها السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب- رحمه الله- فيما فتح «2» . قلت: كم ترك الأوّل للآخر! ولمّا ملك الملك الظاهر أنطاكية وصل إليه قصّاد من أهل القصير «3» يطلبون تسليمها إليه، فسيّر السلطان الأمير شمس الدين آق سنقر الفارقانىّ بالعساكر إليها فوصلها

ووجد أكثر أهلها قد برح منها، فتسلّمها فى ثالث عشر شهر رمضان؛ وكان قد تسلّم دركوش «1» بواسطة فخر الدين الجناحىّ فى تاسع شهر رمضان وعاد إلى دمشق، فدخلها فى سابع عشرين شهر رمضان، وعيّد السلطان بقلعة دمشق. ثم عاد إلى القاهرة فدخلها آخر نهار الأربعاء حادى عشر ذى الحجّة. وبعد وصوله بمدّة جلس فى الإيوان بقلعة الجبل يوم الخميس تاسع «2» صفر، وأحضر القضاة والشهود والأعيان وأمر بتحليف الأمراء ومقدّمى الحلقة لولده الملك السعيد بركة خان [بولاية «3» عهده وخليفته من بعده] فحلفوا. ثم ركب الملك السعيد يوم الاثنين العشرين من الشهر بأبّهة السلطنة فى القلعة ومشى والده أمامه، وكتب تقليد «4» [له «5» ] وقرئ على الناس بحضور الملك الظاهر وسائر أرباب الدولة. ثم فى يوم السبت ثانى عشر «6» جمادى الآخرة خرج الملك الظاهر من القاهرة متوجّها إلى الشام ومعه الأمراء بأسرهم جرائد، واستناب بالديار المصريّة فى خدمة ولده الأمير بدر الدين بيليك الخازندار. ومن هذا التاريخ علّم الملك السعيد على التواقيع وغيرها: ولمّا «7» صار الملك الظاهر بدمشق وصلت إليه كتب التّتار ورسلهم، والرسل: محبّ الدين دولة خان، وسيف الدين سعيد ترجمان وآخر، ومعهم جماعة من أصحاب سيس، فأنزلهم السلطان بالقلعة وأحضرهم من الغد وأدّوا الرسالة

ومضمونها «1» : أنّ الملك أبغا «2» بن هولاكو لمّا خرج من الشرق ملك جميع البلاد ومن خالفه قتل وأنت (يعنى للملك الظاهر) لو صعدت إلى السماء أو هبطت إلى الأرض ما تخلص منّا، فالمصلحة أن تجعل بيننا صلحا، وأنت مملوك أبعت فى سيواس فكيف تشاقق ملوك الأرض وأولاد ملوكها! فأجابه فى وقته بأنّه فى طلب جميع ما استولوا عليه من العراق والجزيرة والروم والشام وسفّرهم إليه بسرعة. ثم فى آخر شهر رجب خرج الملك الظاهر من دمشق ونزل خربة «3» اللّصوص فأقام بها أيّاما؛ ثم ركب ليلة الاثنين ثامن عشر شعبان ولم يشعر به أحد وتوجّه إلى القاهرة على البريد بعد أن عرّف الفارقانىّ أنّه يغيب أيّاما معلومة، وقرّر معه أنه يحضر الأطبّاء كلّ يوم ويستوصف منهم ما يعالج به متوعّك يشكو تغيير مزاجه، ليوهم الناس أنّ الملك الظاهر هو المتوعّك؛ فكان يدخل ما يصفونه «4» إلى الجيمة ليوهم العسكر صحّة ذلك، وسار الملك الظاهر حتّى وصل قلعة الجبل ليلة الخميس حادى عشرين شعبان، فأقام بالقاهرة أربعة أيّام؛ ثم توجّه ليلة الاثنين خامس عشرين الشهر على البريد، فوصل إلى العسكر يوم تاسع عشرين الشهر. وكان غرضه بهذا السّفر كشف أحوال ولده الملك السعيد وغير ذلك. ثم فى يوم الأحد سادس عشر «5» شهر رمضان

تسلّم نوّاب الملك الظاهر قلعة بلاطنس «1» وقلعة كرابيل «2» من عزّ الدين أحمد بن مظفّر الدين عثمان «3» بن منكورس صاحب صهيون «4» ، وعوّضه غيرهما قرية تعرف بالخميلة «5» من أعمال شيزر «6» . ثم فى يوم الخميس العشرين من شهر رمضان توجّه الملك الظاهر إلى صفد فأقام بها يومين ثم شنّ الغارة على بلد صور، وأخذ منها شيئا كثيرا. ثم عاد الملك الظاهر إلى دمشق وعيّد «7» بها. ثم خرج منها فى خامس عشرين شوّال يريد الكرك فوصله فى أوائل ذى القعدة. ثم توجّه فى سادسه إلى الحجاز، وصحبته بيليك الخازندار والقاضى صدر الدين سليمان الحنفى وفخر الدين إبراهيم بن لقمان وتاج الدين ابن الأثير ونحو ثلثمائة مملوك وجماعة من أعيان الحلقة، فوصل المدينة الشريفة فى العشر الأخير من الشهر فأقام بها ثلاثة أيام، وكان جمّاز «8» قد طرق المدينة وملكها، فلمّا قدم الظاهر هرب؛ فقال الملك الظاهر: لو كان جمّاز يستحقّ القتل ما قتلته! لأنه فى حرم النّبيّ صلّى الله عليه وسلم؛ ثم تصدّق فى المدينة بصدقات كثيرة، وخرج منها متوجّها إلى مكّة فوصلها فى ثامن ذى الحجّة، فخرج إليه أبو نمىّ وعمّه إدريس صاحبا مكّة، وبذلا له الطاعة فخلع عليهما وسارا بين يديه إلى عرفات، فوقف بها يوم الجمعة ثم عاد إلى منّى، ثم إلى مكّة وطاف بها طواف الإفاضة، وصعد الكعبة

وغسلها بماء الورد وطيّبها بيده، وأقام يوم الاثنين ثم ركب وتوجّه إلى المدينة الشريفة، فزار بها قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثانيا. ثم توجّه إلى الكرك فوصله فى يوم الخميس تاسع عشرين ذى الحجة فصلّى به الجمعة. ثم توجّه إلى دمشق فوصل يوم الأحد ثانى المحرّم سنة ثمان وستين وستمائة فى السّحر، فحرج الأمير جمال الدين آقوش فصادفه فى سوق الخيل واجتمع به. ثم سار إلى حلب فوصلها فى سادس المحرّم؛ ثم خرج منها فى عاشره وسار «1» إلى حماة ثم إلى دمشق ثم إلى مصر، وصحبته الأمير عزّ الدين الأفرم فدخلها يوم الأربعاء رابع «2» صفر، واتّفق ذلك اليوم دخول ركب الحاجّ، وكانت العادة يوم ذاك بدخول الحاج إلى القاهرة بعد عاشر صفر، فأقام الملك الظاهر بالقاهرة أيّاما، وخرج منها فى صفر المذكور إلى الإسكندرية ومعه ولده الملك السعيد وسائر الأمراء فصيّد أيّاما وعاد إلى نحو القاهرة فى يوم الثلاثاء ثامن شهر ربيع الأوّل، وخلع فى هذه السّفرة على الأمراء وفرّق فيهم الخيل والحوائص الذهب والسيوف المحلّاة والذهب والدراهم والقماش وغير ذلك، فلم يقم بالقاهرة إلا مدّة يسيرة، وخرج منها متوجّها إلى الشام فى يوم الاثنين حادى عشرين شهر ربيع الأوّل فى طائفة يسيرة من أمرائه وخواصّه، فوصل إلى دمشق فى يوم الثلاثاء سابع «3» شهر ربيع الآخر، ولقى أصحابه فى الطريق مشقّة شديدة من البرد. ثم خرج عقيب ذلك إلى الساحل «4» وأسر ملك عكّا؛ وقتل وأسر وسبى. ثم

قصد الغارة على المرقب «1» فوجد من الأمطار والثلوج ما منعه، فرجع إلى حمص فأقام بها نحو عشرين يوما. ثم خرج إلى جهة حصن «2» الأكراد ونزل تحتها، وأقام يركب كلّ يوم ويعود من غير قتال إلى الثامن والعشرين من شهر رجب، فبلغه أنّ مراكب الفرنج دخلت ميناء الإسكندرية وأخذت «3» مركبين للمسلمين، فرحل من فوره إلى نحو الديار المصريّة فوصلها ثانى عشر شعبان، فحين دخوله إلى مصر امر بعمارة القناطر التى على بحر أبى المنجّا «4» ، وهى من المبانى العجيبة فى الحسن والإتقان؛ وبينما هو فى ذلك ورد عليه البريد من الشام أنّ الفرنج قاصدون الساحل، والمقدّم عليهم

شارل «1» أخو ريدا «2» فرنس، وربّما كان محطّهم عكّا؛ فتقدّم الملك الظاهر إلى العسكر بالتوجّه إلى الشام. ثم ورد الخبر أيضا بأنّ اثنى عشر مركبا للفرنج عبروا على الإسكندرية ودخلوا ميناءها وأخذوا مركبا للتّجار واستأصلوا ما فيه وأحرقوه، ولم يجسر والى الإسكندرية أن يخرج الشوانى من الصناعة لغيبة رئيسها فى مهمّ استدعاه الملك الظاهر بسببه. ولمّا بلغ الملك الظاهر ذلك بعث أمر بقتل الكلاب فى الإسكندرية وألّا يفتح أحد حانوتا بعد المغرب ولا يوقد نارا فى البلد ليلا، ثم تجهّز بسرعة وخرج نحو دمياط يوم الخميس خامس ذى القعدة فى البحر. وفى ذى الحجّة أمر السلطان بعمل جسرين: أحدهما من مصر إلى الجزيرة «3» (أعنى الروضة) ، والآخر من الجزيرة إلى الجيزة على مراكب لتجوز العساكر عليهما. ثم عاد الملك الظاهر من دمياط بسرعة ولم يلق حربا؛ وخرج من مصر إلى عسقلان فى يوم السبت عاشر صفر سنة تسع وستين وستمائة فى جماعة يسيرة من الأمراء والأجناد، فوصل إلى عسقلان وهدم من سورها ما كان أهمل هدمه فى أيّام الملك الصالح، ووجد فيما هدم كوزان مملوءان ذهبا مقدار ألفى دينار ففرّقها على من صحبه، وورد عليه الخبر وهو بعسقلان بأنّ عسكر ابن أخى بركة خان المغلىّ كسر عسكر أبغا بن هولاكو، فسرّ الملك الظاهر بذلك سرورا زائدا. وعاد إلى مصر يوم السبت ثامن شهر ربيع الأوّل. وفى هذه السنة انتهى الجسر والقناطر الذي عمل على بحر أبى المنجا، ووقف عليه الملك الظاهر وقفا يعمر منه ما دثر منه على طول السنين. وفى هذه

السنة أيضا بنى الملك الظاهر جامع المنشيّة «1» ، وأقيمت فيه الخطبة يوم «2» الجمعة ثامن عشرين شهر ربيع الآخر من سنة تسع وستين وستمائة المذكورة. ثم فى السنة المذكورة أيضا خرج الملك الظاهر من الديار المصريّة متوجّها إلى نحو حصن الأكراد فى ثانى عشر جمادى الآخرة، ودخل دمشق يوم الخميس ثامن شهر رجب، وكان معه فى هذه السّفرة ولده الملك السعيد والصاحب بهاء الدين بن حنّا، واستخلف بمصر الأمير شمس الدين اقسنقر الفارقانىّ، وفى الوزارة الصاحب تاج الدين ابن حنّا. ثمّ خرج الملك الظاهر من دمشق فى يوم السبت عاشره وتوجّه بطائفة من العسكر إلى جهة، وولده وبيليك الخازندار بطائفة أخرى إلى جهة، وتواعدوا الاجتماع فى يوم واحد بمكان معيّن ليشنّوا الغارة على جبلة «3» واللّاذقيّة «4» والمرقب» وعرقة «6» ومرقيّة «7» والقليعات «8» وصافيثا «9» والمجدل وأنطرطوس «10» ، فلمّا اجتمعوا [على] أن يشنّوا الغارة فتحوا صافيثا والمجدل، ثم ساروا ونزلوا حصن الأكراد يوم الثلاثاء تاسع «11» عشر شهر رجب من سنة تسع وستين وستمائة؛ وأخذوا فى نصب المجانيق وعمل

الستاير «1» ، ولهذا الحصن ثلاثة أسوار؛ فاشتدّ عليه الزحف والقتال وفتحت الباشورة الأولى يوم الخميس حادى عشرين الشهر، وفتحت الثانية يوم السبت سابع شعبان، وفتحت الثالثة الملاصقة للقلعة فى يوم الأحد خامس عشره، وكان المحاصر لها الملك السعيد ابن الملك الظاهر ومعه بيليك الخازندار وبيسرى، ودخلت العساكر البلد بالسيف وأسروا من فيه من الجبليّة والفلّاحين ثم أطلقوهم. فلمّا رأى أهل القلعة ذلك أذعنوا بالتسليم وطلبوا الأمان، فأمّنهم الملك الظاهر وتسلّم القلعة يوم الاثنين ثالث «2» عشرين شعبان، وكتبت البشائر بهذا الفتح إلى الأقطار، وأطلق الملك الظاهر من كان فيها من الفرنج فتوجّهوا إلى طرابلس. ثم رحل الملك الظاهر بعد أن رتّب الأمير عزّ الدين أيبك الأفرم لعمارته، وأقيمت فيه الجمعة، ورتّب نائبا وقاضيا. ولمّا وقع ذلك بعث صاحب أنطرطوس إلى الملك الظاهر يطلب المهادنة، وبعث إليه بمفاتيح أنطرطوس فصالحه على نصف ما يتحصّل من غلال بلده، وجعل عندهم نائبا من قبله. ثم صالح صاحب المرقب على المناصفة أيضا، وذلك فى يوم الاثنين مستهلّ شهر رمضان من سنة تسع وستين، وقرّرت الهدنة عشر سنين وعشرة أشهر وعشرة أيّام. ثم سار الملك الظاهر فى يوم الأحد رابع عشر شهر رمضان فأشرف على حصن ابن «3» عكّار، وعاد إلى المرج «4» فأقام به إلى أن سار ونزل على الحصن المذكور ثانيا فى يوم الاثنين ثانى عشرين شهر رمضان، ونصب المجانيق عليه فى يوم الثلاثاء،

وفى يوم الأحد ثامن «1» عشرينه رمى المنجنيق الذي قبالة الباب الشرقىّ رميا كثيرا فخسف خسفا كبيرا إلى جانب البدنة، ودام ذلك إلى اللّيل فطلبوا الأمان على أنفسهم من القتل وأن يمكّنهم من التوجّه إلى طرابلس فأجابهم، فخرجوا يوم الثلاثاء سلخ الشهر؛ وكتبت البشائر بالفتح والنصر إلى سائر الأقطار. ثم فى يوم السبت رابع شوّال خيّم السلطان الملك الظاهر بعساكر [هـ] على طرابلس فسيّر صاحبها «2» إليه يستعطفه فبعث إليه الملك الظاهر [فارس «3» الدين] الأتابك [و «4» ] سيف الدين [بلبان «5» ] الرومىّ على أن يكون له من أعمال طرابلس نصف بالسويّة، وأن يكون له دار وكالة فيها، وأن يعطى جبلة واللّاذقيّة بخراجهما من يوم خروجهما عن الملك الناصر إلى يوم تاريخه، وأن يعطى نفقات العساكر من يوم خروجه؛ فلمّا علم الرساله عزم على القتال وحصّن طرابلس، فنصب الملك الظاهر المجانيق؛ ثم تردّدت الرّسل ثانيا وتقرر الصلح أن تكون عرقة وجبلة «6» وأعمالها للبرنس صاحب طرابلس، وأن يكون ساحل «7» أنطرطوس والمرقب وبانياس وبلاد هذه النواحى بينه وبين الدّاويّة «8» ، والتى كانت خاصا لهم، وهى بارين «9» وحمص القديمة تعود خاصا للملك الظاهر، وشرط أن تكون عرقة وأعمالها، وهى ست وخمسون قرية، صديقة من الملك الظاهر عليه، فتوقّف صاحب طرابلس وأنف؛ فلمّا بلغ الملك الظاهر امتناعه صمّم على ما شرط عليه حتى أجابه، وعقد الصلح بينهما مدّة عشر سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام.

وفى يوم السبت حادى عشر شوّال رحل الملك الظاهر عن مرج صافيثا، وأذن إلى صاحب حماة وصاحب حمص بالعود إلى بلادهم، وسار الظاهر حتى دخل دمشق يوم الأربعاء خامس عشر شوّال، وعزل القاضى شمس الدين أحمد بن خلّكان عن قضاء دمشق، وكانت مدّة ولايته عشر سنين، وولّى عوضه القاضى عزّ «1» الدين محمد بن عبد القادر بن عبد الخالق المعروف بابن الصائغ. ثم فى يوم الجمعة رابع «2» عشرين شوّال خرج الملك الظاهر من دمشق قاصدا القرين «3» ، فنزل عليه يوم الاثنين سابع «4» عشرين الشهر، ونصب عليه المجانيق، ولم يكن به نساء ولا أطفال بل مقاتلة، فقاتلوا قتالا شديدا، وأخذت النّقوب للحصن من كلّ جانب، فطلب من فيه الأمان، فأمّنوا يوم الاثنين ثالث عشر ذى القعدة، وتسلّم السلطان الحصن بما فيه من السلاح ثمّ هدمه، وكان بناؤه من الحجر الصّلد وبين كلّ حجرين عود حديد ملزوم بالرصاص، فأقاموا فى هدمه اثنى عشر يوما وفى حصاره خمسة عشر يوما. وفى يوم الاثنين سادس عشرين «5» الشهر نزل الملك الظاهر على كردانة قرية قريبة من عكّا، ولبس العسكر وسار إلى عكّا وأشرف عليها، ثم عاد إلى منزله. ثمّ رحل منها يوم الثلاثاء قاصدا مصر، فدخلها يوم الخميس ثالث عشر ذى الحجّة، وكان جملة ما صرفه الملك الظاهر فى هذه السّفرة من حين خروجه من مصر إلى حين عوده إليها ما ينيف على مائة «6» ألف دينار وثمانين ألف دينار عينا. وفى اليوم الثانى من وصوله إلى قلعة الجبل قبض على جماعة من الأمراء منهم: الأمير علم الدين سنجر

الحلبىّ الكبير، الذي كان تسلطن بدمشق فى أوّل سلطنة الملك الظاهر بيبرس، والأمير جمال الدين آقوس المحمّدىّ، والأمير جمال الدين أيدغدى الحاجبىّ الناصرىّ، والأمير شمس الدين سنقر المسّاح «1» والأمير سيف الدين بيدغان «2» الرّكنى والأمير علم الدين سنجر طرطح وغيرهم، وحبسوا الجميع بقلعة الجبل؛ وسبب ذلك أنّه بلغه أنّهم تآمروا على قبضه لمّا كان بالشّقيف، فأسّرها فى نفسه إلى وقتها. وكان بلغ الملك الظاهر وهو على حصن الأكراد أنّ صاحب قبرص خرج منها فى مراكبه إلى عكا، فأراد السلطان اغتنام خلوّها، فجّهز سبعة عشر شينيّا، فيها الرئيس ناصر الدين عمر بن منصور رئيس مصر وشهاب الدين محمد بن إبراهيم بن عبد السلام رئيس الإسكندرية، وشرف [الدين «3» ] علوى بن أبى المجد بن علوى العسقلانى رئيس دمياط، وجمال الدين مكّى بن حسّون مقدّما على الجميع؛ فوصلوا الجزيرة ليلا، فهاجت عليهم ريح طردتهم عن المرسى، وألقت بعض الشّوانى على بعض، فتحطّم منها أكثر من أحد عشر شينيّا وأخذ من فيها من الرجال والصنّاع أسراء، وكانوا زهاء ألف وثمانمائة نفس، وسلم الرئيس ناصر الدين وابن حسّون فى الشّوانى السالمة، وعادت إلى مراكزها؛ فعظم ذلك على الملك الظاهر بيبرس إلى الغاية. وفى يوم الاثنين سابع عشر ذى الحجّة أمر الملك الظاهر بإراقة الخمور فى سائر بلاده، وأوعد من يعصرها بالقتل، فأريق على الأجناد والعوامّ منها ما لا تحصى قيمته، وكان ضمان ذلك فى ديار مصر خاصّة ألف دينار فى كلّ يوم، وكتب بذلك توقيع قرئ على منبر مصر والقاهرة. وفى العشر الأخير من ذى الحجّة اهتمّ الملك

الظاهر بإنشاء شوان عوضا عمّا ذهب على قبرص، وانتهى العمل من الشوانى فى يوم الأحد رابع عشر المحرّم سنة سبعين، وركب السلطان إلى الصّناعة «1» لإلقاء الشّوانى فى بحر النيل، وركب السلطان فى شينىّ منها ومعه الأمير بدر الدين بيليك الخازندار، فلمّا صار الشّينى فى الماء مال بمن فيه فوقع الخازندار منه إلى البحر، فنهض بعض رجال الشّينى ورمى بنفسه خلفه فأدركه وأخذ بشعره وخلّصه، وقد كاد يهلك، فخلع عليه الملك الظاهر وأحسن إليه. وفى ليلة السبت السابع والعشرين منه خرج الملك الظاهر من الديار المصريّة إلى الشام فى نفر يسير من خواصّه وأمرائه ودخل حصن الكرك، وخرج منه وصحب معه نائبه الأمير عزّ الدين أيدمر وسار إلى دمشق، فوصل إليه يوم الجمعة ثانى عشر صفر، فعزل عنها الأمير جمال الدين آقوش النّجيبىّ، وولّى مكانه الأمير عزّ الدين أيدمر المعزول عن نيابة الكرك. ثم خرج منها إلى حماة فى سادس عشره ثم عاد منها فى السادس والعشرين. وفيها أمر ملك التّتار أبغا بن هولاكو عساكره بقصد البلاد الشاميّة، فخرج عسكره فى عدّة عشرة آلاف فارس وعليهم الأمير صمغرا «2» والبرواناه «3» ، فلمّا بلغهم أنّ الملك الظاهر بالشام أرسلوا ألفا وخمسمائة من المغل ليتجسّسوا الأخبار ويغيروا

على أطراف بلاد حلب، وكان مقدّمهم أمال «1» بن بيجونوين «2» ووصلت غارتهم إلى عينتاب «3» ثم إلى قسطون «4» ووقعوا على تركمان نازلين بين حارم وأنطاكية فاستأصلوهم؛ فتقدّم الملك الظاهر بتجفيل البلاد ليحمل التّتار الطمع فيدخلوا فيتمكّن منهم. وبعث إلى مصر بخروج العساكر فخرجت ومقدّمها الأمير بيسرى، فوصلوا إلى السلطان فى خامس «5» الشهر وخرج بهم فى السابع منه، فسبق إلى التّتار خبره، فولّوا على أعقابهم. وكان الظاهر لمّا مرّ بحماة استصحب معه الملك المنصور صاحب حماة، ونزل الظاهر حلب يوم الاثنين ثانى عشر شهر ربيع الآخر «6» من سنة سبعين وستمائة وخيّم بلليدان الأخضر، ثم جهّز الأمير شمس الدين آق سنقر الفارقانىّ فى عسكر وأمره أن يمضى إلى بلاد حلب الشماليّة ولا يتعرّض ببلاد صاحب سيس، وجهّز الأمير علاء الدين طيبرس الوزيرىّ فى عسكر وأمره بالتوجّه إلى حرّان. فأمّا الفارقانىّ فإنه سار خلف التّتار إلى مرعش «7» فلم يجد منهم أحدا، تم عاد إلى حلب فوجد الملك الظاهر مقيما بها، وقد أمر بإنشاء دار شمالىّ القلعة كانت تعرف بدار الأمير بكتوت، أستادار الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب حلب واضاف إليها دارا أخرى، ووكّل بعمارتها الأمير عزّ الدين آقوش الأفرم. ولمّا عاد الفارقانىّ إلى حلب رحل الملك الظاهر منها نحو الديار المصريّة فى ثامن عشرين شهر ربيع الآخر، ودخل مصر فى الثالث والعشرين من جمادى الأولى.

ولمّا وصل الظاهر إلى مصر قبض على الأمراء الذين كانوا مجرّدين على قاقون «1» بسبب الفرنج لمّا أغاروا على الساحل ما عدا آقوش الشّمسىّ ثم شفع فيهم فأطلقهم. وفى يوم الأربعاء ثالث جمادى الآخرة عدّى الملك الظاهر إلى برّ الجيزة فأخبر أن ببوصير «2» السّدر مغارة فيها مطلب، فجمع لها خلقا فحفروا مدى بعيدا، فوجدوا قطاطا ميتة وكلاب صيد وطيورا وغير ذلك من الحيوانات ملفوفا فى عصائب وخرق، فإذا حلّت اللفائف ولاقى الهواء ما كان فيها صار هباء منثورا؛ وأقام الناس ينقلون من ذلك مدّة ولم ينفد ما فيها، فأمر الملك الظاهر بتركها وعاد من الجيزة. وفى يوم السبت سابع عشرين جمادى الآخرة ركب السلطان الملك الظاهر إلى الصّناعة «3» ليرى الشوانى التى عملت وهى أربعون شينيّا فسرّ بها. وعند عوده إلى القلعة ولدت زرافة بقلعة الجبل [وهذا «4» أمر لم يعهد] وأرضع ولدها لبن بقرة. ثم سافر الملك الظاهر إلى الشام فى شعبان وسار حتى وصل الساحل وخيّم بين قيساريّة وأرسوف، وكان مركّزا بها الفارقانىّ فرحل الفارقانىّ عنها إلى مصر. ثم إنّ الملك الظاهر شنّ الغارة على عكا، فطلب منه أهلها الصلح وتردّدوا فى ذلك حتى تقرّرت الهدنة بينهم مدّة عشر سنين وعشرة أشهر وعشرة أيّام وعشر ساعات، أوّلها ثانى عشرين شهر رمضان سنة سبعين وستمائة.

ثم رحل الملك الظاهر إلى خربة اللّصوص، ثم سار منها إلى دمشق فدخلها فى الثامن من شوّال؛ وبينما هو فى دمشق تردّدت الرسل بينه وبين التّتار وانفصل الأمر من غير اتّفاق. وفى ذى الحجّة توجّه الملك الظاهر من دمشق إلى حصن الأكراد لينقل حجارة المجانيق إليها «1» ورؤية ما عمّر فيها ففعل «2» ذلك. ثم سار إلى حصن عكّار «3» فأشرف عليها. ثم عاد إلى دمشق فى خامس المحرّم من سنة إحدى وسبعين وستمائة، وفى ثانى عشر المحرّم المذكور أفرج «4» الملك الظاهر عن الأمير أيبك النّجيبى الصغير، وأيدمر الحلّىّ العزيزىّ وكانا محبوسين بالقاهرة. ثم خرج الملك الظاهر من دمشق فى المحرم أيضا عائدا إلى الديار المصريّة وصحبته الأمير بدر الدين بيسرىّ والأمير آقوش الرومىّ وجرمك «5» الناصرىّ، فوصل إليها فى يوم السبت ثالث عشرين المحرّم، فأقام بالقاهرة إلى ليلة الجمعة تاسع عشرينه، خرج من مصر وتوجّه إلى دمشق فدخل قلعتها ليلة الثلاثاء رابع صفر، فأقام بدمشق إلى خامس جمادى الأولى اتّصل به أنّ فرقة من التّتار قصدت الرّحبة، فبرز إلى القصير «6» فبلغه أنّهم عادوا من الرّحبة ونزلوا على البيرة، فسار إلى حمص وأخذ مراكب الصيّادين على الجمال ليجوز عليها، ثم سار حتّى وصل إلى الباب من أعمال حلب،

وبعث جماعة من الأجناد والعربان لكشف أخبارهم، وسار إلى منبج فعادوا وأخبروا أنّ طائفة من التّتار مقدار ثلاثة آلاف فارس على شطّ الفرات ممّا يلى الجزيرة، فرحل «1» عن منبج يوم الأحد ثامن عشر جمادى الأولى ووصل شطّ الفرات، وتقدّم إلى العسكر بخوضها، فخاض الأمير سيف الدين قلاوون الألفىّ والأمير بدر الدين بيسرى فى أوّل الناس، ثم تبعهما هو بنفسه وتبعته العساكر، فوقعوا على التّتار فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأسروا تقدير مائتى نفس ولم ينج منهم إلّا القليل، وتبعهم بيسزى إلى قريب «2» سروج ثم عاد. وكان على «3» البيرة جماعة كثيرة من عسكر التّتار، وكانوا قد أشرفوا على أخذها، فلمّا بلغهم الخبر رحلوا عن البيرة؛ ودخلها السلطان فى ثانى عشرين الشهر وخلع على نائبها وفرّق فى أهلها مائة ألف درهم، وأنعم عليهم ببعض ما تركه التّتار عندهم لمّا هربوا. ثم رحل الملك الظاهر عنها بعساكره وعاد إلى دمشق. وفى هذه النّصرة قال العلّامة شهاب «4» الدين أبو الثناء محمود كاتب الإنشاء- رحمه الله- قصيدة طنانة؛ أوّلها: سر حيث شئت لك المهيمن جار ... واحكم فطوع مرادك الأقدار لم يبق للدين الذي أظهرته ... يا ركنه عند الأعادى ثار لمّا تراقصت الرءوس وحرّكت ... من مطربات قسّيك الأوتار خضت الفرات بسابح أقصى منى ... هوج الصّبا من نعله «5» آثار حملتك أمواج الفرات ومن رأى ... بحرا سواك تقلّه الأنهار وتقطّعت فرقا ولم يك طودها ... إذ ذاك إلا جشك الجرّار

رشّت دماؤهم الصعيد فلم يطر ... منهم على الجيش السعيد غبار شكرت مساعيك المعاقل والورى ... والتّرب والآساد والأطيار هذى منعت وهؤلاء حميتهم ... وسقيت تلك وعمّ ذا الإيسار فلأملأنّ الدهر فيك مدائحا ... تبقى بقيت وتذهب الأعصار وهى أطول من ذلك. وقال الشيخ ناصر الدين «1» حسن بن النّقيب الكنانىّ الشاعر- رحمه الله تعالى- قصيدة وكان حاضر الوقعة منها: ولمّا ترامينا الفرات بخيلنا ... سكرناه «2» منا بالقوى والقوائم فأوقفت التيّار عن جريانه ... إلى حيث عدنا بالغنى والغنائم وقال الموفّق «3» عبد الله بن عمر الأنصارى- رحمه الله- وأجاد: الملك الظاهر سلطاننا ... نفديه بالأموال والأهل اقتحم الماء ليطفى به ... حرارة القلب من المغل ثم توجّه الملك الظاهر إلى نحو الديار المصريّة، فخرج ولده الملك السعيد لتلقّيه فى يوم الثلاثاء تاسع عشر جمادى الآخرة، فاجتمع به بين القصير «4» والصالحيّة فى يوم الجمعة ثانى «5» عشرينه، فترجلا واعتنقا طويلا؛ ثم ركبا وسارا جميعا إلى القلعة وبين يديهم أسارى التّتار ركّابا على الخيل، ثم فى سابع شهر رجب أفرج الملك الظاهر عن الأمير عز الدين أيبك الدّمياطى من الاعتقال، وكانت مدّة اعتقاله تسع سنين وعشرة أيام، ثم خلع الملك الظاهر على أمراء الدولة ومقدّمى الحلقة وأعطى،

كلّ واحد منهم ما يليق به من الخيل والذهب والحوائص والثّياب والسيوف، وكان قيمة ما صرفه فيهم فوق ثلثمائة ألف دينار، وفى سادس عشرين شعبان أفرج الملك الظاهر عن الأمير علم الدين سنجر الحلبى الغتمى المعزّىّ. وفى يوم الاثنين ثانى عشر شوّال استدعى الملك الظاهر الشيخ خضرا إلى القلعة وأحضره بين يديه. قلت: والشيخ خضر هذا هو صاحب الزاوية «1» بالحسينية بالقرب من جامع الظاهر «2» . انتهى. وأحضر معه جماعة من الفقراء حاققوه على أشياء كثيرة منكرة، وكثر

بينه وبينهم فيها المقالة ورموه بفواحش كثيرة ونسبوه إلى قبائح عظيمة؛ فرسم الملك الظاهر باعتقاله، وكان للشيخ خضر المذكور منزلة عظيمة عند الملك الظاهر بحيث إنّه كان ينزل عنده فى الجمعة المرّة والمرّتين ويباسطه ويمازحه ويقبل شفاعته ويستصحبه فى سائر سفراته، ومتى فتح مكانا أفرض له منه أوفر نصيب، فامتدّت يد الشيخ خضر بذلك فى سائر المملكة يفعل ما يختار لا يمنعه أحد من النوّاب، حتّى إنّه دخل إلى كنيسة قمامة «1» ذبح قسّيسها بيده، وانتهب ما كان فيها تلامذته، وهجم كنيسة اليهود بدمشق ونهبها، وكان فيها ما لا يعبّر من الأموال «2» ، وعمرها مسجدا وعمل بها سماعا ومدّ بها سماطا. ودخل كنيسة الإسكندريّة وهى عظيمة عند النصارى فنهبها وصيّرها مسجدا، وسمّاها المدرسة «3» الخضراء وأنفق فى تعميرها مالا كثيرا

من بيت المال. وبنى له الملك الظاهر زاوية بالحسينية ظاهر القاهرة ووقف عليها وحبس عليها أرضا تجاورها تحتكر للبناء. وبنى لأجله جامع الحسينية. وفى يوم الاثنين سابع المحرّم سنة اثنتين وسبعين وستمائة جلس الملك الظاهر بدار «1» العدل وحكّم بين الناس ونظر فى أمور الرعيّة، فأنصف المظلوم وخلّص الحقوق ومال على القوىّ ورفق بالضعيف. وفى العاشر منه هدمت غرفة على باب قصر من قصور الخلفاء الفاطميّين بالقاهرة، ويعرف هذا الباب بباب «2» البحر، وهو من بناء الخليفة الحاكم بأمر الله منصور المقدّم ذكره، فوجد فى القصر الذي هدم امرأة فى صندوق منقوش عليها كتابة اسم الملك الظاهر «3» بيبرس هذا وصفته، وبقى منها ما لم يمكن قراءته. وفيها قبض على ملك الكرج «4» وهو أنّه كان قد خرج من بلاده قاصدا زيارة القدس الشريف متنكّرا فى زىّ الرهبان ومعه جماعة يسيرة من خواصّه، فسلك بلاد

الروم إلى سيس فركب البحر إلى عكّا، ثم خرج منها إلى بيت المقدس فاطّلع الأمير بدر الدين الخازندار على أمره وهو على يافا، فبعث إليه من قبض عليه، فلمّا حضر بين يديه بعثه مع الأمير ركن الدين منكورس إلى السلطان؛ وكان السلطان قد توجّه إلى دمشق فوصل إلى دمشق فى رابع عشر جمادى الأولى، فأقبل عليه السلطان وسأله حتى اعترف، فحبسه فى برج من أبراج قلعة دمشق، وأمره أن يبعث من جهته إلى بلاده من يعرّفهم بأسره، فبعث نفرين. وخرج الملك الظاهر من دمشق ثالث عشرين جمادى الآخرة، وقدم القاهرة يوم الخميس «1» سابع شهر رجب من سنة اثنتين وسبعين المذكورة. ثم فى يوم الخميس خامس عشرين شهر رمضان أمر السلطان العسكر أن يركب بالزينة الفاخرة ويلعب فى الميدان تحت القلعة، فاستمرّ ذلك كلّ يوم إلى يوم عيد الفطر ختن السلطان الملك الظاهر ولده خضرا ومعه جماعة من أولاد الأمراء وغيرهم، وكان الملك السعيد ابن الملك الظاهر فى يوم الأربعاء سابع «2» عشر شهر رمضان خرج من القاهرة وتوجّه إلى دمشق ومعه شمس الدين آقسنقر الفارقانىّ وأربعون نفرا من خواصّه على خيل البريد، وعاد إلى القاهرة فى يوم الخميس الرابع والعشرين من شوّال. وفى يوم الأحد سابع صفر من سنة ثلاث وسبعين وستمائة ركب الملك الظاهر الهجن وتوجّه إلى الكرك ومعه بيسرى وأتامش السّعدى، وسبب توجّهه أن وقع بالكرك برج فأحبّ أن يكون إصلاحه بحضوره. ثم عاد إلى مصر فدخلها فى يوم الثلاثاء ثانى عشرين شهر ربيع الأوّل، فأقام بها مدّة يسيرة. ثم توجّه إلى دمشق وأقام به إلى أن أرسل فى رابع «3» عشرين المحرّم سنة أربع وسبعين وستمائة الأمير

بدر الدين بيليك الخازندار على البريد إلى مصر لإحضار الملك السعيد، فعاد به إلى دمشق فى يوم الأربعاء سادس صفر من السنة. وفى الثالث والعشرين من جمادى الأولى فتح حصن القصير «1» وهو بين حارم وأنطاكية، وكان فيه قسّيس عظيم عند الفرنج يقصدونه للتبرّك به، وكان الملك الظاهر قد أمر التّركمان وبعض العرب بمحاصرته، وبعد أخذه عاد الملك الظاهر إلى مصر فلم تطل مدّته به وعاد إلى دمشق، فدخله يوم ثالث المحرّم من سنة خمس وسبعين، فأقام به مدة يسيرة أيضا، وعاد إلى الديار المصريّة فى يوم الاثنين ثالث شهر ربيع «2» الآخر؛ وأمر بعمل عرس ولده الملك السعيد، واهتمّ فى ذلك إلى يوم الخميس خامس جمادى الأولى أمر العسكر بالركوب إلى الميدان «3» الأسود تحت القلعة فى أحسن زىّ، وأقاموا يركبون كلّ يوم كذلك ويتراكضون فى الميدان، والناس تزدحم للفرجة عليهم خمسة أيام، وفى اليوم السادس افترق الجيش فرقتين، وحملت كلّ فرقة على الأخرى وجرى من اللعب والزينة ما لا يوصف، وفى اليوم السابع خلع على سائر الأمراء والوزراء والقضاة والكتّاب والأطباء مقدار ألف وثلثمائة خلعة، وأرسل

إلى دمشق الخلع ففرقت كذلك، وفى يوم الخميس مدّ السّماط فى الميدان المذكور فى أربعة خيم، وحضر السّماط من علا ومن دنا، ورسل التتار ورسل الفرنج، وعليهم الخلع أيضا، وجلس السلطان فى صدر الخيمة على تخت من آبنوس وعاج مصفّح بالذهب مسمّر بالفضّة غرم عليه ألف دينار؛ ولمّا انقضى السّماط قدّم الأمراء الهدايا من الخيل والسلاح والتّحف وسائر الملابس، فلم يقبل السلطان من أحد منهم سوى ثوب واحد جبرا له؛ فلمّا كان وقت العصر ركب إلى القلعة وأخذ فى تجهيز ما يليق بالزّفاف والدخول، ولم يمكّن أحد من نساء الأمراء على الإطلاق من الدخول إلى البيوت، ودخل الملك السعيد إلى الحمّام ثم دخل إلى بيته الذي هيّى له بأهله، وحملت العروس فدخل عليها. ولمّا بلغ الملك المنصور «1» صاحب حماة ذلك قدم القاهرة مهنّئا للسلطان ومعه هديّة سنيّة، فوصل القاهرة فى ثامن جمادى الآخرة، فركب الملك السعيد لتلقّيه ونزل بالكبش «2» ، وأقام مدّة يسيرة ثم عاد إلى بلده. ثم خرج الملك الظاهر بعد ذلك من القاهرة فى يوم الخميس العشرين من شهر رمضان بعد أن استناب الأمير آق سنقر الفارقانىّ الأستادار نائبا عنه فى خدمة ولده الملك السعيد، وترك معه من العسكر بالديار المصريّة لحفظ البلاد خمسة آلاف فارس، ورحل من المنزلة يوم السبت ثانى عشر شوّال قاصدا بلاد الروم فدخل دمشق ثم خرج منها ودخل حلب يوم الأربعاء مستهلّ ذى القعدة، وخرج منها

يوم الخميس إلى حيلان «1» ، فترك بها بعض الثّقل، وأمر الأمير نور الدين «2» علىّ بن جبل مجلىّ نائب حلب أن يتوجّه إلى الساجور «3» ويقيم على الفرات بمن معه من عسكر حلب ويحفظ معابر الفرات لئلا يعبر منها أحد من التّتار قاصدا الشام، ووصل إلى «4» الأمير نور الدين الأمير شرف الدين عيسى بن مهنّا وأقام عنده، فبلغ نوّاب التّتار ذلك فجهّزوا إليهم جماعة من عرب خفاجة «5» لكبسهم فحشدوا وتوجّهوا نحوهم. فاتّصل بالأمير علىّ نائب حلب الخبر وكان يقظا، فركب إليهم والتقاهم وكسرهم أقبح كسرة، وأخذ منهم ألفا ومائتى جمل. وأمّا الملك الظاهر فإنّه ركب من حيلان يوم الجمعة ثالث الشهر، وسار إلى عينتاب، ثم إلى دلوك «6» ، ثم إلى منزلة «7» أخرى ثم إلى كينوك «8» ، ثم إلى كك صو (ومعناه الماء «9» الأزرق باللّغة التركيّة) . ثم رحل «10» عنه إلى أقجادر بند فقطعه فى نصف نهار؛

فلمّا خرجت عساكره وملكت المفاوز، قدّم الأمير شمس الدين سنقر الأشقر على جماعة من العسكر وأمره بالمسير بين يديه، فوقع على كتيبة التّتار وعدّتهم ثلاثة آلاف فارس، ومقدّمهم كراى فهزمهم سنقر الأشقر وأسر منهم طائفة، وذلك فى يوم الخميس تاسع ذى القعدة. ثم ورد الخبر على الملك الظاهر بأنّ عسكر الروم والتّتار مع البرواناه اجتمعوا على نهر جيحان «1» ، فلمّا صعد العسكر الجبل أشرف على صحراء «2» أبلستين فشاهد التّتار قد رتّبوا عساكرهم أحد عشر طلبا فى كلّ طلب ألف فارس، وعزلوا عسكر الروم عنهم خوفا من باطن يكون لهم مع المسلمين، وجعلوا عسكر الكرج طلبا واحدا؛ فلمّا تراءى الجمعان حملت ميسرة التّتار حملة واحدة وصدموا سنجق الملك الظاهر، ودخلت طائفة منهم بينهم، وشقّوا الميسرة وساقوا إلى الميمنة؛ فلمّا رأى الملك الظاهر ذلك أردفهم بنفسه، ثم لاحت منه التفاتة فرأى الميسرة قد أتت عليها ميمنة التّتار، فأمر الملك الظاهر جماعة من أصحابه الشّجعان بإردافها، ثم حمل هو بنفسه- رحمه الله- فلمّا رأته العساكر حملت نحوه برمّتها حملة رجل واحد، فترجّل التّتار عن خيولهم وقاتلوا قتال الموت فلم يغن عنهم ذلك شيئا، وصبر لهم الملك الظاهر وعسكره وهو يكرّ فى القوم كالأسد الضّارى ويقتحم الأهوال بنفسه ويشجّع أصحابه ويطيّب لهم الموت فى الجهاد إلى أن أنزل الله تعالى نصره عليه، وانكسر التّتار أقبح كسرة وقتلوا وأسروا وفرّ من نجا منهم، فاعتصموا بالجبال فقصدتهم العساكر الإسلاميّة وأحاطوا بهم، فترجّلوا عن خيولهم وقاتلوا فقتل منهم جماعة كثيرة، وقتل

ممّن قاتلهم من عساكر المسلمين الأمير ضياء الدين [محمود «1» ] بن الخطير، وكان من الشّجعان الفرسان، والأمير شرف «2» الدين قيران العلائىّ، والأمير عزّ الدين أخو المحمّدىّ «3» ، وسيف الدين قفجاق «4» الجاشنكير، والأمير [عز الدين «5» ] أيبك الشّقيفىّ- رحمهم الله تعالى وأسكنهم الجنّة-. وأسر من كبار الروميّين مهذّب «6» الدين ابن معين الدين البرواناه، وابن بنت معين الدين المذكور، والأمير نور «7» الدين جبريل [بن جاجا] ، والأمير قطب الدين محمود أخو مجد الدين الأتابك، والأمير سراج الدين إسماعيل [بن «8» جاجا] ، والأمير سيف الدين سنقر «9» جاه الزّوباشىّ، والأمير نصرة الدين بهمن أخو تاج الدين كيوى (يعنى الصهر) صاحب سيواس «10» ، والأمير كمال الدين إسماعيل عارض الجيش، والأمير حسام الدين كاوك «11» ، والأمير سيف الدين بن الجاويش «12» ، والأمير شهاب الدين غازى بن على شير التّركمانى،

فوبّخهم السلطان الملك الظاهر من كونهم قاتلوه فى مساعدة التتار الكفرة، ثم سلّمهم لمن احتفظ بهم. وأسر من مقدّمى التّتار على الألوف والمئين بركة «1» صهر أبغا بن هولاكو ملك التّتار، وسرطق، وخيز كدوس «2» وسركده «3» وتماديه «4» . ولمّا أسر من أسر وقتل من قتل نجا البرواناه وساق حتّى دخل قيصريّة «5» يوم الأحد ثانى عشر ذى القعدة «6» واجتمع بالسلطان غياث الدين، والصاحب فخر الدين، والأتابك مجد الدين، والأمير جلال الدين المستوفى، والأمير بدر الدين ميكائيل النائب فأخبرهم بالكسرة، وقال لهم: إنّ التّتار المنهزمين متى دخلوا قيصريّة فتكوا «7» بمن فيها حنقا على المسلمين، وأشار عليهم بالخروج منها فخرج السلطان غياث الدين بأهله وماله إلى توقات «8» وبينها وبين قيصريّة أربعة أيام. وعملت شعراء الإسلام فى هذه الوقعة عدّة قصائد ومدائح، من ذلك ما قاله العلّامة شهاب الدين أبو الثناء محمود كاتب الدّرج قصيدته التى أوّلها: كذا فلتكن فى الله تمضى «9» العزائم ... وإلّا فلا تجفو الجفون الصّوارم

عزائم حاذتها الرياح فأصبحت ... مخلّفة تبكى عليها الغمائم سرت من حمى مصر إلى الروم فاحتوت ... عليه [و «1» ] سوراه الظّبا واللهاذم بجيش تظلّ الأرض منه كأنّها ... على سعة الأرجاء فى الضّيق خاتم كتائب كالبحر الخضمّ جيادها ... إذا ما تهادت موجه المتلاطم تحيط بمنصور اللّواء مظفّر ... له النّصر والتأبيد عبد وخادم مليك يلوذ الدين من عزمايه ... بركن له الفتح المبين دعائم مليك لأبكار الأقاليم نحوه ... حنين كذا تهوى الكرام الكرائم فكم وطئت طوعا وكرها جياده ... معاقل قرطاها «2» السّها والنعائم مليك به للدين فى كلّ ساعة ... بسائر للكفّار منها مآتم جلاحين أقذى «3» [ناظر] الكفر للهدى ... ثغورا بكى الشيطان وهى بواسم إذا رام شيئا لم يعقه لبعدها ... وشقّتها عنه الإكام الطّواسم فلو نازع النّسرين أمرا لناله ... وذا واقع عجزا وذا بعد حائم ولمّا رمى الروم المنيع بخيله ... ومن دونه سدّ من الصخر عاصم يروم عقاب الجوّ قطع عقابه ... إليه فلا تقوى عليها القوادم ومنها: وسالت عليهم «4» أرضهم بمواكب ... لها النّصر طوع والزمان مسالم أدارت بهم سورا منيعا مشرّفا ... بسمر العوالى ما له الدهر هادم

من التّرك أمّا فى المغانى فإنّهم ... شموس وأما فى الوغى فضراغم غدا ظاهرا بالظاهر النصر فيهم ... تبيد الليالى والعدا وهو دائم فأهووا إلى لئم الأسنّة فى الوغى ... كأنّهم العشّاق وهى المباسم وصافحت البيض الصّفاح رقابهم ... وعانقت السّمر القدود النواعم فكم حاكم منهم على ألف دارع ... غدا حاسرا والرمح [فى «1» ] فيه حاكم وكم ملك منهم رأى وهو موثق ... خزائن ما يحويه وهى غنائم ومنها: فلا زلت منصور اللّواء مؤيّدا ... على الكفر ما ناحت وأبكت حمائم ثم جرّد الملك الظاهر الأمير سنقر الأشقر لإدراك ما فات من التّرك «2» والتوجّه إلى قيصريّة، وكتب معه كتابا بتأمين أهلها وإخراج الأسواق والتعامل بالدراهم الظاهريّة. ثم رحل الملك الظاهر بكرة السبت حادى عشر ذى القعدة قاصدا قيصريّة، فمرّ فى طريقه بقرية أهل الكهف «3» ثم إلى قلعة سمندو «4» فنزل إليه واليها مذعنا للطاعة، ثم سار إلى قلعة درندة «5» وقلعة فالو «6» ففعل متولّيها كذلك، ثم نزل بقرية من قرى قيصريّة فبات بها، فلمّا أصبح رتّب عساكره وخرج أهل

قيصريّة بأجمعهم مستبشرين بلقائه، وكانوا لنزوله نصبوا الخيام بوطاة «1» ، فلمّا قرب الظاهر منها ترجّل وجوه الناس على طبقاتهم ومشوا بين يديه إلى أن وصلها. فلمّا كان يوم الجمعة سابع عشر الشهر ركب السلطان للجمعة، فدخل قيصريّة ونزل دار السلطنة وجلس على التّخت وحضر بين يديه القضاة والفقهاء والصوفيّة والقرّاء وجلسوا فى مراتبهم على عادة ملوك السّلجوقيّة، فأقبل عليهم السلطان ومدّ لهم سماطا فأكلوا وانصرفوا، ثمّ حضر الجمعة بالجامع وخطب له، وحضّر بين يديه الدراهم التى ضربت له باسمه. وكتب إليه البرواناه يهنّئه بالجلوس على تخت الملك بقيصريّة، فكتب الملك الظاهر إليه بعوده ليولّيه مكانه، فكتب إليه يسأله أن ينتظره خمسة عشر يوما، وكان مراد البرواناه أن يصل أبغا ويحثّه على المسير ليدرك الملك الظاهر بالبلاد، فاجتمع تتاوون «2» بالأمير شمس الدين سنقر الأشقر وعرّفه مكر البرواناه فى ذلك، فكان ذلك سببا لرحيل الملك الظاهر عن قيصريّة مع ما انضاف إلى ذلك من قلق العساكر؛ فرحل يوم الاثنين، وكان على اليزك «3» عزّ الدين أيبك الشّيخىّ، وكان الملك الظاهر ضربه بسبب سبقه الناس فغضب وهرب إلى التّتار. وكان أولاد قرمان «4» قد رهنوا أخاهم الصغير علىّ بك بقيصريّة، فأخرجه الملك الظاهر وأنعم عليه، وسأل السلطان فى تواقيع وسناجق له ولإخوته فأعطاه، وتوجّه نحو إخوته بجبل لارندة «5» .

وعاد السلطان وأخذ فى عوده أيضا عدّة بلاد إلى أن وصل مكان المعركة يوم السبت، فرأى القتلى، فسأل عن عدّتهم فأخبر أنّ المغل خاصّة ستة آلاف وسبعمائة وسبعون نفسا؛ ثم رحل حتّى وصل أقجا دربند «1» ، بعث الخزائن والدّهليز والسناجق صحبة الأمير بدر الدين بيليك الخازندار ليعبر بها الدّربند، وأقام السلطان فى ساقة العسكر بقيّة اليوم ويوم الأحد، ورحل يوم الاثنين فدخل الدّربند. ثم سار إلى أن وصل دمشق فى سابع المحرّم سنة ست وسبعين وستمائة، ونزل بالجوسق المعروف بالقصر «2» الأبلق جوار الميدان الأخضر وتواترت عليه الأخبار بوصول أبغا ملك التّتار إلى مكان الوقعة، فجمع السلطان الأمراء وضرب مشورة، فوقع الاتفاق على الخروج من دمشق بالعساكر وتلقّيه حيث كان، فأمر الملك الظاهر بضرب الدّهليز على القصير، وفى أثناء ذلك وصل رجل من التّركمان وأخبر أنّ أبغا عاد إلى بلاده هاربا خائفا؛ ثمّ وصل الأمير سابق الدين بيسرى أمير مجلس الملك الناصر صلاح الدين، وهو غير بيسرى الكبير، وأخبر بمثل ما أخبر التركمانىّ، فعند ذلك أمر الملك الظاهر بردّ الدّهليز إلى الشام. وكان عود أبغا من ألطاف الله تعالى بالمسلمين، فإنّ الملك الظاهر فى يوم الجمعة نصف المحرّم من سنة ست وسبعين ابتدأ به مرض الموت.

ذكر مرض الملك الظاهر ووفاته

ذكر مرض الملك الظاهر ووفاته لمّا كان يوم الخميس رابع عشر المحرّم سنة ستّ وسبعين وستمائة جلس الملك الظاهر بالجوسق الأبلق بميدان دمشق يشرب القمزّ «1» وبات على هذه الحالة، فلمّا كان يوم الجمعة خامس عشره وجد فى نفسه فتورا وتوعّكا فشكا ذلك إلى الأمير شمس الدين «2» سنقر الألفىّ السلحدار فأشار عليه بالقىء، فاستدعاه فاستعصى عليه القىء، فلمّا كان بعد صلاة الجمعة ركب من الجوسق إلى الميدان على عادته، والألم مع ذلك يقوى عليه، وعند الغروب عاد إلى الجوسق. فلمّا أصبح اشتكى حرارة فى باطنه فصنع له بعض خواصّه دواء، ولم يكن عن رأى طبيب فلم ينجع وتضاعف ألمه، فأحضر الأطبّاء فأنكروا استعماله الدواء، وأجمعوا على استعمال دواء مسهل فسقوه فلم ينجع، فحرّكوه بدواء آخر كان سبب الإفراط فى الإسهال ودفع دما، فتضاعفت حمّاه وضعفت قواه، فتخيّل خواصّه أنّ كبده يتقطّع وأنّ ذلك عن سمّ سقيه فعولج بالجوهر، وأخذ أمره فى انحطاط، وجهده المرض وتزايد به إلى أن قضى نحبه يوم الخميس بعد صلاة الظهر الثامن والعشرين «3» من المحرّم، فاتّفق رأى الأمراء على إخفائه وحمله إلى القلعة لئلّا تشعر العامّة بوفاته، ومنعوا من هو داخل من المماليك من الخروج ومن هو خارج منهم من الدخول. فلمّا كان آخر الليل حمله من كبار الأمراء سيف الدين قلاوون الألفىّ وشمس الدين سنقر الأشقر، وبدر الدين بيسرى، وبدر الدين بيليك الخازندار، وعزّ الدين آقوس الأفرم،

وعزّ الدين أيبك الحموى، وشمس الدين سنقر الألفىّ الظاهرى، وعلم الدّين سنجر الحموىّ أبو خرص، وجماعة من أكابر خواصّه. وتولّى غسله وتحنيطه وتصبيره وتكفينه مهتاره «1» الشّجاع عنبر، والفقيه كمال الدين الإسكندرى المعروف بابن المنبجىّ «2» ، والأمير عز الدين الأفرم؛ ثم جعل فى تابوت وعلّق فى بيت من بيوت البحريّة بقلعة دمشق إلى أن حصل الاتّفاق على موضع دفنه. ثم كتب الأمير بدر الدين بيليك الخازندار إلى ولده الملك السعيد مطالعة بيده وسيّرها إلى مصر على يد بدر الدين بكتوت الجوكندارىّ الحموىّ، وعلاء الدين أيدغمش الحكيمىّ الجاشنكير، فلمّا وصلا وأوصلاه المطالعة خلع عليهما وأعطى كلّ واحد منهما خمسين ألف درهم، على أنّ ذلك بشارة بعود السلطان إلى الديار المصريّة. ولمّا كان يوم السبت ركب الأمراء إلى سوق الخيل بدمشق على عادتهم ولم يظهروا شيئا من زىّ الحزن. وكان أوصى أن يدفن على الطريق السالكة قريبا من داريّا «3» وأن يبنى عليه هناك، فرأى ولده الملك السعيد أن يدفنه داخل السور، فابتاع دار العقيقىّ بثمانية «4» وأربعين ألف درهم نقرة «5» ، وأمر أن تغيّر معالمها وتبنى مدرسة [للشافعية «6» والحنفية] : انتهى. وأمّا الملك السعيد فإنّه جهّز الأمير علم الدين سنجر الحموى المعروف بأبى خرص، والطواشى صفىّ الدين جوهر الهندىّ إلى دمشق لدفن والده الملك الظاهر، فلمّا وصلاها اجتمعا بالأمير عز الدين أيدمر نائب السلطنة بدمشق، وعرّفاه المرسوم

فبادر إليه، وحمل الملك الظاهر من القلعة إلى التّربة ليلا على أعناق الرجال، ودفن بها ليلة الجمعة خامس شهر رجب الفرد، وكان قد ظهر موته بدمشق فى يوم السبت رابع عشر صفر، وشرع العمل فى أعزيته بالبلاد الشاميّة والديار المصريّة. قال الأمير بيبرس «1» الدّوادار فى تاريخه- وهو أعرف بأحواله من غيره- قال: وكان القمر قد كسف كسوفا كاملا أظلم له الجوّ وتأوّل ذلك المتأولّون بموت رجل جليل القدر؛ فقيل: إنّ الملك الظاهر لمّا بلغه ذلك حذر على نفسه وخاف وقصد أن يصرف التأويل إلى غيره لعلّه يسلم من شرّه، وكان بدمشق شخص من أولاد الملوك الأيّوبيّة، وهو الملك القاهر بهاء الدين عبد الملك ابن السلطان الملك المعظّم عيسى ابن السلطان الملك العادل أبى بكر بن أيّوب، فأراد الظاهر، على ما قيل، اغتياله بالسمّ، فأحضره فى مجلس شرابه فأمر الساقى أن يسقيه قمزّا ممزوجا، فيما يقال، بسمّ، فسقاه الساقى تلك الكأس فأحسّ به وخرج من وقته، ثم غلط الساقى وملأ الكأس المذكورة وفيها أثر السمّ، ووقعت الكأس فى يد الملك الظاهر فشربه، فكان من أمره ما كان. انتهى كلام بيبرس الدّوادار باختصار. قلت: وهذا القول مشهور وأظنّه هو الأصحّ فى علّة موته، والله أعلم. وكانت مدّة ملكه تسع عشرة سنة وشهرين ونصفا، وملك بعده ابنه الملك السعيد ناصر الدين محمد المعروف ببركة خان؛ وكان تسلطن فى حياته من مدّة سنين حسب ما تقدّم ذكره. وكان الملك الظاهر رحمه الله ملكا شجاعا مقداما غازيا مجاهدا مرابطا خليقا بالملك خفيف الوطأة سريع الحركة يباشر الحروب بنفسه.

قال الحافظ أبو عبد الله الذهبىّ فى تاريخه بعد ما أثنى عليه: «وكان خليقا بالملك لولا ما كان فيه من الظّلم، والله يرحمه ويغفر له، فإنّ له أياما بيضا فى الإسلام ومواقف مشهورة وفتوحات معدودة» . انتهى كلام الذهبى باختصار. وقال الشيخ قطب الدين اليونينىّ فى الذّيل على مرآة الزمان فى موت «1» الملك الظاهر هذا نوعا ممّا قاله الأمير بيبرس الدّاوادار لكنّه زاد أمورا نحكيها، قال: حكى لى ابن شيخ «2» السلامية عن الأمير أزدمر العلائىّ نائب السلطنة بقلعة صفد قال: كان الملك الظاهر مولعا بالنجوم وما يقوله أرباب التقاويم، كثير البحث عن ذلك، فأخبر أنّه يموت فى سنة ستّ وسبعين ملك بالسمّ، فحصل عنده من ذلك أثر كبير، وكان عنده حسد شديد لمن يوصف بالشجاعة، واتّفق أنّ الملك القاهر عبد الملك بن المعظّم عيسى الآتى ذكره لمّا دخل مع الملك الظاهر إلى الروم، وكان يوم المصافّ، فدام الملك القاهر فى القتال فتأثّر الظاهر منه، ثم انضاف إلى ذلك أنّ الملك الظاهر حصل منه فى ذلك اليوم فتور على خلاف العادة، وظهر عليه الخوف والنّدم على تورّطه فى بلاد الروم، فحدّثه الملك القاهر عبد الملك المذكور بما فيه نوع من الإنكار عليه والتّقبيح لأفعاله، فأثّر «3» ذلك عنده أثرا آخر. فلمّا عاد الظاهر من غزوته سمع الناس يلهجون بما فعله الملك القاهر، فزاد على ما فى نفسه وحقد عليه، فخيّل فى ذهنه أنّه إذا سمّه كان هو الذي ذكره أرباب النجوم، فأحضره عنده ليشرب القمزّ معه، وجعل الذي أعدّه له من السمّ فى ورقة

فى جيبه من غير أن يطّلع على ذلك أحد، وكان للسلطان هنّا بات «1» ثلاثة مختصّة به مع ثلاثة سقاة لا يشرب فيها إلّا من يكرمه السلطان، فأخذ الملك الظاهر الكأس بيده وجعل فيه ما فى الورقة خفية، وأسقاه للملك القاهر وقام الملك الظاهر إلى الخلاء وعاد، فنسى الساقى وأسقى الملك الظاهر فيه وفيه بقايا السمّ. انتهى كلام قطب الدين. وخلّف الملك الظاهر من الأولاد: الملك السعيد ناصر الدين محمد بركة خان. ومولده فى صفر سنة ثمان وخمسين وستمائة بضواحى مصر، وأمّه بنت الأمير حسام الدين بركة خان بن دولة خان الخوارزمىّ. والملك [نجم الدين «2» ] خضرا، أمّه أم ولد. والملك بدر الدين سلامش. وولد له من البنات سبع. وأما زوجاته فأمّ الملك السعيد بنت بركة خان، وبنت الأمير سيف الدين نوكاى «3» التّتارىّ، وبنت الأمير سيف الدين كراى التّتارىّ، وبنت الأمير سيف نوغاى التّتارىّ، وشهرزوريّة تزوّجها لمّا قدم غزّة وحالف الشّهرزوريّة قبل سلطنته، فلما تسلطن طلّقها. وأمّا وزراؤه- لمّا تولى السلطنة استمرّ زين الدين يعقوب بن عبد الرفيع بن الزّبير، ثم صرفه واستوزر الصاحب بهاء الدّين علىّ بن محمد بن سليم بن حنّا. وكان للملك الظاهر أربعة آلاف مملوك مشتريات أمراء وخاصّكيّة «4» وأصحاب وظائف.

وأمّا سيرته وأحكامه وشرف نفسه حكى: أنّ الأشرف صاحب حمص كتب إليه يستأذنه فى الحجّ، وفى ضمن الكتاب شهادة عليه أنّ جميع ما يملكه انتقل عنه إلى الملك الظاهر، فلم يأذن له الملك الظاهر فى تلك السنة غضبا منه لكونه كتب ذلك، واتّفق أنّ الأشرف مات بعد ذلك فتسلّم الملك الظاهر حصونه التى كانت بيده ولم يتعرّض للتركة، ومكّن ورثته من الموجود والأملاك، وكان شيئا كثيرا إلى الغاية، ودفع الملك الظاهر إليهم الشهادة وقد تجنّبوا التّركة لعلمهم بالشهادة. ومنها أن شعرا «1» بانياس وهى إقليم يشتمل على أرض «2» كثيرة عاطلة بحكم استيلاء الفرنج على صفد، فلمّا افتتح صفد أفتاه بعض العلماء باستحقاق الشعرا فلم يرجع إلى الفتيا، وتقدّم أمره أنّ من كان له فيها ملك قديم فليتسلّمه. وأمّا صدقاته فكان يتصدّق فى كلّ سنة بعشرة آلاف إردب قمح فى الفقراء والمساكين وأرباب الزوايا، وكان يرتّب لأيتام الأجناد ما يقوم بهم على كثرتهم، ووقف وقفا على تكفين أموات الغرباء بالقاهرة ومصر، ووقفا ليشترى به خبز ويفرّق فى فقراء المسلمين، وأصلح قبر خالد بن الوليد- رضى الله عنه- بحمص، ووقف وقفا على من هو راتب فيه من إمام ومؤذّن وغير ذلك، ووقف على قبر أبى عبيدة بن الجرّاح- رضى الله عنه- وقفا مثل ذلك، وأجرى على أهل الحرمين والحجاز وأهل بدر وغيرهم ما كان انقطع فى أيّام غيره من الملوك.

وأمّا عمائره: المدارس والجوامع والأسبلة والأربطة فكثيرة، وغالبها معروفة به، وكان يخرج كلّ سنة جملة مستكثرة يستفكّ بها من حبسه القاضى من المقلّين، وكان يرتّب فى أوّل شهر رمضان بمصر والقاهرة مطابخ لأنواع الأطعمة، وتفرّق على الفقراء والمساكين. وأمّا حرمته ومهابته، منها: أنّ يهوديا دفن بقلعة جعبر عند قصد التّتار لها مصاغا وذهبا وهرب بأهله إلى الشام واستوطن حماة، فلمّا أمن كتب إلى صاحب حماة يعرّفه ويسأله أن يسيّر معه من يحفظه ليأخذ خبيئته ويدفع لبيت المال نصفه، فطالع صاحب حماة الملك الظاهر بذلك، فردّ عليه الجواب أنّه يوجّهه مع رجلين ليقضى حاجته؛ فلّما توجهوا مع اليهودىّ ووصلوا إلى الفرات امتنع من كان معه من العبور فعبر اليهودىّ وحده، فلمّا وصل وأخذ فى الحفر هو وابنه وإذا بطائفة من العرب على رأسه، فسألوه عن حاله فأخبرهم، فأرادوا قتله وأخذ المال، فأخرج لهم كتاب الملك الظاهر مطلقا إلى من عساه يقف عليه، فلمّا رأوا المرسوم كفّوا عنه وساعدوه حتّى استخلص ماله. ثم توجّهوا به إلى حماة وسلّموه إلى صاحب حماة، وأخذوا خطّه بذلك. ومنها: أنّ جماعة من التّجّار خرجوا من بلاد العجم قاصدين مصر، فلمّا مرّوا بسيس منعهم صاحبها من العبور، وكتب إلى أبغا ملك التّتار، فأمره أبغا بالحوطة عليهم وإرسالهم إليه، وبلغ الملك الظاهر خبرهم، فكتب إلى نائب حلب بأن يكتب إلى نائب سيس، إن هو تعرّض لهم بشىء يساوى درهما واحدا أخذت «1» عوضه مرارا، فكتب إليه نائب حلب بذلك فأطلقهم، وصانع أبغا بن هولاكو

على ذلك بأموال جليلة حتّى لا يخالف مرسوم الظاهر، وهو تحت حكم غيره لا تحت حكم الظاهر. ومنها: أن تواقيعه التى كانت بأيدى التّجار المتردّدين إلى بلاد القبجاق [بإعفائهم «1» من الصادر والوارد] كان يعمل بها حيث حلّوا من مملكة بركة خان ومنكوتمر وبلاد فارس وكرمان. ومنها: أنّه أعطى بعض التّجّار مالا ليشترى به مماليك وجوارى من التّرك فشرهت نفس التاجر فى المال فدخل به قراقوم «2» من بلاد التّرك واستوطنها، فوقع الملك الظاهر على خبره، فبعث إلى منكوتمر فى أمره فأحضروه إليه تحت الحوطة إلى مصر. وله أشياء كثيرة من ذلك. وكان الملك الظاهر يحبّ أن يطّلع على أحوال أمرائه وأعيان دولته حتى لم يخف عليه من أحوالهم شىء. وكان يقرّب أرباب الكمالات من كلّ فنّ وعلم. وكان يميل إلى التاريخ وأهله ميلا زائدا ويقول: سماع التاريخ أعظم من التجارب. وكانت ترد عليه الأخبار وهو بالقاهرة بحركة العدوّ، فيأمر العسكر بالخروج وهم زيادة على ثلاثين ألف فارس، فلا يبيت منهم فارس فى بيته، وإذا خرج من القاهرة لا يمكّن من العود «3» إليها ثانيا. قلت: كان الملك الظاهر- رحمه الله- يسير على قاعدة ملوك التّتار وغالب أحكام چنكز خان من أمر «اليسق والتّورا» ، واليسق: هو الترتيب، والتّورا:

المذهب باللغة التركية؛ وأصل لفظة اليسق: سى يسا، وهى لفظة مركبة من كلمتين صدر الكلمة: سى بالعجمى، وعجزها يسا بالتركىّ، لأنّ سى بالعجمى ثلاثة، ويسا بالمغلىّ الترتيب، فكأنّه قال: التراتيب الثلاثة. وسبب هذه الكلمة أنّ چنكز خان ملك المغل كان قسّم ممالكه فى أولاده الثلاثة، وجعلها ثلاثة أقسام، وأوصاهم بوصايا لم يخرجوا عنها التّرك إلى يومنا هذا، مع كثرتهم واختلاف أديانهم، فصاروا يقولون: سى يسا (يعنى التراتيب الثلاثة التى رتّبها چنكز خان) ، وقد أوضحنا هذا فى غير هذا الكتاب «1» بأوسع من هذا. انتهى. فصارت التّرك يقولون: «سى يسا» فثقل ذلك على العامّة فحرّفوها على عادة تحاريفهم، وقالوا: سياسة. ثم إنّ الترك أيضا حذفوا صدر الكلمة، فقالوا: يسا مدّة طويلة، ثم قالوا: يسق، واستمرّ ذلك إلى يومنا هذا. انتهى. قلت: والملك الظاهر هذا هو الذي ابتدأ فى دولته بأرباب الوظائف من الأمراء والأجناد، وإن كان بعضها قبله فلم تكن على هذه الصّيغة أبدا؛ وأمثّل لذلك مثلا فيقاس عليه، وهو أنّ الدّوادار كان قديما لا يباشره إلا متعمّم يحمل الدّواة ويحفظها. وأمير مجلس «2» هو الذي كان يحرس مجلس قعود السلطان وفرشه. والحاجب «3» هو البوّاب الآن، لكونه يحجب الناس عن الدخول؛ وقس على هذا. فجاء الملك الظاهر جدّد جماعة كثيرة من الأمراء والجند ورتّبهم فى وظائف:

كالدّوادار والخازندار «1» وأمير آخور والسّراخور «2» والسّقاة والجمداريّة «3» والحجّاب ورءوس النّوب «4» وأمير سلاح وأمير مجلس وأمير شكار «5» . فأمّا موضوع أمير سلاح فى أيّام الملك الظاهر فهو الذي كان يتحدّث على السّلاح داريّة، ويناول السلطان آلة الحرب والسّلاح فى يوم القتال وغيره، مثل يوم الأضحى وما أشبهه. ولم يكن إذ ذاك فى هذه المرتبة (أعنى الجلوس رأس ميسرة السلطان) ، وإنّما هذا الجلوس كان إذ ذاك مختصّا بأطابك «6» . ثم بعده فى الدولة الناصريّة محمد بن قلاوون برأس نوبة الأمراء كما سيأتى ذكره فى محلّه. وتأييد ذلك يأتى فى أوّل ترجمة الملك الظاهر برقوق، فإنّ برقوق نقل أمير سلاح قطلوبغا «7»

الكوكائىّ إلى حجوبيّة الحجّاب. وأمير مجلس كان موضوعها فى الدولة الظاهريّة بيبرس يتحدّث على الأطبّاء والكحّالين والمجبّرين، وكانت وظيفة جليلة أكبر قدرا من أمير سلاح. وأمّا الدّواداريّة فكانت وظيفة سافلة. كان الذي يليها أوّلا غير جندى، وكانت نوعا من أنواع المباشرة، فجعلها الملك الظاهر بيبرس على هذه الهيئة، غير أنّه كان الذي يليها أمير عشرة. ومعنى دوادار باللغة العجمية: ماسك الدّواة، فإنّ لفظة «دار» بالعجمىّ: ماسك، لا ما يفهمه عوامّ المصرييّن أنّ دارا هى الدار التى يسكن فيها، كما يقولون فى حقّ الزّمام: زمام الآدر؛ وصوابه زمام دار. وأوّل من أحدث هذه الوظيفة ملوك السّلجوقيّة. والجمدار، الجمى هى البقجة باللغة العجمية، ودار تقدّم الكلام عليه، فكأنّه قال: ماسك البقجة التى للقماش. وقس على هذا فى كلّ لفظ يكون فيه دار من الوظائف. وأمّا رأس نوبة فهى عظيمة عند التّتار، ويسمّون الذي يليها «يسوول» بتفخيم السين. والملك الظاهر أوّل من أحدثها فى مملكة مصر. والأمير آخور أيضا وظيفة عظيمة؛ والمغل تسمى الذي يليها «آق طشى» . وأمير آخور لفظ مركب من فارسى وعربى، فأمير معروف وآخور هو اسم المذود بالعجمىّ، فكأنّه يقول: أمير المذود الذي يأكل فيه الفرس. وكذلك السلاخورى وغيره؛ مما أحدثها «1» الملك الظاهر أيضا. وأمّا الحجوبيّة فوظيفة جليلة فى الدولة التركيّة، وليس هى الوظيفة التى كان يليها حجبة الخلفاء، فأولئك كانوا حجبة يحجبون الناس عن الدخول على الخليفة، ليس من شأنهم الحكم بين الناس والأمر والنهى؛ وهى ممّا جدده الملك

الظاهر بيبرس، لكنها عظمت فى دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون حتّى عادلت النّيابة «1» . وأمّا ما عدا ذلك من الوظائف فأحدثها الملك الناصر محمد بن قلاوون كما سيأتى بيانه فى تراجمه الثلاث من هذا الكتاب، بعد أن جدّد والده الملك المنصور قلاوون وظائف أخركما سيأتى ذكره أيضا فى ترجمته على ما شرطناه فى هذا الكتاب من أنّ كلّ من أحدث شيئا عزيناه له. وممّا أحدثه الملك الظاهر أيضا البريد فى سائر ممالكه، بحيث إنّه كان يصل إليه أخبار أطراف بلاده على اتّساع مملكته فى أقرب وقت. وأمّا ما افتتحه من البلاد وصار إليه من أيدى المسلمين فعدّة بلاد وقلاع. والذي افتتحه من أيدى الفرنج- خذلهم الله-: قيساريّة، وأرسوف، وصفد، وطبريّة، ويافا، والشّقيف، وأنطاكية، وبغراس، والقصير، وحصن الأكراد وعكّار «2» ، والقرين «3» ، وصافيثا، ومرقيّة. وناصفهم على المرقب وبانياس وبلاد أنطرطوس وعلى سائر ما بقى فى أيديهم من البلاد والحصون وغيرها. واستعاد من صاحب سيس دربساك، ودركوش، ورعبان «4» ، والمرزبان «5» وبلادا أخر. والذي

صار إليه من أيدى المسلمين: دمشق وبعلبك وعجلون وبصرى وصرخد والصّلت، وكانت هذه البلاد التى تغلّب عليها الأمير علم الدين سنجر الحلبى بعد موت الملك المظفّر قطز، لما تسلطن بدمشق وتلقّب بالملك المجاهد. انتهى. وحمص، وتدمر، والرّحبة، ودلويا «1» ، وتلّ باشر، وهذه البلاد انتقلت إليه عن الملك الأشرف صاحب حمص فى سنة اثنتين وستين «2» وستمائة. وصهيون وبلاطنس، وبرزيه، وهذه منتقلة إليه عن الأمير سابق الدين سليمان بن سيف الدين أحمد وعمّه عزّ الدين. وحصون الإسماعيلّية «3» وهى: الكهف، والقدموس، والمينقة «4» ، والعلّيقة، والخوابى «5» ، والرّصافة، ومصياف «6» ، والقليعة «7» . وأمّا انتقل إليه عن الملك المغيث ابن الملك العادل أبى بكر ابن الملك الكامل محمد ابن الملك العادل أبى بكر بن أيّوب: الشّوبك، والكرك. وما انتقل إليه عن التّتار: بلاد حلب الشماليّة بأسرها، وشيزر، والبيرة.

وفتح الله على يديه بلاد «1» النّوبة، وفيها من البلاد ممّا يلى أسوان جزيرة بلاق «2» ؛ ويلى

هذه البلاد بلاد «1» العلى وجزيرة «2» ميكائيل؛ وفيها بلاد وجزائر الجنادل «3» وهى

أيضا بلاد، ولمّا فتحها أنعم بها على ابن عمّ المأخوذة منه، ثم ناصفه عليها، ووضع عليه عبيدا وجوارى وهجنا وبقرا، وعن كلّ بالغ من رعيّته دينارا فى كلّ سنة. وكانت حدود مملكة الملك الظاهر من أقصى بلاد النّوبة إلى قاطع الفرات. ووفد عليه من التّتار زهاء عن ثلاثة آلاف فارس، فمنهم من أمره طبلخاناه، ومنهم من جعله أمير عشرة إلى عشرين، ومنهم من جعله من السّقاة، ثم جعل منهم سلحداريّة وجمداريّة ومنهم من أضافه إلى الأمراء. وأمّا مبانيه فكثيرة منها ما هدمه التّتار من المعاقل والحصون. وعمّر بقلعة الجبل دار الذهب، وبرحبة «1» الحبارج قبّة عظيمة محمولة على اثنى عشر عمودا من الرخام الملوّن، وصور فيها سائر حاشيته وأمرائه على هيئتهم، وعمّر بالقلعة أيضا طبقتين مطلّتين على رحبة الجامع «2» وأنشأ برج «3» الزاوية المجاورة لباب القلعة «4» ، وأخرج منه

رواشن، وبنى عليه قبّة وزخرف سقفها، وأنشأ جواره طباقا للمماليك أيضا. وأنشأ «1» برحبة باب القلعة دارا كبيرة لولده الملك السعيد، وكان فى موضعها حفير فعقد عليه ستة عشر عقدا، وأنشأ دورا كثيرة بظاهر القاهرة [ممّا يلى القلعة «2» وإصطبلات] برسم الأمراء، فإنّه كان يكره سكنى الأمير بالقاهرة مخافة من حواشيه على الرعيّة. وأنشأ حمّاما «3» بسوق الخيل لولده الملك السعيد، وأنشأ الجسر «4» الأعظم والقنطرة التى على الخليج، وأظنّها قنطرة «5» السّباع، وأنشأ الميدان بالبورجى «6» ونقل إليه النخيل بالثمن الزائد من الديار المصريّة، فكانت أجرة نقله ستة عشر ألف دينار، وأنشأ به

المناظر والقاعات والبيوتات. وجدّد جامع «1» الأنور (أعنى جامع الظافر العبيدىّ) المعروف الآن بجامع الفاكهيّين والجامع «2» الأزهر، وبنى جامع «3» العافية بالحسينيّة وأنفق عليه فوق الألف ألف درهم، وأنشأ قريبا منه زاوية «4» الشيخ خضر وحمّاما وطاحونا وفرنا وعمّر بالمقياس «5» قبّة رفيعة [مزخرفة «6» ] ، وأنشأ عدّة جوامع بالديار المصريّة؛ وجدّد قلعة الجزيرة «7» ، وقلعة العمودين «8» ببرقة، وقلعة «9» السّويس، وعمّر جسرا بالقليوبيّة، والقناطر على

بحر «1» أبى المنجّا وقنطرة بمنية السّيرج «2» ، وقنطرتين «3» عند القصير على بحر إبراش بسبعة أبواب مثل قنطرة بحر أبى المنجّا، وأنشأ فى الجسر الذي يسلك فيه إلى دمياط ستّ عشرة قنطرة، وبنى على خليج الإسكندرية قريبا من قنطرتها [القديمة «4» ] قنطرة عظيمة بعقد واحد، وحفر خليج الإسكندرية «5» وكان قد ارتدم بالطّين، وحفر بحر أشموم «6» ، وكان قد عمى، وحفر ترعة «7» الصلاح وخورسخا «8» وحفر المحامدى والكافورى، وحفر فى ترعة أبى الفضل ألف قصبة، وحفر بحر «9» الصّمصام بالقليوبيّة، وحفر بحر «10» سردوس.

وتمّم عمارة حرم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعمل منبره، وجعل بالضريح النّبوىّ درابزينا، وذهّب سقوفه وجدّدها وبيّض حيطانه؛ وجدّد البيمارستان بالمدينة النبويّة، ونقل إليه سائر المعاجين والأكحال والأشربة، وبعث إليه طبيبا [من الديار «1» المصريّة] . وجدّد فى الخليل عليه السلام قبّته، ورمّ شعثه وأصلح أبوابه [وميضأته «2» ] وبيّضه وزاد فى راتبه. وجدّد بالقدس الشريف ما كان قد تهدّم من [قبّة «3» ] الصخرة، وجدّد قبّة السلسلة وزخرفها وأنشأ بها خانا للسبيل، نقل بابه من دهليز كان للخلفاء المصريّين بالقاهرة، وبنى به مسجدا وطاحونا وفرنا وبستانا. وبنى على قبر موسى عليه السلام قبّة ومسجدا، وهو عند الكثيب الأحمر قبلى أريحا «4» ووقف عليه وقفا. وجدّد بالكرك برجين كانا صغيرين فهدمهما وغيّرهما «5» . ووسّع عمارة مشهد جعفر «6» الطيّار- رضى الله عنه- ووقف عليه وقفا زيادة على وقفه على الزائرين له والوافدين عليه. وعمر جسرا بقرية دامية بالغور على نهر الشّريعة، ووقف عليه وقفا برسم ما عساه يتهدّم منه. وأنشأ جسورا كثيرة بالغور والساحل.

وأنشأ قلعة قاقون «1» وبنى بها جامعا ووقف عليه وقفا، وبنى على طريقها حوضا للسبيل. وجدّد جامع مدينة الرملة، وأصلح جامعا لبنى أميّة «2» ووقف عليه وقفا. وعدّة جوامع ومساجد بالساحل. وجدّد باشورة لقلعة صفد وأنشأها بالحجر الهرقلىّ، وعمّر لها «3» أبراجا وبدنات، وصنع بغلات مصفّحة دائر الباشورة بالحجر المنحوت، وأنشأ بالقلعة صهريجا كبيرا مدرّجا من أربع جهاته، وبنى عليه برجا زائد [الارتفاع «4» ] ، قيل إن ارتفاعه مائة ذراع، وبنى تحت البرج حمّاما، وصنع الكنيسة جامعا وأنشأ رباطا ثانيا، وبنى حمّاما ودارا لنائب السلطنة. وكانت قلعة الصّبيبة قد أخربها التّتار، ولم يبقوا منها إلّا الآثار فجدّدها، وأنشأ لجامعها منارة، وبنى بها دارا لنائب السلطنة، وعمل جسرا يمشى عليه إلى القلعة. وكان التّتار قد هدموا شراريف قلعة دمشق، ورءوس أبراجها، فجدّد ذلك كلّه، وبنى فوق برج الزاوية المطلّ على الميادين وسوق الخيل طارمة كبيرة، وجدّد منظرة على قائمة مستجدّة على البرج المجاور لباب النصر، وبيّض البحرة وجدّد دهان سقوفها: وبنى حمّاما «5» خارج باب النصر بدمشق، وجدّد ثلاثة إسطبلات على الشّرف الأعلى، وبنى القصر الأبلق بالميدان بدمشق وما حوله من العمائر. وجدّد مشهد زين العابدين رضى الله عنه بجامع دمشق، وأمر بترخيم الحائط الشمالى،

وتجديد باب البريد «1» وفرشه بالبلاط. ورمّ شعث مغارة الدم «2» . وجدّد المبانى التى هدموها التّتار من قلعة صرخد. وجدّد قبر نوح عليه السلام بالكرك. وجدّد أسوار حصن الأكراد، وعمّر قلعتها. وعمّر جوامع ومساجد بالساحل يطول الشرح فى ذكرها حذفتها خوف الإطالة. وبنى فى أيامه بالديار المصريّة ما لم يبن فى أيام الخلفاء المصريّين، ولا ملوك بنى أيّوب من الأبنية والرّباع والخانات والقواسير والدّور والمساجد والحمّمات، من قريب مسجد التّبن «3» إلى أسوار القاهرة إلى الخليج وأرض «4» الطّبّالة، واتّصلت العمائر إلى باب المقسم «5» إلى اللّوق «6» إلى البورجى «7» ؛ ومن الشارع إلى الكبش «8»

وحدرة «1» ابن قميحة إلى تحت القلعة ومشهد «2» السيدة نفيسة رضى الله عنها إلى السّور القراقوشىّ «3» . وكلّ ذلك من كثرة عدله وإنصافه للرعيّة والنّظر فى أمورهم وإنصاف الضعيف من المستضعف والذّبّ عنهم من العدوّ المخذول رحمه الله وعفا عنه. ذكر ما كان ينوب دولته من الكلف- كانت عدّة العساكر بالديار المصريّة أيّام الملك الكامل محمد وولده الملك الصالح أيّوب عشرة آلاف فارس، فضاعفها أربعة أضعاف؛ وكان اولئك الذين كانوا قبله العشرة آلاف مقتصدين فى الملبوس والنفقات والعدد، وهؤلاء (أعنى عسكر الظاهر الأربعين ألفا) ، كانوا بالضدّ من ذلك؛ وكانت كلف ما يلوذ بهم من إقطاعهم، وهؤلاء كلفهم على الملك الظاهر؛ ولذلك تضاعفت الكلف فى أيّامه. فإنّه كان يصرف فى كلف مطبخ أستاذه الملك الصالح أيّوب ألّف رطل [لحم «4» ] بالمصرىّ خاصّة نفسه فى كلّ يوم؛

والمصروف فى مطبخ الملك الظاهر عشرة آلاف رطل كلّ يوم عنها وعن توابلها عشرون ألف درهم نقرة «1» ، ويصرف فى خزانة «2» الكسوة فى كل يوم عشرون ألف درهم، ويصرف فى الكلف الطارئة المتعلّقة بالرّسل والوفود فى كلّ يوم عشرون ألف درهم، ويصرف عن قرط دوابّه ودوابّ من يلوذ به فى كلّ سنة ثمانمائة ألف درهم، ويقوم بكلف الخيل والبغال والجمال والحمير من العلوفات خمس عشرة ألف عليقة فى اليوم، عنها ستمائة إردب؛ وما كان «3» يقوم به لمن أوجب نفقته وألزمها عليه تطحن وتحمل إلى المخابز المعدّة لعمل الجرايات خلا ما يصرف على أرباب الرواتب فى كلّ شهر عشرون ألف إردب؛ وذلك بالديار المصريّة خاصة. وهذا خلاف «4» الطوارئ التى كانت تفد عليه فما يمكن حصرها. وكلف أسفاره وتجديد السلاح فى كلّ قليل؛ وما كان عليه من الجوامك «5» والجرايات لمماليكه ولأرباب الخدم؛ فكان ديوانه يفى بذلك كلّه؛ ويحمل لحاصله جملة كبيرة فى السنة من الذهب. وكان سبب ذلك أنه رفع أيدى الأقباط من غالب تعلّقاته فافتقر أكثرهم فى أيّامه؛ وباشروا الصنائع كالتجارة والبناية؛ ولا زال أمرهم على ذلك حتى تراجع فى أواخر الدولة الناصريّة محمد بن قلاوون. انتهت ترجمة الملك الظاهر بيبرس، رحمه الله تعالى.

ونذكر بعض أحواله، إن شاء الله تعالى، فى حوادث سنينه كما هو عادة هذا الكتاب على سبيل الاختصار. وقد أطلت فى ترجمته وهو مستحقّ لذلك، لأنّه فرع فاق أصله، كونه كان من جملة مماليك الملك الصالح نجم الدين أيّوب فزادت محاسنه عليه. وأمّا من يأتى بعده فلا سبيل إليه. ويعجبنى فى هذا المعنى المقالة الثانية عشرة من قول الشيخ الإمام العالم العارف الرّبّانىّ شرف الدين عبد المؤمن بن هبة الله الأصفهانىّ المعروف بشوروة «1» رحمه الله فى كتابه الذي فى اللّغة وسمّاه «أطباق الذهب» يشتمل على مائة مقالة [واثنتين] أحسن فيها غاية الإحسان، وهى: «ليس الشريف من تطاول وتكاثر «2» ، إنّما الشريف من تطوّل وآثر؛ وليس المحسن من روى القرآن، إنّما المحسن من أروى الظمآن؛ وليس البرّ إبانة الحروف بالإمالة والاشباع، لكنّ البرّ إغاثة الملهوف بالإنالة والإشباع؛ ولا خير فى زكأة «3» لا يسدى معروفا، ولا بركة فى لبنة «4» لا تروى «5» خروفا؛ فوا [ها] «6» لك، لمن تدّخر أموالك! أنفق ألفك، قبل أن يقسم خلفك؛ إنّ منازل الخلق سواسية، إلّا من له يد مواسية؛ فأرفعهم أنفعهم، وأسودهم أجودهم، وأفضلهم أبذلهم؛ وخير الناس من سقى ملواحا «7» ،

ما وقع من الحوادث سنة 659

ونصب للجنّة ملواحا «1» ؛ والكرم نوعان، أحسنهما إطعام الجوعان؛ والحازم من قدّم الزاد لعقبة العقبى، وآتى المال على حبّه ذوى القربى» . انتهت المقالة. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. [ما وقع من الحوادث سنة 659] السنة الأولى من ولاية السلطان الملك الظاهر بيبرس البندقدارىّ على مصر، وهى سنة تسع وخمسين وستمائة، على أنّه حكم فى آخر السنة الماضية نحو الشهر. قلت: ودخلت سنة تسع وخمسين المذكورة وليس للمسلمين خليفة، وكان أوّلها يوم الاثنين لأيّام خلون من كانون أحد شهور الروم؛ وكانون بالقبطىّ كيهك. فدخلت السنة والسلطان بديار مصر الملك الظاهر بيبرس، وصاحب مكّة نجم الدين «2» أبو نمىّ بن أبى سعد الحسنىّ، وصاحب المدينة جمّاز بن شيحة الحسينىّ، وصاحب دمشق وبعلبكّ وبانياس والصّبيبة الأمير علم الدين سنجر الحلبىّ، تغلّب عليها وتسلطن وتلقّب بالملك المجاهد، ونائب حلب من قبل الملك الظاهر بيبرس الأمير حسام الدين لاچين الجوكندار العزيزىّ، وصاحب الموصل الملك الصالح إسماعيل ابن الملك الرحيم لؤلؤ، وصاحب جزيرة ابن عمر أخوه الملك المجاهد سيف الدين إسحاق بن لؤلؤ المذكور، وصاحب ماردين الملك السعيد نجم الدين إيلغازى الأرتقىّ، وصاحب بلاد الروم ركن الدين قليج أرسلان ابن السلطان غياث الدين كيخسرو بن علاء الدين كيقباد السّلجوقىّ وأخوه عزّ الدين كيكاوس،

والبلاد بينهما مناصفة، وصاحب الكرك والشّوبك الملك المغيث [فتح «1» الدين عمر] ابن الملك العادل ابن الملك الكامل ابن الملك العادل بن أيّوب، وصاحب حماة الملك المنصور «2» محمد الأيّوبىّ، وصاحب حمص وتدمر والرّحبة الملك الأشرف مظفّر الدين موسى، وصاحب مرّاكش من بلاد المغرب أبو حفص «3» عمر الملقّب بالمرتضى، وصاحب تونس أبو «4» عبد الله محمد بن أبى زكريّا، وصاحب اليمن الملك المظفّر «5» شمس الدين يوسف بن عمر التّركمانىّ من بنى رسول. وفيها كانت كسرة التّتار على حمص، وقد تقدّم ذكر ذلك. وفيها ملك السلطان الملك الظاهر دمشق وأخرج منها علم الدّين سنجر الحلبىّ، وولّى نيابتها الأمير علاء الدين أيدكين البندقدارىّ، أستاذ الملك الظاهر بيبرس هذا، الذي أخذه الملك الصالح نجم الدين أيّوب منه، حسب ما ذكرنا ذلك أوّل ترجمة الملك الظاهر. وفيها وصل الخليفة المستنصر بالله إلى القاهرة وبويع بالخلافة، وسافر صحبة الملك الظاهر إلى الشام، ثم فارقه وتوجّه إلى العراق فقتل، وقد مرّ ذكر ذلك كلّه أيضا. وفيها توفّى الملك الصالح نور الدين إسماعيل ابن الملك المجاهد أسد الدين شير كوه بن محمد بن أسد الدين شير كوه الكبير، كان الملك الصالح هذا صاحب حمص

ملكها بعد موت أبيه، وكان له اختصاص كبير بابن عمّه الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب حلب والشام، وكان الصالح هذا يدارى التّتار ولا يشاققهم، وآخر الأمر أنه قتل فى وقعة هولاكو بيد التّتار رحمه الله تعالى لمّا توجّه إليهم صبحبة الملك الناصر صلاح الدين يوسف المذكور، وكان عنده حزم وشجاعة. وفيها توفّى الشيخ الأديب الفقيه مخلص الدين إسماعيل بن عمر [بن «1» يوسف] ابن قرناص الحموىّ الشاعر المشهور، كان فصيحا شاعرا من بيت علم وأدب. ومن شعره رحمه الله تعالى: أمّا والله لو شقّت قلوب ... ليعلم ما بها من فرط حبّى لأرضاك الذي لك فى فؤادى ... وأرضانى رضاك بشقّ قلبى وفيها توفّى الملك السعيد إيلغازى نجم الدين [ابن «2» أبى الفتح أرتق بن إيلغازى ابن ألبى بن تمرتاش بن إيلغازى] الأرتقى صاحب ماردين، مات فى سادس صفر، وقيل فى ذى الحجّة سنة ثمان وخمسين. وفيها توفّى الشيخ الإمام الواعظ المحدّث أبو عمرو عثمان بن مكّى بن عثمان السّعدىّ الشّارعىّ الشّافعىّ، سمع الكثير واعتنى به والده فأسمعه من نفسه وغيره، وكان ينشد لأبى العتاهية: اصبر لدهر نال من ... ك فهكذا مضت الدّهور فرح وحزن مرّة ... لا الحزن دام ولا السّرور وفيها توفّى الأديب الفاضل نور الدين أبو الحسن علىّ بن يوسف بن أبى المكارم عبد الله الأنصارىّ المصرىّ المعروف بالعطّار، كان شاعرا فاضلا، مات قبل الأربعين سنة من عمره. ومن شعره ملغزا فى كوز الزّير:

وذى أذن بلا سمع ... له قلب «1» بلا لبّ مدى الأيّام فى خفض ... وفى رفع وفى نصب إذا استولى على الحبّ ... فقل ما شئت فى الصّبّ «2» وفيها كانت مقتلة السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف، وكنيته أبو المظفّر، ابن السلطان الملك العزيز محمد ابن السلطان الملك الظاهر غازى ابن السلطان صلاح الدين يوسف ابن الأمير نجم الدين أيّوب الأيّوبى الحلبىّ، وكان صاحب حلب ثم صاحب الشام. ولد بقلعة حلب فى شهر رمضان سنة سبع وعشرين وستمائة، وسلطنوه عند موت أبيه سنة أربع وثلاثين، وقام بتدبير مملكته الأمير شمس الدين لؤلؤ الأمينى، وعز الدين بن المحلى «3» ، والوزير الأكرم «4» جمال الدين القفطىّ، والطواشى جمال الدولة إقبال الخاتونىّ، والأمر كلّه راجع لأمّ [أبيه «5» ] الصاحبة صفيّة خاتون بنت الملك العادل أبى بكر بن أيّوب. وماتت سنة أربعين واستقلّ «6» الملك الناصر هذا وأمر ونهى. ووقع للملك الناصر هذا أمور ووقائع ومحن، وهو الذي كان الملك الظاهر بيبرس لمّا خرج من مصر فى نوبة البحريّة توجّه إليه وصار فى خدمته. وقد مرّ ذكره فى مواطن كثيرة من هذا الكتاب، من قدومه نحو القاهرة فى جفلة التّتار، ورجوعه من قطية «7» إلى البلاد الشاميّة، وغير ذلك، ثم آل أمره إلى أن توجّه إلى ملك التّتار هولاكو وتوجّه معه أخوه

الملك الظاهر سيف الدين غازى، وكان رشّح للملك، والملك الصالح نور الدين إسماعيل صاحب حمص المقدّم ذكره فى هذه السنة؛ ولمّا وصل الملك الناصر إلى هولاكو أحسن إليه وأكرمه إلى أن بلغه كسرة عين جالوت غضب عليه وأمر بقتله، فاعتذر إليه فأمسك عن قتله، لكن أعرض عنه، فلمّا بلغه كسرة بيدرا «1» على حمص قتله وقتل أخاه سيف الدين غازيا «2» المذكور، وقتل الملك الصالح نور الدين صاحب حمص وجميع من كان معه سوى ولده الملك العزيز. وكان الملك الناصر مليح الشكل إلّا أنّه كان أحول؛ وكان عنده فصاحة ومعرفة بالأدب، وكان كريما عاقلا فاضلا جليلا متجمّلا فى مماليكه وملبسه ومركبه، وكان فصيحا شاعرا لطيفا. قال ابن العديم «3» : أنشدنى لنفسه. (يعنى الملك الناصر هذا) . البدر يجنح للغروب ومهجتى ... لفراق مشبهه أسى تتقطّع والشّرب قد خاط النعاس جفونهم ... والصبح من جلبابه يتطلّع قال وأنشدنى لنفسه رحمه الله تعالى: اليوم يوم الأربعا ... فيه يطيب المرتعى يا صاحبى أما ترى ... شمل المنى قد جمّعا وقد حوى مجلسنا ... جلّ السرور أجمعا فقم بنا نشربها ... ثلاثة وأربعا

من كفّ ساق أهيف ... شبيه بدر طلعا فى خدّه وثغره ... ورد ودرّ صنعا يسطو ويرنو تارة ... والليث والظبى معا وله لمّا مرّت به التّتار على حلب، وهى خاوية على عروشها وقد تهدّمت والنّيران بها تعمل، فقال: يعزّ علينا أن نرى ربعكم يبلى ... وكانت به آيات حسنكم تتلى وله يشتاق إلى حلب ومنازلها: سقى «1» حلب الشّهباء فى كل لزبة ... سحابة غيث نوءها ليس يقلع فتلك ديارى لا العقيق ولا الغضا ... وتلك ربوعى لا زرود ولعلع قلت: وقد ذكرنا من محاسنه وفضله نبذة كبيرة فى تاريخنا «المنهل الصافى، والمستوفى بعد الوافى» إذ هو كتاب تراجم يحسن التطويل فيه. انتهى. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الجمال عثمان بن مكىّ ابن السّعدىّ الشارعىّ الواعظ فى شهر ربيع الآخر، وله خمس وسبعون سنة. وأبو الحسن محمد بن الأنجب «2» بن أبى عبد الله الصوفىّ فى رجب، وله ثلاث وثمانون سنة. وحافظ المغرب أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن سيّد الناس اليعمرىّ بتونس فى رجب، وله واحد وستون عاما. وكمال الدين أبو حامد محمد ابن القاضى صدر الدين عبد الملك بن عيسى بن درباس الصدر العدل فى شوّال، وله اثنتان وثمانون سنة. وصاحب الشام الملك الناصر يوسف بن العزيز قتل صبرا،

ما وقع من الحوادث سنة 660

وله اثنتان وثلاثون سنة، وقتل معه شقيقه الملك الظاهر غازى، والملك الصالح إسماعيل ابن الملك المجاهد أسد الدين شيركوه صاحب حمص. وتوفى بصهيون صاحبها مظفّر الدين عثمان بن منكورس فى شهر ربيع الأوّل عن سنّ عالية؛ تملّك بعد أبيه ثلاثا وثلاثين «1» سنة، وولى بعد ابنه محمد. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثلاث عشرة إصبعا. [ما وقع من الحوادث سنة 660] السنة الثانية من ولاية الملك الظاهر بيبرس على مصر، وهى سنة ستين وستمائة. فيها استولى الملك الظاهر بيبرس صاحب الترجمة على دمشق وبعلبكّ والصّبيبة وحلب وأعمالها خلا البيرة. وفيها استولى التّتار على الموصل، وقتلوا الملك الصالح صاحبها الذي كان خرج مع الخليفة المستنصر من ديار مصر؛ على ما يأتى ذكرهما فى محلّه من هذه السنة. وفيها توفّى الخليفة أمير المؤمنين المستنصر بالله أبو القاسم أحمد ابن الخليفة الظاهر بأمر الله محمد ابن الناصر لدين الله أحمد، الذي بويع بالقاهرة بالخلافة بعد شغور الخلافة نحو سنتين ونصف، وخرج الملك الظاهر بيبرس معه إلى البلاد الشاميّة، وقد مرّ ذكر قدومه القاهرة وبيعته وسفره وقتله ورفع نسبه إلى العبّاس رضى الله عنه فى ترجمة الملك الظاهر هذا، ولا حاجة للإعادة؛ ومن أراد ذلك فلينظره هناك.

وفيها قتل الملك الصالح إسماعيل ابن الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل. وقد ذكرنا وفوده على الملك وخروجه مع أخيه والخليفة المستنصر بالله المقدّم ذكره، فلا حاجة لذكره هنا ثانيا؛ قتل بأيدى التّتار فى ذى القعدة، وكان عارفا عادلا حسن السّيرة. وفيها توفّى الأمير سيف الدين بلبان «1» الزردكاش، كان من أعيان أمراء دمشق، وكان الأمير طيبرس «2» الوزيرى نائب الشام إذا خرج من الشام استنابه عليها، وكان ديّنا خيّرا. مات بدمشق فى ذى الحجّة. وفيها توفّى الحسن بن محمد بن أحمد بن نجا الشيخ الأديب أبو محمد الغنوىّ النّصيبىّ الشافعىّ الإربلىّ المنشأ الضّرير الملقّب بالعزّ. قال صاحب الذّيل على مرآة الزمان: المشهور بعدم الدّين والزّندقة. كان فاضلا فى العربيّة والنحو والأدب وعلوم الأوائل، منقطعا فى منزله يتردّد إليه من يقرأ عليه تلك العلوم، وكان يتردّد إليه جماعة من المسلمين واليهود والنصارى والسامرة يقرئ الجميع؛ قال: وكان يصدر عنه من الأقوال ما يشعر بانحلال عقيدته. ومات فى شهر ربيع الاخر بدمشق. ومن شعره قوله: توهّم واشينا بليل مزاره ... فهم ليسعى بيننا بالتباعد فعانقته حتّى اتحدنا تعانقا ... [فلمّا «3» ] أتانا ما رأى غير واحد قال الشهاب «4» محمود: ولمّا أنشدت هذين البيتين يعنى قول العزّ. توهم واشينا بليل مزاره

بين يدى الملك الناصر صلاح الدين صاحب دمشق قال: لا تلمه فإنّه لزمه «1» لزوم أعمى؛ فلمّا بلغ العزّ قول الملك الناصر؛ قال: والله هذا الكلام أحلى من شعرى. وفيها توفّى الشيخ الإمام العلّامة شيخ الإسلام عزّ الدين أبو محمد عبد العزيز ابن عبد السلام بن أبى القاسم بن الحسن بن محمد بن المهذّب السلمى الدّمشقىّ الشافعىّ المعروف بابن عبد السلام. مولده سنة سبع أو ثمان وسبعين وخمسمائة. قال الذهبىّ: وتفقّه على الإمام فخر «2» الدين ابن عساكر، وقرأ الأصول والعربيّة، ودرّس وأفتى وصنّف وبرع فى المذهب وبلغ رتبة الاجتهاد، وقصده الطلبة من الآفاق وتخرّج به أئمة، وله التصانيف المفيدة والفتاوى السديدة، وكان إماما ناسكا عابدا، وتولّى قضاء مصر القديمة مدّة، ودرّس بعدّة بلاد. ومات فى عاشر جمادى الأولى. وفيها توفّى الشيخ الإمام الواعظ عزّ الدين أبو محمد عبد العزيز ابن الشيخ الإمام العلّامة أبى المظفر شمس الدين يوسف بن قزأوغلى الدمشقىّ الحنفىّ هو ابن صاحب مرآة الزمان. كان عزّ الدين فقيها واعظا فصيحا مفتنّا درّس بعد أبيه فى المدرسة المعزّية ووعظ وكان لوعظه موقع فى القلوب، وكانت وفاته بدمشق فى شوّال ودفن عند أبيه بسفح قاسيون. وفيها توفّى الإمام العلّامة كمال الدين أبو القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله بن محمد ابن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير بن هارون بن موسى بن عيسى بن عبد الله

ابن محمد بن أبى جرادة عامر بن ربيعة بن خويلد بن عوف بن عامر بن عقيل العقيلىّ الحلبىّ الفقيه الحنفى الكاتب المعروف بابن العديم، ورفع نسبه بعض المؤرّخين إلى غيلان. مولده بحلب فى العشر الأوّل من ذى الحجّة سنة ستّ وثمانين وخمسمائة، وسمع الحديث من أبيه وعمّه أبى غانم «1» محمد ومن غيرهما، وحدّث بالكثير فى بلاد متعدّدة، ودرّس وأفتى وصنّف، وكان إماما عالما فاضلا مفتنّا فى علوم كثيرة، وهو أحد الرؤساء المشهورين والعلماء المذكورين. وأمّا خطّه ففى غاية الحسن يضاهى ابن البوّاب «2» الكاتب؛ وقيل: إنّه هو الذي اخترع قلم الحواشى، وعرّض بهذا فى شعره القيسرانىّ رحمه الله تعالى بقوله: بوجه معذّبى آيات حسن ... فقل ما شئت فيه ولا تحاشى ونسخة حسنة قرئت وصحّت ... وها خطّ الكمال على الحواشى وجمع لحلب تاريخا كبيرا فى غاية الحسن، ومات وبعضه مسودّة. قلت: وذيّل عليه القاضى علاء الدين «3» علىّ ابن خطيب الناصريّة قاضى قضاة الشافعية بحلب ذيلا «4» إلّا أنّه قصير إلى الرّكبة، وقفت عليه فلم أجده جال حول الحمى، ولا سلك فيه مسلك المذيّل عليه من الشروط، إلّا أنّه أخذ علم التاريخ بقوّة الفقه، على أنّه كان من الفضلاء العلماء ولكنّه ليس من خيل هذا الميدان، وكان يقال فى الأمثال: من مدح بما ليس فيه فقد تعرّض للضّحكة. انتهى.

ومحاسن ابن العديم كثيرة وعلومه غزيرة، وهم بيت علم ورياسة وعراقة. يأتى ذكر جماعة من ذرّيّته وأقاربه فى هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. ومن شعر الصاحب كمال الدين المذكور ممّا كتبه على ديوان الشيخ أيدمر «1» مولى وزير الجزيرة، وهو: وكنت أظنّ التّرك تختصّ أعين ... لهم إن رنت بالسّحر منها وأجفان إلى أن أتانى من بديع قريضهم ... قواف هى السحر الحلال وديوان فأيقنت أنّ السحر أجمعه «2» لهم ... يقرّ لهم هاروت فيه وسحبان ومن شعره أيضا رحمه الله وأجاد فيه إلى الغاية: فواعجبا من ريقها وهو طاهر ... حلال وقد أمسى علىّ محرّما هو الخمر لكن أين للخمر طعمه ... ولذّته مع أنّنى لم أذقهما الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال. وفيها توفّى العلّامة عزّ الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمىّ الدّمشقى بالقاهرة فى جمادى الأولى عن ثلاث وثمانين سنة. والصاحب كمال الدين عمر بن أحمد بن هبة الله بن العديم العقيلىّ بعد ابن عبد السلام بأيام، وكان له اثنتان وسبعون سنة. ونقيب الأشراف بهاء الدين علىّ بن محمد بن إبراهيم بن أبى الجنّ «3» الحسينىّ فى رجب عن إحدى وثمانين سنة. وضياء الدين عيسى بن سليمان التّغلبىّ فى رمضان، وله تسعون سنة. واستشهد فى المصافّ المستنصر بالله أحمد ابن الظاهر محمد ابن الناصر فى أوائل المحرّم بالعراق،

ما وقع من الحوادث سنة 661

وتفرّق جمعه. وقتلت التّتار فى ذى القعدة الملك الصالح ركن الدين إسماعيل بن لؤلؤ صاحب الموصل بعد الأمان. وفى شهر ربيع الآخر العزّ الضرير الفيلسوف حسن ابن محمد بن أحمد الإربلى، وله أربع وسبعون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وسبع أصابع. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا سواء. [ما وقع من الحوادث سنة 661] السنة الثالثة من ولاية السلطان الملك الظاهر بيبرس على مصر، وهى سنة إحدى وستين وستمائة. فيها بايع السلطان الملك الظاهر بيبرس المذكور الخليفة الحاكم بأمر الله أبا العباس أحمد ابن الأمير أبى علىّ الحسن؛ وقيل: ابن محمد بن الحسن بن علىّ القبّى ابن الخليفة الراشد، وهو التاسع والثلاثون من خلفاء بنى العبّاس، وهو أوّل خليفة من بنى العبّاس سكن بمصر ومات بها؛ وبويع يوم الخميس تاسع المحرّم من سنة إحدى وستين وستمائة، وكان وصوله إلى الديار المصريّة فى السنة الحاليّة. وفيها هلك ريدا «1» فرنس، واسمه بواش المعروف بالفرنسيس ملك الفرنج الذي كان ملك دمياط فى دولة الملك الصالح أيّوب. وفيها توفّى المحدّث الفاضل عزّ الدين أبو محمد عبد الرّزاق [بن رزق «2» الله] ابن أبى بكر بن خلف الرّسعنىّ «3» ، كان إماما فاضلا شاعرا محدّثا. ومن شعره: [و «4» ] لو أنّ إنسانا يبلّغ لوعتى ... وشوقى وأشجانى إلى ذلك الرّشا

لأسكنته عينى ولم أرضها له ... فلولا لهيب القلب أسكنته الحشا وفيها توفّى الأمير مجير الدين «1» أبو الهيجاء [بن «2» ] عيسى الأزكشىّ الكردىّ الأموىّ، كان عن أعيان الأمراء وشجعانهم، ولمّا ولى الملك المظفّر قطز السلطنة، وولّى الأمير علم الدين سنجر الحلبىّ نيابة الشام جعله مشاركا له فى الرأى والتدبير فى نيابة الشام، وكان الملك الأشرف موسى بن العادل سجنه «3» مدّة لأمر اقتضى ذلك. فلمّا كان فى السجن كتب بعض الأدباء يقول: يا أحمد ما زلت عماد الدين ... يا أشجع من أمسك رمحا بيمين لا تيئسنّ إن حصلت فى سجنهم ... ها يوسف قد أقام فى السجن سنين وكان مولده بمصر فى سنة ثمان وستين وخمسمائة؛ ومات فى جمادى الأولى بمدينة إربل. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى عبد الغنى بن سليمان ابن بنين البنانىّ فى شهر ربيع الأوّل، وله ستّ وثمانون سنة، وهو آخر من روى عن عمر «4» . والعلّامة علم الدين القاسم بن أحمد الأندلسىّ فى رجب بدمشق، وله ستّ وثمانون سنة. والإمام تقىّ الدين أبو القاسم عبد الرحمن بن مرهف النّاشرىّ «5» المصرىّ المقرئ فى شعبان، وله إحدى وثمانون سنة. والإمام كمال الدين علىّ بن شجاع ابن سالم العبّاسىّ الضّرير فى ذى الحجّة، وله تسعون سنة إلّا شهرا.

ما وقع من الحوادث سنة 662

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وسبع أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثلاث عشرة إصبعا. [ما وقع من الحوادث سنة 662] السنة الرابعة من ولاية السلطان الملك الظاهر بيبرس على مصر، وهى سنة اثنتين وستين وستمائة. فيها انتهت عمارة مدرسة «1» السلطان الملك الظاهر بيبرس ببين القصرين من القاهرة. وقد تقدّم ذكرها فى ترجمته. وفيها استدعى الملك الظاهر الأمير علاء الدين أيدكين البندقدارىّ إلى القاهرة؛ وأمره أن يجعل نائبه بحلب بعد خروجه الأمير نور الدين علىّ بن مجلّى ففعل ذلك، وقدم القاهرة؛ فلمّا وصل إليها عزله وأقام نور الدين عوضه فى نيابة حلب. وقد تقدّم أنّ علاء الدين أيدكين هو أستاذ الملك الظاهر بيبرس الذي اشتراه منه الملك الصالح نجم الدين أيّوب. وفيها كان الغلاء بديار مصر فبلغ الإردبّ القمح مائة «2» درهم وخمسة دراهم نقرة «3» ، والشّعير سبعين درهما الإردبّ، وثلاثة أرطال خبز بالمصرىّ بدرهم نقرة، ورطل اللحم بالمصرىّ وهو مائة وأربعة وأربعون درهما بدرهم «4» ؛ وكان هذا الغلاء عظيما بديار مصر. فلمّا وقع ذلك فرّق الملك الظاهر الفقراء على الأغنياء والأمراء وألزمهم بإطعامهم، ثم فرّق من شونه القمح على الزوايا والأربطة، ورتّب للفقراء

كلّ يوم مائة اردبّ مخبوزة تفرّق بجامع ابن طولون. ودام على ذلك إلى أن دخلت السنة الجديدة والمغلّ الجديد؛ وأبيع القمح فى الإسكندريّة فى هذا الغلاء الإردبّ بثلاثمائة وعشرين درهما. وفيها أحضر بين يدى السلطان طفل ميّت له رأسان «1» وأربع أعين وأربع أيد وأربع أرجل، فأمر بدفنه. وفيها توفّى القاضى كمال الدين أبو «2» العبّاس أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الأسدىّ الحلبىّ الشافعىّ المعروف بابن الأستاذ قاضى حلب، مولده سنة إحدى عشرة وستمائة، سمع الكثير وحدّث ودرّس، وكان فاضلا عالما مشكور السّيرة مات فى شوّال. وفيها توفّى شيخ الشيوخ الصاحب شرف الدين عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن «3» بن منصور الأنصارىّ الأوسىّ الدمشقىّ المولد الحموىّ الدار والوفاة الإمام الأديب العلّامة، مولده يوم الأربعاء ثانى عشرين جمادى الأولى سنة ستّ وثمانين وخمسمائة، وسمع الحديث وتفقّه وبرع فى الفقه والحديث والأدب، وأفتى ودرّس وتقدّم عند الملوك، وترسّل عنهم غير مرّة. وكانت له الوجاهة التامّة وله اليد الطّولى فى الترسّل والنظم، وشعره فى غاية الحسن. ومن شعره- رحمه الله- قوله: إنّ قوما يلحون فى حبّ سعدى ... لا يكادون يفقهون حديثا

سمعوا وصفها ولاموا عليها ... أخذوا طيّبا وأعطوا خبيثا وله رحمه الله: قلت وقد عقرب صدغا له ... عن شقّة الحاجب لم يحجب قدّست يا ربّ الجمال الذي ... ألّف بين النون والعقرب وله عفا الله عنه: مرضت ولى جيرة كلّهم ... عن الرّشد فى صحبتى حائد فأصبحت فى النقص مثل الذي ... ولا صلة لى ولا عائد وله غفر الله له: ولقد عجبت لعاذلى فى حبّه ... لمّا دجى ليل العذار المظلم أو ما درى من سنّتى وطريقتى ... أنّى أميل مع السواد الأعظم قلت: وقد استوعبنا ترجمة شيخ الشيوخ بأوسع من ذلك فى تاريخنا «المنهل الصافى» وذكرنا من محاسنه وشعره نبذة كبيرة، وكانت وفاته ليلة الجمعة ثامن شهر رمضان بحماة رحمه الله تعالى. وفيها توفّى الملك المغيث فتح الدين أبو الفتح عمر صاحب الكرك ابن السلطان الملك العادل أبى بكر محمد ابن السلطان الملك الكامل محمد ابن الملك العادل أبى بكر محمد ابن الأمير نجم الدين أيّوب الأيّوبىّ المصرىّ ثم الكركىّ. وقد ذكرنا من أمره نبذة كبيرة فى ترجمة عمّه الملك الصالح ثم من بعده فى عدّة تراجم لا سيما لمّا توجّه إليه الملك الظاهر بيبرس مع جماعة البحريّة، وأقام عنده وحرّكه على ملك مصر حسب ما تقدّم ذكر ذلك كلّه. انتهى.

قلت: ومولد الملك المغيث هذا بالديار المصريّة وربّى يتيما عند عمّاته القطبيّات بنات الملك العادل، والقطبيات عرفن بالقطبيات لأنهنّ أشقّاء الملك المفضّل «1» قطب الدين ابن الملك العادل، وبقى المغيث هذا عندهنّ إلى أن أخرج إلى الكرك واعتقل بها ثم ملكها بعد موت عمّه الملك الصالح نجم الدين أيّوب، ووقع له بها أمور، إلى أن قدم فى العام الماضى على الملك الظاهر بيبرس بمصر، فقبض عليه وقتله فى محبسه، رحمه الله تعالى، لما كان فى نفسه منه أيام كان بخدمته فى الكرك مع البحريّة. وفيها توفّى الأمير حسام الدين لاچين بن عبد الله العزيزىّ [الجوكندار «2» ] ، كان من أكابر الأمراء وأعظمهم، وكان شجاعا جوادا ديّنا له اليد البيضاء فى غزو التّتار، وكان يجمع الفقراء ويصنع لهم الأوقات «3» والسماعات، وكان كبير القدر عظيم الشأن، رحمه الله تعالى. وفيها توفّى الشيخ محيى الدين أبو بكر محمد بن محمد بن إبراهيم بن الحسين بن سراقة الأنصارىّ الأندلسىّ الشاطبىّ، كان فاضلا محدّثا، سمع الكثير وولى مشيخة دار الحديث بحلب، ثم ولى مشيخة الحديث بمصر بالمدرسة «4» الكامليّة وحدّث بها. ومن شعره، رحمه الله تعالى: وصاحب كالزّلال يمحو ... صفاؤه الشكّ باليقين لم يحص إلّا الجميل منّى ... كأنّه كاتب اليمين

قلت: وهذا بعكس قول الأديب شهاب «1» الدين المنازىّ، رحمه الله تعالى: وصاحب خلته خليلا ... وما جرى غدره ببالى لم يحص إلّا القبيح منّى ... كأنّه كاتب الشمال وفيها توفّى الملك الأشرف مظفّر الدين موسى ابن الملك المنصور إبراهيم بن الملك المجاهد أسد الدين شير كوه بن محمد ابن الملك المنصور أسد الدين شير كوه الكبير، ملك الأشرف هذا حمص بعد وفاة أبيه، وطالت مدّته به ووقع له أمور، وكان فيه مداراة، للتّتار واستمرّ على ذلك إلى أن توفى بحمص فى حادى عشر صفر قبل صلاة الجمعة، ودفن ليلا على جدّه الملك المجاهد أسد الدين شير كوه. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى المحدّث ضياء الدين علىّ بن محمد البالسىّ «2» فى صفر، وله سبع وخمسون سنة. وأبو عبد الله محمد بن إبراهيم الأنصارىّ البابشرقىّ فى شهر ربيع الأوّل. والحافظ رشيد الدين أبو الحسين يحيى ابن علىّ الأموىّ العطّار المالكىّ فى جمادى الأولى، وله ثمان وسبعون سنة. وأبو الطاهر إسماعيل بن «3» صارم الخيّاط بعده بأيام. والخطيب عماد الدين عبد الكريم [ابن «4» جمال الدين أبى القاسم عبد الصمد] بن محمد الأنصارىّ بن الحرستانىّ «5» فى جمادى الأولى. والورع الزاهد أبو القاسم بن منصور «6» فى شعبان. والإمام محيى الدين

ما وقع من الحوادث سنة 663

أبو بكر محمد بن محمد بن سراقة الشاطبىّ بمصر، وله سبعون سنة. وشيخ الشيوخ شرف الدين عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن الأنصارىّ بحماة فى رمضان. والملك المغيث فتح الدين عمر بن العادل أبى بكر بن الكامل محمد صاحب الكرك، أعدمه الملك الظاهر. والأمير الكبير حسام الدين لا چين الجوكندار العزيزىّ فى المحرّم، ودفن بقاسيون. وصاحب حمص الملك الأشرف موسى ابن المنصور إبراهيم بن أسد الدين بحمص فى صفر، وله خمس وثلاثون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وأربع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا واثنتا عشرة إصبعا. [ما وقع من الحوادث سنة 663] السنة الخامسة من ولاية الملك الظاهر بيبرس على مصر، وهى سنة ثلاث وستين وستمائة. فيها ولّى الملك الظاهر بيبرس من كلّ مذهب قاضيا وقد تقدّم ذكر ذلك. وفيها توفّى الأديب البارع شرف الدين محاسن [الكتبىّ «1» ] الصّورىّ، كان عالما فاضلا أديبا شاعرا، ومات فى شهر رجب. ومن شعره، رحمه الله: عتبت علىّ فقلت إن عاتبتها ... كان العتاب لوصلها استهلاكا وأردت أن تبقى المودّة بيننا ... موقوفة فتركت ذاك لذاك وفيها توفّى الأمير جمال الدين موسى بن يغمور بن جلدك بن بليمان «2» بن عبد الله أبو الفتح، مولده فى جمادى الآخرة سنة تسع وتسعين وخمسمائة بالقوب «3» من أعمال

قوص «1» بصعيد مصر وسمع الحديث، وتنقّل فى الولايات الجليلة مثل نيابة السلطنة بالقاهرة ونيابة دمشق، ولم يكن فى الأمراء من يضاهيه فى منزلته وشجاعته وقربه من الملوك، وكان أميرا جليلا خبيرا حازما سيوسا مدبّرا جوادا ممدّحا، وكان الملك الظاهر إذا عمل مشورة وتكلّم جمع خشداشيته من الأمراء فلا يصغى إلّا إلى قول ابن يغمور هذا ويفعل ما أشار به عليه. وكانت وفاته فى مستهلّ شعبان بالقصير «2» من أعمال الفاقوسيّة بين الغرابى والصالحيّة «3» . ومن شعره قوله: ما أحسن ما جاء كتاب الحبّ ... يبدى حرقا كأنّه عن قلبى فازددت بما قرأت شوقا وضمّا ... لا يبرّده إلا نسيم القرب الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى المحدّث معين الدين إبراهيم بن عمر بن عبد العزيز القرشىّ الزّكوىّ. والحافظ زين الدين أبو البقاء خالد ابن يوسف بن سعد النابلسىّ بدمشق، وله ثمان وسبعون سنة فى سلخ جمادى الأولى. والأمير الكبير جمال الدين موسى بن يغمور. والنجيب فراس بن علىّ بن زيد العسقلانىّ التاجر. وقاضى الديار المصريّة بدر الدين يوسف بن الحسن السّنجارىّ فى رجب. والشيخ أبو القاسم الحوّارىّ «4» الزاهد.

ما وقع من الحوادث سنة 664

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وإصبعان. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وأربع عشرة إصبعا. [ما وقع من الحوادث سنة 664] السنة السادسة من ولاية الملك الظاهر بيبرس على مصر، وهى سنة أربع وستين وستمائة. فيها توفّى شهاب الدين أبو العبّاس أحمد بن صالح، كان فاضلا أديبا. ومن شعره، رحمه الله، فى مكار مليح: علقته مكاريا ... شرّد عن عينى الكرى قد أشبه البدر فلا ... يملّ من طول السّرى وفيها توفّى طاغية التّتار وملكهم هولاكو وقيل هولاوون وقيل هولاو بن تولى خان بن چنكز خان المغلى التّركىّ، ملك مكان أبيه بعد موته وكان من أعظم ملوك التّتار، وكان حازما شجاعا مدبرا، استولى على الممالك والأقاليم فى أيسر مدّة، وفتح بلاد خراسان وأذربيجان وعراق العجم وعراق العرب والموصل والجزيرة وديار بكر والشام والروم والشرق وغير ذلك. وهو الذي قتل الخليفة المستعصم المقدّم ذكره، وكان على قاعدة المغل لا يتديّن بدين، وإنّما كانت زوجته ظفر خاتون قد تنصّرت، فكانت تعضد النصارى وتقيم شعائرهم فى تلك البلاد. وكان هولاكو سعيدا فى حروبه لا يروم أمرا إلّا ويسهل عليه، وكانت وفاته بعلّة الصّرع، وكان الصّرع يعتريه من عدّة سنين فى كلّ وقت، حتّى إنّه كان يعتريه فى اليوم الواحد المرّة والمرّتين والثلاث، ثم زاد به فمرض ولم يزل ضعيفا نحو شهرين وهلك، فأخفوا موته وصبّروه حتى حضر ولده أبغا وجلس مكانه فى الملك، وقيل: إنّه لم يدفن

ما وقع من الحوادث سنة 665

وعلّق بسلاسل، ومات وله ستّون سنة أو نحوها. وخلّف من الأولاد الذكور سبعة عشر ولدا: وهم أبغا الذي ملك بعده وأشموط وتمشين «1» وتكشى «2» وكان [تكشى «3» فاتكا] جبّارا، وأجاى وتستز «4» ومنكوتمر الذي التقى مع الملك المنصور قلاوون على حمص وانهزم جريحا، كما سيأتى ذكره إن شاء الله تعالى، وباكودر وأرغون وتغاى «5» تمر والملك أحمد وجماعة أخر. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو الفضل إسماعيل ابن إبراهيم بن يحيى القرشى بن الدّرجىّ فى صفر «6» . والشيخ جمال الدين أحمد بن عبد الله بن شعيب التّميمىّ فى شهر ربيع «7» الاخر، وله اثنتان وسبعون سنة. ورضىّ الدين إبراهيم بن البرهان عمر الواسطىّ التاجر بالإسكندرية فى رجب، وله إحدى وسبعون سنة، وخلّف أموالا عظيمة. والأمير الكبير جمال الدين أيدغدى العزيزىّ. والشيخ أحمد بن سالم المصرىّ النحوىّ فى شوّال بدمشق. والطاغية هولاكو بمراغة «8» . أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وسبع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا واثنتا عشرة إصبعا. [ما وقع من الحوادث سنة 665] السنة السابعة من ولايه الملك الظاهر بيبرس على مصر، وهى سنة خمس وستين وستمائة.

فيها توفّى بركة خان [بن توشى «1» ] بن چنكز خان ملك التّتار، هو ابن عمّ هولاكو المقدّم ذكره، وكانت مملكته عظيمة متّسعة جدّا وهى بعيدة عن بلادنا وله عساكر وافرة العدد، وكان بركة هذا يميل إلى المسلمين ميلا زائدا ويعظّم أهل العلم ويقصد الصلحاء ويتبرّك بهم. ووقع بينه وبين ابن عمّه هولاكو، وقاتله بسبب قتله للخليفة المستعصم بالله وغيره من المسلمين؛ وكان بينه وبين الملك الظاهر مودّة ويعظّم رسله، وكان قد أسلم هو وكثير من جنده وبنى المساجد وأقيمت الجمعة ببلاده، وكان جوادا عادلا شجاعا، ومات ببلاده فى هذه السنة وهو فى عشر الستين، وقام مقامه منكوتمر. وفيها توفّى الأمير ناصر الدين أبو المعالى حسين «2» بن عزيز بن أبى الفوارس القيمرىّ، كان من أكابر الأمراء وأجلّهم قدرا وأكبرهم شأنا، وكان شجاعا كريما عادلا، وكان الملك الظاهر قد جعله مقدّم العساكر بالساحل فتوجّه إليه فمات به مرابطا فى يوم الأحد ثالث عشر شهر ربيع الأوّل، وهو صاحب المدرسة القيمريّة «3» بدمشق، وكان عالى الهمة يضاهى السلاطين فى موكبه وخيله ومماليكه وحواشيه. وفيها توفّى القاضى تاج الدين عبد الوهاب بن خلف بن محمود بن بدر أبو محمد العلامىّ «4» الفقيه الشافعىّ المعروف بابن بنت الأعزّ، كان إماما عالما فاضلا وولى

المناصب الجليلة كنظر الدواوين والوزارة وقضاء القضاة ودرس بالشافعىّ، وكانت له مكانة عند الملك الظاهر، ومولده سنة أربع عشرة وستمائة، ومات ليلة السابع والعشرين من شهر رجب ودفن من الغد بسفح المقطّم. وفيها توفّى الشيخ الإمام المحدّث تاج الدين أبو الحسين علىّ بن أحمد بن علىّ ابن محمد بن الحسن «1» بن عبد الله بن أحمد بن ميمون القيسى المصرىّ المالكىّ المعروف بابن القسطلانيّ، ولد سنة ثمان وثمانين وخمسمائة بمصر، وبها تفقّه وسمع الحديث من جماعة كثيرة وحدّث بالكثير ودرّس وأفتى وتولّى مشيخة دار الحديث «2» الكامليّة بالقاهرة إلى أن مات بكرة السابع «3» والعشرين من شوّال ودفن من يومه بسفح المقطّم. وفيها توفّى الشيخ الإمام الفقيه المحدّث شمس الدين ملكشاه بن عبد الملك ابن يوسف بن إبراهيم المقدسىّ الأصل المصرىّ المولد الدّمشقىّ الدار الحنفىّ المعروف بقاضى بيسان «4» ، كان فقيها عالما فاضلا مفتنّا فى علوم، ولد بحارة زويله «5» بالقاهرة سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة ومات فى سادس عشر صفر بدمشق، رحمه الله. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو الحجّاج يوسف ابن مكتوم السّويدىّ «6» الحبّال. والشيخ الصالح الأثرىّ محمود بن أبى القاسم [اسفنديار «7» ابن بدران بن أيّان] الدّشتىّ «8» بالقاهرة فى رجب. وقاضى القضاة تاج الدين

ما وقع من الحوادث سنة 666

عبد الوهاب بن خلف بن بنت الأعزّ فى رجب، وله إحدى وستون «1» سنة. والعلّامة شهاب الدين أبو شامة أبو القاسم «2» عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسىّ ثم الدّمشقىّ فى رمضان، وله ستّ وستون سنة. والإمام تاج الدين علىّ ابن الشيخ أبى العبّاس أحمد بن على القسطلانيّ بمصر، وله سبع وسبعون سنة. والسلطان بركة خان بن توشى «3» بن چنكز خان. والأمير الكبير ناصر الدين حسين بن عزيز بن أبى الفوارس القيمرىّ صاحب القيمريّة «4» . أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وأربع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وأربع عشرة إصبعا. [ما وقع من الحوادث سنة 666] السنة الثامنة من ولاية الملك الظاهر بيبرس على مصر، وهى سنة ستّ وستين وستمائة. فيها توفّى الرئيس كمال الدين أبو يوسف أحمد بن عبد العزيز بن محمد بن عبد الرحيم بن الحسن بن عبد الله الحلبىّ المعروف بابن العجمىّ، كان شاعرا رئيسا عالما فاضلا حسن الخط والإنشاء، كتب للملك الناصر صلاح الدين يوسف، وكان من أعيان الكتّاب وأماثلهم، بلغ من العمر ستّا وأربعين سنة، ومات بظاهر صور من بلاد الساحل فى العشر «5» الأوّل من ذى الحجّة وحمل إلى ظاهر دمشق فدفن بها. ومن شعره فى خال مليح، قال:

وما خاله ذاك الذي خاله الورى ... على خده نقطا من المسك فى ورد ولكنّ نار الخدّ للقلب أحرقت ... فصار سواد القلب خالا على الخدّ قلت: يعجبنى قول ابن صابر «1» المنجنيقىّ فى هذا المعنى: أهلا بوجه كالبدر حسنا ... صيّرنى حبّه هلالا قد رقّ حتّى لحظت فيه ... سواد عينى فخلت خالا ومثل هذا أيضا قول القائل فى هذا المعنى، ولم أدر لمن هو غير أنّنى أحفظه قديما، وهو فى خال تحت العذار. له خال تغشّاه هلال ... يفوت العين إن نظرت إليه كشحرور تخبّأ فى سياج ... مخافة جارح من مقلتيه وفى هذا المعنى للعزّ الموصلىّ «2» وأبدع إلى الغاية: لحظت من وجنتها شامة ... فابتسمت تعجب من حالى قالت قفوا واستمعوا ما جرى ... قد هام عمّى الشيخ فى خالى وفى هذا المعنى: تفاخر الحسن فى انتساب «3» ... لمّا بدا خاله الأنيق فقالت العين ذا ابن أختى ... وقال لى الخدّ ذا شقيق وقد استوعبنا هذا النوع وغيره فى كتابنا «حلية الصفات فى الأسماء والصناعات» فلينظر هناك.

وفيها توفّى عفيف الدين أبو الحسن على بن عدلان بن حمّاد «1» بن علىّ الموصلىّ النحوىّ المترجم، كان إماما عالما أديبا مفتنّا شاعرا، مات بمصر فى يوم الجمعة تاسع شوّال. ومن شعره، رحمه الله: لا تعجبنّ إذا ما فاتك المطلب ... وعوّد النفس أن تشقى وأن تتعب إن دام ذا الفقر فى الدنيا فلا تعجب ... مات الكرام وما فيهم فتى أعقب وفيها توفّى السلطان ركن الدين كيقباد ابن السلطان غياث الدين كيخسرو ابن السلطان علاء الدين كيقباد بن كيخسرو بن قليج أرسلان بن مسعود بن قليج أرسلان بن سليمان بن قطلمش بن أتسز «2» بن إسرائيل بن سلجوق بن دقماق السّلجوقىّ صاحب الروم، كان ملكا جليلا شجاعا لكنّه كان غير سديد الرأى، كان جعل أمره بيد البرواناه فاستفحل أمر البرواناه، فأراد ركن الدين هذا قتله فعاجله البرواناه وعمل على قتله حتى قتل (وكيقباد بفتح الكاف وسكون الياء آخر الحروف وضم القاف وفتح الباء ثانية الحروف وبعد الألف دال مهملة ساكنة) . وكيخسرو مثل ذلك غير أن الخاء المعجمة مضمومة وبعدها سين مهملة ساكنة وراء مهملة مضمومة. وقليج أرسلان بكسر القاف واللام وسكون الياء والجيم معا. وأرسلان معروف. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أيّوب بن أبى بكر عمر «3» الحمّامى ابن الفقّاعىّ. ومجد الدين أحمد بن عبد الله [بن أبى الغنائم «4» المسلم بن

ما وقع من الحوادث سنة 667

حمّاد بن محفوظ] بن ميسرة الأزدىّ ابن الحلوانيّة فى شهر ربيع الأوّل. والشيخ القدوة إبراهيم بن عبد الله ابن الشيخ أبى عمر [محمد «1» بن أحمد بن محمد بن قدامة] المقدسىّ فى شهر ربيع الأوّل، وله ستون سنة. وأبو بكر عبد الله بن أحمد بن ناصر النّحّاس فى ذى «2» القعدة. وفيها قتلت التّتار السلطان ركن الدين كيقباد ابن السلطان غياث الدين كيخسرو ابن السلطان علاء الدين كيقباد صاحب الروم، وله ثمان وعشرون سنة وأجلسوا ولده كيخسرو على التخت وهو ابن عشر سنين. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا سواء. [ما وقع من الحوادث سنة 667] السنة التاسعة من ولاية الملك الظاهر بيبرس على مصر، وهى سنة سبع وستين وستمائة. فيها توفّى الأمير عز الدين أيدمر بن عبد الله الحلىّ «3» الصالحىّ النجمىّ، كان من أكبر أمراء الدولة وأعظمهم محلّا عند الملك الظاهر، وكان نائب السلطنة عنه بالديار المصرية فى غيبته عنها لوثوقه به واعتماده عليه، وكان قليل الخبرة لكن رزق السعادة. قلت: له أسوة بأمثاله. قال: وكان محظوظا «4» من الدنيا له الأموال الجمّة والمتاجر الكثيرة والأملاك الوافرة. وأمّا ما خلّفه من الأموال والخيول والجمال والبغال

ما وقع من الحوادث سنة 668

والعدد فيقصر الوصف عنه. ومات بقلعة دمشق فى يوم الخميس سابع شعبان ودفن بتربته بجوار مسجد الأمير موسى بن يغمور. ومات وقد نيّف على الستين. وفيها توفّى الشيخ المحدّث عماد الدين محمد بن محمد بن علىّ أبو عبد الله، كان فاضلا سمع الكثير، ومات بدمشق فى شهر ربيع الأوّل؛ ولما كان بحلب كتب إليه أخوه سعد الدين سعد يقول: ما للنّوى رقّة ترثى لمكتثب ... حرّان فى قلبه والدمع فى حلب قد أصبحت حلب ذات العماد بكم ... وجلّق إرما هذا من العجب الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى زين الدين إسماعيل ابن عبد القوىّ بن عزّون «1» الأنصارىّ فى المحرّم. والإمام مجد الدين علىّ بن وهب القشيرى [والد «2» ] ابن دقيق العيد. والحافظ زين الدين أبو الفتح محمد بن محمد [بن أبى بكر «3» ] الأبيوردىّ الصوفىّ فى جمادى الأولى. واللغوىّ مجد الدين عبد المجيد بن أبى الفرج [بن محمد «4» ] الرّوذراورىّ «5» بدمشق فى صفر. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وست عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وسبع أصابع. [ما وقع من الحوادث سنة 668] السنة العاشرة من ولاية الملك الظاهر بيبرس على مصر، وهى سنة ثمان وستين وستمائة.

فيها توفّى الشيخ موفّق الدين أبو العبّاس أحمد بن القاسم بن خليفة الخزرجىّ المعروف بابن أبى أصيبعة الحكيم الفاضل صاحب المصنّفات منها «طبقات الأطباء» . مات بصرخد فى جمادى الأولى، وقد نيّف على سبعين سنة، وكان فاضلا عالما فى الطّبّ والأدب والتاريخ وله شعر كثير، من ذلك ما مدح به الصاحب أمين «1» الدولة، وهى قصيدة طنّانة أوّلها: فؤادى فى محبّتهم أسير ... وأنّى «2» سار ركبهم يسير يحنّ إلى العذيب وساكنيه ... حنينا قد تضمّنه سعير ويهوى نسمة هبّت سحيرا ... بها من طيب نشرهم عبير وإنّى قانع بعد التّدانى ... بطيف من خيالهم يزور ومعسول اللّمى مرّ التجنّى ... يجور على المحبّ ولا يجير تصدّى للصدود ففى فؤادى ... بوافر هجره أبدا هجير وقد وصلت جفونى فيه سهدى ... فما هذى القطيعة والنفور وهى طويلة «3» كلّها على هذا النّمط. وفيها توفّى الأمير عزّ الدين أيبك بن عبد الله الظاهرىّ نائب حمص، كان فيه صرامه مفرطة، وكان موصوفا بالعسف والظلم وسيرة قبيحة، ومع هذه المساوئ كان أيضا فيه رفض. مات بحمص وفرح بموته أهل بلده.

وفيها توفّى الأمير عزّ الدين أيبك بن عبد الله المعروف بالزّرّاد، كان نائب قلعة دمشق، وكان من المماليك الصالحيّة النّجميّة، وكانت حرمته وافرة وسيرته جميلة. ومات فى ذى القعدة. وفيها توفّى موسى «1» بن غانم بن علىّ بن إبراهيم بن عساكر بن حسين الأنصارىّ المقدسىّ، كان كبير القدر صدرا كبيرا شجاعا وافر لحرمة، تولّى مشيخة الحرم بالقدس الشريف، وكان كريما وله سمعة وصيت. مات بالقدس فى المحرّم وقد جاوز سبعين سنة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى المحدّث زين الدين أحمد بن عبد الدائم بن نعمة المقدسى فى رجب، وله ثلاث وتسعون سنة. وقاضى القضاة محيى الدين يحيى بن محمد بن الزّكى القرشىّ فى رجب، وله اثنتان وسبعون سنة. وأبو حفص عمر بن محمد بن أبى سعد «2» الكرمانىّ الواعظ فى شعبان، وله ثمان وتسعون سنة. وفيها قتل فى المصافّ صاحب المغرب الملك أبو دبّوس «3» أبو العلاء [الواثق بالله] إدريس بن «4» عبد الله بن محمد المؤمنى. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع واثنتان وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا واثنتان وعشرون إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 669

[ما وقع من الحوادث سنة 669] السنة الحادية عشرة من ولاية الملك الظاهر بيبرس البندقدارىّ على مصر، وهى سنة تسع وستين وستمائة. فيها توفّى الشيخ شمس الدين أبو إسحاق إبراهيم بن المسلم بن هبة الله [المعروف «1» با] بن البارزىّ الفقيه الحموىّ الشافعىّ، مولده سنة ثمانين وخمسمائة، وكان فقيها فاضلا ورعا، وله شعر جيّد وأفتى ودرّس بمعرّة «2» النّعمان وغيرها، ومات فى شعبان بحماة. ومن شعره، رحمه الله، يصف دمشق: دمشق لها منظر رائق ... وكلّ إلى وصلها «3» تائق وأنّى يقاس بها بلدة ... أبى الله والجامع الفارق وفيها توفّى القاضى كمال الدين أبو السعادات أحمد بن مقدام بن أحمد بن شكر المعروف بابن القاضى الأعزّ، كان أحد الأكابر بالديار المصريّة متأهّلا للوزارة وغيرها، وتولّى المناصب الجليلة، وكان له يد فى النظم ومعرفة بالأدب ومشاركة فى غيره. ومات فى شهر رمضان بالقاهرة. وفيها توفّى الأمير علم الدين سنجر بن عبد الله الصّيرفىّ، كان من أعيان الأمراء بالديار المصريّة وممّن يخشى جانبه، فلمّا تمكّن الملك الظّاهر بيبرس أخرجه إلى دمشق ليأمن غائلته وأقطعه بها خبزا جيّدا، فدام به إلى أن مات ببعلبكّ وهو فى عشر الستين.

وفيها توفّى الأمير قطب الدين سنجر بن عبد الله المستنصرىّ البغدادىّ المعروف بالياغز «1» ، كان من مماليك الخليفة المستنصر بالله، وكان محترما فى الدولة الظاهريّة وعنده معرفة وحسن عشرة ومحاضرة بالأشعار والحكايات. وفيها توفّى الملك الأمجد تقىّ الدين عبّاس ابن الملك العادل أبى بكر محمد بن أيّوب ابن شادى، وكنيته أبو الفضل «2» ، كان محترما عند الملك الظاهر لا يرتفع عليه أحد فى المجالس، وهو آخر من مات من أولاد الملك العادل لصلبه، وكان دمث الأخلاق حسن العشرة لا تملّ مجالسته. ومات بدمشق فى جمادى الآخرة ودفن بسفح قاسيون. وفيها توفّى قطب الدين عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن محمد بن نصر ابن محمد بن سبعين أبو محمد المرسىّ الرّقوطىّ «3» الصوفىّ المعروف بابن سبعين. قال الذهبىّ فى تاريخ الإسلام: كان صوفيّا على قاعدة زهّاد الفلاسفة وتصوّفهم، وله كلام كثير فى العرفان على طريق الاتّحاد والزّندقة. وقد ذكرنا محطّ هؤلاء الجنس فى ترجمة ابن الفارض «4» وابن العربىّ «5» وغيرهما، فيا حسرة على العباد! كيف لا يغضبون لله تعالى ولا يقومون فى الذبّ عن معبودهم، تبارك الله وتقدّس فى ذاته عن أن يمتزج بخلقه أو يحلّ فيهم، وتعالى الله عن أن يكون هو عين السماوات والأرض وما بينهما، فإنّ هذا الكلام شرّ من مقالة من قال بقدم العالم.

ومن عرف هؤلاء الباطنيّة عذرنى أو هو زنديق مبطن للاتّحاد يذبّ عن الاتّحاديّة والحلوليّة، ومن لم يعرفهم فالله يثيبه على حسن قصده. ثم قال بعد كلام طويل: واشتهر عنه (يعنى عن ابن سبعين هذا) أنّه قال: لقد تحجّر ابن آمنة واسعا بقوله: " لا نبىّ بعدى". ثم ساق الذهبىّ أيضا من جنس هذه المقولة أشياء أضربت عنها إجلالا فى حقّ الله ورسوله لا لأجل هذا النّجس. قلت: إن صحّ عنه ما نقله الحافظ الذهبىّ وهو حجّة فى نقله فهو كافر زنديق مارق من الدين مطرود من رحمة الله تعالى. انتهى. والرّقوطىّ نسبة إلى حصن من عمل مرسية يقال له رقوطة. وفيها توفى الأمير شرف الدين أبو محمد عيسى بن محمد بن أبى القاسم بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن كامل الكردىّ الهكّارى، كان أحد أعيان الأمراء سمع الحديث وحدّث، ومولده سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة بالقدس، وكان أحد الأمراء المشهورين بالشجاعة والإقدام وله وقائع معدودة ومواقف مشهورة مع العدوّ بأرض الساحل؛ ولى الأعمال الجليلة وقدّمه الملك الظاهر بيبرس على العساكر فى الحروب غير مرّة، ومات بدمشق فى شهر ربيع الآخر. ومن شعره مما كتبه للوزير شرف الدين بن المبارك وزير إربل: أأحبابنا إن غبت عنكم وكان لى ... إلى غير مغناكم مراح وإيسام فما عن رضا كانت سليمى بديلة ... بليلى ولكن للضرورات أحكام وفيها توفّى محمد بن عبد المنعم بن نصر [الله «1» ] بن جعفر بن أحمد بن حوارى الفقيه الأديب أبو المكارم تاج الدين التّنوخى المعرّىّ الأصل الحنفىّ الدّمشقى المولد

والدار والوفاة المعروف بابن شقير. ولد سنة ست «1» وستمائة وسمع وحدّث بدمشق والقاهرة، وكان فقيها محدّثا فاضلا بارعا أديبا وعنده رياسة ومكارم ودماثة أخلاق وحسن محاضرة، وهو معدود من شعراء الملك الناصر [صلاح «2» الدين يوسف بن العزيز] ومات فى صفر. ومن شعره: قد أقبل الصيف وولّى الشّتا ... وعن قريب نشتكى الحرّا أما ترى البان بأغصانه ... قد قلب الفرو إلى برّا وقال، رحمه الله: وا حيرة القمرين منه إذا بدا ... وإذا انثنى وا خجلة الأغصان كتب الجمال وياله من كاتب ... سطرين فى خدّيه بالرّيحان قلت: ويعجبنى قول ابن «3» المعتزّ فى هذا المعنى وقد أبدع فى التشبيه فقال: كأنّ خطّ عذار شقّ عارضه ... ميدان آس على ورد ونسرين وخطّ فوق حجاب الدر شاربه ... بنصف صاد ودار الصّدغ كالنون ولمحمد بن يوسف [بن عبد «4» الله المعروف با] لخيّاط الدّمشقى فى معنى العذار: عدار حبّى دقيق معنى ... تجلّ عن حسنه الصفات حلا لرائيه وهو نبت ... هذا هو السكّر النّبات

ما وقع من الحوادث سنة 670

ولابن نباتة «1» : وبمهجتى رشأ يميس قوامه ... فكأنّه نشوان من شفتيه شغف العذار بخدّه ورآه قد ... نعست لواحظه فدبّ عليه وللصّفدىّ «2» : عيناه قد شهدت بأنّى مخطئ ... وأتت تخطّ عذاره تذكارا يا حاكم الحبّ اتّئد فى قتتى ... فالخطّ زور والشهود سكارى الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الشيخ حسن ابن أبى عبد الله بن صدقة الصّقلّىّ المقرئ فى شهر ربيع الأوّل وقد نيّف على سبعين. وشيخ السّبعينيّة «3» قطب الدين عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن سبعين المرسىّ بمكّة فى شوّال، وله خمس وخمسون سنة. ومجد الدين محمد بن إسماعيل بن عثمان ابن مظفّر «4» بن هبة الله بن عساكر فى ذى القعدة. وقاضى حماة شمس الدين إبراهيم ابن المسلم بن البارزىّ فى شعبان، وله تسع «5» وثمانون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ست أذرع وإحدى وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا واثنتا عشرة إصبعا. [ما وقع من الحوادث سنة 670] السنة الثانية عشرة من ولاية الملك الظاهر بيبرس على مصر، وهى سنة سبعين وستمائة.

فيها توفّى الملك الأمجد مجد الدين أبو محمد الحسن ابن الملك الناصر داود ابن الملك المعظّم عيسى ابن الملك العادل أبى بكر بن أيّوب، كان الملك الأمجد هذا من الفضلاء وعنده مشاركة جيّدة فى كثير من العلوم، وله معرفة تامّة بالأدب. وفيها توفّى الشيخ عماد الدين عبد الرحيم بن عبد الرحيم «1» بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن ابن الحسن بن عبد الرحمن بن طاهر بن محمد بن محمد بن الحسين الحلبىّ الشافعىّ المعروف بابن العجمىّ، كان فاضلا سمع الحديث وتفقّه وحدّث ودرّس وتولّى الحكم بمدينة الفيّوم «2» من أعمال مصر وغيرها وناب فى الحكم بدمشق، وكان مشكور السّيرة. ومات بحلب فى رابع «3» عشر شهر رمضان. ومولده فى سنة خمس وستمائة بحلب. وفيها توفّى الأديب أمين الدين «4» علىّ بن عثمان «5» بن علىّ بن سليمان بن علىّ بن سليمان ابن علىّ أبو الحسن «6» المعروف بأمين الدين السّليمانىّ الصوفى الإربلىّ الشاعر المشهور، ولد سنة اثنتين «7» وستمائة. ومات بمدينة الفيّوم من أعمال مصر فى جمادى الأولى، وكان فاضلا مقتدرا على النظم، وهو من أعيان شعراء الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب الشام، وكان أوّلا جنديّا ثم ترك ذلك وتزهّد. ومن شعره وقد أرسل إلى بعض الرؤساء هديّة فقال:

هديّة عبد مخلص فى ولائه ... لها شاهد منها على عدم المال وليست على قدرى ولا قدر مالكى ... ولكنّها جاءت على قدر الحال وقال رحمه الله: ألا فاحفظ لسانك فهو خير ... وطرفك واستمع نصحى ووعظى فربّ عداوة حصلت بلفظ ... وربّ صبابة حصلت بلحظ وفيها توفّى الرئيس الصدر عماد الدين أبو عبد الله محمد بن سالم بن الحسن بن هبة الله بن محفوظ بن الحسن بن محمد بن الحسن بن أحمد «1» بن الحسين بن صصرّى التّغلبىّ «2» ، البلدىّ «3» الأصل الدّمشقى المولد والدار والوفاة العدل الكبير، مولده سنة ثمان وتسعين وخمسمائة وسمع الكثير وحدّث، وكان شيخا جليلا من بيت العلم والحديث، وقد حدّث هو وأبوه وجدّه وجدّ أبيه وجدّ جدّه وغير واحد من بيته. ومات فى ذى القعدة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى العلّامة الكمال سلّار بن الحسن الإربلىّ الشافعىّ فى جمادى الآخرة، ومعين الدين أحمد ابن القاضى زين الدين علىّ بن يوسف الدمشقىّ العدل بمصر فى رجب. والإمام جمال «4» الدين عبد الرحمن بن سلمان «5» الحرّانىّ البغدادىّ «6» الحنبلىّ فى شعبان، وله خمس وثمانون سنة. والقاضى عماد الدين أبو عبد الله محمد بن سالم بن الحسن بن هبة الله الدّمشقى ابن

ما وقع من الحوادث سنة 671

صصرىّ فى ذى القعدة. والملك الأمجد السيد الجليل حسن ابن الناصر داود صاحب الكرك فى جمادى الأولى كهلا. والصدر وجيه الدين محمد بن علىّ [بن «1» أبى طالب] ابن سويد التّكريتىّ التاجر فى ذى القعدة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وإصبعان. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وإحدى عشرة إصبعا. [ما وقع من الحوادث سنة 671] السنة الثالثة عشرة من ولاية الملك الظاهر بيبرس على مصر، وهى سنة إحدى وسبعين وستمائة. فيها توفّى الأديب الفاضل مخلص الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن هبة الله ابن أحمد بن قرناص الخزاعى «2» الحموىّ الشاعر المشهور، كان أديبا فاضلا وله اليد الطّولى فى النظم، ومات بحماة يوم الأحد رابع شوّال. ومن شعره: ليلى وليلك يا سؤلى ويا أملى ... ضدان هذا به طول وذا قصر وذاك أنّ جفونى لا يلمّ بها ... نوم وجفنك لا يحظى به السّهر قلت: وهذا يشبه قول «3» القائل وما أدرى أيهما أسبق إلى هذا المعنى وهو: ليلى وليلى نفى نومى اختلافهما ... بالطّول والطّول يا طوبى لو اعتدلا يجود بالطّول ليلى كلّما بخلت ... بالطّول ليلى وإن جادت به بخلا

وفيها توفّى الشريف شرف الدين أبو عبد الله محمد بن رضوان بن علىّ بن أبى المظفّر بن أبى العتاهية المعروف بالشريف الناسخ. مات بدمشق فى شهر ربيع الآخر، وكان من الفضلاء وله مشاركة فى كثير من العلوم وله اليد الطّولى فى النظم والنثر. ومن شعره: عانقته عند الوداع وقد جرت ... عينى دموعا كالنّجيع القانى ورجعت عنه وطرفه فى فترة ... يملى علىّ مقاتل الفرسان قلت: وما أحسن قول القاضى ناصح «1» الدين الأرّجانىّ فى هذا المعنى: إذا رأيت الوداع فاصبر ... ولا يهمّنك البعاد وانتظر العود عن قريب ... فإنّ قلب الوداع عادوا وأجاد أيضا من قال فى هذا المعنى: فإن سرت بالجثمان عنكم فإنّنى ... أخلّف قلبى عندكم وأسير فكونوا عليه مشفقين فإنّه ... رهين لديكم فى الهوى وأسير وفيها توفّى المحدّث شرف الدين أبو المظفّر يوسف بن الحسن بن بدر بن الحسن ابن مفرّج بن بكّار النّابلسى الأصل الدّمشقىّ المولد والدار والمنشأ والوفاة المحدّث المشهور، كان فاضلا وسمع الكثير وحدّث، وكانت لديه فضيلة ومشاركة ومعرفة بالأدب. ومن شعره: عرّج بعيسك واحبس أيّها الحادى ... عند الكثيب وعرّس يمنة الوادى

ما وقع من الحوادث سنة 672

واقر السّلام على سكّان كاظمة ... منّى وعرّض بتهيامى وتسهادى وقل محبّ بنار الشّوق محترق ... أودى به الوجد خلّفناه بالنّادى «1» الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الحافظ شرف الدين أبو المظفّر يوسف بن الحسن بن النابلسى الدّمشقىّ فى المحرّم. وخطيب المقياس «2» أبو الفتح عبد الهادى بن عبد الكريم القيسىّ المقرئ، وله أربع وتسعون سنة فى شعبان. والمحدّث شمس الدين محمد بن عبد المنعم بن عمّار بن هامل «3» الحرّانىّ فى رمضان. وأبو العبّاس أحمد بن هبة الله بن أحمد السّلمىّ الكهفى «4» فى رجب. وصاحب «التعجيز «5» » الإمام تاج الدين أبو القاسم عبد الرحيم بن محمد بن محمد ابن يونس «6» الموصلىّ فى جمادى الأولى ببغداد، وله ثلاث وسبعون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وإحدى عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثلاث عشرة إصبعا. [ما وقع من الحوادث سنة 672] السنة الرابعة عشرة من ولاية الملك الظاهر بيبرس على مصر، وهى سنة اثنتين وسبعين وستمائة.

فيها ملك الملك الظاهر بيبرس برقة «1» بعد حروب كثيرة. وفيها توفّى الصاحب محيى الدين أحمد بن علىّ بن محمد بن سليم الصاحب محيى الدين أبو العباس ابن الصاحب بهاء «2» الدين بن حنّا فى ثامن شعبان بمصر ودفن بسفح المقطّم، ووجد عليه والده وجدا شديدا، وعملت له الأعزية والختم، وكان فاضلا وسمع من جماعة وحدّث ودرّس بمدرسة «3» والده التى أنشأها بزقاق القناديل بمصر إلى حين وفاته. وفيها توفى المحدّث مؤيّد الدين أبو المعالى أسعد بن المظفر بن أسعد بن حمزة بن أسد بن علىّ بن محمد التّميمىّ المعروف بابن القلانسىّ، مولده بدمشق سنة ثمان أو تسع وتسعين وخمسمائة، وسمع الكثير وحدّث بدمشق ومصر، وهو من البيوتات

المشهورة بالحديث والعدالة والتقدّم. ومات فى ثالث [عشر «1» ] المحرّم ببستانه ظاهر دمشق، وكان وافر الحرمة متأهّلا للوزارة كثير الأملاك واسع الصدر وفيها توفّى الأمير فارس الدين أقطاى بن عبد الله الأتابكىّ المعروف بالمستعرب الصالحىّ النجمىّ، كان من أكابر الأمراء وأعيانهم، وكان الملك المظفّر قطز قرّبه وجعله أتابكا وعلّق جميع أمور المملكة به. فلمّا تسلطن الملك الظاهر قام معه وحلف له وسلطنه فلم يسع الملك الظاهر إلّا أن أبقاه على حاله، وصار الظاهر فى الباطن يتبرّم منه ولا يسعه إلّا تعظيمه لعدم وجود من يقوم مقامه، فإنّه كان من رجال الدهر حزما وعزما ورأيا، فلمّا أنشأ الملك الظاهر بيليك الخازندار أمره بملازمته والاقتباس منه فلازمه مدّة، فلمّا علم الظاهر منه الاستقلال جعله مشاركا له فى الجيش، وقطع الرواتب التى كانت لأقطاى المذكور؛ فجمع أقطاى نفسه وتعلّل قريب السنة وصار يتداوى إلى أن مات، وكان أظهر أن به طرف «2» جذام ولم يكن به شىء من ذلك، رحمه الله تعالى. وفيها توفّى مجاهد «3» بن سليمان بن مرهف بن أبى الفتح التّميمىّ المصرىّ الخياط الشاعر المشهور، وكان يعرف بابن أبى الربيع. مات فى جمادى الآخرة بالقرافة الكبرى، وكان بها سكنه وبها دفن، وكان فاضلا أديبا. ومن شعره فى أبى الحسين الجزّار وكان بينهما مهاجاة:

أبا الحسين تأدّب ... ما الفخر بالشّعر فخر وما ترشّحت «1» منه ... بقطرة وهو بحر وفيه يقول أيضا: إن تاه جزاركم عليكم ... بفطنة عنده وكيس فليس يرجوه غير كلب ... وليس يخشاه عير تيس ومن شعره قوله: لغز فى إبرة وكستبان: ثلاثة فى أمر خصمين ... إلفين لكن غير إلفين هما قريبان وإن فرّقت ... بينهما الأيام فرقين فواحد يعضده «2» واحد ... ويعضد الآخر باثنين تراهما بينهما وقعة ... إذ تقع العين على العين وفيها توفّى الشيخ الإمام أبو عبد الله محمد بن سليمان [بن محمد «3» بن سليمان] بن عبد الملك بن علىّ المعافرىّ الشاطبىّ المقرئ الزاهد نزيل الإسكندرية، قرأ بالسّبع فى الأندلس وبرع فى القراءات والتفسير وله تفسير صغير. ومات فى العشرين من شهر رمضان، وله سبع وثمانون سنة. وفيها توفّى الشيخ الإمام العلّامة فريد عصره جمال الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله [بن «4» عبد الله] بن مالك النحوىّ الجيّانىّ «5» الشافعىّ الطائىّ العالم المشهور

صاحب التصانيف فى النحو والعربيّة نزيل دمشق مولده سنة إحدى وستمائة، وسمع الحديث وتصدّر بحلب لإقراء العربيّة، وصرف همّته إلى النحو حتى بلغ فيه الغاية، وصنّف التصانيف المفيدة، وكان إماما فى القراءات، وصنّف فيها أيضا قصيدة مرموزة فى مقدار الشاطبيّة، وكان إماما فى اللّغة. قلت: وشهرته تغنى عن الإطناب فى ذكره. ومات فى ثانى عشر شعبان وقد نيّف على السبعين، رحمه الله تعالى. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى مؤيّد الدين أسعد ابن المظفّر التّميمىّ ابن القلانسىّ عن ثلاث وسبعين سنة فى المحرّم، والسيد تجيب الدين عبد اللطيف بن أبى محمد عبد المنعم [بن علىّ «1» بن نصر بن منصور بن هبة الله أبو الفرج ابن الإمام الواعظ أبى محمد] بن الصّيقل الحرانىّ فى صفر، وله خمس وثمانون سنة. والمسند تقىّ الدين إسماعيل بن إبراهيم بن أبى اليسر [شاكر «2» بن عبد الله] التّنوخىّ الكاتب فى صفر، وله ثلاث وثمانون سنة. وأبو عيسى عبد الله بن عبد الواحد ابن محمد [بن «3» عبد الواحد] بن علّاق الأنصارىّ الرزاز «4» فى شهر ربيع الأوّل عن ستّ وثمانين سنة. والقاضى كمال الدين عمر بن بندار التّفليسىّ بمصر فى شهر ربيع الأوّل وقد جاوز السبعين. والمحدّث نجم الدين علىّ بن عبد الكافى الرّبعىّ الشافعىّ فى شهر ربيع الآخر شابّا. والشيخ كمال الدين عبد العزيز بن عبد المنعم فى شعبان عن ثلاث وثمانين سنة. والعلّامة جمال الدين محمد بن عبد الله [بن عبد الله] بن مالك الطائى الجيّانىّ فى شعبان عن نحو سبعين سنة. والأمير الكبير أتابك المستعرب، واسمه

ما وقع من الحوادث سنة 673

فارس الدين أقطاى الصالحىّ، وقد ولى نيابة المظفر قطز؛ توفى فى جمادى الأولى، والزاهد الكبير الشيخ محمد بن سليمان [بن محمد بن سليمان] الشاطبىّ بالإسكندريّة وخواجا [محمد بن محمد بن الحسن «1» أبو عبد الله] نصير [الدين «2» ] الطّوسىّ فى ذى الحجة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وإحدى وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وست أصابع. [ما وقع من الحوادث سنة 673] السنة الخامسة عشرة من ولاية الملك الظاهر بيبرس على مصر، وهى سنة ثلاث وسبعين وستمائة. فيها كانت أعجوبة فى السابع والعشرين من شعبان وهو أنّه وقع رمل بمدينة الموصل ظهر من القبلة وانتشر يمينا وشمالا حتى ملأ الآفاق وعمّيت الطّرق، فخرج العالم إلى ظاهر البلد، ولم يزالوا يبتهلون إلى الله تعالى بالدعاء إلى أن كشف الله ذلك عنهم. وفيها توفّى الأمير شهاب الدين أبو العبّاس أحمد بن موسى بن يغمور بن جلدك. وقد تقدّم ذكر والده الأمير جمال الدين موسى، كان شهاب «3» الدين هذا، مروفا بالشجاعة والشهامة والصّرامة والحرمة، ولّاه الملك الطاهر المحلّة «4» وأعمالها من الغربيّة من إقليم مصر، فهذّبها ومهّد قواعدها وأباد المفسدين بها بحيث إنّه قطع من الأيدى والأرجل ما لا يحصى كثرة، وشنق ووسّط فخافه البرىء والسقيم. ومات بالمجلّة فى الرابع والعشرين «5»

من جمادى الأولى، وكان عنده رياسة وحشمة وبرّ لمن يقصده؛ وله نظم وعنده فضيلة. ومن شعره يخاطب الأمير «1» علم الدين الدّوادارى: إن صددتم عن منزلى فلكم في ... هـ ثناء كنشر روض بهىّ أو رددتم فأنا المحبّ الذي من ... آل موسى فى الجانب الغربىّ وله: خطب أتى مسرعا فآذى ... أصبح جسمى به جداذا خضّد «2» قلبى وعمّ غيرى ... يا ليتنى متّ قبل هذا وله فى مليح نحوىّ: ومليح تعلّم النحو يحكى ... مشكلات له بلفظ وجيز ما تميزت حسنه قطّ إلّا ... قام أيرى نصبا على التمييز وفيها هلك بيمند الفرنجىّ متملّك طرابلس بها فى العشر الأوّل من شهر رمضان ودفن فى كنيسة بها، ونملّك بعده ابنه، وكان حسن الشكل مليح الصورة. وفيها توفّى الشيخ الإمام أبو محمد شمس الدين عبد الله ابن شرف الدين محمد بن عطاء الأذرعىّ «3» الأصل الدّمشقىّ الوفاة الحنفىّ، كان إماما فقيها مفتيا عالما مفتّنا، أفتى ودرّس بعدّة مدارس، وهو أوّل قاض ولى القضاء استقلالا بدمشق من الحنفيّة فى العصر الثانى. وأمّا أوّل الزمان فوليها جماعة كثيرة من العلماء فى أوائل الدولة العبّاسيّة. وحسنت سيرته فى القضاء إلى الغاية؛ وقصّته مع الملك الظاهر بيبرس مشهورة لمّا أوقع الظاهر الحوطة على الأملاك والبساتين بدمشق، وقعد

الظاهر فى دار العدل بدمشق وجرى الحديث فى هذا المعنى بحضور القضاة الأربعة والعلماء وغيرهم، فكلّ من القضاة ألان له القول وخشى سطوة الملك الظاهر إلّا شمس الدين هذا، فإنّه صدع بالحقّ وقال: ما يحلّ لمسلم أن يتعرّض لهذه الأملاك والبساتين! فإنّها بيد أربابها ويدهم ثابتة عليها. فغضب الملك الظاهر من هذا القول وقام من دار العدل وقال: إذا كنّا ما نحن مسلمون إيش قعودنا! فشرع الأمراء يتألّفوه ولا «1» زالوا به حتى سكن غضبه؛ فلمّا رأى الظاهر صلابة دينه حظى عنده وقال: أثبتوا كتبنا عند هذا القاضى الحنفىّ وعظم فى عينه وهابه. وكان من العلماء الأعيان تامّ الفضيلة وافر الديانة كريم الأخلاق حسن العشرة كثير التواضع عديم النظير، وانتفع بعلمه جمّ غفير، رحمه الله تعالى. وفيها توفّى الشيخ جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن أحمد بن محمود بن أحمد ابن محمد التّكريتىّ الجدّ، الموصلىّ الأب، الدمشقىّ المولد، المحلىّ الوفاة المعروف- بابن الطحّان الشهير بالحافظ اليغمورىّ، كان فاضلا سمع الكثير بعدّة بلاد، وكان له مشاركة فى فنون، وكان أديبا شاعرا. ومن شعره: رجع الودّ على رغم الأعادى ... وأتى الوصل على وفق مرادى ما على الأيام ذنب بعد ما ... كفّر القرب إساءات البعاد الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى الحافظ وجيه الدين أبو المظفّر منصور بن سليم الهمدانى «2» بالإسكندريّة فى شوّال. وقاضى القضاة

ما وقع من الحوادث سنة 674

شمس الدين عبد الله بن محمد بن عطاء الحنفىّ فى جمادى الأولى وهو فى عشر الثمانين. وأبو الفتح عمر بن يعقوب الإربلىّ الصوفىّ فى يوم النحر. أمر النيل فى هذه السنة المباركة- الماء القديم خمس أذرع وأربع أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثلاث أصابع. [ما وقع من الحوادث سنة 674] السنة السادسة عشرة من ولاية الملك الظاهر بيبرس على مصر، وهى سنة أربع وسبعين وستمائة. فيها توفّى الأمير عزّ الدين أبو محمد أيبك بن عبد الله الإسكندرانىّ الصالحىّ النجمىّ، كان أستاذه الملك الصالح نجم أيّوب يبق به ويعتمد عليه وولّاه الشّوبك، وجعل عنده جماعة كثيرة من خواصّه: منهم الأمير عزّ الدين أيدمر الحلّىّ، والأمير سنجر الحصنىّ «1» ، والأمير أيبك الزرّاد؛ وكان عنده كفاية وخبرة تامّة وصرامة شديدة ومهابة عظيمة يقيم الحدود على ما تجب، ثم نقل فى عدّة وظائف إلى أن مات فى شهر رمضان بقلعة الرّحبة «2» ودفن بظاهرها. وفيها توفّى الحسن بن علىّ بن الحسن بن ماهك «3» بن طاهر أبو محمد فخر الدين الحسينى نقيب الأشراف وابن نقيبهم، مولده سنة ثمان وستمائة، ومات يوم الأحد تاسع شهر ربيع الأوّل ببعلبكّ، وكان عنده فضيلة ومعرفة بأنساب العلويّين ونظم نظما متوسّطا وكان مبذّرا للأموال.

وفيها توفّى الأمير الكبير ركن الدين خاص ترك بن عبد الله الصالحىّ النجمىّ، وكان شجاعا مقداما مقدّما عند الملوك. مات فى شهر ربيع الأوّل بدمشق. وفيها توفى الشيخ زين الدين أبو المظفّر عبد الملك بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن الحسن بن عبد الرحمن بن طاهر الحلبىّ الشافعىّ المعروف بابن العجمىّ، مولده بحلب سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، وسمع الحديث وحدّث وكان شيخا فاضلا. مات فى ذى القعدة بالقاهرة، ودفن بسفح المقطّم وهو خال قاضى القضاة كمال الدين «1» أحمد بن الأستاذ. وفيها توفّى الشيخ بهاء «2» الدين أبو عبد الله محمد بن عبيد الله [بن جبريل] كان صدرا كبيرا عالما فاضلا شاعرا. مات بالقاهرة ودفن بالفرافة وهو فى عشر الستين، ومن شعره، رحمه الله تعالى: «3» ولقد شكوت لمتلفى ... حالى ولطّفت العباره فكأنّنى أشكو إلى ... حجر وإنّ من الحجارة وله: يا راحلا قد كدت أقضى بعده ... أسفا وأحشائى عليه تقطّع شطّ المزار فما القلوب سواكن ... لكنّ دمع العين بعدك ينبع وفيها توفّى الشيخ الإمام تاج الدين أبو الثناء محمود بن عابد «4» بن الحسين بن محمد [بن «5» ] الحسين بن جعفر بن عمارة بن عيسى بن علىّ بن عمارة التميمى الصّرخدىّ

الحنفىّ، مولده سنة ثمان وسبعين «1» وخمسمائة بصرخد. ومات ليلة الجمعة السادس والعشرين من شهر ربيع الآخر بدمشق، ودفن بمقابر الصوفيّة عند قبر شيخه جمال الدين الحصيرىّ «2» ، كان من الصلحاء العلماء العاملين، كان كثير التواضع قنوعا من الدنيا معرضا عنها، وكانت له وجاهة عظيمة عند الملوك وانتفع به جم غفير من الطلبة، وكانت له اليد الطّولى فى النظم والنثر. ومن شعره قوله: ما «3» نلت من حبّ من كلفت به ... إلّا غراما عليه أو ولها و «4» محنتى فى هواه دائرة ... آخرها ما يزال أوّلها قلت: وأرشق من هذا من قال: محبّتى ما تنقضى ... لجفوة تبطلها كأنّها دائرة ... آخرها أوّلها الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى المحدّث مكين الدين أبو الحسن بن عبد العظيم الحصنىّ المصرىّ فى رجب، وله أربع وسبعون سنة. وسعد الدين أبو الفضل محمد بن مهلهل بن بدران الأنصارىّ الجبتى «5» المصرى سمع الأرتاحىّ «6» . وتوفى تاج الدين محمود بن عابد التميمىّ الصّرخدى الحنفى الشاعر المشهور

ما وقع من الحوادث سنة 675

فى شهر ربيع الآخر عن نيّف وتسعين سنة. وسعد الدين الخضر «1» بن شيخ الشيوخ تاج الدين عبد الله [بن شيخ الشيوخ أبى الفتح «2» عمر] بن حمّويه الجوينى فى ذى الحجّة عن ثلاث وثمانين سنة. وأبو الفتح عثمان بن هبة الله بن عبد الرحمن [بن مكّى ابن إسماعيل «3» ] بن عوف الزهرى آخر أصحاب ابن موقا «4» فى شهر ربيع الآخر بالإسكندرية. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم القاعدة «5» لم تحرّر لاختلاف المؤرّخين. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وخمس عشرة إصبعا. [ما وقع من الحوادث سنة 675] السنة السابعة عشرة من ولاية الملك الظاهر بيبرس على مصر، وهى سنة خمس وسبعين وستمائة. فيها توفّى إبراهيم بن سعد [الله «6» ] بن جماعة بن علىّ بن جماعة بن حازم بن صخر أبو إسحاق الحموىّ الكنانىّ المعروف بابن جماعة، سمع الفخر «7» بن عساكر وغيره وحدّث. ومولده يوم الاثنين منتصف رجب سنة ستّ «8» وتسعين وخمسمائة بحماة، وهو والد القاضى بدر «9» الدين بن جماعة. مات يوم عيد النّحر

وفيها توفّى الأمير ناصر الدين محمد بن أيبك [بن «1» عبد الله بن] الإسكندرىّ، وكان ممّن جمع بين حسن الصورة وحسن السّيرة ووفور العقل والرياسة ومكارم الأخلاق. مات غريقا، مرّ بفرسه على جسر حجر فزلق الفرس ووقع به فى النهر وخرج الفرس سباحة ومات هو. فكأنّ «2» الجلال بن الصفّار الماردينىّ عناه بقوله: يأيّها الرّشأ المكحول ناظره ... بالسّحر «3» حسبك قد أحرقت أحشائى إنّ انغماسك فى التّيار حقّق أنّ ... الشمس تغرب فى عين من الماء أو بقوله «4» أيضا. وقيل إنهما لأبى إسحاق «5» الشّيرازىّ، والله أعلم: غريق كانّ الموت رقّ لحسنه ... فلان له فى صفحة الماء جانبه أبى الله أن يسلوه قلبى فإنّه ... توفّاه فى الماء الذي أنا شاربه وفيها توفّى الشيخ المعتقد الصالح أبو الفتيان أحمد بن علىّ بن إبراهيم [بن «6» محمد] ابن أبى بكر المقدسىّ «7» الأصل البدوىّ المعروف بأبى اللّثامين السطوحىّ «8» . مولده

سنة ستّ وتسعين وخمسمائة، وتوفّى فى سنة خمس وسبعين فى شهر ربيع الأوّل، ودفن بطندتا «1» وقبره يقصد للزيارة هناك، وكان من الأولياء المشهورين، وسمّى بأبى اللّثامين لملازمته اللّثامين صيفا وشتاء، وكان له كرامات ومناقب جمة، رحمه الله تعالى ونفعنا ببركاته. وفيها توفّى العلّامة بدر الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن حفّاظ «2» السّلمىّ الحنفىّ المعروف بابن الفويرة «3» . مات بدمشق فى يوم السبت حادى عشرين جمادى الأولى وقال الحافظ عبد القادر فى طبقاته «4» : رأيت بخط الحافظ الدّمياطىّ فى مشيخته أنّه توفّى ليلة الجمعة فجأة منتصف شهر ربيع الآخر سنة أربع وسبعين وستمائة. وكان إماما عالما متبحّرا فى العلوم، درّس

بالشّبليّة «1» [بجبل» ] الصالحيّة وأفتى سنين وبرع فى الفقه والعربيّة وسمع الكثير، وكان يكتب خطّا حسنا، وله معرفة أيضا بالأصول والأدب وله نظم رائق، وكان رئيسا وعنده ديانة ومروءة ومكارم أخلاق. ومن شعره [فى مليح شاعر «3» ] : وشاعر يسحرنى طرفه ... ورقّة الألفاظ من شعره أنشدنى نظما بديعا فما ... أحسن ذاك النظم من ثغره وله فى معذّر: عاينت حبّة «4» خاله ... فى روضة من جلّنار فغدا فؤادى طائرا ... فاصطاده شرك العذار وله: كانت دموعى حمرا يوم بينهم ... فمذ نأوا قصّرتها لوعة الحرق قطفت باللّحظ وردا من خدودهم ... فاستقطر البعد ماء الورد من حدقى وقيل إنّه رئى فى المنام بعد موته فسئل عمّا لقى بعد موته فكان جوابه. ما كان لى من شافع عنده ... إلّا اعتقادى أنّه واحد وفيها توفّى الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الوهاب بن منصور الحرّانىّ الحنبلىّ، كان فقيها إماما عالما عارفا بعلم الأصول والخلاف والفقه ودرّس

وأفتى واشتغل [على الشيخ «1» علم الدين القاسم فى الأصول والعربيّة] ومات فى جمادى الأولى. ومن شعره قوله: طار قلبى يوم ساروا فرقا ... وسواء فاض دمعى أورقا حار فى سقمى من بعدهم ... كلّ من فى الحىّ داوى أورقى بعدهم لاطلّ وادى المنحنى ... وكذا بان الحمى لا أورقا وفيها توفى الأديب الشاعر شهاب الدين أبو المكارم محمد بن يوسف بن مسعود ابن بركة الشيبانى التّلعفرىّ «2» الشاعر المشهور، مولده سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة بالموصل، ومات بحماة فى شوّال. كان أديبا فاضلا حافظا للأشعار وأيّام العرب وأخبارها، وكان يتشيّع، وكان من شعراء الملك الأشرف موسى شاه أرمن، وكان التّلعفرىّ هذا مع تقدّمه فى الأدب وبراعته ابتلى بالقمار، ووقع له بسبب القمار أمور منها: أنه نودى بحلب من قبل السلطان: من فامر مع الشّهاب التلعفرىّ قطعنا يده، فضاقت عليه الأرض، فجاء إلى دمشق ولم يزل يستجدى ويقامر حتى بقى فى اتون من الفقر. قلت: وديوان شعره لطيف فى غاية الحسن وهو موجود بأيدى الناس. ومن شعره قصيدته المشهورة: أىّ دمع من الجفون أساله ... إذ أتته مع النسيم رساله حمّلته الرياح أسرار عرف ... أودعتها السحائب الهطّاله يا خليلى وللخليل حقوق ... واجبات الأداء «3» فى كلّ حاله

سل عقيق الحمى وقل إذ تراه ... خاليا من ظبائه المختاله أين تلك المراشف العسليّ ... ات وتلك المعاطف العسّاله وليال قضيتها كلأل ... بغزال تغار منه الغزاله بابلىّ الألحاظ والريق والأل ... فاظ كلّ مدامة سلساله من بنى التّرك كلّما جذب القو ... س رأينا فى برجه «1» بدر هاله أوقع «2» الوهم حين يرمى فلم ند ... ر يداه أم عينه النّبّاله قلت لمّا لوى ديون وصالى ... وهو مثر وقادر لا محاله بيننا الشرع قال سربى فعندى ... من صفاتى لكلّ دعوى دلاله وشهودى من خال حدّى و [من «3» ] قد ... ى شهود معروفة بالعداله أنا وكلت مقلتى فى دم الخل ... ق فقالت «4» قبلت هذى الوكاله وله موشّحة مدح بها شهاب الدين «5» الأعزازىّ، ثم وقع بينهما وتهاجيا. وأوّل الموشّحة: ليس «6» يروى ما بقلبى من ظما ... غير برق لائح من إضم إن تبدّى لك بان الأجرع ... وأثيلات النّقا من لعلع

يا خليلى قف على الدّار معى ... وتأمّل كم بها من مصرع واحترز واحذر فأحداق الدّمى ... كم أراقت فى رباها من دم حظّ قلبى فى الغرام الوله ... فعذولى فيك «1» ما لى وله حسبى «2» الليل فما أطوله ... لم يزل آخره أوّله فى هوى أهيف معسول اللّمى ... ريقه كم قد شفى من ألم «3» وله فى القمار: ينشرح الصدر لمن لاعبنى ... والأرض بى ضيّقة فروجها كم شوّشت شيوشها «4» عقلى وكم ... عهدا سقتنى عامدا بنوجها ومن شعره وأجاد، عفا الله عنه: أحبّ الصالحين ولست منهم ... رجاء أن أنال بهم شفاعه وأبغض من به أثر المعاصى ... وإن كنّا سواء فى البضاعه الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى القاضى شمس الدين علىّ بن محمود الشهرزورىّ مدرّس القيمريّة فى شوّال. والشيخ قطب الدين أحمد بن عبد السلام [بن المطهّر «5» بن عبد الله بن محمد بن هبة الله بن علىّ] بن أبى عصرون بحلب

فى جمادى الآخرة. والإمام شمس الدين محمد بن عبد الوهّاب بن منصور الحرّانىّ الحنبلىّ فى جمادى الأولى. والشهاب محمد بن يوسف بن مسعود التّلّعفرىّ الشاعر بحماة فى شوّال، وله ثلاث وثمانون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وثلاث عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وإحدى عشرة إصبعا «1» .

ما وقع من الحوادث سنة 676

[ما وقع من الحوادث سنة 676] ذكر ولاية «1» السلطان الملك السعيد محمد ابن الملك الظاهر بيبرس على مصر هو السلطان الملك السعيد ناصر الدين أبو المعالى محمد المدعو بركة خان ابن السلطان الملك الظاهر بيبرس البندقدارىّ الصالحىّ النّجمىّ، الخامس من ملوك التّرك بمصر. سمّى بركة خان على اسم جدّه لأمّه بركة خان «2» بن دولة خان الخوارزمىّ. تسلطن الملك السعيد هذا فى حياة والده حسب ما ذكرناه فى ترجمة والده فى يوم الخميس ثالث «3» عشر شوّال سنة اثنتين وستّين وستمائة. وأقام على ذلك سنين، وليس له من السلطنة إلّا مجرّد الاسم، إلى أن توفّى أبوه الملك الظاهر بيبرس فى يوم الخميس بعد صلاة الظهر التاسع والعشرين من المحرّم من سنة ستّ وسبعين وستمائة بدمشق. اتفق رأى الأمراء [على «4» ] إخفاء موت الظاهر، وكتب الأمير بيليك الخازندار عرّف الملك السعيد هذا بذلك على يد الأمير بدر الدين بكتوت

الجوكندار الحموىّ، وعلى يد الأمير علاء الدين أيدغمش الحكيمىّ «1» الجاشنكير. فلمّا بلغ الملك السعيد موت والده الملك الظاهر أخفاه أيضا، وخلع عليهما وأعطى كلّ واحد منهما خمسين «2» ألف درهم، على أنّ ذلك بشارة بعود السلطان إلى الديار المصريّة. وسافرت العساكر من دمشق إلى جهة الديار المصريّة فدخلوها يوم الخميس سادس عشرين صفر من سنة ستّ وسبعين وستمائة، ومقدّمهم الأمير بدر الدين بيليك الخازندار؛ ودخلوا مصر وهم يخفون موت الملك الظاهر فى الصورة الظاهرة، وفى صدر الموكب مكان تسيير السلطان تحت العصائب «3» ، محفّة وراءها السّلحدارية «4» والجمداريّة «5» وغيرهم من أرباب الوظائف توهم أنّ السلطان فى المحفّة مريض، هذا مع عمل جدّ فى إظهار ناموس السلطنة والحرمة للمحفّة والتأدّب مع من فيها حتى تمّ لهم ذلك. قلت: لله درّهم من أمراء وحاشية! ولو كان ذلك فى عصرنا هذا ما قدر الأمراء على إخفاء ذلك من الظهر إلى العصر. ولمّا وصلوا إلى قلعة الجبل، ترجّل الأمراء والعساكر بين يدى المحفّة، كما كانت العادة فى الطريق فى كل منزلة من حين خروجهم من دمشق إلى أن وصلوا إلى قلعة الجبل من باب السرّ، وعند دخولها إلى القلعة اجتمع الأمير بدر الدين بيليك الخازندار بالملك السعيد هذا، وكان الملك السعيد لم يركب لتلقّيهم، وقبّل الأرض ورمى بعمامته ثم صرخ، وقام العزاء فى جميع القلعة، ولوقتهم جمعوا الأمراء

والمقدّمين والجند وحلّفوهم بالإيوان المجاور لجامع «1» القلعة للملك السعيد، واستثبت له الأمر على هذه الصورة، وخطب له يوم الجمعة [سابع «2» عشرين صفر] بجوامع القاهرة ومصر، وصلّى على والده صلاة الغائب. ومولد الملك السعيد هذا فى صفر سنة ثمان وخمسين وستمائة؛ وقيل: سنة سبع وخمسين بالعشّ «3» من ضواحى مصر، ونشأ بديار مصر تحت كنف والده إلى أن سلطنه فى حياته؛ كما تقدّم ذكره. وأمّا الأمير بدر الدين بيليك الخازندار فإنّه لم تطل مدّته، ومات فى ليلة الأحد سابع شهر ربيع الأوّل. وخلع الملك السعيد على الأمير شمس الدين آق سنقر الفارقانىّ بنيابة السلطنة عوضا عن بيليك الخازندار المذكور. وفى سادس عشر شهر ربيع الأوّل [يوم «4» الأربعاء] ركب السلطان الملك السعيد من القلعة تحت العصائب على عادة والده وسار إلى تحت الجبل «5» الأحمر، وهذا أوّل ركوبه بعد قدوم العسكر، ثم عاد وشقّ القاهرة وسرّ الناس به سرورا زائدا، وكان

عمره يومئذ تسع عشرة سنة، وطلع القلعة وأقام إلى يوم الجمعة خامس «1» عشرين شهر ربيع الأوّل المذكور قبض على الأمير سنقر الأشقر وعلى الأمير بدر الدين بيسرى وحبسهما بقلعة الجبل. ثم فى يوم السبت ثامن عشر شهر ربيع الآخر قبض الملك السعيد على الأمير آق سنقر الفارقانىّ نائب السلطنة بديار مصر المقدّم ذكره. ثم فى تاسع عشر الشهر المذكور أفرج الملك السعيد عن الأمير سنقر الأشقر وبيسرى وخلع عليهما وأعادهما إلى مكانتهما. وفى يوم الاثنين رابع جمادى الأولى فتحت المدرسة «2» التى أنشأها الأمير آق سنقر الفارقانىّ المجاورة للوزيريّة «3» بالقاهرة وجعل شيخها على مذهب أبى حنيفة رضى الله عنه. وفى يوم الجمعة [رابع عشر «4» جمادى الآخرة] قبض الملك السعيد على خاله الأمير بدر الدين محمد ابن الأمير حسام الدين بركة خان الخوارزمىّ وحبسه بقلعة الجبل لأمر

نقمه عليه، ثم أفرج عنه فى ليلة «1» خامس عشرينه، وخلع عليه وأعاده إلى منزلته. وكان الملك السعيد هذا أمر ببناء مدرسة لدفن أبيه فيها، حسب ما أوصى «2» به والده، فنقل تابوت الملك الظاهر بيبرس فى ليلة الجمعة خامس شهر رجب من قلعة دمشق إلى التربة المذكورة بدمشق داخل باب الفرج قبالة المدرسة «3» العادليّة، والتربة المذكورة كانت دار الشريف العقيقى «4» فاشتريت وهدمت، وبنى موضع بابها قبّة الدفن وفتح لها شبابيك على الطريق وجعل بقيّة الدار مدرسة على فريقين: حنفيّة وشافعيّة. وكان دفنه بها فى نصف الليل ولم يحضره سوى الأمير عزّ الدين أيدمر الظاهرىّ نائب الشام، ومن الخواصّ دون العشرة لا غير. ثم وقع الاهتمام إلى السّفر للبلاد الشامية وتجهّز السلطان والعساكر. فلمّا كان يوم السبت سابع ذى القعدة برز الملك السعيد بالعساكر من قلعة الجبل إلى مسجد

التّبن «1» خارج القاهرة فأقام به إلى يوم السبت حادى عشرينه، انتقل بخواصّه إلى الميدان «2» الذي أنشأه بين مصر والقاهرة، ودخلت العساكر إلى منازلهم، وبطلت حركة السفر بعد أن أعاد قاضى القضاة شمس الدين أحمد بن خلّكان إلى قضاء دمشق وأعمالها من العريش الى سلمية، وتوجّه ابن خلكان إلى الشام، وطلع الملك السعيد إلى قلعة الجبل وأبطل حركة السفر بالكليّة إلى وقت يريده حسب ما وقع الاتفاق عليه، واستمرّ بالقلعة إلى أن أمر العساكر بالتأهب إلى السفر وتجهّز هو أيضا لأمر اقتضى ذلك. وخرج من الديار المصريّة فى العشر الأوسط من ذى القعدة من سنة سبع وسبعين وستمائة وخرج من القاهرة بعساكره وأمرائه، وسار حتى وصل إلى الشام فى خامس ذى الحجّة، فخرج أهل دمشق إلى ملتقاه وزيّنوا له البلد وسرّوا بقدومه سرورا زائدا. وعمل عيد النّحر بقلعة دمشق وصلّى العيد بالميدان الأخضر. وورد عليه الخبر بموت الصاحب بهاء الدين «3» على بن محمد بن سليم بن حنّا بالقاهرة، فقبض السلطان على حفيده الصاحب تاج الدين «4» محمد، وضرب الحوطة على موجوده بسبب موت جدّه الصاحب بهاء الدين المذكور.

ثم أرسل السلطان الملك السعيد إلى برهان «1» الدين الخضر بن الحسن السّنجارىّ باستقراره وزيرا بالديار المصرية ثم خلع السلطان على الصاحب فتح الدين عبد الله [ابن محمد «2» بن أحمد بن خالد بن نصر] بن القيسرانىّ بوزارة دمشق، وبسط يده فى بلاد الشام وأمر القضاة وغيرهم بالركوب معه. ثم جهّز السلطان العساكر إلى بلاد سيس للنّهب والإغارة «3» ، ومقدّمهم الأمير سيف الدين قلاوون الألفىّ. وأقام الملك السعيد بدمشق فى نفر يسير من الأمراء والخواصّ، فصار فى غيبة العسكر يكثر التردّد الى الربعية «4» من قرى المرج يقيم فيها أيّاما ثمّ يعود. ثم أسقط السلطان ما كان قرّره والده الملك الظاهر على بساتين دمشق فى كلّ سنة، فسرّ الناس بذلك وتضاعفت أدعيتهم له واستمرّ السلطان بدمشق إلى أن وقع الخلف فى العشر الأوسط من شهر ربيع الأوّل من سنة ثمان وسبعين بين المماليك الخاصّكيّة الملازمين لخدمته وبين الأمراء لأمور «5» يطول شرحها.

وعجز الملك السعيد عن تلافى ذلك، وخرج عن طاعته الأمير سيف الدين كوندك «1» الظاهرىّ نائب السلطنة ومقدّم العساكر مغاضبا للسلطان الملك السعيد، وخرج معه نحو أربعمائة مملوك من الظاهريّة: منهم جماعة كثيرة مشهورة بالشجاعة ونزلوا بمنزلة القطيّفة «2» فى انتظار العساكر التى ببلاد سيس ففى العشر الأخير من شهر ربيع الأوّل عادت العساكر من بلاد سيس إلى جهة دمشق فنزلوا بمرج عذراء «3» إلى القصير «4» ؛ وكان قد اتّصل بهم سيف الدين كوندك ومن معه واستمالوهم فلم يدخل العسكر دمشق، وأرسلوا إلى الملك السعيد فى معنى الخلف الذي حصل بين الطائفتين، وكان كوندك مائلا إلى الأمير بيسرى. ولمّا اجتمع بالأمير سيف الدين قلاوون الألفى والأمير بدر الدين بيسرى والأمراء الكبار أوحى إليهم عن السلطان ما غلّت صدورهم، وخوّفهم من الخاصّكيّة وعرّفهم أنّ نيّتهم لهم غير جميلة، وأنّ الملك السعيد موافق على ذلك وأكثر من القول المختلق؛ فوقع الكلام بين الأمراء الكبار وبين السلطان الملك السعيد، وتردّدت الرّسل بينهم، فكان من جملة ما اقترح الأمراء على الملك السعيد إبعاد الخاصّكيّة عنه، وألّا يكون لهم فى الدولة تدبير ولا حديث، بل يكونوا على أخبازهم ووظائفهم مقيمين؛ فلم يجب الملك السعيد إلى ذلك؛ فرحل العسكر من مرج عذراء إلى ذيل عقبة الشّحورة «5» بأسرهم ولم يعبروا المدينة بل جعلوا طريقهم من المرج، وأقاموا بهذه المنزلة ثلاثة أيام، والرّسل تتردّد بينهم وبين

الملك السعيد؛ ثم رحلوا ونزلوا بمرج «1» الصّفّر وعند رحيلهم رجع الأمير عزّ الدين أيدمر الظاهرى نائب الشام وأكثر عسكر دمشق، وقدموا مدينة دمشق ودخلوا فى طاعة السلطان. وفى يوم رحيلهم من مرج الصّفّر سيّر الملك السعيد والدته بنت بركة خان فى محفّة وفى خدمتها الأمير شمس الدين قرا سنقر، وكان من الذين لم يتوجّهوا إلى بلاد سيس ولحقوا العسكر؛ فلمّا سمعوا بوصولها خرج الأمراء الأكابر المقدّمون لملتقاها، وترجّلوا بأجمعهم وقبّلوا الأرض أمام المحفّة، وبسطوا الحرير العتّابى «2» وغيره تحت حوافر بغال المحفّة ومشوا أمام المحفّة حتى نزلت فى المنزلة، فلمّا استقرّت بها تحدّثت معهم فى الصلح والانقياد واجتماع الكلمة، فذكروا ما بلغهم من تغيّر السلطان عليهم، وموافقته الخاصّكيّة على ما يرومونه من إمساكهم وإبعادهم؛ فحلفت لهم على بطلان ما نقل إليهم، فاشترطوا شروطا كثيرة التزمت لهم بها، وعادت إلى ولدها وعرّفته الصورة؛ فمنعه من حوله من الخاصّكيّة من الدخول تحت تلك الشروط، وقالوا: ما القصد إلّا إبعادنا عنك حتّى يتمكنوا منك وينزعوك من الملك، فمال إلى كلامهم وأبى قبول تلك الشروط. فلمّا بلغ العسكر ذلك رحل من مرج الصّفّر قاصدا الديار المصريّة؛ فخرج السلطان الملك السعيد بنفسه فيمن معه من الخاصّكيّة جريدة، وساق فى طلبهم ليتلافى الأمر إلى أن بلغ رأس «3» الماء، فوجدهم قد عدوه وأبعدوا، فعاد من يومه ودخل قلعة دمشق فى الليل وهى ليلة الخميس سلخ شهر ربيع الأوّل سنة ثمان وسبعين وستمائة. وأصبح فى يوم الجمعة مستهلّ شهر ربيع الآخر خرج السلطان

الملك السعيد بجميع من تحلّف معه من العساكر المصريّة والشاميّة إلى جهة الديار المصريّة بعد أن صلّى الجمعة بها، وسار بمن معه فى طلب العساكر المقدّم ذكرهم، وجهّز والدته وخزائنه إلى الكرك؛ وسار حتّى وصل إلى بلبيس يوم الجمعة خامس عشر شهر ربيع الآخر المذكور، فوجد العسكر قد سبقه إلى القاهرة؛ فأمر بالرحيل من بلبيس؛ فلمّا أخذت العساكر فى الرحيل من بلبيس بعد العصر فارق الأمير عزّ الدين أيدمر الظاهرىّ نائب الشام وصحبته أكثر أمراء دمشق السلطان الملك السعيد، وانضاف إلى المصريّين، وبلغ الملك السعيد ذلك فلم يكترث؛ وركب بمن بقى معه من خواصّه وعساكره وسار بهم حتّى وصل ظاهر القاهرة؛ وكان نائبه بالديار المصريّة الأمير عز الدين أيبك الأفرم، وهو بقلعة الجبل والعساكر محدقة بها، فتقدّم الملك السعيد بمن معه لقتال العساكر، وكان الذي بقى مع السلطان الملك السعيد جماعة قليلة بالنسبة إلى من يقاتلونه، ووقع المصافّ بينهم وتقاتلوا فحمل الأمير علم الدين سنجر الحلبىّ من جهة الملك السعيد وشقّ الأطلاب ودخل إلى قلعة الجبل بعد أن قتل من الفريقين نفر يسير، وملك القلعة وشال علم السلطان، ثم نزل وفتح للملك السعيد طريقا وطلع به إلى القلعة. وأمّا سنقر الأشقر فإنّه بقى فى المطريّة «1» وحده وصار لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. ولمّا طلع السلطان إليها أحاطت العساكر بها وحاصروها وقاتلوا من بها قتالا شديدا

وضايقوها وقطعوا الماء الذي يطلع إليها وزحفوا عليها فجدّوا فى القتال، ورأى الملك السعيد تخلّى من كان معه وتخاذل من بقى معه من الخاصّكيّة، وعلم أنّه لا طاقة له بهم، وكان المشار إليه فى العسكر المخامر الأمير سيف الدين قلاوون الألفىّ، وهو حمو الملك السعيد فإنّ الملك السعيد كان تزوّج ابنته قبل ذلك بمدّة «1» ، فجرت المراسلات بينهم وكثر الكلام وتردّدت الرّسل غير مرّة، حتّى استقرّ الحال على أن الملك السعيد يخلع من السلطنة وينصّبون فى السلطنة أخاه بدر الدين سلامش ابن الملك الظاهر بيبرس، ويقطعون الملك السعيد هذا وأخاه نجم الدين خضرا الكرك والشّوبك وأعمالهما؛ فسيّر الملك السعيد الأمير علم الدين سنجر الحلبىّ والقاضى تاج الدين محمد بن الأثير إلى الأمير سيف الدين قلاوون وأعيان الأمراء ليستوثق لنفسه منهم، فحلفوا له على الوفاء بما التزموه من إعطاء الكرك والشّوبك له ولأخيه. وخرج من قلعة الجبل يوم الأحد سابع عشر شهر ربيع الآخر المذكور ونزل إلى دار

العدل «1» التى على باب القلعة، وكانت مركز الأمير قلاوون فى حال المصافّ والقتال، وكان الحصار ثلاثة أيام بيوم القدوم لا غير. ولمّا حضر الملك السعيد إلى عند قلاوون أحضر أعيان القضاة والأمراء والمفتين وخلعوا الملك السعيد هذا من السلطنة وسلطنوا مكانه «2» أخاه بدر الدين سلامش ولقّبوه بالملك العادل سلامش، وعمره يومئذ سبع سنين وجعلوا أتابكه الأمير سيف الدين قلاوون الألفى الصالحىّ النّجمىّ. واستمرّت بنت قلاوون عند زوجها الملك السعيد المذكور إلى ما سيأتى ذكره. ثم أخذ قلاوون فى تحليف الأمراء للملك العادل فحلفوا له بأجمعهم على العادة، وضربت السّكّة فى أحد الوجهين: اسم الملك العادل والآخر اسم قلاوون، وخطب لهما أيضا معا على المنابر، واستمرّ الأمر على ذلك؛ وتصرّف قلاوون فى المملكة والخزائن، وعامله الأمراء والجيوش بما يعاملون به السلطان. ثم عمل قلاوون بخلع الملك السعيد محضرا شرعيّا ووضع الأمراء خطوطهم عليه وشهادتهم فيه، وكتب فيه المفتون والقضاة وأعطوا الملك السعيد الكرك وعملها، وأخاه نجم الدين خضرا الشّوبك وعملها. وخرج الملك السعيد من قلعة الجبل إلى بركة «3» الحجّاج متوجّها إلى الكرك فى يوم الاثنين ثامن عشر شهر ربيع الآخر المذكور من سنة ثمان وسبعين (أعنى ثانى يوم من خلعه) ومعه جماعة من العسكر صورة ترسيم، ومقدّمهم الأمير

سيف الدين بيدغان الرّكنى، ثم بدا لهم أن يرجعوا به إلى القلعة فعادوا إليها فى نهار الاثنين لأمر أرادوه وقرّروه معه ثم أمروه بالتوجّه؛ فخرج وسافر ليلة الثلاثاء إلى الكرك بمن معه فوصلها يوم الاثنين خامس عشرين شهر ربيع الآخر المذكور، وتسلّم أخوه نجم الدين خضر الشّوبك، وكان الأمير بيدغان ومن معه قد فارقوا الملك السعيد من غزّة ورجعوا إلى الديار المصريّة؛ وأقام الملك السعيد بالكرك وزال ملكه؛ فكانت مدّة حكمه وسلطنته بعد موت أبيه الملك الظاهر بيبرس إلى يوم خلعه سنتين وشهرين «1» وخمسة عشر يوما، واستمرّ بالكرك مع مماليكه وعياله، وقصده الناس والأجناد، فصار ينعم على من يقصده، واستكثر من استخدام المماليك. ثم رسم الأمير سيف الدين قلاوون بانتقال الملك خضر من الشّوبك إلى عند أخيه الملك السعيد بالكرك، وتسلّم نوّاب قلاوون الشّوبك؛ ودام الملك السعيد على ذلك حتى خلع سلامش من السلطنة وتسلطن قلاوون حسب ما يأتى ذكر ذلك كلّه فى ترجمتهما. فلمّا تسلطن قلاوون بلغه عن الملك السعيد أنّه استكثر من استخدام المماليك وأنّه ينعم على من يقصده فاستوحش منه، وتأثّر من ذلك. فمرض الملك السعيد بعد ذلك بمدّة يسيرة وتوفّى، رحمه الله تعالى، فى يوم الجمعة حادى عشر ذى القعدة سنة ثمان وسبعين وستمائة بالكرك، ودفن من يومه بأرض «2» مؤتة عند جعفر بن أبى طالب، رضى الله عنه، ثم نقل بعد ذلك إلى دمشق فى سنة «3» ثمانين وستمائة فدفن إلى جنب والده الملك الظاهر بيبرس بالتّربة التى أنشأها قبالة المدرسة العادليّة «4» السّيفيّة، وألحده

قاضى القضاة عزّ الدين محمد «1» بن الصائغ. وكانت مدة إقامته بالكرك بعد أن خلع من السلطنة ستة أشهر وخمسة وعشرين يوما. ووجد الناس عليه كثيرا وعمل عزاؤه بسائر البلاد، وخرجت الخوندات حاسرات بجواريهنّ يلطمن بالملاهى والدّفوف أياما عديدة، ويسمعن الملك المنصور قلاوون الكلام الخشن وأنواع السبّ وهو لا يتكلّم، فإنّه نسب اليه أنه اغتاله بالسمّ لمّا سمع كثرة استخدامه للمماليك وغيرهم. قلت: ولا يبعد ذلك عن الملك المنصور قلاوون لكثرة تخوّفه من عظم شوكته وكثرة مماليك والده وحواشيه. وأبغض الناس الملك المنصور قلاوون سنينا كثيرة إلى أن أرضاهم بكثرة الجهاد والفتوحات؛ وأبغض الملك المنصور قلاوون حتى ابنته زوجة الملك السعيد المذكور، فإنّها وجدت على زوجها الملك السعيد وجدا عظيما وتألّمت لفقده؛ ولم تزل باكية عليه حزينة لم تتزوّج بعده إلى أن توفّيت بعد زوجها الملك السعيد بمدّة طويلة فى مستهلّ شهر رجب سنة سبع وثمانين وستمائة. وكانت شقيقة الملك الأشرف خليل بن قلاوون، ودفنت فى تربة «2» معروفة بوالدها بين مصر والقاهرة.

وصلّى على الملك السعيد بدمشق صلاة الغائب يوم الجمعة رابع وعشرين ذى الحجّة. ثم أنعم الملك المنصور بالكرك بعد موته على أخيه خضر ولقّب بالملك المسعود خضر. وكان الملك السعيد، رحمه الله، سلطانا جليلا كريما سخىّ الكفّ، كثير العدل فى الرعيّة، محسنا للخاصّ والعامّ، لا يردّ سائلا ولا يخيّب آملا، وكان متواضعا بشوشا، حسن الأخلاق ليس فى طبعه عسف ولا ظلم، كثير الشفقة والرحمة على الناس، ليّن الكلمة محبّا لفعل الخير، قليل الحجاب على الناس يتصدّى للأحكام بنفسه، وكان لا يميل لسفك الدماء مع قدرته على ذلك، وكان يوم دخوله إلى قلعة الجبل ولد له مولود ذكر من بعض حظاياه فى شهر ربيع الآخر من هذه السنة. وكان يحبّ التجمّل ويكثر من الإنعام على الناس ويخلع حتّى فى الأعزية. ولمّا مات خاله الأمير بدر الدين محمد بن بركة خان بن دولة خان، وكان من أعيان الأمراء بالديار المصريّة فى الدولة الظاهريّة، وكان حصل له عند إفضاء الملك لابن أخته الملك السعيد تقدّم كبير ومكانة عالية، وتوجّه معه إلى دمشق فمرض بها إلى أن توفّى ليلة الخميس تاسع شهر ربيع الأوّل، ودفن بسفح قاسيون بالتّربة المجاورة لرباط الملك الناصر صلاح الدين يوسف؛ ومقدار عمره خمسون سنة، عمل «1» له

عدّة أعزية وقرئ بالتّربة عدّة ختمات، حضر إحداها ابن أخته الملك السعيد، ومدّ خوان فيه من عظيم فاخر الأطعمة والحلاوات، فأكل من حضر، وخلع الملك السعيد على والدته ومماليكه وخواصّه وهو فى العزاء فلبسوا الخلع وقبّلوا الأرض، وكانت الخلع خارجة عن الحدّ. فهذا أيضا ممّا يدلّ على كرمه ووسع نفسه وكثرة إنعامه حتّى فى الأعزية، رحمه الله تعالى. انتهت ترجمة الملك السعيد. ويأتى ذكر حوادث سنين سلطنته على عادة هذا الكتاب، إن شاء الله تعالى. السنة الأولى من ولاية الملك السعيد محمد بركة خان على مصر، وهى سنة ستّ وسبعين وستمائة. فيها توفى الشيخ كمال الدين أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل [ «1» بن إبراهيم ابن فارس] الإسكندرى المقرئ، كان عارفا بالقراءات، وانتفع به خلق كثير، وتولّى نظر حبس دمشق، ونظر بيت المال بها مضافا إلى نظر الحبس، وباشر عدّة وظائف دينيّة. ومات فى صفر. وكان رئيسا فاضلا. وفيها توفّى الأمير جمال الدين آقوش بن عبد الله المحمّدىّ الصالحىّ النّجمىّ، كان من أعيان الأمراء ومن أكابرهم، وكان الملك الظاهر بيبرس يخافه، فحبسه مدّة طويلة ثم أفرج عنه فمات فى شهر ربيع الأوّل، ودفن بتربته «2» بالقرافة الصغرى.

وفيها توفّى الأمير عزّ الدين أيبك بن عبد الله الموصلىّ الظاهرىّ نائب السلطنة بحمص، وكان ولى حمص مدّة ثم عزله الملك الظاهر عنها ونفاه إلى حصن «1» الأكراد، وكان شجاعا مقداما. وفيها توفّى الأمير عزّ الدين أيبك بن عبد الله الدّمياطىّ الصالحىّ النّجمىّ أحد أكابر الأمراء المقدّمين على الجيوش، كان قديم الهجرة [بينهم «2» ] فى علوّ المنزلة وسموّ المكانة، وكان الملك الظاهر أيضا حبسه مدّة طويلة ثم أطلقه وأعاده إلى مكانته. ومات بالقاهرة فى شعبان ودفن بتربته التى أنشأها بين القاهرة ومصر فى القبّة «3» المجاورة لحوض السبيل «4» المعروف به.

وفيها توفّى الأمير عزّ الدين أيدمر بن عبد الله العلائىّ نائب قلعة صفد، حضر بعد موت الملك الظاهر إلى القاهرة ومات بها ودفن بالقرافة الصغرى، وكان ديّنا عفيفا أمينا، وهو أخو الأمير علاء الدين أيدكين الصالحىّ. وفيها توفّى الأمير بدر الدين بيليك بن عبد الله الظاهرىّ الخازندار نائب السلطنة بالديار المصريّة بل بالممالك كلّها. قد تقدّم من ذكره نبذة جيّدة فى عدّة مواطن، وهو الذي أخفى موت الملك الظاهر حتى قدم به إلى مصر حسب ما تقدّم ذكره، وكانت وفاته بالقاهرة فى سادس شهر ربيع الأوّل بقلعة الجبل ودفن بتربته «1» التى أنشأها بالقرافة الصغرى، وحزن الناس عليه حزنا شديدا حتى شمل مصابه الخاصّ والعامّ، وعمل عزاؤه بالقاهرة ثلاثة أيام، فى الليل بالشّموع وأنواع الملاهى. وصدّع موته القلوب وأبكى العيون؛ وقيل: إنّه مات مسموما، وكان عمره خمسا وأربعين سنة، ومحاسنه كثيرة يطول الشرح فى ذكرها. وفيها توفّى الشيخ المعتقد خضر بن أبى بكر [محمد «2» ] بن موسى أبو العبّاس المهرانىّ العدوىّ، كان أصله من قرية المحمّديّة من أعمال جزيرة ابن عمر، وهو شيخ الملك الظاهر بيبرس، وصاحب الزاوية «3» التى بناها له الملك الظاهر بالحسينيّة على الخليج «4» بالقرب من جامع «5» الظاهر. وقد تقدّم من ذكره فى ترجمة الملك الظاهر ما يغنى عن الإعادة هاهنا. وكان الشيخ خضر بشّر الملك الظاهر قبل سلطنته بالملك، فلمّا تسلطن صار له فيه العقيدة العظيمة حتّى إنّه كان ينزل إليه فى الجمعة المرّة والمرّتين،

وكان يطلعه على غوامض أسراره، ويستشيره فى أموره، ويستصحبه فى أسفاره، وفيه يقول الشريف محمد بن «1» رضوان الناسخ. ما الظاهر السلطان إلا مالك الد ... نيا بذاك لنا الملاحم تخبر ولنا دليل واضح كالشمس فى ... وسط السماء بكلّ عين تنظر لمّا رأينا الخضر يقدم جيشه ... أبدا علمنا أنّه الإسكندر وكان الشيخ يخبر الملك الظاهر بأمور قبل وقوعها فتقع على ما يخبره، ثم تغيّر الملك الظاهر عليه لأمور بلغته عنه وأحضر السلطان من حاققه، وذكروا عنه من القبائح ما لم يصدر عن مسلم! والله أعلم بصحّة ذلك؛ فآستشار الملك الظاهر الأمراء فى أمره، فمنهم من أشار بقتله، ومنهم من أشار بحبسه، فمال الظاهر إلى قتله ففهم خضر؛ فقال للظاهر: اسمع ما أقول لك، إنّ أجلى قريب من أجلك، وبينى وبينك مدّة أيّام يسيرة، فمن مات منّا لحقه صاحبه عن قريب! فوجم الملك الظاهر وكفّ عن قتله، فحبسه فى مكان لا يسمع له فيه حديث، وكان حبسه فى شوّال سنة إحدى وسبعين وستمائة، وتوفّى يوم الخميس أو فى ليلة الجمعة سادس المحرّم سنة ست وسبعين وستمائة، ودفن بزوايته بالحسينيّة. وكان الملك الظاهر بدمشق، فلمّا بلغه موته اضطرب وخاف على نفسه من الموت لما كان قال له الشيخ خضر: إنّ أجله من أجله قريب، فمرض الظاهر بعد أيام يسيرة ومات، فكان بين الشيخ خضر وبين الملك الظاهر دون الشهر. انتهى.

وفيها توفّى شيخ الإسلام محيى الدين أبو زكريّا يحيى بن شرف بن مرى «1» بن الحسن ابن الحسين النّووىّ «2» الفقيه الشافعىّ الحافظ الزاهد صاحب المصنّفات المشهورة. ولد فى العشر الأوسط من المحرّم سنة إحدى وثلاثين وستمائة، ومات ليلة الأربعاء رابع عشرين شهر رجب بقرية نوى. قلت: وفضله وعلمه وزهده أشهر من أن يذكر. وقد ذكرنا من أمره نبذة كبيرة فى تاريخنا «المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى» ؛ إذ هو كتاب تراجم يحسن الإطناب فيه. انتهى. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الملك القاهر عبد الملك بن المعظّم [عيسى «3» ] بن العادل [أبى بكر «4» بن أيّوب] فى المحرّم مسموما. والسلطان الملك الظاهر ركن الدين الصالحىّ بيبرس فى أواخر المحرّم بالقصر «5» الأبلق،

ما وقع من الحوادث سنة 677

وله بضع وخمسون سنة. وكمال الدين إبراهيم بن الوزيرى نجيب الدين [أحمد «1» ] بن إسماعيل [بن إبراهيم «2» ] بن فارس التّميمىّ الكاتب المقرئ فى صفر، وله ثمانون سنة. والواعظ نجم الدين علىّ بن علىّ بن إسفنديار بدمشق فى رجب، وله خمس «3» وأربعون سنة وأشهر. وبيليك الظاهرىّ الخازندار نائب مصر. والصاحب معين الدين سليمان بن علىّ [بن محمد «4» بن حسن] البرواناه الرومىّ، قتله أبغا فى المحرّم. والشيخ خضر بن أبى بكر العدوىّ شيخ السلطان. والشيخ الإمام شمس الدين محمد [بن إبراهيم ابن «5» عبد الواحد بن علىّ بن سرور قاضى القضاة أبو بكر وأبو عبد الله المعروف ب] ابن العماد الحنبلىّ فى المحرّم بمصر. والقاضى تقىّ الدين محمد بن حياة الرّقّىّ قاضى حلب بتبوك «6» فى المحرّم. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ست أذرع وثلاث عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وثمانى أصابع. [ما وقع من الحوادث سنة 677] السنة الثانية من ولاية الملك السعيد على مصر، وهى سنة سبع وسبعين وستمائة.

فيها توفّى الشيخ الإمام زين الدين أبو العباس إبراهيم بن أحمد بن أبى الفرج «1» الدّمشقىّ الحنفىّ المعروف بابن السّديد إمام مقصورة الحنفيّة «2» شمالى جامع دمشق وناظر وقفها. كان إماما فقيها ديّنا كثير الخير غزير المروءة. مات فى جمادى الأولى ببستانه بالمزّة «3» ودفن بسفح قاسيون. وفيها توفّى الأمير شمس الدّين آق سنقر بن عبد الله الفارقانىّ، كان أصله من مماليك الأمير نجم الدين حاجب الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب الشام، ثم انتقل إلى ملك السلطان الملك الظاهر بيبرس، وتقدّم عنده وجعله أستادارا كبيرا. وكان للملك الظاهر عدّة أستادارية، وكان الملك الظاهر كثير الوثوق به فى أموره ويستنيبه فى غيبته ويقدّمه على عساكره، ولمّا صار الأمر إلى الملك السعيد جعله نائبه لسائر الممالك بعد بيليك الخازندار، فلمّا ثارت الخاصّكيّة قبضوا عليه وقتلوه، وقيل إنّه بقى فى هذه السنة، والأصحّ أنّهم قبضوا عليه وسجنوه إلى أن مات فى جمادى الأولى من هذه السنة. وكان أميرا كبيرا جسيما شجاعا مقداما مهابا ذا رأى وتدبير وعقل ودهاء، كثير البرّ والصدقات عالى الهمّة، وله مدرسة «4» عند داره داخل باب سعادة «5» بالقاهرة.

وفيها توفّى الأمير جمال الدين آقوش بن عبد الله النّجيبىّ الصالحىّ النّجمىّ الأيّوبىّ، كان مقرّبا عند أستاذه الملك الصالح وولّاه أستادارا، وكان كثير الاعتماد عليه. ثم ولّاه الملك الظاهر بيبرس نيابة دمشق فأقام بها تسع سنين، ثم عزله وتركه بطّالا بالقاهرة إلى أن مات بها فى ليلة الجمعة خامس شهر ربيع الآخر بداره «1» بدرب ملوخيّا من القاهرة، ودفن يوم الجمعة بتربته «2» بالقرافة الصغرى. وفيها توفّى الشيخ جمال الدين طه بن إبراهيم بن أبى بكر بن أحمد بن بختيار الهذبانى الإربلىّ، كان عنده فضيلة وأدب ورياسة، وله يد فى النظم. ومات فى جمادى الأولى. ومن شعره فى النهى عن النظر فى النجوم: دع النجوم لطرقىّ «3» يعيش بها ... وبالعزيمة فانهض أيّها الملك إنّ النّبيّ وأصحاب النّبيّ نهوا ... عن النجوم وقد أبصرت ما ملكوا وفيها توفّى قاضى القضاة مجد الدين أبو المجد عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن هبة الله العقيلىّ الحلبىّ الحنفىّ ابن الصاحب كمال الدين عمر «4» بن العديم. كان إماما

عالما فاضلا كبير الديانة والورع، كان جمع بين العلم والعمل والرياسة، ولى قضاء دمشق مع عدّة تداريس، ولم يزل قاضيا إلى أن توفّى بظاهر دمشق بجوسقه «1» الذي على الشّرف [الأعلى «2» ] القبلى فى يوم الثلاثاء سادس عشر شهر ربيع الاخر، ودفن فى تربة أنشأها قبالة الجوسق المذكور. ومن شعره ما كتبه لخاله عون الدين سليمان «3» ابن العجمىّ بسبب ابن مالك، فقال: أمولاى عون الدين يا راويا لنا ... حديث المعالى عن عطاء ونافع بعيشك حدّثنى حديث ابن مالك ... فأنت له يا مالكى خير شافع وفيها توفّى الشيخ موفّق الدين أبو محمد عبد الله بن عمر بن نصر الله الأنصارىّ، كان أديبا فاضلا. قال الشيخ قطب الدين اليونينىّ فى الذيل على المرآة: «صاحبنا [كان أديبا فاضلا «4» مقتدرا على النظم] ، وله مشاركة فى علوم كثيرة، منها: الكحل والطبّ، وغير ذلك من الفقه والنحو والأدب، ويعظ الناس، حلو النادرة حسن المحاضرة» . انتهى كلام قطب الدين. قلت ومن شعره: قلبى وطرفى فى ديارهم ... هذا يهيم بها وذا يهمى رسم الهوى لما وقفت بها ... للدمع أن يجرى على الرسم وفيها توفّى الأديب نجم الدين أبو المعالى محمد بن سوّار بن إسرائيل بن الخضر بن إسرائيل الشّيبانىّ الدمشقىّ المولد والدار والوفاة، كان أديبا فاضلا قادرا على النظم

صوفيّا. وقد ذكرنا حكايته مع الشّهاب «1» الخيمىّ لمّا ادّعى كلّ منهما القصيدة البائية التى أوّلها: يا مطلبا ليس لى فى غيره أرب وتداعيا عند الشيخ شرف الدين عمر بن الفارض فأمر ابن الفارض أن يعمل كل منهما قصيدة على الوزن والقافية فعملا ذلك، فحكم ابن الفارض بالقصيدة للشهاب الخيمىّ. وقد ذكرنا القصائد الثلاث فى «المنهل الصافى» فى ترجمة شهاب الدين الخيمىّ. وابن إسرائيل هذا ممّن تكلّموا فيه ورموه بالاتّحاد. والله أعلم بحاله. ومن شعر ابن إسرائيل هذا على مذهب القوم: خلا منه طرفى وامتلا منه خاطرى ... فطرفى له شاك وقلبى شاكر ولو أنّنى أنصفت لم تشك مقلتى ... بعادا ودارات الوجود مظاهر وله أيضا: يا من تناءى وفؤادى داره ... مضناك قد أقلقه تذكاره صددت عنه قبل ما وصلته ... وكان قبل سكره خماره وفيها توفّى الشيخ الإمام العلّامة مجد الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عمر ابن أحمد بن أبى شاكر الإربلىّ الأديب الفقيه الحنفىّ المعروف بابن الظّهير. مولده بإربل فى ثانى صفر سنة اثنتين وستمائة ونشأ بها، وطلب العلم وتفقّه وبرع فى الفقه والأصول والعربيّة، وقدم دمشق وتصدّى بها للإقراء والتدريس ودرّس بالقايمازيّة «2»

بدمشق؛ وهو من أعيان شيوخ الأدب وفحول المتأخرين وله ديوان شعر، وسمع الحديث ببغداد من أبى بكر بن الخازن «1» والكاشغرىّ «2» [و] بدمشق من السّخاوىّ «3» وكريمة «4» وتاج «5» الدين بن حمّويه؛ وروى عنه أبو شامة «6» والقوصىّ «7» والدّمياطى «8» والشهاب «9» محمود، وعليه تدرّب فى الأدب، و [أبو الحسين «10» ] اليونينىّ والحافظ «11» جمال الدين المزّىّ. ولمّا مات رثاه تلميذه الشّهاب محمود بقصيدة أوّلها: تمكّن «12» ليلى واطمأنّت كواكبه ... وسدّت على صبح «13» الغداة مذاهبه بكته معاليه ولم ير قبله ... كريم مضى والمكرمات نوادبه «14» ومن شعر ابن الظّهير: قلبى «15» وطرفى ذا يسيل دما وذا ... دون «16» الورى أنت العليم بقرحه

وهما بحبّك شاهدان وإنّما ... تعديل كلّ منهما فى جرحه والقلب منزلك القديم فإن تجد ... فيه سواك من الأنام فنحّه الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الأديب نجم الدين محمد [بن «1» سوّار] بن إسرائيل الحريرى «2» الشاعر المشهور فى شهر ربيع الآخر. والإمام مجد الدين محمد بن أحمد بن عمر بن الظّهير الحنفىّ الأديب فى شهر ربيع الآخر أيضا. والأمير شمس الدين آق سنقر الفارقانىّ فى الحبس فى جمادى الأولى. والأمير جمال الدين آقوش النّجيبىّ بالقاهرة فى شهر ربيع الآخر. وشيخ الحنفية وقاضيهم الصّدر سليمان بن أبى العزّ بن وهيب «3» الحنفى فى شعبان، وله ثلاث وثمانون سنة. والصاحب مجد الدين أبو المجد عبد الرحمن بن أبى القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله العقيلىّ قاضى الحنفية فى شهر ربيع الآخر، وله ثلاث وستون سنة. والوزير بهاء الدين علىّ بن محمد بن سليم «4» المصرىّ بن حنّا فى ذى القعدة. والمحدّث ناصر الدين محمد ابن عربشاه «5» الهمذانىّ فى جمادى الأولى. والمحدّث شهاب الدين أحمد بن محمد بن عيسى الجزرىّ. وأبو المرجىّ «6» المؤمّل بن محمد بن علىّ [بن محمد «7» بن علىّ بن منصور عزّ الدين] البالسىّ فى رجب. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وإحدى وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وخمس أصابع.

ذكر سلطنة الملك العادل سلامش على مصر

ذكر سلطنة الملك العادل سلامش «1» على مصر هو السلطان الملك العادل بدر الدين سلامش ابن السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقدارىّ الصالحىّ النجمىّ السادس من ملوك الترك بمصر. تسلطن بعد خلع أخيه الملك السعيد أبى المعالى ناصر الدين محمد بركة خان باتّفاق الأمراء على سلطنته، وجلس على سرير الملك فى يوم الأحد سابع عشر شهر ربيع الآخر سنة ثمان وسبعين وستمائة وعمره يوم تسلطن سبع سنين. وجعلوا أتابكه ومدبّر مملكته الأمير سيف الدين قلاوون الصالحى النّجمىّ. وضربت السّكّة على أحد الوجهين باسم الملك العادل سلامش هذا، وعلى الوجه الآخر اسم الأمير قلاوون؛ وخطب لهما أيضا على المنابر. واستمرّ الأمر على ذلك وصار الأمير قلاوون هو المتصرّف فى الممالك والعساكر والخزائن، ولم يكن لسلامش فى السلطنة مع قلاوون إلّا مجرّد الاسم فقط. وأخذ قلاوون فى الأمر لنفسه. فلمّا استقام له الأمر دخل إليه الأمير شمس الدين سنقر الأشقر ووافقه على السلطنة وأخفى ذلك لكونه كان خشداشه، وكان الأمير عزّ الدين أيدمر نائب الشام عاد إلى الشام بمن معه بعد خلع الملك السعيد، فوصل إلى دمشق يوم الأحد مستهلّ جمادى الأولى، فخرج لتلقّيه من كان تخلّف بدمشق من الأمراء والجند، والمقدّم عليهم الأمير جمال الدين آقوش الشمسىّ. وكان قلاوون قد كاتب آقوش فى أمر أيدمر هذا والقبض عليه، فلمّا وصلوا إلى مصلّى العيد بقصر حجّاج احتاط الأمير جمال الدين آقوش الشمسى والأمراء الذين معه على الأمير أيدمر نائب الشام وأخذوه بينهم، وفرّقوا بينه وبين عسكره الذين حضروا معه من الديار المصريّة، ودخلوا إلى

دمشق من باب «1» الجابية، ورسموا عليه بدار فى دمشق؛ ثمّ نقلوه إلى قلعة دمشق واعتقلوه بها. وكان الملك السعيد قبل أن يخرج من الشام سلّم قلعة دمشق للأمير علم الدين سنجر الدّويدارىّ وجعله النائب عنه أيضا فى البلد. ثمّ أرسل قلاوون جمال الدين آقوش الباخلى وشمس الدين سنقر جاه [الكنجىّ «2» ] إلى البلاد الشاميّة وعلى يدهم نسخة الأيمان بالصورة التى استقرّ الحال عليها بمصر، وأحضروا الأمراء والجند والقضاة والعلماء وأكابر البلد للحلف، وكان معهم نسخة بالمكتوب المتضمّن خلع الملك السعيد وتولية الملك العادل سلامش، فقرئ ذلك على الناس وحلفوا واستمرّ الحلف أيّاما. ثمّ إنّ الأمير قلاوون ولّى خشداشه الذي اتّفق معه على السلطنة، وهو الأمير شمس الدين سنقر الأشقر، نيابة الشام وأعمالها فتوجّه سنقر الأشقر إليها، ودخلها يوم الأربعاء ثالث جمادى الآخرة من سنة ثمان وسبعين المذكورة بتجمّل زائد، فكان موكبه يضاهى موكب السلطان، وعند وصوله إلى دمشق أمر الأمير علم الدين سنجر الدّويدارىّ بالنزول من قلعة دمشق فنزل فى الحال. وصفا الوقت للأمير قلاوون بمسك أيدمر نائب الشام، وبخروج سنقر الأشقر من الديار المصريّة وانبرم أمره مع الأمراء والخاصّكيّة، واتّفقوا معه على خلع الملك العادل سلامش من السلطنة وتوليته إيّاها. فلمّا كان يوم الثلاثاء حادى عشرين شهر رجب سنة ثمان وسبعين وستمائة اجتمع الأمراء والقضاة والأعيان بقلعة الجبل وخلعوا الملك العادل بدر الدين سلامش من السلطنة لصغر سنّه، وتسلطن عوضه أتابكه الأمير سيف الدين قلاوون الألفى الصالحىّ النّجمىّ،

ونعت بالملك المنصور، على أنّه كان هو المتصرّف فى المملكة منذ خلع الملك السعيد وتسلطن الملك العادل سلامش، ولم يكن لسلامش فى أيام سلطنته غير الاسم، وقلاوون هو الكلّ! وكان عدم سلطنة قلاوون قبل سلامش أنّه خاف ثورة المماليك الظاهريّة عليه، فإنّهم كانوا يوم ذاك هم معظم عسكر الديار المصريّة، وأيضا كانت بعض القلاع فى يد نوّاب الملك السعيد فلمّا مهّد أمره تسلطن. ولمّا بلغ سنقر الأشقر سلطنة قلاوون داخله الطّمع فى الملك وأظهر العصيان، على ما سيأتى ذكره فى ترجمة الملك المنصور قلاوون إن شاء الله تعالى. وكانت مدّة سلطنة الملك العادل بدر الدين سلامش على مصر ثلاثة أشهر وستّة «1» أيام. ولزم الملك العادل سلامش داره عند أمّه إلى أن أرسله الملك المنصور قلاوون إلى الكرك، فأقام به عند أخيه الملك خضر «2» مدّة؛ ثم رسم الملك المنصور بإحضاره «3» إلى القاهرة فحضر إليها، وبقى خاملا إلى أن مات الملك المنصور قلاوون وتسلطن من بعده ولده الملك الأشرف خليل بن قلاوون، جهزه وأخاه الملك خضرا وأهله إلى مدينة اسطنبول بلاد الأشكرى، فأقام هناك إلى أن توفّى بها فى سنة تسعين وستمائة. وكان شابّا مليحا جميلا تامّ الشكل رشيق القدّ طويل الشّعر ذا حياء

ووقار وعقل تامّ. مات وله من العمر قريب من عشرين سنة؛ قيل: إنّه كان أحسن أهل زمانه، وبه افتتن جماعة من الناس، وشبّب به الشعراء وصار يضرب به المثل فى الحسن حتى يقول القائل: «ثغر سلامسىّ» . انتهت ترجمة الملك العادل سلامش، رحمه الله. ما وقع من الحوادث سنة السنة التى حكم فيها الملك السعيد إلى سابع عشر شهر ربيع الآخر، ثم حكم من سابع عشر شهر ربيع الآخر إلى حادى عشرين شهر رجب الملك العادل سلامش، ثم فى باقيها الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفىّ، وهى سنة ثمان وسبعين وستمائة. فيها كان خلع ولدى الملك الظاهر بيبرس من السلطنة: الملك السعيد محمد بركة خان، والملك العادل بدر الدين سلامش، وتسلطن بعد سلامش الأمير قلاوون. وقد تقدّم ذكر ذلك كلّه. وفيها توفّى الفقيه المحدّث صفىّ الدين أبو [محمد «1» ] إسحاق [بن «2» ] إبراهيم بن يحيى الشّقراوىّ «3» الحنبلى، ولد بشقراء من ضياع برزة «4» من عمل دمشق سنة خمس وستمائة. ومات بدمشق فى ذى الحجّة، وكان فاضلا فقيها سمع الكثير وحدّث. وفيها توفّى الأمير جمال الدين آقوش بن عبد الله الرّكنىّ المعروف بالبطاح «5» أحد أكابر أمراء دمشق، عاد من تجريدة سيس مريضا ومات بحلب ونقل إلى حمص فدفن عند قبر خالد بن الوليد، رضى الله عنه. والركنى: نسبة الى أستاذه

الأمير ركن الدين بيبرس الصالحىّ النّجمىّ الذي لقى الفرنج بأرض غزّة وكسرهم، وهو غير الملك الظاهر بيبرس. وفيها توفّى الأمير جمال الدين آقوش بن عبد الله الشّهابىّ السّلحدار، كان أيضا فى تجريدة سيس وعاد مريضا، وتوفّى بحماة ثم نقل إلى دمشق ودفن عند خشداشه أيدكين [بن عبد الله «1» ] الشهابى، نسبة إلى الطّواشى شهاب الدين رشيد الخادم الصالحىّ الكبير وهو أستاذهما. وفيها توفّى الأمير نور الدين أبو الحسن علىّ بن عمر بن مجلّىّ الهكّارىّ، كان من أجل الأمراء وأعظمهم، ولى نيابة حلب، وكان حسن السيرة عالى الهمة كريم الأخلاق شجاعا مقداما عارفا مدبّرا معظّما فى الدّول. مات بعد عزله عن نيابة حلب فى مرض موته باستعفائه عنها بها فى شهر ربيع الآخر ودفن بها، وقد نيّف على السبعين سنة، رحمه الله تعالى. وفيها توفّى الشيخ جمال الدين أبو زكريّا يحيى بن أبى المنصور بن أبى الفتح ابن رافع بن علىّ الحرّانىّ الحنبلىّ المعروف بابن الصّيرفىّ، كان إماما فقيها عالما مفتنّا فى الفقه متبحّرا فيه كثير الإفادة، وأفتى ودرّس وانتفع به الطلبة، ومات فى صفر. الذين ذكر الذهبى وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى السلطان الملك السعيد ناصر الدين محمد بن الظاهر بالكرك فى ذى القعدة، وله عشرون سنة وأشهر. والمسند أبو العبّاس أحمد بن أبى الخير سلامة بن إبراهيم الحدّاد الحنبلىّ يوم عاشوراء. والإمام جمال الدين يحيى بن أبى المنصور بن الصّيرفىّ الحرّانىّ فى صفر، وله خمس

وتسعون سنة. وصفىّ الدين إسحاق بن إبراهيم الشّقراوىّ. وفاطمة بنت الملك المحسن «1» ببزاعة «2» . أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ست أذرع سواء. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وإصبع واحدة.

ذكر سلطنة الملك المنصور سيف الدين قلاوون على مصر

ذكر سلطنة الملك المنصور سيف الدين قلاوون على مصر السلطان الملك المنصور سيف الدين أبو المعالى وأبو الفتح «1» قلاوون بن عبد الله الألفىّ التركىّ الصالحىّ النّجمىّ السابع من ملوك الترك بالديار المصرية، والرابع ممن مسّه الرّقّ. ملك الديار المصرية بعد خلع الملك السعيد وصار مدبّر مملكة الملك العادل بدر الدين سلامش إلى أن خلع سلامش وتسلطن الملك المنصور قلاوون هذا من بعده فى حادى «2» عشرين، وقيل عشر شهر رجب سنة ثمان وسبعين وستمائة، وجلس على سرير الملك بأبّهة السلطنة وشعار الملك وتمّ أمره. ولمّا استقل بالمملكة أمسك جماعة كثيرة من المماليك والأمراء الظاهريّة وغيرهم، واستعمل مماليكه على البلاد والقلاع، فلم يبلع ريقه حتّى خرج عليه الأمير شمس الدين سنقر الأشقر نائب دمشق، فإنّه لمّا وصل إليه البريد إلى دمشق بسلطنة المنصور قلاوون فى يوم الأحد سادس «3» عشرى رجب، وعلى يده نسخة يمين التّحليف للأمراء والجند وأرباب الدولة وأعيان الناس، فأحضروا إلى دار «4» السعادة بدمشق وحلفوا إلّا الأمير سنقر الأشقر نائب الشام، فإنّه لم يحلف ولا رضى بما جرى من خلع سلامش وسلطنة قلاوون،

فلم يلتفت أهل دمشق إلى كلامه. وخطب بجامع دمشق للملك المنصور قلاوون وجوامع الشام بأسرها خلا مواضع يسيرة توقّفوا، ثم خطبوا بعد ذلك. وأمّا الملك المنصور قلاوون فإنّه فى شهر رمضان عزل الصاحب برهان الدين السّنجارىّ «1» عن الوزارة بالديار المصريّة، وأمره بلزوم مدرسة «2» أخيه قاضى القضاة بدر الدين السّنجارىّ بالقرافة الصغرى، واستقرّ مكانه فى الوزاره الصاحب فخر الدين إبراهيم بن لقمان صاحب ديوان الإنشاء الشريف بالديار المصريّة، وتولّى عوضه صحابة الديوان القاضى فتح الدين محمد ابن القاضى محيى الدين [عبد «3» الله] بن عبد الظاهر، وهو أوّل كاتب سرّ كان فى الدولة التّركية وغيرها، وإنما كانت هذه الوظيفة فى ضمن الوزارة، والوزير هو المتصرّف فى الديوان، وتحت يده جماعة من الكتاب الموقّعين، وفيهم رجل كبير كنائب كاتب السّر الآن، سمّى فى الآخر صاحب ديوان الإنشاء. ومن الناس من قال: إنّ هذه الوظيفة قديمة. واستدلّ بقول صاحب صبح الأعشى وغيره ممّن كتب للنبىّ، صلى الله عليه وسلم، ومن بعده. وردّ على من قال ذلك جماعة أخر، وقالوا: ليس فى ذكر من كتب للنبىّ، صلّى الله عليه وسلّم، وغيره من الخلفاء دلاله على وظيفة كتابة السّر، وإنّما هو دليل لكلّ كاتب كتب لملك أو سلطان أو غيرهما كائنا من كان، فكلّ كاتب كتب عند رجل يقول: هو أنا ذاك الكاتب، وإذا الأمر احتمل واحتمل سقط الاحتجاج به. ومن قال: إنّ هذه الوظيفة ما أحدثها إلّا الملك المنصور قلاوون فهو الأصح، ونبيّن ذلك، إن شاء الله تعالى، فى أواخر هذه الترجمة، وتذكر من ذكره

صاحب صبح الأعشى وغيره من الكتّاب من عهد النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، إلى يومنا هذا على سبيل الاختصار. انتهى. وقد خرجنا عن المقصود. وأمّا سنقر الأشقر فإنّه فى يوم الجمعة رابع عشرى «1» ذى القعدة من السنة ركب من دار السعادة بدمشق بعد صلاة العصر ومعه جماعة من الأمراء والجند، وهم رجّالة وهو راكب وحده وقصد القلعة من الباب الذي يلى المدينة فهجمها بمن كان معه، وطلعها وجلس بها من ساعته وحلّف الأمراء والجند ومن حضر وتسلطن وتلقب «بالملك الكامل» ، ونادت المنادية فى المدينة بسلطنته واستقلاله بالممالك الشاميّة، وفى بكرة يوم السبت خامس عشرين ذى القعدة طلب القضاة والعلماء ورؤساء البلد وأكابره وأعيانه إلى مسجد أبى الدّرداء، رضى الله عنه، بقلعة دمشق وحلّفهم وحلّف بقيّة الناس على طاعته؛ ثم وجّه العساكر فى يوم الأربعاء تاسع عشرينه إلى بلاد غزّة لحفظ البلاد ومغلّها ودفع من يأتى إليها من الديار المصريّة. وخرجت سنة ثمان وسبعين وليس للملك المنصور قلاوون حكم إلّا على الديار المصرية وأعمالها فقط. ولمّا استهلت سنة تسع وسبعين والملك المنصور سلطان مصر، والملك الكامل شمس الدين سنقر الأشقر سلطان دمشق وما والاها، وصاحب الكرك الملك المسعود خضر ابن الملك الظاهر بيبرس، وصاحب حماة والمعرّة الملك المنصور ناصر الدين محمد ابن الملك تقي الدين محمود الأيّوبىّ؛ والعراق والجزيرة والموصل وإربل وأذربيجان وديابكر وخلاط وخراسان والعجم وما وراء ذلك بيد التّتار والروم؛ وصاحب اليمن الملك المظفّر شمس الدين يوسف بن عمر [بن علىّ بن» رسول] ، وصاحب مكّة، شرّفها الله تعالى، الشريف نجم الدين أبو نمىّ الحسنىّ، وصاحب المدينة الشريفة،

على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، الأمير عزّ الدين جمّاز بن شيحة الحسينىّ؛ ذكرنا هؤلاء تنبيها للناظر فى الحوادث الآتية، ليكون فيما يأتى على بصيرة. انتهى. ثم إنّ السلطان الملك المنصور قلاوون فى أوّل سنة تسع وسبعين وستّمائة المذكورة جهّز عسكرا لغزّة، فلمّا قاربوها لقيهم عسكر الملك الكامل سنقر الأشقر وقاتلوهم حتّى نزحوهم عنها، وانكسر العسكر المصرىّ وقصد الرّمل واطمأنّ الشاميّون بغزّة ونزلوا بها ساعة من النهار، وكانوا فى قلّة، فكرّ عليهم عساكر الديار المصريّة ثانيا وكبسوهم ونالوا منهم منالا كبيرا، ورجع عسكر الشام منهزما إلى مدينة الرّملة «1» . وأمّا الملك الكامل سنقر الأشقر فإنّه قدم عليه بدمشق الأمير شرف الدين عيسى ابن مهنّا ملك العرب بالبلاد الشرقيّة والشماليّة؛ ودخل على الكامل وهو على السّماط فقام له الكامل، فقبّل عيسى الأرض وجلس عن يمينه فوق من حضر. ثم وصل إلى الملك الكامل أيضا الأمير شهاب الدين أحمد بن حجّىّ بن بريد «2» ملك العرب بالبلاد الحجازيّة فأكرمه الملك الكامل غاية الإكرام. وأمّا الملك المنصور لما بلغه ما وقع لعسكره بغزّة جهّز عسكرا آخر كثيفا إلى دمشق لقتال الملك الكامل سنقر الأشقر، ومقدّمهم الأمير علم الدين سنجر الحلبىّ، وخرجوا من مصر وساروا إلى جهة الشام، فصار عسكر دمشق الذي بالرّملة كلّما تقدّم العسكر المصرىّ منزلة تأخّر هو منزلة إلى أن وصل أوائلهم إلى دمشق فى أوائل صفر. وفى يوم الأربعاء ثانى عشر صفر المذكور خرج الملك الكامل من دمشق بنفسه بجميع من عنده من العساكر، وضرب دهليزه بالجسورة «3» وخيّم هناك

بجميع الجيش، واستخدم المماليك وأنفق الأموال، وجمع خلقا عظيما وحضر عنده عرب الأميرين: ابن مهنّا وابن حجّىّ ونجدة حلب ونجدة حماة، مقدّمهما الملك الأفضل نور الدين علىّ أخو صاحب حماة؛ ورجّالة كثيرة من جبال بعلبكّ، ورتّب العساكر والأطلاب بنفسه وصفّ العساكر ميمنة وميسرة ووقف هو تحت عصائبه؛ وسار العسكر المصرى أيضا بترتيب هائل وعساكر كثيرة، والأطلاب أيضا مرتّبة، والتقى الجيشان فى يوم الأحد [سادس «1» عشر صفر] وقت طلوع الشمس فى المكان المذكور وتقاتلا أشدّ قتال، وثبت كلّ من الطائفتين ثباتا لم يسمع بمثله إلّا نادرا لا سيّما الملك الكامل سنقر الأشقر، فإنّه ثبت وقائل بنفسه قتالا شديدا، واستمرّ المصافّ بين الطائفتين إلى الرابعة من النهار ولم يقتل من الفريقين إلا نفر يسير جدّا، وأمّا الجراح فكثيرة. فلمّا كانت الساعة الرابعة من النهار خامر أكثر عسكر دمشق على الملك الكامل سنقر الأشقر وغدروا به وانضافوا إلى العسكر المصرىّ، وكان «2» لما وقع العين على العين قبل أن يلتحم القتال انهزم عساكر حماة وتخاذل عسكر الشام على الكامل، فمنهم: من دخل بساتين دمشق واختفى بها، ومنهم من دخل دمشق راجعا، ومنهم من ذهب إلى طريق بعلبكّ، فلم يلتفت الملك الكامل لمن ذهب منه من العساكر وقاتل، فلمّا انهزم عنه من ذكرنا فى حال القتال ضعف أمره ومع هذا استمرّ يقاتل بنفسه ومماليكه إلى أن رأى الأمير عيسى بن مهنّا الهزيمة على الملك الكامل أخذه ومضى به إلى الرّحبة «3» ، وأنزله عنده ونصب له بيوت الشّعر. وأمّا الأمير شهاب الدين أحمد بن حجّىّ فإنّه دخل إلى دمشق بالأمان، ودخل وطاعة الملك المنصور قلاوون.

وأمّا عساكر الشام فإنهم اجتمعوا على القصب من عمل حمص، ثم عاد أكثر الأمراء إلى جهة دمشق وطلبوا الأمان من مقدّم العساكر المصرية الأمير علم الدين سنجر الحلبىّ. وأمّا العساكر المصرية فإنّهم ساقوا من وقتهم إلى مدينة دمشق وأحاطوا بها، ونزلوا بخيامهم ولم يتعرّضوا للزحف، وراسلوا من بالقلعة إلى العصر من ذلك النهار، وفتح من المدينة باب الفرج ودخل منه إلى دمشق بعض مقدّمى الجيش؛ ثم طلب من بالقلعة الأمان فأمّنهم سنجر الحلبى، ففتحت القلعة فدخلوا إليها من الباب الذي داخل المدينة وتسلّموها بالأمان وأفرجوا عن جماعة كثيرة من الأمراء وغيرهم، كان اعتقلهم سنقر الأشقر، منهم: الأمير ركن الدين «1» بيبرس العجمىّ المعروف بالجالق، والجالق: اسم للفرس الحادّ المزاج باللغة التركية، والأمير حسام الدين لاچين «2» المنصورىّ، والقاضى تقىّ الدين توبة «3» التّكريتىّ وغيرهم. وكتب الأمير علم الدين سنجر الحلبىّ بالنصر إلى الملك المنصور قلاوون فسرّ المنصور بذلك، ودقّت البشائر لذلك أياما بالديار المصرية وزيّنت القاهرة ومصر. وأما سنجر الحلبىّ فإنه لما ملك دمشق وقلعتها جهز فى الحال قطعة جيّدة من الجيش المصرىّ تقارب ثلاثة آلاف فارس فى طلب سنقر الأشقر ومن معه من الأمراء والجند. ثم حضر جواب الملك المنصور قلاوون بسرعة يتضمّن: بأننا قد عفونا عن جميع الناس الخاصّ والعام أرباب السيوف والأقلام، وأمّنّاهم على أنفسهم وأهليهم وأموالهم؛ وحضر التشريف للأمير حسام الدين لاچين المنصورى

السّلحدار بنيابة دمشق، فلبس الخلعة وقبّل الأرض؛ ثم أردف الأمير سنجر الحلبىّ العسكر الذي كان توجّه لقتال سنقر الأشقر بعسكر آخر، مقدّمه الأمير عزّ الدين الأفرم، فلحق بمن كان توجّه قبله وسار الجميع فى طلب سنقر الأشقر. فلّما بلغ سنقر ذلك رحل عن عيسى بن مهنّا وتوجّه فى البريّة إلى الحصون التى كانت بقيت فى يد نوّابه، فتحصّن هو ومن معه بها فى أواخر الشهر المذكور وهى: صهيون، كان بها أولاده وخزائنه ودخلها هو أيضا، وبلاطنس وحصن برزيه وحصن عكّار «1» وجبلة واللّاذقيّة وغيرها؛ ثم عادت العساكر إلى دمشق وتردّدت الرسل بينهم وبين سنقر الأشقر. وبينما هم فى ذلك وردت الأخبار فى أوائل جمادى الآخرة أنّ التّتار قصدوا البلاد الشاميّة، فخرج من كان بدمشق من العساكر الشاميّة والمصريّة، ومقدّمهم الأمير ركن الدين اياجى «2» ، ولحقهم العساكر الذين كانوا فى طلب سنقر الأشقر، ونزل الجميع بظاهر حماة؛ وكانوا كاتبوا الملك المنصور قلاوون بمجيء التّتار. فجهّز إليهم فى الحال عسكرا عليه الأمير بدر الدين بكتاش النّجمىّ، فلحق بهم الأمير بكتاش «3» المذكور بمن معه من العسكر المصرىّ، واجتمع الجميع على حماة وأرسلوا كشّافة فى العشر الأوسط من جمادى الآخرة إلى بلاد التّتار. هذا وقد جفل غالب من بالبلاد الشاميّة وخرجوا عن دورهم ومنازلهم ولم يبق هناك إلّا من عجز عن الحركة. وكان سبب حركة التّتار أنّهم لمّا سمعوا اختلاف الكلمة، وظنّوا أنّ

سنقر الأشقر بمن معه يتّفق معهم على قتال الملك المنصور قلاوون. فأرسل أمراء العساكر المصريّة إلى سنقر الأشقر يقولون له: هذا العدوّ قد دهمنا وما سببه إلا الخلف بيننا! وما ينبغى هلاك الإسلام، والمصلحة أنّنا نجتمع على دفعه؛ فامتثل سنقر ذلك وأنزل عسكره من صهيون وأمر رفيقه الحاج أزدمر أن يفعل كذلك من شيزر، وخيّمت كلّ طائفة تحت قلعتها، ولم يجتمعوا بالمصريين، غير أنهم اتّفقوا على اجتماع الكلمة ودفع العدوّ المخذول عن الشام؛ واستمرّوا على ذلك إلى يوم الجمعة حادى عشرين جمادى الآخرة. وصل طائفة كبيرة من عساكر التّتار إلى حلب ودخلوها من غير مانع يمنعهم عنها، وأحرقوا الجوامع والمساجد والمدارس المعتبرة ودار السلطنة ودور الأمراء، وأفسدوا إفسادا كبيرا على عادة أفعالهم القبيحة، وأقاموا بها يومين على هذه الصورة؛ ثم رحلوا عنها فى يوم الأحد ثالث عشرينه راجعين إلى بلادهم بعد أن تقدّمتهم الغنائم التى كسبوها وكان شيئا كثيرا. وكان سبب رجوعهم لمّا بلغهم اتّفاق الطائفتين على قتالهم؛ وقيل فى رجوعهم وجه آخر، وهو أن بعض من كان استتر بحلب يئس عن نفسه «1» من الحياة؛ فطلع منارة الجامع وكبّر بأعلى صوته على التّتار، وقال: جاء النّصر من عند الله وأشار بمنديل كان معه إلى ظاهر البلد، وأوهم أنّه أشار به إلى عسكر المسلمين، وجعل يقول فى خلال ذلك: اقبضوهم من البيوت مثل النّساء! فتوهّم التّتار من ذلك وخرجوا من البلد على وجوههم وسلم الذي فعل ذلك. وأمّا سنقر الأشقر فإنّ جماعة من الأمراء والأعيان الذين كانوا معه فرّوا إلى العسكر المصرىّ ودخلوا تحت طاعة الملك المنصور قلاوون.

وأمّا الملك المنصور قلاوون فإنّه لما طال عليه أمر سنقر الأشقر وأمر التّتار جمع أعيان مملكته فى هذا الشهر بقلعة الجبل، وجعل ولده الأمير علاء «1» الدين عليّا ولىّ عهده، ولقبه «الملك الصالح» ، وخطب له على المنابر. ثم تجهّز السلطان وخرج من الديار المصريّة بعساكره، وسار حتى وصل إلى غزّة بلغه رجوع العدو المخذول، فأقام بالرّملة وتوقّف عن التوجّه إلى دمشق لعدم الحاجة إلى ذلك، وقصد تخفيف الوطأة عن البلاد وأهلها. ثم رحل يوم الخميس عاشر شعبان راجعا من الرّملة إلى الديار المصريّة، فدخلها وأقام بها أقلّ من أربعة أشهر. ثم بدا له التوجّه إلى الشام ثانيا، فتجهّز وتجهّزت عساكره وخرج بهم من مصر فى يوم الأحد مستهلّ ذى الحجّة قاصدا الشام، وترك ولده الملك الصالح عليّا يباشر الأمور عنه بالديار المصريّة. وسار الملك المنصور قلاوون حتى وصل إلى الرّوحاء من عمل الساحل، ونزل عليها فى يوم الثلاثاء سابع عشر ذى الحجّة، وأقام قبالة عكّا، فراسلته الفرنج من عكّا فى تجديد الهدنة، فإنّها كانت انقضت مدّتها، وأقام بهذه المنزلة حتى استهلّت سنة ثمانين وستّمائة رحل عنها يوم الخميس عاشر المحرّم. ونزل اللّجّون «2» ، وحضر رسل الفرنج بها بحضرة الأمراء، وسمعوا رسالة الفرنج، فآستشارهم السلطان فحصل الاتّفاق على الهدنة، وحلف لهم الملك المنصور على الصورة التى وقع الاتّفاق عليها، وانبرم الصلح وانعقدت الهدنة فى يوم الأحد ثالث عشر المحرّم. ثم قبض الملك المنصور على الأمير كوندك «3» الظاهرىّ وعلى جماعة من الأمراء الظاهريّة لمصلحة اقتضاها الحال، وعند قبضهم هرب الأمير سيف الدين بلبان الهارونىّ ومعه

جماعة وقصدوا صهيون إلى عند سنقر الأشقر، وركبت الخيل فى طلبهم فلم يدركوهم، ثم هرب الأمير أيتمش السّعدىّ أيضا ومعه جماعة إلى صهيون من منزلة خربة «1» اللّصوص. ثم سار الملك المنصور إلى دمشق فدخلها فى يوم السبت تاسع عشره، وأقام بدمشق الى أن قدم عليه فى صفر الملك المنصور محمد صاحب حماة، فخرج الملك المنصور قلاوون لتلقّيه وأكرمه. ثم تردّدت الرسل بين السلطان الملك المنصور قلاوون وبين سنقر الأشقر فى تقرير قواعد الصلح. فلمّا كان يوم الأحد رابع شهر ربيع الأوّل من سنة ثمانين وستمائة وصل من جهة سنقر الأشقر الأمير علم الدين سنجر الدّويدارىّ «2» ومعه خازندار سنقر الأشقر فى معنى الصلح والوقوف على اليمين، فحلف الملك المنصور قلاوون يوم الاثنين خامسه، ونادت المنادية فى دمشق بانتظام الصلح واجتماع الكلمة، فرجع رسل سنقر الأشقر ومعهم الأمير فخر «3» الدين اياز المقرئ ليحضر يمين سنقر الأشقر، فحلفه وعاد إلى دمشق يوم الاثنين ثانى عشره، فضربت البشائر بالقلعة وسرّ الناس بذلك غاية السرور. وصورة ما انتظم الصلح عليه أنّ سنقر الأشقر يرفع يده عن شيزر ويسلّمها إلى نوّاب الملك المنصور قلاوون، وعوّضه قلاوون عنها فامية وكفر طاب وأنطاكية والسّويديّة «4» وبكاس ودركوش بأعمالها كلّها وعدّة ضياع معروفة، وأن يقيم على ذلك، وعلى ما كان استقرّ بيده عند الصلح، وهو صهيون وبلاطنس وحصن برزة وجبلة واللّاذقيّة

بستمائة فارس، وأنه يسلّم الأمر إلى الملك المنصور قلاوون؛ وخوطب سنقر الأشقر فى مكاتباته «بالمقرّ العالى المولوى السّيّدىّ العالمىّ العادلىّ الشمسىّ» ولم يصرح فى مخاطباته بالملك ولا بالأمير، وكان يخاطب قبل ذلك فى مكاتباته من الملك المنصور قلاوون إلى الجناب العالى الأميرى الشمسىّ. انتهى. وبينما السلطان فى ذلك ورد عليه مجىء التّتار إلى البلاد الشامية وهو بدمشق، فتهيّأ لقتالهم وأرسل يطلب العساكر المصرية، وبعد قليل حضرت عساكر مصر إلى دمشق واجتمعت العساكر عند السلطان، ولم يتأخر أحد من التّركمان والعربان وسائر الطوائف. ووصل الخبر بوصول التّتار إلى أطراف بلاد حلب، فخلت حلب من أهلها وجندها ونزحوا إلى جهة حماة وحمص، وتركوا الغلال والحواصل والأمتعة، وخرجوا جرائد على وجوههم؛ ثم ورد الخبر بوصول منكوتمر بن هولاكو ملك التّتار إلى عينتاب وما جاورها فى يوم الأحد سادس عشرين جمادى [الاخرة «1» ] فخرج الملك المنصور قلاوون بعساكره فى يوم الأحد المذكور وخيّم بالمرج، ووصل التتار الى بغراس، فقدّم الملك المنصور عسكره أمامه، ثم سافر هو بنفسه فى سلخ جمادى الآخرة المذكور، وسار حتى نزل السلطان بعساكره على حمص فى يوم الأحد ثالث «2» عشرين شهر رجب، وراسل سنقر الأشقر بالحضور إليه بمن معه من الأمراء والعساكر، وكذلك الأمير أيتمش السّعدىّ الذي كان هرب من عند السلطان لما قبض على الأمراء الظاهريّة؛ فامتثل سنقر الأشقر أمر السلطان بالسمع والطاعة وركب من وقته بجماعته، وحضر إلى عند الملك المنصور قلاوون، واستحلفه لأيتمش السّعدىّ يمينا ثانية ليزداد طمأنينة، ثم أحضره وتكامل حضورهم

عند السلطان، وعامل السلطان سنقر الأشقر بالاحترام التامّ والخدمة البالغة والإقامات العظيمة والرّواتب الجليلة. وشرعت التّتار تتقدّم قليلا قليلا بخلاف عادتهم، فلمّا وصلوا حماة أفسدوا بنواحيها، وشعّثوا وأحرقوا بستان الملك المنصور صاحب حماة وجوسقه وما به من الأبنية. واستمرّ عسكر السلطان بظاهر حمص على حاله إلى أن وصلت التّتار إليه فى يوم الخميس رابع عشر شعبان، فركب الملك المنصور بعساكره وصافف العدوّ، والتقى الجمعان عند طلوع الشمس، وكان عدد التّتار على ما قيل مائة ألف فارس أو يزيدون، وعسكر المسلمين على مقدار النّصف من ذلك أو أقلّ، وتواقعوا من ضحوة النهار إلى آخره، وعظم القتال بين الفريقين وثبت كلّ منهم. قال الشيخ قطب الدين اليونينىّ: «وكانت وقعة عظيمة لم يشهد مثلها فى هذه الأزمان ولا من سنين كثيرة، وكان الملتقى فيما بين مشهد خالد بن الوليد، رضى الله عنه، إلى الرّستن «1» والعاصى، واضطربت ميمنة المسلمين، وحملت التّتار على ميسرة المسلمين فكسروها وانهزم من كان بها، وكذلك انكسر جناح القلب الأيسر وثبت الملك المنصور سيف الدين قلاوون، رحمه الله تعالى، فى جمع قليل بالقلب ثباتا عظيما، ووصل جماعة كثيرة من التّتار خلف المنكسرين من المسلمين إلى بحيرة حمص، وأحدق جماعة من التّتار بحمص، وهى مغلقة الأبواب، وبذلوا نفوسهم وسيوفهم فيمن وجدوه من العوامّ والسّوقة والغلمان والرّجّالة المجاهدين بظاهرها، فقتلوا منهم جماعة كثيرة، وأشرف الإسلام على خطّة صعبة! ثم إنّ أعيان الأمراء ومشاهيرهم وشجعانهم: مثل سنقر الأشقر المقدّم ذكره، وبدر الدين بيسرى،

وعلم الدين سنجر الدّويدارىّ، وعلاء الدين طيبرس الوزيرى، وبدر الدين بيليك أمير سلاح، وسيف الدين أيتمش السّعدىّ، وحسام الدين لاچين المنصورىّ، والأمير حسام الدين طرنطاى «1» وأمثالهم لمّا رأوا ثبات السلطان ردّوا على التّتار وحملوا عليهم حملات حتّى كسروهم كسرة عظيمة، وجرح منكوتمر مقدّم التّتار، وجاءهم الأمير شرف الدين عيسى بن مهنّا فى عربه «2» عرضا فتّمت هزيمتهم، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة تجاوز الوصف، واتّفق أنّ ميسرة المسلمين كانت انكسرت كما ذكرنا، والميمنة ساقت على العدوّ ولم يبق مع السلطان إلّا النّفر اليسير، والأمير حسام الدّين طرنطاى قدّامه بالسناجق، فعادت الميمنة الذين كسروا ميسرة المسلمين فى خلق عظيم ومرّوا به، وهو فى ذلك النّفر تحت السناجق (يعنى الملك المنصور قلاوون) والكوسات تضرب. قال: ولقد مررت به فى ذلك الوقت وما حوله من المقاتلة ألف فارس إلا «3» دون ذلك، فلمّا مرّوا به (يعنى ميمنة التّتار التى كانت كسرت ميسرة المسلمين) ثبت لهم ثباتا عظيما، ثم ساق عليهم بنفسه فانهزموا أمامه لا يلوون على شىء، وكان ذلك تمام النّصر؛ وكان انهزامهم عن آخرهم قبل الغروب، وافترقوا فرقتين: فرقة أخذت جهة سلمية والبرّيّة، وفرقة أخذت جهة حلب والفرات. ولمّا انقضى الحرب فى ذلك النهار عاد السلطان إلى منزلته، وأصبح بكرة يوم الجمعة سادس عشر رجب «4» جهّز السلطان وراءهم جماعة كثيرة من العسكر والعربان، ومقدّمهم الأمير بدر الدين بيليك الأيدمرىّ، وكان لمّا لاحت الكسرة على المسلمين

نهب لهم من الأقمشة والأمتعة والخزائن والسلاح ما لا يحصى كثرة، وذهب ذلك كلّه أخذته الحرافشة «1» من المسلمين مثل الغلمان وغيرهم. وكتبت البشائر بهذا النصر العظيم إلى سائر البلاد، وحصل للناس السرور الذي لا مزيد عليه، وعملت «2» القلاع وزيّنت المدن» . وأمّا أهل دمشق فإنّه كان ورد عليهم الخبر أوّلا بكسرة المسلمين، ووصل إليهم جماعة ممّن كان انهزم؛ فلمّا بلغهم النصر كان سرورهم أضعاف سرور غيرهم. وكان أهل البلاد الشامية من يوم خرج السلطان من عندهم إلى ملتقى التّتار وهم يدعون الله تعالى فى كلّ يوم ويبتهلون إليه، وخرج أهل البلاد بالنساء والأطفال إلى الصّحارى والجوامع والمساجد، وأكثروا من الابتهال إلى الله، عزّ وجلّ، فى تلك الأيام لا يفترون عن ذلك حتى ورد عليهم هذا النصر العظيم ولله الحمد، وطابت قلوب الناس، وردّ من كان نزح عن بلاده وأوطانه واطمأنّ كلّ أحد وتضاعف شكر الناس لذلك. وقتل فى هذه الوقعة من التّتار ما لا يحصى كثرة؛ وكان من استشهد من عسكر المسلمين دون المائتين على ما قيل؛ وممّن قتل الأمير الحاج أزدمر، وسيف الدين بلبان الرّومىّ، وشهاب الدين توتل «3» الشّهرزورىّ، [وناصر «4» الدين بن جمال الدين الكاملىّ] ، و [عزّ الدين بن النّصرة] من «5» بيت الأتابك صاحب الموصل وكان أحد الشّجعان المفرطين فى الشجاعة، رحمهم الله تعالى أجمعين.

ثم إن السلطان انتقل من منزلته بظاهر حمص إلى البحيرة التى بحمص ليبعد عن الجيف، ثم توجّه عائدا إلى دمشق فدخلها يوم الجمعة الثانى والعشرين من شعبان قبل الصلاة، وخرج الناس إلى ظاهر البلد للقائه، فدخل دمشق وبين يديه جماعة من أسرى التّتار وبأيديهم رماح عليها رءوس القتلى من التّتار، فكان يوما مشهودا. ودخل السلطان الشام وفى خدمته جماعة من الأعيان، منهم: سنقر الأشقر الذي كان تسلطن وتلقّب بالملك الكامل، وأيتمش السعدىّ، و [الأمير علم الدين «1» سنجر] الدّويدارىّ، وبلبان الهارونىّ؛ ثم قدم بعد ذلك [الأمير «2» بدر الدين] الأيدمرىّ بمن معه من العسكر عائدا من تتبّع التّتار بعد ما أنكى فيهم نكاية عظيمة، ووصل إلى حلب وأقام بها، وسيّر أكثر من معه يتبعونهم، فهلك من التّتار خلق كثير غرقوا بالفرات عند عبورهم. وعند ما عدوه نزل إليهم أهل البيرة فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأسروا منهم جمعا كثيرا، وتفرّق جمع التّتار وأخذت أموالهم. وأقام السلطان بدمشق إلى ثانى شهر رمضان خرج منه عائدا إلى الديار المصريّة، وخرج الناس لوداعه مبتهلين بالدعاء له، وسار حتى دخل الديار المصريّة يوم ثانى عشرين الشهر بعد أن احتفل أهل مصر لملاقاته، وزيّنت الديار المصرية زينة لم ير مثلها من مدّة سنين، وعملت «3» بها القلاع، وشقّ القاهرة فى مروره إلى قلعة الجبل حتى طلع إليها؛ فكان هذا اليوم من الأيام المشهودة، وتضاعف سرور الناس بسلامته وبنصر المسلمين على العدوّ المخذول. ثمّ إنّ السلطان عقيب دخوله إلى مصر قبض على الأمير ركن الدين اياجى الحاجب، وبهاء الدين يعقوب مقدّم الشّهرزوريّة بقلعة الجبل. واستمرّ السلطان

بمصر إلى خامس ذى القعدة من السنة قبض على الأمير أيتمش السّعدىّ بقلعة الجبل وحبسه بها، ثم أرسل إلى نائب دمشق بالقبض على الأمير بلبان الهارونىّ بدمشق فقبض عليه. وفى هذه السنة (أعنى سنة ثمانين وستمائة) تربت جزيرة «1» كبيرة ببحر النيل تجاه قرية بولاق «2»

واللّوق «1» ، وانقطع بسببها مجرى البحر ما بين قلعة المكس «2» وساحل

باب «1» البحر، والرّملة «2» [و] بين جزيرة الفيل «3» وهو المار تحت منية السّيرج، وانسدّ هذا البحر ونشف بالكلّية، واتصل ما بين المقس وجزيرة الفيل بالمشى، ولم يعهد

فيما تقدّم، وحصل لأهل القاهرة مشقّة من نقل الماء الحلو لبعد البحر، فأراد السلطان حفره فنهوه عن ذلك، وقالوا له: هذا ينشف إلى الأبد، فتأسّف السلطان وغيره على ذلك. قلت: وكذا وقع، ونحن الآن لا نعرف أين كان جريان البحر المذكور إلّا بالحدس، لإنشاء الأملاك والبساتين والعمائر والحارات فى محلّ مجرى البحر المذكور، فسبحان القادر على كلّ شىء! ثم فى أوّل سنة إحدى وثمانين وستمائة ورد الخبر على السلطان أنّه تسلطن فى مملكة التّتار مكان أبغا بن هولاكو أخوه لأبيه أحمد بن هولاكو، وهو مسلم حسن الإسلام وعمره يومئذ مقدار ثلاثين سنة، وأنّه وصلت أوامره إلى بغداد تتضمّن إظهار شعائر الإسلام وإقامة مناره، وأنّه أعلى كلمة الدين، وبنى الجوامع والمساجد والأوقاف ورتّب القضاة، وأنه انقاد إلى الأحكام الشرعية، وأنّه ألزم أهل الذّمّة بلبس الغيار «1» ، وضرب الجزية عليهم، ويقال إنّ إسلامه كان فى حياة والده هولاكو، فسرّ السلطان بذلك سرورا عظيما. وبعد مدّة قبض السلطان على

الأمير بدر الدين بيسرى، وعلى علاء الدين كشتغدى الشّمسىّ واعتقلهما بقلعة الجبل، وذلك فى يوم الأحد مستهلّ صفر من السنة. واستمرّ السلطان على ذلك إلى يوم الأربعاء «1» ثانى عشرين شعبان طافوا بكسوة البيت العتيق التى عملت برسم الكعبة، عظّمها الله تعالى، بمصر والقاهرة على العادة، ولعبت مماليك السلطان الملك المنصور قلاوون أمام الكسوة بالرّماح والسلاح. قلت: وأظنّ هذا هو أوّل ابتداء سوق المحمل المعهود الآن، فإنّنا لم نقف فيما مضى على شىء من ذلك مع كثرة التفاتنا إلى هذا المعنى، ولهذا غلب على ظنّى من يوم ذاك بدأ السوق المعهود الآن، ولم يكن إذ ذاك على هيئة يومنا هذا، وإنّما ازداد بحسب اجتهاد المعلّمين، كما وقع ذلك فى غيره من الفنون والملاعيب والعلوم، فإن مبدأ كلّ أمر ليس كنهايته، وإنّما شرع كلّ معلّم فى اقتراح نوع من أنواع السّوق إلى أن انتهى إلى ما نحن عليه الآن، ولا سبيل إلى غير ذلك. يعرف ما قلته من له إلمام بالفنون والعلوم إذا كان له ذوق وعقل. وعلى هذه الصيغة أيضا اللعب بالرمح فإنّ مماليك قلاوون هم أيضا أحدثوه، وإن كانت الأوائل كانت تلعبه، فليس كان لعبهم على هذه الطريقة؛ وأنا أضرب لك مثلا لمصداق قولى فى هذا الفنّ، وهو أنّ مماليك الملك الظاهر برقوق كان أكثرهم قد حاز من هذا الفنّ طرفا جيّدا، وصار فيهم من يضرب بلعبه المثل، وهم جماعة كثيرة يطول الشرح فى ذكرهم، ومع هذا أحدث معلّمو زماننا هذا أشياء لم يعهدوها أولئك من تغيير القبض على الرمح فى مواطن كثيرة فى اللّعب، حتى إنّ لعب زماننا هذا يكاد أنّه يخالف لعب أولئك فى غالب قبوضاتهم وحركاتهم. وهذا أكبر شاهد لى على ما نقلته من أمر المحمل، وتعداد فنونه، وكثرة ميادينه، واختلاف

أسمائها لتغيير لعب الرمح فى هذه المدّة اليسيرة من صفة إلى أخرى، فكيف وهذا الذي ذكرناه من ابتداء السوق من سنة إحدى وثمانين وستمائة! فمن باب أولى تكون زيادات أنواع سوق المحمل أحقّ بهذا لطول السنين، ولكثرة من باشره من المعلّمين الأستاذين، ولتغير الدّول، ولمحبّة الملوك وتعظيمهم لهذا الفن، ولإنفاق سوق من كان حاذقا فى هذا الفن. وقد صنّفت أنا ثمانية ميادين كلّ واحد يخالف الآخر فى نوعه لم أسبق إلى مثلها قديما ولا حديثا، لكنّنى لم أظهرها لكساد هذا الفنّ وغيره فى زماننا هذا، ولعدم الإنصاف فيه وكثرة حسّاده ممّن يدّعى فيه المعرفة وهو أجنبىّ عنها، لا يعرف اسم نوع من أندابه «1» على جليّته بل يدّعيه جهلا، ويقوى على دعواه بالشّوكة والعصبيّة. ولله درّ القائل: أيّها المدّعى سليمى كفاحا ... لست منها ولا قلامة ظفر إنّما أنت من سليمى كواو ... ألحقت فى الهجاء ظلما بعمرو وشاهدى أيضا قول العلّامة جار «2» الله محمود الزّمخشرىّ وأجاد، رحمه الله تعالى: وأخّرنى دهرى وقدّم معشرا ... على «3» أنّهم لا يعلمون وأعلم ومذ أفلح الجهّال أيقنت «4» أنّنى ... أنا الميم والأيام أفلح أعلم قلت: وتفسير الأفلح هو مشقوق الشّفة العليا، والأعلم مشقوق الشّفة السّفلى، وفائدة ذلك أن مشقوق الشفتين العليا والسّفلى لا يقدر أن يتلفّظ بالميم ولا ينطق بها. فانظر إلى حسن هذا التخيّل والغوص على المعانى.

وما أحسن قول الإمام العلّامة القاضى «1» الفاضل عبد الرحيم وزير السلطان صلاح الدّين، وهو: ما ضرّ جهل الجاهلي ... ن ولا انتفعت أنا بحذقى وزيادة فى الحذق فه ... ى زيادة فى نقص رزقى وقول الشّريف «2» الرّضى فى المعنى: ما قدر فضلك ما أصبحت ترزقه ... ليس الحظوظ على الأقدار والمهن قد كنت قبلك من دهرى على حنق ... فزاد ما بك فى غيظى على الزمن وفى المعنى: كم فاضل فاضل أعيت مذاهبه ... وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا هذا الذي ترك الألباب حائرة ... وصيّر العالم النّحرير زنديقا قلت: ويعجبنى المقالة السادسة عشرة من كتاب «أطباق الذهب» للعلّامة شرف الدين عبد المؤمن الأصفهانىّ المعروف بشوروة «3» ، وهى: «طبع الكريم لا يحتمل حمة «4» الضّيم، وهواء الصيف لا يقبل غمّة الغيم؛ والنّبيل يرضى النّبال والحسام، ويأبى أن يسام «5» ؛ ولأن يقتل صبرا، ويودع قبرا؛ أحبّ إليه من أن يصيبه نشّاب الجفاء، من جفير «6» الأكفاء؛ يهوى المنيّة، ولا يرضى الدّنيّة؛ يستقبل السيف، ولا يقبل الحيف؛ إن سيم أخذته الهزّة، وإن ضيم أخذته

العزّة؛ إن عاشرته سال عذبا، وإن عاسرته سلّ عضبا «1» ؛ إن شاربته تخمّر، وإن حاربته تنمّر؛ يرى العزّ مغنما، والذّل مغرما، وكان كأنف اللّيث لا يشتمّ مرغما!. فيا هذا كن فى الدنيا مىّ الأنف منيع الجناب، أبىّ النفس طرير «2» النّاب؛ ولا تصحب الدنيا صحبة بعال «3» ، ولا تنظر إلى أبنائها إلّا من عال؛ ولا تخفض جناحك لبنيها، ولا تضعضع ركنك لبانيها؛ ولا تمدّن عينيك إلى زخارفها، ولا تبسط يدك إلى مخارفها؛ وكن من الأكياس، واتل على اللّئام سورة الناس «4» ، ولا تصعّر خدّك للناس» . انتهى. قلت: وقد خرجنا عن المقصود غير أنّنا وجدنا المقال فقلنا. ولنعد إلى ما نحن فيه من ترجمة الملك المنصور قلاوون. ودام السلطان الملك المنصور بديار مصر إلى سنة ثلاث وثمانين وستمائة، توفّى صاحب حماة الملك المنصور محمد الأيّوبىّ، فأنعم السلطان الملك المنصور على ولده بسلطنة حماة، وولّاه مكان والده المنصور. ثم تجهّز السلطان فى السنة المذكورة وخرج من الديار المصريّة بعسكره متوجّها إلى الشام فى أواخر جمادى الأولى، وسار حتى دخل دمشق فى ثانى عشر جمادى الآخرة، وأقام بدمشق إلى أن عاد إلى جهة الديار المصريّة فى الثّلث الأخير من ليلة السبت ثالث عشرين شعبان، وسار حتى دخل مصر فى النصف من شهر رمضان، وأقام بديار مصر إلى أوّل سنة أربع وثمانين وستمائة تجهّز وخرج منها بعساكره إلى جهة الشام، وسافر حتى دخل دمشق يوم السبت ثانى عشرين المحرّم من السنة المذكورة، وعرض العسكر الشامى عدّة أيّام، وخرجوا جميعا قاصدين المرقب فى يوم الاثنين ثانى صفر. وكان

قد بقى فى يد سنقر الأشقر قطعة من البلاد، منها: بلاطنس وصهيون وبرزيه وغير ذلك، وكان عمل السلطان فى الباطن انتزاع ما يمكن انتزاعه من يد سنقر الأشقر المذكور وإفساد نوّابه. فاتّفق الحال بين نوّاب السلطان وبين نوّاب سنقر الأشقر على تسليم بلاطنس فسلّمت فى أوّل صفر. ووافى السلطان البشرى بتسليمها وهو على عيون القصب فى توجّهه إلى حصار المرقب فسرّ بذلك واستبشر بنيل مقصوده من المرقب؛ وكان فى نفس السلطان من أهل المرقب لما فعلوا مع عسكره ما فعلوا فى السنين الماضية، فنازل السلطان حصن المرقب فى يوم الأربعاء عاشر صفر، وشرع العسكر فى عمل الستائر والمجانيق. فلمّا انتهت الستائر التى للمجانيق حملتها المقاتلة لباب الحصن، فسقطت السّتارة إلى بركة كبيرة كان عليها جماعة من أصحاب الأمير علم الدين سنجر الدّويدارىّ، منهم شمس الدين سنقر أستاداره وعدّة من مماليكه فاستشهدوا جميعهم، رحمهم الله تعالى. ثمّ فى يوم الأحد «1» رابع عشره، حضر رسل الفرنج من عند ملكهم الإسبتار، وسألوا السلطان الصّلح والأمان لأهل المرقب على نفوسهم وأموالهم ويسلّمون الحصن المذكور، فلم يجبهم السلطان إلى ذلك، وكملّ نصب المجانيق ورمى بها وشعّث الحصن وهدم معظم أبراجه واستمرّ الحال إلى سادس عشر شهر ربيع الأوّل، زحف السلطان على الحصن فأذعن من فيه بالتسليم؛ وحصلت المراسلة فى معنى ذلك. فلمّا كان يوم الجمعة ثامن عشر شهر ربيع الأوّل المذكور سلّم، ورفعت عليه الأعلام الإسلاميّة ونزل من به بالأمان على أرواحهم فركبوا، وجهّز معهم من أوصلهم إلى أنطرطوس. [و «2» ] بالقرب من هذا الحصن [مرقيّة «3» ] وهى بلدة صغيرة على البحر، وكان

صاحبها قد بنى فى البحر برجا «1» عظيما لا يرام ولا تصله النّشّاب ولا حجر المنجنيق وحصّنه؛ واتفق حضور رسل صاحب طرابلس إلى السلطان بطلب مراضيه، فآقترح عليه خراب هذا البرج وإحضار من كان فيه أسيرا من الجبيليّين «2» الذين كانوا مع صاحب جبيل «3» فأحضر من بقى منهم فى قيد الحياة واعتذر عن هدم البرج بأنّه ليس له، ولا هو تحت حكمه؛ فلم يقبل السلطان اعتذاره وصمّم على طلبه منه، فقيل: إنّه اشتراه من صاحبه

بعدّة قرى وذهب كثير، ودفعه إلى السلطان، فأمر بهدمه فهدم واستراح الناس منه. وحصل الاستيلاء فى هذه الغزوة على المرقب وأعماله ومرقيّة. والمرقب هو من الحصون المشهورة بالمنعة والحصانة وهو كبير جدا، ولم يفتحه السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب فيما فتح، فأبقاه السلطان الملك المنصور بعد أن أشير عليه بهدمه، ورمّم شعثه واستناب فيه بعض أمرائه ورتّب أحواله. وكتبت البشائر بهذا الفتح إلى الأقطار. ولمّا كان السلطان الملك المنصور على حصار المرقب جاءته البشرى بولادة ولده «الملك الناصر محمد بن قلاوون» ، فمولد الملك الناصر محمد هذه السنة، فيحفظ إلى ما يأتى ذكره فى ترجمته، إن شاء الله تعالى، فإنّه أعظم ملوك الترك بلا مدافعة. ولمّا فتح السلطان الملك المنصور المرقب عملت الشعراء فى ذلك عدّة قصائد، فمن ذلك ما قاله العلّامة شهاب الدين أبو الثّناء محمود، وهى قصيدة طنّانة أوّلها: الله أكبر هذا النّصر والظّفر ... هذا هو الفتح لا ما تزعم السّير هذا الذي كانت «1» الآمال إن طمحت ... إلى الكواكب ترجوه وتنتظر فانهض وسر واملك الدّنيا فقد نحلت ... شوقا منابرها وارتاحت السّرر كم رام قبلك هذا الحصن من ملك ... فطال عنه وما فى باعه قصر وكيف تمنحه الأيّام مملكة ... كانت لدولتك الغرّاء تدّخر وكيف يسمو إليها من تأخّر عن ... إسعاده «2» منجداك القدر والقدر

غرّ العدا منك حلم تحته همم ... لأشقر البرق من تحجيلها غرر لها وإن أشبهت لطف النّسيم سرى ... معنى العواصف لا تبقى ولا تذر أوردتها المرقب العالى وليس سوى ... ماء المجرّة فى أرجائها نهر كأنّه وكأنّ الجوّ يكنفه ... وهم تمثّله فى طيّها الفكر يختال كالغادة العذراء قد نظمت ... منه مكان اللآلى الأنجم الزّهر له الهلال سوار والسّها شنف ... والقلب «1» قلب ومسودّ الدّجى طرر تعلو الرياح إليه كى تحيط به «2» ... [خبرا] وتدنو وما فى ضمنها خبر ويومض البرق يهفو نحوه ليرى ... أدنى رباه ويأتى وهو معتذر وليس يروى بماء السّحب مصعدة ... إليه من فيه إلّا وهو منحدر ومنها: وأضرمت حوله نار لها لهب ... من السّيوف ومن نبل الوغى شرر ومنها: كأنّها ومجانيق الفرنج لها ... فرائس الأسد فى أظفارها الظّفر وكم شكا الحصن ما يلقى فما اكترثت ... يا قلبها أحديد أنت أم حجر وللنقوب دبيب فى مفاصله ... تثير سقما ولا يبدو له أثر أضحى به مثل صبّ لا تبين به ... نار الهوى وهى «3» فى الأحشاء تستعر ومنها: ركبت فى جندك الأولى إليه ضحا ... والنصر يتلوك منه جندك الأخر قد زال تجلى قواه عن قواعده ... وخرّ أعلاه نحو الأرض يبتدر

وساخ وانكشفت أقباؤه وبدا ... لديك من مضمرات النصر ما ستروا فمال يهوى إليهم كلّ ليث وغى ... له من البيض ناب والقنا ظفر ومنها بعد أبيات كثيرة براعة المقطع: إن لم يوفّ الورى بالشكر ما فتحت ... يداك فالله والأملاك قد شكروا ثم سار الملك المنصور قلاوون من المرقب إلى دمشق وأقام بها أياما، ثم خرج منها عائدا إلى نحو الديار المصريّة فى بكرة الاثنين ثانى عشر جمادى الأولى؛ فدخل الديار المصريّة فى أوائل شهر رجب. ولمّا دخل القاهرة وأقام بها أخذ فى عمل أخذ الكرك من الملك المسعود نجم الدين خضر ابن السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقدارىّ حتى أخذت، وورد عليه الخبر بأخذها فى ليلة الجمعة سابع صفر [سنة «1» خمس وثمانين وستمائة] ودقّت البشائر بالديار المصريّة ثلاثة أيام. ثمّ فى سنة ستّ وثمانين وستمائة جهّز السلطان طائفة من العسكر بالديار المصريّة صحبة الأمير حسام الدين طرنطاى إلى الشام لحصار صهيون وبرزيه وانتزاعهما من يد سنقر الأشقر، فسار حسام الدين المذكور بمن معه حتى وصل دمشق فى أثناء المحرّم، واستصحب معه الأمير حسام الدين لاچين نائب الشام، وتوجّه الجميع إلى صهيون بالمجانيق فوصلوها وشرعوا فى حصارها؛ وكان سنقر الأشقر قد استعدّ لهم وجمع إلى القلعة خلقا كثيرا؛ فحاصروه أيّاما، ثم بعد ذلك توجّه الأمير حسام الدين إلى برزيه وحصرها واستولى عليها، وهى ممّا يضرب المثل بحصانتها. ولمّا فتحها وجد فيها خيولا لسنقر الأشقر. ولمّا فتحت برزيه لانت عريكة سنقر الأشقر،

وأجاب إلى تسليم صهيون على شروط اشترطها، فأجابه طرنطاى إليها، وحلف له بما وثق به من الأيمان، ونزل من قلعة صهيون بعد حصرها شهرا واحدا، وأعين على نقل أثقاله بجمال كثيرة وحضر بنفسه وأولاده وأثقاله وأتباعه إلى دمشق. ثم توجّه إلى الديار المصريّة صحبة طرنطاى المذكور ووفّى له بجميع ما حلف عليه؛ ولم يزل يذبّ عنه أيام حياته أشدّ ذبّ. وأعطى السلطان لسنقر الأشقر بالديار المصريّة خبز مائة فارس، وبقى وافر الحرمة إلى آخر أيام الملك المنصور قلاوون. وانتظمت صهيون وبرزيه فى سلك الممالك المنصورية. ثم خرج الملك المنصور من الديار المصرية قاصدا الشام فى يوم سابع عشرين شهر رجب سنة ستّ وثمانين وسار حتى وصل غزّة أقام بتلّ العجول «1» أياما إلى شوّال، ثم رجع إلى الديار المصرية فدخلها يوم الاثنين ثالث عشرين شوّال، ولم يعلم أحد ما كان غرضه فى هذه السّفرة. وفى شوّال هذا سلطن الملك المنصور ولده الملك الأشرف صلاح الدين خليلا وجعله مكان أخيه الملك الصالح علاء الدين علىّ بعد موته، ودقّت البشائر لذلك سبعة أيام بالديار المصرية وغيرها، وحلف الناس له والعساكر، وخطب له بولاية العهد. ثمّ فى سنة ثمان وثمانين وستّمائة فتحت طرابلس، وهو أنّ صاحب طرابلس كان وقع بينه وبين سير تلميه «2» الفرنجىّ، وكان من أصحاب صاحب

الحصن «1» الذي أخربه صاحب طرابلس رضاء للملك المنصور قلاوون حسب ما تقدّم ذكره. فحصلت بينه وبين صاحب طرابلس وحشة بسبب ذلك، واتّفق موت صاحب الحصن، وسأل سير تلميه من السلطان الملك المنصور المساعدة، وأن يتقدّم للأمير «2» بلبان الطّبّاخى السّلحدار أن يساعده على تملّك طرابلس، على أن تكون مناصفة، وبذل فى ذلك بذولا كثيرة، فسوعد إلى أن تمّ له مراده، ورأى أنّ الذي بذله للسلطان لا يوافقه الفرنج عليه، فشرع فى باب التّسويف والمغالطة ومدافعة الأوقات؛ فلمّا علم السلطان باطن أمره عزم على قتاله قبل استحكام أمره، فتجهّز وخرج من الديار المصريّة بعساكره لحصار طرابلس، وسار حتّى وصل دمشق وأقام بها، ثم تهيّأ وخرج منها، ونازل طرابلس فى مستهلّ شهر ربيع الأوّل، ونصب عليها المجانيق وضايقها مضايقة شديدة إلى أن ملكها بالسيف فى الرابعة من نهار الثلاثاء رابع شهر ربيع الآخر، وشمل القتل والأسر لسائر من كان بها، وغرق منهم فى الماء جماعة كثيرة، ونهب من الأموال والذخائر والمتاجر وغير ذلك ما لا يوصف، ثم أحرقت وخرّب سورها، وكان من أعظم الأسوار وأمنعها. ثم تسلّم حصن أنفة «3» وكان أيضا لصاحب طرابلس

فأمر السلطان بتخريبه، ثم تسلّم السلطان البترون وجميع ما هناك من الحصون. وكان لطرابلس مدّة طويلة بأيدى الفرنج من سنة ثلاث وخمسمائة إلى الآن. قلت: وكان فتح طرابلس الأوّل فى زمن معاوية بن أبى سفيان، رضى الله عنه، وتنّقلت فى أيدى الملوك، وعظمت فى زمن بنى عمّار قضاة طرابلس وحكّامها. فلمّا كان فى آخر المائة الخامسة ظهرت طوائف الفرنج فى الشام واستولوا على البلاد فامتنعت عليهم طرابلس مدّة حتّى ملكوها بعد أمور فى سنة ثلاث وخمسمائة، واستمرّت فى أيديهم إلى أن فتحها الملك المنصور قلاوون فى هذه السنة. وقال شرف الدين محمد بن موسى المقدسىّ الكاتب فى «السّيرة المنصوريّة» : إن طرابلس كانت عبارة عن ثلاثة حصون مجتمعة باللسان الرومى، وكان فتحها على يد سفيان بن مجيب «1» الأزدىّ، بعثه لحصارها معاوية بن أبى سفيان فى خلافة عثمان بن عفّان، رضى الله عنه، انتهى كلام شرف الدين باختصار. قلت: وأما طرابلس القديمة كانت من أحسن المدن وأطيبها، ثمّ بعد ذلك اتخذوا مكانا على ميل من البلدة وبنوه مدينة صغيرة بلا سور، فجاء مكانا ردىء الهوى والمزاج من الوخم. انتهى. ولمّا فتحت طرابلس كتبت الشائر إلى الآفاق بهذا النصر العظيم، ودقّت البشائر والتهانى وزيّنت المدن وعملت القلاع فى الشوارع وسرّ الناس بهذا النصر غاية السّرور. وأنشأ فى هذا المعنى القاضى تاج الدين ابن الأثير كتابا إلى صاحب اليمن بأمر الملك المنصور يعرّفه بهذا الفتح العظيم وبالبشارة به. وأوّله:

[بسم «1» الله الرحمن الرحيم أعزّ الله] نصر المقام العالىّ السلطانىّ الملكىّ المظفّرىّ الشمسىّ. ثم استطرد وحكى أمر الفتح وغيره إلى أن قال فأحسن فيما قال: وكانت الخلفاء والملوك فى ذلك الوقت ما فيهم إلا من هو مشغول بنفسه، مكبّ على مجلس أنسه؛ يرى السلامة غنيمة، وإذا عنّ له وصف الحرب لم يسأل [منها «2» إلا] عن طرق الهزيمة؛ قد بلغ أمله من الرتبة، وقنع [من «3» ملكه كما يقال با] لسكة والخطبة؛ أموال تنهب، وممالك تذهب؛ لا يبالون «4» بما سلبوا، وهم كما قيل: إن قاتلوا قتلوا أو طاردوا طردوا ... أو حاربوا حربوا أو غالبوا غلبوا إلى أن أوجد الله من نصر دينه، وأذلّ الكفر وشياطينه «5» . انتهى. قلت: والكتاب هذا خلاصته والذي أعجبنى منه. وعمل الشعراء فى هذا الفتح عدّة قصائد، فمن ذلك ما قاله العلّامة شهاب الدين أبو الثّناء محمود كاتب الدّرج المقدّم ذكره يمدح الملك المنصور قلاوون ويذكر فتحه طرابلس، والقصيدة أولها: علينا لمن أولاك نعمته الشكر ... لأنّك للإسلام يا سيفه ذخر ومنّا لك الإخلاص فى صالح الدّعا ... إلى من له فى أمر نصرتك الأمر ولله فى إعلاء ملكك فى الورى ... مراد وفى التأييد يوم الوغى سرّ ألا هكذا يا وارث الملك فليكن ... جهاد العدا لا ما توالى به الدّهر

ومنها: نهضت إلى عليا طرابلس التى ... أقلّ عناها أنّ خندقها البحر والقصيدة «1» طويلة كلّها على هذا المنوال، أضربت عنها خوف الإطالة. انتهى. ثم عاد الملك المنصور إلى الديار المصريّة فى جمادى الآخرة من السنة، واستمرّ بالقاهرة إلى أوّل سنة تسع وثمانين وستمائة، جهّز الأمير حسام الدين طرنطاى كافل الممالك الشاميّة إلى بلاد الصّعيد، ومعه عسكر جيّد من الأمراء والجند، فسكّن تلك النواحى وأباد المفسدين وأخذ خلقا عظيما من أعيانهم رهائن، وأخذ جميع أسلحتهم وخيولهم، وكان معظم سلاحهم السيوف والحجف «2» والرماح، وأحضروا إلى السلطان من ذلك عدّة أحمال، ففرّق السلطان من الخيول والسلاح فيمن أراد من الأمراء والجند وأودع الرهائن الحبوس. وفى هذه السنة أيضا عاد الأمير عزّ الدين أيبك الأفرم من غزو بلاد السودان بمغانم كثيرة ورقيق كثير من النساء والرجال وفيل صغير. ثم فى هذه السنة أيضا رسم السلطان ألّا يستخدم أحد من الأمراء وغيرهم فى دواوينهم أحدا من النصارى واليهود وحرّض على ذلك، فامتثل ذلك الأمراء جميعهم. وفى هذه السنة عزم السلطان الملك المنصور على الحجّ فبلغه خبر فرنج عكّا، ففتر عزمه وتهيّأ للخروج إلى البلاد الشاميّة، ورأى أن يقدّم غزوهم والانتقام على الحجّ؛ وأخذ فى تجهيز العساكر والبعوث، وضرب دهليزه خارج القاهرة، وباب الدهليز إلى

جهة عكّا. وخرج من القاهرة إلى مخيّمه وهو متوعّك لأيام خلت من شوّال، ولا زال متمرّضا بمخيّمه عند مسجد «1» التبن خارج القاهرة إلى أن توفّى به فى يوم السبت سادس ذى القعدة من سنة تسع وثمانين وستمائة، وحمل إلى القلعة ليلة الأحد. وتسلطن من بعده ولده الملك الأشرف صلاح الدين خليل الذي كان عهد له بالسلطنة قبل تاريخه حسب ما ذكرناه. وكثر أسف الناس عليه. قال الحافظ أبو عبد الله شمس الدين محمد الذهبىّ فى «تاريخ الإسلام» بعد ما سماه ولقّبه قال: اشترى بألف دينار، ولهذا كان فى حال إمرته يسمّى بالألفىّ، وكان من أحسن الناس صورة فى صباه، وأبهاهم وأهيبهم فى رجوليّته، كان تامّ الشكل مستدير اللّحية قد وخطه الشّيب، على وجهه هيبة الملك وعلى أكتافه حشمة السلطنة، وعليه سكينة ووقار، رأيته مرات آخرها منصرفه من فتح طرابلس. وكان من أبناء الستين. ثم قال: وحدّثنى أبى أنه كان معجم اللسان لا يكاد يفصح بالعربية، وذلك لأنه أتى به من بلاد التّرك وهو كبير. ثم قال بعد كلام آخر: وعمل بالقاهرة ببين القصرين تربة عظيمة ومدرسة كبيرة، قال: وبيمارستانا للمرضى «2» .

قلت: ومن عمارته البيمارستان المذكور وعظم أوقافه تعرّف همّته، ونذكر عمارة البيمارستان إن شاء الله تعالى بعد ذلك. انتهى. وقال غيره: وكان يعرف أيضا قلاوون الآقسنقرىّ الكاملىّ الصالحىّ النّجمىّ، لأن الأمير آق سنقر الكاملى كان اشتراه من تاجره بألف دينار، ثم مات الأمير آق سنقر المذكور بعد مدّة يسيرة، فارتجع هو وخشداشيته إلى الملك الصالح نجم الدين أيّوب فى سنة سبع وأربعين وستمائة، وهى السنة التى مات فيها الملك الصالح أيّوب، وهذا القول هو الصحيح فى أصل مشتراه. قلت: ولمّا طلع الملك المنصور قلاوون إلى قلعة الجبل ميّتا، أخذوا فى تجهيزه وغسله وتكفينه إلى أن تمّ أمره، وحملوه وأنزلوه إلى تربته ببين القصرين فدفن بها. وكانت مدّة ملكه إحدى عشرة سنة وثلاثة أشهر، رحمه الله تعالى، وكان سلطانا كريما حليما شجاعا مقداما عادلا عفيفا عن سفك الدماء مائلا إلى فعل الخير والأمر بالمعرف، وله مآثر كثيرة: منها البيمارستان الذي أنشأه ببين القصرين، وتمّم عمارته فى مدة يسيرة، وكان مشدّ عمارته الأمير علم الدين «1» سنجر الشّجاعىّ المنصورى وزير الديار المصرية ومشدّ

دواوينها، ثمّ ولى نيابة دمشق ونهض بهذا العمل العظيم وفرغ منه فى أيّام قلائل، ولمّا كمل عمارة الجميع امتدحه معين الدين «1» بن تولوا بقصيدة أوّلها: أنشأت مدرسة ومارستانا ... لتصحّح الأديان والأبدانا قلت: وهذا البيمارستان وأوقافه وما شرطه فيه لم يسبقه إلى ذلك أحد قديما ولا حديثا شرقا ولا غربا. وجدّد عمارة قلعة حلب وقلعة كركر «2» وغير موضع. وأمّا غزواته فقد ذكرناها فى وقتها. وجمع من المماليك خلقا عظيما لم يجمعهم أحد قبله، فبلغت عدّتهم اثنى عشر ألفا، وصار منهم الأمراء الكبار والنوّاب، ومنهم من تسلطن من بعده على ما يأتى ذكره. وتسلطن أيضا من ذريّته سلاطين كثيرة آخرهم الملك المنصور حاجّىّ الذي خلعه الملك الظاهر برقوق. وأعظم من هذا أنّه من تسلطن من بعده من يوم مات إلى يومنا هذا، إمّا من ذريته، وإمّا من مماليكه أو مماليك مماليك أولاده وذريّته، لأنّ يلبغا مملوك السلطان حسن، وحسن ابن محمد بن قلاوون، وبرقوق مملوك يلبغا، والسلاطين بأجمعهم مماليك برقوق وأولاده. انتهى. وكان من محاسن الملك المنصور قلاوون أنّه لا يميل إلى جنس بعينه بل كان ميله لمن يتخيّل فيه النّجابة كائنا من كان. قلت: ولهذا طالت مدّة مماليكه وذرّيته باختلاف أجناس مماليكه، وكانت حرمته عظيمة على مماليكه لا يستطيع الواحد منهم أن ينهر غلامه ولا خادمه خوفا

منه، ولا يتجاهر أحد منهم بفاحشة، ولا يتزوّج إلا إن زوّجه هو بعض جواريه؛ هذا مع كثرة عددهم. قلت رحمه الله تعالى: لو لم يكن من محاسنه إلّا تربية مماليكه وكفّ شرّهم عن الناس لكفاه ذلك عند الله تعالى، فإنّه كان بهم منفعة للمسلمين، ومضرّة للمشركين وقيامهم فى الغزوات معروف، وشرّهم عن الرعيّة مكفوف؛ بخلاف زماننا هذا، فإنّه مع قلّتهم وضعف بنيتهم وعدم شجاعتهم، شرّهم فى الرّعية معروف، ونفعهم عن الناس مكفوف؛ هذا مع عدم التجاريد والتقاء الخوارج وقلّة الغزوات، فإنّه لم يقع فى هذا القرن، وهو القرن التاسع، لقاء مع خارجىّ غير وقعة تيمور، وافتضحوا منه غاية الفضيحة، وسلّموا البلاد والعباد وتسحّب أكثرهم من غير قتال. وأمّا الغزوات فأعظم ما وقع فى هذا القرن «1» فتح قبرس «2» ، وكان النصر فيها من الله سبحانه وتعالى، انكسر صاحبها وأخذ من جماعة يسيرة، تلقّاهم بعض

عساكره. خذلان من الله تعالى! وقع ذلك كلّه قبل وصول غالب عسكر المسلمين. وأمّا غير ذلك من الغزوات فسفر فى البحر ذهابا وإيابا، فكيف لو كان هؤلاء أيام السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب عند ما غزا الساحل، وغاب عن الديار المصريّة نحو العشر سنين، لا يفارق فيها الخيم والتّشتّت عن الأوطان واتّصال الغزوة بالغزوة! أو لو كانوا أيّام الملك الكامل محمد لمّا قاتل الفرنج على دمياط نحو الثلاث سنين لم يدخل فيها مصر إلى أن فتح الله عليه، أو لو كانوا أيّام الملك الظاهر بيبرس وهو يتجرّد ويغزو فى السنة الواحدة المرّة والمرّتين والثلاث وهلمّ جرّا! إلى أيّام الملك الأشرف شعبان بن حسين لمّا أخذت الإسكندرية. وهذا شىء معروف لا يشاحّ فيه أحد. وأعجب من هذا كلّه أنّ أولئك كانوا على حظّ وافر من الأدب والحشمة والتواضع مع الأكابر، وإظهار الناموس وعدم الازدراء بمن هو دونهم، وهؤلاء است فى الماء وأنف فى السماء، لا يهتدى أحدهم لمسك لجام الفرس، وإن تكلّم تكلّم بنفس؛ ليس لهم صناعة، إلّا نهب البضاعة؛ يتقوّون على الضعيف، ويشرهون حتّى فى الرّغيف؛ جهادهم الإخراق بالرئيس، وغزوهم فى التّبن والدريس؛ وحظّهم منقام، ولا مروءة لهم والسلام. انتهى. قال ابن كثير فى حقّ الملك المنصور قلاوون المذكور: اشتراه الملك الصالح نجم الدين أيّوب من الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيّوب بألف دينار، فلذلك سمّى بالألفىّ. قلت: وهذا بخلاف ما نقله الشيخ صلاح الدين خليل بن أيبك الصّفدىّ فى أنّ الذي اشتراه بألف دينار إنّما هو الأمير آق سنقر الكاملىّ، والأرجح عندى ما قاله الصّفدىّ فى أنّ الذي اشتراه بألف دينار إنما هو الأمير آق سنقر من وجوه عديدة.

قال ابن كثير أيضا: وكان الملك المنصور قد أفرد من مماليكه ثلاثة آلاف وسبعمائة مملوك من الأمراء والجراكسة وجعلهم بالقلعة، وسمّاهم «البرجيّة» ، وأقام نوّابه فى البلدان من مماليكه، وهم الذين غيروا ملابس الدولة الماضية. قال الصلاح الصّفدىّ: ولبسوا أحسن الملابس، لأنّ فى الدولة الماضية الصلاحيّة كان الجميع يلبسون كلّوتات «1» صفر مضرّبة بكلبندات «2» بغير شاشات «3» ،

وشعورهم مضفورة ديابيق «1» فى أكياس حرير ملوّنة، وكان فى خواصرهم موضع الحوائص «2» بنود ملوّنة أو بعلبكّية، وأكمام أقبيتهم «3» ضيّقة على زى ملابس الفرنج، وأخفافهم برغالى «4» أو سقامين «5» ومن فوق قماشهم كمرات «6» بحلق وإبزيم «7» ، وصوالقهم «8» كبار يسع كلّ صولق نصف ويبة أو أكثر، ومنديلهم كبير طوله ثلاث أذرع، فأبطل المنصور ذلك كلّه بأحسن منه، وكانت الخلع للأمراء المقدّمين المروزىّ،

فخصّص الملك المنصور من الأمراء بلبس الطّرد وحش «1» أربعة من خشداشيته، وهم: سنقر الأشقر الذي كان تسلطن ولقّب بالملك الكامل والبيسرى والأيدمرىّ والأفرم. وباقى الأمراء والخاصّكيّة والبرّانيّة تلبس المروزىّ والطبلخانات بالملّون، والعشرات بالعتّابى «2» . قلت: وهذا أيضا بخلاف زماننا فإنّه لبس فيه أوباش الناس الخلع السّنيّة، وأعجب من هذا أنّه لمّا لبس هؤلاء الخلع السّنيّة زالت تلك الأبّهة والحشمة عن الخلع المذكورة وصارت كمن دونها من الخلع فى أعين الناس لمعرفتهم بمقام اللابس. انتهى. قلت: والآن نذكر ما وعدنا بذكره فى أوائل ترجمة الملك المنصور قلاوون من أمر كتّاب السّرّ، لأنّه هو الذي أحدث هذه الوظيفة وسمّى صاحبها بكاتب السّرّ على ما نبيّنه من أقوال كثيرة: منها أنّه لمّا كان أيّام الملك الظاهر بيبرس كان الدّوادار يوم ذاك بلبان بن عبد الله الرومى. قال الشيخ صلاح الدين خليل الصّفدىّ: كان من أعيان الأمراء (يعنى عن بلبان المذكور) ومن نجبائهم، وكان الملك الظاهر بيبرس يعتمد عليه ويحمّله أسراره إلى القصّاد. ولم يؤمّره إلا الملك السعيد ابن الملك الظاهر بيبرس.

واستشهد بمصافّ حمص سنة ثمانين وستمائة، وكان يباشر وظيفة الدّواداريّة ولم يكن معه كاتب سرّ، فاتّفق أنّه قال يوما لمحيى الدين بن عبد الظاهر: اكتب إلى فلان مرسوما أن يطلق له من الخزانة العالية بدمشق عشرة آلاف درهم، نصفها عشرون ألفا، فكتب المرسوم كما قال له وجهّزه إلى دمشق، فأنكروه وأعادوه إلى السلطان، وقالوا: ما نعلم! هل هذا المرسوم بعشرين نصفها عشرة أو بعشرة نصفها خمسة؟ فطلب السلطان محيى الدين وأنكر عليه ذلك، فقال: يا خوند، هكذا قال لى الأمير سيف الدين بلبان الدّوادار؛ فقال السلطان: ينبغى أن يكون للملك كاتب سرّ يتلقّى المرسوم منه شفاها. وكان الملك المنصور قلاوون حاضرا من جملة الأمراء فسمع هذا الكلام. وخرج الملك الظاهر عقيب ذلك إلى نوبة أبلستين، فلمّا توفّى الملك الظاهر وملك الملك المنصور قلاوون اتّخذ كاتب سرّ. انتهى. كلام الصّفدىّ باختصار. قلت: وفى هذه الحكاية دلالة على أن وظيفة كتابة السرّ لم تكن قبل ذلك أبدا، لقوله: ينبغى للملك أن يكون له كاتب سرّ يتلقّى المرسوم منه شفاها. وأيضا تحقيق ما قلناه: أنّ وظيفة كتابة السرّ لم تكن قديما، وإنّما كانت الملوك لا يتلقّى الأمور عنهم إلّا الوزراء. قضية فخر الدين بن لقمان مع القاضى فتح الدين محمد بن عبد الظاهر فى الدولة الأشرفيّة خليل بن قلاوون، وهو أنه لمّا توزّر فخر الدين بن لقمان قال له الملك المنصور: من يكون عوضك فى الإنشاء؟ قال: فتح الدين بن عبد الظاهر، فولّى فتح الدين وتمكّن عند السلطان وحظى عنده؛ وفتح الدين هذا هو الذي قلنا عنه فى أوّل الكتاب إنه أوّل كاتب سرّ كان، وظهر اسم هذه الوظيفة من ثمّ. انتهى. وحظى فتح الدين

عند السلطان إلى الغاية. فلمّا كان بعض الأيام دخل فخر الدين بن لقمان على السلطان فأعطاه السلطان كتابا يقرؤه، فلمّا دخل فتح الدين أخذ السلطان الكتاب منه وأعطاه لفتح الدين، وقال لفخر الدين: تأخّر! فعظم ذلك على فخر الدين بن لقمان. قلت: ولولا أنّ هذه الواقعة خرق العادة ما غضب ابن لقمان من ذلك، لأنّ العادة كانت يوم ذاك لا يقرأ أحد على السلطان كتابا بحضرة الوزير. انتهى. ومنها واقعة القاضى فتح الدين المذكور مع شمس «1» الدين ابن السّلعوس لمّا ولى الوزارة للملك الأشرف خليل بن قلاوون، فإنّه قال لفتح الدين: اعرض علىّ كلّ ما تكتبه عن السلطان كما هى العادة، فقال فتح الدين: لا سبيل إلى ذلك، فلما بلغ الملك الأشرف هذا الخبر من الوزير المذكور، قال: صدق فتح الدين، فغضب من ذلك الوزير ابن السّلعوس. قلت: وعندى دليل آخر أقوى من جميع ما ذكرته، أنّه لم أقف على ترجمة رجل فى الإسلام شرقا ولا غربا نعت بكاتب السرّ قبل فتح الدين هذا، وفى هذا كفاية. وما ذكره صاحب صبح الأعشى وغيره ممّن كتبوا للنبىّ صلّى الله عليه وسلّم ومن بعده ليس فى ذلك دليل على أنّهم كتّاب السّرّ؛ بل ذلك دليل لكلّ كاتب كتب عن مخدومه كائنا من كان. ونحن أيضا نذكر الذين ذكرهم صاحب صبح الأعشى وغيره من الكتّاب، ونذكر أيضا من ألحقناه بهم من كتّاب السّرّ إلى يومنا هذا، ليعلم بذلك صدق مقالتى بذكرهم وألقابهم وزمانهم. انتهى. قال: اعلم أنّ كتّاب النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، كانوا نيّفا على ستة وثلاثين كاتبا، لكن المشهور منهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلىّ ومعاوية بن أبى سفيان ومروان بن الحكم.

قلت: وفى مروان خلاف، لأنّ الحافظ أبا عبد الله الذهبىّ قال فى ترجمة مروان بن الحكم: له رؤية إن شاء الله، ولم يعدّه من الصحابة، فكيف يكون من الكتّاب! وأيضا حذف جماعة من كبار الصحابة كتّاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأثبت مروان هذا، وفى صحبته خلاف. ولولا خشية الإطالة لذكرنا من ذكره الحافظ العلامة مغلطاى «1» ممّن كتب للنبىّ صلّى الله عليه وسلّم ليعلم بذلك غلط من عدّ مروان من الكتّاب. انتهى. قال: ولمّا توفّى النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم وصارت الخلافة إلى أبى بكر كتب عنه عمر بن الخطّاب وعثمان وعلىّ رضى الله عنهم. فلمّا استخلف عمر كتب عنه عثمان وعلىّ ومعاوية وعبد «2» الله بن خلف الخزاعىّ، وكان زيد بن ثابت «3» وزيد بن أرقم «4» يكتبان على بيت المال. فلمّا استخلف عثمان كتب عنه مروان بن الحكم. فلمّا استخلف علىّ كتب عنه عبد الله بن رافع مولى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وسعيد بن نمران «5» . فلمّا استخلف الحسن كتب عنه كتّاب أبيه. فلمّا بايعوا معاوية كتب عنه عبد الله بن أوس، وكتب عبد الله المذكور عن ابنه يزيد أيضا، وابن أبيه معاوية بن يزيد. فلمّا خلع معاوية ابن يزيد نفسه وتولّى مروان بن الحكم كتب عنه سفيان «6» الأحول وقيل عبيد الله بن أوس. فلمّا استخلف عبد الملك بن مروان كتب عنه روح بن زنباع الجذامىّ. فلما استخلف الوليد كتب عنه قرّة بن شريك، ثم قبيصة بن ذؤيب، ثم الضحّاك ابن زمل «7» . فلما استخلف سليمان كتب عنه يزيد بن المهلّب، ثم عبد العزيز بن

الحارث. فلما استخلف الإمام عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه كتب عنه رجاء بن حيوة الكندىّ، ثم ابن أبى رقيّة «1» ؛ فلما استخلف يزيد بن عبد الملك كتب عنه سعيد بن الوليد الأبرش، ثم محمد بن عبد الله بن حارثة الأنصارىّ. فلما استخلف هشام بن عبد الملك أبقاهما على عادتهما، واستكتب معهما سالما مولاه. فلما استخلف الوليد بن يزيد كتب عنه العباس بن مسلم. فلما استخلف يزيد بن الوليد كتب عنه ثابت بن سليمان. فلما استخلف «2» إبراهيم بن الوليد كتب عنه أيضا ثابت على عادته. فلما صارت الخلافة إلى مروان بن محمد بن مروان كتب عنه عبد الحميد بن يحيى مولى بنى عامر إلى حين انقراض الدول الأمويّة. ثم صارت الخلافة لبنى العباس فاتخذوا كتّابهم وزراء، وكان أوّل خلفاء بنى العباس أبو العباس عبد الله ابن محمد السفّاح فاتخذ أبا سلمة [حفص بن سليمان «3» ] الخلّال، وهو أوّل وزير وزر فى الإسلام؛ ثم استوزر معه [خالد «4» بن] برمك وسليمان بن مخلد والربيع بن يونس، فتراكمت عليهم الأشغال، واتّسعت عليهم الأمور، فأفردوا للمكاتبات ديوانا، وكانوا يعبّرون عنه تارة بصاحب ديوان الرسائل، وتارة بصاحب ديوان المكاتبات، وتفرّقت دواوين الإنشاء فى الأقطار، فكان بكلّ مملكة ديوان إنشاء؛ وكانت الديار المصريّة من حين الفتح الإسلامى وإلى الدولة الطّولونية إمارة، ولم يكن لديوان الإنشاء فيها كبير أمر. فلما استولى أحمد بن طولون عظمت مملكتها وقوى أمرها فكتب عنه أبو جعفر محمد بن أحمد بن مودود. وكتب لولده خمارويه إسحاق بن نصر

العبادىّ. وتوالت دواوين الإنشاء بذلك إلى حين انقراض الدولة الإخشيدية. ثم كانت الدولة الفاطمية فعظم ديوان الإنشاء بها، ووقع الاعتناء به واختيار بلغاء الكتّاب ما بين مسلم وذمّىّ، فكتب للعزير بن المعزّ فى الدولة الفاطمية أبو المنصور بن جورس «1» النّصرانىّ، ثم كتب لابنه الحاكم ومات فى أيامه، وكتب للحاكم بعده القاضى أبو الطاهر النهركىّ «2» . ثم تولى الظاهر بن الحاكم فكتب عنه أبو الطاهر المذكور. ثم تولى المستنصر فكتب عنه القاضى ولى الدين «3» بن خيران، وولىّ الدولة موسى بن الحسن بعد «4» انتقاله إلى الوزارة، وأبو «5» سعيد العميدىّ. ثم تولى الآمر والحافظ فكتب عنهما الشيخ أبو الحسن علىّ بن أبى أسامة الحلبىّ إلى أن توفّى فى أيام الحافظ، فكتب بعده ولده أبو المكارم إلى أن توفّى، ومعه» الشيخ أمين الدين تاج الرياسة أبو القاسم علىّ بن سليمان بن منجب «7» المعروف بابن الصّيرفىّ، والقاضى كافى الكفاة محمود ابن القاضى الموفّق أسعد بن قادوس، وابن أبى الدّم اليهودىّ، ثم كتب بعد أبى المكارم «8» القاضى الموفّق بن الخلّال «9» بقية أيام الحافظ إلى آخر أيام العاضد آخر خلفائهم، وبه تخرّج القاضى الفاضل عبد الرحيم البيسانىّ. ثم أشرك العاضد مع الموفّق بن الخلّال فى ديوان الإنشاء القاضى جلال الدين محمودا

الأنصارىّ. ثم كتب القاضى الفاضل بين يدى الموفّق بن الخلّال فى وزارة صلاح الدين يوسف بن أيّوب. ثم كانت الدولة الأيّوبية، فكتب للسلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب القاضى الفاضل المذكور، ثم أضيفت اليه الوزارة. ثم كتب بعد الناصر لابنه العزيز ولأخيه العادل أبى بكر، ثم مات العادل والفاضل. قلت: هنا مجازقة لم يكتب القاضى الفاضل للعادل وكان بينهما مشاحنة، ومات الفاضل قبل وصول العادل إلى مصر، وقيل وقت دخول العادل من باب النصر إلى القاهرة كانت جنازة القاضى الفاضل خارجة. وقد ذكرنا ذلك كلّه فى هذا الكتاب «1» ، وإنما كتب الفاضل للعزيز عثمان ولولده الملك المنصور محمد، فالتبس المنصور على الناقل بالعادل. انتهى. قال: ثم تولّى الكامل بن العادل فكتب له أمين الدين سليمان المعروف بكاتب الدّرج إلى أن توفّى، فكتب له بعده الشيخ أمين الدين عبد المحسن [بن حمود «2» ] الحلبى مدّة قليلة؛ ثم كتب للصالح نجم الدين أيّوب، ثم ولى ديوان الإنشاء الصاحب بهاء الدين زهير، ثم صرف وولى بعده الصاحب فخر الدين إبراهيم بن لقمان الإسعردىّ، فبقى إلى انقراض الدولة الأيّوبية. فلما كانت الدولة التركية كتب للمعز أيبك الصاحب فخر الدين المذكور، ثم بعده للمظفر قطز، ثم للظاهر بيبرس، ثم للمنصور قلاوون، ثم نقله قلاوون من ديوان الإنشاء للوزارة، وولى ديوان الإنشاء مكانه القاضى فتح الدين بن عبد الظاهر فكتب عنه بقية أيامه؛ ثم كتب لابنه الأشرف خليل إلى أن توفّى، فولّى مكانه القاضى تاج الدين [أحمد «3» ] بن الأثير فكتب إلى أن

توفّى؛ فكتب بعده القاضى شرف الدين عبد الوهاب «1» بن فضل الله فكتب بقية أيام الأشرف. فلما تولّى أخوه الناصر محمد كتب عنه القاضى شرف الدين المذكور فى سلطنته الأولى ثم فى أيام العادل كتبغا ثم أيام المنصور لاچين ثم فى أيام سلطنة الناصر محمد الثانية؛ ثم نقله إلى كتابة السّرّ بدمشق عوضا عن أخيه القاضى محيى الدين «2» ، وتولى مكانه بمصر القاضى علاء الدين [بن تاج الدين «3» ] بن الأثير فبقى حتى مرض بالفالج فاستدعى الملك الناصر محيى الدين بن فضل الله من دمشق وولده شهاب الدين [أحمد «4» ] وولّاهما «5» ديوان الإنشاء بمصر. ثم ولّى بعدهما القاضى شمس الدين «6» ابن الشهاب محمود فبقى إلى عود السلطان من الحجّ فأعاد القاضى محيى الدين وولده القاضى شهاب الدين إلى ديوان الإنشاء بمصر فبقيا مدّة. ثم تغيّر السلطان على القاضى شهاب الدين وصرفه عن المباشرة، وأقام أخاه القاضى علاء الدين «7» وكلاهما معين لوالده لكبر سنّه، ثم سأل القاضى محيى الدين السلطان فى العود إلى دمشق فأعاده وصحبته ولده شهاب الدين؛ واستمرّ ولده القاضى علاء الدين بالديار المصريّة فباشر بقيّة أيام الناصر، ثم أيّام ولده الملك المنصور «8» ، ثم أيام الأشرف كجك، ثم أيام الناصر أحمد إلى أن خلع نفسه وتوجّه إلى الكرك توجه معه القاضى علاء الدين؛ فلمّا تولّى الملك الصالح إسماعيل السلطنة

بمصر بعد أخيه الناصر أحمد قرّر القاضى بدر الدين محمد «1» ابن القاضى محيى الدين بن فضل الله عوضا عن أخيه علاء الدين. قلت: لم يل بدر الدين محمد بعد أخيه علاء الدين الوظيفة استقلالا وإنّما ناب عنه إلى حين حضوره. انتهى. قال: ثم أعيد علاء الدين أيّام الصالح إسماعيل وأيام الكامل شعبان، ثم أيام المظفّر حاجّى ثم أيّام الناصر حسن فى سلطنته الأولى، ثم فى أيّام الصالح صالح، ثم فى أيّام الناصر حسن فى سلطنته الثانية، ثم أيام المنصور محمد ابن المظفر حاجّى، ثم فى أيّام الأشرف شعبان «2» وتوفّى فى أيّامه. قلت: وكانت وفاته فى شهر رمضان سنة تسع وستين وسبعمائة بعد أن باشر كتابة السر نيّفا وثلاثين سنة لأحد عشر سلطانا. قال: ثم ولى الوظيفة بعده ولده بدر الدين «3» محمد ابن القاضى علاء الدين، فباشر بقيّة أيام الأشرف شعبان، ثم ولده المنصور علىّ، ثم أخيه الملك الصالح حاجّى بن شعبان إلى أن خلع بالظاهر برقوق، فاستقرّ برقوق بالقاضى أوحد الدين عبد الواحد ابن إسماعيل التّركمانىّ «4» إلى أن توفّى. قلت: وكانت وفاته فى ذى الحجة سنة ستّ وثمانين وسبعمائة.

قال: ثم أعيد بدر الدين فباشر حتى خلع الظاهر برقوق بالمنصور حاجّىّ، فاستمر بدر الدين إلى أن عاد برقوق إلى سلطنته الثانية، صرفه بالقاضى علاء الدين على بن عيسى الكركى، ثم صرف الكركىّ. قلت: ومات معزولا فى شهر ربيع الأوّل فى سنة أربع وتسعين وسبعمائة. قال: ثم أعيد القاضى بدر الدين من بعد عزل القاضى علاء الدين فاستمرّ بدر الدين إلى أن عاد برقوق فتوفّى بدمشق. قلت: ووفاته فى شوّال سنة ست وتسعين وسبعمائة. قال: وولى بعده القاضى بدر الدين محمود الكلستانىّ فباشر إلى أن توفّى. قلت: وكانت وفاته فى عاشر جمادى الأولى سنة إحدى وثمانمائة. قال: فتولى بعده القاضى فتح الدين فتح الله [التّبريزىّ «1» ] فباشر بقية أيام الظاهر، ومدّة من أيام الناصر إلى أن صرفه الناصر فرج بالقاضى سعد «2» الدين بن غراب مدّة يسيرة، ثم صرف ابن غراب وأعيد القاضى فتح الله ثانيا، فباشر إلى أن صرف بالقاضى فخر الدين بن المزوّق «3» ، فباشر مدة يسيرة، ثم صرف وأعيد فتح الله فباشر إلى أن صرفه الملك المؤيّد شيخ وقبض عليه وصادره. قلت: ومات تحت العقوبة خنقا فى ليلة الأحد خامس عشر شهر ربيع الأوّل سنة ست عشرة وثمانمائة، وهو فتح الله بن مستعصم بن نفيس التّبريزى الحنفى الداوودى، يأتى ذكره هو وغيره من كتّاب السّرّ فى محلهم من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

قال: وتولّى بعده القاضى ناصر «1» الدين محمد البارزىّ فباشر إلى أن توفّى. قلت: وكانت وفاته يوم الأربعاء ثامن شوّال سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة، ومولده بحماة فى يوم الاثنين رابع شوّال سنة تسع «2» وستين وسبعمائة. وتولى بعده ولده القاضى كمال الدين «3» محمد بن البارزى، فباشر إلى أن صرفه الملك الظاهر ططر وولّى علم الدين داود [بن عبد «4» الرحمن] بن الكويز، فباشر إلى أن توفّى سنة ست وعشرين وثمانمائة فى دولة الملك الأشرف برسباى. وولّى بعده جمال الدين يوسف «5» بن الصّفىّ الكركىّ فباشر قليلا إلى أن صرف بقاضى القضاة شمس «6» الدين محمد الهروىّ، ودام الكركىّ بعد ذلك وباشر عدّة وظائف بالبلاد الشامية إلى أن توفّى فى حدود سنة خمس وخمسين وثمانمائة، وباشر الهروى إلى أن عزل بقاضى القضاة نجم الدين عمر ابن حجّى، فباشر ابن حجّى إلى أن عزل وتوجّه إلى دمشق على قضائها، ودام إلى أن قتل بها فى ذى القعدة سنة ثلاثين وثمانمائة، وولّى بعده القاضى بدر الدين محمد [ابن محمد «7» بن أحمد] بن مزهر، واستمرّ إلى أن مات فى ليلة الأحد سابع عشرين جمادى الآخرة من سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة. وولى بعده ابنه جلال الدين؛ وقيل بدر الدين «8» محمد مدّة يسيرة. وصرف بالشريف شهاب الدين أحمد [بن علىّ «9» بن إبراهيم ابن عدنان] الحسينى الدمشقى، فباشر مدة يسيرة وتوفّى بالطاعون فى سنة ثلاث وثلاثين،

وولى بعده أخوه نحو الجمعة بغير خلعة وتوفّى بالطاعون أيضا. وولى بعدهما شهاب الدين أحمد [بن صالح بن» أحمد بن عمر المعروف با] بن السّفاح الحلبى فباشر إلى أن مات فى سنة خمس وثلاثين. وولى بعده الوزير كريم «2» الدين عبد الكريم ابن كاتب المناخ مضافا للوزارة، فباشر أشهرا وصرف؛ وأعيد القاضى كمال الدين محمد بن البارزىّ فى يوم السبت العشرين من شهر ربيع الآخر سنة ستّ وثلاثين، فباشر إلى أن صرف يوم الخميس سابع شهر رجب سنة تسع وثلاثين؛ وولى مكانه الشيخ محبّ الدين محمد ابن الأشقر فباشر إلى أن صرف، وولى صلاح الدين محمد ابن الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله، فباشر إلى أن توفّى بالطاعون فى سنة إحدى وأربعين، وولى مكانه والده الصاحب بدر الدين حسن فباشر إلى أن صرف، وأعيد القاضى كمال الدين بن البارزىّ فى يوم الثلاثاء سابع عشر شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، وهى ولايته الثالثة؛ فباشر إلى أن توفّى بكرة يوم الأحد سادس عشرين صفر سنة ستّ وخمسين وثمانمائة. ولم يخلّف بعده مثله، وولى بعده القاضى محب الدين محمد بن الأشقر المقدّم ذكره، وباشر إلى أن صرفه الملك الأشرف إينال بالقاضى محب الدين محمد بن الشّحنة الحلبىّ، فباشر ابن الشّحنة أشهرا ثم صرف، وأعيد القاضى محب الدين محمد بن الأشقر وهى ولايته الثالثة. انتهى. قلت: وغالب من ذكرناه من هؤلاء الكتّاب قد تقدّم ذكر أكثرهم، ويأتى ذكر باقيهم فى محلّهم من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. وقد استطردنا من ترجمة الملك المنصور إلى غيرها، ولكن لا بأس بالتطويل فى تحصيل الفوائد. انتهى.

ما وقع من الحوادث سنة 679

[ما وقع من الحوادث سنة 679] السنة الأولى من سلطنة الملك المنصور قلاوون على مصر وقد تقدّم ذكرها فى ترجمة الملك السعيد، والملك العادل سلامش ولدى الملك الظاهر بيبرس، وهى سنة ثمان وسبعين وستمائة، فإنه حكم فيها من شهر رجب إلى آخرها. وهذه السنة الثانية من ولاته الملك المنصور قلاوون المذكور، وهى سنة تسع وسبعين وستمائة. فيها توفّى الشيخ محيى الدين أبو العباس أحمد [بن علىّ «1» ] بن عبد الواحد بن السابق الحلبى العدل الكبير، كان من أكابر بيوت حلب، وكان عنده فضيلة ورياسة ومات بدمشق فى ذى الحجة. وفيها توفّى الأمير سيف الدين، وقيل صارم الدين، أزبك بن عبد الله الحلبى العدل الكبير، كان من أعيان أمراء دمشق، وهو منسوب إلى أستاذه الأمير عزّ الدين أيبك الحلبى، وكان قد تجرّد إلى بعلبكّ فتمرّض بها، فحمل فى محفّة إلى دمشق، فمات بها فى شوّال. وفيها توفّى الأمير جمال الدين آقوش بن عبد الله الشّمسىّ، كان من أعيان الامراء وأماثلهم وشجعانهم، وهو الذي أمسك الأمير عزّ الدين أيدمر الظاهرى، وهو الذي باشر قتل كتبغا نوين مقدّم التّتار يوم عين جالوت، وكان ولى نيابة حلب فى السنة الخالية؛ ومات بها فى يوم الاثنين خامس المحرّم ودفن بحلب، وهو فى عشر الخمسين.

وفيها توفّى الشيخ الإمام كمال الدين أبو محمد عبد الرحمن بن محمد الحنفىّ الفقيه العدل، كان من أعيان الفقهاء العدول، وكان كثير الديانة والتعبّد، وهو أخو قاضى القضاة شمس «1» الدين الحنفىّ. وفيها توفّى الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد [بن أيّوب بن أبى رحلة «2» ] الحمصى المولد والدار البعلبكّى الوفاة، كان فاضلا ظريفا أديبا شاعرا، ومما ينسب إليه من الشعر قوله: والدهر كالطيف بؤساه وأنعمه ... عن غير قصد فلا تحمد ولا تلم لا تسأل الدهر فى البأساء يكشفها ... فلو سألت دوام البؤس لم يدم وفيها توفّى الأديب الفاضل الشاعر المفتنّ جمال الدين أبو الحسين يحيى ابن عبد العظيم بن يحيى بن محمد بن علىّ المصرىّ المولد والوفاة، المعروف بالجزّار، الشاعر المشهور أحد فحول الشعراء فى زمانه. مولده سنة إحدى «3» وستمائة. ومات يوم الثلاثاء ثانى عشر شوّال ودفن بالقرافة، وكان من محاسن الدنيا، وله نوادر مستظرفة ومداعبات ومفاوضات «4» مع شعراء عصره، وله ديوان شعر كبير. قال الشيخ صلاح الدين الصّفدىّ: لم يكن فى عصره من يقاربه فى جودة النظم غير السّراج الورّاق «5» ، وهو كان فارس تلك الحلبة، ومنه أخذوا، [و] على نمطه نسجوا، ومن مادّته استمدّوا. انتهى كلام الصّفدىّ.

قلت: ونذكر قطعة من شعره فمن ذلك قوله: أكلّف نفسى كلّ يوم وليلة ... هموما «1» على من لا أفوز بخيره كما سوّد القصار بالشمس وجهه ... ليجهد فى تبييض أثواب غيره وقيل: إنه بات ليلة فى رمضان عند الصاحب بهاء الدين بن حنّا، فصلّى عنده التراويح وقرأ الإمام فى تلك الليلة سورة الأنعام فى ركعة واحدة؛ فقال أبو الحسين: ما لى على الأنعام من قدرة ... لا سيّما فى ركعة واحده فلا تسومونى حضورا سوى ... فى ليلة الأنفال والمائدة ومن شعره: طرف «2» المحبّ فم يذاع به الجوى ... والدمع إن صمت اللسان لسان تبكى الجفون على الكرى فاعجب لمن ... تبكى عليه إذا نأى الأوطان وفيها توفّى الشيخ الإمام عماد الدين أبو بكر بن هلال بن عبّاد الجيلىّ «3» الحنفى معيد المدرسة الشّبليّة. كان إماما عالما صالحا منقطعا عن الناس مشتغلا بنفسه، وكان معدودا من العلماء، أفتى وأعاد ودرّس وانتفع به الناس ومات فى تاسع عشر شهر رجب، وقد كمل له مائة سنة وأربع سنين. وروى عنه ابن الزّبيدىّ «4» ؛ وروى بالإجازة العامّة عن السّلفىّ.

ما وقع من الحوادث سنة 680

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الفقيه شمس الدين محمد بن عبد الله [بن محمد «1» بن عمر بن مسعود] بن النّنّ. والأديب البارع أبو الحسين يحيى بن عبد العظيم الجزّار بمصر. وشيخ الرافضة النّجيب أبو القاسم بن الحسين ابن العود الحلّىّ بجزّين فى شعبان. والشيخ الزاهد يوسف [بن نجاح «2» بن موهوب] الفقّاعىّ بزاويته بقاسيون. أمر فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وخمس أصابع. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وثلاث وعشرون إصبعا. [ما وقع من الحوادث سنة 680] السنة الثالثة من ولاية السلطان الملك المنصور قلاوون على مصر، وهى سنة ثمانين وستمائة. فيها تربت جزيرة كبيرة ببحر النيل تجاه قرية بولاق «3» واللّوق «4» ، وانقطع بسببها مجرى البحر ما بين قلعة المقس «5» وساحل باب البحر والرّملة «6» وبين جزيرة «7» الفيل؛ ولم يعهد هذا فيما تقدّم، وحصل لأهل القاهرة مشقّة يسيرة من نقل الماء لبعد البحر عنهم؛ وأراد السلطان حفره فمنعوه، وقالوا له: هذا نشف إلى الأبد. قلت: وكذا وقع، وغالب أملاك باب البحر والبساتين خارج باب البحر وداخله هى مكان البحر الذي نشف، والتصقت المبانى والبساتين بجزيرة الفيل وصارت غير جزيرة، فسبحان القادر على كل شىء!.

وفيها توفّى الشيخ الصالح المولّه المعتقد إبراهيم بن سعيد الشّاغورىّ المعروف بجيعانة فى يوم الأحد سابع جمادى الأولى بدمشق، ودفن بمقبرة المولّهين بسفح قاسيون، وله من العمر نحو سبعين سنة، وكانت له جنازة عظيمة، وكان له أحوال ومكاشفات، رحمه الله. وفيها توفّى ملك التّتار أبغا بن هولاكو بن تولى خان بن چنكز خان ملك التّتار وطاغيتهم، كان ملكا جليل القدر على الهمّة شجاعا مقداما خبيرا بالحروب، لم يكن بعد والده مثله، وكان على مذهب التّتار واعتقادهم، ومملكته متّسعة جدّا وعساكره كثيرة، وكان مع ذلك كلمته مسموعة فى جنده مع كثرتهم. ولمّا توجّه أخوه منكوتمر بالعساكر إلى جهة الشام لم يكن ذلك عن رأيه بل أشير عليه فوافق، ونزل فى ذلك الوقت الرّحبة، أو بالقرب منها، فلما بلغ أبغا «1» كسرة منكوتمر رجع الى همذان فمات غمّا وكمدا ومات منكوتمر بعد أخيه أبغا بمدّة يسيرة بين العيدين، وله من العمر نحو خمسين سنة، وقيل: ثلاثين سنة والثانى أرجح. ومات بعده بيومين أخوه آجاى على ما يأتى ذكر منكوتمر فى القابلة. وفيها توفّى التاجر نجم الدين أبو العبّاس أحمد بن علىّ بن المظفّر بن الحلّىّ، كان ذا نعمة ضخمة وثروة ظاهرة، وأمول جمّة، وله التقدّم فى الدولة. وفيها توفّى الشيخ موفّق الدين أبو العباس أحمد بن يوسف المعروف بالكواشىّ «2» الإمام العالم المفسّر صاحب التفسير الكبير والتفسير الصغير وهما من أحسن التفاسير، وكانت له اليد الطّولى فى القراءات ومشاركة فى غير ذلك من العلوم، وكان مقيما

بالجامع العتيق بالموصل منقطعا عن الناس مجتهدا فى العبادة لا يقبل لأحد شيئا، وكان يزوره الملك ومن دونه فلا يقوم لهم ولا يعبأ بهم، وكان له مجاهدات وكشوف وكرامات، ولأهل تلك البلاد فيه عقيدة. ومات وله تسعون سنة تقريبا، وكانت وفاته فى سابع «1» عشر جمادى الآخرة بالموصل ودفن بها. وفيها توفّى الأمير عزّ الدين المعروف بالحاجّ أزدمر بن عبد الله الجمدار، كان من أعيان الأمراء، وكان ممن انضاف إلى سنقر الأشقر لمّا تسلطن، وكان سنقر جعله نائبا بدمشق، ووقع له أمور ذكرنا بعضها فى أوّل ترجمة الملك المنصور قلاوون إلى أن استشهد فى واقعة التّتار مع المنصور قلاوون بظاهر حمص مقبلا غير مدبر رحمه الله وتقبّل منه. وفيها توفّى الأمير عزّ الدين أيبك بن عبد الله الشّجاعىّ الصالحى العمادى والى الولاة بالجهات «2» القبلية، كان ديّنا خيّرا ليّن الجانب شديدا على أهل الرّيب وجيها عند الملوك، وكان الملك الظاهر بيبرس يعتمد عليه فى أموره؛ ثم إنه ترك الأمر باختياره ولزم داره إلى أن مات بدمشق فى جمادى الآخرة، وقد بلغ خمسا وثمانين سنة. وفيها توفّى الأمير بدر الدين بكتوت بن عبد الله الخازندار، استشهد أيضا فى وقعة التّتار بحمص وكان أميرا جليلا. وفيها توفّى الأمير سيف الدين بلبان الرّومى «3» الدّوادار المقدّم ذكره فى قضيّة كتّاب السرّ، كان الملك الظاهر بيبرس يعتمد عليه وولّاه دوادارا، وكان المطّلع

على أسراره، وتدبير أمور القصّاد والجواسيس والمكاتبات لا يشاركه فى ذلك وزير ولا نائب سلطنة، بل كان هو والأمير حسام الدين لاچين الأيدمرىّ المعروف بالدّرفيل، فلما توفّى لا چين المذكور انفرد بلبان بذلك وحده، وكان مع هذه الخصوصية عند الملك الظاهر أمير عشرة، وقيل جنديا. قال الصّفدى: لم يؤمّره طبلخاناه إلى أن مات الملك الظاهر أنعم عليه ولده الملك السعيد بإمرة ستين فارسا بالشام، وبقى بعد ذلك إلى أن استشهد بظاهر حمص رحمه الله وقد نيّف على ستين «1» سنة. وفيها توفّى الأمير شمس الدين سنقر بن عبد الله الألفى، كان من أعيان الأمراء الظاهريّة، وولى نيابة السلطنة بمصر للملك السعيد بعد موت الأمير بدر الدين بيليك الخازندار، وباشر النّيابة أحسن مباشرة إلى أن استعفى فأعفى، وولى النيابة عوضه الأمير كوندك، فكان ذهاب الدولة على يده. ثم قبض الملك المنصور على سنقر هذا واعتقله بالإسكندرية، وقيل بقلعة الجبل، إلى أن مات، وله من العمر نحو أربعين سنة. وفيها توفّى الشيخ علاء الدين أبو الحسن علىّ بن محمود بن الحسن بن نبهان اليشكرى ثم الربعىّ، كان له اليد الطّولى فى علم الفلك، وتفرّد بحلّ الأزياج وعمل التقاويم، وغلب ذلك عليه مع فضلية تامة فى علم الأدب وجودة النظم. ومن شعره: ولما أتانى العاذلون عدمتهم ... وما منهم إلا للحمى قارض وقد بهتوا لما رأونى شاحبا ... وقالوا به عين فقلت وعارض وله: إنى أغار من النّسيم إذا سرى ... بأريج عرفك خيفة من ناشق

وأودّ «1» لو سهّرت لا من علّة ... حذرا عليك من الخيال الطارق قلت: وأجاد الصاحب جمال الدين يحيى بن مطروح فى هذا المعنى حيث قال: فلو أمسى على تلفى مصرّا ... لقلت معذّبى بالله زدنى ولا تسمح بوصلك لى فإنّى ... أغار عليك منك فكيف منّى ومثل هذا أيضا قول حفصة «2» المغربية، رحمها الله: أغار «3» عليك من غيرى ومنّى ... ومنك ومن مكانك والزمان ولو أنّى خبأتك فى جفونى ... إلى يوم القيامة ما كفانى وفيها توفّى الشيخ الإمام الأديب البارع بدر الدين يوسف بن لؤلؤ بن عبد الله الذّهبىّ الشاعر المشهور، كان أبوه لؤلؤ عتيق الأمير بدر الدين صاحب تلّ باشر. وكان بدر الدين هذا فاضلا شاعرا ماهرا. ومن شعره ممّا كتبه للشيخ نجم الدين [محمد «4» ] بن إسرائيل وله صاحب يميل إليه يسمّى بالجارح: قلبك اليوم طائر ... عنك فى الجوائح كيف يرجى خلاصه ... وهو فى كفّ جارح

ومن شعره فى دولاب: وروضة دولابها ... إلى الغصون قد شكا من حين ضاع زهرها ... دار عليه وبكى وله: يا عاذلى فيه قل لى ... إذا «1» بدا كيف أسلو يمرّ بى كلّ حين ... وكلما مرّ يحلو وله: حلا نبات الشّعر يا عاذلى ... لمّا بدا فى خدّه الأحمر فشاقنى ذاك العذار الذي ... نباته أحلى من السّكّر وله فى غلام على وجهه حبّ شباب: تعشّقته لدن القوام مهفهفا ... شهىّ اللمّى أحوى المراشف أشنبا وقالوا بدا حبّ الشباب بوجهه ... فيا حسنه وجها إلىّ محبّبا وله: رفقا بصبّ مغرم ... أبليته صدّا وهجرا وافاك سائل دمعه ... فرددته فى الحال نهرا الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى العلّامة الزاهد موفّق الدين أحمد بن يوسف الكواشىّ «2» المفسّر بالموصل فى جمادى الآخرة، وقد جاوز التسعين. والقاضى نجم «3» الدين محمد ابن القاضى صدر الدين بن سنىّ الدولة بدمشق

ما وقع من الحوادث سنة 681

فى المحرّم. والعلّامة قاضى القضاة تقىّ الدين محمد بن الحسين بن رزين العامرىّ بالقاهرة فى رجب، وله سبع وسبعون سنة. والحافظ المسند جمال الدين أبو حامد «1» محمد بن علىّ بن محمود بن الصابونىّ فى ذى القعدة. والمسند شمس الدين أبو الغنائم المسلم بن محمد بن المسلم بن علّان فى ذى الحجّة، وله سبع وثمانون سنة. والعدل أمين الدين القاسم بن أبى بكر بن القاسم الإربلىّ فى جمادى الأولى. والعارف الزاهد ولىّ الدين علىّ بن أحمد بن بدر الجزرىّ «2» المقيم بجامع بيت لهيا «3» فى شوّال. وأبغا بن هولاكو ملك التّتار ببلاد همذان. والحاج أزدمر الأمير بمصافّ حمص شهيدا. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وثلاث أصابع. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وأربع أصابع. [ما وقع من الحوادث سنة 681] السنة الرابعة من ولاية الملك المنصور قلاوون على مصر، وهى سنة إحدى وثمانين وستمائة. فيها توفّى قاضى القضاة شمس الدين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبى بكر بن خلّكان بن باول «4» بن عبد الله بن شاكل «5» بن الحسين بن مالك بن جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك البرمكىّ الإربلىّ الشافعىّ قاضى قضاة دمشق وعالمها ومؤرّخها.

مولده فى ليلة الأحد «1» حادى عشر جمادى الآخرة سنة ثمان وستمائة بإربل وبها نشأ. ذكره ابن العديم فى تاريخه فقال: من بيت معروف بالفقه والمناصب الدينية. وقال غيره: كان إماما عالما فقيها أديبا شاعرا مفتنّا مجموع الفضائل معدوم النظير فى علوم شتّى، حجّة فيما ينقله محقّقا لما يورده منفردا فى علم الأدب والتاريخ، وكانت وفاته فى شهر رجب وله ثلاث وسبعون سنة. قلت: وهو صاحب التاريخ المشهور، وقد استوعبنا من حاله نبذة جيّدة فى تاريخنا «المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى» . انتهى. وكان ولى قضاء دمشق مرّتين: الأولى فى حدود الستين وستمائة وعزل وقدم القاهرة، وناب فى الحكم بها عن قاضى القضاة بدر الدين السّنجارىّ، وأفتى بها ودرّس ودام بها نحو سبع سنين؛ ثم أعيد إلى قضاء دمشق بعد عزّ «2» الدين بن الصائغ، وسرّ الناس بعوده. ومدحته الشعراء بعدّة قصائد؛ من ذلك ما أنشده الشيخ رشيد الدين عمر بن إسماعيل [بن مسعود «3» بن سعد بن سعيد] الفارقىّ فقال: أنت فى الشام مثل يوسف فى مص ... ر وعندى أنّ الكرام جناس ولكلّ سبع شداد وبعد السّب ... ع عام فيه يغاث الناس وقال فيه أيضا نور الدين علىّ بن مصعب. رأيت أهل الشآم طرّا ... ما فيهم قطّ غير راض

أتاهم الخير بعد شرّ ... فالوقت بسط بلا انقباض وعوّضوا فرحة بحزن ... قد أنصف الدهر فى التقاضى وسرّهم بعد طول غمّ ... قدوم قاض وعزل قاض فكلّهم شاكر وشاك ... لحال مستقبل وماض ومن شعر ابن خلّكان المذكور قوله: تمثّلتم لى والبلاد بعيدة ... فخيّل لى أنّ الفؤاد لكم مغنى وناجا كم قلبى على البعد والنّوى ... فآنستمو لفظا وأوحشتمو معنى وله دو بيت: قاسوك ببدر التّمّ قوم ظلموا ... لا ذنب لهم لأنّهم ما علموا من أين لبدر التّمّ يا ويحهم ... جيد وعيون وقوام وفم وله: يا رب إنّ العبد يخفى عيبه ... فاستر بحلمك ما بدا من عيبه ولقد أتاك وما له من شافع ... لذنوبه فاقبل شفاعة شيبه قلت ويعجبنى فى هذا المعنى قول القائل: إن كانت الأعضاء خالفت الّذى ... أمرت به فى سالف الأزمان فسلوا الفؤاد عن الذي أودعتم ... فيه من التوحيد والإيمان تجدوه قد أدّى الأمانة فيهما ... فهبوا له ما خلّ فى الأركان وفيها توفّى ملك التّتار منكوتمر بن هولاكو خان بن تولى خان بن چنكز خان، هو أخو أبغا ملك التّتار؛ ومنكوتمر هذا هو الذي ضرب المصافّ مع السلطان الملك المنصور قلاوون على حمص حسب ما تقدّم ذكره وانكسرت عساكره، فلمّا وقع

ذلك عظم عليه وحصل عنده غمّ شديد وكمد زائد، وحدّثته نفسه بجمع العساكر من سائر ممالك بيت هولاكو، واستنجد بأخيه أبغا على غزو الشام، فقدّر الله سبحانه وتعالى موت أبغا، ثم مات هو بعده فى محرّم هذه السنة، وأراح الله المسلمين من شرّهما. وكان منكوتمر شجاعا مقداما وعنده بطش «1» وجبروت وسفك للدّماء، وكان نصرانيّا، وكان جرح يوم مصافّ حمص، والذي جرحه الأمير علم الدين سنجر الدّويدارىّ. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الإمام زين الدين عبد السلام بن علىّ الزّواوىّ المالكىّ شيخ القرّاء فى رجب، عن اثنتين وتسعين سنة. وقاضى القضاة شمس الدين أحمد بن محمد بن خلكان الإربلىّ فى رجب، وله ثلاث وسبعون سنة. ونجيب الدين المقداد بن هبة الله القيسىّ العدل فى شعبان. وأبو الطاهر إسماعيل بن هبة الله المليجىّ «2» آخر من قرأ القرآن على أبى «3» الجود فى رمضان بالقرافة. والبرهان إبراهيم بن إسماعيل [بن إبراهيم «4» بن يحيى بن علوىّ المعروف ب] ابن الدّرجىّ إمام المدرسة المعزّيّة فى صفر، وله اثنتان وثمانون سنة. والعماد إسماعيل بن إسماعيل بن جوسلين البعلبكّىّ. والعلّامة برهان الدين محمود ابن عبد الله المراغى فى شهر ربيع الآخر، وله ستّ وسبعون سنة. والإمام أمين الدين

ما وقع من الحوادث سنة 682

أحمد بن عبد الله [بن محمد «1» بن عبد الجبّار] بن الأشترىّ «2» الشافعى فى شهر ربيع الأوّل. والشيخ الزاهد عبد الله [بن أبى بكر بن أبى البدر «3» البغدادىّ ويعرف] بكتيلة ببغداد. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا. [ما وقع من الحوادث سنة 682] السنة الخامسة من ولاية الملك المنصور قلاوون على مصر، وهى سنة اثنتين وثمانين وستمائة. فيها توفّى الأمير شهاب الدين أحمد بن حجّىّ بن بريد «4» البرمكىّ أمير آل مرى، كان من فرسان العرب المشهورين، كانت سراياه تغير إلى أقصى نجد وبلاد الحجاز ويؤدّون له الخفر، وكذلك صاحب المدينة الشريفة، وكانت له المنزلة العالية عند الظاهر والمنصور قلاوون وغيرهما من الملوك، كانوا يدارونه ويتّقون شرّه، وكان يزعم أنّه من نسل الوزير جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك البرمكىّ من أخت الخليفة هارون الرشيد الذي امتحن جعفر بسببها وقتل. وكان بين شهاب الدين هذا وبين عيسى بن مهنّا أمير آل فضل منافسة، فكتب إليه شهاب الدين هذا مرّة كتابا وأغلظ فيه، وكان عند عيسى الشيخ شهاب الدين أحمد بن غانم «5» فسأله عيسى بن مهنّا المجاوبة، فكتب عنه يقول:

زعموا «1» أنّا هجونا ... جمعهم بالافتراء كذبوا فيما ادّعوه ... وافتروا بالادّعاء إنّما قلنا مقالا ... لا كقول السّفهاء آل فضل آل فضل ... وانتم آل مراء وفيها توفّى شرف بن مرى بن حسن بن حسين بن محمد النّواوى والد الشيخ محيى «2» الدين النّواوىّ، كان مقتنعا بالحلال يزرع أرضا يقتات منها هو وأهله، وكان يموّن ولده الشيخ محيى الدين منها، ومات فى صفر. وفيها توفّى الشيخ الإمام شمس الدين أبو محمد «3» عبد الرحمن بن محمد بن أحمد ابن محمد بن قدامة الحنبلىّ المقدسىّ، كان إماما فقيها ورعا زاهدا كبير القدر جمّ الفضائل، انتهت إليه رياسة مذهب الإمام أحمد بن حنبل، رضى الله عنه، فى زمانه، وشرح كتاب «المقنع» فى الفقه تأليف عمّه شيخ الإسلام موفّق «4» الدين، رحمه الله: وفيها توفّى الأمير علاء الدين كشتغدى «5» بن عبد الله الشرفىّ «6» الظاهرىّ المعروف بأمير مجلس، كان من أعيان الأمراء وأكابرهم بالديار المصريّة وكان بطلا شجاعا وله مواقف مشهورة ونكايات فى العدوّ المخذول. ومات بقلعة الجبل وقد نيّف على خمسين سنة، وحضر الملك المنصور قلاوون جنازته.

وفيها توفّى الكاتب المجوّد عماد الدين أبو عبد الله، وقيل أبو الفضل، محمد ابن محمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله الشّيرازىّ الدمشقىّ صاحب الخطّ المنسوب. انتهت إليه الرياسة فى براعة الخط لا سيّما فى [القلم «1» ] المحقّق و [قلم «2» ] النّسخ. سمع الكثير وروى عنه الحافظ جمال الدين «3» المزّىّ وغيره، وتصدّى للكتابة وانتفع به الناس. وقدم القاهرة واتّفق أنّه ركب النيل مرّة مع الصاحب بهاء الدين بن حنّا، وكان معه جماعة من أصحابه وفيهم شخص معروف بابن الفقّاعى ممّن له عناية بالكتابة، فسأل الصاحب بهاء الدين، وقال: عندى لمولانا الصاحب وهؤلاء الجماعة يوم كامل الدّعوة، ومولانا يدعو المولى عماد الدين يفيدنى قطّة القلم، فقال الصاحب: والله ما فى هذا شىء، مولانا يتفضّل عليه بذلك، فأطرق عماد الدين مغضبا، ثم رفع رأسه وقال: أو خير لك من ذلك؟ قال: وما هو؟ قال: أحمل إليك ربعة بخطّى، ويعفينى من هذا، فقال الصاحب: لا والله، الرّبعة بخطّ مولانا تساوى ألفى درهم، وأنا ما آكل من هذه الضيافة شيئا يساوى عشرة دراهم. وفيها توفّى الشيخ أبو محمد، وقيل أبو المحاسن، عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيميّة الحرّانىّ أحد علماء الحنابلة ووالد الشيخ تقىّ «4» الدين بن تيميّة. مولده بحرّان فى ثانى عشر شوّال سنة سبع وعشرين وستمائة، وسمع الكثير وتفقه وبرع فى الفقه وتميّز فى عدّة فنون، ودرّس ببلده وأفتى وخطب ووعظ وفسّر، ولى هذه الوظائف

عقيب موت والده مجد الدين، وعمره خمس وعشرون سنة، وكان أبوه أيضا من العلماء. ومات فى سلخ ذى الحجّة ودفن بمقابر الصوفيّة بدمشق. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الإمام عماد الدين علىّ بن يعقوب [بن شجاع بن «1» علىّ بن إبراهيم بن محمد] بن أبى زهران الموصليّ الشافعىّ شيخ القرّاء بدمشق فى صفر، وقد قارب الستين. وشيخ الإسلام الشيخ شمس الدين عبد الرحمن بن أبى عمر المقدسى [محمد بن أحمد «2» بن محمد بن قدامة] فى شهر ربيع الآخر، وله خمس وثمانون سنة. والإمام شهاب الدين عبد الحليم بن عبد السلام بن تيميّة الحرّانىّ والد شيخنا فى سلخ السنة، وله ستّ وخمسون سنة. والشيخ محيى الدين عمر بن محمد بن أبى سعد [عبد الله «3» بن محمد بن هبة الله بن على بن المطهر] بن أبى عصرون التّميمىّ فى ذى القعدة عن ثلاث وثمانين سنة. والإمام شمس الدين محمد ابن أحمد بن نعمة المقدسىّ مدرّس الشاميّة «4» فى ذى القعدة. وخطيب دمشق محيى الدين محمد بن الخطيب عماد الدين عبد الكريم [ابن القاضى «5» أبى القاسم عبد الصمد] ابن الحرستانىّ فى جمادى الآخرة، وله ثمان وستون سنة. والحافظ شمس الدين محمد بن محمد بن عبّاس [بن أبى «6» بكر] بن جعوان الأديب فى جمادى الأولى.

ما وقع من الحوادث سنة 683

والرئيس محيى الدين يحيى بن على بن القلانسىّ فى شوّال. والرئيس عماد الدين أبو الفضل محمد [بن «1» محمد] ابن القاضى شمس الدين هبة الله بن الشّيرازى فى صفر. وشرف الدين محمد بن عبد المنعم بن القوّاس فى شهر ربيع الآخر. والمحدّث جمال الدين عبد الله بن يحيى الجزائرى فى شوّال. والرشيد محمد بن أبى بكر بن محمد العامرىّ فى ذى الحجّة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وخمس أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثمانى أصابع. [ما وقع من الحوادث سنة 683] السنة السادسة من ولاية الملك المنصور قلاوون على مصر، وهى سنة ثلاث وثمانين وستمائة. فيها توفّى قاضى القضاة ناصر الدين أبو العبّاس أحمد بن محمد «2» بن منصور الجذامىّ المالكىّ المعروف بابن المنيّر قاضى الإسكندرية، مولده فى ذى القعدة سنة عشرين وستمائة، ومات بالإسكندرية ليلة الخميس مستهلّ شهر ربيع الأوّل، ودفن عند تربة والده عند الجامع المغربىّ «3» ، وكان إماما فاضلا متبحّرا فى العلوم وله اليد الطّولى فى علم الأدب والنظم والنثر. ومن شعره ما كتبه لقاضى القضاة شمس الدين ابن خلّكان فى صدر كتاب:

ليس شمس الضّحا كأوصاف شمس الد ... ين قاضى القضاة حاشا وكلّا تلك مهما علت محلّا ثنت ظلّا ... وهذا مهما علا مدّ ظلّا وله يهجو القاضى زين الدين بن أبى الفرج لمّا نازعه فى الحكم: قل لمن يدّعى المناصب بالجه ... ل تنحّ عنها لمن هو أعلم إن تكن فى ربيع ولّيت يوما ... فعليك القضاء أمسى محرّم وله فى صدر كتاب كتبه إلى الفائزى «1» يسأله رفع التصقيع عن ثغر الإسكندريّة: إذا اعتلّ الزمان فمنك يرجو ... بنو الأيام عاقبة الشّفاء وإن ينزل بساحتهم قضاء ... فأنت اللّطف فى ذاك القضاء وفيها توفّى ملك التتار أحمد بن هولاكو قان بن تولى قان بن چنكز قان، كان ملكا شهما خبيرا بأمور الرعيّة سالكا أحسن المسالك، أسلم وحسن إسلامه وبنى بممالكه الجوامع والمساجد، وكان متّبعا دين الإسلام لا يصدر عنه إلّا ما يوافق الشريعة، وكان لمّا حسن إسلامه صالح السلطان الملك المنصور قلاوون، وفرح السلطان بذلك، فمات أحمد بعد مدّة يسيرة، وملك بعده أرغون بن أبغا. وفيها توفّى القاضى نجم الدين أبو محمد عبد الرحيم بن إبراهيم بن هبة الله بن المسلم ابن «2» هبة الله بن حسّان بن محمد بن منصور بن أحمد الجهنىّ الشافعىّ المعروف بابن البارزىّ، ولد بحماة سنة ثمان وستمائة، وروى الحديث وبرع فى الفقه والحديث والنحو والأدب والكلام والحكمة، وصنّف فى كثير من العلوم، وتولّى القضاء بحماة نيابة عن والده، ثم استقلّ بعده ولم يأخذ على القضاء رزقا، وصرف قبل موته بسنين. ومن شعره تضمينا لأوّل قصيدة البهاء زهير البائية:

وكان الرّضا منى إليه ولم يكن ... رسول فأخشى أن ينم ويكذبا وناديت أهلا بالحبيب ولم أقل ... رسول الرّضا أهلا وسهلا ومرحبا وفيها توفّى الأمير شرف الدين عيسى بن مهنّا أمير آل فضل وملك العرب فى وقته؛ وكان له منزلة عظيمة عند الملوك لا سيّما عند الملك الظاهر بيبرس البندقدارىّ، ثم تضاعفت عند الملك المنصور قلاوون، وكان كريم الأخلاق حسن الجوار مكفوف الشر مبذول الخير، لم يكن فى العرب وملوكها من يضاهيه، وكان عنده ديانة وصدق. ولمّا مات ولّى الملك المنصور قلاوون ولده مهنّا عوضه، وكان بين وفاته ووفاة عدوّه الأمير أحمد بن حجّىّ أمير آل مرى دون السنة. وفيها توفّى الشيخ الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن موسى بن النّعمان التّلمسانىّ، سمع الكثير بعدّة بلاد وحدّث، ومولده بتلمسان فى سنة ستّ أو سبع وستمائة، ومات بمصر ودفن بالقرافة الكبرى، وهو غير «1» شمس الدين محمد بن العفيف التّلمسانىّ. وفيها توفّى الملك المنصور ناصر الدين أبو المعالى محمد ابن الملك المظفّر محمود ابن الملك المنصور محمد بن تقىّ الدين عمر بن شاهنشاه بن أيّوب صاحب حماة والمعرّة وابن صاحبهما، ملكهما بعد وفاة أبيه سنة اثنتين وأربعين وستمائة، ووالدته الصاحبة غازية خاتون بنت الملك الكامل محمد صاحب مصر ابن الملك العادل أبى بكر ابن أيوب. وكان مولده سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، وولّى الملك المنصور قلاوون ابنه بعد وفاته. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى القاضى ناصر الدين أبو العبّاس أحمد بن محمد «2» بن منصور الجذامىّ ابن المنيّر بالإسكندريّة فى شهر

ما وقع من الحوادث سنة 684

ربيع الأوّل «1» ، وله ثلاث وستون سنة. والملك أحمد بن هولاكو ملك التّتار. وقاضى حماة نجم الدين عبد الرحيم بن إبراهيم بن البارزىّ الشافعىّ فى ذى القعدة، وحمل ودفن بالبقيع، وله خمس وسبعون سنة. وقاضى دمشق عز الدين أبو المفاخر محمد بن عبد القادر بن عبد الخالق الأنصارى بن الصائغ فى شهر ربيع الآخر فى آخر الكهولية. وصاحب حماة الملك المنصور ناصر الدين محمد ابن المظفّر محمود عن إحدى وخمسين سنة. والشيخ العارف أبو عبد الله محمد بن موسى بن النّعمان التّلمسانىّ بمصر فى رمضان، وله سبع وسبعون سنة. وملك العرب عيسى بن مهنّا فى شهر ربيع الأوّل. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وعدّة أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثلاث أصابع. [ما وقع من الحوادث سنة 684] السنة السابعة من ولاية الملك المنصور قلاوون على مصر، وهى سنة أربع وثمانين وستمائة. فيها كان فتوح المرقب وغيره من القلاع بالساحل حسب ما ذكرناه فى أوّل الترجمة. وفيها ولد الملك الناصر محمد بن قلاوون، ووالده على حصار المرقب؛ وقد تقدّم ذكر ذلك أيضا. وفيها توفّى الشيخ زين الدين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن أحمد الأندلسىّ الإشبيلىّ الأصل المعروف بكتاكت المصرى الواعظ المقرئ الأديب الشاعر، مولده سنة خمس وستمائة، وقيل غير ذلك، ومات بالقاهرة فى شهر ربيع الأوّل. وكان إماما فى الوعظ ولد به فضيلة ومشاركة. وله شعر جيّد. من ذلك قوله.

من أنت محبوبه ماذا يغيّره ... ومن صفوت له ماذا يكدّره هيهات عنك ملاح الكون تشغلنى ... والكلّ أعراض حسن أنت جوهره وله القصيدة المشهورة عند الفقراء التى أوّلها: حضروا فمذ نظروا جمالك غابوا ... والكلّ مذ سمعوا خطابك طابوا وفيها توفّى الأمير علاء الدين أيدكين بن عبد الله البندقدارىّ الصالحىّ النجمىّ أستاذ الملك الظاهر بيبرس البندقدارى، كان أصل أيدكين هذا من مماليك الأمير جمال الدين موسى بن يغمور، ثم انتقل عنه للملك الصالح نجم الدين أيّوب وجعله بندقداره وأمّره ثم نكبه، وأخذ منه الملك الظاهر بيبرس ثم أعاده. ثم ترقّى بعد موت أستاذه وولى نيابة الشام من قبل مملوكه الملك الظاهر بيبرس، وكان الملك الظاهر بيبرس يعظّمه ويقول له: أنت أستاذى ويعرف له حقّ التربية! وكان هو أيضا يبالغ فى خدمة الملك الظاهر والنّصح له؛ وهو الذي انتزع له دمشق من يد الأمير سنجر الحلبىّ كما تقدّم ذكره. وعاش أيدكين إلى دولة الملك المنصور قلاوون، وهو من أكابر الأمراء وأعيانهم إلى أن مات فى القاهرة فى شهر ربيع الاخر «1» ، ودفن بتربته «2» قريب بركة «3» الفيل وقد ناهر السبعين.

قلت: وما العجب أنّ أيدكين هذا كان من جملة أمراء مملوكه الملك الظاهر بيبرس، والعجب أن أستاذ أيدكين هذا الأمير جمال الدين بن يغمور كان أيضا من جملة أمراء الظاهر بيبرس فكان الظاهر أستاذ أستاذه فى خدمته ومن جملة أمرائه فانظر إلى تقلبات الدهر بالملوك وغيرها! وفيها توفّى الشيخ الإمام رشيد الدين أبو محمد سعيد بن علىّ بن سعيد البصراوىّ الحنفىّ مدرّس الشّبليّة؛ كان إماما عالما فاضلا مدرّسا كثير الدّيانة والورع، عرض عليه القضاء غير مرّة فامتنع، وكانت له اليد الطّولى فى العربيّة والنظم، وكانت وفاته فى شعبان ودفن بقاسيون. ومن شعره:

أرى عناصر طيب العيش أربعة ... ما زال منها فطيب العيش قد زالا أمنّا وصحّة جسم لا يخالطها ... مغاير «1» والشّباب الغضّ والمالا وله مواليا: كيف اعتمدت على الدنيا وتجريبك ... أراك فلك تراها كيف تجرى بك ما زالت الخادعه تدنو فتغرى بك ... حتى رمتك بإبعادك وتغريبك وفيها توفّى الأديب البارع مجير الدين أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن علىّ المعروف بابن تميم الشاعر المشهور، وهو سبط ابن تميم، كان أصله دمشقيّا وانتقل إلى حماة وخدم صاحبها الملك المنصور جنديّا، وكان له به اختصاص، وكان فاضلا شجاعا عاقلا، وكان من الشعراء المعدودين. ومن شعره فى الشجاعة والإقدام قوله: دعنى أخاطر فى الحروب بمهجتى ... إمّا أموت بها وإمّا أرزق فسواد عيشى لا أراه أبيضا ... إلّا إذا احمرّ السّنان الأزرق

وله: لم لا أهيم إلى الرّياض وزهرها ... وأقيم منها تحت ظل ضافى والغصن يلقانى بثغر باسم ... والماء يلقانى بقلب صافى وله: عاينت ورد الرّوض يلطم خدّه ... ويقول وهو على البنفسج محنق لا تقربوه وإن تضوّع نشره ... «1» ما بينكم فهوا العدوّ الأزرق قلت: وقريب من هذا قول القائل: بنفسج الروض تاه عجبا ... وقال طيبى للجوّ ضمّخ فأقبل الزهر فى احتفال ... والبان من غيظه تنفّخ الذين ذكر الذهبى وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّيت أمّ الخير ستّ العرب بنت يحيى بن قيماز الكنديّة فى المحرّم. والمحدّث أبو القاسم علىّ بن بلبان الناصرىّ فى رمضان. وأبو بكر محمد بن إسماعيل بن عبد الله الأنماطىّ فى ذى الحجّة. والقدوة الشيخ محمد بن الحسن الإخميمىّ بقاسيون فى جمادى الأولى. والشيخ الزاهد شرف الدين محمد ابن الشيخ عثمان [بن علىّ «2» ] الرّومىّ. والإمام الرشيد سعيد بن علىّ [ابن «3» سعيد] الحنفىّ فى رمضان. والعلّامة رضىّ الدين محمد بن على بن يوسف الشاطبىّ اللغوى بمصر، وله نيّف وثمانون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم لم يحرّر. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وعشرون إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 685

[ما وقع من الحوادث سنة 685] السنة الثامنة من ولاية الملك المنصور قلاوون على مصر، وهى سنة خمس وثمانين وستمائة. فيها استولى الملك المنصور قلاوون على الكرك وانتزعها من يد الملك المسعود خضر ابن الملك الظاهر بيبرس. وفيها توفّى الشيخ معين الدين أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عبد «1» الرحمن بن أحمد ابن تولوا الفهرىّ، مولده بتنّيس «2» سنة خمس وستمائة، ومات بمصر فى شهر ربيع الأوّل، ودفن بالقرافة الصغرى، وسمع الحديث وتفقّه وكان له معرفة بالأدب وله يد طولى فى النظم، وشعره فى غاية الجودة. ومن شعره وقد أمر قاضى مصر بقطع أرزاق الشعراء من الصدقات سوى أبى الحسين «3» الجزّار. فقال: تقدّم القاضى لنوّابه ... بقطع رزق البرّ والفاجر ووفّر الجزّار من بينهم ... فاعجب للطف التّيس بالجازر وفيها توفّى الشيخ شهاب الدين أبو عبد الله محمد بن عبد المنعم بن محمد الأنصارىّ الصوفى الفقيه الشافعى، الشاعر المشهور المعروف بابن الخيمىّ، كان إمام عصره فى الأدب ونظم الشعر مع مشاركة فى كثير من العلوم. ومولده سنة اثنتين وستمائة، وتوفى بمشهد الحسين بالقاهرة فى شهر رجب، وقد أوضحنا أمره مع نجم الدين ابن إسرائيل لمّا تداعيا القصيدة التى أوّلها:

يا مطلبا ليس لى فى غيره أرب ... إليك آل التّقصّى وانتهى الطّلب فى تاريخنا «المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى» وذكرنا أمرهما لمّا أمرهما ابن الفارض بنظم قصيدتين فى الرّوىّ والقافية وذكرنا القصيدتين أيضا بكمالهما، ثم حكم ابن الفارض بالقصيدة لشهاب الدين هذا. والقصيدة التى نظمها شهاب الدين ابن الخيمىّ هذا لمّا أمره ابن الفارض بالنظم أوّلها: لله قوم بجرعاء الحمى غيب ... جنوا علىّ ولمّا أن جنوا عتبوا والتى نظمها ابن إسرائيل. لم يقض من حبّكم بعض الذي يجب ... قلب متى ما جرى تذكاركم يجب الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى المسند أبو العبّاس أحمد بن شيبان الصالحىّ فى صفر، وقد قارب التسعين. والعلّامة جمال الدين محمد ابن أحمد بن محمد البكرىّ. والشهاب محمد بن عبد المنعم بن محمد الأنصارىّ ابن الخيمىّ الشاعر فى رجب، وله ثلاث وثمانون سنة. والشيخ عبد الرحيم بن محمد ابن أحمد بن فارس العلثىّ «1» بن الزّجّاج فى المحرّم. وأمة الحقّ شاميّة ابنة صدر الدين الحسن بن محمد بن محمد البكرىّ فى رمضان. والإمام صفىّ الدين خليل بن أبى بكر ابن محمد المراغىّ فى ذى القعدة. وقاضى القضاة بهاء الدين يوسف ابن القاضى محيى الدين [يحيى «2» ] بن الزكى فى ذى الحجّة، وله ستّ وأربعون سنة. والمقرئ «3» برهان الدين إبراهيم بن إسحاق بن المظفّر الوريرىّ فى ذى الحجّة قافلا من الحجّ. وخطيب كفر بطنا «4»

ما وقع من الحوادث سنة 686

جمال الدين محمد بن عمر الدّينورىّ فى رجب، وله اثنتان وسبعون سنة. والمقرئ الشيخ حسن بن عبد الله بن ويحيان «1» الرّاشدىّ «2» فى صفر. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع، وقيل خمس، وست أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وأربع أصابع. [ما وقع من الحوادث سنة 686] السنة التاسعة من ولاية الملك المنصور قلاوون على مصر، وهى سنة ست وثمانين وستمائة. فيها توفّى الشيخ الإمام العارف بالله تعالى قطب زمانه شهاب الدين أبو العبّاس أحمد بن عمر المرسىّ الأنصارىّ الإسكندرىّ المالكىّ الصالح المشهور، كان علّامة زمانه فى العلوم الإسلاميّة، وله القدم الراسخة فى علم التحقيق، وله الكرامات الباهرة، وكان يقول: شاركنا الفقهاء فيما هم فيه، ولم يشاركونا فيما نحن فيه. وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلىّ: أبو العبّاس بطرق السماء أعلم منه بطرق الأرض. انتهى. قلت: وكان لديه فضيلة ومشاركة، وله كرامات وأحوال مشهورة عنه، وللناس فيه اعتقاد كبير لا سيّما أهل الإسكندرية، وقد شاع ذكره وبعد صيته بالصلاح والزّهد، وكان من جملة الشهود بالثّغر، وبها توفّى ودفن وقبره «3» يقصد للزيارة.

وفيها توفّى الشيخ شرف الدين أبو الربيع سليمان بن بليمان بن أبى الجيش ابن عبد الجبّار بن بليمان الهمذانىّ الأصل الرّعبانىّ «1» المولد، الإربلىّ المنشأ، الشاعر المشهور صاحب النوادر، كان من شعراء الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن محمد صاحب الشام، وكان أبوه صائغا وتعانى هو أيضا الصّياغة، قيل إنّه جاء إليه مملوك مليح من مماليك الملك الأشرف موسى، وقال له: عندك خاتم لإصبعى؟ فقال له: لا، إلا عندى إصبع مليح لخاتمك. ومات بدمشق فى ليلة عاشر صفر. ومن شعره: وما زالت الرّكبان تخبر عنكم ... أحاديث كالمسك الذّكىّ بلامين إلى أن تلاقينا فكان الذي وعت «2» ... من القول أذنى دون ما أبصرت عينى ولمّا قامر التّلعفرىّ «3» بثيابه وأخفافه قال فيه شرف الدين هذا قصيدة وأنشدها للملك الناصر بحضرة التّلعفرىّ. فلمّا فرغ من إنشادها قال له التّلعفرىّ: ما أنا جندىّ

حتى أقامر بأخفافى. فقال له شرف الدين: بخفاف امرأتك. فقال: مالى امرأة، فقال له: لك مقامرة من بين الحجرين إمّا بالخفاف أو بالنّعال «1» . انتهى. قلت: وأنا مسامح التّلعفرىّ على القمار، لحسن ما قاله من رائق الأشعار: فمن كان ذا عذر قبلت اعتذاره ... ومن لاله عذر فعندى له عذر وفيها توفّى الشيخ الإمام المحدّث قطب الدين أبو بكر محمد بن أحمد بن علىّ بن محمد بن الحسن بن أحمد «2» بن عبد الله بن ميمون القيسىّ الشّاطبىّ المحدّث الإمام العلّامة، كان شيخ الكامليّة بالقاهرة المعروف بابن القسطلانيّ التّوزرىّ «3» الأصل المصرى المولد المكّىّ المنشأ الشافعىّ المذهب، مولده سنة أربع عشرة وستمائة، ومات يوم السبت ثامن عشر المحرّم، ودفن بالقرافة الصغرى، وكان مجموع الفضائل، رحمه الله. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الإمام النّحوىّ بدر الدين محمد ابن الشيخ جمال الدين بن «4» مالك فى المحرّم. والإمام قطب الدين أبو بكر محمد بن أحمد بن علىّ القسطلانيّ بالقاهرة فى المحرّم. وقاضى القضاة برهان الدين الخضر بن الحسن بن علىّ السّنجارىّ بمصر فى صفر. والحكيم عماد الدين محمد بن عبّاس الرّبغىّ الدّنيسرىّ، وله إحدى وثمانون سنة. وشرف الدين سليمان ابن بليمان الإربلىّ الشاعر. والمحدث وجيه الدين عبد الرحمن بن حسن السّبتىّ فى جمادى الأولى. والمسند عزّ الدين أبو العزّ عبد العزيز بن عبد المنعم [بن «5» علىّ] ابن الصّيقل الحرّانىّ فى شهر رجب.

ما وقع من الحوادث سنة 687

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وأصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشر أصابع. [ما وقع من الحوادث سنة 687] السنة العاشرة من ولاية الملك المنصور قلاوون على مصر، وهى سنة سبع وثمانين وستمائة. فيها توفّى الشيخ المعتقد الصالح برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن معضاد بن شدّاد الجعبرىّ الأصل والمولد المصرىّ الدار والوفاة، الصالح المشهور، نشأ بجعبر ثم انتقل إلى الديار المصريّة واستوطنها ولزم مسجده، وكان يعظ به ويجتمع عنده خلق كثير، ولأصحابه فيه عقيدة حسنة، وله مقالات كثيرة، وكان زاهدا عابدا، سمع الحديث وروى عن السّخاوىّ «1» وغيره، وكان غزير الفضيلة حلو العبارة. قال الصلاح الصّفدىّ: أخبرنى الشيخ الإمام العلّامة أثير «2» الدين أبو حيّان من لفظه قال: رأيت المذكور بالقاهرة، وحضرت مجلسه أنا والشيخ نجم الدين بن مكّىّ، وجرت لنا معه حكاية، وكان يجلس للعوامّ يذكّرهم ولهم فيه اعتقاد، وكان يدرى شيئا من الحديث، وله مشاركة فى أشياء من العلوم وفى الطب، وله شعر جيّد. وأنشد له قصيدة أذكر منها القليل: عشقوا الجمال مجرّدا بمجرّد الر ... وح الزكيّة عشق من زكّاها متجرّدين عن الطّباع ولؤمها ... متلبّسين عفافها وتقاها انتهى كلام الصّفدىّ.

وقال القطب اليونينىّ: وأظنّه نيّف على الثمانين من العمر، ولمّا مرض مرض الموت أمر أن يخرج به إلى مكان مدفنه، فلما رآه قال له: «قبير جاك دبير» . ومات بعد ذلك بيوم فى يوم السبت رابع عشرين المحرّم بالقاهرة ودفن من يومه بالحسينيّة «1» خارج باب النّصر، وقبره «2» معروف هناك يقصد للزيارة. قلت: ويعجبنى فى هذا المعنى المقالة السابعة الزّهديّة من مقالات الشيخ العارف الرّبانىّ شرف الدين عبد المؤمن بن هبة الله الأصفهانىّ المعروف بشوروة من كتابه «أطباق الذهب» وهى: طوبى للتّقىّ الخامل، الذي سلم عن إشارة الأنامل؛ وتعسا لمن قعد فى الصوامع، ليعرف بالأصابع؛ خزائن الأمناء مكتومة، وكنوز الأولياء مختومة؛ والكامل كامن «3» بتضاءل، والناقص قصير يتطاول؛ والعاقل قبعة «4» ، والجاهل طلعة؛ فاقبع قبوع الحيّات، واكمن فى الظّلمات، كمون «5» ماء الحياة؛ وصن كنزك فى التّراب، وسيفك فى القراب؛ وعفّ آثارك بالذّيل المسحوب، واستر رواءك بسفعة «6» الشّحوب؛ فالنباهة فتنة، والوجاهة محنة؛ فكن كنزا مستورا، ولا تكن سيفا مشهورا؛ إنّ الظالم جدير أن يقبر ولا يحشر، والبالى خليق أن يطوى ولا ينشر؛ ولو عرف

الجذل «1» صولة النّجار، وعضّة المنشار؛ لما تطاول شبرا، ولا تخايل كبرا، وسيقول البلبل المعتقل: يا ليتنى كنت غرابا، ويقول الكافر يا ليتنى كنت ترابا» . انتهى. وفيها توفّى الشيخ ناصر الدين أبو محمد حسن بن شاور بن طرخان الكنانىّ ويعرف بابن الفقيسىّ وبابن النّقيب الشاعر المشهور، كان من الفضلاء الأدباء، ومات ليلة الأحد منتصف شهر ربيع الأوّل ودفن بسفح المقطّم، وله تسع وسبعون «2» سنة؛ وكان بينه وبين العلّامة شهاب الدين محمود صحبة ومجالسة ومذاكرة فى القريض. ومن شعره: نهيناه عن فعل القبيح فما انتهى ... ولا ردّه ردع وعاد وعادى وقلنا له دن بالصّلاح فقلّما ... رأينا فتى عانى الفساد فسادا وله: وجرّدت مع فقرى وشيخوختى التى ... تراها فنومى عن جفونى مشرّد فلا يدّعى غيرى مقامى «3» فإنّنى ... أنا ذلك الشيخ الفقير المجرّد وله: حدّثت عن ثغره المحلّى ... فمل إلى خدّه المورّد خدّ وثغر فجلّ ربّ ... بمبدع الحسن قد تفرّد وله: يا من أدار سلافة «4» من ريقه ... وحبابها الثّغر الشّنيب الأشنب تفّاح خدّك بالعذار ممسّك ... لكنّه بدم القلوب مخضّب

وله: أنا العذرىّ فاعذرنى وسامح ... وجرّ علىّ بالإحسان ذيلا ولمّا صرت كالمجنون عشقا ... كتمت زيارتى وأتيت ليلا وفيها توفّى الملك الصالح على ابن السلطان الملك المنصور قلاوون، كان والده المنصور قلاوون قد جعله ولىّ عهده وسلطنه فى حياته حسب ما تقدم ذكره فى سنة تسع وسبعين وستمائة، فدام فى ولاية العهد إلى هذه السنة مرض ومات بعد أيّام فى رابع شعبان بقلعة الجبل، ووجد عليه أبوه الملك المنصور قلاوون كثيرا، فإنّه كان نجيبا عاقلا خليقا للملك. وفيها توفّى الشيخ الطبيب علاء الدين علىّ بن أبى الحرم «1» القرشى الدّمشقىّ المعروف بابن النّفيس الحكيم الفاضل العلّامة فى فنّه، لم يكن فى عصره من يضاهيه فى الطّبّ والعلاج والعلم، اشتغل على المهذّب «2» الدّخوار حتى برع، وانتهت إليه رياسة فنّه فى زمانه، وهو صاحب التصانيف المفيدة، منها: «الشامل فى الطب» ، و «المهذّب فى الكحل» ، و «الموجز «3» » ، و «شرح القانون لابن سينا» . ومات فى ذى القعدة بعد أن أوقف داره وأملاكه وجميع ما يتعلّق به على البيمارستان المنصورىّ بالقاهرة. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الشيخ إبراهيم بن معضاد الجعبرىّ بالقاهرة فى المحرّم عن نيّف وثمانين سنة. والإمام أبو العبّاس أحمد بن أحمد بن عبد الله [بن أحمد «4» بن محمد بن قدامة] المقدسىّ الفرضىّ. وخطيب

ما وقع من الحوادث سنة 688

القدس قطب الدين أبو الزّكاء «1» عبد المنعم بن يحيى الزّهرىّ فى رمضان. والجمال أحمد بن أبى بكر بن سليمان بن الحموىّ. والشيخ الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن عبد العزيز اللّورى «2» شيخ المالكية فى صفر. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وأربع أصابع. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وأربع أصابع. [ما وقع من الحوادث سنة 688] السنة الحادية عشرة من ولاية الملك المنصور قلاوون على مصر، وهى سنة ثمان وثمانين وستمائة. فيها فتحت طرابلس وما أضيف إليها بعد أمور ووقائع حسب ما ذكرناه فى أصل هذه الترجمة مفصّلا. وفيها توفّى الشيخ علم الدين أحمد ابن الصاحب صفىّ «3» الدين يوسف بن عبد الله ابن شكر المعروف بابن الصاحب، كان نادرة زمانه فى المجون والهزل وإنشاد الأشعار والبلّيقات «4» وكان بقى فى آخر عمره فقيرا مجرّدا، وكان اشتغل فى صباه وحصّل ودرس، وكان لديه فضيلة وذكاء وحسن تصور، إلّا أنه تمفقر فى آخر عمره وأطلق طباعه على التّكدى وصار يجارد «5» الرؤساء، ويركب فى قفص [على «6» رأس] حمّال ويتضارب الحمّالون على حمله، لأنّه كان مهما فتح له من الرؤساء كان للّذى يحمله،

فكان يستمرّ راكبا فى القفص والحمّال يدور به فى أماكن الفرج والنّزه، وكان يتعمّم بشرطوط «1» طويل جدّا رقيق العرض ويعاشر الحرافيش، وكان له أولاد رؤساء، ويقال: إنّ الصاحب بهاء الدين بن حنّا هو الذي أحوجه إلى أن ظهر بذلك المظهر، وأخمله وجنّنه لكونه كان من بيت وزارة، فكان ابن الصاحب هذا إذا رأى الصاحب بهاء الدين بن حنّا ينشد: اشرب «2» وكل وتهنّا ... لابدّ أن تتعنّى محمد وعلىّ ... من أين لك يا بن حنا قال الشيخ صلاح الدين الصّفدىّ: «أخبرنى من لفظه الحافظ نجم الدين أبو محمد الحسن «3» خطيب صفد، قال: رأيته (يعنى ابن الصاحب) أشقر أزرق العينين عليه قميص أزرق، وبيده عكّاز حديد. قال: وأخبرنى من لفظه الحافظ فتح «4» الدين ابن سيّد الناس، قال: كان ابن الصاحب يعاشر الفارس أقطاى فاتّفق أنّهم كانوا يوما على ظهر النّيل فى شختور «5» ، وكان الملك الظاهر بيبرس مع الفارس أقطاى وجرى بينهم أمر، ثم ضرب الدهر ضربانه حتّى تسلطن الملك الظاهر بيبرس وركب يوما إلى الميدان، ولم يكن عمّر قنطرة «6» السّباع، وكان التوجه إلى الميدان من على باب زويلة على باب الخرق «7» ، وكان ابن الصاحب هذا نائما على قفص صيرفىّ

من تلك الصّيارف برّا باب زويلة، ولم يكن أحد يتعرّض لابن الصاحب، فمرّ به الملك الظاهر فلم يشعر إلا وابن الصاحب يضرب بمفتاح فى يده على خشب الصيرفى قويّا، فالتفت الظاهر فرآه فقال: هاه! علم الدين؟ فقال: إيش علم الدين أنا جيعان! فقال: أعطوه ثلاثة آلاف درهم. وكان ابن الصاحب أشار بتلك الدّقّة إلى دقّة مثلها يوم المركب» . انتهى [كلام الصّفدى] . قلت: ومن نوادره اللّطيفة أنّه كان بالقاهرة إنسان [كثيرا «1» ما] يجرّد الناس فسمّوه زحل، فلمّا كان فى بعض الأيام وقف ابن الصاحب على دكّان حلوى يزن دراهم يشترى بها حلوى، وإذا بزحل قد أقبل من بعيد، فقال ابن الصاحب للحلاوى «2» : أعطنى الدراهم، ما بقى لى حاجة بالحلوى، فقال: لم؟ قال: أما ترى زحل قارن المشترى فى الميزان! وله من هذا أشياء كثيرة ذكرنا منها نبذة فى ترجمته فى تاريخنا «المنهل الصافى» . ومن شعره: يا نفس ميلى إلى التّصابى ... فاللهو منه الفتى يعيش ولا تملّى من سكر يوم ... إن أعوز الخمر فالحشيش وله فى المعنى: فى خمار الحشيش معنى مرامى ... يا أهيل العقول والأفهام حرّموها من غير عقل ونقل ... وحرام تحريم غير الحرام قلت: وأحسن ما قيل فى هذا المعنى قول القائل ولم أدر لمن هو: وخضراء ما الحمراء تفعل فعلها ... لها وثبات فى الحشى وثبات تؤجّج نارا فى الحشى وهى جنّة ... وتروى مرير الطّعم وهى نبات

وفيها توفّى الشيخ الأديب البارع المفتّن شمس الدين محمد بن عفيف الدين سليمان ابن على التّلمسانىّ الشاعر المشهور، كان شابّا فاضلا ظريفا، وشعره فى غاية الحسن والجودة. وديوان شعره مشهور بأيدى الناس، ومن شعره: ياسا كنّا قلبى المعنّى ... وليس فيه سواك ثانى لأىّ معنى كسرت قلبى ... وما التقى فيه ساكنان وله فى ذمّ الحشيش: ما للحشيشة فضل عند آكلها ... لكنه غير مصروف إلى رشده صفراء فى وجهه خضراء فى فمه ... حمراء فى عينه سوداء فى كبده وله أيضا: لى من هواك بعيده وقريبه ... ولك الجمال بديعه وغريبه يا من أعيد جماله بجلاله ... حذرا عليه من العيون تصيبه إن لم تكن عينى فإنّك نورها ... أو لم تكن قلبى فإنت حبيبه هل رحمة أو حرمة لمتيّم ... قد قلّ منك نصيره ونصيبه ألف القصائد فى هواك تغزّلا ... حتّى كأنّ بك النسيب نسيبه لم تبق لى سرّا أقول تذيعه ... عنّى ولا قلب أقول تنيبه «1» كم ليلة قضّيتها متسهّدا ... والدمع يجرح مقلتى مسكوبه والنجم أقرب من لقاك مناله ... عندى وأبعد من رضاك مغيبه والجوّ «2» قد رقّت علىّ شماله ... وجفونه وشماله وجنوبه

هى مقّلة سهم الفراق يصيبها ... ويسحّ وابل دمعها فيصوبه وجوّى تضرّم جمره لولا ندى ... قاضى القضاة قضى علىّ لهيبه وله: أخجلت بالثّغر ثنايا الأقاح ... يا طرّة الليل ووجه الصّباح وأعجمت أعينك السّحر مذ ... أعربت «1» منهن صفاحا فصاح فيالها سودا مراضا غدت ... تسلّ للعاشق بيضا صحاح يا للهوى من مسعد مغرما ... رأى حمام الأيك غنّى فناح «2» يا بانة مالت بأعطافه ... علّمتنى كيف تهزّ الرّماح وأنت يا أسهم ألحاظه ... أثخنت والله فؤادى جراح الذين ذكر الذهبى وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى كمال الدين أحمد ابن يوسف بن نصر الفاضلىّ. والمفتى فخر الدين عبد الرحمن بن يوسف البعلبكّىّ الحنبلى فى رجب. ورئيس الشهود زين الدين المهذب ابن أبى الغنائم التّنوخىّ. والعلّامة شمس الدين الأصيهانىّ الأصولى محمد بن محمود بالقاهرة فى رجب. والمقرئ تقىّ الدين يعقوب «3» بن بدران الجرائدىّ بالقاهرة فى شعبان. والمسندة العابدة زينب بنت مكّىّ فى شوّال، ولها أربع وتسعون سنة. والعماد أحمد ابن الشيخ العماد إبراهيم ابن عبد الواحد المقدسىّ. والإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الكمال عبد الرحيم ابن عبد الواحد «4» المقدسىّ فى جمادى الأولى.

ما وقع من الحوادث سنة 689

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وعشر أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشر أصابع. [ما وقع من الحوادث سنة 689] السنة الثانية عشرة من ولاية السلطان الملك المنصور قلاوون على مصر، وهى سنة تسع وثمانين وستمائة. فيها كانت وفاة صاحب الترجمة الملك المنصور قلاوون فى ذى القعدة حسب ما تقدّم ذكره، وتسلطن بعده ابنه الملك الأشرف خليل. وفيها توفّى الشيخ الإمام أبو المعالى برهان الدين أحمد بن ناصر بن طاهر الحسينىّ الحنفىّ إمام المقصورة الحنفية الشمالية بجامع دمشق، كان إماما عالما فاضلا زاهدا صالحا متعبّدا مفتنّا مشتغلا بما هو فيه من الاشتغال بالعلم والأوراد والقراءة إلى أن مات فى يوم السبت ثانى عشرين شوّال، وتولّى بعده الإمامة الشيخ نجم الدين يعقوب البروكارىّ «1» الحنفىّ، وسلك مسلكه. وفيها توفّى الأمير حسام الدين أبو سعيد طرنطاى بن عبد الله المنصورىّ الأمير الكبير، كان أوحد أهل عصره، كان عظيم دولة أستاذه الملك المنصور قلاوون؛ وكان المنصور قد جعله نائبه بسائر الممالك، وكان هو المتصرّف فى مملكته. فلمّا مات الملك المنصور قلاوون وتسلطن ولده الملك الأشرف خليل استنابه أيّاما إلى أن رتّب أموره ودبّره ودبّر أحواله، وكان عظيم التنفيذ سديد الرأى، مفرط الذكاء غزير العقل؛ فلمّا رسخت قدم الأشرف فى السلطنة أمسكه، وكان فى نفسه

منه أيّام والده، وبسط عليه العذاب إلى أن مات شهيدا وصبر على العذاب صبرا لم يعهد مثله عصر إلى أن هلك، ولمّا غسّلوه وجدوه قد تهرّأ لحمه وتزايلت أعضاؤه، وأنّ جوفه كان مشقوقا، كلّ ذلك ولم يسمع منه كلمة. وكان بينه وبين الأمير علم الدين سنجر الشّجاعىّ عداوة على الرّتبة، فسلّمه الأشرف إلى الشّجاعىّ وأمره بتعذيبه، فبسط الشجاعىّ عليه العذاب أنواعا إلى أن مات، فحمل إلى زاوية الشيخ عمر السّعودىّ «1» ، فغسّلوه وكفّنوه ودفنوه بظاهر الزاوية. وكان له مواقف مع العدوّ، وغزوات مشهورة وفتوحات. وبنى مدرسة حسنة بقرب داره بخط البندقانيّين «2» بالقاهرة، وقبّة برسم الدفن، وله أوقاف على الأسرى وغيرها. وكان فيه محاسن لولا شحّه وبذاءة لسانه لكان أوحد أهل زمانه، وخلّف أموالا جمّة.

قال الشيخ قطب الدين اليونينىّ قال الشيخ تاج «1» الدين الفزارى: حدّثنى تاج «2» الدين بن الشّيرازى المحتسب: أنّهم وجدوا فى خزانة طرنطاى من الذهب العين ألفى ألف «3» دينار وأربعمائة ألف دينار وألفى حياصة ذهب وألف وسبعمائة كلّوته مزركشة، ومن الدراهم ما لا يحصى؛ فاستولى الأشرف خليل على ذلك كلّه، وفرّقه على الأمراء والمماليك فى أيسر مدّة؛ واحتاج أولاد طرنطاى هذا وعياله من بعده إلى الطلب من الناس من الفقر. وقال غيره: وجد لطرنطاى ألف ألف دينار وستمائة ألف دينار. ثم ذكر أنواع الأقمشة والخيول والجمال والبغال والمتاجر ما يستحى من ذكره كثرة. ومات طرنطاى المذكور ولم يبلغ خمسين سنة من العمر. وفيها توفّى الأمير علاء الدين طيبرس بن عبد الله الصالحىّ المعروف بالوزيرىّ، كان أحد الأمراء المشهورين بالشجاعة والإقدام، وكان من المبرّزين وله التقدّم فى الدول والوجاهة، ولم يزل على ذلك إلى أن مات، رحمه الله تعالى. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى العلّامة رشيد الدين عمر بن إسماعيل الفارقى خنق فى المحرّم وقد كمّل التسعين. والإمام نور الدين على ابن ظهير بن شهاب بن الكفتى المقرئ الزاهد فى شهر ربيع الآخر. وقاضى الحنابلة نجم الدين أحمد ابن الشيخ شمس الدين عبد الرحمن بن أبى عمر فى جمادى الأولى،

وله ثمان وثلاثون سنة. وخطيب دمشق جمال الدين عبد الكافى بن عبد الملك ابن عبد الكافى الربعى فى سلخ جمادى الأولى. والزاهد فخر الدين أبو طاهر إسماعيل عزّ القضاة بن علىّ بن محمد «1» الصوفىّ فى رمضان. والشيخ شمس الدين عبد الرحمن ابن الزّين أحمد بن عبد الملك المقدسى فى ذى القعدة. والسلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفىّ الصالحىّ فى ذى القعدة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وإصبعان. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا، ولم يوفّ فى هذه السنة. انتهى الجزء السابع من النجوم الزاهرة ويليه الجزء الثامن، وأوّله: ذكر ولاية الملك الأشرف خليل على مصر

استدراكات على بعض تعليقات وردت فى الجزءين الرابع والخامس من هذا الكتاب، لحضرة الأستاذ محمد رمزى بك

استدراكات على بعض تعليقات وردت فى الجزءين الرابع والخامس من هذا الكتاب، لحضرة الأستاذ محمد رمزى بك قنطرة عبد العزيز بن مروان بما أن الشرح الخاص بتعيين موقع هذه القنطرة المدرج فى صفحة 44 بالجزء الرابع من هذه الطبعة جاء غير واف فيستبدل به الشرح الآتى: لما تكلم المقريزى على ظواهر القاهرة المعزية (ص 108 ج 2) قال: كان أوّل الخليج الكبير عند وضع القاهرة بجانب خط السبع سقايات وكان ما بين هذا الخط وبين المعاريج بمدينة مصر (مصر القديمة) غامرا بماء النيل. ولما تكلم على قناطر الخليج الكبير (ص 146 ج 2) قال: ان قنطرة ابن مروان كانت فى طرف الفسطاط بالحمراء القصوى بناها عبد العزيز بن مروان والى مصر فى سنة 69 هـ. وموضعها خلف السبع سقايات على فم الخليج الكبير وكان المرور على هذه القنطرة بين الحمراء القصوى وجنان الزهرى. ولما تكلم على حكر أقبقا (ص 116 ج 2) قال: وفى هذا الحكر تقع قنطرة عبد العزيز بن مروان. وقد تبيّن لى من البحث: (أوّلا) أن خط السبع سقايات هو الذي عرف فيما بعد بحكر أقبقا أى أن مكانهما واحد، وفقط اختلفت التسمية باختلاف الزمن والمناسبات. (ثانيا) أن حكر أقبقا مكانه اليوم المنطقة التى فيها حارة السيدة زينب وفروعها وجنينة لاظ وشوارعها. (ثالثا) أن النيل كان يجرى وقت فتح العرب لمصر فى الجهة الغربية من جنينة لاظ حيث الطريق المسماة شارع بنى الأزرق وما فى امتداده جنوبا وشمالا. (رابعا) أن فم الخليج المصرى كان فى ذاك الوقت واقعا حذاء مدخل الشارع المذكور من جهة شارع الخليج.

بستان الخشاب

ومما ذكر يتضح أن قنطرة عبد العزيز بن مروان التى كانت على فم الخليج الكبير مكانها اليوم النقطة الواقعة بشارع الخليج المصرى تجاه مدخل حارة حكر أقبقا بأرض جنينة لاظ التى هى جزء من حكر أقبقا، وهذا الخط هو الجزء الشمالى من الحمراء القصوى ويقابله على الشاطئ الأيسر للخليج أرض جنان الزهرى حيث خط الناصرية الآن وما فى امتداده إلى شارع غيط العدة. بستان الخشاب بما أن الشرح الخاص بتحديد هذا البستان المدرج فى صفحة 44 بالجزء الرابع من هذه الطبعة جاء غير واف فيستبدل به الشرح الآتى: تكلم المقريزى على هذا البستان فى جملة مواضع بالجزء الثانى من خططه فذكره عند الكلام على ظواهر القاهرة المعزية (ص 108) وعلى بر الخليج الغربى (ص 113) وعلى الخليج الناصرى (ص 145) وعلى قنطرة السد (ص 146) وعلى قنطرة الفخر (ص 148) وعلى الميدان الناصرى (ص 200) وعلى حكر الست حدق (ص 116) ويستفاد مما ذكر فى المواضع المذكورة البيان الآتى: (أوّلا) أن بستان الخشاب كان واقعا فى المنطقة التى تحدّ اليوم من الشمال بشوارع المبتديان ومضرب النشاب والبرجاس والجزء الغربى من شارع إسماعيل باشا إلى النيل. ومن الغرب نهر النيل. ومن الجنوب مستشفى قصر العينى وشارع بستان الفاضل وما فى امتداده من الجهة الشرقية إلى شارع الخليج المصرى. ومن الشرق شارع الخليج المصرى وشارع سعد الدين إلى أن يتقابل مع الحد البحرى. (ثانيا) أن هذا البستان كان منقسما إلى قسمين الشرقى منهما وهو الواقع بين شارع المنيرة وشارع الخليج المصرى وكان يعرف بالمريس حيث كان يسكنه طائفة من السودان وبه يتخذون المزر وهو نوع من البوظة يسميه أهل السودان المريسة، والقسم الغربى وهو الواقع بين شارع المنيرة وشاطئ النيل كان يعرف

أرض الطبالة

بالميدان الناصرى، ومكانه اليوم خط القصر العالى المسمى «جاردن ستى» وكان بالجهة الجنوبية من هذا الميدان على شاطئ سيالة جزيرة الروضة عند كوبرى محمد على يوجد مواقع فم الخليج الناصرى وقنطرة الفخر وموردة الجبس وموردة البلاط. أرض الطبّالة بما أن الشرح الخاص بتحديد هذه الأرض المدرج فى صفحة 12 بالجزء الخامس من هذه الطبعة جاء غير واف بالنسبة للحد الغربى للأرض المذكورة فيستبدل به الشرح الآتى: يستفاد مما ذكره المقريزى فى خططه عند الكلام على جزيرة الفيل (ص 185 ج 2) أن أرض الطبالة كانت ممتدّة إلى شاطئ النيل القديم تجاه جزيرة الفيل التى كانت وسط النيل. ومكانها اليوم منطقة شبرا بالقاهرة. ومن هذا يتضح أن أرض الطبالة كانت واقعة فى المنطقة التى تحدّ اليوم من الشرق بشارع الخليج المصرى. ومن الشمال بشارع الظاهر فشارع وقف الخربوطلى وما فى امتداده حتى يتقابل بشارع مهمشة. ومن الغرب بشارع غمرة إلى محطة كوبرى الليمون فميدان محطة مصر إلى ميدان باب الحديد حيث كان النيل يجرى قديما. ومن الجنوب بشارع الفجالة وسكة الفجالة ويدخل فيها الآن محطة كوبرى الليمون والفجالة وبركة الرطلى. وباقى الشرح الوارد بالجزء الخامس صحيح. تنبيه: التعليقات الخاصة بالأماكن الأثرية على اختلاف أنواعها، والمدن والقرى القديمة وغيرها مع تعيين وتحديد مواضعها هى من وضع حضرة الأستاذ محمد رمزى بك المفتش بوزارة المالية سابقا. فنسدى إليه جزيل الشكر ونسأل الله جلّت قدرته أن يجزيه خير الجزاء عن خدمته للعلم وأهله.

استدراكات على الجزء السادس من النجوم الزاهرة

استدراكات على الجزء السادس من النجوم الزاهرة نبّهنا إليها الأستاذ الشيخ محمد أحمد دهمان من علماء دمشق قنسدى إليه جزيل الشكر (1) ورد فى ص 35 س 15: «تسلّم أصحابه مدينة غزة وبيت جبريل والماطرون» وذكرنا فى الحاشية رقم 3 أن تصويبه الماطرون عن شرح القاموس ومعجم البلدان لياقوت. والصواب أنه النطرون بالنون، لأن الماطرون اسم موضعين بالقرب من دمشق، وفتوحات صلاح الدين كانت فى فلسطين، كما فى سيرة صلاح الدين والروضتين وتاريخ أبى الفدا وتاريخ ابن الوردى فى حوادث سنة 583 هـ. (2) ورد فى ص 99 س 11 و 12: «وبنت تربة بقاسيون على نهر بردى» . وعلقنا عليه فى الحاشية رقم 5 أن «بردى نهر بدمشق» . وصوابه: «وبنت تربة بقاسيون على نهر يزيد» ، لأنّ نهر بردى لا يمرّ بقاسيون، وإنما يمرّ به نهر يزيد. ولا تزال هذه التربة حتى اليوم على حافة نهر يزيد (راجع شذرات الذهب فى حوادث سنة 581 هـ) . (3) ورد فى ص 121 س 9: «بمرج عدواء» . وعلقنا عليها فى الحاشية رقم 9 نقلا عن ابن الأثير رواية أخرى: «أنه بمرج الريحان» . وصوابه: «بمرج عذراء» وهو مرج مشهور خارج دمشق قرب قرية يقال لها عذراء، كما فى شرح القاموس مادّة «مرج» . (4) ورد فى ص 150 س 5: «وأما الأفضل فإنه سار إلى مصر فأرسل العادل وراءه أبا محمد نجيب الدين إليه بالزبدائى» . وعلقنا عليه فى الحاشية رقم 2 بأن الزبدانى: نهر بدمشق. وصوابه: الزبدانى: كورة مشهورة معروفة بين دمشق وبعلبك (راجع تقويم البلدان لأبى الفدا إسماعيل ومعجم البلدان لياقوت) .

(5) ورد فى ص 218 س 11: «ودفن بقاسيون» . وعلقنا عليه فى الحاشية رقم 3 بأن زواية الأصلين: «مات بقاسيون» وما أثبتناه عن شذرات الذهب وعقد الجمان. وتعتبر قاسيون مقبرة دمشق. والصواب فى ذلك أن قاسيون: جبل شمالى دمشق يطل عليها. وفى عصر نور الدين الأتابكى هاجرت طائفة من المقادسة هربا من إرهاق الصليبين لهم فسكنوا هذا الجبل وبنوا فيه دورا ومساجد فأصبح إحدى ضواحى دمشق التى لها مقبرة لا أنه مقبرة فقط فعليه تكون عبارة الأصلين صحيحة. (6) ورد فى ص 240 س 16: «فلما كان الغد أقبلت الأطلاب» وذكرنا فى الحاشية رقم 6 أن الأطلاب: العساكر. ونزيد عليه أن الأطلاب لفظة استعملت فى كتب التاريخ من عصر نور الدين الأتابكى إلى آخر أيام دولة المماليك الشراكسة، ويراد بها فرق الجيش وكتائبه، والظاهر أنه مشتق من طلب الشيء إذا حاول أخذه فهو طالب وجمعه طلب وجمع الطلب أطلاب، ويدلّ على ذلك ما جاء فى ص 293 من هذا الجزء: «قطع التتار دجلة فى مائة طلب، كل طلب فى خمسمائة فارس» . (7) ورد فى ص 266 ص 4: «ودفن بقرب الصليحية» . وذكرنا فى الحاشية رقم 1 رواية أخرى نقلا عن شذرات الذهب: «بقرب القليجية» . وصوابه ما ورد فى شذرات الذهب. والقليجية: مدرسة بدمشق معروفة، تنسب إلى قليج أرسلان. (8) ورد فى ص 268 س 4 فى الكلام على ترجمة الملك المعظم عيسى: «ودفن مع والدته فى القبة عند الباب» وعلقنا على ذلك فى الحاشية رقم 1 نقلا عن ابن خلكان بأنه: نقل إلى تربته فى مدرسته التى أنشأها بظاهر دمشق على الشرف الأعلى مطلة على الميدان الأخضر الكبير» . وعلقنا أيضا فى الحاشية رقم 2 نقلا عن ابن خلكان وشذرات الذهب أنه: «دفن خارج باب النصر أحد

أبواب دمشق فى مدرسة شمس الدولة» . وكلا التعليقين خطأ. وصوابه أن الملك المعظم عيسى دفن فى مدرسته التى أنشأها بصالحية دمشق. وبالرجوع إلى تاريخ ابن خلكان وجدناه بعد أن انتهى من ترجمة الملك المعظم عيسى يقول: «وتوفى عز الدين أيبك صاحب صرخد، إلى أن قال: ودفن خارج باب النصر فى مدرسة شمس الدولة وحضرت الصلاة عليه ودفنه ثم نقل إلى تربته فى مدرسته التى أنشأها بظاهر دمشق على الشرف الأعلى مطلة على الميدان الأخضر الكبير» . ولا يخفى أن هذا الكلام الذي أدمجه ابن خلكان فى ترجمة الملك المعظم عيسى على عز الدين أيبك (راجع ابن خلكان فى ترجمة الملك المعظم عيسى وشذرات الذهب فى حوادث سنة 624 هـ) . (9) ورد فى ص 317 س 3 «وإمام الربوة» وعلقنا على ذلك فى الحاشية رقم 3: «يريد ربوة دمشق وهى مغارة لطيفة الخ» . وصوابه: «وبالربوة مغارة لطيفة ... الخ» راجع نزهة الأنام فى محاسن الشام، نسخة مخطوطة محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 1642 تاريخ) . (10) ورد فى ص 329 س 7: «ودام الحصار إلى أن قدم البادرانى للصلح» وذكرنا فى الحاشية رقم 1 أن البادرانى، نسبه إلى بادران: قرية بأصبهان. وهو عز الدين رسول الخليفة، قدم للصلح بين الملك الصالح نجم الدين والحلبيين. وصوابه: «البادرائىّ» بالهمزة. وهو نجم الدين أبو محمد عبد الله بن أبى الوفا الشافعى الفرضى الذي قدم من عند المستنصر للصلح. وقال السيوطى فى لب اللباب فى تحرير الأنساب: «البادرائى» : نسبة إلى بادرايا،: قرية من عمل واسط» . وراجع شذرات الذهب ج 5 ص 269 فى حوادث سنة 655 هـ وتنبيه الطالب للعليمىّ.

الجزء الثامن

[الجزء الثامن] بسم الله الرّحمن الرّحيم وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله وصحابته والمسلمين الجزء الثامن من كتاب النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة [ما وقع من الحوادث سنة 690] ذكر ولاية الملك الأشرف خليل على مصر هو السلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل ابن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفىّ الصالحىّ النّجمىّ، جلس على تخت الملك يوم وفاة أبيه فى يوم الأحد سابع «1» ذى القعدة سنة تسع وثمانين وستمائة. وكان والده قلاوون قد سلطنه فى حياته بعد موت أخيه الملك «2» الصالح علىّ بن قلاوون فى سنة سبع وثمانين وستمائة، والمعتدّ به جلوسه الآن على تخت الملك بعد موت أبيه. وجدّد له الأمراء والجند الحلف فى يوم الاثنين ثامن ذى القعدة المذكور. وطلب من القاضى فتح الدين بن عبد الظاهر تقليده «3» ، فأخرجه إليه مكتوبا بغير علامة الملك المنصور، وكان

ابن عبد الظاهر قد قدّمه إليه ليعلّم عليه فلم يرض، وتقدّم طلب الأشرف وتكرّر؛ وابن عبد الظاهر يقدّمه إلى الملك المنصور، والمنصور يمتنع إلى أن قال له: يا فتح الدين، أنا ما أولّى خليلا على المسلمين! ومعنى ذلك أنّ الملك المنصور قلاوون كان قد ندم على توليته السلطنة من بعده. فلمّا رأى الأشرف التقليد بلا علامة، قال: يا فتح الدين، السلطان امتنع أن يعطينى وقد أعطانى الله! ورمى التقليد من يده وتمّ أمره، ورتّب أمور الديار المصريّة، وكتب بسلطنته إلى الأقطار، وأرسل الخلع إلى النوّاب بالبلاد الشامية. وهو السلطان الثامن من ملوك الترك وأولادهم. ثم خلع على أرباب وظائفه بمصر، والذين خلع عليهم من الأعيان: الأمير بدر الدين بيدرا «1» المنصورىّ نائب السلطنة بالديار المصريّة، ووزيره ومدبّر مملكته شمس الدين محمد بن السّلعوس الدّمشقىّ، وهو فى الحجاز الشريف. وعلى بقيّة أرباب وظائفه على العادة والنوّاب بالبلاد الشاميّة يوم ذاك. فكان نائبه بدمشق وما أضيف إليها من الشام الأمير حسام الدين لاچين «2» المنصورىّ. ونائب السلطنة بالممالك الحلبيّة وما أضيف إليها الأمير شمس الدين قرا سنقر المنصورىّ. ونائب الفتوحات الساحليّة والأعمال الطرابلسيّة والقلاع الإسماعيليّة «3» الأمير سيف الدين بلبان «4» السّلحدار المعروف بالطبّاخى. ونائبه بالكرك والشوبك وما أضيف إلى ذلك الأمير ركن الدين بيبرس «5» الدّوادار المنصورىّ، صاحب التاريخ المعروف «بتاريخ بيبرس الدوادار» . وصاحب حماة

والمعرّة الملك المظفّر تقىّ الدين محمود ابن الملك المنصور محمد الأيّوبىّ. والذين هم تحت طاعته من الملوك صاحب مكّة المشرّفة الشريف نجم الدين أبو نمىّ محمد بن إدريس «1» بن علىّ بن قتادة الحسنىّ، وصاحب اليمن الملك المظفّر شمس «2» الدين يوسف ابن عمر، فهؤلاء الذين أرسل إليهم بالخلع والتقاليد. انتهى. ولمّا رسخت قدم الملك الأشرف هذا فى الملك أخذ وأعطى وأمر ونهى؛ وفرّق الأموال وقبض على جماعة من حواشى والده، وصادرهم على ما يأتى ذكره. ولمّا استهلّت سنة تسعين وستّمائة أخذ الملك الأشرف فى تجهيزه «3» إلى السّفر للبلاد الشاميّة، وإتمام ما كان قصده والده من حصار عكّا، وأرسل إلى البلاد الشاميّة وجمع العساكر وعمل آلات الحصار، وجمع الصّنّاع إلى أن تمّ أمره، خرج بعساكره من الديار المصريّة فى ثالث شهر ربيع الأوّل من سنة تسعين المذكورة، وسار حتّى نازل عكّا فى يوم الخميس رابع شهر ربيع الآخر، ويوافقه خامس نيسان «4» ، فاجتمع عنده على عكّا من الأمم ما لا يحصى كثرة. وكان المطّوّعة أكثر من الجند ومن فى الخدمة. ونصب عليها المجانيق «5» الكبار الفرنجيّة خمسة عشر منجنيقا، منها ما يرمى بقنطار دمشقىّ وأكبر، ومنها دونه. وأمّا المجانيق الشيطانيّة

وغيرها فكثيرة «1» ، ونقب عدّة نقوب. وأنجد أهل عكّا صاحب قبرس «2» بنفسه وفى ليلة قدومه عليهم أشعلوا نيرانا عظيمة لم ير مثلها فرحا به، وأقام عندهم قريب ثلاثة أيام، ثم عاد عند ما شاهد انحلال أمرهم وعظم ما دهمهم. ولم يزل الحصار عليها والجدّ فى أمر قتالها إلى أن انحلّت عزائم من بها وضعف أمرهم واختلفت كلمتهم. هذا والحصار عمّال فى كلّ يوم، واستشهد عليها جماعة من المسلمين. فلمّا كان سحر يوم الجمعة سابع عشر جمادى الأولى ركب السلطان والعساكر وزحفوا عليها قبل طلوع الشمس، وضربوا الكوسات فكان لها أصوات مهولة وحسّ عظيم مزعج، فحال ملاصقة العسكر لها وللأسوار هرب الفرنج وملكت المدينة بالسيف، ولم تمض ثلاث ساعات من النهار المذكور إلّا وقد استولى المسلمون عليها ودخلوها؛ وطلب الفرنج البحر فتبعتهم العساكر الإسلاميّة تقتل وتأسر فلم ينج منهم إلّا القليل؛ ونهب ما وجد من الأموال والذخائر والسلاح وعمل الأسر والقتل فى جميع أهلها، وعصى الدّيويّة «3» والإسبتار «4» واستتر الأرمن فى أربعة أبراج شواهق فى وسط البلد فحصروا فيها. فلمّا كان يوم السبت ثامن «5» عشر الشهر، وهو ثانى يوم فتح المدينة، قصد جماعة من الجند وغيرهم الدار والبرج الذي فيه الدّيويّة فطلبوا الأمان فأمّنهم السلطان وسيّر لهم صنجقا، فأخذوه ورفعوه على برجهم وفتحوا الباب، فطلع إليهم جماعة

كثيرة من الجند وغيرهم، فلمّا صاروا عندهم تعرّض بعض الجند والعوامّ للنهيب، ومدّوا أيديهم إلى من عندهم من النساء والأصاغر، فغلّق الفرنج الأبواب ووضعوا فيهم السيف، فقتلوا جماعة من المسلمين، ورموا الصّنجق وتمسّكوا بالعصيان وعاد الحصار عليهم. وفى اليوم المذكور نزل من كان ببرج الإسبتار الأرمن بالأمان فأمّنهم السلطان على أنفسهم وحريمهم على يد الأمير زين الدين كتبغا المنصورىّ، وتمّ القتال على برج الدّيويّة ومن عنده إلى يوم الأحد التاسع عشر «1» من جمادى الأولى طلب الدّيويّة ومن بقى فى الأبراج «2» الأمان، فأمّنهم السلطان على أنفسهم وحريمهم على أن يتوجّهوا حيث شاءوا. فلما خرجوا قتلوا منهم فوق الألفين وأسروا مثلهم، وساقوا إلى باب الدّهليز النساء والصّبيان، وكان من جملة حنق السلطان عليهم مع ما صدر منهم أن الأمير آقبغا المنصورىّ أحد أمراء الشام كان طلع إليهم فى جملة من طلع فأمسكوه وقتلوه، وعرقبوا ما عندهم من الخيول، وأذهبوا ما أمكنهم إذهابه؛ فتزايد الحنق عليهم. وأخذ الجند وغيرهم من السّبى والمكاسب ما لا يحصى. ولمّا علم من بقى منهم ما جرى على إخوانهم تمسّكوا بالعصيان، وامتنعوا من قبول الأمان وقاتلوا أشدّ قتال، واختطفوا خمسة نفر من المسلمين ورموهم من أعلى البرج فسلم منهم نفر واحد ومات الأربعة. ثم فى يوم الثلاثاء ثامن عشرين «3» جمادى المذكورة أخذ البرج الذي تأخّر بعكا، وأنزل من فيه بالأمان، وكان قد غلّق من سائر جهاته. فلمّا نزلوا منه وحوّلوا معظم ما فيه سقط على جماعة من المسلمين المتفرّجين وممّن قصد النّهب فهلكوا عن آخرهم. ثمّ بعد ذلك عزل السلطان النساء والصّبيان

ناحية وضرب رقاب الرجال أجمعين وكانوا خلائق كثيرة. والعجب أن الله سبحانه وتعالى قدّر فتح عكّا فى مثل اليوم الذي أخذها الفرنج فيه، ومثل الساعة التى أخذوها فيها، فإنّ الفرنج كانوا استولوا على عكّا فى يوم الجمعة سابع عشر «1» جمادى الآخرة [سنة سبع «2» وثمانين وخمسمائة] فى الساعة الثالثة من النهار، وأمّنوا من كان بها من المسلمين ثم قتلوهم غدرا، وقدّر الله تعالى أنّ المسلمين استرجعوها منهم فى هذه المرّة يوم الجمعة فى الساعة الثالثة من النهار، ووافق السابع عشر «3» من جمادى الأولى، وأمّنهم السلطان ثمّ قتلهم كما فعل الفرنج بالمسلمين، فانتقم الله تعالى من عاقبتهم. وكان السلطان عند منازلته عكّا قد جهّز جماعة من الجند مقدّمهم الأمير علم الدين سنجر الصّوابى الجاشنكير إلى صور لحفظ الطّرق وتعرّف الأخبار، وأمره بمضايقة صور. فبينما هو فى ذلك لم يشعر إلّا بمراكب المنهزمين من عكّا قد وافت الميناء التى لصور، فحال بينها وبين الميناء؛ فطلب أهل صور الأمان فأمّنهم على أنفسهم وأموالهم ويسلّموا صور فأجيبوا إلى ذلك، فتسلّمها. وصور من أجلّ الأماكن ومن الحصون المنيعة، ولم يفتحها السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب فيما فتح من الساحل، بل كان صلاح الدين كلّما فتح مكانا وأمّنهم أوصلهم إلى صور هذه لحصانتها ومنعتها، فألقى الله تعالى فى قلوب أهلها الرّعب حتّى سلّموها من غير قتال ولا منازلة، ولا كان الملك الأشرف فى نفسه شىء من أمرها البتّة. وعند ما تسلّمها جهّز إليها من أخربها وهدم أسوارها وأبنيتها، ونقل من رخامها وأنقاضها شىء كثير. ولمّا تيسر أخذ صور على هذه الصورة قوى عزم الملك

الأشرف على أخذ غيرها. ولمّا كان الملك الأشرف محاصرا لعكّا استدعى الأمير حسام الدين لا چين المنصورىّ نائب الشام، وهو الذي تسلطن بعد ذلك حسب ما يأتى ذكره، والأمير ركن الدين بيبرس المعروف بطقصو فى ليلة الاثنين ثالث عشر جمادى الأولى إلى المخيّم وأمسكهما وقيّدهما، وجهّزهما فى بكرة نهار الاثنين إلى قلعة صفد، ومنها إلى قلعة الجبل. وكان تقدّم قبل ذلك بستّة أيام مسك الأمير سنجر المعروف بأبى خرص وجهّزه إلى الديار المصريّة محتاطا عليه. ثم استقرّ الملك الأشرف بالأمير علم الدين سنجر «1» الشّجاعى المنصورىّ فى نيابة الشام عوضا عن الأمير لاچين المذكور. وعند ما أمسك الأشرف هذين الأميرين الكبيرين حصل للناس قلق شديد وخشوا من حدوث أمر يكون سببا لتنفيس الخناق عن أهل عكّا، فكفى الله تعالى ذلك. ثم أمسك الأشرف الأمير علم الدين «2» أيدغدى الإلدكزىّ نائب صفد وما معها لأمر نقمه عليه وصادره، وجعل مكانه الأمير علاء الدين أيدكين «3» الصالحىّ العمادىّ، وأضاف إليه مع ولاية صفد عكّا وما استجد من الفتوحات الأشرفيّة. ثم «4» لما فرغ الأشرف من مصادرة أيدكين المذكور ولّاه برّصفد عوضا عن علم الدين سنجر الصّوابىّ. ثم استدعى الملك الأشرف الأمير بيبرس الدّوادار المنصورى الخطائى المؤرّخ نائب الكرك وعزله، وولّى عوضه الأمير آقوش «5» الأشرفىّ. ثم رحل الملك الأشرف عن عكّا فى بكرة نهار الاثنين خامس جمادى الآخرة، ودخل دمشق يوم الاثنين ثانى

عشره بعد أن زيّنت له دمشق غاية الزينة، وعملت القباب بالشوارع من قريب المصلّى «1» إلى الباب «2» الجديد، وحصل من الاحتفال لقدومه ما لا يوصف، ودخل وبين يديه الأسرى من الفرنج تحتهم الخيول وفى أرجلهم القيود، ومنهم الحامل من سناجق الفرنج المنكّسة، وفيهم من حمل رمحا عليه من رءوس قتلى الفرنج؛ فكان لقدومه يوم عظيم. وأقام الأشرف بدمشق إلى فجر نهار الأربعاء تاسع عشر شهر رجب. وعاد إلى الديار المصريّة فدخلها يوم الاثنين تاسع شعبان؛ فاحتفل أيضا أهل مصر لملاقاته احتفالا عظيما أضعاف احتفال أهل دمشق، وعند دخوله إلى مصر أطلق رسل صاحب عكّا الذين كانوا معوّقين بالقاهرة. ثم إنّ الأمير علم الدين سنجر الشجاعىّ نائب الشام فتح صيدا بعد حصار كبير بالأمان فى يوم السبت خامس عشر شهر رجب. ولمّا أخذت هذه البلاد فى هذه السنة أمر السلطان أن تخرّب قلعة جبيل وأسوارها بحيث يلحقها بالأرض فخرّبت أصلا؛ ثم أخذت عثليث «3» بعد شهر. وأمّا أهل أنطرطوس لمّا بلغهم أخذ هذه القلاع عزموا على الهرب، فجرّد الأمير سيف الدين بلبان الطّباخى عسكرا، فلمّا أحاطوا بها ليلة الخميس خامس شعبان

ركبوا البحر وهربوا إلى جزيرة أرواد «1» ، وهى بالقرب منها، فندب إليها السّعدىّ بما كان أحضره من المراكب والشوانى فأخلوها. وكان فتح هذه المدن الستّ فى ستة شهور. ثم رسم الملك الأشرف بالقبض على الأمير علم الدين سنجر الدوادار؛ فقبض عليه فى شهر رمضان، وجهّز الى الديار المصريّة بعد أن أحيط على جميع موجوده، ثم أفرج الملك الأشرف على جماعة من الأمراء ممّن كان قبض عليهم وحبسهم. وهم: الأمير لا چين المنصورىّ الذي تسلطن بعد ذلك، وبيبرس طقصو الناصرىّ، وسنقر الأشقر الصالحىّ، وبدر الدين بيسرى الشمسىّ، وسنقر الطويل المنصورىّ، وبدر الدين خضر بن جودى القيمرىّ. وفى شهر رمضان سنة تسعين وستمائة المذكورة أنعم السلطان الملك الأشرف على علم الدين سنجر المنصورىّ المعروف بأرجواش خبزا وخلع عليه وأعيد إلى ولاية قلعة دمشق. ثم طلب الملك الأشرف قاضى القدس بدر الدين «2» محمد بن إبراهيم بن جماعة إلى الديار المصرية وولّاه قضاءها بعد عزل قاضى القضاة تقي الدين «3» ابن بنت الأعز. واستمرّ الملك الأشرف بالديار المصريّة إلى أن تجهّز وخرج منها قاصدا البلاد الشامية فى يوم السبت ثامن شهر ربيع الآخر من سنة إحدى وتسعين وستمائة، وسار حتّى دخل دمشق فى يوم السبت سادس جمادى الأولى. وفى ثامن جمادى الأولى أحضر السلطان الأموال وأنفق فى جميع العساكر المصريّة والشامية. ووصل الملك المظفر تقىّ الدين صاحب

حماة لتلقّى الملك الأشرف فالتقاه فزاد السلطان فى إكرامه، واستعرض الجيوش عليه وأمر بتسفيرهم قدّام الملك المظفّر المذكور. ثم توجّه الملك الأشرف من دمشق بجميع العساكر قاصدا حلب، فوصلها فى ثامن عشرين جمادى الأولى، ثم خرج منها ونزل على قلعة الروم بعساكره وحاصرها إلى أن افتتحها بالسيف عنوة فى يوم السبت حادى عشر شهر رجب، وكتب البشائر إلى الأقطار بأخذها. ثم عاد السلطان إلى دمشق وترك بقلعة الروم الشّجاعىّ وعساكر الشام ليعمّروا ما انهدم منها فى الحصار. وكان دخول السلطان إلى دمشق فى يوم الثلاثاء تاسع عشر شعبان بعد أن عزل الأمير قرا سنقر المنصورىّ عن نيابة حلب بالأمير بلبان الطبّاخى، وولّى عوضا عن الطّباخى فى الفتوحات طغريل الإيغانى. ولمّا كان السلطان بدمشق عمل عسكره النّوروز كعادتهم بالديار المصريّة، وعظم ذلك على أهل دمشق لعدم عادتهم بذلك. وفى يوم الجمعة ثامن عشرين شهر رمضان قبض السلطان على الأمير شمس الدين سنقر الأشقر، وعلى الأمير ركن الدين طقصو، وهرب الأمير حسام الدين لاچين المنصورىّ ونادوا عليه بدمشق: من أحضره فله ألف دينار، ومن أخفاه شنق. ثمّ ركب الملك الأشرف ومماليكه فى طلب لاچين المذكور، وأصبح يوم العيد والسلطان فى البرية مهجّج، وكانوا عملوا السّماط كجارى العادة فى الأعياد، وأطلعوا المنبر إلى الميدان الأخضر وطلع الخطيب موفّق «1» الدين فصلّى فى الميدان بالعوامّ، وعاد السلطان بعد صلاة العصر إلى دمشق، ولم يقع للاچين على خبر. ثم سيّر الملك الأشرف طقصو وسنقر الأشقر تحت الحوطة إلى الديار المصريّة. وأمّا لاچين فإنّ العرب أمسكوه وأحضروه إلى الملك الأشرف فأرسله الملك الأشرف مقيّدا

إلى مصر. وفى سادس شوّال ولّى السلطان الأمير عزّ الدين أيبك الحموىّ نيابة دمشق عوضا عن الشّجاعىّ. ثم خرج الأشرف من دمشق قاصدا الديار المصريّة فى ليلة الثلاثاء عاشر شوّال، وكان قد رسم الأشرف لأهل الأسواق بدمشق وظاهرها أنّ كلّ صاحب حانوت يأخذ بيده شمعة ويخرج إلى ظاهر البلد، وعند ركوب السلطان يشعلها؛ فبات أكثر أهل البلد بظاهر دمشق لأجل [الوقدو «1» ] الفرجة! فلمّا كان الثّلث الأخير من الليل ركب السلطان وأشعلت الناس الشموع، فكان أوّل الشمع من باب النصر وآخر الوقيد عند مسجد القدم «2» ، لأنّ والى دمشق كان قد رتّبهم من أوّل الليل، فكانت ليلة عظيمة لم ير مثلها. وسافر السلطان حتّى دخل الديار المصريّة يوم الأربعاء ثانى ذى القعدة من باب النصر وخرج من باب زويلة، واحتفل أهل مصر لدخوله احتفالا عظيما، وكان يوم دخوله يوما مشهودا. ولمّا أن طلع السلطان إلى قلعة الجبل أنعم على الأمير قرا سنقر المنصورىّ المعزول عن نيابة حلب بإمرة مائة فارس بديار مصر. ثم أفرج عن الأمير حسام الدين لاچين المنصورىّ وأعطاه أيضا خبز مائة فارس بديار مصر، وسببه أنّ السلطان عاقب سنقر الأشقر وركن الدين طقصو فاعترفوا أنّهم كانوا يريدون قتله، وأنّ لا چين لم يكن معهم ولا كان له اطّلاع على الباطن فخنقهم وأفرج عن لاچين بعد ما كان وضع الوتر فى حلقه لخنقه، فضمنه خشداشه الأمير بدر الدين بيدرا المنصورىّ نائب السلطان، وعلم الدين سنجر الشجاعىّ وغيرهما.

قلت وسنقر الأشقر هو الذي كان تسلطن بدمشق فى أوائل سلطنة الملك المنصور قلاوون، ووقع له معه تلك الأمور المذكورة فى عدّة أماكن. وأمّا لاچين هذا فهو الذي تسلطن بعد ذلك وتلقّب بالملك المنصور حسب ما يأتى ذكره. وكلّما ذكرنا من حينئذ لاچين فهو المنصور ولا حاجة للتعريف به بعد ذلك. ثم إنهم أخرجوا الأمراء المخنّقين وسلّموهم إلى أهاليهم، وكان السلطان خنق معهما ثلاثة أمراء أخر فأخرجوا الجميع ودفنوا؛ ثم غرّق السلطان جماعة أخرى، وقيل إنّ ذلك كان فى مستهلّ سنة اثنتين وتسعين وستّمائة. واستمرّ السلطان بمصر إلى أن تجهّز وخرج منها إلى الشام فى جمادى الأولى من سنة اثنتين وتسعين وستمائة المذكورة، وسار حتّى دخل دمشق فى يوم الأحد تاسع جمادى الآخرة؛ ونزل بالقصر «1» الأبلق من الميدان الأخضر. ولمّا استقر ركابه بدمشق شرع فى تجهيز العساكر إلى بلاد سيس «2» والغارة عليها، فوصل رسل صاحب سيس بطلب الصلح ورضا السلطان عليه، ومهما طلب منه من القلاع والمال أعطاه وشفع الأمراء فى صاحب سيس، واتّفق الحال على أن يتسلّم نوّاب السلطان من صاحب سيس ثلاث قلاع، وهى: بهسنا» ومرعش «4» وتلّ حمدون «5» ففرح الناس بذلك، لأنه كان على المسلمين من بهسنا

أذّى عظيم. وأقام السلطان بدمشق إلى مستهلّ شهر رجب توجّه منها، وصحبته عسكر الشام والأمراء وبعض عساكر مصر. وأمّا الضعفاء من عسكر مصر فأعطاهم السلطان دستورا بعودتهم إلى الديار المصريّة. وسار السلطان حتّى وصل إلى حمص، ثم توجّه منها إلى سلمية «1» مظهرا أنّه متوجّه إلى ضيافة الأمير حسام الدين مهنّا بن عيسى بن مهنّا أمير آل فضل، وكان خروج السلطان من دمشق فى ثانى شهر رجب، فلمّا كان بكرة يوم الأحد سابع شهر رجب وصل الأمير لاچين وصحبته مهنّا إلى دمشق وهو مقبوض عليه، أمسكه السلطان لمّا انقضت الضيافة وولّى غوضه شخصا من أولاد عمّه، وهو الأمير محمد بن علىّ بن حذيفة. وفى بقيّة النهار وصل السلطان إلى دمشق، ورسم للأمير بيدرا أن يأخذ بقيّة العساكر ويتوجّه إلى مصر، وأن يركب تحت الصناجق عوض السلطان وبقى السلطان مع خواصّه بدمشق بعدهم ثلاثة أيام؛ ثم خرج من دمشق [فى يوم السبت «2» ثالث عشر رجب] وعاد إلى جهة الديار المصريّة فى العشر الأخير من شهر رجب من سنة اثنتين وتسعين وستمائة؛ ثم إن السلطان أمر الأمير عزّ الدين أيبك الحموىّ الأفرم أمير جاندار «3» نائب الشام أن يسافر إلى الشوبك ويخرّب قلعتها، فكلّمه الأفرم فى بقائها فانتهره، وسافر من يومه، وتوجّه الأفرم إلى الشّوبك وأخربها غير القلعة. وكان ذلك غاية ما يكون من الخطأ وسوء التدبير، وكان أخرب قبل ذلك أيضا عدّة أماكن بقلعة الجبل،

وبقلعة دمشق أيضا أخرب عدّة قاعات ومبانى هائلة. وأمّا قلاع السواحل فأخرب غالبها، وكان يقصد ذلك لمعنى يخطر بباله. ثم فى العشرين من ذى الحجّة نصب السلطان ظاهر القاهرة خارج باب النصر القبق، وصفة ذلك أن ينصب صار طويل ويعمل على رأسه قرعة من ذهب أو فضّة ويجعل فى القرعة طير حمام، ثمّ يأتى الرامى بالنّشّاب وهو سائق فرسه ويرمى عليه، فمن أصاب القرعة وطيّر الحمام خلع عليه خلعة تليق به، ثم يأخذ القرعة. وكان ذلك بسبب طهور أخى الملك الأشرف؛ وهو الملك الناصر محمد بن قلاوون، وطهور ابن أخيه الأمير مظفّر الدين موسى ابن الملك الصالح علاء الدين علىّ بن قلاوون، فآحتفل السلطان لطهورهما وعمل مهمّا عظيما. وكان الطهور فى يوم الاثنين ثانى عشرين ذى الحجّة. وعند ما طهّروهم رموا الأمراء الذهب لأجل النّقوط؛ فإن كان الأمير أمير مائة فارس رمى مائة دينار، وإن كان أمير خمسين فارسا رمى خمسين دينارا، وقس على ذلك سائر الأمراء؛ ورمى حتى مقدّمو الحلقة والأجناد، فجمع من ذلك شىء كثير؛ وهو آخر فرح عمله الأشرف هذا. ثم بعد فراغ المهمّ بمدّة يسيرة، نزل السلطان الملك الأشرف المذكور من قلعة الجبل متوجّها إلى الصّيد فى ثانى المحرّم سنة ثلاث وتسعين وستمائة وصحبته وزيره الصاحب شمس الدين بن السّلعوس، ونائب سلطنته الأمير بدر الدين بيدرا وجميع الأمراء، فلمّا وصل إلى الطّرّانة «1» فارقه وزيره ابن السّلعوس المذكور وتوجّه إلى الإسكندرية.

وأمّا السلطان فإنّه نزل بالحمّامات «1» لأجل الصّيد، وأقام إلى يوم السبت ثانى عشر المحرّم. فلمّا كان قرب العصر وهو بأرض تروجة «2» حضر إليه الأمير بدر الدين بيدرا نائب السلطنة ومعه جماعة كثيرة من الأمراء؛ وكان السلطان بكرة النهار قد أمره أن يأخذ العسكر والدّهليز ويمشى عوضه تحت الصناجق وأن يتقدّمه، ويبقى السلطان يتصيّد وحده بقيّة يومه ويعود العشيّة إلى الدّهليز، فتوجّه بيدرا على ذلك؛ وأخذ السلطان الملك الأشرف يتصيّد ومعه شخص واحد يقال له شهاب الدين [أحمد بن «3» ] الأشلّ أمير شكار «4» ، وبينما السلطان فى ذلك أتاه هؤلاء: بيدرا ورفقته، فأنكر السلطان مجيئهم، وكان فى وسط السلطان بند حرير وليس معه بمجة «5» لأجل الصيد، وكان أوّل من ابتدره الأمير بيدرا فضربه بالسيف ضربة قطع بها يده مع كتفه، فجاء الأمير حسام الدين لاچين، وهو الذي تسلطن بعد ذلك بمدّة، وقال لبيدرا: يا نحس! من يريد ملك مصر والشام تكون هذه ضربته! ثمّ ضربه على كتفه فحلّها، ووقع السلطان على الأرض، فجاء بعدهما الأمير بهادر رأس نوبة «6» ، وأخذ السيف ودسّه فى دبره وأطلعه من حلقه، وبقى يجيء واحد من الأمراء بعد

واحد ويظهرون ما فى أنفسهم منه، ثم تركوه فى مكانه وانضموا على الأمير بيدرا وحلفوا له، وأخذوه تحت الصناجق وركبوا سائرين بين يديه طالبين القاهرة. وقيل فى قتله وجه آخر. قال القطب اليونينىّ: «ومما حكى لى الأمير سيف الدين بن المحفّدار: كيف كان قتل السلطان الملك الأشرف خليل؟ قال: سألت الأمير شهاب الدين أحمد بن الأشلّ أمير شكار السلطان، كيف كان قتل السلطان الأشرف؟ فقال [ابن] الأشلّ: بعد رحيل الدّهليز (يعنى مدورة السلطان والعساكر) جاء إليه الخبر أنّ بتروجة طيرا كثيرا، فقال السلطان: امش بنا حتى نسبق الخاصّكيّة «1» ، فركبنا وسرنا، فرأينا طيرا كثيرا فرماه السلطان بالبندق، فأصرع شيئا كثيرا، ثم إنّه التفت إلىّ وقال: أنا جيعان «2» ، فهل معك شىء تطعمنى؟ فقلت: والله ما معى سوى فرّوجة ورغيف خبز، قد ادّخرته لنفسى فى صولقى «3» ، فقال لى: ناولنى إيّاه، فأخذه وأكله جميعه، ثم قال لى: أمسك لى فرسى حتّى أنزل وأريق الماء، فقلت له: ما فيها حيلة! أنت راكب حصانا وأنا راكب حجرة «4» وما يتفقوا، فقال لى: انزل أنت واركب خلفى وأركب أنا الحجرة التى لك، والحجرة مع الحصان تقف، قال: فنزلت وناولته لجام الحجرة، ثم إنّى ركبت خلفه، ثمّ إنّ السلطان نزل وقعد يريق الماء، وشرع يولغ بذكره ويمازحنى، ثم قام وركب حصانه ومسك لى الحجرة، ثم إنّى ركبت. فبينما أنا وإيّاه نتحدّث وإذا بغبار عظيم قد ثار وهو قاصد نحونا، فقال لى السلطان: سق واكشف لى خبر هذا الغبار، قال: فسقت، وإذا الأمير

بدر الدين بيدرا والأمراء معه، فسألتهم عن سبب مجيئهم فلم يردّوا علىّ جوابا ولا التفتوا إلى كلامى، وساقوا على حالهم حتّى قربوا من السلطان، فكان أوّل من ابتدره بيدرا بالضّربة قطع بها يده وتمّم الباقى قتله» . انتهى. وأمّا أمر بيدرا فإنّه لمّا قتل السلطان بايع الأمراء بيدرا بالسلطنة ولقّبوه بالملك الأوحد وبات تلك الليلة، فإنّ قتل الأشرف كان بين الظّهر والعصر. وأصبح ثانى يومه سار بيدرا بالعساكر إلى نحو الديار المصريّة؛ وبينما بيدرا سائر بعساكره وإذا بغبار عظيم قد علا وملأ الجوّ وقرب منه، وإذا بطلب عظيم فيه نحو ألف وخمسمائة فارس من الخاصّكيّة الأشرفيّة، ومعهم الأمير زين الدين كتبغا، وهو الذي تسلطن بعد ذلك بمدّة على ما يأتى ذكره. والأمير حسام الدين الأستادار طالبين بيدرا بدم أستاذهم السلطان الملك الأشرف خليل المذكور وأخذ الثّأر منه ومن أصحابه. وكان ذلك بالطرّانة فى يوم الأحد أوّل النهار، فما كان غير ساعة إلا والتقوا، وكان بيدرا لمّا رآهم صفّ من معه من أصحابه للقتال، فصدموه الأشرفيّة صدمة صادقة وحملوا عليه حملة واحدة فرّقوا شمله، وهرب أكثر من كان معه؛ فحينئذ أحاطوا ببيدرا وقبضوا عليه وحزّوا رأسه، وقيل: إنهم قطعوا يده قبل أن يحزّوا رأسه؛ كما قطعت يد أستاذهم الملك الأشرف بضربة السيف، ولمّا حزّوا رأسه حملوه على رمح وسيّروه إلى القاهرة، فطافوا به ثم عادوا نحو القاهرة حتى وصلوا برّ الجيزة، فلم يمكّنهم الأمير علم الدين سنجر الشّجاعىّ من التعدية إلى برّ مصر، لأنّ السلطان الملك الأشرف كان قد تركه فى القلعة عند سفره نائب السلطنة بها، فلم يلتفتوا إليه وأرادوا التعدية؛ فأمر الشجاعىّ المراكب والشوانى فعدّت إلى برّ القاهرة، وبقى العسكر والأمراء على جانب البحر مقيمين حتى مشت بينهم الرّسل على أن يمكّنهم الشجاعىّ من العبور حتّى يقيموا عوض السلطان أخاه الملك

الناصر محمد بن قلاوون وهو صغير، تسكينا لما وقع وإخمادا للفتنة، فأجلسوه على تخت الملك بقلعة الجبل فى رابع عشر المحرّم من سنة ثلاث وتسعين وستمائة المذكورة، وأن يكون نائب السلطنة الأمير زين الدين كتبغا، والوزير الأمير علم الدين سنجر الشجاعىّ، وحسام الدين أستاذ الدار أتابك العساكر. قلت: وساق الشيخ قطب الدين اليونينىّ واقعة الملك الأشرف هذا وقتله وقتل بيدرا بأطول من هذا؛ قال الشيخ قطب الدين: «وحكى لى الأمير سيف الدين بن المحفّدار أمير جاندار قال: كان السلطان الملك الأشرف قد أنفذنى فى أوّل النهار إلى الأمير بدر الدين بيدرا يأمره أن يأخذ العساكر ويسير بهم، فلمّا جئت إليه وقلت له: السلطان يأمرك أن تسير الساعة تحت الصناجق بالأمراء والعسكر، قال: فنفر فىّ بيدرا، ثم قال: السمع والطاعة؛ قال: ورأيت فى وجهه أثر الغيظ والحنق وقال: وكم يستعجلنى! فظهر فى وجهه شىء ما كنت أعهده منه؛ ثم إنّى تركته ومشيت حملت الزّردخاناه «1» والثّقل الذي لى وسرت، فبينما أنا سائر أنا ورفيقى الأمير صارم الدين الفخرىّ وركن الدين أمير جاندار عند المساء، وإذا بنجّاب سائر، فسألت عن السلطان أين تركته؟ فقال: طوّل الله أعماركم فيه؛ فبينما نحن متحيّرون فى أمره، وإذا بالسناجق التى للسلطان قد لاحت وقربت والأمراء تحتها، والأمير بدر الدين بيدرا بينهم وهم محدقون به؛ قال: فجئنا وسلّمنا عليه، فقال له الأمير ركن الدين بيبرس أمير جاندار: يا خوند، هذا الذي فعلته كان بمشورة الأمراء؟ قال: نعم، إنّما قتلته بمشورتهم وحضورهم،

وها هم كلّهم حاضرون، وكان من جملة من هو حاضر الأمير حسام الدين لاچين المنصورىّ، والأمير شمس الدين قراسنقر المنصورىّ، والأمير بدر الدين بيسرىّ، وأكثر الأمراء سائقون معه؛ قال: ثم إنّ بيدرا شرع يعدّد سيئّات السلطان ومخازيه ومناحسه وإهماله أمور المسلمين واستهزاءه بالأمراء ومماليك أبيه ووزارته لأبن السّلعوس، قال: ثم إنّه سألنا هل رأيتم الأمير زين الدين كتبغا؟ فقلنا له: لا، فقال بعض الأمراء: يا خوند، هل كان عنده علم بالقضيّة؟ فقال: نعم، وهو أوّل من أشار بهذا الأمر. فلمّا كان ثانى يوم وإذا بالأميرين «1» : زين الدين كتبغا وحسام الدين أستاذ الدار قد جاءوا فى طلب كبير فيه مماليك السلطان الملك الأشرف نحو من ألفى فارس وفيهم جماعة من العسكر والحلقة، فالتقوه بالطّرّانة يوم الأحد أوّل النهار. ثم ساق قطب الدين فى أمر الواقعة نحوا ممّا ذكرناه من أمر بيدرا وغيره، إلى أن قال: وتفرّق جمع الأمير بيدرا. قال ابن المحفّدار: فلمّا رأينا مالنا بهم طاقة التجأنا إلى جبل هناك شمالىّ «2» ، واختلطنا بذلك الطّلب الذي فيه كتبغا، ورأينا بعض أصحابنا، فقال [لنا «3» ] : شدّوا بالعجلة مناديلكم فى رقابكم إلى تحت آباطكم، فهى الإشارة بيننا وإلّا قتلوكم أو شلحوكم، فعملنا «4» مناديلنا فى رقابنا إلى تحت آباطنا، وكان ذلك سبب سلامتنا، فحصل لنا به نفع كثير من جهة الأمير زين الدين كتبغا ومن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، وسلمت بذلك أنفسنا وأثقالنا [وأهلونا «5» ] وأموالنا؛ ثم ظهر لهم أنّنا لم يكن لنا فى باطن القضيّة علم. قال: وسرنا إلى قلعة

الجبل. وذكر سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون حسب ما نذكره فى ترجمته إن شاء الله تعالى فيما يأتى. قال: ولمّا كان يوم خامس «1» عشرين المحرّم أحضر إلى قلعة الجبل أميران وهما سيف الدين بهادر رأس نوبة وجمال الدين آقوش الموصلىّ الحاجب، فحين حضروا اجتمعوا الأشرفيّة عليهم فضربوا رقابهم وعلّقوا رأس بهادر على باب «2» داره الملاصقة لمشهد الحسين «3» بالقاهرة. وبهارد هذا هو الذي حطّ السيف فى دبر الملك الأشرف بعد قتله وأخرجه من حلقه. ثم أخذوا جنّته وجثة آقوش وأحرقوهما فى قمين جير. وأمّا الأمير حسام الدين لاچين المنصورىّ، والأمير شمس الدين قرا سنقر فإنّهما اختفيا ولم يظهر لهما خبر، ولا وقع لهما على أثر. ثم أحضر المماليك الأشرفيّة سبعة أمراء، وهم: سيف الدين نوغيه، وسيف الدين ألناق، وعلاء الدين ألطنبغا الجمدار، وشمس الدين سنقر «4» مملوك لاچين، وحسام الدين طرنطاى السّاقى، ومحمد خواجا «5» ، وسيف الدين أروس فى يوم الاثنين خامس صفر إلى قلعة الجبل، فلمّا رآهم السلطان الملك الناصر محمد أمر بقطع أيديهم أوّلا، وبعد ذلك يسمّرون على الجمال وأن تعلّق أيديهم فى حلوقهم ففعل ذلك، ورأس بيدرا أيضا على رمح يطاف به معهم بمصر «6»

والقاهرة، وبقوا على هذه الحالة إلى أن ماتوا، وكلّ من مات منهم سلّم إلى أهله والجميع دفنوهم بالقرافة. قلت: وقريب ممّا وقع لبيدرا هذا وأصحابه أوائل ألفاظ المقالة الخامسة عشرة من «كتاب أطباق الذهب» للشيخ الإمام الربّانى شرف الدين عبد المؤمن الأصفهانىّ المعروف بشوروة «1» ، وهى قوله: «من الناس من يستطيب ركوب الأخطار، وورود التّيار، ولحوق العار والشّنار، ويستحبّ وقد النار، وعقد الزّنّار، لأجل الدينار؛ ويستلذّ سفّ الرّماد، ونقل السّماد، وطىّ البلاد، لأجل الأولاد؛ ويصبر على نسف الجبال، ونتف السّبال «2» ، لشهوة المبال؛ ويبدّل الإيمان» بالكفر، ويحفر الجبال بالظّفر، للدنانير الصّفر؛ ويلج ما ضغى «4» الأسود، للدراهم السّود؛ لا يكره صداعا، [إذا نال كراعا «5» ] ؛ ويلقى النوائب بقلب صابر، فى هوى الشيخ أبى جابر «6» ؛ ويأبى العزّ طبيعة، ويرى الذّلّ شريعة؛ وإن رزق لعيعة «7» ، يراها صنيعة، يؤمّ راسه وترضّ أضراسه؛ وإن أعطى درهما، يراه مرهما. ومن الناس من يختار العفاف، ويعاف الإسفاف؛ يدع الطعام طاويا، ويذر الشراب صاديا، ويرى المال رائحا غاديا؛ يترك الدنيا لطلّابها، ويطرح الجيفة لكلابها؛ لا يسترزق لئام الناس، ويقنع بالخبز الناس «8» ؛ يكره المنّ والأذى، ويعاف

الماء على القذى؛ إن أثرى جعل موجوده معدوما، وإن أقوى «1» حسب قفاره مأدوما؛ جوف خال، وثوب «2» بال، ومجد عال؛ ووجه مصفرّ، عليه قرّ؛ وثوب أسمال، وراء عزّ [و] جمال؛ وعقب مشقوق، وذيل مفتوق، يجرّه فتى مغبوق. شعر: لله تحت قباب العزّ طائفة ... أخفاهم فى رداء الفقر إجلالا هم السلاطين فى أطمار مسكنة ... استعبدوا من ملوك الأرض أقيالا غبر ملابسهم شمّ معاطسهم ... جرّوا على فلك الخضراء أذيالا هذى المناقب لا ثوبان من عدن «3» ... خيطا قميصا فصارا بعد أسمالا هذى المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا هم الذين جبلوا برآء من التّكلّف، «يحسبهم الجاهل أغنياء من التّعفّف» . انتهى ما ذكرناه من المقالة الخامسة عشرة وإن كنّا خرجنا عن المقصود من كون غالبها من غير ما نحن فيه، غير أنّنى لم أذكرها بتمامها هنا إلّا لغرابتها. انتهى. ولمّا مات الملك الأشرف خليل هذا، وتمّ أمر أخيه الملك الناصر محمد فى السلطنة، استقرّ الأمير زين الدين كثبغا المنصورىّ نائب السلطنة، وسنجر الشّجاعىّ مدبّر المملكة وأتابك العساكر، وبقيّة الأمور تأتى فى أوّل سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون بأوضح من هذا ولمّا قتل الملك الأشرف خليل المذكور بقى ملقى إلى أن خرج والى تروجة من بعد قتله بيومين، ومعه أهل تروجة، وأخذوه وغسّلوه وكفّنوه وجعلوه فى تابوت

فى دار الوالى إلى أن سيّروا من القاهرة الأمير سعد الدين كوجبا الناصرىّ إلى مصرعه، فأخذه فى تابوت ووصل به إلى القاهرة سحر يوم الخميس ثانى عشرين صفر، فدفن فى تربة «1» والدته بجوار أخيه الملك الصالح علىّ بن قلاوون- رحمهما الله تعالى- ورثاه ابن حبيب بقصيدة، أوّلها: تبّا لأقوام تمالك رقّهم ... فتكوا وما رقّوا لحالة مثرف وافوه غدرا ثم صالوا جملة ... بالمشرفىّ على المليك الأشرف وافى شهيدا نحو روضات الرّضا ... يختال بين مزهّر ومزخرف ومضى يقول لقاتليه تربّصوا ... بينى وبينكم عراض الموقف

وقال النّويرىّ فى تاريخه: كان ملكا مهيبا شجاعا مقداما جسورا جوادا كريما بالمال، أنفق على الجيش فى هذه الثلاث سنين ثلاث نفقات: الأولى فى أوّل جلوسه فى السلطنة من مال طرنطاى، والثانية عند توجّهه الى عكّا، والثالثة عند توجّهه الى قلعة الروم. انتهى كلام النّويرىّ باختصار. وقال الشيخ صلاح الدين خليل بن أيبك الصّفدىّ فى تاريخه: «وكان قبل ولاية الملك الأشرف يؤخذ عند باب الجابية «1» بدمشق عن كلّ حمل خمسة دراهم مكسا، فأوّل ما تسلطن وردت إلى دمشق مسامحة بإسقاط هذا، وبين سطور المرسوم بقلم العلامة بخطه: لتسقط عن رعايانا هذه الظّلامة، ويستجلب لنا الدعاء من الخاصّة والعامّة» . انتهى كلام الصفدىّ. وقال الحافظ أبو عبد الله الذّهبىّ فى تاريخه، بعد أن ساق من أحواله قطعة جيّدة، فقال: «ولو طالت أيّامه أو حياته لأخذ العراق وغيرها، فإنّه كان بطلا شجاعا مقداما مهيبا عالى الهمّة يملأ العين ويرجف القلب، رأيته مرّات، وكان ضخما سمينا كبير الوجه بديع الجمال مستدير اللّحية، على وجهه رونق الحسن وهيبة السلطنة، وكان إلى جوده وبذله الأموال فى أغراضه المنتهى. وكان مخوف السطوة، شديد الوطأة، قوىّ البطش؛ تخافه الملوك فى أمصارها، والوحوش العادية «2» فى آجامها. أباد جماعة من كبار الدولة. وكان منهمكا فى «3» اللذات، لا يعبأ بالتحرّز لنفسه لفرط شجاعته، ولم أحسبه بلغ ثلاثين سنة، ولعلّ الله عزّ وجلّ قد

عفا عنه وأوجب له الجنّة لكثرة جهاده، وإنكائه فى الكفّار» . انتهى كلام الذهبى باختصار. قلت: وكان الأشرف مفرط الشجاعة والإقدام، وجمهور الناس على أنه أشجع ملوك الترك قديما وحديثا بلا مدافعة، ثم من بعده الملك الناصر فرج ابن الملك الظاهر برقوق، وشهرتهما فى ذلك تغنى عن الإطناب فى ذكرهما. وكانت مدّة مملكة الأشرف هذا على مصر ثلاث سنين وشهرين وخمسة أيام، لأنّ وفاة والده كانت فى يوم السبت سادس ذى القعدة سنة تسع وثمانين وستمائة. وجلس الأشرف المذكور على تخت الملك فى صبيحة دفن والده فى يوم الاثنين «1» ثامن ذى القعدة. وقتل فى يوم السبت «2» ثانى عشر المحرّم سنة ثلاث وتسعين وستمائة. انتهى. وقال الشيخ قطب الدين البونينىّ: ومات (يعنى الملك الأشرف) شهيدا مظلوما فإنّ جميع من وافق على قتله كان قد أحسن إليه ومنّاه وأعطاه وخوّله، وأعطاهم ضياعا بالشام، ولم تتجدد فى زمانه مظلمة، ولا استجدّ ضمان مكس، وكان يحبّ الشأم وأهله، وكذلك أهل الشأم كانوا يحبونه- رحمه الله تعالى وعفا عنه-. السنة الأولى من سلطنة الملك الأشرف صلاح الدين خليل على مصر وهى سنة تسعين وستمائة. على أنه حكم من الماضية من يوم الاثنين ثامن ذى القعدة إلى آخرها. انتهى.

فيها (أعنى سنة تسعين وستمائة) توفّى الشيخ عزّ الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن طرخان الأنصارىّ السّويدىّ «1» الطبيب المشهور، وهو من ولد سعد بن معاذ الأوسىّ- رضى الله عنه- كان قد تفرّد فى آخر عمره بمعرفة الطبّ، وكان له مشاركة جيّدة فى العربيّة والتاريخ، واجتمع بأكابر الأطبّاء وأفاضل الحكماء، مثل المهذّب «2» عبد الرحيم بن علىّ الدّخوار وغيره، وقرأ علم الأدب على جماعة من العلماء، وكان له نظم جيّد. من ذلك قوله فى خضاب اللّحية: لو أنّ تغيير لون شيبى ... يعيد ما فات من شبابى لما وفى لى بما تلاقى ... روحى من كلفة الخضاب قلت: ويعجبنى قول الشيخ صفىّ «3» الدين عبد العزيز الحلّى فى هذا المعنى: قالوا اخضب الشيب فقلت اقصروا ... فإنّ قصد الصدق من شيمتى فكيف أرضى بعد ذا أنّني ... أوّل ما أكذب فى لحيتى غيره فى المعنى: يا خاضب اللّحية ما تستحى ... تعاند الرحمن فى خلقته أقبح شئ قيل بين الورى ... أن يكذب الإنسان فى لحيته ومن شعر عزّ الدين صاحب الترجمة [مواليا «4» ] : البدر والسعد ذا شبهك وذا نجمك ... والقدّ واللّحظ ذا رمحك وذا سهمك والبغض والحبّ ذا قسمى وذا قسمك ... والمسك والحسن ذا خالك وذا عمّك

وفيها توفّى ملك التّتار أرغون بن أبغا بن هولاكو عظيم التّتار وملكهم، قيل: إنه اغتيل بالسمّ، وقيل: إنّه مات حتف أنفه، واتّهم الترك اليهود بقتله فمالوا عليهم بالسيوف فقتلوهم ونهبوا أموالهم، واختلفت كلمة التّتار فيمن يقيمونه بعده فى الملك، فمالت طائفة إلى بيدو «1» ولم يوافقوا [على] كيختو «2» ، فرحل كيختو إلى الروم. وكان أرغون هذا قد عظم أمره عند التّتار بعد قتل عمّه أحمد «3» ، ورسخت قدمه فى الملك، وكان شهما شجاعا مقداما، حسن الصورة، سفّا كاللدماء، شديد الوطأة. وفيها توفّى الشيخ عفيف الدين أبو الربيع سليمان بن علىّ بن عبد الله بن علىّ ابن يس العابدى ثم الكوفىّ ثم التّلمسانىّ «4» المعروف بالعفيف التّلمسانىّ، الصوفىّ الشاعر المشهور، كان فاضلا ويدّعى العرفان، ويتكلّم فى ذلك على اصطلاح القوم. قال الشيخ قطب الدين: «ورأيت جماعة ينسبونه إلى رقّة الدّين، وتوفّى وقد جاوز الثمانين «5» سنة من العمر، وكان حسن العشرة كريم الأخلاق له حرمة ووجاهة، وخدم فى عدّة جهات.

قلت: وقد تقدّم ذكر ولده الأديب الظريف «1» شمس الدين محمد أنّه مات فى حياة والده العفيف هذا. انتهى. وكان العفيف المذكور من الشعراء المجيدين وله ديوان شعر كبير. ومن شعره: يشكو إلى أردافه خصره ... لو تسمع الأمواج شكوى الغريق يا ردفه رقّ على خصره ... فإنّه حمّل ما لا يطيق وله: إن كان قتلى فى الهوى يتعيّن ... يا قاتلى فبسيف جفنك «2» أهون حسبى وحسبك أن تكون مدامعى ... غسلى وفى ثوب السّقام أكفّن عجبا لخدّك وردة فى بانة ... والبان «3» فوق الغصن ما لا يمكن أدنته لى سنة الكرى فلثمته ... حتى تبدّل بالشّقيق السّوسن ووردت كوثر ثغره فحسبتنى ... فى جنّة من وجنتيه أسكن ما راعنى إلا بلال الخال فو ... ق الخدّ فى صبح الجبين يؤذّن قلت: وهذا مأخوذ من قول الحاجرى «4» من قصيدة: أقام بلال الخال فى صحن خدّه ... يراقب من لآلاء غرّته الفجرا ومنه أيضا أخذ الشيخ جمال الدين «5» محمد بن نباتة المصرىّ قوله: وانظر إلى الخال فوق الثغر دون لمى ... تجد بلالا يراعى الصبح فى السّحر

قلت: وقد سبق إلى هذا المعنى أمير المؤمنين عبد الله «1» بن المعتزّ بقوله: أسفر ضوء الصبح من وجهه ... فقام خال الخدّ فيه بلال كأنّما الخال على خدّه ... ساعة هجر فى زمان الوصال قلت وقد استوعبنا من ذكر العفيف هذا فى ترجمته فى تاريخنا «المنهل الصافى والمستوفىّ بعد الوافى» نبذة كبيرة فلينظر هناك. وفيها توفّى الشيخ الإمام العلّامة فقيه الشام تاج الدين أبو محمد عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع بن ضياء الفزارىّ البدرىّ المصرىّ الأصل الدمشقى الشافعىّ المعروف بالفركاح «2» . ولد فى شهر ربيع الأوّل سنة أربع وعشرين وستّمائة. قال الصّفدىّ: تفقّه فى صغره على الشيخ عزّ «3» الدين بن عبد السلام، والشيخ تقىّ «4» الدين بن الصّلاح، وبرع فى المذهب وهو شابّ، وجلس للاشتغال وله بضع وعشرون سنة، ودرّس فى سنة ثمان وأربعين، وكتب فى الفتاوى وقد أكمل الثلاثين. ولمّا قدم النووىّ «5» من بلده أحضروه ليشتغل عليه، فحمل همّه وبعث به إلى مدرّس الرّواحيّة «6» ليصحّ له بها بيت ويرتفق بمعلومها. وكانت الفتاوى تأتيه من الأقطار.

وإذا سافر لزيارة القدس يترامى أهل البرّ على ضيافته، وكان أكبر من الشيخ محيى الدين النّووىّ بسبع سنين، وهو أفقه نفسا وأذكى وأقوى مناظرة من الشيخ محيى الدين بكثير، وقيل إنه كان يقول: إيش قال النّووىّ فى مزبلته! (يعنى عن الروضة «1» ) ، قال: وكان الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام يسمّيه «الدّويك» لحسن بحثه. انتهى كلام الصّفدىّ باختصار. ومن شعره ما كتبه لزين الدين «2» عبد الملك بن العجمى ملغزا فى اسم بيدرا. يا سيّدا ملأ الآفاق قاطبة ... بكلّ فنّ من الألغاز مبتكر ما اسم مسمّاه بدر وهو مشتمل ... عليه فى اللفظ إن حقّقت فى النظر وإن تكن مسقطا ثانيه مقتصرا ... عليه فى الحذف أضحى واحد البدر وله [أيضا دو بيت «3» ] ما أطيب ما كنت من الوجد لقيت ... إذ أصبح بالحبيب صبّا وأبيت واليوم صحا قلبى من سكرته ... ما أعرف فى الغرام «4» من أين أتيت الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى مسند العالم فخر الدين علىّ بن البخارىّ المقدسىّ فى ربيع الآخر، وله خمس وتسعون سنة «5» . والمعمّر شهاب الدين غازى بن أبى الفضل [بن عبد الوهاب أبو محمد «6» ] الحلاوىّ فى صفر.

ما وقع من الحوادث سنة 691

وفخر الدين عمر بن يحيى الكرخىّ فى شهر ربيع الآخر، وله إحدى وتسعون سنة. والعلّامة تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزارىّ الشافعىّ فى جمادى الآخرة، وله ست وستون سنة «1» . والشيخ العفيف التّلمسانىّ الشاعر سليمان بن علىّ فى رجب، وله ثمانون سنة. والمقرئ شهاب الدين محمد بن عبد الخالق بن مزهر فى رجب. والقاضى شمس الدين عبد الواسع بن عبد الكافى الأبهرىّ «2» فى شوّال. والمسند نجم الدين يوسف بن يعقوب بن محمد [بن علىّ «3» ] بن المجاور فى ذى القعدة والمسند شمس الدين محمد بن [عبد «4» ] المؤمن بن أبى الفتح الصالحىّ فى ذى الحجّة، وهو آخر من سمع من الكندىّ «5» . والإمام شمس الدين أحمد بن عبد الله بن الزّبير الخابورىّ خطيب حلب فى المحرّم. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وثلاث أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وسبع أصابع. [ما وقع من الحوادث سنة 691] السنة الثانية من ولاية الملك الأشرف خليل على مصر، وهى سنة إحدى وتسعين وستمائة. فيها فى يوم الجمعة رابع عشرين صفر ظهر بقلعة الجبل حريق عظيم فى بعض خزائن الخاصّ، وأتلف شيئا عظيما من الذخائر والنفائس والكتب وغيرها.

وفيها توفّى الصاحب تاج الدين أحمد بن [المولى «1» ] شرف الدين سعيد ابن شمس الدين محمد بن الأثير الحلبى الكاتب المنشئ. وأولاد ابن الأثير هؤلاء غير بنى الأثير الموصليّين. وكان تاج الدين هذا بارعا فاضلا معظّما فى الدّول باشر الإنشاء بدمشق ثم بمصر للملك الظاهر بيبرس، ثم للملك المنصور قلاوون، وكان له نظم ونثر ولكلامه رونق وطلاوة. ومن عجيب ما اتّفق أنّ الأمير عز الدين أيدمر السّنانىّ النّجيبىّ الدّوادار أنشد تاج الدين المذكور عند قدومه إلى القاهرة فى الأيام الظاهريّة أوّل اجتماعه به، ولم يكن يعلم اسمه ولا اسم أبيه، قول الشاعر: كانت مساءلة الرّكبان تخبرنى ... عن أحمد بن سعيد أحسن الخبر حتّى التقينا فلا والله ما سمعت ... أذنى بأحسن ممّا قد رأى بصرى فقال له تاج الدين: يا مولانا، أتعرف أحمد بن سعيد؟ فقال: لا، فقال: المملوك أحمد بن سعيد. ولم يزل تاج الدين هذا يترقّى الى أن ولى كتابة السرّ بمصر بعد موت فتح الدين محمد بن عبد الظاهر الآتى ذكره. ولمّا ولى كتابة السرّ سافر مع السلطان الى الديار المصريّة فأدركه أجله فمات بغزّة «2» ودفن هناك؛ وولى بعده كتابة السرّ ابنه عماد الدين «3» إسماعيل مدّة إلى أن عزل بشرف الدين عبد الوهاب بن فضل «4» الله العمرىّ. وكان تاج الدين فاضلا نبيلا، وله يد فى النظم والنثر. ومن شعره القصيدة التى أوّلها: أتتنى «5» أياديك التى لو تصوّرت ... محاسنها كانت من الأنجم الزّهر

وفيها توفى القاضى فتح الدين محمد ابن القاضى محيى الدين عبد الله بن عبد الظاهر ابن نشوان بن عبد الظاهر الجذامىّ الرّوحىّ «1» المصرىّ المعروف بابن عبد الظاهر صاحب ديوان الإنشاء ومؤتمن المملكة بالديار المصريّة. مولده بالقاهرة فى سنة ثمان وثلاثين وستمائة وسمع الحديث وتفقّه ومهر فى الإنشاء، وساد فى الدولة المنصوريّة قلاوون برأيه وعقله وحسن سياسته، وتقدّم على والده فكان والده من جملة الجماعة الذين يصرفهم أمره ونهيه. وقد تقدّم ذكره فى ترجمة الملك المنصور قلاوون والتعريف بحاله. ومن شعر فتح الدين المذكور لمّا توجّه إلى دمشق صحبة السلطان وحصل له توعّك فكتب إلى والده يقول: إن شئت تبصرنى «2» وتبصر حالتى ... قابل إذا هبّ النسيم قبولا تلقاه مثلى رقّة ونحافة ... ولأجل قلبك لا أقول عليلا فهو الرسول اليك منى ليتنى ... كنت اتّخذت مع الرسول سبيلا وله: ذو قوام يحور منه اعتدال ... كم طعين به من العشّاق سلب القضب لينها فهى غيظا ... واقفات تشكوه بالأوراق قلت: وأجاد شمس الدين محمد بن العفيف فى هذا المعنى حيث قال: قدّه حاز اعتدالا ... فله فتك ونسك سلب الأغصان لينا ... فهى بالأوراق تشكو

ما وقع من الحوادث سنة 692

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى سيف الدين عبد الرحمن بن محفوظ الرّسعنىّ «1» فى المحرّم. وخطيب دمشق زين الدين عمر بن مكّى الوكيل «2» فى ربيع الأوّل. والمقرئ رضىّ الدين جعفر بن القاسم [المعروف «3» با] بن دبوقا الرّبعىّ فى رجب. والعدل علاء الدين علىّ بن أبى بكر بن أبى الفتح بن محفوظ [بن «4» الحسن] بن صصرّى الضرير فى شعبان. والموقّعان: سعد الدين [سعد «5» الله] ابن مروان الفارقىّ، وفتح الدين محمد بن محيى الدين عبد الله بن عبد الظاهر. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وستّ عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا سواء. [ما وقع من الحوادث سنة 692] السنة الثالثة من ولاية الملك الأشرف خليل على مصر، وهى سنة اثنتين وتسعين وستمائة. فيها حصل ببلاد غزّة والرّملة «6» وقاقون «7» والكرك «8» زلزلة عظيمة، وكان معظم تأثيرها بالكرك بحيث انهدم ثلاثة أبراج من قلعتها، وبنيان كثير من دورها وأماكنها. وكانت الزّلزلة المذكورة فى صفر.

وفيها كانت وفاة الأمير الكبير شمس الدين سنقر بن عبد الله العلائىّ، ثم الصالحىّ النّجمىّ المعروف بالأشقر، كان من كبار الأمراء ممّن تملّك الشام فى أوائل سلطنة الملك المنصور قلاوون ودعا لنفسه وتلقّب «بالملك الكامل» وخطب له على منابر الشام، وضرب الدرهم والدينار باسمه. وقد أوضحنا من أمره نبدة كبيرة فى عدّة مواضع من ترجمة الملك المنصور قلاوون وغيره. ووقع له مع الملك المنصور أمور أسفرت بعد سنين على أنّه دخل تحت طاعته، وصار من جملة أكابر أمرائه. واستمرّ سنقر على ذلك إلى أن مات الملك المنصور قلاوون وملك بعده ابنه الملك الأشرف خليل صاحب الترجمة؛ قبض عليه فى هذه السنة وخنقه وخنق معه جماعة من الأمراء لأمر اقتضاه رأيه. والأمراء الذين قتلوا معه مثل: الأمير ركن الدين طقصو الناصرىّ، وجرمك الناصرىّ وبلبان الهارونىّ؛ وكان معهم الأمير حسام الدين لاچين المنصورىّ الذي تسلطن بعد ذلك، فوضع السلطان الوتر فى رقبته لخنقه فانقطع الوتر؛ فقال لاچين: يا خوند، إيش ذنبى! مالى ذنب إلّا أنّ طقصو حموى وأنا أطلّق بنته، فرقّوا له خشداشيته لأمر سبق فى علم الله وقبلّوا الأرض وسألوا السلطان فيه، وضمنه خشداشه الأمير بدر الدين بيدرا نائب السلطنة، فأطلقه السلطان وأعاده إلى رتبته، وأخذ سنقر الأشقر هذا ودفن بالقرافة. وكان سنقر المذكور أميرا شجاعا مقداما كريما حسن السياسة مهابا جليلا معظّما فى الدّول، وخوطب بالسلطنة سنين عديدة إلى أن ضعف أمره ونزل من قلعة صهيون بالأمان، وقدم على الملك المنصور قلاوون فأكرمه قلاوون، ودام على ذلك إلى أن مات. وكان سنقر شجاعا أشقر عبل البدن جهورىّ الصوت مليح الشكل. رحمه الله تعالى.

وفيها توفّى الشيخ الصالح القدوة المعتقد شيخ الشام أبو إسحاق إبراهيم ابن الشيخ السيد العارف أبى محمد عبد الله الأرموىّ «1» بزاويته بجبل قاسيون بعد الظهر وكانت جنازته مشهودة، رحمه الله. وفيها توفّى الصاحب محيى الدين عبد الله بن رشيد الدين عبد الظاهر بن نشوان ابن عبد الظاهر السّعدىّ الموقّع كاتب الإنشاء بالديار المصريّة. وقد تقدّم ذكر ولده القاضى فتح الدين فى السنة الماضية. كان محيى الدين هذا من سادات الكتاب ورؤسائهم وفضلائهم. ومولده فى سنة عشرين وستمائة بالقاهرة، ومات يوم الأربعاء ثالث شهر رجب ودفن بالقرافة بتربته» التى أنشأها. وهو صاحب النظم الرائق والنثر الفائق. ومن شعره قوله: يا قاتلى بجفون «3» ... قتيلها ليس يقبر إن صبّروا عنك قلبى ... فهو القتيل المصبّر وله وأجاد إلى الغاية: نسب الناس للحمامة حزنا ... وأراها فى الشّجو ليست هنالك خضبت كفّها وطوّقت الجي ... د وغنّت وما الحزين كذلك وله مضمّنا: لقد قال كعب فى النّبيّ قصيدة ... وقلنا عسى فى مدحه نتشارك فإن شملتنا بالجوائز رحمة ... كرحمة كعب فهو كعب مبارك

وله: سلّفتنا على العقول السّلافه ... فتقاضت ديونها بلطافه ضيّفتنا بالنّشر والبشر واليس ... ر ألا هكذا تكون الضّيافه وقد سقنا من ترجمته فى تاريخنا «المنهل الصافى» عدّة أخر غير هؤلاء المقطّعات. وفيها توفّى الأمير علم الدين سنجر بن عبد الله الحلبى، الأمير الكبير أحد الموصوفين بالشجاعة والإقدام، وقد شهد عدّة حروب، وله مواقف مشهورة مع العدوّ. وكان أبيض الرأس واللّحية من أبناء الثمانين، وكان ولى نيابة دمشق فى آخر سنة ثمان وخمسين وستمائة. ولمّا تسلطن الملك الظاهر ركن الدين بيبرس لم يبايعه سنجر هذا ودعا لنفسه وحلّف الأمراء وتسلطن بدمشق ولقّب «بالملك المجاهد» ، فلم يتمّ له ذلك حسب ما تقدّم ذكره فى أوّل ترجمة الملك الظاهر بيبرس، وقبض الظاهر عليه وحبسه مدّة سنين إلى أن مات. وتسلطن بعده ولده الملك السعيد أفرج عنه وأمّره، فدام على ذلك إلى أن تسلطن الملك المنصور قلاوون، وخرج عليه الأمير سنقر الأشقر المقدّم ذكره وتسلطن بدمشق، ندب المنصور لحربه علم الدين سنجر هذا، وأضاف إليه العساكر المصريّة، فخرج إليه وقاتله وكسره وأخرجه من دمشق، ثمّ عاد إلى الديار المصريّة، فأنعم عليه المنصور قلاوون بأشياء كثيرة، ثم خانه وقبض عليه وحبسه إلى أن مات. فلمّا تسلطن ولده الملك الأشرف خليل أفرج عنه وأكرمه ورفع منزلته. وكان سبب مسك قلاوون له أنّه لمّا كسر سنقر الأشقر عظم فى أعين الناس ولهج بعض الناس بتسميته «بالملك المجاهد» كما كان تلقّب أوّلا لمّا ادّعى السلطنة، فبادره قلاوون وقبض عليه. وكان سنجر هذا من بقايا الأمراء الصالحيّة النّجميّة، رحمه الله تعالى.

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الشيخ الزاهد إبراهيم ابن العارف الشيخ عبد الله الأرموىّ فى المحرّم. وكمال الدين أحمد بن محمد النّصيبىّ الحلبىّ فى المحرّم. والمقرئ جمال الدين إبراهيم بن داود الفاضلىّ فى أوّل جمادى الأولى. والإمام القدوة تقىّ الدين إبراهيم بن علىّ بن الواسطى الحنبلىّ فى جمادى الآخرة، وله تسعون سنة. والسيف علىّ بن الرّضى عبد الرحمن المقدسىّ فى شوّال. والمحدّث التقى عبيد [بن «1» محمد بن عبّاس] الإسعردىّ. وأبو عبد الله محمد بن إبراهيم ابن ترجم المصرىّ راوى التّرمذىّ «2» . أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وعشر أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا واثنتا عشرة إصبعا. انتهت ترجمة الملك الأشرف خليل.

ما وقع من الحوادث سنة 693

[ما وقع من الحوادث سنة 693] ذكر سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون الأولى على مصر هو السلطان الملك الناصر أبو الفتوح ناصر الدين محمد ابن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحىّ النّجمىّ الألفىّ سلطان الديار المصريّة وابن سلطانها، مولده بالقاهرة فى سنة أربع وثمانين وستمائة بقلعة «1» الجبل، ووالده الملك المنصور قلاوون يحاصر حصن المرقب «2» ، وجلس على تخت الملك بعد قتل أخيه الملك الأشرف صلاح الدين خليل بن قلاوون فى يوم الاثنين رابع عشر المحرّم، وقيل يوم الثلاثاء خامس عشر المحرّم، من سنة ثلاث وتسعين وستمائة، لأنّ الملك الأشرف قتل بتروجة «3» فى يوم السبت ثانى عشر المحرّم وقتل قاتله الأمير بدر الدين بيدرا فى يوم الأحد ثالث عشر المحرّم، ثم اتّفقوا على سلطنة الملك الناصر محمد هذا عوضا عن أخيه، فتمّ له ذلك. فتكون سلطنته فى أحد اليومين المذكورين تخمينا لما وقع فى ذلك من الاختلاف بين المؤرّخين. انتهى. والملك الناصر هذا هو السلطان التاسع من ملوك التّرك بالديار المصريّة، ولما استقر فى السلطنة رتّبوا الأمير زين الدين كتبغا المنصورىّ نائب السلطنة بالديار المصريّة عوضا عن بيدرا، والأمير علم الدين سنجر الشجاعى وزيرا ومدبّرا للمملكه وأتابك العساكر؛ ثم قبضوا على جماعة من قتلة الملك الأشرف خليل حسب ما تقدّم ذكره، وتمّ ذلك ودام إلى العشرين من صفر. فبلغ الأمير زين الدين كتبغا أنّ الأمير علم الدين

سنجر الشجاعىّ يريد الوثوب عليه وقبضه وقتله. وكان الذي أخبره بذلك سيف الدين قنقغ «1» التّتارى، وأعلمه بما فى باطن الشجاعىّ؛ والسبب فى «2» اطّلاعه على ما فى باطن الشجاعىّ أنّ هذا قنقغ هاجر من بلاد التّتار فى زمن الملك الظاهر بيبرس، وأقام بمصر وأقطع فى الحلقة فرزقه الله تعالى اثنى عشر ولدا كلّهم ذكور، منهم: ستة أولاد فى خدمة الملك الأشرف، وخمسة فى خدمة الشجاعىّ، وواحد منهم صغير؛ وجميع أولاده شباب ملاح من أجمل الناس صورة. وكان لقنقغ هذا منزلة عظيمة عند الشجاعىّ وكلمته مسموعة، وشفاعته مقبولة؛ وله اطّلاع على أمور الدولة بسبب أولاده، فعلم بما دبّره الشجاعىّ، فحملته الجنسيّة حتّى أعلم الأمير كتبغا على ما فى باطن الشجاعىّ؛ فاحترز كتبغا على نفسه وأعلم الأمراء بالخبر، وكان الأمراء كارهين الشجاعىّ. فلمّا كان يوم الخميس ثانى عشرين صفر ركب الأمير كتبغا إلى سوق «3» الخيل فنزل إليه من القلعة أمير يقال له البندقدارىّ «4» وقال له من قبل الشجاعىّ: أين حسام الدين لاچين المنصورى؟ أحضره الساعة؛ فقال له كتبغا: ما هو عندى، وكان لاچين من يوم قتل الأشرف قد اختفى، والمماليك الأشرفيّة قد أعياهم أمره

من كثرة التفتيش عليه، فقال له البندقدارىّ: بلى، لاچين عندك، ثم مدّ يده إلى سيفه ليضربه به، فجدب سيف الدين بلبان الأزرق مملوك كتبغا سيفه وعلا «1» به البندقدارىّ من ورائه وضربه ضربة حلّ بها كتفه ويده، ثم إنّهم تكاثروا عليه وأنزلوه عن فرسه وذبحوه، وهمّ مماليك كتبغا. وذلك فى وسط سوق الخيل، ومال غالب العسكر من الأمراء والمقدّمين وأجناد الحلقة والتتار والأكراد إلى كتبغا وانضمّوا عليه، ومالت البرجيّة «2» وبعض الخاصّكيّة إلى سنجر الشجاعىّ، لأنّ الشجاعىّ كان أنفق فيهم فى الباطن فى يوم واحد ثمانين ألف دينار، واتّفق معهم أيضا أنّ كلّ من جاء برأس أمير كان له إقطاعه؛ وكان الاتّفاق معهم أنّه فى يوم الخميس وقت الموكب لمّا يطلع الأمير كتبغا إلى القلعة ويمدّوا السّماط يمسك هو

ومن اتّفق معه من الأمراء يقبضون عليهم. فاستعجل البندقدارىّ ونزل إلى سوق الخيل وفعل ما ذكرناه. ولمّا وقع ذلك تحقّق الأمراء صحّة ما نقل إليهم الأمير زين الدين كتبغا عن الشجاعىّ، فاجتمع فى الحال الأمراء عند كتبغا بسوق الخيل وركبت التّتار جميعهم وجماعة من الشّهرزوريّة والأكراد وجماعة من الحلقة كراهية منهم فى الشجاعىّ، وخرج الشجاعىّ بمن معه إلى باب القلعة، فإنّ إقامته كانت بالقلعة وأمر بضرب الكوسات «1» فضربت، وبقى يطلب أن يطلع إليه أحد من الأمراء والمقدّمين فلم يجبه أحد؛ وكان قد أخرج صحبته الذهب فى الصّرر وبقى كلّ من جاء إليه يعطيه صرّة؛ فلم يجئ إليه إلّا أناس قليلون ما لهم مرتبة. وشرع كتبغا ومن معه فى حصار القلعة وقطعوا عنها الماء وبقوا ذلك اليوم محاصرين. فلمّا كان ثانى يوم نزلت البرجيّة من القلعة على حميّة وتلاقوا مع كتبغا وعساكره وصدموه صدمة كسروه فيها كسرة شنيعة وهزموه إلى بئر «2» البيضاء، وتوجّه كتبغا إلى جهة بلبيس «3» ؛ فلمّا سمعوا باقى الأمراء بذلك

ركب الأمير بدر الدين بيسرىّ المنصورىّ والأمير بدر الدين بكتاش الفخرىّ أمير سلاح وبقيّة العساكر المصريّة، وتوجهت الجميع إلى نصرة الأمير كتبغا وأصحابه، وقاتلوا المماليك البرجية حتّى كسروهم وردّوهم إلى أن أدخلوهم إلى قلعة الجبل؛ ثم جدّوا فى حصار القلعة ومن فيها، وعاد الأمير كتبغا وقد قوى عضده بخشداشيته والأمراء؛ ودام الحصار على القلعة إلى أن طلعت الستّ خوند والدة السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى أعلى السّور وكلّمتهم بأن قالت لهم: إيش هو غرضكم حتى إننا نفعله لكم؟ فقالوا: مالنا غرض إلّا مسك الشجاعىّ وإخماد الفتنة، ونحن لو بقيت بنت عمياء من بنات أستاذنا الملك المنصور قلاوون كنّا مماليكها لا سيما ولده الملك الناصر محمد حاضر وفيه كفاية. فلمّا علمت ذلك رجعت واتّفقت مع الأمير حسام الدين لاچين أستاذ الدار، وغلقوا باب القلّة «1» من القلعة وهى التى عليها المعتمد، وبقى الشجاعى بداره بالقلعة محصورا. فلمّا رآه أصحابه أنّه فى أنحس حال شرعوا فى النزول إلى عند الأمير كتبغا، فبقى جمع الشجاعىّ يقلّ وجمع كتبغا يكثر إلى يوم السبت رابع عشرين صفر ضجر الشجاعىّ وطلب الأمان فلم يوافقوه الأمراء؛ وطلع وقت صلاة الظهر «2» بعض الأمراء وجماعة من الخاصّكّية وفيهم آقوش «3» المنصورىّ إلى عند الشجاعى

يطلبونه إلى عند السلطان وإلى والدته [فى «1» ] صورة أنهم يريدون يستشيرونه فيما يعملون، فمشى معهم قليلا وتكاثروا عليه المماليك وجاء آقوش من ورائه وضربه بالسيف ضربة قطع بها يده، ثم بادره بضربة ثانية أبرى بها رأسه عن جسده، وأخذوا رأسه فى الحال ورفعوه على سور القلعة، ثم عادوا ونزلوا [به «2» ] إلى كتبغا ودقّوا البشائر وفتحوا باب القلّة، وأخذوا رأس الشجاعىّ وجعلوه على رمح وأعطوه للمشاعليّة فجبوا عليه مصر والقاهرة، فحصّل المشاعليّة مالا كثيرا لبغض الناس قاطبة فى الشجاعىّ؛ فقيل: إنهم كانوا يأخذون الرأس من المشاعليّة ويدخلونه بيتهم فتضربه النسوة بالمداسات لما فى نفوسهم منه. وسبب ذلك ما كان اشتمل عليه من الظلم ومصادراته للعالم وتنوّعه فى الظلم والعسف حسب ما يأتى ذكره فى الوفيات بأوسع من هذا. وأغلقت القاهرة خمسة أيام إلى أن طلع كتبغا إلى القلعة فى يوم الثلاثاء سابع عشرين صفر ودقّت البشائر وفتحت الأبواب وجدّدت الأيمان «3» والعهود للملك الناصر محمد بن قلاوون وأن يكون الأمير كتبغا نائب السلطنة. ولمّا تمّ ذلك قبض كتبغا على جماعة من الخاصّكيّة والبرجيّة المتّفقين مع الشجاعىّ، ثم أفرج عن جماعة من الأمراء كان قبض عليهم فى المخيم، وهم: الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير الذي تسلطن بعد ذلك على ما يأتى ذكره، والأمير سيف الدين برلغى، والأمير القمامىّ «4» وسيف الدين قبجق «5» المنصورىّ، والأمير بدر الدين

عبد الله، والأمير سيف الدين بورى «1» [السلاح دار] والأمير زين «2» الدين عمر، والأمير سيف الدين قرمشى «3» ، والأمير علاء الدين مغلطاى المسعودىّ وغيرهم. وأخذ الأمير زين الدين كتبغا وأعطى فى الملك وانفرد بتدبير الأمر ومشى مع الملك الناصر محمد مشى المملوك مع أستاذه. ثمّ بعث بتقليد نائب الشام على عادته، وهو الأمير أيبك الحموىّ. ثم بعد ذلك نزل السلطان الملك الناصر محمد بن قلعة الجبل فى موكب هائل بأبّهة السلطنة، وتوجّه إلى ظاهر القاهرة ثمّ عاد وشقّ القاهرة، ودخل من باب «4» النصر وخرج من باب «5» زويلة عائدا إلى القلعة، والأمراء مشاة بين يديه حتّى الأمير كتبغا، وكان ذلك فى يوم الأحد رابع عشرين «6» شهر رجب. ولمّا كان سابع عشرين شهر رمضان ظهر الأمير حسام الدين لاچين المنصورىّ من اختفائه واجتمع بالأمير كتبغا خفية،

فتكلّم كتبغا فى أمره مع الأمراء، فاتّفقوا على إظهار أمره لما رأوا فى ذلك من إصلاح الحال، فطيّب كتبغا خاطر الأمير حسام الدين لاچين ووعده أن يتكلّم فى أمره مع السلطان والمماليك الأشرفيّة. ولا زال كتبغا بالسلطان والحاشية حتى رضّاهم عليه وطيّب قلوبهم إلى أن كان يوم عيد الفطر، ظهر حسام الدين لاچين من دار كتبغا، وحضر السّماط وقبّل الأرض بين يدى السلطان الملك الناصر محمد، فخلع عليه السلطان وطيب قلبه، ولم يعاتبه بما فعل مع أخيه الملك الأشرف خليل مراعاة لخاطر كتبغا. ثم خلع عليه الأمير كتبغا أيضا، وحملت إليه الهدايا والتّحف من الأمراء وغيرهم؛ كلّ ذلك لأجل خاطر كتبغا. واصطلحت أيضا معه المماليك الأشرفيّة على ما فى نفوسهم منه من قتل أستاذهم بأمر كتبغا لهم وإلحاحه عليهم فى ذلك حتى قبلوا كلامه. وكانت مكافأة لاچين لكتبغا بعد هذا الإحسان كله بأن دبّر عليه حتّى أخذ الملك منه وتسلطن عوضه على ما يأتى ذكره وبيانه إن شاء الله تعالى. ثمّ خلع السلطان على الصاحب تاج «1» الدين محمد ابن الصاحب فخر «2» الدين محمد ابن الصاحب بهاء «3» الدين علىّ بن حنّا باستقراره فى الوزارة بالديار المصريّة. ثمّ استهلت سنة أربع وتسعين وستمائة والخليفة الحاكم بأمر الله أبو العبّاس أحمد. وسلطان مصر والشام الملك الناصر محمد بن قلاوون، ومدبّر مملكته الأمير كتبغا المنصورىّ. ولمّا كان عاشر المحرّم ثار جماعة من المماليك الأشرفيّة خليل فى الليل بمصر والقاهرة وعملوا عملا قبيحا وفتحوا أسواق السلاح بالقاهرة بعد حريق باب «4» السعادة، وأخذوا خيل السلطان وخرقوا ناموس الملك، وذلك كلّه بسبب

ظهور الأمير حسام الدين لاچين وعدم قتله؛ فإنّه كان ممّن باشر قتل أستاذهم الملك الأشرف خليل، فحماه الأمير كتبغا ورعاه، وأيضا قد بلغهم خلع أخى أستاذهم الملك الناصر محمد بن قلاوون من السلطنة وسلطنة كتبغا فتزايدت وحشتهم وترادفت عليهم الأمور، فاتّفقوا ووثبوا فلم ينتج أمرهم. فلمّا أصبح الصباح قبض عليهم الأمير كتبغا وقطع أيدى بعضهم وأرجلهم وكحّل البعض وقطع ألسنة آخرين وصلب جماعة منهم على باب زويلة؛ ثم فرّق بقيّة المماليك على الأمراء والمقدّمين، وكانوا فوق الثلاثمائة نفر وهرب الباقون؛ فطلب الأمير زين الدين كتبغا الخليفة والقضاة والأمراء وتكلّم معهم فى عدم أهليّة الملك الناصر محمد للسلطنة لصغر سنّه، وأنّ الأمور لابدّ لها من رجل كامل تخافه الجند والرعيّة وتقف عند أوامره ونواهيه. كلّ ذلك كان بتدبير لاچين فإنّه لمّا خرج من إخفائه علم أنّ المماليك الأشرفيّة لا بدّ لهم من أخذ ثار أستاذهم منه. وأيضا أنّه علم أنّ الملك الناصر محمد متى ترعرع وكبر لا يبقيه لكونه كان ممّن قتل أخاه الملك الأشرف خليلا، فلمّا تحقق ذلك أخذ يحسّن للأمير كتبغا السلطنة وخلع ابن استاذه الملك الناصر محمد بن قلاوون وسلطنته، وكتبغا يمتنع من ذلك فلا زال به لاچين حتّى حذّره وأخافه عاقبة ذلك، وقال له: متى كبر الملك الناصر لا يبقيك البتّة، ولا يبقى أحدا ممّن تعامل على قتل أخيه الملك الأشرف، وأنّ هؤلاء الأشرفيّة ما دام الملك الناصر محمد فى الملك شوكتهم قائمة، والمصلحة خلعه وسلطنتك. فمال كتبغا إلى كلامه، غير أنّه أهمل الأمر وأخذ فى تدبير ذلك على مهل. فلمّا وقع من الأشرفيّة ما وقع وثب وطلب الخليفة والقضاة حسب ما ذكرناه. ولمّا حضر الخليفة والقضاة واتّفق رأى الأمراء والجند على خلع السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون من الملك وسلطنة كتبغا هذا عوضه؛ فوقع ذلك وخلع الملك الناصر محمد من السلطنة وتسلطن كتبغا وجلس على تخت الملك

فى يوم خلع الملك الناصر، وهو يوم الخميس ثانى عشر المحرّم سنة أربع وتسعين وستمائة بعد واقعة المماليك الأشرفيّة بيومين، وأدخل الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى الدور بالقلعة، وأمره كتبغا بألّا يركب ولا يظهر. وكان عمره يوم خلع نحو العشر سنين. وكانت مدّة سلطنته فى هذه المرّة الأولى سنة واحدة إلا ثلاثة أيام أو أقلّ. ويأتى بقية ترجمته فى سلطنته الثانية والثالثة إن شاء الله تعالى. السنة «1» الأولى من سلطنة الملك الناصر محمد الأولى على مصر على أنّه لم يكن له من السلطنة فيها إلّا مجرّد الاسم فقط، وإنّما كان الأمر أوّلا للأمير علم الدين سنجر الشجاعى ثم للأمير كتبغا المنصورىّ، وهى سنة ثلاث وتسعين وستمائة، على أنّ الأشرف قتل فى أوائلها فى المحرّم حسب ما تقدّم ذكره. فيها توفّى الصاحب فخر الدين أبو العبّاس إبراهيم بن لقمان بن أحمد بن محمد الشّيبانىّ الإسعردىّ ثم المصرىّ، رئيس الموقّعين بالديار المصريّة، ثم الوزير بها ولى الوزارة مرّتين، وكان مشكور السّيرة قليل الظّلم كثير العدل والإحسان للرعيّة. وفى أيام وزارته سعى فى إبطال مظالم كثيرة، وكان يتولّى الوزارة بجامكيّة «2» الإنشاء، وعند ما يعزلونه من الوزارة يصبح يأخذ غلامه الحرمدان «3» خلفه، ويروح يقعد فى ديوان الإنشاء وكأنّه ما تغيّر عليه شىء، وكان أصله من العدن «4» من بلاد إسعرد وتدرّب فى الإنشاء بالصاحب بهاء الدين «5» زهير حتى برع فى الإنشاء وغيره.

قال الذهبىّ: رأيته شيخا بعمامة صغيرة وقد حدّث عن ابن رواح «1» وكتب عنه البرزالىّ «2» والطّلبة. انتهى. وكان ابن لقمان المذكور فاضلا ناظما ناثرا مترسّلا، ومات بالقاهرة فى جمادى الآخرة ودفن بالقرافة. ومن شعره: كن كيف شئت فإنّنى بك مغرم ... راض بما فعل الهوى المتحكّم ولئن كتمت عن الوشاة صبابتى ... بك فالجوانح بالهوى تتكلّم أشتاق من أهوى وأعجب أنّنى ... أشتاق من هو فى الفؤاد مخيّم يا من يصدّ عن المحبّ تدلّلا ... وإذا بكى وجدا غدا يتبسّم أسكنتك القلب الذي أحرقته ... فحذار من نار به تتضرّم وفيها قتل الأمير علم الدين سنجر بن عبد الله الشّجاعىّ المنصورىّ، كان من مماليك الملك المنصور قلاوون، وترقّى حتّى ولى شدّ الدواوين، ثم الوزارة بالديار المصريّة فى أوائل دولة الناصر، وساءت سيرتة وكثر ظلمه، ثم ولى نيابة دمشق فتلطّف بأهلها وقلّ شرّه، ودام بها سنين إلى أن عزل بالأمير عزّ الدين أيبك الحموىّ، وقدم إلى القاهرة. وكان موكبه يضاهى موكب السلطان من التجمّل، ومع ظلمه كان له ميل لأهل العلم وتعظيم الإسلام، وهو الذي كان مشدّ عمارة البيمارستان «3» المنصورىّ ببين القصرين «4» فتمّمه فى مدّة يسيرة، ونهض بهذا العمل العظيم وفرغ منه فى أيّام قليلة، وكان يستعمل فيه الصنّاع والفعول بالبندق حتّى لا يفوته من هو بعيد عنه فى أعلى سقالة كان. ويقال إنّه يوما وقع بعض الفعول من أعلى السقالة بجنبه فمات، فما اكترث سنجر هذا ولا تغيّر من مكانه وأمر بدفنه. ثم عمل الوزارة أيضا

فى أوائل دولة الناصر محمد بن قلاوون أكثر من شهر حسب ما تقدّم ذكره، وحدّثته نفسه بما فوق الوزارة، فكان فى ذلك حتفه وقتله حسب ما ذكرناه فى أوّل ترجمة الملك الناصر هذا، وفرح أهل مصر بقتله فرحا زائدا حتّى إنّه لمّا طافت المشاعليّة برأسه على بيوت الكتّاب القبط بلغت اللّطمة على وجهه بالمداس نصفا، والبولة عليه درهما، وحصّلوا المشاعليّة جملا من ذلك. قلت: وهذا غلط فاحش من المشاعليّة، قاتلهم الله! لو كان من الظلم ما كان هو خير من الأقباط النصارى. ولمّا كان على نيابة دمشق وسّع ميدانها أيّام الملك الأشرف، فقال الأديب علاء الدين الوداعىّ «1» فى ذلك: علم الأمير بأنّ سلطان الورى ... يأتى دمشق ويطلق الأموالا فلأجل ذا قد زاد فى ميدانها ... لتكون أوسع للجواد مجالا قال الصلاح الصّفدىّ: أخبرنى من لفظه شهاب الدين «2» بن فضل الله قال أخبرنى والدى عن قاضى القضاة نجم الدين ابن الشيخ شمس الدين شيخ الجبل قال: كنت ليلة نائما فاستيقظت وكأن من أنبهنى وأنا أحفظ كأنّما قد أنشدت ذلك: عند الشجاعىّ أنواع منوّعة ... من العذاب فلا ترحمه بالله لم تغن عنه ذنوب قد تحمّلها ... من العباد ولا مال ولا جاه قال: ثم جاءنا الخبر بقتله بعد أيام قلائل فكانت قتلته فى تلك الليلة التى أنشدت فيها الشعر. انتهى. قلت: وهذا من الغرائب. وقد ذكرنا من أحوال سنجر هذا فى تاريخنا المنهل الصافى نبذة كبيرة كونه كتاب تراجم وليس للإطناب لهؤلاء هنا محلّ. انتهى.

وفيها توفّى قتيلا الملك كيختو ملك التّتار قتله ابن أخيه بيدو «1» . قلت: وهنا نكتة غريبة لم يفطن إليها أحد من مؤرّخى تلك الأيام، وهى أنّ سلطان الديار المصرية الملك الأشرف خليل بن قلاوون قتله نائبه الأمير بيدرا، وملك التتار كيختو هذا أيضا قتله ابن أخيه بيدرا «2» ، وكلاهما فى سنة واحدة، وذاك فى الشرق وهذا فى الغرب. انتهى. وملك بعد كيختو بيدو المذكور الذي قتله. قلت: وكذلك وقع للأشرف خليل؛ فإن بيدرا ملك بعده يوما واحدا وتلقّب بالملك الأوحد. وعلى كلّ حال فإنّهما تشابها أيضا. انتهى. وكان بيدو الذي ولى أمر التّتار يميل إلى دين النّصرانيّة، وقيل إنه تنصّر، لعنه الله، ووقع له مع الملك غازان أمور يطول شرحها. وفيها قتل الوزير الصاحب شمس الدين محمد بن عثمان بن أبى الرجاء التّنوخىّ الدمشقىّ التاجر المعروف بابن السّلعوس. قال الشيخ صلاح الدين الصّفدى: كان فى شبيبته يسافر بالتجارة، وكان أشقر سمينا أبيض معتدل القامة فصيح العبارة حلو المنطق وافر الهيبة كامل الأدوات خليقا للوزارة تامّ الخبرة زائد الإعجاب عظيم التّيه، وكان جارا للصاحب تقىّ الدين البيّع «3» ، فصاحبه ورأى فيه الكفاءة فاخذ له حسبة دمشق، ثم توجّه إلى مصر وتوكّل للملك الأشرف خليل فى دولة أبيه، فجرى عليه نكبة من السلطان فشفع فيه مخدومه الأشرف خليل، وأطلقه من الاعتقال، وحج فتملّك الأشرف فى غيبته. وكان محبّا له فكتب إليه بين الأسطر: يا شقير، يا وجه الخير، قدّم السّير. فلمّا قدم وزره. وكان إذا ركب تمشى الأمراء الكبار فى خدمته. انتهى.

قلت: وكان فى أيام وزارته يقف الشجاعىّ المقدّم ذكره فى خدمته، فلمّا قتل مخدومه الملك الأشرف وهو بالإسكندريّة قدم القاهرة فطلب إلى القلعة فأنزله الشجاعىّ من القلعة ماشيا، ثم سلّمه من الغد إلى عدوّه الأمير بهاء الدين قراقوش [الظاهرىّ «1» ] مشدّ الصّحبة، قيل: إنّه ضربه ألفا ومائة مقرعة، ثم تداوله المسعودىّ «2» وغيره وأخذ منه أموالا كثيرة، ولا زال تحت العقوبة حتى مات فى صفر. ولما تولّى الوزارة كتب إليه بعض أحبّائه من الشام يحذّره من الشجاعىّ: تنبّه يا وزير الأرض واعلم ... بأنّك قد وطئت على الأفاعى وكن بالله معتصما فإنّى ... أخاف عليك من نهش الشجاعى فبلغ الشجاعىّ، فلما جرى ما جرى طلب أقاربه وأصحابه وصادرهم، فقيل له: عن الناظم، فقال: لا أوذيه فإنّه نصحه فىّ وما انتصح. وقد أوضحنا أمره فى المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى بأطول من هذا. انتهى. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى المقرئ شمس الدين محمد بن عبد العزيز الدّمياطىّ بدمشق فى صفر. وقاضى القضاة شهاب الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن خليل الخويّىّ «3» . والسلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل ابن قلاوون، فتكوا به فى المحرّم. ونائبه بيدرا قتل من الغد. ووزيره الصاحب شمس الدين محمد بن عثمان بن السّلعوس هلك تحت العذاب. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وسبع أصابع. وثبت إلى سادس عشر توت.

ما وقع من الحوادث سنة 694

[ما وقع من الحوادث سنة 694] ذكر سلطنة الملك العادل زين الدّين كتبغا على مصر هو السلطان الملك العادل زين الدين كتبغا بن عبد الله المنصورىّ التركىّ المغلىّ سلطان الديار المصريّة؛ جلس على تخت الملك بعد أن خلع ابن أستاذه الملك الناصر محمد بن قلاوون فى يوم الخميس ثانى عشر المحرّم سنة أربع وتسعين وستّمائة باتّفاق الأمراء على سلطنته. وهو السلطان العاشر من ملوك التّرك بالديار المصريّة، وأصله من التّتار من سبى وقعة حمص «1» الأولى التى كانت فى سنة تسع وخمسين وستمائة؛ فأخذه الملك المنصور قلاوون وأدّبه ثم أعتقه؛ وجعله من جملة مماليكه، ورقّاه حتّى صار من أكابر أمرائه، واستمرّ على ذلك فى الدولة الأشرفيّة خليل بن قلاوون إلى أن قتل، وتسلطن أخوه الملك الناصر محمد بن قلاوون فى سنة ثلاث وتسعين وأقام الناصر فى الملك إلى سنة أربع وتسعين «2» ووقع الاتفاق على خلعه وسلطنة كتبغا هذا، فتسلطن وتلقّب بالملك العادل، وسنّه يوم ذاك نحو الأربعين سنة، وقيل خمسين سنة. وقد تقدّم سبب خلع الملك الناصر محمد وسلطنة كتبغا هذا فى آخر ترجمة الملك الناصر محمد فلا حاجة فى الإعادة. وقال الشيخ شمس الدين بن الجزرىّ قال: حكى لى الشيخ أبو الكرم النّصرانىّ الكاتب، قال: لمّا فتح هولاكو حلب بالسيف ودمشق بالأمان طلب هولاكو نصير «3» الدين الطّوسىّ وكان فى صحبته، وقال له: اكتب أسماء مقدّمى عسكرى، وأبصر أيّهم يملك مصر، ويقعد على تخت الملك بها حتّى أقدّمه؟ قال: فحسب

نصير الدّين [أسماء «1» ] المقدّمين؛ فما ظهر له من الأسماء اسم من يملك الديار المصريّة غير اسم كتبغا. وكان كتبغا «2» صهر هولاكو، فقدّمه على العساكر فتوجّه بهم كتبغا فآنكسر على عين «3» جالوت «4» ، فتعجّب هولاكو من هذه الواقعة وظنّ أنّ نصير الدين قد غلط فى حسابه. وكان كتبغا هذا من جملة من كان فى عسكر هولاكو من التّتار ممّن لا يؤبه إليه من الأصاغر، وكسبه قلاوون فى الواقعة؛ فكان بين المدّة نحو من خمس وثلاثين سنة، حتّى قدّر الله تعالى بما قدّر من سلطنة كتبغا هذا. انتهى. ولمّا تمّ أمر كتبغا فى الملك وتسلطن مدّ سماطا عظيما وأحضر جميع الأمراء والمقدّمين والعسكر وأكلوا السّماط، ثم تقدّموا وقبّلوا الأرض ثم قبّلوا يده وهنّئوه بالسلطنة، وخلع على الأمير حسام الدين لا چين وولّاه نيابة السلطنة بالديار المصريّة، وولّى عز الدين الأفرم أمير جاندار، والأمير سيف الدين بهادر حاجب الحجّاب؛ ثم خلع على جميع الأمراء والمقدّمين ومن له عادة بلبس الخلع [عند «5» تولية الملك كما جرت العادة] . وفى يوم الخميس تاسع عشر المحرّم ركب جميع الأمراء والمقدّمين

وجميع من خلع عليه وأتوا إلى سوق «1» الخيل وترجّلوا وقبّلوا الأرض، ثم كتب بسلطنة الملك العادل إلى البلاد الشاميّة وغيرها. وزيّنت مصر والقاهرة لسلطنته. ولمّا كان يوم الأربعاء مستهلّ شهر ربيع الأوّل «2» ركب السلطان الملك العادل كتبغا بأبّهة السلطنة وشعار الملك من قلعة الجبل ونزل وسار إلى ظاهر القاهرة نحو قبّة «3» النصر، وعاد من باب النصر «4» وشقّ القاهرة حتّى خرج من باب زويلة عائدا إلى قلعة الجبل، كما جرت العادة بركوب الملوك. ولم تطل مدّة سلطنته حتى وقع الغلاء والفناء بالديار المصرية وأعمالها؛ ثمّ انتشر ذلك بالبلاد الشاميّة جميعها فى شوّال من هذه السنة، وارتفع سعر القمح حتّى بيع كلّ اردبّ بمائة وعشرين درهما بعد أن كان بخمسة وعشرين درهما الإردبّ، وهذا فى هذه السنة، وأما فى السنة الآتية التى هى سنة خمس وتسعين وستمائة فوصل سعر القمح إلى مائة وستين «5» درهما الإردبّ. وأمّا الموت فإنّه فشا بالقاهرة وكثر، فأحصى من مات بها وثبت اسمه فى ديوان [المواريث «6» ] فى ذى الحجّة فبلغوا سبعة عشر ألفا وخمسمائة. وهذا سوى من لم يرد اسمه فى ديوان المواريث من الغرباء والفقراء ومن لم يطلق من الديوان. ورحل جماعة كثيرة من أهل مصر عنها إلى الأقطار من عظم الغلاء وتخلخل «7» أمر الديار المصريّة. وفى هذه السنة حجّ الأمير أنس بن الملك العادل كتبغا صاحب الترجمة، وحجّت معه والدته وأكثر حرم السلطان، وحجّ بسببهم خلق كثير من نساء الأمراء

بتجمّل زائد، وحصل بهم رفق كبير لأهل مكّة والمدينة والمجاورين، وشكرت سيرة ولد السلطان أنس المذكور وبذل شيئا كثيرا لصاحب مكّة. ثم استهلّت سنة خمس وتسعين وستمائة وخليفة المسلمين الحاكم بأمر الله أبو العبّاس أحمد الهاشمىّ البغدادىّ العباسىّ. وسلطان الديار المصريّة والبلاد الشاميّة والشماليّة والفراتيّة والساحليّة الملك العادل زين الدين كتبغا المنصورىّ. ووزيره الصاحب فخر الدين عمر ابن الشيخ مجد الدين بن الخليلىّ. ونائب السلطنة بالديار المصريّة الأمير حسام الدين لاچين المنصورىّ. وصاحب مكّة، شرّفها الله تعالى، الشريف نجم الدين أبو نمىّ محمد «1» الحسنىّ المكّى. وصاحب المدينة النبويّة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، عزّ الدين جمّاز بن شيحة الحسينىّ. وصاحب اليمن ممهّد الدين عمر ابن الملك المظفّر شمس الدين يوسف ابن الملك المنصور عمر [بن «2» علىّ] بن رسول. وصاحب حماة بالبلاد الشاميّة الملك المظفّر تقىّ الدين محمود ابن الملك المنصور ناصر الدين محمد ابن الملك المظفّر تقىّ الدين محمود [ابن «3» الملك المنصور محمد بن تقي الدين عمر] بن شاهنشاه «4» بن أيّوب. وصاحب ماردين [الملك «5» السعيد شمس الدين داود ابن] الملك المظفّر فخر «6» الدين ألبى أرسلان ابن الملك السعيد شمس الدين قرا أرسلان بن أرتق الأرتقىّ. وصاحب الروم السلطان غياث الدين مسعود ابن السلطان عز الدين [كيكاوس «7» ] ابن السلطان

غياث الدين كيخسرو بن سلجوق السّلجوقى. وملك التّتار غازان ويقال قازان، وكلاهما يصحّ معناه، واسمه الحقيقىّ محمود بن أرغون بن أبغا بن هولاكو، وهو مظهر الإسلام وشعائر الإيمان. ونائب دمشق الأمير عزّ الدين أيبك الحموىّ المنصورىّ. وكان الموافق لأوّل هذه السنة عاشر «1» بابه أحد شهور القبط المسمّى بالرومىّ تشرين الأوّل. وقال الشيخ قطب الدين اليونينىّ: وفى العشر الأوّل من المحرّم حكى جماعة كثيرة من أهل دمشق واستفاض ذلك فى دمشق وكثر الحديث فيه عن قاضى جبّة «2» أعسال، وهى قرية من قرى دمشق، أنّه تكلّم ثور بقرية من قرى جبّة أعسال، وملخّصها: أنّ الثور خرج مع صبىّ يشرب ماء من هناك فلمّا فرغ حمد الله تعالى فتعجّب الصبى! وحكى لسيّده مالك الثور فشكّ فى قوله، وحضر فى اليوم الثانى بنفسه، فلمّا شرب الثور حمد الله تعالى؛ ثم فى اليوم الثالث حضر جماعة وسمعوه يحمد الله تعالى؛ فكلّمه بعضهم فقال الثور: «إنّ الله كان كتب على الأمّة سبع سنين جدبا، ولكن بشفاعة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أبدلها بالخصب، وذكر أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمره بتبليغ ذلك، وقال الثور: يا رسول الله ما علامة صدقى عندهم؟ قال: أن يموت عقب الإخبار. قال الحاكى لذلك: ثم تقدّم الثور على مكان عال فسقط ميتا، فأخذ الناس من شعره للتّبرّك، وكفّن ودفن. انتهى. قلت: وهذه الحكاية غريبة الوقوع والحاكى لها ثقة حجّة، وقد قال: إنّه استفاض ذلك بدمشق. انتهى.

وأمّا أمر الديار المصريّة فإنه عظم أمر الغلاء بها حتّى أكل بعضهم الميتات والكلاب، ومات خلق كثير بالجوع. والحكايات فى ذلك كثيرة، وانتشر الغلاء شرقا وغربا. وبينما السلطان الملك العادل كتبغا فيما هو فيه من أمر الغلاء ورد عليه الخبر فى صفر بأنّه قد وصل إلى الرّحبة «1» عسكر كثير نحو عشرة آلاف بيت من عسكر بيدو ملك التّتار طالبين الدخول فى الإسلام خوفا من السلطان غازان، ومقدّمهم أمير اسمه طرغاى «2» ، وهو زوج بنت هولاكو؛ فرسم الملك العادل إلى الأمير علم الدين سنجر [الدوادارى «3» ] بأن يسافر من دمشق إلى الرّحبة حتّى يتلقاهم، فخرج إليهم، ثم خرج بعده الأمير «4» سنقر الأعسر شادّ دواوين دمشق، ثم ندب الملك العادل أيضا الأمير قرا سنقر «5» المنصورىّ بالخروج من القاهرة، فخرج حتّى وصل إلى دمشق لتلقى المذكورين، ورسم له أن يحضر معه فى عوده إلى مصر جماعة من أعيانهم، فوصل قرا سنقر إلى دمشق وخرج لتلقّيهم، ثم عاد إلى دمشق فى يوم الاثنين ثالث عشرين شهر ربيع الأوّل، ومعه من أعيانهم مائة فارس وثلاثة عشر فارسا؛ وفرح الناس بهم وبإسلامهم وأنزلوهم بالقصر الأبلق من الميدان. وأمّا الأمير علم الدين سنجر الدّوادارى فبقى مع الباقين، وهم فوق عشرة آلاف ما بين رجل كبير وكهل وصغير وامرأة ومعهم ماشية كثيرة ورخت «6» عظيم، وأقام قرا سنقر بهم أيّاما، ثم سافر بهم إلى جهة الديار المصرية، وقدموا القاهرة فى آخر شهر ربيع الآخر، فأكرمهم السلطان الملك العادل كتبغا ورتّب لهم الرواتب.

ثمّ بدا للملك العادل كتبغا السفر إلى البلاد الشاميّة لأمر مقدّر اقتضاه رأيه، وأخذ فى تجهيز عساكره وتهيّأ للسفر، وخرج بجميع عساكره وأمرائه وخاصّكيته فى يوم السبت سابع عشر شوّال وسار حتّى دخل دمشق، فى يوم السبت خامس عشر ذى القعدة وخامس ساعة من النهار المذكور ودخل دمشق والأمير بدر الدين بيسرى حامل الجتر «1» على رأسه، ونائب سلطنته الأمير حسام الدين لاچين المنصورى ماشيا بين يديه، ووزيره الصاحب «2» فخر الدين بن الخليلىّ، واحتفل أهل دمشق لقدومه وزيّنت المدينة وفرح الناس به. ولمّا دخل الملك العادل إلى دمشق وأقام بها أيّاما عزل عنها نائبها الأمير عزّ الدين أيبك الحموىّ، وولّى عوضه فى نيابة دمشق مملوكه الأمير سيف الدين أغزلوا «3» العادلى وعمره نحو من اثنتين وثلاثين سنة، وأنعم على الأمير عزّ الدين أيبك الحموىّ بخبز أغزلو بمصر، وخرجا من عند السلطان وعليهما الخلع، هذا متولّ وهذا منفصل. ثم سافر السلطان الملك العادل من دمشق فى ثانى عشر ذى الحجّة بأكثر العسكر المصرىّ وبقيّة جيش الشام إلى جهة قرية جوسية «4» ، وهى ضيعة اشتراها له الصاحب شهاب الدين الحنفىّ فتوجّه إليها، ثم سافر منها فى تاسع عشر ذى الحجّة إلى حمص ونزل عند البحرة بالمرج «5» بعد ما أقام فى البريّة أيّاما لأجل الصيد، وحضر

إليه نوّاب البلاد الحلبيّة جميعها؛ ثم عاد إلى دمشق ودخلها بمن معه من العساكر ضحا نهار الأربعاء ثانى المحرّم من سنة ست وتسعين وستمائة. وأقام بدمشق إلى يوم الجمعة رابع المحرّم ركب السلطان الملك العادل المذكور بخواصّه وأمرائه إلى الجامع لصلاة الجمعة فحضر وصلّى بالمقصورة؛ وأخذ من الناس قصصهم حتى إنّه رأى شخصا بيده قصّة فتقدّم إليه بنفسه خطوات وأخذها منه؛ ولمّا جلس الملك العادل للصلاة بالمقصورة جلس عن يمينه الملك المظفّر تقىّ الدين محمود صاحب حماة، وتحته بدر الدّين «1» أمير سلاح، ثم من تحته نائب دمشق أغزلو العادلىّ؛ وعن يسار السلطان الشيخ حسن «2» بن الحريرى وأخواه، ثم نائب السلطنة لاچين المنصورىّ، ثم تحته نائب دمشق الأمير عزّ الدين أيبك الحموىّ (أعنى الذي عزل عن نيابة دمشق) ، ثم من تحته الأمير بدر الدين بيسرى، ثم قرا سنقر المنصورى، ثم الحاج بهادر «3» حاجب الحجّاب؛ ثم الأمراء على مراتبهم ميمنة وميسرة. فلمّا انقضت الصلاة خرج من الجامع والأمراء بين يديه والناس يبتهلون بالدعاء له، وأحبّه أهل دمشق وشكرت سيرته، وحمدت طريقته. ثم فى يوم الخميس سابع عشر المحرّم أمسك السلطان الأمير أسندمر «4» وقيّده وحبسه بالقلعة. وفى يوم الاثنين حادى عشرين المحرّم عزل السلطان الأمير شمس الدين سنقر الأعسر عن شدّ دواوين دمشق ورسم له بالسفر صحبة السلطان إلى مصر، وولّى عوضه فتح الدين «5» ابن صبرة.

ولمّا كان بكرة يوم الاثنين المذكور خرج السلطان الملك العادل من دمشق بعساكره وجيوشه نحو الديار المصريّة، وسار حتى نزل باللّجّون «1» بالقرب من وادى فحمة «2» فى بكرة يوم الاثنين ثامن عشرين المحرّم من سنة ست وتسعين، وكان الأمير حسام الدين لاچين المنصورىّ نائب السلطنة قد اتّفق مع الأمراء على الوثوب على السلطان الملك العادل كتبغا هذا والفتك به، فلم يقدر عليه لعظم شوكته؛ فدبّر أمرا آخر وهو أنّه ابتدأ أوّلا بالقبض على الأميرين: بتخاص وبكتوت الأزرق العادليين، وكانا شهمين شجاعين عزيزين عند أستاذهما الملك العادل المذكور، فركب لاچين بمن وافقه من الأمراء على حين غفلة وقبض على الأميرين المذكورين وقتلهما فى الحال، وقصد مخيّم السلطان فمنعه بعض مماليك السلطان قليلا وعوّقوه عن الوصول إلى الملك العادل. وكان العادل لمّا بلغه هذا الأمر علم أنّه لا قبل «3» له على قتال لاچين لعلمه بمن وافقه من الأمراء وغيرهم وخاف على نفسه، وركب من خيل النّوبة فرسا تسمّى حمامة وساق لقلّة سعده ولزوال ملكه راجعا إلى الشام، ولو أقام بمخيّمه لم يقدر لاچين على قتاله وأخذه، فما شاء الله كان! وساق حتى وصل إلى دمشق يوم الأربعاء آخر المحرّم قرب العصر، ومعه أربعة أو خمسة من

خواصّه. وكان وصل إلى دمشق يوم الأربعاء آخر المحرّم أوّل النهار أمير شكار السلطان، وأخبر نائب الشام بصورة الحال وهو مجروح، فتهيأ نائب الشام الأمير أغزلو العادلىّ واستعدّ وأحضر أمراء الشام عند السلطان ورسم بالاحتياط على نوّاب الأمير حسام الدين لاچين وعلى حواصله بدمشق، وندم الملك العادل على ما فعله مع لاچين هذا من الخير والمدافعة عنه، من كونه كان أحد من أعانه على قتل الأشرف، وعلى أنّه ولّاه نيابة السلطنة، وفى الجملة أنّه ندم حيث لا ينفعه الندم! وعلى رأى من قال:" أشبعتهم سبّا وفازوا بالإبل" ومثله أيضا قول القائل: من راقب الناس مات غمّا ... وفاز باللّذة الجسور ثم إنّ الملك العادل طلب قاضى قضاة دمشق بدر الدين «1» بن جماعة فحضر بين يدى السلطان هو وقاضى القضاة حسام «2» الدين الحنفىّ، وحضرا عند الملك العادل تجليف الأمراء والمقدّمين وتجديد المواثيق منهم، ووعدهم وطيّب قلوبهم. وأمّا الأمير حسام الدين لاچين فإنّه استولى على دهليز السلطان والخزائن والحرّاس والعساكر من غير ممانع، وتسلطن فى الطريق ولقّب بالملك المنصور حسام الدين لاچين، وتوجّه إلى نحو الديار المصريّة وملكها وتمّ أمره، وخطب له بمصر وأعمالها والقدس والساحل جميعه. وأمّا الملك العادل فإنّه أقام بقلعة دمشق هذه الأيّام كلّها لا يخرج منها، وأمّر جماعة بدمشق، وأطلق بعض المكوس بها، وقرئ بذلك توقيع يوم الجمعة سادس عشر صفر بعد صلاة الجمعة بالجامع. وبينما هو فى ذلك ورد الخبر على أهل دمشق بأنّ

مدينة صفد زيّنت لسلطنة لاچين ودقّ بها البشائر، وكذلك نابلس والكرك. فلمّا بلغ الملك العادل ذلك جهّز جماعة من عسكر دمشق مقدّمهم الأمير طقصبا الناصرىّ بكشف هذا الأمر وتحقيق الخبر، فتوجّهوا يوم الخميس ثانى عشرين صفر فعلموا بعد خروجهم فى النهار المذكور بدخول الملك المنصور لاچين إلى مصر وسلطنته، فرجعوا وعلموا عدم الفائدة فى توجّههم. ثم فى الغد من يوم الجمعة ثالث عشرين صفر ظهر الأمر بدمشق وانكشف الحال وجوهر الملك العادل كتبغا بذلك، وبلغه أنّه لمّا وصل العسكر إلى غزّة ركب الأمير حسام الدين لاچين فى دست السلطنة، وحمل البيسرى على رأسه الجتر وحلفوا له، ونعت بالملك المنصور. ثم فى يوم السبت رابع عشرين صفر وصل إلى دمشق الأمير كجكن «1» ومعه جماعة من الأمراء كانوا مجرّدين إلى الرّحبة، فلم يدخلوا دمشق بل توجّهوا إلى جهة ميدان الحصا، وأعلن الأمير كجكن أمر الملك المنصور لاچين، وعلم جيش دمشق بذلك، فخرج إليه طائفة بعد طائفة، وكان قبل ذلك قد توجّه أميران من أكابر أمراء دمشق إلى جهة الديار المصريّة. فلمّا تحقّق الملك العادل كتبغا بذلك وعلم انحلال أمره وزوال دولته بالكليّة أذعن بالطاعة لأمراء دمشق، وقال لهم: الملك المنصور لاچين خشداشى وأنا فى خدمته وطاعته، وحضر الأمير سيف الدين جاغان الحسامىّ إلى قلعة دمشق إلى عند الملك العادل كتبغا، فقال له كتبغا: أنا أجلس فى مكان بالقلعة حتّى نكاتب السلطان ونعتمد على ما يرسم به. فلمّا رأى الأمراء منه ذلك تفرّقوا وتوجّهوا إلى باب الميدان وحلفوا للملك المنصور لاچين وأرسلوا البريد إلى القاهرة بذلك، ثم احتفظوا بالقلعة وبالملك العادل كتبغا، ولبس عسكر دمشق آلة الحرب وسيّروا عامّة نهار السبت بظاهر دمشق وحول القلعة؛ والناس فى هرج

واختباط وأقوال مختلفة، وأبواب دمشق مغلّقة سوى باب النصر «1» ، وباب القلعة مغلّق فتح منه خوخته، واجتمع العامّة والناس من باب القلعة إلى باب النصر وظاهر البلد حتّى سقط منهم جماعة كثيرة فى الخندق فسلم جماعة وهلك دون العشرة، وأمسى الناس يوم السبت وقد أعلن باسم الملك المنصور لاچين لا يخفى أحد ذلك، وشرع [وقت «2» العصر فى] دقّ البشائر بالقلعة. ثم فى سحر يوم الأحد ذكره المؤذّنون بجامع دمشق، وتلوا قوله تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ ... إلى آخرها. وأظهروا اسم المنصور والدعاء له، ثم ذكره قارئ المصحف بعد صلاة الصبح بمقصورة جامع دمشق، ودقّت البشائر على أبواب جميع أمراء دمشق دقّا مزعجا، وأظهروا الفرح والسرور وأمر بتزين أسواق البلد جميعها فزيّنت مدينة دمشق، وفتحت دكاكين دمشق وأسواقها واشتغلوا بمعايشهم، وتعجّب الناس من تسليم الملك العادل كتبغا الأمر إلى الملك المنصور لاچين على هذا الوجه الهيّن من غير قتال ولا حرب مع ما كان معه من الأمراء والجند، ولو لم يكن معه إلّا مملوكه الأمير أغزلو العادلىّ نائب الشام لكفاه ذلك. على أنّ الملك المنصور لاچين كان أرسل فى الباطن عدّة مطالعات لأمراء دمشق وأهلها واستمال غالب أهل دمشق، فما أحوجه الملك العادل كتبغا لشىء من ذلك بل سلّم له الأمر على هذا الوجه الذي ذكرناه. خذلان من الله تعالى. وأمّا الأمير سيف الدين أغزلو العادلىّ مملوك الملك العادل كتبغا نائب الشام لمّا رأى ما وقع من أستاذه لم يسعه إلا الإذعان للملك المنصور وأظهر الفرح به

وخلف له. وقال: الملك المنصور لاچين- نصره الله- هو الذي كان عيّننى لنيابة دمشق، وأستاذى الملك العادل كتبغا استصغرنى فأنا نائيه. ثم سافر هو والأمير جاغان الحسامى إلى نحو الديار المصريّة. وأمّا لاچين فإنّه تسلطن يوم الجمعة عاشر صفر وركب يوم الخميس سادس عشر صفر وشقّ القاهرة وتمّ أمره. وأمّا الملك العادل كتبغا هذا فإنّه استمرّ بقلعة دمشق إلى أن عاد الأمير جاغان المنصورىّ الحسامىّ إلى دمشق فى يوم الاثنين حادى عشر شهر ربيع الأوّل، وطلع من الغد إلى قلعة دمشق ومعه الأمير الكبير حسام الدين الظاهرىّ أستاذ الدار فى الدولة المنصوريّة والأشرفيّة، والأمير سيف الدين كحكن، وحضر قاضى القضاة بدر الدين بن جماعة قاضى دمشق ودخلوا الجميع إلى الملك العادل كتبغا، فتكلّم معهم كلاما كثيرا بحيث إنّه طال المجلس كالعاتب عليهم، ثم إنّه حلف يمينا طويلة يقول فى أوّلها: أقول وأنا كتبغا المنصورىّ، ويكرّر اسم الله تعالى فى الحلف مرّة بعد مرّة، أنّه يرضى بالمكان الذي عيّنه له السلطان الملك المنصور حسام الدين لاچين ولا يكاتب ولا يسارر، وأنّه تحت الطاعة، وأنه خلع نفسه من الملك وأشياء كثيرة من هذا النّموذج، ثم خرجوا من عنده. وكان المكان الذي عيّنه له الملك المنصور لاچين قلعة صرخد، ولم يعيّن المكان المذكور فى اليمين. ثم ولّى الملك المنصور نيابة الشام للأمير قبجق المنصورىّ وعزل أغزلوا العادلىّ، فدخل قبجق إلى دمشق فى يوم السبت «1» سادس عشر شهر ربيع الأوّل، وتجهّز الملك العادل كتبغا وخرج من قلعة دمشق بأولاده وعياله ومماليكه

وتوجّه إلى صرخد فى ليلة الثلاثاء تاسع «1» عشر شهر ربيع الأوّل المذكور، وجرّدوا معه جماعة من الجيش نحو مائتى فارس إلى أن أوصلوه إلى صرخد. فكانت مدّة سلطنة الملك العادل كتبغا هذا على مصر سنتين وثمانية وعشرين يوما، وقيل سبعة عشر يوما، وتسلطن من بعده الملك المنصور حسام الدين لاچين حسب ما تقدّم ذكره. ثم كتب له الملك المنصور حسام الدين لاچين تقليدا بنيابة صرخد، فقبل الملك العادل ذلك وباشر نيابة صرخد سنين إلى أن نقله السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون فى سلطنته الثانية من نيابة صرخد إلى نيابة حماة. وصار من جملة نوّاب السلطنة، وكتب له عن السلطان كما يكتب لأمثاله من النوّاب، وسافر فى التجاريد فى خدمة نوّاب دمشق وحضر الجهاد؛ ولم يزل على نيابة حماة حتى مات بها فى ليلة الجمعة «2» يوم عيد الأضحى وهو فى سنّ الكهوليّة. ودفن بحماة، ثم نقل منها ودفن بتربته التى أنشأها بسفح جبل قاسيون دمشق غربىّ الرّباط الناصرى، وله عليها أوقاف. وكان ملكا خيّرا ديّنا عاقلا عادلا سليم الباطن شجاعا متواضعا، وكان يحبّ الفقهاء والعلماء والصلحاء ويكرمهم إكراما زائدا، وكان أسمر اللون قصيرا دقيق الصّدر قصير العنق، وكان له لحية صغيرة فى حنكه، أسر صغيرا من عسكر هولاكو. وكان لمّا ولى سلطنة مصر والشام تشاءم الناس به، وهو أنّ النيل قد بلغ فى تلك السنة ست عشرة ذراعا ثم هبط من ليلته فشرقت البلاد وأعقبه غلاء عظيم حتى أكل الناس الميتة. وقد تقدّم ذكر ذلك فى أوّل ترجمته. ومات الملك العادل

كتبغا المذكور بعد أن طال مرضه واسترخى حتى لم يبق له حركة. وترك عدّة أولاد. وتولّى نيابة حماة بعده الأمير بتخاص المنصورىّ نقل إليها من نيابة الشّوبك. وقد تقدّم التعريف بأحوال كتبغا هذا فى أوائل ترجمته وفى غيرها فيما مرّ ذكره. وأمر كتبغا هذا هو خرق العادة من كونه كان ولى سلطنة مصر أكثر من سنتين وصار له شوكة ومماليك وحاشية، ثم يخلع ويصير من جملة نوّاب السلطان بالبلاد الشاميّة؛ فهذا شىء لم يقع لغيره من الملوك. وأعجب من هذا أنّه لما قتل الملك المنصور لاچين وتحيّر أمراء مصر فيمن يولّونه السلطنة من بعده لم يتعرّض أحد لذكره ولا رشّح للعود البتّة حتى احتاجوا الأمراء وبعثوا خلف الملك الناصر محمد بن قلاوون من الكرك، وأتوا به وسلطنوه. قلت: وما أظنّ أنّ القلوب نفرت منه إلا لما رأوه من دنىء همّته عند ما خلع من السلطنة وتسليمه للامر من غير قتال ولا ممانعة، وكان يمكنه أن يدافع بكلّ ما تصل القدرة إليه ولو ذهبت روحه عزيزة غير ذليلة، وما أحسن قول عبد المطّلب جدّ نبيّنا محمد صلّى الله عليه وسلّم واسمه شيبة الحمد: لنا نفوس لنيل المجد عاشقة ... وإن تسلّت أسلناها على الأسل لا ينزل المجد إلّا فى منازلنا ... كالنّوم ليس له مأوى سوى المقل وقول عنترة أيضا: أروم من المعالى منتهاها ... ولا أرضى بمنزلة دنيّه فإمّا أن أشال على العوالى ... وإمّا أن توسّدنى المنيّه ويعجبنى المقالة الثامنة من تأليف العلّامة شرف الدين عبد المؤمن بن هبة الله الأصفهانى المعروف بشوروة فإنّ أوائلها تقارب ما نحن فيه، وهى:

رتبة الشرف، لا تنال بالتّرف «1» ؛ والسعادة أمر لا يدرك، إلا بعيش يفرك «2» ، وطيب يترك؛ ونوم يطرد، وصوم يسرد «3» ؛ وسرور عازب «4» ، وهمّ لازب «5» ؛ ومن عشق المعالى ألف الغمّ، ومن طلب اللآلئ ركب اليمّ؛ ومن قنص الحيتان «6» ورد النهر، ومن خطب الحصان «7» نقد المهر؛ كلّا أين أنت من المعالى! إنّ السّحوق «8» جبّار وأنت قاعد، والفيلق جرّار «9» وأنت واحد؛ العقل يناديك وأنت أصلخ «10» ، ويدنيك ويحول بينكما البرزخ؛ لقد أزف الرحيل فاستنفد جهدك، وأكثب «11» الصيد فضمّر فهدك؛ فالحذر يترصّد الانتهاز، والحازم يهيّئ أسباب الجهاز؛ تجرّع مرارة النوائب فى أيّام معدوده، لحلاوة معهودة غير محدوده؛ وإنما هى محنة بائده، تتلوها فائده؛ وكربة نافده، بعدها نعمة خالده، [وغنيمة «12» بارده] ؛ فلا تكرهنّ صبرا أو صابا «13» ، يغسل عنك أو صابا «14» ؛ ولا تشربنّ وردا يعقبك سقاما، ولا تشمّن وردا يورثك زكاما؛ [ما ألين «15» الرّيحان لولا وخز البهمى «16» ، وما أطيب الماذىّ لولا حمة «17» الحمى] ! فلا تهولنّك مرارات ذاقها عصبه، إنما يريد الله ليهديهم بها؛ ولا تروقنّك حلاوات نالها فرقه، إنما يريد الله ليعذّبهم بها. انتهى.

السنة الأولى من سلطنة الملك العادل كتبغا المنصورىّ على مصر، وهى سنة أربع وتسعين وستمائة. كان فيها الغلاء العظيم بسائر البلاد ولا سيّما مصر والشام، وكان بمصر مع الغلاء وباء عظيم أيضا وقاسى الناس شدائد فى هذه السنة واستسقى الناس بمصر من عظم الغلاء والفناء. وفيها أسلم ملك التّتار غازان وأسلم غالب جنده وعساكره، على ما حكى الشيخ علم الدين «1» البرزالىّ. وفيها توفّى السلطان الملك المظفّر شمس الدين أبو المحاسن يوسف ابن السلطان الملك المنصور نور الدين عمر بن علىّ بن رسول التّركمانىّ الأصل الغسّانىّ صاحب بلاد اليمن، مات فى شهر رجب بقلعة تعزّ «2» من بلاد اليمن، وقيل: اسم رسول محمد ابن هارون بن أبى الفتح بن نوحى بن رستم من ذرّيّة جبلة بن الأيهم، قيل: إنّ رسولا جدّ هؤلاء ملوك اليمن كان انضم لبعض الخلفاء العباسيّة، فاختصه بالرسالة إلى الشام وغيرها فعرف برسول، وغلب عليه ذلك. ثم انتقل من العراق إلى الشام ثم إلى مصر، وخدم هو وأولاده بعض بنى أيّوب، وهو مع ذلك له حاشية وخدم. ولمّا أرسل السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب أخاه الملك المعظّم توران شاه

إلى اليمن أرسل الملك المنصور عمر «1» والد صاحب الترجمة معه كالوزير له واستحلفه على المناصحة، فسار معه إلى اليمن. فلمّا ملك الملك المسعود أقسيس ابن الملك الكامل محمد بن أبى بكر بن أيّوب اليمن بعد توران شاه قرّب عمر المذكور وزاد فى تعظيمه وولّاه الحصون، ثمّ ولّاه مكة المشرفة ورتّب معه ثلثمائة فارس، وحصل بينه وبين صاحب مكة حسن بن قتادة وقعة انكسر فيها حسن ودخل المنصور مكة واستولى عليها، وعمّر بها المسجد «2» الذي اعتمرت منه عائشة أمّ المؤمنين رضى الله عنها فى سنة تسع عشرة وستمائة، ثم عمّر فى ولايته لمكة أيضا دار «3» أبى بكر الصدّيق، رضى الله عنه فى زقاق «4» الحجر فى سنة ثلاث وعشرين وستمائة، ثم استنابه الملك المسعود على اليمن لمّا توجّه إلى الديار المصرية، واستناب على صنعاء «5» أخاه بدر الدين حسن بن علىّ

ابن رسول. ولمّا عاد الملك المسعود إلى اليمن قبض على نور الدين هذا وعلى أخيه بدر الدين حسن المذكور وعلى أخيه فخر الدين وعلى شرف الدين موسى تخوّفا منهم لما ظهر من نجابتهم فى غيبته، وأرسلهم إلى الديار المصريّة محتفظا بهم خلا نور الدين عمر (أعنى الملك المنصور) فإنّه أطلقه من يومه لأنه كان يأنس إليه، ثم استحلفه وجعله أتابك عسكره؛ ثم استنابه الملك المسعود ثانيا لمّا توجّه إلى مصر، وقال له: إن متّ فأنت أولى بالملك من إخوتى لخدمتك لى، وإن عشت فأنت على حالك، وإياك أن تترك أحدا من أهلى يدخل اليمن، ولو جاءك الملك الكامل. ثم سار الملك المسعود إلى مكة فمات بها. فلما بلغ الملك المنصور ذلك استولى على ممالك اليمن بعد أمور وخطوب، واستوسق له الأمر، فكانت مدّة مملكته باليمن نيّفا على عشرين سنة. ومات بها فى ليلة السبت تاسع ذى القعدة سنة «1» سبع وأربعين وستمائة، وملك بعده ابنه الملك المظفّر يوسف هذا، وهو ثانى سلطان من بنى رسول باليمن؛ وأقام الملك المظفّر هذا فى الملك نحوا من ستّ وأربعين سنة. وكان ملكا عادلا عفيفا عن أموال الرعيّة، حسن السّيرة كثير العدل، وملك بعده ولده الأكبر الملك الأشرف ممهّد «2» الدّين عمر فلم يمكث الأشرف بعد أبيه إلا سنة «3» ومات، وملك أخوه الملك المؤيّد هزبر الدّين داود «4» . ومات الملك المظفّر هذا مسموما سمّته بعض جواريه. ومات وقد جاوز الثمانين. وخلّف من الأولاد الملك الأشرف الذي ولى بعده، والمؤيّد داود والواثق [إبراهيم «5» ] والمسعود [تاج الدين حسن «6» ] والمنصور [أيوب «7» ] . انتهى.

وفيها توفّى العلّامة جمال الدين أبو غانم محمد ابن الصاحب كمال الدين أبى القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله بن أحمد بن أبى جرادة الحلبىّ الحنفىّ المعروف بابن العديم. مات بمدينة حماة، وكان إماما فاضلا بارعا من بيت غلم ورياسة. وفيها قتل الأمير عساف «1» ابن الأمير أحمد بن حجّىّ أمير العرب من آل مرى، وكان أبوه أكبر عربان آل برمك، وكان يدّعى أنه من نسل البرامكة من العبّاسة أخت هارون الرشيد. وقد ذكرنا ذلك فى وفاة أبيه الأمير شهاب الدين أحمد. وفيها توفّى الأمير بدر الدين بكتوت بن عبد الله الفارسىّ الأتابكىّ، كان من خيار الأمراء وأكابرهم وأحسنهم سيرة. وفيها توفّى شيخ الحجاز وعالمه الشيخ محبّ الدين أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبى بكر بن محمد بن إبراهيم الطّبرىّ المكىّ الشافعىّ فقيه الحرم بمكة- شرفها الله تعالى- ومفتيه، ومولده فى سنة أربع عشرة وستّمائة بمكّة. وكانت وفاته فى ذى القعدة «2» . وقال البرزالىّ «3» : ولد بمكّة فى يوم الخميس السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وستمائة. قلت: ونشأ بمكّة وطلب العلم وسمع الكثير ورحل البلاد. وقال جمال الدين الإسنائىّ «4» : إنّه تفقّه بقوص «5» على الشيخ مجد الدين «6» القشيرىّ. انتهى.

وذكر نحو ذلك القطب «1» الحلبىّ فى تاريخ مصر، وحدّث وخرّج لنفسه أحاديث عوالى. قال أبو حيّان «2» : إنّه وقع له وهم فاحش فى القسم الأول وهو التّساعىّ، وهو إسقاط رجل من الإسناد حتى صار له الحديث تساعيّا فى ظنّه. انتهى. قلت: وقد استوعبنا سماعاته ومصنّفاته ومشايخه فى ترجمته من تاريخنا المنهل الصافى، والمستوفى بعد الوافى مستوفاة فى الكتاب المذكور. وكان له يد فى النظم، فمن ذلك قصيدته الحائيّة: ما لطرفى عن الجمال براح ... ولقلبى به غذا ورواح كلّ معنى يلوح فى كلّ حسن ... لى إليه تقلّب وارتياح ومنها: فيهم يعشق الجمال ويهوى ... ويشوق الحمى وتهوى الملاح وبهم يعذّب الغرام ويحلو ... ويطيب الثناء والامتداح لا تلم يا خلىّ قلبى فيهم ... ما على من هوى الملاح جناح ويح قلبى وويح طرفى إلى كم ... يكتم الحبّ والهوى فضّاح صاح عرّج على العقيق وبلّغ ... وقباب فيها الوجوه الصباح والقصيدة طويلة كلّها على هذا المنوال. وفيها توفّى سلطان إفريقيّة وابن سلطانها وأخو سلطانها عمر بن أبى زكريّا يحيى ابن عبد الواحد بن عمر الهنتاتىّ «3» الملقّب بالمستنصر بالله والمؤيّد به، وولى سلطنة

تونس «1» بعد وفاة أخيه إبراهيم فيما أظنّ، وقتل الدعىّ «2» الذي كان غلب عليها، وملك البلاد ودام فى الملك إلى أن مات فى ذى الحجّة. وكان عهد لولده عبد الله بالملك، فلمّا احتضر أشار عليه الشيخ أبو محمد المرجانى «3» بأن يخلعه لصغر سنّه فخلعه، وولّى ولد الواثق محمد بن يحيى بن محمد الملقّب بأبى عصيدة الآتى ذكر وفاته فى سنة تسع وسبعمائة. وكان المستنصر هذا ملكا عادلا حسن السيرة وفيه خبرة ونهضة وكفاية ودين وشجاعة وإقدام. رحمه الله تعالى. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الزاهد القدوة أبو الرجال بن مرى بمنين «4» فى المحرّم. وعزّ الدين أبو بكر محفوظ بن معتوق التاجر ابن البزورىّ «5» فى صفر. والإمام عزّ الدين أحمد بن إبراهيم بن الفاروثىّ «6» فى ذى الحجة.

وصاحب اليمن الملك المظفّر يوسف بن عمر فى رجب؛ وكانت دولته بضعا وأربعين سنة. وشيخ الحجاز محبّ الدين الطّبرىّ. وأبو الفهم «1» أحمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الحسينىّ النقيب فى المحرّم. والعلّامة تاج «2» الدين أبو عبد الله محمد بن عبد السلام بن المطهّر «3» بن أبى عصرون التميمى مدرّس الشاميّة «4» الصغرى فى ربيع الأوّل. ومحيى الدين عبد الرحيم بن عبد المنعم [بن خلف «5» بن عبد المنعم] بن الدّميرى فى المحرّم، وله تسعون سنة. والزاهد القدوة شرف الدين محمد بن عبد الملك «6» اليونينىّ المعروف بالأرزونى» . والزاهد المقرئ شرف الدين محمود بن محمد التّادفىّ «8» بقاسيون فى رجب. والعلّامة زين الدين [أبو البركات «9» ] المنجّا بن عثمان بن أسعد

ما وقع من الحوادث سنة 695

ابن المنجا الحنبلىّ فى شعبان، وله خمس وستون سنة. وقاضى القضاة شرف الدين الحسن بن عبد الله ابن الشيخ أبى عمر المقدسىّ الحنبلىّ. وناصر الدين نصر الله بن محمد بن عيّاش الحدّاد فى شوّال. والعدل كمال الدين عبد الله بن محمد [بن نصر «1» ] ابن قوام فى ذى القعدة. وأبو الغنائم بن محاسن الكفرابى. والمقرئ موفّق الدين محمد بن أبى العلاء [محمد «2» بن علىّ] ببعلبكّ «3» فى ذى الحجة. والمقرئ أبو القاسم عبد الرحمن ابن عبد الحليم سحنون «4» المالكىّ فى شوّال بالإسكندريّة. والعلّامة الصاحب محيى الدين محمد بن يعقوب [بن إبراهيم «5» بن هبة الله بن طارق بن سالم] بن النحّاس الحلبىّ الحنفى فى آخر السنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ذراع وأصابع. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا. وكان الوفاء فى سادس أيام النّسىء. [ما وقع من الحوادث سنة 695] السنة الثانية من ولاية الملك العادل كتبغا المنصورىّ على مصر، وهى سنة خمس وتسعين وستمائة.

فيها كان الغلاء العظيم بسائر البلاد، ولا سيّما مصر والشام؛ وكان بمصر مع الغلاء وباء عظيم أيضا، وقاسى الناس شدائد فى هذه السنة والماضية. وفيها ولى قضاء الديار المصريّة الشيخ تقىّ الدين «1» أبو الفتح محمد بن علىّ بن وهب ابن دقيق العيد بعد وفاة قاضى القضاة تقىّ الدين عبد الرحمن بن بنت الأعزّ. وفيها توفّى الملك السعيد شمس «2» الدين إيلغازى ابن الملك المظفّر [فخر «3» الدين قرا أرسلان] ابن الملك السعيد صاحب ماردين الأرتقىّ، ودفن بتربة جدّه أرتق، وتولّى بعده سلطنة ماردين أخوه الملك المنصور نجم الدين غازى. وكان مدّة مملكة الملك السعيد هذا على ماردين دون الثلاث سنين. وكان جوادا عادلا حسن السّيرة، رحمه الله تعالى. وفيها توفّى الأمير بدر الدين بيليك بن عبد الله المحسنىّ المعروف بأبى شامة بالقاهرة، وكان من أعيان الأمراء وأكابرهم، رحمه الله. وفيها توفى الأسعد بن السّديد القبطىّ الأسلمىّ الكاتب مستوفى الديار المصريّة والبلاد الشامية والجيوش جميعها المعروف بالماعز الديوانى «4» المشهور، وكان معروفا بالأمانة والخير، وكان نصرانيّا ثم أسلم فى دولة السلطان الملك الأشرف خليل ابن قلاوون. قال الشيخ صلاح الدين الصفدى- رحمه الله-: حكى لى القاضى شهاب الدين محمود رحمه الله قال: لمّا مرض المذكور توجّهنا إليه نعوده فوجدناه ضعيفا إلى الغاية، وقد وضعوا عنده أنواعا من الحلىّ والمصاغ المجوهر والعقود

وفيها العنبر الفائق وأنواع من الطّيب. ثم إنّه قال: ارفعوا هذا عنّى، وأسرّ إلى خادم كلاما؛ فمضى وأتى بحقّ ففتحه وأقبل يشمّه وقمنا من عنده ثم إنه مات، فسألنا ذلك الخادم فيما بعد: ما كان فى ذلك الحقّ؟ قال: شعرة من است الراهب الفلانىّ الذي كان له كذا كذا سنة ما لمس الماء ولا قربه. قال فأنشدت: ما يقبض الموت نفسا من نفوسهم ... إلّا وفى يده من نتنها عود وفيها توفّى الأمير عزّ الدين أيبك بن عبد الله الأفرم الكبير أمير جاندار الملك الظاهر والملك السعيد والملك المنصور قلاوون. فلمّا تسلطن الملك الأشرف خليل ابن قلاوون حبسه، وبعد قتل الأشرف خليل أخرجه أخوه الملك الناصر محمد ابن قلاوون وأعاده إلى مكانته؛ ثم استقرّ فى أيام الملك العادل كتبغا على حاله إلى أن مات بالقاهرة فى يوم السبت «1» سابع شهر ربيع الأوّل. قال القطب اليونينىّ: حكى لى الأمير سيف الدين بن المحفّدار قال: أوصى الأفرم عند موته أنه إذا توفّى يأخذون خيله يلبسونها أفخر مالها من العدّة، وكذلك جميع مماليكه وغلمانه يلبسونهم عدّة الحرب، وأن تضرب نوبة الطبلخاناه خلف جنازته، كما كان يطلع إلى الغزاة، وألّا يقلب له سنجق ولا يكسر له رمح، ففعلوا أولاده ما أمر به ما خلا الطبلخاناه، فإنّ نائب السلطنة حسام الدين لاچين منعهم من ذلك، وكانت جنازته حفلة حضرها السلطان ومن دونه. وكان ديّنا من وسائط الأخيار وأرباب المعروف. وكان يقال: إنه يدخل عليه من أملاكه وضماناته وإقطاعاته كلّ يوم ألف دينار خارج عن الغلال.

قلت: وهذا مستفاض بين الناس. وقصّة أولاده لمّا احتاجوا مع كثرة هذا المال إلى السؤال مشهورة. يقال إنه كان له ثمن الديار المصرية، وهو صاحب الرّباط «1» والجسر «2» على بركة الحبش «3» خارج القاهرة. قال الشيخ صلاح الدين الصّفدىّ: «كنت بالقاهرة وقد وقف أولاده وشكا عليهم أرباب الديون إلى السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، فقال السلطان: يا بشتك «4» ، هؤلاء أولاد الأفرم الكبير صاحب الأملاك والأموال، أبصر كيف حالهم! وما سببه إلا أنّ أباهم وكلهم «5» على أملاكهم فما بقيت، وأنا لأجل ذلك لا أدّخر لأولادى ملكا ولا مالا» . انتهى كلام الصّفدى. قلت: والعجيب أنه كان قليل الظلم كثير الخير، وغالب ما حصله من نوع المتاجر والمزروعات والمستأجرات، ومع هذا احتاج أولاده وذريته إلى السؤال.

وفيها توفّى قاضى القضاة بالديار المصريّة ورئيسها تقىّ الدين أبو القاسم عبد الرحمن ابن قاضى القضاه تاج الدين أبى محمد عبد الوهاب ابن القاضى الأعز أبى القاسم خلف [بن «1» محمود] بن بدر العلامىّ «2» الشافعى المصرىّ المعروف بابن بنت الأعز. مات يوم الخميس سادس عشر جمادى الأولى ودفن عند والده بالقرافة فى تربتهم وهو فى الكهولية. وكان فقيها بارعا شاعرا خيّرا ديّنا متواضعا كريما، تفقّه على والده وعلى ابن عبد السلام، وتولّى الوزارة والقضاء ومشيخة الشيوخ، وأضيف اليه تدريس الصلاحيّة «3» والشريفية «4» بالقاهرة والمشهد الحسينى «5» وخطابة الجامع الأزهر، وامتحن محنة شديدة فى أوّل الدولة الأشرفية وعمل على إتلافه بالكلّية، وذلك بسعاية الوزير ابن السّلعوس الدّمشقىّ. وقد استوعبنا أمره فى المنهل الصافى، ثم أعيد إلى القضاء بعد وفاة الأشرف، فلم تطل أيامه ومات.

ولمّا حج القاضى تقىّ الدين هذا وزار قبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنشد عند الحجرة [النبويّة «1» ] قصيدته التى مطلعها: الناس بين مرجّز ومقصّد ... ومطوّل فى مدحه ومجوّد ومخبّر عمّن روى ومعبّر ... عمّا رآه من العلا والسّودد وفيها توفّى الشيخ الإمام الأديب البارع المفتنّ سراج الدين أبو حفص عمر بن محمد ابن الحسين «2» المصرىّ المعروف بالسّراج الورّاق الشاعر المشهور. مولده فى العشر الأخير من شوّال سنة خمس عشرة وستمائة، ومات فى جمادى الأولى من هذه السنة ودفن بالقرافة. وكان إماما فاضلا أديبا مكثرا متصرّفا فى فنون البلاغة، وهو شاعر مصر فى زمانه بلا مدافعة. ومن شعره: فى خدّه ضلّ علم الناس واختلفوا ... أللشقائق أم للورد نسبته فذاك بالخال يقضى للشقيق وذا ... دليله أنّ ماء الورد ريقته وله: كم قطع الجود من لسان ... قلّد من نظمه النّحورا فهأنا شاعر سراج ... فاقطع لسانى أزدك نورا وله: لا تحجب الطّيف إنّى عنه محجوب ... لم يبق منى لفرط السّقم مطلوب ولا تثق بأنينى إنّ موعده ... بأن أعيش للقيا الطّيف مكذوب هذا وخدّك مخضوب يشاكله ... دمع يفيض على خدىّ مخضوب وليس للورد فى التشبيه رتبته ... وإنّما ذاك من معناه تقريب

وما عذارك ريحانا كما زعموا ... فات «1» الرياحين ذاك الحسن والطّيب تأوّد الغصن مهتزّا فأنبأنا ... أنّ الذي فيك خلق فيه مكسوب يا قاسى القلب لو أعداه رقّته ... جسم من الماء بالألحاظ مشروب أرحت سمعى وفى حبّيك من عذلى ... إذ أنت حب إلى العذّال محبوب وكان السّراج أشقر أزرق العين. وفى ذلك يقول عن نفسه: ومن رآنى والحمار مركبى ... وزرقتى للروم عرق قد ضرب قال وقد أبصر وجهى مقبلا ... لا فارس الخيل ولا وجه العرب أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وأربع أصابع. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة دراعا وإصبع. وكان الوفاء فى رابع عشرين «2» توت.

ما وقع من الحوادث سنة 696

[ما وقع من الحوادث سنة 696] ذكر سلطنة الملك المنصور لا چين على مصر هو السلطان الملك المنصور حسام الدين لاچين بن عبد الله المنصورىّ سلطان الديار المصرية، تسلطن بعد خلع الملك العادل كتبغا المنصورىّ كما تقدّم ذكره فى يوم الجمعة عاشر صفر من سنة ست وتسعين وستمائة. وأصل لا چين هذا مملوك للملك المنصور قلاوون اشتراه وربّاه وأعتقه ورقّاه إلى أن جعله من جملة مماليكه، فلمّا تسلطن أمّره وجعله نائبا بقلعة دمشق. فلما خرج الأمير سيف الدين سنقر الأشقر عن طاعة الملك المنصور قلاوون وتسلطن بدمشق وتلقّب بالملك الكامل وملك قلعة دمشق قبض على لا چين هذا وحبسه مدّة إلى أن انكسر سنقر الأشقر وملك الأمير علم الدين سنجر الحلبىّ دمشق أخرجه من محبسه، ودام لا چين بدمشق إلى أن ورد مرسوم الملك المنصور قلاوون باستقرار لاچين هذا فى نيابة دمشق دفعة واحدة؛ فوليها ودام بها إحدى عشرة سنة إلى أن عزله الملك الأشرف خليل بن قلاوون بالشّجاعىّ. ثم قبض عليه ثم أطلقه بعد أشهر، ثم قبض عليه ثانيا مع جماعة أمراء، وهم: الأمير سنقر الأشقر المقدّم ذكره الذي كان تسلطن بدمشق وتلقّب بالملك الكامل. والأمير ركن الدين طقصو الناصرىّ حمو لاچين هذا. والأمير سيف الدين جرمك الناصرىّ. والأمير بلبان الهارونىّ وغيرهم، فحنقوا الجميع وما بقى غير لاچين هذا، فقدّموه ووضعوا الوتر فى حلقه وجذب الوتر فانقطع، وكان الملك الأشرف حاضرا؛ فقال لاچين: ياخوند، إيش لى ذنب! ما لى ذنب إلا أنّ صهرى طقصوها هو قد هلك، وأنا أطلّق ابنته، فرقّ له خشداشيته وقبّلوا الأرض وسألوا السلطان فيه، وضمنوه فأطلقه وخلع عليه وأعطاه إمرة مائة فارس بالديار المصرية وجعله سلاح دار.

قلت: (يعنى جعله أمير سلاح) فإنّ أمير سلاح هو الذي يناول السلطان السلاح وغيره. قلت: لله درّ المتنبّى حيث يقول: لا تخدعنّك من عدوّك دمعة ... وارحم شبابك من عدوّ ترحم لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ... حتى يراق على جوانبه الدم وذلك أنّ لاچين لمّا خرج من الحبس وصار من جملة الأمراء خاف على نفسه، واتّفق مع الأمير بيدرا نائب السلطنة وغيره على قتل الأشرف حتى تمّ لهم ذلك حسب ما تقدّم ذكره فى ترجمة الملك الأشرف. ثمّ اختفى لاچين أشهرا إلى أن أصلح أمره الأمير كتبغا وأخرجه وخلع عليه الملك الناصر محمد بن قلاوون كما تقدّم وجعله على عادته. كلّ ذلك بسفارة «1» الأمير كتبغا. ثم لمّا تسلطن كتبغا جعله نائب سلطنته بل قسيم مملكته، واستمرّ لاچين على ذلك حتى سافر الملك العادل كتبغا إلى البلاد الشاميّة وأصلح أمورها وعاد إلى نحو الديار المصريّة، وسار حتى نزل بمنزلة اللّجون «2» ، اتّفق لاچين هذا مع جماعة من أكابر الأمراء على قتل الملك العادل كتبغا ووثبوا عليه بالمنزلة المذكورة، وقتلوا الأميرين: [سيف الدين «3» ] بتخاص وبكتوت الأزرق العادليين، وكانا من أكابر مماليك الملك العادل كتبغا وأمرائه، واختبط العسكر وبلع الملك العادل كتبغا ذلك ففاز بنفسه، وركب فى خمسة من خواصّه وتوجّه إلى دمشق. وقد حكينا ذلك كلّه فى ترجمة كتبغا. فاستولى عند ذلك لاچين على الخزائن

والدهليز وبرك «1» السلطنة، وساق الجميع أمامه إلى مدينة غزّة «2» . وبايعوه الأمراء بالسلطنة بعد شروط اشترطوها الأمراء عليه حسب ما يأتى ذكرها فى محلّه. وسار الجميع إلى نحو الديار المصريّة حتى دخلوها وملكوا القلعة بغير مدافع، وجلس لاچين هذا على كرسىّ المملكة فى يوم الجمعة المقدّم ذكره. وتم أمره وخلع على الأمراء بعدّة وظائف، وهم: الأمير شمس الدين قرا سنقر المنصورىّ بنيابة السلطنة بالديار المصريّة عوضا عن نفسه. وخلع على الأمير قبجق المنصورىّ بنيابة الشام عوضا عن الأمير أغزلوا «3» العادلى. وعلى عدّة أمراء أخر. ثم ركب الملك المنصور لاچين بعد ذلك من قلعة الجبل فى يوم الاثنين العشرين من صفر بأبّهة السلطنة وعليه الخلعة الخليفتيّة، وخرج إلى ظاهر القاهرة إلى جهة قبّة «4» النصر، ثم عاد من باب النصر وشقّ القاهرة إلى أن خرج من باب زويلة، والأمراء والعساكر بين يديه؛ وحمل الأمير بدر الدين بيسرى الجتر على رأسه وطلع إلى القلعة. وخلع أيضا على الأمراء وأرباب الوظائف على العادة. واستمرّ فى السلطنة وحسنت سيرته، وباشر الأمور بنفسه وأحبّه الناس لولا مملوكه منكوتمر، فإنّه كان صبيا مذموم السيرة. ولمّا

كان يوم الثلاثاء منتصف ذى القعدة من سنة ست وتسعين وستمائة قبض السلطان الملك المنصور لاچين على الأمير شمس الدين قرا سنقر المنصورىّ نائب السلطنة وحبسه، وولّى مملوكه منكوتمر المذكور نيابة السلطنة عوضه، فعظم ذلك على أكابر الأمراء فى الباطن. ثم بعد أيام ركب السلطان الملك المنصور لاچين ولعب الكرة بالميدان «1» فتقنطر به الفرس فوقع من عليه وتهشّم جميع بدنه وانكسرت يده وبعض أضلاعه ووهن عظمه وضعفت حركته، وبقى يعلّم عنه مملوكه ونائبه سيف الدين منكوتمر وأيس من نفسه. كلّ ذلك والأمراء راضون بما يفعله منكوتمر لأجل خاطره إلى أن منّ الله تعالى عليه بالعافية وركب، ولمّا ركب زيّنت له القاهرة ومصر والبلاد الشاميّة لعافيته، وفرح الناس بعافيته فرحا شديدا خصوصا الحرافيش «2» . فإنه لمّا ركب بعد عافيته قال له واحد من الحرافشة: يا قضيب الذهب، بالله أرنى يدك، فرفع إليه يده وهو ماسك المقرعة وضرب بها رقبة الحصان الذي تحته. وكان ركوبه فى حادى عشرين صفر من سنة سبع وتسعين وستمائة. ولمّا كان لعب الكرة وكبا به فرسه ووقع وانكسرت يده قال فيه الأديب شمس الدين محمد [المعروف بابن البيّاعة «3» ] : حويت بطشا وإحسانا ومعرفة ... وليس يحمل هذا كلّه الفرس ولمّا تعافى الملك المنصور لاچين قال فيه شمس الدين المذكور نثرا وهو: أسفر ثغر صباحه عن محيّا القمر الزاهر، وبطش الأسد الكاسر، وجود البحر الزاخر؛ فياله يوما

نال به الإسلام على شرفه شرفا، وأخذ كلّ مسلم من السرور العامّ طرفا؛ فملئت كلّ النفوس سرورا، وزيدت قلوب المؤمنين وأبصارهم ثباتا ونورا. ثم أنشد أبياتا منها: فمصر والشام كلّ الخير عمّهما ... وكلّ قطر علت فيه التّباشير فالكون مبتهج والخلق مبتسم ... والخير متّصل والدّين مجبور ومنها: وكيف لا وعدوّ الدّين منكسر ... بالله والملك المنصور منصور والشرك قد مات رعبا حيث صاح به التو ... حيد هذا حسام الدين مشهور ثم بعد ذلك بمدّة قبض السلطان على الأمير بدر الدين بيسرى، واحتاط على جميع موجوده فى سادس شهر ربيع الآخر. ثم جهّز السلطان الملك المنصور العساكر إلى البلاد الشاميّة لغزو سيس «1» وغيرها، وعليهم الأمير علم الدين سنجر الدّوادارى وغيره من الأمراء، وسارت العساكر من الديار المصرية إلى البلاد الشامية، وفتحت تلّ «2» حمدون وتلّ «3» باشر وقلعة «4» مرعش؛ وجاء الأمير علم الدين سنجر الدّوادارى حجر فى رجله عطّله عن الركوب فى أيّام الحصار. واستشهد الأمير علم الدين سنجر المعروف بطقصبا، وجرح جماعة كثيرة من العسكر والأمراء. ثم إنّ الملك المنصور قبض على الأمير عزّ الدين أيبك الحموىّ المعزول عن نيابة دمشق قبل تاريخه بمدّة

سنين وعلى الأمير سنقر شاه الظاهرى لأمر بلغه عنهما. ثم فى أواخر صفر أخرج السلطان الملك المنصور لاچين الملك الناصر محمد بن قلاون من الديار المصريّة إلى الكرك ليقيم بها، وفى خدمته الأمير جمال الدين آقوش أستاذ دار الملك المنصور، فنزل الملك الناصر محمد بحواشيه من قلعة الجبل، وسافر حتى وصل إلى الكرك. ثم بدا للسلطان الملك المنصور هذا أن يعمل الرّوك «1» بالديار المصريّة وهو الروك الحسامىّ. فلمّا كان يوم سادس جمادى الأولى من سنة سبع «2» وتسعين وستمائة ابتدأ عمل الروك والشروع فيه فى إقطاعات «3» الأمراء وأخباز الحلقة والأجناد وجميع

عساكر الديار المصريّة، واستمرّوا فى عمله إلى يوم الاثنين ثامن «1» شهر رجب من سنة سبع وتسعين وستمائة، وفرّقت المثالات «2» على الأمراء والمقدّمين. وفى اليوم العاشر شرع نائب السلطنة الأمير سيف الدين منكوتمر فى تفرقة المثالات على الحلقة والبحريّة ومماليك السلطان وغير ذلك، فكان كلّ من وقع له مثال لا سبيل له إلى المراجعة فيه، فمن الجند من سعد ومنهم من شقى، وأفرد للخاصّ «3» أعمال الجيزيّة «4» بتمامها وكمالها، ونواحى الصّفقة الإتفيحيّة «5» وثغر دمياط «6» والإسكندريّة «7» ونواحى معيّنة من البلاد القبليّة والبحريّة، وعيّن لمنكوتمر من النّواحى ما اختاره لنفسه وأصحابه؛ وكان الحكم فى التعيين لدواوين منكوتمر، والاختيار لهم فى التفرقة. وكان الذي باشر هذا الرّوك وعمله من الأمراء الأمير بدر الدين بيليك «8» الفارسىّ الحاجب والأمير بهاء الدين قراقوش الطّواشىّ «9» الظّاهرىّ.

وقال الشيخ صلاح الدين الصفدىّ: وكان مدّة عمل الرّوك ثمانية أشهر إلا أيّاما قلائل. ثم تقنطر السلطان الملك المنصور لاچين عن فرسه فى لعب الكرة. انتهى كلام الصّفدىّ. وقال القطب اليونينىّ: حكى بعض كتّاب الجيش بالديار المصريّة فى سنة سبعمائة قال لى: أخدم فى ديوان الجيش بالديار المصريّة أربعين سنة، قال: والديار المصريّة أربعة وعشرون قيراطا، منها: أربعة قراريط للسلطان ولما يطلقه وللكلف والرواتب وغير ذلك، ومنها عشرة للأمراء والإطلاقات والزيادات، ومنها عشرة قراريط للحلقة. قال: وذكروا للسلطان ولمنكوتمر أنّهم يكفون الأمراء والجند بأحد عشر قيراطا «1» ، يستخدم عليها حلقة بمقدار الجيش، فشرعوا فى ذلك وطلبونا وطلبوا الكتّاب الجياد فى هذه الصّناعة، فكفينا الأمراء والجند بعشرة قراريط، وزدنا الذين تضرّروا قيراطا فبقى تسعة، فاتّفق قتل السلطان ومنكوتمر. وكان فى قلوب الأمراء من ذلك همّ عظيم، فأنعم على كلّ أمير ببلد وبلدين من تلك التسعة قراريط، وبقى الجيش ضعيفا ليس له قوّة. وكانت التسعة قراريط التى بقيت خيرا من الأحد عشر قيراطا المقطعة. قلت: يعنى أنّ هذا خارج عن الأربعة قراريط التى هى برسم السلطان خاصّة. انتهى. وقيل فى الرّوك وجه آخر؛ قال: لمّا كان فى ذى الحجّة سنة سبع وتسعين وستّمائة قصد السلطان الملك المنصور حسام الدين لاچين المنصورىّ أن يروك البلاد المصريّة وينظر فى أمور عساكر مصر، فتقدّم التاج «2» الطويل مستوفى الدولة

بجمع الدواوين لعمل أوراق بعبرة «1» إقطاع الأمراء والجند وقانون البلاد، وندب الأمير بهاء الدين قراقوش الظّاهرىّ والأمير بدر الدين بيليك الفارسىّ الحاجب، فجمع سائر الكتّاب لذلك؛ وأخذوا فى عمله فلم يحكموا العمل، وذلك أنّهم عمدوا إلى الإقطاعات الثقيلة المتحصّلة من إقطاعات الأمراء والجند، وأبدلوها بإقطاعات دونها فى العبرة والمتحصّل، وأصلحوا ما كان من الإقطاعات ضعيفا، وأفرد للعسكر بأجمعه أربعة عشر قيراطا، وللسلطان أربعة قراريط، وأرصد لمن عساه يتضرّر من الأمراء والجند ويشكو قلّة المتحصّل قيراطان، فتمّ بذلك عشرون قيراطا. وقتل الملك المنصور لاچين ولم يستخدم أحدا وأوقف برسم عسكر أخر يستجدّ أربعة قراريط. وأفرد لخاصّ السلطان الجيزيّة والإتفيحيّة ومنفلوط «2» وهو «3» والكوم «4» الأحمر ومرج «5»

بنى هميم وحرجة «1» سمطا، واتفو «2» (أدفو) بأعمال قوص «3» وإسكندريّة ودمياط، وأفرد لمنكوتمر مملوكه نائب السلطنة من الجهات ما لم يكن لنائب قبله، وهو عبرة نيّف عن مائة «4» ألف دينار. فلمّا فرغت الأوراق على ما ذكرنا جلس السلطان الملك المنصور لاچين لتفرفة المثالات على الأمراء والمقدّمين فأخذوها وهم غير راضين بذلك، وتبيّن للسلطان من وجوه الأمراء الكراهة، فأراد زيادة العبرة فى الإقطاعات فمنعه «5» نائبه منكوتمر من ذلك وحذّره فتح هذا الباب، فإنّه يخشى أن يعجز السلطان عن سدّه، وتكفّل له منكوتمر بإتمام العرض فيما قد عمل برسم السلطان. [و] «6» ] لمن كان له تعلّق فى هذا العمل من الأمراء وغيرهم أن يرفعوا شكايتهم إلى النائب؛ وتصدّى منكوتمر لتفرقة إقطاعات أجناد الحلقة، فجلس فى شبّاك النيابة بالقلعة ووقف الحجّاب بين يديه، وأعطى لكلّ تقدمة مثالاتها فتناولوها على كره منهم، وخافوا أن يكلّموا منكوتمر لسوء خلقه وسرعة بطشه؛ وتمادى الحال على ذلك عدّة أيام. وكانت أجناد الحلقة قد تناقصت أحوالهم عن أيّام الملك المنصور قلاوون، فإنّهم كانوا على أنّ أقل عبرة الإقطاعات وأضعف متحصّلاتها عشرة آلاف درهم وما فوق ذلك إلى ثلاثين ألف درهم وهى أعلاها، فرجع الأمر فى هذا الرّوك إلى أن استقرّ أكثر الإقطاعات عشرين ألفا إلى ما دونها؛ فقلّ لذلك رزق الأجناد؛ فإنّه صار من كان متحصّله

عشرين ألفا رجع إلى عشرة آلاف، ومن كان عبرة إقطاعه عشرة آلاف بقيت خمسة آلاف، فشقّ ذلك على الجند ولم يرضوه إلّا أنهم خشوا التنكيل من منكوتمر؛ وكانت فيهم بقيّة من أهل القوّة والشجاعة، فتقدّموا إلى النائب منكوتمر وألقوا مثالاتهم، وقالوا: إنّا لا نعتد قطّ بمثل هذه الإقطاعات، ونحن إمّا أن نخدم الأمراء وإلّا بطّلنا، فعظم قولهم على النائب وأغضبه، وأمر الحجّاب بضربهم وساقهم الى السجن؛ فشفع فيهم الأمراء فلم يقبل شفاعتهم، وأقبل منكوتمر على من حضر من الأمراء والمقدّمين وغيرهم فأوسعهم سبّا وملأهم تقريعا وتعنيفا حتّى وغّر صدورهم وغيّر نيّاتهم فانصرفوا، وقد عوّلوا على عمل الفتنة؛ وبلغ السلطان ذلك فعنّف منكوتمر ولامه وأخرج الأجناد من السجن بعد أيام. وكان عمل هذا الرّوك وتفرقته من أكبر الأسباب وأعظمهما فى فتك الأمراء بالسلطان الملك المنصور لاچين وقتله وقتل نائبه منكوتمر المذكور. على ما سيأتى ذكره. وكان هذا الرّوك أيضا سببا كبيرا فى إضعاف الجند بديار مصر وإتلافهم، فإنه لم يعمل فيه عمل طائل ولا حصل لأحد منهم زيادة يرضاها، وإنما توفّر من البلاد جزء كبير. فلمّا قتل الملك المنصور لاچين تقسّمها الأمراء زيادة على ما كان بيدهم. انتهى. ثم إنّ السلطان الملك المنصور لاچين جهّز الأمير جمال الدين آقوش الأفرم الصغير والأمير سيف الدين حمدان [بن سلغيه «1» ] إلى البلاد الشاميّة، وعلى أيديهم مراسيم شريفة بخروج العساكر الشامية، وخروج نائب الشام الأمير قبجق المنصورىّ بجميع أمراء دمشق حتى حواشى الأمير أرجواش نائب قلعة دمشق،

فوصلوا إلى دمشق وألحوّا «1» فى خروج العسكر ونوّهوا بأنّ التّتار قاصدون البلاد، فخرج نائب الشام بعساكر دمشق فى ليلة الخميس رابع عشر المحرّم من سنة ثمان وتسعين وستمائة. ووقع لقبجق نائب الشام المذكور فى هذه السّفرة أمور أوجبت عصيانه وخروجه من البلاد الحلبيّة بمن معه من الأمراء ومماليكه إلى غازان ملك التّتار. وكان الذي توجّه معه من أكابر الأمراء: بكتمر «2» السّلاح دار وألبكى «3» وبيغار «4» وغيرهم فى جمع كثير، وكان خروجهم فى ليلة الثلاثاء ثامن شهر ربيع الآخر. وسبب خروج قبجق عن الطاعة وتوجّهه أنه كان ورد عليه «5» مرسوم السلطان بالقبض على هؤلاء الأمراء المذكورين وغيرهم، ففطن الأمراء بذلك فهرب منهم من هرب وبقى هؤلاء، فجاءوا إلى قبجق وهو نازل على حمص، فطلبوا منه أمانا فأمّنهم وحلف لهم، وبعث قبجق إلى السلطان يطلب منه أمانا لهم فأبطأ عليه الأمان، ثم خشّن عليه بعض أكابر أمراء دمشق فى القول بسببهم فعلم قبجق أنّ ذلك الكلام من قبل السلطان فغضب، وخرج على حميّة وتبعه الأمير عز الدين بن صبرا، والملك الأوحد [ابن الزاهر «6» ] وجماعة من مشايخ الأمراء يسترضونه فلم يرجع؛ وركب هو ومن معه من حواشيه ومن الأمراء

المذكورين وسار حتى وصل ماردين «1» ، والتقى مع مقدم التّتار فخدمهم مقدّم التتار، وأخذهم وتوجّه بأطلاب التتار وعساكره إلى أن وصلوا إلى غازان ملك التتار وهو نازل بأرض السّيب «2» من أعمال واسط «3» . فلمّا قدم قبجق ومن معه على غازان سرّ بهم وأكرمهم ووعدهم ومنّاهم وأعطى لكلّ أمير عشرة آلاف دينار، ولكل مملوك مائة دينار، وللمماليك الصّغار مع الرّكبدارية «4» خمسين دينارا، وكلّ دينار من هذه الدنانير

صرفه باثنى عشر درهما؛ ثم أقطع الأمير قبجق المذكور مدينة همذان «1» وأعمالها، فلم يقبل قبجق واعتذر أن ليس له قصد إلّا أن يكون فى صحبة السلطان الملك غازان ليرى وجهه فى كلّ وقت! فأجابه غازان إلى ما سأله وأعجبه ذلك منه. وكان لمّا خرج قبجق من حمص إلى جهة التتار، وبلغ أمراء دمشق ذلك خرج فى طلبه الأمير كجكن والأمير أيدغدى شقير بمماليكهم ومعهم أيضا جماعة من عسكر الشام، فوجدوه قد قطع الفرات ولحقوا بعض ثقله. وعند وصول قبجق ومن معه إلى غازان بلغه قتل السلطان الملك المنصور لاچين بالديار المصرية وكان خبر قتل السلطان أيضا بلغ الأمير كجكن والأمير أيدغدى لمّا خرجوا فى أثر قبجق فآنحلّت عزائمهم عن اللّحوق بقبجق ورجعوا عنه وإلا كانوا لحقوه وقاتلوه. وأمّا أمر السلطان الملك المنصور حسام الدين لاچين صاحب الترجمة فإنه لمّا أخذ فى قبض من استوحش منهم من الأمراء وغيرهم، وزاد فى ذلك بإشارة مملوكه منكوتمر، استوحش الناس منه ونفرت قلوبهم وأجمعوا على عمل فتنة. ثم فوّض لمملوكه منكوتمر جميع أمور المملكة فاستبدّ منكوتمر بوظائف الملك ومهمّاته. وانتهى حال أستاذه الملك المنصور معه إلى أن صار إذا رسم الملك المنصور لاچين مرسوما أو كتب لأحد توقيعا وليس هو بإشارة منكوتمر يأخذه منكوتمر من يد المعطى له ويمزّقه فى الملأ، ويردّه ويمنع أستاذه منه؛ فعند ذلك استثقل الأمراء وطأة منكوتمر وعلموا أن أستاذه الملك المنصور لا يسمع فيه كلام متكلّم، فعملوا على قتل أستاذه الملك المنصور لاچين.

قلت: الولد الخبيث يكون سببا لاستجلاب اللّعنة لوالده! انتهى: وقال الأمير بيبرس الدّوادار فى تاريخه: وكان سبب قتل لاچين أمور، منها: أنّه لمّا أراد أن يتسلطن جاءه جماعة من الأمراء واشترطوا عليه شروطا فالتزمها لاچين، منها أنه يكون كأحدهم ولا ينفرد برأى عنهم، ولا يسلّط يد أحد من مماليكه فيهم. وكان الأعيان الحاضرون فى هذه المشورة، والمتفقون على هذه الصورة: الأمير بدر الدين بيسرى الشمسىّ. والأمير قرا سنقر المنصورىّ. والأمير سيف الدين قبجق. والأمير الحاج بهادر أمير حاجب الحجّاب. والأمير كرت «1» . والأمير حسام الدين لاچين السّلاح دار الرومى الأستادار. والأمير بدر الدين بكتاش الفخرىّ أمير سلاح. والأمير عز الدين أيبك الخازندار. والأمير جمال الدين آقوش الموصلى. والأمير مبارز الدين أمير شكار. والأمير بكتمر السّلاح دار. والأمير سيف الدين سلّار «2» . والأمير طغجى. والأمير كرجى. والأمير طقطاى. والأمير برلطاى وغيرهم. ولمّا حلف لهم الملك المنصور لاچين على ما شرطوا قال الأمير سيف الدين قبجق: نخشى أنّك إذا جلست فى المنصب تنسى هذا التقرير وتقدّم الصغير من مماليكك على الكبير، وتفوّض لمملوك منكوتمر فى التحكم والتدبير، فتنصّل لاچين من ذلك، وكرّر لاچين الحلف أنّه لا يفعل، فعند ذلك حلفوا له. ورحلوا نحو الديار المصريّة (يعنى أنّ ذلك كان بعد هروب الملك العادل كتبغا وعند دخول لاچين إلى غزّة) فوقّع هذه الشروط كلّها بمدينة غزّة. انتهى.

قال بيبرس: فلمّا تسلطن رتّب الأمير شمس الدين قرا سنقر المنصورىّ نائبا. والأمير الحاجّ بهادر حاجبا على عادته. والأمير سلّار أستادارا. والأمير بكتمر السّلاح دار أمير آخور. واستقرّ بالصاحب فخر الدين بن الخليلى فى الوزارة؛ ورتّب الأمير قبجق نائب الشام، ثم بعد مدّة أفرج عن الأمير برلغى فأعطاه إقطاعا بدمشق. ثم أفرج عن الأمير بيبرس الجاشنكير وجماعة من الأمراء، وأعطى بيبرس الجاشنكير إمرة بالقاهرة. قلت: وبيبرس هذا هو الذي تسلطن فيما بعد حسب ما يأتى ذكره. ثم برز مرسومه باستقرار الملك العادل كتبغا فى نيابة صرخد، وكتب له بها منشورا. انتهى كلام بيبرس باختصار، لأنه خرج فى سياق الكلام إلى غير ما نحن بصدده. وقال غيره: ولمّا تسلطن لاچين وثبتت قدمه ورسخت نسى الشروط وقبض على أكابر خشداشيته من أعيان أمراء مصر وأماثلهم، مثل: الأمير قرا سنقر والبيسرى وبكتمر السّلاح دار وغيرهم، وولّى مملوكه منكوتمر نيابة السلطنة بل صار منكوتمر هو المتصرّف فى الممالك. فعند ذلك نفرت قلوب الأمراء والجند من الملك المنصور لاچين ودبرّوا عليه، واستوحش هو أيضا منهم واحترز على نفسه، وقلّل «1» من الركوب ولزم القعاد بقلعة الجبل متخوّفا؛ وكان كرجى خصيصا به وهو أحد من كان أعانه على السلطنة، فقدّمه لاچين لمّا تسلطن على المماليك السلطانية، فكان يتحدّث فى أشغالهم ويدخل للسلطان من أراد، لا يحجبه عنه حاجب؛ فحسده منكوتمر مع ما هو فيه من الحلّ والعقد فى المملكة؛ وسعى فى إبعاد كرجى عن السلطان الملك المنصور لاچين. فلمّا ورد البريد يخبر بأمر القلاع التى فتحها عسكر السلطان

ببلاد الأرمن حسن منكوتمر إلى السلطان أن يرسل كرجى المذكور إليها نائبا ليقيم فيها، فوافقه السلطان على ذلك، وكلّم كرجى فاستعفى كرجى من ذلك فأعفاه السلطان بعد أمور فكمن كرجى فى نفسه. ثم أخذ مع هذا منكوتمر يغلظ على المماليك السلطانية وعلى الأمراء الكبار فى الكلام، فعظم ذلك عليهم وتشاكوا فيما بينهم من منكوتمر، وقالوا: هذا متى طالت مدّته أخذنا واحدا بعد واحد، وأستاذه مرتبط به، ولا يمكن الوثوب عليه أيّام أستاذه، فلم يجدوا بدّا من قتل أستاذه الملك المنصور لاچين قبله، ثم يقتلونه بعده، واتفقوا على ذلك. قال الشيخ مجد الدين الحرمىّ وكيل بيت المال: كان الملك المنصور لاچين متزوّجا ببنت الملك الظاهر بيبرس، وكانت ديّنة عفيفة، فحكت أنها رأت فى المنام، ليلة الخميس قبل قتل السلطان بليلة واحدة، كأنّ السلطان جالس فى المكان الذي قتل فيه، وكأنّ عدّة غربان سود على أعلى المكان، وقد نزل منهم غراب فضرب عمامة السلطان فرماها عن رأسه، وهو يقول: كرج كرج؛ فلمّا ذكرت ذلك للسلطان، قالت له: أقم الليلة عندنا؛ فقال السلطان: ما ثمّ إلّا ما قدّره الله! وخرج من عندها إلى القصر بعد أن ركب فى أوّل النهار على العادة، وكان صائما وهو يوم الخميس عاشر شهر ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وستمائة، فأفطر بالقصر. ثم دخل إلى القصر الجوّانى بعد العشاء الآخرة وأخذ فى لعب الشّطرنج وعنده خواصّه وهم: قاضى القضاة «1» حسام الدين الحنفى، والأمير عبد الله، وبريد البدوى، وإمامه محب الدين «2» بن العسال؛ فأوّل من دخل عليه كرجى، وكان نوعيه السّلاح دار من

جملة المتّفقين، وهو فى نوبته عند السلطان. وكان كرجى مقدّم البرجيّة والسلطان مكبّ على لعب الشّطرنج، فأوهم كرجى أنّه يصلح الشمعة فرمى الفوطة على النّيمچاه ثم قال السلطان لكرجى: رحت بيّت البرجيّة وغلّقت عليهم؟ والبرجيّة هم الآن مماليك الأطباق «1» ، فقال كرجى: نعم يا خوند. وقد كان أوقف كرجى أكثرهم فى دهليز القصر، فشكره السلطان وأثنى عليه من حضر، فقال السلطان: لولا الأمير سيف الدين كرجى ما وصلت أنا إلى السلطنة. فقبّل كرجى الأرض، وقال: يا خوند، ما تصلّى العشاء؟ فقال السلطان: نعم وقام حتّى يصلّى فضربه كرجى بالسيف على كتفه، فطلب السلطان النّيمچاة فلم يجدها، فقام من هول الضربة ومسك كرجى ورماه تحته؛ وأخذ نوغيه السّلاح دار النّيمچاة وضرب بها رجل السلطان فقطعها، فانقلب السلطان على قفاه يخور فى دمه. انتهى ما ذكره وكيل بيت المال. وقال القاضى حسام الدين الحنفىّ: كنت عند السلطان فما شعرت إلّا وستة أو سبعة أسياف نازلة على السلطان، وهو مكبّ على لعب الشّطرنج، فقتلوه ثم تركوه وأنا عنده، وغلّقوا علينا الباب، وكان سيف الدين طغجى قد قصد بقيّة البرجيّة المتّفقين معه ومع كرجى فى الدّركاه، فقال لهم: قضيتم الشغل؟ فقالوا: نعم. ثم إنهم توجّهوا جميعا إلى دار سيف الدين منكوتمر وهو بدار النّيابة من قلعة الجبل، فدقّوا عليه الباب وقالوا له: السلطان يطلبك، فأنكر حالهم وقال لهم: قتلتم السلطان؟ فقال له كرجى: نعم يا مأبون وقد جئناك نقتلك، فقال: أنا ما أسلم نفسى إليكم إنما أنا فى جيرة الأمير سيف الدين طغجى، فأجاره طغجى وحلف له أنه لا يؤذيه ولا يمكّن أحدا من أذيّته؛ ففتح داره فتسلّموه وراحوا به إلى الجبّ «2» فأنزلوه إلى

عند الأمراء المحبوسين. فلمّا دخل إلى الجبّ قام إليه الأمير شمس الدين سنقر الأعسر «1» وتلقاه متهكّما عليه، ثم قام إليه الأمير عز الدين أيبك الحموى وشتمه، وأراد قتله، لأنّ منكوتمر هذا كان هو السبب فى مسك هؤلاء الأمراء، وإقلاب الدولة من حرصه على أنّ الأمر يفضى إليه ويتسلطن بعد أستاذه. فأقام منكوتمر نحو ساعة فى الجبّ وراح الأمير طغجى إلى داره حتى يقضى شغلا له، فآغتنم كرجى غيبته وأخذ معه جماعة وتوجّه إلى باب الحبس وأطلع منكوتمر صورة أنهم يريدون تقييده كما جرت العادة فى أمر المحتبسين، فامتنع من الطلوع فألحوا عليه وأطلعوه وذبحوه على باب الجبّ، ونهبوا داره وأمواله. ثم اتّفقوا كما هم فى الليل على سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون وعوده إلى ملكه كونه ابن استاذهم، وأن يكون سيف الدين طغجى نائب السلطنة، ومهما عملوه يكون باتّفاق الأمراء، وحلفوا على هذا الأمر. كلّ ذلك فى تلك الليلة قبل أن يطلع الفجر وأصبح نهار الجمعة حلّفوا الأمراء والمقدّمين والعسكر جميعه للملك الناصر محمد بن قلاوون ونائب السلطنة طغجى. وسيّروا فى الحال خلف الملك الناصر محمد يطلبونه من الكرك، وركب الأمير طغجى يوم السبت فى الموكب والتفّ عليه العسكر وطلع إلى قلعة الجبل، وحضر الأمراء الموكب ومدّ السّماط كما جرت العادة به من غير هرج ولا غوغاء وكأنّه لم يجر شىء، وسكنت الفتنة، وفرح غالب الناس بزوال الدولة لأجل منكوتمر. ودام ذلك إلى أن كان يوم الاثنين رابع عشر شهر ربيع الآخر من سنة ثمان وتسعين المذكورة، وصل الأمير بدر الدين بكتاش أمير سلاح عائدا من الشام من فتوح سيس، وصحبته العساكر المتوجّهة معه، وكان قد راح إليه جماعة من أمراء مصر لتلقيه إلى بلبيس

وأعلموه بصورة الحال، وقالوا له: الذي وقع من قتل الملك المنصور ليس هو عن رضاهم ولا علموا به، وأغروه على قتل طغجى واتّفقوا معه على ذلك، وكانوا الأمراء المذكورون قد أشاروا قبل خروجهم على طغجى أن يخرج يلتقى الأمير بكتاش أمير سلاح، فركب طغجى بكرة يوم الاثنين وتوجّه نحوه حتى التقاه وتعانقا وتكارشا. ثم قال أمير سلاح لطغجى: كان لنا عادة من السلطان إذا قدمنا من السفر يتلقانا، وما أعلم ذنبى الآن ما هو، كونه ما يلقانى اليوم! فقال له طغجى: وما علمت بما جرى على السلطان؟ السلطان قتل. فقال أمير سلاح: ومن قتله؟ قال له: بعض الأمراء [وهو «1» الأمير سيف الدين كرت أمير حاجب: قتله] سيف الدين طغجى وكرجى، فأنكر عليه وقال: كلّما قام للمسلمين ملك تقتلونه! تقدّم عنى لا تلتصق بى، وساق عنه أمير سلاح؛ فتيقّن طغجى أنّه مقتول، فحرّك فرسه وساق فانقضّ عليه بعض الأمراء وقبض عليه بشعر دبوقته «2» ، ثم علاه بالسيف وساعده على قتله جماعة من الأمراء، فقتل وقتل معه ثلاثة نفر، ومرّوا سائقين إلى تحت القلعة. وكان كرجى قد قعد فى القلعة لأجل حفظها، فبلغه قتل رفيقه طغجى، فألبس البرجيّة السلاح وركب فى مقدار ألفى فارس حتى يدفع عن نفسه، فركبت جميع أجناد الحلقة والأمراء والمقدّمين فى خدمة أمير سلاح إلى الرابعة من النهار؛ ثم حملوا العساكر على جماعة كرجى فهزموهم، وساق كرجى وحده، واعتقد أنّ أصحابه يتوجّهون حيث توجّه، فلم يتبعه غير تبعه ونوغيه الكرمونىّ أمير سلاح دار الذي كان أعانه على قتل الملك المنصور لاچين. فلمّا أبعدوا والقوم فى أثرهم لحقه بعض خشداشيته وضربه بالسيف حلّ كتفه، ثم ساعده بعض الأمراء حتى قتل، وقتل

معه نوغيه الكرمونىّ السّلاح دار الذي كان أعانه على قتل لاچين المقدّم ذكره، واثنا عشر نفرا من مماليكهما وأصحابهما، وبطلت الغوغاء وسكنت الفتنة فى الحال؛ واستقرّ الأمر أيضا على تولية السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون كما كان دبّره طغجى وكرجى. وسيّروا بطلبه وحثّوا الطلب فى قدومه من «1» الكرك إلى الديار المصريّة، وبقى يدبّر الأمور ويعلّم على الكتب المسيّرة إلى البلاد ثمان أمراء إلى أن حضر السلطان، وهم: الأمير سيف الدين سلّار، والأمير سيف الدين كرت، والأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير، والأمير عزّ الدين أيبك الخازندار، والأمير جمال الدين آقوش الأفرم الصغير؛ والأمير حسام الدين لاچين أستاذ الدار، والأمير سيف الدين بكتمر أمير جاندار، والأمير جمال الدين عبد الله [السّلاح دار «2» ] وجميعهم منصوريّة قلاوونيّة، وغالبهم قد أخرج من السجن بعد قتل لاچين. يأتى ذلك كلّه فى ترجمة الملك الناصر محمد بن قلاوون الثانية عند عوده إلى السلطنة إن شاء الله تعالى. وأمّا السلطان الملك المنصور حسام الدين لاچين فإنّه أخذ بعد قتله وغسّل وكفّن ودفن بتربته» بالقرافة الصغرى بالقرب من سفح المقطّم، ودفن مملوكه منكوتمر تحت رجليه. وقتل الملك المنصور لاچين وهو فى عشر الخمسين أو جاوزها بقليل. وقد تقدّم التعريف به فى عدّة تراجم ممّا تقدّم؛ ونذكر هنا أيضا من أحواله ما يتّضح التعريف به ثانيا: كان لاچين ملكا شجاعا مقداما عارفا عاقلا حشيما وقورا معظّما فى الدّول، طالت أيّامه فى نيابة دمشق أيّام أستاذه فى السعادة، وهو الذي أبطل الثّلج الذي كان

ينقل فى البحر من الشام إلى مصر؛ وقال: أنا كنت نائب الشام وأعلم ما يقاسى الناس فى وسقه من المشقّة. وكان- رحمه الله- تامّ القامة أشقر فى لحيته طول يسير وخفّة، ووجه رقيق معرّق، وعليه هيبة ووقار، وفى قدّه رشاقة. وكان ذكيّا نبيها شجاعا حذورا. ولمّا قتل الملك الأشرف خليل بن قلاوون هرب هو وقرا سنقر، فإنهما كانا أعانا الأمير بيدرا على قتله حسب ما ذكرناه فى ترجمة الملك الأشرف المذكور، بل كان لاچين هذا هو الذي تمّم قتله، ولمّا هرب جاء هو وقرا سنقر إلى جامع أحمد بن طولون «1» وطلعا إلى المئذنة واستترا فيها. وقال لاچين: لئن نجّانا الله من هذه الشدّة وصرت شيئا عمّرت هذا الجامع.

قلت: وكذا فعل رحمه الله تعالى، فإنه لمّا تسلطن أمر بتجديد جامع أحمد ابن طولون المذكور ورتب فى شدّ عمارته وعمارة أوقافه الأمير علم الدين أبا موسى سنجر بن عبد الله الصالحىّ النّجمىّ الدّوادارى المعروف بالبرنلى، وكان من أكابر أمراء الألوف بالديار المصريّة، وفوّض السلطان الملك المنصور لاچين أمر الجامع المذكور وأوقافه إليه فعمّره وعمّر وقفه وأوقف عليه عدّة قرى، وقرّر فيه دروس الفقه والحديث والتفسير والطّبّ وغير ذلك، وجعل من جملة ذلك وقفا يختص بالدّيكة التى تكون فى سطح الجامع المذكور فى مكان مخصوص بها، وزعم أن الدّيكة تعين الموقّتين وتوقظ المؤذّنين فى السّحر، وضمّن ذلك كتاب الوقف؛ فلمّا قرئ كتاب الوقف على السلطان وما شرطه أعجبه جميعه. فلما انتهى إلى ذكر الدّيكة أنكر السلطان ذلك، وقال: أبطلوا هذا لئلّا يضحك اناس علينا، وأمضى ما عدا ذلك من الشروط. والجامع المذكور عامر بالأوقاف المذكورة إلى يومنا هذا، ولولاه لكان دثر وخرب، فإنّ غالب ما كان أوقفه صاحبه أحمد بن طولون خرب وذهب أثره، فجدّده لاچين هذا وأوقف عليه هذه الأوقاف الجمّة، فعمّر وبقى إلى الآن. انتهى.

وكان المنصور لاچين فهما كريم الأخلاق متواضعا. يحكى أن القاضى شهاب الدين محمود كان يكتب بين يديه فوقع من الحبر على ثيابه، فأعلمه السلطان بذلك؛ فنظم فى الحال بيتين وهما: ثياب مملوكك يا سيّدى ... قد بيّضت حالى بتسويدها ما وقع الحبر عليها بلى ... وقّع لى منك بتجديدها فأمر له المنصور بتفصيلتين وخمسمائة درهم. فقال الشهاب محمود: يا خوند، مماليك الجماعة رفاقى يبقى ذلك فى قلوبهم، فأمر لكلّ منهم بمثل ذلك، وصارت راتبا لهم فى كلّ سنة. وقال الشيخ صلاح الدين خليل بن أيبك الصّفدىّ فى تاريخه: حكى لى الشيخ فتح «1» الدين بن سيّد الناس: لمّا دخل عليه لم يدعه يبوس الأرض، وقال: أهل العلم منزّهون عن هذا وأجلسه عنده، وأظنّه قال: على المقعد، ورتّبه موقّعا فباشر ذلك أيّاما، واستعفى فأعفاه وجعل المعلوم له راتبا فتناوله إلى أن مات. ولمّا تسلطن مدحه القاضى شهاب الدين محمود بقصيدة أوّلها: أطاعك الدهر فأمر فهو ممتثل ... واحكم فأنت الذي تزهى بك الدّول ولمّا تسلطن الملك المنصور لاچين تفاءل الناس واستبشروا بسلطنته، وجاء فى تلك السنة غيث عظيم بعد ما كان تأخّر؛ فقال فى ذلك الشيخ علاء الدين الوداعىّ: يأيّها العالم بشراكم ... بدولة المنصور ربّ الفخار فالله قد بارك فيها [لكم «2» ] ... فأمطر الليل وأضحى النهار وكانت مدّة سلطنة المنصور لاچين على الديار المصرية سنتين وثلاثة شهور.

قال الأديب صلاح الدين الصّفدىّ: وكان ديّنا متقشّفا كثير الصوم قليل الأذى، قطع أكثر المكوس، وقال: إن عشت ما تركت مكسا واحدا. قلت: كان فيه كلّ الخصال الحسنة، لولا توليته مملوكه منكوتمر الأمور ومحبته له، وهو السبب فى هلاكه حسب ما تقدّم. وتسلطن من بعده ابن أستاذه الملك الناصر محمد بن قلاوون طلب من الكرك وأعيد إلى السلطنة. انتهت ترجمة الملك المنصور لاچين. رحمه الله تعالى. السنة الأولى من سلطنة الملك المنصور لاچين على مصر، وهى سنة ستّ وتسعين وستمائة. على أنّ الملك العادل كتبغا حكم منها المحرّم وأياما من صفر. فيها كان خلع الملك العادل كتبغا المنصورىّ من السلطنة وتوليته نيابة صرخد، وسلطنة الملك المنصور لاچين هذا من بعده حسب ما تقدّم ذكره. وفيها فى ذى القعدة مسك الملك المنصور لاچين الأمير شمس الدين قرا سنقر المنصورىّ نائب السلطنة بديار مصر وحبسه، وولّى عوضه مملوكه منكوتمر. وفيها ولى قضاء دمشق قاضى القضاة إمام الدين القزوينىّ «1» عوضا عن القاضى بدر الدين بن جماعة، واستمرّ ابن جماعة المذكور على خطابة جامع دمشق. وفيها تولّى سلطنة اليمن الملك المؤيد هزبر الدين داود ابن الملك المظفّر شمس الدين يوسف ابن الملك المنصور نور الدين «2» عمر بن علىّ بن رسول، بعد موت أخيه الأشرف.

وفيها توفّى الشيخ الإمام العلّامة مفتى المسلمين محيى الدين أبو عبد الله محمد بن يعقوب ابن إبراهيم بن هبة الله بن طارق بن سالم بن النّحاس الحلبى الأسدىّ الحنفىّ فى ليلة سلخ المحرّم «1» ببستانه بالمرّة «2» ودفن بتربته بالمزّة، وحضر جنازته نائب الشام ومن دونه، وكان إماما مفتنا فى عاوم، وتولّى عدة تداريس ووظائف دينيّة، ووزر بالشام للملك المنصور قلاوون، وحسنت سيرته ثم عزل ولازم الاشتغال والإقراء وانتفع به عامّة أهل دمشق. ومات ولم يخلّف بعده مثله. وفيها توفّى الملك لأشرف ممهّد الدين عمر ابن الملك المظفر يوسف ابن الملك المنصور نور الدين «3» عمر بن علىّ بن رسول ملك اليمن، وتولّى بعده أخوه هزبر الدين داود المقدّم ذكره، وكانت مدّة ملكه دون السنتين. وفيها توفّى القاضى تاج الدين عبد القادر ابن القاضى عزّ الدين محمد السّنجارىّ الحنفى قاضى قضاة الحنفيّة بحلب فى يوم الخميس ثامن عشرين شعبان، كان إماما فقيها عالما مفتيا ولى القضاء بعدّة بلاد وحمدت سيرته. وفيها توفّى الأمير عزّ الدين أزدمر بن عبد الله العلائىّ فى ذى القعدة بدمشق، وكان أميرا كبيرا معظّما الا أنّه شرس الأخلاق قليل الفهم رسم له الملك الظاهر بيبرس أنّه لا يركب بسيف [فبقى أكثر من عشرين سنة لا يركب بسيف «4» ] ، وهو أخو الأمير علاء الدين طيبرس الوزيرىّ.

ما وقع من الحوادث سنة 697

وفيها توفّى شيخ الحرم وفقيه الحجاز رضىّ الدين محمد بن أبى بكر عبد «1» الله بن خليل بن إبراهيم القسطلانيّ المكىّ المعروف بابن خليل. مولده سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، وكان فقيها عالما مفتنّا مفتيا، وله عبادة وصلاح وحسن أخلاق. مات بمكّة بعد خروج الحاج بشهر، ودفن بالمعلاة بالقرب من سفيان الثّورىّ. ومن شعره رحمه الله: أيّها النازح المقيم بقلبى ... فى أمان أنّى حللت ورحب جمع الله بيننا عن قريب ... فهو أقصى مناى منك وحسبى الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى القاضى تاج الدين عبد الخالق بن عبد السلام بن سعيد ببعلبكّ فى المحرّم، وله ثلاث وتسعون سنة. وقاضى القضاة عزّ الدين عمر بن عبد الله بن عمر بن عوض الحنبلىّ بالقاهرة. والحافظ الزاهد جمال الدين أحمد بن محمد بن عبد الله الظاهرىّ بمصر. والمحدث ضياء الدين عيسى بن يحيى السّبتىّ بالقاهرة فى رجب. والزاهد شمس الدين محمد [بن حازم «2» ] بن حامد المقدسىّ فى ذى الحجّة. وأبو العباس أحمد بن عبد الكريم فى صفر. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم كان قليلا جدّا. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا. ثم نقص ولم يوفّ فى تلك السنة. [ما وقع من الحوادث سنة 697] السنة الثانية من ولاية الملك المنصور لاچين على مصر، وهى سنة سبع وتسعين وستمائة.

فيها مسك الملك المنصور لاچين الأمير بدر الدين بيسرى الشمسىّ وحبسه واحتاط على موجوده. وفيها أخذت العساكر المصريّة تلّ حمدون وقلعتها بعد حصار، ومرعش وغيرهما، ودقّت البشائر بمصر أياما بسبب ذلك. وفيها قدم الملك المسعود نجم «1» الدين خضر ابن السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقدارىّ من بلاد «2» الأشكرى إلى مصر، فتلقّاه السلطان الملك المنصور لاچين فى الموكب أكرمه. وطلب الملك المسعود الحج فأذن له بذلك. وكان الملك الأشرف خليل بن قلاوون أرسله إلى هناك. وسكن الملك المسعود بالقاهرة إلى أن مات بها حسب ما يأتى ذكره. وكان خضر هذا من أحسن الناس شكلا، ولما ختنه أبوه قال فيه القاضى محيى الدين عبد الله بن عبد الظاهر يهنّئ والده الملك الظاهر ركن الدين بيبرس: منأت بالعيد وما ... على الهناء أقتصر بل إنّها بشارة ... لها الوجود مفتقر بلوحة قد جمعت ... ما بين موسى والخضر قد هيأت لوردكم ... ماء الحياة المنهمر قلت: وأحسن من هذا قول من قال فى مليح حليق: مرت الموسى على عارضه ... فكأنّ الماء بالاس غمر مجمع البحرين أضحى خدّه ... إذ تلاقى فيه موسى والخضر

وفيها توفّى الشيخ الصالح الزاهد بقيّة المشايخ بدر الدين حسن ابن الشيخ الكبير القدوة العارف نور الدين أبى الحسن على بن منصور الحريرى فى يوم السبت عاشر شهر ربيع الآخر بزاويته بقرية بسر «1» من أعمال زرع، وكان هو المتعيّن بعد أبيه فى الزاوية وعلى الطائفة الحريرية المنسوبين الى والده؛ ومات وقد جاوز الثمانين «2» . وفيها توفّى قاضى القضاة صدر الدين إبراهيم بن أحمد بن عقبة البصراوىّ الفقيه الحنفى المدرّس، أحد أعيان فقهاء الحنفية، ولى قضاء حلب ثم عزل ثم أعيد فمات قبل دخوله حلب، وكان عالما مفتنّا وله اليد الطّولى فى الجبر والمقابلة والفرائض وغير ذلك. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الإمام شمس الدين محمد بن أبى بكر الفارسىّ الأبجىّ «3» فى رمضان. وعائشة ابنة المجد عيسى بن [الإمام «4» ] الموفّق [عبد الله «5» بن أحمد بن محمد بن قدامة] المقدسىّ فى [تاسع عشر] «6» شعبان ولها ست وثمانون سنة. وقاضى حماة جمال الدين محمد بن سالم [بن نصر الله بن «7» سالم] ابن واصل فى شوّال. وشهاب الدين أحمد بن عبد الرحمن [بن عبد المنعم بن نعمة

ابن سلطان بن سرور «1» ] النابلسىّ الحنبلىّ العابر «2» . والشيخ كمال الدين عبد الرحمن بن عبد اللطيف البغدادىّ بن المكبّر «3» فى ذى الحجة، وله ثمان وتسعون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وأربع أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشر أصابع. وكان الوفاء آخر أيام النسىء.

ما وقع من الحوادث سنة 698

[ما وقع من الحوادث سنة 698] ذكر سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون الثانية على مصر السلطان الملك الناصر ناصر الدين أبو المعالى محمد ابن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون، تقدّم ذكر مولده فى ترجمته الأولى من هذا الكتاب. أعيد إلى السلطنة بعد قتل الملك المنصور لاچين، فإنه كان لمّا خلع من الملك بالملك العادل كتبغا المنصورىّ أقام عند والدته بالدّور من قلعة الجبل إلى أن أخرجه الملك المنصور لاچين لمّا تسلطن إلى الكرك، فأقام الملك الناصر بالكرك إلى أن قتل الملك المنصور لاچين حسب ما ذكرناه. أجمع رأى الأمراء على سلطنته ثانيا، وخرج إليه الطلب من الديار المصرية صبيحة يوم الجمعة الحادى عشر من شهر ربيع الاخر سنة ثمان وتسعين وستمائة، وهو ثانى يوم قتل لاچين وسار الطلب إليه؛ فلمّا قتل طغجى وكرجى فى يوم الاثنين رابع عشره استحثوا الأمراء فى طلبه، وتكرّر سفر القصّاد له من الديار المصرية إلى الكرك، حتى إذا حضر إلى الديار المصرية فى ليلة السبت رابع جمادى الأولى من السنة، وبات تلك الليلة بالإسطبل السلطانىّ، ودام به إلى أن طلع إلى القلعة فى بكرة يوم الاثنين سادس جمادى الأولى المذكور. وحضر الخليفة الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد والقضاة، وأعيد إلى السلطنة وجلس على تخت الملك. وكان الذي توجّه من القاهرة بطلبه الأمير «1» الحاجّ آل ملك، والأمير سنجر «2» الجاولى. فلمّا قدما إلى الكرك كان لملك الناصر بالغور «3» يتصيّد

فتوجّها إليه ودخل آقوش «1» نائب الكرك إلى أمّ السلطان وبشّرها، فخافت أن تكون مكيدة من لاچين فتوقّفت فى المسير، فما زال بها حتى أجابت. ووصل الأميران إلى الملك الناصر بالغور وقبّلا الأرض بين يديه وأعلماه بالخبر، فرحّب بهما وعاد إلى البلد وتهيّأ، وأخذ فى تجهيز أمره، والبريد يترادف باستحثاثه إلى أن قدم القاهرة، فخرج الأمراء وجميع الناس قاطبة للقائه، وكادت القاهرة ومصر ألّا يتأخر بهما أحد فرحا بقدومه. وكان خروجهم فى يوم السبت، وأظهر الناس لعوده إلى الملك من السرور ما لا يوصف ولا يحدّ، وزيّنت القاهرة ومصر بأفخر زينة، وأبطل الناس معايشهم وضجّوا له بالدعاء والشكر لله على عوده إلى الملك، وأسمعوا حواشى الملك العادل كتبغا والملك المنصور لاچين من المكروه والاستهزاء ما لا مزيد عليه، واستمروا فى الفرح والسرور إلى يوم الاثنين، وهو يوم جلوسه على تخت الملك. وجلس على تخت الملك فى هذه المرّة الثانية وعمره يومئذ نحو أربع عشرة سنة. ثم جدّد للملك الناصر العهد، وخلع على الأمير سيف الدين سلار بنيابة السلطنة، وعلى الأمير حسام الدين لاچين بالأستادارية على عادته، واستمرّ الأمير آقوش الأفرم الصغير بنيابة دمشق على عادته، وخلع عليه وسفر بعد أيام. وفى معنى سلطنة الملك الناصر محمد يقول الشيخ علاء «2» الدين الوداعىّ الدّمشقىّ. الملك الناصر قد أقبلت ... دولته مشرقة الشمس عاد إلى كرسيّه مثلما ... عاد سليمان إلى الكرسى وفى تاسع جمادى الأولى فرّقت الخلع على جميع من له عادة بالخلع من أعيان الدولة. وفى ثانى عشرة لبس الناس الخلع وركب السلطان الملك الناصر بالخلعة

الخليفتيّة وأبّهة السلطنة وشعار الملك، ونزل من قلعة الجبل إلى سوق «1» الخيل ثم عاد إلى القلعة؛ وترجّل فى خدمته جميع الأمراء والأكابر «2» وقبّلوا الأرض بين يديه. واستقرّت سلطنته وتمّ أمره، وكتبت البشا وبذلك إلى الأقطار، وسرّ الناس بعوده إلى الملك سرورا زائدا بسائر الممالك. وبعد أيام ورد الخبر عن غازان ملك التتار أنه قد عزم على قصد البلاد الشامية لمّا قدم عليه الأمير قبجق المنصورىّ نائب الشام ورفقته. ثم رأى غازان أن يجهّز سلامش بن أباجو» فى خمسة وعشرين ألفا من الفرسان إلى بلاد الروم، على أنه يأخذ بلاد الروم، ويتوجّه بعد ذلك بسائر عساكره إلى الشام من جهة بلاد سيس «4» ويجيء غازان من ديار «5» بكر، وينزلون على الفرات ويغيرون على البيرة «6» والرّحبة «7» وقلعة الروم «8» ، ويكون اجتماعهم على مدينة حلب، فإن التقاهم أحد من العساكر المصرية والشامية

التقوه وإلّا دخلوا بلاد الشام؛ فاتّفق أنّ سلامش لما توجّه من عند قازان ودخل إلى الرّوم أطمعته نفسه بالملك؛ وملك الروم وخلع طاعة غازان؛ واستخدم الجند، وأنفق عليهم وخلع على أكابر الأمراء ببلاد الروم، وكانوا أولاد قرمان «1» قد أطاعوه، ونزلوا إلى خدمته، وهم فوق عشرة آلاف فارس. وهذا الخبر أرسله سلامش المذكور إلى مصر، وأرسل فى ضمن ذلك يطلب من المصريين النّجدة والمساعدة على غازان. قلت: غازان وقازان كلاهما اسم لملك التتار. انتهى. وكان وصول رسول سلامش بهذا الخبر إلى مصر فى شعبان من السنة. وأما قازان فإنه وصل إلى بغداد، وكانوا متولّين بغداد من قبله شكوا إليه من أهل السّيب «2» والعربان أنّهم ينهبون التّجار القادمين من البحر، وأنّهم قد قطعوا السابلة فسار قازان بنفسه إليهم ونهبهم، وأقام بأرض دقوقا «3» مشتيا. ولمّا بلغه خبر سلامش انثنى عزمه عن قصد الشام وشرع فى تجهيز العساكر مع ثلاثة مقدّمين، ومعهم خمسة وثلاثون ألف فارس: منها خمسة عشر مع الأمير سوتاى «4» وعشرة مع هندوجاغان «5» وعشرة مع بولاى «6» وهو المشار إليه من المقدّمين مع العساكر وسفّرهم

إلى الروم لقتال سلامش. ثم رحل قازان إلى جهة تبريز «1» ومعه الأمير قبجق المنصورىّ نائب الشام وبكتمر السلاح دار والألبكى، وهؤلاء هم الّذين خرجوا من دمشق مغاضبين للملك المنصور لاچين، وسار التتار الذين أرسلهم غازان حتى وصلوا إلى الروم فى أواخر شهر رجب والتقوا مع سلامش، وكان سلامش قد عصى عليه أهل سيواس «2» وهو يحاصرهم، فتركهم سلامش وتجهز، وجهز عساكره لملتقى التتار؛ وكان قد جمع فوق ستين ألف فارس. فلمّا قارب التتار فرّ من عسكر سلامش التتار والروم ولحقوا بولاى مقدّم عساكر غازان. وأمّا التّركمان فإنهم تركوه وصعدوا إلى الجبال على عادتهم وبقى سلامش فى جمع قليل دون خمسمائة فارس، فتوجه بهم من سيواس إلى جهة سيس، وسار منها فوصل إلى بهسنا «3» فى أواخر شهر رجب. وكان السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون قد برز مرسومه إلى نائب الشام بأن يجرّد خمسة أمراء من حمص وخمسة من حماة وخمسة من حلب لتكملة خمسة عشر أميرا ويبعثهم نجدة إلى سلامش. فلمّا وصل الخبر بقدوم سلامش إلى بهسنا منهزما توقّف العسكر عن المسير، ثم وصل سلامش إلى دمشق. وسلامش هذا هو من أولاد عمّ غازان، وهو سلامش بن أباجو بن هولاكو. وكان وصوله إلى دمشق فى يوم الخميس ثانى عشر شعبان، فتلقّاه نائب الشام واحتفل لملاقاته احتفالا عظيما وأكرمه، وقدّم

فى خدمته نائب بهسنا الأمير بدر الدين بكتاش الزّردكاش، ثم سار سلامش من دمشق إلى جهة الديار المصرية إلى أن وصلها، فأكرمه السلطان غاية الإكرام، وأقام بمصر أياما قليلة ثم عاد إلى حلب، بعد أن اتفق معه أكابر دولة الملك الناصر محمد على أمر يفعلونه إذا قدم غازان إلى البلاد الشامية، ثم بعد خروجه جهز السلطان خلفه أربعة آلاف فارس من العسكر المصرى نجدة له لقتال التتار، وأيضا كالمقدّمة السلطان، وعلى كلّ ألف فارس أمير مائة ومقدّم ألف فارس، وهم: الأمير جمال الدين آقوش قتّال السّبع. والمبارز أمير شكار. والأمير جمال الدين عبد الله. والأمير سيف الدين [بلبان «1» ] الحبشىّ، وهو المقدّم على الجميع؛ وساروا الجميع إلى بلاد حلب، وتهيّأ السلطان للسفر، وتجهّزت أمراؤه وعساكره. وخرج من الديار المصرية بأمرائه وعساكره فى يوم الخميس سادس عشرين ذى الحجّة الموافق لسادس عشرين توت أحد شهور القبط. هذا والعساكر الشامية فى التهيّؤ لقتال التتار، وقد دخلهم من الرعب والخوف أمر لا مزيد عليه، وسار السلطان بعساكره إلى البلاد الشامية بعد أن تقدّمه أيضا جماعة من أكابر أمراء الديار المصرية غير أولئك، كالجاليش «2» على العادة، وهم: الأمير قطلوبك والأمير سيف الدين نكيه «3» وهو من كبار الأمراء، كان حما الملكين الصالح والأشرف أولاد قلاوون، وجماعة أمراء أخر، ودخلوا هؤلاء الأمراء قبل السلطان إلى الشام بأيام، فاطمأنّ خواطر أهل دمشق بهم، وسافر السلطان

بالعساكر على مهل، وأقام بغزّة «1» وعسقلان «2» أياما كثيرة؛ ثم دخل إلى دمشق يوم الجمعة ثامن شهر ربيع الأوّل سنة تسع وتسعين وستمائة، واحتفل أهل دمشق لدخوله احتفالا عظيما، ودخل السلطان بتجمّل عظيم زائد عن الوصف حتى لعلّه زاد على الملوك الذين كانوا قبله، ونزل بقلعة دمشق بعد أن أقام بغزّة وغيرها نحو الشهرين فى الطريق إلى أن ترادفت عليه الأخبار بقرب التتار إلى البلاد الشامية، قدم دمشق وتعين حضوره إليها ليجتمع بعساكره السابقة له، وأقام السلطان بدمشق وجهّز عساكرها إلى جهة البلاد الحلبيّة أمامه، ثم خرج هو بأمرائه وعساكره بعدهم فى يوم الأحد السابع عشر من شهر ربيع الأوّل من سنة تسع وتسعين المذكورة فى وسط النهار، وسار من دمشق إلى حمص، وابتهل الناس له بالدعاء، وعظم خوف الناس وصياحهم وبكاؤهم على الإسلام وأهله. ووصل السلطان إلى حمص وأقام لابس السلاح «3» ثلاثة أيام بلياليها إلى أن حصل الملل والضّجر، وغلت الأسعار بالعسكر وقلّت العلوفات. وبلغ السلطان أنّ التتار قد نزلوا بالقرب من سلمية «4» وأنّهم يريدون الرجوع إلى بلادهم لما بلغهم من كثرة الجيوش واجتماعهم على قتالهم. وكان هذا الخبر مكيدة من التتار، فركب السلطان بعساكره من حمص بكرة يوم الأربعاء وقت الصبح السابع والعشرين من شهر ربيع الأول، وساقوا الخيل إلى أن وصلوا إليهم، وهم بالقرب من سلمية بمكان يسمى وادى الخازندار؛ فركب التتار للقائهم وكانوا تهيّئوا لذلك، وكان الملتقى فى ذلك المكان فى الساعة

الخامسة من نهار الأربعاء المذكور وتصادما، وقد كلّت خيول السلطان وعساكره من السّوق، والتحم القتال بين الفريقين، وحملت ميسرة المسلمين عليهم فكسرتهم أقبح كسرة، وقتلوا منهم جماعة كثيرة نحو خمسة آلاف أو أكثر؛ ولم يقتل من المسلمين إلّا اليسير. ثم حملت القلب أيضا حملة هائلة وصدمت العدوّ أعظم صدمة، وثبت كل من الفريقين ثباتا عظيما، ثم حصل تخاذل فى عسكر الإسلام بعضهم فى بعض. بلاء من الله تعالى. فانهزمت ميمنة السلطان بعد أن كان لاح لهم النصر! فلا قوّة إلا بالله. ولمّا انهزمت الميمنة انهزم أيضا من كان وراء السناجق السلطانيّة من غير قتال، وألقى الله تعالى الهزيمة عليهم فانهزم جميع عساكر الإسلام بعد النصر، وساق السلطان فى طائفة يسيرة من أمرائه ومدبّرى مملكته إلى نحو بعلبكّ «1» وتركوا جميع الأثقال، ملقاة «2» ، فبقيت العدد والسلاح والغنائم والأثقال ملات تلك الأراضى حتى بقيت الرماح فى الطرق كأنها القصب لا ينظر اليها أحد، ورمى الجند خوذهم عن رءوسهم وجواشنهم وسلاحهم تخفيفا عن الخيل لتنجيهم بأنفسهم، وقصدوا الجميع دمشق. وكان أكثر من وصل إلى دمشق من المنهزمين من طريق بعلبك. ولمّا بلغ أهل دمشق وغيرها كسرة السلطان عظم الضجيج والبكاء، وخرجت المخدّرات حاسرات لا يعرفن أين يذهبن والأطفال بأيديهنّ، وصار كلّ واحد فى شغل عن صاحبه إلى أن ورد عليهم الخبر أنّ ملك التتار قازان مسلم وأن غالب جيشه على ملّة الإسلام، وأنّهم لم يتبعوا المنهزمين، وبعد انفصال الوقعة لم يقتلوا أحدا ممّن وجدوه؛ وإنما يأخذون سلاحه ومركوبه ويطلقونه، فسكن بذلك روع أهل دمشق قليلا،

ثم صار من وصل إلى دمشق أخذ أهله وحواصله بحيث الإمكان وتوجّه إلى جهة مصر، وبقى من بقى بدمشق فى خمدة وحيرة لا يدرون ما عاقبة أمرهم؛ فطائفة تغلّب عليهم الخوف وطائفة يترجون حقن الدماء وطائفة يترجّون أكثر من ذلك من عدل وحسن سيرة، واجتمعوا فى يوم الأحد بمشهد علىّ، واشتوروا فى أمر الخروج إلى ملك التتار غازان وأخذهم أمانا لأهل البلد فحضر من الفقهاء قاضى القضاة بدر الدين [محمد بن إبراهيم «1» ] بن جماعة، وهو يومئذ خطيب جامع أهل دمشق. والشيخ زين الدين الفارقىّ. والشيخ تقىّ الدين «2» بن تيميّة وقاضى قضاة دمشق نجم الدين [ابن «3» ] صصرّى. والصاحب فخر الدين «4» بن الشيرجى. والقاضى عزّ الدين «5» بن الزكىّ. والشيخ وجيه الدين بن المنجّا. والشيخ [الصدر «6» الرئيس] عز الدين [عمر «7» ] بن القلانسىّ. وابن عمّه بشرف الدين. وأمين الدين بن شقير الحرّانىّ. والشريف زين الدين بن عدنان «8» والصاحب شهاب الدين الحنفىّ. والقاضى شمس الدين بن الحريرىّ. والشيخ محمد بن قوام النابلسىّ. وجلال الدين أخو القاضى إمام الدين القزوينىّ. وقد خرج أخوه إمام الدين قبل ذلك مع جماعة جافلا إلى مصر. وجلال الدين ابن القاضى حسام الدين الحنفىّ. وجماعة كثيرة من العدول والفقهاء والقراء.

وأمّا السلطان الملك الناصر وعساكره فإنه سار هو بخواصّه بعد الوقعة إلى جهة الكسوة «1» . وأمّا العساكر المصرية والشامية فلا يمكن أن يعبّر عن حالهم، فإنه كان أكبر الأمراء يرى وهو وحده وقد عجز عن الهرب ليس معه من يقوم بخدمته وهو مسرع فى السّير خائف متوجّه إلى جهة الكسوة لا يلوى على أحد، قد دخل قلوبهم الرّعب والخوف، تشتمهم العامة وتوبّخهم بسبب الهزيمة من التتار، وكونهم كانوا قبل ذلك يحكمون فى الناس ويتعاظمون عليهم، وقد صار أحدهم الآن أضعف من الهزيل، وأمعنوا العامّة فى ذلك وهم لا يلتفتون إلى قولهم، ولا ينتقمون من أحد منهم. قلت: وكذا وقع فى زماننا هذا فى وقعة تيمور لنك وأعظم، فإنّ هؤلاء قاتلوا وكسروا ميمنة التّتار، إلّا أصحابنا فإنّهم سلّموا البلاد والعباد من غير قتال! حسب ما يأتى ذكره فى محلّه من ترجمة السلطان الملك الناصر فرج بن برقوق. انتهى. قال: وعجز أكثر الأمراء والجند عن التوجّه إلى جهة مصر خلف السلطان بسبب ضعف فرسه «2» ، فصار الجندىّ يغير زيّه حتى يقيم بدمشق خيفة من توبيخ العامّة له، حتى بعضهم حلق شعره وصار بغير دبوقة «3» . قال الشيخ قطب الدين اليونينىّ: مع أنّ الله تعالى لطف بهم لطفا عظيما إذ لم يسق عدوّهم خلفهم ولا تبعهم إلا حول المعركة وما قاربها، وكان ذلك لطفا من الله تعالى بهم، وبقى الأمر على ذلك إلى آخر يوم الخميس سادس شهر ربيع الاخر، فوصل أربعة من التتار ومعهم الشريف القمّىّ «4» وتكلّموا مع أهل دمشق، فلم ينبرم

أمر. ثم قدم من الغد آخر ومعه فرمان (يعنى مرسوما من غازان بالأمان) وقرئ بالمدرسة البادرائية «1» ، ثم وقع بعد ذلك أمور يطول شرحها من أن قازان أرسل إلى أهل دمشق وعرّفهم أنه يحب العدل والإحسان للرّعية وإنصاف المظلوم من الظالم، وأشياء من هذا النمط، فحصل للناس بذلك سكون وطمأنينة. ثم دخل الأمير قبجق المنصورىّ الذي كان نائب دمشق قبل تاريخه، وهرب من الملك المنصور لاچين إلى غازان، ومعه رفقته الأمير بكتمر السّلاح دار وغيره إلى دمشق، وكلّموا الأمير أرجواش المنصورىّ خشداشهم نائب قلعة دمشق فى تسليمها إلى غازان؛ وقالوا له: دم المسلمين فى عنقك إن لم تسلّمها؛ فأجابهم: دم المسلمين فى أعناقكم أنتم الذين خرجتم من دمشق وتوجّهتم إلى غازان وحسّنتم له المجىء إلى دمشق وغيرها، ثم وبّخهم ولم يسلّم قلعة دمشق، وتهيّأ للقتال والحصار؛ واستمرّ على حفظ القلعة. ثم ترادفت قصّاد غازان إلى أرجواش هذا، وطال الكلام بينهم فى تسليم القلعة؛ فثّبته الله تعالى ومنع ذلك بالكلّية. وملك قازان دمشق وخطب له بها فى يوم الجمعة رابع عشر شهر ربيع الآخر. وصورة الدعاء لغازان أن قال الخطيب: «مولانا السلطان الأعظم سلطان الإسلام والمسلمين مظفّر الدنيا والدين محمود غازان» . وصلّى الأمير قبجق المنصورىّ وجماعة من المغل بالمقصورة من جامع دمشق، ثم أخذ التّتار فى نهب قرى دمشق والفساد بها، ثم بجبل الصالحية «2» وغيرها،

وفعلوا تلك الأفعال القبيحة، ثم قرّروا على البلد تقارير تضاعفت غير مرّة، وحصل على أهل دمشق الذّلّ والهوان وطال ذلك عليهم، وكان متولّى الطلب من أهل دمشق الصفىّ السّنجارىّ، وعلاء الدين أستادار قبجق، وابنا الشيخ الحريرىّ «1» الحنّ والبن؛ وعمل الشيخ كمال الدين «2» الزّملكانىّ فى ذلك قوله: لهفى على جلّق يا شرّ ما لقيت ... من كلّ علج له فى كفره فنّ بالطّمّ «3» والرّمّ جاءوا لا عديد لهم ... فالجنّ بعضهم والحنّ والبنّ وللشيخ عز الدين عبد الغنى الجوزىّ «4» فى المعنى: بلينا يقوم كالكلاب أخسّة ... علينا بغارات المخاوف قد شنّوا هم الجنّ حقّا ليس فى ذاك ريبة ... ومع ذا فقد والاهم الحنّ والبنّ ولابن قاضى «5» شهبة: رمتنا صروف الدهر حقّا بسبعة ... فما أحد منا من السبع سالم غلاء وغازان وغزو وغارة ... وغدر وإغبان وغمّ ملازم وفى المعنى يقول أيضا الشيخ علاء الدين الوداعىّ وأجاد: أتى الشام مع غازان شيخ مسلّك ... على يده تاب الورى وتزهّدوا فخلّوا عن الأموال والأهل جملة ... فما منهم إلا فقير مجرّد ودامت هذه الشدّة على أهل دمشق والحصار عمّال فى كلّ يوم على قلعة دمشق حتى عجزوا عن أخذها من يد أرجواش المذكور.

قلت: على أنّ أرجواش كان عنده سلامة باطن إلى الغاية. يأتى ذكر بعض أحواله فى الوفيات من سنين الملك الناصر محمد بن قلاوون. انتهى. قال: وتمّ جبى المال، وأخذه غازان وسافر من دمشق فى يوم الجمعة ثانى عشر جمادى الأولى بعد أن ولّى الأمير قبجق المنصورىّ نيابة الشام على عادته أوّلا، وقرّر بدمشق جماعة أخر يطول الشرح فى ذكرهم. وأقام الأمير قطلو شاه مقدّم عساكر التتار بعد غازان بدمشق بجماعة كثيرة من التتار لأخذ ما بقى من الأموال ولحصار قلعة دمشق، ودام على ذلك حتى سافر من دمشق ببقيّة التتار فى يوم الثلاثاء ثالث عشرين جمادى الأولى، وخرج الأمير قبجق نائب الشام لتوديعه، ثم عاد يوم الخميس خامس عشرينه، وانقطع أمر المغل من دمشق بعد أن قاسى أهلها شدائد وذهبت أموالهم. قال ابن المنجّا: إنّ الذي حمل إلى خزانة قازان خاصة نفسه ثلاثة آلاف ألف وستمائة ألف «1» سوى ما محق «2» عليهم من التّراسيم والبراطيل، والاستخراج لغيره من الأمراء والوزراء وغير ذلك، بحيث إن الصّفىّ السّنجارىّ استخرج لنفسه أكثر «3» من ثمانين ألف درهم، وللأمير إسماعيل مائتى ألف درهم، وللوزير نحو أربعمائة ألف وقس على هذا. واستمرّ بدمشق ورسم أن ينادى فى دمشق: بأنّ أهل القرى والحواضر يخرجون إلى أماكنهم، رسم بذلك سلطان الشام حاجّ الحرمين سيف الدين قبجق، وصار قبجق يركب بالعصابة، والشاويشية «4» بين يديه، واجتمع الناس عليه. كلّ

ذلك والقتال والمباينة واقعة بين الأمير أرجواش نائب قلعة دمشق وبين قبجق المذكور ونوّاب قازان، والرسل تمشى بينهم فى الصلح، وأرجواش يأبى تسليم القلعة له، فلله درّ هذا الرجل! ما كان أثبت جنانه مع تغفّل كان فيه حسب ما يأتى ذكره. هذا وقبجق غير مستبدّ بأمر الشام بل غالب الأمر بها لنوّاب قازان مثل بولاى وغيره. ثم سافر بولاى من دمشق بمن كان بقى معه من التتار فى عشية يوم السبت «1» الرابع من شهر رجب، ومعه قبجق وقد أشيع أن قبجق يريد الانفصال عن التتار. وبعد خروجهما استبد أرجواش نائب قلعة دمشق بتدبير أمور البلد. وفى يوم الجمعة سابع عشر شهر رجب أعيدت الخطبة بدمشق إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون، وللخليفة الحاكم بأمر الله على العادة، ففرح الناس بذلك. وكان أسقط اسم الملك الناصر محمد بن الخطبة بدمشق من سابع شهر ربيع الآخر، فالمدة مائة يوم. ثم نادى أرجواش بكرة يوم السبت بالزينة فى البلد فزيّنت. وأما الملك الناصر محمد بن قلاوون فإنّ عوده إلى الديار المصرية كان يوم الأربعاء ثانى عشر شهر ربيع الآخر وتبعته العساكر المصرية والشامية متفرّقين، وأكثرهم عراة مشاة ضعفاء، وذاك الذي أوجب تأخّرهم عن الدخول مع السلطان إلى مصر، وأقاموا بعد ذلك أشهرا حتى استقام أمرهم، ولولا حصول البركة بالديار المصرية وعظمها ما وسعت مثل هذه الخلائق والجيوش التى دخلوها فى جفلة التتار وبعدها «2» ، فمنّ الله تعالى بالخيل والعدد والرزق، إلا أنّ جميع الأسعار غلت لا سمّا السّلاح وآلات الجنديّة من القماش والبرك «3» وحوائج الخيل وغير ذلك حتى زادت

عن الحدّ. وممّا زاد سعر العمائم، فإنّ الجند كان على رءوسهم فى المصافّ الخوذ، فلمّا انكسروا رموا الخوذ تخفيفا ووضعوا على رءوسهم المناديل، فاحتاجوا لمّا حضروا إلى مصر إلى شراء العمائم، مع أن الملك الناصر أنفق فى الجيش بعد عوده، واستخدم جمعا كثيرا من الجند خوفا من قدوم غازان إلى الديار المصرية، وتهيّأ السلطان إلى لقاء غازان ثانيا. وجهّز العساكر وقام بكلفهم أتمّ قيام على صغر سنّه. فلمّا ورد عليه الخبر بعدم مجىء قازان إلى الديار المصرية تجهّز وخرج بعساكره وأمرائه من الديار المصرية إلى جهة البلاد الشامية إلى ملتقى غازان ثانيا، بعد أن خلع على الأمير آقوش الأفرم الصغير بنيابة الشام على عادته، وعلى الأمير قرا سنقر المنصورىّ بنيابة حماة وحلب؛ وكان خروج السلطان من مصر بعساكره فى تاسع شهر رجب من سنة تسع وتسعين وستمائة، وسار حتى نزل بمنزلة الصالحية «1» بلغه عود قازان بعساكره إلى بلاده، فكلّم الأمراء السلطان فى عدم سفره ورجوعه إلى مصر فأبى عن رجوع العسكر، وسمع لهم فى عدم سفره، وأقام بمنزلة الصالحية. وسافر الأمير سلّار المنصورىّ نائب السلطنة بالديار المصرية، والأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير بالعساكر إلى الشام. ولما سار سلار وبيبرس الجاشنكير إلى جهة الشام تلاقوا فى الطريق مع الأمير سيف الدين قبجق والأمير يكتمر السلاح دار والألبكى وهم قاصدون السلطان، فعتب الأمراء قبجق ورفقته عتبا هيّنا على عبور قازان إلى البلاد الشامية، فاعتذروا أن ذلك كان خوفا من الملك المنصور لاچين وحنقا من مملوكه مكوتمر، وأنّهم لمّا بلغهم قتل الملك المنصور لاچين كانوا قد تكلّموا مع قازان فى دخول الشام، ولا بقى يمكنهم الرجوع عمّا قالوه، ولا سبيل إلى الهروب من عنده، فقبلوا عذرهم وبعثوهم إلى الملك الناصر، فقدموا عليه

بالصالحية وقبّلوا الأرض بين يديه، فعتبهم أيضا على ما وقع منهم، فذكروا له العذر السابق ذكره، فقبله منهم وخلع عليهم؛ وعاد السلطان إلى القاهرة وصحبته خواصّه والأمير قبجق ورفقته، فطلع القلعة فى يوم الخميس رابع عشر شعبان. ودخل الأمراء إلى دمشق ومعهم الأمير آقوش الأفرم الصغير نائب الشام وغالب أمراء دمشق، وفى العسكر أيضا الأمير قرا سنقر المنصورىّ متولّى نيابة حماة وحلب، ودخل الجميع دمشق بتجمّل زائد، ودخلوها على دفعات كلّ أمير بطلبه على حدة، وسرّ الناس بهم غاية السرور، وعلموا أن فى عسكر الإسلام القوّة والمنعة ولله الحمد. وكان آخر من دخل إلى الشام الأمير سلّار نائب السلطنة، وغالب الأمراء فى خدمته، حتى الملك العادل زين الدين كتبغا المنصورىّ نائب صرخد، ونزل جميع الجيش بالمرج وخلع على الأمير أرجواش المنصورىّ نائب قلعة دمشق باستمراره على عادته، وشكروا له الأمراء ما فعله من حفظ القلعة، ودخلوا الأمراء إلى دمشق وقلعة دمشق مغلقة وعليها الستائر والطّوارف «1» ، فكلّموه الأمراء فى ترك ذلك. فلما كان يوم السبت مستهلّ شهر رمضان أزال أرجواش الطوارف والستائر من على القلعة؛ فأقام العسكر بدمشق أياما حتى أصلحوا أمرها، ثم عاد الأمير سلّار إلى نحو الديار المصرية بجميع أمراء مصر وعساكره فى يوم السبت ثامن شهر رمضان، وتفرّق باقى الجيش كلّ واحد إلى محلّ ولايته؛ ودخل سلّار إلى مصر بمن معه فى ثالث شوّال بعد أن احتفل الناس لملاقاتهم، وخرج أمراء مصر إلى بلبيس «2» ، وخلع السلطان على جميع من قدم من الأمراء رفقة سلّار، وكانت خلعة سلّار أعظم من الجميع. ودام السلطان بقيّة سنته بالديار المصرية.

فلمّا استهلّت سنة سبعمائة كثرت الأراجيف بالشام ومصر بحركة قازان وكان قازان قد تسمى محمودا، وصار يقال له السلطان محمود غازان. ثم وصلت فى أول المحرّم من سنة سبعمائة الأخبار والقصّاد من الشرق وأخبروا أنّ قازان قد جمع جموعا كثيرة وقد نادى فى جميع بلاده الغزاة إلى مصر، وأنه قاصد الشام؛ فجفل أهل الشام من دمشق وتفرّقوا فى السواحل وقصدوا الحصون وتشتّت غالب أهل الشام إلى البلاد من الفرات إلى غزّة؛ فعند ذلك تجهز الملك الناصر وجهّز عساكره وتهيّأ وخرج بجميع عساكره وأمرائه من القاهرة إلى مسجد التّبن «1» فى يوم السبت ثالث عشر صفر، وسافر حتى قارب دمشق أقام بمنزلته «2» إلى سلخ شهر ربيع الآخر، وتوجّه هو وعساكره عائدين إلى جهة الديار المصرية، بعد أن لاقوا شدّة ومشقّة عظيمة من كثرة الأمطار والثلوج والأوحال وعدم المأكول، بحيث إنه انقطعت الطريق من البرد والمطر وعدم جلب المأكول لهم ولدوابّهم، حتى إنهم لم يقدروا على الوصول إلى دمشق؛ وكان طلوع السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى قلعة الجبل يوم الاثنين حادى عشر جمادى الأولى. وقبل عود السلطان إلى مصر كان جهّز السلطان الأمير بكتمر السلاح دار والأمير بهاء الدين يعقوبا «3» إلى دمشق أمامه، فدخلوا دمشق. ثم أشيع بدمشق عود السلطان إلى القاهرة، فجفل غالب

أهل دمشق منها، ونائب الشام لم يمنعهم بل يحسّن لهم ذلك. وقيل: إنّ والى دمشق بقى يجفّل الناس بنفسه، وصار يمرّ بالأسواق، ويقول: فى أىّ شىء أنتم قعود! ولما كان يوم السبت تاسع جمادى الأولى نادت المناداة بدمشق من قعد فدمه فى رقبته، ومن لم يقدر على السفر فليطلع إلى القلعة، فسافر فى ذلك اليوم معظم الناس. وأمّا قازان فإنه وصل إلى حلب ووصل عساكره إلى قرون حماة وإلى بلاد سرمين «1» ، وسيّر معظم جيشه إلى بلاد أنطاكية وغيرها، فنهبوا من الدوابّ والأغنام والأبقار ما جاوز حدّ الكثرة، وسبوا عالما كثيرا من الرجال والنساء والصبيان. ثم أرسل الله تعالى على غازان وعساكره الأمطار والثلوج بحيث إنه أمطر عليهم واحدا وأربعين يوما، وقت مطر ووقت ثلج، فهلك منهم عالم كثير؛ ورجع غازان بعساكره إلى بلادهم أقبح من المكسورين، وقد تلفت خيولهم وهلك أكثرها، وعجّزهم الله تعالى وخذلهم، وردّهم خائبين عما كانوا عزموا عليه. وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ . ووصل الخبر برجوعهم فى جمادى الآخرة، وقد خلت دمشق وجميع بلاد الشام من سكانها. ثم فى شهر رجب من السنة وصل إلى القاهرة وزير ملك الغرب بسبب الحج، واجتمع بالسلطان وبالأمير سلار نائب السلطنة وبالأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير فقابلوه بالإكرام وأنعموا عليه واحترموه، فلمّا كان فى بعض الأيام جلس

الوزير المغربىّ المذكور بباب القلعة عند بيبرس الجاشنكير وسلّار. فحضر بعض كتّاب النصارى، فقام إليه المغربىّ يتوهّم أنه مسلم ثم ظهر له أنه نصرانىّ فقامت قيامته، وقام من وقته ودخل إلى السلطان بحضرة الأمير سلّار وبيبرس مدبّرى مملكة الناصر محمد، وتحدّث معهم فى أمر النصارى واليهود، وأنهم عندهم فى بلادهم فى غاية الذّل والهوان، وأنهم لا يمكنونهم من ركوب الخيل، ولا من استخدامهم فى الجهات السلطانية والديوانية، وأنكر على نصارى ديار مصر ويهودها كونهم يلبسون أفخر الثياب ويركبون البغال والخيل، وأنهم يستخدمونهم فى أجلّ الجهات ويحكّمونهم فى رقاب المسلمين؛ ثم إنه ذكر عهد ذمّتهم قد انقضت من سنة ستمائة من الهجرة النبويّة، وذكر كلاما كثيرا من هذا النوع، فأثّر كلامه عند القلوب النّيّرة من أهل الدولة، وحصل له قبول من الخاصّ والعام بسبب هذا الكلام، وقام بنصرته الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير وجماعة كثيرة من الأمراء وافقوه على ذلك، ورأوا أنّ فى هذا الأمر مصلحة كبيرة لاظهار شعائر الاسلام. فلمّا كان [يوم الخميس «1» العشرون من] شهر رجب جمعوا النصارى واليهود ورسموا لهم ألّا يستخدموا فى الجهات السلطانيّة ولا عند الأمراء، وأن يغيّروا عمائمهم فيلبس النصارى عمائم زرقا وزنانيرهم مشدودة فى أوساطهم؛ وأنّ اليهود يلبسون عمائم صفرا، فسعوا الملّتان عند جميع أمراء الدولة وأعيانها، وساعدهم أعيان القبط وبذلوا الأموال الكثيرة الخارجة عن الحدّ للسلطان والأمراء على أن يعفوا من ذلك، فلم يقبل منهم شيئا. وشدّد عليهم الأمير بيبرس الجاشنكير الأستادار- رحمه الله- غاية التشديد، فإنه هو الذي كان القائم فى هذا الأمر، عفا الله تعالى عنه وأسكنه الجنة بما فعله، فإنه رفع الاسلام بهذه الفعلة وخفض أهل الملّتين بعد أن وعد بأموال جمّة فلم يفعل.

قلت: رحم الله ذلك الزمان وأهله ما كان أعلى هممهم، وأشبع نفوسهم! وما أحسن قول المتنبىّ: أتى الزمان بنوه فى شبيبته ... فسرّهم وأتيناه على الهرم ثم رسم السلطان الملك الناصر محمد بغلق الكنائس بمصر والقاهرة، فضرب على كل باب منها دفوف ومسامير «1» ، وأصبح يوم «2» الثانى والعشرين من شهر رجب المبارك من سنة سبعمائة، وقد لبسوا اليهود عمائم صفرا، والنصارى عمائم زرقا، وإذا ركب أحد منهم بهيمة يكفّ إحدى رجليه، وبطلوا من الخدم السلطانية وكذلك من عند الأمراء؛ وأسلم لذلك جماعة كثيرة من النصارى، منهم: أمين الملك مستوفى الصّحبة «3» وغيره. ثم رسم السلطان أن يكتب بذلك فى جميع بلاده من دنقلة «4» إلى الفرات. فأمّا أهل الإسكندرية لما وصل إليهم المرسوم سارعوا إلى خراب كنيستين عندهم، وذكروا أنهما مستجدّتان فى عهد الإسلام، ثم داروا إلى دورهم فما وجدوه أعلى على من جاورها من دور المسلمين هدموه، وكلّ من كان جاور مسلما فى حانوت أنزلوا مصطبة حانوته بحيث يكون المسلم أرفع منه، وفعلوا أشياء كثيرة

من هذا، وأقاموا شعار الإسلام كما ينبغى على العادة القديمة؛ ووقع ذلك بسائر الأقطار لا سيّما أهل دمشق، فإنهم أيضا أمعنوا فى ذلك. وعملت الشعراء فى هذا المعنى عدّة مقاطيع شعر، ومما قاله الشيخ شمس الدين الطيبىّ: تعجّبوا للنصارى واليهود معا ... والسامريّين لمّا عمّموا الخرقا كأنّما بات بالأصباغ منسهلا ... نسر السماء فأضحى فوقهم ذرقا ومما قاله الشيخ علاء الدين كاتب ابن وداعة المعروف بالوداعىّ «1» فى المعنى وأجاد: لقد الزموا الكفّار شاشات ذلّة ... تزيدهم من لعنة الله تشويشا فقلت لهم ما ألبسوكم عمائما ... ولكنّهم قد ألبسوكم براطيشا وفيها فى تاسع ذى القعدة وصل إلى القاهرة من حلب الأمير أنس يخبر بحركة التتار، وأنّ التتار قد أرسلوا أمامهم رسلا، وأنّ رسلهم قد قاربت الفرات، ثم وصلت الرسل المذكورة بعد ذلك بمدة إلى الديار المصرية فى ليلة الاثنين خامس عشر ذى الحجّة، وأعيان القصّاد ثلاثة نفر: قاضى «2» الموصل وخطيبها كمال الدين «3» بن بهاء الدين بن كمال الدين بن يونس الشافعى، وآخر عجمىّ وآخر تركىّ. ولما كان عصر يوم الثلاثاء جمعوا الأمراء والمقدّمين إلى القلعة وعملت الخدمة ولبسوا المماليك أفخر الثياب والملابس، وبعد العشاء الأخيرة أوقدوا الشموع نحوا من ألف شمعة، ثم أظهروا زينة عظيمة بالقصر، ثم أحضروا الرسل، وحضر القاضى بجملتهم وعلى رأسه طرحة، فقام وخطب خطبة بليغة وجيزة وذكر آيات كثيرة فى معنى الصلح واتّفاق الكلمة ورغّب فيه، ثم إنه دعا للسلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون،

ومن بعده للسلطان محمود غازان، ودعا للمسلمين والأمراء وأدّى الرسالة. ومضمونها: إنّما قصدهم الصلح ودفعوا إليهم كتابا مختوما من السلطان غازان، فأخذ منهم الكتاب ولم يقرءوه تلك الليلة، وأعيد الرسل إلى مكانهم. فلمّا كان ليلة الخميس فتح الكتاب وقرئ على السلطان وهو مكتوب بالمغلى «1» وكتم الأمر. فلما كان يوم الخميس ثامن عشر ذى الحجّة حضر جميع الأمراء والمقدّمين وأكثر العسكر وأخرج إليهم الكتاب وقرئ عليهم، وهو مكتوب بخطّ غليظ فى نصف قطع البغدادىّ، ومضمونه: «بسم «2» الله الرحمن الرحيم، وننهى بعد السلام «3» إليه أنّ الله عزّ وجلّ جعلنا وإياكم أهل ملّة واحدة، وشرفنا بدين الإسلام وأيّدنا، وندبنا لإقامة مناره وسدّدنا؛ وكان بيننا وبينكم ما كان بقضاء الله وقدره، وما كان ذلك إلّا بما كسبت أيديكم، وما الله بظلّام للعبيد! وسبب ذلك أنّ بعض عساكركم أغاروا على ماردين «4» وبلادها فى شهر رمضان المعظّم قدره، الذي لم تزل الأمم يعظّمونه فى سائر الأقطار، وفيه تغلّ «5» الشياطين وتغلق أبواب النيران، فطرقوا البلاد على حين غفلة من أهلها، وقتلوا وسبوا وفسقوا وهتكوا محارم الله بسرعة من غير مهلة؛ وأكلوا الحرام وارتكبوا الآثام، وفعلوا ما لم تفعله عبّاد الأصنام؛ فأتونا أهل ماردين صارخين مسارعين ملهوفين مستغيثين بالأطفال والحريم، وقد استولى عليهم الشّقاء بعد النعيم؛ فلاذوا بجنابنا «6» وتعلّقوا بأسبابنا، ووقفوا موقف المستجير الخائف ببابنا؛ فهزّتنا نخوة الكرام، وحركتنا حميّة

الإسلام، فركبنا على الفور بمن كان معنا ولم يسعنا بعد هذا المقام؛ ودخلنا البلاد وقدّمنا النّية، وعاهدنا الله تعالى على ما يرضيه عند بلوغ الأمنية؛ وعلمنا أنّ الله تعالى لا يرضى لعباده الكفر بأن يسعوا فى الأرض فسادا [والله «1» لا يحبّ الفساد] ، وأنه يغضب لهتك الحريم وسبى الأولاد؛ فما كان إلا أن لقيناكم بنيّة صادقة، وقلوب على الحميّة للدين موافقة؛ فمزّقنا كم كلّ ممزّق، والذي ساقنا إليكم، هو الذي نصرنا عليكم؛ وما كان مثلكم إلا كمثل قرية كانت آمنة مطمئنة الآية. فولّيتم الأدبار، واعتصمتم من سيوفنا بالفرار، فعفونا عنكم بعد اقتدار، ورفعنا عنكم حكم السيف البتّار؛ وتقدمنا إلى جيوشنا ألّا يسعوا فى الأرض كما سعيتم، وأن ينشروا من العفو والعفاف ما طويتم، ولو قدرتم ما عفوتم ولا عففتم «2» ؛ ولم نقلّدكم منّة بذلك، بل حكم الإسلام فى قتال البغاة كذلك؛ وكان جميع ما جرى فى سالف القدم، ومن قبل كونه جرى به فى اللّوح القلم؛ ثم لمّا رأينا الرعيّة تضرّروا «3» بمقامنا فى الشام، لمشاركتنا «4» لهم فى الشراب والطعام؛ وما حصل فى قلوب الرعيّة من الرّعب، عند معاينة جيوشنا التى هى كمطبّقات السّحب؛ فأردنا أن نسكّن تخوّفهم بعودتنا من أرضهم بالنصر والتأييد، والعلوّ والمزيد؛ فتركنا عندهم بعض جيوشنا بحيث تنونّس بهم، وتعود فى أمرها «5» إليهم؛ ويحرسونهم من تعدّى بعضهم على بعض، بحيث إنّكم ضاقت بكم الأرض؛ إلى أن يستقرّ جأشكم، وتبصروا رشدكم؛ وتسيّروا إلى الشام من يحفظه من أعدائكم المتقدمين، وأكرادكم «6»

المتمرّدين؛ وتقدّمنا إلى مقدّمى طوامين «1» جيوشنا أنّهم متى سمعوا بقدوم أحد منكم «2» إلى الشام، أن يعودوا إلينا بسلام؛ فعادوا الينا بالنصر المبين، والحمد لله رب العالمين. والان فإنّا وإيّاكم لم نزل على كلمة الإسلام مجتمعين، وما بيننا ما يفرّق كلمتنا إلا ما كان من فعلكم بأهل ماردين؛ وقد أخذنا منكم القصاص، وهو جزاء كلّ عاص؛ فنرجع الآن فى إصلاح الرعايا، ونجتهد نحن وإيّاكم على العدل فى سائر القضايا فقد انضرّت بيننا وبينكم حال البلاد وسكانها، ومنعها «3» الخوف من القرار فى أوطانها؛ وتعذّر سفر التجار، وتوقّف حال المعايش لانقطاع البضائع والأسفار؛ ونحن نعلم أنّنا نسأل عن ذلك ونحاسب عليه، وأنّ الله عزّ وجلّ لا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء، وأنّ جميع ما كان وما يكون فى كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها. وأنت تعلم أيّها الملك الجليل، أنّنى وأنت مطالبون بالحقير والجليل؛ وأننا مسئولون عمّا جناه، أقل من وليناه، وأنّ مصيرنا إلى الله؛ وأنا معتقدون الإسلام قولا وعملا [ونيّة، عاملون بفروضه فى كلّ وصيّة «4» ] . وقد حمّلنا قاضى القضاة علامة الوقت حجّة الإسلام بقيّة السلف كمال «5» الدين موسى بن محمد أبا عبد الله، أعزّه الله تعالى، مشافهة يعيدها على سمع الملك والعمدة عليها، فإذا عاد من الملك «6» الجواب فليسيّر لنا هديّة الديار المصرية، لنعلم بإرسالها أن قد حصل

منكم فى إجابتنا للصلح صدق النيّة؛ ونهدى إليكم من بلادنا ما يليق أن نهديه إليكم، والسلام الطيّب منا عليكم. إن شاء الله تعالى» . فلمّا سمع الملك الناصر الكتاب استشار الأمراء فى ذلك، وبعد أيام طلبوا قاضى الموصل (أعنى الرسول) المقدّم ذكره من عند قازان، وقالوا له: أنت من أكابر العلماء وخيار المسلمين، وتعلم ما يجب عليك من حقوق الإسلام والنصيحة للدّين؛ فنحن ما نتقاتل إلا لقيام الدّين؛ فإن كان هذا الأمر قد فعلوه حيلة ودهاء فنحن نحلف لك أنّ ما يطّلع على هذا القول أحد من خلق الله تعالى، ورغّبوه غاية الرغبة؛ فخلف لهم بما يعتقده أنّه ما يعلم من قازان وخواصّه غير الصلح وحقن الدماء ورواج التجّار ومجيئهم وإصلاح الرعية. ثم إنّه قال لهم: والمصلحة أنّكم تتفقون وتبقون على ما أنتم عليه من الاهتمام بعدوّكم، وأنتم فلكم عادة فى كلّ سنة تخرجون إلى أطراف بلادكم لأجل حفظها فتخرجون على عادتكم؛ فإن كان هذا الأمر خديعة فيظهر لكم فتكونون مستيقظين؛ وإن كان الأمر صحيحا فتكونون قريبين منهم «1» فينتظم الصلح وتحقن الدماء فيما بينكم. فلمّا سمعوا كلامه رأوه ما فيه غرض وهو مصلحة، فشرعوا لعيّنوا من يروح فى الرسالة، فعيّنوا جماعة، منهم الأمير شمس الدين [محمد «2» ] بن التّيتىّ، والخطيب شمس الدين «3» الجوزىّ خطيب جامع ابن طولون «4» ، فتشفّع ابن الجوزىّ حتى تركوه، وعيّنوا القاضى عماد «5» الدين بن السّكّرىّ

خطيب جامع الحاكم «1» ، وهو ناظر دار العدل «2» بالديار المصرية، وشخصا أمير آخور من البرجيّة. ثم إنّ السلطان أخذ فى تجهيز أمرهم إلى ما يأتى ذكره. ثم استقرّ السلطان فى سنة إحدى وسبعمائة بالأمير عزّ الدين أيبك البغدادىّ المنصورىّ، أحد الأمراء البرجية فى الوزارة عوضا عن شمس الدين سنقر الأعسر، وجلس فى قلعة الجبل بخلعة الوزارة، وطلع إليه جميع أرباب الدولة وأعيان الناس.

وأيبك هذا هو الرابع من الوزراء الأمراء الأتراك بالديار المصرية، الذين كان تضرب على أبوابهم الطبلخاناه على قاعدة الوزراء بالعراق زمن الخلفاء؛ فأوّلهم الأمير علم الدين سنجر الشّجاعىّ المنصورىّ. ثم ولى بعده الأمير بدر الدين بيدرا، ولمّا ولى بيدرا نيابة السلطنة أعيد الشجاعىّ، وبعده ابن السّلعوس وليس هما من العدد، ثم الخليلىّ وليس هو من العدد. ثم بعد الخليلى، ولى الأمير سنقر الأعسر الوزر، وهو الثالث. ثم بعده أيبك هذا وهو الرابع. وكان الوزير يوم ذاك فى رتبة النيابة بالديار المصرية، ونيابة السلطنة كانت يوم ذاك دون السلطنة. انتهى. وفى يوم الأحد تاسع عشر المحرّم من سنة إحدى وسبعمائة، رسم السلطان لجميع الأمراء والمقدّمين بمصر والقاهرة أن يخرجوا صحبة السلطان إلى الصيد نحو العبّاسة «1» ، وأن يستصحبوا معهم عليق عشرة أيام، وسافر السلطان بأكثر العسكر والجميع بعدّتهم فى بكرة يوم الاثنين فى العشرين من المحرّم. ونزل إلى بركة الحجّاج «2» وتبعه جميع الأمراء

والمقدّمين والعساكر، وبعد سفره سيّروا طلبوا القضاة الأربعة فتوجّهوا إليه، واجتمعوا بالسلطان فى بركة الحجاج وعادوا إلى القاهرة، ثم شرعوا فى تجهيز رسل قازان، وتقدّم دهليز السلطان إلى الصالحية «1» ، ودخل السلطان والأمراء إلى البريّة «2» بسبب الصيد. فلمّا كان يوم الاثنين عشيّة النهار وصل السلطان والأمراء إلى الصالحية، فخلع على جميع الأمراء والمقدّمين، وكان عدّة ما خلع أربعمائة وعشرين خلعة، وكان الرسل قد سفّروهم من القاهرة وأنزلوهم بالصالحية، حتى إنهم يجتمعون بالسلطان عند حضوره من الصيد. فلما حضر الأمراء قدّام السلطان بالخلع السنيه وتلك الهيئة الجميلة الحسنة أذهل عقول الرسل مما رأوا من حسن زىّ عسكر الديار المصرية بخلاف زىّ التتار، وأحضروا الرسل فى الليل إلى الدهليز إلى بين يدى السلطان، وقد أوقدوا شموعا كثيرة ومشاعل عديدة وفوانيس وأشياء كثيرة من ذلك تتجاوز عن الحد بحيث إنّ البريّة بقيت حمراء تتلهّب نورا ونارا، فتحدّثوا معهم ساعة، ثم أعطوهم جواب الكتاب، وخلعوا عليهم خلع السفر وأعطوا لكلّ واحد من الرسل عشرة آلاف درهم وقماشا وغير ذلك. ونسخة الكتاب المسيّر إليهم صورته: «بسم الله الرحمن الرحيم: علمنا «3» ما أشار الملك إليه، وعوّل فى قوله [وفعله «4» ] عليه؛ فأمّا قول الملك: قد جمعتنا وإياكم كلمة الإسلام! وإنه لم يطرف بلادنا ولا قصدها إلا لما سبق به القضاء المحتوم، فهذا الأمر غير مجهول [بل] هو عندنا

معلوم؛ وإنّ السبب فى ذلك غارة بعض جيوشنا على ماردين، وإنهم قتلوا وسبوا وهتكوا الحريم وفعلوا فعل من لاله دين؛ فالملك يعلم أن غارتنا ما برحت فى بلادكم، مستمرّة من عهد آبائكم وأجدادكم؛ وأنّ من فعل ما فعل من الفساد «1» ، لم يكن برأينا ولا من أمرائنا ولا الأجناد؛ بل من الأطراف الطامعة ممّن لا يؤبه إليه، ولا يعوّل فى فعل ولا قول عليه؛ وأنّ «2» معظم جيشنا كان فى تلك الغارة إذا لم يجدوا ما يشترونه للقوت صاموا لئلّا يأكلوا ما فيه شبهة أو حرام، وأنهم أكثر ليلهم سجّد ونهارهم صيام. وأمّا قول الملك ابن الملك «3» الذي هو من أعظم القان فيقول قولا يقع عليه الردّ من قريب، ويزعم أنّ جميع ما هو عليه من علمنا ساعة واحدة يغيب؛ ولو يعلم أنّه لو تقلّب فى مضجعه من جانب إلى جانب، أو خرج من منزله راجلا أو راكبا؛ كان عندنا علم من ذلك فى الوقت القريب؛ [ويتحقق أنّ أقرب بطائنه إليه، هو العين لنا عليه، وإن كثر ذلك لديه «4» ،] . ونحن تحقّقنا أنّ الملك بقى عامين يجمع «5» الجموع، وينتصر بالتابع والمتبوع؛ وحشد وجمع من كلّ بلد واعتضد بالنصارى والكرج والأرمن، واستنجد بكلّ من ركب فرسا من فصيح وألكن؛ وطلب من المسوّمات خيولا وركاب، وكثر سوادا وعدّد أطلاب؛ ثم إنّه لمّا رأى أنه ليس له بجيشنا قبل فى المجال، عاد إلى قول الزّور والمحال، والخديعة والاحتيال؛ وتظاهر بدين الإسلام، واشتهر به فى الخاص والعام؛ والباطن بخلاف ذلك، حتّى ظنّ جيوشنا

وأبطالنا أنّ الأمر كذلك؛ فلمّا [التقينا «1» معه] كان معظم جيشنا يمتنع من قتاله، ويبعد عن نزاله؛ ويقول: لا يجوز لنا قتال المسلمين، ولا يحلّ قتل من يتظاهر بهذا الدين!؛ فلهذا حصل منهم الفشل، وبتأخّرهم عن قتالكم حصل ما حصل؛ وأنت تعلم أنّ الدائرة كانت عليك. وليس يرى من «2» أصحابك الّا من هو نادم أو باكى، أو فاقد عزيز عنده أو شاكى؛ والحرب سجال يوم لك، ويوم عليك؛ وليس ذلك ممّا تعاب به الجيوش ولا تقهر، وهذا بقضاء الله وقدره المقدّر. وأمّا قول الملك إنّه لما التقى بجيشنا مزّقهم كلّ ممزّق، فمثل هذا القول ما كان يليق بالملك أن يقوله أو يتكلّم به، وهو يعلم وإن كان ما رأى بل يسأل كبراء دولته وأمراء عساكره عن وقائع جيوشنا ومراتع سيوفنا من رقاب آبائه وأجداده، وهى إلى الآن تقطر من دمائهم؛ وإن كنت نصرت مرّة فقد كسرت آباؤك مرار، وإن كان جيشك قد داس أرضنا مرّة فبلادكم لغارتنا مقام ولجيوشنا قرار؛ وكما تدين تدان. وأمّا قول الملك: إنّه ومن معه اعتقدوا الإسلام قولا وفعلا «3» وعملا ونيّة، فهذا الذي فعلته ما فعله من هو متوجّه الى هذه البنيّة، أعنى الكعبة المضّية فإنّ الذي جرى بظاهر دمشق وجبل الصالحية ليس بخفىّ عنك «4» ولا مكتوم، وليس هذا هو فعل المسلمين، ولا من هو متمسّك بهذا الدين؛ فأين وكيف وما الحجّة! وحرم البيت المقدس تشرب فيه الخمور، وتهتك الستور، وتفتضّ البكور؛ ويقتل فيه المجاورون،

ويستأسر خطباؤه [والمؤذّنون «1» ] ، ثم على رأس خليل الرحمن، تعلّق الصّلبان، وتهتك النسوان، ويدخل فيه الكافر سكران؛ فإن كان هذا عن علمك ورضاك، فواخيبتك فى دنياك وأخراك؛ ويا ويلك فى مبدئك ومعادك، وعن قليل يؤذن بخراب عمرك وبلادك، وهلاك جيشك وأجنادك؛ وإن كنت لم تعلم بذلك فقد أعلمناك، فاستدرك ما فات فليس مطلوبا به سواك؛ وإن كنت كما زعمت أنّك على دين الإسلام، وأنت فى قولك صادق فى الكلام، وفى عقدك صحيح النظام؛ فاقتل الطّوامين الذين فعلوا هذه الفعال، وأوقع بهم أعظم النّكال؛ لنعلم أنك على بيضاء المحجّة، وكان فعلك وقولك أبلغ حجّة؛ ولمّا وصلت جيوشنا إلى القاهرة المحروسة وتحقّقوا أنّكم تظاهرتم بكلمة الإخلاص وخدعتم باليمين والإيمان، وانتصرتم على قتالهم بعبدة الصّلبان؛ اجتمعوا وتأهّبوا وخرجوا بعزمات محمديّة، وقلوب بدريّة، وهمم عليّة، عند الله مرضيّة؛ وحدّوا السير فى البلاد، ليتشفّوا منكم غليل الصدور والأكباد؛ فما وسع جيشكم إلا الفرار، وما كان لهم على اللّقاء صبر ولا قرار؛ فاندفعت عساكرنا المنصورة مثل أمواج البحر الزّخار إلى الشام، يقصدون دخول بلادكم ليظفروا بنيل المرام؛ فخشينا على رعيتكم تهلك، وأنتم تهربون ولا تجدون إلى النجاة مسلك؛ فأمرناهم بالمقام، ولزوم الأهبة والاهتمام؛ ليقضى الله أمرا كان مفعولا. وأمّا ما تحمّله قاضى القضاة من المشافهة، فإنّا سمعناه ووعيناه وتحقّقنا تضمنته مشافهة؛ ونحن نعلم علمه ونسكه ودينه وفضله المشهور، وزهده فى دار الغرور؛ ولكن قاضى القضاة غريب عنكم بعيد منكم، لم يطّلع على بواطن قضاياكم وأموركم، ولا يكاد يظهر له خفىّ مستوركم؛ فإن كنتم تريدون الصلح والإصلاح، وبواطنكم كظواهركم متتابعة فى الصلاح؛ وأنت أيها الملك طالب الصلح على التحقيق، وليس

فى قولك مين ولا يشوبه تنميق؛ فنحن نقلّدك [سيف «1» ] البغى، ومن سلّ سيف البغى قتل به، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله؛ فيرسل إلينا من خواص دولتك رجل يكون منكم ممّن إذا قطع بأمر وقفتم عنده، أو فصل حكما انتهيتم إليه، أو جزم أمرا عوّلتم عليه؛ يكون له فى أوّل دولتكم حكم وتمكين، وهو فيما يعوّل عليه ثقة أمين؛ لنتكلّم معه فيما فيه الصلاح لذات البين، وإن لم يكن كذلك عاد بخفّى حنين. وأمّا ما طلبه الملك من الهديّة من الديار المصريّة فليس نبخل عليه، ومقداره عندنا أجلّ مقدار وجميع ما يهدى إليه دون قدره، وإنّما الواجب أن يهدى أوّلا من استهدى؛ لتقابل هديته بأضعافها، ونتحقّق صدق نيّته، وإخلاص سريرته؛ ونفعل ما يكون فيه رضا الله عزّ وجلّ ورضا رسوله فى الدنيا والآخرة، لعلّ صفقتنا رابحة فى معادنا غير خاسرة. والله تعالى الموفّق للصواب» . انتهى. ثم سافر القصّاد المذكورون، وعاد السلطان من الصّيد فى ثالث صفر إلى بركة الحجّاج والتقى أمير الحاج وهو الأمير سيف الدين بكتمر الجوكندار أمير جاندار، وصحبته ركب الحاجّ والمحمل السلطانىّ، فنزل عنده السلطان وخلع عليه؛ ثم ركب وتوجّه حتى صعد قلعة الجبل عصر النهار، ودخل عقيب دخوله المحمل والحجاج، وشكر الحاجّ من حسن سيرة بكتمر المذكور مع سرعة مجيئه بخلاف العادة؛ فإن العادة كانت يوم ذاك دخول المحمل فى سابع صفر، وقبل ذلك وبعد ذلك. وعمل بكتمر فى هذه السّفرة من الخيرات والبرّ والخلع على أمراء الحجاز وغيرهم شيئا كثيرا؛ قيل: إنّ جملة ما أنفقه فى هذه السفرة خمسة وثمانون ألف دينار مصرية، تقبل الله تعالى منه. ثمّ فى صفر هذا وصل الخبر إلى السلطان بأنّ قازان على عزم الركوب وقصد الشام، وأنّ مقدّم عساكره الأمير بولاى قد قارب

الفرات، وأنّ الذي أرسله من الرسل خديعة. فعند ذلك شرع السلطان فى تجهيز العساكر، وتهيّأ للخروج إلى البلاد الشامية، ثم فى أثناء ذلك ورد على السلطان قاصد الأمير كتبغا المنصورىّ نائب صرخد، وكتبغا هذا هو الملك العادل المخلوع بالملك المنصور لاچين المقدّم ذكرهما، وأخبر أنه وقع بين حماة وحمص وحصن الأكراد برد وفيه شىء على صورة بنى آدم من الذكور والإناث، وصور قرود وغير ذلك، فتعجب السلطان وغيره من ذلك. ثمّ فى ليلة الجمعة ثامن عشر جمادى الأولى فى وقت السحر توفّى الخليفة أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن علىّ «1» الهاشمىّ العباسىّ بمسكنه بالكبش «2» ظاهر القاهرة ومصر المطلّ على بركة الفيل «3» ، وخطب له فى ذلك اليوم بجوامع القاهرة ومصر، فإنهم أخفوا موته إلى بعد صلاة الجمعة، فلمّا انقضت الصلاة سيّر الأمير سلّار نائب السلطنة خلف جماعة الصوفية ومشايخ الزوايا «4» والرّبط «5» والقضاة والعلماء والأعيان من الأمراء وغيرهم للصلاة عليه، وتولّى غسله وتكفينه الشيخ كريم «6» الدين شيخ الشيوخ بخانقاه

سعيد «1» السعداء، ورئيس المغسّلين بين يديه، وهو عمر بن عبد العزيز الطوخىّ، وحمل من الكبش إلى جامع أحمد بن طولون، ونزل نائب السلطنة الأمير سلّار، والأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير الأستادار، وجميع الأمراء من القلعة إلى الكبش، وحضروا تغسيله ومشوا أمام جنازته إلى الجامع المذكور، وتقدّم للصلاة عليه الشيخ كريم الدين المذكور، وحمل إلى تربته «2» بجوار السيدة نفيسة ودفن بها، بعد أن أوصى بولاية العهد إلى ولده أبى الربيع سليمان، وتقدير عمره فوق العشرين سنة. وكان السلطان طلبه فى أوّل نهار الجمعة قبل الإشاعة بموت والده، وأشهد عليه أنه ولّى الملك الناصر محمد بن قلاوون جميع ما ولّاه والده وفوّضه إليه، ثم عاد إلى الكبش. فلمّا فرغت الصلاة على الخليفة ردّ ولده المذكور وأولاد أخيه من جامع ابن طولون إلى دورهم، ونزل من القلعة خمسة خدّام من خدّام السلطان، وقعدوا على باب الكبش صفة الترسيم عليهم، وسيّر السلطان يستشير قاضى القضاة تقىّ الدين ابن دقيق العيد الشافعىّ فى أمر سليمان المذكور، هل يصلح للخلافة أم لا؟ فقال: نعم يصلح وأثنى

عليه، وبقى الأمر موقوفا إلى يوم الخميس رابع عشرين جمادى الأولى المذكور. فلمّا كان بكرة النهار المذكور طلب سليمان إلى القلعة فطلع هو وأولاد أخيه بسبب المبايعة فأمضى السلطان ما عهد اليه والده المذكور بعد فصول وأمور يطول شرحها بينه وبين أولاد أخيه، وجلس السلطان وخلع على أبى الربيع سليمان هذا خلعة الخلافة، ونعت بالمستكفى، وهى جبّة سوداء وطرحة سوداء، وخلع على أولاد أخيه خلع الأمراء الأكابر خلعا ملوّنة. وبعد ذلك بايعه السلطان والأمراء والقضاة والمقدّمون وأعيان الدولة، ومدّوا السّماط على العادة؛ ثم رسم له السلطان بنزوله إلى الكبش وأجرى راتبه الذي كان مقرّرا لوالده وزيادة، ونزلوا إلى الكبش وأقاموا به إلى يوم الخميس مستهل جمادى الآخرة حضر من عند السلطان المهمندار «1» ومعه جماعة وصحبتهم جمال كثيرة، فنقلوا الخليفة وأولاد أخيه ونساءهم وجميع من يلوذ بهم إلى قلعة الجبل، وأنزلوهم بالقلعة فى دارين: الواحدة تسمّى بالصالحية، والأخرى بالظاهريّة، وأجروا عليهم الرواتب المقرّرة لهم، وكان فى يوم الجمعة ثانى يوم المبايعة خطب بمصر والقاهرة للمستكفى هذا، ورسم بضرب اسمه على سكّة الدينار والدرهم. انتهى. وكان السلطان قبل ذلك أمر بخروج تجريدة إلى الوجه القبلى لكثرة فساد العربان وتعدّى شرّهم فى قطع الطريق إلى أن فرضوا على التجّار وأرباب المعايش بأسيوط «2» ومنفلوط «3» فرائض جبوها شبه الجالية «4» ، واستخفّوا بالولاة ومنعوا الخراج

وتسمّوا بأسماء الأمراء، وجعلوا لهم كبيرين: أحدهما سمّوه سلّار، والآخر بيبرس، ولبسوا الأسلحة وأخرجوا أهل السجون بأيديهم؛ فأحضر السلطان الأمراء والقضاة [والفقهاء «1» ] واستفتوهم فى قتالهم، فأفتوهم بجواز ذلك؛ فاتّفق الأمراء على الخروج لقتالهم، وأخذت الطّرق عليهم لئلا يمتنعوا بالجبال والمنافذ، فيفوت الغرض فيهم، واستدعوا الأمير ناصر الدين محمد بن الشيخى متولّى الجيزة وندبوه لمنع الناس بأسرهم من السفر إلى الصعيد فى البر والبحر، ومن ظهر أنه سافر كانت أرواح الولاة قباله وما ملك، وأشاع الأمراء أنهم يريدون السفر إلى الشام وتجهّزوا، وكتبت أوراق الأمراء المسافرين وهم عشرون مقدّما بمضاقيهم، وعينوا أربعة أقسام: قسم يتوجّه فى البرّ الغربىّ. وقسم يتوجه فى البر الشرقىّ. وقسم يركب النيل. وقسم يمضى فى الطريق السالكة. وتوجه الأمير شمس الدين سنقر الأعسر، وكان قد قدم من الشام، إلى الواح «2» فى خمسة أمراء، وقرّروا أن يتأخّر مع السلطان أربعة أمراء من المقدّمين، ورسم

إلى كلّ من تعيّن من الأمراء لجهة أن يضع السيف فى الكبير والصغير والجليل والحقير، ولا يبقوا شيخا ولا صبيّا ويحتاطوا على سائر الأموال، وسار الأمير سلّار نائب السلطنة فى رابع جمادى الآخرة ومعه جماعة من الأمراء فى البر الغربىّ، وسار الأمير بيبرس الجاشنكير بمن معه من الحاجر «1» فى البرّ الغربىّ أيضا من طريق الواحات وسار الأمير بكتاش أمير سلاح بمن معه فى البرّ الشرقىّ وسار الأمير قتّال السبع وبيبرس الدوادار وبلبان الغلمشى «2» وغيره «3» من الشرقية إلى السّويس «4»

والطور «1» ، وسار الأمير قبجق المنصورىّ نائب الشام بمن كان معه إلى عقبة السيل «2» ، وسار طقصبا والى قوص «3» بعرب الطاعة، وأخذ عليهم المفازات؛ وقد عمّيت أخبار الديار المصرية على أهل الصعيد لمنع المسافرين إليها فطرقوا

الأمراء البلاد على حين غفلة من أهلها، ووضعوا السيف من الجيزة بالبرّ «1» الغربىّ والإطفيحية «2» من الشرقىّ، فلم يتركوا أحد إلّا قتلوه، ووسّطوا نحو عشرة آلاف رجل، وما منهم إلا من أخذوا ماله وسبوا حريمه، فكان إذا ادّعى أحد منهم أنه حضرىّ، قيل له: قل دقيق، فإن قال: دقيق بالكاف لغات العرب قتل، وإن قال: بالقاف المعهودة أطلق، ووقع الرعب فى قلوب العربان حتى طبّق عليهم الأمراء وأخذوهم من كلّ جهة فرّوا إليها، وأخرجوهم من مخابئهم حتى قتلوا من جانبى «3» النيل إلى قوص، وجافت الأرض بالقتلى، واختفى كثير منهم بمغاور الجبال فأوقدت عليهم النّيران حتى هلكوا بأجمعهم، وأسر منهم نحو ألف وستمائة لهم فلاحات وزروع، وحصّل من أموالهم شىء عظيم جدّا تفرّقته الأيدى، وأحضر منه إلى الديوان السلطانىّ ستة عشرة ألف رأس من الغنم، وذلك من جملة ثمانين ألف رأس ما بين ضأن وما عز، ومن السلاح نحو مائتين وستين جملا من السيوف والسلاح والرماح، ومن الأموال على بغال محملة مائتين وثمانين بغلا، ونحو أربعة آلاف فرس، واثنين وثلاثين ألف جمل، وثمانية آلاف رأس من البقر، غير ما أرصد فى المعاصر، وصار لكثرة ما حصّل للاجناد والغلمان والفقراء الذين اتّبعوا العسكر فباعوا الكبش الكبير السمين من ثلاثة دراهم إلى درهم «4» ، والمعز بدرهم الرأس، والجزّة الصوف بنصف درهم، والكساء بخمسة دراهم «5» ، والرّطل السمن بربع درهم، ولم يوجد من يشترى الغلال لكثرتها؛ فإنّ البلاد طرقت وأهلها آمنون، وقد كسروا الخراج سنتين «6» . ثم عاد العسكر فى سادس عشر شهر رجب من سنة إحدى وسبعمائة،

وقد خلت بلاد الصعيد من أهلها بحيث صار الرجل يمشى فلا يجد فى طريقه أحدا وينزل القرية فلا يرى إلا النساء والصبيان؛ ثم أفرج السلطان عن المأسورين وأعادهم إلى بلادهم لحفظ البلاد. وعند عود الأمراء المذكورين من بلاد الصعيد ورد الخبر من حلب أن تكفور متملّك سيس منع الحمل وخرج عن الطاعة وانتمى لغازان، فرسم بخروج العساكر لمحاربته، وخرج الأمير بدر الدين بكتاش الفخرىّ أمير سلاح، والأمير عزّ الدين أيبك الخازندار بمضافيهما من الأمراء وغيرهم فى شهر رمضان، فساروا إلى حماة فتوجه معهم نائبها الملك العادل زين الدين كتبغا المنصورىّ فى خامس عشرين شوّال. وتوجّهوا إلى بلاد سيس وأحرقوا الزروع وانتهبوا ما قدر عليه، وحاصروا مدينة سيس وغنموا من سفح قلعتها شيئا كثيرا من جفّال الأرمن؛ وعادوا من الدّربند إلى مرج أنطاكية «1» . ثمّ قدموا حلب فى تاسع عشر ذى القعدة. ثم ورد الخبر على السلطان من طرابلس «2» بأنّ الفرنج أنشئوا جزيرة تجاه طرابلس تعرف بجزيرة

أرواد «1» ، وعمّروها بالعدد والآلات، وكثر فيها جمعهم، وصاروا يركبون البحر ويأخذون المراكب. فرسم السلطان للوزير بعمارة أربعة شوان حربيّة فى محرّم سنة اثنتين وسبعمائة ففعل ذلك، ونجّزت عمارة الشوانى وجهّزت بالمقاتلة وآلات الحرب مع الأمير جمال الدين آقوش القارئ العلائىّ والى البهنسا «2» ، واجتمع الناس لمشاهدة لعب الشوانى فى يوم السبت ثانى «3» عشر المحرّم، ونزل السلطان والأمراء لمشاهدة ذلك، واجتمع من العالم ما لا يحصيه إلّا الله تعالى حتّى بلغ كراء المركب الّتى تحمل عشرة أنفس إلى مائة درهم؛ وامتلأ البرّ من بولاق «4»

إلى الصّناعة «1» حتّى لم يوجد موضع قدم، ووقف العسكر على برّ بستان «2» الخشّاب وركب الأمراء الحراريق إلى الروضة «3» ، وبرزت الشوانى تجاه المقياس «4» تلعب كأنّها فى الحرب، فلعب الشينىّ الأوّل والثانى والثالث، وأعجب الناس إعجابا زائدا لكثرة ما كان فيها من المقاتلة والنفوط وآلات الحرب، وتقدّم الرابع وفيه الأمير آقوش فما هو إلّا أنّه خرج من الصناعة بمصر وتوسّط فى النيل إذا بالريح حركّته فمال به ميلة واحدة انقلب وصار أعلاه أسفله، فصرخ الناس صرخة واحدة كادت تسقط منها الحبالى، وتكدّر ما كانوا فيه من الصّفو فتلاحق الناس بالشّينىّ وأخرجوا ما سقط منه فى الماء، فلم يعدم منه سوى الأمير آقوش وسلم الجميع، فتكدّر السلطان والأمراء بسببه، وعاد السلطان بأمرائه إلى القلعة وانفضّ الجمع. وبعد ثلاثة أيام أخرج الشّينىّ فإذا امرأة الريّس وابنها وهى ترضعه فى قيد الحياة، فاشتدّ عجب الناس من سلامتها طول هذه الأيام! قاله المقريزى وغيره، والعهدة عليهم فى هذا النقل. ثم شرع العمل فى إعادة الشّينى الذي غرق حتى نجزّ، وندب السلطان الأمير سيف الدين كهرداش «5» الزرّاق المنصورىّ إلى السفر فيه عوضا عن آقوش الذي غرق، رحمه الله تعالى، وتوجّه الجميع إلى طرابلس ثم إلى جزيرة أرواد المذكورة، وهى بالقرب

من أنطرطوس «1» ، فأخربوها وسبوا وغنموا، وكان الأسرى منها مائتين وثمانين نفرا، وقدم الخبر بذلك إلى السلطان فسّر وسرّ الناس قاطبة ودقّت البشائر لذلك أياما؛ واتّفق فى ذلك اليوم أيضا حضور الأمير بكتاش الفخرىّ أمير سلاح من غزو سيس. ثم بعد ذلك بأيام ورد الخبر من حلب بأنّ قازان على عزم الحركة إلى الشام، فوقع الاتّفاق على خروج العساكر من الديار المصرية إلى الشام، وعيّن من الأمراء الأمير بيبرس الجاشنكير، وطغريل الإيغانىّ، وكراى المنصورىّ، وحسام الدين لاچين أستادار بمضافيهم وثلاثة آلاف من الأجناد، وساروا من مصر فى ثامن عشر شهر رجب، وتواترت الأخبار بنزول قازان على الفرات، ووصل عسكره إلى الرحبة، وبعث أمامه قطلوشاه من أصحابه على عساكر عظيمة إلى الشام تبلغ ثمانين ألفا، وكتب إلى الأمير عزّ الدين [أيبك «2» ] الأفرم نائب الشام يرغّبه فى طاعته، ودخل الأمير بيبرس الجاشنكير بمن معه إلى دمشق فى نصف شعبان، ولبث يستحثّ السلطان على الخروج. وأقبل الناس من حلب وحماة إلى دمشق جافلين من التّتار، فاستعدّ أهل دمشق للفرار ولم يبق إلّا خروجهم، فنودى بدمشق من خرج منها حلّ ماله ودمه، وخرج الأمير بهادر آص والأمير قطلوبك المنصورىّ، وأنس الجمدار فى عسكر إلى حماة، ولحق بهم عساكر طرابلس وحمص. فاجتمعوا على حماة عند نائبها الملك العادل كتبغا المنصورىّ، وبلّغ التتار ذلك فبعثوا طائفة كثيرة إلى القريتين «3» فأوقعوا بالتّركمان، فتوجّه إليهم أسندمر «4» كرجى نائب طرابلس وبهادر آص

وكجكن وإغزلو العادلى وتمر الساقى وأنص الجمدار ومحمد بن قرا سنقر فى ألف وخمسمائة فارس، فطرقوهم بمنزلة «1» عرض فى حادى عشر شعبان على غفلة، فافترقوا عليهم أربع فرق، وقاتلوهم قتالا شديدا من نصف النهار إلى العصر حتّى كسروهم وأفنوهم، وكانوا التّتار، فيما يقال، أربعة آلاف، واستنقذوا التّركمان وحريمهم وأولادهم من أيدى التتار، وهم نحو ستة آلاف أسير، ولم يفقد من العسكر الإسلامى إلا الأمير أنص الجمدار المنصورى ومحمد بن باشقرد الناصرىّ وستة وخمسون من الأجناد، وعاد من انهزم من التتار إلى قطلوشاه، وأسر العسكر المصرىّ مائة وثمانين من التتار، وكتب إلى السلطان بذلك ودقّت البشائر [بدمشق «2» ] . وكان السلطان الملك الناصر محمد قد خرج بعساكره وأمرائه من الديار المصريّة إلى جهة البلاد الشاميّة فى ثالث شعبان، وخرج بعده الخليفة المستكفى بالله، واستناب السلطان بديار مصر الأمير عزّ الدين أيبك البغدادىّ. وجدّ قطلوشاه مقدّم التتار بالعساكر فى المسير حتّى نزل قرون حماة فى ثالث «3» عشر شعبان، فاندفعت العساكر المصريّة التى كانت بحماة بين يديه إلى دمشق، وركب نائب حماة الأمير كتبغا الذي كان تسلطن وتلقّب بالملك العادل فى محفّة لضعفه، واجتمع الجميع بدمشق واختلف رأيهم فى الخروج إلى لقاء العدوّ أو انتظار قدوم السلطان، ثم خشوا من مفاجأة العدوّ فنادوا بالرحيل، وركبوا فى أوّل شهر رمضان من دمشق، فاضطربت دمشق بأهلها وأخذوا فى الرحيل منها على وجوههم، واشتروا الحمار بستمائة درهم والجمل بألف درهم، وترك كثير منهم حريمه وأولاده ونجا بنفسه إلى القلعة، فلم يأت اللّيل إلا وبوادر التتار فى سائر

نواحى المدينة، وسار العسكر مخفّا، وبات الناس بدمشق فى الجامع يضجّون بالدعاء إلى الله تعالى، فلمّا أصبحوا رحل التتار عن دمشق بعد أن نزلوا بالغوطة. وبلغ الأمراء قدوم السلطان فتوجّهوا إليه من مرج «1» راهط فلقوه على عقبة «2» الشّحورا فى يوم السبت ثانى شهر رمضان وقبّلوا الأرض، ثم ورد عند لقائهم به الخبر بوصول التتار فى خمسين ألفا مع قطلوشاه نائب غازان، فلبس العسكر بأجمعه السلاح، واتّفقوا على قتال التتار بشقحب «3» تحت جبل غباغب «4» ؛ وكان قطلوشاه قد وقف على أعلى النهر، فصفّت العساكر الإسلامية، فوقف السلطان فى القلب وبجانبه الخليفة، والأمير سلّار النائب، والأمير بيبرس الجاشنكير، وعزّ الدين أيبك الخازندار، وبكتمر الجوكندار، وآقوش الأفرم نائب الشام، والأمير برلغى «5» ، والأمير أيبك الحموىّ، وبكتمر الأبوبكريّ، وقطلوبك، ونوغاى السلاح دار، ومبارز الدين أمير شكار، ويعقوبا الشّهرزورىّ، ومبارز الدين أوليا بن قرمان؛ ووقف فى الجناح الأيمن الأمير قبجق بعساكر حماة والعربان وجماعة كثيرة من الأمراء؛ ووقف فى الميسرة الأمير بدر الدين بكتاش الفخرىّ أمير سلاح، والأمير قرا سنقر نائب حلب بعساكرها، والأمير بتخاص نائب صفد بعساكرها؛ والأمير طغريل «6» الإيغانى، وبكتمر السلاح دار

وبيبرس الدّوادار بمضافيهم. ومشى السلطان على التتار والخليفة بجانبه ومعهما القرّاء يتلون القرآن ويحثّون على الجهاد ويشوّقون إلى الجنة، وصار الخليفة يقول: يا مجاهدون لا تنظروا لسلطانكم، قاتلوا عن دين نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم وعن حريمكم! والناس فى بكاء شديد، ومنهم من سقط عن فرسه إلى الأرض! ووصّى «1» بيبرس وسلّار على الثبات فى الجهاد. وكلّ ذلك والسلطان والخليفة يكرّ فى العساكر يمينا وشمالا. ثم عاد السلطان والخليفة إلى مواقفهما، ووقف خلفه الغلمان والأحمال والعساكر صفّا واحدا، وقال لهم: من خرج من الأجناد عن المصاف فاقتلوه ولكم سلبه. فلمّا تمّ الترتيب زحفت كراديس «2» التتار كقطع الليل، وكان ذلك وقت الظهر من يوم السبت ثانى رمضان المذكور. وأقبل قطلوشاه بمن معه من الطّوامين، وحملوا على الميمنة فثبت لهم الميمنة وقاتلوهم أشدّ قتال حتى قتل من أعيان الميمنة الأمير حسام الدين لاچين الأستادار، وأوليا بن قرمان، والأمير سنقر الكافورى «3» ، والأمير أيدمر الشّمسىّ القشّاش، والأمير آقوش الشمسىّ الحاجب، وحسام الدين على بن باخل ونحو الألف فارس، كلّ ذلك وهم فى مقابلة العدوّ والقتال عمّال بينهم. فلما وقع ذلك أدركتهم الأمراء من القلب ومن الميسرة، وصاح سلّار: هلك والله أهل الإسلام! وصرخ فى بيبرس الجاشنكير وفى البرجيّة فأتوه دفعة واحدة، فأخذهم وصدم بهم العدوّ وقصد مقدّم التتار قطلوشاه، وتقدّم عن الميمنة حتّى أخذت الميمنة راحة، وأبلى سلّار فى ذلك اليوم هو وبيبرس الجاشنكير بلاء حسنا، وسلّموا نفوسهم إلى الموت. فلمّا رأى باقى الأمراء منهم ذلك ألقوا نفوسهم إلى الموت، واقتحموا القتال، وكانت لسلّار والجاشنكير فى ذلك

اليوم اليد البيضاء على المسلمين- رحمهما الله تعالى- واستمرّوا فى القتال إلى أن كشفوا التّتار عن المسلمين، وكان جوبان وقرمجى من طوامين التتار قد ساقا تقوية لبولاى وهو خلف المسلمين؛ فلمّا عاينوا الكسرة على قطلوشاه أتوه نجدة ووقفوا فى وجه سلّار وبيبرس، فخرج من عسكر السلطان [أسندمر «1» ] والأمير قطلوبك والأمير قبجق والمماليك السلطانية وأردفوا سلّار وبيبرس، وقاتلوا أشدّ قتال حتى أزاحوهم عن مواقفهم، فمالت التتار على الأمير برلغى فى موقفه، فتوجّهوا الجماعة المذكورون إلى برلغى، واستمرّ القتال بينهم. وأمّا سلّار فإنّه قصد قطلوشاه مقدّم التتار وصدمه بمن معه، وتقاتلا وثبت كلّ منهما، وكانت الميمنة لمّا قتل الأمراء منها انهزم من كان معهم، ومرّت التتار حلفهم فجفل الناس وظنّوا أنّها كسرة، وأقبل السواد الأعظم على الخزائن السلطانية فكسروها ونهبوا ما فيها من الأموال، وجفل النساء والأطفال. وكانوا قد خرجوا من دمشق عند خروج الأمراء منها، وكشف النساء عن وجوههنّ وأسبلن الشعور وضجّ ذلك الجمع العظيم بالدعاء، وقد كادت العقول أن تطيش وتذهب عند مشاهدة الهزيمة! واستمرّ القتال بين التتار والمسلمين إلى أن وقف كلّ من الطائفتين عن القتال. ومال قطلوشاه بمن معه إلى جبل قريب منه، وصعد عليه وفى نفسه أنّه انتصر، وأنّ بولاى فى أثر المنهزمين من المسلمين، فلمّا صعد الجبل رأى السهل والوعر كلّه عساكر والميسرة السلطانية ثابتة، وأعلامها تخفق، فبهت قطلوشاه وتحيّر واستمرّ بموضعه حتّى كمل معه جمعه وأتاه من كان خلف المنهزمين من السلطانية ومعهم عدّة من المسلمين قد أسروهم، منهم: الأمير عزّ الدين أيدمر نقيب المماليك السلطانيّة،

فأحضره قطلوشاه وسأله من أين أنت؟ فقال: من أمراء مصر، وأخبره بقدوم السلطان، وكان قطلوشاه ليس له علم بقدوم السلطان بعساكر مصر إلا ذلك الوقت، فعند ذلك جمع قطلوشاه أصحابه وشاورهم فيما يفعل، وإذا بكوسات السلطان والبوقات قد زحفت وأزعجت الأرض وأرجفت القلوب بحسها، فلم يثبت بولاى وخرج من تجاه قطلوشاه فى نحو العشرين ألفا من التتار، ونزل من الجبل بعد المغرب ومرّ هاربا. وبات السلطان وسائر عساكره على ظهور الخيل والطّبول تضرب، وتلاحق بهم من كان انهزم شيئا بعد شىء، وهم يقصدون ضرب الطبول السلطانية والكوسات، واحتاط عسكر السلطان بالجبل الذي بات عليه التتار، وصار بيبرس وسلّار وقبجق والأمراء والأكابر فى طول الليل دائرين على الأمراء والأجناد يوصونهم ويرتّبونهم ويؤكّدون عليهم فى التيقّظ، ووقف كلّ أمير فى مصافّه مع أصحابه، والحمل والأثقال قد وقف على بعد، وثبتوا على ذلك حتى ارتفعت الشمس، وشرع قطلو شاه فى ترتيب من معه ونزلوا مشاة وفرسانا وقاتلوا العساكر، فبرزت المماليك السلطانيّة بمقدّميها إلى قطلو شاه وجوبان، وعملوا فى قتالهم عملا عظيما، فصاروا تارة يرمونهم بالسهام وتارة يواجهونهم بالرماح، واشتغل الأمراء أيضا بقتل من فى جهتهم يتناوبون القتال أميرا بعد أمير، وألحّت المماليك السلطانية فى القتال وأظهروا فى ذلك اليوم من الشجاعة والفروسية ما لا يوصف حتّى إنّ بعضهم قتل تحته الثلاثة من الخيل، وما زال الأمراء على ذلك حتّى انتصف نهار الأحد، صعد قطلو شاه الجبل وقد قتل من عسكره نحو ثمانين رجلا، وجرح الكثير واشتدّ عطشهم، واتّفق أنّ بعض من كان أسره التتار هرب ونزل إلى السلطان، وعرّفه أنّ التتار قد أجمعوا على النزول فى السّحر لمصادمة العساكر السلطانية، وأنّهم فى شدّة من العطش،

فاقتضى الرأى أن يفرج لهم عند نزولهم ويركب الجيش أقفيتهم. فلمّا باتوا على ذلك وأصبحوا نهار الاثنين ركب التتار فى الرابعة من النهار ونزلوا من الجبل فلم يتعرّض لهم أحد وساروا إلى النهر فاقتحموه، فعند ذلك ركبهم بلاء الله من المسلمين وأيّدهم الله تعالى بنصره حتى حصدوا رءوس التتار عن أبدانهم ووضعوا فيهم السيف ومرّوا فى أثرهم قتلا وأسرا إلى وقت العصر. وعادوا إنى السلطان وعرّفوه بهذا النصر العظيم، فكتبت البشائر فى البطائق، وسرّحت الطيور بهذا النصر العظيم إلى غزة. وكتب إلى غزّة بمنع المنهزمين من عساكر السلطان من الدخول إلى مصر، وتتبّع من نهب الخزائن السلطانية والاحتفاظ بمن يمسك منهم، وعيّن السلطان الأمير بدر الدين بكتوت الفتّاح للمسير بالبشارة إلى مصر. ثم كتب بهذا الفتح العظيم إلى سائر الأقطار، وبات السلطان ليلته وأصبح يوم الثلاثاء وقد خرج إليه أهل دمشق، فسار إليها فى عالم عظيم من الفرسان والأعيان والعامّة والنساء والصبيان لا يحصيهم إلّا الله تعالى، وهم يضجّون بالدعاء والهناء والشكر لله سبحانه وتعالى على هذه المنّة! وتساقطت عبرات الناس فرحا ودقت البشائر بسائر الممالك، وكان هذا اليوم يوما لم يشاهد مثله. وسار السلطان حتى نزل بالقصر الأبلق «1» ، وقد زيّنت المدينة، واستمرّت الأمراء وبقيت العساكر فى طلب التتار إلى القريتين، وقد كلّت خيول التتار وضعفت نفوسهم وألقوا أسلحتهم واستسلموا للقتل، والعساكر تقتلهم بغير مدافعة، حتى إن أراذل العامة والغلمان قتلوا منهم خلقا كثيرا وغنموا عدّة غنائم، وقتل الواحد من العسكر العشرين من التتار فما فوقها؛ ثم أدركت عربان البلاد التتار وأخذوا فى كيدهم كأنّهم يهدونهم إلى طريق قريبة مفازة، فيوصّلونهم إلى البريّة

وتركوهم بها فماتوا عطشا، ومنهم من دار بهم وأوصلوهم إلى غوطة دمشق، فخرجت إليهم عامّة دمشق فقتلوا منهم خلقا كثيرا. ثم تتبّعت الحكّام النّهبة وعاقبوا منهم جماعة كثيرة حتّى تحصل أكثر ما نهب من الخزائن ولم يفقد منه إلّا القليل. ثم خلع السلطان على الأمراء جميعهم، ثم حضر الأمير برلغى وقد كان انهزم فيمن انهزم، فلم يأذن له السلطان فى الدخول عليه، وقال: بأىّ وجه تدخل علىّ أو تنظر فى وجهى! فما زال به الأمراء حتى رضى عنه. ثم قبض على رجل من أمراء حلب كان قد انتمى إلى التتار وصار يدلّهم على الطّرقات، فسمّر على جمل وشهّر بدمشق وضواحيها، واستمرّ الناس فى شهر رمضان كلّه فى مسرّات تتجدد، ثم صلّى السلطان صلاة عيد الفطر وخرج فى ثالث شوّال من دمشق يريد الديار المصريّة. وأمّا التتار فإنّه لمّا قتل أكثرهم ودخل قطلو شاه الفرات فى قليل من أصحابه ووصل خبر كسرته إلى همذان «1» ، ووقعت الصّرخات فى بلادهم، وخرج أهل تبريز «2» وغيرها إلى لقائهم واستعلام خبر من فقد منهم حتّى علموا ذلك، فقامت النّياحة فى مدينة تبريز شهرين على القتلى. ثم بلغ الخبر غازان فاغتمّ غمّا عظيما وخرج من منخريه دم كثير حتّى أشفى على الموت واحتجب عن حواشيه، فإنه لم يصل إليه من عساكره من كلّ عشرة واحد! ممن كان انتخبهم من خيار جيشه. ثم بعد ذلك بمدّة جلس قازان وأوقف قطلو شاه مقدّم عساكره وجوبان وسوتاى ومن كان معهم من الأمراء، وأنكر على قطلو شاه وأمر بقتله، فما زالوا به حتى عفا عنه وأبعده من قدّامه حتى صار على

مسافة بعيدة بحيث يراه، وقام إليه، [وقد مسكه الحجاب «1» ] وسائر من حضروهم خلق كثير جدّا، وصار كلّ منهم يبصق فى وجهه حتى بصق الجميع! ثم أبعده عنه إلى كيلان «2» ثم ضرب بولاى عدّة عصىّ وأهانه. وفى الجملة فإنّه حصل على غازان بهذه الكسرة من القهر والهمّ ما لا مزيد عليه، ولله الحمد. وسار السلطان الملك الناصر بعساكره وأمرائه حتى وصل إلى القاهرة، ودخلها فى يوم ثالث عشرين شوّال حسب ما يأتى ذكره. وكان نائب الغيبة رسم بزينة القاهرة من باب «3» النصر إلى باب السلسلة «4» من القلعة؛ وكتب بإحضار سائر مغانى «5» العرب بأعمال الديار المصرية كلّها، وتفاخر الناس فى الزينة ونصبوا القلاع «6» ، واقتسمت أستادارية الأمراء شوارع القاهرة إلى القلعة، وزيّنوا ما يخصّ كلّ واحد منهم وعملوا به قلعة بحيث نودى من استعمل صانعا فى غير صنعة القلاع كانت عليه جناية «7» السلطان، وتحسّن سعر الخشب والقصب وآلات النّجارة، وتفاخروا

فى تزيين القلاع المذكورة، وأقبل أهل الرّيف إلى القاهرة للفرجة على قدوم السلطان وعلى الزينة، فإنّ الناس كانوا أخرجوا الحلىّ والجواهر واللآلئ وأنواع الحرير فزيّنوا بها، ولم ينسلخ شهر رمضان حتّى تهيّأ أمر القلاع؛ وعمل ناصر الدين محمد ابن الشّيخىّ والى القاهرة قلعة بباب النصر فيها سائر أنواع الجدّ والهزل ونصب عدّة أحواض ملأها بالسّكّر واللّيمون وأوقف مماليكه بشربات حتّى يسقوا العسكر. قلت: لو فعل هذا فى زماننا والى القاهرة لكان حصل عليه الإنكار بسبب إضاعة المال، وقيل له: لم لا حملت إلينا ما صرفته؟ فإنّه كان أنفع وخيرا من هذا الفشار «1» ، وإنما كانت نفوس أولئك غنيّة وهممهم عليّة، وما كان جلّ قصدهم إلا إظهار النّعمة والتفاخر فى الحشم والأسمطة والإنعامات حتى يشاع عنهم ذلك ويذكر إلى الأبد، فرحم الله تلك الأيام وأهلها!. وقدم السلطان إلى القاهرة فى يوم الثلاثاء ثالث عشرين شوّال، وقد خرج الناس إلى لقائه وللفرجة عليه، وبلغ كراء البيت الذي يمرّ عليه السلطان من خمسين درهما إلى مائة درهم، فلمّا وصل السلطان إلى باب النصر ترجّل الأمراء كلّهم، وأوّل من ترجّل منهم الأمير بدر الدين بكتاش الفخرىّ أمير سلاح وأخذ يحمل سلاح السلطان، فأمره السلطان أن يركب لكبر سنّه ويحمل السلاح خلفه فامتنع ومشى، وحمل الأمير مبارز الدين سوار «2» الرومى أمير شكار القبة، والطير على رأس السلطان، وحمل الأمير بكتمر أمير جاندار العصا، والأمير سنجر [الجمقدار «3» ] الدّبّوس؛ ومشى كلّ أمير فى منزلته وفرش كلّ منهم الشّقق من قلعته إلى قلعة غيره

التى أنشئوها بالشوارع. وكان السلطان إذا تجاوز قلعة فرشت القلعة المجاورة لها الشّقق، حتّى يمشى عليها بفرسه مشيا هيّنا من غير هرج بسكون ووقار لأجل مشى الأمراء بين يديه. وكان السلطان كلّما رأى قلعة أمير أمسك عن المشى ووقف حتّى يعاينها ويعرف ما اشتملت عليه هو والأمراء حتى يجبر خاطر فاعلها بذلك. هذا والأمراء من التتار بين يديه مقيّدون ورءوس من قتل منهم معلّقة فى رقابهم، وألف رأس على ألف رمح، وعدّة الأسرى ألف وستمائة، وفى أعناقهم أيضا ألف وستمائة رأس، وطبولهم قدّامهم مخرّقة. وكانت «1» القلاع التى نصبت أوّلها قلعة الأمير ناصر الدين ابن الشّيخى والى القاهرة بباب النصر، ويليها قلعة الأمير علاء الدين مغلطاى أمير مجلس، ويليها قلعة ابن أيتمش السّعدىّ، ثم يليها قلعة الأمير سنجر الجاولى، وبعده قلعة الأمير طغريل الإيغانىّ ثم قلعة بهادر اليوسفىّ، ثم قلعة سودى «2» ، ثم قلعة بيليك الخطيرى، ثم قلعة برلغى، ثم قلعة مبارز الدين أمير شكار، ثم قلعة أيبك الخازندار، ثم قلعة سنقر الأعسر، ثم قلعة بيبرس الدّوادار، ثم قلعة سنقر الكاملىّ، ثم قلعة موسى «3» ابن الملك الصالح، ثم قلعة الأمير آل ملك، ثم قلعة علم الدين الصوابى، ثم قلعة الأمير جمال الدين الطّشلاقىّ، ثم قلعة الأمير [سيف الدين «4» ] آدم، ثم قلعة الأمير سلّار [النائب «5» ] ، ثم قلعة الأمير بيبرس الجاشنكير، ثم قلعة بكتاش أمير سلاح، ثم قلعة الطّواشى مرشد «6» الخازندار، وكانت قلعته على باب

المدرسة المنصوريّة، «1» ، ثم بعده قلعة بكتمر أمير جاندار «2» ، ثم قلعة أيبك البغدادىّ نائب الغيبة، ثم قلعة ابن أمير سلاح، ثم قلعة بكتوت «3» الفتّاح، ثم قلعة تاكز «4» الطغريلىّ، ثم قلعة قلّى السلاح دار، ثم قلعة لاچين زيرباج «5» الجاشنكير، ثم قلعة طيبرس الخازندارى نقيب الجيش، ثم قلعة بلبان طرنا «6» ، ثم قلعة سنقر العلانى، ثم قلعة بهاء الدين يعقوبا، ثم قلعة الأبوبكرى، ثم قلعة بهادر المعزى «7» ، ثم قلعة كوكاى، ثم قلعة قرا لاچين، ثم قلعة كراى «8» المنصورىّ، ثم قلعة جمال الدين آقوش قتال السبع، وقلعته كانت على باب زويلة «9» ؛ وكان عدّتها سبعين قلعة. وعند ما وصل السلطان إلى باب البيمارستان «10» المنصورى ببين القصرين نزل ودخل وزار قبر والده الملك المنصور قلاوون وقرأ القرّاء أمامه، ثم ركب إلى باب زويلة ووقف حتّى أركب الأمير بدر الدين بكتاش الفخرىّ أمير سلاح، ثم سار السلطان على شقق الحرير إلى داخل قلعة الجبل. هذا والتهانى فى دور السلطان والأمراء وغيرهم قد امتلأت منهم البيوت والشوارع بحيث إنّ الرجل كان لا يسمع كلام من هو بجانبه إلا بعد جهد، وكان يوما عظيما عظم فيه سرور الناس قاطبة لا سيّما أهل مصر، فإنّهم فرحوا بالنصر وأيضا بسلامة سلطانهم الملك الناصر محمد.

وأقام الملك الناصر بالديار المصريّة إلى سنة ثلاث وسبعمائة ورد عليه الخبر بموت غازان بمدينة الرّىّ «1» وقام بعده أخوه خربندا «2» بن أرغون بن أبغا بن هولاكو فى ثالث عشر شوال وجلس خربندا على تخت الملك فى ثالث عشر «3» ذى الحجّة وتلقّب غياث الدين محمدا، وكتب إلى السلطان بجلوسه وطلب الصلح وإخماد الفتنة. ثم فى السنة استأذن الأمير سلّار نائب السلطنة فى الحجّ فأذن له، فحجّ كما حجّ الأمير بيبرس الجاشنكير فى السنة الماضية سنة اثنتين وسبعمائة إلّا أنّ سلّار صنع من المعروف فى هذه السنة والإحسان إلى أهل مكّة والمجاورين وغيرهم وعاد، ثم حجّ الأمير بيبرس الجاشنكير ثانيا فى سنة أربع وسبعمائة. وورد الخبر على السلطان الملك الناصر بقدوم رجل من بلاد التتار إلى دمشق يقال له الشيخ براق «4» فى تاسع جمادى الأولى ومعه جماعة من الفقراء نحو المائة لهم هيئة عجيبة، على رأسهم كلاوت لباد مقصّص بعمائم فوقها، وفيها قرون من لباد يشبه قرون الجواميس، وفيها أجراس، ولحاهم محلّقة دون شواربهم، ولبسهم لبابيد بيض، وقد تقلّدوا بحبال منظومة بكعاب البقر، وكلّ منهم مكسور الثّنيّة العليا «5» ، وشيخهم من أبناء الأربعين سنة، وفيه إقدام وجرأة وقوّة نفس وله صولة، ومعه طبلخاناه تدقّ له نوبة، وله محتسب على جماعته، يؤدّب كلّ من يترك شيئا من سنّته، يضرب عشرين عصاة

تحت رجليه، وهو ومن معه ملازمون التعبّد والصلاة، وإنه قيل له عن زيّه، فقال: أردت أن أكون مسخرة الفقراء. وذكر أنّ غازان لما بلغه خبره استدعاه وألقى عليه سبعا ضاريا فركب على ظهر السّبع ومشى به فجلّ فى عين قازان ونثر عليه عشرة آلاف دينار، وأنّه عند ما قدم دمشق كان النائب بالميدان الأخضر فدخل عليه، وكان هناك نعامة قد تفاقم ضررها وشرّها ولم يقدر أحد على الدنوّ منها، فأمر النائب بإرسالها عليه فتوجّهت نحوه، فوثب عليها وركبها فطارت به فى الميدان قدر خمسين ذراعا فى الهواء حتّى دنا من النائب، وقال له: أطير بها إلى فوق شيئا آخر؟ فقال له النائب: لا، وأنعم عليه وهاداه الناس، فكتب السلطان بمنعه من القدوم إلى الديار المصريّة، فسار إلى القدس ثم رجع إلى بلاده. وفى فقرائه يقول سراج الدين عمر الورّاق من موشّحة طويلة أوّلها: [جتنا عجم «1» من جوّ الروم] ... صور تحير فيها الأفكار لها قرون مثل التّيران ... إبليس يصيح منهم زنهار وقد ترجمنا براق هذا فى تاريخنا المنهل الصافى بأوسع من هذا. انتهى. ثم إنّ السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون فى سنة سبع وسبعمائة ضجر من الحجر عليه من تحكّم الأميرين سلّار وبيبرس الجاشنكير ومنعه من التصرّف وضيق يده، وشكا ذلك لخاصّته، واستدعى الأمير بكتمر الجوكندار وهو أمير جاندار يوم ذاك فى خفية وأعلمه بما عزم عليه من القيام على الأميرين سلّار وبيبرس، فقرّر معه بكتمر أنّ القلعة إذا أغلقت فى اللّيل وحملت مفاتيحها إلى السلطان على العادة لبست مماليك السلطان السلاح وركبت الخيول من الإسطبل وسارت إلى إسطبلات الأمراء، ودقّت كوسات السلطان بالقلعة حربيّا ليجتمع المماليك تحت القلعة بمن هو فى طاعة السلطان، قال بكتمر: وأنا أهجم على بيتى سلّار وبيبرس بالقلعة أيضا.

قلت: أعنى أنّ بكتمر كان سكنه بالقلعة، فيهجم هو أيضا على بيتى سلّار وبيبرس بالقلعة أيضا، ويأخذهما قبضا باليد. وكان لكلّ من بيبرس وسلّار أعين عند السلطان، فبلّغوهما ذلك فاحترزا على أنفسهما، وأمرا الأمير [سيف الدين «1» ] بلبان الدّمشقىّ والى القلعة، وكان خصيصا بهما، أن يوهم أنّه أغلق باب القلعة ويطرّف أقفالها ويعبر بالمفاتيح إلى السلطان على العادة ففعل ذلك. وظنّ السلطان ومماليكه أنّهم قد حصلوا على عرضهم، وانتظروا بكتمر الجوكندار أن يحضر إليهم فلم يحضر، فبعثوا إليه فإذا هو مع بيبرس وسلّار وقد حلف لهما على القيام معهما. فلمّا طلع النهار ظنّ السلطان أنّ بكتمر قد غدر به وترقّب المكروه من الأمراء وليس الأمر كذلك، وما هو إلّا أنّ سلّار وبيبرس لمّا بلغهما الخبر خرجوا إلى دار النيابة بالقلعة، وعزم بيبرس أن يهجم على بكتمر ويقتله فمنعه سلّار لما كان عنده من التثبّت والتّؤدة، وأشار بالإرسال إليه ويحضره حتّى تبطل حركة السلطان؛ فلمّا أتى بكتمر الرسول تحيّر فى أمره وقصد الامتناع، وألبس مماليكه السلاح ومنعهم وخرج إليهم، فعنّفه سلّار ولامه على ما قصد فأنكر وحلف لهم على أنّه معهم، وأقام عندهم إلى الصباح ودخل مع الأمراء إلى الخدمة عند الأمير سلّار النائب، ووقف ألزام سلّار وبيبرس على خيولهم بباب الإسطبل مترقّبين خروج المماليك السلطانية، ولم يدخل أحد من الأمراء إلى خدمة السلطان وتشاوروا، وقد أشيع فى القاهرة أنّ الأمراء يريدون قتل السلطان الملك الناصر أو إخراجه إلى الكرك، فعزّ عليهم ذلك لمحبّتهم له، فلم تفتح الأسواق، وخرج العامّة والأجناد إلى تحت القلعة، وبقى الأمراء نهارهم مجتمعين وبعثوا

بالاحتراس على السلطان خوفا من نزوله من باب السّرّ «1» ، وألبسوا عدّة مماليك وأوقفوهم مع الأمير سيف الدين سمك «2» أخى سلّار على باب الإسطبل «3» . فلمّا كان نصف الليل وقع بداخل الإسطبل حسّ وحركة من قيام المماليك السلطانية ولبسهم السلاح لينزلوا بالسلطان على حميّة من الإسطبل وتوقّعوا الحرب، فمنعهم السلطان من ذلك، وأراد الأمير سمك إقامة الحرمة فرمى بالنّشّاب ودقّ الطّبل فوقع سهم من النّشّاب بالرّفرف السّلطانىّ، واستمرّ الحال على ذلك إلى أذان العصر من الغد، فبعث السلطان إلى الأمراء يقول: ما سبب هذا الركوب على باب إسطبلى؟ إن كان غرضكم فى الملك فما أنا متطلّع إليه، فخذوه وابعثونى أىّ. وضع أردتم! فردّوا إليه الجواب مع الأمير بيبرس الدّوادار والأمير عزّ الدين أيبك الخازندار والأمير برلغى الأشرفى بأنّ السبب هو من عند السلطان ومن المماليك الذين يحرّضونه على الأمراء، فأنكر أن يكون أحد من مماليكه ذكر له شيئا عن الأمراء؛ وفى عود الجواب من عند السلطان وقعت صيحة بالقلعة سببها أنّ العامة كان جمعهم قد كثر، وكان عادتهم أنّهم لا يريدون أن بلى الملك أحد من المماليك، بل إن كان ولا بدّ يكون الذي بلى الملك من بنى قلاوون. وكانوا مع ذلك شديدى المحبّة للملك الناصر محمد بن قلاوون.

فلمّا رأوا العامة أنّ الملك الناصر قد وقف بالرّفرف من القلعة، وحواشى بيبرس وسلّار قد وقفوا على باب الإسطبل محاصرينه، حنقوا من ذلك وحملوا وصرخوا يدا واحدة على الأمراء بباب الإسطبل، وهم يقولون: يا ناصر يا منصور! فأراد سمك قتالهم، فمنعه من كان معه من الأمراء وخوّفه الكسرة من العوامّ، فتقهقروا عن باب الإسطبل السلطانىّ وسطا عليهم العامّة وأفحشوا فى حقّهم. وبلغ ذلك بيبرس وسلّار فأركبا الأمير بتخاص المنصورىّ فى عدّة مماليك فنزلوا إلى العامة ينحّونهم ويضربونهم بالدبابيس ليتفرّقوا فاشتدّ «1» صياحهم: يا ناصر يا منصور! وتكاثر جمعهم وصاروا يدعون للسلطان، ويقولون: الله يخون الخائن، الله يخون من يخون ابن قلاوون! ثم حمل طائفة منهم على بتخاص ورجمه طائفة أخرى، فجرّد السيف ليضعه فيهم فخشى تكاثرهم عليه، فأخذ يلاطفهم، وقال لهم: طيّبوا خاطركم، فإنّ السلطان قد طاب خاطره على أمرائه، وما زال يحلف لهم حتّى تفرّقوا؛ وعاد بتخاص إلى سلّار وبيبرس وعرّفهم شدّة تعصّب العامّة للسلطان؛ فبعث الأمراء عند ذلك ثانيا إلى السلطان بأنّهم مماليكه وفى طاعته، ولا بدّ من إخراج الشباب الذين يرمون الفتنة بين السلطان والأمراء، فامتنع السلطان من ذلك واشتدّ، فما زال به بيبرس الدّوادار وبرلغى حتّى أخرج منهم جماعة وهم: يلبغا التّركمانىّ، وأيدمر «2» المرقبى، وخاصّ ترك؛ فهدّدهم بيبرس وسلّار ووبّخاهم وقصد سلّار أن يقيّدهم، فلم توافق الأمراء على ذلك رعاية لخاطر السلطان؛ فأخرجوا إلى القدس من وقتهم على البريد. ودخل جميع الأمراء على السلطان وقبّلوا الأرض ثم قبّلوا يده فخلع على الأمير بيبرس وسلّار، ثم سأل الأمراء السلطان أن يركب فى أمرائه

إلى الجبل الأحمر «1» حتّى تطمئنّ قلوب العامّة عليه ويعلموا أنّ الفتنة قد خمدت، فأجاب لذلك. وبات ليلته فى قلق زائد وكرب عظيم لإخراج مماليكه المذكورين إلى القدس. ثم ركب بالأمراء من الغد إلى قبّة النّصر «2» تحت الجبل الأحمر، وعاد بعد ما قال لبيبرس وسلار: إنّ سبب الفتنة إنما كان من بكتمر الجوكندار، وذلك أنه رآه قد ركب بجانب الأمير بيبرس الجاشنكير وحادثه فتذكّر غدره به فشقّ عليه ذلك فتلطّفوا به فى أمره؛ فقال والله ما بقيت لى عين تنظر إليه، ومتى أقام فى مصر لا جلست على كرسى الملك أبدا فأخرج من وقته إلى قلعة الصّبيبة «3» ، واستقرّ عوضه أمير جاندار الأمير بدر الدين بكتوب الفتاح. فلمّا مات سنقر شاه بعد ذلك استقرّ بكتمر الجوكندار فى نيابة صفد عوضه فنقل إليها من الصّبيبة. واجتاز السلطان بخانقاه «4»

الأمير بيبرس الجاشنكير داخل باب النصر فرآها فى ممرّه، وكان قد نجز العمل منها فى هذه الأيام، وطلع السلطان إلى القلعة وسكن الحال، والأمراء فى حصر من جهة العامّة من تعصّبهم للسلطان، والسلطان فى حصر بسبب حجر الأمراء عليه وإخراج مماليكه من عنده. واستمرّ ذلك إلى أن كان العاشر من جمادى الآخرة من سنة ثمان وسبعمائة عدّى السلطان الجيزة وأقام حول الأهرام «1» يتصيّد عشرين يوما، وعاد وقد ضاق صدره وصار فى غاية الحصر من تحكّم بيبرس الجاشنكير وسلّار عليه، وعدم تصرّفه فى الدولة من كلّ ما يريد، حتّى إنّه لا يصل إلى ما تشتهى نفسه من المأكل لقلة المرتّب له! فلولا ما كان يتحصّل له من أملاكه وأوقاف أبيه لما وجد سبيلا لبلوغ بعض أغراضه، وطال الأمر عليه سنين، فأخذ فى عمل مصلحة نفسه

وأظهر أنّه يريد الحجّ بعياله، وحدّث بيبرس وسلّار فى ذلك يوم النصف من شهر رمضان فوافقاه عليه، وأعجب البرجيّة خشداشية بيبرس سفره لينالوا أغراضهم وشرعوا فى تجهيزه، وكتب إلى دمشق والكرك وغزّة برمى الإقامات، وألزم عرب الشرقية بحمل الشّعير، فتهيّأ ذلك، وأحضر الأمراء تقادمهم له من الخيل والجمال فى العشرين من شهر رمضان فقبلها منهم وشكرهم على ذلك. وركب فى خامس عشرين شهر رمضان من القلعة يريد السفر إلى الحجّ، ونزل من القلعة ومعه جميع الأمراء، وخرج العامّة حوله وحاذوا بينه وبين الأمراء، وهم يتباكون حوله ويتأسّفون على فراقه ويدعون له إلى أن نزل بركة الحجّاج. وتعيّن للسفر مع السلطان من الأمراء: عزّ الدين أيدمر الخطيرىّ الأستادار، وسيف الدين آل ملك الجوكندار، وحسام الدين قرا لاچين أمير مجلس، وسيف الدين بلبان [المحمدىّ «1» ] أمير جاندار، وعزّ الدين أيبك الرومى السّلاح دار، وركن الدين بيبرس الأحمدىّ، وعلم الدين سنجر الجمقدار، وسيف الدين تقطاى الساقى «2» ، وشمس الدين سنقر السّعدىّ النقيب؛ ومن المماليك خمسة وسبعون نفرا. وودّعه سلّار وبيبرس بمن معهم من الأمراء، وهم على خيولهم من غير أن يترجّلوا له وعاد الأمراء، فرحل السلطان من ليلته وخرج إلى جهة الصالحيّة «3» وتصيّد بها، ثم سار إلى الكرك ومعه من الخيل مائة وخمسون فرسا، فوصل إلى الكرك فى يوم الأحد عاشر شوّال بمن معه من الأمراء ومماليكه. واحتفل الأمير جمال الدين آقوش الأشرفى نائب الكرك بقدومه وقام له بما يليق به، وزيّن له القلعة والمدينة، وفتح له باب السّرّ من قلعة الكرك ومدّ الجسر على الخندق، وكان له مدّة سنين لم يمدّ وقد ساس خشبه لطول مكثه.

فلمّا عبرت الدوابّ عليه وأتى السلطان فى آخرهم انكسر الجسر تحت رجلى فرس السلطان بعد ما تعدّى يدا الفرس الجسر، فكاد فرس السلطان أن يسقط لولا أنهم جبدوا عنان الفرس حتّى خرج من الجسر وهو سالم، وسقط الأمير بلبان طرنا أمير جاندار وجماعة كثيرة، ولم يمت منهم سوى رجل واحد وسقط أكثر خاصّكيّة السلطان فى الخندق وسلموا كلّهم إلا اثنين، وهم: الحاج عزّ الدين أزدمر رأس نوبة الجمداريّة انقطع نخاعه وبطل نصفه وعاش كذلك لسنة ستّ عشرة وسبعمائة، والآخر مات لوقته. قال ابن كثير فى تاريخه: ولما توسط السلطان الجسر انكسر فسلم من كان قدّامه وقفز به فرسه فسلم، وسقط من كان وراءه وكانوا خمسين فمات أربعة وتهشّم أكثرهم فى الوادى تحته. انتهى. وقال غيره «1» : لمّا انقطعت سلسلة الجسر وتمزق الخشب صرخ السلطان على فرسه وكان قد نزلت رجله فى الخشب فوثب الفرس إلى داخل الباب، ووقع كلّ من كان على الجسر وكانوا أكثر من مائة مملوك، فوقعوا فى الخندق فمات منهم سبعة وانهشم منهم خلق كثير وضاق صدر السلطان، فقيل «2» له: هذه شدّة يأتى من بعدها فرج!. ولمّا جلس السلطان بقلعة الكرك ووقف نائبها الأمير آقوش خجلا وجلا خائفا أن يتوهّم السلطان أن يكون ذلك مكيدة منه فى حقّه، وكان النائب المذكور قد عمل ضيافة عظيمة للسلطان غرم عليها جملة مستكثرة، فلم تقع الموقع لاشتغال

السلطان بهمّه وبما جرى على مماليكه وخاصّكيّته. ثم إنّ السلطان سأل الأمير آقوش عن الجسر المذكور فقال: ما سبب انقطاعه؟ فقال آقوش بعد أن قبّل الأرض: أيّد الله مولانا السلطان، هذا الجسر عتيق وثقل بالرجال فما حمل، فقال السلطان: صدقت، ثم خلع عليه وأمره بالانصراف. وعند ما استقرّ السلطان بقلعة الكرك عرّف الأمراء أنّه قد انثنى عزمه عن الحجّ، واختار الإقامة بالكرك وترك السلطنة، وخلع نفسه ليستريح خاطره. وقال ابن كثير: لمّا جرى على السلطان ما جرى واستقرّ فى قلعة الكرك خلع على النائب، وأذن له فى التوجّه إلى مصر فسافر. وقال صاحب النّزهة: لمّا بات السلطان تلك اللّيلة فى القلعة وأصبح طلب نائب الكرك وقال له: يا جمال الدّين، سافر إلى مصر واجتمع بخشداشيتك فباس الأرض، وقال: السمع والطاعة، ثم إنّه خرج فى تلك الساعة بمماليكه وكلّ من يلوذ به. ثم بعد ثلاثة أيام نادى السلطان بالقلعة والكرك لا يبقى هنا أحد لا كبير ولا صغير حتّى يخرج فيجيب ثلاثة أحجار من خارج البلد، فخرج كلّ من بالقلعة والبلد. ثم إنّ السلطان أغلق باب الكرك ورجعت الناس ومعهم الأحجار فرأوا الباب مغلقا فقيل لهم: كلّ من له أولاد أو حريم يخرج إليه ولا يبقى أحد بالكرك، فخرج الناس بمتاعهم وأولادهم وأموالهم، وما أمسى المساء وفقى فى الكرك أحد من أهلها غيره ومماليكه. ثم طلب مملوكه أرغون «1» الدّوادار وقال له: سر إلى عقبة أيّلة «2» وأحضر بيتى وأولادى، فسار إليهم أرغون وأقدمهم عليه. ووجد الملك الناصر من الأموال

بالكرك سبعة وعشرين ألف دينار عينا، وألف ألف درهم وسبعمائة ألف درهم. ثم إنّ السلطان طلب الأمراء الذين قدموا معه وعرفهم أنّه اختار الإقامة بالكرك كما كان أوّلا، وأنه ترك السلطنة فشقّ عليهم ذلك وبكوا وقبّلوا الأرض يتضرّعون إليه فى ترك هذا الخاطر وكشفوا رءوسهم فلم يقبل ولا رجع إلى قولهم. ثم استدعى القاضى علاء الدين «1» على بن أحمد بن سعيد بن الأثير كاتب السرّ، وكان قد توجّه معه، وأمره أن يكتب للأمراء بالسلام عليهم، ويعرّفهم أنّه قد رجع عن الحجّ وأقام بالكرك ونزل عن السلطنة، وسألهم الإنعام عليه بالكرك والشّوبك؛ وأعطى الكتب للأمراء وأمرهم بالعودة إلى الديار المصريّة، وأعطاهم الهجن التى كانت معه برسم الحجّ، وعدّتها خمسمائة هجين والجمال والمال الذي قدّمه له الأمراء برسم التّقدمة قبل خروجه من القاهرة، فساروا الجميع إلى القاهرة. وأمّا إخراج السلطان أهل قلعة الكرك منها لأنّه قال: أنا أعلم كيف باعوا الملك السعيد بركة خان ابن الملك الظاهر بيبرس بالمال لطرنطاى! فلا يجاوروننى، فخرج كلّ من كان فيها بأموالهم وحريمهم من غير أن يتعرّض إليهم أحد البتّة. وأمّا النائب آقوش فإنّه أخذ حريمه وسافر إلى مصر بعد أن قدّم ما كان له من الغلال إلى السلطان، وهو شىء كثير، فقبله السلطان منه. فلمّا قدم آقوش إلى مصر قال له سلّار وبيبرس: من أمرك بتمكين السلطان من الطلوع إلى القلعة؟ (يعنى قلعة الكرك) فقال: كتابكم وصل إلىّ يأمرنى بأن أنزل إليه وأطلعه إلى القلعة، فقال: وأين الكتاب؟ فأخرجه، فقالا: هذا غير الكتاب الذي كتبناه فاطلبوا ألطنبغا، فطلبوه فوجدوه قد هرب إلى الكرك عند السلطان فسكتوا عنه. انتهى.

وأمّا الكتاب الذي كتبه الملك الناصر محمد بن قلاوون من الكرك إلى بيبرس وسلّار مضمونه، بسم الله الرحمن الرحيم: حرس الله تعالى نعمة الجنابين العاليين الكبيرين الغازيين المجاهدين، وفّقهما الله تعالى توفيق العارفين! أمّا بعد فقد طلعت إلى قلعة الكرك وهى من بعض قلاعى وملكى، وقد عوّلت على الإقامة فيها، فإن كنتم مماليكى ومماليك أبى فأطيعوا نائبى (يعنى نائبه سلّار) ولا تخالفوه فى أمر من الأمور، ولا تعملوا شيئا حتّى تشاورونى فأنا ما أريد لكم إلّا الخير، وما طلعت إلى هذا المكان إلّا لأنّه أروح لى وأقلّ كلفة، وإن كنتم ما تسمعون منى فأنا متوكّل على الله والسلام. فلمّا وصل الكتاب إلى الأمراء قرءوه وتشاوروا ساعة، ثم قاموا من باب القلعة وذهبوا إلى دار بيبرس واتفقوا على أن يرسلوا إلى الملك الناصر كتابا، فكتبوه وأرسلوه مع البروانىّ على البريد، فسار البروانىّ إلى أن وصل إلى الكرك واجتمع بالملك الناصر وقبّل الأرض بين يديه وناوله الكتاب، فأعطاه الملك الناصر لأرغون الدّوادار، فقرأه فتبسّم السلطان وقال: لا إله إلّا الله! وكان فى الكتاب: ما علمنا ما عوّلت عليه، وطلوعك إلى قلعة الكرك وإخراج أهلها وتشييعك نائبها، [وهذا أمل بعيد «1» ] فخلّ عنك شغل الصّبىّ، وقم واحضر إلينا وإلّا بعد ذلك تطلب الحضور ولا يصحّ لك، وتندم ولا ينفعك النّدم، فياليت لو علمنا ما كان وقع فى خاطرك وما عوّلت عليه، غير أنّ لكلّ ملك انصرام، ولانقضاء الدولة أحكام، ولحلول الأقدار سهام؛ ولأجل هذا أمرك غيّك بالتطويل، وحسّن لك زخرف الأقاويل؛ فالله الله حال وقوفك على هذا الكتاب، يكون الجواب حضورك بنفسك ومعك مماليكك، وإلا تعلم أنّا ما نخلّيك فى الكرك، [ولو كثر شاكروك «2» ] ويخرج الملك من يدك؛ والسلام.

فقال الملك الناصر: لا إله إلا الله، كيف «1» أظهروا ما فى صدورهم! ثم أمر بإحضار آلة الملك مثل العصائب والسناجق والكوسات [والهجن «2» ] وكلّ ما كان معه من آلة الملك وسلّمها إلى البروانىّ، وقال له: قل لسلّار ما أخذت لكم شيئا من بيت المال، وهذا الذي أخذته قد سيرته لكم، وانظروا فى حالكم فأنا ما بقيت أعمل سلطانا، وأنتم على هذه الصورة! فدعونى أنا فى هذه القلعة منعزلا عنكم إلى أن يفرج الله تعالى إمّا بالموت وإمّا بغيره. فأخذ البروانىّ الكتاب وجميع ما أعطاه السلطان وسار إلى أن وصل إلى الديار المصريّة؛ ودفع الكتاب لسلّار وبيبرس، فلما قرأا الكتاب قالا: ولو كان هذا الصبىّ يجيء ما بقى يفلح ولا يصلح للسلطنة، وأىّ وقت عاد إلى السلطنة لا نأمن غدره. فلمّا سمعت الأمراء ذلك اجتمعت على سلطنة الأمير سلّار، فخاف سلّار من ذلك وخشى العاقبة فامتنع، فاختار الأمراء ركن الدين بيبرس الجاشنكير وأكثرهم البرجية فإنّهم خشداشيته. وبويع له بعد أن أثبت كتاب الملك الناصر محمد بن قلاوون على القضاة بالديار المصريّة بأنّه خلع نفسه، وكانت البيعة لبيبرس فى الثالث والعشرين من شوّال من سنة ثمان وسبعمائة فى يوم السبت بعد العصر فى دار سلّار. يأتى ذكر ذلك كلّه فى أوّل ترجمة بيبرس، إن شاء الله تعالى. وكانت مدّة سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون فى هذه المرّة الثانية عشر سنين وخمسة أشهر وتسعة «3» عشر يوما. وتأتى بقيّة ترجمته فى سلطنته الثالثة، بعد أن نذكر سلطنة بيبرس وأيّامه، كما نذكر أيّام الملك الناصر هذا قبل ترجمة بيبرس المذكور على عادة هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. والحمد لله وحده.

السنة الأولى من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون الثانية على مصر، وهى سنة ثمان وتسعين وستمائة، على أن الملك المنصور لاچين كان حكم منها مائة يوم. فيها كان قتل الملك المنصور حسام الدين لاچين المذكور ومملوكه منكوتمر حسب ما تقدّم. وفيها فى العشر الأوسط من المحرّم ظهر كوكب ذو ذؤابة فى السماء ما بين أواخر برج الثّور إلى أوّل برج الجوزاء، وكانت ذؤابته إلى ناحية الشمال، وكان فى العشر الأخير من كانون الثانى وهو شهر طوبة «1» . وفيها توفّى القاضى نظام الدين أحمد ابن الشيخ الإمام العلّامة جمال الدين محمود ابن أحمد بن عبد السلام «2» الحصيرىّ الحنفىّ فى يوم الخميس ثامن «3» المحرّم ودفن يوم الجمعة بمقابر الصوفيّة «4» عند والده، وكان إماما عالما بارعا ذكيّا وله ذهن جيّد وعبارة طلقة مفيدة، ودرّس بالنّورية «5» وغيرها وأفتى سنين وأقرأ، وناب فى الحكم بدمشق عن قاضى القضاة حسام «6» الدين الحنفىّ وحسنت سيرته رحمه الله.

وفيها توفّى الأمير عزّ الدين أيبك الموصلىّ [المنصورىّ «1» ] نائب طرابلس والفتوحات الطرابلسيّة فى أوّل صفر مسموما. وكان من أجلّ الأمراء وله مواقف مشهورة. وفيها توفّى قتيلا الأمير سيف الدين طغجى بن عبد الله الأشرفىّ. أصله من مماليك الملك الأشرف خليل بن قلاوون. وقتل أيضا الأمير سيف الدين كرجى. والأمير نوغاى الكرمونى السلاح دار، وهؤلاء الذين قتلوا السلطان الملك المنصور حسام الدين لاچين ومملوكه منكوتمر، ثم قتلوا بعده بثلاثة أيام حسب ما تقدّم ذكر ذلك كلّه فى آخر ترجمة الملك المنصور لاچين مفصّلا، وقتل معهم تمام اثنى عشر نفرا من الأمراء والخاصّكيّة ممّن تألبّوا على قتل لاچين. وفيها توفّى الأمير بدر الدين بدر [الحبشىّ «2» ] الصّوابىّ [الخادم «3» ] فى ليلة الخميس تاسع جمادى الأولى بقرية الخيارة «4» ، كان خرج إليها فمرض بها ومات، وقيل بل مات فجأة وهو الأصحّ فحمل منها إلى جبل قاسيون، ودفن بتربته التى أعدّها لنفسه. وكان أميرا مباركا صالحا ديّنا خيّرا. قال عزّ الدين بن عبد الدائم: أقام أمير مائة ومقدّم ألف أكثر من أربعين سنة، وولى إمرة الحاجّ بدمشق غير مرّة. رحمه الله. وفيها توفّى العلّامة حجّة العرب الإمام الأستاذ بهاء الدين أبو عبد الله محمد ابن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبىّ النحوىّ المعروف بابن النحّاس، مات بالقاهرة فى يوم الثلاثاء سابع جمادى الأولى وأخرج من الغد، ودفن بالقرافة بالقرب من تربة الملك المنصور لاچين، ومولده فى سنة سبع وعشرين وستمائة بحلب، وكان إماما عالما علّامة بارعا فى العربيّة، نادرة عصره فى فنون كثيرة. وله نظم ونثر.

قال العلّامة أثير الدين أبو حيّان «1» : قال حدّثنا الشيخ بهاء الدين ابن النحاس قال: اجتمعت أنا والشّهاب مسعود السنبلىّ والضياء «2» المناوىّ فأنشد كلّ منا له بيتين، فكان الذي أنشده السّنبلى فى مليح مكارى: علقته مكاريا ... شرّد عن عينى الكرى قد أشبه البدر فلا ... يملّ من طول السّرى وأنشد المناوىّ فى مليح اسمه جمرىّ: أفدى الذي يكبت بدر الدّجى ... لحسنه الباهر من عبده سمّوه جمريّا وما أنصفوا ... ما فيه جمرىّ سوى خدّه وأنشد الشيخ بهاء الدين هذا فى مليح مشروط: قلت لما شرطوه وجرى ... دمه القانى على الوجه اليقين غير بدع ما أتوا فى فعلهم ... هو بدر ستروه بالشّفق قلت: ونظم الثلاثة نظم متوسّط ليس بالطبقة العليا. وأحسن من الأوّل قول من قال: أفدى مكاريّا تراه إذا سعى ... كالبرق ينتهب العيون ويخطف أخذ الكرا منّى وأحرمنى الكرى ... بينى وبينك يا مكارى الموقف وأحسن من الأخير قول من قال، وهو نجم الدين عبد المجيد بن محمد التّنوخىّ: أنظر إليه وسلّ قل ... بك عن محبته لعلّك ملك الفؤاد بغير شر ... ط حسنه والشّرط أملك

غيره فى المعنى: شرّطوه فبكى من ألم ... فغدا ما بين دمع ودم ناثرا من ذا ومن ذا لؤلؤا ... وعقيقا ليس بالمنتظم وفيها توفّى الصاحب تقىّ الدين أبو البقاء [الربعىّ «1» ] توبة بن علىّ بن مهاجر بن شجاع بن توبة التّكريتىّ [المعروف بالبيع «2» ] فى ليلة الخميس ثامن جمادى الآخرة ودفن بقاسيون. وكان رئيسا فاضلا ولى الوزر بدمشق لخمسة سلاطين: أوّلهم المنصور قلاوون، ثانيهم ابنه الأشرف خليل، ثم لأخيه الناصر محمد، ثم للعادل كتبغا، ثم للمنصور لاچين. انتهى. وكان مولده سنة عشرين وستمائة. وفيها فى أوّل ذى القعدة وقيل فى شوّال توفّى بالقاهرة الأمير الكبير بدر الدين بيسرى بن عبد الله الشّمسىّ الصالحىّ النّجمىّ بالسّجن بقلعة الجبل، ودفن بتربته «3» بالقاهرة. كان أميرا جليلا معظّما فى الدّول؛ كان الظاهر بيبرس يقول: هذا ابن سلطاننا فى بلادنا! وعرضت عليه السلطنة لما قتل الملك الأشرف خليل ابن قلاوون فامتنع، وكانت قد عرضت عليه قبل ذلك بعد الملك السّعيد بن الظاهر فلم يقبل، وهو آخر من بقى من أكابر مماليك الملك الصالح نجم الدين أيّوب، وترقّى حتى صار أمير مائة ومقدّم ألف، وعظم فى الدّول حتّى قبض عليه خشداشه المنصور قلاوون وحبسه تسع سنين إلى أن أطلقه ابنه الأشرف خليل وأعاده إلى رتبته، فاستمر إلى أن قبض عليه المنصور لاچين وحبسه إلى أن قتل لاچين، وأعيد الناصر محمد بن قلاوون فكلّموه فى إطلاقه فأبى إلا حبسه إلى أن مات فى الحبّ «4» . وكانت له

دار «1» عظيمة ببين القصرين وقد تغيّرت رسومها الآن. وكان عالى الهمّة كثير الصدقات والمعروف، كان عليه فى أيام إمرته رواتب لجماعة من مماليكه وحواشيه وخدمه، فكان يرتّب لبعضهم فى اليوم من اللّحم سبعين رطلا وما تحتاج إليه من التّوابل وسبعين عليقة، ولأقلّهم خمسة «2» أرطال وخمس علائق وما بين ذلك، وكان ما يحتاج إليه فى كلّ يوم لسماطه ولدوره والمرتّب عليه ثلاثة آلاف رطل لحم وثلاثة آلاف عليقة فى كلّ يوم؛ وكانت صدقته على الفقير ما فوق الخمسمائة ولا يعطى أقلّ من ذلك، وكان إنعامه ألف اردبّ غلّة وألف قنطار عسل وألف دينار وأشياء يطول شرحها. وفى الجملة أنّه كان من أعظم أمراء مصر بلا مدافعة. (وبيسرى: اسم مركب من لفظتين: تركية وعجمية) وصوابه فى الكتابة (پاى سرى) فپاى فى اللغة التركية بالتفخيم هو السعيد، وسرى بالعجمى الرأس، فمعنى الاسم سعيد الرأس.

قلت: وكان سعيد الرأس كما قيل. وهذا بخلاف مذهب النّجاة فإنّ هذا الاسم عين المسمّى. انتهى. وفيها توفّى الأستاذ جمال الدين أبو المجد ياقوت بن عبد الله المستعصمىّ الرّومىّ الطّواشىّ صاحب الخطّ البديع الذي شاع ذكره شرقا وغربا، كان خصيصا عند أستاذه الخليفة المستعصم بالله العبّاسىّ آخر خلفاء بنى العبّاس ببغداد، ربّاه وأدّبه وتعهّده حتّى برع فى الأدب، ونظم ونثر وانتهت إليه الرياسة فى الخط المنسوب. وقد سمّى بهذا الاسم جماعة كثيرة قد ذكر غالبهم فى هذا التاريخ، منهم كتّاب وغير كتّاب، وهم: ياقوت أبو الدرّ [الكاتب «1» مولى أبى المعالى أحمد بن على بن النجار] التاجر الرومى، وفاته بدمشق سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة. وياقوت الصّقلبىّ الجمالى أبو الحسن مولى الخليفة المسترشد العباسىّ، وفاته سنة ثلاث وستين وخمسمائة. وياقوت أبو سعيد مولى أبى عبد الله عيسى بن هبة الله بن النّقّاش، وفاته سنة أربع وسبعين وخمسمائة. وياقوت [بن عبد الله «2» ] الموصلى الكاتب أمين الدين المعروف بالملكى نسبة إلى أستاذه السلطان ملكشاه السّلجوقىّ، وياقوت هذا أيضا ممن انتشر خطّه فى الآفاق، ووفاته بالموصل سنة ثمانى عشرة وستمائة. وياقوت [بن عبد الله «3» ] الحموىّ الرومى شهاب الدين أبو الدرّ كان من خدّام بعض التّجّار ببغداد يعرف بعسكر الحموىّ، وياقوت هذا هو صاحب التصانيف والخط أيضا، ووفاته سنة ستّ وعشرين وستمائة. وياقوت [بن عبد الله «4» ] مهذّب الدّين الرّومى مولى أبى منصور التاجر الجيلىّ، وياقوت هذا كان شاعرا ماهرا وهو صاحب القصيدة التى أوّلها: إن غاض دمعك والأحباب قد بانوا ... فكلّ ما تدّعى زور وبهتان

ووفاته سنة اثنتين وعشرين وستمائة. فهؤلاء الذين تقدّموا ياقوت المستعصمىّ صاحب الترجمة بالوفاة، وكلّ منهم له ترجمة وفضيلة وخطّ وشعر. وقد تقدّم ذكر غالبهم فى هذا الكتاب، وإنما ذكرناهم هنا جملة لكون جماعات كثيرة من الناس مهما رأوه من الخطوط والتصانيف يقرءوه لياقوت المستعصمىّ، وليس الأمر كذلك بل فيهم من رجّح خطّه ابن خلّكان على ياقوت هذا. قلت: وقد خرجنا عن المقصود لكثرة الفائدة ولنعد إلى بقية ترجمة ياقوت المستعصمىّ. فمن شعره قوله: تجدّد الشمس شوقى كلّما طلعت ... إلى محيّاك يا سمعى ويا بصرى وأسهر اللّيل ذا أنس بوحشته ... إذ طيب ذكرك فى ظلمائه سمرى وكلّ يوم مضى [لى «1» ] لا أراك به ... فلست محتسبا ماضيه من عمرى ليلى نهارى إذا ما درت فى خلدى ... لأنّ ذكرك نور القلب والبصر وله أيضا: صدّقتم فىّ الوشاة وقد مضى ... فى حبّكم عمرى وفى تكذيبها وزعمتم أنّى مللت حديثكم ... من ذا يملّ من الحياة وطيبها الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى السلطان الملك المنصور حسام الدين لاچين المنصورىّ. ومن الغد قتل نائبه منكوتمر. ثم قتلوا الأميرين كرجى وطغجى الأشرفيّين. وأحضر السلطان الملك الناصر وعاد إلى السلطنة. وفيها توفى الإمام جمال الدين محمد بن سليمان بن النقيب الحنفىّ صاحب التفسير بالقدس فى المحرّم. والعلّامة بهاء الدين محمد [بن إبراهيم «2» بن محمد بن إبراهيم] أبو عبد الله الحلبىّ ابن النحاس فى جمادى الأولى. والصاحب تقىّ الدّين توبة بن علىّ

ما وقع من الحوادث سنة 699

[ابن مهاجر «1» ] التّكريتىّ فى جمادى الآخرة. والزاهد الملقّن علىّ بن محمد [بن علىّ «2» ] ابن بقاء الصالحىّ فى شوّال. والمسند ناصر الدين عمر بن عبد المنعم بن عمر [ابن عبد الله بن غدير «3» ] بن القوّاس فى ذى القعدة. وصاحب حماة الملك المظفر تقي الدين محمود ابن المنصور محمد [بن محمود بن محمد «4» بن عمر بن شاهنشاه] . والملك الأوحد يوسف ابن الملك الناصر داود بن المعظّم عيسى. والعماد عبد الحافظ بن بدران بن شبل النابلسىّ فى ذى الحجّة، وقد قارب التسعين. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وأصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وست عشرة إصبعا. [ما وقع من الحوادث سنة 699] السنة الثانية من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثانية على مصر، وهى سنة تسع وتسعين وستمائة. فيها كانت وقعة السلطان الملك الناصر محمد المذكور مع قازان على حمص. وقد تقدّم ذكرها. وفيها توفى القاضى علاء الدين أحمد بن عبد الوهّاب بن خلف بن محمود [بن علىّ «5» ] ابن بدر العلامىّ المعروف بابن بنت الأعزّ. كان لطيف العبارة جميل الصورة لطيف المزاج، تولّى حسبة القاهرة ونظر الأجباس، ودرّس بعدّة مدارس وحجّ

ذكر من عدم فى هذه السنة فى وقعة حمص مع التتار

ودخل اليمن ثم عاد إلى القاهرة ومات بها فى شهر ربيع الآخر، وكان له نظم ونثر. ومن شعره قصيدة أوّلها: إن أومض البرق فى ليل بذى سلم ... فإنّه ثغر سلمى لاح فى الظّلم وفيها توفّى الشيخ المسند المعمّر شرف الدين أحمد بن هبة الله ابن تاج الأمناء أحمد بن محمد [بن الحسن «1» بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين] بن عساكر بدمشق، وبها دفن بمقابر الصوفيّة بتربة الشيخ فخر الدين «2» بن عساكر، وكان من بقايا المسندين تفرّد سماعا وإجازة. ذكر من عدم فى هذه السنة فى وقعة حمص مع التّتار قاضى القضاة حسام «3» الدّين الحنفىّ. والشيخ عماد الدين إسماعيل ابن تاج الدين [أحمد بن سعيد «4» ] بن الأثير الكاتب. والأمير جمال الدين المطروحى «5» . والأمير سيف الدين كرت «6» . والأمير ركن «7» الدين الجمالى نائب غزّة، ولم يظهر للجميع خبر، غير أنّهم ذكروا أن قاضى القضاة حسام الدين المذكور أسروه التتار وباعوه للفرنج، ووصل قبرص وصار بها حكيما، وداوى صاحب قبرص من مرض مخيف فشفى فأوعده أن بطلقه، فمرض القاضى حسام الدين المذكور ومات. كذا حكى بعض أجناد الإسكندرية.

وفيها توفى الشيخ الصالح الحافظ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن فرج بن أحمد بن اللّخمىّ الإشبيلى بدمشق، ودفن بمقابر الصوفية، وكان حافظا ديّنا خيّرا زاهدا متورّعا، عرض عليه جهات كثيرة فأعرض عنها، وهو صاحب القصيدة المشتملة على صفات «1» الحديث: غرامى صحيح والرّجا فيك معضل ... وحزنى ودمعى مرسل ومسلسل وصبرى عنكم يشهد العقل أنّه ... ضعيف ومتروك وذلّى أجمل فلا حسن إلا سماع حديثكم ... مشافهة تملى علىّ فأنقل وأمرى موقوف عليك وليس لى ... على أحد إلّا عليك المعوّل ولو كان مرفوعا إليك لكنت لى ... على رغم عذّالى ترقّ وتعدل وعذل عذول منكر لا أسيغه ... وزور وتدليس يردّ ويهمل أقضّى زمانى فيك متّصل الأسى ... ومنقطعا عمّا به أتوصّل وهأنا فى أكفان هجرك مدرج ... تكلّفنى ما لا أطيق فأحمل وهى أطول «2» من ذلك. وفيها توفّى قاضى القضاة عز الدين عبد العزيز ابن قاضى القضاة محيى الدين يحيى ابن محمد بن علىّ بن الزكىّ فى يوم الأحد حادى عشر ذى الحجّة. وكان من أعيان الدمشقيين، ودرّس بعدّة مدارس وانتفع به الناس. رحمه الله. وفيها توفى الشيخ الإمام العالم مفتى المسلمين القاضى شمس الدين محمد ابن الشيخ الإمام العلّامة شيخ المواهب «3» قاضى القضاة صدر الدين أبى الربيع سليمان

ابن أبى العزّ وهيب الحنفى الدّمشقى فى يوم الجمعة سادس عشر ذى الحجة بالمدرسة النورية «1» بدمشق، ودفن بتربة والده بقاسيون، وكان فقيها عالما مفتيا بصيرا بالأحكام متصدّيا للفتوى والتدريس، أفتى مدّة أربع وثلاثين سنة وقرأ عليه جماعة كثيرة وانتفع الناس به، وكان نائبا فى القضاء عن والده وسئل بالمناصب الجليلة فامتنع من قبولها. رحمه الله. قلت: وبنو العز بيت كبير بدمشق مشهورون بالعلم والرياسة. وفيها توفّى صاحب الأندلس أمير المسلمين أبو عبد الله محمد «2» بن محمد بن يوسف المعروف بابن الأحمر ملك الأندلس وما ولاها بعد موت والده سنة إحدى وسبعين وستمائة، وامتدت أيامه وقوى سلطانه، ومات فى عشر الثمانين رحمه الله تعالى. الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: فيها توفّى الإمام شمس الدين محمد بن عبد القوىّ المقدسىّ النحوىّ. وعماد الدين يوسف بن أبى نصر الشقارىّ «3» ، وقاضى القضاة إمام الدين عمر بن عبد الرحمن القزوينىّ بمصرفى ربيع الآخر. وعبد الدائم بن أحمد المحجّى [القبّانى] الوزّان «4» . وعلى بن أحمد بن عبد الدائم وأخوه عمر. وأحمد بن زيد [بن أبى الفضل الصالحى الفقير المعروف «5» ] بالجمّال: وشرف الدين أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن أحمد بن عساكر فى جمادى الأولى. وعيسى بن بركة بن والى. ومحمد بن أحمد بن نوال الرصافى. وعلى بن مطر المحجّى

البقّال «1» . وصفيّة بنت عبد الرحمن بن عمرو الفرّاء، وابن عمها إبراهيم بن أبى الحسن [بن «2» عمرو بن موسى أبو إسحاق الفرّاء] . وأحمد بن محمد الحدّاد. وخديجة بنت [التّقىّ محمد بن محمود «3» بن عبد المنعم] المراتبىّ. والحافظ شهاب الدين أحمد بن فرج اللّخمىّ الإشبيلىّ فى جمادى الآخرة. وأبو العبّاس أحمد بن سليمان بن أحمد المقدسىّ الحرّانى. والشيخ عزّ الدين عبد العزيز بن محمد بن عبد الحقّ. والخطيب موفّق الدين محمد بن محمد [المعروف «4» ب] ابن حبيش فى جمادى الآخرة بدمشق. والمعمّرة زينب بنت عمر ابن كندى «5» ببعلبكّ. والأمير علم الدين [سنجر «6» البرنلى] الدّوادارى فى رجب بحصن «7» الأكراد. والمؤيّد علىّ «8» بن إبراهيم بن يحيى ابن خطيب عقرباء «9» . وشمس الدين محمد ابن على بن أحمد بن فضل الواسطىّ فى رجب، وله أربع وثمانون سنة. والعلّامة نجم الدين أحمد بن مكّى فى جمادى «10» الآخرة. والإمام شمس الدين محمد بن سلمان «11» بن حمائل سبط «12» غانم. والشيخ بدر الدين حسن بن على بن يوسف بن هود المرسىّ فى رجب «13» . والإمام شمس الدين محمد ابن الفخر عبد الرحمن بن يوسف البعلبكّىّ فى رمضان. والشريف شمس الدين محمد بن هاشم بن عبد القاهر العباسىّ العدل فى رمضان،

ما وقع من الحوادث سنة 700

وله أربع وتسعون سنة. والشيخ بهاء الدين أيّوب بن أبى بكر [بن «1» إبراهيم بن هبة الله أبو صابر] بن النحاس مدرس القليجيّة «2» فى شوّال. والمفتى جمال الدين عبد الرحيم بن عمر الباجربقي «3» . والعدل بهاء الدين محمد بن يوسف البرزالىّ عن اثنتين وستين سنة. والأديب جمال الدين عمر بن إبراهيم بن العقيمىّ الرّسعنىّ «4» ، وله أربع وتسعون سنة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وعدة أصابع. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وستّ أصابع، وكان الوفاء ثالث عشر توت. [ما وقع من الحوادث سنة 700] السنة الثالثة من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثانية على مصر، وهى سنة سبعمائة من الهجرة. فيها توفّى الأمير سيف الدّين بلبان الطّبّاخىّ بالعسكر المنصور على الساحل، وكان من أعيان الأمراء وأحشمهم وأشجعهم وأكثرهم عدّة ومماليك وحاشية. وولى نيابة حلب قبل ذلك بمدّة، ثم ولى الفتوحات بالساحل ودام عليها سنين. وكان جميل السّيرة والطريقة وله المواقف المشهورة والنّكاية فى العدوّ. رحمه الله تعالى. وفيها توفّى الأديب البارع شهاب الدين أبو جلنك «5» الحلبىّ الشاعر المشهور صاحب النوادر الطّريفة، كان بارعا ماهرا وفيه همّة وشجاعة. ولما كانت وقعة التّتار فى هذه السنة نزل أبو جلنك المذكور من قلعة حلب لقتال التّتار، وكان ضخما

سمينا فوقع عن فرسه من سهم أصاب الفرس فبقى راجلا، فأسروه وأحضروه بين يدى مقدّم التتار، فسأله عن عسكر المسلمين، فرفع شأنهم فغضب مقدّم التتار، عليه اللعنة، من ذلك فضرب عنقه. رحمه الله تعالى. ومن شعر أبى جلنك المذكور قوله: وشادن يصفع مغرى به ... براحة أندى من الوابل فصحت فى الناس ألا فاعجبوا ... بحر غدا يلطم فى الساحل قال الشيخ صلاح الدين الصفدىّ رحمه الله: وكان أبو جلنك قد مدح قاضى القضاة شمس الدين أحمد بن خلّكان فوقّع له برطلى خبز، فكتب أبو جلنك على بستانه: لله بستان حللنا دوحه ... كجّنة قد فتّحت أبوابها «1» والبان تحسبه سنانيرا رأت ... قاضى القضاة فنفّشت أذنابها قلت: لعل الصلاح الصّفدىّ وهم فى ابن خلّكان، والصواب أنّ القصّة كانت مع قاضى القضاة كمال الدين بن الزّملكانىّ «2» . انتهى. ومن شعر أبى جلنك فى أقطع. وبى أقطع ما زال يسخو بماله ... ومن جوده ما ردّ فى الناس سائل تناهت يداه فاستطال عطاؤها ... وعند التّناهى يقصر المتطاول قلت: ووقع فى هذا المعنى عدّة مقاطيع جيّدة فى كتابى المسمى ب «حلية الصفات فى الأسماء والصناعات» فمن ذلك: أفديه أقطع يشدو ... ساروا ولا ودّعونى ما أنصفوا أهل ودى ... واصلتهم قطعونى

ولشمس «1» الدين بن الصائغ الحنفىّ: وأقطع قلت له ... هل أنت لصّ أوحد فقال هذى صنعة ... لم يبق لى فيها يد وفى المعنى هجو: تجنّب كلّ أقطع فهو لصّ ... يريد لك الخيانة كلّ ساعه وما قطعوه بعد الوصل لكن ... أرادوا كفّه عن ذى الصّناعه غيره فى المعنى: من يكن فى الأصل لصّا ... لم يكن قطّ أمينا فثقوا منه برهن ... أو خذوا منه يمينا وفيها توفّى الشيخ الصالح المسند عزّ الدين أبو الفدى إسماعيل بن عبد الرحمن ابن عمر بن موسى بن عميرة المعروف بابن الفرّاء المرداوىّ ثم الصالحىّ الحنبلىّ، مولده سنة عشر «2» وستّمائة وسمع الكثير وحدّث، وخرّج له الحافظ شمس الدين الذّهبىّ مشيخة، وكان ديّنا خيّرا وله نظم. من ذلك قوله: أين من عهد آدم وإلى الآ ... ن ملوك وسادة وصدور مزّقتهم أيدى الحوادث واستو ... لت عليهم رحى المنون تدور وله فى المعنى وقيل هما لغيره: ثم انقضت تلك السّنون وأهلها ... فكأنّها وكأنّهم أحلام وكذاك من يأتى وحقّك بعدهم ... أمضاه ربّ قادر علّام

ما وقع من الحوادث سنة 701

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى عزّ الدين أحمد ابن العماد عبد الحميد بن عبد الهادى فى المحرّم، وله ثمان وثمانون سنة. وعماد الدين أحمد [بن محمد «1» ] بن سعد «2» المقدسىّ وله ثلاث وثمانون سنة. وعز الدين إسماعيل ابن عبد الرحمن بن عمر «3» الفرّاء فى جمادى الآخرة، وله تسعون سنة. وأبو «4» على يوسف ابن أحمد بن أبى بكر الغسولىّ «5» فى الشهر، وله نحو من تسعين سنة. والحافظ شمس الدين أبو العلاء محمود بن أبى بكر البخارىّ الفرضىّ بماردين «6» فى ربيع الأوّل، وله ستّ وخمسون سنة. وشمس الدين أبو القاسم الخضر بن عبد الرحمن [بن «7» الخضر بن الحسين ابن الخضر بن الحسين] بن عبد الله بن عبدان الأزدىّ فى ذى الحجة. والمقرئ شمس الدين محمد بن منصور الحاضرىّ فى صفر. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم والحديث (أعنى مجموع النيل) فى هذه السنة ستّ عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا. [ما وقع من الحوادث سنة 701] السنة الرابعة من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثانية على مصر، وهى سنة إحدى وسبعمائة. فيها فى ثالث عشر من شهر ربيع الأوّل سافر الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير إلى الإسكندريّة وصحبته جماعة كثيرة من الأمراء بسبب الصّيد، ورسم

له السلطان أنّ مدّة مقامه بالإسكندريّة يكون دخلها له، ثم أعطى السلطان لجميع الأمراء دستورا لمن أراد السفر لإقطاعه لعمل مصالح بلاده، وكان إذ ذاك يربّعون خيولهم شهرا واحدا لأجل العدوّ المخذول. وفيها توفّى مسند العصر شهاب الدين أحمد بن رفيع الدّين إسحاق بن محمد بن المؤيّد الأبرقوهىّ «1» بمكّة فى العشرين من ذى الحجّة. ومولده سنة خمس عشرة وستمائة بابرقوه «2» من أعمال شيراز، وكان سمع الكثير وحدّث وطال عمره وتفرّد بأشياء. وفيها توفّى الحافظ شرف الدين أبو الحسين على ابن الإمام أبى عبد الله محمد بن أبى الحسين أحمد بن عبد الله بن عيسى بن أحمد بن محمد اليونينىّ فى يوم الخميس حادى «3» عشر شهر رمضان ببعلبكّ. ومولده فى حادى عشر شهر رجب سنة إحدى وعشرين وستمائة ببعلبك. وفيها توفّى الأمير علم الدين سنجر بن عبد الله المعروف بأرجواش المنصورىّ نائب قلعة دمشق فى ليلة السبت ثانى عشرين ذى الحجّة وكان شجاعا. وهو الذي حفظ قلعة دمشق فى نوبة غازان وأظهر من الشجاعة ما لا يوصف على تغفّل كان فيه؛ حسب ما قدّمنا من ذكره فى أصل ترجمة الملك الناصر محمد بن قلاوون ما فعله وكيف كان حفظه لقلعة دمشق. وأمّا أمر التّغفّل الذي كان به:

قال الشيخ صلاح الدين خليل بن أيبك فى تاريخه: حكى لى عنه عبد الغنى الفقير المعروف قال: لمّا مات الملك المنصور قلاوون (أعنى أستاذه) قال لى: أحضر لى مقرئين يقرءون ختمة للسلطان، فأحضرت إليه جماعة فجعلوا يقرءون على العادة، فأحضر دبوسا وقال: كيف تقرءون للسلطان هذه القراءة! تقرءون عاليا، فضجّوا بالقراءة جهدهم، فلمّا فرغوا منها، قلت: يا خوند فرغت الختمة، فقال: يقرءون أخرى فقرءوها وقفزوا ما أرادوا، فلمّا فرغوا أعلمته، قال ويلك «1» ! السماء ثلاثة، والأرض ثلاثة، والأيام ثلاثة، والمعادن ثلاثة، وكل ما فى الدنيا ثلاثة، يقرءون أخرى! فقلت: اقرءوها واحمدوا الله تعالى على أنّه ما علم أن هذه الأشياء سبعة سبعة، فلمّا فرغوا [من «2» ] الثلاثة وقد هلكوا من صراخهم، قال: دعهم عندك فى التّرسيم إلى بكرة، ورح اكتب عليهم حجّة بالقسامة الشريفة بالله تعالى، وبنعمة السلطان أنّ ثواب هذه الختمات لمولانا السلطان الملك المنصور قلاوون؛ ففعلت ذلك وجئت إليه بالحجّة، فقال: هذا جيّد، أصلح الله أبدانكم وصرف لهم أجرتهم. وحكى عنه عدّة حكايات من هذا تدلّ على تغفّل كبير. قلت: ويلحق أرجواش هذا بعقلاء المجانين فإنّ تدبيره فى أمر قلعة دمشق وقيامه فى قتال غازان له المنتهى فى الشجاعة وحسن التدبير. انتهى. وفيها توفّى شمس «3» الدين سعيد بن محمد بن سعيد بن الأثير فى سابع عشر ذى القعدة بدمشق، وكان رئيسا فاضلا كاتبا، كتب الإنشاء بدمشق سنين. وفيها توفّى الشريف نجم الدين أبو نمىّ محمد بن أبى سعد حسن بن على بن قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى بن حسين بن سليمان بن علىّ بن عبد الله

ما وقع من الحوادث سنة 702

ابن محمد بن موسى بن عبد الله المحض «1» بن موسى [بن عبد الله] بن الحسن بن الحسن بن علىّ ابن أبى طالب الحسنىّ المكىّ صاحب مكّة المشرّفة فى يوم الأحد «2» رابع صفر بعد أن أقام فى إمرة مكّة أربعين سنة، وقدم القاهرة مرارا، وكان يقال لولا أنّه زيدىّ لصلح للخلافة لحسن صفاته. أمر النيل فى هذه السنة الماء القديم ثلاث أذرع وأصابع. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وثلاث عشرة إصبعا. [ما وقع من الحوادث سنة 702] السنة الخامسة من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثانية على مصر، وهى سنة اثنتين وسبعمائة. فيها فى أوّل المحرّم قدم الأمير بيبرس الجاشنكير من الحجاز ومعه الشريفان حميضة «3» ورميثة «4» فى الحديد فسجنا بقلعة الجبل. وفيها فى رابع جمادى الآخرة «5» ظهر بالنيل دابّة كلون الجاموس بغير شعر، وأذناها كأذن الجمل، وعيناها وفرجها مثل الناقة، ويغطّى فرجها ذنب طوله شبر ونصف،

طرفه كذنب السّمك، ورقبتها مثل ثخن التّلّيس «1» المحشوّ تبنا، وفمها وشفتاها مثل الكربال، ولها أربع أنياب [اثنتان فوق «2» اثنتين] فى طول نحو شبر وعرض إصبعين، وفى فمها ثمانية وأربعون ضرسا وسنّا مثل بيادق الشّطرنج، وطول يدها من باطنها شبران ونصف، ومن ركبتها إلى حافرها مثل أظافير الجمل، وعرض ظهرها قدر ذراعين ونصف، ومن فمها إلى ذنبها خمس عشرة قدما، وفى بطنها ثلاث كروش، ولحمها أحمر له ذفرة السّمك، وطعمه مثل لحم الجمل، وثخانة جلدها أربع أصابع، لا تعمل فيه السّيوف؛ وحمل جلدها على خمسة جمال فى مقدار ساعة من ثقله، وكان ينقل من جمل إلى جمل وقد حشى تبنا حتّى وصل إلى قلعة الجبل. وفيها كان بمصر والقاهرة زلزلة عظيمة أخربت عدّة منائر ومبان كثيرة من الجوامع والبيوت حتّى أقامت الأمراء ومباشرو الأوقاف مدّة طويلة ترمّ وتجدّد ما تشعّث فيها من المدارس والجوامع حتّى منارة «3» الإسكندريّة.

وفيها أبطل الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير عيد الشهيد بمصر، وهو أنّ النصارى كان عندهم تابوت فيه اصبع يزعمون أنّها من أصابع بعض شهدائهم، وأنّ النيل لا يزيد ما لم يرم فيه هذا التابوت، فكان يجتمع النصارى من سائر النواحى إلى شبرا «1» ، ويقع هناك أمور يطول الشرح فى ذكرها، حتى إنّ بعض النصارى باع

فى أيّام هذا العيد باثنى عشر ألف درهم خمرا من كثرة الناس التى تتوجّه إليه للفرجة، وكان تثور فى هذا العيد فتن وتقتل خلائق. فأمر الأمير بيبرس رحمه الله بإبطال ذلك، وقام فى ذلك قومة عظيمة، فشقّ ذلك على النصارى، واجتمعوا بالأقباط الذين أظهروا الإسلام، فتوجّه الجميع إلى التاج بن سعيد الدولة كاتب بيبرس، وكان خصيصا به وأوعدوا بيبرس بأموال عظيمة، وخوّفه من عدم طلوع النيل ومن كسر الخراج، فلم يلتفت إلى ذلك وأبطله إلى يومنا هذا. وفيها توفّى الشيخ كمال الدين «1» أحمد بن أبى الفتح «2» محمود بن أبى الوحش أسد ابن سلامة بن سليمان بن فتيان المعروف بابن العطّار، أحد كتّاب الدّرج بدمشق فى رابع عشر «3» ذى القعدة. ومولده سنة ستّ وعشرين وستمائة، وكان كثير التلاوة محبّا لسماع الحديث وسمع وحدّث، وكان صدرا كبيرا فاضلا وله نظم ونثر، وأقام يكتب الدّرج أربعين سنة. وفيها توفّى الشيخ شهاب الدين أحمد ابن الشيخ القدوة برهان الدين إبراهيم ابن معضاد الجعبرىّ بالقاهرة؛ وقد تقدم ذكر وفاة والده، ودفن بزاويته «4» خارج باب النصر من القاهرة.

وفيها توفّى الأمير فارس الدين ألبكى الساقى أحد مماليك الملك الظاهر بيبرس، كان من أكابر أمراء الديار المصريّة، ثم اعتقل إلى أن أفرج عنه الملك المنصور قلاوون وأنعم عليه بإمرة؛ ثم نقله إلى نيابة صفد فأقام بها عشر سنين، وفرّ مع الأمير قبجق إلى غازان وتزوّج بأخته، ثم قدم مع غازان ولحق بالسلطان، فولّاه نيابة حمص حتى مات بها فى يوم الثلاثاء ثامن ذى القعدة. وكان مليح الشكل كثير الأدب ما جلس قطّ بلا خفّ، وإذا ركب ونزل حمل جمداره شاشه، فإذا أراد الركوب لفّه مرّة واحدة بيده كيف كانت. وفيها استشهد بوقعة شقحب «1» الأمير عزّ الدين أيدمر العزّى نقيب المماليك السلطانيّة [فى أيّام لاچين «2» ] ، وأصله من مماليك الأمير عزّ الدين أيدمر [الظاهرى «3» ] نائب الشام وكان كثير الهزل، وإليه تنسب سويقة «4» العزّى خارج القاهرة بالقرب من جامع «5» ألجاى اليوسفىّ.

وفيها استشهد الأمير سيف الدين أيدمر الشمسى القشّاش، وكان قد ولى كشف الغربية والشرقية جميعا واشتدّت مهابته، وكان يعذّب أهل الفساد بأنواع قبيحة من العذاب، منها: أنّه كان يغرس خازوقا بالأرض ويجعل عوده «1» قائما ويرفع الرّجل ويسقطه عليه! وأشياء كثيرة ذكرناها فى ترجمته فى تاريخنا المنهل الصافى، ولم يجسر أحد من الفلّاحين فى أيّامه أن يلبس مئزرا أسود ولا يركب فرسا ولا يتقلّد بسيف ولا يحمل عصا مجلّبة حتى ولا أرباب الإدراك، ثم استعفى من الولاية ولزم داره، وخرج لغزوة شقحب فى محفّة إلى وقت القتال لبس سلاحه وركب فرسه وهو فى غاية الألم، فقيل له: أنت لا تقدر تقاتل، فقال: والله لمثل هذا اليوم أنتظر، وإلّا بأىّ شىء يتخلّص القشّاش من ربّه بغير هذا! وحمل على العدوّ وقاتل حتّى قتل ورئى فيه- بعد أن مات- ستّة جراحات. وفيها أيضا استشهد الأمير أوليا بن قرمان «2» أحد أمراء الظاهريّة وهو ابن أخت قرمان، وكان شجاعا مقداما.

وفيها استشهد أيضا الأمير عزّ الدين أيبك الأستادار، وكان من كبار الأمراء المنصوريّة. واستشهد الأمير جمال الدين آقوش الشمسى الحاجب. والأمير سيف الدين بهادر أحد الأمراء بحماة. والأمير صلاح الدين بن الكامل «1» . والأمير علاء الدين [على «2» ] ابن الجاكى. والشيخ نجم الدين [أيّوب «3» ] الكردىّ. والأمير شمس الدين سنقر الشمسى [الحاجب «4» ] . والأمير شمس الدين سنقر الكافرى «5» . والأمير سنقر شاه أستادار بيبرس الجالق. والأمير حسام الدين علىّ بن باخل. والأمير لاچين الرومىّ [المنصورى «6» ] أستادار الملك المنصور قلاوون ويعرف بالحسام. قلت: ورأيت أنا من ذريّته الصارمى إبراهيم بن الحسام. وكلّ هؤلاء استشهدوا فى نوبة غازان بشقحب بيد التتار. وفيها توفّى الملك العادل كتبغا المنصورىّ نائب حماة بها وهو فى الكهوليّة فى ليلة الجمعة يوم عيد الأضحى. وقد تقدّم ذكره فى ترجمته من هذا الكتاب عند ذكر سلطنته بالديار المصريّة، وما وقع له حتى خلع وتوجّه لنيابة صرخد، ثم نقل إلى نيابة حماة فمات بها. وفيها توفّى قاضى القضاة تقىّ الدين محمد ابن الشيخ مجد الدين علىّ بن وهب ابن مطيع بن أبى الطاعة القشيرىّ المنفلوطىّ الفقيه المالكىّ ثم الشافعىّ المعروف بابن دقيق العيد قاضى قضاة الشافعيّة بالديار المصريّة. كان إماما عالما، كان مالكيّا ثم انتقل إلى مذهب الشافعىّ. ومولده فى عشرين شعبان سنة خمس وعشرين

وستمائة، ومات فى يوم الجمعة حادى عشر صفر، وكان تفقّه بأبيه ثم بالشيخ عزّ «1» الدين ابن عبد السلام وغيره، وسمع من ابن المقيّر «2» وابن رواح «3» وابن عبد الدئم «4» وغيرهم، وخرّج لنفسه تساعيات، وصار من أئمة العلماء فى مذهبى مالك والشافعىّ مع جودة المعرفة بالأصول والنحو والأدب، إلّا أنّه كان قهره الوسواس فى أمر المياه والنّجاسات، وله فى ذلك حكايات ووقائع عجيبة. وروى عنه الحافظ فتح الدين بن سيد الناس، وقاضى القضاة علاء الدين «5» القونوىّ، وقاضى القضاة علم الدين الإخنائى» وغيرهم وكان أبو «7» حيّان النحوىّ يطلق لسانه فى حقّ قاضى القضاة المذكور، وقد أوضحنا ذلك فى ترجمته فى المنهل الصافى باستيعاب. ومن نظمه قصيدته المشهورة فى مدح النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم التى أوّلها «8» : يا سائرا نحو الحجاز مشمّرا ... اجهد فديتك فى المسير وفى السّرى وإذا سهرت اللّيل فى طلب العلا ... فحذار ثم حذار من خدع الكرى وله أيضا: سحاب فكرى لا يزال هاميا ... وليل همّى لا أراه راحلا قد أتعبتنى همّتى وفطنتى ... فليتنى كنت مهينا جاهلا

ما وقع من الحوادث سنة 703

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم لم يحرّر. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا سواء، وكان الوفاء فى سابع عشرين مسرى «1» . [ما وقع من الحوادث سنة 703] السنة السادسة من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاون الثانية على مصر، وهى سنة ثلاث وسبعمائة. فيها انتدب الأمراء لعمارة ما خرب من الجوامع بالزّلزلة فى السنة الماضية، وأنفقوا فيها مالا جزيلا. وفيها كملت عمارة المدرسة الناصريّة «2» ببين القصرين، ونقل الملك الناصر محمد ابن قلاوون أمّه من التّربة المجاورة «3» للمشهد النّفيسىّ «4» إليها. وموضع هذه المدرسة

الناصريّة كان دارا تعرف بدار سيف الدين بلبان الرشيدىّ فاشتراها الملك العادل زين الدين كتبغا وشرع فى بنائها مدرسة، وعمل بوّابتها من أنقاض مدينة عكّا وهى بوّابة كنيسة بها ثم خلع كتبغا، فاشتراها الملك الناصر محمد هذا على يد قاضى القضاة زين «1» الدين علىّ بن مخلوف وأتمّها وعمل لها أوقافا جليلة، من جملتها: قيساريّة أمير علىّ «2» بالشرابشيين «3» .

والرّبع المعروف بالدهيشة «1» قريبا من باب زويلة «2» ، وحوانيت باب الزّهومة «3»

والحمّام «1» المعروفة بالفخرية بجوار المدرسة «2» الفخرية، وعدّة أوقاف أخرى فى مصر والشام.

وفيها توفّى الأمير عزّ الدين أيبك الحموىّ كان أصله من مماليك الملك المنصور «1» صاحب حماة، فطلبه منه الملك الظاهر بيبرس هو وأبو خرص [علم الدين سنجر «2» ] من الملك المنصور، فسيّرهما إليه فرقّاهما ثم أمّرهما، ثم ولّى الملك الأشرف خليل أيبك هذا نيابة دمشق بعد سنجر الشجاعىّ حتّى عزله الملك العادل كتبغا بمملوكه إغزلوا العادلىّ، وولى بعد ذلك نيابة صرخد ثم حمص وبها مات فى تاسع «3» عشر ربيع الآخر. وفيها توفى الأمير ركن الدين بيبرس التّلاوىّ وكان يلى شدّ دمشق، وكان فيه ظلم وعسف، وتولّى عوضه شدّ دمشق الأمير قيران [المنصورى «4» ] الدوادارى. وفيها توفّى القاضى شمس الدين سليمان «5» بن إبراهيم بن إسماعيل الملطىّ «6» ثم الدّمشقىّ الحنفىّ أحد نوّاب الحكم بدمشق ومصر، كان فقيها عالما ديّنا مباركا حسن السّيرة. وفيها توفّى القان إيل خان معزّ الدين «7» قازان، وقيل غازان، وكلاهما يصح معناه ابن أرغون بن أبغا بن هولاكو بن تولى خان بن چنكز خان ببلاد قزوين «8» فى ثانى عشر شوال «9» وحمل إلى تربته وقبّته التى أنشأها خارج تبريز «10» . وكان جلوسه على تخت

الملك فى سنة ثلاث وتسعين وستمائة، وأسلم فى سنة أربع وتسعين؛ ونثر الذهب والفضّة واللؤلؤ على رءوس الناس، وفشا الإسلام بإسلامه فى ممالك التتار، وأظهر العدل وتسمّى محمودا، وكان أجلّ ملوك المغل من بيت هولاكو، وهو صاحب الوقعات مع الملك الناصر محمد بن قلاوون والذي ملك الشام. وقد تقدّم ذكر ذلك كلّه فى أصل هذه الترجمة. وفيها توفّى القاضى فتح الدين أبو محمد عبد الله ابن الصاحب عزّ الدين محمد بن أحمد بن خالد بن محمد القيسرانىّ فى يوم الجمعة خامس عشرين شهر ربيع الآخر بالقاهرة، وقد وزر جدّه موفّق الدين «1» خالد للملك العادل نور الدين محمود بن زنكى المعروف بالشهيد، وكانت لديه فضيلة وعنى بالحديث وجمع وألّف كتابا فى معرفة الصحابة، وكان له نظم ونثر، وخرّج لنفسه أربعين حديثا، وروى عنه الدّمياطىّ من شعره، وأخذ عنه الحافظ فتح الدين ابن سيّد الناس، والبرزالىّ والذهبىّ. ومن شعره: بوجه معذّبى آيات حسن ... فقل ما شئت فيه ولا تحاشى ونسخة حسنه قرئت فصحّت ... وها خطّ الكمال على الحواشى وفيها توفّى القاضى كمال «2» الدين أبو الفتح موسى ابن قاضى القضاة شمس الدين أحمد بن شهاب الدين محمد بن خلّكان، كان فاضلا اشتغل فى حياة والده ودرس، وكانت سيرته غير مشكورة، وهو كان أكبر الأسباب فى عزل والده، ومات فى شهر ربيع» الأوّل.

وفيها توفّى الشريف أبو فارس عبد العزيز بن عبد الغنى بن سرور بن سلامة «1» المنوفىّ أحد أصحاب أبى «2» الحجّاج الأقصرىّ. مات فى ليلة الاثنين خامس عشر ذى الحجة بمصر عن مائة وعشرين سنة. وفيها توفّى الشريف جمّاز بن شيحة [بن هاشم بن قاسم بن مهنّا «3» ] أمير المدينة النبويّة مصروفا عن ولايتها، والأصح وفاته فى القابلة. وفيها توفّى الإمام المحدّث تاج الدين علىّ بن أحمد بن عبد المحسن الحسينىّ الغرّافى «4» الإسكندرانىّ فى سابع ذى الحجّة. وفيها توفّى الأمير الوزير ناصر الدين محمد، ويقال ذبيان «5» ، الشيخىّ، تحت العقوبة فى سابع ذى القعدة. وفيها توفّى الشريف شمس الدين أبو عبد الله «6» محمد بن الحسين بن محمد الأرموىّ نقيب الأشراف فى تاسع عشر شوّال، وكان فاضلا رئيسا. وقيل وفاته فى الآتية، وهو الأقوى. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وعدّة أصابع. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وستّ عشرة إصبعا. وكان الوفاء أوّل أيام النّسىء.

ما وقع من الحوادث سنة 704

[ما وقع من الحوادث سنة 704] السنة السابعة من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثانية على مصر، وهى سنة أربع وسبعمائة. فيها توجّه الأمير بيبرس الجاشنكير إلى الحجاز مرّة ثانية ومعه علاء الدين أيدغدى الشّهرزورىّ رسول ملك الغرب، والأمير بيبرس المنصورىّ الدّوادار، والأمير بهاء الدين يعقوبا وجماعة كثيرة من الأمراء، وخرج ركب الحاجّ فى عالم كثير من الناس مع الأمير عزّ الدين أيبك الخازندار زوج بنت الملك الظاهر بيبرس. وفيها ظهر فى معدن الزّمرّد قطعة زنتها مائة «1» وخمسة وسبعون مثقالا فأخفاها الضامن ثم حملها إلى بعض «2» الملوك، فدفع فيها مائة ألف وعشرين ألف درهم فأبى يبيعها، فأخذها «3» الملك منه غصبا وبعث بها إلى السلطان فمات الضامن غمّا. وفيها توفّى القاضى فتح الدين أحمد بن محمد بن سلطان «4» القوصىّ الشافعىّ وكيل بيت المال بقوص وأحد أعيانها، كان من الرؤساء ومات بها فى حادى عشر المحرّم. وفيها توفّى القاضى زين الدين أحمد ابن الصاحب فخر الدين محمد ابن الصاحب بهاء الدين علىّ بن محمد بن سليم بن حنّا فى ليلة الخميس ثامن صفر، وكان فقيها فاضلا متديّنا وافر الحرمة.

وفيها توفّى شمس الدين أحمد بن علىّ بن هبة الله بن السّديد الإسنائىّ خطيب إسنا «1» ونائب الحكم بها وبأدفو «2» وقوص «3» فى شهر رجب، وكانت قد انتهت إليه رياسة الصعيد، وبنى بقوص مدرسة، وكان قوىّ النفس كثير العطاء مهابا ممدوحا يبذل فى بقاء رياسته الآلاف الكثيرة، يقال إنه بذل فى نيابة الحكم بالصعيد مائتى «4» ألف، وصادره الأمير كراى المنصورىّ وأخذ منه مائة وستين ألف درهم، فقدم القاهرة ومات بها. وفيها توفّى الأمير بيبرس الموفّقى «5» المنصورىّ أحد الأمراء بدمشق بها فى يوم الأربعاء ثالث عشر «6» جمادى الآخرة مخنوقا وهو سكران. نسأل الله حسن الخاتمة بمنّه وكرمه.

ما وقع من الحوادث سنة 705

وفيها توفّى الأمير الشريف عزّ الدين جمّاز بن شيحة أمير المدينة، وقد تقدّم فى الماضية. والأصح أنّه فى هذه السنة. وفيها توفّى الأمير شمس الدين محمد ابن الصاحب شرف الدين إسماعيل بن أبى سعيد «1» بن التّيتىّ الآمدىّ أحد الأمراء ونائب دار العدل بقلعة الجبل، كان رئيسا فاضلا. وفيها توفّى الأمير مبارز الدين سوار «2» الرومىّ المنصورىّ أمير شكار، وكان من أعيان الأمراء وفيه شجاعة وحشمة ورياسة، وكان معظّما فى الدول. وفيها توفّى الأمير سيف الدين بهادر بن عبد الله المنصورىّ المعروف بسمز «3» (أعنى سمينا) مقتولا بأيدى عرب الشام بعد أن قتل منهم مقتلة كبيرة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وأصابع. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا واثنتا عشرة إصبعا، وكان الوفاء رابع توت. [ما وقع من الحوادث سنة 705] السنة الثامنة من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثانية على مصر، وهى سنة خمس وسبعمائة. فيها قدمت هدية الملك المؤيّد هزبر الدين داود صاحب اليمن فوجدت قيمتها أقلّ من العادة؛ فكتب بالإنكار عليه والتهديد. وفيها استسقى أهل دمشق لقلّة الغيث فسقوا بعد ذلك، ولله الحمد. وفيها توفّى خطيب دمشق شرف الدين أحمد بن إبراهيم بن سباع الفزارىّ الفقيه المقرئ النحوى المحدّث الشافعى فى شوّال عن خمس وسبعين سنة.

وفيها توفّى الحافظ شرف الدين أبو محمد «1» عبد المؤمن بن خلف بن أبى الحسن ابن شرف بن الخضر بن موسى الدّمياطىّ الشافعىّ أحد الأئمة الأعلام والحفّاظ والثقات. مولده فى سنة ثلاث عشرة وستمائة بتونة «2» وهى بلدة فى بحيرة تنّيس «3» من عمل دمياط، وقيل فى سنة عشر وستمائة، واشتغل بدمياط وحفظ التنبيه «4» فى الفقه، وسمع بها وبالقاهرة من الحافظ عبد العظيم «5» المنذرىّ وأخذ عنه علم الحديث، وقرأ القرآن بالروايات، وبرع فى عدّة فنون وسمع من خلائق؛ استوعبنا أسماء غالبهم فى ترجمته فى المنهل الصافى. ورحل إلى الحجاز ودمشق وحلب وحماة وبغداد، وحدّث وسمع منه خلائق مثل اليونينىّ «6» والقونوىّ «7» والمزّىّ «8»

وأبى «1» حيّان والبرزالىّ «2» والذهبىّ «3» وابن «4» سيّد الناس وخلق سواهم، وصنّف مصنّفات كثيرة ذكرنا غالبها فى المنهل الصافى، [وله «5» كتاب فضل الخيل، وقد سمعت أنا هذا الكتاب بقراءة الحافظ قطب الدين «6» الخيضرىّ فى أربعة مجالس آخرها فى سلخ شعبان سنة خمس وأربعين وثمانمائة بالقاهرة فى منزل المسمع بحارة برجوان «7» ] على الشيخ الإمام العلّامة مؤرّخ الديار المصريّة تقىّ الدين أحمد [بن «8» علىّ بن عبد القادر] المقريزىّ بسماعه جميعه على الشيخ ناصر الدين محمد «9» بن علىّ بن الطّبردار الحرّاوى بسماعه جميعه على الشيخ مؤلّفه الحافظ شرف الدين الدّمياطىّ صاحب الترجمة- رحمه الله- وكانت وفاته فجأة بالقاهرة بعد أن صلّى العصر غشى عليه فى موضعه، فحمل إلى منزله فمات من ساعته فى يوم الأحد خامس عشر ذى القعدة. ومن شعره: روينا بإسناد عن ابن مغفّل «10» ... حديثا شهيرا صحّ من علّة القدح بأنّ رسول الله حين مسيره ... لثامنة وافته من ليلة الفتح وفيها توفّى الملك الأوحد، وقيل الزاهر «11» ، تقي الدين شادى ابن الملك الزاهر مجير الدين داود ابن الملك المجاهد أسد الدين شير كوه الصغير ابن الأمير ناصر الدين

ما وقع من الحوادث سنة 706

محمد ابن الملك المنصور اسد الدين شير كوه الكبير ابن شادى بن مروان الأيّوبى فى ثالث صفر وهو يوم ذاك أحد أمراء دمشق. وفيها توفى المسند أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن أبى بكر الحرّانى الحنبلىّ. مولده بحرّان سنة ثمانى عشرة وستمائة، وسمع من ابن روزبة «1» والمؤتمن بن قميرة «2» ، وسمع بمصر من ابن الجميزىّ «3» وغيره وتفرّد بأشياء، وكان فيه دعابة ودين، وتلا بمكّة ألف ختمة. وفيها توفّى قاضى قضاة الشافعيّة بحلب شمس الدين محمد بن محمد بن بهرام بها فى أوّل جمادى الأولى، وكان فقيها فاضلا. وفيها توفّى الشيخ الإمام شرف الدين أبو زكريّا يحيى بن أحمد بن عبد العزيز الجذامىّ الإسكندرانى المالكىّ شيخ القراءات بها فى هذه السنة، وكان إماما عالما بالقراءات، وله مشاركة فى فنون. رحمه الله. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم لم يحرّر، وزاد البحر حتى بلغ ثمانى أذرع ونصفا ثم توقّف إلى ثامن مسرى، ثم زاد حتّى أوفى فى رابع توت. وبلغ ست عشرة ذراعا وخمس عشرة إصبعا. [ما وقع من الحوادث سنة 706] السنة التاسعة من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثانية على مصر، وهى سنة ست وسبعمائة.

فيها وقع بين الأميرين: علم الدين سنجر البروانىّ وسيف الدين الطشلاقىّ على باب قلعة الجبل مخاصمة بحضرة الأمراء لأجل استحقاقهما فى الإقطاعات، لأنّ الطشلاقىّ نزل على إقطاع البروانىّ، وكان كل منهما فى ظلم وعسف. والبروانىّ من خواصّ بيبرس الجاشنكير، والطشلاقىّ من ألزام سلّار لأنه خشداشه، كلاهما مملوك الملك الصالح على ابن الملك المنصور قلاوون. ومات فى حياة والده قلاوون. فسطا الطشلاقىّ على البروانىّ وسفه عليه، فقام البروانىّ إلى بيبرس واشتكى منه فطلبه بيبرس وعنّفه، فأساء الطشلاقىّ فى ردّ الجواب وأفحش فى حقّ البروانىّ، وقال: أنت واحد منفىّ تجعل نفسك مثل مماليك السلطان! فاستشاط بيبرس غضبا وقام ليضرب، فجرّد الطشلاقىّ سيفه يريد ضرب بيبرس، فقامت قيامة بيبرس وأخذ سيفه ليضربه، فترامى عليه من حضر من الأمراء وأمسكوه عنه، وأخرجوا الطشلاقىّ من وجهه بعد ما كادت مماليك بيبرس وحواشيه تقتله بالسيوف، وفى الوقت طلب بيبرس الأمير سنقر الكمالىّ الحاجب وأمر بنفى الطشلاقىّ إلى دمشق، فخشى سنقر من النائب سلّار ودخل عليه وأخبره، فأرسل سلّار جماعة من أعيان الأمراء إلى بيبرس، وأمرهم بملاطفته حتى يرضى عن الطشلاقىّ وأنّ الطشلاقىّ يلزم داره، فلمّا سمع بيبرس ذلك من الذين حضروا صرخ فيهم وحلف إن بات الطشلاقىّ الليلة بالقاهرة عملت فتنة كبيرة، فعاد الحاجب وبلّغ سلّار ذلك فلم يسعه إلّا السكوت لأنّهما (أعنى بيبرس وسلّار) كانا غضبا على الملك الناصر محمد وتحقّق كلّ منهما متى وقع بينهما الخلف وجد الملك الناصر طريقا لأخذهما واحدا بعد واحد، فكان كلّ من بيبرس وسلّار يراعى الآخر وقد اقتسما مملكة مصر، وليس للناصر معهما إلّا مجرّد الاسم فى السلطنة فقط. انتهى. وأحرج الطشلاقىّ من وقته وأمر سلّار الحاجب بتأخيره فى بلبيس حتّى يراجع بيبرس فى أمره، فعند

ما اجتمع سلّار مع بيبرس فى الخدمة السلطانية من الغد بدأ بيبرس سلّار بما كان من الطشلاقىّ فى حقّه من الإساءة، وسلّار يسكّنه ولا يسكن بل يشتدّ فأمسك سلار عن الكلام على حقد فى الباطن، وصار السلطان يريد إثارة الفتنة بينهما فلم يتمّ له ذلك. وتوجّه الطشلاقى إلى الشام منفيّا. وفيها قدم البريد على الملك الناصر من حماة بمحضر ثابت على القاضى بأن ضيعة تعرف ببارين «1» بين جبلين فسمع للجبلين فى اللّيل قعقعة عظيمة فتسارع الناس فى الصباح إليهما، وإذا أحد الجبلين قد قطع الوادى وانتقل منه قدر نصفه إلى الجبل الآخر، والمياه فيما بين الجبلين تجرى فى الوادى فلم يسقط من الجبل المنتقل شىء من الحجارة، ومقدار النصف المنتقل من الجبل مائة ذراع وعشر أذرع، ومسافة الوادى الذي قطعه هذا الجبل مائة ذراع، وأن قاضى حماة خرج بالشهود حتى عاين ذلك وكتب به محضرا. فكان هذا من الغرائب. وفيها وقعت الوحشة بين بيبرس الجاشنكير وسلّار بسبب كاتب بيبرس التاج ابن سعيد الدولة، فإنّه كان أساء السيرة «2» ، ووقع بين هذا الكاتب المذكور وبين الأمير سنجر الجاولى، وكان الجاولى صديقا لسلّار إلى الغاية؛ فقام بيبرس فى نصرة كاتبه، وقام سلّار فى نصرة صاحبه الجاولى، ووقع بينهما بسبب ذلك أمور؛ وكان بيبرس من عادته أنّه يركب لسلّار عند ركوبه وينزل عند نزوله، فمن يومئذ لم يركب معه وكادت الفتنة أن تقع بينهما، ثم استدركا أمرها خوفا من الملك الناصر واصطلحا بعد أمور يطول شرحها؛ وتكلّما فى أمر الوزر ومن يصلح لها، فعيّن سلار

كاتب بيبرس التاج بن سعيد الدولة المقدّم ذكره تقرّبا لخاطر بيبرس بذلك، فقال بيبرس: ما يرضى، فقال سلّار: دعنى وإيّاه، فقال بيبرس: دونك، وتفرّقا. فبعث سلّار للتاج المذكور وأحضره فلمّا دخل عليه عبّس وجهه وصاح بإزعاج هاتوا خلعة الوزارة فأحضروها، وأشار إلى تاج الدولة المذكور بلبسها فتمنّع فصرخ فيه وحلف لئن لم يلبسها ضرب عنقه فخاف الإخراق به لما يعلمه من بغض سلار له فلبس التشريف، وكان ذلك يوم الخميس خامس عشر المحرّم من السنة وقبّل يد سلّار فشّ فى وجهه ووصاه؛ وخرج تاج الدولة بخلعة الوزارة من دار النيابة بقلعة الجبل إلى قاعة الصاحب بها، وبين يديه النّقباء والحجّاب، وأخرجت له دواة الوزارة والبغلة فعلّم على الأوراق وصرّف الأمور إلى بعد العصر ثم نزل الى داره. وهذا كلّه بعد أن أمسك بيبرس سنجر الجاولى وصادره ثم نفاه إلى دمشق على إمرة طبلخاناه، وولّى مكانه أستادارا الأمير أيدمر «1» الخطيرىّ صاحب الجامع «2» ببولاق.

وفيها توفّى الصاحب شهاب الدين أحمد بن أحمد بن عطاء «1» الله الأذرعىّ الدمشقىّ الحنفى محتسب دمشق ووزيرها، وكان رئيسا فاضلا حسن السّيرة. وفيها توفّى الأمير عزّ الدين أيبك بن عبد الله الطويل الخازندار المنصورىّ فى حادى عشر شهر ربيع الأوّل بدمشق، وكان ديّنا كثير البرّ والصدقات والمعروف. وفيها توفّى الأمير بدر الدين بكتاش بن عبد الله الفخرىّ الصالحىّ النجمىّ أمير سلاح. أصله من مماليك الأمير فخر الدين «2» يوسف بن شيخ الشيوخ، ثم نقل إلى ملك الملك الصالح نجم الدين أيّوب، فترقّى فى الخدم حتّى صار من أكابر الأمراء، وغزا غير مرّة وعرف بالخير وعلوّ الهمّة وسداد الرأى وكثرة المعروف. ولمّا قتل الملك المنصور لاچين أجمعوا على سلطنته فامتنع وأشار بعود السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، وبعدها ترك الإمرة فى حال مرضه الذي مات فيه. رحمه الله تعالى. وفيها توفّى الأمير سيف الدين كاوركا «3» المنصورىّ أحد أعيان الأمراء بالديار المصريّة. وفيها توفّى الأمير سيف الدين بلبان الجوكندار المنصورىّ، وكان ولى نيابة قلعة صفد وشدّ دواوين دمشق ثم نيابة قلعتها، ثم نقل إلى نيابة حمص فمات بها، وكان مشكور السيرة. وفيها توفّى القاضى بدر الدين محمد بن فضل الله بن مجلّى العمرىّ الدمشقى أخو كاتب السرّ القاضى شرف الدين عبد الوهاب ومحيى الدين يحيى وقد جاوز سبعين سنة. وهذا أوّل بدر الدين من بنى فضل الله، ويأتى ذكر ثان وثالث، والثالث هو كاتب السر بمصر.

وفيها توفّى الأمير فارس الدين أصلم الردّادىّ «1» فى نصف ذى القعدة، وكان رئيسا حشيما من أعيان الدولة الناصرية. وفيها توفّى الأمير بهاء الدين يعقوبا الشّهرزورىّ بالقاهرة فى سابع عشر ذى الحجّة، وكان أميرا حشيما شجاعا وهو من حواشى بيبرس الجاشنكير. وفيها توفّى الطواشى عزّ الدين دينار العزيزى الخازندار الظاهرىّ فى يوم الثلاثاء سابع شهر ربيع الأوّل، وكان ديّنا خيّرا كثير الصدقات والمعروف. وفيها توفّى ملك الغرب أبو يعقوب يوسف [بن يعقوب «2» ] بن عبد الحقّ، وثب عليه سعادة الخصىّ أحد مواليه فى بعض حجره وقد خضّب رجليه بالحنّاء وهو مستلق على قفاه فطعنه طعنات قطع بها أمعاءه، وخرج فأدرك وقتل، ومات السلطان من جراحه فى آخر يوم الأربعاء سابع ذى القعدة، وأقيم بعده فى الملك أبو ثابت عامر ابن الأمير أبى عامر [عبد الله «3» ] ابن السلطان أبى يعقوب هذا أعنى حفيده. وكان مدّة ملكه إحدى وعشرين سنة. وفيها توفّى الطّواشى شمس الدين صواب السّهيلى بالكرك عن مائة سنة، وكان مشكور السيرة. وفيها توفّى الشيخ ضياء الدين عبد العزيز بن محمد بن على الطوسىّ الفقيه الشافعىّ بدمشق فى تاسع عشرين جمادى «4» الأولى، وكان فقيها نحويّا مصنّفا شرح «الحاوى» فى الفقه و «مختصر ابن الحاجب» وغير ذلك.

ما وقع من الحوادث سنة 707

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وعدّة أصابع. مبلغ الزيادة سبع «1» عشرة ذراعا وسبع أصابع، وكان الوفاء فى رابع عشر مسرى. [ما وقع من الحوادث سنة 707] السنة العاشرة من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثانية على مصر، وهى سنة سبع وسبعمائة. فيها ورد الخبر عن ملك اليمن هزبر الدين داود بأمور تدلّ على عصيانه، فكتب السلطان والخليفة بالإنذار، ثم رسم السلطان للأمراء أن يعمل كلّ أمير مركبا يقال لها: جلبة «2» ، وعمارة قيّاسة يقال لها: فلوة برسم حمل الأزواد وغيرها لغزو بلاد اليمن. وفيها عمّر الأمير بيبرس الجاشنكير الخانقاه «3» الرّكنيّة داخل باب «4» النصر موضع دار الوزارة «5» برحبة «6» باب العيد من القاهرة، ووقف عليها أوقافا جليلة ومات قبل فتحها، فأغلقها الملك الناصر فى سلطنته الثالثة مدّة، ثم أمر بفتحها ففتحت. وفيها عمّر الأمير عزّ الدين أيبك الأفرم الصغير نائب دمشق جامعا بالصالحية «7» ، وبعث يسأل فى أرض يوقفها عليه فأجيب إلى ذلك. وفيها وقع الاهتمام على سفر اليمن وعوّل الأمير سلّار أن يتوجّه إليها بنفسه خشية من السلطان الملك الناصر، وذلك بعد أن أراد السلطان القبض عليه وعلى بيبرس الجاشنكير عند ما اتّفق السلطان مع بكتمر الجوكندار، وقد تقدّم ذكر ذلك كلّه

فى أصل هذه الترجمة، وأيضا أنه شقّ عليه ما صار إليه بيبرس الجاشنكير من القوّة والاستظهار عليه بكثرة خشداشيته البرجيّة، والبرجية كانت يوم ذاك مثل مماليك الأطباق الآن، وصار غالب البرجية أمراء، فاشتد شوكة بيبرس بهم بحيث إنّه أخرج الأمير سنجر الجاولى وصادره بغير اختيار سلّار، وعظمت مهابته وانبسطت يده بالتحكّم وانفرد بالركوب فى جمع عظيم، وقصد البرجية فى نوبة بكتمر الجوكندار إخراج الملك الناصر محمد إلى الكرك وسلطنة بيبرس، لولا ما كان من منع سلّار لسياسة وتدبير كانا فيه. فلمّا وقع ذلك كلّه خاف سلّار عواقب الأمور من السلطان ومن بيبرس وتحيّل فى الخلاص من ذلك بأنه يحجّ فى جماعته، ثم يسير إلى اليمن فيملكها ويمتنع بها، ففطن بيبرس لهذا فدسّ عليه جماعة من الأمراء من أثنى عزمه عن ذلك، ثم اقتضى الرأى تأخير السفر حتى يعود جواب صاحب اليمن. وفيها حبس الشيخ تقىّ الدين «1» بن تيميّة بعد أمور وقعت له. وفيها توفّى الأمير عزّ الدين أيدمر السنانىّ بدمشق، وكان فاضلا وله شعر وخبرة بتفسير المنامات. ومن شعره: تجد النّسيم إلى الحبيب رسولا ... دنف حكاه رقّة ونحولا تجرى العيون من العيون صبابة ... فتسيل فى إثر الغريق سيولا وتقول من حسد له يا ليتنى: ... كنت اتّخذت مع الرّسول سبيلا وفيها توفّى الأمير ركن الدين بيبرس العجمىّ الصالحى المعروف بالجالق، و (الجالق باللّغة التركيّة: اسم للفرس الحادّ المزاج الكثير اللّعب) ، وكان أحد البحريّة

وكبير الأمراء بدمشق، ومات فى نصف جمادى الأولى بمدينة الرملة «1» عن نحو الثمانين سنة، وكان ديّنا فيه مروءة وخير. (وجالق بفتح الجيم وبعد الألف لام مكسورة وقاف ساكنة) . وفيها توفّى «2» الأمير الطّواشى شهاب الدين فاخر المنصورىّ مقدّم المماليك السلطانية، وكانت له سطوة ومهابة على المماليك السلطانية بحيث إنّه كان لا يستجرئ أحد منهم أن يمرّ من بين يديه كائنا من كان بحاجة أو بغير حاجة، وحيثما وقع بصره عليه أمر بضربه. قلت: لله درّ ذلك الزمان وأهله! ما كان أحسن تدبيرهم وأصوب حدسهم من جودة تربية صغيرهم وتعظيم كبيرهم! حتى ملكوا البلاد، ودانت لهم العباد، واستجلبوا خواطر الرعيّة، فنالوا الرتب السنية. وأما زماننا هذا فهو بخلاف ذلك كلّه، فالمقدّم مؤخّر والصغير متنمّر «3» ، والقلوب متنافرة، والشرور متظاهرة، وإن شئت تعلم صدق مقالتى حرّك تر. انتهى. وفيها توفّى الشيخ المعتقد عمر «4» بن يعقوب بن أحمد [السعودى «5» فى جمادى الآخرة] . [وفيها «6» توفّى الشيخ فخر الدين عثمان] بن جوشن السّعودىّ فى يوم الأربعاء من شهر رجب، وكان رجلا صالحا معتقدا. وفيها توفّى الصاحب تاج الدين محمد ابن الصاحب فخر الدين محمد ابن الصاحب بهاء الدين علىّ بن محمد بن سليم بن حنّا، ومولده فى تاسع شعبان سنة أربعين وستمائة،

ما وقع من الحوادث سنة 708

وجدّه لأمّه الوزير شرف «1» الدين صاعد الفائزىّ. وكانت له رياسة ضخمة وفضيلة، ومات بالقاهرة فى يوم السبت خامس جمادى الآخرة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وستّ أصابع. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وإصبع واحدة. [ما وقع من الحوادث سنة 708] السنة الحادية عشرة من ولاية السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون الثانية على مصر، وهى سنة ثمان وسبعمائة، وهى التى خلع فيها الملك الناصر المذكور من ملك مصر وأقام بالكرك وتسلطن من بعده بيبرس الجاشنكير حسب ما تقدّم ذكره. فيها أفرج عن الملك المسعود خضر ابن الملك الظاهر بيبرس البندقدارىّ من البرج بقلعة الجبل، وأسكن بدار الأمير عزّ الدين «2» الأفرم الكبير بمصر، وذلك فى شهر ربيع الأوّل. وفيها كان خروج الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب الترجمة من القاهرة قاصدا الحجّ وسار إلى الكرك وخلع نفسه. وفيها توفّى الشيخ علم الدين إبراهيم بن الرشيد بن أبى الوحش رئيس الأطباء بالديار المصريّة والبلاد الشاميّة، وكان بارعا فى الطبّ محظوظا عند الملوك، ونالته السعادة من ذلك، حتّى إنّه لمّا مات خلّف ثلثمائة ألف دينار غير القماش والأثاث. وفيها توفّى الأمير عز الدين أيبك الشجاعىّ الأشقر شادّ الدواوين بالقاهرة فى المحرّم.

وفيها توفّى الأمير علاء الدين ألطبرس «1» المنصورىّ والى باب القلعة والملقّب بالمجنون المنسوب إليه العمارة فوق قنطرة المجنونة «2» على الخليج الكبير خارج القاهرة، عمّرها للشيخ شهاب «3» الدين العابر ولفقرائه وعقدها قبوا. وفى ذلك يقول علم الدين ابن الصاحب: ولقد عجبت من الطبرس وصحبه ... وعقولهم بعقوده مفتونه عقدوه عقدا لا يصح لأنهم ... عقدوا لمجنون على مجنونه وكان ألطبرس المذكور عفيفا ديّنا غير أنه كان له أحكام قراقوشية من تسلطه على النساء ومنعهنّ من الخروج إلى الأسواق وغيرها، وكان يخرج أيام الموسم إلى القرافة وينكّل بهن فامتنعن من الخروج فى زمانه إلا لأمر مهم مثل الحمّام وغيره. وفيها توفّى الأمير عزّ الدين أيدمر الرشيدىّ أستادار الأمير سلّار نائب السلطنة بالديار المصرية فى تاسع عشر شوال، وكان عاقلا رئيسا وله ثروة واسعة وجاه عريض. وفيها توفّى الشيخ المعتقد عبد الغفّار [بن «4» أحمد بن عبد المجيد بن نوح] القوصىّ القائم بخراب الكنائس بقوص وغيرها فى ليلة الجمعة سابع ذى القعدة، وكان له أتباع ومريدون وللناس فيه اعتقاد.

وفيها توفّى ظهير «1» الدين أبو نصر بن الرشيد بن أبى النصر السّامرىّ الدمشقى الكاتب فى حادى عشرين شهر رمضان بدمشق، ومولده سنة اثنتين وعشرين وستمائة، كان أوّلا سامريّا ثم أسلم فى أيام الملك المنصور قلاوون، وتنقّل فى الخدم حتّى ولى نظر جيش دمشق إلى أن مات. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وإصبع واحدة مثل السنة الماضية.

ما وقع من الحوادث سنة 709

[ما وقع من الحوادث سنة 709] ذكر سلطنة الملك المظفّر بيبرس الجاشنكير على مصر السلطان الملك المظفّر ركن الدين بيبرس بن عبد الله المنصورىّ الجاشنكير، أصله من مماليك الملك المنصور قلاوون البرجيّة، وكان جركسىّ الجنس، ولم نعلم أحدا ملك مصر من الجراكسة قبله إن صحّ أنه كان جركسيّا. وتأمّر فى أيّام أستاذه المنصور قلاوون، وبقى على ذلك إلى أن صار من أكابر الأمراء فى دولة الملك الأشرف خليل بن قلاوون. ولما تسلطن الملك الناصر محمد بن قلاوون بعد قتل أخيه الأشرف خليل صار بيبرس هذا أستادارا «1» إلى أن تسلطن الملك العادل زين الدين كتبغا عزله عن الأستادارية بالأمير بتخاص، وقيل: إنّه قبض على بيبرس هذا وحبسه مدّة، ثم أفرج عنه وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصريّة. واستمرّ على ذلك حتّى قتل الملك المنصور حسام الدين لاچين فكان بيبرس هذا أحد من أشار بعود الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى الملك. فلمّا عاد الناصر إلى ملكه تقرّر بيبرس هذا أستادارا على عادته وسلّار نائبا، فأقاما على ذلك سنين إلى أن صار هو وسلّار كفيلى الممالك الشريفة الناصرية، والملك الناصر محمد معهما آلة فى السلطنة إلى أن ضجر الملك الناصر منهما وخرج إلى الحجّ فسار إلى الكرك وخلع نفسه من الملك. وقد ذكرنا ذلك كلّه فى ترجمة الملك الناصر محمد. فعند ذلك وقع الاتّفاق على سلطنة بيبرس هذا بعد أمور نذكرها؛ فتسلطن وجلس على تخت الملك فى يوم السبت الثالث والعشرين من شوّال من سنة ثمان وسبعمائة. وهو السلطان الحادى

عشر من ملوك الترك والسابع ممن مسّهم الرّقّ، والأوّل من الجراكسة إن صحّ أنه جركسىّ الجنس، ودقّت البشائر وحضر الخليفة أبو الربيع سليمان وفوّض إليه تقليد السلطنة، وكتب له عهدا وشمله بخطّه، وكان من جملة عنوان التقليد: إنّه من سليمان وإنّه بسم الله الرحمن الرحيم. ثم جلس الأمير بتخاص والأمير قلّى والأمير لاچين الجاشنكير لاستحلاف الأمراء والعساكر، فحلفوا الجميع وكتب بذلك إلى الأقطار. والآن نذكر ما وعدنا بذكره من سبب سلطنة بيبرس هذا مع وجود سلار وآقوش قتّال السّبع وهما أكبر منه وأقدم وأرفع منزلة، فنقول: لمّا خرج الملك الناصر محمد بن قلاوون من الديار المصريّة إلى الحجّ ثم ثنى عزمه عن الحج وتوجّه إلى الكرك خلع نفسه، فلمّا حضر كتابه الثانى «1» بتركه السلطنة، وقد تقدّم ذكر ذلك فى أواخر ترجمة الناصر بأوسع من هذا، أثبت الكتاب على القضاة. فلمّا أصبح نهار السبت الثالث والعشرين من شوّال جلس الأمير سلّار النائب بشبّاك دار النيابة بالقلعة وحضر إلى عنده الأمير بيبرس الجاشنكير هذا وسائر الأمراء واشتوروا فيمن يلى السلطنة، فقال الأمير آقوش قتّال السّبع، والأمير بيبرس الدّوادار، والأمير أيبك الخازندار وهم أكابر الأمراء المنصوريّة: ينبغى استدعاء الخليفة والقضاة وإعلامهم بما وقع، فخرج الطّلب لهم وحضروا وقرئ عليهم كتاب السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، وشهد عند قاضى القضاة زين الدين بن مخلوف «2» الأميران: عز الدين أيدمر الخطيرىّ والأمير الحاج آل ملك ومن كان توجّه معهم إلى الكرك فى الرسليّة بنزول الملك الناصر عن الملك

وتركه مملكة مصر والشام فأثبت ذلك، وأعيد الكلام فيمن يصلح للسلطنة من الأمراء، فأشار الأمراء الأكابر بالأمير سلّار، فقال سلّار: نعم على شرط، كلّ ما أشير به لا تخالفوه، وأحضر المصحف وحلّفهم على موافقته وألّا يخالفوه فى شىء، فقلق البرجيّة من ذلك ولم يبق إلّا إقامتهم الفتنة، فكفّهم الله عن ذلك وانقضى الحلف، فعند ذلك قال الأمير سلّار: والله يا أمراء، أنا ما أصلح للملك ولا يصلح له إلّا أخى هذا، وأشار إلى بيبرس الجاشنكير ونهض قائما إليه، فتسارع البرجيّة بأجمعهم: صدق الأمير سلّار وأخذوا بيد الأمير بيبرس، وأقاموه كرها وصاحوا بالجاويشية فصرخوا باسمه، وكان فرس النوبة عند الشباك فألبسوه تشريف السلطنة الخليفتى، وهى فرجيّة أطلس سوداء وطرحة سوداء وتقلّد بسيفين، ومشى سلّار والأمراء بين يديه من عند سلّار من دار النيابة بالقلعة وهو راكب، وعبر من باب القلعة «1» إلى الإيوان «2» بالقلعة، وجلس على تخت الملك وهو يبكى بحيث يراه الناس. وذلك فى يوم السبت المذكور، ولقّب بالملك المظفر. وقبّل الأمراء الأرض بين يديه طوعا وكرها، ثم قام إلى القصر وتفرّق الناس بعد ما ظنّوا كلّ الظنّ من وقوع الفتنة بين السّلّاريّة والبيبرسيّة. وقيل فى سلطنته وجه آخر وهو أنّه لما اشتوروا الأمراء فيمن يقوم بالملك، فاختار الأمراء سلّار لعقله وتؤدته، واختار البرجيّة

بيبرس؛ فلم يجب سلّار إلى ذلك وانفضّ المجلس، وخلا كلّ من أصحاب بيبرس وسلّار بصاحبه، وحسّن له القيام بالسلطنة وخوّفه عاقبة تركها، وأنه متى ولى غيره لا يوافقوه بل يقاتلونه. وبات البرجية فى قلق خوفا من ولاية سلّار، وسعى بعضهم إلى بعض، وكانوا أكثر جمعا من أصحاب سلّار، وأعدّوا السلاح وتأهّبوا للحرب. فبلغ ذلك سلّار فخشى سوء العاقبة، واستدعى الأمراء إخوته وحفدته ومن ينتمى إليه، وقرّر معهم سرا موافقته على ما يشير به، وكان مظاعا فيهم فأجابوه؛ ثم خرج فى شباك النيابة ووقع نحو ممّا حكيناه من عدم قبوله السلطنة وقبول بيبرس الجاشنكير هذا، وتسلطن حسب ما ذكرناه وتمّ أمره واجتمع الأمراء على طاعته ودخلوا إلى الخدمة على العادة فى يوم الاثنين خامس عشرين شوّال، فأظهر بيبرس التغمّم بما صار إليه. وخلع على الأمير سلار خلعة النيابة على عادته بعد ما استعفى وطلب أن يكون من جملة الأمراء، وألحّ فى ذلك حتى قال له الملك المظفّر بيبرس: إن لم تكن أنت نائبا فلا أعمل أنا السلطنة أبدا، فقامت الأمراء على سلّار إلى أن قبل ولبس خلعة النيابة، ثم عيّنت الأمراء للتوجّه إلى النوّاب بالبلاد الشامية وغيرها، فتوجّه إلى نائب دمشق، وهو الأمير جمال الدين آقوش الأفرم الصغير المنصورىّ، الأمير أيبك البغدادىّ ومعه آخر يسمّى شادى «1» ومعهما كتاب، وأمرهما أن يذهبا إلى دمشق ويخلّفا نائبه المذكور وسائر الأمراء بدمشق، وتوجّه إلى حلب الأمير ركن الدين بيبرس الأحمدىّ وطيبرس الجمدار وعلى يليهما كتاب مثل ذلك، وتوجّه إلى حماة الأمير سيف الدين بلاط الجوكندار وطيدمر الجمدار، وتوجّه إلى صفد عزّ الدين أزدمر الإسماعيلىّ وبيبرس بن عبد الله، وتوجّه إلى طرابلس

عزّ الدين أيدمر اليونسى وأقطاى الجمدار. وخطب له بالقاهرة ومصر فى يوم الجمعة التاسع والعشرين من شوّال المذكور، وتوجه الأمراء المذكورون إلى البلاد الشامية. فلما قرب من سار إلى دمشق خرج النائب آقوش الأفرم ولاقاهما خارج دمشق وعاد بهما، فلما قرأ الكتاب بسلطنة بيبرس كاد أن يطير فرحا لأنه كان خشداش بيبرس، وكان أيضا جاركسىّ الجنس، وكانا يوم ذاك بين الأتراك كالغرباء، وزيّنت دمشق زينة هائلة كما زيّنت القاهرة لسلطنته. ثم أخرج كتاب السلطان بالحلف وفيه أن يحلفوا ويبعثوا لنا نسخة الأيمان، فأجاب جميع الأمراء بالسمع والطاعة وسكت منهم أربعة أنفس ولم يتحدّثوا بشىء، وهم: بيبرس العلائىّ وبهادر آص وآقجبا «1» الظاهرى وبكتمر الحاجب بدمشق، فقال لهم الأفرم: يا أمراء، كلّ الناس ينتظرون كلامكم فتكلّموا، فقال بهادر آص: نريد الخطّ الذي كتبه الملك الناصر بيده وفيه عزل نفسه، فأخرج النائب خطّ الملك الناصر فرآه بهادر ثم قال: يا مولانا ملك الأمراء، لا تستعجل فممالك الشام فيها أمراء غيرنا، مثل الأمير قراسنقر نائب حلب، وقبجق نائب حماة، وأسندمر نائب طرابلس وغيرهم، فنرسل إليهم ونتّفق معهم على المصلحة، فإذا شاورناهم تطيب خواطرهم، وربّما يرون من المصلحة ما لا نرى نحن، ثم قام بهادر المذكور وخرج فخرجت الأمراء كلّهم فى أثره، فقال الأمير أيبك البغدادىّ القادم من مصر للأفرم: لو مسكت بهادر آص لانصلح الأمر على ما نريد! فقال له الأفرم: والله العظيم لو قبضت عليه لقامت فتنة عظيمة تروح فيها روحك، وتغيير الدول يا أيبك ما هو هين! وأنا ما أخاف من أمراء الشام من أحد إلّا من قبجق المنصورىّ، فإنّه ربّما يقيم فتنة من خوفه على روحه.

قلت: وقبجق هذا هو الذي كان نائب دمشق فى أيّام المنصور لاچين، وتوجّه إلى غازان وأقدمه إلى الشام. وقد تقدّم ذكر ذلك كلّه. ولمّا كان اليوم الثانى طلب الأفرم هؤلاء الأمراء الأربعة واختلى بهم، وقال لهم: اعلموا أنّ هذا أمر انقضى، ولم يبق لنا ولا لغيرنا فيه مجال، وأنتم تعلمون أنّ كلّ من يجلس على كرسىّ مصر كان هو السلطان ولو كان عبدا حبشيّا، فما أنتم بأعظم من أمراء مصر، وربّما يبلّغ هذا اليه فيتغيّر قلبه عليكم، ولم يزل يتلاطف بهم حتّى حلفوا له، فلمّا حلفوا حلف باقى الأمراء، وخلع الأفرم على جميع الأمراء والقضاة خلعا سنيّة، وكذلك خلع على الأمير أيبك البغدادىّ وعلى رفيقه شادى وأعطاهما ألفى دينار وزوّدهما وردّهما فى أسرع وقت. وكتب معهما كتابا يهنّئ بيبرس بالملك، ويقول: عن قريب تأتيك نسخة الأيمان. وقدما القاهرة وأخبرا الملك المظفّر بيبرس بذلك، فسرّ وانشرح صدره بذلك: ثمّ إنّ الأفرم نائب الشام أرسل إلى قراسنقر وإلى قبجق شخصا «1» من مماليكه بصورة الحال، فأمّا قرا سنقر نائب حلب فإنّه لمّا سمع الواقعة وقرأ كتاب الأفرم، قال: إيش الحاجة إلى مشاورتنا! أستاذك بعثك بعد أن حلف، وكان ينبغى أن يتأنّى فى ذلك، وأمّا قبجق نائب حماة فإنه لمّا قرأ كتاب الأفرم، قال: لا حول ولا قوّة إلّا بالله العلى العظيم، إيش جرى على ابن أستاذنا حتّى عزل نفسه! والله لقد دبرتم أنحس تدبير، هذه والله نوبة لاچين. ثم قال لمملوك الأفرم: اذهب إلى أستاذك وقل له: الآن بلغت مرادك، وسوف تبصر من يصبح ندمان، وفى أمره حيران! وكذلك لمّا بعث الأفرم لأسندمر نائب طرابلس، فلما «2» قرأ كتابه أطرق رأسه إلى الأرض؛ ثم قال:

اذهب لأستاذك وقل له: يا بعيد الذّهن وقليل العلم بعد أن دبرت أمرا، فما الحاجة إلى مشاورتنا! فو الله ليكوننّ عليك أشأم التدبير وسيعود وباله عليك، ولم يكتب له جوابا. وأمّا قراسنقر نائب حلب فإنه أرسل إلى قبجق وإلى أسندمر يعلمهما أنّ الأفرم حلّف عساكر دمشق على طاعة بيبرس، ولا نأمن أن يعمل الأفرم علينا، فهلمّوا نجتمع فى موضع واحد فنتشاور ونرى أمرا يكون فيه المصلحة، فاتّفقوا الجميع على أن يجتمعوا فى حلب عند قراسنقر، وعيّنوا ليلة يكون اجتماعهم فيها. فأمّا قبجق فإنه ركب إلى الصيد بمماليكه خاصّة، وتصيّد إلى الليل فسار إلى حلب. وأمّا أسندمر أظهر أنّه ضعيف وأمر ألّا يخلّى أحدا يدخل عليه، وفى الليل ركب بمماليكه الذين يعتمد عليهم وقد غيّروا ملابسهم، وسار يطلب حلب. واجتمع الجميع عند قرا سنقر، فقال لهم قراسنقر: ما تقولون فى هذه القضيّة التى جرت؟ فقال قبجق: والله لقد جرى أمر عظيم، وإن لم نحسن التدبير نقع فى أمور! يعزل ابن أستاذنا ويأخذها بيبرس! ويكون الأفرم هو مدبّر الدولة! وهو على كلّ حال عدوّنا ولا نأمن شرّه، فقالوا: فما نفعل؟ قال: الرأى أن نكتب إلى ابن أستاذنا فى الكرك ونطلبه إلى حلب ونركب معه، فإما نأخذ له الملك، وإما أن نموت على خيولنا! فقال أسندمر: هذا هو الكلام، فحلف كلّ من الثلاثة على هذا الاتّفاق، ولا يقطع واحد منهم أمرا إلّا بمشورة أصحابه، وأنّهم يموت بعضهم على بعض، ثم إنّهم تفرّقوا فى اللّيل كلّ واحد إلى بلده. وأمّا الأمراء الذين خرجوا من مصر إلى النوّاب بالبلاد الشاميّة بالخلع وبسلطنة بيبرس، فإنهم لمّا وصلوا إلى دمشق قال لهم الأفرم: أنا أرسلت إليهم مملوكى، فردّوا علىّ جوابا لا يرضى به مولانا السلطان. وكان الأفرم أرسل إلى الملك المظفّر

بيبرس نسخة اليمين التى حلّف بها أمراء دمشق مع مملوكه مغلطاى، فأعطاه الملك المظفّر إمرة طبلخاناه «1» وخلع عليه، وأرسل معه خلعة لأستاذه الأفرم بألف دينار، وأطلق له شيئا كثيرا كان لبيبرس فى الشام قبل سلطنته من الحواصل والغلال، فسّر الأفرم بذلك غاية السرور، ثم قال الأميران اللذان وصلا إلى دمشق للافرم: ما تشير به علينا؟ فقال لهما: ارجعا إلى مصر ولا تذهبا إلى هؤلاء، فإنّ رءوسهم قويّة، وربّما يثيرون فتنة، فقالا: لاغنى لنا [من] أن نسمع كلامهم، ثم إنّهما ركبا من دمشق وسارا إلى حماة، ودخلا على قبجق ودفعا له كتاب الملك المظفّر، فقرأه ثم قال: وأين كتاب الملك الناصر؟ فأخرجا له الكتاب، فلمّا وقف عليه بكى، ثم قال: من قال إنّ هذا خطّ الملك الناصر؟ والله واحد يكون وكيلا فى قرية ما يعزل نفسه منها بطيبة من خاطره! ولا بدّ لهذا الأمر من سبب، اذهبا إلى الأمير قراسنقر فهو أكبر الأمراء وأخبرهم بالأحوال، فركبا وسارا إلى حلب واجتمعا بقراسنقر؛ فلمّا قرأ كتاب المظفّر قال: يا إخوتى إنّا على أيمان ابن أستاذنا لا نخونه ولا نحلف لغيره ولا نواطئ عليه ولا نفسد ملكه، فكيف نحلف لغيره! والله لا يكون هذا أبدا ودعوا «2» يجرى ما يجرى، وكلّ شىء ينزل من السماء تحمله الأرض. ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العلىّ العظيم! فخرجا من عنده وسارا إلى طرابلس ودخلا على أسندمر فقال لهما: مثل مقالة قبجق وقرا سنقر، فخرجا وركبا وسارا نحو الديار المصريّة، ودخلا على الملك المظفر بيبرس وأعلماه بما كان، فضاق صدر المظفّر وأرسل خلف الأمير سلّار النائب وقصّ عليه القصّة، فقال له سلّار: هذا أمر هيّن ونقدر (أن) نصلح هؤلاء، فقال: وكيف السبيل إلى ذلك؟ قال: تكتب إلى

قرا سنقر كتابا وترقّق له فى الكلام، وأرسل إليه تقليدا بنيابة حلب وبلادها، وأنّه لا يحمل منه الدّرهم الفرد، وكذا لقبجق بحماة، ولأسندمر بطرابلس والسواحل، فقال بيبرس: إذا فرّقت البلاد عليهم ما يساوى ملكى شيئا! فقال له سلّار: وكم [من] يد تقبّل عن ضرورة وهى تستحقّ القطع! فاسمع منّى وأرضهم فى هذا الوقت، فإذا قدرت عليهم بعد ذلك افعل بهم ما شئت؛ فمال المظفّر إلى كلامه وأمر أن يكتب بما قاله سلّار لكلّ واحد على حدته، فكتب ذلك وأرسله مع بعض خواصّه. وأمّا أمر الملك الناصر محمد بن قلاوون فإنّ الملك المظفّر لمّا تسلطن وتمّ أمره كتب له تقليدا بالكرك، وسيّره له على يد الأمير آل ملك، ومنشورا بما عيّن له من الإقطاعات. وأمّا أمر قرا سنقر فإنّه جهّز ولده محمدا إلى الملك الناصر محمد بالكرك، وعلى يده كتابه وكتاب قبجق نائب حماة وكتاب أسندمر نائب طرابلس. ومضمون كتاب قرا سنقر: أنّه يلوم الملك الناصر عن نزوله عن الملك، وكيف وقع له ذلك ولم يشاوره فى أوّل الأمر، ثمّ وعده برجوع ملكه إليه عن قريب، وأنّه هو وقبجق وأسندمر ما حلفوا للمظفر، وأنّهم مقيمون على أيمانهم له. وكذلك كتاب قبجق وكتاب أسندمر، فأخذ الأمير ناصر الدين محمد بن قرا سنقر كتب الثلاثة وسار مسرعا ومعه نجّاب «1» خبير بتلك الأرض، فلم يزالا سائرين فى البريّة والمفاوز إلى أن وصلا إلى الكرك،. وابن قرا سنقر عليه زىّ العرب، فلمّا وقفا على باب الكرك سألوهما من أين أنتما؟ فقالا: من مصر، فدخلوا وأعلموا الملك الناصر محمدا بهما واستأذنوه فى إحضارهما، فأذن لهما بالدخول؛ فلمّا مثلا بين يديه كشف ابن قراسنقر لثامه عن وجهه فعرفه السلطان، وقال له: محمد؟ فقال: لبيّك يا مولانا السلطان، وقبّل الأرض وقال: لا بدّ من خلوة، فأمر السلطان لمن حوله بالانصراف، فعند ذلك حدّث

ابن قرا سنقر السلطان بما جرى من أبيه وقبجق وأسندمر، وأنهم اجتمعوا فى حلب وتحالفوا بأنّهم مقيمون على الأيمان التى حلفوها للملك الناصر، ثم دفع له الكتب الثلاثة فقرأها، ثم قال: يا محمد، ما لهم قدرة على ما اتّفقوا عليه، فإنّ كلّ من فى مصر والشام قد اتّفقوا على سلطنة بيبرس، فلما سمع ابن قراسنقر ذلك حلف بأنّ كلّ واحد من هؤلاء الثلاثة كفء لأهل مصر والشام، ومولانا السلطان أخبر بذلك منّى، فتبسّم السلطان وقال صدقت يا محمد، ولكن القائل يقول: كن جريا إذا رأيت جبانا ... وجبانا إذا رأيت جريّا لا تقاتل بواحد أهل بيت ... فضعيفان يغلبان قويّا وهذه البلاد كلّها دارت مع بيبرس ولا يتمّ لنا الحال إلّا بحسن التدبير والمداراة والصبر على الأمور. ثم إنّه أنزله فى موضع وأحسن إليه، وقال له: استرح اليوم وغدا ثم سافر، فأقام يومين ثم طلبه الملك الناصر فى صبيحة اليوم الثالث وأعطاه جواب الكتب، وقال له: سلّم على أبى (يعنى على قرا سنقر) وقل له: اصبر، ثم خلع عليه خلعة سنيّة وأعطاه ألف دينار مصريّة، وخلع على معن النّجاب الذي أتى به أيضا وأعطاه ألف درهم؛ فخرج ابن قرا سنقر والنّجاب معه، وأسرعا فى السير إلى أن وصلا إلى حلب، فدخل ابن قرا سنقر إلى أبيه ودفع له كتاب الملك الناصر ففتحه فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم: حرس الله تعالى نعمة المقرّ العالى الأبوىّ الشمسىّ ومتّعنا بطول حياته، فقد علمنا ما أشار به وما عوّل عليه، وقد علمنا قديما وحديثا أنّه لم يزل على هذه الصورة، وأريد منك أنّك تطوّل روحك علىّ، فهذا الأمر ما ينال بالعجلة لأنّك قد علمت انتظام أمراء مصر والشام فى سلك واحد ولا سيّما الأفرم ومن معه من اللئام، فهذه عقدة لا تنحلّ إلّا بالصبر، وإن حضر إليك أحد

من جهة المظفّر وطلب منك اليمين له، فقدّم النيّة أنّك مجبور ومغصوب واحلف. ولا تقطع كتبك عنى فى كلّ وقت، وعرّفنى بجميع ما يجرى من الأمور قليلها وكثيرها. وكذلك كتب فى كتاب قبجق وأسندمر، فعرف قرا سنقر مضمون كتابه وسكت. ثم بعد قليل وصل إلى قرا سنقر من الملك المظفّر بيبرس تقليد بنيابة حلب وبلادها دربست «1» على يد أمير «2» من أمراء مصر. ومن مضمون الكتاب الذي من المظفّر إلى قرا سنقر: أنت خشداشى، ولو علمت أنّ هذا الأمر يصعب عليك ما عملت شيئا حتّى أرسلت إليك وأعلمتك به، لأنّ ما فى المنصوريّة أحد أكبر منك، غير أنّه لما نزل ابن أستاذنا عن الملك اجتمع الأمراء والقضاة وكافّة الناس، وقالوا: ما لنا سلطان إلّا أنت، وأنت تعلم أنّ البلاد لا تكون بلا سلطان، فلو لم أتقدّم أنا كان غيرى يتقدّم [وقد وقع ذلك «3» ] ! فاجعلنى واحدا منكم ودبّرنى برأيك. وهذه حلب وبلادها دربست لك، وكذا لخشداشيتك: الأمير قبجق والأمير أسندمر. وسيّر الملك المظفّر لكلّ من هؤلاء الثلاثة خلعة بألف دينار، وفرشا قماشه بألف دينار، وعشرة رءوس من الخيل. فعند ذلك حلف قراسنقر وقبجق وأسندمر، ورجع الأمير المذكور إلى مصر بنسخة اليمين. فلمّا وقف عليها الملك المظفّر فرح غاية الفرح، وقال: الآن تمّ لى الملك. ثم شرع من يومئذ فى كشف أمور البلاد وإزالة المظالم والنظر فى أحوال الرعيّة. ثم استهلّت سنة تسع وسبعمائة، وسلطان الديار المصريّة الملك المظفّر ركن الدين بيبرس الجاشنكير المنصورىّ، والخليفة المستكفى بالله أبو الربيع سليمان، ونائب

السلطنة بديار مصر الأمير سلّار، ونائب الشام الأمير آقوش الأفرم الصغير، ونائب حلب الأمير شمس الدين قراسنقر المنصورىّ، ونائب حماة الأمير سيف الدين قبجق المنصورىّ، ونائب طرابلس الأمير سيف الدين أسندمر المنصورىّ. ثم فشا فى الناس فى السنة المذكورة أمراض حادّة، وعمّ [الوباء «1» ] الخلائق وعزّ سائر ما يحتاج إليه المرضى. ثم توقفت زيادة النيل إلى أن دخل شهر مسرى، وارتفع سعر القمح وسائر الغلال، ومنع الأمراء البيع من شونهم إلّا الأمير عزّ الدين أيدمر الخطيرىّ الأستادار، فإنّه تقدّم إلى مباشريه ألّا يتركوا عنده سوى مئونة سنة واحدة، وباع ما عداه قليلا قليلا. والخطيرىّ هذا هو صاحب الجامع «2» الذي بخطّ بولاق. انتهى. وخاف الناس أن يقع نظير غلاء كتبغا، وتشاءم الناس بسلطنة الملك المظفّر بيبرس المذكور. ثمّ إنّ الخطيب نور الدّين علىّ بن محمد بن الحسن بن علىّ القسطلانيّ «3» خرج بالناس واستسقى، وكان يوما مشهودا، فنودى من الغد بثلاث أصابع، ثم توقّفت الزيادة مدّة، ثم زاد وانتهت زيادة النيل فيه إلى خمس عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا فى سابع عشرين توت، ثم «4» نقص فى أيّام النسىء وجاء النّوروز ولم يوفّ النيل ستّ عشرة ذراعا ففتح خليج «5» السدّ فى يوم الجمعة ثامن توت وهو ثامن عشرين «6» شهر ربيع الأوّل. وذكر بعضهم أنّه لم يوفّ إلى تاسع عشر بابه، وهو يوم الخميس

حادى عشر جمادى الأولى، وذلك بعد اليأس منه، وهذا القول هو الأشهر. قال: وانحطّ مع ذلك بعد الوفاء السّعر وتشاءم الناس بطلعة الملك المظفّر بيبرس. وغنّت العامّة فى المعنى: سلطاننا ركين ... ونائبنا دقين يجينا الماء من أين يجيبوا لنا الأعرج ... يجى الماء ويدحّرج «1» ومن يومئذ وقعت الوحشة بين المظفّر وبين عامّة مصر، وأخذت دولة الملك المظفّر بيبرس فى اضطراب، وذلك أنّه كثر توهّمه من الملك الناصر محمد بن قلاوون، وقصد فى أيّامه كل واحد من خشداشيته أن يترقّى إلى أعلى منزلة، واتّهموا الأمير سلار بمباطنة الملك الناصر محمد وحذّروا الملك المظفّر منه، وحسّنوا له القبض على سلّار المذكور، فجبن بيبرس عن ذلك. ثم ما زالوا حتّى بعث الأمير مغلطاى إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون بالكرك ليأخذ منه الخيل والمماليك التى عنده، وتغلّظ فى القول، فغضب الملك الناصر من ذلك غضبا شديدا وقال له: أنا خلّيت «2» ، ملك مصر والشام لبيبرس، ما يكفيه حتّى ضاقت عينه على فرس عندى ومملوك لى ويكرّر الطلب! ارجع إليه وقل له: والله لئن لم يتركنى، وإلّا دخلت بلاد التّتار وأعلمهم أنّى تركت ملك أبى وأخى وملكى لمملوكى، وهو يتابعنى ويطلب منّى ما أخذته، فجافاه مغلطاى وخشّن له فى القول بحيث اشتدّ غضب الملك الناصر، وصاح به: ويلك وصلت إلى هنا! وأمر أن يجرّ ويرمى من سور القلعة، فثار به المماليك، يسبّونه ويلعنونه وأخرجوه إلى السّور، فلم يزل به أرغون الدّوادار والأمير طغاى

إلى أن عفا عنه وحبسه ثمّ أخرجه ماشيا، وعظم ذلك على الملك الناصر وكتب ملطّفات إلى نوّاب البلاد الشامية بحلب وحماة وطرابلس وصفد، ثمّ إلى مصر ممّن يثق به، وذكر ما كان به من ضيق اليد وقلّة الحرمة، وأنّه لأجل هذا ترك ملك مصر وقنع بالإقامة بالكرك، وأنّ السلطان الملك المظفّر فى كلّ وقت يرسل يطالبه بالمماليك والخيل التى عنده. ثم ذكر لهم فى ضمن الكتاب: أنتم مماليك أبى وربيّتمونى فإمّا أن تردّوه عنى وإلّا سرت إلى بلاد التّتار، وتلطّف فى مخاطبتهم غاية التلطّف؛ وسيّر لهم بالكتب على يد العربان فأوصلوها إلى أربابها. وكان قد أرسل الملك المظفّر قبل ذلك يطلب منه المال الذي كان بالكرك والخيل والمماليك التى عنده. حسب ما يأتى ذكره فى ترجمة الملك الناصر محمد. فبعث إليه الملك الناصر بالمبلغ الذي أخذه من الكرك فلم يقنع المظفّر بذلك وأرسل ثانيا، وكان الملك الناصر لمّا أقام بالكرك صار يخطب بها للملك المظفّر بيبرس بحضرة الملك الناصر والملك الناصر يتأدّب معه، ويسكت بحضرة مماليكه وحواشيه. وصار الملك الناصر إذا كاتب الملك المظفّر يكتب إليه: «الملكىّ المظفّرىّ» وقصد بذلك سكون الأحوال وإخماد الفتن، والمظفّر يلحّ عليه لأمر يريده الله تعالى حتى كان من أمره ما سنذكره إن شاء الله تعالى. وأما النّوّاب بالبلاد الشاميّة فإنّ قرا سنقر نائب حلب كتب إلى الملك الناصر الجواب: بأنّى مملوك السلطان فى كلّ ما يرسم به، وسأل أن يبعث إليه بعض المماليك السلطانية، وكذلك نائب حماة ونائب طرابلس وغيرهما ما خلا بكتمر الجوكندار، فإنّه طرد قاصد الملك الناصر ولم يجتمع به. ثم أرسل الملك الناصر مملوكه أيتمش المحمّديّ إلى الشام وكتب معه ملطّفات إلى الأمير قطلوبك المنصورىّ وبكتمر الحسامىّ الحاجب بدمشق ولغيرهما، ووصل أيتمش إلى دمشق خفية

ونزل عند بعض مماليك قطلوبك المذكور، ودفع إليه الملطّف؛ فلمّا أوصله إلى قطلوبك أنكر عليه وأمره بالاحتفاظ على أيتمش المذكور ليوصّله إلى الأفرم نائب الشام ويتقرّب إليه بذلك؛ فبلغ أيتمش الخبر فترك راحلته التى قدم عليها ومضى إلى دار الأمير بهادر آص فى اللّيل، فاستأذن عليه فأذن له فدخل إليه أيتمش وعرّفه ما كان من قطلوبك فى حقّه، فطيّب بهادر آص خاطره وأنزله عنده وأركبه من الغد معه إلى الموكب، وقد سبق قطلوبك إلى الأفرم نائب الشام وعرّفه قدوم مملوك الملك الناصر اليه وهروبه من عنده ليلا، فقلق الأفرم من ذلك وألزم والى المدينة بتحصيل المملوك المذكور، فقال بهادر آص: هذا المملوك عندى وأشار إليه، فنزل عن فرسه وسلّم على الأفرم وسار معه فى الموكب إلى دار السعادة، وقال له بحضرة الأمراء: السلطان الملك الناصر يسلّم عليك ويقول: ما منكم أحد إلّا وأكل خبز الملك الشهيد قلاوون، وما منكم إلا من إلعامه عليه، وأنتم تربية الشهيد والده، وأنه قاصد الدخول إلى دمشق والإقامة بها، فإن كان فيكم من يقاتله ويمنعه العبور فعرّفوه، فلم يتمّ هذا القول حتى صاح الكوكندى «1» الزرّاق أحد أكابر أمراء دمشق وا ابن أستاذاه! وبكى، فغضب الأفرم نائب الشام عليه وأخرجه، ثم قال الأفرم: لأيتمش قل له (يعنى الملك الناصر) : كيف يجيء إلى الشام أو إلى غير الشام! كأنّ الشام ومصر الآن تحت حكمك. أنا لمّا أرسل إلىّ السلطان الملك المظفر أن أحلف له ما حلفت حتى سيّرت أقول له: كيف يكون ذلك وابن أستاذنا باق! فأرسل يقول: أنا ما تقدّمت عليه حتى خلع ابن أستاذنا نفسه، وكتب خطّه وأشهد عليه بنزوله عن الملك فعند ذلك حلفت له، ثم فى هذا الوقت تقول: من يردّنى عن الشام! ثم أمر به الأفرم فسلّم إلى أستاداره. فلمّا كان اللّيل استدعاه ودفع له

خمسين دينارا وقال قل له: لا تذكر الخروج من الكرك، وانا أكتب إلى المظفّر وأرجعه عن الطلب «1» ، ثم أطلقه فعاد أيتمش إلى الكرك وأعلم الملك الناصر بما وقع. فأعاده الملك الناصر على البريد «2» ومعه أركتمر وعثمان الهجّان ليجتمع بالأمير قرا سنقر نائب حلب ويواعده على المسير إلى دمشق، ثم خرج الملك الناصر من الكرك وسار إلى بركة زيزاء «3» فنزل بها. وأمّا الملك المظفّر بيبرس صاحب الترجمة فإنّه لمّا بلغه أنّ الملك الناصر حبس قاصده مغلطاى المقدّم ذكره قلق من ذلك واستدعى الأمير سلّار وعرّفه ذلك، وكانت البرجيّة قد أغروا المظفّر بيبرس بسلّار واتّهموه أنّه باطن الملك الناصر وحسّنوا له القبض عليه، حسب ما ذكرناه، فجبن الملك المظفّر من القبض عليه. وبلغ ذلك سلّار فخاف من البرجيّة لكثرتهم وقوّتهم وأخذ فى مداراتهم؛ وكان أشدّهم عليه الأمير بيكور «4» وقد شرق إقطاعه، فبعث إليه سلّار بستة آلاف إردب غلّة وألف دينار فكفّ عنه، ثم هادى خواصّ المظفّر وأنعم عليهم. فلمّا حضر سلّار عند المظفّر وتكلّما فيما هم فيه فاقتضى الرأى إرسال قاصد إلى الملك الناصر بتهديده ليفرج عن مغلطاى. وبينما هم فى ذلك قدم البريد من دمشق بأنّ الملك الناصر سار من الكرك إلى البرج «5» الأبيض ولم يعرف أحد مقصده، فكتب الجواب فى الحال بحفظ

الطّرقات عليه. واشتهر بالديار المصريّة حركة الملك الناصر محمد وخروجه من الكرك فماجت الناس؛ وتحرّك الأمير نوغاى القبجاقىّ، وكان شجاعا مقداما حادّ المزاج قوىّ النفس، وكان من ألزام الأمير سلّار النائب، وتواعد مع جماعة من المماليك السلطانية أن يهجم بهم على السلطان الملك المظفّر إذا ركب ويقتله. فلمّا ركب المظفّر ونزل إلى بركة الجبّ استجمع نوغاى بمن وافقه يريدون الفتك بالمظفّر فى عوده من البركة، وتقرّب نوغاى من السلطان قليلا قليلا وقد تغيّر وجهه وظهر فيه أمارات الشرّ، ففطن به خواصّ المظفر وتحلّقوا حول المظفّر، فلم يجد نوغاى سبيلا إلى ما عزم عليه، وعاد الملك المظفّر إلى القلعة فعرّفه ألزامه ما فهموه من نوغاى وحسّنوا له القبض عليه وتقريره على من معه، فاستدعى السلطان الأمير سلّار وعرّفه الخبر، وكان نوغاى قد باطن سلّار بذلك، فحذّر سلّار الملك المظفّر وخوّفه عاقبة القبض على نوغاى وأنّ فيه فساد قلوب جميع الأمراء، وليس الرأى إلّا الإغضاء فقط. وقام سلار عنه فأخذ البرجيّة بالإغراء بسلّار وأنّه باطن نوغاى، ومتى لم يقبض عليه فسد الحال. وبلغ نوغاى الحديث فواعد أصحابه على اللحاق بالملك الناصر، وخرج هو والأمير مغلطاى القازانى وتقطاى الساقى ونحو ستين مملوكا وقت المغرب عند «1» غلق باب القلعة فى ليلة الخميس خامس عشر جمادى الآخرة من سنة تسع وسبعمائة المذكورة. وقيل فى أمر نوغاى وهروبه وجه آخر: قال الأمير بيبرس الدّوادار فى تاريخه: تسحّب من الديار المصريّة إلى الكرك المحروس سيف الدين نوغاى القفجاقىّ أحد المماليك السلطانيّة وسيف الدين تقطاى الساقى وعلاء الدين مغلطاى القازانىّ، وتوجّه معهم من المماليك السلطانية بالقلعة

مائة وستة وثلاثون نفرا، وخرجوا طلبا واحدا بخيلهم وهجنهم وغلمانهم وتركوا بيوتهم وأولادهم. انتهى. وقال غيره «1» : لمّا ولى الملك المظفر بيبرس السلطنة بقى سلّار هو الملك الظاهر بين الناس والملك المظفّر بيبرس من وراء حجاب، فلمّا كان فى بعض الأيام دخل على الملك المظفّر أميران: أحدهما يسمّى نوغاى والآخر مغلطاى فباسا الأرض بين يديه وشكوا له ضعف أخبازهما، فقال لهما المظفّر: اشكوا إلى سلّار فهو أعلم بحالكما منى، فقالا: خلّد الله ملك مولانا السلطان، أهو مالك البلاد أم مولانا السلطان! فقال: اذهبا إلى سلّار، ولم يزدهما على ذلك، فخرجا من عنده وجاءا إلى سلّار وأعلماه بقول الملك المظفّر، فقال سلّار: والله يا أصحابى أبعدكما بهذا الكلام، وأنتما تعلمان أنّ النائب ما له كلام مثل السلطان. وكان نوغاى شجاعا وعنده قوّة بأس، فأقسم بالله لئن لم يغيّروا خبزه ليقيمنّ شرّا تهرق فيه الدماء، ثم خرجا من عند سلّار. وفى الحال ركب سلّار وطلع إلى عند الملك المظفّر وحدّثه بما جرى من أمر نوغاى ومغلطاى، وقال: هذا نوغاى يصدق فيما يقول، لأنّه قادر على إثارة الفتنة، فالمصلحة قبضه وحبسه فى الحبس، فاتّفقوا على قبضه. وكان فى ذلك الوقت أمير يقال له أنس «2» فسمع الحديث، فلمّا خرج أعلم نوغاى بذلك، فلمّا سمع نوغاى الكلام طلب مغلطاى وجماعة من مماليك الملك الناصر، وقال لهم: يا جماعة، هذا الرجل قد عوّل على قبضنا، وأمّا أنا فلا أسلّم نفسى إلّا بعد حرب تضرب فيه الرّقاب، فقالوا له: على ماذا عوّلت؟ فقال: عوّلت على أنّى أسير إلى الكرك إلى الملك الناصر أستاذنا، فقالوا له: ونحن معك فحلف كلّ منهم على ذلك، فقال نوغاى، وكان بيته خارج

باب النصر: كونوا عندى وقت الفجر الأوّل راكبين وأنتم لابسون وتفرّقا، فجهّز نوغاى حاله فى تلك الليلة وركب بعد الثّلث الأخير مع مماليكه وحاشيته، ثم جاءه مغلطاى القازانى بمماليكه ومعه جماعة من مماليك السلطان الملك الناصر والكلّ ملبسون [على «1» ظهر الخيل] . ثم إنّ نوغاى حرّك الطبلخاناه «2» حربيّا وشقّ من الحسينيّة «3» فماجت الناس وركبوا من الحسينية وأعلموا الأمير سلّار، فركب سلار وطلع إلى القلعة وأعلم السلطان بذلك. قال ابن كثير: وكان ذلك بمباطنة سلّار مع نوغاى. فلمّا بلغ المظّفر ذلك قال على إيش توجّها! فقال سلّار: على نباح الجراء فى بطون الكلاب «4» ، والله ما ينظر فى عواقب الأمور ولا يخاف آثار المقدور؛ فقال المظفر: إيش المصلحة؟ فاتفقوا على تجريد عسكر خلف المتسحّبين فجرّد فى أثرهم جماعة من الأمراء صحبة الأمير علاء الدين مغلطاى المسعودىّ «5» ، والأمير سيف الدين قلّى فى جماعة من المماليك، فساروا سيرا خفيفا قصدا فى عدم إدراكهم وحفظا لسلطانهم وابن سلطانهم الملك الناصر محمد ابن قلاوون فلم يدركوهم، وأقاموا على غزّة أياما وعادوا إلى القاهرة. وقال صاحب نزهة الألباب «6» : وجرّد السلطان الملك المظفّر وراءهم خمسة آلاف فارس صحبة الأمير أخى سلّار، وقال له المظفّر: لا ترجع إلّا بهم ولو غاصوا

فى البحر! وكان فيهم الأمير شمس الدين دباكوز «1» وسيف الدين بجاس وجنكلى «2» ابن البابا وكهرداش وأيبك البغدادىّ وبلاط وصاروجا «3» والقرمانى وأمير آخر، وهؤلاء الأمراء هم خيار عسكر مصر فساروا. وكان نوغيه قد وصل إلى بلبيس وطلب واليها وقال له: إن لم تحضر لى فى هذه الساعة خمسة آلاف دينار من مال السلطان وإلّا سلخت جلدك من كعبك [إلى أذنك «4» ] ، ففى الساعة أحضر الذهب، وكان نوغيه قد أرصد أناسا يكشفون له الأخبار، فجاءوا له وذكروا أنّ عسكرا عظيما قد وصل من القاهرة وهم سائقون؛ فلمّا سمع نوغيه ذلك ركب هو وأصحابه وقالوا لوالى بلبيس قل للامراء الجائين خلفى أنا رائح على مهل حتى تلحقونى، وأنا أقسم بالله العظيم لئن وقعت عينى عليهم لأجعلنّ عليهم يوما يذكر إلى يوم القيامة! ولم يبعد نوغيه حتى وصل أخو سلّار وهو الأمير سمك ومعه العساكر، فلاقاهم والى بلبيس وأخبرهم بما جرى له مع نوغيه وقال لهم: ما ركب إلا من ساعة، فلما سمعوا بذلك ساقوا إلى أن وصلوا إلى مكان بين الخطّارة «5»

والسعيدية «1» ، فإذا بنوغاى واقف وقد صفّ رجاله ميمنة وميسرة وهو واقف فى القلب قدّام الكلّ، فلما رآهم سمك أرسل إليه فارسا من كبار الحلقة، وسار إليه الفارس واجتمع بنوغيه وقال له: أرسلنى سمك إليك وهو يقول: السلطان الملك المظفّر يسلّم عليك ويقول لك: سبحان الله! أنت كنت أكبر أصحابه، فما الذي غيّرك عليه؟ فإن كان لأجل الخبز فما يأكل الخبز أحد أحقّ منك، فإن عدت إليه فكلّ ما تشتهى يفعله لك. فلمّا سمع نوغيه هذا الكلام ضحك وقال: إيش هذا الكلام الكذب! لمّا أمس سألته أن يصلح خبزى بقرية واحدة ما أعطانى، وأنا تحت أمره، فكيف يسمح لى اليوم بما أشتهى وأنا صرت عدوّه! فخلّ عنك هذا الهذيان، ومالكم عندى إلا السيف، فرجع الرسول وأعلم سمك بمقالته، ثم إنّ نوغيه دكس «2» فرسه وتقدّم إلى سمك وأصحابه وقال له: إن هؤلاء الذين معى أنا الذي أخرجتهم من بيوتهم وأنا المطلوب، فمن كان يريدنى يبرز لى وهذا الميدان! فنظرت الأمراء بعضهم إلى بعض، ثم قال: يا أمراء، ما أنا عاص على أحد، وما خرجت من بيتى إلا غبنا، وأنتم أغبن منى، ولكن ما تظهرون ذلك، وهأنتم سمعتم منى الكلام فمن أراد الخروج إلىّ فليخرج وإلا احملوا علىّ بأجمعكم، وكان آخر النهار، فلم يخرج اليه أحد فرجع إلى أصحابه ونزل سمك فى ذلك المكان. فلما أمسى الليل

رحل نوغيه بأصحابه وسار مجدّا ليله ونهاره حتى وصل قطيا «1» ، فوجد واليها قد جمع العربان لقتاله، لأنّ البطاقة وردت عليه من مصر بذلك، والعربان الذين جمعهم الوالى نحو ثلاثة آلاف فارس؛ فلما رآهم نوغاى قال لأصحابه: احملوا عليهم وبادروهم حتى لا يأخذهم الطّمع فيكم (يعنى لقلّتهم) وتأتى الخيل التى وراءكم، فحملوا عليهم وكان مقدّم العرب نوفل [بن «2» حابس] البياضى، وفيهم نحو الخمسمائة نفر بلبوس، فحملت الأتراك أصحاب نوغاى عليهم وتقاتلا قتالا عظيما حتى ولّت العرب، وانتصر نوغيه عليهم هو وأصحابه، وولّت العرب الأدبار طالبين البرّيّة، ولحق نوغيه والى قطيا فطعنه وألقاه عن فرسه وأخذه أسيرا. ثم رجعت الترك من خلف العرب وقد كسبوا منهم شيئا كثيرا. وأمّا سمك فإنه لم يزل يتبعهم بعساكر مصر منزلة بعد منزلة حتى وصلوا إلى قطيا فوجدوها خرابا، وسمعوا ما جرى من نوغيه على العرب، فقال الأمراء: الرأى أننا نسير إلى غزّة ونشاور نائب غزّة فى عمل المصلحة، فساروا إلى غزّة فلاقاهم نائب غزّة وأنزلهم على ظاهر غزّة وخدمهم، فقال له سمك: نحن ما جئنا إلّا لأجل نوغاى، وأنّه من العريش «3» سار يطلب الكرك، فما رأيك؟ نسير إلى الكرك أو نرجع إلى مصر؟ فقال لهم نائب غزة: رواحكم إلى الكرك ما هو مصلحة، وأنتم من حين خرجتم من مصر سائرون وراءهم ورأيتموهم فى الطريق فما قدرتم عليهم، وقد وصلوا إلى الكرك وانضمّوا إلى الملك الناصر، والرأى «4» عندى أنكم ترجعون إلى مصر وتقولون للسلطان ما وقع وتعتذرون له، فرجعوا وأخبروا الملك المظفّر بالحال فكاد يموت غيظا، وكتب

من وقته كتابا للملك الناصر فيه: إنّ ساعة وقوفك على هذا الكتاب وقبل وضعه من يدك ترسل لنا نوغاى ومغلطاى ومماليكهما، وتبعث المماليك الذين عندك ولا تخلّ منهم عندك سوى خمسين مملوكا، فإنك اشتريت الكلّ من بيت المال، وإن لم تسيرهم سرت إليك وأخذتك وأنفك راغم! وسيّر الكتاب مع بدوىّ «1» إلى الملك الناصر. وأمّا نوغاى فإنه لما وصل إلى الكرك وجد الملك الناصر فى الصيد، فقال نوغيه لمغلطاى: انزل أنت ها هنا وأسير أنا للسلطان، وركب هجينا وأخذ معه ثلاثة مماليك وسار إلى ناحية عقبة أيلة «2» ، وإذا بالسلطان نازل فى موضع وعنده خلق كثير من العرب والترك، فلما رأوا نوغيه وقد أقبل من صدر البرّيّة، أرسلوا إليه خيلا فكشفوا خبره، فلما قربوا منه عرفه مماليك السلطان فرجعوا وأعلموا السلطان أنه نوغاى، فقال السلطان: الله أكبر! ما جاء هذا إلّا عن أمر عظيم، فلّما حضر نزل وباس الأرض بين يدى الملك الناصر ودعا له، فقال له الملك الناصر: أراك ما جئت لى فى مثل هذا الوقت إلى هذا المكان إلا لأمر؟ فحدثنى حقيقة أمرك، فأنشأ نوغيه يقول: أنت المليك وهذه أعناقنا ... خضعت لعزّ علاك يا سلطانى أنت المرجّى يا مليك فمن لنا ... أسد سواك وما لك البلدان فى أبيات أخر، ثم حكى له ما وقع له منذ خرج الملك الناصر من مصر إلى يوم تاريخه، فركب الملك الناصر وركب معه نوغيه وعادا إلى الكرك، وخلع عليه وعلى رفقته وأنزلهم عنده ووعدهم بكلّ خير.

ثم إنّ الملك الناصر جمع أمراءه ومماليكه وشاورهم فى أمره، فقال نوغيه: من ذا الذي يعاندك أو يقف قدّامك والجميع مماليكك! والذي خلق الخلق إذا كنت أنت معى وحدى ألتقى بك كلّ من خرج من مصر والشام! فقال السلطان: صدقت فيما قلت، ولكن من لم ينظر فى العواقب، ما الدهر له بصاحب. انتهى. وقال ابن كثير فى تاريخه: وصل المتوجّهون إلى الكرك إلى الملك الناصر فى الحادى والعشرين من جمادى الآخرة من هذه السنة فقبلهم الناصر أحسن قبول، وكان حين وصلوا إلى قطيا أخذوا ما بها من المال، ووجدوا أيضا فى طريقهم تقدمة لسيف الدين طوغان «1» نائب البيرة «2» فأخذوها بكمالها وأحضروا الجميع بين يدى الملك الناصر محمد، ولمّا وصلت إليه الأمراء المذكورون أمر الملك الناصر بالخطبة لنفسه، ثم كاتب النوّاب فاجتمعوا وأجابوه بالسمع والطاعة. ولما عاد الأمراء من غزّة إلى مصر اشتدّ خوف السلطان الملك المظفّر وكثر خياله من أكثر عسكر مصر، فقبض على جماعة تزيد على ثلثمائة مملوك، وأخرج أخبازهم وأخباز المتوجّهين مع نوغيه إلى الكرك لمماليكه، وتحلّقوا عليه البرجيّة وشوّشوا فكره بكثرة تخيّله بمخامرة العسكر المصرىّ عليه، وما زالوا به حتّى أخرج الأمير بينجار والأمير صارم الدين الجرمكىّ فى عدّة من الأمراء مجرّدين، وأخرج الأمير آقوش الرومىّ بجماعته إلى طريق السّويس ليمنع من عساه يتوّجّه من الأمراء والمماليك إلى الملك الناصر. ثم قبض الملك المظفّر على أحد عشر مملوكا وقصد أن يقبض على آخرين فاستوحش الأمير بطرا «3» فهرب، فأدركه الأمير جركتمر بن بهادر رأس نوبة فأحضره فحبس؛ وعند إحضاره

طلع الأمير ألديكز السّلاح دار بملطّف من عند الملك الناصر محمد، وهو جواب الكتاب الذي كان أرسله الملك المظفر للملك الناصر يطلب نوغيه وأصحابه. وقد ذكرنا معناه وما أغلظ فيه وأفحش فى الخطاب للملك الناصر، وكان فى وقت وصول كتاب المظفّر حضر إلى الملك الناصر الأمير أسندمر نائب طرابلس كأنّهما كان على ميعاد، فأخذ الناصر الكتاب وأسندمر إلى جانبه، وعليه لبس العربان، وقد ضرب اللّثام فقرأ الناصر الكتاب، ثم ناوله إلى أسندمر فقرأه وفهم معناه، ثم أمر الملك الناصر الناس بالانصراف وبقى هو وأسندمر، وقال لأسندمر: ما يكون الجواب؟ فقال له أسندمر: المصلحة أن تخادعه فى الكلام وتترقّق له فى الخطاب حتى نجهّز أمرنا ونستظهر، فقال له السلطان: اكتب له الجواب مثل ما تختاره، فكتب أسندمر: «المملوك محمد بن قلاوون يقبّل اليد العالية المولوية السلطانيّة المظفّريّة أسبغ الله ظلّها، ورفع قدرها ومحلّها، وينهى بعد رفع دعائه، وخالص عبوديته وولائه أنه وصل إلىّ المملوك نوغيه ومغلطاى وجماعة من المماليك، فلمّا علم المملوك بوصولهم أغلق باب القلعة ولم يمكّن أحدا منهم يعبر إليه، وسيّرت إليهم ألومهم على ما فعلوه، وقد دخلوا على المملوك بأن يبعث ويشفع فيهم، فأخذ المملوك فى تجهيز تقدمة لمولانا السلطان ويشفع فيهم، والذي يحيط به علم مولانا السلطان أنّ هؤلاء من مماليك السلطان، خلّد الله ملكه، وأنّ الذي قيل فيهم غير صحيح، وإنما هربوا خوفا على أنفسهم، وقد استجاروا بالمملوك، والمملوك يستجير بظلّ الدولة المظفّريّة، والمأمول «1» ألّا يخيّب سؤاله ولا يكسر قلبه، ولا يردّه فيما قصده «2» . وفى هذه الأيام يجهّز المملوك

تقدمة مع المماليك الذين طلبهم مولانا السلطان، وأنا ما لى حاجة بالمماليك فى هذا المكان، وإن رسم مولانا ما لك الرّقّ أن يسيّر نائبا له ينزل «1» المملوك بمصر ويلتجئ بالدولة المظفريّة ويحلق رأسه ويقعد فى تربة الملك المنصور. والمملوك قد وطّن نفسه على مثل هذا؛ وقد قال أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب كرم الله وجهه: «ما أقرب الراحة من التعب والبؤس من النّعم والموت من الحياة» . وقال بعضهم: إيّاك وما يسخط سلطانك، ويوحش إخوانك؛ فمن أسخط سلطانه فقد تعرّض للمنيّة، ومن أوحش إخوانه فقد تبرّأ عن الحرية «2» . والمملوك يسأل كريم العفو والصفح الجميل! والله تعالى قال فى كتابه الكريم وهو أصدق القائلين: وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. والمملوك ينتظر الأمان والجواب. أنهى المملوك ذلك» . فلمّا قرأ الملك المظفّر الكتاب خفّ ما كان عنده، وكان سلّار حاضرا فقال له سلّار: ما قلت لك إنّ الملك الناصر ما بقيت له قدرة على المعاندة! وقد أصبح ملك الشام ومصر طوع يدك، ولكن عندى رأى: وهو أن تسيّر إلى الأفرم بأن يجعل بآله من الأمراء، فإنّهم ربّما يهربون إلى بلاد التّتار فاستصوب المظفّر ذلك، وكتب إلى الأفرم فى الحال بالغرض، فلمّا وصل الكتاب إلى الأفرم اجتهد فى ذلك غاية الاجتهاد. وأخذ الملك الناصر فى تدبير أمره، وبينما المظفّر فى ذلك ورد عليه الخبر من الأفرم بخروج الملك الناصر من الكرك، فقلق المظفّر من ذلك وزاد توهّمه ونفرت قلوب جماعة من الأمراء والمماليك منه وخشوا على أنفسهم واجتمع كثير

من المنصوريّة والأشرفية والأويراتيّة «1» وتواعدوا على الحرب، وخرج منهم مائة وعشرون فارسا بالسلاح، وساروا على حميّة إلى الملك الناصر، فخرج فى أثرهم الأمير بينجار والصارم الجرمكىّ بمن معهم، وقاتلوا المماليك وجرح الجرمكىّ بسيف فى خدّه «2» سقط منه إلى الأرض، ومضى المماليك إلى الكرك ولم يستجرئ أحد أن يتعرّض إليهم؛ فعظم بذلك الخطب على الملك المظفّر، واجتمع عنده البرجيّة وقالوا: هذا الفساد كلّه من الأمير سلّار، ومتى لم تقبض عليه خرج الأمر من يدك، فلم يوافق على ذلك وجبن من القبض على سلّار لشوكته ولاضطراب دولته، ثم طلب الملك المظفّر الأمير سلّار وغيره من الأمراء واستشارهم فى أمر الملك الناصر، فاتّفق الرأى على خروج تجريدة لقتال الملك الناصر. وأمّا الملك الناصر فإنّه أرسل الأمير أيتمش المحمّدىّ الناصرىّ إلى الأمير قبجق نائب حماة، فأحال الأمير قبجق الأمر على الأمير قرا سنقر نائب حلب، فاجتمع أيتمش بقرا سنقر فأكرمه ووافق على القيام مع الملك الناصر، ودخل فى طاعته وأعلن بذلك، وهو أكبر المماليك المنصوريّة، وواعد الملك الناصر على المسير إلى دمشق فى أوّل شعبان. ثم كتب قرا سنقر إلى الأفرم نائب الشام يحثّه على طاعة الملك الناصر ويرغّبه فى ذلك ويحذّره مخالفته؛ وأشار قراسنقر على الملك الناصر أنه يكاتب الأمير بكتمر الجوكندار نائب صفد، والأمير كراى المنصورىّ نائب القدس. ثم عاد أيتمش إلى أستاذه الملك الناصر وأخبره بكلّ ما وقع، فسرّ الملك الناصر بذلك هو وكلّ من عنده

غاية السرور، وتحقّق كلّ أحد من حواشى الملك الناصر بإتمام أمره. وكان نوغيه منذ قدم على الملك الناصر بالكرك لا يبرح يحرّضه على المسير إلى دمشق حتّى إنّه ثقل على الملك الناصر من مخاشنته فى المخاطبة بسبب توجّهه إلى دمشق، وغضب منه وقال له: ليس لى بك حاجة، ارجع حيث جئت، فترك نوغاى الخدمة وانقطع وحقد له الملك الناصر ذلك حتّى قتله بعد عوده إلى الملك بمدّة حسب ما يأتى ذكره من كثرة ما وبّخه نوغيه المذكور، وأسمعه من الكلام الخشن. ولمّا قدم أيتمش بالأجوبة على الملك الناصر قوى عزم الملك الناصر على الحركة؛ ثم إنّ الملك الناصر أيضا أرسل مملوكه أيتمش المحمدى المذكور إلى الأمير بكتمر الجوكندار نائب صفد حسب ما أشار به قرا سنقر، فسار أيتمش إليه واجتمع بالأمير محمد بن بكتمر الجوكندار، فجمع محمد المذكور بين أيتمش وبين أبيه ليلا فى مقابر صفد، فعتبه أيتمش على ردّه أوّلا قاصد السلطان الملك الناصر فاعتذر له بكتمر بالخوف من بيبرس وسلّار كما كان وقع له مع الناصر أوّلا بالديار المصريّة حين اتّفقا على قبض بيبرس وسلّار ولم يتمّ لهم ذلك، وأخرج بكتمر بسبب ذلك من الديار المصريّة، وقد تقدّم ذكر ذلك كلّه. انتهى. ثم قال له بكتمر: ولولا ثقتى بك ما اجتمعت عليك، فلمّا عرّفه أيتمش طاعة الأمير قراسنقر والأمير قبجق والأمير أسندمر أجاب بالسمع والطاعة، وأنّه على ميعاد النوّاب إلى المضى إلى الشام، وعاد أيتمش إلى الملك الناصر بجواب بكتمر فسرّ به غاية السرور. وأمّا السلطان الملك المظفّر بيبرس هذا فإنّه أخذ فى تجهيز العساكر إلى قتال الملك الناصر محمد حتّى تمّ أمرهم وخرجوا من الديار المصريّة فى يوم السبت تاسع شهر رجب وعليهم خمسة أمراء من مقدّمى الألوف، وهم: الأمير برلغى الأشرفىّ، والأمير جمال الدين آقوش الأشرفى نائب الكرك كان، والأمير عزّ الدين أيبك

البغدادىّ، والأمير سيف الدين طغريل الإيغانىّ، والأمير سيف الدين الدكز «1» السلاح دار، ومعهم نحو ثلاثين أميرا من أمراء الطبلخاناه بعد ما أنفق فيهم الملك المظفّر، فأعطى برلغى عشرة آلاف دينار، وأعطى لكل مقدّم ألفى دينار، ولكلّ من الطبلخاناه ألف دينار، ولكلّ واحد من مقدّمى الحلقة ألف درهم، ولكل واحد من أجناد الحلقة خمسمائة درهم، ونزلوا بمسجد التّبن «2» خارج القاهرة ولم يتقدّموا، ثم عادوا بعد أربعة أيّام إلى القاهرة. وكان الباعث على عودهم أن كتب آقوش الأفرم نائب الشام وردت على الملك المظفّر: تتضمّن وصول الملك الناصر إلى البرج «3» الأبيض، ثم عاد إلى الكرك فاطمأنّ الملك المظفر وأرسل إلى برلغى ومن معه من المجرّدين بالعود فعادوا بعد أربعة أيام. فلم يكن إلا أيّام وورد الخبر ثانيا بمسير الملك الناصر محمد من الكرك إلى نحو دمشق، فتجهّز العسكر المذكور فى أربعة آلاف فارس وخرجوا من القاهرة فى العشرين من شعبان إلى العبّاسة. فورد البريد من دمشق بقد أيتمش المحمّدى من قبل الملك الناصر بمشافهة إلى الأفرم ذكرها للمظفّر. ثم إنّ الأفرم بعد قدوم أيتمش بعث الأمير علاء الدين أيدغدى شقير الحسامىّ، والأمير جوبان لكشف خبر الملك الناصر، وأنهما توجّها من الشام إلى جهة الكرك، فوجدا الملك الناصر يتصيّد وأنّه عوّق أيتمش عنده، فسرّ المظفّر بذلك، وكان الأمر بخلاف ذلك، وهو أن أمرهما: أنّه لمّا سيّرهما الأفرم لكشف خبر الملك الناصر قدما على الملك الناصر، ودخلا تحت طاعته، وعرّفاه أنهما جاءا لكشف خبره وحلفا له على القيام بنصرته سرّا، وعادا إلى الأفرم بالجواب المذكور. وكان الناصر هو الذي أمرهما بهذا القول، فظنّ

الأفرم أنّ أخبارهما على الصدق، فكتب به إلى المظفّر. ثم إنّ الأفرم خاف أن يطرق الملك الناصر دمشق على غفلة فجرّد إليه ثمانية أمراء من أمراء دمشق، وهم: الأمير سيف الدين قطلوبك المنصورىّ، والأمير سيف الدين الحاج بهادر الحلبىّ الحاجب، والأمير جوبان، والأمير كجكن، والأمير علم الدين سنجر الجاولى وغيرهم ليقيموا على الطّرقات لحفظها على من يخرج من الشام وغيره إلى الملك الناصر. وكتب إلى الملك المظفّر يستحثّه على إخراج عساكر مصر لتجتمع عنده مع عساكر دمشق على قتال الملك الناصر، وأنّه قد جدّد اليمين للمظفّر وحلّف أمراء دمشق ألّا يخونوه ولا ينصروا الملك الناصر. فلمّا قرأ المظفّر كتاب الأفرم اضطرب وزاد قلقه. ثم ورد عليه كتاب الأمير برلغى من العبّاسة بأنّ مماليك الأمير آقوش الرومىّ تجمّعوا عليه وقتلوه وساروا ومعهم خزائنه إلى الملك الناصر، وأنّه لحق بهم بعض أمراء الطبلخاناه فى جماعة من مماليك الأمراء وقد فسد الحال، والرأى أن يخرج السلطان بنفسه. فلمّا سمع الملك المظفّر ذلك أخرج تجريدة أخرى فيها عدّة أمراء أكابر، وهم: الأمير بجاس «1» وبكتوت وكثير من البرجيّة، ثم بعث إلى برلغى بألفى دينار ووعده بأنه عازم على التوجّه إليه بنفسه. فلمّا ورد كتاب الملك المظفر بذلك وبقدوم التجريدة إليه عزم على الرحيل إلى جهة الكرك، فلمّا كان الليل رحل كثير ممّن كان معه يريدون الملك الناصر، فثنى عزمه عن الرحيل ثانيا، وكتب إلى المظفّر يقول: بأنّ نصف العسكر سار إلى الملك الناصر وخرج عن طاعة الملك المظفّر، ثم حرّض الملك المظفّر على الخروج

بنفسه. وقبل أن يطلع الفجر من اليوم المذكور وصل إلى القاهرة الأمير بهادر جك «1» بكتاب الأمير برلغى المذكور وطلع إلى السلطان، فلمّا قضى الملك المظفّر صلاة الصبح تقدّم إليه بهادرجك وعرّفه بوصول أكثر العسكر إلى الملك الناصر وناوله الكتاب، فلمّا قرأه بيبرس تبسّم وقال: سلّم على الأمير برلغى، وقل له لا تخش من شىء، فإنّ الخليفة أمير المؤمنين قد عقد لنا بيعة ثانية وجدّد لنا عهدا، وقد قرئ على المنابر، وجدّدنا اليمين على الأمراء، وما بقى أحد يجسر أن يخالف ما كتب به أمير المؤمنين! ثم دفع إليه العهد الخليفتى وقال: امض به إليه حتى يقرأه على الأمراء والجند ثم يرسله إلىّ، فإذا فرغ من قراءته يرحل بالعساكر إلى الشام وجهّز له بألفى دينار أخرى، وكتب جوابه بنظير المشافهة، فعاد بهادر جك إلى برلغى. فلمّا قرأ عليه الكتاب وانتهى إلى قوله: وأنّ أمير المؤمنين ولّانى تولية جديدة وكتب لى عهدا وجدد لى بيعة ثانية، وفتح العهد فإذا أوّله: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فقال برلغى: ولسليمان الريح! ثم التفت إلى بهادر جك وقال له، قل له: يا بارد الذقن، والله ما بقى أحد يلتفت إلى الخليفة، ثم قام وهو مغضب. وكان سبب تجديد العهد للملك المظفّر هذا أنّ الأفرم نائب الشام لمّا ورد كتابه على المظفّر أنه حلّف الأمراء بدمشق ثانيا، وبعث بالشيخ صدر الدين محمد ابن عمر [بن مكّى بن عبد الصمد الشهير «2» بابن] المرحّل إلى الملك المظفّر فى الرسليّة، صار صدر الدين يجتمع به هو وابن عدلان «3» وصار الملك المظفّر يشغل وقته بهما، فأشارا عليه بتجديد العهد والبيعة وتحليف الأمراء، وأنّ ذلك يثبّت به قواعد ملكه

ففعل الملك المظفّر ذلك، وحلف الأمراء بحضور الخليفة، وكتب له عهدا جديدا عن الخليفة أبى الربيع سليمان العباسىّ. ونسخة العهد: «إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من عبد الله وخليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبى الربيع سليمان بن أحمد العبّاسىّ لأمراء المسلمين وجيوشها، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ وإنّى رضيت لكم بعبد الله تعالى الملك المظفّر ركن الدين نائبا عنى لملك الديار المصرية والبلاد الشاميّة، وأقمته مقام نفسى لدينه وكفاءته وأهليّته ورضيته للمؤمنين، وعزلت من كان قبله بعد علمى بنزوله عن الملك، ورأيت ذلك متعيّنا علىّ، وحكمت بذلك الحكّام الأربعة؛ واعلموا، رحمكم الله، أنّ الملك عقيم ليس بالوراثة لأحد خالف عن سالف ولا كابر عن كابر؛ وقد استخرت الله تعالى وولّيت عليكم الملك المظفّر، فمن أطاعه فقد أطاعنى، ومن عصاه فقد عصانى، ومن عصانى فقد عصى أبا القاسم ابن عمّى صلّى الله عليه وسلّم. وبلغنى أنّ الملك الناصر ابن السلطان الملك المنصور شقّ العصاة على المسلمين وفرّق كلمتهم وشئت شملهم وأطمع عدوّهم فيهم، وعرّض البلاد الشاميّة والمصريّة إلى سبى الحريم والأولاد وسفك الدماء، فتلك دماء قد صانها الله تعالى من ذلك. وأنا خارج إليه ومحاربه إن استمرّ على ذلك، وأدافع عن حريم المسلمين وأنفسهم وأولادهم لهذا الأمر العظيم، وأقاتله حتّى يفىء إلى أمر الله تعالى، وقد أوجبت عليكم يا معاشر المسلمين كافّة الخروج تحت لوائى اللّواء الشريف، فقد أجمعت الحكّام على وجوب دفعه وقتاله إن استمرّ على ذلك، وأنا مستصحب معى الملك المظفّر فجهّزوا أرواحكم والسلام» .

وقرئ هذا العهد على منابر الجوامع بالقاهرة، فلمّا «1» بلغ القارئ إلى ذكر الملك الناصر صاحت العوامّ: نصره الله نصره الله! وكررت ذلك. وقرأ، فلمّا وصل إلى ذكر الملك المظفّر صاحوا: لا، ما نريده! ووقع فى القاهرة ضجّة وحركة بسبب ذلك. انتهى. ثم قدم على الملك المظفّر من الشام على البريد الأمير بهادر آص يحثّ الملك المظفر على الخروج إلى الشام بنفسه، فإن النوّاب قد مالوا كلّهم إلى الملك الناصر، فأجاب أن لا يخرج، واحتجّ بكراهيته للفتنة «2» وسفك الدماء، وأنّ الخليفة قد كتب بولايته وعزل الملك الناصر فإن قبلوا وإلّا ترك الملك. ثم قدم أيضا الأمير بلاط بكتاب الأمير برلغى، وفيه أن جميع من خرج معه من أمراء الطبلخاناه لحقوا بالملك الناصر وتبعهم خلق كثير، ولم يتأخر غير برلغى وآقوش نائب الكرك وأيبك البغدادىّ، وألدكز والفتّاح، وذلك لأنّهم خواصّ الملك المظفّر. وأمّا الملك الناصر فإنّه سار من الكرك بمن معه فى أوّل شعبان يريد دمشق بعد أمور وقعت له؛ نذكرها فى أوائل ترجمته الثالثة. فلمّا سار دخل فى طاعته الأمير قطلوبك المنصورىّ والحاج بهادر وبكتمر الحسامىّ حاجب حجّاب دمشق وعلم الدين سنجر الجاولى. وصار الملك الناصر يتأنّى فى مسيره من غير سرعة حتّى يتبيّن ما عند أمراء دمشق الذين أخرجهم الأفرم لحفظ الطرقات قبل ذلك، فكتبوا أمراء دمشق المذكورون إلى الأفرم أنّه لا سبيل لهم إلى محاربة الملك الناصر، وأرادوا بذلك إمّا أن يخرج بنفسه فيقبضوه أو يسير عن دمشق إلى جهة أخرى فيأتيهم بقيّة الجيش وكان كذلك. فإنّه لما قدم كتابهم عليه بدمشق شارع بين الناس مجىء الملك

الناصر من الكرك فثارت العوامّ وصاحوا. نصر الله الملك الناصر! وتسلّل عسكره من دمشق طائفة بعد طائفة إلى الملك الناصر، وانفرط الأمر من الأفرم واتّفق الأمير بيبرس العلائى «1» والأمير بيبرس «2» المجنون بمن معهما على الوثوب على الأفرم والقبض عليه، فلم يثبت عند ما بلغه ذلك، واستدعى علاء الدين [علىّ «3» ] بن صبيح، وكان من خواصّه وخرج ليلا وتوجّه إلى جهة الشّقيف «4» ، فركب قطلو بك والحاجّ بهادر عند ما سمعا خبر الأفرم، وتوجّها إلى الملك الناصر، وكانا كاتباه بالدخول فى طاعته قبل ذلك، فسّر بهما وأنعم على كل واحد منهما بعشرة آلاف درهم؛ وقدم على الناصر أيضا الجاولى وجوبان وسائر من كان معهم، فسار بهم الملك الناصر حتى نزل الكسوة، وخرج إليه بقيّة الأمراء والأجناد. وقد عمل له سائر شعار السلطنة من السناجق الخليفتيّة والسلطانيّة والعصائب والجتر «5» والغاشية «6» ، وحلف العساكر وسار يوم الثلاثاء ثانى «7» عشر شعبان يريد مدينة دمشق، فدخلها من غير مدافع بعد ما زيّنت له زينة عظيمة، وخرج جميع الناس إلى لقائه على اختلاف طبقاتهم حتى صغار الكتّاب، وبلغ كراء البيت من البيوت التى بميدان الحصى إلى قلعة دمشق للتفرّج على السلطان من خمسمائة درهم إلى مائة درهم، وفرشت الأرض بشقاق الحرير الملوّنة، وحمل الأمير قطلوبك المنصورىّ الغاشية، وحمل الأمير الحاج بهادر الجتر، وترجّل الأمراء والعساكر بأجمعهم ومشوا بين يديه حتّى نزل بالقصر [الأبلق «8» ] ؛ وفى وقت نزوله قدم مملوك الأمير قرا سنقر نائب حلب لكشف الخبر

وأنّ قراسنقر خرج من حلب وقبجق خرج من حماة فخلع عليه وكتب لهما بسرعة الحضور إليه. ثم كتب إلى الأفرم أمانا وتوجّه به علم الدين سنجر الجاولى، فلم يثق بذلك لما كان وقع منه فى حقّ الناصر لمّا قدم عليه تنكز «1» ، وطلب يمين السلطان فحلف السلطان له وبعث إليه نسخة الحلف. وكان قبل ذلك بعث الملك الناصر خازنداره وتنكز مملوكه إلى الأفرم هذا صحبة عثمان الركاب يستدعيه إلى طاعته بكلّ ما يمكن، ثم أمره الملك الناصر إن لم يطع يخشّن له فى القول، وكذلك كتب فى المطالعة التى على يد تنكز: أوّلها وعد وآخرها وعيد، فلمّا قرأ الأفرم الكتاب المذكور اسودّ وجهه من الغضب، ثم التفت إلى تنكز وقال: أنت وأمثالك الذين حمّقوا هذا الصبىّ حتى كتب لى هذا الكتاب، ويلك! من هو الذي وافقه من أمراء دمشق على ذلك! وكان الناصر قد كتب له فى جملة الكلام «2» أنّ غالب أمراء البلاد الشاميّة أطاعونى، وكان الأفرم لما حضر إليه تنكز قبل أن يقرأ الكتاب جمع أمراء دمشق ثم قرا الكتاب، فلمّا وصل إلى ذلك، قال الأفرم، قل لى: من هو الذي أطاعه حتى أقبض عليه وأرسله إلى مصر؟ فنظر أمراء دمشق بعضهم إلى بعض وأمعن الأفرم فى الكلام؛ فقام الأمير بيبرس المجنون وقال: ما هذا الكلام مصلحة، تجاوب ابن استاذك بهذا الجواب! ولكن لاطفه وقل له: أنت تعلم أنّنا متّبعون مصر وما يبرز منها، فإن أردت الملك فاطلبه من مصر، ولا تبتلش «3» بنا وارجع عنّا، وذكر له أشياء من هذا النّمط؛ فقال الأفرم: أنا ما أقول هذا الكلام، وليس له عندى إلّا السيف إن جاءنا! ثم طلب الأفرم تنكز فى خلوة وقال له: سر إلى أستاذك وقل له: يرجع، وإلّا يسمع الملك المظفّر فيمسكك ويحبسك، فتبقى تمنّى أن تشبع

الخبز! ولا ينفعك حينئذ أحد، فإن كان لك رأى فاقبض على نوغيه ومن معه وسيّرهم للملك المظفّر، فإن فعلت ذلك يصلح حالك، ولا تفعل غير هذا تهلك. وكتب له كتابا بمعنى هذا ودفعه إلى تنكز، فلم يخرج تنكز من دمشق إلى أثناء الطريق حتى خرج فى أثره جماعة من أمراء دمشق إلى طاعة الناصر. وكان كلام الأفرم لتنكز أكبر الأسباب لخروج الملك الناصر من الكرك إلى دمشق، فلما قدم الناصر دمشق وكتب الأمان للافرم فتخوف الأفرم مما كان وقع منه من القول لمّا قدم عليه تنكز وطلب الحلف. انتهى. وقال بيبرس فى تاريخه: وأرسل السلطان إلى الأفرم رسلا «1» بالأمان والأيمان، وهما الأميران عزّ الدين أيدمر الزّردكاش والأمير سيف الدين جوبان. وقال غيره: بعث إليه السلطان نسخة الحلف مع الأمير الحاج أرقطاى الجمدار، فما زال به حتى قدم معه هو وابن صبيح «2» ، فركب السلطان إلى لقائه حتى قرب منه نزل كلّ منهما عن فرسه، فاعظم الأفرم نزول السلطان له وقبل الأرض، وكان الأفرم قد لبس كامليّة وشدّ وسطه وتوشّح بنصفيه (يعنى أنه حضر بهيئة البطالين من الأمراء) وكفنه تحت إبطه، وعند ما شاهدته الناس على هذه الحالة صرخوا بصوت واحد: يا مولانا السلطان، بتربة والدك الملك الشهيد قلاوون لا تؤذه ولا تغيّر عليه! فبكى سائر من حضر، وبالغ السلطان فى إكرامه وخلع عليه وأركبه وأقرّه على نيابة دمشق، فكثر الدعاء له وسار إلى القصر. فلما كان من الغد أحضر الأفرم خيلا وجمالا وثيابا بمائتى ألف درهم تقدمة إلى السلطان الملك الناصر. وفى يوم الجمعة «3» ثانى عشرين

شعبان خطب للملك الناصر بدمشق وانقطع منها اسم المظفّر، وصليت الجمعة بالميدان فكان يوما مشهودا؛ وفى ذلك اليوم قدم الأمير قراسنقر نائب حلب، والأمير قبجق نائب حماة، والأمير أسندمر كرجى نائب طرابلس، وتمر السّاقى نائب حمص، فركب السلطان إلى لقائهم وترجّل إلى قراسنقر وعانقه وشكر الأمراء وأثنى عليهم؛ ثم قدم الأمير كراى المنصورىّ نائب القدس والأمير بكتمر الجو كندار نائب صفد، ثم قدّم كلّ من الأمراء والنوّاب تقدمته بقدر حاله ما بين ثياب أطلس وحوائص ذهب وكلفتاة «1» زركش وخيول مسرجة، فى عنق كل فرس كيس فيه ألف دينار وعليه مملوك، وعدّة بغال وجمال بخاتىّ وغير ذلك. وشرع الملك الناصر فى النفقة على الأمراء والعساكر الواردة عليه مع النوّاب. فلما انتهت النفقة قدم بين يديه الأمير كراى المنصورىّ على عسكره إلى غزّة فسار إليها، وصار كراى يمدّ فى كلّ يوم سماطا عظيما للمقيمين والواردين عليه، فأنفق فى ذلك أموالا جزيلة من حاصله، واجتمع عليه بغزّة عالم كثير وهو يقوم بكلفهم ويعدهم عن السلطان بما يرضيهم. وأما الملك المظفّر فإنه قدم عليه الخبر فى خامس عشرين شعبان باستيلاء الملك الناصر على دمشق بغير قتال، فعظم ذلك على الملك المظفّر وأظهر الذلّة، وخرجت عساكر مصر شيئا بعد شىء تريد الملك الناصر حتى لم يبق عنده بالديار المصرية سوى خواصّه من الأمراء والأجناد. وأمّا الأمير برلغى ومن معه من الأمراء صار عساكرهم تتسلّل واحدا بعد واحد حتى بقى برلغى فى مماليكه وجماعة من خواصّ الملك المظفّر بيبرس، فتشاور برلغى مع جماعته حتى اقتضى رأيه ورأى آقوش نائب الكرك اللّحاق بالملك الناصر أيضا،

فلم يوافق على ذلك البرجية، وعاد أيبك البغدادىّ وبكتوت الفتّاح وقجقار «1» ببقية البرجية إلى القاهرة، وصاروا مع الملك المظفّر بيبرس، وسار برلغى وآقوش إلى الملك الناصر فيمن بقى من الأمراء والعساكر، فاضطربت القاهرة لذلك. وكان الملك المظفّر قد أمّر فى مستهلّ شهر رمضان سبعة وعشرين أميرا ما بين طبلخاناه وعشرات، منهم من مماليكه: صديق وصنقيجى «2» وطوغان وقرمان وإغزلو وبهادر؛ ومن المماليك السلطانية سبعة وهم: قراجا الحسامىّ وطرنطاى المحمّدى وبكتمر الساقى وبهادر قبجاق وانكبار «3» وطشتمر أخو بتخاص ولاچين؛ وممن عداهم جركتمر «4» بن بهادر وحسن بن الردادى، ونزلوا الجميع إلى المدرسة «5» المنصورية ليلبسوا الخلع على جارى العادة، واجتمع لهم النقباء والحجّاب والعامّة بالأسواق ينتظرون طلوعهم القلعة، وكلّ منهم بقى لابس الخلعة، فاتّفق أن شخصا من المنجّمين كان بين يدى النائب سلّار، فرأى الطالع غير موافق، فقال: هذا الوقت ركوبهم غير لائق، فلم يلتفت بعضهم ولبس وركب فى طلبه، فاستبردوهم العوامّ وقالوا: ليس له حلاوة، ولا عليه طلاوة؛ وصار بعضهم يصيح ويقول: يا فرحة لا تمّت. ثم أخرج الملك المظفّر عدّة من المماليك السلطانية إلى بلاد الصعيد وأخذ أخبازهم، وظنّ الملك المظفّر أنه ينشئ له دولة، فلما بلغه مسير برلغى وآقوش نائب الكرك إلى الملك الناصر سقط فى يده وعلم زوال ملكه، فإن برلغى كان زوج ابنته وأحد خواصّه وأعيان دولته، بحيث إنّه أنعم عليه فى هذه الحركة بنيّف وأربعين

ألف دينار مصريّة، وقيل: سبعين ألف دينار. وظهر عليه اختلال الحال، وأخذ خواصّه فى تعنيفه على إبقاء سلّار النائب وأنّ جميع هذا الفساد منه، وكان كذلك. فإنّه لما فاتته السلطنة وقام بيبرس فيها حسده على ذلك ودبّر عليه، وبيبرس فى غفلة عنه، فإنّه كان سليم الباطن لا يظنّ أنّ سلّار يخونه. ثم قبض الملك المظفّر ليلة الجمعة على جماعة من العوامّ، وضربوا وشهّروا لإعلانهم بسبّ الملك المظفّر بيبرس؛ فما زادهم ذلك إلّا طغيانا! وفى كلّ ذلك تنسب البرجية فساد الأمور لسلّار، فلمّا أكثر البرجية الإغراء بسلّار قال لهم الملك المظفّر: إن كان فى خاطركم شىء فدونكم وإياه إذا جاء سلّار للخدمة؛ وأما أنا فلا أتعرّض له بسوء قطّ، فاجتمعت البرجيّة على قبض سلار إذا حضر الخدمة فى يوم الاثنين خامس عشره، فبلغ سلّار ذلك، فتأخّر عن حضور الخدمة واحترس على نفسه، وأظهر أنّه قد توعّك، فبعث الملك المظفّر يسلّم عليه ويستدعيه ليأخذ رأيه، فاعتذر بأنه لا يطيق الحركة لعجزه عنها. فلمّا كان يوم الثلاثاء سادس عشر رمضان استدعى الملك المظفّر الأمراء كلّهم واستشارهم فيما يفعل، فأشار الأمير بيبرس الدّوادار المؤرّخ والأمير بهادر آص بنزوله عن الملك والإشهاد عليه بذلك كما فعله الملك الناصر، وتسيّر إلى الملك الناصر بذلك وتستعطفه وتخرج إلى إطفيح بمن تثق به وتقيم هناك حتى يرد جواب الملك الناصر عليك، فأعجبه ذلك وقام ليجهّز أمره، وبعث بالأمير ركن الدين بيبرس الدّوادار المذكور إلى الملك الناصر محمد يعرّفه بما وقع. وقيل: إنّه كتب إلى الملك الناصر يقول مع غير بيبرس الدوادار: والذي أعرّفك به أنّى قد رجعت أقلّدك بغيك، فإن حبستنى عددت ذلك خلوة، وإن نفيتنى عددت ذلك سياحة، وإن قتلتنى

كان ذلك لى شهادة؛ فلمّا سمع الملك الناصر ذلك، عيّن له صهيون على ما نذكره. وأمّا ما كتبه المظفّر على يد بيبرس الدوادار يسأله فى إحدى ثلاث: إمّا الكرك وأعمالها، أو حماة وبلادها، أو صهيون ومضافاتها. ثم اضطربت أحوال المظفّر وتحيّر وقام ودخل الخزائن وأخذ من المال والخيل ما أحبّ، وخرج من يومه من باب الإسطبل فى مماليكه وعدّتهم سبعمائة مملوك، ومعه من الأمراء: الأمير عزّ الدين أيدمر الخطيرىّ الأستادار، والأمير بكتوت الفتّاح والأمير سيف الدين قجماس والأمير سيف الدين تاكز فى بقية ألزامه من البرجيّة، فكأنّما نودى فى الناس بأنّه خرج هاربا، فاجتمع العوامّ، وعند ما برز من باب الإسطبل صاحوا به وتبعوه وهم يصيحون عليه بأنواع الكلام، وزادوا فى الصياح حتّى خرجوا عن الحدّ، ورماه بعضهم بالحجارة. فشقّ ذلك على مماليكه وهمّوا بالرجوع إليهم ووضع السيف فيهم فمنعهم الملك المظفّر من ذلك، وأمر بنثر المال عليهم ليشتغلوا بجمعه عنه، فأحرج كلّ من المماليك حفنة من الذهب ونثرها، فلم يلتفت «1» العامّة لذلك وتركوه وأخذوا فى العدو خلفه وهم يسبّون ويصيحون، فشهر المماليك حينئذ سيوفهم ورجعوا إلى العوامّ فانهزموا منهم. وأصبح الحرّاس بقلعة الجبل فى يوم الأربعاء سابع عشر شهر رمضان يصيحون باسم الملك الناصر، وأسقط اسم الملك المظفّر بإشارة الأمير سلّار بذلك، فإنّه أقام بالقلعة ومهّد أمورها بعد خروج المظفّر إلى إطفيح. وفى يوم الجمعة تاسع عشره خطب على منابر القاهرة ومصر باسم الملك الناصر، وأسقط اسم الملك المظفّر بيبرس هذا وزال ملكه.

وأمّا الملك المظفّر فإنّه لما فارق القلعة أقام بإطفيح يومين ثم اتّفق رأيه ورأى أيدمر الخطيرى وبكتوت الفتّاح إلى المسير إلى برقة «1» وقيل بل إلى أسوان «2» ، فأصبح حاله كقول القائل: موكّل ببقاع الأرض يذرعها ... من خفّة الرّوع لا من خفّة الطّرب ولمّا بلغ مماليك الملك المظفّر هذا الرأى عزموا على مفارقته. فلمّا رحل من إطفيح رجع المماليك عنه شيئا بعد شىء إلى القاهرة، فما وصل المظفّر إلى إخميم «3» حتّى فارقه أكثر من كان معه، فعند ذلك انثنى عزمه عن التوجّه إلى برقة، وتركه «4» الخطيرىّ والفتّاح وعادا نحو القاهرة. وبينما هو سائر قدم عليه الأميران: بيبرس الدّوادار وبهادر آص من عند الملك الناصر ليتوجّه إلى صهيون بعد أن يدفع ما أخذه من الخزائن، فدفع المظفّر المال بأجمعه إلى بيبرس الدّوادار، فأخذ بيبرس المال وسار به فى النيل إلى الملك الناصر وهو بقلعة الجبل، وقدم بهادر آص فى البرّ بالملك المظفّر ومعه كاتبه كريم «5» الدين أكرم، وسأل المظفّر فى يمين السلطان مع من يثق به، فحلف له الملك الناصر بحضرة الأمراء وبعث إليه بذلك مع أيتمش المحمّدى؛ فلمّا قدم عليه أيتمش بالغ المظفّر فى إكرامه وكتب الجواب بالطاعة وأنّه يتوجّه إلى ناحية

السّويس «1» ، وأنّ كريم الدين يحضر بالخزانة والحواصل التى أخذها، فلم يعجب السلطان ذلك، وعزم على إخراج تجريدة إلى غزّة ليردّوه، وأطلع على ذلك بكتمر الجوكندار النائب وقراسنقر نائب دمشق «2» والحاج بهادر وأسندمر نائب طرابلس. فلمّا كان يوم الخميس الذي قبض فيه الملك الناصر على الأمراء- على ما سيأتى ذكره مفصّلا فى أوّل ترجمة الملك الناصر الثالثة إن شاء الله تعالى- جلس بعض المماليك الأشرفيّة خارج القلعة، فلمّا خرج الأمراء من الخدمة قال: وأىّ ذنب لهؤلاء الأمراء الذين قبض عليهم! وهذا الذي قتل أستاذنا الملك الأشرف، ودمه الآن على سيفه، قد صار اليوم حاكم المملكة (يعنى عن قراسنقر) ، فقيل هذا لقراسنقر، فخاف على نفسه وأخذ فى عمل الخلاص من مصر، فالتزم للسلطان أنّه يتوجّه ويحصّل الملك المظفّر بيبرس هو والحاج بهادر نائب طرابلس من غير إخراج تجريدة فإن فى بعث الأمراء لذلك شساعة، فمشى ذلك على السلطان ورسم بسفرهما، فخرج قراسنقر ومعه سائر النوّاب إلى ممالكهم، وعوّق السلطان عنده أسندمر كرجى وقد استقرّ به فى نيابة حماة، وسار البقية. ثم جهّز السلطان أسندمر كرجى لإحضار المظفّر مقيّدا. واتّفق دخول قراسنقر والأمراء إلى غزّة قبل وصول المظفّر إليها؛ فلمّا بلغهم قربه ركب قراسنقر وسائر النوّاب والأمراء ولقوه شرقىّ غزّة وقد بقى معه عدّة من مماليكه وقد تأهّبوا للحرب، فلبس الأمراء السلاح ليقاتلوهم،

فأنكر المظفّر على مماليكه تأهّبهم للقتال وقال: أنا كنت ملكا، وحولى أضعافكم ولى عصبة كبيرة من الأمراء، وما اخترت سفك الدماء! وما زال بهم حتّى كفّوا عن القتال، وساق هو بنفسه حتّى بقى مع الأمراء وسلّم نفسه إليهم؛ فسلّموا عليه وساروا به إلى معسكرهم وأنزلوه بخيمة، وأخذوا سلاح مماليكه ووكّلوا بهم من يحفظهم؛ وأصبحوا من الغد عائدين بهم معهم إلى مصر، فأدركهم أسندمر كرجى بالخطّارة «1» فأنزل فى الحال المظفّر عن فرسه وقيّده بقيد أحضره معه، فبكى وتحدّرت دموعه على شيبته، فشقّ ذلك على قراسنقر وألقى الكلفتاة عن رأسه إلى الأرض وقال: لعن الله الدنيا، فيا ليتنا متنا ولا رأينا هذا اليوم! فترجّلت الأمراء وأخذوا كلفتاته ووضعوها على رأسه. هذا مع أنّ قراسنقر كان أكبر الأسباب فى زوال دولة المظفّر المذكور! وهو الذي جسّر الملك الناصر حتّى كان من أمره ما كان. ثم عاد قراسنقر والحاج بهادر إلى محلّ كفالتهما، وأخذ بهادر يلوم قراسنقر كيف خالف رأيه! فإنّه كان أشار على قراسنقر فى اللّيل بعد القبض على المظفّر بأن يخلّى عن المظفّر حتّى يصل إلى صهيون، ويتوجّه كلّ منهما إلى محلّ ولايته، ويخيفا الملك الناصر بأنّه متى تغيّر عمّا كان وافق الأمراء عليه بدمشق قاموا بنصرة المظفّر وإعادته إلى الملك، فلم يوافق قراسنقر، وظنّ أنّ الملك الناصر لا يستحيل عليه ولا على المظفّر. فلمّا رأى ما حلّ بالمظفر ندم على مخالفة بهادر. وبينما هما فى ذلك بعث أسندمر كرجى إلى قراسنقر مرسوم السلطان بأن يحضر صحبة المظفّر إلى القلعة، وكان عزم الناصر أن يقبض عليه: ففطن قراسنقر بذلك وامتنع من التوجّه إلى مصر، واعتذر بأنّ العشير «2» قد تجمّعوا ويخاف على دمشق منهم، وجدّ فى السير وعرف أنّه ترك الرأى فى مخالفة بهادر! فقدم أسندمر بالمظفّر إلى القلعة فى ليلة

الأربعاء الرابع عشر من ذى القعدة «1» ، فلمّا مثل المظفّر بين يدى السلطان قبّل الأرض، فأجلسه وعنّفه بما فعل به وذكّره بما كان منه إليه، وعدّد ذنوبه، وقال له: تذكر وقد صحت علىّ يوم كذا بسبب فلان! ورددت شفاعتى فى حقّ فلان! واستدعيت بنفقة فى يوم كذا من الخزانة فمنعتها! وطلبت فى وقت حلوى بلوز وسكّر فمنعتنى، ويلك! وزدت فى أمرى حتّى منعتنى شهوة نفسى، والمظفّر ساكت. فلما فرغ كلام السلطان قال له المظفّر: يا مولانا السلطان، كلّ ما قلت فعلته، ولم يبق إلّا مراحم السلطان، وإيش يقول المملوك لأستاذه! فقال له: يا ركن، أنا اليوم أستاذك! وأمس تقول لما طلبت إوزّا مشويّا: إيش يعمل بالإوزّ! الأكل هو عشرون مرّة فى النهار! ثم أمر به إلى مكان وكان ليلة الخميس، فاستدعى المظفّر بوضوء وقد صلّى العشاء. ثم جاء السلطان الملك الناصر فخنق بين يديه بوتر حتى كاد يتلف، تم سيّبه حتى أفاق وعنّفه وزاد فى شتمه، ثم خنقه ثانيا حتى مات وأنزل على جنوية «2» إلى الإسطبل السلطانىّ فغسل ودفن خلف قلعة الجبل، وذلك فى ليلة الجمعة خامس عشر ذى القعدة «3» سنة تسع وسبعمائة. وكانت أيام المظفّر هذا فى سلطنة مصر عشرة «4» أشهر وأربعة وعشرين يوما لم يتهنّ فيها من الفتن والحركة. وكان المظفّر لمّا خرج من مصر هاربا قبل دخول الملك الناصر. قال بعض الأدباء: تثنّى عطف مصر حين وافى ... قدوم الناصر الملك الخبير فذلّ الجشنكير بلا لقاء ... وأمسى وهو ذو جأش نكير إذا لم تعضد الأقدار شخصا ... فأوّل ما يراع من النّصير

وقال النّويرىّ فى تاريخه: ولمّا وصلوا بالمظفّر بيبرمن إلى السلطان الناصر أوقفه بين يديه وأمر بدخوله الحمّام، وخنق فى بقية من يومه ودفن بالقرافة وعفّى أثر قبره مدّة، ثم أمر بانتقاله إلى تربته بالخانقاه «1» التى أنشأها فنقل إليها. وكان بيبرس هذا ابتدأ بعمارة الخانقاه والتربة داخل باب النصر موضع دار الوزارة «2» فى سنة ست «3» وسبعمائة، وأوقف عليها أوقافا جليلة، ولكنّه مات قبل تمامها، فأغلقها الملك الناصر مدّة ثم فتحها. انتهى كلام النّويرىّ. وكان الملك المظفّر ملكا ثابتا كثير السكون والوقار، جميل الصفات، ندب إلى المهمّات مرارا عديدة، وتكلّم فى أمر الدولة مدّة سنين، وحسنت سيرته، وكان يرجع إلى دين وخير ومعروف، تولّى السلطنة على كره منه، وله أوقاف على وجوه البرّ والصدقة، وعمّر ما هدم من الجامع «4» الحاكمى داخل باب النصر، بعد ما شعّثته الزلازل. وكان من أعيان الأمراء فى الدولة المنصوريّة قلاوون أستاذه، ثم فى الدولة الأشرفية خليل، والدولة الناصرية محمد بن قلاوون. وكان أبيض اللون أشقر مستدير اللّحية، وهو جاركسىّ الجنس على ما قيل. ولم يتسلطن أحد من الجراكسة قبله ولا بعده إلى الملك الظاهر برقوق؛ وقبل إنه كان تركيّا، والأقوى عندى أنه كان جاركسيّا، لأنه كان بينه وبين آقوش الأفرم نائب الشام مودّة ومحبّة زائدة، وقيل قرابة، وكان الأفرم جاركسىّ الجنس. انتهى. واستولى السلطان الملك الناصر على جميع تعلّقاته، واستقدم كاتبه كريم الدين أكرم بن المعلّم بن السديد، فقدم على الملك الناصر بأموال المظفّر بيبرس وحواصله،

فقرّبه السلطان وأثنى عليه ووعده بكلّ جميل إن أظهره على ذخائر المظفّر بيبرس. فنزل كريم الدين إلى داره وتتبّع أموال بيبرس وبذل جهده فى ذلك، ثم انتمى كريم الدين إلى طغاى وكستاى وأرغون الدّوادار الناصرية، وبذل لهم مالا كثيرا حتى صاروا أكبر أعوانه، وحموه من أستاذهم الملك الناصر، ثم قدم من كان مع المظفّر بيبرس من المماليك ومعهم الهجن والخيل والسلاح، ومبلغ مائتى ألف درهم «1» وعشرين ألف دينار، وستون بقجة من أنواع الثياب، فأخذ السلطان جميع ذلك، وفرّق المماليك على الأمراء ما خلا بكتمر الساقى لجمال صورته وطوغان الساقى وقراتمر. ثم استدعى الملك الناصر القضاة وأقام عندهم البيّنة بأن جميع مماليك المظفّر بيبرس وسلّار، وجميع ما وقفاه من الضّياع والأملاك اشترى من بيت المال. فلمّا ثبت ذلك ندب السلطان جمال الدين آقوش الأشرقىّ نائب الكرك، وكريم الدين أكرم لبيع تركة المظفّر بيبرس وإحضار نصف ما يتحصّل، ودفع النصف الآخر لابنة المظفّر زوجة الأمير برلغى الأشرفىّ، فإنّ المظفّر لم يترك من الأولاد سواها، فشدّد كريم الدين الطلب على زوجة المظفّر وابنته حتى أخذ منهما جواهر عظيمة القدر، وذخائر نفيسة؛ ثم تابع موجود المظفّر فوجد له شيئا كثيرا. السنة التى حكم فى أوّلها الملك المظفّر بيبرس الجاشنكير على مصر إلى شهر رمضان «2» ، ثم حكم فى باقيها الملك الناصر محمد بن قلاوون، وهى سنة تسع وسبعمائة، على أن الملك المظفّر بيبرس حكم من السنة الماضية أياما.

فيها (أعنى سنة تسع وسبعمائة) كانت الفتنة بين السلطان الملك الناصر محمد ابن قلاوون وبين الملك المظفّر بيبرس. حسب ما تقدّم ذكره مفصّلا حتى خلع المظفّر وأعيد الناصر. وفيها كانت الفتنة أيضا بالمدينة النبوية بين الشريف مقبل بن جمّاز بن شيحة وبين [كبيش «1» ابن] أخيه منصور بن جمّاز، وكان مقبل «2» قدم القاهرة فولّاه المظفّر نصف إمرة المدينة شريكا لأخيه منصور، فتوجّه إليها فوجد منصورا بنجد وقد ترك ابنه كبيشة «3» بالمدينة، فأخرجه مقبل فحشد كبيشة وقاتل مقبلا حتى قتله، وانفرد منصور بإمرة المدينة. وفيها كتب السلطان الملك الناصر لقرا سنقر نائب الشام بقتال العشير. وفيها أظهر خربندا ملك التّتار الرّفض فى بلاده وأمر الخطباء ألّا يذكروا فى خطبهم إلّا علىّ بن أبى طالب وولديه وأهل البيت. وفيها حجّ بالناس من القاهرة الأمير شمس الدين إلدكز السلاح دار ولم يحجّ أحد من الشام لاضطراب الدولة. وفيها توفّى الأمير الوزير شمس الدين سنقر الأعسر المنصورىّ بالقاهرة فى شهر ربيع الأوّل ودفن خارج باب النصر بعد ما استعفى ولزم داره مدّة. وفيها توفى قاضى القضاة شرف الدين أبو محمد عبد الغنى بن يحيى [بن محمد بن أبى «4» بكر] بن عبد الله بن نصر [بن «5» محمد] بن أبى بكر الحرّانىّ الحنبلىّ فى ليلة

الجمعة الرابع والعشرين من شهر ربيع الأوّل ودفن بالقرافة. ومولده بحرّان فى سنة خمس وأربعين وستمائة، وسمع الحديث وتفقّه وقدم مصر فباشر نظر الخزانة وتدريس الصالحيّة «1» ثم أضيف إليه قضاء الحنابلة، فباشره وحمدت سيرته. وفيها توفّى الشيخ نجم الدين محمد بن إدريس بن محمد القمولىّ «2» الشافعىّ بقوص فى جمادى الأولى، وكان صالحا عالما بالتفسير والفقه والحديث. وفيها توفّى الأمير سيف الدين طغريل بن عبد الله الإيغانىّ بالقاهرة فى عاشر شهر رمضان، وكان من كبار الأمراء وأعيان الديار المصريّة. وفيها توفّى الأمير عزّ الدين أيبك الخازندار فى سابع شهر رمضان بالقاهرة، وكان من أعيان أمراء مصر. وفيها توفّى متملّك تونس من بلاد الغرب الأمير أبو عبد الله محمد المعروف بأبى عصيدة بن يحيى الواثق ابن محمد المستنصر ابن يحيى بن عبد الواحد بن أبى حفص فى عاشر شهر ربيع الآخر. وكانت مدّة ملكه أربع عشرة سنة وأربعة أشهر، وتولّى بعده الأمير أبو بكر بن أبى يزيد «3» عبد الرحمن بن أبى بكر بن يحيى بن عبد الواحد المدعوّ بالشهيد، لأنّه قتل ظلما بعد ستة عشر يوما من ملكه، وبويع بعده أيضا أبو البقاء خالد بن يحيى بن إبراهيم. وفيها توفّى الوزير التاج أبو الفرج بن سعيد الدولة فى يوم السبت ثانى شهر رجب، وكان عند الملك المظفّر بيبرس بمكانة عظيمة، ولمّا تسلطن بيبرس قرّره

مشيرا، فكانت تحمل إليه فوطة العلامة فيمضى منها ما يختاره، ويكتب عليه «عرض» فإذا رأى المظفّر خطّه علّم وإلّا فلا، ولم يزل على ذلك حتى بعث إليه الأمير آقوش الأفرم نائب الشام يهدّده بقطع رأسه فامتنع. وكان الأفرم صار يدبّر غالب أمور الديار المصريّة وهو بدمشق، لأنه كان خشداش المظفّر بيبرس وخصيصا به والقائم بدولته، والمعاند للناصر وغيره من نوّاب البلاد الشاميّة، وقد تقدّم ذكر ذلك كلّه فى ترجمة الملك المظفّر بيبرس. وفيها توفّى الشيخ القدوة العارف بالله تعالى تاج الدين أبو الفضل أحمد بن محمد ابن عبد الكريم بن عطاء الله السّكندرىّ المالكىّ الصوفى الواعظ المذكّر المسلّك بالقاهرة فى جمادى الآخرة ودفن بالقرافة، وقبره «1» معروف بها، يقصد للزيارة. وكان رجلا صالحا عالما يتكلّم على كرسىّ ويحضر ميعاده خلق كثير، وكان لوعظه تأثير فى القلوب، وكان له معرفة تامّة بكلام أهل الحقائق وأرباب الطريق، وكان له نظم حسن على طريق القوم، وكانت جنازته مشهودة حفلة إلى الغاية. ومن شعره قصيدة أوّلها: يا صاح إنّ الركب قد سار مسرعا ... ونحن فعود ما الذي أنت صانع أترضى بأن تبقى المخلّف بعدهم ... صريع الأمانى والغرام ينازع وهذا لسان الكون ينطق جهرة ... بأنّ جميع الكائنات قواطع وفيها توفّى القاضى عزّ الدين عبد العزيز ابن القاضى شرف الدين محمد [بن فتح «2» الدين عبد الله بن محمد بن أحمد بن خالد] بن القيسرانىّ أحد كتّاب الدّرج

ومدرس الفخرية «1» فى ثامن صفر بالقاهرة، ودفن عند والده بالقرافة، وكان من أعيان الموقّعين هو ووالده وجدّه، ومات وله دون الأربعين سنة، وكان له فضيلة ونظم ونثر. ومن شعره فى ردّ جواب: جاء الكتاب ومن سواد مداده ... مسك ومن قرطاسه الأنوار فتشرّف الوادى به وتعطّرت ... أرجاؤه وأنارت الأقطار قلت وأين هذا من قول البارع جمال الدين محمد بن نباتة المصرىّ، حيث يقول فى هذا المعنى: أفديه من ملك يكاتب عبده ... بأحرفه اللّاتى حكتها الكواكب ملكت بها رقّى وأنحلنى الأسى ... فهأنذا عبد رقيق مكاتب والشيخ علاء الدين علىّ بن محمد [بن عبد «2» الرحمن] العبىّ رحمه الله: أهلتنى لجواب ... ما كان ظنّى أجاوب لكنّنى عبد رقّ ... مدبّر ومكاتب وفيها توفّى القاضى بهاء الدين عبد الله ابن نجم الدين أحمد بن على ابن المظفّر المعروف بابن الحلّى ناظر ديوان الجيش المنصور، واستقرّ عوضه القاضى فخر الدين صاحب ديوان الجيش. وفيها توفّى الأديب إبراهيم بن علىّ بن خليل الحرّانى المعروف بعين بصل. كان شيخا حائكا أناف على الثمانين، وكان عامّيّا مطبوعا، وقصده ابن خلّكان واستنشده من شعره فقال: أمّا القديم فلا يليق إنشاده، وأمّا نظم الوقت الحاضر فنعم، وأنشده بديها:

وما كلّ وقت فيه يسمح خاطرى ... بنظم قريض رائق اللفظ والمعنى وهل يقتضى الشرع الشريف تيمّما ... بترب وهذا البحر يا صاحبى معنا فقال له ابن خلّكان. أنت عين بصر، لا عين بصل. انتهى. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم تأخّر وتأخّرت الزيادة إلى أن دخل شهر مسرى ووقع الغلاء واستسقى الناس، فنودى بزيادة ثلاث أصابع، ثم توقّفت الزيادة ونقص فى أيام النّسىء، ثم زاد حتى بلغ فى سابع عشرين توت خمس عشرة ذراعا وست عشرة إصبعا، وفتح خليج السدّ، بعد ما كان الوفاء فى تاسع عشر بابه، بعد النّوروز بتسعة وأربعين يوما. وكان مبلغ الزيادة فى هذه السنة ستّ عشرة ذراعا وإصبعين. وكان ذلك فى أوائل سلطنة المظفّر بيبرس الجاشنكير. فتشاءم الناس بكعبه وأبغضته العامّة. انتهى الجزء الثامن من النجوم الزاهرة، ويليه الجزء التاسع، وأوّله: ذكر عود الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى ملك مصر ثالث مرّة تنبيه: التعليقات الخاصة بالأماكن الأثريّة على اختلاف أنواعها، والمدن والقرى القديمة وغيرها مع تعيين وتحديد مواضعها هى من وضع حضرة الأستاذ محمد رمزى بك المفتش بوزارة المالية سابقا وعضو المجلس الأعلى لإدارة حفظ الآثار العربية. كالتعليقات السابقة فى الأجزاء الماضية. فنسدى إليه جزيل الشكر ونسأل الله جلّت قدرته أن يجزيه خير الجزاء عن خدمته للعلم وأهله.

استدراكات على بعض تعليقات وردت فى الجزء السابع من هذا الكتاب لحضرة الأستاذ محمد رمزى بك

استدراكات على بعض تعليقات وردت فى الجزء السابع من هذا الكتاب لحضرة الأستاذ محمد رمزى بك زاوية الشيخ أبى السعود بن أبى العشائر بما أن الشرح الخاصّ بوصف هذه الزاوية الوارد فى صفحة 384 من الجزء السابع من هذه الطبعة جاء غير واف فأضيف إليه ما يأتى: ذكرت فى التعليق السابق لهذه الزاوية أنها اندثرت، والصواب أنها خربت لأنه لا يزال يوجد من مبانيها بقايا بابها والحائط الشمالى الشرقى والحائط الذي فيه المحراب. ومكانها اليوم أرض مشغولة بالمقابر. وعلاوة على ما سبق ذكره فى التعليق السابق فإن هذه الزاوية واقعة فى الشمال الغربى لجامع السادات الوفائية على بعد مائتى متر منه ويجاورها قاعة بها ضريح الشيخ أبى السعود بن أبى العشائر رحمه الله. الحد الذي كان ينتهى عنده النيل على شاطئه الشرقى تجاه مدينتى مصر القديمة والقاهرة وقت فتح العرب لمصر بيّنت فى الاستدراك الخاصّ بقنطرة عبد العزيز بن مروان الوارد فى صفحة 387 من الجزء السابع من هذه الطبعة موقع فم الخليج المصرى، والنقطة التى كان يأخذ منها مياهه من النيل وقت فتح العرب لمصر. وقد فاتنى أن أبيّن لقرّاء النجوم الزاهرة الحد الذي كان ينتهى عنده النيل على شاطئه الشرقى تجاه مدينتى مصر القديمة والقاهرة فى ذاك الوقت، ولهذا أستدرك ما فاتنى إتماما للفائدة المطلوبة من التعليقات فأقول:

يستفاد مما ذكره المقريزى فى خططه عند الكلام على ساحل النيل بمدينة مصر (ص 343 ج 1) وعلى المنشأة (ص 345 ج 1) وعلى أبواب مدينة مصر (ص 347 ج 1) وعلى منظرة المقس (ص 380 ج 1) وعلى ظواهر القاهرة المعزيّة (ص 108 ج 2) وعلى برّ الخليج الغربى (ص 113 ج 2) وعلى اللوق (ص 117 ج 2) وعلى المقس (ص 121 ج 2) وعلى بولاق (ص 130 ج 2) وعلى قنطرة السد (ص 146 ج 2) وعلى قنطرة باب البحر (ص 151 ج 2) وعلى جزيرة الفيل (ص 185 ج 2) ، وعلى صناعة مصر (ص 197 ج 2) وعلى الميدان الناصرى (ص 200 ج 2) ، ويستفاد أيضا مما ورد فى حوادث سنة 680 هـ المذكورة فى كتاب النجوم الزاهرة لابن تغرى بريد (ص 307 ج 7) ومما هو مبيّن على خريطة الحملة الفرنسية الموضوعة سنة 1800؛ يستفاد من كلّ ما سبق ذكره، ومن المباحث التى أجريتها أن شاطىء النيل الشرقى الأصلى القديم تجاه مدينة مصر والقاهرة كان وقت فتح العرب لمصر واقعا فى الأمكنة التى تعرف اليوم بالأسماء الآتية: كان النيل بعد أن يمرّ على سكن ناحية أثر النّبيّ جنوبى مصر القديمة يسير إلى الشمال بجوار شارع أثر النبي إلى أن يتلاقى بسكة حديد حلوان عند محطة المدابغ، فيسير النيل بجواز هذه السكة إلى أن يتقابل بشارع مارى جرجس فيسير محاذيا له من الجهة الغربية مارّا تحت قصر الشمع (الكنيسة المعلقة بمصر القديمة) وجامع عمرو، ثم يسير محاذيا لشارع سيدى حسن الأنور إلى نهايته ثم يسير شمالا إلى النقطة التى يتقابل فيها شارع السد البرانى بسكة المذبح، ثم يسير بعد ذلك متّجها فى طريقه إلى الشمال فيمر فى حارة المغربى بجنينة قاميش فشارع بنى الأزرق بجنينة لاظ فشارع جنان الزهرى فشارع الشيخ عبد الله فحارة البير قدار فشارع البلاقسة

فشارع عماد الدين إلى نهايته البحرية، ثم ينعطف النيل مائلا إلى الشرق ويسير بجوار شارع الملكة نازلى حتى يصل إلى ميدان باب الحديد، ومن هناك ينعطف إلى الشمال الشرقى مارا بميدان محطة مصر، ثم يمر بجوار محطة كوبرى الليمون من الجهة البحرية الغربية، ثم يسير فى شارع غمرة بطول مائتى متر، ثم يسير إلى الشمال محاديا لمخازن بضائع محطة مصر من الجهة الشرقية، ثم يسير محاذيا لشارع مهمشة من الجهة الغربية، ثم يسير بعد ذلك محاذيا لجسر السكة الحديدية الذاهبة إلى الإسكندرية من الجهة الشرقية. وعند وصول النيل إلى نقطة واقعة على هذه السكة تجاه عزبة الخمايسة يميل إلى الغرب حتى يصل إلى سكن ناحية منية السيرج، وهناك يسير غربى سكن هذه الناحية، ثم يسير إلى الشمال بدوران خفيف إلى الغرب حتى يتقابل مع مجراه الحالى عند فم الترعة الإسماعيلية. هذا هو خط سير الشاطئ الأصلىّ القديم للنيل تجاه مدينتى مصر والقاهرة فى سنة 20 هـ 641 م أى وقت فتح العرب لمصر. وبعد ذلك طرح البحر عدة مرّات ولذلك انتقل الشاطئ الأصلى المذكور من مكانه القديم السابق ذكره إلى مكانه الحالى من مصر القديمة إلى روض الفرج.

الجزء التاسع

[الجزء التاسع] بسم الله الرّحمن الرّحيم وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله وصحابته والمسلمين الجزء التاسع من كتاب النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة [ما وقع من الحوادث سنة 710] ذكر عود الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى ملك مصر ثالث مرّة وقد تقدّم ذكر نزوله عن الملك وتوجّهه إلى الكرك وخلع نفسه وما وقع له بالكرك من مجىء نوغاى ورفقته، ومكاتباته إلى نوّاب الشام وخروجه من الكرك إلى الشام، طالبا ملك مصر إلى أن دخل إلى دمشق؛ كلّ ذلك ذكرناه مفصّلا فى ترجمة الملك المظفر بيبرس الجاشنكير. ونسوق الآن ذكر دخوله إلى مصر فنقول: لمّا كانت الثانية من نهار الثلاثاء السادس عشر من شهر رمضان سنة تسع وسبعمائة، وهى الساعة التى خلع الملك المظفر بيبرس نفسه فيها من ملك مصر بديار مصر، خرج الملك الناصر محمد بن قلاوون من دمشق يريد الديار المصرية، فانظر إلى هذا الاتّفاق العجيب، وإقبال سعد الناصر وإدبار سعد المظفّر! وسار الملك الناصر يريد الديار المصريّة وصحبته نوّاب البلاد الشاميّة بتمامهم وكمالهم والعساكر الشامية وخواصّه ومماليكه.

وأمّا أمر الديار المصرية فإنّ الملك المظفّر بيبرس لمّا خلع نفسه وخرج من مصر إلى الإطفيحيّة جلس الأمير سلّار بقاعة النيابة من قلعة الجبل وجمع من بقى من الأمراء واهتم بحفظ القلعة، وأخرج المحابيس الذين كانوا فيها من حواشى الملك الناصر محمد وغيرهم، وركب ونادى فى الناس: ادعوا لسلطانكم الملك الناصر، وكتب إلى الملك الناصر بنزول المظفّر عن الملك وفراره إلى إطفيح «1» ، وسيّر بذلك أصلم الدّوادار ومعه النّمجاه «2» ، وكان قد توجّه قبل ذلك من القاهرة الأمير بيبرس المنصورىّ الدّوادار، والأمير بهادر آص فى رسالة المظفّر بيبرس أنّه قد ترك السلطنة وأنّه سأل: إمّا الكرك وإمّا حماة وإما صهيون، واتّفق يوم وصولهما إلى غزّة قدوم الملك الناصر أيضا إليها، وقدوم الأمير سيف الدين شاطى السّلاح دار فى طائفة من الأمراء المصريّين إليها أيضا. ثم قدمت العربان وقدم الأمير مهنّا بجماعة كثيرة من آل فضل، فركب السلطان إلى لقائه. ثم قدم الأمير برلغى الأشرفى مقدّم عساكر المظفّر بيبرس وزوج ابنته، والأمير آقوش الأشرفىّ نائب الكرك، فسرّ الملك الناصر بقدومهما، فإنّهما كانا عضدى المظفّر. قال الأمير بيبرس الدّوادار المقدّم ذكره فى تاريخه- رحمه الله-: «وأمّا نحن فإنّا تقدّمنا على البريد فوصلنا إلى السلطان يوم نزوله على غزّة فمثلنا بين يديه وأعدنا المشافهة عليه، وطالعناه بنزول الرّكن عن السلطنة والتماسه مكانا من بعض الأمكنة، فاستبشر لحقن دماء المسلمين وخمود الفتنة، واتّفق فى ذلك النهار ورود الأمير سيف الدين برلغى والأمير عزّ «3» الدين البغدادىّ ومن معهما من الأمراء

والمقدّمين، واجتمعنا جميعا بالدّهليز المنصور، وقد شملنا الابتهاج، وزال عنّا الازعاج، وأفاض السلطان على الأمراء التشاريف الجليلة على طبقاتهم، والحوائص «1» الذهب الثمينة لصلاتهم، فلم يترك أميرا إلّا وصله، ولا مقدّما حتى شرّفه بالخلع وجمّله، وجدّدنا استعطاف السلطان، فيما سأله الركن من «2» الأمان، وكلّ من الأمراء لحاضرين بين يديه يتلطّف فى سؤاله، ويتضرّع فى مقاله؛ حتّى أجاب، وعدنا بالجواب. ورحل السلطان على الأثر قاصدا الديار المصرية؛ فوصلنا إلى القلعة يوم الخميس الخامس والعشرين من شهر رمضان، واجتمعنا بالأمير سيف الدين سلّار ووجدنا الجاشنكير قد تجاوز موضع الميعاد، وأخذ فى الإصعاد، وحمله الإجفال على الإبعاد، ولم يدعه الرّعب يستقرّ به قرار، ولا تلقّته معه أرض ولا دار؛ فاقتضى الحال أن أرسلنا إليه الكتب الشريفة الواردة على أيدينا، وعدت أنا وسيف الدين بهادر آص إلى الخدمة السلطانية، فوجدنا الدّهليز على منزلة السعيدية» . «3» انتهى كلام بيبرس الدوادار باختصار. قلت: ولمّا تكاملت العساكر بغزّة سار الملك الناصر يريد الديار المصريّة، فوافاه أصلم دوادار سلّار بالنّمچاه، ثم وصل «4» رسلان الدّوادار فسّر السلطان بنزوله. وسار حتى نزل بركة الحجّاج «5» فى سلخ شهر رمضان، وقد جهّز إليه الأمير سلّار الطلب

السلطانى والأمراء والعساكر، ثم خرج الأمير سلّار إلى لقائه، وصلّى السلطان صلاة العيد بالدّهليز ببركة الحاج فى يوم الأربعاء مستهلّ شوّال، وخرج الناس إلى لقاء السلطان الملك الناصر. وأنشد الشعراء مدائحهم بين يديه؛ فمن ذلك ما أنشده الشيخ شمس الدين محمد بن على بن موسى الداعى أبياتا منها: الملك عاد إلى حماه كما بدا ... ومحمد بالنصر سرّ محمدا وإيابه كالسيف عاد لغمده ... ومعاده كالورد عاوده النّدى الحقّ مرتجع إلى أربابه ... من كفّ غاصبه وإن طال المدى ومنها: يا وارث الملك العقيم تهنّه ... واعلم بأنك لم تسد فيه سدى عن خير أسلاف ورثت سريره ... فوجدت منصبه السّرىّ ممهّدا يا ناصرا من خير منصور أتى ... كمهنّد خلف الغداة مهنّدا آنست ملكا كان قبلك موحشا ... وجمعت شملا كان منه مبدّدا ومنها: فالناس أجمع قد رضوك مليكهم ... وتضرّعوا ألا تزال مخلّدا وتباركوا بسناء غرّتك التى ... وجدوا على أنوار بهجتها هدى الله أعطاك الذي لم يعطه ... ملكا سواك برغم آناف العدا لا زلت منصور اللّواء مؤيّد ال ... عزمات ما هتف الحمام وغرّدا ثم قدّم الأمير سلّار سماطا جليلا بلغت النفقة عليه اثنى عشر ألف درهم؛ وجلس عليه السلطان والأمراء والأكابر والعساكر، فلما انقضى عزم السلطان على المبيت هناك والركوب بكرة النهار يوم الخميس، فبلغه أن الأمير برلغى والأمير آقوش نائب الكرك قد اتّفقا مع البرجية على الهجوم عليه وقتله، فبعث السلطان إلى الأمراء

عرّفهم بما بلغه وأمرهم بالركوب، فركبوا وركبت المماليك ودقت الكوسات وسار وقت الظهر من يوم الأربعاء، وقد احتفّت به مماليكه كى لا يصل إليه أحد من الأمراء حتى وصل إلى القلعة، وخرج الناس بأجمعهم إلى مشاهدته. فلما وصل بين العروستين «1» ترجّل سلّار عن فرسه، وترجّل سائر الأمراء ومشوا بين يديه إلى باب السّرّ «2» من القلعة، وقد وقف جماعة من الأمراء بمماليكهم وعليهم السّلاح، حتى عبر السلطان إلى القلعة، ثم أمر السلطان الأمراء بالانصراف إلى منازلهم، وعيّن جماعة من الأمراء الذين يثق بهم أن يستمرّوا على ظهور خيولهم حول القلعة

طول الليل فباتوا على ذلك، وأصبحوا من الغد وفد جلس السلطان الملك الناصر على كرسىّ الملك وهو يوم الخميس ثانى شوّال. وحضر الخليفة أبو الربيع سلمان والقضاة والأمراء وسائر أهل الدولة للهناء «1» ، فقرأ الشيخ شمس الدين محمد بن علىّ ابن موسى الداعى: «قل اللهمّ مالك الملك تؤتى الملك من تشاء» الآية. وأنشد بعض الشعراء هذه الأبيات: تهنّأت الدنيا بمقدمه الذي ... أضاءت له الآفاق شرقا ومغربا وأمّا سرير الملك فاهتز رفعة ... ليبلغ فى التشريف قصدا ومطلبا وتاق إلى أن يعلو الملك فوقه ... كما قد حوى من قبله الأخ والأبا وكان ذلك بحضرة الأمراء والنوّاب والعساكر، ثم حلّف السلطان الجميع على طبقاتهم ومراتبهم الكبير منهم والصغير. ولمّا تقدّم الخليفة ليسلّم على السلطان نظر إليه وقال له: كيف تحضر وتسلّم على خارجىّ؟ هل كنت أنا خارجيّا؟ وبيبرس من سلالة بنى العباس؟ فتغيّر وجه الخليفة ولم ينطق. قلت: والخليفة هذا، كان الملك الناصر هو الذي ولّاه الخلافة بعد موت أبيه الحاكم بأمر الله. ثم التفت السلطان إلى القاضى علاء الدين علىّ بن عبد الظاهر الموقّع وكان هو الذي كتب عهد المظفّر بيبرس عن الخليفة، وقال له: يا أسود الوجه، فقال ابن عبد الظاهر من غير توقّف: يا خوند، أبلق خير من أسود. فقال السلطان: ويلك! حتّى لا تترك رنكه «2» أيضا، يعنى أنّ ابن عبد الظاهر كان ممّن ينتمى

إلى سلّار، وكان رنك سلّار أبيض وأسود. ثم التفت السلطان إلى قاضى القضاة بدر الدين [محمد «1» ] بن جماعة وقال له: يا قاضى، كنت تفتى المسلمين بقتالى؟ فقال: معاذ الله! أن تكون الفتوى كذلك، وإنّما الفتوى على مقتضى كلام المستفتى. ثم حضر الشيخ صدر الدين محمد بن عمر [بن مكّى بن عبد الصمد «2» الشهيربا] ن المرحّل وقبّل يد السلطان، فقال له السلطان: كنت تقول فى قصيدتك: ما للصبىّ وما للملك يكفله فخلف ابن المرحّل بالله ما قال هذا، وإنّما الأعداء أرادوا إتلافى فزادوا فى قصيدتى هذا البيت، والعفو من شيم الملوك فعفا عنه. وكان ابن المرحّل قد مدح المظفّر بيبرس بقصيدة عرّض فيها بذكر الملك الناصر محمد، من جملتها: ما للصّبىّ وما للملك يكفله ... شأن الصبىّ بغير الملك مألوف ثم استأذن شمس الدين «3» محمد بن عدلان للدخول على السلطان، فقال السلطان للدّوادار، قل له: أنت أفتيت أنّه خارجىّ وقتاله جائز، مالك عنده دخول، ولكن عرّفه هو وأبن المرحّل يكفيهما ما قال الشّارمساحىّ «4» فى حقّهما، وكان من خبر ذلك أن الأديب شهاب الدين أحمد بن عبد الدائم الشّارمساحىّ الماجن مدح السلطان الملك الناصر بقصيدة يهجو فيها المظفّر بيبرس ويعرّض لصحبته ابن المرحّل وابن عدلان، منها «5» :

ولّى المظفّر لمّا فاته الظّفر ... وناصر «1» الحقّ وافى وهو منتصر وقد طوى الله من بين الورى فتنا ... كادت على عصبة الإسلام تنتشر فقل لبيبرس إنّ الدهر ألبسه ... أثواب عارية فى طولها قصر لمّا تولّى تولّى الخير عن أمم ... لم يحمدوا أمرهم فيها ولا شكروا وكيف تمشى به الأحوال فى زمن ... لا النّيل وافى ولا وافاهم مطر ومن يقوم ابن عدلان بنصرته ... وابن المرحّل قل لى كيف ينتصر وكان المطر لم يقع فى تلك السنة بأرض مصر وقصّر النيل، وشرقت البلاد وارتفع السعر. واتّفق أيضا يوم جلوس السلطان الملك الناصر أنّ الأمراء لمّا اجتمعوا قبل خروج السلطان إليهم بالإيوان، أشار الأفرم نائب الشام لمنشد يقال له مسعود أحضره معه من دمشق، فقام مسعود وأنشد أبياتا لبعض عوام القاهرة، قالها عند توجّه الملك الناصر من الديار المصرية إلى الكرك: منها: أحبّة قلبى إنّنى لوحيد ... أريد لقاكم والمزار بعيد كفى حزنا أنّى مقيم ببلدة ... ومن شفّ» قلبى بالفراق فريد أجول بطرفى فى الديار فلا أرى ... وجوه أحبّائى الذين أريد فتواجد الأفرم وبكى وحسر عن رأسه [ووضع «3» ] الكلفتاة على الأرض، فأنكر الأمراء ذلك، وتناول الأمير قراسنقر الكلفتاة ووضعها بيده على رأس الأفرم، ثم خرج السلطان فقام الجميع، وصرخ الجاويشية فقبّل الأمراء الأرض وجرى ما ذكرناه، وانقضت الخدمة، ودخل السلطان إلى الحريم.

ثم بعد الخدمة قدّم الأمير سلّار النائب عدّة من المماليك والخيول والجمال وتعابى «1» القماش ما قيمته مائتا ألف درهم، فقبل السلطان شيئا وردّ الباقى. وسأل سلّار الإعفاء من الإمرة والنيابة وأن ينعم عليه بالشّوبك فأجيب إلى ذلك، بعد أن حلف أنّه متى طلب حضر، وخلع السلطان عليه، وخرج سلّار من مصر عصر يوم الجمعة ثالث شوّال مسافرا إلى الشّوبك، فكانت مدّة نيابة سلّار على مصر إحدى عشرة سنة، وكانت الخلعة التى خلعها السلطان عليه بالعزل عن النيابة أعظم من خلعة الولاية؛ وأعطاه حياصة من الذهب مرصّعة، وتوجّه معه الأمير نظام الدين آدم مسفّرا له، واستمرّ أمير علىّ بن سلّار بالقاهرة، وأعطاه السلطان إمرة عشرة بمصر. ثم فى خامس شوّال قدم رسول المظفّر بيبرس يطلب الأمان فأمّنه السلطان. وفيه خلع السلطان على الأمير شمس الدين قراسنقر المنصورىّ باستقراره فى نيابة دمشق، عوضا عن الأمير آقوش الأفرم بحكم عزله. وخلع على الأمير سيف الدين قبجق المنصورىّ بنيابة حلب عوضا عن قراسنقر. وخلع على أسندمر كرجى بنيابة حماة عوضا عن قبجق، وخلع على الحاج بهادر الحلبىّ بنيابة طرابلس عوضا عن أسندمر كرجى. وخلع على قطلوبك المنصورىّ بنيابة صفد عوضا عن بكتمر الجوكندار. واستقرّ [سنقر «2» ] الكمالىّ حاجب الحجّاب بديار مصر على عادته، وقرالاچين أمير مجلس على عادته. وبيبرس الدوادار على عادته، وأضيف إليه نيابة دار العدل «3» ونظر الأحباس. وخلع على الأمير جمال الدين آقوش الأفرم نائب الشام كان بنيابة صرخد على خبز مائة فارس. وأنعم السلطان على نوغاى القبچاقىّ بإقطاع الأمير قطلوبك المنصورىّ، وهو إمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق. ونوغاى هذا هو صاحب الواقعة مع المظفّر والخارج من مصر إلى الكرك. انتهى.

ثم رسم السلطان لشهاب الدين بن عبادة بتجهيز الخلع والتشاريف لسائر أمراء الشام ومصر فجهّزت، وخلع عليهم كلّهم فى يوم الاثنين سادس شوّال، وركبوا بالخلع والتشاريف فكان لركوبهم يوم عظيم. وفى يوم الأحد ثانى عشر شوّال استقرّ فخر الدين «1» عمر بن الخليلىّ فى الوزارة عوضا عن ضياء الدين النشائىّ. ثم رسم السلطان للنوّاب بالسفر، فأوّل من سافر منهم الأمير قبجق نائب حلب، وخرجت معه تجريدة من العساكر المصريّة خوفا من طارق يطرق البلاد. والذي تجرّد مع قبجق من أمراء مصرهم: الأمير جبا أخو سلّار، وطرنطاى البغدادىّ، وعلاء الدين أيدغدى، و [سيف الدين «2» ] بهادر الحموىّ، و [سيف الدين «3» ] بلبان الدّمشقىّ، وسابق الدين بوزنا «4» الساقى، وركن الدين بيبرس الشجاعىّ، و [سيف الدين «5» ] كورى السلاح دار، و [علاء الدين «6» ] آقطوان الأشرفىّ، و [سيف الدين «7» ] بهادر الجوكندار، و [سيف الدين «8» ] بلبان الشمسىّ، و [علاء الدين «9» ] أيدغدى الزّرّاق، و [سيف الدين «10» ] كهرداش الزّرّاق، و [سيف الدين «11» ] بكتمر أستادار، و [عز الدين «12» ] أيدمر الإسماعيلىّ، و [فارس الدين «13» ] أقطاى الجمدار، وجماعة من أمراء العشرات. فلمّا وصلوا إلى حلب رسم بإقامة جماعة منهم بالبلاد الشاميّة، عدّتهم ستة من أمراء الطبلخاناه، وعادت البقيّة. وفى يوم الخميس سادس عشر شوّال حضر الأمراء للخدمة على العادة، وقد قرّر السلطان مع مماليكه القبض على عدّة من الأمراء، وأنّ كل عشرة يقبضون أميرا ممّن عينهم، بحيث يكون العشرة عند دخول الأمير محتفّة به، فإذا رفع السّماط واستدعى السلطان أمير جاندار قبض كلّ جماعة على من عيّن لهم، فلمّا حضر الأمراء

فى الخدمة أحاط بهم المماليك ففهموا القصد وجلسوا على السّماط، فلم يتناول أحد منهم لقمة، وعند ما نهضوا أشار السلطان إلى أمير جاندار فتقدّم إليه وقبض المماليك على الأمراء المعيّنين، وعدّتهم اثنان وعشرون أميرا فلم يتحرّك أحد منهم، فبهت الجميع ولم يفلت منهم سوى جركتمر بن بهادر رأس نوبة، فإنّه لما فهم القصد وضع يده على أنفه كأنّه رعف وخرج من غير أن يشعر به أحد؛ واختفى عند الأمير قراسنقر، وكان زوج أخته فشفع قرا سنقر فقبل السلطان شفاعته. وكان الأمراء المقبوض عليهم: الأمير باكير «1» وأيبك البغدادىّ وقينغار «2» التّقوىّ وقجماس وصاروجا وبيبرس، وبيدمر وتينوا «3» ، ومنكوبرس، وإشقتمر، والسّيواسىّ و [سنقر] الكمالىّ الحاجب، والحاجّ بيليك [المظّفرىّ «4» ] ، والغتمى، وإكبار، وحسن الرّدادىّ، وبلاط وتمربغا، وقيران، ونوغاى الحموىّ وهو غير نوغاى القبجاقىّ صاحب الواقعة «5» ، وجماعة أخر تتمّة الاثنين وعشرين أميرا. وفى ثالث عشرين شوّال استقرّ الأمير [سيف الدين «6» ] بكتمر الجوكندار المنصورىّ فى نيابة السلطنة بديار مصر عوضا عن سلّار. وفيه أمّر السلطان اثنين وثلاثين أميرا من مماليكه، منهم: تنكز الحسامىّ الذي ولى نيابة الشام بعد ذلك، وطغاى «7» ، وكستاى «8» ، وقجليس «9» ، وخاصّ ترك،

وطط قرا «1» ، وأقتمر «2» ، وأيدمر الشّيخىّ، وأيدمر الساقى «3» ، وبيبرس أمير آخور، وطاجار [الماردينى الناصرى «4» ] وخضر بن نوكاى، وبهادر قبجق «5» ، والحاج أرقطاى، وأخوه [سيف الدين» ] أيتمش المحمّدى، وأرغون الدّوادار الذي صار بعد ذلك نائب السلطنة بمصر، وسنقر المرزوقى «7» ، وبلبان الجاشنكير، وأسنبغا [بن عبد الله «8» المحمودىّ الأمير سيف الدين] ، وبيبغا «9» المكىّ، وأمير علىّ بن قطلوبك، ونوروز أخو جنكلى، وألجاى الحسامى، وطيبغا حاجّى، ومغلطاى العزىّ «10» صهر نوغاى، وقرمشى الزينى، وبكتمر قبجق «11» ، وتينوا الصالحىّ، ومغلطاى البهائى، وسنقر السّلاح دار، ومنكلى بغا، وركبوا الجميع بالخلع والشرابيش من المنصوريّة «12» ببين القصرين «13» وشقّوا القاهرة، وقد أوقدت الحوانيت كلّها إلى الرّميلة «14» وصفّت المغانى وأرباب الملاهى فى عدّة أماكن، ونثرت عليهم الدراهم فكان يوما مشهودا. وكان المذكورون منهم أمراء طبلخاناه وعشراوات. وفيه قبض السلطان على برلغى الأشرفى وجماعة أخر. ثمّ بعد أيام أيضا قبض السلطان على الأمير عزّ الدين أيدمر الخطيرىّ الأستادار، والأمير [بدر الدين «15» ] بكتوت الفتاح أمير جاندار بعد ما حضرا من عند الملك المظفّر بيبرس؛ وخلع عليهما، وذلك بعد الفتك بالمظفّر بيبرس حسب

ما ذكرناه فى ترجمة المظفّر بيبرس، وسكتنا عنه هنا لطول قصّته، ولقصر مدّة حكايته، فإنّه بالأمس ذكر فليس لتكراره محلّ، ومن أراد ذلك فلينظر فى ترجمة المظفّر بيبرس. انتهى. وفيه سفّر الأمراء المقبوض عليهم إلى حبس الإسكندريّة، وكتب بالإفراج عن المعتقلين بها، وهم: آقوش المنصورىّ قاتل الشجاعىّ، والشيخ على التّتارىّ، ومنكلى التّتارى، وشاورشى «1» [قنقر] وهو الذي كان أثار فتنة الشجاعىّ، وكتبغا، وغازى وموسى أخوا حمدان بن صلغاى، فلمّا حضروا خلع عليهم وأنعم عليهم بإمريات فى الشام. ثم أحضر شيخ الإسلام تقىّ الدين أحمد ابن تيميّة من سجن الإسكندرية وبالغ فى إكرامه، وكان حبسه المظفّر لأمر وقع بينه وبين علماء دمشق ذكرناه فى غير هذا الكتاب، وهو بسبب الاعتقاد وما يرمى به أو باش الحنابلة. وفى يوم الثلاثاء تاسع عشرين صفر سنة عشر وسبعمائة عزل السلطان قاضى القضاة بدر الدين محمد بن جماعة الشافعى عن قضاء الديار المصرية بقاضى القضاة جمال الدين أبى داود سليمان ابن مجد الدين أبى حفص عمر الزرعىّ، وعزل قاضى القضاة شمس الدين أحمد بن إبراهيم السّروجىّ الحنفىّ، فأقام بعد عزله ستة «2» أيام ومات. ثم كتب السلطان الملك الناصر بالقبض على الأمراء الذين كان أطلقهم من حبس الإسكندرية وأنعم عليهم بإمريات بالبلاد الشاميّة خوفا من شرّهم. ثم استقر السلطان بالأمير بكتمر الحسامى حاجب دمشق فى نيابة غزّة عوضا عن بلبان البدرىّ. ثم قبض السلطان على قطقطو، والشيخ علىّ وضروط، مماليك سلّار،

وأمّر عوضهم جماعة من مماليكه وحواشيه، منهم: بيبغا الأشرفىّ، و [سيف الدين «1» ] جفتاى «2» ، وطيبغا الشمسىّ، وأيدمر الدوادار، وبهادر «3» النقيب. وفيها حضر ملك العرب حسام الدين مهنّا أمير آل فضل فأكرمه السلطان وخلع عليه، وسأل مهنّا السلطان فى أشياء وأجابه، منها: ولاية حماة للملك المؤيّد إسماعيلى ابن الملك الأفضل [علىّ «4» ابن المظفّر محمود ابن المنصور محمد تقي الدين] الأيّوبىّ، فأجابه إلى ذلك ووعده بها بعد أسندمر كرجى، ومنها الشفاعة فى أيدمر الشّيخىّ فعفا عنه وأخرجه إلى قوص «5» ، ومنها الشفاعة فى الأمير برلغى الأشرفىّ، وكان فى الأصل مملوكه قد كسبه مهنّا هذا من التتار ثم أهداه إلى الملك المنصور قلاوون، فورثه منه ابنه الملك الأشرف خليل بن قلاوون، فعدّد السلطان الملك الناصر ذنوبه فما زال به مهنّا حتى خفّف عنه، وأذن للناس فى الدخول عليه، ووعده بالإفراج عنه بعد شهر، فرضى بذلك وعاد إلى بلاده وهو كثير الشكر والثناء على الملك الناصر. ولما فرغ السلطان الملك الناصر من أمر المظفّر بيبرس وأصحابه ولم يبق عنده ممّن يخشاه إلّا سلّار، ندب إليه السلطان الأمير ناصر الدين محمد ابن أمير سلاح بكتاش الفخرىّ وكتب على يده كتابا بحضوره إلى مصر، فاعتذر سلّار عن الحضور إلى الديار المصرية بوجع فى فؤاده، وأنّه يحضر إذا زال عنه، فتخيّل السلطان من تأخّره وخاف أن يتوجّه إلى التتار؛ فكتب إلى قراسنقر نائب الشام وإلى أسندمر نائب حماة بأخذ الطّرق على سلّار لئلّا يتوجّه إلى التتار. ثم بعث الملك الناصر بالأميرين: بيبرس الدوادار وسنجر الجاولى إلى الأمير سلّار، وأكّد عليهما إحضاره

وأن يضمنا له عن السلطان أنه يريد إقامته عنده يستشيره فى أمور المملكة، فقدما على سلّار وبلّغاه عن السلطان ما قال، فوعدهما أنه يحضر، وكتب الجواب بذلك، فلما رجعا اشتد قلق السلطان وكثر خياله منه. وأمّا سلّار فإنه تحيّر فى أمره واستشار أصحابه فاختلفوا عليه، فمنهم: من أشار بتوجّهه إلى السلطان، ومنهم من أشار بتوجّهه إلى قطر من الأقطار: إمّا إلى التتار أو إلى اليمن أو إلى برقة، فعوّل على المسير إلى اليمن، ثم رجع عن ذلك وأجمع على الحضور إلى السلطان، وخرج من الشّوبك وعنده ممّن سافر معه [من مصر «1» ] أربعمائة وستون فارسا، فسار إلى القاهرة، فعند ما قدم على الملك الناصر قبض عليه وحبسه بالبرج «2» من قلعة الجبل، وذلك فى سلخ شهر «3» ربيع الأوّل سنة عشر وسبعمائة. ثم ضيّق السلطان على الأمير برلغى بعد رواح الأمير مهنّا، وأخرج حريمه من عنده؛ ومنع ألّا يدخل إليه أحد بأكل ولا شرب حتى أشفى على الموت ويبست أعضاؤه وخرس لسانه من شدّة الجوع، ومات ليلة الأربعاء ثانى شهر رجب. وأمّا أمر سلّار فإنه لما حضر بين يدى الملك الناصر عاتبه عتابا كثيرا وطلب منه الأموال، وأمر الأمير سنجر الجاولى أن ينزل معه ويتسلّم منه ما يعطيه من الأموال، فنزل معه إلى داره ففتح سلّار سربا تحت الأرض، فأخرج منه سبائك ذهب وفضّة وجرب من [الأديم «4» ] الطائفىّ، فى كل جراب عشرة آلاف دينار، فحملوا من ذلك السّرب أكثر من [حمل «5» ] خمسين بغلا من الذهب والفضة، ثم طلع سلّار إلى الطارمة «6» التى كان يحكم عليها فخفروا تحتها، فأخرجوا سبعا وعشرين خابية مملوءة

ذهبا، ثم أخرج من الجواهر «1» شيئا كثيرا، منها: حجر بهرمان زنته أربعون مثقالا، وأخرج ألفى حياصة ذهب مجوهرة بالفصوص، وألفى قلادة من الذهب، كلّ قلادة تساوى مائة دينار، وألفى كلفتاة زركش وشيئا كثيرا؛ يأتى ذكره أيضا بعد أن نذكر وفاته. منها: أنهم وجدوا له لجما مفضّضة فنكتوا الفضّة عن السيور ووزنوها، فجاء وزنها عشرة قناطير بالشامى. ثم إنّ السلطان طلبه وأمر أن يبنى عليه أربع حيطان فى مجلسه، وأمر ألّا يطعم ولا يسقى؛ وقيل: إنه لما قبض عليه وحبسه بقلعة الجبل أحضر إليه طعاما فأبى سلّار أن يأكل وأظهر الغضب، فطولع السلطان بذلك، فأمر بألّا يرسل إليه طعام بعد هذا، فبقى سبعة أيام لا يطعم ولا يسقى وهو يستغيث الجوع، فأرسل إليه السلطان ثلاثة أطباق مغطّاة بسفر الطعام، فلما أحضروها بين يديه فرح فرحا عظيما وظنّ أنّ فيها أطعمة يأكل منها، فكشفوها فإذا فى طبق ذهب، وفى الآخر فضّة، وفى الآخر لؤلؤ وجواهر، فعلم سلّار أنه ما أرسل إليه هذه الأطباق إلا ليقابله على ما كان فعله معه، فقال سلّار: الحمد لله الذي جعلنى من أهل المقابلة فى الدنيا! وبقى على هذه الحالة اثنى عشر يوما ومات، فأعلموا الملك الناصر بموته فجاءوا إليه، فوجدوه قد أكل ساق خفّه، وقد أخذ السّرموجة «2» وحطّها فى فيه وقد عضّ عليها بأسنانه وهو ميّت؛ وقيل: إنهم دخلوا عليه قبل موته وقالوا: السلطان قد عفا عنك، فقام من الفرح ومشى خطوات ثم خرّ ميّتا، وذلك فى يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة عشر وسبعمائة؛ وقيل: فى العشرين من جمادى الأولى من السنة المذكورة. فأخذه الأمير علم الدين سنجر الجاولى بإذن السلطان وتولّى غسله وتجهيزه، ودفنه

بتربته «1» التى أنشأها بجانب مدرسته على الكبش خارج القاهرة بالقرب من جامع ابن طولون، لصداقة كانت بين الجاولى وسلّار قديما وحديثا. وكان سلّار أسمر اللون أسيل الخدّ لطيف القدّ صغير اللّحية تركىّ الجنس، وكان أصله من مماليك الملك الصالح علىّ بن قلاوون الذي مات فى حياة والده قلاوون؛ وكان سلّار أميرا جليلا شجاعا مقداما عاقلا سيوسا، وفيه كرم وحشمة ورياسة، وكانت داره «2» ببين القصرين بالقاهرة. وقيل: إنّ سلار لما حج المرّة الثانية فرّق فى أهل الحرمين أموالا كثيرة وغلالا وثيابا، تخرج عن حدّ الوصف حتى إنه لم يدع بالحرمين فقيرا، وبعد هذا مات، وأكبر شهواته رغيف خبز، وكان فى شونته يوم مات من الغلال ما يزيد على أربعمائة ألف إردب. وكان سلّار ظريفا لبّيسا كبير الأمراء فى عصره،

اقترح أشياء من الملابس كثيرة مثل السّلّارى وغيره، ولم يعرف لبس السّلّارىّ قبله، وكان شهد وقعة شقحب «1» مع الملك الناصر وأبلى فى ذلك اليوم بلاء حسنا وثخنت «2» جراحاته، وله اليد البيضاء فى قتال التتار. وتولّى نيابة السلطنة بديار مصر، فاستقلّ فيها بتدبير الدولة الناصرية نحو عشر سنين. ومن جملة صدقاته أنه بعث إلى مكة فى سنة اثنتين وسبعمائة فى البحر المالح عشرة آلاف إردب قمح ففرّقت فى أهل مكة، وكذا فعل بالمدينة. وكان فارسا، كان إذا لعب بالكرة لا يرى فى ثيابه عرق، وكذا فى لعب الرمح مع الإتقان فيهما. وأمّا ما خلّفه من الأموال فقد ذكرنا منه شيئا ونذكر منه أيضا ما نقله بعض المؤرّخين. قال الجزرىّ «3» : وجد لسلّار بعد موته ثمانمائة ألف ألف دينار، وذلك غير الجوهر والحلىّ والخيل والسلاح. قال الحافظ أبو عبد الله الذّهبىّ: هذا كالمستحيل، وحسب زنة الدينار وجمله بالقنطار فقال: يكون ذلك حمل خمسة آلاف بغل، وما سمعنا عن أحد من كبار السلاطين أنه ملك هذا القدر، ولا سيما ذلك خارج عن الجوهر وغيره. انتهى كلام الذهبىّ. قلت: وهو معذور فى الجزرىّ، فإنه جازف وأمعن. وقال ابن دقماق «4» فى تاريخه «5» : وكان يدخل إلى سلّار فى كل يوم من أجرة أملاكه ألف دينار. وحكى الشيخ محمد «6» بن شاكر الكتبىّ فيما رآه بخط الإمام العالم

العلّامة علم الدين «1» البرزالىّ، قال: رفع إلىّ المولى جمال الدين ابن الفويرة «2» ورقة فيها قبض أموال سلّار وقت الحوطة عليه فى أيام متفرّقة، أولها يوم الأحد: ياقوت أحمر وبهرمان «3» رطلان. بلخش «4» رطلان ونصف. زمرّد ربحانىّ «5» وذبابىّ «6» تسعة عشر رطلا. صناديق ضمنها فصوص [وجواهر «7» ] ستة. ما بين زمرّد وعين «8» الهرّ ثلثمائة قطعة كبار. لؤلؤ مدوّر من مثقال إلى درهم ألف ومائة «9» وخمسون حبّة. ذهب عين مائتا ألف دينار وأربعة وأربعون ألف دينار. ودراهم أربعمائة ألف وأحد وسبعون ألف درهم. يوم الاثنين: فصوص مختلفة رطلان. ذهب عين خمسة وخمسون ألف دينار، دراهم ألف ألف درهم. مصاغ وعقود ذهب

مصرىّ أربع قناطير. فضّيّات طاسات وأطباق وطشوت ستّ قناطير. يوم الثلاثاء: ذهب عين خمسة وأربعون ألف دينار، دراهم ثلثمائة ألف درهم وثلاثون ألف درهم. قطزيّات «1» وأهلّه وطلعات صناجق فضّة ثلاثة قناطير. يوم الأربعاء: ذهب عين ألف ألف دينار، دراهم ثلثمائة ألف درهم. أقبية بفرو قاقم «2» ثلثمائة قباء. أقبية حرير عمل الدار «3» ملوّنة [بفرو «4» ] سنجاب «5» أربعمائة قباء، سروج «6» ذهب مائة سرج. ووجد له عند صهره أمير موسى ثمانية صناديق لم يعلم ما فيها، حملت إلى الدور السلطانية. وحمل أيضا من عند سلّار إلى الخزانة تفاصيل «7» طردوحش «8» ، وعمل الدار ألف تفصيلة. ووجد له خيام «9» السّفر ستّ عشرة نوبة كاملة. ووصل معه من الشّوبك ذهب مصرىّ خمسون ألف دينار، ودراهم أربعمائة الف درهم وسبعون ألف درهم، وخلع ملوّنة ثلثمائة خلعة وخركاه «10» كسوتها أطلس أحمر

معدنىّ مبطّن بأزرق مرو زىّ [وستر «1» ] بابها زركش «2» . ووجد له خيل ثلثمائة فرس، ومائة وعشرون قطار بغال، ومائة وعشرون قطار جمال. هذا خارج عمّا وجد له من الأغنام والأبقار والجواميس والأملاك والمماليك والجوارى والعبيد. ودلّ مملوكه على مكان مبنىّ فى داره فوجدوا حائطين مبنيين بينهما أكياس ما علم عدّتها، وفتح مكان آخر فيه فسقيّة ملانة ذهبا منسبكا بغير أكياس. قلت: وممّا زاد سلّار من العظمة أنّه لمّا ولى النيابة فى الدولة الناصرية محمد بن قلاوون، وصار إليه وإلى بيبرس الجاشنكير تدبير المملكة حضر إلى الديار المصرية الملك العادل زين الدين كتبغا الذي كان سلطان الديار المصرية وعزل بحسام الدين لاچين، ثم استقرّ نائب صرخد ثم نائب حماة، فقدم كتبغا إلى القاهرة وقبّل الأرض بين يدى الملك الناصر محمد بن قلاوون، ثمّ خرج من عنده وأتى سلّار هذا ليسلّم عليه، فوجد سلّار راكبا وهو يسير فى حوش داره، فنزل كتبغا عن فرسه وسلّم على سلّار، وسلّار على فرسه لم ينزل عنه، وتحادثا حتى انتهى كلام كتبغا، وعاد إلى حيث نزل بالقاهرة؛ فهذا شىء لم يسمع بمثله! انتهى. وبعد موت سلّار قدم على السلطان البريد بموت الأمير قبجق المنصورىّ نائب حلب، وكان الملك الناصر عزل أسندمر كرجى عن نيابة حماة وولّى نيابة حماة للملك المؤيّد عماد الدين إسماعيل، فسار إليه المؤيّد من دمشق فمنعه أسندمر، فأقام المؤيّد بين حماة ومصر ينتظر مرسوم السلطان، فاتّفق موت قبجق نائب حلب، فسار أسندمر من حماة إلى حلب وكتب يسأل السلطان فى نيابة حلب، فأعطاها له، وأسرّ ذلك فى نفسه، لكونه أخذ نيابتها باليد، ثم عزل السلطان بكتمر

الحسامى الحاجب عن نيابة غزّة وأحضره إلى القاهرة، وولّى عوضه على نيابة غزّة الأمير قطلقتمر «1» ، وخلع على بكتمر الحاجب بالوزارة بالديار المصرية عوضا عن فخر الدين [عمر «2» ] بن الخليلىّ. ثم قدم البريد بعد مدة- لكن فى السنة- بموت الأمير الحاج بهادر الحلبىّ نائب طرابلس، فكتب السلطان بنقل الأمير جمال الدين آقوش الأفرم من نيابة صرخد إلى نيابة طرابلس عوضا عن الحاج بهادر المذكور فسار إليها، وفرح السلطان بموت الحاج بهادر فرحا عظيما، فإنّه كان يخافه ويخشى شرّه. ثم التفت السلطان بعد موت قبجق والحاج بهادر المذكور إلى أسندمر كرجى، وأخرج تجريدة من الديار المصرية، وفيها من الأمراء كراى المنصورىّ وهو مقدّم العسكر، وسنقر الكمالىّ حاجب الحجّاب، وأيبك الرّومىّ وبينجار وكجكن وبهادر آص فى عدّة من مضافيهم من أمراء الطبلخاناه والعشرات ومقدّمى الحلقة «3» ، وأظهر أنّهم توجهوا لغزو سيس، وكتب لأسندمر كرجى بتجهيز آلات الحصار على العادة، والاهتمام فى هذا الأمر حتى يصل إليه العسكر من مصر. وكتب الملك الناصر إلى المؤيّد عماد الدين إسماعيل صاحب حماة بالمسير مع العسكر المصرىّ. ثم خرج الأمير كراى من القاهرة بالعساكر فى مستهلّ ذى القعدة سنة عشر وسبعمائة. وبعد خروج هذا العسكر من مصر توحّش خاطر الأمير بكتمر الجو كندار نائب السلطنة من الملك الناصر وخاف على نفسه، واتّفق مع الأمير بتخاص المنصورىّ على إقامة الأمير مظفّر الدين موسى ابن الملك الصالح علىّ بن قلاوون فى السلطنة، والاستعانة بالمماليك المظفّريّة، وبعث إليهم فى ذلك فوافقوه. ثم شرع النائب

بكتمر الجوكندار فى استمالة الأمراء ومواعدة المماليك المظفّريّة الذين بخدمة الأمراء، على أنّ كل طائفة تقبض على الأمير الذي هى فى خدمته فى يوم عيّنه لهم، ثم يسوق الجميع إلى قبّة «1» النّصر خارج القاهرة، ويكون الأمير موسى المذكور قد سبقهم هناك، فدبّروا ذلك حتّى انتظم الأمر ولم يبق إلّا وقوعه، فنمّ عليهم إلى الملك الناصر بيبرس الجمدار أحد المماليك المظفّريّة، وهو ممّن اتّفق معهم بكتمر الجوكندار، أراد بذلك أن يتخذ يدا عند السلطان الملك الناصر بهذا الخبر، فعرّف خشداشه قراتمر الخاصّكى بما عزم عليه فوافقه. وكان بكتمر الجوكندار قد سيّر يعرّف الأمير كراى المنصورىّ بذلك، لأنّه كان خشداشه، وأرسل كذلك إلى قطلوبك المنصورىّ نائب صفد ثم إلى قطلقتمر نائب غزّة؛ فأمّا قطلوبك وقطلقتمر فوافقاه، وأمّا كراى فأرسل نهاه وحذّره من ذلك، فلم يلتفت بكتمر، وتمّ على ما هو عليه. فلمّا بلغ السلطان هذا الخبر وكان فى اللّيل لم يتمهّل، وطلب الأمير موسى إلى عنده وكان يسكن بالقاهرة، فلما نزل إليه الطلب هرب، ثم استدعى الأمير بكتمر الجوكندار النائب، وبعث أيضا فى طلب بتخاص، وكانوا إذ ذاك يسكنون بالقلعة، فلما دخل إليه بكتمر أجلسه وأخذ يحادثه حتى أتاه المماليك بالأمير بتخاص، فلما رآه بكتمر علم أنه قد هلك، فقيّد بتخاص وسجن وأقام السلطان ينتظر الأمير موسى، فعاد إليه الجاولى ونائب الكرك وأخبراه بفراره فاشتدّ غضبه عليهما، وما طلع النهار حتّى أحضر السلطان الأمراء وعرّفهم بما قد وقع، ولم يذكر اسم بكتمر النائب، وألزم السلطان الأمير كشدغدى البهادرىّ والى القاهرة بالنداء على الأمير موسى، ومن أحضره من الجند فله إمرته، وإن كان من العامّة فله ألف دينار، فنزل ومعه

الأمير فخر الدين إياز «1» شادّ الدواوين وأيدغدى شقير، وألزم السلطان سائر الأمراء بالإقامة بالقاعة «2» الأشرفيّة من القلعة حتى يظهر خبر الأمير موسى. ثم قبض السلطان على حواشى الأمير موسى وجماعته وعاقب كثيرا منهم، فلم يزل الأمر على ذلك من ليلة الأربعاء إلى يوم الجمعة. قبض على الأمير موسى المذكور من بيت «3» أسنادار الفارقانىّ من حارة «4» الوزيريّة بالقاهرة، وحمل إلى القلعة فسجن بها، ونزل الأمراء إلى دورهم، وخلّى عن الأمير بكتمر النائب أيضا ونزل إلى داره، ورسم السلطان بتسمير أستادار الفارقانىّ، ثم عفا عنه وسار إلى داره، وتتبّع السلطان المماليك المظفّريّة، وفيهم: بيبرس [الجمدار] الذي نمّ عليهم وعملوا فى الحديد، وأنزلوا ليسمّروا تحت القلعة، وقد حضر نساؤهم وأولادهم، وجاء الناس من كلّ موضع وكثر البكاء والصّراخ عليهم- رحمة لهم- والسلطان ينظر فأخذته الرحمة عليهم فعفا عنهم، فتركوا ولم يقتل أحد منهم، فكثر الدعاء للسلطان والثناء عليه. وأمّا أمر أسندمر كرجى فإنّ الأمير كراى لما وصل بالعساكر المصرية إلى حمص وأقام بها على ما قرّره السلطان معه حتى وصل إليه الأمير منكوتمر الطبّاخى، وكان السلطان كتب معه ملطّفات إلى أمراء حلب بقبض نائبها أسندمر كرجى

فى الباطن، وكتب فى الظاهر لكراى وأسندمر كرجى بما أراده من عمل المصالح، فقضى كراى شغله من حمص وركب وتهيّأ من حمص، وجدّ فى السير جريدة حتى وصل إلى حلب فى يوم ونصف، فوقف بمن معه تحت قلعة حلب عند ثلث الليل الآخر، وصاح: «يا لعلى» ، وهى الإشارة التى رتّبها بينه وبين نائب قلعة حلب، فنزل نائب القلعة عند ذلك بجميع رجالها وقد استعدّوا للحرب، وزحف الأمير كراى على دار النيابة ولحق به أمراء حلب وعسكرها، فسلّم الأمير أسندمر كرجى نفسه بغير قتال، فأخذ وقيّد وسجن بقلعتها وأحيط على موجوده، وسار منكوتمر الطبّاخى على البريد بذلك إلى السلطان، ثم حمل أسندمر كرجى إلى السلطان صحبة الأمير بينجار وأيبك الرّومىّ. فخاف عند ذلك الأمير قرا سنقر نائب الشام على نفسه، وسأل أن ينتقل من نيابة دمشق إلى نيابة حلب ليبعد عن الشرّ، فأجيب إلى ذلك، وكتب بتقليده وجهّز إليه فى آخر ذى الحجة من سنة عشر وسبعمائة على يد الأمير أرغون الدّوادار الناصرىّ، وأسرّ له السلطان بالقبض عليه إن أمكنه ذلك. وقدم أسندمر كرجى إلى القاهرة واعتقل بالقلعة، وبعث يسأل السلطان عن ذنبه فأعاد جوابه؛ مالك ذنب، إلا أنك قلت لى لما ودّعتك عند سفرك: أوصيك يا خوند: لا تبق فى دولتك كبشا كبيرا وأنشئ مماليكك! ولم يبق عندى كبش كبير غيرك. ثمّ قبض السلطان على طوغان نائب البيرة، وحمل إلى السلطان فحبس أياما ثم أطلقه وولّاه شدّ الدواوين [بدمشق «1» ] . وفى مستهلّ سنة إحدى عشرة وسبعمائة وصل الأمير أرغون الدّوادار إلى الشام [لتسفير قراسنقر «2» المنصورى منها إلى نيابة حلب] فاحترس منه الأمير قراسنقر على نفسه، وبعث إليه عدّة من مماليكه يتلقونه ويمنعون

أحدا ممن جاء معه أن ينفرد مخافة أن يكون معه ملطّفات إلى أمراء «1» دمشق. ثم ركب قراسنقر إليه ولقيه بميدان الحصى خارج دمشق، وأنزله عنده بدار السعادة «2» وكلّ بخدمته من ثقاته جماعة. فلما كان من الغد أخرج له أرغون تقليده فقبّله وقبّل الأرض على العادة، وأخذ فى التجهيز ولم يدع قراسنقر أرغون أن ينفرد عنه، بحيث إنه أراد زيارة أماكن «3» بدمشق فركب معه قراسنقر بنفسه، حتى قضى أرغون أربه وعاد، وتمّ كذلك إلى أن سافر. فلما أراد قراسنقر السفر بعث إلى الأمراء ألا يركب أحد منهم لوداعه، وألا يخرج من بيته، واستعدّ وقدّم أثقاله أوّلا فى الليل، فلما أصبح ركب يوم الرابع من المحرّم بمماليكه، وعدّتهم ستمائة فارس، وركب أرغون الدوادار بجانبه وبهادر آص فى جماعة قليلة، وسار معه أرغون حتى أوصله إلى حلب ثم عاد. وقلّد الأمير كراى المنصورىّ نيابة الشام عوضا عن قراسنقر، وأنعم كراى على أرغون الدّوادار بألف دينار سوى الخيل والخلع وغير ذلك. ثم إنّ الملك الناصر عزل الأمير بكتمر الحسامى عن الوزارة وولاه حجوبيّة الحجّاب بالديار المصرية عوضا عن سنقر الكمالىّ. ولا زال السلطان يتربّص فى أمر بكتمر الجوكندار النائب حتى قبض عليه بحيلة دبّرها عليه فى يوم الجمعة سابع عشر جمادى الأولى من سنة إحدى عشرة وسبعمائة، وقبض معه على عدّة من الأمراء، منهم:

صهر «1» الجوكندار ألكتمر الجمدار وأيدغدى العثمانى «2» ، ومنكوتمر الطبّاخىّ وبدر الدين بكمش «3» الساقى وأيدمر الشّمسى «4» وأيدمر الشيخى، وسجنوا الجميع إلّا الطباخى فإنه قتل من وقته. والحيلة التى دبّرها السلطان على قبض بكتمر الجوكندار أنه نزل السلطان إلى المطعم «5» وبكتمر بإزائه، فخرج السلطان من البرج «6» ومال إلى بكتمر وقال يا عمى: ما بقى فى قلبى من أحد إلّا فلان وفلان وذكر له أميرين، فقال له بكتمر: يا خوند، ما تطلع من المطعم إلا وتجدنى قد أمسكتهما، وكان ذلك يوم الثلاثاء، فقال له السلطان: لا، يا عمى إلا دعهما إلى يوم الجمعة؛ تمسكهما فى الصلاة، فقال له: السمع والطاعة. ثم إنّ السلطان جهّز لبكتمر تشريفا هائلا ومركوبا معظّما، فلما كان يوم الجمعة قال له فى الصلاة: والله يا عمى مالى وجه أراهما! وأستحى منهما، ولكن أمسكهما إذا دخلت أنا إلى الدار، وتوجّه بهما إلى المكان الفلانى تجد هناك منكلى بغا وقجماس فسلّمهما إليهما، ورح أنت، فأمسكهما بكتمر الجوكندار وتوجّه بهما إلى المكان المذكور له، فوجد الأميرين: قجماس ومنكلى بغا هناك، فقاما إليه وقالا له: عليك السمع والطاعة لمولانا السلطان وأخذا سيفه، فقال لهما:

يا خشداشيتى ما هو هكذا الساعة كما فارقت السلطان، وقال لى: أمسك هؤلاء، فقالا: ما القصد إلا أنت، فأمسكاه وأطلقا الأميرين، وكان ذلك آخر العهد ببكتمر الجوكندار كما يأتى ذكره. انتهى. ثم أرسل السلطان استدعى الأمير بيبرس الدّوادار المنصورىّ المؤرّخ وولّاه نيابة السلطنة بديار مصر عوضا عن بكتمر الجوكندار، ثم أرسل السلطان قبض أيضا على الأمير كراى المنصورىّ نائب الشام بدار السعادة فى يوم الخميس ثانى عشرين جمادى الأولى، وحمل مقيّدا إلى الكرك فحبس بها. وسبب القبض عليه كونه كان خشداش بكتمر الجوكندار ورفيقه، ثم قبض السلطان على الأمير قطلوبك نائب صفد بها، وكان أيضا ممن وافق بكتمر على الوثوب مع الأمير موسى حسب ما تقدّم ذكره. ثم خلع السلطان على الأمير آقوش الأشرفى نائب الكرك باستقراره فى نيابة دمشق عوضا عن كراى المنصورىّ، واستقر بالأمير بهادرآص فى نيابة صفد عوضا عن قطلوبك، ثم نقل السلطان بكتمر الجوكندار النائب وأسندمر كرجى من سجن الإسكندرية إلى سجن الكرك، فبقى بسجن الكرك جماعة من أكابر الأمراء مثل: بكتمر الجوكندار وكراى المنصورىّ وأسندمر كرجى وقطلوبك المنصورىّ نائب صفد وبيبرس العلائى فى آخرين. ثم عزل السلطان مملوكه أيتمش المحمّدى عن نيابة الكرك، واستقرّ فى نيابتها بيبغا الأشرفىّ، وكان السلطان قد استناب أيتمش هذا على الكرك لما خرج منها [إلى دمشق «1» ] . وأما قراسنقر فإنه أخذ فى التدبير لنفسه خوفا من القبض عليه كما قبض على غيره، واصطنع العربان وهاداهم، وصحب سليمان بن مهنّا وآخاه، وأنعم عليه وعلى أخيه موسى حتى صار الجميع من أنصاره، وقدم عليه الأمير مهنّا إلى حلب وأقام

عنده أياما وأفضى إليه قراسنقر بسرّه، وأوقفه على كتاب السلطان بالقبض على مهنّا، وأنه لم يوافق على ذلك، ثم بعث قراسنقر يسأل السلطان فى الإذن له فى الحجّ فجهّز قراسنقر حاله، وخرج من حلب فى نصف شوّال ومعه أربعمائة مملوك، واستناب بحلب الأمير قرطاى وترك عنده عدّة من مماليكه لحفظ حواصله، فكتب السلطان لقرطاى بالاحتراس، وألّا يمكّن قراسنقر من حلب إذا عاد، ويحتج عليه بإخضار مرسوم السلطان بتمكينه من ذلك. ثم كتب إلى نائب غزّة ونائب الشام ونائب الكرك وإلى بنى عقبة «1» بأخذ الطريق على قراسنقر، فقدم البريد أنّه سلك البرّيّة إلى صرخد وإلى زيزاء «2» ، ثم كثر خوفه من السلطان فعاد من غير الطريق التى سلكها، ففات أهل الكرك القبض عليه فكتبوا بالخبر إلى السلطان فشقّ عليه؛ ثم وصل قراسنقر إلى ظاهر حلب فبلغه ما كتب السلطان إلى قرطاى فعظم خوفه وكتب إلى مهنّا، فكتب مهنّا إلى قرطاى أن يخرج حواصل قراسنقر وإلّا هجم مدينة حلب وأخذ ماله قهرا، فخاف قرطاى من ذلك، وجهّز كتابه إلى السلطان فى طىّ كتابه، وبعث بشىء من حواصل قراسنقر إلى السلطان مع ابن قراسنقر الأمير عز الدين فرج، فأنعم عليه الملك الناصر بإمرة عشرة، وأقام بالقاهرة مع أخيه أمير على بن قراسنقر. ثم إن سليمان بن مهنّا قدم على قراسنقر، فأخذه ومضى وأنزله فى بيت أمّه فاستجار قراسنقر بها فأجارته، ثم أتاه مهنّا وقام له بما يليق به. ثم بعث مهنّا يعرّف السلطان بما وقع لقراسنقر وأنه استجار بأمّ سليمان فأجارته، وطلب من

السلطان العفو عنه؛ فأجاب السلطان سؤاله، وبعث إليه أن يخيّر قراسنقر فى بلد من البلاد حتى يولّيه إياها، فلما سافر قاصد مهنّا وهو ابن مهنا لكنه غير سليمان جهّز السلطان تجريدة هائلة فيها عدّة كثيرة من الأمراء وغيرهم إلى جهة مهنّا، فاستعدّ مهنّا وكتب قراسنقر إلى الأفرم نائب طرابلس يستدعيه اليه، فأجابه ووعده بالحضور إليه. ثم بعث قراسنقر ومهنّا إلى السلطان وخدعاه وطلب قراسنقر صرخد، فانخدع السلطان وكتب له تقليدا بصرخد، وتوجّه إليه بالتقليد أيتمش المحمّدى، فقبّل قراسنقر الأرض، واحتج حتّى يصل إليه ماله بحلب ثم يتوجّه إلى صرخد، فقدمت أموال قراسنقر من حلب، فما هو إلا أن وصل إليه ماله، وإذا بالأفرم قد قدم عليه من الغد ومعه خمسة أمراء من أمراء طبلخاناه وستّ عشراوات فى جماعة من التّركمان فسّر قراسنقر بهم، ثم استدعوا أيتمش وعدّدوا «1» عليه من قتله السلطان من الأمراء، وأنهم خافوا على أنفسهم وعزموا على الدخول فى بلاد التتار، وركبوا بأجمعهم، وعاد أيتمش إلى الأمراء المجرّدين بحمص وعرّفهم الخبر، فرجعوا عائدين إلى مصر بغير طائل. وقدم الخبر على السلطان بخروج قراسنقر والأفرم إلى بلاد التّتار فى أوّل سنة اثنتى عشرة وسبعمائة؛ وقيل إنّ الأفرم لما خرج هو وقراسنقر إلى بلاد التتار بكى الأفرم، وأنشد: سيذكرنى قومى إذا جدّ جدّهم «2» ... وفى الليلة الظلماء يفتقد البدر فقال له قراسنقر: امش بلا فشار «3» ، تبكى عليهم ولا يبكون عليك! فقال الأفرم: والله ما بى إلا فراق ابنى موسى، فقال قراسنقر: أىّ بغاية «4» بصقت فى رحمها جاء

منه موسى وإبراهيم وعدّد أسماء كثيرة، وتوجّها. انتهى. ثم إن السلطان أفرج عن الأمير أيدمر الخطيرى وأنعم عليه بخبز الأمير علم الدين سنجر الجاولى. وفى أوّل سنة اثنتى عشرة وسبعمائة كملت عمارة الجامع الجديد «1» الناصرىّ بمصر القديمة على النيل ووقف عليه عدّة أوقاف كثيرة. وأما قراسنقر والأفرم فإنهما سارا بمن معهما إلى بلاد التّتار، فخرج خربندا ملك التّتار وتلقّاهم وترجّل لهم وترجّلوا له وبالغ فى إكرامهم وسار بهم إلى مخيّمه وأجلسهم معه على التّخت، وضرب لكلّ منهم خركاه ورتّب لهم الرواتب السنّية، ثم استدعاهم بعد يومين واختلى بقراسنقر فحسّن له قراسنقر عبور الشام وضمن له تسليم البلاد بغير قتال. ثم اختلى بالأفرم فحسّن له أيضا أخذ الشام الّا أنه خيّله من قوّة السلطان وكثرة عساكره. ثم إن خربندا أقطع قواسنقر مراغة «2» وأقطع الأفرم همذان «3» ، واستمرّوا هناك إلى ما يأتى ذكره إن شاء الله تعالى. ولمّا حضر من تجرّد من الأمراء إلى الديار المصرية حضر معهم الأمير جمال الدين آقوش نائب الكرك الذي ولى نيابة الشام بعد كراى المنصورىّ، فقبض السلطان عليه وعلى الأمير بيبرس الدّوادار نائب السلطان صاحب التاريخ،

وعلى سنقر الكمالىّ، ولاچين الجاشنكير وبينجار وألدكز الأشرفىّ «1» ، ومغلطاى المسعودىّ وسجنوا بالقلعة فى شهر ربيع الأوّل سنة اثنتى عشرة وسبعمائة، وذلك لميلهم إلى قراسنقر والأفرم. ثم خلع السلطان على تنكز الحسامى الناصرى بنيابة دمشق دفعة واحدة عوضا عن آقوش نائب الكرك؛ وتنكز هذا هو أوّل من رقّاه من مماليكه إلى الرّتب السنيّة. ثم استقرّ بسودى الجمدار فى نيابة حلب، واستقرّ تمر «2» الساقى المنصورىّ فى نيابة طرابلس. ثم إنّ السلطان عزل مهنّا بأخيه فضل ورسم بأنّ مهنّا لا يقيم بالبلاد. ثم قبض السلطان على الأمير بيبرس المجنون وبيبرس العلمىّ وسنجر البروانى وطوغان المنصورىّ وبيبرس التاجى، وقيّدوا وحملوا من دمشق إلى الكرك فى سادس «3» ربيع الآخر من السنة. ثم أمّر السلطان فى يوم واحد ستة وأربعين أميرا، منهم طبلخاناه تسعة وعشرون وعشروات سبعة عشر وشقّوا القاهرة بالشرابيش والخلع. ثم فى يوم الاثنين أوّل جمادى الأولى خلع السلطان على مملوكة أرغون الدّوادار بنيابة السلطنة بالديار المصريّة عوضا عن بيبرس الدّوادار بحكم القبض عليه. ثم خلع السلطان على بلبان طرنا أمير باندار بنيابة صفد عوضا عن بهادر آص، وأن يرجع بهادر آص إلى دمشق أميرا على عادته أوّلا. ثم ركب السلطان إلى الصيد ببر الجيزة وأمّر جماعة من مماليكه، وهم: طقتمر «4» الدّمشقى، وقطلوبغا الفخرىّ المعروف بالفول المقشّر، وطشتمر البدرىّ المعروف بحمّص أخضر. ثم ورد على السلطان الخبر بحركة خربندا ملك التتار، فكتب السلطان إلى الشام بتجهيز الإقامات، وعرض السلطان العساكر

وأنفق فيهم الأموال، وابتدأ بالعرض فى خامس عشر «1» شهر ربيع الآخر، وكمل فى أوّل جمادى «2» الأولى، فكان يعرض فى كلّ يوم أميرين من مقدّمى الألوف، وكان يتولّى العرض هو بنفسه ويخرجان الأميران بمن أضيف إليهما من الأمراء ومقدّمى الحلقة والأجناد، ويرحّلون شيئا بعد شئ من أوّل شهر رمضان إلى ثامن عشرينه حتى لم يبق بمصر أحد من العسكر. ثم خرج السلطان فى ثانى شوّال ونزل مسجد التّبن «3» خارج القاهرة ورحل منه فى يوم الثلاثاء «4» ثالث من شوّال، ورتّب بالقلعة نائب الغيبة الأمير [سيف الدين «5» ] أيتمش المحمّدى الناصرى. فلمّا كان ثامن شوّال قدم البريد برحيل التتار ليلة سادس عشرين رمضان من الرّحبة وعودهم إلى بلادهم بعد ما أقاموا عليها من أوّل شهر رمضان. فلمّا بلغ السلطان ذلك فرّق العساكر فى قاقون «6» وعسقلان «7» ؛ وعزم على الحجّ ودخل دمشق فى تاسع عشر شوّال، وخرج منها فى ثانى ذى القعدة إلى الكرك، وأقام بدمشق أرغون النائب والوزير أمين الملك ابن الغنّام «8» يجمع المال. وتوجّه السلطان من الكرك إلى الحجاز فى أربعين أميرا فحجّ وعاد إلى دمشق فى يوم الثلاثاء حادى عشر المحرّم سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، وكان لدخوله دمشق يوم مشهود، وعبر دمشق على ناقة وعليه بشت من ملابس العرب بلثام وبيده حربة، فأقام بدمشق خمسة عشر يوما وعاد إلى مصر، فدخلها يوم ثانى عشر صفر.

ثم عمل السلطان فى هذه السنة (أعنى سنة ثلاث عشرة وسبعمائة) الرّوك بدمشق، وندب إليه الأمير علم الدين سنجر الجاولى نائب غزّة. ثم إنّ السلطان تجهّز إلى بلاد الصعيد ونزل من قلعة الجبل فى ثانى عشرين شهر رجب من السنة ونزل تحت الأهرام «1» بالجيزة، وأظهر أنّه يريد الصيد، والقصد السفر للصعيد وأخذ العربان لكثرة فسادهم، وبعث عدّة من الأمراء حتّى أمسكوا طريق السّويس وطريق الواحات فضبط البرّين على العربان، ثم رحل من منزلة الأهرام إلى جهة الصعيد وفعل بالعربان أفعالا عظيمة من القتل والأسر، ثم عاد إلى الديار المصريّة فدخلها فى يوم السبت عاشر شهر رمضان. وكان ممّن قبض عليه السلطان مقداد بن «2» شمّاس، وكان قد عظم ماله، حتّى كان عدّة جواريه أربعمائة جارية، وعدّة أولاده ثمانين. وكان السلطان قد ابتدأ فى أوّل هذه السنة بعمارة القصر الأبلق «3» على الإسطبل «4» السلطانى ففرغ فى سابع عشر شهر رجب، وقصد السلطان أن يحاكى

به قصر الملك الظاهر بيبرس البندقدارى الذي بظاهر دمشق، واستدعى له صنّاع دمشق وصنّاع مصر حتى كمل وأنشأ بجانبه جنينة، وقد ذهبت تلك الجنينة كما ذهب غيرها من المحاسن. ثمّ إنّ السلطان رسم بهدم مناظر اللّوق بالميدان الظاهرى «1» ، وعمله بستانا وأحضر إليه سائر أصناف الزراعات، واستدعى خولة الشام والمطعّمين فباشروه حتّى صار من أعظم البساتين، وعرف أهل جزيرة «2» الفيل من ذلك اليوم التطعيم للشجر.

ثم فى سنة أربع عشرة وسبعمائة كتب السلطان لنائب [حلب و «1» ] حماة وحمص وطرابلس وصفد بأن أحدا منهم لا يكاتب السلطان، وإنّما يكاتب الأمير تنكز نائب الشام، ويكون تنكز هو المكاتب للسلطان فى أمرهم، فشقّ ذلك على النوّاب، وأخذ الأمير [سيف الدين «2» ] بلبان طرنا نائب صفد ينكر ذلك؛ فكاتب فيه تنكز حتّى عزل، واستقرّ عوضه الأمير بلبان البدرى، وحمل بلبان طرنا مقيّدا إلى مصر. ثمّ إن السلطان اهتم بعمارة الجسور بأرض مصر وترعها، وندب الأمير عزّ الدين أيدمر الخطيرىّ إلى الشرقية «3» ، والأمير علاء الدين أيدغدى شقير

إلى البهنساويّة «1» والأمير حسين «2» ابن جندر إلى أسيوط «3» ومنفلوط «4» ، والأمير سيف الدين آقول «5» الحاجب إلى الغربية «6» ، والأمير سيف الدين قلّى أمير سلاح

إلى الطّحاويّة «1» وبلاد الأشمونين «2» ، والأمير جنكلى بن البابا إلى القليوبية «3» ، والأمير بهادر المعزّى «4» إلى إخميم «5» ، والأمير بهاء الدين «6» أصلم إلى قوص «7» .

ثم إنّ السلطان قبض على الأمير [علاء الدين «1» ] أيدغدى شقير وعلى الأمير بكتمر الحسامى الحاجب صاحب الدار «2» خارج باب النصر فى أوّل شهر ربيع الأوّل سنة خمس عشرة وسبعمائة فقتل أيدغدى شقير من يومه، لأنه اتّهم أنه يريد الفتك بالسلطان، وأخذ من بكتمر الحاجب مائة ألف دينار وسجن. ثم قبض السلطان على الأمير طغاى، وعلى الأمير تمر الساقى نائب طرابلس وحمل إلى قلعة الجبل، وقبض على الأمير [سيف الدين» ] بهادر آص وحمل إلى الكرك من دمشق، واستقرّ الأمير كستاى الناصرىّ نائب طرابلس عوضا عن تمر الساقى. ثم أفرج السلطان عن الأمير قجماس المنصورىّ أحد البرجية من الحبس، وأخرج الأمير بدر الدين محمد بن الوزيرىّ إلى دمشق منفيّا. ثم فى ثامن عشر شهر رجب أفرج السلطان عن الأمير آقوش الأشرفىّ نائب الكرك، وخلع عليه وأنعم عليه بإقطاع الأمير حسام الدين لاچين الأستادار بعد موته.

وفى العشر الأخير من شعبان من سنة خمس عشرة وسبعمائة وقع الشروع فى عمل الرّوك «1» بأرض مصر، وسبب ذلك أنّ أصحاب بيبرس الجاشنكير وسلّار وجماعة من البرجية، كان خبز الواحد منهم ما بين ألف مثقال فى السنة إلى ثلثمائة «2» مثقال، فأخذ السلطان أخبازهم وخشى الفتنة، وقرّر مع فخر الدين [محمد بن فضل الله «3» ] ناظر الجيش روك البلاد، وأخرج الأمراء إلى الأعمال، فتعيّن الأمير بدر الدين جنكلى بن البابا إلى الغربية «4» ومعه آقول «5» الحاجب والكاتب مكين الدين إبراهيم بن قروينة. وتعيّن للشرقية الأمير أيدمر الخطيرى ومعه أيتمش المحمدى والكاتب أمين الدين قرموط، وتعيّن للمنوفية «6»

والبحيرة «1» الأمير بلبان الصّرخدى و [طرنطاى «2» ] القلنجقىّ و [محمد «3» ] بن طرنطاى وبيبرس الجمدار. وتعيّن جماعة أخر للصعيد «4» ، وتوجّه كلّ أمير إلى عمله. فلمّا نزلوا بالبلاد استدعى كلّ أمير مشايخ البلاد ودلاتها «5» وقيّاسيها وعدو لها وسجلّات كلّ بلد، وعرف متحصّلها ومقدار فدنها ومبلغ عبرتها، وما يتحصّل منه للجندىّ من العين والغلّة والدّجاج والإوزّ والخراف والكشك والعدس والكعك. ثم قاس الأمير تلك «6» الناحية وكتب بذلك عدّة نسخ، ولا زال يعمل ذلك فى كلّ بلد حتّى انتهى أمر عمله. وعادوا بعد خمسة وسبعين يوما بالأوراق، فتسلّمها فخر الدين ناظر الجيش، وطلب التّقىّ «7» كاتب برلغى وسائر مستوفي الدولة، ليفردوا الخاصّ السلطان بلادا ويضيفوا الجوالى «8» إلى البلاد، وكانت الجوالى قبل ذلك إلى وقت الرّوك لها ديوان مفرد

يختصّ بالسلطان، فأضيف جوالى كلّ بلد إلى متحصل خراجها، وأبطلت جهات المكوس التى كانت أرزاق الجند عليها، منها ساحل الغلّة «1» ، وكانت هذه الجهة مقطعة لأربعمائة جندىّ من أجناد المحلقه سوى الأمراء، وكان متحصّلها فى السنة أربعة آلاف ألف وستمائة ألف درهم. قلت: وهذا القدر يكون الآن شيئا كثيرا من الذهب من سعر يومنا هذا. وكان إفطاع الجندىّ من عشرة آلاف درهم إلى ثلاثة آلاف درهم، وللأمراء من أربعين ألفا

إلى عشرة آلاف درهم، فآقتنى المباشرون منها أموالا عظيمة، فإنّها كانت أعظم الجهات الديوانيّة وأجلّ معاملات مصر. وكان الناس منها فى أنواع من الشدائد لكثرة المغارم والعسف والظّلم، فإنّ أمرها كان يدور على نواتية «1» المراكب والكيّالين والمشدّين والكتّاب؛ وكان المقرّر على كل إردب درهمين ويلحقه نصف درهم آخر سوى ما كان ينهب. وكان له ديوان فى بولاق خارج المقس «2» ، وقبله كان له خصّ يعرف بخصّ الكيّالة «3» . وكان فى هذه الجهة نحو ستين رجلا ما بين نظّار ومستوفين وكتّاب وثلاثين جنديّا للشدّ، وكانت غلال الأقاليم لا تباع إلّا فيه، فأزال الملك الناصر هذا الظلم جميعه عن الرعيّة، ورخص سعر القمح من ذلك اليوم، وانتعش الفقير وزالت هذه الظّلامة عن أهل مصر، بعد أن راجعته أقباط مصر فى ذلك غير مرّة، فلم يلتفت إلى قول قائل- رحمه الله تعالى- ما كان أعلى همّته، وأحسن تدبيره. وأبطل الملك الناصر أيضا نصف السّمسرة الذي كان أحدثه ابن الشّيخىّ «4» فى وزارته- عامله الله تعالى بعدله- وهو أنه من باع شيئا فإنّ دلالة كل مائة درهم درهمان، يؤخذ منها درهم للسلطان، فصار الدلّال يحسب حسابه ويخلّص درهمه

قبل درهم السلطان؛ فأبطل الملك الناصر ذلك أيضا، وكان يتحصل منه جملة كثيرة وعليها جند مستقطعة. وأبطل السلطان الملك الناصر أيضا رسوم الولايات والمقدّمين والنّوّاب والشّرطية، وهى أنها كانت تجبى من عرفاء الأسواق وبيوت الفواحش، وكان عليها أيضا جند مستقطعة وأمراء، وكان فيها من الظلم والعسف وهتك الحرم وهجم البيوت وإظهار الفواحش ما لا يوصف، فأبطل ذلك كلّه- سامحه الله تعالى وعفا عنه-. وأبطل ما كان مقرّرا للحوائص والبغال، وكان يجبى من المدينة ومن الوجهين: القبلىّ والبحرىّ، ويحمل فى كلّ قسط من أقساط السنة إلى بيت المال عن ثمن الحياصة ثلثمائة درهم، وعن ثمن البغل خمسمائة درهم، وكان على هذه الجهة أيضا عدّة مقطعين، سوى ما كان يحمل إلى الخزانة، فكان فيها من الظلم بلاء عظيم؛ فأبطل الملك الناصر ذلك كلّه، رحمه الله. وأبطل أيضا ما كان مقرّرا على السجون، وهو على كلّ من سجن ولو لحظة واحدة مائة «1» درهم سوى ما يغرمه. وكان أيضا على هذه الجهة عدّة مقطعين، ولها ضامن يجبى ذلك من سائر السجون؛ فأبطل ذلك كلّه، رحمه الله. وأبطل ما كان مقرّرا من طرح الفراريح «2» ، وكان لها ضمّان فى سائر الأقاليم، كانت تطرح على الناس بالنواحى الفراريح؛ وكان فيها أيضا من الظّلم والعسف وأخذ

لأموال من الأرامل والفقراء والأيتام ما لا يمكن شرحه، وكان عليها عدّة مقطعين ومرتّبات، ولكل إقليم ضامن مقرّر، ولا يقدر أحد أن يشترى فروّجا إلّا من الضامن، فأبطل الناصر ذلك، ولله الحمد. وأبطل ما كان مقرّرا للفرسان، وهو شىء تستهديه الولاة والمقدمون من سائر الأقاليم، فيجى من ذلك مال عظيم، ويؤخذ فيه الدرهم ثلاثة «1» دراهم من كثرة الظلم، فأبطل الملك الناصر ذلك، رحمه الله تعالى. وأبطل ما كان مقررا على الأقصاب والمعاصر، كان يجبى من مزارعى الأقصاب وأرباب المعاصر ورجال المعصرة، فيحصل من ذلك شىء كثير. وأبطل ما كان يؤخذ من رسوم الأفراح، كانت تجبى من سائر البلاد، وهى جهة لا يعرف لها أصل فبطل ذلك ونسى، ولله الحمد. وأبطل جباية المراكب، كانت تجبى من سائر المراكب التى فى بحر النيل بتقرير معيّن على كلّ مركب، يقال له مقرّر «2» الحماية، كان يجبى ذلك من مسافرى المراكب سواء أكانوا أغنياء أم فقراء، فبطل ذلك أيضا. وأبطل ما كان يأخذه مهتار «3» طشتخاناه السلطان من البغايا والمنكرات والفواحش، وكانت جملة مستكثرة.

وأبطل ضمان تجيب «1» بمصر وشدّ الزعماء «2» وحقوق السودان وكشف مراكب النوبة، فكان يؤخذ عن كلّ عبد وجارية مبلغ مقرّر عند نزولهم فى الخانات، وكانت جهة قبيحة شنيعة إلى الغاية، فأراح الله المسلمين منها على يد الملك الناصر، رحمه الله. وأبطل أيضا متوفّر الجراريف «3» بالأقاليم، وكان عليها عدّة كثيرة من المقطعين. وأبطل ما كان مقرّرا على المشاعلية من تنظيف أسربة البيوت والحمّامات والمسامط وغيرها، فكان إذا امتلأ سراب بيت أو مدرسة لا يمكن شيله حتى يحضر الضامن ويقرّر أجرته بما يختار، ومتى لم يوافقه صاحب البيت تركه ومضى حتى يحتاج إليه ويبذل له ما يطلب. وأبطل ما كان مقرّرا من الجبى برسم ثمن العبى «4» وثمن ركوة» السّوّاس. وأبطل أيضا وظيفتى النظر والاستيفاء من سائر الأعمال، وكان فى كل بلد ناظر ومستوف ومباشرون، فرسم السلطان ألّا يستخدم أحد فى إقليم لا يكون للسلطان فيه مال، وما كان للسلطان فيه مال يكون ناظرا وأمين حكم لا غير، ورفع يد سائر المباشرين من البلاد.

قلت: وكلّ ما فعله الملك الناصر من إبطال هذه المظالم والمكوس دليل على حسن اعتقاده وغزير عقله وجودة تدبيره وتصرّفه، حيث أبطل هذه الجهات القبيحة التى كانت من أقبح الأمور وأشنعها وعوّضها من جهات لا يظلم فيها الرجل الواحد. ومثله فى ذلك كمثل الرجل الشجاع الذي لا يبالى بالقوم، كثروا أو قلّوا، فهو يكرّ فيهم فإن أوغل فيهم خلص، وإن كرّ راجعا لا يبالى بمن هو فى أثره، لما يعلم ما فى يده من نفسه، فأبطل لذلك ما قبح وأحدث ما صلح من غير تكلّف، وعدم تخوّف، فلله درّه من ملك عمّر البلاد، وعمّر بالإحسان العباد. وهذا بخلاف من ولى بعده من السلاطين فإنهم لقصر باعهم عن إدراك المصلحه، مهما رأوه، ولو كان فيه هلاك الرعية، وعذاب البرية؛ يقولون: بهذا جرت العادة من قبلنا، فلا سبيل إلى تغيير ذلك ولو هلك العالم، فلعمرى هل تلك العادة حدثت من الكتاب والسّنة، أم أحدثها ملك مثلهم! وما أرى هذا وأمثاله إلّا من جميل صنع الله تعالى، كى يتميّز العالم من الجاهل. انتهى. ثم رسم السلطان الملك الناصر [بالمسامحة «1» ] بالبواقى الديوانية والإقطاعية من سائر النواحى إلى آخر سنة أربع «2» عشرة وسبعمائة. وجل الرّوك «3» الهلالىّ لاستقبال صفر سنة ستّ عشرة وسبعمائة، والرّوك «4» الخراجىّ لاستقبال ثلث مغلّ سنة خمس عشرة

وسبعمائة. وأفرد السلطان لخاصته الجيزية «1» وأعمالها، وأخرجت الجوالى من الخاص وفرّقت فى البلاد، وأفردت الجهات التى بقيت من المكس كلها، وأضيفت إلى الوزير، وأفردت للحاشية بلاد، ولجوامك المباشرين بلاد، ولأرباب الرواتب جهات. وارتجعت عدّة بلاد كانت اشتريت من بيت المال وحبست، فأدخلت فى الإقطاعات. قلت: وشراء الإقطاعات من بيت المال شراء لا يعبأ الله به قديما وحديثا، فإنه متى احتاج بيت مال المسلمين إلى بيع قرية من القرى، وإنفاق ثمنها فى مصالح المسلمين! فهذا شىء لم يقع فى عصر من الأعصار «2» ، وإنما تشترى القرية من بيت المال؛ ثم إن السلطان يهب للشارى ثمن تلك القرية، فهذا البيع وإن جاز فى الظاهر لا يستحلّه الورع، ولا فعله السّلف، حتى إنّ الملك لا تجوز له النفقة من بيت المال إلّا بالمعروف، فمتى جاز له أن يهب الألوف المؤلّفة من أثمان القرى لمن لا يستحقّ أن يكون له النّزر اليسير من بيت المال، وهذا أمر ظاهر معروف يطول الشرح فى ذكره. وفى قصّة سيّدنا عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، ما فرضه لنفسه من بيت المال كفاية عن الإكثار فى هذا المعنى. انتهى. ثم إن السلطان رسم بأن يعتدّ فى سائر البلاد بما كان يهديه الفلّاحين وحسب من جملة المبلغ. فلمّا فرغ من العمل فى ذلك نودى فى الناس بالقاهرة ومصر وسائر الأعمال بإبطال ما أبطل من جهات المكس وغيره، وكتبت المراسيم بذلك إلى سائر النواحى بهذا الإحسان العظيم، فسّر الناس بذلك قاطبة سرورا عظيما، وضجّ العالم بالدعاء للسلطان بسائر الأقطار، حتى شكر ذلك ملوك الفرنج، وهابته من حسن تدبيره. ووقع ذلك لملوك التتار وأرسلوا فى طلب الصّلح حسب ما يأتى ذكره.

ثم جلس السلطان الملك الناصر بالإيوان «1» الذي أنشأه بقلعة الجبل فى يوم الخميس ثانى عشرين ذى الحجّة سنة خمس عشرة وسبعمائة لتفرقة المثالات «2» . وهذا الرّوك يعرف بالرّوك الناصرى المعمول به إلى يومنا هذا، وحضروا الناس ورسم السلطان أن يفرّق فى كلّ يوم على أميرين من المقدّمين بمضافيهما، فكان المقدّم يقف بمضافيه، ويستدعى كلّ واحد باسمه، فإذا تقدّم المطلوب سأله السلطان، من أنت؟ ومملوك من أنت؟ حتّى لا يخفى عليه شىء من أمره، ثم يعطيه مثالا يلائمه؛ فأظهر السلطان فى هذا العرض عن معرفة تامّة بأحوال رعيّته، وأمور جيوشه وعساكره؛ وكان كبار الأمراء تحضر التّفرقة فكانوا إذا أخذوا فى شكر جندىّ عاكسهم السلطان، وأعطاه دون ما كان فى أملهم له، وأراد بذلك ألّا يتكلّم أحدهم فى المجلس، فلمّا علموا بذلك أمسكوا عن الكلام والشكر، بحيث إنّه لا يتكلّم أحد منهم بعد ذلك إلا ردّ جواب له عما يسأل عنه فمشى الحال بذلك على أحسن وجه من غير غرض ولا عصبيّة، وأعطى لكلّ واحد ما يستحقّه. قلت: وأين هذه الفعلة من فعل الملك الظاهر برقوق، رحمه الله؛ وقد أظهر من قلّة المعرفة، وإظهار الغرض التامّ، حيث أنعم على قريبه الأمير قجماس بإمرة

مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، وهو إذ ذاك لا يحسن يتلفّظ بالشهادتين، فكان مباشر وإقطاعه يدخلون إليه مع أرباب وظائفه فيجدون الفقيه يعلّمه الشهادة وقراءة الفاتحة وهو كالتّيس بين يدى الفقيه! فكان ذلك من جملة ذنوب الملك الظاهر برقوق التى عدّدوها له عند خروج الناصرىّ «1» ومنطاش «2» عليه، ونفرت القلوب منه حتى خلع وحبس حسب ما يأتى ذكره. ولم أرد بذلك الحطّ على الملك الظاهر المذكور غير أنّ الشيء بالشيء يذكر. انتهى. ثم فعل السلطان الملك الناصر ذلك مع مماليكه وعساكره، فكان يسأل المملوك عن اسمه واسم تاجره وعن أصله وعن قدومه إلى الديار المصرية، وكم حضر مصافّ، وكم لعب بالرمح [وعن «3» ] سنّه، ومن كان خصمه فى لعب الرّمح، وكم أقام سنة بالطبقة؟ فإن أجابه بصدق أنصفه وإلّا تركه، ورسم له بجامكيّة هيّنة حتى يصل إلى رتبة من يقطع بباب السلطان، فأعجب الناس هذا غاية العجب. وكان الملك الناصر أيضا يخيّر الشيخ المسنّ بين الإقطاع والراتب، فيعطيه ما يختاره، ولم يقطع فى هذا العرض إلا العاجز عن الحركة، فيرتّب له ما يقوم به عوضا عن إقطاعه. واتّفق للسلطان أشياء فى هذا العرض، منها: أنّه تقدّم إليه شاب تامّ الخلقة فى وجهه أثر يشبه ضربة السيف، فأعجبه وناوله مثالا بإقطاع جيّد، وقال له: فى أىّ مصاف وقع فى وجهك هذا السيف؟ فقال يا خوند: هذا ما هو أثر سيف، وإنّما وقعت من سلّم فصار فى وجهى هذا الأثر، فتبسّم السلطان وتركه،

فقال له الفخر ناظر الجيش: ما بقى يصلح له هذا الخبز، فقال الملك الناصر: قد صدقنى وقال الحق، وقذ أخذ رزقه، فلو قال: أصبت فى المصافّ الفلانى، من كان يكذّبه! فدعت الأمراء له وانصرف الشابّ بالإقطاع. ومنها: أنّه تقدّم إليه رجل دميم الخلق وله إقطاع ثقيل، عبرته «1» ثمانمائة دينار، فأعطاه مثالا وانصرف به، عبرته نصف ما كان فى يده، فعاد وقبّل الأرض، فسأله السلطان عن حاجته؟ فقال: الله يحفظ السلطان، فإنّه غلط فى حقّى، فإنّ إقطاعى كانت عبرته ثمانمائة دينار، وهذا عبرته أربعمائة دينار؛ فقال السلطان: بل الغلط كان فى إقطاعك الأول، فامض بما قسم الله لك؛ وأشياء من هذا النوع إلى أن انتهت تفرقة المثالات فى آخر المحرّم سنة ستّ عشرة وسبعمائة، فوقر منها نحو مائتى مثال «2» . ثم أخذ السلطان فى عرض مماليك الطّباق ووفّر جوامك «3» عدّة منهم، ثم أفرد جهة قطيا «4» للعاجزين من الأجناد، وقرّر لكلّ منهم ثلاثة آلاف [درهم «5» ] فى السنة. ثم إن السلطان ارتجع ما كانت المماليك البرجيّة اشترته من أراضى الجيزة وغيرها. وارتجع السلطان أيضا ما كان لبيبرس وسلّار وبرلغى والجوكندار وغيرهم من الرّزق «6»

وغيرها، وأضاف ذلك كلّه لخاصّ السلطان، وبالغ السلطان فى إقامة الحرمة فى أيّام العرض، وعرّف الأمير أرغون النائب وأكابر الأمراء أنّه من ردّ مثالا أو تضرّر أو شكا ضرب وحبس وقطع خبزه، وأنّ أحدا من الأمراء لا يتكلّم مع السلطان فى أمر جندىّ ولا مملوك، فلم يتجاسر أحد يخالف ما رسم به؛ وغبن فى هذا الرّوك أكثر الأجناد، فإنّهم أخذوا إقطاعا دون الإقطاع الذي كان معهم، وقصد الأمراء التحدث فى ذلك مع السلطان، فنهاهم أرغون النائب عن ذلك، فقدّر الله تعالى أنّ الملك الناصر نزل إلى بركة «1» الحجيج لصيد الكركى «2» على العادة، وجلس فى البستان المنصورىّ الذي كان هناك ليستريح، فدخل بعض المرقداريّة «3» يقال له عزيز وكان من عادته يهزل قدّام السلطان ليضحكه، فأخذ المرقدار يهزل ويمزح ويتمسخر قدّام السلطان والأمراء جلوس، وهناك ساقية فتمادى فى الهزل لشؤم بخته إلى أن قال: وجدت جنديّا من جند الرّوك الناصرىّ وهو راكب إكديشا، وخرجه ومخلاته ورمحه على كتفه، وأراد أن يتم الكلام، فآشتدّ غضب السلطان، فصاح فى المماليك: عرّوه ثيابه، ففى الحال خلعت عنه الثّياب، وربط مع قواديس الساقية، وضربت الأبقار حتى أسرعت فى الدوران، فصار عزيز المذكور تارة ينغمس فى الماء وتارة يظهر وهو يستغيث وقد عاين الموت، والسلطان يزداد غضبا ولم يجسر أحد من الأمراء أن يشفع فيه حتّى مضى نحو ساعتين وانقطع حسّه، فتقدّم الأمير طغاى الناصرىّ والأمير قطلوبغا «4» الفخرىّ الناصرىّ وقالا: ياخوند، هذا المسكين لم يرد إلّا أن يضحك

السلطان ويطيّب خاطره، ولم يرد غير ذلك، فما زالا به حتّى أخرج الرجل وقد أشفى على الموت، ورسم بنفيه من الديار المصريّة، فعند ذلك حمد الله تعالى الأمراء على سكوتهم وتركهم الشفاعة فى تغيير «1» مثالات الأجناد. انتهى أمر الرّوك وما يتعلّق به. وفى محرّم سنة ستّ عشرة وسبعمائة ورد الخبر على السلطان بموت خربندا ملك التّتار وجلوس ولده بو سعيد «2» فى الملك بعده. ثم أفرج الملك الناصر عن الأمير بكتمر الحسامىّ الحاجب وخلع عليه يوم الخميس ثالث عشر شوّال من السنة المذكورة بنيابة صفد، وأنعم عليه بمائتى ألف درهم. ثم نقل السلطان فى السنة أيضا الأمير كراى المنصورىّ وسنقر الكمالىّ الحاجب من سجن الكرك إلى البرج بقلعة الجبل فسجنا بها. ثمّ بدا له زيارة القدس الشريف، ونزل السلطان بعد أيام فى يوم الخميس رابع جمادى الأولى من سنة سبع عشرة وسبعمائة، [وسار «3» ] ومعه خمسون أميرا، وكريم الدين الكبير ناظر الخواصّ وفخر الدين ناظر الجيش، وعلاء الدين [علىّ بن أحمد بن «4» سعيد] بن الأثير كاتب السّرّ، بعد ما فرّق فى كلّ واحد فرسا مسرجا وهجينا، وبعضهم ثلاث هجن، وكتب إلى الأمير تنكز نائب الشام أن يلقاه بالإقامات «5» لزيارة القدس، فتوجّه إلى القدس وزاره، ثم توجّه إلى الكرك ودخله وأفرج عن جماعة، ثم عاد إلى الديار المصريّة فدخلها فى رابع عشر جمادى الآخرة، فكانت غيبته عن مصر أربعين يوما.

ثمّ بعد مجىء السلطان وصل إلى القاهرة الأمير علاء الدين مغلطاى الجمالى، والأمير بهادر آص، والأمير بيبرس الدّوادار، وهؤلاء الذين أفرج عنهم من حبس الكرك، وخلع السلطان عليهم وأنعم على بهادر بإمرة فى دمشق، ولزم بيبرس داره، ثم أنعم عليه بإمرة وتقدمة ألف على عادته أوّلا. ثم عزل السلطان الأمير بكتمر الحسامىّ الحاجب عن نيابة صفد فى أوّل سنة ثمانى عشرة وسبعمائة وقدم القاهرة وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بديار مصر. وفى هذه السنة تجهّز السلطان لركوب الميدان «1» ، وفرّق الخيل على جميع الأمراء، واستجدّ ركوب الأوجاقية بكوافى زركش على صفة الطاسات وهم الجفتاوات «2» . وفيها ابتدأ السلطان بهدم المطبخ وهدم الحوائج خاناه والطشتخاناه وجامع القلعة القديم، وأخلط الجميع وبناه الجامع «3» الناصرى الذي هو بالقلعة الآن فجاء من أحسن المبانى. وتجدّد

أيضا فى هذه السنة بدمشق ثلاثة جوامع: جامع الأمير تنكز «1» المشهور به، وجامع كريم «2» الدين، وجامع شمس الدين «3» غبريال. ثم حجّ فى هذه السنة أمير الحاج الأمير مغلطاى الجمالىّ، وقبض بمكة على الشريف «4» رميثة، وفرّ حميضة «5» وقدم مغلطاى المذكور برميثة مقيّدا إلى القاهرة. وفى سنة تسع عشرة وسبعمائة استجدّ السلطان القيام فوق الكرسىّ للأمير جمال الدين آقوش الأشرفىّ نائب الكرك الذي أفرج عنه السلطان فى السنة الماضية، وكذلك للأمير بكتمر البوبكرىّ «6» السّلاح دار، فكانا إذا دخلا عليه قام لهما، وكان آقوش نائب الكرك يتقدّم على البوبكرى عند تقبيل يد السلطان، فعتب الأمراء على البوبكرى فى ذلك، فسأل البوبكرىّ السلطان عن تقديم نائب الكرك عليه، فقال: لأنه أكبر منك فى المنزلة، فاستغرب الأمراء ذلك وكشفوا عنه، فوجدوا نائب الكرك تأمّر فى أيام الملك المنصور قلاوون [إمرة «7» ] عشرة، وجعله أستادار ابنه الأشرف خليل فى سنة خمس وثمانين وستمائة، ووجدوا البوبكرىّ تأمّر فى سنة تسعين وستمائة فسكتوا الأمراء عند ذلك، وعلموا أنّ السلطان يسير على القواعد القديمة وأنه أعرف منهم بمنازل الأمراء وغيرها.

وفيها اهتمّ السلطان لحركة السفر إلى الحجاز الشريف، وتقدّم كريم الدين الكبير ناظر الخواصّ إلى الإسكندرية لعمل الثّياب الحريز برسم كسوة الكعبة، وبينا السلطان فى ذلك وصلت تقدمة الأمير تنكز نائب الشام، وفيها الخيل والهجن بأكوار «1» ذهب وسلاسل ذهب وفضّة ومقاود حرير، وكانت عدّة كثيرة يطول الشرح فى ذكرها. ثم أيضا وصلت تقدمة الملك المؤيّد عماد الدين إسماعيل صاحب حماة، وهى أيضا تشتمل على أشياء كثيرة، وتولّى كريم الدين تجهيز ما يحتاج إليه السلطان من كلّ شىء حتى إنه عمل له عدّة قدور من ذهب وفضّة [ونحاس «2» ] تحمل على البخاتىّ ويطبخ فيها للسلطان، وأحضر الخولة لعمل مباقل ورياحين فى أحواض خشب تحمل على الجمال فتسير مزروعة فيها وتسقى بالماء، ويحصد منها ما تدعو الحاجة إليه أوّلا بأوّل، فتهيأ من البقل والكرّاث والكسبرة والنعناع وأنواع المشمومات والرّيحان شىء كثير، ورتّب لها الخولة لتعاهدها بالسقية وغيرها، وجهّزت الأفران وصنّاع الكماج «3» والجبن المقلى وغيره. وكتبت أوراق عليق السلطان والأمراء الذين معه وعدّتهم اثنان وخمسون أميرا، لكل أمير ما بين مائة عليقة، [فى كل يوم «4» ] إلى خمسين عليقة إلى عشرين عليقة، وكانت جملة العليق فى مدّة سفر السلطان ذهابا وإيابا مائة ألف اردبّ وثلاثين ألف إردب [من الشعير «5» ] وحمل تنكز من دمشق خمسمائة حمل على الجمال ما بين حلوى وسكر وفواكه ومائة وثمانين حمل حبّ رمّان ولوز، وما يحتاج إليه من أصناف الطبخ، وجهّز كريم الدين الكبير من الإوزّ ألف طائر، ومن الدّجاج ثلاثة آلاف طائر، وأشياء كثيرة من ذلك.

وعيّن السلطان للإقامة بديار مصر الأمير أرغون الناصرىّ النائب ومعه الأمير أيتمش المحمّدىّ وغيره. ثم قدم الملك المؤيّد صاحب حماة إلى القاهرة ليتوجّه فى ركاب السلطان إلى الحجاز، وسافر المحمل على العادة فى ثامن عشر شوّال مع الأمير سيف الدين طرچى «1» أمير مجلس، وركب السلطان من قلعة الجبل فى أوّل ذى القعدة، وسار من بركة الحجّاج فى سادس ذى القعدة وصحبته المؤيد صاحب حماة والأمراء وقاضى القضاة بدر الدين بن جماعة الشافعىّ وغالب أرباب الدولة، وسار حتى وصل مكة المشرّفة بتواضع زائد بحيث إنّ السلطان قال للأمير جنكلى بن البابا: لا زلت أعظّم نفسى إلى أن رأيت الكعبة المشرّفة وذكرت بوس الناس الأرض لى، فدخلت فى قلبى مهابة عظيمة ما زالت عنى حتى سجدت لله تعالى. وكان السلطان لما دخل مكة حسّن له قاضى القضاة بدر الدين بن جماعة أن يطوف بالبيت راكبا كما فعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال له الملك الناصر: ومن أنا! حتى أتشبّه بالنبىّ صلى الله عليه وسلم، والله لا طفت إلا كما يطوف الناس! ومنع الحجّاب من منع الناس أن يطوفوا معه، وصاروا يزاحمونه وهو يزاحمهم كواحد منهم فى مدّة طوافه، وفى تقبيله الحجر الأسود. قلت: وهذه حجّة الملك الناصر الثانية. ولما كان الملك الناصر بمكّة بلغه أن جماعة من المغل ممّن حجّ فى هذه السنة قد اختفى خوفا منه فأحضرهم السلطان وأنعم عليهم وبالغ فى إكرامهم. وغسل السلطان الكعبة بيده وصار يأخذ أزر إحرام الحجّاج ويغسلها لهم فى داخل البيت بنفسه، ثم يدفعها لهم، وكثر الدعاء له. وأبطل سائر المكوس من الحرمين الشريفين، وعوّض أميرى مكة والمدينة عنها إقطاعات بمصر والشام، وأحسن إلى أهل الحرمين، وأكثر من الصدقات.

وفى هذه السنة مهّد السلطان ما كان فى عقبة أيلة من الصخور، ووسّع طريقها، حتى أمكن سلوكها بغير مشقّة، وأنفق على ذلك جملا مستكثرة، واتفق لكريم الدين الكبير ناظر الخاصة أمر غريب بمكة فيه موعظة، وهو أنّ السلطان بالغ فى تواضعه فى هذه الحجّة للغاية، فلما أخرجت الكسوة لتعمل على البيت صعد كريم الدين المذكور إلى أعلى الكعبة بعد ما صلّى بجوفها، ثم جلس على العتبة ينظر فى الخيّاطين، فأنكر الناس استعلاءه على الطائفين، فبعث الله عليه وهو جالس نعاسا سقط منه على رأسه من علو البيت فلو لم يتداركوه من تحته لهلك، وصرخ الناس فى الطواف صرخة عظيمة تعجّبا من ظهور قدرة الله تعالى فى إذلال المتكبرين! وانقطع ظفر كريم الدين وعلم بذنبه فتصدّق بمال جزيل. وفى هذه السّفرة أيضا أجرى السلطان الماء لخليص «1» وكان انقطع من مدّة سنين، ولقى السلطان فى هذه السّفرة جميع العربان وملوكها من بنى مهدىّ «2» وأمرائها وشطى «3» وأخاه عسّافا وأولاده وأشراف مكة من الأمراء وغيرهم، وأشراف المدينة وينبع وغيرهم، وعرب خليص وبنى «4» لأم وعربان حوران «5» وأولاد مهنّا: موسى «6» وسليمان وفيّاضا وأحمد وغيرهم، ولم يتفق اجتماعهم عند ملك غيره، وأنعم عليهم بإقطاعات وصلات وتدلّلوا على السلطان، حتى إنّ موسى بن مهنّا كان له ولد صغير فقام فى بعض

الأيام ومدّ يده إلى لحية السلطان وقال له: يا أبا علىّ بحياة هذه اللّحية ومسك منها شعرات إلّا ما أعطيتنى الضّيعة الفلانية إنعاما علىّ، فصرخ فيه فخر الدين ناظر الجيش وقال له: شل يدك، قطع الله يدك! تمدّ يدك إلى السلطان، فتبسّم له السلطان وقال: هذه عادة العرب، إذا قصدوا كبيرا فى شىء فيكون عظمته عندهم مسك لحيته، يريد أنه استجار بذلك المسّ، فهو سنّة عندهم؛ فغضب الفخر ناظر الجيش وقام وهو يقول: إنّ هؤلاء مناحيس وسنّتهم أنحس. ثم عاد السلطان بعد أن قضى مناسكه إلى جهة الديار المصرية فى يوم السبت ثانى عشر المحرّم سنة عشرين وسبعمائة بعد أن خرج الأمراء إلى لقائه ببركة الحجّاج، وركب السلطان بعد انقضاء السّماط فى موكب عظيم، وقد خرج الناس لرؤيته وسار حتى طلع القلعة، فكان يوما مشهودا، وزيّنت القاهرة ومصر زينة عظيمة لقدومه، وكثرت التهانى وأرباب الملاهى من الطبول والزمور، وجلس السلطان على تخت الملك وخلع على الأمراء وألبس كريم الدين الكبير أطلسين، ولم يتّفق ذلك لمتعمّم قبله. ثم خلع السلطان على الملك المؤيد إسماعيل صاحب حماة وأركبه بشعار السلطنة من المدرسة المنصورية ببين القصرين، وحمل وراءه الأمير قجليس السّلاح دار السّلاح، وحمل الأمير ألجاى الدّوادار الدواة، وركب معه الأمير بيبرس الأحمدى أمير جاندار والأمير طيبرس، وسار بالغاشية «1» والعصائب «2» وسائر دست السلطنة وهم بالخلع معه إلى أن طلع إلى القلعة، فكان عدّة تشاريف من سار معه مائة وثلاثين تشريفا فيها ثلاثة عشر أطلس والبقية كنجى «3» وعمل الدار وطرد وحش، وقبّل الأرض وجلس على ميمنة

السلطان ولقّبه السلطان بالملك المؤيّد وسافر من يومه بعد ما جهّزه السلطان بسائر ما يحتاج إليه. ثم أفرج السلطان عن جماعة من الأمراء المحبوسين، وعدّتهم ازيد من عشرة نفر. ثم ندب السلطان الأمير بيبرس الأحمدى الحاجب وطائفة من الأجناد إلى مكة ليقيم بها بدل الأمير آق سنقر شادّ العمائر خوفا من هجوم الشريف حميضة على مكّة. وفى هذه السنة أبطل السلطان مكس الملح بالقاهرة وأعمالها فأبيع الإردبّ الملح بثلاثة دراهم بعد ما كان بعشرة دراهم. ثمّ أذن السلطان للأمير أرغون النائب فى الحجّ فحجّ، وعاد فى سنة إحدى وعشرين بعد أن مشى من مكّة إلى عرفات على قدميه تواضعا. ثم أخرج السلطان الأمير شرف الدين حسين «1» بن جندر إلى الشام على إقطاع الأمير جوبان، ونقل جوبان على إمرة بديار مصر. وسبب نفى الأمير حسين أنّه لمّا أنشأ جامعه المعروف بجامع «2» أمير حسين بجوار داره «3» على الخليج

فى البرّ الغربىّ بحكر جوهر النّوبى. ثم عمّر القنطرة «1» وأراد أن يفتح فى سور القاهرة خوخة «2» تنتهى إلى حارة الوزيريّة، فأذن له السلطان فى فتحها، فخرق بابا كبيرا وعمل عليه رنكه، فسعى به علم الدين سنجر الخيّاط متولّى القاهرة، وعظم الأمر على السلطان فى فتح هذا الباب المذكور، فرسم بنفيه فى سنة إحدى وعشرين وسبعمائة المذكورة. وفيها وقع الحريق بالقاهرة [ومصر «3» ] فابتدأ من يوم السبت خامس عشر جمادى الأولى وتواتر إلى سلخه، وكان ممّا احترق فيه الرّبع الذي «4» بالشّوّايين من أوقاف

البيمارستان المنصورىّ واجتهد الأمراء فى طفيه، فوقع الحريق فى حارة الدّيلم «1» قريبا من دار كريم الدين الكبير، ودخل اللّيل واشتدّ هبوب الرياح فسرت النار فى عدّة أماكن، وبعث كريم الدين ابنه عبد الله للسلطان فعرّفه، فبعث السلطان لإطفائه عدّة كثيرة من الأمراء والمماليك خوفا على الحواصل السلطانية، فتعاظم الأمر وعجز آق سنقر شاد العمائر، والنار تعمل طول نهار الأحد، وخرج النساء مسيّبات وبات الناس على ذلك، وأصبحوا يوم الاثنين والنار تلفّ ما تمرّ به، والهدم واقع فى الدور المجاورة للحريق. وخرج أمر الحريق عن القدرة البشريّة، وخرجت ريح عاصفة

ألقت النخيل وغرّقت المراكب ونشرت النار، فما شكّ الناس [فى] أنّ القيامة قد قامت، وعظم شرر النّيران وصارت تسقط الأماكن البعيدة، فخرج الناس وتعلّقوا بالموادن «1» واجتمعوا فى الجوامع والزوايا وضجّوا بالدعاء والتضرّع إلى الله تعالى، وصعد السلطان إلى أعلى القصر فهاله ما شاهده، وأصبح الناس فى يوم الثلاثاء، فى أسوإ حال، فنزل أرغون النائب بسائر الأمراء وجميع من فى القلعة، وجمع أهل القاهرة ونقل الماء على جمال الأمراء، ثم لحقه الأمير بكتمر الساقى بالجمال السلطانية، ومنعت أبواب القاهرة ألّا يخرج منها سقّاء، ونقلت المياه من المدارس والحمّامات والآبار، وجمعت سائر البنّائين والنجّارين فهدمت الدور من أسفلها، والنار تحرق فى سقوفها وعمل الأمراء الألوف، وعدّتهم أربعة وعشرون أميرا بأنفسهم فى طفى الحريق ومعهم مضافوهم من أمراء الطبلخاناه والعشرات، وتناولوا الماء بالقرب من السّقائين بحيث صار من باب زويلة «2» إلى حارة الروم «3» بحرا، فكان يوما لم ير أشنع منه، بحيث إنه لم يبق أحد إلا وهو فى شغل، ووقف الأمير أرغون النائب وبكتمر الساقى حتى نقلت الحواصل «4» السلطانية من بيت كريم الدين ناظر الخاص إلى بيت

ولده علم الدين عبد الله بدرب الرصاصى «1» ، وهدم لأجل نقل الحواصل سبع «2» عشرة دارا، وخمدت النار وعاد الأمراء؛ فوقع الصّياح فى ليلة الأربعاء بحريق آخر وقع بربع الملك «3» الظاهر بيبرس خارج باب زويلة وبقيساريّة «4» الفقراء، وهبّت الرياح مع ذلك فركبت الحجّاب والوالى فعملوا فى طفيها عملا إلى بعد ظهر يوم الأربعاء، وهدموا دورا كثيرة، فما كاد أن تفزغ الأمراء من إطفاء ربع الملك الظاهر، حتى وقعت النار فى بيت «5» الأمير سلّار بخطّ بين القصرين «6» ، وإذا بالنار ابتدأت من

أصل «1» البادهنج «2» وكان ارتفاعه من الأرض زيادة على مائة ذراع بذراع العمل، ورأوا فيه نفطا قد عمل فيه فتيلة كبيرة، فما زالوا بالنار حتى أطفئت من غير أن يكون لها أثر كبير. فنودى أن يعمل بجانب كلّ حانوت بالقاهرة ومصر زير أودنّ كبير ملأن ماء. ثم فى ليلة الخميس وقع الحريق بحارة الروم وبموضع آخر خارج القاهرة، وتمادّى الحال على ذلك لا يخلو وقوع الحريق بالقاهرة ومصر، فشاع بين الناس أنّ الحريق من جهة النصارى لمّا أبكاهم هدم الكنائس. ثم وقع الحريق فى عدّة مساجد وجوامع ودور، إلى أن كان ليلة الجمعة حادى عشرينه قبض على راهبين خرجا من المدرسة الكهاريّة «3» بالقاهرة وقد أرميا النار بها، فأحضرا إلى الأمير علم الدين سنجر

والى القاهرة وشمّ منهما رائحة الكبريت والزّيت، فأحضرهما من الغد إلى السلطان فأمر بعقوبتهما حتى يعترفا، فلما نزل بهما وجد العامة قد قبضت على نصرانىّ، وهو خارج والأثر فى يديه من جامع الظاهر «1» بالحسينيّة ومعه كعكة خروق وبها نفط وقطران، وقد وضعها بجانب المنبر، فلما فاح الدّخان أنكروا ووجدوا النّصرانىّ وهو خارج والأثر فى يديه كما ذكر فعوقب قبل صاحبيه، فاعترف أنّ جماعة من النصارى قد اجتمعوا وعملوا النّفط وفرّقوه على جماعة ليدوروا به على المواضع، ثم عاقب الراهبين فاعترفا بأنهما من دير «2» البغل وأنهما اللذان أحرقا سائر الأماكن نكاية للمسلمين بسبب هدم الكنائس، وكان أمرهم أنهم عملوا النّفط وحشوه فى فتائل وعملوها فى سهام ورموا بها، فكانت الفتيلة إذا خرجت من السهم تقع على مسافة مائة ذراع أو أكثر، فأمر السلطان كريم الدين الكبير يطلب البترك فطلبه وبالغ فى إكرامه على عادة القبطية، وأعلمه كريم الدين بما وقع فبكى، وقال: هؤلاء سفهاء، قد عملوا كما فعل سفهاؤكم بالكنائس من غير إذن السلطان، والحكم للسلطان، ثم ركب بغلة وتوجّه إلى حال سبيله، فكادت الناس أن تقتله، لولا حماية المماليك له، ثم ركب كريم الدين من الغد إلى القلعة، فصاحت عليه العوامّ وأسمعته ما يكره، فلما طلع كريم الدين عرّف السلطان بمقالة البترك واعتنى به، وكان النصارى أقرّوا على أربعة عشر راهبا بدير البغل، فقبض عليهم وعملت حفيرة كبيرة بشارع الصليبة وأحرق فيها أربعة منهم فى يوم الجمعة، واشتدّت العامّة عند ذلك على النصارى، وأهانوهم وسلبوهم ثيابهم وألقوهم عن الدوابّ إلى الأرض. وركب السلطان إلى الميدان فى يوم السبت وقد اجتمع عالم عظيم، وصاحوا: نصر الله الإسلام، انصر دين محمد بن عبد الله،

فلما استقرّ السلطان بالميدان أحضر والى القاهرة نصرانيين قد قبض عليهما فأحرقا خارج الميدان، وخرج كريم الدين من الميدان وعليه التشريف، فصاحت به العامّة: كم تحامى للنصارى! وسبّوه ورموه بالحجارة، فعاد إلى الميدان، فشقّ ذلك على السلطان، واستشار السلطان الأمراء فى أمر العامّة، فأشار عليه الأمير جمال الدين آقوش نائب الكرك بعزل الكتّاب النصارى، فإنّ الناس قد أبغضوهم، فلم يرضه ذلك، وتقدّم إلى ألماس الحاجب أن يخرج فى أربعة أمراء ويضع السيف فى العامّة حتى ينتهى إلى باب زويلة، ويمرّ كذلك إلى باب النصر ولا يرفع السيف عن أحد، وأمر والى القاهرة أن يتوجه إلى باب اللّوق وباب البحر ويقبض على من وجده من العامّة ويحمله إلى القلعة، وعيّن لذلك أيضا عدّة مماليك فخرجوا من الميدان، فبادر كريم الدين وسأل السلطان العفو فقبل شفاعته، ورسم بالقبض على العامّة من غير قتلهم، وكان الخبر بلغ العامّة ففرّت العامّة حتى الغلمان وصار الأمير لا يجد من يركّبه، وانتشر ذلك فغلقّت الأسواق بالقاهرة فكانت ساعة لم يمرّ بالناس أبشع منها، وهى من هفوات الملك الناصر. ومرّ الوالى بباب اللّوق وبولاق وباب البحر وقبض على كثير من الكلابزيّة «1» وأراذل العامّة بحيث إنه صار كلّ من رآه أخذه، وجفل الناس من الخوف وعدّوا فى المراكب إلى برّ الجيزة. فلمّا عاد السلطان إلى القلعة لم يجد أحدا فى طريقه، وأحضر إليه الوالى من قبض عليه، وهم نحو المائتين فرسم السلطان بجماعة منهم للصّلب، وأفرد جماعة للشّنق، وجماعة للتوسيط، وجماعة لقطع الأيدى، فصاحوا: ياخوند، ما يحلّ لك، ما نحن الغرماء فرقّ لهم بكتمر الساقى وقام ومعه الأمراء، وما زالوا به حتى أمر بصلب جماعة منهم على الخشب من باب زويلة إلى قلعة الجبل، وأن يعلّقوا بأيديهم، ففعل بهم ذلك وأصبحوا يوم الأحد صفّا واحدا من باب

زريلة إلى تحت القلعة، فتوجّع لهم الناس وكان منهم كثير من بياض الناس ولم تفتح القاهرة، وخاف كريم الدين على نفسه ولم يسلك من باب زويلة وطلع القلعة من خارج السّور، وإذا بالسلطان قد قدّم الكلابزية وأخذ فى قطع أيديهم، فكشف كريم الدين رأسه وقبّل الأرض وباس رجل السلطان وسأل السلطان العفو عن هؤلاء، فأجابه بمساعدة الأمير بكتمر، وأمر بهم فقيّدوا وأخرجوا للعمل فى الحفر بالجيزة، ومات ممن قطع [يده «1» ] رجلان وأمر بحفظ من علّق على الخشب. وفى الحال وقع الصوت بحريق أماكن بجوار جامع أحد ابن طولون وبوقوع الحريق فى القلعة وفى بيت بيبرس الأحمدىّ بحارة «2» بهاء الدين قراقوش وبفندق «3» طرنطاى خارج باب البحر فدهش السلطان، وكان هذا الفندق برسم تجّار الزّيت فعمّت النار كلّ ما فيه، حتى العمد الرّخام وكانت ستة عشر عمودا، طول كلّ عمود ست أذرع بالعمل، ودوره نحو ذراعين فصارت كلّها جيرا، وتلف فيه لتاجر واحد ما قيمته تسعون ألف درهم، وقبض فيه على ثلاثة نصارى ومعهم فتائل النّفط اعترفوا أنهم فعلوا ذلك. فلمّا كان يوم السبت تاسع عشرين جمادى الأولى المذكور ركب السلطان إلى الميدان فوجد نحو العشرين ألفا من العامّة فى طريقه قد صبغوا خروقا بالأزرق والأصفر «4» وعملوا فى الأزرق صلبانا بيضاء ورفعوها

على الجريد وصاحوا عليه صيحة واحدة: لا دين إلّا دين الإسلام، نصر الله دين محمد بن عبد الله، يا ملك الناصر يا سلطان الإسلام، انصرنا على أهل الكفر ولا تنصر النصارى، فخشع السلطان والأمراء وتوجه إلى الميدان وقد اشتغل سرّه، وركبت العامة أسوار الميدان «1» ورفعوا الخروق الزّرق وهم يصيحون لا دين إلا دين الإسلام، فخاف السلطان الفتنة ورجع إلى مداراتهم وتقدّم إلى الحاجب أن يخرج فينادى من وجد نصرانيا فدمه وماله حلال، فلما سمعوا النّداء صرخوا صوتا واحدا: نصرك الله، فارتجّت الأرض. ثم نودى عقيب ذلك [بالقاهرة «2» ومصر] من وجد نصرانيا بعمامة بيضاء حلّ دمه، وكتب مرسوم بلبس النصارى العمائم الزّرق، وألّا يركبوا فرسا ولا بغلا ولا يدخلوا الحمّام إلا بجرس فى أعناقهم، ولا يتزيّوا بزىّ المسلمين، هم ونساؤهم وأولادهم، ورسم للأمراء بإخراج النصارى من دواوينهم ودواوين السلطان، وكتب بذلك إلى سائر الأعمال. وغلّقت الكنائس والأديرة وتجرّأت العامّة على النصارى حيث وجدوهم ضربوهم وعرّوهم، فلم يتجاسر نصرانىّ أن يخرج من بيته، فكان النصرانىّ إذا عنّ له أمر يتزيّا بزىّ اليهود فيلبس عمامة صفراء يكتريها من يهودىّ ليخرج فى حاجته. واتفق أنّ بعض كتّاب النصارى حضر إلى يهودىّ له عليه مبلغ كبير ليأخذ منه شيئا، فأمسكه اليهودىّ وصاح: أنا بالله وبالمسلمين، فخاف النصرانى وقال له: أبرأت ذمّتك وكتب له خطه بالبراءة وفرّ. واحتاج عدّة من النصارى إلى إظهارهم الإسلام، فأسلم السّنّى [ابن ست «3» بهجة] الكاتب وغيره، واعترف بعضهم على راهب دير «4»

الخندق أنه كان ينفق المال فى عمل النّفط للحريق ومعه أربعة، فأخذوا وسمّروا وانبسطت عند ذلك ألسنة الأمراء فى كريم الدين أكرم الصغير، وحصلت مفاوضة بين الأمير قطلوبغا «1» الفخرىّ وبين بكتمر الساقى بسبب كريم الدين [الكبير «2» ] ، لأن بكتمر كان يعتنى به وبالدواوين، وكان الفخرىّ يضع منه «3» . قلت: ولأجل هذا راح كريم «4» الدين من الدنيا على أقبح وجه! وأخرب الله دياره بعد ذلك بقليل. واستمرّ الفخرىّ على رتبته بعد سنين عديدة. قال: وصار مع كلّ من الأميرين جماعة وبلغ السلطان ذلك، وأنّ الأمراء تترقّب وقوع فتنة، وصار السلطان إذا ركب إلى الميدان لا يرى فى طريقه أحدا من العامّة لكثرة خوفهم أن يبطش السلطان بهم فلم يعجبه ذلك، ونادى بحروج الناس للفرجة على الميدان ولهم الأمان والاطمئنان فخرجوا على عادتهم. ثم وقع الحريق بالقاهرة «5» واشتدّ أمره إلى أن طفئ، وسافر كريم الذين الكبير إلى الإسكندرية وشدّد على النصارى فى لبسهم

وركوبهم حتى يتقرّب بذلك إلى خواطر العامّة. ثم تنكّرت المماليك السلطانية على كريم الدين الكبير لتأخّر جوامكهم شهرين، وتجمّعوا يوم الخميس ثامن عشرين صفر قبل الظهر ووقفوا بباب القصر، وكان السلطان فى الحريم، فلمّا بلغه ذلك خشى منهم، وبعث إليهم بكتمر الساقى فلم يلفتوا إليه، فخرج السلطان إليهم وقد صاروا نحو ألف وخمسمائة، فعند ما رآهم السلطان سبّهم وأهانهم وأخذ العصاة من مقدّم المماليك وضرب بها رءوسهم وأكتافهم، وصاح فيهم: اطلعوا مكانكم فعادوا بأجمعهم إلى الطّباق، وعدّت سلامة السلطان فى هذه الواقعة من العجائب، فإنّه خرج إليهم فى جماعة يسيرة من الخدّام، وهم غوغاء لا رأس لهم ولا عقل ومعهم السّلاح. انتهى. ثمّ أمر السلطان للنائب بعرضهم (أعنى المماليك) فعرضهم فى يوم السبت آخر صفر وأخرج منهم مائة وثمانين إلى البلاد الشاميّة فرّقهم على الأمراء، وأخرج بعد ذلك جماعة منهم من الطّباق إلى خرائب «1» التتار بقلعة الجبل، وضرب بعضهم «2» بالمقارع هو وغلامه لكونه شرب الخمر ضربا مبرّحا مات منه المملوك بعد يومين. قلت: لا شلّت يداه، هذا وأبيك العمل! ثم أنقص السلطان جوامك من بقى من مماليك الطّباق، ثم أخرج جماعة من خدّام الطّباق الطواشيّة (أعنى مقدّمى الطّباق) وقطع جوامكهم وأنزلهم من القلعة لكونهم فرّطوا فى تربية المماليك.

ثم غيّر السلطان موضع دار العدل «1» التى أنشأها الملك الظاهر «2» بيبرس وهدمها وجعلها موضع الطبلخاناه الآن، وذلك فى شهر رمضان سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، ولمّا هدم الموضع المذكور وجد فى أساسه أربعة قبور، فنبشت فوجد بها رمم أناس طوال عراض وأحدها مغطّاة بملاءة ديبقىّ ملوّنة، إذا مسّ منها شىء تطاير لطول مكثه، وعليهم عدّة القتال وبهم جراحات، وفى وجه أحدهم ضربة سيف بين عينيه عليها قطن، فعندما رفع القطن نبع الدّم من تحته وشوهد الجرح كأنّه جديد، فنقلوا إلى بين العروستين وجعل عليهم مسجد. وفى شعبان زوّج الملك الناصر ابنته للأمير أبى بكر بن أرغون النائب الناصرىّ، وتولّى العقد قاضى القضاة شمس الدين محمد بن الحريرىّ «3» الحنفىّ على أربعة آلاف دينار. ثم قدم الملك المؤيّد صاحب حماة على السلطان بالديار المصريّة وتوجّه فى خدمة الملك الناصر إلى قوص بالوجه القبلىّ للصيد، وعاد السلطان من قوص إلى جهة القاهرة فى أوّل محرّم سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة الموافق لرابع عشر طوبة، ونزل بالجيزة، وخلع على الملك المؤيّد خلعة السفر. ثم استدعى السلطان الحريم السلطانىّ إلى برّ الجيزة، فطرد سائر الناس من الطّرقات، وغلّقت الحوانيت، ونزلت خوند طغاى زوجة السلطان وأمّ ولده آنوك، والأمير أيدعمش الأمير آخور كبير

ماش يقود عنان فرسها بيده وحولها سائر الخدّام مشاة منذ ركبت من القلعة إلى أن وصلت إلى النيل فعدّت فى الحرّاقة «1» . ثم استدعى السلطان الأمير بكتمر الساقى وغيره من الأمراء الخاصّكيّة وحريمهم وأقام السلطان بالجيزة أيّاما إلى أن عاد إلى القلعة فى خامس عشره، وقد توعك كريم الدين الكبير. ثم قدم الحاجّ فى سادس عشرين المحرّم. ثم عوفى كريم الدين فخلع السلطان عليه خلعة أطلس بطرز زركش وكلفتاة زركش وحياصة ذهب فاستعظم الناس ذلك، وبالغ السلطان فى الإنعام على الحكماء. ثم بعد أيام قبض السلطان على كريم الدين المذكور فى يوم الخميس رابع عشر شهر ربيع الآخر. وهو كريم الدين عبد الكريم ابن المعلّم هبة الله بن السّديد ناظر الخواصّ ووكيل السلطان وعظيم دولته، وأحيط بداره وصودر فوجد له شىء كثير جدّا، ولا زال فى المصادرة إلى أن أفرج عنه فى يوم الأربعاء رابع عشرين جمادى الآخرة، وألزمه السلطان بإقامته بتربته «2» بالقرافة. ثم إنّ السلطان أخرجه إلى الشّوبك ثم نقله إلى القدس ثم طلب إلى مصر وجهّز إلى أسوان، وبعد قليل أصبح مشنوقا بعمامته (يعنى أنه شنق نفسه) ، وليس الأمر كذلك؛ وقيل إنه لما أحسّ بقتله صلّى ركعتين وقال «3» : هاتوا عشنا سعداء ومتنا شهداء، وكان الناس يقولون: ما عمل أحد مع أحد ما عمله الملك الناصر مع كريم الدين أعطاه الدنيا والآخرة، ومعنى هذا أنّه كان حكّمه فى الدولة، ثم قتله، والمقتول ظلما فى الجنة. وأصل كريم الدين هذا كان من كتبة النصارى ثم أسلم كهلا فى أيّام بيبرس الجاشنكير، وكان كاتبه، وكان

الجاشنكير لا يصرف على الملك الناصر إلّا بقلم كريم الدين، وكان الناصر إذ ذاك تحت حجر الجاشنكير؛ ولمّا قتل بيبرس الجاشنكير اختفى كريم الدين هذا مدّة ثم طلع مع الأمير طغاى [الكبير «1» ] فأوقفه طغاى ثم دخل إلى السلطان وهو يضحك، وقال له: إن حضر كريم الدين إيش تعطينى؟ ففرح السلطان وقال: أعندك هو؟ أحضره، فخرج وأحضره وقال له: مهما قال لك قل له: السمع والطاعة، ودعنى أدبّر أمرك، فلمّا مثل بين يدى السلطان قال له بعد أن استشاط غضبا: اخرج واحمل ألف ألف دينار، فقال: نعم، وأراد الخروج، فقال له السلطان: لا، كثير، احمل خمسمائة ألف دينار فقال له: كما قال أوّلا، ولا زال السلطان ينقصه من نفسه إلى أن ألزمه بمائة ألف دينار، فلمّا خرج على أن يحمل ذلك، قال له طغاى المذكور: لا تصقع «2» ذقنك وتحضر الجميع الآن، ولكن هات منها عشرة آلاف دينار ففعل ذلك، ودخل بها إلى السلطان وصار يأتيه بالنقدة «3» من ثلاثة آلاف دينار إلى ما دونها، ولما بقى عليه بعضها أخذ طغاى والقاضى فخر الدين ناظر الجيش فى إصلاح أمره، ولا زالا بالسلطان حتّى أنعم عليه بما بقى، واستخدمه ناظر الخاص، وهو أوّل من باشر هذه الوظيفة بتجمّل ولم تكن تعرف أولا، ثم تقدّم عند السلطان حتى صار أعزّ الناس عليه، وحجّ مع خوند طغاى زوجة السلطان بتجمّل زائد، ذكرناه فى ترجمته فى المنهل الصافى، وكان يخدم كلّ أحد من الأمراء «4» الكبار المشايخ والخاصّكيّة وأرباب الوظائف والجمدارية الصّغار وكلّ أحد حتى الأوجاقيّة، وكان يركب فى خدمته سبعون مملوكا بكنابيش «5» عمل الدار وطرز ذهب والأمراء تركب

فى خدمته. ومن جملة ما ناله من السعادة والوجاهة عند الملك الناصر أنّه مرّة طلبه السلطان إلى الدور، فدخل عليه وبقيت خازندارة خوند طغاى تروح إليه وتجىء مرّات فيما تطلبه خوند طغاى من كريم الدين هذا وطال الأمر، فقال السلطان [له «1» ] : يا قاضى إيش حاجة لهذا التطويل، بنتك ما تختبئ منك! ادخل إليها أبصر ما تريده افعله لها، فقام كريم الدين دخل إليها، وقال لها السلطان: أبوك هنا أبصرى له ما يأكل؛ فأخرجت له طعاما وقام السلطان إلى كرمة فى الدار وقطع منها عنبا وأحضره بيده وهو ينفخه من الغبار، وقال: يا قاضى كل من عنب دارنا. وهذا شىء لم يقع لأحد غيره مثله مع الملك الناصر وأشياء كثيرة من ذلك. وكان حسن الإسلام كريم النّفس؛ قيل إنه كان فى كلّ قليل يحاسب صيرفيه فيجد فى الوصولات وصولات زور. ثم بعد حين وقع بالمزوّر فقال له: ما حملك على هذا؟ فقال: الحاجة، فأطلقه، وقال [له «2» ] : كلما احتجت إلى شىء اكتب به خطّك على عادتك على هذا الصّيرفى ولكن ارفق، فإنّ علينا كلفا كثيرة. وكان إذا قال: نعم، كانت نعم، وإذا قال: لا، فهى لا. ولما قبض السلطان عليه خلع على الأمير آقوش نائب الكرك باستقراره فى نظر البيمارستان «3» المنصورىّ عوضا عن كريم الدين المذكور. فوجد آقوش حاصله أربعمائة ألف درهم. ثم أمر السلطان فنودى فى يوم الأربعاء سادس المحرّم سنة أربع وعشرين وسبعمائة على الفلوس أن يتعامل الناس بها بالرّطل، على أنّ كل رطل منها بدرهمين، ورسم بضرب فلوس زنة الفلس منها درهم [وثمن «4» ] ، فضرب منها نحو مائتى ألف درهم فرقت على الناس. ثم رسم السلطان بأن يكتب له كل يوم أوراق بالحاصل

من تعلّقات السلطنة والمصروف منها فى كل يوم، فصارت تعرض عليه كل يوم ويباشر ذلك بنفسه فتوفّر مال كثير وشقّ ذلك على الدواوين. ثم سافر السلطان إلى الوجه القبلى للصيد وعاد فى ثالث عشر المحرّم سنة خمس وعشرين وسبعمائة. وفى هذه السنة قدم على الملك الناصر رسل صاحب اليمن، ورسل صاحب اسطنبول، ورسل الأشكرى، ورسل متملّك سيس، ورسل إلقان بو سعيد، ورسل صاحب ماردين، ورسل ابن قرمان، ورسل متملّك النوبة، وكلهم يبذلون الطاعة. وسأل رسل صاحب اليمن الملك المجاهد «1» إنجاده بعسكر من مصر وأكثر من ترغيب السلطان فى المال الذي باليمن، فرسم السلطان بتجهيز العسكر إلى اليمن صحبة الأمير بيبرس الحاجب ومعه من أمراء الطبلخاناه خمسة، وهم: آقول الجاجب، وقجماس «2» الجوكندار، وبلبان الصّرخدىّ، وبكتمر العلائى الأستادار، وألجاى الناصرىّ الساقىّ، ومن العشرات: عزّ الدين أيدمر الكوندكىّ «3» وشمس الدين إبراهيم التّركمانىّ، وأربعه من مقدّمى الحلقة، وهؤلاء العسكر لهم مقدّمة أخرى كالجاليش عليها الأمير سيف الدين طينال الحاجب، ومعه خمسة من أمراء الطبلخاناه وهم: الأمير ططقرا الناصرى وعلاء الدين علىّ بن طغريل الإيغانىّ وجرباش أمير علم، وأيبك الكوندكى «4» وكوكاى طاز، وأربعة من مقدّمى الحلقة، ومن العشرات بلبان الدّوادارى وطرنطاى الإسماعيلىّ والى باب القلعة، ومن مماليك السلطان ثلثمائة فارس، ومن أجناد الحلقة تتمّة

الألف فارس؛ وفرّقت فيهم أوراق السّفر، وكتب بحضور العربان من الشرقيّة والغربية لأجل الجمال. ثم خرج السلطان إلى سرياقوس «1» على العادة فى كل سنة وقبض على الأمير بكتمر الحاجب بها، وعلى أمير آخر فى يوم الخميس ثامن شهر ربيع الأوّل. ثم قدم على السلطان الأمير تنكز الناصرىّ نائب الشام وأقام إلى عاشره وعاد إلى الشام، ثم أنفق السلطان على الأمراء المتوجّهين إلى اليمن فقط، فحمل إلى بيبرس ألف دينار وإلى طينال ثمانمائة دينار، ولكل أمير طبلخاناه عشرة آلاف درهم «2» ، ولكل من العشرات مبلغ ألفى درهم، ولمقدّمى الحلقة ألف درهم، وحضر العربان. وباعوا الأجناد موجودهم واكتروا الجمال، فانحطّ سعر الدينار من خمسة وعشرين درهما إلى عشرين درهما من كثرة ما باعوا من الحلل «3» والمصاغ. ثم برزوا من القاهرة إلى بركة الحاج «4» فى يوم الثلاثاء عاشر شهر ربيع الآخر سنة خمس وعشرين، وسافروا من البركة فى يوم الخميس ثانى عشره. ثم خرج السلطان إلى سرياقوس ومعه عدّة من المهندسين، وعيّن موضعا على نحو فرسخ من ناحية سرياقوس ليبنى فيه خانقاه «5» ، فيها مائة خلوة لمائة صوفىّ وبجانبها جامع تقام فيه الخطبة، ومكان برسم ضيافة الواردين وحمّام ومطبخ، وندب آق سنقر شادّ العمائر لجمع الصّنّاع، ورتّب أيضا قصور سرياقوس برسم الأمراء والخاصّكيّة، وعاد فوقع الاهتمام

فى العمل حتى كملت فى أربعين يوما. ثم اقتضى رأى السلطان حفر خليج «1» خارج القاهرة ينتهى إلى سرياقوس، ويرتّب عليه السواقى والزراعات وتسير فيه المراكب فى أيّام النيل بالغلال وغيرها إلى القصور «2» بسرياقوس. قلت: وقد أدركت أنا بواقى هذه القصور التى كانت بسرياقوس، وخرّبت فى دولة الملك الأشرف برسباى فى حدود سنة ثلاثين وثمانمائة، وأخذ الأمير سودون

ابن عبد الرحمن أنقاضها وبنى بها جامعه «1» الذي بخانقاه سرياقوس، فكان ذلك سببا لمحو آثارها، وكانت من محاسن الدنيا. انتهى. ثمّ إن الملك الناصر فوّض عمل الخليج إلى الأمير أرغون النائب، فنزل أرغون بالمهندسين إلى النيل إلى أن وقع الاختيار على موضع بموردة «2» البلاط من أراضى بستان «3» الخشّاب، ويقع الحفر فى الميدان الظاهرىّ الذي جعله الملك الناصر هذا بستانا من سنيّات وغرم عليه أموالا جمّة، ثم يمرّ الخليج المذكور على بركة «4» قرموط

إلى باب البحر «1» ثم إلى أرض الطبّالة «2» ويرمى فى الخليج الكبير، وكتب إلى ولاة الأعمال بإحضار الرجال للحفر، وعيّن لكلّ واحد من الأمراء أقصابا يحفرها، وابتدئ بالحفر من أوّل جمادى الأولى من سنة خمس وعشرين إلى أن تمّ فى سلخ جمادى الآخرة من السنة، وأخرب فيه أملاك كثيرة، وأخذت قطعة من بستان «3» الأمير أرغون النائب، وأعطى السلطان ثمن ما خرّب من الأملاك لأربابها، والتزم فخر الدين ناظر الجيش بعمارة قنطرة برأس الخليج عند فمه. قلت: وهى القنطرة المعروفة بقنطرة «4» الفخر. والتزم قديدار «5» والى القاهرة بعمارة «6» قنطرة تجاه البستان الذي كان ميدانا للظاهر بيبرس البندقدارىّ، وأنّ قديدار

أيضا يتمّ قناطر «1» الإوزّ وقناطر «2» الأميريّة فعمل ذلك كلّه. فلمّا كان أيّام النيل جرت السفن فيه وعمّرت عليه السواقى وأنشئت بجانبه البساتين والأملاك. ثم توجه السلطان فى يوم الاثنين سادس جمادى الآخرة إلى حانقاته التى أنشأها بسرياقوس، وخرجت القضاة والمشايخ والصوفيّة إليها وعمل لهم سماط عظيم فى يوم الخميس تاسعه

بالخانقاه المذكورة. واستقرّ الشيخ مجد الدين أبو حامد موسى بن أحمد «1» بن محمود الأقصرائى «2» الّذى كان شيخ خانقاه «3» كريم الدين الكبير بالقرافة فى مشيخة هذه الخانقاه. ورتّب عنده مائة صوفىّ، ورسم للشيخ مجد الدين المذكور بخلعة وأن يلقّب بشيخ الشيوخ. وأمّا العسكر الذي توجّه إلى اليمن فإنّ السلطان كتب إلى أمراء الحجاز بالقيام فى خدمة العسكر، وتقدّم كافور الشّبلى «4» خادم الملك المجاهد الذي كان قدم فى الرّسلية إلى زبيد «5» ليعلم أستاذه الملك المجاهد بقدوم العسكر، وكتب لأهل حلى «6» بنى يعقوب الأمان وأن يجلبوا البضائع للعسكر، ورحل العسكر فى خامس جمادى الآخرة من مكّة، فوصل إلى حلى بنى يعقوب فى اثنى عشر يوما بعد عشرين مرحلة، فتلقّاهم أهلها ودهشوا لرؤية العساكر وقد طلّبت ولبست السّلاح، وهمّوا بالفرار. فنودى

فيهم بالأمان وألّا يتعرّض أحد من العسكر لشىء إلّا بثمنه، فأطمأنّوا وحملوا إلى كلّ من بيبرس وطينال من مقدّمى العسكر مائة رأس من الغنم وخمسمائة اردبّ ذرة، فردّاها ولم يقبلا لأحد شيئا، ورحلوا بعد ثلاثة أيام فى العشرين منه. فقدمت الأخبار على العسكر باجتماع رأى أهل زبيد على الدخول فى طاعة الملك المجاهد خوفا من العسكر، وأنّهم ثاروا بالمتملّك عليهم ونهبوا أمواله ففرّ عنهم، فكتبوا للمجاهد بذلك فقوى ونزل من قلعة تعز «1» يريد زبيد، فكتب الأمراء إليه أن يكون على أهبة اللّقاء فنزل العسكر زبيد، ووافاهم المجاهد بجنده فسخر منهم العسكر المصرىّ، من كونهم غزاة «2» وسلاحهم الجريد والخشب، وسيوفهم مشدودة على أذرعهم؟ ويقاد للأمير فرس واحد مجلّل، وعلى رأس المجاهد عصابة ملوّنة فوق العمامة، فعندما عاين المجاهد العساكر وهى لابسة آلة الحرب رعب، وهمّ أن يترجّل فمنعه الأمير بيبرس واقول من ذلك. ومشى العسكر صفّين والأمراء فى الوسط حتّى قربوا منه فألقى المجاهد نفسه هو ومن معه إلى الأرض. فترجّل له الامراء أيضا وأركبوه وأكرموه وأركبوه فى الوسط، وسارو إلى المخيّم وألبسوه تشريفا سلطانيّا بكلفتاة زركش وحياصة ذهب، وركب والأمراء فى خدمته والعساكر إلى داخل زبيد، ففرح أهلها فرحا شديدا، ومد المجاهد لهم سماطا جليلا فامتنع الأمراء والعساكر من أكله خوفا من أن يكون فيه ما يخاف عاقبته، واعتذروا إليه بأنّ هذا لا يكفى العساكر، ولكن فى غد يعمل السّماط، فأحضر لهم المجاهد ما يحتاجون إليه، وأصبح حضر المجاهد وأمراؤه وقد مدّ السّماط بين يديهم، وأحضر كرسىّ جلس عليه المجاهد، فوقف السّقاة والنّقباء والحجّاب والجاشنكيريّة على العادة، ووقف الأمير بيبرس رأس الميمنة والأمير طينال رأس الميسرة.

فلمّا فرغ السّماط صاحت الجاوشية على أمراء المجاهد وأهل دولته وأحضروهم وقرئ عليهم كتاب السلطان فباسوا بأجمعهم الأرض وقالوا: سمعا وطاعة، وكتب الأمير بيبرس لممالك اليمن بالحضور فحضروا. ثم كتب لهم المجاهد بغنم وذرة واعتذر للأمراء والعساكر المصرية بعدم عمل الإقامة لهم بخراب البلاد؛ فتوجّه قصّاد العسكر لأخذ الغنم والذرة وأقامت العساكر بزبيد، فعادت قصّادهم بغير غنم ولا ذرة، فرحلوا من زبيد فى نصف رجب يريدون تعزّ، فتلقّاهم المجاهد ونزلوا خارج البلد وشكوا ما هم فيه من قلّة الإقامات فوعدهم بالإنجاز. ثم إنّ الأمراء كتبوا للملك الظاهر «1» المقيم بدملوه «2» ، وبعثوا له الشريف عطيفة أمير مكّة وعزّ الدين الكوندكى «3» وكتب إليه المجاهد أيضا يحثّه على الطاعة، وأقام العسكر فى جهد فأغاروا على الضّياع وأخذوا ما قدروا عليه، فارتفع الذّرة من ثلاثين درهما الإردب إلى تسعين، وفقد الأكل من الفاكهة فقط لقلّة الجالب؛ واتّهم أن ذلك بمواطأة المجاهد خوفا من العسكر أن تملك منه البلاد، ثم إنّ أهل جبل «4» صبر قطعوا الماء عن العسكر وتخطّفوا الجمال والغلمان وزاد أمرهم إلى أن ركب العسكر فى أثرهم، فامتنعوا بالجبل ورموا بالمقاليع على العسكر فرموهم بالنّشّاب، وأتاهم المجاهد فخذلهم عن الصعود

إلى الجبل، فلم يلتفتوا إلى كلامه ونازلوا الجبل يومهم وقتل من العسكر أربعة [وثمانية «1» ] من الغلمان، وبات العسكر تحت الجبل. فبلغ بيبرس أنّ المجاهد قرّر مع أصحابه أنّ العسكر إذا صعدوا الجبل يضرمون النار فى الوطاق وينهبون ما فيه، فبادر بيبرس، وقبض [على «2» ] بهاء الدين «3» بهادر الصّقرى وأخذ موجوده ووسّطه قطعتين وعلّقه على الطريق؛ ففرح أهل تعزّ بقتله وكان قد تغلّب على زبيد، حتى طرده أهلها عند قدوم العسكر، وعاد الشريف عطيفة والكوندكى من دملوه بأنّ الظاهر فى طاعة السلطان ثم طلب العسكر من المجاهد ما وعد به السلطان الملك الناصر فأجاب بأنه لا قدرة له إلّا بما فى دملوه، فأشهد عليه بيبرس «4» قضاة تعزّ بذلك، وارتحل العسكر إلى حلى بنى يعقوب، فقدمها فى تاسع شعبان ورحلوا منها أوّل شهر رمضان إلى مكة فدخلوها فى حادى عشره فى مشقّة زائدة، وساروا من مكّة يوم عيد الفطر إلى جهة مصر، فقدموا بركة الحجّاج أوّل يوم من ذى القعدة، وطلع الأمراء إلى القلعة فخلع السلطان عليهم فى يوم السبت ثالثه، وقدّم الأمير بيبرس هديّة فأغرى الأمير طينال السلطان على الأمير بيبرس بأنّه أخذ مالا من المجاهد وغيره وقصّر فى أخذ مملكة اليمن. فلما كان يوم الاثنين تاسع عشره رسم السلطان بخروج بيبرس إلى نيابة غزّة فامتنع لأنّه كان بلغه ما قيل عنه، وأنّ السلطان قد تغيّر عليه، فقبض عليه السلطان وسجنه بالبرج من القلعة وقبض على حواشيه وصادرهم وعوقبوا على المال فلم يظهر شىء، وسكت السلطان عن أحوال اليمن.

ثم فى سنة ستّ وعشرين وسبعمائة استأذن الأمير أرغون النائب السلطان فى الحجّ فأذن له فحج هو وولده ناصر الدين محمد، وعادا من الحجاز إلى سرياقوس فى يوم الأحد حادى عشر المحرّم سنة سبع وعشرين وسبعمائة، فقبض السلطان عليهما وعلى الأمير طيبغا المجدى «1» ، فأخذهم الأمير بكتمر الساقى عنده وسعى فى أمرهم حتّى أخرج فى يوم الاثنين ثانى عشره (يعنى من الغد) الأمير أرغون إلى نيابة حلب عوضا عن الأمير ألطنبغا، وأخرج معه الأمير أيتمش [المحمّدى «2» ] مسفّره، وتوجّه الأمير ألحاى الدوّادار إلى حلب لإحضار الأمير ألطنبغا نائبها، وقرّر السلطان مع كلّ من أيتمش وألجاى أن يكونا بمن معهما فى دمشق يوم الجمعة ثالث عشرينه، ولم يعلم أحد بما توجّه فيه الآخر حتى توافيا بدمشق فى يوم الجمعة المذكور. وقد خرج الأمير تنكز نائب الشام إلى ميدان الحصى لتلقّى الأمير أرغون، فترجّل كلّ منهما لصاحبه وسارا إلى جامع بنى أميّة، فلمّا توسّطاه إذا بألجاى ومعه الأمير ألطنبغا نائب حلب فسلّم أرغون عليه بالإيماء، فلما انقضت صلاة الجمعة عمل لهما الأمير تنكز سماطا جليلا فحضرا السّماط. ثم سار أرغون إلى حلب فوصلها فى سلخ الشهر، وسار ألطنبغا حتى دخل مصر فى مستهلّ صفر، فأكرمه السلطان وخلع عليه وأسكنه بقلعة الجبل، وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف من جملة إقطاع أرغون النائب، وكمل السلطان من إقطاع أرغون أيضا لطايربغا على إقطاعه إمرة مائة وتقدمة ألف، فزادت التقادم تقدمة، فصارت أمراء الألوف خمسة وعشرين مقدم ألف بالديار المصرية.

وفى مستهل جمادى الأولى قبض السلطان على الأمير بهاء الدين أصلم [القبجاقىّ «1» ] وعلى أخيه قرمجى وجماعة من القبجاقية، وسبب ذلك أنّ أصلم عرض سلاح خاناته وجلس بإسطبله وألبس خيله ورتّبها للركوب، فوشى به بعض أعدائه وكتب بواقعة أمره ورقة وألقاها إلى السلطان؛ فلمّا وقف عليها السلطان تغيّر تغيّرا زائدا وكانت عادته ألا يكذّب خبرا، وبعث من فوره فسأل أصلم مع ألماس الحاجب عمّا كان يفعله أمس فى إسطبله، فذكر أنه اشترى عدّة أسلحة فعرضها على خيله لينظر ما يناسب كلّ فرس منها فصدّق السلطان ما نقل عنه، وقبض السلطان عليه وعلى أخيه وعلى أهل جنسه وعلى الأمير قيران صهر قرمجى وعلى الأمير إتكان «2» أخى آقول الحاجب، وسفّروا إلى الإسكندرية مع الأمير صلاح» الدين طرخان بن بيسرى، وبرلغى «4» قريب السلطان وأفرد أصلم ببرج فى القلعة. ثم قدم الأمير حسين بن جندر من الشام الذي كان نفاه السلطان لمّا عمّر جامعه وفتح بابا من سور القاهرة، فلما مثل بين يدى السلطان خلع عليه خلعة أطلس بطرز زركش وكلفتاة زركش وحياصه مكوبجة «5» ، وأنعم عليه بإقطاع أصلم «6» فى يوم الاثنين ثالث جمادى الآخرة. وفيها عقد على الأمير قوصون الناصرىّ عقد ابنة السلطان الملك الناصر بقلعة الجبل، وتولّى عقد النكاح قاضى القضاة شمس الدين محمد بن الحريرىّ الحنفىّ. ثم بعد مدّة فى سنة ثمان وعشرين عقد نكاح ابنة السلطان الأخرى على الأمير طغاى تمر

العمرى الناصرىّ، وأعفى السلطان فى هذه المرّة الأمراء من حمل الشموع وغيرها إلى طغاى تمر كما كان فعلوه مع قوصون، وأنعم السلطان على طغاى تمر من خزانته عوضا عن ذلك بأربعة آلاف دينار. ثم أفرج السلطان عن الأمير علم الدين سنجر الجاولى بعد أن اعتقل ثمانى سنين وثلاثة أشهر وأحد «1» عشر يوما، فكان فيها ينسخ القرآن وكتب الحديث. وفى سنة ثمان وعشرين أيضا عزم السلطان على أن يجرى النيل تحت قلعة الجبل ويشقّ له من ناحية حلوان «2» ، فبعث الصّنّاع صحبة شادّ العمائر إلى حلوان، وقاسوا منها إلى الجبل الأحمر المطلّ على القاهرة، وقدّروا العمل فى بناء الواطى حتى يرتفع وحفر العالى ليجرى الماء إلى تحت قلعة الجبل من غير نقل ولا كلفة. ثم عادوا وعرّفوا السلطان ذلك فركب وقاسوا الأرض بين يديه، فكان قياس ما يحفر اثنتين وأربعين ألف قصبة «3» حاكمية لتبقى خليجا يجرى فيه ماء النيل شتاء وصيفا

بسفح الجبل، فعاد السّلطان وقد أعجبه ذلك وشاور الأمراء فيه فلم يعارضه فيه أحد إلّا الفخر ناظر الجيش، فإنه قال: بمن يحفر السلطان هذا الخليج؟ قال: بالعسكر، قال: والله لو اجتمع عسكر آخر فوق العسكر السلطانى وأقام سنين ما قدروا على حفر هذا العمل، فإنه يحتاج إلى ثلاث خزائن من المال، ثم هل يصح أولا! فالسلطان لا يسمع كلام كل أحد ويتعب الناس ويستجلب دعاءهم ونحو ذلك من القول، فرجع السلطان عن عمله.

وفيها أفرج السلطان عن الشيخ تقىّ الدين أحمد بن تيميّة بشفاعة الأمير جنكلى بن البابا. وفى يوم الاثنين سابع [عشر «1» ] جمادى الأولى سنة تسع وعشرين وسبعمائة رسم السلطان بردم الجبّ «2» الذي كان بقلعة الجبل لما بلغ السلطان أنه شنيع المنظر شديد الظلمة كره الرائحة وأنه يمرّ بالمحابيس فيه شدائد عظيمة، فردم وعمّر فوقه طباق «3» للمماليك السلطانية. وكان هذا الجبّ عمل فى سنة إحدى وثمانين وستمائة فى أيام الملك المنصور قلاوون. ثم فى السنة المذكورة رسم السلطان للحاجب أن ينادى بألّا يباع مملوك تركى لكاتب ولا عامى، ومن كان عنده مملوك فليبعه، ومن عثر عليه بعد ذلك [أنّ عنده «4» مملوكا] فلا يلوم إلّا نفسه. وفيها عرض السلطان مماليك الطّباق وقطع منهم مائة وخمسين، وأخرجهم من يومهم ففرّقوا بقلاع الشام.

وفيها قتل الأمير تنكز نائب الشام الكلاب ببلاد الشام فتجاوز عدّتها خمسة آلاف كلب. ثمّ خرج السلطان إلى سرياقوس فى سابع عشرين من ذى الحجّة على العادة فى كلّ سنة، وقدم عليه الأمير تنكز نائب الشام فى أوّل المحرّم سنة ثلاثين وسبعمائة وبالغ السلطان فى إكرامه ورفع منزلته، وقد تكرّر قدوم تنكز هذا إلى القاهرة قبل تاريخه غير مرة، ثم عاد إلى نيابته بدمشق فى رابع عشر المحرّم. ثم فى عشرين المحرّم المذكور وصل إلى القاهرة الملك المؤيّد إسماعيل صاحب حماة، فبالغ السلطان أيضا فى إكرمه ورفع منزلته وخلع عليه. ثم سافر السلطان فى تاسع صفر إلى بلاد الصعيد للصيد على عادته، ومعه المؤيّد صاحب حماة، ثم عاد بعد أيام قليلة لتوعك بدنه من رمد «1» طلع فيه، وأقام بالأهرام بالجيزة أياما، ثم عاد وسافر إلى الصعيد حتى وصل الى هو «2» ، ثم عاد إلى مصر فى خامس شهر ربيع الآخر، وسافر فى ثامنه المؤيد صاحب حماة إلى محلّ ولايته بعد أن غاب مع السلطان هذه الأيام الكثيرة. ثم نزل السلطان من القلعة فى خامس عشرين شهر ربيع الاخر المذكور، وتوجّه إلى نواحى قليوب «3» يريد الصيد، فبينما هو فى الصّيد تقنطر عن فرسه فانكسرت يده وغشى عليه ساعة وهو ملقى على الأرض، ثم أفاق وقد نزل إليه الأميران: أيدغمش أمير آخور وقمارى أمير شكار وأركباه، فأقبل الأمراء بأجمعهم إلى خدمته وعاد إلى قلعة الجبل فى عشيّة الأحد ثامن عشرينه، فجمع الأطبّاء والمجبّرين «4» لمداواته فتقدم رجل من المجبّرين يعرف بابن بوسقة «5» وتكلّم بجفاء وعامّية طباع، وقال: له تريد تفيق

سريعا؟ اسمع منى، فقال له السلطان: قل ما عندك، فقال: لا تخلّ يداويك غيرى بمفردى وإلّا فسدت حال يدك مثلما سلّمت رجلك «1» لابن السّيسى فأفسدها، وأنا ما أخلّى شهرا يمضى حتى تركب وتلعب بيدك الأكرة، فسكت السلطان عن جوابه وسلّم إليه يده فتولّى علاجه بمفرده، وبطلت الخدمة مدّة سبعة وثلاثين يوما وعوفى، فزيّنت له القاهرة فى يوم الأحد رابع جمادى الآخرة من السنة المذكورة، وتفاخر الناس فى الزينة بحيث إنه لم يعهد زينة مثلها، وأقامت سبعة أيام، هذا والأفراح عمّالة بالقلعة وسائر بيوت الأمراء مدّة الأسبوع، فإنّ كلّ أمير متزوّج إمّا بإحدى جوارى السلطان أو ببناته وأكثرهم أيضا مماليكه، وكذلك البشائر والكوسات تضرب، وأنعم السلطان على الأمراء وخلع عليهم، ثم خرج السلطان إلى القصر وفرّق عدّة مثالات على الأيتام وعمل سماطا جليلا وخلع على جميع أرباب الوظائف، وأنعم على المجبّر بعشرة آلاف درهم، ورسم له أن يدور على جميع الأمراء فلم يتأخّر أحد من الأمراء عن إفاضة الخلع عليه، وإعطائه المال فحصل له ما يجلّ وصفه. وتوجّه الأمير آقبغا عبد الواحد «2» إلى البلاد الشامية مبشّرا بعافية السلطان. وفيها اشترى الأمير قوصون الناصرىّ دار الأمير «3» آقوش الموصلىّ الحاجب المعروف بآقوش نميلة، ثم عرفت ثانيا بدار الأمير آقوش قتّال السبع- من

أربابها، واشترى أيضا ما حولها وهدم ذلك كلّه، وشرع فى بناء جامع «1» ، فبعث السلطان إليه بشادّ «2» العمائر والأسرى لنقل الحجارة ونحوها، فنجزت عمارته فى مدّة يسيرة، وجاء الجامع المذكور من أحسن المبانى، وهو خارج بابى زويلة على الشارع «3»

الأعظم بالقرب من بركة الفيل «1» ، وتولّى عمارة منارته «2» رجل من أهل تبريز «3» أحضره الأمير أيتمش المحمّدى معه فعملها على منوال موادن تبريز، ولمّا كمل بناء الجامع أقيمت الجمعة فيه فى يوم الجمعة حادى عشر شهر رمضان سنة ثلاثين وسبعمائة، وخطب به يومئذ قاضى القضاة جلال الدين محمد القزوينىّ وخلع عليه الأمير قوصون بعد فراغه وأركبه بغلة هائلة. وفى هذه السنة أيضا ابتدأ علاء الدين مغلطاى [الجمالىّ «4» ] أحد المماليك السلطانيّة فى عمارة جامع «5» بين السّورين من القاهرة، وسمّى جامع التّوبة لكثرة ما كان هناك

من الفساد وأقام به الخطبة، ثمّ عاد السلطان الملك الناصر على ما كان عليه من أوّل سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة من التوجّه إلى الصّيد على عادته، وقدم عليه موت الأمير أرغون الدّوادار نائب حلب كان وهو بالصيد، فخلع على الأمير ألطنبغا الصالحىّ بنيابة حلب عوضه. ثمّ فى يوم السبت [سابع عشر ذى لحجّة «1» ] ركب السلطان من القلعة إلى الميدان «2» الذي استجدّه، وقد كملت عمارته، وكان السلطان قد رسم فى أوّل هذه السنة بهدم مناظر «3» الميدان الظاهرىّ الذي كان بباب اللّوق وتجديد عمارة هذا الميدان

الذي استجدّه، وفوض ذلك للأمير ناصر الدين [محمد «1» ] بن المحسنى، فهدم تلك المناظر وباع أخشابها بمائة ألف درهم وألفى درهم، واهتم فى عمارة جديدة فكمل فى مدّة شهرين، وجاء من أحسن ما يكون، فخلع السلطان عليه وفرّق على الأمراء الخيول المسرجة الملجمه. وفى أوّل محرّم سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة قدم مبشّر الحاجّ، وأخبر بسلامه الحاجّ وأن الأمير مغلطاى الجمالى الأستادار على خطه «2» فعيّن السلطان عوضه فى الأستادارية الأمير اقبغا عبد الواحد. ومات مغلطاى فى العقبة وصبّر وحمل إلى أن دفن بمدرسته «3» قريبا من درب ملوخبا «4» بالقاهرة بالقرب من رحبة «5» باب العيد. ولبس آقبغا عبد الواحد الأستادارية فى يوم الثلاثاء سادس عشرين المحرّم. ثم بعد أيام خلع عليه السلطان بتقدمة المماليك السلطانية مضافا على الأستادارية، من أجل أنّ السلطان وجد بعض المماليك قد نزل من القلعة إلى القاهرة وسكر، فضرب

السلطان كثيرا من الطّواشيّة وطرد كثيرا منهم، وأنكر على الطواشى مقدّم المماليك وصرّفه عن التقدمة بآقبغا هذا، فضبط آقبغا المذكور طباق المماليك بالقلعة وضرب عدّة منهم ضربا مبرّحا أشرف منهم جماعة على الموت، فلم يجسر بعد ذلك أحد أن يتجاوز طبقته إلى غيرها. وفى يوم الاثنين ثالث عشرين صفر جمع السلطان الأمراء والقضاة والخليفة ليعهد بالسلطنة لابنه آنوك ويركب ولده آنوك بشعار السلطنة، ثم انثنى عزمه عن ذلك فى المجلس، وأمر أن يلبس آنوك شعار الأمراء ولا يطلق عليه اسم السلطنة، فركب وعليه خلعة أطلس أحمر بطرز زركش وشربوش «1» مكلّل مزركش، وخرج من باب القرافة والأمراء فى خدمته حتّى مرّ من سوق «2» الخيل تحت القلعة ونزل عن فرسه وباس الأرض، وطلع من باب الإسطبل «3» إلى باب السّرّ وصعد منه إلى القلعة، ونثرت عليه الدنانير والدراهم، وخلع السلطان على الأمير ألماس الحاجب والأمير بيبرس الأحمدى، وكان السلطان أفرج عن بيبرس المذكور قبل ذلك بمدّة من السجن،

وخلع على الأمير أيدغمش أمير آخور الجميع خلع أطلس، وخلع السلطان على جميع أرباب الوظائف ومدّ لهم سماط عظيم وعملت الأفراح الجليلة، وعظم المهمّ لعقد آنوك المذكور على بنت بكتمر الساقى، فعقد العقد بالقصر على صداق مبلغه من الذهب اثنا عشر ألف دينار، المقبوض منه عشرة آلاف دينار، وأنعم السلطان على ولده آنوك المذكور بإقطاع الأمير مغلطاى المتوفّى بالعقبة. ثم فى عاشر شهر ربيع الآخر من سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة المذكورة قدم الملك الأفضل ناصر الدين محمد ابن الملك المؤيّد إسماعيل الأيّوبىّ صاحب حماة بعد وفاة أبيه الملك المؤيّد بها، وله من العمر نحو من عشرين سنة، فأكرمه السلطان وأقبل عليه، وكان والده لما توفّى بحماة أخفى أهله موته، وسارت زوجته أمّ الأفضل هذا إلى دمشق وترامت على الأمير تنكز نائب الشام، وقدّمت له جوهرا باهرا وسألته فى إقامة ولدها الأفضل فى سلطنة أبيه المؤيّد بحماة فقبل تنكز هديّتها، وكتب فى الحال إلى الملك الناصر بوفاة الملك المؤيّد، وتضرّع إليه فى إقامة ولده الأفضل مكانه، فلمّا قدم البريد بذلك تأسّف السلطان على الملك المؤيّد وكتب للأمير تنكز بولايته وبتجهيز الأفضل المذكور إلى مصر، فأمره تنكز فى الحال بالتوجّه إلى مصر، فركب وسار حتى دخلها ومثل بين يدى السلطان، وخلع عليه الملك الناصر فى يوم الخميس خامس «1» عشرين شهر ربيع الآخر بسلطنة حماة، وركب الأفضل من المدرسة المنصوريّة ببين القصرين وهو بشعار السلطنة وبين يديه الغاشية، وقد نشرت على رأسه العصائب الثلاث، منها واحد خليفتى أسود واثنان سلطانيّان أصفران، وعليه خلعة أطلسين بطراز ذهب، وعلى رأسه شربوش ذهب،

وفى وسطه حياصة ذهب بثلاث بيكاريّات «1» وسار فى موكب جليل وطلع إلى القلعة وقبّل الأرض بين يدى السلطان بالقصر، ثم جلس وخلع السلطان على الأمراء الذين مشوا بخدمته، وهم: الأمير ألماس الحاجب وبيبرس الأحمدىّ وأيدغمش أمير آخور وطغجى أمير سلاح وتمر رأس نوبة، ألبس كلّا منهم أطلسين بطراز ذهب. ثم خلع على جماعة أخر وكان يوما مشهودا، ولقّبه السلطان بالملك الأفضل، ثم جهّزه إلى بلاده. ثم حضر بعد ذلك تنكز نائب الشام إلى القاهرة ليحضر عرس ابن السلطان الأمير آنوك، وشرع السلطان فى عمل المهمّ من أوائل شعبان من سنة اثنتين وثلاثين وجمع السلطان من بالقاهرة ومصر من أرباب الملاهى واستمرّ المهمّ سبعة أيام بلياليها. واستدعى حريم الأمراء للمهمّ، فلمّا كانت ليلة السابع منه حضر السلطان على باب القصر، وتقدّم الأمراء على قدر مراتبهم واحدا بعد واحد ومعهم الشموع، فكان إذا قدّم الواحد ما أحضره من الشمع قبّل الأرض وتأخّر حتى انقضت تقادمهم، فكان عدّتها ثلاثة آلاف وثلاثين شمعة، زنتها ثلاثة آلاف وستون قنطارا، فيها ما عنى به ونقش نقشا بديعا تنوّع فى تحسينه؛ وأحسنها شمع الأمير سنجر الجاولى، فإنّه اعتنى بأمره وبعث إلى عملها إلى دمشق فجاءت من أبدع شىء. وجلس الأمير آنوك تجاه السلطان فأقبل الأمراء جميعا وكلّ أمير يحمل بنفسه شمعة وخلفه مماليكه تحمل الشمع، فيتقدمون على قدر رتبهم ويقبّلون الأرض واحدا بعد واحد طول ليلهم، حتى كان آخر الليل نهض السلطان وعبر حيث مجتمع النساء، فقامت نساء الأمراء بأسرهنّ وقبّلن الأرض واحدة بعد أخرى وهى تقدّم

ما أحضرت من التّحف الفاخرة، حتى انقضت تقادمهنّ جميعا؛ رسم السلطان برقصهنّ فرقصن عن آخرهن واحدة بعد واحدة، والمغانى تضر بن بالدّفوف، والأموال من الذهب والفضة والشّقق الحرير تلقى على المغنيّات، فحصل لهنّ ما يجلّ وصفه. ثم زفّت العروس، وجلس السلطان من بكرة الغد وخلع على جميع الأمراء وأرباب الوظائف بأسرها، ورسم لكلّ امرأة أمير بتعبية قماش على قدر منزلة وجها، وخلع على الأمير تنكز نائب الشام وجهّز صحبته الخلع لأمراء دمشق. فكان هذا العرس من الأعراس المذكورة، ذبح فيه من الغنم والبقر والخيل والإوزّ والدّجاج ما يزيد على عشرين ألفا، وعمل فيه من السكر برسم الحلوى والمشروب ثمانية عشر ألف قنطار، وبلغت قيمة ما حمله الأمير بكتمر الساقى مع ابنته من الشورة «1» ألف ألف دينار؛ قاله جماعة من المؤرّحين. ثمّ استهمّ السلطان إلى سفر الحجاز الشريف وسافر الأمير ايدمر الخطيرىّ أمير حاج المحمل فى عشرين شوّال من السنة، ونزل السلطان من القلعة فى ثانى عشر شوّال وأقام بسرياقوس، حتّى سار منه إلى الحجاز فى خامس عشرينه، بعد ما قدّم حرمه صحبة الأمير طغيتمر فى عدّة من الأمراء. واستناب السلطان على ديار مصر الأمير سيف الدين ألماس الحاجب ورسم أن يقيم بداره، وجعل الأمير آقبغا عبد الواحد داخل باب القلعة من قلعة اجل لحفظ القلعة، وجعل الأمير جمال الدين آقوش نائب الكرك بالقلعة وأمره ألّا ينزل منها حتّى يحضر، وأخرج كلّ أمير من الأمراء المقيمين إلى إقضاعه، ورسم لهم ألّا يعودوا منها حتى يرجع السلطان من الحجاز. وتوجّه مع السلطان إلى الحجاز الملك الأفضل صاحب حماة، ومن الأمراء چنكلى ابن البابا والحاج آل ملك وبيبرس الاحمدى وبهادر المعزّى وأيدغمش أمير آخور

وبكتمر الساقى وطقزدمر وسنجر الجاولى وقوصون وطايربغا وطغاى تمر وبشتاك وأرنبغا وطغجى وأحمد بن بكتمر الساقى وجركتمر بن «1» بهادر وطيدمر الساقى وآقبغا آص الجاشنكير وطوغان الساقى وطقتمر الخازن وسوسون السّلاح دار وتلك «2» وبيبغا الشمسى وبيغرا وقمارى وتمر الموسوىّ وأيدمر أمير جاندار وبيدمر البدرى وطقبغا الناصرىّ وأيتمش الساقى، وإياز الساقى، وألطنقش «3» ، وأنس، وأيدمر «4» دقماق، وطيبغا «5» المجدى، وخير بك «6» ، وقطز «7» أمير آخور، وبيدمر، وأينبك «8» ، وأيدمر العمرى، ويحيى بن طايربغا، ومسعود الحاجب، ونوروز وكجلى، «9» وبرلغى، وبكجا، ويوسف الدّوادار، وقطلقتمر السلاح دار، وآناق «10» ، وساطلمش، وبغاتمر، ومحمد بن چنكلى، وعلى بن أيدغمش، وألاجا، وآق سنقر، وقرا، وعلاء الدين علىّ بن هلال الدولة، وتمربغا العقيلى، وقمارى الحسنى «11» ، وعلىّ بن أيدمر الخطيرىّ، وطقتمر اليوسفى، وهؤلاء مقدّمون وطلبخاناه. ومن العشرات على بن السعيدى، وصاروجا النقيب، وآق سنقر الرومى، وإياجى الساقى، وسنقر الخازن، وأحمد بن كجكن، وأرغون العلائى، وأرغون الإسماعيلى، وتكا «12» ، وقبجق «13» ، ومحمد بن الخطيرىّ، وأحمد بن أيدغمش،

وطشبغا، وقلنجى «1» . وحجّ مع السلطان أيضا قاضى القضاة جلال الدين القزوينىّ «2» الشافعىّ، وابن الفرات الحنفىّ وفخر الدين النّويرىّ المالكى، وموفّق «3» الدين الحنبلىّ، وكانوا أربعتهم ينزلون فى خيمة واحدة، فإذا قدّمت لهم فتوى كتبوا عليها الأربعة؛ وقدّم السلطان الأمير أيتمش إلى عقبة أيلة ومعه مائة رجل من اجازيّين حتى وسّعوا طريق العقبة وأزالوا وعرها، ومن يومئذ سهل صعودها. ولما قرب السلطان من عقبة أيلة بلغه اتفاق الأمير بكتمر الساقى على الفتك به مع عدّة من المماليك السلطانية، فتمارض السلطان وعزم على الرجوع إلى مصر ووافقه الأمراء على ذلك إلّا بكتمر الساقى، فإنّه أشار بإتمام السفر وشنّع عوده قبل الحجّ. فعند ذلك عزم السلطان على السّفر، وسيّر ابنه آنوك وأمّه خوند طغاى إلى الكرك صحبة الأمير ملكتمر السّرجوانىّ «4» نائب الكرك، فإنّه كان قدم إلى العقبة ومعه ابنا السلطان الملك الناصر: أبو بكر وأحمد اللّذان كان والدهما الناصر أرسلهما إلى الكرك قبل تاريخه بسنين ليسكنا بها. ثم مضى السلطان إلى سفره وهو محترز غاية التحرّز، بحيث إنّه ينتقل فى اللّيل عدّة مرار من مكان إلى مكان؛ ويحفى موضع مبيته من غير أن يظهر أحدا على ما فى نفسه ممّا بلغه عن بكتمر الساقى إلى أن وصل إلى ينبع، فتلقّاه الأشراف من أهل المدينة، وقدم عليه الشريف أسد الدين رميثة من مكة ومعه قوّاده وحريمه فأكرمهم السلطان وأنعم عليهم، وساروا معه إلى

أن نزل على خليص» فرّ منه نحو ثلاثين مملوكا إلى جهة العراق فلم يتكلّم السلطان، وسار حتّى قدم مكّة ودخلها فأنعم على الأمراء، وأنفق فى جميع من معه من الأجناد والمماليك ذهبا كثيرا، وأفاض على أهل مكة بالصدقات والإنعام. فلمّا قضى النّسك عاد يريد مصر، وعرّج إلى زيارة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، بالمدينة فسار حتّى وصلها فلمّا دخلها هبّت بها ريح شديدة فى اللّيل ألقت الخيم كلّها وتزايد اضطراب الناس واشتدّت ظلمة الجوّ فكان أمرا مهولا؛ فلمّا كان النهار سكن الريح فظفر أمير المدينة بمن فرّ من المماليك السلطانية فخلع السلطان عليه، وأنعم عليه بجميع ما كان مع المماليك من مال وغيره، وبعث بالمماليك إلى الكرك، فكان ذلك آخر العهد بهم. ثم مرض الأمير بكتمر الساقى وولده أحمد، فمات أحمد فى ليلة الثلاثاء سابع المحرّم سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة، ومات أبوه الأمير بكتمر الساقى فى ليلة الجمعة عاشر المحرّم بعد ابنه أحمد بيومين وحمل بكتمر إلى عيون «2» القصب فدفن بها، واتّهم السلطان أنّه سمّهما. و [ذلك أنه «3» ] كان قد عظم أمر بكتمر، بحيث إنّ السلطان كان معه فى هذه السّفرة ثلاثة آلاف ومائة عليقة، ومع بكتمر الساقى ثلاثة آلاف عليقة، وبلغت عدّة خيوله الخاصّة مائة طوالة [بمائة سايس بمائة سطل «4» ] ، وكان عليق خيول إسطبله دائما ألفا ومائة عليقة كلّ يوم، ومع هذا لم يقنعه ذلك.

وأخذ يدبّر فى قتل السلطان، وبلغ السلطان ذلك بعد أن خرج من القاهرة فتحرّز على نفسه بدربة وعقل ومعرفة ودهاء ومكر، حتّى صار فى أعظم حجاب من بكتمر وغيره. ثم أخذ هو أيضا يدبّر على بكتمر، وأخذ يلازمه فى الليل والنهار، بحيث إنّ بكتمر عجز فى الطريق أن ينظر إلى زوجته، فإنّه كان إذا ركب أخذ يسايره بجانبه ويكالمه من غير جفاء، وإذا نزل جلس معه، فإن مضى إلى خيامه «1» أرسل السلطان فى الحال خلفه، بحيث إنّه استدعاه- مرّة وهو يتوضّأ- بواحد بعد آخر حتّى كمل عنده اثنا عشر جمدار. فلمّا ثارت الريح بالمدينة قصد السلطان قتل بكتمر وولده أحمد تلك الليلة وهجموا على ولده أحمد فلم يتمكّنوا منه، واعتذروا بأنّهم رأوا حرامية وقد أخذوا لهم متاعا فمرّوا فى طلبهم، فداخل الصبىّ منهم الفزع، ثم زاد احتراز السلطان على نفسه، ورسم للأمراء أن يناموا بمماليكهم على بابه، ولمّا سار من المدينة عظم عنده أمر بكتمر، فلمّا كان فى أثناء الطريق سقى أحمد بن بكتمر ماء باردا فى مسيره، كانت فيه منيّته، ثم سقى بكتمر بعد موت ولده مشروبا فلحق بابنه، واشتهر ذلك، حتّى إنّ زوجة بكتمر لمّا مات صاحت وقالت للسلطان بصوت سمعها كلّ أحد: يا ظالم، أين تروح من الله! ولدى وزوجى، فأمّا زوجى كان مملوك، وولدى، إيش كان بينك وبينه! وكرّرت ذلك مرارا فلم يجبها. قلت: ولولا أنّ الملك الناصر سقى ولده أحمد قبله، وإلّا كانت حيلة الناصر لا تتمّ، فإنّ بكتمر أيضا كان احترز على نفسه وأعلم أصحابه بذلك. فلما اشتغل بمصاب ابنه أحمد انتهز الملك الناصر الفرصة وسقاه فى الحال. وأيضا لو بقى ولده ربما وثب حواشى بكتمر به على السلطان، وهذا الذي قلته على الظنّ منّى. والله أعلم. ويأتى أيضا بعض ذكر بكتمر الساقى فى الوفيات. انتهى.

ثم وصل إلى القاهرة مبشّر الحاج فى ثامن المحرّم سنة ثلاث وثلاثين تلك «1» المظفّرى الجمدار وأخبر بسلامة السلطان، فدقّت البشائر وخلع عليه خلع كثيرة واطمأنّ الناس بعد ما كان بينهم أراجيف. ثم وصل السلطان إلى الديار المصريّة فى يوم السبت ثامن عشر المحرّم بعد ما خرج معظم الناس إلى لقائه، ومدّ شرف الدين النّشو «2» شقاق الحرير والزّربفت «3» من بين العروستين «4» إلى باب الإسطبل، فلمّا توسّط بين الناس صاحت العوامّ: هو إيّاه ما هو إيّاه! بالله اكشف لنا لثامك، وأرنا وجهك! وكان قد تلثّم، فعند ذلك حسر اللثام عن وجهه فصاحوا بأجمعهم: الحمد الله على السلامة، ثمّ بالغوا فى إظهار الفرح به والدعاء له وأمعنوا فى ذلك، فسّر السلطان بهذا الأمر؛ ودخل القلعة ودقّت البشائر وعملت الأفراح ثلاثة أيام. وهذه حجّة السلطان الملك الناصر الثالثة، وهى التى يضرب بها المثل. وجلس السلطان على كرسىّ الملك وخلع على الأمراء قاطبة. وكان بلغ السلطان أنّ ألماس الحاجب كان اتّفق مع بكتمر الساقى على الفتك بالسلطان. قلت: وبكتمر وألماس كلاهما مملوكه ومشتراه. انتهى. ثم أخذ السلطان يدبّر على ألماس حتّى قبض عليه وعلى أخيه قرا فى العشرين من ذى الحجّة سنة ثلاث وثلاثين، وحمل قرا من يومه إلى الإسكندرية. وسبب معرفة السلطان اتّفاق ألماس مع بكتمر أنّ الملك الناصر لمّا مات بكتمر الساقى

صحبته بطريق الحجاز احتاط على موجوده، فكان من جملة الموجود جمدان «1» ففتحه السلطان فوجد فيه جوابا من الأمير ألماس إلى بكتمر الساقى يقول فيه: إنّنى حافظ القاهرة والقلعة إلى أن يرد علىّ منك ما أعتمده، فتحقّق السلطان أمره وقبض عليه، ولمّا قبض السلطان على ألماس أخذ جميع أمواله وكان مالا جزيلا إلى الغاية، فإنّه كان ولى الحجوبيّة وباشرها وليس بالديار المصرية نائب سلطنة، فإن الملك الناصر لم يولّ أحدا معه بعد الأمير أرغون، فعظم أمر ألماس فى الحجوبيّة لذلك فصار هو فى محلّ النيابة، ويركبون الأمراء وينزلون فى خدمته ويجلس فى باب القلعة فى منزلة النائب، والحجّاب والأمراء وقوف بين يديه. وكان ألماس رجلا طوالا غتميّا لا يفهم بالعربية، يفعل ذلك عامدا لإقامة الحرمة ويظهر البخل ولم يكن كذلك، بل كان يفعل ذلك خوفا من الملك الناصر، فإنّه كان يطلق لمماليكه الأرباع والأملاك المثمّنة وليس البخيل كذلك. ويأتى أيضا من ذكره شىء فى الوفيات. ثم فى سنة أربع وثلاثين وسبعمائة قدم تنكز إلى القاهرة وأقام بها أيّاما ثم عاد إلى محلّ ولايته فى يوم الخميس ثالث شهر رجب من سنة أربع وثلاثين وسبعمائة. وفى هذه السنة أفرج السلطان عن الأمير بهاء الدين أصلم وعن أخيه قرمچى وعن بكتوت القرمانى، فكانت مدّة اعتقال أصلم وقرمچى ست سنين وثمانية أشهر. ثم خلع السلطان على الأمير آقوش الأشرفى المعروف بنائب الكرك بنيابة طرابلس بعد موت قرطاى. قلت: وإخراج آقوش نائب الكرك المذكور من مصر لأمور، منها: صحبته مع ألماس، ومنها ثقله على السلطان، فإنّ السلطان كان يجلّه ويحترمه ويقوم له

كلّما دخل عليه لكبر سنه. ومنها معارضته للسلطان فيما يرومه، فأخرجه وبعث له بألف دينار وخرج معه برسبغا «1» مسفّرا له، فلمّا أوصله إلى طرابلس وعاد خلع عليه السلطان، واستقرّ به حاجبا صغيرا. وخلع على الأمير مسعود [بن أوحد «2» ] بن الخطير [بدر الدين «3» ] واستقرّ حاجبا كبيرا عوضا عن ألماس. وورد الخبر على السلطان من بغداد بأنّ صاحبها أمر النصارى بلبس العمائم الزّرق واليهود الصّفر اقتداء بالسلطان الملك الناصر بهذه السّنّة الحسنة. وفى يوم الأحد رابع المحرّم سنة خمس وثلاثين وسبعمائة قبض السلطان على الطواشى شجاع الدين عنبر السّحرتى مقدّم المماليك بسعاية النّشو ناظر الخاصّ، وأنعم بإقطاعه «4» وهى إمرة طبلخاناه على الطواشى سنبل، واستقرّ نائب مقدّم المماليك وخلع على الأمير آقبغا عبد الواحد واستقرّ مقدّم المماليك السلطانية مضافا للأستاداريّة عوضا عن عنبر السّحرتى كما كان أوّلا. فلمّا تولّى آقبغا تقدمة المماليك عرض الطباق ووضع «5» فيهم وضرب جماعة من السّلاح داريّة والجمدارية لامتناعهم «6» عنه ونفاهم إلى صفد فأعجب السلطان ذلك. وفى شهر رجب من سنة خمس وثلاثين أفرج السلطان عن الأمير بيبرس الحاجب، وكان له فى السجن من سنة خمس وعشرين، وأفرج أيضا عن الأمير طغلق «7» التّتارى، وهو أحد الأمراء الأشرفيّة وكان له فى السجن ثلاث وعشرون سنة فمات بعد أسبوع من قدومه.

قلت: لعلّه مات من شدّة الفرح. ثم أفرج السلطان عن الأمير غانم «1» بن أطلس خان، وكان له فى السجن خمس وعشرون سنة، وأفرج عن الأمير برلغى «2» الصغير وله فى السجن ثلاث وعشرون سنة، وأفرج عن جماعة أخر، وهم: أيدمر اليونسىّ أحد أمراء البرجيّة المظفّريّة والأمير لاچين العمرى والأمير طشتمر أخو بتخاص والأمير بيبرس العلمى، وكان من أكابر الأمراء البرجيّة من حواشى المظفّر بيبرس، والأمير قطلوبك الأوجاقىّ «3» والشيخ على مملوك سلّار والأمير تمر السّاقى نائب طرابلس أحد المنصوريّة، وكان قبض عليه سنة أربع عشرة، والجميع كان حبسهم فى ابتداء سلطنة الملك الناصر الثالثة بعد سنة عشر وسبعمائة، وأنعم السلطان على تمر الساقى بطبلخانات بالشام، وأنعم على بيبرس الحاجب بإمرة فى حلب، وأنعم على طشتمر بإمرة بدمشق وعلى أيدمر اليونسىّ وبلاط بإمرة فى طرابلس. ثم فى يوم الخميس رابع شهر ربيع الأوّل أنعم السلطان على ولده أبى بكر بإمرة، وركب بشربوش من إسطبل «4» الأمير قوصون، وسار من

الرّميلة «1» الى باب «2» القرافة، فطلع إلى القلعة، والأمراء والخاصّكيّة فى خدمته، وعمل لهم الأمير قوصون مهمّا عظيما فى إسطبله. ثم إنّ السلطان قبض على الأمير جمال الدين

آقوش الأشرفىّ المعروف بنائب الكرك، وهو يوم ذاك نائب طرابلس فى نصف جمادى الآخرة وحبس بقلعة صرخد، ثم نقل منها فى مستهلّ شوّال إلى الإسكندرية، ونزل النّشو إلى بيته «1» [بالقاهرة «2» ] وأخذ موجوده وموجود حريمه وعاقب أستاداره، واستقرّ عوضه فى نيابة طرابلس الأمير طينال. ثم اشتغل الملك الناصر بضعف مملوكه ومحبوبه ألطنبغا الماردانىّ، وتولّى تمريضه بنفسه إلى أن عوفى فأحبّ ألطنبغا أن ينشئ له جامعا «3» تجاه ربع الأمير طغجى خارج باب زويلة، واشترى عدّة دور من أربابها «4» بغير رضاهم، فندب السلطان النّشو لعمارة الجامع المذكور، فطلب النشو أرباب الأملاك وقال لهم: الأرض للسلطان ولكم قيمة البناء، ولا زال بهم حتّى ابتاعها منهم بنصف ما فى مكاتيبهم من الثمن، وكانوا قد أنفقوا فى عمارتها بعد مشتراها جملة، فلم يعتدّ لهم النّشو منها بشىء، وأقام النشو فى عمارته حتّى تمّ فى أحسن هندام، فجاء مصروفه ثلثمائة ألف درهم ونيّف، سوى ما أنعم به عليه السلطان من الخشب والرّخام

وغيره. وخطب به الشيخ ركن الدين [عمر «1» بن إبراهيم] الجعبرىّ من غير أن يتناول له معلوما. ثمّ جلس السلطان بدار العدل فوجد به رقعة تتضمّن الوقيعة فى النّشو وكثرة ظلمه وتسلّط أقاربه على الناس وكثرة أموالهم وتعشّق صهره ولىّ الدولة لشابّ تركىّ، فكان قبل ذلك قد ذكر الأمير قوصون للسلطان أن عميرا الذي كان شغف به الأمير ألماس قد ولع به أقارب النّشو وأنفقوا عليه الأموال الكثيرة، فلم يقبل السلطان فيه قول الأمراء لمعرفته لكراهتهم له، فلمّا قرئت عليه القصة قال: أنا أعرف من كتبها، واستدعى النّشو ودفعها [إليه «2» ] وأعاد له ما رماه به الأمير قوصون، فحلف النّشو على براءتهم من هذا الشاب، وإنّما هذا ومثله ممّا يفعله حواشى الأمير قوصون، وقصد قوصون تغيّر خاطر السلطان علىّ وبكى وانصرف. فطلب السلطان قوصون وأنكر عليه إصغاءه لحواشيه فى حقّ النشو وأخبره بحلف النّشو، فحلف قوصون أنّ النّشو يكذب فى حلفه ولئن قبض السلطان على الشاب وعوقب ليصدقنّ السلطان فيمن يعاشره من أقارب النّشو، فغضب السلطان وطلب أمير مسعود الحاجب وأمره بطلب الشابّ وضربه بالمقارع حتّى يعترف بجميع من يصحبه وكتابة أسمائهم وألزمه ألّا يكتم عنه شيئا، فطلبه وأحضر المعاصير فأملى عليه الشابّ عدّة كثيرة من الأعيان، منهم: ولىّ الدولة فخشى مسعود على الناس من الفضيحة، وقال للسلطان: هذا الكذّاب ما ترك أحدا فى المدينة حتّى اعترف عليه، وأنا أعتقد أنّه يكذب عليهم، وكان السلطان حشيم النفس يكره الفحش، فقال لمسعود: يا بدر الدين، من ذكر من الدواوين؟ فقال: والله يا خوند ما خلّى أحدا من خوفه حتّى ذكره، فرسم السلطان بإخراج عمير المذكور ووالده إلى غزّة،

ورسم لنائبها أن يقطعهما خبزا بها. وكان ذلك أوّل انحطاط قدر النّشو عند السلطان. ثم اتّفق بعد ذلك أن طيبغا «1» القاسمى الناصرىّ، وكان يسكن بجوار النّشو وله مملوك جميل الصورة فآعتشر به ولىّ الدولة وغيره من إخوة النّشو، فترصد أستاذه طيبغا حتّى هجم يوما عليهم وهو معهم فأخذه منهم وخرج وبلغ النّشو ذلك، فبادره بالشّكوى إلى السلطان بأنّ طيبغا القاسمىّ يتعشّق مملوكه ويتلف عليه ماله، وأنّه هجم وهو سكران على بيتى وحريمى وقد شهر سيفه وبالغ فى السبّ، وكان السلطان يمقت على السكر فأمر فى الحال بإخراج طيبغا ومملوكه إلى الشام. وكان السلطان مشغولا فى هذه الأيام بعمارة قناطر «2» شبين القصر على بحر أبى المنجّا «3» فأنشئت تسع قناطر. ثم توجّه السلطان فى شهر ربيع الآخر من سنة ستّ وثلاثين وسبعمائة إلى الوجه القبلى للصّيد، ثم عاد إلى القاهرة بعد أن غاب خمسة وأربعين يوما. كلّ ذلك وأمر النّشو فى إدبار بالنسبة لما كان عليه. ثم جلس السلطان يوما بالميدان فسقط عليه طائر حمام وعلى جناحه ورقة تتضمن الوقيعة فى النّشو وأقاربه والقدح فى السلطان بأنه قد أخرب دولته، فغضب السلطان غضبا شديدا وطلب النّشو

وأوقفه على الورقة وتنّمر عليه لكثرة ما شكى منه، فقال النّشو: يا خوند، الناس معذورون وحقّ رأسك! لقد جاءنى خبر هذه الورقة ليلة كتبت، وهى فعل المعلم أبى شاكر بن سعيد الدولة ناظر البيوت، كتبها فى بيت الصّفىّ كاتب الأمير قوصون، وقد اجتمع هذا وأقاربه فى التدبير علىّ، ثم أخذ النّشو يعرّف السلطان ما كان من أمر سعيد الدولة فى أيّام المظفّر بيبرس الجاشنكير وأغراه به حتّى طلبه وسلّمه إلى الوالى علاء الدين علىّ بن المروانىّ «1» ، فعاقبه الوالى عقوبة مؤلمة. ثم طلب السلطان الأمير قوصون وعنّفه بفعل الصّفىّ كاتبه، ثم تتّبع النّشو حواشى أبى شاكر وقبض عليهم وسلّمهم إلى الوالى وخرّب بيوتهم وحرثها بالمحراث، واشتدّت وطأة النّشو على الناس واستوحش الناس منه قاطبة، وصار النّشو يدافع عن نفسه بكلّ ما يمكن والمقادير تمهله. ثم بدا للسلطان أن ينقل الخليفة من مناظر الكبش إلى قلعة الجبل فنقل فى ثالث عشرين ذى القعدة من سنة ستّ وثلاثين. والخليفة المستكفى بالله أبو الربيع سليمان، وسكن الخليفة بالقلعة حيث كان أبوه الحاكم نازلا ببرج السّباع «2» بعياله، ورسم على الباب جاندار بالنّوبة، وسكن ابن عمّه إبراهيم فى برج بجواره بعياله، ورسم عليه جاندار آخر ومنعا عن الاجتماع بالناس، كلّ ذلك لأمر قيل. ثمّ إن السلطان فى سابع عشر محرّم سنة سبع وثلاثين وسبعمائة عقد عقد ابنه أبى بكر على ابنة الأمير سيف الدين طقزدمر الحموىّ الناصرى أمير مجلس بدار الأمير قوصون. ثم قدم الأمير تنكز نائب الشام ثانى شهر رجب من سبع وثلاثين المذكورة

على السلطان وهو بسرياقوس فخلع عليه وسافر فى ثانى عشرينه إلى محلّ ولايته. ثم فى هذه السنة زاد ظلم النّشو على التّجّار، وزمى على التّجّار الخشب بأضعاف ثمنه، فكثرت الشّكوى منه إلى أن توصّل بعض التجار لزوجة السلطان خوند طغاى أمّ آنوك، وقال لها: رمى علىّ النّشو خشبا يساوى ألفى درهم بألفى دينار، فعرّفت أمّ آنوك السلطان بذلك، فأمر السلطان بطلب التاجر وقد اشتدّ غضبه على النّشو وبلغ النّشو الخبر، ففى الحال أرسل النّشو رجلا إلى التاجر وسأله فى قرض مبلغ من المال، فعرّفه التاجر أمر الخشب وما هو فيه من الغرامة، فقال له الرجل: أرنى الخشب فإنى محتاج إليه، فلما رآه قال: هذا غرضى واشتراه منه بفائدة ألف درهم إلى شهر، وفرح التاجر بخلاصه من الخشب وأشهد عليه بذلك، وأخذ الخشب وأتى بالمعاقدة إلى النّشو، فأخذها النّشو وطلع إلى السلطان من فوره، وقال للسلطان: يا مولانا السلطان، نزلت آخذ الخشب من التاجر وجدته قد باعه بفائدة ألف درهم، قلم يصدّقه السلطان وعوّق النّشو وقد امتلأ عليه غضبا، فطلب التاجر وسأله عمّا رماه عليه النّشو من الخشب فاغترّ التاجر بأمّ آنوك وأخذ يقول: ظلمنى النّشو وأعطانى خشبا بألفى دينار يساوى ألفى درهم، فقال له السلطان: وأين الخشب: فقال: بعته بالدّين، فقال النّشو: قل الصحيح، فهذه معاقدتك معه، فلم يجد التاجر بدّا من الاعتراف، فحنق عليه السلطان وقال له: ويلك! تقيم علينا القالة، وأنت تبيع بضاعتنا بفائدة؛ وسلّمه إلى النشو وأمره بضربه، وأخذ الألفى دينار منه مع مثلها، وعظم عنده النّشو وتحقّق صدق ما يقوله، وأن الذي يحمل الناس على التكلّم فيه الحسد. ثم عبر السلطان إلى الحريم وسّبهنّ وعرّفهنّ بما جرى من كذب التاجر وصدق النّشو، وقال: مسكين النشو، ما وجدت أحدا يحبّه. ثم أفرج السلطان عن الأمير طرنطاى المحمّدى بعد ما أقام فى السجن سبعا وعشرين

سنة وأخرج إلى الشام. ثم فى يوم الاثنين ثانى عشر رمضان ركب النّشو على عادته فى السّحر إلى الخدمة فاعترضه فى طريقه عبد المؤمن «1» بن عبد الوهاب السلامى المعزول عن ولاية قوص، فضربه بالسيف فأخطأ رأس النشو وسقطت عمامته عن رأسه، وقد جرح كتفه وسقط على الأرض وبحا الفارس بنفسه، وفى ظنّه أن رأس النّشو قد طاح عن بدنه لعظم ضربه، وبلغ السلطان ذلك فغضب ولم يحضر السّماط، وبعث إلى النّشو بعدّة من الجمدارية والجرايحية فقطّبت ذراعه بستّ إبر وجبينه باثنتى عشرة إبرة، وألزم والى القاهرة ومصر بإحضار غريم النشو. وأغلظ السلطان على الأمراء بالكلام، وما زال يشتدّ ويحتدّ حتّى عادت القصّاد بسلامة النّشو فسكن ما به؛ ثم بعث النّشو مع أخيه رزق «2» الله إلى السلطان يعلمه بأنّ هذا من فعل الكتّاب بموافقة لؤلؤ «3» ، فطلب السلطان الوالى وأمره بمعاقبة الكتّاب الذين هم فى المصادرة مع لؤلؤ حتى يعترفوا بغريم النّشو. وكان السلطان قد قبض على لؤلؤ وكتّابه وصادره قبل تاريخه بموافقة «4» النّشو، فنزل الوالى وعاقب لؤلؤا وضربه ضربا مبرّحا، وعاقب المعلّم أبا شاكر وقرموطا عقابا شديدا، فلم يعترفوا بشىء. وعوفى النّشو وطلع إلى القلعة وخلع السلطان عليه، ونزل من القلعة بعد أن رتّب

السلطان المقدّم إبراهيم «1» بن أبى بكر بن شدّاد بن صابر أن يمشى فى ركابه ومعه عشرة من رجاله فى ذهابه وإيابه، ثم قبض النّشو بعد ذلك على [تاج الدين «2» ] ابن الأزرق وصادره حتّى باع أملاكه، وكان من جملة أملاكه ملك بشاطئ النيل، فاشتراه منه الأمير عزّ الدين أيدمر الخطيرىّ، وكان بجانبه ساقية فهدم الخطيرى الدار والساقية وعمرهما جامعا «3» بخطّ بولاق على شاطئ النيل. قلت: وكان أصل موضع هذا الجامع المذكور أنّه لمّا أنشئت العمائر ببولاق عمّر الحاج محمد بن عزّ الفراش بجوار الساقية المذكورة دارا على النيل، ثم انتقلت بعد موته إلى ابن الأزرق هذا فكانت تعرف بدار الفاسقين، من كثرة اجتماع النصارى بها على ما لا يرضى الله تعالى، فلمّا صادره النّشو باعها فيما باعه فاشتراها الخطيرى بثمانية آلاف درهم، وهدمها وبنى مكانها ومكان الساقية جامعا أنفق فيه أموالا جزيلة فى أساساته مخافة من زيادة النيل، وأخذ أراضى حوله من بيت المال، وأنشأ عليها الحوانيت والرّباع والفنادق. فلمّا تمّ بناؤه قوى عليه ماء النيل فهدم جانبا منه فأنشأ تجاهه زريبة رمى فيها ألف مركب موسوقة بالحجارة، قاله الشيخ تقىّ الدين المقريزى رحمه الله وهو حجة فيما ينقله. لكن أقول لعله وهم فى هذا وأراد أن يقول: وسق ألف مركب بالحجارة فسبق قلمه بما ذكرناه، قال: وسمّى هذا الجامع بجامع التوبة، وجاء فى غاية الحسن، فلما أفرج عن ابن الأزرق من المصادرة ادّعى أنّه كان مكرها فى بيع داره، فأعطاه الأمير أيدمر الخطيرىّ

ثمانية آلاف درهم أخرى حتى استرضاه، ولا يكون جامعه بنى فى أرض مكرهة انتهى. وقد خرجنا عن المقصود ولنرجع إلى أمر الملك الناصر. وأمّا النشو فإنّه لا زال على ابن الأزرق هذا حتّى قبض عليه ثانيا وعاقبه حتى مات، وذلك فى سنة سبع وثلاثين وسبعمائة. ثمّ فى سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة أنعم السلطان الملك الناصر فى يوم واحد على أربعة من مماليكه بمائتى ألف دينار مصريّة، وهم: قوصون وألطنبغا الماردانىّ وملكتمر الحجازىّ وبشتك. وفى هذه السنة ولد للسلطان ابنه صالح من بنت الأمير تنكز نائب الشام، فعمل لها السلطان بشخاناه «1» ودائر بيت زركش، وتكملة البذلة من المخدّات والمقاعد بمائتى «2» ألف دينار وأربعين ألف دينار، وعمل لها الفرخ سبعة أيام. وفى هذه السنة وقع للملك الناصر غريبة، وهو أنّه استدعى من بلاد الصعيد بألفى رأس من الضّأن، واستدعى من الوجه البحرىّ بمثلها لتتمّة أربعة آلاف رأس. وشرع السلطان فى عمل حوش «3» برسمها وبرسم الأبقار البلق، فوقع اختياره على موضع بقلعة الجبل مساحته أربعة أفدنة، قد قطعت منه الحجارة لعمارة القاعات

التى بالقلعة حتّى صار غورا عظيما، فطلب كاتب الجيش ورتّب على كلّ من الأمراء المقدّمين مائة رجل ومائة دابّة لنقل التّراب، وعلى كلّ من أمراء الطبلخاناه بحسب حاله. وأقام الأمير آقبغا عبد الواحد شادا وأن يقيم معه من جهة كلّ أمير أستاداره بعدّة من جنده. وألزم الأسرى بالعمل. ورسم لوالى القاهرة بتسخير العامّة، فنصب الأمير آقبغا خيمته على جانب الموضع، واستدعى استاداريّة الأمراء واشتدّ عليهم، فلم يمض ثلاثة أيام حتّى حضرت إليه رجال الأمراء من نواحيهم، ونزل كلّ أستادار بخيمته، ومعه دوابّه ورجاله فقسمت عليهم الأرض قطعا معيّنة لكلّ واحد منهم، فجدّوا فى العمل ليلا ونهارا واستحثهم آقبغا المذكور بالضرب، وكان ظالما غشوما، فعسف بالرجال وكلّفهم السّرعة فى أعمالهم من غير رخصة ولا مكّنهم [من «1» ] الاستراحة، وكان الوقت صيفا حارّا فهلك جماعة كثيرة منهم فى العمل لعجز قدرتهم عمّا كلّفوه. ومع ذلك كلّه والولاة تسخّر من تظفر به من العامّة وتسوقه إلى العمل، فكان «2» أحدهم إذا عجز ألقى بنفسه إلى الأرض، رمى أصحابه عليه التّراب فيموت لوقته. هذا والسلطان يحضر كلّ يوم حتّى ينظر العمل، وكان الأمير ألطنبغا الماردانى قد مرض وأقام أياما بالميدان «3» على النيل حتّى عوفى وطلع إلى القلعة من باب القرافة، فاستغاث به الناس وسألوه أن يخلّصهم من هذا العمل، فتوسّط لهم عند السلطان، حتى أعفى الناس من السّخر وأفرج عمّن قبض عليه منهم، فأقام العمل ستة وثلاثين يوما إلى أن فرغ منه، وأجريت إليه المياه، وأقيمت به الأغنام المذكورة والأبقار البلق وبنيت به بيوت للإوز وغيرها.

قلت: لعلّ هذا الموضع يكون هو الحوش الذي يلعب فيه السلطان بالكرة تحت قاعة الدهيشة «1» . والله أعلم. وعند فراغ هذا الحوش استدعى السلطان الأمراء وعمل لهم سماطا جليلا، وخلع على جماعة ممّن باشر العمل وغيرهم. ثمّ أنشأ السلطان لمملوكيه: الأمير يلبغا اليحياوىّ ولأمير ألطنبغا الماردانىّ لكلّ منهما قصرا «2» تجاه حمّام الملك السعيد قريبا من الرّميلة تجاه القلعة، وأخذ من إسطبل الأمير أيدغمش أمير آخور قطعة، ومن إصطبل الأمير «3» قوصون قطعة، ومن إصطبل طشتمر الساقى قطعة، ونزل السلطان بنفسه حتّى قرّر أمره، ورسم السلطان للأمير قوصون أن يشترى الأملاك الّتى حول إصطبله ويضيفها فيه. ثمّ أمر السلطان أن يكون بابا الإصطبلين اللذين أمر بإنشائهما ليلبغا وألطنبغا تجاه حمّام الملك السعيد، وأقام الأمير آقبغا عبد الواحد شادّ عمارة القصرين والإصطبلين المذكورين. قلت: أمّا إصطبل قوصون فهو البيت المعدّ لسكن كلّ من صار أتابك العساكر فى زماننا هذا، الذي بابه الواحد تجاه باب السلسلة «4» . وأمّا

بيت «1» طشتمر الساقى حمّص أخضر، هو البيت الذي الآن على ملك الأمير جرباش المحمّدى الأتابك «2» ، الذي بابه الواحد من حدرة البقر، وبيت «3» أيدغمش أمير آخور لعلّه يكون بيت منجك اليوسفىّ الذي هو الآن على ملك تمربغا الظاهرىّ رأس نوبة «4» النّوب.

وأمّا القصران والإسطبلان اللّذان عمّرهما السلطان ليلبغا اليحياوىّ وألطنبغا الماردانّى أخذهما السلطان حسن، وجعل مكانهما مدرسته المعروفة بمدرسة «1» السلطان حسن تجاه قلعة الجبل. والله أعلم.

وفى هذه السنة (أعنى سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة) عمل السلطان جسرا «1» بالنيل على جسر «2» ابن الأثير، وحفر الخليج الكبير المعروف بخليج الخور «3» . وسببه أنّ

النيل قوى على ناحية بولاق وهدم جامع الخطيرىّ حتّى احتاج أيدمر الخطيرىّ لتجديده، فرسم السلطان للسكّان على شاطئ النيل بعمل زرابىّ لجميع ملّاك «1» الدور بالقرب من فم الخور، وألّا يؤخذ منهم عليها حكر، فبنى صاحب كلّ دار زريبة تجاه داره فلم يفد ذلك شيئا، فكتب السلطان بإحضار مهندسى البلاد القبليّة والبحريّة، فلمّا تكاملوا ركب السلطان إلى النيل وهم معه وكشف البحر فاتّفق

الرأى على أن يحفر الرمل «1» الذي بالجزيرة المعروفة بجزيرة أروى «2» (أعنى الجزيرة الوسطى) حتّى يصير خليجا يجرى فيه الماء، ويعمل جسر «3» وسط النيل يكون سدا يتصل

بالجزيرة (يعنى من الروضة «1» ) إلى الجزيرة الوسطانية، فإذا كانت زيادة النيل جرى الماء فى الخليج الذي حفر وكان قدّامه سدّ عال يرد الماء إليه، حتّى يتراجع النيل عن برّ بولاق والقاهرة إلى برّ ناحية منبابه «2» . وعاد السلطان إلى القلعة وخرجت البرد من الغد إلى الأعمال بإحضار الرجال [للعمل «3» ] صحبة المشدّين وطلبت الحجارون بأجمعهم لقطع الحجارة من الجبل، ثم تحمل إلى الساحل وتملأ بها المراكب وتغرّق وهى ملأنة بالحجارة حيث يعمل [الجسر «4» ] ، فلم يمض عشرة أيام حتى قدمت الرجال من النواحى وتسلّمهم آقبغا عبد الواحد والأمير برسبغا الحاجب. ورسم السلطان لوالى القاهرة ولوالى مصر بتسخير العامّة للعمل فركبا وقبضا على عدّة كثيرة منهم، وزادوا فى ذلك حتى صارت الناس تؤخذ من المساجد والجوامع والأسواق، فتستّر الناس ببيوتهم خوفا من السخرة، ووقع الاجتهاد فى العمل واشتدّ الاستحثاث حتّى إنّ الرجل كان يخرّ الى الأرض وهو يعمل لعجزه عن الحركة فتردم رفقته عليه الرمل فيموت من ساعته. واتّفق هذا لخلائق كثيرة؛ وآقبغا عبد الواحد راكب فى حرّاقة يستعجل المراكب المشحونة بالحجارة، والسلطان ينزل إليهم فى كلّ قليل ويباشرهم ويغلظ على آقبغا ويحرّضه على السّرعة واستنهاض

العمال «1» حتّى كمل فى مدّة شهر بعد أن غرق فيه اثنتا عشرة مركبا بالحجارة، وسق كلّ مركب ألف إردب. وكانت عدّة المراكب التى أشحنت بالحجارة المقطوعة من الجبل ورميت فى البحر حتّى صار جسرا يمشى عليه، ثلاثا وعشرين ألف مركب حجر سوى ما عمل فيه من آلات الخشب والسّرياقات «2» والحلفاء ونحو ذلك. وحفر الخليج بالجزيرة؛ فلمّا زاد النيل جرى فى الخليج المذكور وتراجع الماء حتّى قوى على برّ منبابة وبرّ بولاق التّكرورىّ «3» ، فسرّ السلطان والناس قاطبة بذلك، فإنّ الناس كانوا على تخوّف كبير من النيل على القاهرة. وأنفق السلطان على هذا العمل من خزانته أموالا كثيرة. كلّ ذلك فى سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة المذكورة.

فلمّا استهلّت سنة تسع وثلاثين وسبعمائة حضر فيها الأمير تنكز نائب الشام ورسم بسكناه فى داره «1» بالكافورى «2» على عادته، وخلع عليه خلعة الاستمرار على نيابة دمشق. وبعد أيّام تكلّم تنكز فى يلبغا نائب حلب فعزله السلطان عن نيابة حلب وأنعم عليه بنيابة غزّة. وقدّم تنكز فى هذه المرّة للسلطان تقدمة عظيمة تجلّ عن الوصف، فيها من صنف الجوهر فقط ما قيمته ثلاثون ألف دينار، ومن الزّركش عشرون ألف دينار، ومن أوانى البلّور وتعابى القماش والخيل والسّروج والجمال البخاتى ما قيمته مائتان وعشرون ألف دينار مصريّة، فلمّا انقضت التّقدمة أخذ السلطان تنكز وأدخله إلى الدور السلطانية حتى رأى ابنته زوجة السلطان، فقامت اليه وقبّلت يده، ثم أخرج السلطان إليه جميع بناته وأمرهنّ بتقبيل يد تنكز المذكور وهو يقول لهنّ واحدة بعد واحدة: بوسى يد عمّك، ثم عيّن منهنّ بنتين لولدى الأمير تنكز فقبّل تنكز الأرض وخرج من الدور، والسلطان يحادثه. وأمر السلطان بالاهتمام إلى سفر الصعيد للصّيد على عادته وتنكز صحبته؛ وكان من إكرامه له فى هذه السّفرة ما لا عهد من ملك مثله، فلمّا عاد السلطان من الصعيد أمر النّشو بتجهيز كلفة عقد ابنى تنكز على ابنتيه، وكلفة سفر تنكز إلى الشام،

فجهّز النّشو ذلك كلّه، وعقد لابنى تنكز على ابنتى السلطان فى بيت الامير قوصون، لكون قوصون أيضا متزوّجا بإحدى بنات السلطان، بحضرة القضاة والأمراء. ثمّ ولدت بنت الأمير تنكز من السلطان بنتا فسجد شكرا لله بحضرة السلطان، وقال: ياخوند، كنت أتمنى أن يكون المولود بنتا فإنها لو وضعت ذكرا كنت أخشى من تمام السعادة، فإنّ السلطان قد تصدّق علىّ بما غمرنى به من السعادة فخشيت من كمالها. ثم جهّز السلطان الأمير تنكز وأنعم عليه من الخيل والتعابى القماش ما قيمته مائة وعشرون «1» ألف دينار. وأقام تنكز فى هذه المرّة بالقاهرة مدّة شهرين، فلما وادع «2» السلطان سأله إعفاء الأمير كجكن من الخدمة وأشياء غير ذلك فأجابه إلى جميع ما سأله. وكتب له تقليدا بتفويض الحكم فى جميع الممالك الشامية بأسرها، وأن جميع نوّابها تكاتبه بأحوالها، وأن تكون مكاتبته: «أعزّ الله أنصار المقرّ الشريف» ، بعد ما كانت. «أعزّ الله أنصار الجناب» وأن يزاد فى ألقابه: «الزاهدىّ العابدىّ العالمىّ كافل الإسلام أتابك الجيوش» . وأنعم السلطان على مغنّية قدمت معه من دمشق من جملة مغانيه بعشرة آلاف درهم، ووصل لها من الدّور ثلاث بذلات زركش وثلاثون تعبية قماش وأربع بذلات مقانع وخمسمائة دينار. ثم آخر ما قال السلطان لتنكز: إيش بقى لك حاجة؟ بقى فى نفسك شىء، أقضيه لك قبل سفرك؟ فقبّل الأرض وقال: والله ياخوند، ما بقى فى نفسى شىء أطلبه إلّا أن أموت فى أيّامك، فقال السلطان: لا، إن شاء الله تعيش أنت وأكون أنا فداءك، أو أكون بعدك بقليل، فقبّل الأرض وانصرف، وقد حسده سائر الأمراء، [وكثر «3» حديثهم] فيما حصل له من الإكرام الزائد، فاتّفق ما قال السلطان، فإنّه لم يقم بعد موت تنكز إلّا مدّة قليلة.

وأمّا أمر النّشو فإنّه لم يزل على الظلم والعسف فى الرّعية والأقدار تساعده إلى أن قبض عليه السلطان الملك الناصر فى يوم الاثنين ثانى صفر سنة أربعين وسبعمائة، وعلى أخيه مجد «1» الدين رزق الله، وعلى [أخيه «2» ] المخلص وعلى مقدّم الخاصّ ورفيقه. وسبب ذلك أنّه زاد فى الظلم حتى قلّ الجالب إلى مصر وذهب أكثر أموال التجّار لطرح الأصناف عليهم بأغلى الأثمان، وطلب السلطان الزيادة فخاف العجز، فرجع عن ظلم العامّ إلى الخاصّ، ورتّب مع أصحابه ذلك، وكانت عادته فى كلّ ليلة أن يجمع إخوته وصهره ومن يثق به فى النظر فيما يحدثه من المظالم، يقترح كلّ منهم ما يقترحه من لمظالم ثم يتفرقون، فرتّبوا فى ليلة من الليالى أو راقا تشتمل على فصول يتحصّل منها ألف ألف دينار عينا وقرأها على السلطان: منها التقاوى السلطانية المخلّدة بالنواحى من الدولة الظاهريّة بيبرس والمنصوريّة قلاوون فى إقطاعات الأمراء والأجناد، وجملتها مائة ألف إردب وستون ألف إردب سوى ما فى بلاد السلطان من التقاوى، ومنها الرّزق الأحباسية الموقوفة على المساجد والجوامع والزوايا وغير ذلك، وهى مائة ألف فدان وثلاثون ألف فدان. وقرّر مع السلطان أن يأخذ التقاوى المذكورة، وأن يلزم كلّ متولى إقليم باستخراجها وحملها، وأن يقيم شادّا يختاره لكشف الرّزق الأحباسية، فما كان منها على موضع عامر [بذكر الله «3» ] يعطيه نصف ما يحصل ويأخذ من مزارعيه فى النصف الآخر عن كلّ فدان مائة درهم. قلت: ولم يصحّ ذلك للنّشو وصحّ مع أستادار زماننا هذا زين الدين «4» يحيى الأشقر قريب ابن أبى الفرج لمّا كان ناظر «5» المفرد فى أستادارية قزطوغان فإنّه أحدث

هذه المظلمة فى دولة الملك الظاهر «1» ، ودامت فى صحيفته إلى يوم القيامة، فأقول: كم ترك الأول للآخر. انتهى. قال: ويلزم المزارع بخراج ثلاث سنين، وما كان من الرّزق على موضع خراب «2» ، أو على أهل الأرياف من الفقهاء والخطباء ونحوهم أخذوا «3» ، واستخرج من مزارعيه خراج ثلاث سنين. وممّا أحدثه أيضا أرض [جزيرة] الرّوضة تجاه مدينة مصر، فإنها بيد أولاد الملوك، فيستأجرها منهم الدواوين وينشوا بها سواقى الأقصاب وغيرها. ومنها ما باعه أولاد الملوك بأبخس الأثمان، وقرّر مع السلطان أخذ أراضى الرّوضة للخاصّ. ومنها أرباب الرواتب السلطانية فإنّ أكثرهم عبيد الدواوين، ونساؤهم وغلمانهم يكتبونها باسم زيد وعمرو؛ وذكر أشياء كثيرة من هذه المقولة إلى أن تعرض للأمير آقبغا عبد الواحد ولأمواله وحواصله، وحسّن للسلطان القبض عليه وشرع فى عمل ما قاله، فعظم ذلك على الناس وتراموا على خواصّ السلطان من الأمراء وغيرهم، فكلّموا السلطان فى ذلك وعرّفوه قبح سيرة النّشو، وما قصده إلّا خراب مملكة السلطان. ثم رميت للسلطان عدّة أوراق فى حقّ النّشو، فيها مكتوب: أمعنت فى الظلم وأكثرته ... وزدت يا نشو على العالم ترى من الظالم فيكم لنا ... فلعنة الله على الظالم وأبيات أخر. وكان السلطان أرسل قرمحى إلى تنكز لكشف أخبار النّشو بالبلاد الشامية، فعاد بمكاتبات تنكز بالحطّ عليه، وذكر قبح سيرته وظلمه وعسفه

وكان النّشو قد حصل له قولنج انقطع منه أياما، ثم طلع إلى القلعة وأثر المرض فى وجهه، وقرّر مع السلطان إيقاع الحوطه على آقبغا عبد الواحد من الغد، وكان ذلك فى أوّل يوم من صفر. وتقرّر الحال على أنه يجلس النّشو على باب الخزانة، فإذا خرج الأمير بشتك من الخدمة جلس معه، ثم يتوجّهان إلى بيت آقبغا ويقبضان عليه. فلما عاد النّشو إلى داره عبر الحمّام ليلة الاثنين ومعه [شمس الدين محمد «1» ] بن الأكفانىّ، وقد قال له ابن الأكفانىّ: بأنّ على النشو فى هذا الشهر قطعا «2» عظيما فأمر النّشو بعض عبيده السودان أن يحلق رأسه ويجرحه بحيث يسيل الدّم على جسده ليكون ذلك حظّه من القطع، ففعل به ذلك، وتباشروا بما دفع الله عنه من السوء. ثمّ خرج النّشو من الحمّام، وكان الأمير يلبغا اليحياوىّ أحد خواصّ السلطان ومماليكه قد توعّك جسده توعّكا صعبا فقلق السلطان عليه وأقام عنده لكثرة شغفه به، فقال له يلبغا فيما قال: ياخوند، قد عظم إحسانك لى ووجب نصحك علىّ والمصلحة القبض على النّشو، وإلّا دخل عليك الدخيل، فإنّه ما عندك أحد من مماليكك إلّا وهو يترقّب غفلة منك، وقد عرّفتك ونصحتك قبل أن أموت، وبكى وبكى السلطان لبكائه، وقام السلطان وهو لا يعقل لكثرة ما داخله من الوهم لثقته بمحبّة يلبغا له، وطلب بشتك فى الحال وعرّفه أنّ الناس قد كرهوا هذا النشو، وأنه عزم على الإيقاع به، فخاف بشتك أن يكون ذلك امتحانا من السلطان، ثم وجد عزمه قويّا فى القبض عليه، فاقتضى الحال إحضار الأمير قوصون أيضا فحضر وقوّى عزم السلطان على ذلك، وما زالا به حتى قرّر معهما أخذه والقبض عليه. وأصبح النشو وفى ذهنه أنّ القطع

الذي تخوّف منه قد زال عنه بما دبّره ابن الأكفانى من إسالة دمه. ثم علّق عليه عدّة من العقود والطّلّسمات والحروز وركب إلى القلعة وجلس بين يدى السلطان على عادته، وأخذ معه فى الكلام على القبض على آقبغا عبد الواحد. ثم نهض النّشو وتوجّه إلى باب الخزانة، وجلس عليها ينتظر مواعدة بشتك، فعند ما قام النّشو طلب السلطان المقدّم ابن صابر «1» ، وأسرّ إليه أن يقف بجماعته على باب القلعة وعلى باب القرافة، ولا يدع أحدا به من حواشى النّشو وجماعته وأقار به وإخوته أن ينزلوا ويقبضوا عليهم الجميع. وأمر السلطان بشتك وبرسبغا الحاجب أن يمضيا إلى النّشو ويقبضا عليه وعلى أقاربه، فخرج بشتك وجلس بباب الخزانة فطلب النّشو من داخلها فظنّ النشو أنه جاء لميعاده مع السلطان حتّى يحتاطا على موجود آقبغا، فساعة ما وقع بصره عليه أمر مماليكه بأخذه فأخذوه إلى بيته بالقلعة، وبعث إلى بيت الأمير ملكتمر الحجازىّ فقبض على أخيه رزق الله، ثم أخذ أخاه المخلص وسائر أقار به. وطار الخبر فى القاهرة ومصر، فخرج الناس كلّهم كأنّهم جراد منشر، وركب الأمير آقبغا عبد الواحد والأمير طيبغا المجدى «2» والأمير بيغرا والأمير برسبغا لإيقاع الحوطة على بيوت النّشو وأقاربه وحواشيه، ومعهم عدوّه [القاضى جمال الدين إبراهيم «3» المعروف ب] جمال الكفاة كاتب الأمير بشتك وشهود الخزانة، وأخذ السلطان يقول للأمراء: كم تقولون، النّشو ينهب مال الناس! الساعة ننظر المال الذي عنده! وكان السلطان يظنّ أنّه يؤدّيه الأمانة، وأنّه لا مال له، فندم الأمراء على تحسينهم مسك النّشو خوفا من ألّا يظهر له مال، لا سيما

قوصون وبشتك من اجل أنّهما كانا بالغا فى الحطّ عليه، فكثر قلقهما ولم يأكلا طعاما نهارهما وبعثا فى الكشف على الخبر. فلما أوقع الأمراء الحوطة على دور الممسوكين بلغهم أنّ حريم النّشو فى بستان فى جزيرة «1» الفيل، فساروا إليه وهجموا عليه فوجدوا ستين جارية وأمّ النّشو وامرأته وإخوته وولديه وسائر أهله، وعندهم مائتا قنطار عنب وقند «2» كثير ومعصار وهم فى عصر العنب، فختموا على الدّور والحواصل، ولم يتهيّأ لهم نقل شىء [منها «3» ] . هذا وقد غلّقت الأسواق بمصر والقاهرة، واجتمع الناس بالرّميلة تحت القلعة ومعهم النساء والأطفال وقد أشعلوا الشموع ورفعوا على رءوسهم المصاحف ونشروا الأعلام وهم يصيحون استبشارا وفرحا بقبض النّشو، والأمراء تشير إليهم أن يكثروا ممّا هم فيه، واستمرّوا ليلة الثلاثاء على ذلك، فلمّا أصبحوا وقع الصوت من داخل القلعة بأنّ رزق الله أخا النّشو قد قتل نفسه، وهو أنّه لما قبض عليه قوصون وكّل به أمير شكاره، فسجنه ببعض الخزائن، فلمّا طلع الفجر قام الأمير شكار إلى صلاة الصبح فقام رزق الله وأخذ من حياصته سكينا ووضعها فى نحره حتّى نفذت منه وقطعت ورائده «4» ، فلم يشعر أمير شكار إلّا وهو يشخّر وقد تلف، فصاح حتّى بلغ قوصون فانزعج لذلك وضرب أمير شكاره «5» ضربا مبرّحا إلى أن علم السلطان الخبر، فلم يكترث به.

وفى يوم الاثنين المذكور أفرج السلطان عن الصاحب شمس الدين موسى «1» ابن التاج إسحاق وأخيه «2» ونزلا من القلعة إلى الجامع «3» الجديد بمصر. وكان شمس الدين هذا قد وشى به النّشو حتّى قبض عليه السلطان، وأجرى عليه العقوبة أشهر إلى أن أشيع موته غير مرّة، وقد ذكرنا أمر عقوبة شمس الدين هذا وما وقع له فى ترجمته فى تاريخنا «المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى» ، فإنّ فى سيرته عجائب فلينظر هناك. قال الشيخ كمال الدين جعفر [بن «4» ثعلب] الأدفوىّ فى يوم الاثنين هذا، وفى معنى مسك النّشو وغيره هذه الأبيات: إنّ «5» يوم الاثنين يوم سعيد ... فيه لا شكّ للبرية عيد أخذ الله فيه فرعون مصر «6» ... وغدا النّيل فى رباه يزيد وقال الشيخ شمس الدين محمد [بن عبد «7» الرحمن بن على الشهيربا] بن الصائغ الحنفى فى معنى مسك النّشو والإفراج عن شمس الدين موسى وزيادة النيل هذه الأبيات: لقد ظهرت فى يوم الاثنين آية ... أزالت بنعماها عن العالم البوسا تزايد بحمر النيل فيه وأغرقت ... به آل فرعون وفيه نجا موسى

وفى المعنى يقول أيضا القاضى علاء الدين على [بن يحيى «1» ] بن فضل الله كاتب السّرّ: فى يوم الاثنين ثانى الشهر من صفر ... نادى البشير إلى أن أسمع الفلكا يا أهل مصر نجا موسى ونيلكمو ... طغى وفرعون وهو النّشو قد هلكا ثم فى يوم الثلاثاء نودى بالقاهرة ومصر: بيعوا واشتروا واحمدوا الله تعالى على خلاصكم من النّشو. ثم أخرج رزق الله أخو النّشو ميّتا فى تابوت امرأة حتى دفن فى مقابر النصارى خوفا عليه من العامة أن تحرقه. ثم دخل الأمير بشتك على السلطان واستعفى من تسليم النشو خشية ممّا جرى من أخيه، فأمر السلطان أن يهدّده على إخراج المال، ثم يسلّمه لابن صابر فأوقفه بشتك وأهانه فالتزم إن أفرج عنه جمع للسلطان من أقاربه خزانة مال ثم تسلّمه ابن صابر فأخذه ليمضى به إلى قاعة الصاحب «2» ، فتكاثرت العامة لرجمه حتى طردهم نقيب الجيش وأخرجه والجنزير «3» فى عنقه حتى أدخله قاعة الصاحب، والعامة تحمل عليه حملة بعد حملة والنقباء تطردهم. ثم طلب السلطان فى اليوم المذكور جمال الكفاة إبراهيم كاتب الأمير بشتك وخلع عليه واستقرّ فى وظيفة نظر الخاصّ عوضا عن شرف الدين عبد الوهاب بن فضل الله المعروف بالنّشو بعد تمنّعه، ورسم له أن ينزل للحوطة على النشو وأقاربه، ومعه الأمير آقبغا عبد الواحد وبرسبغا الحاجب وشهود الخزانة، فنزل بتشريفه وركب بغلة النّشو حتى أخرج حواصله، وقد أغلق الناس الأسواق وتجمّعوا ومعهم الطبول والشموع وأنواع الملاهى وأرباب الخيال، بحيث لم يبق

خانوت بالقاهرة مفتوح نهارهم كلّه، ثم ساروا مع الأمراء على حالهم إلى تحت القلعة وصاحوا صيحة واحدة، حتى انزعج السلطان وأمر الأمير أيدغمش بطردهم، ودخلوا الأمراء على السلطان بما وجدوه للنشو، وهو من العين خمسة عشر ألف دينار مصرية. وألفان وخمسمائة حبة لؤلؤ، قيمة كلّ حبّة ما بين ألفى درهم إلى ألف درهم. وسبعون فص بلخش قيمة كل فص [ما بين] «1» خمسة آلاف درهم إلى ألف درهم. وقطعة «2» زمرّد فاخر زنتها رطل. ونيّف وستون حبلا من لؤلؤ كبار، زنة ذلك أربعمائة مثقال. ومائة وسبعون خاتم ذهب وفضّة بفصوص مثمنة. وكفّ مريم مرصّع بجوهر. وصليب ذهب مرصّع. وعدّة قطع زركش؛ سوى حواصل لم تفتح. فخجل السلطان لمّا رأى ذلك، وقال للامراء: لعن الله الأقباط ومن يأمنهم أو يصدّقهم! وذلك أنّ النّشو كان يظهر له الفاقة بحيث إنّه كان يقترض الخمسين درهما والثلاثين درهما حتى ينفقها. وبعث فى بعض اللّيالى إلى جمال الدين إبراهيم [بن أحمد «3» ] بن المغربى رئيس الأطباء يطلب منه مائة درهم، ويذكر له أنه طرقه ضيف ولم يجد له ما يعشّيه به، وقصد بذلك أن يكون له شاهد عند السلطان بما يدّعيه من الفقر. فلما كان فى بعض الأيام شكا النّشو الفاقة للسلطان وابن المغربىّ حاضر، فذكر للسلطان أنه اقترض منه فى ليلة كذا مائة درهم، فمشى ذلك على السلطان وتقرر فى ذهنه أنّه فقير لا مال له. انتهى. واستمر الأمراء تنزل كلّ يوم لإخراج حواصل النّشو فوجدوا فى بعض الأيام من الصّينىّ والبلّور والتّحف السنيّة شيئا كثيرا. وفى يوم الخميس [خامسه «4» ] زيّنت القاهرة ومصر بسبب قبض النشو. زينة هائلة دامت سبعة أيام، وعملت أفراح

كثيرة. وعملت العامّة فيه عدّة أزجال وبلاليق «1» ، وأظهروا من الفرح واللهو والخيال ما يجلّ وصفه، ووجدت مآكل كثيرة فى حواصل النّشو، منها: نحو مائتى مطر «2» ملوحة وثمانين مطر جبن وأحمال كثيرة من سوّاقة الشام. ووجد له أربعمائة بذلة قماش جديدة وثمانون بذلة قماش مستعمل، ووجد له ستّون بغلطاق «3» نشاوىّ «4» مزركش ومناديل زركش عدّة كثيرة. ووجد له صناديق كثيرة فيها قماش سكندرىّ ممّا عمل برسم الحرّة جهة ملك المغرب قد اختلسه النّشو، وكثير من قماش الأمراء الذين ماتوا والذين قبض عليهم. ووجد له مملوك تركىّ قد خصاه هو واثنين معه ماتا، وخصى أيضا أربعة عبيد فماتوا، فطلب السلطان الذي خصاهم وضربه بالمقارع، وجرّس وتتبّعت أصحابه وضرب منهم جماعة. ثم وجد بعد ذلك بمدّة لإخوة النشو ذخائر نفيسة، منها لصهره ولىّ الدولة صندوق فيه مائة وسبعون فصّ بلخش. وستّ وثلاثون مرسلة «5» مكللة بالجوهر. وإحدى عشرة عنبرينة «6» مكلّلة بلؤلؤ كبار. وعشرون طراز زركش، وغير ذلك ما بين لؤلؤ منظوم وزمرّد وكوافى زركش، قوّموا بأربعة وعشرين ألف دينار. وضرب المخلص أخو النّشو ومفلح عبده بالمقارع، فأظهر المخلص الإسلام. ثم فى يوم الثلاثاء ثانى عشرين

شهر ربيع الأوّل وجدت ورقة بين فرش السلطان فيها: المملوك بيرم ناصح السلطان يقبّل الأرض وينهى: إنّنى أكلت رزقك وأنت قوام المسلمين، ويجب على كلّ أحد نصحك، وإنّ بشتك وآقبغا عبد الواحد اتّفقا على قتلك مع جماعة من المماليك فآحترس على نفسك، وكان بشتك فى ذلك اليوم قد توجّه بكرة النهار إلى جهة الصعيد، فطلب السلطان الأمير قوصون والأمير آقبغا عبد الواحد وأوقفهما على الورقة، فكاد عقل آقبغا أن يختلط من شدّة الرّعب، وأخذ الأمير قوصون يعرّف السلطان أن هذا فعل من يريد التشويش على السلطان وتغيير خاطره على مماليكه. فأخرج السلطان البريد فى الحال لردّ الأمير بشتك فأدركه بإطفيح وقد مدّ سماطه، فلمّا بلغه الخبر قام ولم يمدّ يده إلى شىء منه. وجدّ فى سيره حتى دخل على السلطان، فأوقفه السلطان على الورقة فتنصّل ممّا رمى به كما تنصّل آقبغا واستسلم، وقال: هذه نفسى ومالى بين يدى السلطان. وإنما حمل من رمانى بذلك الحسد على قربى من السلطان، وعظم إحسانه إلىّ ونحو هذا، حتى رقّ له السلطان وأمره أن يعود إلى الصيد إلى جهة قصده. ثم طلب السلطان [ناظر] ديوان الجيش، ورسم له أن يكتب كلّ من اسمه بيرم ويحضره إلى آقبغا عبد الواحد، فارتجّت القلعة والمدينة، فطلب ناظر الجيش المذكورين وعرضهم وأخذ خطوطهم ليقابل بها كتابة الورقة فلم يجده. فلمّا أعيا آقبغا الظّفر بالغريم اتّهم النّشو أنّها من مكايده، واشتدّ قلق السلطان وكثر انزعاجه بحيث إنه لم يستطع أن يقرّ بمكان واحد، وطلب والى القاهرة وأمره بهدم ما بالقاهرة من حوانيت صنّاع النّشّاب ويناى من عمل نشّابا شنق، فامتثل ذلك. وخرّب جميع مرامى النّشّاب، وغلّقت حوانيت القوّاسين، ونزل الأمير برسبغا إلى الأمراء جميعهم، وعرّفهم عن السلطان أنّ من رمى من مماليكم بالنّشاب أو حمل

قوسا كان أستاذه عوضا عنه فى التلاف، وألّا يركب أحد من الأمراء بسلاح ولا تركاش «1» ، وبينما الناس فى هذا الهول الشديد إذ دخل رجل يعرف بابن الأزرق- كان أبوه ممن مات فى عقوبة النّشو لما صادره، وقد تقدّم ذكر ابن الأزرق فى أمر بناء جامع الخطيرى- على جمال الكفاة وطلب الورقة ليعرّفهم من كتبها، فقام جمال الكفاة إلى السلطان ومعه الرجل، فلما وقف عليها قال: يا خوند، هذه خطّ أحمد الخطائى «2» ، وهو رجل عند ولىّ الدولة صهر النّشو يلعب معه النّرد ويعاقره الخمر، فطلب المذكور وحاققه الرجل محاققة طويلة فلم يعترف، فعوقب عقوبات مؤلمة إلى أن أقرّ بأنّ ولىّ الدولة أمره بكتابتها، فجمع بينه وبين ولىّ الدولة فأنكر ولىّ الدولة ذلك، فطلب أن يرى الورقة فلما رآها حلف جهد أيمانه أنها خطّ ابن الأزرق الشاكى، لينال منه غرضه، من أجل أنّ النّشو قتل أباه، وحاققه على ذلك، فاقتضى الحال عقوبة ابن الأزرق فاعترف أنّها كتابته وأنه أراد أن يأخذ بثأر أبيه من النّشو وأهله، فعفا السلطان عن ابن الأزرق ورسم بحبس ابن الخطائى «3» . ورسم لبرسبغا الخاجب وابن صابر المقدم أن يعاقبا النّشو وأهله حتى يموتوا. وأذن السلطان للأجناد فى حمل النّشّاب فى السّفر دون الحضر، فصارت هذه عادة إلى اليوم. ويقال إنّ سبب عقوبة النّشو أنّ أمراء المشورة تحدّثوا مع السلطان، وكان الذي ابتدأ بالكلام سنجر الجاولى وقبّل الأرض، وقال: حاشى مولانا السلطان من شغل الخاطر وضيق الصدر، فقال السلطان: يا أمراء، هؤلاء مماليكى أنشأتهم وأعطيتهم العطاء الجزيل، وقد بلغنى عنهم ما لا يليق، فقال الجاولى:

حاشى لله أنّ يبدو من مماليك السلطان شىء من هذا، غير أنّ علم مولانا السلطان محيط بأنّ ملك الخلفاء ما زال إلّا بسبب الكتّاب، وغالب السلاطين ما دخل عليهم الدّخيل إلّا من جهة الوزراء، ومولانا السلطان ما يحتاج فى هذا إلى أن يعرّفه أحد بما جرى لهم، ومن المصلحة قتل هذا الكلب وإراحة الناس منه، فوافقه الجميع على ذلك، فضرب المخلص أخو النّشو فى هذا اليوم بالمقارع، وكان ذلك فى يوم الخميس رابع عشرين شهر ربيع الأوّل حتّى هلك يوم الجمعة العصر، ودفن بمقابر اليهود. ثمّ ماتت أمّه عقيبه. ثم مات ولىّ الدولة عامل المتجر تحت العقوبة ورمى للكلاب؛ هذا والعقوبة تتنوّع على النّشو حتّى هلك يوم الأربعاء ثانى شهر ربيع الآخر من سنة أربعين وسبعمائة فوجد النّشو بغير ختان، وكتب به محضر ودفن بمقابر اليهود بكفن قيمته أربعة دراهم ووكّل بقبره من يحرسه مدّة أسبوع خوفا من العامّة أن تنبشه وتحرقه. وكان مدّة ولايته وجوره سبع سنين وسبعة أشهر، ثم أحضر ولىّ الدولة صهر النّشو، وهذا بخلاف ولىّ الدولة عامل المتجر الذي تقدّم، وأمر السلطان بعقوبته، فدلّ على ذخائر النّشو ما بين ذهب وأوان، فطلبت جماعة بسبب ودائع النّشو، وشمل الضرر غير واحد. وكان موجود النّشو سوى الصندوق الذي أخذه السلطان شيئا كثيرا جدّا، عمل لبيعه تسع وعشرون حلقة، بلغت قيمته خمسة وسبعين ألف درهم. وكان جملة ما أخذ منه سوى الصندوق نحو مائتى ألف دينار. ووجد لولىّ الدولة عامل المتجر ما قيمته خمسون ألف دينار. ووجد لولىّ الدولة صهر النّشو زيادة على مائتى ألف دينار. وبيعت للنشو دور بمائتى ألف درهم. وركب الأمير آقبغا عبد الواحد إلى دور آل النّشو فخرّبها كلّها، حتى ساوى بها الأرض وحرثها بالمحاريث فى طلب الخبايا، فلم يجد بها من الخبايا إلا القليل. انتهى.

وأمّا أصل النشو هذا أنه كان هو ووالده وإخوته يخدمون الأمير بكتمر الحاجب، فلمّا انفصلوا من عنده أقاموا بطّالين مدّة، ثم خدم النّشو هذا عند الأمير أيدغمش أمير آخور فأقام بخدمته إلى أن جمع السلطان فى بعض الأيام كتّاب الأمراء لأمر ما، فرآه السلطان وهو واقف من وراء الجماعة وهو شاب طويل نصرانىّ حلو الوجه، فآستدعاه وقال له: إيش اسمك؟ قال: النّشو، فقال: أنا أجعلك نشوى ورتّبه مستوفيا فى الجيزة، وأقبلت سعادته فيما ندبه إليه وملا عينه، ثم نقله إلى استيفاء الدولة فباشر ذلك مدّة حتى استسلمه الأمير بكتمر الساقى وسلّم إليه ديوان سيدى آنوك، ثم نقله بعد ذلك إلى نظر الخاصّ بعد موت القاضى فخر الدين ناظر الجيش، فإنّ شمس الدين موسى ابن التاج ولى الجيش، والنّشو هذا ولى عوضه الخاص. انتهى. وفى آخر شهر ربيع الآخر نودى على الذهب أن يكون صرف الدينار بخمسة وعشرين درهما، وكان بعشرين درهما. وفى هذه السنة فرغت مدرسة «1» الأمير آقبغا عبد الواحد بجوار الجامع الأزهر، وأبلى الناس فى عمارتها ببلايا كثيرة، منها: أنّ الصّنّاع كان قرّر عليهم آقبغا أن يعملوا بهذه المدرسة يوما فى الأسبوع بغير

أجرة، ثم حمل إليها الأصناف من الناس ومن العمائر السلطانية، فكانت عمارتها ما بين نهب وسرقة، ومع هذا فإنّه ما نزل إليها قطّ إلا وضرب بها أحدا زيادة على شدّة عسف مملوكه الذي أقامه شادّا بها، فلمّا تمّت جمع بها القضاة والفقهاء ولم يولّ بها أحد، وكان الشريف المحتسب قدّم بها سماطا بنحو ستة آلاف درهم على أن يلى تدريسها فلم يتمّ له ذلك. ثم إنّ السلطان نزل إلى خانقاه «1» سرياقوس التى أنشأها فى يوم الثلاثاء ثامن عشرين شهر ربيع الآخر من سنة أربعين وسبعمائة، وقد تقدّمه إليها الشيخ شمس الدين محمد [بن «2» ] الأصفهانى وقوام الدين الكرمانىّ وجماعة من صوفية سعيد السعداء، فوقف السلطان على باب خانقاه «3» سعيد السعداء بفرسه، وخرج إليه جميع صوفيّتها ووقفوا بين يديه، فسألهم من يختارونه شيخا لهم بعد وفاة الشيخ مجد الدين موسى

ابن أحمد بن محمد الأقصرائىّ فلم يعيّنوا أحدا، فولّى السلطان بها الركن الملطىّ خادم المجد الأقصرائى المتوفّى. وانقطع السلطان فى هذه الأيام عن الخروج إلى دار العدل نحو عشرين يوما بسبب شغل خاطره لمرض مملوكه يلبغا اليحياوىّ وملازمته له إلى أن تعافى، وعمل السلطان لعافيته سماطا عظيما هائلا بالميدان «1» وأحضر الأمراء، ثم استدعى بعدهم جميع صوفية الخوانق والزوايا وأهل الخير وسائر الطوائف، ومدّ لهم الأسمطة الهائلة، وأخرج من الخزائن السلطانية نحو ثلاثين ألف درهم، أفرج بها عن المسجونين على دين، وأخرج للأمير يلبغا المذكور ثلاث حجورة «2» بمائتى ألف درهم، وحياصة ذهب مرصّعة بالجوهر، كلّ ذلك لعافية يلبغا المذكور. ثمّ فى هذه السنة تغيّر خاطر السلطان على مملوكه الأمير تنكز نائب الشام، وبلغ تنكز تغيّر خاطر السلطان عليه، فجهّز أمواله ليحملها إلى قلعة جعبر «3» ويحرج هو إليها بعد ذلك بحجّة أنّه يتصيّد، فقدم إليه الأمير طاجار الدّوادار قبل ذلك فى يوم الأحد رابع عشر ذى الحجة «4» وعتبه وبلّغه عن السلطان ما حمله من الرسالة، فتغيّر الأمير

تنكز وبدأت الوحشة بينه وبين السلطان، وعاد طاجار إلى السلطان فى يوم الجمعة تاسع «1» عشر ذى الحجة فأغرى السلطان على تنكز وقال: إنه عزم على الخروج من دمشق، فطلب السلطان بعد الصلاة الأمير بشتك والأمير بيبرس الأحمدى والأمير چنكلى بن البابا والأمير أرقطاى والأمير طقز دمر فى آخرين، وعرّفهم أنّ تنكز قد خرج عن الطاعة، وأنه يبعث إليه تجريدة مع الأمير چنكلى والأمير بشتك والأمير أرقطاى والأمير أرنبغا أمير جاندار والأمير قمارى أمير شكار والأمير قمارى أخو بكتمر الساقى والأمير برسبغا الحاجب، ومع هذه الأمراء السبعة «2» ثلاثون أمير طبلخاناه وعشرون أمير عشرة وخمسون نفرا من مقدّمى الخلقة وأربعمائة من المماليك السلطانية وجلس وعرضهم. ثم جمع السلطان فى يوم السبت عشرين ذى الحجّة الأمراء جميعهم وحلّف المجرّدين والمقيمين له ولولده الأمير أبى بكر من بعده، وطلبت الأجناد من النواحى للحلف، فكانت بالقاهرة حركات عظيمة، وحمل السلطان لكلّ مقدّم ألف مبلغ ألف دينار، ولكلّ طبلخاناه أربعمائة دينار، ولكل مقدم حلقة ألف درهم، ولكل مملوك خمسمائة درهم وفرسا، وقرقلا «3» وخوذة «4» ، فاتّفق قدوم الأمير موسى بن مهنّا فقرّر مع السلطان القبض على الأمير تنكز، وكتب إلى العربان بأخذ الطرقات من كلّ جهة على تنكز. ثم بعث السلطان بهادر «5» حلاوة من طائفة الأوجاقيّة على البريد إلى غزّة وصفد وإلى أمراء دمشق بملطّفات كثيرة. ثم أخرج موسى بن مهنّا لتجهيز العربان وإقامته على حمص، واهتمّ السلطان بأمر تنكز اهتماما زائدا جدّا.

قلت: على قدر الصعود يكون الهبوط، ما لتلك «1» الإحسان؟ والعظمة والمحبة الزائدة لتنكز قبل تاريخه إلا هذه الهمّة العظيمة فى أخذه والقبض عليه، ولكن هذا شأن الدنيا مع المغرمين بها!. ثم إنّ الملك الناصر كثر قلقه من أمر تنكز وتنغّص عيشه وخرج العسكر المعيّن من القاهرة لقتال تنكز فى يوم الثلاثاء ثالث عشرين ذى الحجّة من سنة أربعين وسبعمائة. وكان حلاوة الأوجاقى قدم على الأمير ألطنبغا «2» الصالحىّ نائب غرّة بملطّف. وفيه أنّه استقرّ فى نيابة الشام عوضا عن تنكز، وأنّ العسكر واصل إليه ليسيروا به إلى دمشق. قلت: وألطنبغا نائب غزّة هو عدوّ تنكز الذي كان تنكز سعى فى أمره حتى عزله السلطان من نيابة حلب وولاه نيابة غزّة قبل تاريخه. ثمّ سار حلاوة الأوجاقى إلى صفد وإلى الشام وأوصل الملطّفات إلى أمراء دمشق. ثم وصلت كتب ألطنبغا الصالحىّ إلى أمراء دمشق بولايته نيابة الشام. ثم ركب الأمير طشتمر الساقى المعروف بحمّص أخضر نائب صفد إلى دمشق فى ثمانين فارسا، واجتمع بالأمير قطلوبغا الفخرىّ وسنجر البشمقدار «3» وبيبرس السّلاح دار واتّفق ركوب الأمير تنكز فى ذلك اليوم إلى قصره فوق ميدان الحصى فى خواصه للنزهة، وبينما هو فى ذلك إذ بلغه قدوم الخيل من صفد، فعاد إلى دار السعادة «4» وألبس مماليكه السلاح، فأحاط به فى الوقت أمراء دمشق،

ووقع الصوت بوصول نائب صفد، فخرج عسكر دمشق إلى لقائه وقد نزل بمسجد «1» القدم، فأمر نائب صفد جماعة من المماليك الأمراء أن يعودوا إلى تنكز ويخرجوه إليه، فدخل عليه جماعة منهم تمر الساقى والأمير طرنطاى البشمقدار وبيبرس السلاح دار وعرّفوه مرسوم السلطان فأذعن لقلّة أهبته للركوب، فإنّ نائب صفد طرقه على حين غفلة باتّفاق أمراء دمشق، ولم يجتمع على تنكز إلا عدّة يسيرة من مماليكه، فلذلك سلّم نفسه فأخذوه وأركبوه إكديشا وساروا به إلى نائب صفد، وهو واقف بالعسكر على ميدان الحصى فقبض عليه وعلى مملوكيه: جنغاى «2» وطغاى «3» وسجنا بقلعة دمشق، وأنزل تنكز عن فرسه على ثوب سرج وقيّده وأخذه الأمير بيبرس السلاح دار وتوجّه به إلى الكسوة «4» ، فحصل لتنكز إسهال ورعدة خيف عليه الموت، فأقام بالكسوة يوما وليلة ثم مضى به بيبرس، ونزل طشتمر حمّص أخضر نائب صفد بالمدرسة النّجيبيّة «5» ، فتقدّم بهادر حلاوة عند ما قبض على تنكز ليبشّر السلطان بمسك تنكز، فوصل إلى بلبيس ليلا والعسكر نازل بها وعرّف الأمير بشتك. ثم سار حتى دخل القاهرة، وأعلم السلطان الخبر فسرّ سرورا زائدا، وكتب بعود العسكر من بلبيس إلى القاهرة ما خلا بشتك وأرقطاى وبرسبغا الحاجب، فإنهم يتوجّهون إلى دمشق للحوطة

على مال تنكز وأن يقيم الأمير بيغرا أمير جاندار والأمير قمارى أمير شكار بالصالحية «1» إلى أن يقدم عليهما الأمير تنكز. وعاد جميع العسكر إلى الديار المصرية، وسار بشتك ورفيقاه إلى غزة فركب معهم الأمير ألطنبغا الصالحىّ إلى نحو دمشق فلقوا الأمير تنكز على حسبان «2» فسلّموا عليه وأكرموه، وكان بشتك لما سافر من القاهرة صحبة العسكر كان فى ذلك اليوم فراغ بناء قصره «3» الذي بناه ببين القصرين فلم يدخله برجله، واشتغل بما هو فيه من أمر السفر، فشرع السلطان فى غيبته فى تحسين القصر المذكور. وكان سبب عمارة بشتك لهذا القصر أنّ الأمير قوصون لمّا أخذ قصر بيسرى وجدّده أحبّ الأمير بشتك أن يعمل له قصرا تجاه قصر «4» بيسرى ببين القصرين، فدلّ على دار الأمير بكتاش الفخرى أمير سلاح. وكانت «5» أحد قصور الخلفاء

الفاطميين التى اشتراها من ذريتهم وأنشأ بها الفخرى دورا وإسطبلات، وأبقى ما كان بها من المساجد، فشاور بشتك السلطان على أخذها فرسم له بذلك، فأخذها من أولاد بكتاش وأرضاهم وأنعم عليهم، وأنعم السلطان عليه بأرض كانت داخلها برسم الفراشخاناه «1» السلطانية. ثم أخذ بشتك دار أقطوان الساقى بجوارها، وهدم الجميع وأنشأه قصرا مطلّا على الطريق وارتفاعه أربعون ذراعا، وأجرى إليه الماء ينزل إلى شاذروان «2» إلى بركة به. وأخرب فى عمله أحد عشر مسجدا وأربعة معابد أدخلها فيه، فلم يجدّد منها سوى مسجد «3» رفعه وعمله معلّقا «4» على الشارع.

وفى هذه الأيام ورد الخبر على السلطان من بلاد الصعيد بموت الخليفة المستكفى بالله أبى الربيع سليمان بقوص فى مستهلّ شعبان، وأنّه قد عهد إلى ولده أحمد بشهادة أربعين عدلا، وأثبت قاضى قوص ذلك، فلم يمض السلطان عهده، وطلب إبراهيم بن محمد المستمسك ابن أحمد الحاكم بأمر الله فى يوم الاثنين ثالث [عشر «1» ] شهر رمضان، واجتمع القضاة بدار العدل على العادة، فعرّفهم السلطان بما أراد من إقامة إبراهيم فى الخلافة وأمرهم بمبايعته، فأجابوا بعدم أهليّته، وأنّ المستكفى عهد إلى ولده، واحتجّوا بما حكم به قاضى قوص، فكتب السلطان بقدوم أحمد المذكور. وأقام الخطباء بالقاهرة ومصر نحو أربعة أشهر لا يذكرون فى خطبتهم الخليفة. فلمّا قدم أحمد المذكور من قوص لم يمض السلطان عهده وطلب إبراهيم وعرّفه قبح سيرته فأظهر التّوبة منها، والتزم سلوك طريق الخير، فاستدعى السلطان القضاة وعرّفهم أنه قد أقام إبراهيم فى الخلافة، فأخذ قاضى القضاة عز الدين [عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله «2» ] بن جماعة يعرّف السلطان عدم أهليّته، فلم يلتفت السلطان اليه، وقال: إنّه قد ثاب، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له؛ فبايعوه ولقّب بالواثق، وكانت العامة تسمّيه المستعطى، فإنه كان يستغطى من الناس ما ينفقه. ثمّ وصل الأمير تنكز إلى الديار المصرية فى يوم الثلاثاء ثامن «3» المحرّم سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وهو متضعّف صحبة الأمير بيبرس السّلاح دار، وأنزل بالقلعة فى مكان ضيّق، وقصد السلطان ضربه بالمقارع، فقام الأمير قوصون فى شفاعته حتّى أجيب إلى ذلك. ثم بعث السلطان إليه يهدّده حتّى يعترف بما له

من المال ويذكر له من كان موافقا له من الأمراء على العصيان، فأجاب بأنّه لا مال له سوى ثلاثين ألف دينار وديعة عنده لأيتام بكتمر الساقى، وأنكر أن يكون خرج عن الطاعة، فأمر به السلطان فى اللّيل فأخرج مع المقدّم ابن صابر وأمير جاندار فى حرّاقة إلى الإسكندرية، فقتله بها المقدّم ابن صابر فى يوم الثلاثاء نصف المحرّم من سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وتأتى بقيّة أحواله. ثم لمّا وصل الأمير بشتك إلى دمشق قبض على الأمير صاروجا «1» والجيبغا «2» [بن عبد الله «3» ] العادلى وسلّما إلى الأمير برسبغا فعاقبهما أشدّ عقوبة على المال، وأوقع الحوطة على موجودهما. ثم وسّط بشتك جنغاى وطغاى مملوكى تنكز وخواصّه بسوق خيل دمشق، وكان جنغاى المذكور يضاهى أستاذه تنكز فى موكبه وبركه، ثمّ أكحل صاروجا وتتبّع أموال تنكز فوجد له ما يجلّ وصفه، وعملت لبيع حواصله عدّة حلق، وتولّى البيع فيها الأمير ألطنبغا الصالحىّ نائب دمشق والأمير أرقطاى وهما أعدى عدوّ لتنكز. وكان تنكز أميرا جليلا محترما مهابا عفيفا عن أموال الرعيّة حسن المباشرة والطريقة، إلّا أنّه كان صعب المراس ذا سطوة عظيمة وحرمة وافرة على الأعيان من أرباب الدولة، متواضعا للفقراء وأهل الخير، وأوقف عدّة أوقاف على وجوه البرّ والصدقة. وقال الشيخ صلاح الدين الصّفدىّ: جلب تنكز إلى مصر وهو حدث فنشأ بها، وكان أبيض إلى السّمرة أقرب، رشيق القدّ مليح الشعر خفيف اللّحية قليل الشيب حسن الشكل ظريفه. جلبه الخواجا علاء الدين السّيواسىّ فاشتراه الأمير

لاچين، فلمّا قتل لاچين فى سلطنته صار من خاصّكيّة الملك الناصر وشهد معه وقعة وادى الخازندار ثم وقعة شقحب. قلت: ولهذا كان يعرف تنكز بالحسامىّ. قال: وسمع تنكز صحيح البخارى غير مرّة من ابن الشّحنة «1» وسمع كتاب [معانى «2» ] الآثار للطّحاوىّ، وصحيح مسلم، وسمع من عيسى «3» المطعّم وأبى بكر «4» بن عبد الدائم، وحدّث «5» وقرأ عليه بعض المحدّثين ثلاثّيات البخارى بالمدينة النبويّة. قال: وكان الملك الناصر أمّره إمرة عشرة قبل توجّهه إلى الكرك، ثم ساق توجّهه مع الملك الناصر إلى الكرك وخروجه من الكرك إلى مصر وغيرهما إلى أن قال: وولاه السلطان نيابة دمشق فى سنة اثنتي عشرة وسبعمائة فأقام بدمشق نائبا ثمانيا وعشرين سنة، وهو الذي عمّر بلاد دمشق ومهّد نواحيها، وأقام شعائر المساجد بها بعد التتار. قلت: وأمّا ما ظهر له من الأموال وجد له من التّحف السنيّة ومن الأقمشة مائتا منديل زركش. وأربعمائة حياصة ذهب. وستمائة كلفتاه زركش. ومائة حياصة ذهب مرصّعة بالجوهر. وثمان وستون بقجة بدلات ثياب زركش. وألفا ثوب

أطلس. ومائتا تخفيفة زركش. وذهب مختوم أربعمائة ألف دينار مصرية. ووجد له من الخيل والهجن والجمال البخاتىّ وغيرها نحو أربعة آلاف ومائتى رأس؛ وذلك غير ما أخذه الأمراء ومماليكهم، فإنهم كانوا ينهبون ما يخرج به نهبا. ووجد له من الثياب الصوف ومن النّصافى «1» ما لا ينحصر. وظفر الأمير بشتك بجوهر له ثمين اختصّ به. وحملت حرمه وأولاده إلى مصر صحبة الأمير بيغرا، بعد ما أخذ لهم من الجوهر واللؤلؤ والزّركش شىء كثير. وأمّا أملاكه التى أنشأها فشىء كثير. وقال الشيخ صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدىّ فى تاريخه- وهو معاصره- قال: ورد مرسوم شريف إلى دمشق بتقويم أملاك تنكز فعمل ذلك بالعدول وأرباب الخبرة وشهود القيمة، وحضرت بذلك محاضر إلى ديوان الإنشاء لتجهّز إلى السلطان، فنقلت منها ما صورته: «دار الذهب بمجموعها وإسطبلاتها ستمائة ألف درهم. دار الزّمرّد مائتا ألف وسبعون ألف درهم. دار الزّردكاش [وما معها «2» ] مائتا ألف وعشرون ألف درهم. الدار التى بجوار جامعه «3» بدمشق مائة ألف درهم. الحمّام التى بجوار جامعه مائة ألف درهم. خان العرصة مائة ألف درهم وخمسون ألف درهم. إسطبل حكر السماق عشرون ألف درهم. الطبقة التى بجوار حمّام ابن يمن أربعة آلاف وخمسمائة درهم. قيسارية المرحّلين «4» مائتا ألف وخمسون ألف درهم. الفرن والحوض بالقنوات من غير أرض عشرة آلاف درهم. حوانيت التعديل ثمانية «5» آلاف درهم. الأهراء من

إسطبل بهادر ص عشرون «1» ألف درهم. خان البيض وحوانيته مائة ألف وعشرة آلاف درهم. حوانيت باب الفرج خمسة وأربعون ألف درهم. حمّام القابون عشرة «2» آلاف درهم. حمّام العمرىّ ستة آلاف درهم. الدهشة «3» والحمّام مائتا ألف وخمسون ألف درهم. بستان العادل مائة ألف وثلاثون «4» ألف درهم. بستان النّجيبىّ والحمّام والفرن مائة ألف درهم وثلاثون ألف درهم. [بستان «5» الحلبى بحرستا «6» أربعون ألف درهم] . الحدائق بها مائة ألف وخمسة «7» وستون ألف درهم. بستان القوصىّ «8» بها ستون ألف درهم. بستان الدردوزية «9» خمسون ألف درهم. الجنينة المعروفة بالحمّام سبعة آلاف درهم. بستان الرزاز «10» خمسة وثمانون «11» ألف درهم. الجنينة وبستان غيث ثمانية «12» آلاف درهم. المزرعة المعروفة بتهامة بها (يعنى دمشق) ستون ألف درهم. مزرعة الركن النوبىّ «13» والعبرى مائة ألف درهم. الحصّة بالدفوف القبلية بكفر بطنا «14» ، ثلثاها ثلاثون ألف درهم. بستان السفلاطونى «15» خمسة وسبعون ألف درهم. الفاتكيات والرشيدى والكروم بزملكا «16» مائة ألف درهم وثمانون ألف

درهم. مزرعة «1» المربع بقابون «2» مائة ألف وعشرة آلاف درهم. الحصّة من غراس غيضة «3» الأعجام عشرون ألف درهم. نصف الضيعة «4» المعروفة بزرنية «5» خمسة آلاف درهم. غراس قائم فى جوار دار الجالق ألفا درهم. النصف من خراج «6» الهامة ثلاثون ألف درهم. الحوانيت التى قبالة الحمّام «7» مائة ألف درهم. بيدر تبدين «8» ثلاثة وأربعون ألف درهم. الإصطبلات التى عند الجامع ثلاثون ألف درهم. أرض خارج باب الفرج ستة عشر ألف درهم. القصر وما معه خمسمائة ألف درهم وخمسون ألف درهم. ربع ضيعة القصرين «9» ثمانية «10» وعشرون ألف درهم. نصف بوّابة مائة وثمانون ألف درهم. العلانية بعيون الفارسنا «11» ثمانون ألف درهم. حصّة دير ابن عصرون خمسة وسبعون ألف درهم. حصّة دويرة الكسوة «12» ألف وخمسمائة درهم. الدّير الأبيض خمسون ألف درهم. العديل «13» مائة ألف وثلاثون ألف درهم. حوانيت أيضا داخل باب الفرج أربعون ألف درهم. التنورية اثنان وعشرون ألف درهم.

الأملاك التى له بحمص: الحمّام خمسة وعشرون ألف درهم. الحوانيت سبعة آلاف درهم. السريع «1» ستون ألف درهم. الطاحون الراكبة على العاصى ثلاثون ألف درهم. دور قبحق «2» خمسة وعشرون ألف درهم. الخان مائة ألف درهم. الحمّام الملاصقة للخان ستون ألف درهم. الحوش الملاصق له ألف «3» وخمسمائة درهم. المناح ثلاثة آلاف درهم. الحوش الملاصق للخندق ثلاثة آلاف درهم. حوانيت العريضة «4» ثلاثة آلاف درهم. الأراضى المحتكرة سبعة آلاف درهم. والتى فى بيروت: الخان مائة وخمسة وثلاثون ألف درهم. الحوانيت والفرن مائة وعشرون ألف درهم. المصبنة «5» بآلاتها عشرة آلاف درهم. الحمّام عشرون ألف درهم. المسلخ عشرة آلاف درهم. الطاحون خمسة آلاف درهم. قرية زلايا «6» خمسة وأربعون ألف درهم. القرى التى بالبقاع: مرج الصفا سبعون «7» ألف درهم. التلّ الأخضر مائة ألف وثمانون ألف درهم. المباركة خمسة وسبعون ألف درهم. المسعودية «8» مائة «9» ألف درهم. الضّياع [الثلاث «10» ] المعروفة بالجوهرى أربعمائة ألف وسبعون ألف درهم. السعادة أربعمائة ألف درهم. أبروطيا ستون ألف درهم. نصف بيرود «11» والصالحية

والحوانيت أربعمائة ألف درهم. المباركة والناصرية مائة ألف درهم. رأس «1» الماء سبعة وخمسون ألف درهم. حصّة من خربة روق «2» اثنان وعشرون ألف درهم. رأس الماء والدلى بمزارعها خمسمائة «3» ألف درهم. حمام صرخد خمسة «4» وسبعون ألف درهم. طاحون الغور «5» ثلاثون ألف درهم. السالمية ثلاثة «6» آلاف درهم. الأملاك بقارا «7» : الحمام خمسة وعشرون ألف درهم. الهرى «8» ستمائة ألف درهم. الصالحية والطاحون والأراضى مائتا «9» ألف درهم وخمسة وعشرون ألف درهم. راسليها «10» ومزارعها مائة وخمسة وعشرون ألف درهم. القضيبة «11» أربعون ألف درهم. القريتان المعروفة إحداهما بالمزرعة، والأخرى بالبينسية «12» تسعون ألف درهم؛ هذا جميعه خارج عما له من الأملاك على وجوه البر والأوقاف فى صفد وعجلون والقدس ونابلس والرملة «13» والديار المصرية. وعمّر بصفد بيمارستانا مليحا. وعمّر بالقدس رباطا وحمامين وقياسر. وله بجلجولية «14» خان مليح، وله بالقاهرة دار «15» عظيمة بالكافورى» .

قلت: هى دار عبد الباسط بن خليل الآن. وحمّام وغير ذلك من الأملاك. انتهى كلام الشيخ صلاح الدين باختصار. قلت: وكان لتغيّر السلطان الملك الناصر على تنكز هذا أسباب، منها: أنه كتب يستأذنه فى سفره إلى ناحية جعبر «1» فمنعه السلطان من ذلك لما بتلك البلاد من الغلاء، فألحّ فى الطلب، والجواب يرد عليه [بمنعه «2» ] حتى حنق تنكز وقال: والله لقد تغيّر عقل أستاذنا وصار يسمع من الصبيان الذين حوله، والله لو سمع منى لكنت أشرت عليه بأن يقيم أحدا من أولاده فى السلطنة وأقوم أنا بتدبير ملكه، ويبقى هو مستريحا، فكتب بذلك جركتمر إلى السلطان، وكان السلطان يتخيّل بدون هذا فأثّر «3» هذا فى نفسه، ثم اتفق أن أرتنا «4» نائب بلاد الروم بعث رسولا إلى السلطان بكتابه، ولم يكتب معه كتابا لتنكز، فحنق تنكز لعدم مكاتبته وردّ رسوله من دمشق، فكتب أرتنا يعرّف السلطان بذلك، وسأل ألّا يطّلع تنكز على ما بينه وبين السلطان. ورماه بأمور أوجبت شدّة تغيّر السلطان على تنكز، ثم اتفق أيضا غضب تنكز على جماعة من مماليكه، فضربهم وسجنهم بالكرك [والشّوبك «5» ] فكتب منهم جوبان وكان أكبر مماليكه إلى الأمير قوصون يتشفع به فى الإفراج عنهم من سجن الكرك، فكلّم قوصون السلطان فى ذلك فكتب السلطان إلى تنكز يشفع فى جوبان فلم يجب عن أمره بشىء، فكتب إليه ثانيا وثالثا فلم يجبه، فاشتدّ غضب السلطان حتّى قال للأمراء: ما تقولون فى هذا الرجل؟ هو يشفع عندى فى قاتل أخى فقبلت شفاعته،

وأخرجته من السجن وسيّرته إليه يعنى (طشتمر أخا بتخاص) ، وأنا أشفع فى مملوكه ما يقبل شفاعتى! وكتب السلطان لنائب الشّوبك بالإفراج عن جوبان المذكور فأفرج عنه فكان هذا وما أشبهه الذي غيّر خاطر السلطان الملك الناصر على مملوكه تنكز. انتهى. ثم اشتغل السلطان بموت أعزّ أولاده الأمير آنوك فى يوم الجمعة العشرين من شهر ربيع الآخر بعد مرض طويل، ودفن بتربة «1» الناصرية ببين القصرين، وكان لموته يوم مهول، نزل فى جنازتة جميع الأمراء، وفعلت والدته خوند طغاى خيرات كثيرة وباعت ثيابه وتصدّقت بجميع ما تحصّل منها. ثم إنّ السلطان ركب فى هذه السنة، وهى سنة إحدى وأربعين إلى بركة «2» الحبش خارج القاهرة، وصحبته عدّة من المهندسين وأمر أن يحفر خليج «3» من البحر إلى حائط «4» الرّصد، ويحفر فى وسط الشرف المعروف بالرصد عشر آبار،

كلّ بئر نحو أربعين ذراعا تركّب عليها السواقى، حتى يجرى الماء من النيل إلى القناطر التى تحمل الماء إلى القلعة ليكثر بها الماء، وأقام الأمير آقبغا عبد الواحد على هذا العمل، فشقّ الخليج من بحرى رباط «1» الآثار ومرّوا به فى وسط بستان «2» الصاحب تاج الدين ابن حنّا المعروف بالمعشوق، وهدمت عدّة بيوت كانت هناك، وجعل عمق الخليج أربع قصبات، وجمعت عدّة من الحجّارين للعمل، وكان مهمّا عظيما. ثم أمر السلطان بتجديد جامع «3» راشدة فجدّد وكان قد تهدّم غالب جدره. ثم ابتدأ توعّك السلطان ومرص مرض موته، فلمّا كان يوم الأربعاء سادس ذى الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة قوى عليه الإسهال، ومنع الأمراء من الدخول عليه فكانوا إذا طلعوا إلى الخدمة خرج إليهم السلام مع أمير چاندار عن

السلطان فانصرفوا. وقد كثر الكلام، ثم فى يوم الجمعة ثامنه «1» خفّ عن السلطان الإسهال، فجلس للخدمة وطلع الأمراء إلى الخدمة ووجه السلطان متغيّر، فلما انقضت الخدمة نودى بزينة القاهرة ومصر، وجمعت أصحاب الملاهى بالقلعة وجمع الخبز الذي بالأسواق وعمل ألف قميص وتصدّق بذلك كلّه مع جملة من المال، وقام الأمراء بعمل الولائم والأفراح سرورا بعافية السلطان، وعمل الأمير ملكتمر الحجازىّ الناصرىّ نفطا كثيرا بسوق الخيل تحت القلعة والسلطان ينظره، واجتمع [الناس «2» ] لرؤيته من كلّ جهة وقدمت عربان الشرقية بخيولها وقبابها المحمولة على الجمال ولعبوا بالرماح تحت القلعة، وخرجت الركابة والكلابزيّة وطائفة الحجارين والعتّالين إلى سوق الخيل للعب واللهو، وداروا [على «3» ] بيوت الأمراء وأخذوا الخلع منهم، وكذلك الطبلكية «4» فحصل لهم شىء كثير جدّا، بحيث جاء نصيب مهتار الطبلخاناه «5» ثمانين ألف درهم. ولما كان ليلة العيد وهى ليلة الأحد عاشر ذى الحجة، وأصبح نهار الأحد اجتمع الأمراء بالقلعة وجلسوا ينتظرون السلطان حتى يخرج لصلاة العيد، وقد أجمع رأى السلطان على عدم صلاة العيد لعود الإسهال عليه، فإنه كان انتكس فى الليلة المذكورة، فما زال به الأمير قوصون والأمير بشتك حتى ركب ونزل إلى الميدان، وأمر قاضى القضاة عز الدين [عبد العزيز «6» ] ابن جماعة أن يوجز فى خطبته، فعند ما صلّى السلطان وجلس لسماع الخطبة محرّك باطنه، فقام وركب وطلع إلى القصر وأقام يومه به، وبينا هو فى ذلك قدم الخبر من حلب بصحّة صلح الشيخ حسن صاحب العراق مع أولاد صاحب الروم، فانزعج السلطان لذلك انزعاجا شديدا واضطرب مزاجه فحصل له إسهال دموىّ،

وأصبح يوم الاثنين وقد امتنع الناس من الاجتماع به، فأشاع الأمير قوصون والأمير بشتك أنّ السلطان قد أعفى أجناد الحلقة من التجريد إلى تبريز ونودى بذلك، وفرح الناس بذلك فرحا زائدا، إلا أنه انتشر بين الناس أنّ السلطان قد انتكس فساءهم ذلك. ثم أخذ الأمراء فى إنزال حرمهم وأموالهم من القلعة [حيث سكنهم «1» ] إلى القاهرة، فارتجّت القاهرة ومادت بأهلها واستعدّ الأمراء لا سيما قوصون وبشتك، فإن كلّا منهما احترز من الآخر وجمع عليه أصحابه. وأكثروا من شراء الأزيار والدّنان وملئوها ماء، وأخرجوا القرب والرّوايا والأحواض وحملوا إليهم «2» البقسماط «3» والرقاق والدقيق والقمح والشعير خوفا من وقوع الفتنة، ومحاصرة القلعة، فكان يوما مهولا، ركب فيه الأوجاقية وهجموا الطواحين لأخذ الدقيق ونهبوا الحوانيت التى تحت الفلعة والتى بالصليبة «4» . هذا وقد تنكّر ما بين قوصون وبشتك واختلفا حتى كادت الفتنة تقوم بينهما، وبلغ ذلك السلطان فازداد مرضا على مرضه، وكثر تأوّهه وتقلّبه من جنب إلى جنب، وتهوّس بذكر قوصون وبشتك نهاره. ثم استدعى بهما فتناقشا «5» بين يديه

فى الكلام فأغمى عليه وقاما من عنده على ما هما عليه، فاجتمع يوم الاثنين ثامن عشره الأمير چنكلى والأمير آل ملك والأمير سنجر الجاولى وبيبرس الأحمدى، وهم أكابر أمراء المشورة فيما يدبرونه، حتى اجتمعوا على أن يبعث كلّ منهم مملوكه إلى قوصون وبشتك ليأخذا لهم الإذن فى الدخول على السلطان، فأخذا لهم الإذن فدخلوا وجلسوا عند السلطان، فقال الجاولى وآل ملك للسلطان كلاما، حاصله أن يعهد بالملك إلى أحد أولاده فأجاب إلى ذلك، وطلب ولده أبا بكر وطلب قوصون وبشتك وأصلح بينهما، ثم جعل ابنه أبا بكر سلطانا بعده وأوصاه بالأمراء وأوصى الأمراء به، وعهد إليهم ألا يخرجوا ابنه أحمد من الكرك، وحذّرهم من إقامته سلطانا. وجعل قوصون وبشتك وصييه، وإليهما تدبير أمر ابنه أبى بكر وحلّفهما، ثم حلّف الأمراء والخاصّكيّة وأكّد على ولده فى الوصية بالأمراء، وأفرج عن الأمراء المسجونين بالشام، وهم: طيبغا حاجى والجيبغا العادلى وصاروجا، ثم قام الأمراء عن السلطان فبات السلطان ليلة الثلاثاء وقد نحلت قوته، وأخذ فى النزع يوم الأربعاء فاشتدّ عليه كرب الموت، حتى فارق الدنيا فى أوّل ليلة الخميس حادى عشرين ذى الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وله من العمر سبع وخمسون سنة وأحد عشر شهرا وخمسة أيام، فإنّ مولده كان فى الساعة السابعة من يوم السبت سادس عشر المحرّم سنة أربع وثمانين وستمائة. وأمه بنت سكتاى «1» بن قرا لاچين «2» بن جفتاى «3» التّتارىّ. وكان قدوم سكتاى مع أخيه قرمچى من بلاد التتار إلى مصر فى سنة خمس وسبعين وستمائة. ثم حمل السلطان

الملك الناصر ميّتا فى محفّة من القلعة بعد أن رسم بغلق الأسواق، ونزلوا به من وراء السور إلى باب النصر، ومعه من أكابر الأمراء بشتك وملكتمر الحجازىّ وأيدغمش أمير آخور، ودخلوا به من باب النصر إلى المدرسة «1» المنصوريّة ببين القصرين، فغسّل وحنّط وكفّن من البيمارستان «2» المنصورىّ، وقد اجتمع الفقهاء والقرّاء والأعيان ودام القرّاء على قبره أيّاما. وأمّا مدّة سلطنته على مصر فقد تقدّم أنّه تسلطن ثلاث مرار، فأوّل سلطنته كانت بعد قتل أخيه الأشرف خليل بن قلاوون فى سنة ثلاث وتسعين وستمائة فى المحرّم، وعمره تسع سنين وخلع بالملك العادل كتبغا المنصورىّ فى المحرّم سنة أربع وتسعين، فكانت سلطنته هذه المرّة دون السنة، ثم توجّه إلى الكرك إلى أن أعيد إلى السلطنة بعد قتل المنصور حسام الدّين لاچين فى سنة ثمان «3» وتسعين وستمائة، فأقام فى الملك، والأمر إلى سلّار وبيبرس الجاشنكير إلى سنة ثمان وسبعمائة، وخلع نفسه وتوجّه إلى الكرك وتسلطن بيبرس الجاشنكير، وكانت مدته فى هذه المرّة الثانية نحو التسع سنين، ثم خلع بيبرس وعاد الملك الناصر إلى السلطنة ثالث مرّة فى شوّال سنة تسع وسبعمائة، واستبدّ من يوم ذاك بالأمر من غير معارض إلى أن مات فى التاريخ المذكور. وقد ذكرنا ذلك كلّه فى أصل ترجمته من هذا الكتاب مفصّلا. فكانت مدّة تحكّمه فى هذه المرّة الثالثة اثنتين وثلاثين سنة وشهرين وخمسة «4» وعشرين يوما، وهو أطول ملوك الترك مدّة فى السلطنة، فإنّ أوّل سلطنته من سنة ثلاث

وتسعين وستمائة إلى أن مات نحوا من ثمان وأربعين سنة، بما فيها من أيام خلعه، ولم يقع ذلك لأحد من ملوك الترك بالديار المصريّة، فهو أطول الملوك زمانا وأعظمهم مهابة وأغزرهم عقلا وأحسنهم سياسة وأكثرهم دهاء وأجودهم تدبيرا وأقواهم بطشا وشجاعة وأحذقهم تنفيذا؛ مرّت به التجارب، وقاسى الخطوب، وباشر الحروب، وتقلّب مع الدهر ألوانا؛ نشأ فى الملك والسعادة، وله فى ذلك الفخر والسّيادة خليقا للملك والسلطنة، فهو سلطان وابن سلطان وأخو سلطان ووالد ثمانى سلاطين من صلبه، والملك فى ذرّيته وأحفاده وعقبه ومماليكه ومماليك مماليكه إلى يومنا هذا، بل إلى أن تنقرض الدولة التركيّة، فهو أجلّ ملوك الترك وأعظمها بلا مدافعة، ومن ولى السلطنة من بعده بالنسبة إليه كآحاد أعيان أمرائه. وكان متجمّلا يقتنى من كلّ شىء أحسنه. أكثر فى سلطنته من شراء المماليك والجوارى، وطلب التجّار وبذل لهم الأموال، ووصف لهم حلى المماليك والجوارى. وسيّرهم إلى بلاد أزبك خان وبلاد الجاركس «1» والروم، وكان التاجر إذا أتاه بالجلبة من المماليك بذل له أغلى القيم فيهم، فكان يأخذهم «2» ويحسن تربيتهم وينعم عليهم بالملابس، الفاخرة والحوائص الذهب والخيول والعطايا حتى يدهشهم، فأكثر التجار من جلب المماليك، وشاع فى الأقطار إحسان السلطان إليهم. فأعطى المغل أولادهم وأقاربهم للتجّار رغبة فى السعادة، فبلغ ثمن المملوك على التاجر أربعين ألف درهم، وهذا المبلغ جملة كثيرة بحساب يومنا هذا. وكان الملك الناصر يدفع للتاجر فى المملوك الواحد مائة ألف درهم وما دونها.

وكان مشغوفا أيضا بالخيل فجلبت له من البلاد، لا سيّما خيول العرب آل مهنّا وآل فضل، فإنه كان يقدّمها على غيرها، ولهذا كان يكرم العرب ويبذل لهم الرغائب فى خيولهم، فكان إذا سمع العربان بفرس عند بدوىّ أخذوها منه بأغلى القيمة، وأخذوا من السلطان مثلى ما دفعوا فيها. وكان له فى كلّ طائفة من طوائف العرب عين يدلّه على ما عندهم من الخيل من الفرس السابق أو الأصيل، بل ربّما ذكروا له أصل بعضها لعدّة جدود، حتّى يأخذها بأكثر مما كان فى نفس صاحبها من الثمن، فتمكّنت منه بذلك العربان، ونالوا المنزلة العظيمة والسعادات الكثيرة. وكان يكره خيول برقة فلا يأخذ منها إلا ما بلغ الغاية فى الجودة، وما عدا ذلك إذا جلبت إليه فرّقها. وكان له معرفة تامّة بالخيل وأنسابها، ويذكر من أحضرها له فى وقتها، وكان إذا استدعى بفرس يقول لأمير آخور: الفرس الفلانية التى أحضرها فلان واشتريتها منه بكذا وكذا. وكان إذا جاءه شىء منها عرضها وقلّبها بنفسه، فإن أعجبته دفع فيها من العشرة آلاف إلى أن اشترى بنت الكرماء بمائتى «1» ألف درهم، وهذا شىء لم يقع لأحد من قبله ولا من بعده، فإنّ المائتى ألف درهم كانت يوم ذاك بعشرة آلاف دينار. وأمّا ما اشتراه بمائة ألف وسبعين ألفا وستين ألفا وما دونها فكثير. وأقطع آل مهنّا وآل فضل بسبب ذلك عدّة إقطاعات، فكان أحدهم إذا أراد من السلطان شيئا قدم عليه فى معنى أنه يدلّه على فرس عند فلان ويعظّم أمره، فيكتب من فوره بطلب تلك الفرس فيشتدّ صاحبها ويمتنع [من قودها «2» ] ثم يقترح ما شاء، ولا يزال حتى يبلغ غرضه من السلطان فى ثمن فرسه.

وهو أوّل من اتّخذ من ملوك مصر ديوانا للإسطبل السلطانىّ وعمل له ناظرا وشهودا وكتّابا لضبط أسماء الخيل، وأوقات ورودها وأسماء أربابها، ومبلغ أثمانها ومعرفة سوّاسها وغير ذلك من أحوالها، وكان لا يزال يتفقّد الخيول، فإذا أصيب منها فرس أو كبر سنّه بعث به مع أحد الأوجاقية الى الجشّار «1» بعد ما يحمل عليها حصانا يختاره، ويأمر بضبط تاريخه، فتوالدت عنده خيول كثيرة، حتى أعنته عن جلب ما سواها. ومع هذا كان يرغب فى الفرس المجلوب إليه أكثر ممّا توالد عنده، فعظم العرب فى أيامه لجلب الخيل وشمل الغنى عامّتهم، وكانوا إذا دخلوا إلى مشاتيهم أو إلى مصايفهم يخرجون بالحلى والحلل والأموال الكثيرة، ولبسوا فى أيامه الحرير الأطلس المعدنىّ بالطّرز الزّركش والشاشات المرقومة، ولبسوا الخلع البابلىّ والإسكندرىّ المطرّز بالذهب، وصاغ السلطان لنسائهم الأطواق الذهب المرصّع وعمل لهم العناتر «2» بالأكر الذهب والأساور المرصّعة بالجوهر واللؤلؤ، وبعث لهنّ بالقماش السكندرى وعمل لهنّ البراقع الزّركش، ولم يكن لبسهم قبل ذلك إلا الخشن من الثياب على عادة العرب. وأجلّ ما لبس مهنّا أميرهم أيام الملك المنصور لاچين طرد وحش، لمودّة كانت بين لاچين وبين مهنّا بن عيسى، فأنكر الأمراء ذلك على الملك المنصور لاچين فاعتذر لهم بتقدّم صحبته له وأياديه عنده، وأنه أراد أن يكافئه على ذلك. وكان الملك الناصر فى جشاره «3» ثلاثة آلاف فرس، يعرض فى كلّ سنة نتاجها عليه فيسلّمها للرّكّابين من العربان [لرياضتها «4» ] ثم يفرّق أكثرها على الأمراء

الخاصّكيّة، ويفرح بذلك ويقول: هذه فلانة بنت فلانة أو فلان بن فلان، عمرها كذا، وشراء أمّها بكذا وشراء أبيها بكذا. وكان يرسم للأمراء فى كلّ سنة أن يضمّروا الخيول، ويرتّب على كل أمير من أمراء الألوف أربعة أرؤس يضمّرها. ثم يرسم لأمير آخور أن يضمّر خيلا من غير أن يفهم الأمراء أنّها للسلطان، بل يشيع أنّها له، ويرسلها للسّباق مع خيل الأمراء فى كلّ سنة. وكان للأمير قطلوبغا الفخرىّ حصان أدهم، سبق خيل مصر كلّها ثلاث سنين متوالية، فأرسل السلطان إلى مهنّا وأولاده أن يحضروا له الخيل للسّباق، فأحضروا له عدّة وضمّروا، فسبقهم حصان الفخرىّ الأدهم. ثم بعد ذلك ركب السلطان إلى ميدان «1» القبق ظاهر القاهرة فيما بين قلعة الجبل وقبّة النصر، وهو أماكن الترب الآن، وأرسل الخيل للسّبق، وعدّتها دائما فى كلّ سنة ما ينيف على مائة وخمسين فرسا. وكان مهنّا بعث للسلطان حجرة شهباء للسّباق على أنها إن سبقت كانت للسلطان وإن سبقت ردّت إليه بشرط ألّا يركبها للسّباق إلا بدويّها الذي قادها إلى مصر. فلمّا ركب السلطان والأمراء على العادة ووقفوا ومعهم أولاد مهنا [بالميدان «2» ] وأرسلت الخيول من بركة الحاج كما جرت به العادة، وركب البدوىّ حجرة مهنّا الشهباء عريا بغير سرج، ولبس قميصا ولاطئة «3» فوق رأسه. وأقبلت الخيول يتبع بعضها بعضا والشهباء قدّام الجميع، وبعدها على القرب منها حصان الأمير أيدغمشى أمير آخور يعرف بهلال، فلمّا وقف البدوىّ بالشهباء بين يدى السلطان، صاح بصوت ملأ الخافقين: السعادة لك اليوم يا مهنّا، لاشقيت! وألقى بنفسه إلى الأرض من شدّة التعب فقدّمها مهنّا للسلطان، فكان هذا دأب الملك الناصر فى كلّ سنة من هذا الشأن وغيره.

قلت: وترك الملك الناصر فى جشاره ثلاثة آلاف فرس، وترك بالإسطبلات السلطانية أربعة آلاف فرس وثمانمائة فرس، ما بين حجورة ومهارة وكحولة «1» وأكاديش، وترك من الهجن الأصائل والنّياق نيّفا على خمسة آلاف سوى أتباعها. وأما الجمال النّفر والبغال فكثير. وكان الملك الناصر أيضا شغوفا بالصيد، فلم يدع أرضا تعرف بالصيد إلّا وأقام بها صيّادين مقيمين بالبريّة أوان الصيد، وجلب طيور الجوارح من الصّقورة والشواهين والسّناقر والبزاة، حتى كثرت السناقر فى أيامه. وصار كلّ أمير عنده منها عشرة سناقر وأقلّ وأكثر. وجعل [له «2» ] البازداريّة «3» والحونداريّة «4» وحرّاس الطير، وما هو موجود بعضه الآن، وأقطعهم الإقطاعات الجليلة، وأجرى لهم الرواتب من اللّحم والعليق والكساوى وغير ذلك، ولم يكن ذلك قبله لملك، فترك بعد موته مائة وعشرين سنقرا، ولم يعهد بمثل هذا لملك قبله، بل كان لوالده الملك المنصور قلاوون سنقر واحد، وكان المنصور إذا ركب فى المركب للصيد كان بازداره أيضا راكبا والسنقر على يده. وترك الملك الناصر من الصّقورة والشواهين ونحوها مالا ينحصر كثرة. وترك ثمانين جوقة كلاب بكلا بزيّتها، وكان أخلى لها موضعا بالجبل. وعنى أيضا بجمع الأغنام وأقام لها خولة، وكان يبعث فى كلّ سنة الأمير آقبغا عبد الواحد فى عدّة من المماليك لكشفها، فيكشف المراحات من قوص إلى الجيزة،

ويأخذ منها ما يختاره من الأغنام، وجرّده مرّة إلى عيذاب «1» والنّوبة لجلب الأغنام. ثم عمل لها حوشا بقلعة الجبل؛ وقد ذكرنا ذلك فى وقته، وأقام لها خولة نصارى من الأسرى. وعنى أيضا بالإوزّ وأقام لها عدّة من الخدّام وجعل لها جانبا بحوش الغنم. ولما مات ترك ثلاثين ألف رأس من الغنم سوى أتباعها، فاقتدى به الأمراء وصارت لهم الأغنام العظيمة فى غالب أرض مصر. وكان كثير العناية بأرباب وظائفه وحواشيه من أمراء آخوريّة والأوجاقية وغلمان الإسطبل والبازدارية والفرّاشين والخولة والطبّاخين. فكان إذا جاء أوان تفرقة الخيول على الأمراء بعث إلى الأمير بما جرت به عادته مما رتبه له فى كلّ سنة مع أمير اخور وأوجاقى وسايس وركبدار، ويترقّب عودهم حتى يعرف ما أنعم به ذلك الأمير عليهم، فإن شحّ الأمير فى عطاياتهم تنكّر عليه وبكّته بين الأمراء ووبّخه، وكان قرّر أن يكون الأمير آخور بينهم بقسمين ومن عداه بقسم واحد. وكان أيضا إذا بعث لأمير بطير مع أمير شكار أو واحد من البازداريّة يحتاج الأمير أن يلبسه خلعة كاملة بحياصة ذهب وكلفتاه زركش، فيعود بها ويقبّل الأرض بين يديه فيستدنيه ويفتّش خلعته. وكانت عادته أن يبعث فى يوم النحر أغنام الضحايا مع الأبقار والنّوق إلى الأمراء، فبعث مرّة مع بعض خولة النصارى إلى الأمير يلبغا «2» حارس طيره ثلاثة كباش فأعطاه عشرة «3» دراهم فلوسا وعاد إلى السلطان، فقال له: وأين خلعتك؟ فطرح الفلوس بين يديه وعرّفه بقدرها، فغضب وأمر بعض الخدّام أن يسير بالخولىّ إلى عنده ويوبّخه ويأمره أن يلبسه خلعة طرد وحش. وكانت حرمته ومهابته وافرة قد

تجاوزت الحدّ، حتّى إنّ الأمراء كانوا إذا وقفوا بالخدمة لا يجسر أحد منهم أن يتحدّث مع رفيقه، ولا يلتفت نحوه خوفا من مراقبة السلطان لهم، وكان لا يجسر أحد أن يجتمع مع خشداشه فى نزهة ولا غيرها. وكان له المواقف المشهودة، منها: لمّا لقى غازان على فرسخ من حمص «1» ، وقد تقدّم ذكر ذلك. ثم كانت له الوقعة العظيمة مع التتار أيضا بشقحب «2» ، وأعزّ الله تعالى فيها الإسلام وأهله؛ ودخلت عساكره بلاد سيس «3» ، وقرّر على أهلها الخراج أربعمائة ألف درهم فى السنة بعد ما غزاها ثلاث مرار. وغزا ملطية «4» وأخذها وجعل عليها الخراج، ومنعوه مرّة فبعث العساكر إليها حتى أطاعوه. وأخذ مدينة آياس «5» وخرّب البرج الأطلس وسبعة حصون وأقطع أراضيها للأمراء والأجناد. وأخذ جزيرة أرواد «6» من الفرنج. وغزا بلاد اليمن وبلاد عانة «7» وحديثة «8» فى طلب مهنّا. وجرّد إلى مكّة والمدينة العساكر لتمهيدها «9» غير مرّة، ومنع أهلها من حمل السلاح بها. وعمّر قلعة جعبر «10» بعد خرابها، وأجرى

نهر حلب إلى المدينة. وخطب له بماردين «1» وجبال الأكراد وحصن «2» كيفا وبغداد وغيرها من بلاد الشرق، وهو بكرسىّ مصر. وأتته هدية ملوك الغرب والهند والصين والحبشة والتّكرور «3» والروم والفرنج والتّرك. وكان، رحمه الله، على غاية من الحشمة والرياسة وسياسة الأمور، فلم يضبط عليه أحد أنّه أطلق لسانه بكلام فاحش فى شدّة غضبه ولا فى انبساطه، مع عظيم ملكه وطول مدّته فى السلطنة وكثرة حواشيه وخدمه. وكان يدعو الأمراء والأعيان وأرباب الوظائف بأحسن أسمائهم وأجلّ ألقابهم، وكان إذا غضب على أحد لا يظهر له ذلك، وكان مع هذه الشهامة وحبّ التجمّل مقتصدا فى ملبسه، يلبس كثيرا «4» البعلبكىّ والنّصافى المتوسط، ويعمل حياصته فضة نحو مائة درهم بغير ذهب ولا جوهر. ويركب بسرج مسقّط بفضة التى زنتها دون المائة درهم، وعباءة فرسه إمّا تدمرىّ أو شامىّ، ليس فيها حرير. وكان مفرط الذكاء، يعرف جميع مماليك أبيه وأولادهم بأسمائهم، ويعرّف بهم الأمراء خشداشيتهم فيتعجبون الأمراء من ذلك، وكذلك مماليكه لا يغيب عنه اسم واحد منهم ولا وظيفته عنده، ولا مبلغ جامكيّته، هذا مع كثرتهم. وكان أيضا يعرف غلمانه وحاشيته على كثرة عددهم، ولا يفوته معرفة أحد من الكتّاب، فكان إذا أراد أن يولّى أحدا مكانا أو يرتّبه فى وظيفة استدعى جميع الكتّاب بين يديه

واختار منهم واحدا أو أكثر من واحد من غير أن يراجع فيهم، ثم يقيمه فيما يريد من الوظائف. وكان إذا تغيّر على أحد من أمرائه أو كتّابه أسرّ ذلك فى نفسه، وتروّى فى ذلك مدة طويلة وهو ينتظر له ذنبا يأخذه به، كما وقع له فى أمر كريم الدين الكبير وأرغون النائب وغيرهم، وهو يتأنّى ولا يعجّل، حتى لا ينسب إلى ظلم، فإنه كان يعظم عليه أن يذكر عنه أنه ظالم أو جائر، أو وقع فى أيامه خراب أو خلل، ويحرص على حسن القالة فيه. وكان يستبدّ بأمور مملكته وينفرد بالأحكام، حتى إنه أبطل نيابة السلطنة من ديار مصر ليستقلّ هو بأعباء الدولة وحده، وكان يكره أن يقتدى بمن تقدّمه من الملوك، فمن أنشأه «1» من الملوك كائنا من كان، ولا يدخلهم المشورة حتى ولا بكتمر الساقى ولا قوصون ولا بشتك وغيرهم، بل كان لا يقتدى إلّا بالقدماء من الأمراء. وكان يكره شرب الخمر ويعاقب عليه ويبعد من يشربه من الأمراء عنه. وكان فى الجود والكرم والإفضال غاية لا تدرك خارجة عن الحدّ، وهب فى يوم واحد ما يزيد على مائة ألف دينار ذهبا، وأعطى فى يوم واحد لأربعة من مماليكه وهم الأمير ألطنبغا الماردانىّ ويلبغا اليحياوىّ وملكتمر الحجازىّ وقوصون مائتى ألف دينار، ولم يزل مستمرّ العطاء لخاصّكيّته ومماليكه ما بين عشرة آلاف دينار وأكثر منها وأقلّ، ونحوها من الجوهر واللآلئ. وبذل فى أثمان الخيل والمماليك ما لم يسمع بمثله. وجمع من المال والجوهر والأحجار ما لم يجمعه ملك من ملوك الدولة التركيّة قبله مع فرط كرمه.

قلت: كلّ ذلك لحسن تدبيره وعظم معرفته، فإنّه كان يدرى مواطن استجناء المال فيستجنيه منها، ويعرف كيف يصرفه فى محلّه وأغراضه فيصرفه. ولم يشهر عنه أنه ولى قاض فى أيامه برشوة، ولا محتسب ولا وال، بل كان هو يبذل لهم الأموال ويحرّضهم على عمل الحق، وتعظيم الشرع الشريف، وهذا بخلاف من جاء بعده، فإن غالب ملوك مصر ممن ملك مصر بعده يقتدى بشخص من أرباب وظائفه، فيصير ذلك الرجل هو السلطان حقيقة والسلطان من بعض من يتصرّف بأوامره، وكلّ ذلك لقصر الإدراك وعدم المعرفة، فلذلك يتركون الأموال الجليلة والأسباب التى يحصل منها الألوف المؤلّفة، ويلتفتون إلى هذا النّزر اليسير القبيح الشنيع الذي لا يرتضيه من له أدنى همّة ومروءة، وهو الأخذ من قضاة الشرع عند ولايتهم المناصب وولاة الحسبة والشّرطة، وذلك كلّه وإن تكرر فى السنة فهو شىء قليل جدّا، يتعوّض من أدنى الجهات التى لا يؤبه إليها من أعمال مصر، فلو وقع ذلك لكان أحسن فى حقّ الرعيّة وأبرأ لذمّة السلطان والمسلمين من ولاية قضاة الشرع بالرشوة، وما يقع بسبب ذلك فى الأنكحة والعقود والأحكام وما أشبه ذلك. انتهى. وكان الملك الناصر يرغب فى أصناف الجوهر، فجلبتها إليه التّجار من الأقطار. وشغف بالجوارى السّرارى، فحاز منهن كلّ بديعة الجمال، وجهّز له إحدى عشرة ابنة بالجهاز العظيم، فكان أولهنّ «1» جهازا بثمانماثة ألف دينار، [منها «2» ] قيمة بشخاناه وداير بيت وما يتعلّق به مائة ألف دينار، وبقيّة ذلك ما بين جواهر ولآلئ وأوانى ونحو ذلك، وزوّجهنّ «3» لمماليكه مثل الأمير قوصون وبشتك وألطنبغا الماردانىّ

وطغاى تمر وعمر بن أرغون النائب وغيرهم. وجهز جماعة من سراريه وجواريه ومن تحسن بخاطره، كلّ واحدة بقريب ذلك وبمثله وأكثر منه. واستجدّ النساء فى زمانه الطّرحة، كلّ طرحة بعشرة آلاف دينار وما دون ذلك إلى خمسة آلاف دينار، والفرجيّات بمثل ذلك. واستجدّ النساء فى زمانه الخلاخيل الذهب والأطواق المرصعة بالجواهر الثمينة والقباقيب الذهب المرصّعة والأزر الحرير وغير ذلك. وكان الملك الناصر كثير الدهاء مع ملوك الأطراف يهاديهم ويستجلبهم إلى طاعته بالهدايا والتّحف، حتى يذعنوا له فيستعملهم فى حوائجه ويأخذ بعضهم ببعض، وكان يصل إلى قتل من يريد قتله بالفداويّة «1» لكثرة بذله لهم الأموال. وكان يحبّ العمارة فلم يزل من حين قدم من الكرك إلى أن مات مستمرّ العمارة، فحسب تقدير مصروفه فجاء فى كلّ يوم مدّة هذه السنين ثمانية آلاف درهم، قوّمّ ذلك بطالة على عمل والسفر والحضر والعيد والجمعة. وكان ينفق على العمارة المائة ألف درهم،

فإذا رأى منها ما لا يعجبه هدمها كلّها وجدّدها على ما يختاره. ولم يكن من قبله من الملوك فى الإنفاق على العمائر كذلك. وقد حكى عن والده الملك المنصور قلاوون أنه أراد أن يبنى مصطبة عليها رفرف تقيه حرّ الشمس إذا جلس عليها، فكتب له الشجاعىّ تقدير مصروفها أربعة آلاف درهم، فتناول المنصور الورقة من يد الشجاعىّ ومزّقها وقال: أقعد فى مقعد بأربعة آلاف درهم، انصبوا لى صيوانا إذا نزلت على المصطبة. ومع هذا كلّه خلّف الملك الناصر فى بيت المال من الذهب والقماش أضعاف ما خلّفه المنصور قلاوون. وكانت المظالم أيام الملك المنصور قلاوون أكثر مما كانت فى أيام الناصر هذا. قلت: عود وانعطاف إلى ما كنّا فيه من أنّ الأصل فى تدبير الملك وتحصيل الأموال المعرفة والذكاء وجودة التنفيذ. انتهى. قلت: والملك المنصور قلاوون كان أسمح من الملك الظاهر بيبرس البندقدارىّ وأقلّ ظلما. والحقّ يقال ليس الظاهر والمنصور من خيل هذا الميدان، ولا بينهما وبين الملك الناصر هذا نسبة فى أمر من الأمور. انتهى. هذا على أن الملك الناصر لمّا عمل الرّوك الناصرىّ أبطل مظالم كثيرة من الضمانات والمكوس وغيرها حسب ما ذكرناه فى وقته، ومع هذا لم يحسن عليه محسن. وكان الملك الناصر واسع النفس على الطعام يعمل فى سماطه فى كلّ يوم الحلاوات والمآكل المفتخرة وأنواع الطير، وبلغ راتب سماطه فى كلّ يوم وراتب مماليكه من اللحم ستة وثلاثين ألف رطل لحم فى اليوم، سوى الدجاج والإوزّ والرّمسان «1» والجدى المشوى والمهارة وأنواع الوحوش كالغزلان والأرانب وغيره.

واستجدّ فى أيامه عمائر كثيرة منها: حفر خليج الإسكندرية «1» ، حفروه فى مدّة أربعين يوما، عمل فيه نحو المائة ألف رجل من النواحى. واستجدّ عليه عدّة سواقى وبساتين فى أراض كانت سباخا فصارت مزارع قصب سكر وسمسم وغيره. وعمّرت هناك الناصرية «2» ،

ونقل إليها المقداد «1» بن شمّاس وأولاده، وعدّة أولاده مائة ولد ذكر. واستمرّ الماء فى خليج الإسكندرية طول السنة، وفرح الناس بهذا الخليج فرحا زائدا، وعظمت المنافع به. وأنشأ الميدان «2» تحت قلعة الجبل وأجرى له المياه وغرس فيه النخل والأشجار، ولعب فيه بالكرة فى كلّ يوم ثلاثاء مع الأمراء والخاصّكيّة وأولاد الملوك. وكان الملك الناصر يجيد لعب الكرة إلى الغاية بحيث إنه كان لا يدانيه فيها أحد فى زمانه إلّا إن كان ابن أرغون النائب. ثم عمّر فوق الميدان هذا القصر الأبلق «3» وأخرب البرج الذي كان عمّره أخوه الأشرف خليل على

الإسطبل وجعل مكانه القصر المذكور. وعمّر فوقه رفرفا وعمّر بجانبه برجا «1» نقل إليه المماليك، وغيّر باب «2» النحاس من قلعة الجبل ووسّع دهليزه، وعمّر فى الساحة تجاه الإيوان طباقا» للأمراء الخاصّكيّة، وغيّر عمارة الإيوان «4» مرّتين، ثم فى الثالثة أقرّه على ما هو عليه الآن، وحمل إليه العمد الكبار من بلاد الصعيد، فجاء من أعظم المبانى الملوكيّة، ورتّب خدمته بالإيوان بأنواع مهولة عجيبة مزعجة لمن يقدم من رسل الملوك، يطول الشرح فى ذكر ترتيب ذلك. ثم رتّب خدم القصر ومشدّيه، وما كان يفرش فيه من أنواع البسط والستائر، وكيفية حركة أرباب الوظائف فيه. ثم عمّر بالقلعة أيضا دورا للأمراء الذين زوّجهم لبناته، وأجرى إليها المياه وعمل بها الحمّامات وزاد فى باب القلّة «5» من القلعة بابا ثانيا. وعمّر جامع «6» القلعة

والقاعات «1» السبع التى تشرف على الميدان لأجل سراريه. وعمّر باب «2» القرافة. وكان غالب عمائره بالحجارة خوفا من الحريق. وعزم على أن يغيّر باب المدرّج «3» ويعمل له

دركاه «1» فمات قبل ذلك. وعمّر بالقلعة حوش «2» الغنم وحوش البقر وحوش المعزى فأوسع فيها نحو خمسين فدانا. وعمّر الخانقاة «3» بناحية سرياقوس ورتّب فيها مائة صوفىّ لكل منهم الخبز واللحم والطعام والحلوى وسائر ما يحتاج إليه. قلت: وقد صارت الخانقاة الآن مدينة عظيمة. انتهى. قال: وعمّر القصور بسرياقوس، وعمل لها بستانا حمل إليه الأشجار من دمشق وغيرها، فصار بها عامّة فواكه الشام. وحفر الخليج «4» الناصرىّ خارج القاهرة حتى أوصله بسرياقوس، وعمّر على هذا الخليج أيضا عدّة قناطر «5» ، وصار

بجانبى هذا الخليج عدّة بساتين وأملاك. وعمّرت به أرض الطبّالة بعد خرابها من أيام العادل كتبغا. وعمّرت جزيرة الفيل، وناحية بولاق بعد ما كانت رمالا، يرمى بها المماليك النّشّاب، وتلعب الأمراء بها الكرة، فصارت كلّها دورا وقصورا وجوامع وأسواقا وبساتين، وبلغت البساتين بجزيرة الفيل فى أيامه مائة وخمسين بستانا بعد ما كانت نحو العشرين بستانا. واتّصنت العمائر من ناحية منية «1» الشّيرج على النيل

إلى جامع الخطيرىّ إلى حكر «1» ابن الأثير وزريبة «2» قوصون وإلى منشأة المهرانى «3» إلى بركة

الحبش، حتّى كان الإنسان يتعجّب لذلك، فإنه كان قبل ذلك بمدّة يسيرة تلالا ورمالا وحلفاء، فصار لا يرى قدر ذراع إلّا وفيه بناء. كلّ ذلك من محبّة السلطان للتعمير. فصار كلّ أحد فى أيامه يفعل ذلك ويتقرّب إلى خاطره بهذا الشأن. وصار لهم أيضا غيّة فى ذلك، كما قيل: الناس على دين مليكهم، بل قيل إنه كان إذا سمع بأحد قد أنشأ عمارة بمكان شكره فى الملأ وأمدّه فى الباطن بالمال والآلات، وغيرها، فعمّرت مصر فى أيامه وصارت أضعاف ما كانت، كما سيأتى ذكره من الحارات والحكورة والأماكن. فممّا عمّر فى أيامه أيضا القطعة «1» التى فيما بين قبّة الإمام الشافعىّ، رضى الله عنه، إلى باب القرافة طولا وعرضا بعد ما كانت فضاء «2» لسباق خيل الأمراء والأجناد والخدّام، فكان يحصل هناك أيّام السّباق اجتماعات جليلة للتفرّج على السّباق إلى أن أنشأ الأمير بيبغا «3» التّركمانىّ تربته «4» بها، وشكره السلطان. فأنشأ الناس فيه تربا حتى صارت كما ترى. قلت: وكذا وقع أيضا فى زماننا هذا بالساحة التى كانت تجاه تربة «5» الملك الظاهر برقوق (أعنى المدرسة الناصرية بالصحراء) فإنها كانت فى أوائل الدولة

الأشرفية برسباى ساحة كبيرة يلعب فيها المماليك السلطانية بالرّمح، وهى الآن كما ترى من العمائر. وكذا وقع أيضا بالساحة «1» التى كانت من جامع أيدمر الخطيرىّ على ساحل بولاق إلى بيت المقرّ الكمال «2» ابن البارزىّ، فإنّ الملك المؤيّد شيخ جلس فى حدود سنة عشرين وثمانمائة ببيت القاضى ناصر «3» الدين ابن البارزى والد كمال الدين المذكور بساحة بولاق، وساقت الرّمّاحة المحمل قدّامه بالساحة المذكورة، وهى الآن كما هى من الأملاك. وكذلك وقع أيضا بخانقاه سرياقوس وأنّها كانت ساحة عظيمة من قدّام خانقاه الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب الترجمة إلى الفضاء، حتى عمّر بها الأمير سودون بن عبد الرحمن مدرسته «4» فى حدود سنة ست وعشرين

وثمانمائة، فكان ما بين المدرسة العبد الرحمانية المذكورة وبين باب الخانقاه الناصرية ميدان كبير. انتهى. وقد خرجنا عن المقصود ولنرجع إلى ما كنا فيه من ذكر الملك الناصر محمد فنقول أيضا: وعمّر أيضا فى أيامه الصحراء التى ما بين قلعة الجبل وخارج باب «1» المحروق إلى تربة الظاهر برقوق المقدّم ذكرها. وأوّل من عمّر فيها الأمير قراسنقر تربته «2» ، وعمّر بها حوض السبيل يعلوه مسجد. ثم اقتدى به جماعة من الأمراء والخوندات والأعيان مثل خوند طغاى، عمّرت بها تربتها «3» العظيمة، ومثل طشتمر «4» حمّص أخضر

الناصرىّ، ومثل طشتمر «1» طلليه الناصرىّ وغيرهم. وكان هذا الموضع ساحة عظيمة، وبه ميدان «2» القبق من عهد الملك الظاهر بيبرس برسم ركوب السلطان وعمل الموكب به برسم سباق الخيل، فلما عمّر قراسنقر تربته عمّر الناس بعده حتى صارت الصحراء مدينة عظيمة. وعمر الملك الناصر أيضا لمماليكه عدّة قصور خارج القاهرة، وبها منها قصر «3» الأمير طقتمر الدّمشقى بحدرة البقر، وبلغ مصروفه ثمانمائة ألف درهم. فلمّا مات طقتمر أنعم به على الأمير طشتمر حمّص أخضر فزاد فى عمارته. ومنها قصر «4» الأمير بكتمر الساقى على بركة الفيل بالقرب من الكبش، فعمل أساسه أربعين ذراعا وارتفاعه أربعين ذراعا فزاد مصروفه على «5» ألف ألف درهم. ومنها

الكبش «1» ، حيث كان عمارة الملك الصالح نجم الدين أيّوب فعمله الملك الناصر سبع قاعات برسم بناته ينزلون فيه للفرجة على ركوب السلطان للميدان «2» الكبير. لم ينحصر ما أنفقه فيها لكثرته. ومنها إسطبل «3» الأمير قوصون بسوق «4» الخيل تحت القلعة تجاه باب «5» السلسلة، وكان أصله إصطبل الأمير سنجر البشمقدار وسنقر الطويل. ومنها قصر «6» بهادر الجوبانىّ بجوار زاوية «7» البرهان الصائغ بالجسر الأعظم تجاه الكبش. ومنها

قصر قطلوبغا «1» الفخرىّ وقصر ألطنبغا «2» الماردانىّ وقصر يلبغا «3» اليحياوىّ، وهؤلاء أجلّ ما عمّر من القصور وهم موضع المدرسة الناصريّة «4» الحسنيّة، أخذهم الملك الناصر حسن وهدمهم وعمّر مكان ذلك مدرسته المشهورة به. وعمّر فى أيامه الأمراء عدّة دور وقصور، منها: دار الأمير «5» أيدغمش أمير آخور وقصر بشتك «6» وغيره. وكان الملك الناصر له عناية كبيرة ببلاد «7» الجيزة، حتى إنه عمل على كلّ بلد جسرا وقنطرة، وكانت قبل ذلك أكثر بلادها تشرق لعلوّها، فعمل جسر أمّ دينار «8» ، فى ارتفاع اثنتى عشرة قصبة. أقام العمل فيه مدّة شهرين، وهو الذي اقترحه فحبس الماء حتى ردّه «9» على تلك الأراضى، وعمّ النفع بها جميع أهل الجيزة. ومن يومئذ قوى «10» بسبب هذا الجسر الماء حتى حفر بحرا يتّصل بالجيزة «11» . وخرج فى أراضى الجيزة عدّة مواضع وزرعت بعد ما كانت شاسعة، وأخذ من هذه

الأراضى قوصون وبشتك وغيرهما عدّة أراض عمّروها ووقفوها. واستجدّ السلطان على بقية الأراضى ثلثمائة جندىّ. قلت: هذا وأبيك العمل! وأين هذا من فعل غيره! ينظر إلى أحسن البلاد فيأخذها ويوقفها فيخربها النّظار بعد سنين؛ فالفرق واضح لا يحتاج إلى بيان. وهذا الذي أشرنا إليه من أن الملك إذا كان له معرفة حصل له أغراضه من جمع المال من هذا الوجه وغيره، ولا يحتاج لأخذ الرشوة من الحكّام والإفحاش فى أخذ المكوس وغيرها ومثل ذلك فكثير. واستجدّت فى ايام الملك الناصر عدّة أراضى أيضا بالشرقية «1» ونواحى فوّة «2» وغيرها أقطعت للأجناد، وكانت قبل ذلك لسنين كثيرة خرابا لا ينتفع بها. وعمل أيضا سدّ «3»

شبين القصر فزاد بسببه خراج الشرقية زيادة كثيرة. وعمل جسرا «1» خارج القاهرة حتى ردّ النيل عن منية الشّيرج وغيرها، فعمّر بذلك عدّة بساتين بجزيره الفيل، وأحكم عامّة أراضى مصر قبليّها وبحريّها بالتراع والجسور حتى أتقن أمرها، وكان يركب إليها برسم الصّيد كلّ قليل، ويتفقّد أحوالها بنفسه، وينظر فى جسورها وتراعها وقناطرها، بحيث إنه لم يدع فى أيّامه موضعا منها حتى عمل فيه ما يحتاج إليه. وكان له سعد فى جميع أعماله، فكان يقترح المنافع من قبله، بعد أن كان يزهّده فيما يأمر به حذّاق المهندسين، ويقول بعضهم: ياخوند، الذين جاءوا من قبلنا لو علموا أن هذا يصحّ فعلوه، فلا يلتفت إلى قولهم، ويفعل ما بدا له من مصالح البلاد، فتأتيه أغراضه على ما يحبّ وزيادة، فزاد فى أيّامه خراج مصر زيادة هائلة فى سائر الأقاليم. وكان إذا سمع بشراقى بلد أو قرية من القرى أهمّه ذلك وسأل المقطع بها عن أحوال القرية المذكورة غير مرّة، بل كلّما وقع بصره عليه، ولا يزال يفحص عن ذلك حتّى يتوصّل إلى ريّها بكل ما تصل قدرته إليه. كلّ ذلك وصاحبها لا يسأله فى شىء من أمرها فيكلّمه بعض الأمراء فى ذلك فيقول: هذه قريتى، وأنا الملزوم بها والمسئول عنها، فكان هذا دأبه. وكان يفرح إذا سأله بعض الأجناد فى عمل مصلحة بلده بسبب عمل جسر أو تقاوى أو غير ذلك، وينبل ذلك الرجل فى عينه، ويفعل له ما طلبه من غير توقّف ولا ملل فى إخراج المال، فإن كلّمه أحد فى ذلك فيقول: فلم نجمع المال فى بيت مال

المسلمين إلّا لهذا المعنى وغيره! فهذه كانت عوائده، وكذلك فعل بالبلاد الشاميّة، حتى إنّ مدينة غزّة هو الذي مصّرها وجعلها على هذه الهيئة، وكانت قبل كآحاد قرى البلاد الشاميّة، وجعل لها نائبا، وسمّى بملك الأمراء، ولم تكن قبل ذلك إلّا ضيعة من ضياع الرملة، ومثلها فكثير من قرى الشام وحلب والساحل يطول الشرح فى ذكر ذلك. وأنشأ الملك الناصر بالديار المصريّة الميدان «1» الكبير على النيل، وخرّب ميدان «2» اللّوق الذي كان عمّره الظاهر بيبرس وعمله بستانا، وقد تقدّم ذكره. ثم أنعم السلطان بالبستان المذكور على الأمير قوصون، فبنى قوصون تجاهه زريبته المعروفة بزريبة قوصون بنيانا ووقفه، واقتدى الأمراء بقوصون فى العمارة. ثم أخذ

قوصون بستان «1» الأمير بهادر رأس نوبة، وحكره للناس، ومساحته خمسة عشر فدّانا، فبنوه دورا على الخليج، فعرف بحكر قوصون، وحكر السلطان حول البركة «2» الناصريّة أراضى البستان فعمّروها الناس وسكنوا فيه، ثم حكر الأمير طقز دمر

الحموىّ الناصرى بستانا «1» بجوار الخليج، مساحته ثلاثون فدانا، وبنى له قنطرة «2» عرفت به، وعمل هناك حمّاما وحوانيت أيضا، فصار حكرا عظيم المساكن. قلت: وطقز دمر هذا هو الذي جدّد الخطبة بالمدرسة «3» المعزّيّة الأيبكيّة على النيل بمصر القديمة.

ثم حكر الأمير آقبغا عبد الواحد بستانا «1» بجوار بركة قارون «2» ظاهر القاهرة، فعمره عمارة كبيرة، وأخذ بقيّة الأمراء جميع ما كان من البساتين والجنينات ظاهر القاهرة وحكروها، وحكرت دادة السلطان الملك الناصر الستّ «3» حدق والستّ

مسكة القهرمانة حكرين عرفا بهما. وأنشأت كلّ واحدة منهما فى حكرها جامعا «1»

تقام به الجمعة، فزادت الأحكار فى أيام الملك الناصر على ستين حكرا، وبهذا اتّصلت العمائر من باب زويلة إلى سدّ «1» مصر، بعد ما كانت ساحة مخيفة. كلّ ذلك لما علم الناس من حبّ السلطان للعمر. قلت: وعلى هذا زادت الديار المصرية فى أيامه مقدار النصف. قال: وعمرت فى أيامه بالديار المصرية عدّة جوامع تقام فيها الخطب زيادة على ثلاثين جامعا، منها: الجامع الناصرىّ «2» بقلعة الجبل، جدّده وأوسعه. ومنها الجامع «3» الجديد الناصرىّ أيضا على نيل مصر. ومنها جامع «4» الأمير طيبرس الناصرىّ «5» نقيب الجيش على النيل

بجوار خانقاته، وقد ذهب أثر هذا الجامع المذكور من سنين. ثم عمّر طيبرس المذكور مدرسته «1» المشهورة به بجوار الجامع الأزهر، ولمّا خرب جامعه المذكور الذي كان على النيل نقل الصوفيّة الذين كانوا به إلى المدرسة المذكورة. انتهى. ومنها جامع «2» المشهد النفيسىّ لا أعلم من بناه، ومنها جامع «3» الأمير بدر الدين محمد التّركمانىّ بالقرب

من باب البحر. ثم جامع «1» الأمير كراى المنصورى بآخر الحسينية. وجامع «2» كريم الدين خلف الميدان. وجامع «3» شرف الدين الجاكى

بسويقة «1» الرّيش. وجامع «2» الفخر ناظر الجيش على النيل فيما بين بولاق وجزيرة

الفيل. وجامعا «1» آخر خلف خصّ «2» الكيّالة ببولاق. وجامعا «3» ثالثا بالروضة. وجامع «4» أمير حسين بالحكر «5» ، وبنى له قنطرة «6» على الخليج بالقرب منه.

وجامع «1» الأمير قيدان الرومىّ بقناطر «2» الإوزّ. وجامع «3» دولة شاه مملوك العلائى بكوم «4» الرّيش. وجامع «5» الأمير ناصر الدين الشّرابيشىّ الحرّانىّ بالقرافة.

وجامع «1» الأمير آقوش نائب الكرك بطرف الحسينية بالقرب من الخليج. وجامع «2» الأمير آق سنقر شادّ العمائر قريبا من الميدان «3» . وجامعا «4» خارج باب القرافة، عمّره

جماعة من العجم. وجامع «1» التّوبة بباب «2» البرقيّة، عمّره مغلطاى أخو

الأمير ألماس. وجامع «1» بنت الملك الظاهر بالجزيرة المستجدّة المعروفة بالوسطانية «2» . وجامع «3» الأمير ألماس الناصرىّ الحاجب بالقرب من حوض «4»

ابن هنس بالشارع الأعظم خارج القاهرة. وجامع «1» الأمير قوصون الناصرىّ بالقرب منه أيضا على الشارع خارج القاهرة، وله أيضا جامع «2» وخانقاه «3» خارج باب القرافة. وجامع «4» الأمير عزّ الدين أيدمر الخطيرىّ بساحل بولاق، وجامع «5» أخى صاروجا بشون «6»

القصب. وجامع «1» الأمير بشتك الناصرىّ على بركة الفيل تجاه خانقاته «2» . وجامع «3» الأمير

آل ملك بالحسينية. وجامع «1» الست حدق الدّادة فيما بين السّدّ وقناطر «2» السّباع. وجامع «3» السّتّ مسكة قريبا من قنطرة «4» آق سنقر. وجامع «5» الأمير ألطنبغا الماردانىّ خارج باب زويلة. وجامع «6» المظفّر بسويقة الجمّيزة «7» من الحسينية. وجامع «8» جوهر السّحرتى قريبا

من باب «1» الشعرية، وجامع «2» فتح الدين محمد بن عبد الظاهر بالقرافة. وغير ذلك من المدارس والمساجد، وهذا كله بديار مصر. وأما ما بنى بالبلاد الشامية فى أيامه فكثير جدّا. وآخر ما بناه الملك الناصر السواقى التى بالرّصد «3» ، ومات قبل أن يكملها. وكان الملك الناصر فى آخر أيامه شغف بحبّ الجوارى المولّدات وحملن إليه، فزادت عدّتهنّ عنده على ألف ومائتى وصيفة. وخلّف من الأولاد الذكور أبا بكر ومحمدا وإبراهيم وعليّا وأحمد وكجك ويوسف وشعبان وإسماعيل ورمضان وحاجى وحسينا وحسنا وصالحا. وتسلطن من ولده لصلبه ثمانية: أبو بكر وكجك وأحمد وإسماعيل وشعبان وحاجى وحسن وصالح ثم حسن ثانيا حسب ما يأتى ذكر ذلك كله فى محلّه إن شاء الله تعالى. وخلّف من البنات سبعا. قال الشيخ صلاح الدين الصفدىّ فى تاريخه: وكان الملك الناصر ملكا عظيما محظوظا مطاعا مهيبا ذا بطش ودهاء وحزم شديد وكيد مديد، قلّما حاول أمرا فانخرم عليه فيه شىء يحاوله، إلّا أنه كان يأخذ نفسه فيه بالحزم البعيد والاحتياط.

أمسك إلى أن مات مائة وخمسين أميرا. وكان يصبر الدهر الطويل على الإنسان وهو يكرهه. تحدّث مع الأمير أرغون الدّوادار فى إمساك كريم الدين الكبير قبل القبض عليه بأربع سنين، وهمّ بإمساك تنكز لمّا ورد من الحجاز فى سنة ثلاث وثلاثين بعد موت بكتمر الساقى. ثم إنه أمهله ثمانى سنين بعد ذلك. وكان ملوك البلاد الكبار يهابونه ويراسلونه. وكان يتردّد إليه رسل صاحب الهند وبلاد أزبك خان وملوك الحبشة وملوك الغرب وملوك الفرنج وبلاد الأشكرى وصاحب اليمن. وأمّا بو سعيد ملك التّتار فكانت الرسل لا تنقطع بينهما، ويسمّى كلّ منهما الآخر أخا. وكانت الكلمتان واحدة «1» ، ومراسيم الملك الناصر تنفذ فى بلاد بو سعيد، ورسله يتوجهون إليه بأطلابهم وطبلخاناتهم بأعلامهم المنشورة. وكان كلما بعد الإنسان من بلاده وجد مهابته ومكانته فى القلوب أعظم. وكان سمحا جوادا على من يقرّبه، لا يبخل عليه بشىء كائنا من كان. سألت القاضى شرف الدين النّشو أطلق «2» يوما ألف ألف درهم؟ قال: نعم [كثير «3» . وفى يوم واحد أنعم على الأمير بشتك بألف ألف درهم] فى ثمن قرية يبنى «4» التى بها قبر أبى هريرة على ساحل الرملة. وأنعم على موسى بن مهنّا بألف ألف درهم، وقال لى (يعنى عن النّشو) : هذه ورقة فيها ما ابتاعه من الرقيق فى أيام مباشرتى، وكان ذلك من شعبان سنة اثنتين وثلاثين إلى سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، فكان جملته أربعمائة ألف وسبعين ألف دينار مصرية. وكان ينعم على الأمير تنكز فى كل سنة يتوجّه إليه إلى مصر، وهو بالباب ما يزيد على ألف ألف درهم. ولمّا تزوّج الأمير سيف الدين

قوصون بابنة السلطان وعمل عرسه حمل الأمراء إليه شيئا كثيرا، فلمّا تزوّج الأمير سيف الدين طغاى تمر بابنته الأخرى. قال السلطان: ما نعمل [له «1» ] عرسا، لأن الأمراء يقولون: هذه مصادرة. ونظر إلى طغاى تمر وقد تغيّر وجهه، فقال للقاضى تاج الدين إسحاق يا قاضى: اعمل ورقة بمكارمة الأمراء لقوصون، فعمل ورقة وأحضرها، فقال السلطان: كم الجملة؟ قال: خمسون ألف دينار، فقال: أعطها لطغاى تمر من الخزانة. وذلك خارج عما دخل مع الزوجة من الجهاز. وأمّا عطاؤه للعرب فأمر مشهور زائد عن الحدّ. انتهى كلام الشيخ صلاح الدين الصفدىّ باختصار. وهو أجدر بأحوال الملك الناصر، لأنه يعاصره وفى أيامه، غير أننا ذكرنا من أحوال الملك الناصر ما خفى عن صلاح الدين المذكور نبذة كبيرة من أقوال جماعة كثيرة من المؤرّخين. والله تعالى أعلم. *** السنة الأولى من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثالثة على مصر، وهى سنة عشر وسبعمائة على أنّه حكم فى السنة الماضية من شهر شوّال «2» إلى آخرها. فيها (أعنى سنة عشر وسبعمائة) قبض الملك الناصر على الأمير سلّار وقتله فى السجن حسب ما تقدّم ذكره فى أصل الترجمة، ويأتى أيضا ذكر وفاته فى هذه السنة. وفيها توفّى العلّامة قاضى القضاة شمس الدين أبو العبّاس أحمد بن إبراهيم بن عبد الغنى السّروجىّ الحنفىّ قاضى قضاة الديار المصرية فى يوم الخميس الثانى والعشرين

من شهر ربيع الآخر بالمدرسة «1» السيوفيّة بالقاهرة. وكان بارعا فى علوم شتّى، وله اعتراضات على ابن تيميّة فى علم الكلام، وصنّف شرحا على الهداية وسمّاه «الغاية» ولم يكمله. وتوفّى الشيخ الإمام العلّامة نجم الدين أحمد بن محمد [بن علىّ» بن مرتفع بن حازم بن إبراهيم بن العبّاس] بن الرّفعة الشافعى المصرى. كان فقيها مفتنّا مفتيا، وكان يلى حسبة مصر القديمة. وشرح التنبيه «3» والوسيط «4» فى الفقه فى أربعين مجلدا. ومات فى ثامن «5» عشر رجب ودفن بالقرافة. رحمه الله. وتوفّى الشيخ رضىّ الدين أبو بكر بن محمود بن أبى بكر الرّقّىّ الحنفىّ المعروف بالمقصوص. مات بدمشق ودفن بالباب الصغير. وكان فقيها فاضلا عالما بعدّة فنون، ودرّس وأفتى سنين كثيرة. وتوفى الشيخ الإمام العلّامة قطب الدّين محمود بن مسعود [بن مصلح «6» ] الشّيرازىّ، كان عالما بالفلسفة والمنطق والأصول والحكمة، وله فيهم مصنّفات تدلّ على فضله. وتولّى قضاء بلاد الروم، ولم يباشر القضاء، ولكن كانت نوّابه تحكم فى البلاد. وكان معظّما عند ملوك التّتار [وكان «7» ] من تلامذة «8» النّصير الطّوسىّ، وبه تخرّج فى علم الأوائل. وبنى له تربة بتبريز، وبها دفن.

وتوفّى الشيخ الأديب الشاعر شهاب الدين أحمد بن عبد الملك بن عبد المنعم ابن عبد العزيز العزازىّ «1» التاجر بقيساريّة «2» جهاركس «3» بالقاهرة. مات فى هذه السنه ودفن [بسفح] المقطّم. وكان له النظم الرائق، وله ديوان «4» شعر مشهور. ومن شعره فى مليح بدوىّ: بدوىّ كم حدّثت مقلتاه ... عاشقا عن مقاتل الفرسان بمحيّا يقول يا لهلال ... ولحاظ تقول يا لسنان قلت: ويعجبنى فى هذا المعنى قول الشيخ علاء الدين الوداعىّ، وهو: أقبل من حيّه وحيّا ... فأشرقت سائر النّواحى فقلت يا وجه من بنى من ... فقال لى من بنى صباح قلت: والعزازىّ هذا هو صاحب الموشّحات الظريفة المشهورة، ذكرنا منها عدّة فى ترجمته فى تاريخيا «المنهل الصافى» إذ هو كتاب تراجم.

وتوفّى الحكيم الأديب البارع شمس الدين محمد بن دانيال [بن يوسف «1» ] الموصلى، صاحب النّكت الغريبة، والنوادر العجيبة، وهو مصنّف «كتاب طيف الخيال «2» » وكان كثير المجون والدّعابة، وكانت دكّانه داخل باب الفتوح من القاهرة. ومولده بالموصل سنة ستّ وأربعين وستمائة. ومات فى الثامن «3» والعشرين من جمادى الآخرة. ومن شعره فى صنعته: ما عاينت عيناى فى عطلتى ... أقلّ من حظّى ولا بختى قد بعت عبدى وحصانى وقد ... أصبحت لا فوقى ولا تحتى وله فى المعنى أيضا: يا سائلى عن حرفتى فى الورى ... وضيعتى فيهم وإفلاسى ما حال من درهم إنفاقه ... يأخذه من أعين الناس ومن نوادره الظريفة أنّه كان يلازم خدمة الملك الأشرف خليل بن قلاوون قبل سلطنته فأعطاه الأشرف فرسا ليركبه، فلمّا كان بعد أيّام رآه الأشرف وهو على حمار زمن، فقال له: يا حكيم، ما أعطيناك فرسا لتركبه؟ فقال: نعم يا خوند، بعته وزدت عليه واشتريت هذا الحمار، فضحك الأشرف وأعطاه غيره. وله فى أقطع «4» . وأقطع «5» قلت له ... هل أنت لصّ أوحد فقال هذى صنعة ... لم يبق لى فيها يد

وتوفّى الأمير سيف الدين الحاجّ بهادر المنصورىّ نائب طرابلس بها، وفرح «1» الملك الناصر بموته، فإنّه كان من كبار المنصورية. وتوفّى الأمير جمال الدين آقوش [المنصورىّ «2» ] الموصلىّ المعروف بقتّال السّبع أمير علم. مات بالديار المصريّة، وكان من أكابر أمرائها فى شهر رجب، ودفن بالقرافة. وتوفّى الأمير سيف الدين برلغى الأشرفىّ فى ليلة الأربعاء ثانى شهر رجب قتيلا بقلعة الجبل. قيل: إنه منع الطعام والشراب حتّى مات، ودفن بالحسينية خارج باب النصر بجوار تربة «3» علاء الدين الساقى «4» الأستادار. وكان برلغى صهر المظفّر بيبرس الجاشنكير زوج ابنته ومن ألزامه. وقد تقدّم ذكره فيما مضى فى أوّل ترجمة الملك الناصر، وفى ترجمة بيبرس أيضا ما فيه كفاية عن ذكره هنا ثانيا. وتوفّى الأمير سيف الدين قبجق المنصورىّ نائب حلب بها فى جمادى الأولى وحمل إلى حماة، ودفن بتربته التى أنشأها بعد مرض طويل. وقد تقدّم ذكر قبجق فى عدّة مواطن، فإنّه كان ولى نيابة دمشق، وخرج منها فى سلطنة لاچين إلى بلاد التّتار، وأقدم غازان إلى دمشق، ثم عاد إلى طاعة الملك الناصر فى سلطنته الثانية، ثم كان هو القائم فى أمر الملك الناصر لمّا خلع بالجاشنكير حتى ردّه إلى ملكه.

ما وقع من الحوادث سنة 711

وتوفّى الأمير الكبير سلّار المنصورىّ نائب السلطنة بديار مصر فى يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شهر ربيع «1» الآخر. وقد تقدّم ذكره فى أوّل ترجمة الناصر هذه الثالثة، وما وجد له من الأموال وغير ذلك، فلينظر هناك. وتوفّى الأمير نوغاى بن عبد الله المنصورىّ القبجاقىّ المقدّم ذكره فى ترجمة الملك المظفّر بيبرس لمّا فارقه وتوجّه إلى الكرك إلى عند الملك الناصر محمد. مات بقلعة دمشق محبوسا، ودفن بمقابر الباب الصغير، وكان من الشّجعان، غير أنه كان يحبّ الفتن والحروب. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم لم يحرّر. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وثلاث أصابع. وكان الوفاء يوم النّوروز. والله أعلم. *** [ما وقع من الحوادث سنة 711] السنة الثانية من ولاية الملك الناصر الثالثة على مصر، وهى سنة إحدى عشرة وسبعمائة. فيها توفّى الأمير بكتوت الخازندار، ثم أمير شكار، ثم نائب السلطنة بثغر الإسكندريّة؛ ومات بعد عزله عنها فى ثامن شهر «2» رجب. وأصله من مماليك بيليك «3» الخازندار نائب السلطنة بمصر فى الدولة الظاهريّة بيبرس. ثم صار أمير شكار فى أيام كتبغا، ثم ولى الإسكندريّة، وكثر ماله واختصّ عند بيبرس الجاشنكير وسلّار. فلمّا عاد الملك الناصر إلى ملكه حسّن له بكتوت هذا حفر خليج «4» الإسكندرية ليستمرّ

الماء فيها صيفا وشتاء، فندب السلطان معه محمد بن كندغدى المعروف بابن الوزيرىّ «1» ، وفرض العمل على سائر الأمراء فأخرج كلّ منهم أستاداره ورجاله، وركب ولاة الأقاليم، ووقع العمل فيه من شهر رجب سنة عشر وسبعمائة، وكان فيه نحو الأربعين ألف رجل تعمل. وكان قياس العمل من فم البحر إلى شنبار «2» ثمانى آلاف قصبة، ومثلها إلى الإسكندرية. وكان الخليج الأصلىّ من حدّ شنبار «3» يدخل الماء إليه فجعل فم هذا البحر يرمى إليه، وعمل عمقه ستّ قصبات فى عرض ثمانى قصبات. فلمّا وصل الحفر إلى حدّ الخليج الأوّل حفر بمقدار الخليج المستجدّ وجعلا «4» بحرا واحدا، وركّب عليه القناطر، ووجد فى الخليج من الرّصاص المبنىّ تحت الصهاريج شىء كثير، فأنعم به على الأمير بكتوت. فلما فرغ ابتنى الناس عليه سواقى واستجدّت عليه قرية عرفت بالناصريّة «5» ؛ فبلغ ما أنشئ عليه زيادة على مائة ألف فدّان ونحو ستمائة ساقية وأربعين «6» قرية، وسارت فيه المراكب الكبار، واستغنى أهل التغر عن جرى الماء فى الصهاريج. وعمّر عليه نحو الألف غيط، وعمّرت به عدّة بلاد. وتحوّلت الناس إلى الأراضى التى عمّرت وسكنوها بعد ما كانت سباخا. فلمّا فرغ ذلك ائتنى بكتوت هذا من ماله جسرا أقام فيه ثلاثة أشهر حتّى بناه رصيفا، وأحدث عليه نحو ثلاثين قنطرة بناها بالحجارة والكلس، وعمل أساسه رصاصا، وأنشأ بجانبه

خانا وحانوتا، وعمل فيه خفرا «1» وأجرى لهم» الماء؛ فبلغت النفقة على هذا الجسر ستين ألف دينار. وأعانه على ذلك أنّه هدم قصرا قديما خارج الإسكندريّة وأخذ حجره، ووجد فى أساسه سربا من رصاص مشوا فيه إلى قرب البحر المالح، فحصّل منه جملة عظيمة من الرصّاص. ثم إنه شجر «3» ما بينه وبين صهره، فسعى به إلى السلطان وأغراه بأمواله وكتب مستوفى الدولة أمين الملك عبد الله بن الغنّام عليه أوراقّا بمبلغ أربعمائة ألف دينار فعزل وطلب إلى القاهرة، فلمّا قرئت عليه الأوراق قال: قبّلوا الأرض بين يدى مولانا السلطان، وعرّفوه عن مملوكه إن كان راضيا عنه فكلّ ما كتب كذب، وإن كان غير راض فكلّ ما كتب صحيح. وكان قد وعك فى سفره من الإسكندرية فمات بعد ليال فى ثانى عشر شهر «4» رجب فأخذ له مال عظيم جدّا. وكان من أعيان الأمراء وأجلّهم وكرمائهم وشجعانهم مع الذكاء والعقل والمروءة، وله مسجد «5» خارج باب زويلة وله أيضا عدة أوقاف على جهات البرّ.

وتوفّى الشيخ المجوّد المنشئ الفاضل شرف الدين محمد بن شريف بن يوسف الزرعىّ المعروف بابن الوحيد. كان حسن الخطّ فاضلا مقداما شجاعا يعرف عدّة علوم وألسن وخدم عند جماعة من أعيان الأمراء، وكتب فى الإنشاء بالقاهرة، ثم تعطّل بعد ذلك، ونزل صوفيّا بخانقاه سعيد السعداء. فلمّا كانت سنة إحدى وسبعمائة قدم رسل التّتار إلى مصر ومعهم كتاب غازان، فلم يكن فى الموقّعين من يحلّه فطلب فحلّه؛ فرتّبه السلطان فى ديوان الإنشاء إلى أن مات بالبيمارستان المنصورىّ يوم الثلاثاء سادس «1» عشرين شعبان، وله ثلاث وستون سنة. ومن شعره فى تفضيل الحشيش على الخمر: وخضراء «2» لا الحمراء تفعل فعلها ... لها وثبات فى الحشى وثبات تأجّج نارا فى الحشى وهى جنّة ... وتبدى مرير الطّعم «3» وهى نبات وتوفّى الصاحب الوزير فخر الدين عمر ابن الشيخ مجد الدين عبد العزيز بن الحسن بن الحسين الخليلىّ التّميمىّ الدّارىّ بالقاهرة فى يوم عيد الفطر، ودفن بالقرافة الصغرى. وكان مولده سنة أربعين وستمائة. وتولّى الوزارة فى دولة الملك السعيد ابن الظاهر بيبرس تمّ بعدها غير مرّة إلى أن عزله الملك الناصر، ومات معزولا. وكان فاضلا خيّرا ديّنا كثير الصدقات، عفيفا عن أموال الرعيّة. رحمه الله.

وتوفّى القاضى العلّامة الحافظ سعد الدين مسعود بن أحمد بن مسعود بن زيد الحارثىّ «1» الحنبلىّ. مات بالمدرسة «2» الصالحيّة بالقاهرة ودفن بالقرافة. وكان من أعيان العلماء المحدّثين. رحمه الله. وتوفّى الشيخ فخر الدين إسماعيل بن نصر [الله «3» ] بن أحمد بن محمد بن الحسن بن عساكر الدّمشقىّ. مات بدمشق ودفن بالباب الصغير. روى عن جماعة من المشايخ، وكانت نفسه قويّة. وتوفّى الشيخ الإمام العالم الخطيب بجامع أحمد بن طولون شمس الدين محمد بن يوسف بن عبد الله بن «4» الجزرىّ الشافعىّ. مات بالمدرسة «5» المعزّيّة بمصر فى أوائل ذى الحجّة ودفن بالقرافة. ومولده سنة سبع وثلاثين وستمائة بالجزيرة، وقدم دمشق وبرع فى عدّة علوم، وعرض عليه قضاء دمشق فامتنع. وتوفّى الشيخ الاديب سراج الدين عمر بن مسعود الحلبى المعروف بالمحّار. وكان أوّلا صانعا يمحر الكتّان، ثم اشتغل بالأدب ومهر فيه، واتّصل بخدمة الملك المنصور صاحب حماة إلى أن مات بدمشق فى هذه السنة. وهو صاحب الموشّحات المشهورة. ومن شعره: لمّا تألّق بارق من ثغره ... جادت جفونى بالسّحاب الممطر فكأنّ عقد الدّمع حلّ قلائد ال ... عقيان منه على صحاح الجوهرى وله فى مليح نجّار: قالوا المعرّة قد غدت من فضلها ... يسعى إلى أبوابها ويزار وجبت زيارتها علينا عند ما ... شغف القلوب بحبّها النّجّار

ومن موشّحاته: ما ناحت الورق فى الغصون، إلّا ... هاجت على، تغريدها لوعة الحزين هل ما مضى لى مع الحبايب ... آئب، بعد الصدود أو هل لأيّامنا الذّواهب ... واهب، بأن تعود بكلّ مصقولة الترائب ... كاعب، هيفاء رود تفترّ عن جوهر ثمين، جلّا ... أن يجتلى، يحمى بقضب «1» من الجفون أحببته «2» ناعم الشمائل ... مائل، فى برده فى أنفس العاشقين عامل ... عامل، من قدّه يرنو «3» بطرف إلى المقاتل ... قاتل، فى غمده أسطى من الأسد فى العرين، فعلا ... وأقتلا، لعاشقيه من المنون علقته كامل المعانى ... عانى، قلبى به مبلبل البال مذ جفانى ... فانى، فى حبّه كم بتّ من حيث لا يرانى ... رانى، لقربه وبات من صدغه يربنى، نملا ... يسعى إلى، رضابه العاطر المصون قاسوه بالبدر وهو أحلى ... شكلا، من القمر وراش هدب الجفون نبلا ... أبلى، بها البشر وقال لى وقد تجلّى ... جلّا، بارئ الصّور ينتصف البدر من جبينى، أصلا ... فقلت لا، قال ولا السّحر من عيونى «4»

ما وقع من الحوادث سنة 712

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ذراعان وثلاث أصابع. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وإحدى وعشرون إصبعا. والله أعلم. *** [ما وقع من الحوادث سنة 712] السنة الثالثة من ولاية الملك الناصر محمد الثالثة على مصر، وهى سنة اثنتى عشرة وسبعمائة. فيها توفّى قاضى القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم [بن إبراهيم «1» ] ابن داود بن حازم الأذرعىّ الحنفىّ بالقاهرة فى شهر رجب: ومولده بأذرعات فى سنة اربعين وستمائة. وكان إماما بارعا مفتنّا عارفا بالفقه واللغة والعربية والأصول، وأفتى ودرّس بالشّبلية «2» التى على جسر تورا بدمشق، وولى القضاء بها فباشر سنة. وقدم القاهرة فمات بها فى التاريخ المذكور. وتوفى الشيخ شرف الدين محمد بن موسى بن محمد بن خليل المقدسىّ الكاتب المنشئ فى خامس عشر شعبان بالقاهرة. وكان فاضلا أديبا شاعرا، إلّا أنّه كان كثير الهجاء. وكان يعرف بكاتب أمير سلاح. ومن شعره: اليوم يوم سرور لا شرور به ... فزوج ابن سحاب بابنة العنب ما أنصف الكأس «3» من أبدى القطوب لها ... وثغرها باسم عن لؤلؤ الحبب وتوفّى الشيخ مجد الدين أحمد بن ديلم بن محمد الشّيبىّ المكىّ شيخ الحجبة وفاتح الكعبة بمكّة ودفن بالمعلاة. وروى عن ابن مسدى «4» والمرسى وغيرهما.

وتوفّى الملك المظفّر شهاب الدين غازى ابن الملك الناصر صلاح الدين داود ابن الملك المعظّم شرف الدين عيسى ابن الملك العادل أبى بكر [محمد «1» ] بن أيوب. مات بالقاهرة فى يوم الاثنين ثانى عشر شهر رجب. ومولده بالكرك فى سنة سبع وثلاثين وستمائة. وتوفّى الملك المنصور نجم الدين أبو الفتح غازى ابن الملك المظفّر فخر «2» الدين قرا أرسلان ابن الملك السعيد نجم الدين غازى الأرتقىّ صاحب ماردين وابن صاحبها وبها كانت وفاته فى تاسع شهر ربيع الآخر، ودفن بمدرسته تحت قلعة ماردين، وعمره فوق السبعين، وكانت مدّته على ماردين نحو العشرين سنة. وكان ملكا مهيبا كامل الخلقة سمينا بدينا عارفا مدبّرا. وتولّى سلطنة ماردين من بعده ولده الملك العادل علىّ «3» سبعة عشر يوما ثم خلع «4» وولّى أخوه صالح «5» . وتوفّى الأمير سيف الدين قطلوبك «6» الشّيخىّ، كان من أعيان أمراء دمشق، وبها كانت وفاته. وتوفّى الأمير سيف الدين مغلطاى البهائىّ بطرابلس، كان قد رسم السلطان بالقبض عليه فوصل «7» البريدىّ بذلك بعد موته بيوم. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وأصابع. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا واثنتان وعشرون إصبعا. وكان الوفاء ثالث أيام النسىء.

ما وقع من الحوادث سنة 713

*** [ما وقع من الحوادث سنة 713] السنة الرابعة «1» من ولاية الملك الناصر محمد الثالثة على مصر، وهى سنة ثلاث عشرة وسبعمائة. فيها توفّى القاضى عماد الدين أبو الحسن على ابن القاضى فخر الدين عبد العزيز ابن القاضى عماد الدين عبد الرحمن بن السّكّرىّ فى يوم الجمعة السادس والعشرين من صفر، وكان فاضلا فقيها، توجّه رسولا من قبل الملك الناصر إلى غازان، وولى تدريس مشهد الحسين بالقاهرة وعدّة وظائف دينية، وولى خطابة جامع الحاكم. وتوفى الأمير المسند علاء الدين أبو سعيد بيبرس التّركىّ العديمىّ الحنفىّ بحلب، ودفن بتربة ابن العديم، وقد قارب التسعين سنة. وانفرد بالرواية قبل موته، وقصد من الأقطار ورحل إليه من حدّث بالكثير. وتوفى صاحب «2» مرّاكش من بلاد الغرب الأمير سليمان بن عبد الله [بن يوسف «3» ] بن يعقوب المرينىّ «4» ، وولى بعده عمّه أبو سعيد عثمان بن يعقوب واستوسق أمره.

وتوفّى الخان طقطاى بن منكوتمر بن طغاى «1» بن باطو بن چنكزخان ملك التتار بالبلاد الشمالية بمكان يسمّى كرنا «2» على مسافة من مدينة صراى «3» عشرة أيام. وذكره ابن كثير فى السنة الخالية، والصحيح ما قلناه. وكانت مملكته ثلاثا وعشرين سنة، ومات وله ثلاثون سنة. وكان شهما شجاعا مقداما، وكان على دين التتار فى عبادة الأصنام والكواكب، يعظّم الحكماء والأطباء والفلاسفة، ويعظّم المسلمين أكثر من الجميع، غير أنه لم يسلم؛ وكانت عساكره كثيرة جدّا؛ يقال إنه جرّد مرة من كلّ عشرة واحدا، فبلغت التجريدة مائة ألف وخمسين ألفا. وكانت وفاته فى شهر رمضان، ومات ولم يخلّف ولدا، فجلس على تخت الملك من بعده أزبك خان بن طغرلجا بن منكوتمر بن طغاى [بن باطو] بن چنكزخان. وكان الذي أعان أزبك خان على السلطنة شخص من أمرائهم من المسلمين يقال له قطلقتمر كان على تدبير ممالكهم. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ذراعان وسبع أصابع. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وسبع أصابع. وكان الوفاء قبل النّوروز بيوم واحد.

ما وقع من الحوادث سنة 714

*** [ما وقع من الحوادث سنة 714] السنة الخامسة من ولاية الملك الناصر محمد الثالثة على مصر، وهى سنة أربع عشرة وسبعمائة. فيها توفّى الشيخ المعمّر بقيّة السّلف محمد بن محمود بن الحسين بن الحسن الموصلىّ المعروف بحيّاك الله. مات بزاويته «1» بسويقة «2» الرّيش خارج القاهرة فى يوم الخميس تاسع شهر ربيع الأوّل ودفن بالقرافة. وكان شيخا صالحا بلغ عمره نحوا من مائة سنة وستين سنة، وكان حاضر الحسّ جيّد القوة، وكان يقصد للزيارة للتبرّك به، وكان كثير الذّكر والعبادة وله محاضرة حسنة وشعر. ومن شعره من أوّل قصيدة: إذا الحبّ لم يشغلك عن كلّ شاغل ... فما ظفرت كفاك منه بطائل «3» وتوفّى القاضى شرف الدين يعقوب بن مجد «4» الدين مظفّر بن شرف الدين أحمد ابن مزهر بحلب وهو ناظرها. كان يخدم عند الأكابر وتنقّل فى خدم كثيرة، حتى إنّه لم تبق مملكة بالشام إلّا باشرها.

وتوفّى القاضى بهاء الدين علىّ بن أبى سوادة الحلبىّ صاحب ديوان الإنشاء بحلب، وبها كانت وفاته فى نصف شهر رجب. وكان من الصّدور الأماثل وعنده فضيلة. وله نظم ونثر. ومن شعره: جد لى بأيسر وصل منك يا أملى ... فالصبر «1» قد عاد عنكم غير محتمل مالى رميت بأمر لا أطيق له ... حملا وبدّلت بعد الأمن بالوجل وتوفّى القاضى فخر الدين سليمان بن عثمان ابن الشيخ الإمام صفىّ الدّين أبى القاسم محمد بن عثمان البصروىّ الحنفىّ محتسب دمشق بها فى ذى القعدة. وكان فاضلا طيّب العشرة. وتوفّى الأمير سيف الدين ملكتمر «2» النّاصرىّ المعروف بالدّم الأسود. كان أمير ستين فارسا بدمشق. وكان من الظّلمة المسرفين على أنفسهم. قلت: ولا بأس بهذا اللّقب الذي لقب به على هذه الصفات التى غير محمودة. وتوفّى الأمير فخر «3» الدين آقجبا الظّاهرىّ أحد أمراء دمشق؛ وبها كانت وفاته. وكان خيّرا ديّنا. رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين كهرداش بن عبد الله الزّرّاق، مات أيضا بدمشق. وكان بها أمير خمسين فارسا. وكان سافر مع السلطان إلى الحجاز، فلمّا زار النبي صلّى الله عليه وسلّم تاب عن شرب الخمر، فلمّا عاد إلى دمشق شربه فضربه الفالج لوقته، وبطل نصفه وتعطّل إلى أن مات.

ما وقع من الحوادث سنة 715

وتوفّى الأمير سيف الدين سودى «1» بن عبد الله النّاصرىّ نائب حلب. وبها كانت وفاته فى نصف شهر رجب. وكان مشكور السّيرة فى ولايته محمود الطريقة. وهو ممّن أنشأه الملك الناصر محمد من مماليكه، وتولّى «2» حلب بعده الأمير علاء الدين ألطنبغا الحاجب. وتوفّى التاجر «3» عزّ الدين عبد العزيز بن منصور «4» الكولمى «5» أحد تجّار الإسكندرية فى شهر رمضان. وكان أبوه يهوديّا من أهل حلب يعرف بالحموى، فأسلم وتعلّق ابنه هذا على المتجر وفتح الله عليه إلى أن قدم إلى مصر ومعه بضاعة بأربعمائة «6» ألف دينار. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وإحدى وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا. وكان الوفاء قبل النّوروز بأربعة أيام. والله أعلم. *** [ما وقع من الحوادث سنة 715] السنة السادسة من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثالثة على مصر، وهى سنة خمس عشرة وسبعمائة.

فيها توفّى الشيخ الإمام شهاب الدين أحمد بن الحسين بن عبد الرحمن الأرمنتىّ «1» المعروف بابن الأسعد فى يوم الجمعة رابع عشرين شهر رمضان. وكان فقيها شافعيا وتولّى القضاء وحسنت سيرته. وتوفّى الشيخ الإمام العالم العلّامة جلال الدين إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل ابن برتق «2» بن برغش بن هارون أبو طاهر «3» القوصىّ الفقيه الحنفىّ، كان فقيها إماما بارعا، تصدّر بجامع أحمد بن طولون، وأقرأ الفقه والقراءات والعربية سنين، وانتفع به الناس وصنّف وحدّث ونظم ونثر. ومن شعره وهو فى غاية الحسن: أقول له ودمعى ليس يرقا ... ولى من عبرتى إحدى الوسائل حرمت الطّيف منك بفيض دمعى ... فطرفى فيك محروم وسائل وله أيضا: أقول ومدمعى قد حال بينى ... وبين أحبّتى يوم العتاب رددتم سائل الأجفان نهرا ... تعثّر وهو يجرى فى الثّياب

وتوفى قاضى القضاة تقىّ الدين أبو الفضل سليمان «1» بن حمزة بن أحمد بن عمر بن قدامة المقدسىّ الحنبلىّ بقاسيون فى عشر «2» ذى القعدة ودفن بتربة جدّه شيخ الإسلام أبى عمر. وكان إماما عالما عاملا جمع بين العلم والعبادة، وسمع الحديث بنفسه وحدّث بمسموعاته. وتوفّى الشيخ الإمام العلّامة السيد ركن الدين حسن بن محمد بن شرف شاه الحسينىّ الأسترآباديّ، كان إماما مصنفا عالما بالمعقول، اشتغل على النّصير الطّوسىّ وحصّل منه علوما كثيرة، وصار معيدا فى درس أصحابه، وقدم الموصل وولى تدريس المدرسة النّورية «3» ، وبها صنّف غالب مصنّفاته، مثل: شرح «4» مختصر ابن الحاجب. وشرح مقدّمة ابن الحاجب فى النحو وهى التى تسمّى بالكافية، وعمل عليها ثلاثة شروح: كبير «5» ومتوسط «6» وصغير «7» . وشرح الحاوى فى الفقه. وشرح التصريف لابن الحاجب أيضا، وهو الذي يسمّى بالشافية، وشرح المطالع فى المنطق، وشرح كتاب قواعد العقائد؛ وعدّة تصانيف أخر، ذكرناها فى غير هذا الكتاب. وكانت وفاته بالموصل فى صفر.

وتوفّى الشيخ أصيل الدين الحسن ابن الإمام العلّامة نصير الدين محمد بن محمد ابن الحسن «1» الطّوسى البغدادىّ. كان عالى الهمّة كبير القدر فى دولة قازان، وقدم إلى الشام ورجع معه إلى بلاده. ولما تولّى خربندا الملك ووزر تاج الدين على شاه قرّب أصيل الدين هذا إلى خربندا؛ حتى ولّاه نيابة السلطنة ببغداد. ثم عزل وصودر. وكان كريما رئيسا عارفا بعلم النجوم، لكنه لم يبلغ فيه رتبة أبيه نصير الدين الطّوسىّ، على أنه كان له نظر فى الأدبيات والأشعار، وصنّف كتبا كثيرة. وكان فيه خير وشرّ وعدل وجور. ومات ببغداد. وتوفّى الشيخ الصالح القدوة أبو الحسن علىّ ابن الشيخ الكبير علىّ الحريرىّ شيخ الفقراء الحريريّة. كان للناس فيه اعتقاد وله حرمة عند أرباب الدولة، وكان فيه تواضع وكرم، وكانت وفاته ببصرى من عمل دمشق فى السابع والعشرين من جمادى الأولى، وله اثنتان وسبعون سنة. وتوفّى الأمير بدر الدين موسى ابن الأمير سيف الدين أبى بكر محمد الأزكشىّ، كان من أكابر الأمراء وشجعانهم. مات بدمشق فى ثامن شعبان ودفن عند القبيبات «2» ، وكان شهما شجاعا. ظهر فى نوبة غزو مرج الصّفّر مع التّتار عن شجاعة عظيمة. وتوفّى الأمير حسام الدين قرالاچين بن عبد الله المنصورىّ الأستادار فى الثامن «3» والعشرين من شعبان، وأنعم الملك الناصر بإقطاعه على الأمير آقوش الأشرفىّ نائب الكرك لمّا أفرج عنه، والإقطاع إمرة مائة وعشرين فارسا. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا. والوفاء تاسع عشرين مسرى. والله أعلم.

ما وقع من الحوادث سنة 716

*** [ما وقع من الحوادث سنة 716] السنة السابعة من ولاية الملك الناصر الثالثة على مصر، وهى سنة ست عشرة وسبعمائة. فيها حجّ بالناس من مصر الأمير بهادر الإبراهيمىّ، وأمير الرّكب الشامىّ أرغون السّلاح دار. وحجّ فى هذه السنة من أعيان أمراء مصر الأمير أرغون الناصرىّ نائب السلطنة بديار مصر، وعزّ الدين أيدمر الخطيرىّ، وعز الدين أيدمر أمير جاندار. وسيف الدين أركتمر السّلاح دار. وناصر الدين محمد بن طرنطاى. وفيها توفّى الشيخ الكاتب المجوّد نجم الدين موسى بن علىّ بن محمد الحلبىّ ثم الدّمشقىّ المعروف بابن بصيص (بضمّ الباء ثانية الحروف) شيخ الكتّاب بدمشق فى زمانه. وابتدع صنائع بديعة، وكتب فى آخر عمره ختمة بالذهب عوضا عن الحبر. وكان مولده سنة إحدى وخمسين «1» وستمائة، ومات ليلة الثلاثاء عاشر ذى القعدة. وله شعر على طريق الصوفيّة، من ذلك: وحقّك لو خيّرت فيما أريده ... من الخير فى الدنيا أو الحظّ فى الأخرى لما اخترت إلّا حسن نظم يروقنى ... معانيه أبدى فيه أوصافك الكبرى وتوفّى الشيخ الإمام العلّامة صدر الدين أبو عبد الله محمد بن زين الدين عمر بن مكّى بن عبد الصمد العثمانى الشهير بابن المرحّل وبابن الوكيل، المصرىّ الأصل الشافعىّ الفقيه الأديب، كان فريد عصره ووحيد دهره، كان أعجوبة فى الذّكاء والحفظ. ومولده فى شوّال سنة خمس وستين وستمائة بدمياط وكان بارعا مدرسا مفتنّا، درّس بدمشق والقاهرة وأفتى، وعمره اثنتان وعشرون سنة، وكان يشتغل فى الفقه

والتفسير والأصلين والنحو، واشتغل فى آخر عمره فى الطبّ، وسمع الحديث الكتب الستة ومسند الإمام أحمد، وصنّف «الأشباه «1» والنظائر» قبل أن يسبقه إليها أحد، وكان حسن الشكل حلو المجالسة وعنده كرم مفرط، وله الشّعر الرائق الفائق فى كلّ فنّ من ضروب الشّعر. وكانت وفاته فى رابع عشرين ذى الحجّة ودفن بالقرافة فى تربة «2» الفخر ناظر الجيش. وهو أحد من قام على الملك الناصر وانضمّ على المظفّر بيبرس الجاشنكير. وقد تقدّم ذكر «3» ذلك كلّه فى أوائل ترجمة الملك الناصر. ومن شعره: أقصى مناى أن أمرّ على الحمى ... ويلوح نور رياضه فيفوح حتّى أرى سحب الحمى كيف البكا ... وأعلّم الورقاء كيف تنوح وله [دو بيت «4» ] : كم قال: معاطفى حكتها الأسل ... والبيض سرقن ما حوته المقل الآن أوامرى عليهم حكمت ... البيض تحدّ والقنا تعتقل وله: عيّرتنى بالسّقم طرفك مشبهى ... وكذاك خصرك مثل جسمى ناحلا «5» وأراك تشمت إذ أتيتك سائلا ... لا بدّ أن يأتى عذارك سائلا قلت: وله ديوان موشّحات وأحسنهم موشحته التى عارض بها السّراج المجّار التى أوّلها: ما أخجل قدّه غصون البان، بين الورق ... إلّا سلب المها «6» مع الغزلان، سود الحدق

وقد ذكرناها «1» بتمامها فى ترجمته فى تاريخنا «المنهل الصافى» وقطعة جيّدة من شعره. وتوفّى الشيخ الأديب البارع المفتنّ أعجوبة زمانه علاء الدين علىّ بن المظفّر بن إبراهيم [بن عمر «2» ] الكندى الوداعىّ المعروف بكاتب ابن وداعة الشاعر المشهور، أحد من اقتدى به الشيخ جمال الدين ابن نباتة فى ملح أشعاره. مولده سنة أربعين وستمائة، ومات ببستانه فى سابع عشر شهر رجب بدمشق ودفن بالمزّة «3» ، وكان فاضلا أديبا شاعرا عالى الهمة فى تحصيل العلوم. سمع الحديث وكتب الخطّ المنسوب ونظم ونثر وتولى عدّة ولايات، وكتب بديوان الإنشاء بدمشق وتولّى مشيخة دار الحديث [النّفيسية «4» ] وجمع التذكرة «5» الكنديّة تزيد على خمسين مجلّدا. وله ديوان شعر فى ثلاثة مجلّدات. ومن شعره: قال لى العاذل المفنّد فيها ... يوم زارت فسلّمت مختاله قم بنا ندّع النبوّة فى العش ... ق فقد سلّمت علينا الغزاله

وله أيضا: أثخنت عينها الجراح ولا إث ... م عليها لأنّها نعساء زاد فى عشقها جنونى فقالوا ... ما بهذا فقلت بى سوداء وله وهو أحسن ما قيل فى نوع التوجيه «1» : من زار «2» بابك لم تبرح جوارحه «3» ... تروى أحاديث ما أوليت من منن فالعين «4» عن قرّة والكفّ عن صلة ... والقلب عن جابر والسمع عن حسن وله أيضا: قيل إن شئت أن تكون غنيّا ... فتزوّج وكن من المحصنينا قلت ما يقطع الإله بحرّ ... لم يضع بين أظهر المسلمينا وقد ذكرنا من مقطّعاته عدّة كثيرة فى «المنهل الصافى» ، ولولا خشية الملل لذكرناها هنا. وتوفّى «5» الأمير جمال الدين آقوش بن عبد الله المنصورىّ المعروف بالأفرم الصغير نائب الشام ببلاد مراغة «6» عند ملك التّتار. وقد تقدّم خروجه «7» مع الأمير قراسنقر المنصورىّ من البلاد الشاميّة إلى غازان ملك التتار فى أوائل دولة الملك الناصر الثالثة فلا حاجة فى ذكرها هنا ثانيا. وكان ملك التتار أقطعه مراغة وقيل همذان «8»

فأقام بها سنتين «1» ، ومات بالفالج فى ثالث عشر المحرّم. وكان أميرا جليلا عارفا مدبّرا عالى الهمّة شجاعا مقداما. تقدّم من ذكره نبذة كبيرة فى ترجمة المظفّر بيبرس الجاشنكير. وكانت ولايته على دمشق إحدى عشرة سنة متوالية إلى أن عزله الملك الناصر لمّا خرج من الكرك. وتوفّى الأمير سيف الدين كستاى «2» بن عبد الله نائب طرابلس بها. وتولّى نيابة طرابلس من بعده الأمير قرطاى نائب حمص. وولى حمص بعد قرطاى المذكور أرقطاى الجمدار. وتوفّى الأمير سيف الدين طقتمر الدمشقىّ بالقاهرة بمرض السلّ. وكان من خواصّ الملك الناصر وأحد من أنشأه من مماليكه. وتوفّى الطواشى ظهير الدين مختار المنصورىّ المعروف بالبلبيسىّ الخازندار فى عاشر شعبان بدمشق. وكان شهما شجاعا ديّنا، فرّق جميع أمواله قبل موته على عتقائه ووقف أملاكه على تربته. وتوفّيت السيّدة المعمّرة أمّ محمد «3» ستّ الوزراء المعروفة بالوزيرة ابنة الشيخ عمر ابن أسعد بن المنجّا التّنوخيّة فى ثامن «4» عشر شعبان بدمشق، ومولدها سنة أربع وعشرين وستمائة، روت صحيح البخارىّ عن [أبى عبد الله «5» ] بن الزّبيدىّ وصارت رحلة زمانها، ورحل إليها من الأقطار.

وتوفّى ملك «1» التتار خربندا (بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء وفتح الباء الموحدة وسكون النون) بن أرغون بن أبغا بن هولاكو بن تولو بن چنكزخان السلطان غياث الدين، ومن الناس من يسمّيه خدابندا (بضم الخاء المعجمة والدال «2» المهملة) والأصح ما قلناه. وخدابندا: معناه عبد الله بالفارسىّ «3» ، غير أن أباه لم يسمّه إلّا خربندا، وهو اسم مهمل «4» معناه «5» : عبد الحمار. وسبب تسميته بذلك أنّ أباه كان مهما ولد له ولد يموت صغيرا، فقال له بعض الأتراك: إذا جاءك ولد سمّه اسما قبيحا يعيش، فلما ولد له هذا سمّاه خربندا فى الظاهر واسمه الأصلى أبحيتو «6» ؛ فلما كبر خربندا وملك البلاد كره هذا الاسم واستقبحه فجعله خدابندا ومشى ذلك بمماليكه وهدّد من قال غيره ولم يفده ذلك إلا من حواشيه خاصّة. ولما ملك خربندا أسلم وتسمّى بمحمد، واقتدى بالكتاب والسّنة وصار يحب أهل الدين والصلاح، وضرب على الدرهم والدينار اسم الصحابة الأربعة الخلفاء، حتى اجتمع بالسيد تاج الدين الآوى «7» الرافضىّ، وكان خبيث المذهب، فما زال بخربندا، حتى جعله رافضيّا وكتب إلى سائر ممالكه يأمرهم بالسبّ والرّفض، ووقع له بسبب ذلك أمور. قال النّويرىّ: كان خربندا قبل موته بسبعة أيام قد أمر بإشهار النداء ألّا يذكر أبو بكر وعمر رضى الله عنهما وعزم على تجريد ثلاثة آلاف فارس إلى المدينة النبوية لينقل

ما وقع من الحوادث سنة 717

أبا بكر وعمر رضى الله عنهما من مدفنهما، فعجّل الله بهلاكه إلى جهنّم وبئس المصير هو ومن يعتقد معتقده كائنا من كان. وكان موته فى السابع والعشرين من شهر رمضان بمدينته التى أنشأها وسمّاها السلطانيّة «1» فى أرض قنغرلان «2» بالقرب من قزوين، وتسلطن بعده ولده بو سعيد فى الثالث عشر من شهر ربيع الأوّل من سنة سبع عشرة وسبعمائة، لأنه كان فى مدينة أخرى وأحضر منها وتسلطن. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وست أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا واثنتان وعشرون إصبعا. والله تعالى أعلم. *** [ما وقع من الحوادث سنة 717] السنة الثامنة من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثالثة على مصر، وهى سنة سبع عشرة وسبعمائة. فيها توفّى قاضى القضاة جمال الدين أبو عبد الله محمد ابن الشيخ أبى الربيع سليمان بن سويد «3» الزّواوىّ المالكى قاضى دمشق بها، فى التاسع من جمادى الأولى. وكان فقيها عالما عالى الهمّة محدّثا بارعا مشكور السّيرة فى أحكامه.

وتوفّى القاضى الرئيس شرف الدين أبو محمد عبد الوهاب بن جمال الدين فضل الله ابن المجلّى القرشىّ العدوى العمرىّ، كاتب السر الشريف بدمشق فى ثالث رمضان ودفن بسفح قاسيون. ومولده سنة ثلاث وعشرين وستمائة، وكان إماما فى كتابة الإنشاء عارفا بتدبير الممالك مليح الخطّ غزير العقل وخدم عدة سلاطين، وكان كاملا فى فنّه لم يكن فى عصره من يدانيه ولا يقاربه. ومن شعره ما كتبه للشهاب محمود فى صدر كتاب: كتبت والقلب «1» يدنينى إلى أمل ... من اللّقاء ويقصينى عن الدار والوجد «2» يضرم فيما بين ذاك وذا ... من الجوانح «3» أجزاء من النار وتوفّى الأديب الفاضل شمس الدين أبو العبّاس أحمد بن أبى المحاسن يعقوب «4» ابن إبراهيم بن أبى نصر الطّيبى الأسدىّ بطرابلس فى سادس «5» رمضان. ومولده فى سنة تسع وأربعين وستمائة. وكان كاتب الدّرج بطرابلس وكان فاضلا ناظما ناثرا. ومن شعره: ما مسّنى الضّيم إلّا من أحبّائى ... فليتنى كنت قد صاحبت أعدائى ظننتهم لى دواء الهمّ فانقلبوا ... داء يزيد بهم همّى وأدوائى من كان يشكو من الأعداء جفوتهم ... فإنّنى أنا شاك من أودّائى

ما وقع من الحوادث سنة 718

وتوفّى الأمير أرسلان الناصرىّ الدّوادار فى الثالث والعشرين من شهر رمضان، وكان هو وعلاء الدين ابن عبد الظاهر صديقين فمرضا فى وقت واحد بعلّة واحدة وماتا فى شهر واحد. وخلّف أرسلان جملة كثيرة من المال استكثرها الملك الناصر على مثله. وكان من جملة أمراء الطبلخاناه واستقرّ عوضه دوادارا الأمير ألجاى الدوادار الناصرىّ. وفى أرسلان هذا عمل علاء الدين ابن عبد الظاهر كتابه المسمّى «بمراتع الغزلان «1» » . وتوفّى الأمير سيف الدين قلّى السّلاح دار بالقاهرة. وكان من أعيان أمراء الديار المصرية، وأنعم السلطان بإقطاعه ومنزلته [فى المجلس «2» ] على الأمير چنكلى ابن البابا. وتوفّى الأمير سيف «3» الدين ألدكز بن عبد الله السّلاح دار صهر الأمير علم الدين سنجر الشّجاعىّ ومات فى الحبس. وتوفّى الأمير سيف الدين ألكتمر بن عبد الله صهر الأمير بكتمر الجوكندار أيضا فى الحبس حتف أنفه. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وإصبعان. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا سواء. وكان نيلا عظيما غرقت منه عدّة أماكن. والله أعلم. *** [ما وقع من الحوادث سنة 718] السنة التاسعة من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثالثة على مصر، وهى سنة ثمانى عشرة وسبعمائة.

فيها توفّى قاضى القضاه زين الدين أبو الحسن علىّ ابن الشيخ رضىّ الدين أبى القاسم مخلوف ابن تاج الدين ناهض المالكى النّويرىّ فى يوم الأربعاء ثامن «1» عشر جمادى الآخرة بمصر، ودفن بسفح المقطّم. ومولده فى سنة عشرين «2» وستمائة. وكان فقيها ديّنا خيّرا حسن الأخلاق. وولى القضاء بديار مصر فى سنة خمس وثمانين وستمائة، فكانت مدّة ولايته ثلاثا وثلاثين سنة تقريبا، وعرضت عليه الوزارة فى الدولة المنصورية لاچين فأباها خوفا من علم الدين [سنجر] الشّجاعىّ، وتولّى بعده القضاء نائبه تقىّ الدين محمد بن أبى بكر بن عيسى [بن بدران «3» بن رحمة الإخنائى المالكىّ] . وتوفّى الشيخ الإمام الزاهد بقيّة السّلف. أبو بكر ابن الشيخ المسند المعمّر زين الدين أبى العباس أحمد بن عبد الدائم بن نعمة بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أحمد ابن أبى بكر المقدسىّ الحنبلىّ. سمع الكثير وحدّث. وكان شيخا كثير التّلاوة والصلاة على النّبىّ صلّى الله عليه وسلّم، وحدّث فى حياة والده. ومولده سنة ست وعشرين وستمائة؛ وقيل سنة خمس وعشرين. ومات ليلة الجمعة التاسع والعشرين من رمضان. وتوفّى الأمير علاء الدين أقطوان الساقى الظاهرى فى عاشر شهر رمضان بدمشق، وقد جاوز الثمانين سنة. وكان رجلا صالحا مواظب الجماعات، ويقوم اللّيل. وتوفّى الامير عز الدين طقطاى الناصرىّ، كان نائب الكرك فتمرّض فعزل عن الكرك، وتوجّه إلى دمشق ليتداوى بها فمات فى رابع عشر شعبان.

وتوفّى الأمير سيف الدين منكبرس «1» نائب عجلون. كان من قدماء المماليك المنصوريّة، وكان معظّما فى الدول وله حرمة وافرة. وتوفى الشيخ كمال الدين [أبو العبّاس «2» ] أحمد ابن [الشيخ جمال الدين «3» ] أبى بكر محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن سجمان «4» البكرىّ الوائلىّ الشّريشىّ «5» الفقيه الشافعى، مات بطريق الحجاز، وكان فقيها عالما فاضلا. وتوفّى الشيخ جمال الدين أبو بكر إبراهيم [بن حيدرة «6» بن علىّ بن عقيل] الفقيه الشافعى المعروف بابن القمّاح فى سابع عشر ذى الحجّة. وكان معدودا من فضلاء الشافعيّة. وتوفى الشيخ المقرئ مجد الدين أبو بكر ابن الشيخ شمس الدين محمد بن قاسم التّونسىّ المقرئ النحوىّ المالكىّ فى ذى القعدة بدمشق. وكان من فضلاء المالكية. وتوفى الأمير سيف الدين وقيل شمس الدين سنقر بن عبد الله الكمالى الحاجب فى حبس الملك الناصر بقلعة الجبل فى شهر ربيع الآخر. وكان أوّلا معتقلا بالكرك فأحضر هو والأمير كراى إلى القاهرة فحبسا بقلعة الجبل إلى أن مات بها. وكان من عظماء الدولة ومن أكابر الأمراء، وتولّى الحجوبيّة بالديار المصرية فى عدّة دول.

ما وقع من الحوادث سنة 719

وكان أحد الأعيان بالديار المصريّة إلى أن قبض عليه الملك الناصر وحبسه فى سلطنته الثالثة. وتوفّى الأمير سيف الدين بهادر الشّمسىّ بقلعة دمشق، وكان أحد من قبض عليه الملك الناصر وحبسه. وكان مشهورا بالشجاعة والإقدام. وتوفّى الأمير سيف الدين منكوتمر الطّبّاخى، والأمير سيف الدين أركتمر كلاهما بالجبّ من قلعة الجبل. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ذراعان ونصف. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا. وكان الوفاء بعد النّوروز بأيّام. *** [ما وقع من الحوادث سنة 719] السنة العاشرة من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثالثة على مصر، وهى سنة تسع عشرة وسبعمائة. فيها توفّى الشيخ الصالح المعتقد أبو الفتح نصر بن سليمان «1» بن عمر المنبجىّ «2» لحنفىّ بزاويته «3» بالقاهرة فى جمادى الآخرة، ودفن بجوار الزاوية. ومولده سنة ثمان وثلاثين وستمائة، وكان عالما زاهدا متقشفا، سمع الحديث وبرع فى الفقه

والتصوّف، وأقبل عليه ملوك عصره. ذكر ابن «1» أخيه الشيخ قطب الدين قال: سألنى الشيخ يوما هل قرب وقت العصر؟ فقلت: لا، وبقى يسألنى عن ذلك ساعة فساعة وهو مسرور مستبشر بوقت العصر، فلما دخل وقت العصر مات. رحمه الله. وتوفّى الشيخ الإمام العالم شهاب الدين أبو عبد الله الحسين بن سليمان بن فزارة الكفرى (بفتح الكاف «2» ) البصروىّ الحنفى فى ثالث عشر جمادى الأولى ودفن بقاسيون، وكان فقيها محدّثا ناب «3» فى الحكم، وحمدت سيرته، وسمع الكثير وبرع فى الفقه وغيره. وتوفّى الأمير سيف الدين كراى المنصورىّ معتقلا بقلعة الجبل، وكان من أكابر مماليك المنصور قلاوون، وولى نيابة القدس، ثمّ ولّاه الملك الناصر محمد فى سلطنته هذه الثالثة نيابة الشام بعد قراسنقر، ثم قبض عليه وحبسه بالكرك مدّة، ثمّ نقله إلى القاهرة وحبسه بقلعة الجبل إلى أن مات فى هذا التاريخ. وتوفّى الأمير سيف الدين إغزلو العادلى بدمشق، وكان من أكابر أمرائها، وكان ولى نيابة دمشق فى أواخر دولة أستاذه الملك العادل زين الدين كتبغا فعزله الملك المنصور حسام الدين لاچين عن نيابة دمشق، ثم صار بعد ذلك من أمراء دمشق إلى أن مات. وكانت ولايته على نيابة دمشق نحوا من ثلاثة أشهر، وكان موصوفا بالشجاعة والإقدام. وتوفّى الأمير سيف الدين قيران الشمسىّ بدمشق ودفن بقاسيون بتربة ابن مصعب، وكان من جملة أمراء دمشق، وكان ديّنا خيّرا عفيفا مع كرم وشجاعة.

وتوفّى الأمير علاء الدين طيبرس بن عبد الله الخازندارىّ نقيب الجيوش المنصورة وأحد أمراء الطبلخاناه فى العشرين من شهر ربيع الآخر، ودفن بقبّته التى أنشأها بمدرسته على باب جامع الأزهر. واستقرّ عوضه فى نقابة الجيش الأمير شهاب الدين أحمد بن آقوش العزيزى المهمندار «1» . وطيبرس هذا هو الذي كان أنشأ الجامع والخانقاه على النيل، وعرف ذلك المكان بالطّيبرسىّ، وقد تهدّم الجامع» والخانقاه، ونقل صوفيّتها إلى مدرسته «3» التى أنشأها على باب الجامع الأزهر على يمنة الداخل إلى الجامع. وكان من أجلّ الأمراء وأقدمهم، وطالت أيامه فى وظيفته، أقام فيها أربعا وعشرين سنة، لم يقبل لأحد هديّة، وإنما كان شأنه عمارة إقطاعه والزراعة، ومن ذلك نالته السعادة وعمّر الأملاك. وكان ديّنا خيّرا بخلاف آقبغا عبد الواحد الذي عمّر مدرسته «4» أيضا على باب الجامع الأزهر فى مقابلة طيبرس هذا. وتوفّى الشيخ بدر الدين أبو عبد الله محمد بن منصور بن إبراهيم بن منصور بن رشيد الربعى الحلبىّ الشافعىّ المعروف بابن الجوهرىّ. ولد بحلب فى ثالث عشر صفر سنة اثنتين وخمسين وستمائة، وكان فاضلا ديّنا أثنى عليه الحافظ البرزالىّ فى معجمه. وكانت وفاته فى يوم السبت سابع عشر «5» جمادى الآخرة من السنة. رحمه الله.

ما وقع من الحوادث سنة 720

وتوفّى الأمير سيف الدين أركتمر «1» بن عبد الله السّليمانى الجمدار فجأة. وكان من أعيان الأمراء وأماثلهم. وتوفّى القاضى فخر الدين أبو عمرو عثمان بن علىّ [بن يحيى «2» بن هبة الله بن إبراهيم ابن المسلم] الأنصارىّ الشافعىّ المعروف بابن بنت أبى سعد «3» فى جمادى الآخرة من السنة. وتوفّى بدمشق الأمير شهاب الدين أحمد بن محمد ابن الملك الأمجد [مجد «4» الدين] حسن ابن الملك الناصر داود ابن الملك المعظّم عيسى ابن الملك العادل أبى بكر بن أيّوب أحد أمراء دمشق فى شهر رجب. وتوفى الملك المعظّم شرف الدين عيسى ابن الملك الزاهر مجير الدين داود ابن الملك المجاهد أسد الدين شير كوه ابن الملك القاهر ناصر الدين محمد ابن الملك المنصور أسد الدين شير كوه الكبير ابن شادى أحد أمراء دمشق بالقاهرة فى ثانى ذى «5» القعدة. كان قدمها فى طلب الإمرة فأنعم عليه بإمرة طبلخاناه بدمشق، فأدركته المنيّة قبل عوده إلى وطنه. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم لم يحرّر. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وإحدى عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 720] السنة الحادية عشرة من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثالثة على مصر، وهى سنة عشرين وسبعمائة.

فيها توفّى قاضى القضاة كمال الدين أبو حفص عمر ابن قاضى القضاة عزّ الدين أبى البركات عبد العزيز ابن الصاحب محيى الدين أبى عبد الله محمد ابن قاضى القضاة نجم الدين أبى الحسن أحمد ابن قاضى القضاة جمال الدين أبى الفضل هبة «1» الله ابن قاضى القضاة مجد «2» الدين أبى غانم محمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن أبى جرادة العقيلى الحلبىّ الحنفىّ الشهير بابن العديم قاضى قضاة حلب وغيرها. كان فقيها عالما مشكور السّيرة. وكمال الدين هذا غير ابن العديم «3» المتقدّم صاحب «تاريخ «4» حلب» وغيرها من التصانيف وقد مرّ ذكره. وتوفّى الشيخ الإمام العلّامة النحوىّ اللغوىّ شمس الدين محمد بن حسن بن سباع ابن أبى بكر الجذامىّ المصرىّ الأصل الدّمشقىّ المولد المعروف بابن الصائغ. مات بدمشق فى ثالث شعبان. ومولده سنة خمس وأربعين وستمائة بدمشق. كان أديبا فاضلا فى فنّ الأدب، وله النظم والنثر ومعرفة بالعروض والقوافى والبديع واللّغة والنحو وشرح «مقصورة ابن دريد» فى مجلدين. واختصر «صحاح «5» الجوهرى» وجرّده من الشواهد، وصنّف قصيدة عدّتها ألفا بيت، فيها العلوم والصنائع، وله «مقامات» وأشياء كثيرة. ومن شعره من قصيدة أوّلها «6» :

لى نحو ربعك دائما يا جلّق ... شوق أكاد به جوى أتمزّق وهمول دمع من جوى بأضالعى ... ذا مغرق طرفى وهذا محرق أشتاق منك منازلا لم أنسها ... إنّى وقلبى فى ربوعك موثق ومنها: والريح «1» يكتب فى الجداول أسطرا ... خطّ له نسج النّسيم محقّق والطير يقرأ والنسيم مردّد ... والغصن يرقص والغدير يصفق وتوفّى الأديب شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الدائم بن يوسف بن قاسم الكنانىّ «2» الشّارمساحىّ «3» الشاعر المطبوع صاحب النوادر الظّريفة المضحكة. والعامّة يسمونه الشّارمساحىّ. وكان شاعرا مطبوعا، غير أنه كان مغرى بالهجاء وثلب الأعراض، وكان يحضره الملك الناصر مجلسه فى بعض الأحيان. ومات بالقاهرة. ومن شعره من آخر «4» قصيدة: لا آخذ الله عينيه فقد نشطت ... إلى تلافى وفيها غاية الكسل وقد مرّ من هجوه فى ابن المرحّل وابن عدلان فى أوّل «5» ترجمة الناصر فى سلطنته الثالثة. وكان عارفا بعلوم. وتوفّى الشيخ إسماعيل [بن سعيد «6» ] الكردىّ قتيلا على الزّندقة فى يوم الاثنين ثانى «7» عشرين صفر. وكان عارفا بعلوم كثيرة، حتّى إنّه كان يحفظ من التوراة

والإنجيل، غير أنّه حفظت عنه عظائم فى حقّ الأنبياء عليهم السلام، ومع ذلك كان يتجاهر بالمعاصى فاجتمع القضاة بسببه غير مرّة، حتى أفتى بعضهم بضرب عنقه، فضربت عنقه ببين القصرين. وتوفّى الشيخ المعمّر الفقيه زين الدين أبو القاسم محمد بن علم الدين محمد بن الحسين ابن عتيق بن رشيق الإسكندرى المالكىّ بمصر فى المحرّم. وكان ولى قضاء الإسكندرية مدّة طويلة. وكان له نظم. وتوفّى قتيلا سيف الدين آقجبا مملوك الأمير ركن الدين بيبرس التّاجى «1» بدمشق فى خامس عشرين «2» شهر ربيع الأوّل. وكان عنده فضيلة، إلّا أنّه لم يقنع بذلك، حتى ادّعى النبوّة وشاع عنه ذلك حتّى قتل. وتوفّى السلطان الغالب بالله أبو الوليد إسماعيل بن الفرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر «3» صاحب غرناطة «4» والأندلس من بلاد المغرب فى ذى القعدة وأقيم بعده ابنه أبو عبد الله محمد. وكان من أجلّ ملوك المغرب. وكان مولده سنة ثمانين وستمائة. واستولى على الأندلس ثلاث عشرة سنة، وملك البلاد فى حياة

ما وقع من الحوادث سنة 721

أبيه الفرج، وكان أبوه متولّيا إذ ذاك لمالقة «1» ، فلمّا أراد إسماعيل هذا «2» الخروج لامه أبوه، فقبض إسماعيل على أبيه، وعاش أبوه فى سلطنته بعد ذلك عزيزا مبجّلا إلى أن مات فى ربيع الأوّل سنة عشرين وسبعمائة. وقد شاخ، ثم قتل ابنه صاحب الترجمة وقتل قاتله. رحمه الله. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وأصابع. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا واثنتان وعشرون إصبعا. وهبط النيل بسرعة فشرقت الأراضى. والله تعالى أعلم. *** [ما وقع من الحوادث سنة 721] السنة الثانية عشرة من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثالثة على مصر، وهى سنة إحدى وعشرين وسبعمائة. فيها توفّى الشيخ الإمام المقرئ عفيف الدين عبد الله بن عبد الحقّ بن عبد الله ابن عبد الأحد القرشىّ المخزومىّ الدّلاصىّ «3» المصرىّ. مات بمكة المشرّفة فى رابع «4» عشر

المحرّم، ومولده فى شهر رجب سنة ثلاثين وستمائة، وكان إماما مقرئا زاهدا أقام أكثر من ستين سنة يقرئ القرآن تجاه الكعبة. وتوفى الشيخ شمس الدين محمد بن علىّ بن عمر المازنىّ الأديب المعروف بالدهّان بدمشق. وكان شاعرا مجيدا يعرف الأنغام والموسيقى وصناعة الدّهان «1» ، وكان يعمل الشعر ويلحّنه موسيقى ويغنّى به فيكون من شعره وصناعته. ومن شعره موشّحة أوّلها: بأبى غصن بانة حملا ... بدر دجى بالجمال قد كملا، أهيف فريد حسن ما ماس أو سفرا إلا أغار «2» القضيب والقمرا يبدى لنا بابتسامه دررا فى شهد لذّ طعمه وحلا ... كأنّ أنفاسه نسيم طلا، قرقف «3» وتوفّى الطواشى صفىّ الدين جوهر مقدّم المماليك السلطانية. كان رجلا صالحا ديّنا خيّرا وله حرمة وصولة عظيمة على المماليك وغيرهم. ولى التّقدمة فى أيام المظفر بيبرس الجاشنكير، فلمّا عاد الملك الناصر إلى ملكه عزله بصواب الرّكنى، واستمر بطّالا إلى أن مات. وتوفى الشيخ حميد الدين أبو الثناء محمود بن محمد بن محمود بن نصر النّيسابورىّ شيخ الخانقاه الرّكنية بيبرس فى تاسع عشر جمادى الآخرة. ومولده سنة خمس وأربعين وستمائة.

وتوفّى الملك المؤيّد هزبر الدّين داود ابن الملك المظفّر يوسف بن عمر بن رسول التّركمانىّ الأصل اليمنىّ المولد والمنشأ والوفاة صاحب ممالك اليمن، تسلطن بعد أخيه فى المحرّم سنة ست وتسعين وستمائة فملك نيّفا وعشرين سنة، وكان قبل سلطنته تفقّه وحفظ كفاية المتحفّظ [ونهاية «1» المتلفّظ فى اللغة] ومقدّمة «2» ابن بابشاذ. وبحث التنبيه «3» وطالع وفضل وسمع الحديث، وجمع الكتب النفيسة فى سلطنته، حتى قيل إنّ خزانة كتبه اشتملت على مائة ألف مجلّد. وكان مشكور السّيرة محبّا لأهل الخير. ولمّا أنشأ قصره بظاهر زبيد قال فيه الأديب تاج الدين «4» عبد الباقى اليمنى أبياتا، منها: أنسى بإيوانه كسرى فلا خبر ... من بعد ذلك عن كسرى لإيوان وفى الملك المؤيد يقول أيضا عبد الباقى المذكور وقد ركب المؤيّد فيلا: الله ولّاك يا داود مكرمة ... ورتبة ما أتاها قبل سلطان ركبت فيلا وظل الفيل ذا رهج ... مستبشرا وهو بالسلطان فرحان لك الإله أذلّ الوحش أجمعه ... هل أنت داود فيه أم سليمان

ما وقع من الحوادث سنة 722

وكانت وفاته فى ذى الحجّة، وتولى بعده ابنه الملك المجاهد علىّ، واضطربت ممالك اليمن بعد موته. وتولّى عدّة سلاطين يأتى ذكر كلّ واحد منهم فى محلّه إن شاء الله تعالى. وتوفّى مجد الدين أحمد بن معين الدين أبى بكر الهمدانىّ «1» المالكى خطيب الفيّوم، وكان يضرب به المثل فى المكارم والسؤدد وكان فصيحا خطيبا بليغا. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وستّ أصابع. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وخمس أصابع. وكان الوفاء ثانى أيام النسىء. والله أعلم. *** [ما وقع من الحوادث سنة 722] السنة الثالثة عشرة من ولاية الناصر محمد بن قلاوون الثالثة على مصر، وهى سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة. فيها توفّى قاضى القضاة شمس الدين محمد ابن الشيخ أبى البركات محمد ابن الشيخ أبى العزّ بن صالح بن أبى العزّ بن وهيب «2» بن عطاء الأذرعىّ الحنفىّ بدمشق فى سابع المحرّم عقيب قدومه من الحجاز. ومولده سنة ثلاث وستين «3» وستمائة. وكان إماما فاضلا فقيها بصيرا بالأحكام، حكم بدمشق نحو عشرين سنة، وخطب بجامع «4»

الأفرم مدّة، ودرّس بالظاهرية «1» والنّجيبيّة «2» والمعظّميّة «3» ، وأفتى وانتفع به غالب طلبة دمشق. وتوفّى الشيخ الإمام العالم الزاهد الفقيه المفتى الحافظ المسند المعمّر بقيّة السّلف رضىّ الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أبى بكر بن محمد بن إبراهيم ابن الطّبرىّ الكىّ الشافعىّ إمام المقام بالحرم الشريف، أمّ به أكثر من خمسين سنة. وكان فقيها صالحا عابدا. ومولده بمكّة فى سنة ست «4» وثلاثين وستمائة. ومات فى شهر ربيع الأوّل. وتوفّى الشيخ الإمام الفقيه الصوفىّ علاء الدين أبو الحسن علىّ [بن الحسن «5» ] ابن محمد الهروىّ الحنفىّ. كان فقيها فاضلا وسلك طريق التصوّف، وطاف البلاد وأقام بحلب مدّة وتصدّى للإفتاء والتدريس سنين. ومن إنشاده «6» رحمه الله:

كم حسرات فى الحشى ... من ولد قد انتشا كنّا نشاء رشده ... فما نشا كما نشا وتوفّى الأديب الشاعر جمال الدين أبو الفتح محمد بن يحيى بن محمد الأموىّ المصرىّ الشاعر المشهور. وكانت لديه فضيلة، وكان رحّالا طاف البلاد، ثم رجع إلى العراق فمات به. ومن شعره: وافى الربيع ولى سبع ألازمها ... لزوم مرء له فى الدهر تجريب ملك ومال ومملوك ومطربة ... مع المدام ومحبوب ومركوب وتوفّى الأديب الشاعر أبو على الحسن «1» بن محمود بن عبد الكبير «2» اليمانى العدنىّ. كان فاضلا ناظما ناثرا، وله ديوان شعر مشهور باليمن وغيره. ومن شعره: برق تألّق من تلقاء كاظمة ... ما باله خطف الأبصار فى إضم قد خطّ منه على آفاقها خطط ... كأنهنّ ولوع البيض فى اللّمم وتوفّى الشيخ حسن العجمى الجواليقى «3» القلندرى بدمشق، وكان أوّلا يسكن بالقاهرة، وعمّر له بها زاوية خارج باب النصر، وهى إلى الآن تعرف بزاوية «4» القلندرية، ثم سافر إلى دمشق فمات بها. قال الشيخ عماد الدين إسماعيل بن كثير فى تاريخه: وكان قريبا من خواطر الملوك، لا سيما أهل بيت الملك المنصور قلاوون. وكان كثيرا ما ينشد أبياتا أوّلها:

سلام على ربع به نعم البال ... وعيش مضى ما فيه قيل ولا قال لقد كان طيب العيش فيه مجرّدا ... من الهم والقوم اللوائم غفّال «1» وتوفّى الأمير عزّ الدين أيدمر بن عبد الله الساقى المعروف بوجه الخشب بدمشق. وكان من أعيان الأمراء، وفيه شجاعة وإقدام، وهو أحد من أخرجه الملك الناصر من مصر. وتوفّى القاضى قطب الدين محمد بن عبد الصمد [بن عبد القادر «2» ] السّنباطىّ «3» الشافعى، خليفة الحكم ووكيل بيت المال فى ذى الحجّة. وكان معدودا من الفقهاء وله وجاهة.

ما وقع من الحوادث سنة 723

وتوفّيت المسندة المعمّرة أمّ محمد زينب بنت أحمد بن عمر بن أبى بكر بن شكر فى ذى الحجّة بالقدس عن أربع وتسعين سنة. وكانت رحلة زمانها، رحل إليها من الأقطار وصارت مسندة عصرها. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وإصبعان. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وإحدى وعشرون إصبعا. وكان الوفاء أوّل أيام النسىء. *** [ما وقع من الحوادث سنة 723] السنة الرابعة عشرة من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثالتة على مصر، وهى سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة. فيها توفّى قاضى القضاة نجم الدين أبو العبّاس أحمد ابن عماد الدين محمد ابن أمين الدين سالم ابن الحافظ المحدّث بهاء الدين الحسن بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى الثّعلبى «1» الدّمشقىّ الشافعىّ فى سادس عشر شهر «2» ربيع الأوّل بدمشق، ودفن بتربتهم بالقرب من الرّكنيّة: ومولده سنة خمس وخمسين وستمائة. وكان إماما عالما بارعا مدرّسا مفتيا كاتبا مجوّدا، ولى عدّة تداريس، وباشر قضاء الشام استقلالا فى سنة اثنتين وسبعمائة مع عدّة تداريس. وكان له نظم ونثر وخطب. ومن شعره رحمه الله: ومهفف بالوصل جاد تكرّما ... فأعاد ليل الهجر صبحا أبلجا ما زلت ألثم ما حواه لثامه ... حتى أعدت الورد فيه بنفسجا وتوفّى الشيخ الأديب الفاضل صلاح الدين صالح بن أحمد بن عثمان البعلبكىّ «3» الشاعر المشهور بالقوّاس. كان رجلا خيّرا صحب الفقراء وسافر البلاد، وكان

أصله من مدينة خلاط «1» ، وكان يدخل الزوايا ويتواجد فى سماعات الفقراء، وله شعر كثير، من ذلك ما قاله فى ناعورة حماة: وناعورة رقّت لعظم خطيئتى ... وقد لمحت شخصى من المنزل القاضى بكت رحمة لى ثم ناحت لشجوها ... ويكفيك أن الخشب تبكى على العاصى وهو صاحب القصيدة ذات الأوزان «2» التى أوّلها: داء ثوى بفؤاد شفّه سقم ... لمحنتى من دواعى الهمّ والكمد وتوفّى الشيخ الأديب الفاضل العدل شهاب الدين محمد بن محمد بن محمود ابن مكّى المعروف بابن دمرداش الدّمشقىّ، وبها مات ودفن بقاسيون. ومولده سنة ثمان وثلاثين وستمائة، وكان شاعرا مجيدا، وكان فى شبابه جنديّا، فلمّا شاخ ترك ذلك وصار شاهدا. وشعره سلك فيه مسلك مجير الدين «3» بن تميم، لأنّه صحبه وأقام معه بحماة مدّة عشرين سنة. ومن شعره: أقول لمسواك الحبيب لك الهنا ... بلثم فم ما ناله ثغر عاشق فقال وفى أحشائه حرق «4» الجوى ... مقالة صبّ للديار مفارق تذكّرت أوطانى فقلبى كما ترى ... أعلّله بين العذيب وبارق قلت: ومثل هذا قول القائل: هنّئت يا عود الأراك بثغره ... إذ أنت فى الأوطان غير مفارق إن كنت فارقت العذيب وبارقا ... هأنت ما بين العذيب وبارق

ومثله لابن قرناص «1» : سألتك يا عود الأراكة أن تعد ... إلى ثغر من أهوى فقبّله مشفقا ورد من ثنيّات العذيب منيهلا ... يسلسل ما بين الأبيرق والنّقا وقد ذكرنا مثل هذا عدّة كثيرة فى كتابنا «حلية الصفات فى الأسماء والصناعات» . وتوفى الشيخ الإمام العالم العلّامة الحافظ المؤرّخ الأخبارى الأديب كمال الدين عبد الرزّاق بن أحمد بن محمد بن أحمد المعروف بابن الفوطىّ «2» صاحب التصانيف المفيدة، من جملتها: تاريخ كبير جدّا، وآخر دونه وسمّاه بمجمع الآداب فى معجم الأسماء على معجم الألقاب فى خمسين مجلّدا. والتاريخ الكبير على الحوادث من آدم إلى خراب بغداد وغير ذلك. وله شعر كثير ومجموع أدبيات سمّاه الدّرر الناصعة فى شعر المائة السابعة وصنف كتاب درر «3» الاصداف فى غرر الأوصاف مرتّب على وضع الوجود من المبدأ إلى المعاد، يكوّن عشرين مجلّدا. وكتاب «تلقيح «4» الأفهام فى المختلف والمؤتلف «5» » مجدولا. وكان له يد طولى فى ترصيع التراجم، وذهن سيّال وقلم سريع وخطّ بديع إلى الغاية. قيل: إنّه كتب من ذلك الخطّ الفائق الرائق أربع كراريس فى يوم، وكتب وهو نائم على ظهره. وكان له نظر فى فنون الحكمة كالمنطق وغيره.

ما وقع من الحوادث سنة 724

وتوفّى الملك المجاهد سيف الدين أنص «1» ابن السلطان الملك العادل زين الدين كتبغا المنصورىّ؛ بعد ما كفّ بصره من سهم أصابه، وكانت وفاته فى المحرّم. وتوفّى الأمير طيدمر سيف الدين الجمدار أحد أعيان الأمراء. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وست عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وست أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 724] السنة الخامسة عشرة من ولاية الملك الناصر محمد بن وون الثالثة على مصر، وهى سنة أربع وعشرين وسبعمائة. فيها توفّى الشيخ الصالح المعتقد أيوب المسعودىّ «2» بزاوية «3» الشيخ أبى السعود بالقرافة، وقد قارب المائة سنة، وضعف فى آخر عمره، فكان يحمل إلى حضور الجمعة، وكان يذكر أنّه رأى الشيخ أبا السعود. وتوفّى الشيخ الإمام العالم الزاهد الحافظ المحدث علاء الدين أبو الحسن علىّ بن إبراهيم بن داود بن سليمان الدّمشقىّ الشافعىّ الشهير بابن العطّار. كان فقيها محدّثا، وكانوا يسمونه مختصر النووى، ودرّس وأفتى سنين وانتفع به الناس. وتوفّى الأمير شمس الدين محمد بن عيسى بن مهنّا أمير العرب وملك آل فضل، وكان حسن الهيئة عاقلا حازما عارفا بالأمور. مات بسلمية «4» .

وتوفّى الشيخ برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن ظافر فى جمادى الآخرة. وكان فقيها شافعيّا معدودا من أعيان الشافعيّة. وتوفّى الشيخ تقىّ الدين «1» محمد بن عبد الرحيم «2» بن [عمر «3» ] الباجربقىّ «4» النحوىّ الشافعىّ فى شهر ربيع الآخر واتّهم بالزندقة فى تصانيفه ووقع له بسبب ذلك أمور، وهو صاحب «الملحمة الباجربقيّة، وله غيرها عدّة تصانيف أخر. وتوفّى الأمير ناصر الدين محمد ابن الأمير بدر الدين بكتاش الفخرىّ أمير سلاح فى جمادى الآخرة، وكان ناصر الدين هذا من جملة مقدّمى الألوف بالديار المصريّة، وكان معظّما فى الدولة موصوفا من الشّجعان. وتوفّى الأمير الطّواشى زين الدين عنبر الأكبر زمام «5» الدور السلطانيّة فى جمادى الأولى وكان من أعيان الخدّام وأماثلهم. وتوفّى الشيخ المعتقد الصالح محمود الحيدرى العجمىّ خارج القاهرة، وكان من محاسن أبناء جنسه. وتوفّى خطيب جامع عمرو بن العاص الشيخ نور الدين أبو الحسن علىّ بن محمد «6» ابن حسن بن علىّ القسطلانيّ فى شهر ربيع الآخر، وكان ديّنا خيّرا. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وتسع عشرة إصبعا. والله تعالى أعلم.

ما وقع من الحوادث سنة 725

*** [ما وقع من الحوادث سنة 725] السنة السادسة عشرة من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثالثة على مصر، وهى سنة خمس وعشرين وسبعمائة. فيها توفّى الأمير ركن الدين بيبرس بن عبد الله المنصورىّ الدّوادار صاحب التاريخ فى ليلة الخميس خامس عشرين شهر رمضان. كان أصله من مماليك الملك المنصور قلاوون، أنشأه ورقّاه إلى أن ولّاه نيابة الكرك إلى أن عزله الملك الأشرف خليل بالأمير آقوش الأشرفىّ نائب الكرك، ثم صار بعد ذلك دوادارا وناظر الأحباس مدّة طويلة، ثم ولى نيابة السلطنة فى أيام الملك الناصر محمد الثالثة فدام مدّة، ثم قبض عليه الملك الناصر وحبسه إلى أن مات. وقيل أطلقه بعد حبسه بمدّة. وكان أميرا عاقلا فاضلا معظّما فى الدول، وكان إذا دخل على الملك الناصر يقوم له إجلالا. وكان له أوقاف على وجوه البرّ، وهو صاحب المدرسة «1» الدّوادارية بخط سويقة «2» العزّى خارج القاهرة. وله تاريخ «زبدة «3» الفكرة فى تاريخ الهجرة» فى أحد «4» عشر

مجلدا، أعانه على تأليفه كاتبه ابن كبر «1» النصرانى. وكان يجلس عند السلطان رأس «2» الميمنة عوضه. قلت: كانت قاعدة قديم، أنه من كان قديم هجرة من الأمراء يجلس فوق الجميع، ولم يكن يوم ذاك أمير كبير أتابك العساكر كما هى عادة أيامنا هذه، وإنما استجدّت هذه الوظيفة فى أيام السلطان حسن، وأوّل من وليها بخلعة الأمير شيخون، وصارت من يومئذ وظيفة إلى يومنا هذا. وتوفّى أمير المدينة النبوية الشريف منصور بن جمّاز بن شيحة الحسينىّ فى حرب كان بينه وبين حديثة ابن «3» أخيه فقتله حديثة المذكور فى رابع عشرين شهر رمضان، فكانت مدّة ولايته على المدينة ثلاثا وعشرين سنة وأيّاما، واستقرّ عوضه فى إمرة المدينة ابنه كبيش بن منصور. وتوفّى الإمام العلّامة البليغ الكاتب المنشئ الأديب شهاب الدين أبو الثّناء محمود بن سليمان «4» بن فهد الحلبىّ ثم الدّمشقىّ الحنبلىّ صاحب ديوان الإنشاء بدمشق فى ليلة السبت ثانى عشرين شعبان سنة خمس وعشرين وسبعمائة. ومولده سنة أربع وأربعين وستمائة، ونشأ بدمشق وسمع الحديث وكتب المنسوب، ونسخ الكثير وتفقّه على أبى المنجا وغيره، وتأدّب بابن مالك ولازم مجد «5» الدين بن الظّهير وحذا حذوه وسلك طريقه فى النظم والكتابة. وولى كتابة سرّ دمشق بعد موت

القاضى «1» شرف الدين عبد الوهاب بن فضل الله العمرىّ إلى أن مات. وفيه يقول الأديب البليغ ألطنبغا «2» الجاولى: قال النّحاة بأنّ الاسم عندهم ... غير المسمّى وهذا القول مردود الاسم عين المسمّى والدليل على ... ما قلت أنّ شهاب الدين محمود ومن شعر شهاب الدين المذكور: رأتنى وقد نال منى النّحول ... وفاضت دموعى على الخدّ فيضا فقالت بعينى هذا السّقام ... فقلت صدقت وبالخصر أيضا قلت: وقد مرّ من ذكر الشهاب محمود هذا وشعره قطعة كبيرة فى فتوحات الملك المنصور قلاوون وغيره. وتوفّى الخطيب جمال الدين محمد بن تقىّ الدين محمد بن الحسن بن علىّ بن أحمد بن علىّ ابن محمد «3» القسطلانيّ فى ليلة السبت مستهلّ شهر ربيع الأول. كان يخطب بجامع القلعة ويصلّى بالسلطان الجمعة، واستمرّ على ذلك سنين. وبعض الناس يحسب أنّ العادة لا يخطب ويصلّى بالسلطان إلّا القاضى الشافعىّ، وليس الأمر كذلك. وما استجدّ هذا إلا الملك الظاهر برقوق فى سلطنته الثانية، وإنما كانت العادة قبل ذلك من ندبه السلطان أن يخطب ويصلّى به فعل ذلك كائنا من كان. وتوفّى الشيخ شرف الدين يونس بن أحمد بن صلاح «4» القلقشندىّ «5» الفقيه الشافعىّ فى خامس عشرين شهر ربيع الآخر. وكان عالما فاضلا.

ما وقع من الحوادث سنة 726

وتوفّى الشيخ المقرئ تقىّ الدين محمد بن أحمد ابن الصّفىّ [عبد الخالق «1» ] الشهير بالتّقىّ الصائغ فى صفر؛ كان فاضلا مقرئا مجوّدا. وتوفّى الأمير سيف الدين بلبان بن عبد الله التّتارىّ المنصورىّ فى ذى القعدة. وكان من أعيان مماليك المنصور قلاوون، وصار من أعيان أمراء الديار المصريّة. وتوفّيت الشّيخة حجّاب «2» شيخة رباط «3» البغداديّة فى المحرّم. وكانت خيّرة ديّنة، ولها قدم فى الفقر والتصوّف. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ذراعان وستّ أصابع. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وإحدى وعشرون إصبعا. وكان الوفاء أوّل أيام النسىء. والله تعالى أعلم. *** [ما وقع من الحوادث سنة 726] السنة السابعة عشرة من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثالثة على مصر، وهى سنة ستّ وعشرين وسبعمائة.

فيها توفّى شيخ الرافضة جمال الدين الحسين «1» بن يوسف [بن «2» ] المطهّر الحلّى «3» المعتزلىّ شارح «مختصر ابن الحاجب» فى المحرّم. كان عالما بالمعقولات، وكان رضىّ الخلق حليما، وله وجاهة عند خربندا ملك التّتار. وله عدّة مصنّفات، غير أنّه كان رافضيّا خبيثا على مذهب القوم، ولابن «4» تيميّة عليه ردّ فى أربعة «5» مجلّدات، وكان يسمّيه ابن المنجّس يعنى عكس شهرته كونه كان يعرف بابن المطهّر. وتوفّى الشيخ شرف الدين أبو الفتح أحمد ابن عزّ الدين أبى البركات عيسى ابن مظفّر بن محمد بن الياس المعروف بابن الشّيرجىّ الأنصارىّ الدّمشقىّ محتسب دمشق. ومولده سنة سبع وأربعين وستمائة. وتوفّى الشيخ الإمام سراج الدين عمر «6» بن أحمد بن خضر بن ظافر بن طرّاد الخزرجىّ المصرىّ الأنصارىّ الشافعىّ خطيب المدينة النبويّة، كان خطيبا فصيحا مفوّها ديّنا. وتوفّى الأمير بدر الدين حسن ابن الملك الأفضل [علىّ بن محمود «7» ] صاحب حماة. كان من أهل العلم، وكان أحد أمراء دمشق، وهو من بيت سلطنة ورياسة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثمانى أذرع وعشر أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وتسع عشرة إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 727

*** [ما وقع من الحوادث سنة 727] السنة الثامنة عشرة من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثالثة على مصر، وهى سنة سبع وعشرين وسبعمائة. فيها توفّى السلطان أبو يحيى زكريّا بن أحمد بن محمد بن يحيى بن عبد الواحد ابن أحمد بن محمد اللّحيانىّ «1» المغربىّ ملك تونس بالإسكندرية بعد أن خرج من بلاده لأمر أوجب ذلك، وترك ملكه ونزل بالإسكندرية وسكنها بعد أن قدم القاهرة، ثم عاد إلى الإسكندرية، فمات بها. وتوفى الشيخ الإمام شمس الدين محمد ابن العلّامة الشهاب محمود المقدّم ذكره فى عاشر شوّال. وكان شمس الدين أيضا كأبيه فاضلا كاتبا بارعا، وتولّى كتابة سرّ دمشق وهو من بيت رياسة وفضل وكتابة. وتوفّى قاضى القضاة صدر الدين أبو الحسن علىّ بن صفىّ الدين أبى القاسم بن «2» محمد بن عثمان البصراوىّ الحنفىّ قاضى قضاة دمشق فى شعبان، بعد ما حكم بدمشق عشرين سنة وحمدت سيرته، وكان إماما عالما ديّنا عفيفا مشكور السّيرة. وتوفى الطّواشى ناصر الدين نصر الشّمسىّ شيخ الخدّام بالحرم النبوىّ. وكان خيّرا ديّنا يحفظ القرآن ويكثر من التلاوة بصوت حسن. وتوفّى الأمير سيف الدين كوجرى بن عبد الله أمير شكار بالقاهرة فى تاسع «3» عشرين ذى الحجّة. وكان أصله من مماليك عزّ الدين «4» أيدمر نائب الشام فى الأيام الظاهرية، وكان هو من أعيان الأمراء بمصر.

وتوفّى الأمير شمس الدين إبراهيم ابن الأمير بدر الدين محمد بن عيسى بن التّركمانىّ فى ثالث جمادى الآخرة بداره بجوار باب البحر، وكان فيه مكارم وله مروءة وعصبيّة مع حشمة ورياسة، وهو ابن صاحب جامع «1» التّركمانىّ المقدّم ذكره الذي بالقرب من باب البحر. وتوفّى الملك الكامل ناصر الدين محمد ابن الملك السعيد فتح الدين عبد الملك «2» ابن الملك الصالح عماد الدين إسماعيل ابن السلطان الملك العادل سيف الدين أبى بكر [محمد «3» بن نجم الدين أيّوب] بن شادى بدمشق فى حادى عشرين جمادى الآخرة عن أربع وسبعين سنة، وكان من جملة أمراء دمشق معظّما فى الدّول من بيت سلطنة ورياسة. وتوفّى الأمير سيف الدين بلبان بن عبد الله البدرىّ نائب حمص فى ليلة عيد الفطر. كان من أكابر الأمراء، وفيه شجاعة وإقدام مع كرم وحشمة. وتوفى لأمير ناصر الدين محمد ابن الأمير الكبير أرغون بن عبد الله الدّوادار الناصرىّ نائب «4» السلطنة بالديار المصرية، ثم نائب حلب فى ثالث عشر شعبان. وكان ناصر الدين هذا من جملة أمراء الديار المصرية معظّما فى الدولة. وتوفّى الأمير سيف الدين قطلوبغا بن عبد الله المغربى «5» الحاجب بالديار المصرية فى ثامن شهر رمضان «6» وكان مقرّبا عند الملك الناصر، ومن أعيان أمرائه.

وتوفّى العلّامة قاضى القضاة ذو الفنون جمال الإسلام كمال الدين أبو المعالى محمد بن علىّ بن عبد الواحد [بن عبد الكريم «1» ] الزّملكانىّ «2» الأنصارىّ السّماكىّ «3» الدّمشقىّ الشافعىّ قاضى قضاة دمشق بمدينة بلبيس «4» فى سادس «5» عشر رمضان. ومولده سنة سبع «6» وستين وستمائة فى شوّال. وكان إماما علّامة بصيرا بمذهبه وأصوله، قوىّ العربية صحيح الذهن فصيحا أديبا ناظما ناثرا، أفتى وله نيّف وعشرون سنة، وصنّف وكتب؛ ومن مصنّفاته رسالة فى الردّ على الشيخ تقي الدين فى مسألة الطلاق، ورسالة فى الردّ عليه فى مسألة الزيارة، وشرح قطعة من المنهاج «7» ، ونظم ونثر وتولّى قضاء دمشق بعد القاضى جلال الدين القزوينىّ لمّا نقل إلى قضاء الديار المصريّة، فتوجّه إلى مصر فمات ببلبيس. ومن شعره قصيدته التى مدح بها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم التى أوّلها «8» : أهواك يا ربّة الأستار أهواك ... وإن تباعد عن مغناى مغناك وأعمل العيس والأشواق ترشدنى ... عسى يشاهد معناك معنّاك تهوى بها البيد «9» لا تخشى الضلال وقد ... هدت ببرق الثنايا الغرّ مضناك تشوقها نسمات الصبح سارية ... تسوقها نحو رؤياك بريّاك

ما وقع من الحوادث سنة 728

ومنها: إنّى قصدتك لا ألوى على بشر ... ترمى النوى بى سراعا نحو مسراك وقد حططت رحالى فى حماك عسى ... تحطّ أثقال أو زارى بلقياك كما حططت بباب المصطفى أملى ... وقلت للنفس بالمأمول بشراك محمد خير خلق الله كلّهم ... وفاتح الخير ماحى كلّ إشراك قلت: وهى أطول من ذلك وكلها على هذا المنوال، وهو نظم فقيه لا بأس به. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وخمس أصابع. والله أعلم. *** [ما وقع من الحوادث سنة 728] السنة التاسعة عشرة من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثالثة على مصر، وهى سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. فيها توفّى شيخ الإسلام تقىّ الدين أبو العبّاس أحمد بن عبد الحليم ابن عبد السلام بن عبد الله بن أبى القاسم [الخضر «1» ] بن محمد بن تيميّة الحرّانىّ الدّمشقىّ الحنبلىّ بدمشق فى ليلة الاثنين العشرين من ذى القعدة فى سجنه بقلعة دمشق. ومولده فى يوم الاثنين عاشر ربيع الأوّل سنة إحدى وستين وستمائة. وكان سجن بقلعة دمشق لأمور «2» حكيناها فى غير هذا المكان. وكان إمام عصره بلا

مدافعة فى الفقه والحديث والأصول والنحو واللّغة وغير ذلك. وله عدّة مصنّفات «1» مفيدة يضيق هذا المحلّ عن ذكر شىء منها. أثنى عليه جماعة من العلماء مثل الشيخ تقىّ «2» الدين بن دقيق العيد والقاضى شهاب الدين الجوينى والقاضى شهاب الدّين ابن النّحاس. وقال القاضى كمال الدين بن الزّملكانىّ المقدّم ذكره: اجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها، ثمّ جرت له محن فى مسألة الطلاق الثلاث، وشدّ الرّحال إلى قبور الأنبياء والصالحين، وحبّب للناس القيام عليه. وحبس مرات بالقاهرة والإسكندرية ودمشق، وعقد له مجالس بالقاهرة ودمشق مع أنّه حصل له فى بعضها تعظيم من الملك الناصر محمد بن قلاوون، وأطلق وتوجّه إلى دمشق وأقام بها إلى أن ورد مرسوم شريف فى سنة ستّ وعشرين وسبعمائة بأن يجعل فى قلعة دمشق فى قاعة، فجعل فى قاعة حسنة وأقام بها مشغولا بالتصنيف والكتابة. ثم بعد مدّة منع من الكتابة والمطالعة وأخرجوا ما عنده من الكتب، ولم يتركوا عنده دواة ولا قلما ولا ورقة، ثم ساق ابن الزّملكانى كلاما طويلا الأليق الإضراب عنه. وتوفّى الأمير سيف الدين جوبان بن تلك بن ندوان «3» نائب القان بو سعيد ملك التّتار، وكان جوبان هذا قد ثقل على بو سعيد فأسرّ إلى خاله ايرنجى «4» قتله

فلم يمكنه ذلك، فأخذ ابنه دمشق «1» خجا وقتله «2» ، ففرّ جوبان إلى هراة فلم يسلم وقتل بها. وكان شجاعا عالى الهمّة حسن الإسلام. أجرى العين إلى مكّة فى جمادى الأولى سنة ستّ وعشرين وسبعمائة، وأنشأ مدرسة بالمدينة النبويّة، ولمّا مات حمل إلى مكّة مع الرّكب العراقىّ وطيف به الكعبة ووقف به عرفة وهو ميّت، ثم مضى به إلى المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فدفن بالبقيع. وتوفّى أمير المدينة النبويّة الشريف كبيش بن منصور بن جمّاز الحسينىّ المدنىّ فى أوّل «3» شعبان قتيلا. وكانت ولايته على المدينة بعد قتل أبيه منصور فى رابع «4» عشر رمضان سنة خمس وعشرين وسبعمائة، قتله أولاد ودّى «5» ، وكان ودّى قد حبس بقلعة الجبل، فولى بعده إمرة المدينة أخوه طفيل. وتوفّى الأمير الكبير شمس الدين قراسنقر بن عبد الله المنصورىّ بمدينة مراغة «6» من عمل أذربيجان «7» فى يوم السبت سابع عشرين شوّال، وكان من كبار المماليك المنصوريّة وأجلّ أمرائهم، وقد ولى نيابة حلب والشام ثم حلب، وهو أحد من كان سببا فى قتل الملك الأشرف خليل بن قلاوون، وأحد من كان السبب لعود الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى ملكه فى هذه المرّة الثالثة، وقد مرّ من ذكره فى ترجمة المظفّر بيبرس الجاشنكير، وفى أوّل سلطنة الملك الناصر الثالثة، وحكينا

كيفية خروجه من البلاد الحلبية إلى التتار، فلا حاجة إلى ذكر ذلك ثانيا، وما ذكرناه هنا إلّا بسبب وفاته والتعريف به. انتهى. وتوفّى ببغداد مفتى العراق وعالمه الشيخ جمال «1» الدين عبد الله بن محمد بن علىّ ابن حمّاد بن ثابت الواسطى مدرّس المستنصريّة «2» فى ذى القعدة. ومولده فى سنة ثمان وثلاثين وستمائة. وتوفّى الأمير سيف الدين جوبان بن عبد الله المنصورىّ أحد أكابر أمراء دمشق بها فى العشرين من صفر سنة ثمان وعشرين، وكان شجاعا مقداما. وتوفّى الأمير سيف الدين بكتمر البوبكرىّ «3» فى سجنه بقلعة الجبل يوم الخميس النصف من شعبان. وكان من أكابر الأمراء من أصحاب بيبرس الجاشنكير وسلّار، فلمّا تسلطن الملك الناصر ثالث مرّة قبض عليه فى جملة من قبض عليهم وحبسه بقلعة الجبل إلى أن مات. وتوفّى الشيخ عفيف الدين أبو عبد الله محمد بن عبد المحسن الواعظ الشهير بابن الخرّاط البغدادى الدّوالينىّ الحنبلىّ فى هذه السنة. ومولده فى سنة بضع «4» وثلاثين وستمائة. وكان إماما واعظا بليغا، ولوعظه موقع فى القلوب وعليه قابليّة.

ما وقع من الحوادث سنة 729

وتوفّى الأمير جمال الدين خضر بن نوكاى «1» التتارى أخو خوند أردوكين «2» الأشرفية المتوفية فى سنه أربع وعشرين. وكان خضر هذا من أعيان أمراء الديار المصرية، وله حرمة وثروة وحشم. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وعشر أصابع. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وتسع أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 729] سنة عشرين من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثالثة على مصر، وهى سنة تسع وعشرين وسبعمائة. فيها توفّى الأمير غرس الدين خليل بن الإربلىّ أحد أمراء العشرات بديار مصر فى سادس صفر، وأنعم السلطان بإمرته على إياجى الساقى. وكان خليل المذكور شجاه اصلا وجيها فى الدولة. وتوفى الأمير سعد الدين سعيد ابن الأمير الكبير حسام الدين حسين فى ثامن عشر المحرم وأنعم بإمرته على تكا «3» الناصرىّ. وتوفّى الشيخ الإمام الفقيه جمال الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد «4» الواسطىّ الأشمومىّ «5» الشافعىّ المعروف بالوجيزى لكثرة قراءته «كتاب الوجيز «6» »

فى الفقه فى ثامن «1» عشر المحرّم. وكان فقيها عالما معدودا من فقهاء الشافعية، وتولّى قضاء قليوب والجيزة. وتوفّى الأمير الكبير شرف الدين حسين بن أبى بكر بن أسعد «2» بن جندرباك الرومىّ فى سادس «3» المحرّم. وكان قدم صحبة أبيه إلى الديار المصرية فى سنة خمس وسبعين وستمائة فى أيام الملك الظاهر بيبرس البندقدارىّ فى جملة من قدم من أهل الروم. وكان أبوه أمير جاندار متملّك بلاد الروم معظّما فى بلاده. وكان أمير حسين هذا رأس مدرج لحسام الدين لاچين لما كان نائب الشام، لأنه كان رأسا فى الصيد ولعب الطين، فلمّا تسلطن لاچين أمّره عشرة بمصر، ثم وقع له أمور وصار من جملة أمراء الطبلخاناه بدمشق، ونادم الأفرم نائب الشام إلى أن فرّ [الأفرم «4» إلى بلاد التّتار] . توجّه الأمير حسين هذا إلى الملك الناصر محمد إلى الكرك، ثم توجه معه إلى الديار المصرية وصار مقرّبا عنده. وكان يجيد لعب الصيد والرّمى بالنّشّاب، فأنعم عليه الملك الناصر بتقدمة ألف بالديار المصرية، وأفرد له زاوية من الطيور الخاص، وجعله أمير شكار رفيقا للأمير الكوجرى، وصار له حرمة وافرة بالقاهرة. ووقع له أمور ذكرناها فى ترجمته فى «المنهل الصافى» مستوفاة. وطالت أيام الأمير حسين هذا فى السعادة. وعمر جامعه «5» قريبا من بستان العدّة والقنطرة «6» التى على الخليج بحكر «7» جوهر النّوبىّ ولمّا فرغ من عمارة الجامع المذكور أحضر إليه المشدّ والكاتب حساب المصروف فرمى به إلى الخليج، وقال: أنا خرجت عن هذا لله تعالى، فإن

خنتما فعليكما، وإن وفّيتما فلكما. وكان خفيف الرّوح دائم البشر لطيف العبارة، وكانت فى عبارته عجمة لكنة، كان إذا قال الحكاية أو النادرة يظهر لكلامه حلاوة فى القلب والسمع. وتوفّى الأمير سيف الدين بكتمر «1» بن عبد الله الحسامىّ الحاجب فى يوم الأربعاء حادى عشرين شهر ربيع الآخر «2» بداره «3» خارج باب النصر. وأنعم السلطان على ولده ناصر الدين محمد بإمرة عشرة وسنّه يومئذ ثلاث عشرة سنة. وفرّق الملك الناصر إقطاعه على جماعة، فكمل للأمير طرغاى «4» الجاشنكير تقدمة ألف، وأنعم على الأمير قوصون الناصرىّ بمنية «5» زفتة. وكان أصل بكتمر هذا من جملة مماليك الأمير حسام الدين طرنطاى نائب السلطنة للملك المنصور قلاوون، وكان أخذ من بلاد الروم سنة خمس وسبعين «6» وستمائة فيما أخذ «7» من مماليك السلطان غياث الدين كيخسرو

متملّك بلاد الروم عندما دخل الملك الظاهر بيبرس إلى مدينة قيسريّة «1» ، وقد تقدّم ذكر ذلك فى ترجمة «2» الظاهر. فصار بكتمر هذا إلى طرنطاى، وطرنطاى يوم ذاك مملوك الأمير سيف الدين قلاوون الألفىّ قبل سلطنته فربّاه وأعتقه. فلمّا قتل طرنطاى صار بكتمر هذا للأشرف خليل، فرتّبه فى جملة الأوجاقيّة فى الإسطبل السلطانىّ. ثم نقله [المنصور «3» لاچين] وجعله أمير آخور صغيرا، ثم أنعم عليه بإمرة عشرة بعد وفاة الفاخرىّ «4» . وما زال يترقّى حتّى ولى الوزارة، ثم الحجوبيّة بدمشق ثم نيابة غزّة ثم نيابة صفد ثم حجوبيّة الحجّاب بديار مصر إلى أن مات. وهو صاحب المدرسة والدار «5» خارج باب النصر من القاهرة. وخلّف أموالا كثيرة، وكان معروفا بالشّحّ وجمع المال. قلت: وعلى هذا كان غالب أولاده وذريّته ممّن أدركنا. قال الشيخ صلاح الدين الصّفدىّ فى تاريخه: «وكان له حرص عظيم على جمع المال إلى الغاية، وكان له الأملاك الكثيرة فى كلّ مدينة، وكان له قدور يطبخ فيها الحمّص والفول وغير ذلك من الأوانى تكرى، وكان بخيلا جدّا. حكى لى الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس قال: كنت عنده يوما وبين يديه صغير من أولاده وهو يبكى ويتعلّق فى رقبته ويبوس صدره، فلمّا طال ذلك من الصغير قلت له: ياخوند، ماله؟ قال: شيطان يريد قصب مصّ. فقلت: يا خوند اقض شهوته. فقال: يا بخشى «6»

سيّر إلى السّوق أربع فلوس هات له عودّا. فلمّا حضر العود القصب وجدوا الصغير قد نام ممّا تعنّى وتعب فى طلب القصب. فقال الأمير بكتمر: هذا قد نام، ردّوا العود وهاتوا الفلوس!» . انتهى كلام الصّفدىّ. قلت: ولأجل هذا كانت له تلك الأملاك الكثيرة والأموال الجمّة. وإلّا من هو بكتمر بالنسبة إلى غيره من الأتابكيّة ونوّاب البلاد الشاميّة وغيرهم من عظماء الأمراء! ولكن هذا من ذاك. انتهى. وتوفّى الشيخ الإمام جلال الدين أبو بكر عبد الله بن يوسف بن إسحاق بن يوسف الأنصارىّ الدّلاصىّ «1» إمام الجامع الأزهر بالقاهرة عن بضع وثمانين سنة. وكان يعتقد فيه الخير، وله شهرة بالدّين والصلاح. وتوفّى قاضى قضاة دمشق علاء الدين أبو الحسن علىّ بن إسماعيل بن يوسف القونوىّ الشافعىّ فى يوم السبت رابع عشر ذى القعدة. وكان عالما مصنّفا بارعا فى فنون من العلوم. وتوفّى الأمير عزّ الدين أيبك الخطيرىّ أمير آخور فى العشرين «2» من ذى القعدة. وتوفّى الأمير سيف الدين ساطلمش بن عبد الله الفاخرىّ فى ثالث ذى الحجّة، وأنعم بإقطاعه على الأمير كوجبا الساقىّ. وكان قديم هجرة فى الأمراء، وله وجاهة عند السلطان وغيره. وتوفى الأمير ناصر الدين نصر الطّواشى شيخ الخدّام بالحرم النبوىّ، ومقدّم المماليك السلطانية معا فى يوم الخميس عاشر شهر رجب. واستقرّ عوضه فى مشيخة الخدّام وتقدمة المماليك السلطانية الطّواشىّ عنبر السّحرتى. [ومات عزّ الدين «3» ] القيمرىّ.

وتوفّى الأمير علاء الدين علىّ بن الكافرى والى قوص. كان ولى عدّة أعمال، وكان من الظّلمة. وتوفّى الأمير علم الدين سنجر بن عبد الله الأيدمرىّ فى شهر ربيع الأول. وتوفّى الشيخ عزّ الدين أبو يعلى حمزة ابن المؤيّد أبى المعالى [أسعد «1» ] بن المظفّر بن أسعد بن حمزة القلانسىّ الشافعىّ بدمشق. وتوفّى الشيخ الإمام نجم «2» الدين أبو عبد الله محمد بن عقيل بن أبى الحسن بن عقيل البالسىّ الشافعىّ بمصر. كان إماما فقيها مدرّسا مصنّفا، شرح التنبيه فى الفقه. وتوفّى القاضى معين الدين هبة الله ابن علم الدين مسعود بن عبد الله «3» بن حشيش، صاحب ديوان الجيش بمصر، ثم ناظر جيش دمشق فى جمادى الآخرة. كان إماما فاضلا أديبا نحويّا كاتبا، وله فضائل، وتنقّل فى عدّة خدم. وتوفّى الأمير حسام الدين لاچين بن عبد الله الصغير بقلعة البيرة «4» . وتوفّى شرف الدين يعقوب بن عبد الكريم بن أبى المعالى الحلبىّ «5» بحماة. كان فاضلا كاتبا تنقّل فى عدّة خدم بالبلاد الشاميّة وغيرها، وتولّى كتابة السّرّ بحلب غير مرّة، وكان فيه رياسة وحشمة. «6» وفيه يقول الشيخ جمال الدين بن نباته: قالت العليا لمن حاولها ... سبق الصاحب واحتلّ ذارها فدعوا كسب المعالى إنّها ... حاجة فى نفس يعقوب قضاها

ما وقع من الحوادث سنة 730

وتوفّى الامير سيف الدين أغزلو «1» بن عبد الله الرّكنى منفيّا بقوص فى ربيع الآخر، وكان من أعيان الأمراء أصحاب بيبرس وسلّار. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وأصابع. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وخمس أصابع. والله أعلم. *** [ما وقع من الحوادث سنة 730] سنة إحدى وعشرين من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثالثة على مصر، وهى سنة ثلاثين وسبعمائة. فيها توفّى المسند المعمّر الرّحلة أحمد بن أبى طالب بن أبى النّعم بن نعمة بن الحسن بن علىّ المعروف بابن الشّحنة وبالحجّار الصالحىّ الدمشقىّ فى خامس عشرين صفر. ومولده سنة ثلاث وعشرين وستمائة. ومات وهو مسند الدنيا وتفرّد بالرواية عن ابن الزّبيدىّ «2» وابن اللّتّى «3» مدّة سنين لا يشاركه فيها أحد، وسمع الناس عليه صحيح البخارىّ أكثر من سبعين مرّة لعلوّ سنده. وقدم القاهرة مرتين، وحدّث بها ورحل إليه من الأقطار. وتوفّى الأمير سيف الدين بهادر آص المنصورىّ أحد أمراء الألوف بدمشق فى تاسع عشر صفر الخير، وأنعم بإقطاعه على الأمير سنجر البشمقدار «4» . وكان بهادر شجاعا مقداما فى الحرب، وتولّى نيابة صفد. وكان له أربعة أولاد منهم اثنان

أمراء، فكان يضرب على بابه ثلاث طبلخانات. وقد تقدّم ذكره فى أواخر ترجمة «1» المظفّر بيبرس الجاشنكير لمّا قدم مملوك الملك الناصر على الأفرم نائب الشام ونحوه. وتوفّى الأمير سيف الدين بلبان بن عبد الله الدّوادارى المهمندار بدمشق فى نصف جمادى الأولى، وكان من جملة أكابر أمراء دمشق. وتوفّى الأمير سيف الدين قلبرس «2» بن الأمير سيف الدين طيبرس الوزيرىّ بدمشق فى ليلة الجمعة ثامن ذى القعدة. وكان من جملة أمراء دمشق، وكان فيه مكارم وحشمة. وتوفّى الأمير عزّ الدين ألدمر «3» بن عبد الله أمير جاندار مقتولا بمكّة المشرّفة فى يوم الجمعة رابع عشر ذى الحجة. وسبب قتله أنه توجّه إلى الحج فى هذه السنة، فقتله بعض عبيد أمير مكّة محمد «4» بن عقبة بن إدريس بن قتادة الحسنىّ. وسببه أن بعض عبيد مكّة عبثوا على بعض حجّاج العراق وتخطّفوا أموالهم، فاستصرخ الناس به، وكان قد تأخّر عن الحاج مع أمير الركب لصلاة الجمعة بمكة، فنهض والخطيب على المنبر، فمنعهم من الفساد ومعه ولده، فتقدّم الولد فضرب بعض عبيد مكّة فضربه العبد بحربة فقتله. فلمّا رأى أبوه ذلك اشتدّ حنقه وحمل ليأخذ بثأر ابنه، فرمى الآخر بحربة فمات. وتفرّق الناس وركب بعضهم بعضا ونهبت الأسواق، وقتل خلق من الحجّاج وغيرهم. وصلّى بعض الناس والسيوف تعمل، وقتل مع ألدمر

مملوكه وأمير عشرة يعرف بابن التّاجى «1» . وتراجع الأمراء المصريون إلى مكّة لطلب بعض الثأر فلم ينتج أمرهم وعادوا فارّين. ثم أمر أمير المصريين بالرحيل، وعادوا إلى القاهرة وأخبروا الملك الناصر محمد بن قلاوون، فجهّز إلى مكة عسكرا كثيفا وعليه عدّة من الأمراء، فتوجّهوا وأخذوا بثأر ألدمر وابنه، وقتلوا جماعة كثيرة من العبيد وغيرهم وأسرفوا فى ذلك وخرجوا عن الحدّ إلى الغاية، وتشتّت أشراف مكة والعبيد عن أوطانهم وأخذت أموالهم، وحكمت الترك مكّة من تلك السنة إلى يومنا هذا، وزال منها سطوة أشراف مكّة الرافضة والعبيد إلى يومنا هذا. وانقمع أهلها وارتدعوا، وكرههم الملك الناصر ومقتهم وأقصاهم «2» ، حتى إنه لمّا حجّ بعد ذلك كان إذا أتاه صاحب مكّة لا يقوم له مع تواضع الملك الناصر للفقهاء والأشراف والصلحاء وغيرهم. وكان ألدمر المذكور معظّما عند الناصر وجيها فى دولته، وله الأملاك الكثيرة والأموال الجزيلة، وكان خيّرا ديّنا صالحا. وتوفّى القاضى الرئيس علاء الدين أبو الحسن علىّ ابن القاضى تاج الدين أحمد ابن سعيد بن محمد بن سعيد المعروف بابن الأثير كاتب سرّ مصر، فى يوم الأربعاء خامس عشر المحرم بعد ما تعطّل وأصابه مرض الفالج مدّة سنين. وكان ذا سعادات جليلة وحرمة وافرة وجاه عريض، يضرب به المثل فى الحشمة والرياسة. وتوفّى الأمير سيف الدين قدادار بن عبد الله والى القاهرة وصاحب القنطرة «3» على خليج «4» الناصرىّ خارج القاهرة فى سادس عشر صفر. وأنعم بإمرته على الأمير ما جار القبجاقىّ. وأصل قدادار هذا من مماليك الأمير برلغى «5» الأشرفىّ المقدّم ذكره،

وترقّى إلى أن ولى كشف الغربيّة وولاية البحيرة من أعمال الديار المصريّة، ثم ولاية القاهرة وتمكّن منها تمكّنا زائدا، وكان جريئا على الدنيا، ثم صرف عن ولاية القاهرة بناصر الدين محمد [بن «1» ] المحسنى، وأقام فى داره إلى أن خرج للحجّ ثم عاد وهو مريض، فلزم الفراش إلى أن مات فى التاريخ المذكور. وتوفّى الشيخ شمس الدين محمد [بن محمد «2» ] الرّومىّ شيخ خانقاه «3» بكتمر الساقى فى يوم الأحد ثالث عشرين «4» ذى الحجة، وولّى عوضه الشيخ زاده الدّوقاتى «5» . رحمه الله. وتوفى الوزير شمس الدين أبو القاسم محمد بن محمد بن سهل بن أحمد «6» بن سهل [الأزدىّ «7» ] الغرناطىّ الأندلسىّ بالقاهرة قافلا من الحجّ. وتوفّى الأمير سيف «8» الدين كجكن بن عبد الله الساقى الناصرىّ فى سادس صفر. وكان من خواصّ الملك الناصر محمد وأكبر مماليكه. وتوفّى الشيخ الإمام الأديب ناصر الدين شافع «9» بن علىّ بن عباس بن إسماعيل بن عساكر الكنانىّ «10» العسقلانىّ ثم المصرىّ سبط الشيخ محيى الدين بن عبد الظاهر.

ما وقع من الحوادث سنة 731

ومولده فى سنة تسع وأربعين وستمائة. وكان يباشر الإنشاء بمصر ودام على ذلك سنين إلى أن أصابه سهم فى نوبة «1» حمص الكبرى سنة ثمانين وستمائة فى صدغه فعمى منه، وبقى ملازم بيته إلى أن مات. وكان إماما أديبا فاضلا ناظما ناثرا جمّاعا للكتب، خلّف ثمانى عشرة «2» خزانة كتب نفائس أدبيّة وغيرها. ومن شعره بعد عماه: أضحى وجودى برغمى فى الورى عدما ... وليس لى فيهم ورد ولا صدر عدمت عينى ومالى فيهم أثر ... فهل وجود ولا عين ولا أثر وله أيضا: قال لى من رأى صباح مشيبى ... عن شمالى ولمّتى ويمينى أىّ شىء هذا فقلت مجيبا ... ليل شكّ محاه صبح يقين وله فى شبّابة «3» : سلبتنا شبّابة بهواها ... كلّ ما ينسب اللبيب إليه كيف لا والمحسّن القول فيها ... آخذ أمرها بكلتا يديه أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وإصبعان. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشر أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 731] سنة اثنتين وعشرين من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثالثة على مصر، وهى سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة.

فيها توفّى الأمير شهاب الدين صمغار «1» ابن الأمير شمس الدين «2» سنقر الأشقر فى ثالث عشر «3» المحرّم. وكان من جملة أمراء الطبلخانات بالديار المصرية، وأنعم الملك الناصر بإقطاعه على بهادر [بن أوليا «4» ] بن قرمان. وكان صمغار المذكور بطلا شجاعا يخافه الملك الناصر، وفرح بموته. وتوفّى الأمير علاء الدين «5» علىّ ابن الأمير قطلوبك الفخرىّ أحد أمراء العشرات فى سابع عشرين المحرّم، وأنعم بإقطاعه على الزّينى أمير حاجّ ابن الأمير طقزدمر الحموىّ. وتوفّى الأمير سيف الدين منكلى بغا السلاح دار فى يوم الأحد سادس «6» صفر ودفن خارج باب النصر من القاهرة. وكان أحد أمراء الألوف بالديار المصرية، وأنعم السلطان بإمرته على الأمير تمربغا السّعدىّ. وكان منكلى بغا المذكور كثير الأكل كثير النكاح، وله فيهما حكايات عجيبة مضحكة. وتوفّى قاضى القضاة بدمشق عزّ الدين أبو عبد الله محمد ابن تقىّ الدين سليمان ابن حمزة بن أحمد بن عمر ابن الشيخ أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة الحنبلىّ الدّمشقىّ بها فى يوم الأربعاء تاسع صفر. وكان ولى قضاء الحنابلة بدمشق بعد القاضى شرف الدين أبى محمد «7» عبد الله بن الحسن بن عبد الله بن عبد الغنىّ المقدسىّ إلى أن مات فى هذا التاريخ. وكان عالما فاضلا مشكور السّيرة.

وتوفّى الأمير قجليس بن عبد الله أمير سلاح فى يوم الثلاثاء خامس عشر صفر، وأنعم السلطان بإقطاعه وهو إمرة مائة على الأمير ساطلمش الجلالى. وكان قجليس المذكور من أعيان أمراء الديار المصرية وأماثلهم. قلت: ولم يكن» أمير سلاح» تلك الأيام فى رتبة أيّامنا هذه. وإنّما كان أمره أنه يحمل سلاح السلطان ويناوله إيّاه فى يوم الحرب وفى عيد النّحر، وكان يجلس حيث كانت منزلته، واستمرّ ذلك إلى أوائل سلطنة الملك الظاهر برقوق حسب ما يأتى ذكره إن شاء الله تعالى فى محلّه. وتوفّى الأمير سيف الدين طرجى «1» بن عبد الله الساقى أمير مجلس فى يوم الأربعاء سادس شهر ربيع الآخر. وكانت وظيفة أمير مجلس يوم ذاك أكبر من وظيفة أمير سلاح، وكان هو الذي يحكم على الجرايحية والحكماء وغيرهم. وتوفّى الشيخ المسند المعمّر بدر الدين أبو المحاسن يوسف بن عمر بن حسّان «2» ابن أبى بكر بن علىّ الحنفى فى يوم الثلاثاء خامس عشر صفر بالقاهرة، وهو آخر من حدّث عن سبط «3» السّلفىّ، وكان صار رحلة الناس فى ذلك. وتوفّى الأمير سيف الدين بيغجار «4» بن عبد الله الساقى أحد أمراء الطبلخاناه بديار مصر، وأنعم الملك الناصر بإقطاعه على الأمير عمر بن أرغون النائب. وتوفّى الأمير ناصر الدين محمد ابن الأمير حسام الدين طرنطاى المنصورىّ فى يوم الأربعاء ثامن شهر رجب، وهو أحد أمراء الألوف بالديار المصرية. وكان أميرا شجاعا كريما وجيها فى الدّول.

وتوفّى الأمير الكبير أرغون بن عبد الله الناصرىّ نائب السلطنة الشريفة ثم نائب حلب، وبها مات فى ليلة السبت ثامن عشر شهر ربيع الأوّل وقيل ربيع الآخر. وأصله من مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب الترجمة. اشتراه وربّاه وأدّبه وتبنّى به وأمره بملازمة الاشتغال، فاشتغل ودأب وبرع وكتب الخطّ المنسوب، وسمع صحيح البخارىّ بقراءة الشيخ أثير الدّين «1» أبى حيّان، وكتب بخطّه صحيح البخارىّ، وبرع فى الفقه وأصوله، وأذن له فى الإفتاء والتدريس. قال الشيخ صلاح الدين الصّفدىّ قال لى الشيخ فتح الدين بن سيد الناس، كان أرغون يعرف مذهب أبى حنيفة ودقائقه ويقصر فهمه فى الحساب إلى الغاية. قلت: كان قصور فهمه فى الحساب إذ ليس هو بصدده، ولو صرف همّته إلى ذلك لفهمه وعلمه على أحسن وجه. انتهى. ورقّاه أستاذه الملك الناصر لمّا رأى فيه مخايل النّجابة، وجعله دوادارا بعد الأمير بيبرس الدّوادار، ثمّ ولّاه نيابة السلطنة بديار مصر وجعل أمورها كلّها إليه. فدام فى نيابة السلطنة نحو ست عشرة سنة، ثم أخرجه لنيابة حلب. وقد ذكرنا «2» سبب إخراجه لحلب فى أصل هذه الترجمة. وتولى نيابة حلب بعد عزل الأمير ألطنبغا الصالحىّ، فباشر نيابتها نحو أربع سنين. وهو الذي أمر بحفر نهر الساجور، وأجراه إلى حلب فى سنة إحدى وثلاثين. وكان ليوم وصوله يوم مشهود. وفى هذا المعنى يقول الرئيس شرف الدين أبو عبد الله الحسين [بن سليمان «3» ] بن ريّان «4» رحمه الله:

لمّا أتى نهر الساجور قلت له ... ماذا التأخّر من حين إلى حين فقال أخّرنى ربّى ليجعلنى ... من بعض معروف سيف الدّين أرغون وقال الشيخ بدر الدين الحسن [بن عمر بن «1» الحسن] بن حبيب فى المعنى أيضا: قد أصبحت الشّهباء تثنى على ... أرغون فى صبح وديجور من نهر الساجور أجرى بها ... للناس بحرا غير مسجور وقد استوعبنا أمر أرغون هذا فى المنهل الصانى أكثر من هذا، إذ هو محلّ الإطناب فى التراجم. وتوفّى تاج الدين إسحاق [بن عبد الكريم «2» ] ، وكان أوّلا يدعى عبد الوهاب، ناظر الخاصّ الشريف فى يوم الاثنين مستهلّ جمادى الآخرة. وكان أصله من أقباط مصر يخدم فى الدواوين، ثم صار ناظر الدولة، ثم باشر نظر الخاصّ بعد كريم الدين الكبير، فباشر بسكون وحشمة وانجماع «3» عن الناس مع حسن سياسة إلى أن مات. وتولّى الخاصّ بعده ابنه شمس الدين موسى الذي وقع له مع النّشو ما وقع من العقوبات والمصادرات، ومدّ الله فى عمره إلى أن رأى نكبة النّشو وقتله، على ما سيأتى ذكره إن شاء الله تعالى فى محله من هذا الكتاب على سبيل الاختصار. وقد استوعبنا أمر موسى المذكور فى المنهل الصافى بما فيه عجائب وغرائب، فلينظر هناك. وتوفّى التاجر تاج الدين أبو بكر بن معين الدين محمد بن الدّمامينىّ رئيس تجار الكارم «4» فى ثالث عشرين جمادى الآخرة، وقد قارب ثمانين سنة، وترك مائة ألف دينار عينا.

قلت: ولعله يكون والد الدمامينيّة الشاعر والقاضى وغيرهما الآتى ذكرهما. وتوفّى ملك الغرب صاحب فاس [ومرّاكش «1» ] أبو سعيد عثمان بن يعقوب ابن عبد الحق فى ذى الحجة «2» ، وقام من بعده ابنه السلطان أبو الحسن علىّ. وكانت مدّة عثمان هذا على فاس وغيرها من بلاد الغرب إحدى «3» وعشرين سنة. وتوفّى الشيخ المسند شرف الدين أبو الحسين أحمد بن فخر الدين عبد المحسن ابن الرّفعة بن أبى المجد العدوىّ. وأبوه عبد المحسن إليه ينسب جامع «4» ابن الرّفعة بين مصر والقاهرة. وتوفّى الشيخ الإمام العلّامة فخر الدين أبو عمرو عثمان بن إبراهيم بن مصطفى بن سليمان الماردينىّ الحنفى الشهير بالتّركمانىّ فى ليلة السبت حادى عشر رجب. وكان إماما عالما بارعا مفتنّا، تصدّر للإفتاء والتدريس سنين عديدة. وكان معظّما عند الملوك، درّس بالمنصورية «5» من القاهرة، وشرح «6» الجامع الكبير، وسمع الكثير، وكان مقدّما على أقرانه فصيح العبارة عالما باللغة والعربية، والمعانى والبيان، شيخ

ما وقع من الحوادث سنة 732

السادة الحنفية فى زمانه. وهو والد قاضى القضاة علاء الدين «1» ، والعلّامة تاج الدين «2» أحمد، وجدّ جمال الدين «3» عبد الله بن علىّ، وعبد العزيز «4» بن علىّ. وتخرّج عليه حلائق كثيرة وانتفع به الناس. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وأصابع. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا واثنتان وعشرون إصبعا. والله أعلم. *** [ما وقع من الحوادث سنة 732] السنة الثالثة والعشرون من ولاية الناصر محمد بن قلاوون الثالثة على مصر، وهى سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة. فيها توفّى الأمير «5» الوزير علاء الدين مغلطاى بن عبد الله الجمالىّ. كان يلقّب بخرز «6» ، عند نزوله من العقبة «7» عائدا إلى الديار المصرية فى يوم الأحد سابع عشر المحرّم، فحمل ميّتا إلى القاهرة؛ ودفن بخانقاته «8» فى يوم الخميس حادى عشرين المحرّم. وكان أصله من مماليك الناصر محمد بن قلاوون صاحب الترجمة، وكان من خواصه وخاصّكيّته، ثم أنعم عليه بإمرة، ثم نقله على إمرة بهادر الإبراهيمى دفعة واحدة وندبه لمهمّاته، ثم ولّاه أستادارا فعظم أمره، ثم نقله إلى الوزارة وحكّمه فى جميع

المملكة، فحسنت سيرته وساس الناس وأبطل مظالم. وكان جوادا عاقلا عارفا حشما يميل لفعل الخير، انتفع به جماعة كثيرة فى ولايته؛ لأنه كان يأخذ على ولاية المباشرات المال على أيديهم، فقصدهم الناس لذلك. وكان شأنه إذا ولّى أحدا وجاء من يزيد عليه عزله وولّى من زاد بعد أن يعلم أن المعزول قد استوفى ما قام به، ومن لم يستوف ذلك لم يعزله. ولم يصادر أحدا فى مدّة ولايته، وهذا من العجب! ولا ظلم أحدا، بل كانت أيامه مشكورة. وكان المستولى عليه مجد الدين «1» إبراهيم بن لفيتة «2» . وخلّف الأمير مغلطاى المذكور عدّة أولاد من زوجته بنت الأمير أسندمر كرجى نائب طرابلس. وإليه تنسب المدرسة الجماليّة «3» بالقرب من درب ملوخيّا داخل القاهرة بالقرب من داره «4» . وتوفى الملك المؤيّد عماد الدين أبو الفداء إسماعيل صاحب حماة ابن الملك الأفضل علىّ ابن الملك المظفّر «5» محمود ابن الملك المنصور محمد ابن الملك المنصور عمر ابن شاهنشاه بن أيّوب الأيّوبى فى ثالث «6» عشرين المحرّم. وتولّى حماة بعده ابنه الملك الأفضل، وقد تقدّم «7» ذكر قدومه على الملك الناصر وولايته لحماة بعد وفاة أبيه المؤيّد هذا. انتهى. وكان مولد الملك المؤيّد فى جمادى الأولى سنة اثنتين وسبعين وستمائة، وحفظ القرآن العزيز وعدّة كتب، وبرع فى الفقه والأصول والعربية

والتاريخ والأدب والطّبّ والتفسير والميقات والمنطق والفلسفة مع الاعتقاد الصحيح. وكان جامعا للفضائل، وصار من جملة أمراء دمشق، إلى أن خدم الملك الناصر محمدا عند خروجه من الكرك فى سلطنته الثالثة. فلما تمّ أمره أنعم عليه بسلطنة حماة بعد الأمير أسندمر كرجى- وقد تقدّم ذلك كله فى صدر ترجمة الملك الناصر- وجعله صاحب حماة وسلطانها. وقدم على الناصر القاهرة غير مرّة وحجّ معه وحظى عنده إلى الغاية، حتى إنّ الملك الناصر رسم إلى نوّاب البلاد الشامية بأن يكتبوا له:» يقبّل الأرض» . فصار تنكز مع جلالة قدره يكتب له:» يقبّل الأرض» ، و» بالمقام الشريف العالى المولوىّ السلطانىّ العمادىّ الملكىّ المؤيّدىّ» . وفى العنوان:» صاحب حماة» . ويكتب السلطان الملك الناصر له:» أخوه محمد بن قلاوون، أعزّ الله أنصار المقام الشريف العالى السلطانىّ الملكىّ المؤيّدىّ العمادىّ» بلا مولوىّ. وكان الملك المؤيّد مع هذه الفضائل عاقلا متواضعا جوادا. وكان للشعراء به سوق نافق، وهو ممدوح الشيخ جمال الدين «1» بن نباتة، مدحه بغرر القصائد ثم رثاه بعد موته. ومن جملة مدائحه له: أقسمت «2» ما الملك المؤيّد فى الورى ... إلّا الحقيقة والكرام مجاز هو كعبة «3» للفضل ما بين النّدى ... منها وبين الطالبين حجاز ولما مات رثاه بالقصيدة المشهورة التى أوّلها: ما للنّدى ما يلبّى صوت داعيه ... أظنّ أنّ ابن شاد قام ناعيه ما للرّجاء قد اشتدّت مذاهبه ... ما للزمان قد اسودّت نواحيه

مالى أرى الملك قد فضّت مواقفه ... مالى أرى الوفد قد فاضت مآقيه نعى المؤيّد ناعيه فوا أسفا ... للغيث كيف غدت عنّا غواديه وا روعتا لصباح من رزيّته «1» ... أظنّ أنّ صباح الحشر ثانيه وا حسرتاه لنظمى فى مدائحه ... كيف استحال «2» لنظمى فى مراثيه أبكيه بالدّرّ من دمعى «3» ومن كلمى ... والبحر أحسن ما بالدّرّ أبكيه أروى بدمعى ثرى ملك له شيم ... قد كان يذكرها الصّادى فترويه أذيل ماء جفونى بعده أسفا ... لماء وجهى الذي قد كان يحميه جار من الدّمع لا ينفكّ يطلقه ... من كان يطلق بالإنعام جاديه «4» ومهجة كلّما فاهت بلوعتها ... قالت رزيّة مولاها لها إيه ليت المؤيد لا زادت «5» عوارفه ... فزاد قلبى المعنّى من تلظّيه [ليت الحمام «6» حبا الأيام موهبة ... فكان يفنى بنى الدنيا ويبقيه] . ليت الأصاغر يفدى الأكبرون بها ... فكانت الشّهب فى الآفاق تفديه والقصيدة أطول من هذا، تزيد على خمسين بيتا. وله فيه غير ذلك. وقد «7» تقدّم من ذكره فى المنهل الصافى أشياء أخر لم نذكرها هنا، فلتنظر هناك. ومن شعر الملك المؤيّد فى مليح اسمه حمزة: اسم الذي أنا أهواه وأعشقه ... ومن أعوّذ قلبى من تجنّيه تصحيفه فى فؤادى لم يزل أبدا ... وفوق وجنته أيضا وفى فيه

وتوفّى الشيخ الصالح المعتقد ياقوت بن عبد الله الحبشىّ الشاذلىّ تلميذ الشيخ العارف بالله تعالى أبى العباس «1» المرسى فى ليلة الثامن عشر من جمادى الآخرة بثغر الإسكندرية وبها دفن. وكان شيخا صالحا مباركا ذا هيبة ووقار وسمت وصلاح، وله أحوال وكرامات. وقبره «2» بالإسكندرية يقصد للزيارة. وتوفّى الشيخ الصالح عبد العال خليفة الشيخ أحمد البدوىّ وخادمه بقرية طنتتا «3» بالغربية من أعمال القاهرة فى ذى الحجة. فكان له شهرة بالصلاح، ويقصد للزيارة والتبرك به؛ ودفن بالقرب من الشيخ «4» أحمد البدوىّ، الجميع فى موضع واحد، غير أن كلّ مدفن فى محلّ واحد على حدته. وخلفاء مقام الشيخ أحمد البدوىّ من ذريّة أخيه، لم يبلغنا من كراماته شىء. وتوفّى القاضى الرئيس فخر الدين محمد بن فضل الله ناظر الجيوش المنصورة بالديار المصرية فى يوم الأحد سادس عشر شهر رجب. قال الشيخ صلاح الدين: كان متأهّلا عمره لما كان نصرانيّا، لما أسلم حكى الشيخ فتح الدين بن سيد الناس عن خاله القاضى شرف الدين بن زنبور قال: [هذا «5» ] ابن أختى، عمره متعبّدا، لأننا لما كنا نجتمع على الشّراب فى ذلك الدّين يتركنا وينصرف، فنتفقّده

إذا طالت غيبته فنجده واقفا يصلّى. ولما ألزموه بالإسلام همّ بقتل نفسه بالسيف وتغيّب أيّاما. ثم أسلم وحسن إسلامه إلى الغاية، ولم يقرب نصرانيّا بعد ذلك ولا آواه ولا اجتمع به، وحجّ غير مرّة، وزار القدس غير مرّة. وقيل إنه فى آخر عمره كان يتصدّق فى كلّ شهر بثلاثة آلاف درهم. وبنى مساجد كثيرة بالقاهرة، وعمر أحواضا كثيرة فى الطّرقات، وبنى بنابلس مدرسة وبالرملة بيمارستانا. قال: وأخبرنى القاضى شهاب الدين بن فضل الله أنه كان حنفىّ المذهب، ثم قال: وكان فيه عصبيّة شديدة لأصحابه، وانتفع به خلق كثير فى الدولة الناصرية لوجاهته عند أستاذه وإقدامه عليه. قال الصلاح: أمّا أنا فسمعت السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون يقول يوما فى خانقاة سرياقوس لجندى واقف بين يديه يطلب إقطاعا: لا تطوّل، والله لو أنك ابن قلاوون ما أعطاك القاضى فخر الدين خبزا يعمل أكثر من ثلاثة آلاف درهم. وقد ذكرنا من أحواله أكثر من هذا فى المنهل الصافى. وتوفّى الأمير سيف الدين سوتاى «1» صاحب ديار بكر بالموصل فى هذه السنه. وكان ملكا جليلا ذا رياسة ووقار، وعمّر طويلا، وكان من أجلّ ملوك ديار بكر. وتوفّى شيخ القرّاء فى زمانه برهان الدين إبراهيم بن عمر بن إبراهيم الربعى الجعبرىّ فى شهر رمضان. وكان من أعيان القرّاء فى زمانه. وتوفى شيخ القراءات أيضا صدر الدين أحمد بن محمد بن عبد الله الدندرىّ «2» الشافعىّ فى جمادى الآخرة.

وتوفّى الأمير سيف الدين ألجاى بن عبد الله النّاصرى الدّوادار. كان من مماليك الملك الناصر محمد وجعله دوادارا صغيرا جنديّا مع الأمير أرسلان «1» الدّوادار، فلما توفّى أرسلان استقلّ ألجاى المذكور بالدّواداريّة الكبرى عوضه على إمرة عشرة مدّة سنين، ثم أعطاه إمرة طبلخاناه. قال الإمام خليل بن أيبك فى تاريخه: وأمّا اسمه فى العلامة فما كتب «2» أحد أحسن منه. وكان خبيرا عارفا عفيفا خيّرا طويل الروح. وكان يحبّ الفضلاء ويميل إليهم ويقضى حوائجهم وينامون عنده ويبحثون ويسمع كلامهم، ويتعاطى معرفة علوم كثيرة. ومع هذا كان لا بدّ فى خطّه أن يؤنّث المذكّر. وعمر له دارا «3» على الشارع خارج بابى زويلة، غرم على بوّابها مائة ألف درهم، فلم تستكمل حتّى مرض ونزل إليها من القلعة مريضا، فأقام بها إلى أن مات. وولى الدّواداريّة من بعده الأمير صلاح الدين يوسف. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وست أصابع. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وإحدى عشرة إصبعا. والله أعلم.

ما وقع من الحوادث سنة 733

*** [ما وقع من الحوادث سنة 733] سنة اربع وعشرين من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثالثة على مصر، وهى سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة. فيها توفى القاضى قطب الدين موسى بن أحمد بن الحسين ناظر جيش دمشق ورئيسها، المعروف بابن شيخ السّلّاميّة «1» عن اثنتين وسبعين «2» سنة، وكان نبيلا فاضلا وفور الحرمة. وتوفّى القاضى القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الحموىّ الشافعى فى حادى «3» عشر جمادى الأولى وهو معزول بعد ما عمى. مولده بحماة فى سنة تسع وثلاثين وستمائة، وهو والد قاضى قضاة الديار المصريّة عزّ الدين عبد العزيز بن جماعة. وكان إماما عالما مصنّفا، أخذ النحو عن ابن مالك «4» ، وأفتى قديما، وعرضت فتواه على الشيخ محيى «5» الدين النّووىّ فاستحسن ما أجاب به. وتولّى قضاء القدس والخطابة بها. ثم نقل إلى مصر فولّى قضاءها بعد عزل تقىّ الدين ابن بنت «6» الأعزّ فى أوائل سنة تسعين وستمائة. ثم وقع له أمور حكيناها فى ترجمته فى تاريخنا «المنهل الصافى» . ومن شعره: ارض من الله ما يقدّره ... أراد منك المقام أو نقلك وحيثما كنت ذا رفاهية ... فاسكن فخير البلاد ما حملك

وتمّم هذه الأبيات الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر، فقال رحمه الله: وحسّن الخلق واستقم فمتى ... أسأت أحسن ولا تطل أملك من يتّق الله يؤته فرجا ... ومن عصاه ولا يتوب هلك قلت: والبيت الثانى من قول ابن جماعة مأخوذ من قول المتنبّى، ولكن فاته الشّنب، وهو: وكلّ امرئ يبدى «1» الجميل محبّب ... وكلّ مكان ينبت العزّ طيّب وتوفّى الشيخ الإمام المؤرّخ الفقيه شهاب الدين أبو العبّاس «2» أحمد بن عبد الوهّاب ابن أحمد بن عبد الوهاب بن عبادة البكرىّ النّويرىّ «3» الشافعىّ، صاحب التاريخ المعروف «بتاريخ النّويرى» فى يوم الحادى والعشرين من شهر رمضان. كان فقيها فاضلا مؤرّخا بارعا، وله مشاركة جيّدة فى علوم كثيرة وكتب الخطّ المنسوب. قيل إنه كتب صحيح البخارى ثمانى مرّات، وكان يبيع كلّ نسخة من البخارى بخطّه بألف درهم، وكان يكتب فى كل يوم ثلاث كراريس، وتاريخه سمّاه: «منتهى «4» الأرب، فى علم الأدب» فى ثلاثين مجلدا. رأيته وانتقيته ونقلت منه بعض شىء فى هذا التاريخ وغيره. ومات وهو من أبناء الخمسين. رحمه الله.

وتوفّى الأمير سيف الدين بكتمر «1» بن عبد الله الرّكنىّ الساقى الناصرىّ بعد ابنه أحمد بثلاثة أيام فى عاشر «2» المحرّم وحمل «3» إلى نخل «4» فدفن بها، واتّهم الملك الناصر أنّه اغتالهما بالسمّ. وقد تقدّم ذكر ذلك كله مفصلا فى ترجمة «5» الملك الناصر، غير أنّنا نذكره هنا تنبيها على ما تقدّم ذكره. كان أصل بكتمر من مماليك الملك المظفر بيبرس الجاشنكير، ثم انتقل إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون، لعلّه بالخدم، فإنّ أستاذه المظفر بيبرس كان أمّره عشرة فى أواخر دولته، ولولا [أنه] أعتقه ما أمّره، فعلى هذا يكون عتيق المظفّر. والله أعلم. ويقوّى ما قلته ما سنذكره، وهو أن بكتمر هذا حظى عند الملك الناصر لجمال صورته وجعله ساقيا. وكان غريبا فى بيت السلطان: لأنه لم يكن له خشدش، فكان هو وحده، وسائر لخاصكيّة حربا عليه. وعظمت مكانته عند السلطان حتى تجاوزت الحدّ. قال الصلاح الصّفدىّ: كان يقال: إنّ السلطان وبكتمر لا يفترقان، إما أن يكون بكتمر عند السلطان، وإما أن يكون السلطان عند بكتمر. انتهى كلام الصّفدىّ باختصار.

ما وقع من الحوادث سنة 734

قلت: ووقع لبكتمر هذا من العظمة والقرب من السلطان ما لم يقع لغيره من أبناء جنسه. وقد استوعبنا أمره فى «المنهل الصافى» مستوفى، حيث هو كتاب تراجم الأعيان، وليس لذكره هنا إلا الاختصار؛ إذ هذا الكتاب موضوع للإطناب فى تراجم ملوك مصر لا غير، ومهما كان غير ذلك يكون على سبيل الاستطراد والضميمة لحوادث الملك المذكور لا غير، فيكون الاختصار فيما عدا ملوك مصر أرشق، وإلا يطل الشرح فى ذلك حتى تزيد عدّة هذا الكتاب على مائة مجلّد وأكثر. وقد سقنا أيضا من ذكر بكتمر فى أصل ترجمة الملك الناصر قطعة جيّدة فيها كفاية فى هذا الكتاب، فلتنظر هناك. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وثمانى أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وست عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 734] سنة خمس وعشرين من ولاية الملك الناصر الثالثة على مصر، وهى سنة أربع وثلاثين وسبعمائة. فيها توفّى الأمير سيف الدين ألماس «1» بن عبد الله الناصرىّ حاجب الحجّاب بالديار المصريّة فى محبسه خنقا فى ليلة ثانى عشر صفر، وحمل من الغد حتّى دفن بجامعه» بالشارع خارج بابى زويلة. وكان من مماليك الناصر محمد، اشتراه ورقّاه وأمّره وجعله جاشنكيره، ثم ولّاه الحجوبيّة، فصار فى محلّ النيابة لشغور منصب النيابة فى أيامه، فكان أكابر الأمراء يركبون فى خدمته ويجلس فى باب القلعة

وتقف الحجّاب فى خدمته، ولا زال مقرّبا عند السلطان حتّى قبض عليه لأمور بلغته عنه: منها، أنه كان اتّفق مع بكتمر الساقى على قتل السلطان، ومنها محبّته لصبىّ من أولاد الحسينيّة وتهتّكه بسببه، وغير ذلك. ولمّا حبسه السلطان منعه الطعام والشراب ثلاثة أيام ثم خنقه. وقد تقدّم من ذكره فى أصل ترجمة الملك الناصر بعد عوده من الحجاز نبذة أخرى يعرف منها أحواله. وكان ألماس غتميّا لا يعرف بالعربيّة شيئا. وكان كريما ويتباخل خوفا من الملك الناصر. ولمّا مات وجد له أشياء كثيرة. وتوفّى الأمير علم الدين «1» سليمان بن مهنّا بن عيسى ملك العرب وأمير آل فضل فى خامس عشرين ربيع الأوّل، وتولّى الإمرة بعده سيف بن فضل [بن عيسى ابن مهنا «2» ] . وتوفّى السلطان الملك الظاهر أسد الدّين عبد الله ابن الملك المنصور نجم الدين أيّوب ابن الملك المظفّر يوسف بن عمر [بن علىّ «3» ] بن رسول متملّك اليمن، بعد ما قبض عليه الملك المجاهد «4» بقلعة دملوه «5» ، وصار الظاهر هذا يركب فى خدمة المجاهد، ثم سجنه المجاهد مدّة شهرين وخنقه بقلعة تعزّ «6» . وتوفّى قاضى حماة نجم الدين عمر بن محمد بن عمر بن أحمد بن هبة الله بن محمد ابن هبة الله بن أحمد المعروف بابن العديم الحلبى الأصل الحنفىّ عن خمس وأربعين سنة، وهو من بيت علم ورياسة وفضل.

وتوفّى الأمير طغاى تمر بن عبد الله [العمرىّ «1» ] الناصرىّ أحد مماليك الملك الناصر وزوج ابنته فى ليلة الثلاثاء ثامن عشرين شهر ربيع الأوّل. وكان من أجلّ مماليك الناصر وأمرائه وأحد خواصه. وتوفّى الأمير سوسون «2» بن عبد الله الناصرىّ أحد مقدّمى الألوف بديار مصر وأخو الأمير قوصون فى ليلة الجمعة رابع عشر جمادى الأولى. وتوفّى الشيخ الإمام العالم الحافظ ذو الفنون فتح الدين أبو الفتح محمد بن محمد ابن محمد [بن أحمد «3» ] بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن سيد الناس اليعمرىّ الإشبيلىّ فى شعبان. كان إماما حافظا مصنّفا، صنّف السّيرة النبويّة وسمّاه «كتاب عيون الأثر «4» ، فى فنون المغازى والشمائل والسّير» ، ومختصر ذلك سمّاه «نور العيون» «5» ، وكتاب «تحصيل الإصابة، فى تفضيل الصحابة» و «النّفح «6» الشّذى، فى شرح جامع التّرمذى» وكتاب «بشرى اللّبيب، بذكرى الحبيب» . وكان له نظم ونثر علامة فيهما حافظا متقنا. ومن شعره قصيدته التى أوّلها: عهدى به والبين ليس يروعه ... صبّا براه نحوله ودموعه لا تطلبوا فى الحبّ ثأر متيّم ... فالموت من شرع الغرام شروعه عن ساكن الوادى- سقته مدامعى- ... حدّث حديثا طاب لى مسموعه

أفدى الذي عنت البدور لوجهه ... إذ حلّ معنى الحسن فيه جميعه البدر من كلف به كلف «1» به ... والغصن من عطف عليه خضوعه لله «2» حلوىّ المراشف واللّمى ... حلو الحديث ظريفه مطبوعه دارت رحيق لحاظه «3» فلنا بها ... سكر يحلّ عن المدام صنيعه يجنى فأضمر عتبه فإذا بدا ... فجماله ممّا جناه شفيعه وتوفّى الأمير قرطاى «4» بن عبد الله الأشرفىّ نائب طرابلس، وقد جاوز ستين سنة فى ثامن عشرين صفر، وكان مطّبا عند الملك، أمّره وولّاه نيابة طرابلس إلى أن مات بها. وتوفّى الأمير سيف الدين بلبان بن عبد الله المعروف بطرنا «5» نائب صفد فى حادى عشرين ربيع الأوّل. وكان أميرا شجاعا مقداما. وتوفّى قاضى القضاة جمال الدين أبو الربيع سليمان ابن الخطيب مجد الدين عمر ابن عثمان الأذرعى الشافعى المعروف بالزّرعىّ، فى سادس صفر بالقاهرة وهو قاضى العسكر بها. وكان فقيها عالما. وتوفّى الأمير سيف الدين خاص «6» ترك بن عبد الله الناصرىّ أحد مقدّمى الألوف بالديار المصريّة فى شهر رجب بدمشق، وكان من خواصّ مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون.

ما وقع من الحوادث سنة 735

وتوفّى الشيخ مجد الدين حرمى بن قاسم «1» بن يوسف العامرىّ الفاقوسىّ «2» الفقيه الشافعىّ فى ذى الحجّة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ذراعان وثمانى أصابع. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا واثنتان وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 735] السنة السادسة والعشرون من ولاية الملك الناصر الثالثة على مصر وهى سنة خمس وثلاثين وسبعمائة. فيها توفّى الأمير علم الدين سنجر بن عبد الله الخازن والى القاهرة وهو معزول فى يوم السبت ثامن جمادى الآخرة عن نحو تسعين سنة. وأصله من مماليك الملك المنصور قلاوون وترقّى حتى صار خازنا ثم شادّ الدواوين، ثم ولى الكشف بالبهنسا «3» بالوجه القبلى، ثمّ ولى القاهرة وشدّ الجهات وأقام عدّة سنين. وكان حسن السّيرة، وإليه ينسب حكر «4» الخازن خارج القاهرة

على بركة الفيل، وتربته «1» بالقرب من قبة الإمام الشافعىّ بالقرافة. وتوفّى الأمير صلاح الدين طرخان «2» ابن الأمير بدر الدين بيسرى بسجنه بالإسكندرية فى جمادى الأولى بعد ما أقام بالسجن أربع عشرة سنة. وتوفّى الشيخ الإمام الحافظ المؤرخ قطب الدين أبو علىّ عبد الكريم بن عبد النّور ابن منير الحلبىّ ثم المصرىّ الحنفىّ. ومولده فى سنة أربع وستين وستمائة. وكان بارعا فى فنون صاحب مصنفات، منها «شرحه لشطر صحيح البخارى» ، و «تاريخ مصر» فى عدّة مجلدات، بيّض أوائله ولم اقف عليه إلى الآن، وخرّج لنفسه أربعين تساعيّات. وهو ابن أخت الشيخ نصر «3» المنبجىّ، وبخاله كان يعرف وانتفع بصحبته.

وتوفّى الشيخ الإمام المجوّد العلّامة محمد بن بكتوت الظاهرىّ القلندرىّ «1» الحنفىّ بطرابلس فى خامس عشر ربيع الأوّل، وكان كاتبا مجوّدا. ذكر أنّه كتب على ابن الوحيد «2» . وكان يضع المحبرة على يده اليسرى والمجلّدة فى يده «3» من كتاب الكشّاف للزّمخشرىّ ويكتب منه ما شاء وهو يغنّى «4» فلا يغلط. وكان أوّلا خصيصا عند الملك المؤيّد صاحب حمّاة، وأقام عنده مدّة ثم طرده عنه. وتوفّى الشيخ الواعظ شمس الدين الحسين «5» بن أسد بن المبارك بن الأثير بمصر فى جمادى «6» الآخرة. وكان فقيها يعظ الناس وعليه قابليّة. وتوفى القاضى زين الدّين عبد الكافى ابن ضياء الدين علىّ بن تمّام الأنصارىّ الخزرجىّ السّبكىّ «7» بالمحلّة «8» وهو على قضائها. وكان فقيها بارعا.

وتوفّى الشّيخ بهاء الدين محمود ابن الخطيب محيى الدين محمد بن عبد الرحيم بن عبد الوهّاب بن علىّ بن أحمد بن عقيل السّلمىّ «1» شيخ الكتّاب فى زمانه، المعروف بابن خطيب بعلبكّ بدمشق فى شهر ربيع الأوّل. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم لم يحرر. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وإحدى وعشرون إصبعا. والله تعالى أعلم.

ما وقع من الحوادث سنة 736

*** [ما وقع من الحوادث سنة 736] السنة السابعة والعشرون من ولاية الملك الناصر محمد الثالثة على مصر، وهى سنة ست وثلاثين وسبعمائة. فيها توفّى القان «1» بو سعيد «2» بن القان محمد خربندا بن القان أرغون بن القان أبغا بن القان الطاغية هولاكو ملك التّتار وصاحب العراق والجزيرة وأذربيجان «3» وخراسان والروم وأطراف ممالك ما وراء النهر فى شهر ربيع الآخر، وقد أناف على ثلاثين سنة. وكانت دولته عشرين سنة، لأنّ جلوسه على تخت الملك كان فى أوّل جمادى «4» الأولى سنة سبع عشرة وسبعمائة بمدينة السلطانية «5» ، وعمره إحدى عشرة سنة. وبو سعيد اسم غير كنية (بضم الباء ثانية الحروف وسكون الواو) . وسعيد معروف لا حاجة لتعريفه، ومن الناس من يقول بو صعيد (بالصاد المهملة) . وكان بو سعيد المذكور ملكا جليلا مهابا كريما عاقلا، ولديه فضيلة، ويكتب الخط المنسوب، ويجيد ضرب العود والموسيقى، وصنّف فى ذلك قطعا جيّدة فى أنغام غريبة من مذاهب النّغم. وكان مشكور السّيرة، أبطل فى سلطنته عدّة مكوس، وأراق الخمور من بلاده ومنع الناس من شربها، وهدم الكنائس، وورّث ذوى الأرحام؛ فإنه كان حنفيّا، وهو آخر ملوك التتار من بنى چنكزخان، ولم يقم للتتار بعد موته قائمة إلى يومنا هذا.

وتوفّى الأمير جمال الدين آقوش بن عبد الله الأشرفىّ المعروف بنائب الكرك محبوسا بثغر الإسكندرية فى يوم الأحد سابع جمادى الأولى. وأصله من مماليك الملك المنصور قلاوون، وأضافه قلاوون إلى ولده الأشرف خليل وجعله أستاداره فعرف بالأشرفىّ، واستمر بخدمة الملك الأشرف إلى أن تسلطن، أمّره ثم ولّاه نيابة الكرك. وقيل: إنه ما ولّى نيابة الكرك إلا فى سلطنة الملك الناصر الثانية، وهو الأقوى. وقد مرّ من ذكر آقوش هذا أشياء كثيرة فى ترجمة المظفّر بيبرس، وعند قدوم الملك الناصر إلى الكرك لمّا خلع نفسه وغير ذلك. وكان آقوش أميرا جليلا معظّما، وكان يقوم له الملك الناصر لمّا يدخل عليه وهو جالس على تخت الملك أمام الخدم. وطالت أيامه فى السعادة، وله مآثر كثيرة. وهو صاحب الجامع «1» الذي بآخر الحسينيّة بالقرب من كوم «2» الرّيش، وهو إلى الآن عامر وما حوله خراب. وتوفّى الأمير «3» أيتمش بن عبد الله المحمدىّ نائب صفد فى ليلة الجمعة سادس «4» عشرين ذى الحجة. وكان من مماليك الملك الناصر محمد ومن خواصه، وهو أحد من كان يندبه الناصر وهو بالكرك لمهماته؛ ولمّا تسلطن أمّره ثم ولّاه نيابة صفد وغيرها إلى أن مات. وكان أميرا عارفا كاتبا فاضلا عاقلا مدبّرا متواضعا كريما. وتوفّى الأمير سيف الدين إيناق «5» بن عبد الله الناصرىّ أحد مقدّمى الألوف فى ثامن عشرين شعبان «6» ، وكان أيضا من خواصّ الملك الناصر محمد بن قلاوون ومن أكابر مماليكه.

وتوفّى شيخ الكتّاب عماد الدين محمد بن العفيف محمد بن الحسن «1» الأنصارىّ الشافعىّ المعروف بابن العفيف، صاحب الخط المنسوب. كتب عدّة مصاحف بخطه. وكان إماما فى معرفة الخط، وعنده فضائل، وله نظم ونثر وخطب، تصدّى للكتابة مدّة طويلة، وانتفع به عامة الناس. وكان صالحا ديّنا خيّرا فقيها حسن الأخلاق. مات بالقاهرة ودفن بالقرافة وله إحدى وثمانون سنة. وتوفّى القاضى عماد الدين إسماعيل بن محمد بن الصاحب فتح الدين عبد الله ابن محمد القيسرانىّ كاتب حلب فى ذى القعدة. وتوفّى الشيخ تقىّ الدين سليمان بن موسى بن بهرام السّمهودىّ «2» الفقيه الشافعىّ الفرضىّ العروضىّ الأديب. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وسبع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا. والوفاء يوم النوروز.

ما وقع من الحوادث سنة 737

*** [ما وقع من الحوادث سنة 737] السنة الثامنة والعشرون من ولاية الملك الناصر محمد الثالثة على مصر، وهى سنة سبع وثلاثين وسبعمائة. فيها توفّى الأمير عزّ الدين «1» أيدمر الخطيرىّ المنصورىّ أحد أمراء الألوف بالديار المصرية فى يوم الثلاثاء أوّل شهر رجب بالقاهرة. وأصله من مماليك الخطير الرومىّ والد أمير مسعود، ثم انتقل إلى ملك المنصور قلاوون، فرقّاه حتى صار من أجلّ الأمراء البرجيّة. ثم ترقّى فى الدولة الناصريّة وولى الأستادارية. ثم وقع له أمور، وقبض عليه السلطان الملك الناصر محمد فى سلطنته الثالثة، ثم أطلقه وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة [ألف «2» ] وزيادة إمرة عشرين فارسا، وصار معظّما عند الناصر، ويجلس رأس الميسرة، وبقى أكبر أمراء المشورة. وكان لا يلبس قباء مطرّزا ولا يدع عنده أحدا يلبس ذلك. وكان أحمر الوجه منوّر الشيبة كريما جدّا واسع النّفس على الطعام. حكى أن أستاداره قال له يوما: يا خوند، هذا السّكّر الذي يعمل فى الطعام ما يضرّ أن نعمله غير مكرر؟ فقال: لا، فإنه يبقى فى نفسى أنه غير مكرر فلا تطيب. ولمّا مات خلّف ولدين أميرين: أمير علىّ وأمير محمد. وهو من الأمراء المشهورين بالشجاعة والدين والكرم، وهو الذي عمر الجامع «3» برملة بولاق على شاطئ النيل والرّبع المشهور، وغرم عليه جملة مستكثرة، فلمّا تم أكله البحر ورماه، فأصلحه وأعاده فى حياته. وقد تقدّم ذكر بنائه لهذا الجامع فى أصل ترجمة الملك الناصر، وسبب مشتراه لموضع الجامع المذكور وتاريخ بنائه.

وتوفّى الأمير سيف الدين أزبك بن عبد الله الحموىّ فى يوم الأربعاء «1» خامس عشرين شعبان على مدينة آياس «2» ، وقد بلغ مائة سنة، فحمل إلى حماة ودفن بها. وكان مهابا كثير العطاء، طالت أيّامه فى الإمرة والسعادة. وهو ممن تأمّر فى دولة الملك الظاهر بيبرس البندقدارىّ. رحمه الله. وتوفّى الشيخ المعتقد الصالح محمد بن عبد الله «3» بن المجد إبراهيم المرشدىّ، صاحب الأحوال والكرامات والمكاشفات بناحية منية «4» مرشد فى ثامن شهر رمضان. وكان للناس فيه اعتقاد حسن، ويقصد للزيارة. وتوفّى الشيخ قطب الدين إبراهيم بن محمد بن علىّ بن مطهّر بن نوفل الثعلبىّ الأدفوىّ فى يوم عرفة بأدفو. وكان فقيها فاضلا بارعا ناظما ناثرا. وتوفّى الشيخ المحدّث تقىّ الدين أبو عبد الله محمد بن علىّ بن محمد بن أحمد اليونينىّ البعلبكىّ الحنبلىّ. ومولده سنة سبع وستين وستمائة؛ ذكره الحافظ أبو عبد الله الذهبىّ فى معجمه وأثنى عليه. وتوفّى الشيخ ناصر الدين محمد ابن الشيخ المعتقد إبراهيم بن معضاد الجعبرىّ الواعظ بالقاهرة فى يوم الاثنين رابع «5» عشرين المحرّم. وكان يعظ الناس، وجلس مكان والده الشيخ إبراهيم الجعبرىّ، وكان لوعظه رونق، وهو من بيت صلاح ووعظ.

ما وقع من الحوادث سنة 738

وتوفّى المسند المعمّر مسند الديار المصرية شرف الدين يحيى بن يوسف المقدسىّ المعروف بابن المصرىّ بالقاهرة عن نيّف وتسعين سنة «1» . وتوفّى الشيخ كمال الدين «2» أبو الحسن علىّ [بن «3» الحسن بن علىّ] الحويزانىّ شيخ خانقاه سعيد السّعداء فى صفر بالقاهرة. وكانت لديه فضيلة، وعنده صلاح وخير. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وثمانى عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وست عشرة إصبعا. والله تعالى أعلم. *** [ما وقع من الحوادث سنة 738] السنة التاسعة والعشرون من ولاية الملك الناصر الثالثة على مصر، وهى سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة. فيها توفّى قاضى قضاة دمشق شهاب الدين محمد ابن المجد عبد الله بن الحسين ابن علىّ الإربلىّ الزرزارىّ «4» الشافعىّ، وقع عن بغلته فلزم الفراش أسبوعا ومات فى جمادى الأولى بدمشق. ومولده سنة اثنتين وستين وستمائة. وكان بارعا فى الفقه والفروع والشروط، وأفتى ودرّس وكتب الطباق وسمع الكثير، وولّى قضاء دمشق بعد القاضى جمال الدين بن» جملة، وعزل بالقاضى جلال الدين القزوينىّ. ولمّا تولّى القاضى شهاب الدين ابن القيسرانىّ كتابة سرّ دمشق توجّه القاضى شهاب الدين هذا إليه لتهنئته، فنفرت به البغلة فى الطريق فوقع فشجّ دماغه، فحمل فى محفّة

إلى بيته ومات بعد أسبوع. ولمّا وقع عن بغلته قال فيه الشيخ شمس الدين محمد ابن الخيّاط الدمشقىّ رحمه الله: بغلة قاضينا إذا زلزلت ... كانت له من فوقها الواقعه تكاثر ألهاه من عجبه ... حتى غدا ملقّى على القارعه فأظهرت زوجته عندها «1» ... تضايقا بالرحمة الواسعه وتوفى الشيخ الإمام العلّامة النحوىّ ركن الدين محمد بن محمد بن عبد الرحمن ابن يوسف بن عبد الرحمن بن عبد الجليل المعروف بابن القوبع «2» القرشىّ التونسىّ المالكىّ النحوىّ، صاحب الفنون الكثيرة بالقاهرة عن أربع وسبعين سنة. وتوفّى شيخ الإسلام شرف الدين هبة الله ابن قاضى حماة نجم الدين عبد الرحيم ابن أبى الطاهر إبراهيم بن المسلم بن هبة الله بن حسّان بن محمد بن منصور بن أحمد الشافعىّ الجهنى المعروف بابن البارزىّ قاضى حماة فى نصف ذى القعدة. ومولده فى خامس «3» شهر رمضان سنة خمس وأربعين وستمائة. وكان إماما علّامة فى الفقه والأصول والنحو واللغة، وأفتى ودرّس سنين وانتفع الطلبة به وتخرّج به خلائق، وحكم بحماة دهرا، ثم ترك الحكم وذهب بصره. وصنّف كتبا كثيرة، وحجّ مرّات، وحدّث بأماكن. ولمّا مات غلّقت [أبواب «4» ] جماة لمشهده. ومن مصنّفاته: تفسيران، و «كتاب بديع القرآن» ، و «وشرح الشاطبية» ، و «الشرعة «5» فى السبعة» و «كتاب الناسخ والمنسوخ» ، و «كتاب مختصر جامع الأصول» ، مجلدين و «الوفا

فى شرح [أحاديث «1» ] المصطفى» ، و «الأحكام على أبواب التنبيه» . و «غريب الحديث» ، و «شرح «2» الحاوى فى الفقه» أربع مجلدات، و «مختصر التنبيه فى الفقه» ، و «الزبدة فى الفقه» ، والمناسك. [وكتاب «3» فى] العروض، وغير ذلك. وتوفى القاضى الرئيس محيى الدين يحيى بن فضل الله بن مجلّى العمرىّ القرشىّ كاتب السّر الشريف بالشام أوّلا ثم بمصر آخرا، وهو أخو القاضى شرف الدين عبد الوهاب «4» ، وأخو القاضى بدر الدين «5» محمد، ووالد القاضى العلّامة شهاب الدين أحمد «6» ، وبدر الدين محمد «7» ، وعلاء الدين «8» علىّ، وجدّ القاضى بدر الدين محمد «9» بن علىّ آخر من ولى من بنى فضل الله كتابة السرّ بديار مصر الآتى ذكره فى محله إن شاء الله تعالى. قال الشيخ صلاح الدين خليل بن أيبك: لم أر فى عمرى من كتب النسخ وخرّج التخاريج والحواشى أحلى وأظرف ولا ألطف منه، بل الشيخ فتح الدين بن سيد الناس معه والقاضى جمال الدين «10» إبراهيم ابن شيخنا شهاب الدين محمود؛ فإن هؤلاء الثلاثة غاية فى حسن الكتابة. لكن القاضى محيى الدين هذا رعشت يده وارتجّت كتابته أخيرا. قال: ولم أر عمرى من نال سعادته فى مثل أولاده وأملاكه ووظائفه وعمره. وكان السلطان قد بالغ أخيرا فى احترامه وتعظيمه، وكتب له فى أيام الأمير سيف الدين ألجاى الداودار توقيعا بالجناب العالى يقبّل الأرض، واستعفى من

ذلك وكشطها وقال: ما يصلح لمتعمم أن يعدّى به «المجلس العالى» . انتهى كلام الشيخ صلاح الدين. وتوفّى قاضى القضاة جمال الدين يوسف بن إبراهيم بن جملة الدمشقىّ الشافعىّ قاضى قضاة دمشق بها. وكان فقيها بارعا، ولى قضاء دمشق إلى أن عزل بقاضى القضاة شهاب الدين بن المجد. وتوفى الأمير سيف الدين طغجى بن عبد الله المنصورىّ فى الحبس. وكان من أعيان الأمراء البرجية معدودا من الشجعان. وتوفّى الأمير سيف الدين صلديه «1» بن عبد الله كاشف الوجه القبلىّ، وكان من الظّلمة، مهّد البلاد فى ولايته. وتوفّى الأمير سيف الدين آقول بن عبد الله المنصورىّ ثم الناصرىّ الحاجب بديار مصر. وكان من أعيان الأمراء. وتوفّى الشيخ الأديب شهاب الدين أحمد بن يوسف بن هلال الصّفدىّ الطبيب، ومولده فى سنة إحدى وستين وستمائة. كان من جملة أطبّاء السلطان، وكان بارعا فى الطب، وله قدرة على وضع «2» المشجّرات، ويبرز أمداح الناس فى أشكال أطيار وعمائر وأشجار وعقد وأخياط وغير ذلك، وله نظم ونثر. ومن شعره ما يكتب على سيف:

ما وقع من الحوادث سنة 739

أنا أبيض كم جئت يوما أسودا ... فأعدته بالنصر يوما أبيضا ذكر إذا ما استلّ يوم كريهة ... جعل الذكور من الأعادى حيّضا أختال ما بين المنايا والمنى ... وأجول فى وسط القضايا والقضا أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وخمس عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وعشرون إصبعا. وكان الوفاء يوم النوروز. والله تعالى أعلم. *** [ما وقع من الحوادث سنة 739] السنة [المتمّة] الثلاثين من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثالثة على مصر، وهى سنة تسع وثلاثين وسبعمائة. فيها توفّى خطيب القدس زين الدين عبد الرحيم «1» ابن قاضى القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الشافعىّ الحموىّ الأصل المعروف بابن جماعة وتوفّى الأمير سيف الدين بهادر بن عبد الله المعزّىّ «2» الناصرىّ أحد أمراء الألوف بالديار المصرية فى ليلة الجمعة تاسع شعبان. وكان أميرا جليلا معظّما فى دولة أستاذه، بلغت تركته مائة ألف دينار، أخذها النّشو ناظر الخاصّ. وتوفّى قاضى القضاة العلّامة جلال الدين محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن أحمد ابن محمد بن عبد الكريم القزوينىّ الشافعىّ بدمشق فى خامس عشر جمادى الآخرة. وكان ولى قضاء مصر والشام، وكان عالما بارعا مفتنّا فى علوم كثيرة، وله مصنّفات فى عدّة فنون. وكان مولده بالموصل فى سنة ست «3» وستين وستمائة.

وتوفّى الشيخ الإمام الحافظ المؤرخ علم الدين القاسم بن محمد بن يوسف بن محمد [ابن يوسف «1» ] البرزالىّ الشافعى بخليص «2» ، وهو محرم فى رابع ذى الحجة عن أربع وسبعين سنة. وبرزالة: قبيلة قليلة جدّا. وكان أبوه شهاب الدين «3» محمد من كبار عدول دمشق. وأما جدّ أبيه محمد «4» بن يوسف فهو الإمام الحافظ زكىّ الدين الرحّال محدّث الشام أحد الحفّاظ المشهورين. وقد تقدّم ذكره. انتهى. وكان الحافظ علم الدين هذا محدّثا حافظا فاضلا، سمع الكثير ورحل إلى البلاد وحصّل ودأب وسمع خلائق كثيرة، تزيد عدّتهم على ألفى شيخ، وحدّث وخرّج وأفاد وأفتى وصنّف تاريخا على السنين. وتوفّى الشيخ الأديب أبو المعالى زين الدين خضر بن إبراهيم بن عمر بن محمد ابن يحيى الرفّاء الخفاجىّ المصرىّ عن تسع وسبعين سنة. ومن شعره فى ساق: لله ساق له ردف فتنت به ... لمّا تبدّى بساق منه برّاق فلا تسل فيه عن وجدى وعن ولهى ... فأصل ما بى من ردف ومن ساق قلت: وأحسن من هذا قول القيراطىّ: «5» وأغيد يسقى الطّلا ... بديع حسن قد بهر فى كفّه شمس فما ... له لرائيه قمر وأحسن منهما قول القائل فى هذا المعنى: قد زمزم الساقى الذي لم يزل ... يدير للأحباب كأس المدام وقد فهمناه وهمنا به ... بأحسن ما زمزم وسط المقام

وتوفّى الشيخ جمال الدين أحمد بن هبة الله بن المكين الإسنانى «1» الفقيه الشافعىّ بإسنا، وقد جاوز السبعين سنة فى شوّال. وتوفّى الأمير علاء الدين على ابن أمير حاجب والى مصر وأحد الأمراء العشرات وهو معزول، وكان عنده فضيلة، وعنى بجمع القصائد النبويّة، حتى كمل عنده منها خمسة وسبعون «2» مجلدا. وتوفّى قاضى القضاة فخر الدين أبو عمرو عثمان «3» بن علىّ بن عثمان بن علىّ بن عثمان ابن إسماعيل بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب بن علىّ بن هبة الله بن ناجية الشافعىّ المعروف بابن خطيب جبرين «4» بالقاهرة بالمدرسة المنصورية ليلة السبت السابع والعشرين من المحرّم ودفن بمقابر الصوفيّة. ومولده فى العشر الأخير من شهر ربيع الأوّل سنة اثنتين وستين وستمائة بالحسنية ظاهر القاهرة. وكان بارعا فى الفقه والأصول والنحو والأدب والحديث والقراءات، وتولّى قضاء حلب سنة ست وثلاثين وسبعمائة فتكلّم فيه، فطلبه الملك الناصر وطلب ولده، فروّعهما الحضور قدّامه لكلام أغلظه لهما، فنزلا مرعوبين ومرضا بالبيمارستان المنصورىّ، فمات ولده قبله، وتوفّى هو بعده بيوم أو يومين. وكان عالما، وله عدّة مصنّفات، شرح الشامل

الصغير، وشرح التعجيز «1» ، و [شرح «2» ] مختصر ابن الحاجب و [شرح «3» ] البديع لابن الساعاتى. وقد استوعبنا ترجمته فى المنهل الصافى بأوسع من هذا. وتوفّى الأمير الفقيه علاء الدين أبو الحسن علىّ بن بلبان بن عبد الله الفارسىّ الحنفىّ بمنزله على شاطئ النيل فى تاسع شوّال. ومولده فى سنة خمس وسبعين وستمائة. كان إماما فقيها بارعا محدّثا، أفتى ودرّس وحصّل من الكتب جملة مستكثرة، وصنّف عدّة مصنّفات، ورتّب التقاسيم «4» والأنواع لابن حبّان «5» ، ورتّب الطبرانى ترتيبا جيّدا إلى الغاية، وألف سيرة لطيفة للنبىّ صلّى الله عليه وسلّم، وكتابا فى المناسك جامعا لفروع كثيرة فى المذهب. وتوفّى القاضى فخر الدين محمد بن بهاء الدين عبد الله بن أحمد [بن علىّ «6» ] المعروف بابن الحلّى بالقدس الشريف. وكان رئيسا، ولى نظر جيش دمشق عدّة سنين. وتوفّى علاء الدين علىّ بن هلال الدولة بقلعة شيزر «7» بعد ما ولى بالقاهرة عدّة وظائف. وتوفّى الأمير سيف «8» الدين بيليك بن عبد الله المحسنىّ بطرابلس. وكان من جملة أمرائها «9» . أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وخمس عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وعشر أصابع. والله تعالى أعلم.

ما وقع من الحوادث سنة 740

*** [ما وقع من الحوادث سنة 740] السنة الحادية والثلاثون من ولاية الملك الناصر الثالثة على مصر، وهى سنة أربعين وسبعمائة. فيها توفّى الخليفة أمير المؤمنين المستكفى بالله أبو الربيع سليمان ابن الخليفة الحاكم بأمر الله أبى العبّاس أحمد بن الحسن بن أبى بكر الهاشمىّ العباسىّ بمدينة قوص فى خامس شعبان عن ست وخمسين سنة وستة أشهر وأحد عشر يوما. وكانت خلافته تسعا وثلاثين سنة وشهرين وثلاثة عشر يوما. وكان حشما كريما فاضلا. كان أخرجه الملك الناصر إلى قوص لما كان فى نفسه منه لما كان منه فى القيام بنصرة الملك المظفّر بيبرس الجاشنكير، وتولّى الخلافة من بعده ولده أبو العباس أحمد ولقّب بالحاكم على لقب جدّه بعهد منه إليه. وكان الناصر منع الحاكم من الخلافة وولّى غيره، حسب ما ذكرناه فى ترجمة الملك «1» الناصر، فلم يتم له ذلك وولّى الحاكم هذا. وتوفّى الأمير شمس الدين آق سنقر بن عبد الله شادّ العمائر المنسوبة إليه قنطرة «2» سنقر على الخليج خارج القاهرة والجامع «3» بسويقة السبّاعين «4» على البركة «5» الناصرية فيما بين القاهرة ومصر. وكانت وفاته بدمشق.

وتوفّى الأمير علاء الدين علىّ بن حسن المروانىّ «1» والى القاهرة فى ثانى عشرين «2» رجب بعد ما قاسى أمراضا شنيعة مدّة سنة، وكان ظالما غشوما سفّاكا للدماء، اقترح فى أيام ولايته عقوبات مهولة، منها أنه كان ينعل الرجل فى رجليه بالحديد كما تنعل الخيل. ومنها تعليق الرجل بيديه وتعلّق مقايرات «3» العلاج فى رجليه فتنخلع أعضاؤه فيموت، وقتل خلقا كثيرا من الكتّاب وغيرهم فى أيام النّشو. ولمّا حملت جنازته وقف عالم كثير لرجمه، فركب الوالى وابن صابر المقدّم حتّى طردوهم ومنعوهم ودفنوه. وتوفّى شرف الدين عبد الوهاب ابن التاج فضل الله المعروف بالنّشو ناظر الخاص الشريف تحت العقوبة فى يوم الأربعاء ثانى «4» شهر ربيع الآخر. وقد تقدم التعريف بأحواله وكيفية قتله والقبض عليه فى ترجمة «5» الملك الناصر هذه مفصّلا مستوفى. كان هو وأبوه وإخوته يخدمون الأمير بكتمر الحاجب، ثم خدم النّشو هذا عند الأمير أيدغمش أمير آخور. فلما جمع السلطان فى بعض الأيام كتّاب الأمراء رأى النّشو وهو واقف وراء الجماعة وهو شابّ نصرانىّ طويل حلو الوجه، فاستدعاه وقال له: إيش اسمك؟ قال: النّشو. فقال السلطان: أنا أجعلك نشوى، ورتّبه، مستوفيا، وأقبلت سعادته، فأرضاه فيما ندبه إليه وملأ عينه، واستمر على ذلك حتى استسلمه الأمير بكتمر الساقى وسلّم إليه ديوان سيّدى آنوك ابن الملك الناصر إلى أن توفّى القاضى فخر الدين ناظر الجيش، نقل الملك الناصر شمس الدين موسى ناظر الخاصّ إلى نظر الجيش عوضه، وولّى النشو هذا نظر الخاصّ على ما بيده من ديوان ابن

السلطان. ووقع له ما حكيناه فى ترجمة الملك الناصر كل شىء فى محلّه. قال الصلاح الصّفدىّ: ولمّا كان فى الاستيفاء وهو نصرانىّ كانت أخلاقه حسنة وفيه بشر وطلاقة وجه وتسرّع لقضاء حوائج الناس، وكان الناس يحبّونه. فلمّا تولّى الخاصّ وكثر الطلب عليه وزاد السلطان فى الإنعامات والعمائر وبالغ فى أثمان المماليك وزوّج بناته واحتاج الى الكلف العظيمة، ساءت أخلاق النّشو وأنكر من يعرفه، وفتح أبواب المصادرات. انتهى كلام الصفدىّ باختصار. وتوفّى الشيخ مجد الدين أبو بكر بن إسماعيل بن عبد العزيز السّنكلونىّ «1» الشافعىّ فى شهر ربيع الأول، وكان فقيها فاضلا، شرح التنبيه فى الفقه، وتولّى مشيخة خانقاه الملك المظفّر بيبرس ودرّس وأفتى. وتوفّى الأمير ركن الدين بيبرس بن عبد الله الأوحدىّ المنصورىّ والى قلعة الجبل فى شهر ربيع الأول. وتوفّى الأمير سيف الدين «2» أيدمر بن عبد الله الدّوادار بدمشق. وكان أميرا جليلا خيّرا ديّنا. وتوفّى الأمير سيف الدين بهادر بن عبد الله البدرىّ الناصرىّ نائب الكرك، بعد ما عزل عن الكرك ونفى إلى طرابلس فمات بها. وتوفّى شيخ الشيوخ بخانقاه سرياقوس العلّامة مجد الدين أبو حامد موسى بن أحمد بن «3» محمود الأقصرائى الحنفىّ فى شهر ربيع «4» الآخر. وكان إماما فقيها بارعا مفتيا.

ما وقع من الحوادث سنة 741

وتوفّى الشيخ جمال الدين عبد القاهر بن محمد بن عبد الواحد بن محمد بن إبراهيم التبريزى الحرّانىّ الشافعىّ. كان فقيها عالما أديبا شاعرا. ومن شعره [قوله دو بيت «1» ] : وجدى وتصبّرى قليل وكثير ... والقلب ومدمعى طليق وأسير والكون وحسنكم جليل وحقير ... والعبد وأنتم غنىّ وفقير وتوفّى الأمير ركن الدين بيبرس الرّكنىّ كاشف الوجه البحرى ونائب الإسكندرية. وكان أصله من مماليك الملك المظفّر بيبرس الجاشنكير. رحمه الله. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وخمس أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثمانى أصابع. *** [ما وقع من الحوادث سنة 741] سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثالثة على مصر، وهى سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وهى التى مات فيها الملك الناصر حسب ما تقدّم ذكره. فيها (أعنى سنة إحدى وأربعين) توفّى الأمير ناصر الدين محمد ابن الأمير بدر الدين چنكلى بن البابا فى يوم الرابع والعشرين «2» من رجب. وكان من أعيان الأمراء، وكان فقيها أديبا شاعرا. وتوفّى الوزير الصاحب أمين الدين أمين الملك أبو سعيد عبد الله بن تاج الرّياسة ابن الغنّام تحت العقوبة مخنوقا فى يوم الجمعة رابع جمادى الأولى، ووزر ثلاث مرّات بالديار المصريّة، وباشر نظر الدولة واستيفاء «3» الصحبة، وخدم

فى بيت السلطان من الأيام الأشرفيّة، وتنقّل فى عدّة خدم بمصر ودمشق وطرابلس نصرانيّا ومسلما. ولمّا أسلم حسن إسلامه وتجنّب النصارى، وكان رضىّ الخلق. وتوفّى العلّامة افتخار الدين جابر بن محمد بن محمد الخوارزمىّ الحنفىّ شيخ الجاولية «1» بالكبش «2» خارج القاهرة فى يوم الخميس سادس عشر المحرم، وكان إماما عالما بارعا فى النحو واللغة شاعرا أديبا مفوّها. وتوفّى القاضى عزّ الدين عبد الرحيم بن نور الدين علىّ بن الحسن «3» بن محمد بن عبد العزيز بن محمد بن الفرات أحد نوّاب الحكم الحنفيّة فى ليلة الجمعة ثانى عشرين ذى الحجة، وكان فقيها محدثا. وتوفّى الأمير الكبير شمس الدين قراسنقر «4» المنصورىّ ببلاد مراغة «5» ، وقد أقطعه إيّاها بو سعيد بن خربندا ملك التتار بمرض الإسهال. وقد أعيا الملك الناصر قتله، وبعث إليه كثيرا من الفداوية «6» بحيث قتل بسببه نحو مائة وأربعة وعشرين فداويّا ممن كان يتوجّه لقتله فيمسك ويقتل. فلما بلغ السلطان موته قال: والله ما كنت أشتهى موته إلّا من تحت سيفى، وأكون قد قدرت عليه. قلت: وقد مرّ ذكر موت قراسنقر قبل هذا التاريخ «7» . ولكن الظاهر لى أن الأصحّ المذكور هنا الآن من قرائن ظهرت.

وتوفّى الأمير سيف الدين بن الحاج قطز بن عبد الله الظاهرىّ أحد أمراء الطّبلخاناه بالديار المصرية، وهو آخر من بقى من مماليك الظاهر بيبرس البندقدارىّ من الأمراء. وتوفّى الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن يوسف المزّىّ «1» الشافعىّ أخو الحافظ «2» جمال الدين المزّى لأبيه فى يوم الثلاثاء ثالث شهر رمضان «3» . وتوفّى الشيخ المعتقد عزّ الدين عبد المؤمن بن قطب الدين أبى طالب عبد الرحمن بن محمد بن الكمال أبى القاسم عمر بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الحسن المعروف بابن العجمىّ الحلبىّ الشافعىّ بمصر. كان تزهّد بعد الرياسة، وحج ماشيا من دمشق وجاور بمكة، وكان لا يقبل لأحد شيئا، بل كان يقتات من وقف أبيه بحلب، وكان له مكارم وصدقات وشعر جيّد. وتوفّى الأمير سيف الدين تنكز بن عبد الله الحسامىّ الناصرىّ نائب الشام. كان أصله من مماليك الملك المنصور حسام الدين لاچين. فلمّا قتل لاچين صار من خاصّكيّة الناصر، وشهد معه وقعة وادى الخازندار ثم وقعة شقحب «4» ، ثم توجّه مع الناصر إلى الكرك. فلما تسلطن الملك الناصر ثالث مرة رقّاه حتى ولّاه نيابة الشام، فطالت مدّته إلى أن قبض عليه السلطان الملك الناصر فى هذه السنة، وقتله بثغر الإسكندرية. وقد مرّ من ذكر تنكز فى ترجمة الملك الناصر الثالثة ما فيه كفاية عن الإعادة هنا؛ لأنّ غالب ترجمة الملك الناصر وأفعاله كانت مختلطة مع أفعال تنكز لكثرة قدومه إلى القاهرة وخصوصيّته عند الناصر من أوّل ترجمته إلى آخرها إلى جين قبض عليه وحبسه. كل ذلك ذكرناه مفصّلا فى اليوم والشهر، وما وجد له

من الأموال والأملاك. كلّ ذلك فى أواخر ترجمة الملك الناصر. ولمّا ولى الأمير ألطنبغا الصالحىّ نيابة الشام بعد تنكز قال الشيخ صلاح الدين الصفدىّ فى تنكز المذكور أبياتا منها: ألا هل لييلات تقضّت على الحمى ... تعود بوعد للسرور منجّز ليال إذا رام المبالغ وصفها ... يشبّهها حسنا بأيام تنكز أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع إحدى عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وتسع عشرة إصبعا. والله تعالى أعلم «1» . *** انتهى الجزء التاسع من النجوم الزاهرة، ويليه الجزء العاشر، وأوّله: ذكر ولاية الملك المنصور أبى بكر ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون على مصر

*** تنبيه: التعليقات الخاصة بالأماكن الأثرية والمدن والقرى القديمة وغيرها مع تحديد مواضعها من وضع حضرة الأستاذ العالم الجليل محمد رمزى بك المفتش السابق بوزارة المالية وعضو المجلس الأعلى لإدارة حفظ الآثار العربية. كالتعليقات السابقة فى الأجزاء الماضية. فنسدى إليه جزيل الشكر ونسأل الله جلّت قدرته أن يجزيه خير الجزاء عن خدمته للعلم وأهله. *** ملاحظة: ورد فى ص 281 س 8 من الجزء الثامن من هذه الطبعة- قول ابن نباتة المصرى فى الملك المؤيد إسماعيل صاحب حماة-: « أفديه من ملك يكاتب عبده ... الخ» بفتح الهمزة وسكون الفاء من كلمة «أفديه» . وبكسر اللام من كلمة «ملك» . وهذا الضبط قد صرف البيت من بحر الطويل إلى بحر الكامل. وصوابه: «أفدّيه من ملك يكاتب عبده» . ورواية ديوان ابن نباتة: «فديتك من ملك يكاتب عبده»

استدراكات

استدراكات لحضرة الأستاذ الجليل محمد رمزى بك، مع ملاحظة أن الاستدراكات الخاصة بالأجزاء الثالث والرابع والخامس الواردة فى آخر الجزء السادس فى صفحة 380 وما بعدها من وضع حضرته أيضا. باب سعادة سبق أن ذكرت فى تعليقاتى بصفحة 280 من الجزء السابع من هذه الطبعة ما يفيد أن باب سعادة أحد أبواب القاهرة القديمة من سورها الغربى كان واقعا فى مكان الباب الغربى للطرقة الفاصلة بين محكمة الاستئناف وبين محافظة مصر بميدان باب الخلق. والصحيح أن باب سعادة كان واقعا فى نفس الوجهة الغربية لمبنى محكمة الاستئناف على بعد عشرة أمتار من شمال الباب الغربى للمحكمة المذكورة. وكانت الطريق التى توصل من هذا الباب إلى داخل المدينة تسير إلى الشرق فى القسم البحرى من مبنى محكمة الاستئناف حتى تتلاقى بمدخل شارع المنجلة، وهو امتداد الطريق التى لا تزال توصل إلى داخل مدينة القاهرة القديمة. وباقى الشرح الوارد بالجزء السابع صحيح. حوض ابن هنس ذكرت فى الحاشية رقم 4 ص 206 من هذا الجزء أن حوض ابن هنس كان واقعا بشارع الحلمية على رأس شارع الهامى باشا، بناء على ما ورد فى كتاب الخطط التوفيقية. وبعد طبع هذه الحاشية رأيت فى خطط المقريزى عند كلامه على حمام الأمير سيف الدين ألدود الجاشنكيرى (ص 85 ج 2) أن هذا الحمام فى الشارع

مسجد الأمير بكتوت الخازندار

المسلوك خارج باب زويلة تجاه زقاق خان حلب بجوار حوض سعد الدين مسعود ابن هنس. ومن هذا يتضح أن هذا الحوض كان بجوار الحمام المذكور. وبالبحث تبين لى: أوّلا- أن حمام الأمير سيف الدين ألدود لا يزال قائما ويعرف اليوم بحمام الدّود بشارع محمد على عند تقابله بشارع السروجية، وكان باب الحمام يفتح قديما على الشارع المسلوك خارج باب زويلة، وكان بجواره حوض ابن هنس يقع على نفس الشارع فيما بين مدخلى شارع السروجية وشارع الحلمية الآن. ثانيا- أنه لما اختطت الحكومة شارع محمد على وفتحته فى سنة 1873 دخل فى طريقه القسم الغربى من الحمام بما فيه الباب الأصلى، ودخلت فيه أيضا الأرض التى كان عليها الحوض، وبذلك زال أثره، ثم فتح للحمام باب جديد هو بابه الحالى الذي فى شارع محمد على. ومن هذا يعلم أن حوض ابن هنس كان واقعا فى محور شارع محمد على غربى المنزل المجاور لحمام ألدود من الجهة البحرية وفى تجاه مدخل شارع على باشا إبراهيم بالقاهرة. مسجد الأمير بكتوت الخازندار ذكرت فى الحاشية رقم 5 ص 219 من هذا الجزء أن هذا المسجد هو الذي يعرف اليوم بجامع البلك ببولاق، اعتمادا على الرخامة التى أخرجتها إدارة حفظ الآثار العربية من بين أنقاض هذا الجامع الخرب، ونقش على تلك الرخامة إنشاء الأمير بكتوت لمسجده فى سنة 709 هـ. وبعد طبع هذه الحاشية تصادف أن اطلعت على كتاب وقف رضوان بك الفقارى المحرر فى 8 ربيع الأوّل سنة 1053 هـ فعلمت منه أن وقف البدرى بكتوت وهو الأمير بكتوت المذكور كان واقعا خارج باب زويلة بالخضريين على يسار السالك طالبا سوق سفل الربع الظاهرى.

دار الأمير آقوش الموصلى

وبما أن المؤلف ذكر أن المسجد الذي أنشأه بكتوت يقع خارج باب رويلة فلا بدّ أن يكون قريبا من وقف رضوان بك المذكور. وبالبحث عن هذا المسجد خارج باب زويلة تبين لى أنه قد زال وليس له أثر اليوم، بدليل أن اللوحة الرخام التى كانت على بابه نقلت من عهد قديم إلى جامع البلك ببولاق ثم إلى دار الآثار العربية بميدان باب الخلق بالقاهرة. دار الأمير آقوش الموصلى ذكر المؤلف فى صفحة 94 من هذا الجزء كما ذكر المقريزى فى (ص 307 ج 2) أن هذه الدار هدمت ودخلت فى جامع الأمير قوصون الناصرى. وقد كتبنا على تلك الحاشية رقم 3 من هذه الصفحة. وهذه الحاشية ملغاة ولا لزوم لها. مدارس وجوامع أخرى يلاحظ القارئ أن مؤلف هذا الكتاب قد خص الملك الناصر محمد بن قلاوون بذكر ما أنشئ فى عصره من العمارات والمنافع العامة على اختلاف أنواعها، سواء أكانت من إنشائه خاصة أم من إنشاء رجال دولته، ومع ذلك فإن المؤلف ترك بعض المساجد مما لا يقل شأنا عما ذكره. لهذا رأيت إتماما للفائدة من هذا الحصر أن أذكر طائفة مما تركه المؤلف من الجوامع والمدارس التى هى من منشآت عصر الملك الناصر فى القاهرة. وهى: (1) المدرسة القراسنقرية. أنشأها الأمير شمس الدين قراسنقر المنصورى نائب السلطنة سنة 700 هـ (المقريزى ص 388 ج 2) . ومكانها اليوم مدرسة الجمالية الابتدائية بشارع الجمالية بقسم الجمالية.

(2) المدرسة السعدية. أنشأها الأمير شمس الدين سنقر السعدى نقيب المماليك السلطانية فى سنة 715 هـ (المقريزى ص 397 ج 2) . ولا تزال قائمة إلى اليوم بشارع السيوفية، وكانت مستعملة أخيرا تكية للمولوية بقسم الخليفة. (3) المدرسة المهمندارية. أنشأها الأمير شهاب الدين أحمد بن آقوش العزيزى المهمندار ونقيب الجيوش فى سنة 725 هـ (المقريزى ص 399 ج 2) . ولا تزال قائمة إلى اليوم باسم جامع المهمندار بشارع التبانة بقسم الدرب الأحمر. (4) المدرسة الملكية. أنشأها الأمير الحاج سيف الدين آل ملك الجوكندار الناصرى فى سنة 719 هـ، كما هو ثابت بالنقش على بابها، وذكرها المقريزى فى خططه (ص 392 ج 2) . ولا تزال قائمة إلى اليوم باسم جامع الجوكندار بشارع أم الغلام بقسم الجمالية بالقاهرة. وتسميه العامة زاوية حالومة، وهو رجل مغربى طالت خدمته لهذا المسجد فعرف به. (5) جامع ابن غازى. أنشأه نجم الدين بن غازى دلال المماليك فى سنة 741 هـ (المقريزى ص 313 ج 2) . ومكانه اليوم الجامع المعروف بجامع الشيخ نصر بشارع درب نصر ببولاق. (6) جامع ابن صارم. أنشأه محمد بن صارم شيخ بولاق. ذكره المقريزى (ص 325 ج 2) ، ولم يذكر تاريخ إنشائه، ولكن إبراهيم بن مغلطاى ذكره فى منشآت عصر الملك الناصر محمد بن قلاوون. ومكانه اليوم الجامع المعروف بجامع الشيخ عطية بدرب نصر ببولاق.

(7) جامع الشيخ مسعود. ذكره المقريزى فى خططه عند الكلام على سويقة العياطين (ص 107 ج 2) فقال: إن الذي أنشأه هو الشيخ مسعود بن محمد بن سالم العياط فى سنة 728 هـ. ولا يزال هذا المسجد قائما إلى اليوم باسم جامع الشيخ مسعود بعطفة الشيخ مسعود بدرب الأقماعية بقسم باب الشعرية. (8) جامع فلك الدين فلك شاه. يستفاد مما هو منقوش فى لوح من الرخام مثبت بأعلى محراب هذا المسجد أن الذي أنشأه هو الأمير فلك الدين فلك شاه بن دادا البغدادى فى سنة 720 هـ. ومن هذا التاريخ يتبين أنه من منشآت عصر الملك الناصر محمد بن قلاوون. ولا يزال هذا الجامع موجودا، ويعرف بجامع الجنيد بشارع الدوب الجديد بقسم السيدة زينب، وينسب إلى الشيخ على الجنيد المدفون فيه.

الجزء العاشر

[الجزء العاشر] بسم الله الرّحمن الرّحيم وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله وصحابته والمسلمين الجزء العاشر من كتاب النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة [ما وقع من الحوادث سنة 742] ذكر ولاية الملك المنصور أبى بكر ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون على مصر هو السلطان الملك المنصور سيف الدين أبو بكر ابن السلطان الملك الناصر أبى المعالى محمد ابن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون. جلس على تخت الملك بالإيوان «1» من قلعة الجبل بعهد من أبيه إليه صبيحة توفّى والده، وهو يوم الخميس حادى عشرين ذى الحجّة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، ولقّبه الأمراء الأكابر بالملك المنصور على لقب جدّه. والمنصور هذا هو الثالث عشر من ملوك الترك بديار مصر، والأوّل من أولاد الملك الناصر محمد بن قلاوون، واتّفق الأمراء على إقامة الأمير سيف الدين طقزدمر الحموىّ، حمو الملك المنصور هذا فى نيابة السلطنة بديار مصر كونه من أكابر الأمراء، وأيضا صهر السلطان، ويكون الأمير قوصون الناصرىّ مدبّر المملكة، ورأس المشورة، ويشاركه فى الرأى الأمير بشتك الناصرىّ، وتمّ ذلك ورسم بتجهيز التشاريف والخلع إلى نوّاب البلاد الشاميّة على يد الأمير قطلوبغا الفخرىّ، ورسم له بتحليف الأمراء والنوّاب بالبلاد الشاميّة على

العادة. ونودى بالقاهرة ومصر أن يتعامل الناس بالفضّة والذهب بسعر الله تعالى، فسّر الناس بذلك، فإنهم كانوا قد امتنعوا من التعامل بالفضة وألّا تكون معاملتهم إلّا بالذهب. ثم أفرج عن بركة الحبش «1» ، وكان النشو قد أخذها من الأشراف، وصار ينفق فيهم من بيت المال. ثم كتب إلى ولاة الأعمال برفع المظالم وألّا يرمى على بلاد الأجناد شعير ولا تبن. ثم فى يوم الخميس ثامن عشرين «2» ذى الحجّة أنعم الملك المنصور على عشرة أمراء بإمرة طبلخاناه. ثم جمع القضاة فى يوم السبت سلخه فى جامع «3» القلعة للنظر فى أمر الخليفة الحاكم بامر الله أحمد بن أبى الربيع سليمان وإعادته إلى الخلافة، وحضر معهم الأمير طاجار الدّوادار فاتّفقوا على إعادته لعهد أبيه إليه بالخلافة بمقتضى مكتوب ثابت على قاضى قوص «4» . ثم فى يوم الاثنين ثانى المحرّم سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة خلع السلطان على جميع الأمراء المقدّمين فى الموكب بدار العدل «5» ، وطلع القضاة وجلس الخليفة الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد على الدرجة الثالثة من تخت السلطان، وعليه خلعة خضراء وفوق عمامته طرحة سوداء مرقومة بالذهب، ثم خرج السلطان من باب السرّ «6» على العادة إلى الإيوان فقام له الخليفة والقضاة ومن كان جالسا من الأمراء، وجلس على

الدرجة الأولى دون الخليفة، وقام الخليفة وافتتح الخطبة بقوله عزّ وجلّ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ . ثم أوصى الأمراء بالرفق بالرعية وإقامة الحق وتعظيم شعائر الإسلام ونصرة الدين، ثم قال: فوّضت إليك جميع أحكام المسلمين، وقلّدتك ما تقلّدته من أمور الدين. ثم تلا قوله تعالى: [إِنَّ «1» الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ] (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً. وجلس فجىء فى الحال بخلعة سوداء فألبسها الخليفة السلطان بيده، ثم قلّده سيفا عربيّا، وأخذ القاضى علاء الدين علىّ بن فضل الله كاتب السرّ فى قراءة عهد الخليفة للسلطان حتّى فرغ منه، ثم قدّمه إلى الخليفة فكتب عليه، ثم كتب بعده قضاة القضاة بالشهادة عليه، ثم قدّم السّماط فأكلوا وانقضت الخدمة. ثم قدم الأمير بيغرا فى يوم الخميس خامس المحرّم من عند الأمير أحمد ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون من الكرك وقد حلّفه بمدينة الكرك لأخيه السلطان الملك المنصور هذا، ففرح الناس بذلك. ثم فى يوم الأحد ثامن المحرّم قبض على الأمير بشتك الناصرىّ، وذلك أنه طلب أن يستقرّ فى نيابة الشام، ودخل على الأمير قوصون وسأله فى ذلك وأعلمه أنّ السلطان كان قبل موته وعده بها وألحّ فى سؤاله، وقوصون يدافعه ويحتّج عليه بأنه قد كتب إلى الأمير ألطنبغا الصالحىّ نائب دمشق تقليدا باستمراره فى نيابة

دمشق على عادته ولا يليق عزله سريعا، فقام عنه بشتك وهو غير راض، فإنه كان قد توهّم من قوصون وخشى منه على نفسه وطلب الخروج من ديار مصر لما كان بينهما قديما من المنافرة، ولأنّ قوصون صار الآن متحكّما فى الدولة، فلمّا خرج بشتك من عند قوصون وهو غير راض سعى بخاصّكيّة السلطان وحمل إليهم مالا كثيرا فى السرّ، وبعث إلى الأمراء الكبار وطلب منهم المساعدة، فما زالوا بالسلطان حتى أنعم عليه بنيابة الشام وطلب الأمير قوصون وأعلمه بذلك فلم يوافقه، وقرّر مع السلطان أنه يحدّث الأمراء فى ذلك ويعدهم بأنه يولّى بشتك إذا قدم الأمير قطلوبغا الفخرىّ من تحليف نائب الشام وبنسخة اليمين، فلمّا دخل الأمراء عرّفهم السلطان طلب بشتك بنيابة الشام فأخذوا فى الثناء عليه والشكر منه، فاستدعاه وطيّب خاطره ووعده بها عند قدوم الفخرىّ، ورسم له بأن يتجهز للسفر، فظن بشتك أن ذلك صحيح، وقام مع الأمراء من الخدمة، وأخذ فى عرض خيوله وبعث لكل من أكابر الأمراء المقدّمين ما بين ثلاثة أرؤس إلى رأسين بالقماش المذهب الفاخر، وبعث معها أيضا الهجن، ثم بعث إلى الأمراء الخاصّكيّة مثل ملكتمر الحجازىّ وألطنبغا الماردانىّ شيئا كثيرا من الذهب والجوهر واللؤلؤ والتحف. وفرّق عدّة من الجوارى فى الأمراء بحيث إنه لم يبق أحد من الأمراء إلا وأرسل إليه. ثم فرّق على مماليكه وأجناده وأخرج ثمانين جارية بعد ما شوّرهنّ بالأقمشة والزراكش وزوجهنّ. وفرّق من شونته على الأمراء اثنى عشر ألف إردب غلة. وزاد بشتك فى العطاء حتى وقع الإنكار عليه واتّهمه السلطان والأمير قوصون بأنه يريد الوثوب على السلطان وعملوا هذا من فعله حجّة [للقبض «1» ] عليه، وكان ما خصّ الأمير قوصون من تفرقة بشتك فى هذه النّوبة حجرين من حجارة معاصير

القصب بما فيهما «1» من القنود «2» والسكر والأعسال والأبقار والغلال والآلات، وخمسمائة فدّان من القصب مزروعة فى أراض ملك له، وغير ذلك، فأدهش الأمراء كثرة عطائه، واستغنى منه جماعة من مماليكه وحواشيه. ولما كثرت القالة فيه بأنّه يريد إفساد الدولة خلا به بعض خواصّه وعرّفه ذلك وأشار عليه بإمساك يده عن العطاء، فقال: هم إذا قبضوا علىّ أخذوا مالى وأنا أحقّ بتفرقته منهم، وإذا سلمت فالمال كثير. هذا وقد قام قوصون فى أمر بشتك المذكور قياما حتّى وافقه السلطان على القبض عليه عند قدوم قطلوبغا الفخرىّ، فأشاع قوصون أنّ بشتك يريد القبض على الفخرىّ إذا حضر فبلغ ذلك بعض خواصّ قطلوبغا، فبعث إليه من تلقّاه وعرّفه بما وقع من تجهيز بشتك وأنّه على عزم من أن يلقاك فى طريقك ويقتلك، فكن على حذر، فأخذ قطلوبغا من الصالحيّة «3» يحترز على نفسه حتّى نزل سرياقوس «4» واتّفق من الأمر العجيب أنّ بشتك خرج إلى حوشه بالرّيدانيّة «5» خارج

القاهرة ليعرض هجنه وجماله فطار الخبر إلى قطلوبغا أنّ بشتك قد خرج إلى الرّيدانيّة فى انتظارك، فاستعدّ قطلوبغا ولبس السلاح من تحت ثيابه وسار حتّى تلقّاه عدّة كثيرة من مماليكه وحواشيه وهو على أهبة الخروج للحرب، وخرج عن الطريق وسلك من تحت الجبل لينجو من بشتك وقد قوى عنده صحّة ما بلغه، وكان عند بشتك علم من قدومه، فلمّا قرب من الموضع الذي فيه بشتك لاحت له غبرة خيل فحدس بشتك أنّه قطلوبغا الفخرى قد قدم، فبعث إليه أحد مماليكه يبلّغه سلامه وأنّه يقف حتّى يأتيه فيجتمع به، فلمّا بلغ الفخرىّ ذلك زاد خوفه من بشتك، فقال له: سلّم على الأمير وقل له: لا يمكن اجتماعه بى قبل أن أقف قدّام السلطان. ثم بعد ذلك اجتمع به وبغيره، فمضى مملوك بشتك وفى ظن قطلوبغا أنّه إذا بلّغه مملوكه الجواب ركب إليه، فأمر قطلوبغا مماليكه بأن يسيروا قليلا قليلا، وساق هو بمفرده مشوارا واحدا إلى القلعة، ودخل إلى السلطان وبلّغه طاعة النوّاب وفرحهم بأيّامه. ثم أخذ يعرّف السلطان والأمير قوصون وسائر الأمراء بما اتّفق له مع بشتك، وأنّه كان يريد معارضته فى طريقه وقتله فأعلمه السلطان وقوصون بما اتّفقا عليه من القبض على بشتك. فلما كان عصر اليوم المذكور، ودخل الأمراء إلى الخدمة على العادة بالقصر وفيهم الأمير بشتك، وأكلوا السّماط تقدّم الأمير قطلوبغا الفخرىّ والأمير طقزدمر إلى بشتك وأخذا سيفه وكتّفاه وقبض معه على أخيه «1» إيوان وعلى طولوتمر ومملوكين من المماليك السلطانيّة كانا يلوذان ببشتك، وقيّدوا جميعا وسفّروا إلى الإسكندريّة فى اللّيل صحبة الأمير أسندمر العمرىّ وقبض على جميع مماليكه ووقعت الحوطة على موجوده ودوره وتتبّعت غلمانه وحواشيه. وأنعم السلطان من إقطاع بشتك

على الأمير قوصون بخصوص «1» الشّرق زيادة على ما بيده، وأخذ السلطان المطريّة «2» ومنية ابن خصيب «3» وشبرا «4» ، وفرّق بقيّة الإقطاع على ملكتمر الحجازىّ وغيره من الأمراء. فلمّا أصبحوا يوم الاثنين تاسع المحرّم حملت حواصل بشتك، وهى «5» من الذهب العين مائتا ألف دينار مصريّة. ومن اللؤلؤ والجواهر والحوائص الذهب والكلفتاه الزّركش شىء كثير جدّا، هذا بعد أن فرّق غالب موجوده حسب ما تقدّم ذكره على الأمراء والمماليك. ثم أخرج السلطان الأمير أحمد شادّ الشّر بخاناه منفيّا إلى طرابلس لميله مع بشتك.

وفى يوم الخميس أنعم السلطان على أخويه: شعبان ورمضان كلّ واحد بإمرة. وفيه قبض السلطان على الأمير ناصر الدين محمد ابن الأمير بكتمر الحاجب لشىء أوجب ذلك. وفى يوم الاثنين ثالث عشرين المحرّم خلع السلطان الملك المنصور أبو بكر على الأمير طقزدمر الحموىّ بنيابة السلطنة بالديار المصريّة، وكان رشّح لها قبل تاريخه، فلبس الخلعة وجلس فى دست النيابة وحكم وصرّف الأمور. وفى يوم الاثنين سلخه قبض السلطان على الأمير آقبغا عبد الواحد وعلى أولاده، وخلع على الأمير طقتمر «1» الأحمدىّ واستقرّ أستادارا عوضا عن آقبغا المذكور، ورسم للأمير طيبغا المجدىّ والى القاهرة بإيقاع الحوطة على موجود آقبغا، وسلّم ولده الكبير إلى المقدّم إبراهيم بن صابر. وأصبح يوم الثلاثاء أوّل صفر فتحدّث الأمراء أن ينزل فى ترسيم «2» المجدىّ ليتصرّف فى أمره، فنزل فى صحبة المجدىّ وأخذ فى بيع موجوده، وكان السلطان قد حلف قديما أنّه متى تسلطن قبض عليه وصادره وضربه بالمقارع لأمور صدرت منه فى حقّه أيام والده الملك الناصر. فكان ممّا أبيع لآقبغا عبد الواحد سراويل لزوجته بمائتى ألف درهم فضّة وقبقاب وخفّ وسرموجة «3» بخمسة وسبعين ألف درهم، وثار به جماعة كثيرة من الناس ممن كان ظلمهم فى أيام تحكّمه وطلبوا حقوقهم منه وشكوه، فأقسم السلطان لئن لم يرضهم ليسمرنّه على جمل ويشهّره بالقاهرة ففرّق فيهم مائتى ألف درهم حتى سكتوا، وكادت العامة تقتله لولا المجدىّ لسوء سيرته وكثرة ظلمه أيّام ولايته. وفى يوم الأربعاء تاسع صفر قبض السلطان

على المقدّم إبراهيم بن صابر وسلّمه لمحمد بن شمس [الدين «1» ] المقدّم وأحيط بأمواله، فوجد له نحو سبعين حجرة «2» فى الجشار «3» ومائة وعشرين بقرة فى الزرايب ومائتى كبش وجوقتين كلاب سلوقيّة «4» وعدّة طيور جوارح مع البازداريّة «5» . ووجد له من الغلال وغيرها شىء كثير. ثم قدم الخبر على السلطان من الأمير طشتمر حمّص أخضر الساقى نائب حلب بخروج ابن دلغادر عن الطاعة وموافقته لأرتنا متملّك الروم على المسير لأخذ حلب، وأنّه قد جمع بأبلستين «6» جمعا كثيرا، وسأل طشتمر أن ينجده بعسكر من مصر، فتشوّش السلطان لذلك وعوّق الجواب. وفيه رسم السلطان بضرب آقبغا عبد الواحد بالمقارع فلم يمكّنه الأمير قوصون من ذلك فآشتدّ حنق السلطان وأطلق لسانه بحضرة خاصّكيّته فى حقّ قوصون وغيره، وفى ذلك اليوم عقد السلطان نكاحه على جاريتين من المولّدات اللّاتى فى بيت السلطان، وكتب القاضى علاء الدين بن فضل الله كاتب السرّ صداقهما، فخلع عليه السلطان وأعطاه عشرة آلاف درهم، ورسم السلطان لجمال الكفاة ناظر الخاصّ أن يجهّزهما بمائة ألف دينار، فشرع جمال الكفاة فى عمل الجهاز، وبينما هو فى ذلك ركب الأمير قوصون على السلطان بجماعة من الأمراء فى يوم السبت تاسع عشر صفر وخلعوه من الملك فى يوم الأحد عشرينه، وأخرج هو وإخوته إلى قوص «7» صحبة الأمير بهادر بن «8» جركتمر.

وكان سبب خلع الملك المنصور هذا أنّ المنصور كان قرّب الأمير يلبغا اليحياوىّ وشغف به شغفا كثيرا، ونادم الأمير ملكتمر الحجازىّ واختصّ به وبالأمير طاجار الدّوادار وبالأمير قطليجا الحموى وجماعة من الخاصّكيّة، وعكف على اللهو وشرب الخمر وسماع الملاهى فشقّ ذلك على الأمير قوصون وغيره لأنّه لم يعهد من ملك قبله شرب خمر فيما روى، فحملوا الأمير طقزدمر النائب على محادثته فى ذلك وكفّه عنه فزاده لومه إغراء وأفحش فى التّجاهر باللهو، حتى تكلّم به كلّ أحد من الأمراء والأجناد والعامّة، فصار فى الليل يطلب الغلمان لإحضار المغانى، فغلب عليه السّكر فى بعض الليالى فصاح من الشّباك على الأمير أيدغمش أمير آخور: هات لى قطقط «1» ، فقال أيدغمش: ياخوند، ما عندى فرس بهذا الاسم، فتكلّم بذلك السّلاخوريّة «2» والركابيّة «3» وتداولته الألسنة. قلت: وأظن قطقط كانت امرأة مغنّية. والله أعلم. فلمّا زاد أمره طلب الأمير قوصون طاجار الدّوادار والشّهابىّ شادّ العمائر، وعنّفهما ووبّخهما وقال لهما: سلطان مصر يليق به أن يعمل مقامات ويحضر إليه البغايا والمغانى! أهكذا كان يفعل والده؟ وعرّفهم أن الأمراء قد بلغهم ذلك وتشوّش خواطرهم، فدخلوا وعرّفوا السلطان كلامه، وزادوا فى القول، فأخذ جلساء الملك المنصور فى الوقيعة فى قوصون والتحدث فى القبض عليه وعلى الأمير

قطلوبغا الفخرىّ والأمير بيبرس الأحمدىّ والأمير طقزدمر النائب، فنمّ عليهم الأمير يلبغا اليحياوىّ لقوصون، وكان قد استماله قوصون بكثرة العطاء فيمن استمال من المماليك السلطانيّة. وعرّفه أن الاتّفاق قد تقرّر على القبض عليه فى يوم الجمعة وقت الصلاة، فانقطع قوصون عن الصلاة وأظهر أنّ برجله وجعا، وبعث فى ليلة السبت يعرّف بيبرس الأحمدىّ بالخبر ويحثّه على الركوب معه، وطلب المماليك السلطانيّة وواعدهم على الركوب وملأهم بكثرة المواعيد، ثمّ بعث إلى الأمير الحاج آل ملك والأمير چنكلى بن البابا وهؤلاء أكابر الأمراء فلم يطلع الفجر حتّى ركب الأمير قوصون من باب سرّ «1» القلعة بمماليكه ومماليك السلطان وسار نحو الصحراء «2» ، وبعث مماليكه فى طلب الأمراء فأتاه جركتمر وبهادر وبرسبغا وقطلوبغا الفخرىّ والأحمدىّ وأخذوا آقبغا عبد الواحد من ترسيم طيبغا المجدىّ، فسار معه المجدىّ أيضا، ووقفوا بأجمعهم عند قبّة «3» النصر ودقّت طبلخاناتهم، فلم يبق أحد من الأمراء حتّى أتى قوصون، هذا والسلطان وندماؤه وخاصّكيّته فى غفلة لهوهم وغيبة سكرهم إلى أن دخل عليهم أرباب الوظائف، وأيقظوهم من نومهم وعرّفوهم مادهوا به، فبعث السلطان طاجار الدوادار إلى الأمير طقزدمر النائب يسأله عن الخبر ويستدعيه، فوجد عنده چنكلى بن البابا والوزير وعدّة من الأمراء المقيمين بالقلعة، فامتنع طقزدمر من الدخول على السلطان، وقال: أنا مع الأمراء حتّى أنظر ما عاقبة هذا الأمر، ثم قال لطاجار: أنت وغيرك سبب هذا، حتى أفسدتم السلطان «4» بفسادكم ولعبكم، قل للسلطان يجمع مماليكه ومماليك أبيه حوله، فرجع طاجار وبلّغ السلطان ذلك، فخرج السلطان إلى الإيوان وطلب المماليك، فصارت

كلّ طائفة تخرج على أنّها تدخل إليه فتخرج إلى باب القلّة «1» حتى صاروا نحو الأربعمائة مملوك، وساروا يدا واحدة من باب القلّة إلى باب القلعة «2» ، فوجدوه مغلقا فرجعوا إلى النائب طقزدمر بعد ما أخرقوا بوالى باب القلعة وأنكروا عليه وعلى من عنده من الأمراء (أعنى عن الأمير طقزدمر) ، فقال لهم طقزدمر: السلطان ابن أستاذكم جالس على كرسىّ الملك وأنتم تطلبون غيره. فقالوا: ما لنا ابن أستاذ، وما لنا أستاذ إلّا قوصون، ابن أستاذنا مشغول عنا لا يعرفنا ومضوا إلى باب القرافة «3» وهدموا منه جانبا وخرجوا فإذا خيول بعضهم واقفة فركب بعضهم وأردف عدّة منهم ومشى باقيهم إلى قبّة النصر ففرح بهم قوصون والأمراء وأركبوهم الخيول وأعطوهم الأسلحة وأوقفوهم بين أصحابهم، ثم أرسل قوصون الأمير مسعود [بن «4» خطير] الحاجب إلى السلطان يطلب منه ملكتمر الحجازىّ ويلبغا اليحياوىّ، وهما من أمراء الألوف الخاصّكيّة وطاجار الدّوادار وغيرهم، ويعرّفه أنه أستاذه وأستاذ جميع الأمراء وابن أستاذهم وأنهم على طاعته وإنما يريدون هؤلاء لما صدر منهم من الفساد ورمى الفتن، فطلع الأمير مسعود فوجد السلطان بالإيوان من القلعة، وهم حوله فى طائفة من المماليك فقبّل الأرض وبلّغه الرسالة، فقال السلطان: لا كيد ولا كرامة لهم. وما أسّير مماليكى ومماليك أبى لهم، وقد كذبوا فيما نقلوا عنهم ومهما قدروا عليه يفعلوه، فما هو إلّا أن خرج عنه الأمير مسعود حتى اقتضى رأيه بأن يركب بمن معه وينزل من القلعة ويطلب

النائب طقزدمر ومن عنده من الأمراء والمماليك ويدقّ كوساته، فتوجه إلى الشّباك وأمر أيدغمش أمير آخور أن يشدّ الخيل للحرب، فأخبره أنه لم يبق فى الإسطبل غلام ولا سايس ولا سلاخورىّ «1» يشدّ فرسا واحدا، فبعث إلى النائب يستدعيه فامتنع عليه، وبعث الأمير قوصون بلك الجمدار وبرسبغا إلى طقزدمر النائب يعلماه «2» بأنه متى لم يحضر الغرماء إليه وإلا زحف على القلعة وأخذهم غصبا، فبعث طقزدمر إلى السلطان يشير عليه بإرسالهم، فعلم السلطان أنّ النائب وأمير آخور قد خذلاه، فقام ودخل على أمّه فلم يجد الغرماء بدّا من الإذعان، وخرجوا إلى النائب، وهم الأمير ملكتمر الحجازىّ وألطنبغا الماردانىّ ويلبغا اليحياوىّ، وهؤلاء مقدمو الألوف، وأحد خواصّ الملك الناصر محمد بن قلاوون- رحمه الله- وطاجار الدّوادار والشهابىّ شادّ العمائر وبكلمش الماردينىّ وقطليجا الحموىّ، فبعثهم طقزدمر النائب إلى قوصون صحبة بلك الجمدار وبرسبغا، فلمّا رآهم قوصون صاح فى الحاجب أن يرجّلهم عن خيولهم من بعيد فأنزلوا إنزالا قبيحا وأخذوا حتى أوقفوا بين يدى قوصون، فعنّفهم ووبّخهم وأمر بهم فقيّدوا وعملت الزناجير «3» فى رقابهم، والخشب فى أيديهم ثم تركهم فى خيم ضربت لهم عند قبّة النصر. واستدعى طقزدمر النائب والأمير چنكلى بن البابا والوزير والأمراء المقيمين بالقلعة والأمير أيدغمش أمير آخور فنزلوا اليه واتّفقوا على خلع الملك المنصور وإخراجه، فتوجّه الأمير برسبغا فى جماعة إلى القلعة وأخرج الملك المنصور وإخوته وهم سبعة نفر، ومع كلّ منهم مملوك صغير وخادم وفرس وبقجة قماش، وأركبهم إلى شاطئ النيل وأنزلهم فى حرّاقة «4» وسار بهم إلى قوص،

ولم يترك بالقلعة من أولاد الملك الناصر محمد بن قلاون إلّا كچك، ثم سلّم قوصون الأمراء المقيّدين إلى والى القاهرة، فمضى بهم إلى خزانة «1» شمائل وسجنهم بها إلا يلبغا اليحياوىّ، فإنّه أفرج عنه، وكان يوما عظيما بالديار المصريّة من إخراج أولاد السلطان الملك الناصر على هذه الصورة، وحبس هؤلاء الأمراء الملوك فى خزانة شمائل وتهتّك حرم السلطان على إخراج أولاد الناصر، وكثر البكاء والعويل بالقاهرة، فكان هذا اليوم من أشنع الأيام. وبات قوصون ومن معه ليلة الأحد بخيامهم فى قبّة النصر خارج القاهرة، وركبوا بكرة يوم الأحد العشرين من صفر إلى قلعة الجبل واتّفقوا على إقامة كچك ابن الملك الناصر محمد فى السلطنة، فاقيم وجلس على كرسىّ الملك حسب ما يأتى ذكره فى أوّل ترجمته. وخلع الملك المنصور فى يوم السبت تاسع عشر صفر من سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، فكانت مدّة ملكه على مصر تسعة وخمسين يوما، ومن حين قلّده الخليفة [ثمانية «2» و] أربعين يوما، لأنّه لمّا تسلطن كان الخليفة [الحاكم «3» بأمر الله أحمد بن أبى الربيع سليمان] المستكفى لم يتمّ أمره فى الخلافة، ثم انتظم أمره بعد ذلك فبايع الملك المنصور حسب ما ذكرناه، وخلع الملك المنصور أبو بكر من السلطنة وسلم القلعة بغير قتال مع كثرة من كان معه من خواصّ أمراء أبيه ومماليكه، خذلان من الله تعالى!

وفى خلعه من السلطنة وإخراجه إلى قوص مع إخوته عبرة لمن اعتبر، فإن والده الملك الناصر محمد بن قلاوون كان أخرج الخليفة أبا الربيع سليمان المستكفى بأولاده وحواشيه إلى قوص منفيّا مرسّما عليه فقوصص الملك الناصر عن قريب فى ذرّيته بمثل ذلك، وأخرج أولاده أعزّ مماليكه وزوج ابنته، وهو قوصون الناصرىّ، فتوجّه الملك المنصور مع إخوته إلى قوص وصحبته بهادر «1» بن جركتمر مثل الترسيم عليه وعلى إخوته، وأقام بها نحو الشهرين، ودسّ عليه قوصون عبد المؤمن متولىّ قوص فقتله وحمل رأسه إلى قوصون سرّا فى أواخر شهر ربيع الآخر من سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، وكتموا ذلك عن الناس. فلمّا أمسك قوصون تحقّق الناس ذلك، وجاء من حاقق بهادر أنّه غرّق طاجار الدوادار واستحسّ على قتل المنصور، فطلب عبد المؤمن وقرّر فاعترف فسمّره السلطان الملك الناصر أحمد ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون، وقد تسلطن بعد أخيه كچك آخذا بدم أخيه الملك المنصور هذا. وكان الملك المنصور سلطانا كريما شابا حمل اليه مال بشتك ومال آقبغا عبد الواحد ومال برسبغا فوهب ذلك جميعه إلى الخاصّكيّة الأمراء من مماليك والده مثل ملكتمر الحجازىّ وألطنبغا الماردانىّ ويلبغا اليحياوىّ وطاجار الدّوادار، وهؤلاء كانوا عظماء أمراء الألوف من الخاصّكيّة وأعيان مماليك الملك الناصر محمد ابن قلاوون وأصهاره وأحبّهم وأحبّوه، فالتهى بهم عن قوصون وقوى بهم بأسه، فخاف قوصون عاقبة أمره وتقرّب خشداشيته إليه فدبّر عليه وعليهم حتّى تمّ له ذلك، وكانت الناس تباشرت بيمن سلطنته، فإنه لمّا تسلص انفعلت الأمور على أحسن

ما يكون ولم يقع بين الناس خلاف ولا وقع سيف حتّى خالف قوصون، فرموه بأمور وقبائح ودواهى، وادّعوا أنّه كان ينزل هو والمذكورون من مماليك أبيه إلى بحر النيل ويركب معهم فى المراكب وأشياء من ذلك، الله أعلم بصحّتها. ولم يكن مسك بشتك بخاطره ولا عن أمره إلّا مراعاة لخاطر قوصون لما كان بينهما من أيام أستاذهما الملك الناصر محمد من المنافرة. وكان الملك المنصور شابّا حلو الوجه، فيه سمرة وهيف قوام، وكان تقدير عمره ما حول العشرين سنة، وكان أفحل الإخوة وأشجعهم. زوّجه أبوه بنت الأمير سيف الدين طقزدمر الحموىّ. قال الشيخ صلاح الدين الصّفدىّ فى تاريخه: وعمل الناس عزاءه ودار جواره «1» فى الليل بالدّرارك «2» فى شوارع القاهرة أيّاما، وأبكين الناس وتأسّفوا عليه لأنّه خذل، وعمل عليه وأخذ بغتة، وقتل غضّا طريّا، ولو استمرّ لجاء منه ملك عظيم، كان فى عزمه ألّا يغيّر قاعدة من قواعد جدّه الملك المنصور قلاوون، ويبطل ما كان أحدثه أبوه من إقطاعات العربان وإنعاماتهم، وغير ذلك. انتهى كلام الصلاح الصّفدىّ باختصار. وأمّا أمر بشتك وحبسه فإنه كان من أجلّ مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون، وكان ثقل عليه فى أواخر أمره، فإنه لمّا مات بكتمر الساقى ورثه فى جميع أمواله «3» ، فى داره وإسطبله. وتزوّج بامرأته أمّ أحمد بن بكتمر الساقى واشترى جاريته

خوبى «1» بستة آلاف دينار، وكان معها من القماش ما قيمته عشرة آلاف دينار، وأخذ ابن بكتمر عنده. وكانت الشرقية «2» تحمى لبكتمر الساقى فحماها هو بعده، فعظم ذلك على قوصون ولم يسعه إلّا السّكات لميل السلطان إليه. وكان مع هذه الرياسة الضخمة غير عفيف الذّيل عن المليح والقبيح، وبالغ فى ذلك وأفرط حتّى فى نساء الفلّاحين وغيرهم. وكان سبب قربه من أستاذه الملك الناصر أنّ الملك الناصر قال يوما فى مبدأ أمره لمجد» الدين السّلّامىّ: أريد أن أشترى لى مملوكا يشبه بو سعيد ابن خربندا ملك التّتار، فقال مجد الدين: دع ذلك، فهذا بشتك يشبهه لا فرق بينهما فحظى عنده لذلك. ولمّا ندبه السلطان لمسك تنكز وتوجّه إلى الشام للحوطة على مال تنكز، ورأى أمر مشق طمع فى نيابتها ولم يجسر يفاتح السلطان فى ذلك، وبقى فى نفسه منها حزازة، فلمّا مرض السلطان وأشرف على الموت ألبس بشتك مماليكه، فإنّه كان بلغه عن قوصون أنّه ألبس مماليكه، ثم انتظم الأمر على أن السلطان جعل ابنه أبا بكر ولىّ عهده، وقد قدّمنا ذكر ذلك كلّه مفصّلا فى أواخر ترجمة الملك الناصر. فلمّا وقع ذلك قال بشتك: لا أوافق على سلطنة أبى بكر، ما أريد إلّا سيّدى أحمد الذي بالكرك. فلمّا مات السلطان وسجّى قام قوصون إلى الشّباك وطلب بشتك وقال له: يا أمير تعال، أنا ما يجيء منّى سلطان، لأنّى كنت أبيع

الطّسما «1» والكشاتوين «2» فى البلاد وأنت اشتريت منّى، وأهل البلاد يعرفون ذلك منّى، وأنت ما يجيء منك سلطان، لأنّك كنت تبيع البوزا «3» ، وأنا اشتريت ذلك منك، وأهل البلاد يعرفون ذلك كلّه، فما يكون سلطانا من عرف ببيع الطسما والبرغالى «4» ، ولا من عرف ببيع البوزا، وهذا أستاذنا هو الذي أوصى لمن هو أخبر به من أولاده، وهذا فى ذمّته وما يسعنا إلّا امتثال أمره حيّا وميّتا، وأنا ما أخالفك إن أردت أحمد أو غيره، ولو أردت أن تعمل كلّ يوم سلطانا ما خالفتك؛ فقال بشتك: كلّ هذا صحيح، والأمر أمرك، وأحضرا المصحف وحلف كلّ للآخر وتعانقا، ثم قاما إلى رجلى السلطان فقبّلاهما وبكيا، ووضعا ابن السلطان على كرسىّ الملك. وقد تقدم ذكر ذلك كلّه، وتمّ الأمر بينهما على ذلك، حتى بدا لبشتك أن يلى نيابة الشام فعاكسه قوصون فثارت الكمائن والضغائن القديمة بينهما حتى وقع ما حكيناه، وأمسك بشتك واعتقل بالإسكندريّة إلى أن قتل فى محبسه بالإسكندرية بعد أيام فى سلطنة الملك الأشرف كچك ابن الملك النّاصر محمد بن قلاوون فى شهر ربيع الآخر من سنة اثنتين وأربعين المذكورة، حسب ما يأتى ذكره. وبشتك هذا أوّل من أمسك من أمراء الدولة الناصريّة. وكان كريما مهابا، كان يذبح فى سماطه فى كل يوم خمسين رأسا من الغنم وفرهما لا بدّ منه، خارجا عن الدجاج والإوز والحلوى. انتهى ترجمة الملك المنصور أبى بكر بن محمد بن قلاوون. رحمه الله تعالى.

ذكر ولاية الملك الأشرف علاء الدين كچك على مصر

ذكر ولاية الملك الأشرف علاء الدين كچك «1» على مصر هو السلطان الملك الأشرف علاء الدين كچك ابن السلطان الملك الناصر، ناصر ناصر الدين أبى المعالى محمد ابن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفىّ الصالحىّ النّجمىّ. جلس على تخت الملك باتّفاق الأمراء بعد خلع أخيه أبى بكر ابن الملك الناصر محمد فى يوم الاثنين حادى عشرين صفر سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، وركب بشعار السلطنة ولقّب بالملك الأشرف ولم يكمل له من العمر خمس سنين، وقيل كان عمره دون سبع سنين. وأمّه أمّ ولد تسمّى أردو تركيّة الجنس وهو السلطان الرابع عشر من ملوك الترك بديار مصر، والثانى من أولاد الملك الناصر محمد ابن قلاوون. ولمّا تمّ أمره فى السلطنة جلس الأمراء واشتوروا فيمن يقيموه «2» فى نيابة السلطنة فرشّح الأمير أيدغمش أمير آخور فامتنع أيدغمش من ذلك فوقع الاتفاق على الأمير قوصون الناصرىّ فأجاب وشرط على الأمراء أن يقيم على حاله فى الأشرفية «3» من القلعة ولا يخرج منها إلى دار النيابة «4» خارج باب القلّة من القلعة، فأجابوه الأمراء

إلى ذلك، فاستقرّ من يومه فى النيابة، وتصرّف فى أمور المملكة، والسلطان آلة فى السلطنة، فقال فى ذلك بعض شعراء العصر: سلطاننا اليوم طفل والأكابر فى ... خلف وبينهم الشيطان قد نزغا فكيف يطمع من تغشيه «1» مظلمة ... أن يبلغ السّؤل والسلطان ما بلغا ثم اتّفقت الأمراء على إخراج الأمير ألطنبغا الماردانىّ من الحبس فأخرج من يومه. وفى ليلة الأربعاء ثالث عشرين صفر أخرج الأمير قطلوبغا الحموىّ وطاجار الدّوادار وملكتمر الحجازىّ والشّهابىّ شادّ العمائر من حبس خزانة شمائل بالقاهرة، وحملوا إلى ثغر الإسكندريّة فسجنوا بها. وتوجّه الأمير بلك الجمدار على البريد إلى حلب لتحليف النائب طشتمر الساقى المعروف بحمّص أخضر والأمراء، وتوجّه الأمير بيغر إلى دمشق بمثل ذلك إلى نائبها الأمير ألطنبغا الصالحىّ، وتوجّه الأمير جركتمر بن بهادر إلى طرابلس وحماة لتحليف نوّابها والأمراء، وكتب إلى الأعمال بإعفاء الجند عن المغارم. ثم ركب الأمير قوصون فى يوم الخميس رابع عشرينه فى دست النيابة، وترجّل له الأمراء ومشوا فى خدمته، وأخذ وأعطى وأنفق على

الأمراء لكلّ أمير مائة ومقدّم ألف: ألف دينار، ولكلّ أمير طبلخاناه خمسمائة دينار؛ ولكلّ أمير عشرة مائتى دينار، ولكلّ مقدّم حلقة خمسين دينارا، ولكلّ جندى خمسة عشر دينارا. ثم فى يوم [السبت «1» ] سادس عشرينه سمّر قوصون ولىّ الدولة أبا الفرج ابن خطير صهر النّشو، وكان قد توصّل إلى الملك المنصور بسفارة أستاذه ملكتمر الحجازىّ، ووقع منه أمور حقدها عليه قوصون لوقتها، ولمّا سمّر أشهر على جمل بمصر والقاهرة وقد أشعلت الشموع بالحوانيت والشوارع ودقّت الطبول وفرح الناس بتشهيره فرحا زائدا لأنّه كان ممّن بقى من حواشى النّشو وأصهاره، وفيه يقول الأديب جمال الدين إبراهيم «2» المعمار: قد أخلف النّشو صهر سوء ... قبيح فعل كما تروه أراد للشرّ فتح باب ... فأغلقوه وسمّروه ولمّا كان يوم الخميس مستهلّ شهر ربيع الأوّل من سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة أنعم قوصون على أحد وعشرين مملوكا من المماليك السلطانية بإمريات: منهم ستة طبلخاناه والبقيّة عشرات. وفى رابع عشر شهر ربيع الأوّل توجّه الأمير طوغان لإحضار الشهابىّ أحمد ابن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون من الكرك محتفظا به لينفى إلى أسوان «3» . وسبب ذلك أنّه ورد كتاب ملكتمر السّرجوانى نائب الكرك يتضمن أنّ أحمد المذكور خرج عن طوعه وكثر شغفه بشباب أهل الكرك وانهماكه فى معاقرة الخمر، وأنّه يخاف على نفسه منه أن يوافق الكركيين على قتله وطلب الإعفاء

من نيابة الكرك. ثمّ فى يوم السبت سابع «1» عشر شهر ربيع الأوّل المذكور خلع على الأمير طقزدمر الحموىّ نائب السلطنة بديار مصر بنيابة حماة عوضا عن الملك الأفضل ابن الملك المؤيّد الأيّوبى، وأنعم على الملك الأفضل بتقدمة ألف بدمشق، وأنعم على الأمير آقبغا عبد الواحد بإمرة بدمشق، ورسم لسفره [إليها «2» ] . وفى يوم الخميس ثانى عشرينه جلس السلطان الملك الأشرف كچك على تخت الملك وخلع على جميع الأمراء وأرباب الدولة بدار العدل. وقبّل الأمراء الأرض بين يديه ثم تقدّموا إليه على قدر مراتبهم وقبّلوا يده فكان عدّة الخلع فى هذا اليوم ألفا ومائتى خلعة. ثم فى تاسع عشرينه ورد كتاب الشهابىّ أحمد ابن الملك الناصر محمد من الكرك بأنه لا يحضر إلى القاهرة حتى يأتيه أكابر الأمراء إلى الكرك ويحلّفهم، ثم يحضر إخوته من بلاد الصعيد إلى قلعة الكرك، ويحضر بعد ذلك، وينتصب سلطانا فأجيب بأنه لم يطلب إلّا لشكوى النائب منه، وجهّزت له هدّية سنّية، وأنّه يحضر حتى تعمل المصلحة، فلم يكن بعد أيّام إلّا وحضر الأمير ملكتمر السّرجوانىّ نائب الكرك إلى القاهرة فى يوم الخميس رابع عشر ربيع الآخر، وأخبر الأمير قوصون وغيره بامتناع الشهابىّ أحمد من الحضور، وأنّه أقام على الخلاف، فاجتمع الأمراء بالقصر فى يوم الجمعة خامس عشرة للمشورة فى أمر أحمد المذكور، حتّى تقرّر الأمر على تجريد العساكر لأخذه. ثم فى يوم السبت سادس عشره ابتدأت الفتنة بين الأمير قوصون وبين المماليك السلطانية، وذلك أنّ قوصون أرسل يطلب من مقدّم المماليك مملوكا

من طبقة الزّمرّذيّة «1» جميل الصورة، فمنعه خشداشيته أن يخرج من عندهم، فتلطّف بهم المقدّم حتّى أخذه ومضى به إلى قوصون فبات عنده، ثم طلب من الغد نحو أربعة مماليك أخر أو خمسة، منهم شيخون «2» وصرغتمش وأيتمش عبد الغنى، فامتنع خشداشيتهم من ذلك، وقام منهم نحو المائة مملوك، وقالوا: نحن مماليك السلطان، ما نحن مماليك قوصون، وأخرجوا الطواشى المقدّم من عندهم على أقبح وجه، فمضى المقدّم إلى قوصون وعرّفه الحال، فأخرج إليهم قوصون الأمير برسبغا الحاجب وشاورشى دواداره فى عدّة من مماليكه ليأتوه بهم، فإذا بالمماليك قد تعصّبوا مع كبارهم وخرجوا على حميّة يريدون الأمير بيبرس الأحمدىّ، فإذا به راكب، فمضوا إلى بيت «3» الأمير چنكلى بن البابا فلقوه فى طريقهم؛ فقالوا له: نحن مماليك السلطان مشترى ماله، فكيف نترك ابن أستاذنا ونخدم غيره، من هو مملوك مثلنا فينال غرضه منّا ويفضحنا بين الناس وجهروا له بالكلام الفاحش، فتلطّف بهم چنكلى فلم يرجعوا عما هم عليه فحنق منهم، وقال: أنتم الظالمون بالأمس ولمّا خرجتم قلت لكم: طقزدمر نائب السلطنة: ارجعوا إلى خدمة

[ابن «1» ] أستاذكم قلتم: ما لنا ابن أستاذ غير قوصون، والآن تشكوا منه! فاعتذروا له ومضوا به؛ وقد حضر الأحمدىّ فاجتمعوا به، وتوجّهوا إلى منكلى بغا الفخرىّ فإذا قد وافاه برسبغا من عند قوصون، فأرادوا أن يوقعوا به فكفّهم الفخرىّ عنه، هذا وقوصون قد بلغه خبرهم، فأراد أن يخرج ويجمع الأمراء فما زال به من عنده حتّى سكن إلى بكرة النهار، فكانت تلك الليلة ليلة مهولة. ثمّ طلب الأمير قوصون چنكلى والأحمدىّ والفخرىّ وبقيّة الأمراء إليه، وأغراهم بالمماليك السلطانيّة وخوّفهم عاقبة أمرهم من استخفافهم بالأمراء، فبعثوا بالأمير مسعود الحاجب إليهم ليحضرهم فإذا جمعهم قد كثف وكثر، فلم يلتفتوا إليه فعاد فخرج إليهم ألطنبغا الماردانىّ وقطلوبغا الفخرىّ وهما أكبر الأمراء الخاصّكيّة من خشداشيتهم، وما زالا بهم حتّى أخذا من وقع عليه الطلب، ودخلوا بهم إلى قوصون، فقبّلوا يده فقام لهم وقبّل رأسهم وطيّب خواطرهم ووعدهم بكلّ خير وانصرفوا، وفى ذهن قوصون أنّه قد حصل الصلح، وذلك فى يوم السبت. فلمّا كان [ليلة «2» ] الاثنين وقت الغروب تحالف المماليك الناصريّة على قتل قوصون وبعثوا إلى من بالقاهرة منهم، فبات قوصون- وقد بلغه ذلك- على حذر، وركب يوم الاثنين ثامن عشر ربيع الآخر الموكب مع الأمراء تحت القلعة، وطلب أيدغمش أمير آخور، وأخذ قوصون يلوم الأمراء فى إقامته فى نيابة السلطنة، وهم يترضّوه ويعدوه بالقيام معه، فأدركه الأمير بيبرس الأحمدىّ وأعلمه بأنّ المماليك السلطانيّة قد اتفقوا على قتله، فمضى بهم (أعنى الأمراء) إلى جهة قبّة النصر فآرتجّت القلعة وقفلت أبوابها، ولبست

المماليك السلطانيّة السلاح بالقلعة وكسرو الزّردخاناه «1» السلطانيّة، هذا وقد امتلأت الرّميلة «2» بالعامّة، وصاحوا يا ناصريّة! نحن معكم، فأجابوهم من القلعة، فأشاروا لهم بالتوجّه إلى بيت «3» قوصون فتوجّهوا نحوه وكسروا بابه وهجموا عليه، وكسروا من كان يرمى عليهم من أعلى البيت، وبلغ ذلك قوصون، فعاد بمن كان معه، وأوقعوا بالعامّة

حتّى وصلوا إلى سور القلعة فرماهم المماليك من أعلى القلعة بالنّشّاب وأحموا العامّة، فقتل فى المعركة الأمير محمود صهر الأمير چنكلى بن البابا بسهم نشّاب من القلعة، وقتل معه آخر، ووصلوا حاشية قوصون إلى إسطبل «1» قوصون، فقد بدأ النهب فيه، فقتلوا من العامّة جماعة كثيرة وقبضوا على جماعة، فلم تطق المماليك السلطانيّة مقاومة الأمراء فكفّوا عن القتال وفتحوا باب القلعة لهم، فطلع إليهم الأمير برسبغا الحاجب وأنزل ثمانية من أعيان المماليك السلطانيّة إلى قوصون. وقد وقف قوصون بجانب زاوية «2» تقىّ الدين رجب تحت القلعة، فوسط قوصون منهم واحدا اسمه صربغا، فإنّه الذي فتح خزائن السلاح وألبس المماليك، وأمر به قوصون فعلّق على باب زويلة، وأراد أن يوسّط البقيّة فشفع فيهم الأمراء، فحبسوا بخزانة شمائل مقيّدين. ثم رسم

قوصون بتسمير عدّة من العوامّ فسمّر منهم تسعة على باب زويلة، ثم أمر بالركوب على العامّة وقبضهم ففرّوا حتّى إنهم لم يقدروا منهم على حرفوش «1» واحد، ثم طلع قوصون إلى القلعة قريب العصر، ومدّ للأمراء سماطا فأكلوا وبقيت الأطلاب «2» والأجناد واقفة تحت القلعة إلى آخر النهار، فكان ذلك اليوم من الأيام المشهودة، وكان جملة من قتل فيه من الفئتين ثمانية وخمسين رجلا وانصرف الناس. ثم فى ليلة الثلاثاء طلع الأمير برسبغا الحاجب إلى طباق «3» المماليك بالقلعة ومعه عدّة من المماليك وقبضوا على مائة مملوك منهم وعملوا فى الحديد وحبسوا بخزانة شمائل، فمنهم من قتل ومنهم من نفى من مصر. ثم فى يوم الثلاثاء تاسع عشر ربيع الآخر سمّر قوصون تسعة من العوام. ثم فى يوم الأربعاء عشرينه سمّر قوصون أيضا ثلاثة من الطواشيّة فى عدّة من الحرافيش على باب زويلة، وسبب ذلك أنّ قوصون لما نزل من القلعة ومضى إلى قبّة النصر وقابلته المماليك السلطانيّة أخذت الطواشيّة فى الصياح على نسائه وأفحشوا فى سبّهنّ، واستمر الطواشيّة فى التسمير حتى مات أحدهم وشفع فى الاثنين. ثم عرض قوصون مماليك الأطباق، وأنعم على مائتين منهم بإقطاعات كبيرة، وعيّن جماعة منهم بإمريات. ثم أكثر قوصون من الإحسان إليهم وبينما قوصون فى ذلك قدم عليه كتب نائب الشام وأمراء الشام. وفيها كتب أحمد ابن السلطان الملك الناصر لهم مختومة لم تفكّ ففتحها قوصون فإذا فيها لنائب الشام أنه كاتب لنائب حلب الأمير طشتمر الساقى حمص أخضر وغيره

وأنهم اتفقوا معه وأكثر من الشكوى من قوصون، فأوقف قوصون الأمراء عليها وما زال بهم حتى وافقوه على تجريد العسكر إلى الكرك. وفى هذه الأيام ظهرت المماليك التى كانت الفتنة بسببهم عند خشداشيّتهم، فسلّم صرغتمش إلى الأمير ألطنبغا الماردانىّ، وسلّم أيتمش إلى الأمير أيدغمش أمير آخور، وسلّم شيخون إلى الأمير أرنبغا السّلاح دار، وهؤلاء الأمراء الثلاثة ناصريّة. ثم أشيع بالقاهرة أنّ أحمد ابن الملك الناصر قد تحرّك من الكرك فى طلب المجىء إلى الديار المصريّة، فكثر الاضطراب ووقع الشروع فى تجهيز العساكر صحبة الأمير قطلوبغا الفخرىّ، واستحلفه قوصون، وبعث إليه بعشرة آلاف دينار، وعيّن معه أيضا الأمير قمارى أخا بكتمر الساقى ومعهما أربعة وعشرون أميرا، ما بين طبلخانات وعشرات، وأنفق على الجميع. ثم بعث قوصون إلى قطلوبغا الفخرىّ بخمسة آلاف دينار أخرى عند سفره وركب لوداعه صحبة الأمراء، حتى نزل بالرّيدانيّة «1» فى يوم الثلاثاء «2» خامس عشرين ربيع الآخر، وكلّ ذلك فى سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة. هذا والأمراء لم يكن منهم أحد راضيا بسفر هذه التجريدة، بل أشار الأمير الحاج آل ملك والأمير چنكلى بن البابا على قوصون بأنه لا يحرّك ساكنا فلم يقبل قوصون، وكانا أشارا عليه بأنّه يكتب إلى أحمد بن الناصر يعتبه على مكاتبته لنائب الشام وغيره، فكتب إليه بذلك فأجاب بأنّ طوغان أسمعه كلاما فاحشا وأغلظ عليه فى القول فحمله الحنق على مكاتبة نائب الشام، وأنّ قوصون والده بعد والده ونحو ذلك، فلم يقنع قوصون ذلك، وجهّز العساكر لأخذه، وبعد خروج العساكر ركب الأمير قوصون فى يوم الثلاثاء ثالث جمادى الأولى إلى سرياقوس وصحبته الأمراء على عادتهم [توجه

السلطان «1» ثم عاد] . وبعد مدّة يسيره ظهر للأمير قوصون مخالفة الأمير طشتمر الساقىّ نائب حلب المعروف بحمّص أخضر، وسبب مخالفته أنّه شقّ عليه إخراج أولاد استاذه الملك الناصر إلى الصعيد، وأيضا تجهيز العساكر لقتال أحمد ابن الملك الناصر بالكرك، وكان قد بعث إليه أيضا أحمد ابن الملك الناصر يشكو من قوصون، وأنه يريد القبض عليه ويطلب منه النّصرة عليه، فكتب طشتمر إلى أمراء الديار المصريّة وإلى قوصون بالعتب، فقبض على قاصده بقطيا «2» وسجن، وكتب قوصون إلى الأمير ألطنبغا الصالحىّ نائب الشام بأن الأمير طشتمر حمّص أخضر نائب حلب شرع يتكلم فى إقامة الفتنة وأنه لا يصغى إلى قوله، وبعث إليه بأشياء كثيرة من الهدايا والتحف فأجاب ألطنبغا نائب الشام بالسمع والطاعة والشكر والثناء. ولما تمّ لقوصون ذلك وقع بينه وبين الأمير أيدغمش أمير آخور، وكادت الفتنة تقوم بينهما وأغلظ أيدغمش لقوصون فى الكلام، وسببه أن بعض مماليك أمير على بن أيدغمش وشى إليه بأنّ قوصون قرر مع برسبغا الحاجب أن يبيت بالقاهرة ويركب فى عدّة من مماليك قوصون ويكبس على أيدغمش، فأخذ أيدغمش فى الاحتراز، وامتنع من طلوع القلعة أياما بحجة أنه متوعّك، وكان ذلك بعد أن تصالحا بعد تفاوضهما بمدّة يسيرة، وصار أيدغمش إذا سيّر قوصون النائب بالرّميلة «3»

فى أيام المواكب يغلق أيدغمش باب الإسطبل السلطانى، ويوقف طائفة من الأوجاقية عليه، فاشتهر الخبر بين الناس وكثرت الفالة، وبلغ قوصون تغير خاطر أيدغمش عليه، فخلف للأمراء أنه ما يعرف لتغيره سببا، فما زالت الأمراء بآيدغمش حتى طلع القلعة، وعرّف قوصون بحضرة الأمراء ما بلغه، فخلف قوصون على المصحف أن هذا لم يقع منه، ولا عنده منه خبر وتصالحا. وبعث إليه أيدغمش بعد نزوله إلى الإسطبل الناقل إليه فردّه قوصون إليه ولم يعاقبه. ثم قدم الخبر بوفاة الأمير بشتك الناصرىّ المقدم ذكره بمحبسه بثغر الإسكندريّة، فاتّهم قوصون بقتله، وكان الأمير قوصون قد أنشأ قاعة لجلوسه مع الأمراء من داخل باب القلّة «1» ، وفتح فيها شبّاكا يطلّ على الدّركاه، وجلس فيه مع الأمراء، ومدّ سماطا بالقاعة المذكورة وزاد فى سماطه من الحلوى والدّجاج والإوزّ ونحو ذلك، وأكثر من الخلع والإنعامات، وصار يجلس مع الأمراء بالقاعة المذكورة، فلمّا قدم الخبر بموت بشتك تغيّر خاطر جماعة كثيرة من الأمراء وغيرهم لموته، فما زال بهم قوصون حتّى صالحهم وحلف لهم. ثم قدم الخبر من عبد المؤمن والى قوص بأن الملك المنصور أبا بكر وجد فى نفسه تغيّرا، وفى جسده توعّكا لزم الفراش منه أياما ومات، واتّهم قوصون أيضا بأنّه أمر عبد المؤمن بقتله، فتغيّر لذلك خاطر الأمراء والمماليك الناصرية قاطبة وهم يوم ذاك عساكر الإسلام ومن سواهم فقليل.

ثم قدم الخبر على قوصون بنزول العسكر الذي صحبة الأمير قطلوبغا الفخرىّ على مدينة الكرك وقد امتنعت منه واستعدّ أهلها للقتال، وكان الوقت شتاء فأقام العسكر نحو عشرين يوما فى شدّة من البرد والأمطار والثلوج وموت الدواب، وتسلط أهل الكرك عليهم بالسب واللّعن والتّوبيخ وشنّوا الغارات عليهم وصاروا يقطعون قربهم ورواياهم؛ هذا وقوصون يمد الفخرىّ بالأموال ويحضّه على لزوم الحصار. ثم قدم الخبر من دمشق بأن تمر الموسوىّ قدم من حلب واستمال جماعة من الأمراء إلى طشتمر الساقى حمّص أخضر نائب حلب، فكتب قوصون بالقبض عليه. ثم حمل قوصون تشريفا إلى نائب حلب المذكور فلم يرض نائب حلب بالتشريف وردّه، وكتب إلى قوصون يعتبه على إخراج أولاد أستاذه إلى الصعيد، فأجابه قوصون بأعذار غير مقبولة. ثم قدم الخبر على قوصون أيضا من شطّى أمير العرب بأنّ قطلوبغا الفخرى قد خامر على قوصون، وحلف لأحمد بن الناصر هو ومن معه من الأمراء وأنّهم أقاموا أحمد سلطانا ولقّبوه بالملك الناصر؛ وذلك بمكاتبة الأمير طشتمر الساقى نائب حلب له يعتبه على موافقة قوصون وقد فعل بأولاد أستاذه ما فعل، ويعزم عليه أنّه يدخل فى طاعة أحمد، ويقوم بنصرته، فصادف ذلك من الفخرى ضجره من الإقامة على حصار الكرك وشدّة البرد وعظم الغلاء، فجمع من معه وكتب إلى أحمد يخاطبه بالسلطنة وقرّر الصلح معه، وكتب لنائب حلب بذلك فأعاد جوابه بالشكر، وأعلمه بأن الأمير طقزدمر نائب حماة وأمراء دمشق قد وافقوه على القيام بنصرة أحمد. وكان الأمير ألطنبغا الصالحىّ نائب الشام قد أحسّ بشىء من هذا فاحترس على الطّرقات، حتّى ظفر بقاصد طشتمر نائب حلب على طريق بعلبك ومعه كتب فأخذها منه، وبعث بها إلى قوصون، فقدمت ثانى يوم ورود كتاب شطّى بمخابرة

الفخرى، فإذا فيها: «الملكى الناصرىّ» فاضطرب قوصون وجمع الأمراء وعرّفهم ما وقع وأوقفهم على الكتب، وذكر لهم أنّه وصل منه إلى قطلوبغا الفخرى فى هذه السّفرة مبلغ أربعين ألف دينار سوى الخيل والقماش والتّحف. ورسم بإيقاع الحوطة على دور الأمراء المجرّدين مع الفخرى إلى الكرك، فما زال به الأمراء حتى كفّ عن ذلك. وألزم مباشريهم بحمل ما وصل إليهم وبجميع حواصلهم، وصار قوصون فى أمر مريج مما بلغه، وكتب إلى الأمير ألطنبغا الصالحى نائب الشام بخروجه لقتال طشتمر الساقى حمّص أخضر نائب حلب، ومعه نائب حمص ونائب صفد ونائب طرابلس، وكتب إليهم قوصون بالسمع والطاعة إلى طاعة نائب الشام، وحمل إليهم النفقات؛ فلما بلغ ألطنبغا الصالحى نائب الشام ذلك تجهّز وخرج من دمشق بعساكرها فى جمادى الآخرة فتلقّاه الأمير أرقطاى نائب طرابلس على حمص وصار من جملة عساكره، وأخبره بكتاب نائب حلب إليه يدعوه لموافقته وأنه ابى عليه. ثم بعث ألطنبغا نائب الشام إلى الأمير طقزدمر نائب جماة من استماله وحلّفه على طاعة الملك الأشرف كچك. ولما بلغ طشتمر حمص أخضر مجىء ألطنبغا نائب الشام إليه أرسل استدعى ابن دلغادر فقدم عليه فاتّفق معه على المسير إلى أبلستين، وسار به ومعه ما خفّ من أمواله وأخذ أولاده ومماليكه فأدركه عسكر حلب، وقد وصل إليهم كتاب نائب الشام بالاحتراس عليه ومنعه من الخروج من حلب، فقاتلوه عدّة وجوه فلم ينالوا منه غرضا، وقتل من الفريقين خمسة نفر وعادوا وأكثرهم جرحى. فلما وصل طشتمر إلى أبلستين كتب إلى أرتنا يستأذنه فى العبور إلى الروم فبعث إليه أرتنا بقاضيه وعدّة من ألزامه، وجهّز له الإقامات، فمضى طشتمر إلى قيصريّة «1» ، وقد توجّه أرتنا لمحاربة ابن دمرداش بعد أن رتب لطشتمر كلّ يوم ألفى درهم.

وأما ألطنبغا الصالحىّ نائب الشام فإنّه قدم إلى حلب وكتب إلى قوصون يعلمه بتسحّب طشتمر نائب حلب إلى جهة الروم، وأنّه استولى على مدينة حلب، فقدم كتابه على قوصون فى يوم الأربعاء ثانى شهر رجب. ثم فى يوم الاثنين سابع رجب فرّق الأمير قوصون إقطاعات الأمراء المجرّدين مع قطلوبغا الفخرى الخارجين عن طاعة قوصون؛ وعدّتهم اثنان وثلاثون أميرا، منهم أمراء طبلخانات ستة عشر، وأمراء عشرات ستة عشر، وأميران مقدمان: الفخرى وقمارى. ثم فى يوم الثلاثاء تاسع عشرين رجب قدم الأمير الشيخ على بن دلنجى القازانىّ أحد أمراء العشرات المجردين، وأخبر بمسير قطلوبغا الفخرىّ من الكرك إلى دمشق، وأنّه يريد مواقعته مع ألطنبغا الصالحى نائب الشام، وكان من خبره أنّ الأمير ألطنبغا لما دخل حلب أخذ موجود طشتمر حمص أخضر وباعه، وبينما هو فى ذلك بلغه دخول قطلوبغا الفخرى بمن معه إلى دمشق، وأنّه دعا للناصر أحمد، وقد وافقه آق سنقر السّلّارى نائب غزة وأصلم نائب صفد ومن تأخر من أمراء دمشق بها، مثل سنجر الجمقدار وتمر الساقى وأن آق سنقر نائب غزة وقف لحفظ الطرقات حتى لا يصل أحد من مصر إلى ألطنبغا الصالحى، وأن قطلوبغا أخذ فى تحصيل الأموال من دمشق للنفقة على الأمراء والجند، وأن الأمير طقزدمر نائب حماة قدم عليه فى غد دخوله، وركب الفخرى وتلقّاه وقوى بهم واستخدم جندا كثيرة ونادى بدمشق من أراد الإقطاع والنفقة فليحضر، وأخذ مالا كثيرا من التجّار، وأكره قاضى القضاة تقي الدين بن السبكى حتى أخذ مال الأيتام وأخذ أجر الأملاك والأوقاف لثلاث سنين فجمع مالا عظيما، وأتته جماعات من الأجناد والتّركمان، وكتب أوراقا من ديوان الجيش بأسماء الأجناد البطالين، وأنعم على البطّالين بالخيل والقماش والسلاح، وحلّف الجميع للسلطان الملك الناصر أحمد بن الناصر محمد بن

قلاوون، وعمل برسمه العصائب السلطانيّة والسناجق الخليفتية والكنابيش والسروج والغاشية والقبّة والطّير وسائر أبّهة السلطنة، وكتب إلى الملك الناصر أحمد يعرّفه بذلك فأجابه الناصر بالشكر والثناء، فلما سمع قوصون ذلك جمع الأمراء للمشورة فاتّفق الرأى على تجريد أمراء إلى غزة فتوجه برسبغا الحاجب وأمير محمود الحاجب وعلاء الدين علىّ بن طغريل فى جماعة. ثم كتب قوصون إلى ألطنبغا نائب الشام على يد أطلمش الكريمىّ بأن يسير من حلب إلى قتال الفخرى بدمشق، فتوجّه أطلمش الكريمى من البريّة لانقطاع الطريق حتّى وصل إلى حلب، وعرّف ألطنبغا الخبر، فخرج ألطنبغا بمن معه من العساكر وسار حتى قدم حمص، وقد خرج الفخرى من دمشق ونزل على خان لاچين وأمسك المضيق، وأقام الجبليّة والعشير على الجبلين ووقف هو بالعسكر فى وسط الطريق. وأما ألطنبغا فإنّه جلّف من معه من العساكر وسار من حمص يريد الفخرى حتى قرب منه. وعدد الجمعين نحو ثلاثة عشر ألف فارس، فتمهّل ألطنبغا كراهية لسفك الدماء، وأرسل إلى الفخرى رسلا، ودام على ذلك ثلاثة أيام فلم يتمّ بينهما أمر، وبعث قطلوبغا الفخرى إلى جماعة من أصحاب ألطنبغا يعدهم [ويستميلهم «1» ] حتى وافقوه. فلمّا تعبت الرسل بينهم ومات «2» العسكر من شدّة البرد بعث ألطنبغا فى الليل جماعة من أصحابه ليهجموا على الفحرى من ورائه، ويلقاهم هو من قدّامه، وركب من الغد، فمال كلّ أمير بمن معه من أصحابه إلى جهة الفخرى، وصاروا من جملته، فلم يبق معه سوى أرقطاى نائب طرابلس وأسنبغا بن [بكتمر «3» البوبكرى]

وأيدمر المرقبىّ من أمراء دمشق فانهزموا على طريق صفد إلى جهة غزة، والقوم فى أثرهم بعد أن كانت بينهم وقعة هائلة؛ انهزم فيها ألطنبغا نائب الشام. ثم التفت الفخرى إلى جهة دمشق وترك السير حلف ألطنبغا حتّى دخل دمشق مؤيّدا منصورا، وكتب فى الحال مع البريد إلى الأمير طشتمر الساقى حمّص أخضر نائب حلب يعرّفه بنصرته ويدعوه إلى الحضور من بلاد الروم، وأنّه فى انتظاره بدمشق. ثم حلف الفخرى ومن معه للملك الناصر أحمد وأمر الخطباء فدعوا له على منابر دمشق وضرب السّكّة باسمه. وأمّا ألطنبغا الصالحى نائب دمشق فإنّه وصل إلى غزّة بمن معه فتلقّاهم الأمير برسبغا الحاجب ورفقته، وكتب ألطنبغا إلى قوصون بما وقع فلمّا بلغ قوصون الخبر قامت قيامته وقبض «1» على أحمد شادّ الشرابخاناه وعلى قرطاى أستادار الفخرى. ثم قدم على قوصون كتاب الفخرى يعتبه على إخراج أولاد أستاذه إلى قوص وقتل الملك المنصور أبى بكر، وأنّ الاتفاق وقع على سلطنة الملك الناصر أحمد، ويشير عليه بأن يختار بلدا يقيم بها حتى يسأل له السلطان الملك الناصر أحمد فى تقليده نيابتها، فقام قوصون وقعد لمّا سمع ذلك، وجمع الأمراء فوقع الاتفاق على تجهيز التّقادم للأمراء بغزة، فجهز قوصون لكل من ألطنبغا نائب الشام وأرقطاى نائب طرابلس ثلاثين بذلة قماش وثلاثين قباء مسنجبة بطرازات زركش ومائتى خف ومائتى كلفتاه وكسوة لجميع مماليكهما وغلمانهما وحواشيهما، وجهز لكل من الأمراء الذين معهما ثلاث بذلات وأقبية بسنجاب وكسوة لمماليكهم وحواشيهم، وأخذ قوصون فى الإنعام على المماليك السلطانيّة، وأخرج ثلثمائة ألف دينار من الذخيرة لتجهيز أمره، حتى

يخرّج بالعساكر إلى الشام، وأخرج أربعمائة قرقل «1» وعدة زرديّات وخوذ وغيرها. وأنعم على جماعة من المماليك السلطانية بإمريات، وغير إقطاعات جماعة منهم. ثم كتب قوصون إلى الأمراء بمسيرهم من غزّة إلى جهة القاهرة، وهيّأ لهم الإقامات والخيول، وبعث إليهم بالحلاوات والفواكه وسائر ما يليق بهم. وبينما قوصون فى ذلك إذ ركب الأمراء عليه فى ليلة الثلاثاء تاسع عشرين رجب وقت العشاء الآخرة، وسبب ركوبهم عليه تنكّر قلوب الأكابر عليه لأمور بدت منه، منها: قتل الأمير بشتك الناصرىّ بغير ذنب، وهو أعزّ خشداشيته، ولم يكفه ذلك حتّى قتل الملك المنصور أبا بكر وهو ابن أستاذه، وكان يكفيه الخلع من الملك. ومنها قوّة الوحشة بينه وبين الأمير أيدغمش الناصرىّ أمير آخور وهو أكبر خشداشيته، فأخذ أيدغمش يدبّر عليه. وغيّر خواطر جماعة كثيرة عليه، إلى أن كان من انتصار قطلوبغا الفخرى على ألطنبغا الصالحى نائب الشام، وكان قوصون قد احتفل لقدوم ألطنبغا نائب الشام ومن معه احتفالا زائدا، وفتح ذخيرة السلطان وأكثر من النفقات والإنعامات حتى بلغت إنعاماته على الأمراء والخاصّكيّة ستمائة ألف دينار، فشاع بأنه يريد يتسلطن فخاف أيدغمش وغيره من تحكّمه فى السلطنة، وحرّض الأمراء الخاصّكيّة حتى وافقه الأمير علاء الدين ألطنبغا الماردانىّ والأمير يلبغا اليحياوىّ فى عدّة من المماليك السلطانيّة، وجمع كثير من أكابر الأمراء، منهم: الأمير الحاجّ آل ملك والأمير بدر الدين چنكلى بن البابا واتفقوا الجميع أنهم يسيروا جميعا إلى الكرك عند قدوم ألطنبغا نائب الشام وخروجهم إلى لقائه.

فلما كان يوم الاثنين «1» ركب الأمير قوصون فى الموكب تحت القلعة على العادة وطلب الأمير تلجك «2» ابن أخته وأخرجه إلى لقاء الأمير ألطنبغا الصالحىّ نائب الشام، وقد ورد الخبر بنزوله على بلبيس «3» ليأتى به سريعا، فوافاه ومن معه إلى بلبيس، فسأله فى القدوم إلى القاهرة بسرعة، فلم يوافقه على السرعة وقصد أن يكون حضوره فى يوم الخميس أوّل شعبان، وبات «4» ليلة الثلاثاء على بلبيس وركب من الغد ونزل سرياقوس، فبلغه ركوب الأمراء على قوصون، وأنه محصور بالقلعة، فركب بمن معه الى بركة «5» الحاج، وإذا بطلب قوصون وسنجقه قد وافوه فى نحو مائة مملوك، وأعلموه أنّ فى نصف الليل ركبت الأمراء واحتاطت بإسطبل قوصون، ثم حصروه فى قلعة الجبل، فخرجوا هم على حميّة حتى وصلوا إليهم؛ هذا ما كان من أمر ألطنبغا نائب الشام. وأمّا أمر قوصون فإنّه لما بعث تلجك ليأتيه «6» بالأمير ألطنبغا نائب الشام سريعا تحقّق أيدغمش وأصحابه أنّ قوصون فهم عنهم ما دبّروه فتواعد الأمير أيدغمش مع من وافقه على أن يركبوا فى الليل إلى الكرك، فجهّز كلّ منهم حاله، حتى كان ثلث الليل فتح الأمراء باب السور من قلعة الجبل ونزلوا إلى الأمير أيدغمش بالإسطبل

السلطانىّ، ثم مضى كلّ واحد إلى إسطبله فلم ينتصف الليل إلا وعامة الأمراء بأطلابهم فى سوق الخيل تحت القلعة، وهم: الأمير ألطنبغا الماردانىّ ويلبغا اليحياوىّ وبهادر الدّمرداشى والحاج آل ملك والجاولى وقمارى الحسنىّ «1» أمير شكار وأرنبغا وآق سنقر السّلّارىّ، وبعثوا إلى إسطبلات الأمراء مثل چنكلى بن [محمد بن «2» ] البابا وبيبرس الأحمدى وطرغاى «3» وقياتمر «4» والوزير ولبست مماليكهم وأخرجت أطلابهم، ثم خرج إليهم الأمير أيدغمش بمماليكه ومن عنده من الأوجاقيّة، ووقفوا جميعا ينتظرون نزول قوصون إليهم فأحسّ قوصون بهم وقد انتبه فطلب الأمراء المقيمين بالقلعة فأتاه منهم اثنا عشر أميرا، منهم چنكلى بن البابا وقياتمر والوزير، ولبست مماليك قوصون التى كانت عنده بالقلعة وسألته أن ينزل ويدرك إسطبله ويجتمع بمن فيه من مماليكه، وكانوا سبعمائة مملوك، وكان قوصون يغترّ بهم ويقول: إيش أبالى بالأمراء وغيرهم، عندى سبعمائة مملوك ألقى بهم كلّ من فى الأرض، فلم يوافقهم قوصون على النزول لما سبق فى القدم. وأقام قوصون بالقلعة إلى أن طلع النهار، فلمّا لم يظهر له حركة طمع أيدغمش فيه، وأمر الأوجاقية أن تطلع إلى الطبلخاناه «5» السلطانية

وأخرج لهم الكوسات «1» ، فذقّوا حربيّا. ثم نادى أيدغمش. معاشر أجناد الحلقة ومماليك السلطان والأجناد [و] البطّالين يحضروا، ومن ليس له فرس وليس له سلاح يحضر ويأخذ له الفرس والسلاح ويركب معنا، ويقاتل قوصون، فأتاه جماعة كثيرة من أجناد الحلقة والمماليك ما بين لابس سلاح وراكب وبين ماش وعلى حمار. وأقبلت العامّة كالجراد المنتشر لما فى نفوسهم من قوصون، فنادى لهم أيدغمش يا كسابة «2» : عليكم بإسطبل قوصون انهبوه فأحاطوا به ومماليك قوصون من أعلاه ترميهم بالنشاب حتى أتلفوا منهم عدّة كثيرة، فركب مماليك يلبغا اليحياوىّ من أعلى بيت «3» يلبغا. والبيت المذكور هو الآن موضع مدرسة السلطان حسن. وكان بيت يلبغا يشرف على بيت قوصون، فلمّا طلعوا مماليك يلبغا اليحياوى تسلّطوا على مماليك قوصون

ورموا عليهم بالنّشّاب مساعدة للعوام، وخرجوا منهم جماعة كثيرة وحالوا بينهم وبين العامة، فهجمت العامّة عند ذلك إسطبل قوصون ونهبوا زردخاناته وحواصله وأمواله وكسروا باب قصره بالفئوس بعد مكابدة شديدة وطلعوا إلى القصر ونهبوا ما فيه، وقوصون ينظر ذلك من شباك القلعة ويقول: يا مسلمين! ما تحفظون هذا المال، إما أن يكون لى أو يكون للسلطان، فقال أيدغمش: هذا شكرانه للناس، والذي عندك فوق من الجوهر والتّحف يكفى السلطان. وصار قوصون كلّما همّ للركوب بمماليكه كسّروا عليه الخاصكيّة وقالوا له: ياخوند غدا نركب ونقتل هؤلاء، وصاروا يهوّنوا عليه أمر أيدغمش وأصحابه لباطن كان لهم مع أيدغمش، حتى كان من أمره ما كان. ولمّا هجمت العامة بيت قوصون خرجوا مماليكه منه على حميّة وشقّوا القاهرة وتوجّهوا إلى عند الأمير ألطنبغا الصالحى نائب السام، فبعث أيدغمش فى أثرهم إلى ألطنبغا نائب الشام ومن معه بالسلام عليهم، وأن يمنعوا مماليك قوصون من الاختلاط بهم، فإنّ الأمير يلبغا اليحياوى والأمير آق سنقر قادمان فى جمع كبير لأخذ مماليك قوصون وحواشيه. فأمر ألطنبغا نائب الشام مماليك قوصون وتلجك وبرسبغا الحاجب أن يكونوا على حدة، ولبسوا الجميع وأخذ الأمير برسبغا مماليك قوصون وجماعته إلى جهة الجبل، فلقيهم الأمير يلبغا اليحياوى بمن معه على بعد، وكان ذلك بعد ما امسك قوصون، فسار خلفهم إلى قرب إطفيح «1» . وقيل فى أمر مماليك قوصون غير ذلك على ما سنذكره بعد القبض على قوصون. وأمّا قوصون فإنه بقى واقفا بشبّاك القلعة والعامّة تنهب فى بيته فلم يمض إلا ساعات من النهار حتى نهب جميع ما فى إسطبله، وقوصون يضرب يدا على يد

ويقول: يا أمراء! هذا تصرف جيّد، ينهب هذا المال جميعه، وكان أيدغمش قصد بذلك أن يقطع قلب قوصون. ثم بعث قوصون إلى أيدغمش يقول. إنّ هذا المال عظيم وينفع المسلمين والسلطان، فكيف تفعل هذا وتنادى بنهبه؟ فردّ جوابه: نحن قصدنا أنت ولو راح هذا المال وأضعافه، هذا كلّه والقلعة مغلّقة الأبواب، وجماعة قوصون يرمون من الأشرفيّة «1» بالنّشّاب إلى أن قرب العصر، والعامّة تجمع نشّابهم وتعطيه لمن هو من جهة أيدغمش. فلما رأى قوصون أمره فى إدبار سلّم نفسه، ودخل عليه الأمير بلك الجمدار وملكتمر السّرجوانى يأمراه «2» أن يقيم فى موضع حتى يحضر ابن أستاذه من الكرك فيتصرّف فيه كما يختار، فلم يجد بدّا من الإذعان، وأخذ يوصى الأمير چنكلى بن البابا وأمير مسعود حاجب الحجّاب على أولاده، فأخذ وقيّد ومضوا به إلى البرج «3» الذي كان بشتك فيه، ورسم عليه جماعة من الأمراء. وكان الذي تولّى مسكه وحبسه چنكلى بن البابا وأمير مسعود الحاجب وأرنبغا أمير جاندار. وأمّا الأمير ألطنبغا الصالحىّ نائب الشام ومن معه فإن برسبغا وتلجك والقوصونيّة لمّا فارقوا ألطنبغا المذكور سار ألطنبغا وأرقطاى والأمراء يريدون

القاهرة، وأشار ألطنبغا نائب الشام على أرقطاى نائب طرابلس أن يرد برسبغا وتلجك والقوصونية ويقاتل بهم أيدغمش، فإنّه ينضم إليه جميع حواشى قوصون ويأخذوا أيدغمش ويحرجوا قوصون ويقيموه كبيرا لهم أو يخرجوه إلى حيث يختار، ويقيموا سلطانا أو ينتظروا أحمد فلم يوافقه أرقطاى على ذلك لعفّته عن سفك الدماء. فلمّا أعبا ألطنبغا أمره سارا «1» نحو القاهرة حتى وافيا أيدغمش وهو واقف تحت القلعة بأصحابه فأقبل أيدغمش عليهما وعانقهما وأمرهما أن يطلعا إلى القلعة فطلعا. ثم أرسل أيدغمش الأمير قازان والأمير آق سنقر خلف برسبغا وتلجك ومن معهما. وجلس أيدغمش مع ثقمانه من الأمراء وقرّر معهم تسفير قوصون فى الليل إلى الإسكندريّة، والقبض على ألطنبغا الصالحى نائب الشام وعلى أرقطاى نائب طرابلس ومن يلوذ بهما من الغد، فكان كذلك وقبض عليهم، وتسفير الأمير بيبرس الأحمدىّ والأمير چنكلى بن البابا لإحضار السلطان الملك الناصر أحمد من الكرك. ثم أخرج بالأمير قوصون من سجنه بقلعة الجبل فى ليلة الخميس مع مائة فارس حتّى أوصلوه إلى النيل وركب البحر ومضى به إلى الإسكندرية فسجن بها على ما سيأتى ذكره. وأمّا ما نهب لقوصون فى هذه الحركة فشىء كثير، فإنه كان فى حواصله من الذهب النّقد أربعمائة ألف دينار عين فى أكياس، ومن الحوائص الذهب والكلفتات الزركش والأوانى فشىء لا ينحصر، وثلاثة أكياس أطلس فيها فصوص وجواهر مثمّنة بما ينيف على مائة الف دينار، ومائة وثمانون زوج بسط، منها ما طوله أربعون ذراعا وثلاثون ذراعا، كلّها من عمل الروم وآمد وشيراز، وستة عشر زوجا

من عمل الشريف «1» بمصر. وأربعة أزواج بسط حرير لا يقوم عليها لحسنها، فانحطّ سعر الذهب من كثرة ما نهب لقوصون، حتّى صرف بأحد عشر درهما الدينار ممّا صار وكثر فى أيدى الناس بعد ما كان الدينار بعشرين درهما، ولأنّ أيدغمش نادى بعد ذلك بالقاهرة ومصر أنّ من أحضر من العامة ذهبا لتاجر أو صيرفى أو متعيّش يقبض عليه ويحضر به إلى أيدغمش، فكان من معه منهم ذهب «2» يأخذ فيه ما يدفع إليه من غير توقّف، فرخص سعر الذهب لذلك، وكثرت مرافعات الناس بعضهم لبعض فيما نهب، فجمع أيدغمش شيئا كثيرا من ذلك، فإن العامة يوم نهب إسطبل قوصون أخذوا من قصره حتّى سقوفه وأبوابه ورخامه وتركوه خرابا ثم مضوا إلى خانقاته «3» بباب القرافة فمنعهم صوفيتها من النهب فما زالت العامّة تقاتلهم حتّى فتحوها، ونهبوا جميع ما فيها حتى سلبوا الرجال والنساء ثيابهم، فلم يدعوا لأحد شيئا، وقطعوا بسطها وكسروا رخامها وأخربوا بركتها، وأخذوا الشبابيك وخشب السقوف والمصاحف وشعّثوا الجدر، ثم مضوا إلى بيوت مماليك قوصون وهم فى حشد «4» عظيم فنهبوها وخرّبوها وما حولها، وتتبعوا حواشى قوصون بالقاهرة والحكورة وبولاق والزّريبة «5» وبركة «6» قرموط وباعت العامة السقوف والأوانى بأخسّ

الأثمان وصارت العامة إذا أرادوا نهب أحد قالوا: هذا قوصونىّ!. فيذهب فى الحال جميع ماله، وزادت الأوباش فى ذلك حتى خرجوا عن الحدّ وشمل الخوف كلّ أحد، فقام الأمراء على أيدغمش وأنكروا عليه تمكين العامّة من النهب، فأمر لسبعة من الأمراء، فنزلوا إلى القاهرة، والعامّة مجتمعة على باب الصالحيّة «1» فى نهب بيت «2» القاضى الغورىّ الحنفىّ، فقبضوا على عدّة منهم وضربوهم بالمقارع وشهّروهم فآنكفّوا عن نهب الناس. انتهى. وأمّا أصل قوصون واتصاله بالملك الناصر محمد بن قلاوون حتى صار ساقيه أعظم مماليكه هو وبكتمر الساقى، لأن قوصون كان ممن حضر إلى الديار المصريّة من بلاد التّرك صحبة [خوند «3» ] بنت أزبك خان التى تزوجها الملك الناصر محمد بن قلاوون وهو غير مملوك، فلمّا كان فى بعض الأيام طلع قوصون إلى القلعة فى خدمة بعض التّجار فرآه السلطان الملك الناصر فأعجبه، فقال للتاجر: لأىّ شىء ما تبيعنى هذا المملوك؟ فقال التاجر: هذا ما هو مملوك، فقال الملك الناصر: لا بدّ أن أشتريه، ووزن ثمنه مبلغ ثمانية آلاف درهم، وجهّز الثمن إلى أخيه صوصون إلى البلاد «4» . ثم أنشأه الملك الناصر وجعله ساقيا، ثم رقّاه حتى جعله أمير مائة ومقدّم ألف، وعظم

عند الملك الناصر وحظى عنده وزوّجه بابنته وهى ثانية بنت زوّجها الملك الناصر لمماليكه فى سنة سبع «1» وعشرين وسبعماية، وكان له عرس حفل، احتفل به الملك الناصر، وحمل الأمراء التقادم إليه فكان جملة التقادم خمسين ألف دينار. ولما كان يقع بينه وبين بكتمر الساقى منافسة يقول قوصون: أنا ما تنقّلت من الإسطبلات إلى الطّباق، بل اشترانى السلطان وجعلنى خاصّكيّا مقرّبا عنده دفعة واحدة، فكان الملك الناصر يتنوّع فى الإنعام على قوصون حتى قيل إنه دفع إليه مرة مفتاح ذردخانات الأمير بكتمر الساقى بعد موته، وقيمتها ستمائة ألف دينار، قاله الشيخ صلاح الدين الصفدىّ فى «تاريخه» . ثم تزايد أمر قوصون حتى وقع له ما حكيناه. واستمرّ قوصون بسجن الإسكندرية هو وألطنبغا الصالحى نائب الشام وغيرهما حتى حضر الملك الناصر أحمد من الكرك وجلس على كرسى الملك بقلعة الجبل حسب ما يأتى ذكره، اتّفق آراء الأمراء على قتل قوصون فجهّزوا لقتله شهاب الدين أحمد بن صبح إلى الإسكندريّة فتوجّه إليها وخنق قوصون وألطنبغا نائب الشام وغيرهما فى شوّال سنة اثنتين وأربعين، وقيل فى ذى القعدة على ما يأتى بيان ذلك فى وقته. وخلّف قوصون عدّة أولاد من بنت أستاذه الملك الناصر محمد بن قلاوون. وكان أميرا جليلا كريما خيّرا شجاعا، وكان يعطى العطايا الهائلة، وكان إذا ركب للصيد فى أيام أستاذه يركب فى خدمته ثلث عسكر مصر، وكان يركب قدّامه بالقاهرة مائة نقيب، وكان أخوه صوصون أمير مائة ومقدّم ألف بالديار المصرية، وقيل أمير طلبخاناه. وكان وقع بين قوصون وبين تنكز نائب الشام، فلمّا قبض على تنكز وحمل إلى القاهرة ما عامله قوصون إلا بكل خير. ولما أمسك قوصون وقتل قال فيه الصلاح الصفدى:

قوصون قد كانت له رتبة ... تسمو على بدر السما الزاهر فحطّه فى القيد أيدغمش ... من شاهق عال على الطائر ولم يجد من ذلّه حاجبا «1» ... فأين عين الملك الناصر صار عجيبا أمره كلّه ... فى أوّل الأمر وفى الآخر وقال فى قوصون وفى واقعته عدّة من الشعراء من الشعر والبلاليق «2» والأزجال، وعملت الحلوانيّة مثاله فى حلاوة العلاليق «3» ، فقال فى ذلك جمال الدين إبراهيم «4» الأديب المعمار: شخص قوصون رأينا ... فى العلاليق مسمّر فعجبنا منه لمّا ... جاء فى التسمير سكر ولبعض عوامّ مصر قصيدة «كان وكان» أوّلها: من الكرك جانا الناصر ... وجب معه أسد الغابه ووقعتك يأمير قوصون ... ما كانت الّا كدّابه وأشياء غير ذلك، وقد خرجنا عن المقصود ولنرجع إلى ذكر أيدغمش وما فعله بمصر. وأما أيدغمش فإنه استمرّ مدبّر الديار المصريّة وقام بأمر السلطان الملك الناصر أحمد بن محمد بن قلاوون وجمع الأمراء وخلع الملك الأشرف علاء الدين كچك ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون من الملك فى يوم الخميس أوّل شعبان من سنة

اثنتين وأربعين وسبعمائة، فكانت مدّة سلطنته على مصر خمسة أشهر وعشرة أيام، ولم يكن له فيها من السلطنة إلّا مجرّد الاسم، فقط وليس له من الأمر شىء، وذلك لصغر سنّه، وكان المتصرّف فى المملكة فى سلطنته الأمير قوصون. وكانت إذا حضرت العلامة أعطى قوصون الأشرف كچك فى يده قلما، وجاء الفقيه الذي يقرئه القرآن فيكتب العلامة والقلم فى يد الأشرف كچك، واستمر الأشرف كچك بعد خلعه من السلطنة فى الدور السلطانية تحت كنف والدته وهو ووالدته فى ذلّ وصغار وهوان مع من تسلطن من إخوته، لا سيّما مع أمّ الملك الصالح إسماعيل، فكانت فى كلّ قليل إذا توعّك ولدها الملك الصالح إسماعيل، وكان كثير الضعف تتّهم المذكورة أنها تتعمّد له بالسّحر وتأخذ جواريها وحواشيها وتعاقبهم، وأخذت منها جملة مستكثرة فدامت على هذا مدّة سلطنة الملك الصالح، حتى نزل مرّة إلى سرحة سرياقوس وبعث دسّ عليه أربعة خدّام طواشيّة فقتلوه على فراشه فى سنة ست وأربعين وسبعمائة، وله من العمر اثنتا عشرة سنة، وعظم مصابه على والدته، بل على الناس قاطبة. رحمه الله تعالى.

ذكر ولاية الملك الناصر أحمد على مصر

ذكر ولاية الملك الناصر أحمد على مصر السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد ابن السلطان الملك الناصر ناصر الدين محمد ابن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون. تسلطن بعد خلع أخيه الأشرف كچك، وكان بويع بالسلطنة قبل خلع كچك أيضا وهو بقلعة الكرك حسب ما ذكرناه فى واقعة قطلوبغا الفخرى مع ألطنبغا الصالحىّ نائب الشام. وأمّ الملك الناصر هذا كان اسمها بياض، كانت تجيد الغناء وكانت من عتقاء الأمير بهادر آص رأس نوبة، وكانت تعرف بقومة «1» ، وكان للناس بها اجتماعات فى مجالس أنسهم، فلمّا بلغ السلطان الملك الناصر خبرها طلبها واختصّ بها وحظيت عنده فولدت أحمد هذا على فراشه. ثم تزوّجها بعد ذلك الأمير ملكتمر السّرجوانىّ فى حياة الملك الناصر محمد. انتهى. قلت: والملك الناصر أحمد هذا هو الخامس عشر من ملوك الترك بالديار المصريّة والثالث من أولاد الملك الناصر محمد بن قلاوون. والآن نذكر ما وقع بالديار المصريّة بعد خلع الأشرف كچك إلى حين دخول الملك الناصر هذا إليها من الكرك. ولمّا قبض أيدغمش على قوصون وخلع الملك الأشرف كچك من السلطنة حسب ما تقدّم ذكره بعث بالأمير چنكلى بن البابا والأمير بيبرس الأحمدىّ والأمير قمارى أمير شكار إلى الملك الناصر أحمد بالكرك وعلى يدهم كتب الأمراء يخبرونه بما وقع ويستدعونه إلى تخت ملكه. ثم جلس الأمير سيف الدين أيدغمش والأمير ألطنبغا الماردانى والأمير بهادر الدمرداشى والأمير يلبغا اليحياوىّ واستدعوا الأمراء فلما حضروا أمر أيدغمش بالقبض على ألطنبغا الصالحى الناصرى نائب الشام وعلى الأمير

أرقطاى نائب طرابلس وسجنا بقلعة الجبل وأمسكوا بعدهما سبعة «1» أمراء أخر من أمراء الطبلخاناه والأمير قياتمر أحد مقدمى الألوف وجركتمر بن بهادر أيضا من مقدّمى الألوف وعدّة أمراء أخر، حتى كانت عدّة من قبض عليه من الأمراء فى هذا اليوم خمسة وعشرين أميرا. ثم كتب الأمير أيدغمش إلى الأمير قطلوبغا الفخرى يعرفه بما وقع ويحرضه على الحضور صحبة السلطان الملك الناصر. ثم طلب أيدغمش جمال الدين يوسف والى الجيزة وخلع عليه بولاية القاهرة، فنزل إلى القاهرة فإذا بالعامّة فى نهب بيوت مماليك قوصون فقبض على عشرين منهم وضربهم بالمقارع وسجنهم بعد ما شهّرهم، فاجتمعت الغوغاء ووقفوا لأيدغمش وصاحوا عليه: ولّيت على الناس واحد قوصونى ما يخلّى منا واحدا! وعرفوه ما وقع فبعث الأوجاقية فى طلبه فوجدوه بالصّليبة «2» يريد القلعة فصاحت عليه الغوغاء: قوصونى! يا غيريّة «3» على الملك الناصر، ورجموه من كلّ جهة، فقامت الجبليّة والأوجاقية فى ردّهم فلم يطيقوا ذلك، وجرت بينهم الدماء، فهرب الوالى إلى إسطبل «4» ألطنبغا الماردانى، وحمته مماليك ألطنبغا من العامّة، فطلب أيدغمش الغوغاء وخيّرهم فيمن يلى فقالوا: نجم الدين الذي كان ولى قبل ابن المحسنى، فطلبه وخلع عليه فصاحوا بحياة الملك الصالح الناصر:

اعزل عنا ابن رخيمة المقدّم وحمامص رفيقه، فأذن لهم فى نهبهما فتسارع نحو الألف منهم إلى دار «1» ابن رخيمة بجانب بيت الأمير كوكاى فنهبوه ونهبوا بيت رفيقه ثم انكفّوا عن الناس. وفى يوم الجمعة ثانى شعبان دعى على منابر مصر والقاهرة للسلطان الملك الناصر أحمد. وفى يوم الاثنين خامسه تجمّعت العامّة بسوق «2» الخيل ومعهم رايات صفر وتصايحوا بالأمير أيدغمش: زوّدنا لنروح إلى أستاذنا الملك الناصر ونجىء صحبته، فكتب لهم مرسوما بالإقامة والرواتب فى كلّ منزلة. وتوجهوا مسافرين من الغد. وفى يوم الأربعاء سابع شعبان وصل الأمراء من سجن الإسكندريّة الذين كان سجنهم قوصون حتى أفرج عنهم أيدغمش، وهم الأمير ملكتمر الحجازىّ وقطليجا الحموىّ وأربعة وخمسون نفرا من المماليك الناصريّة. وكان قوصون لمّا دخل إلى الإسكندرية مقيّدا وافوه هؤلاء بعد أن أطلقوا فسلموا عليه سلام شامت فبكى قوصون واعتذر لهم بما صدر منه فى حقّهم. وعند ما قدموا إلى ساحل مصر ركب الأمراء إلى لقائهم، وخرجت الناس لرؤيتهم فكان لقدومهم يوم مشهود، حتى طلعوا إلى القلعة فتلقّت خوند الحجازية بنت السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون

زوّجها ملكتمر الحجازىّ بخدّامها وجواريها، ومغانيها تضرب بالدفوف والشّبّابات «1» فرحّابه، ومعها أختها زوجة بشتك تساعدها بالفرح وهى شامتة بقوصون لكونه قتل زوجها بشتك الناصرىّ قبل تاريخه هذا. وأختها بنت الملك الناصر الأخرى زوجة قوصون بجانبها فى عويل وبكاء وصياح ولطم على قوصون. وقد افترق جوارى الملك الناصر وأولاده فرقتين، فرقة مع الحجازية وفرقة مع القوصونيّة، والعجب أن هذا الفرح والعزاء كان قبل ذلك بالعكس، فكان العزاء إذ ذاك فى بيت الحجازىّ، والفرح فى بيت قوصون، والآن العزاء فى بيت قوصون والفرح فى بيت الحجازى وزوجة بشتك وإن كان فرط فى زوجها الفرط، فهى تساعد أختها الحجازيّة شماتة بقوصون، فحالها كقول من قال: وما من حبّه أحنو عليه ... ولكن بغض قوم آخرين فآنظر إلى هذا الدهر وتقلباته بأسرع وقت من حال إلى حال، فنعوذ بالله من زوال النّعم. ثم قدم بعد ذلك كتب الأمراء المتوجّهين إلى الكرك لإحضار الملك الناصر، أنهم لمّا قربوا من الكرك بعث كلّ منهم مملوكه يعرّف السلطان الملك الناصر بحضورهم إلى الكرك فبعث إليهم الملك الناصر رجلا نصرانيّا من نصارى الكرك يقول: يا أمراء، السلطان يقول لكم: إن كان معكم كتب فهاتوها أو مشافهة فقولوها، فدفعت الكتب إلى النصرانىّ فمضى بها ثم عاد من آخر النهار بكتاب مختوم وقال عن السلطان: سلّم على الأمراء وعرّفهم أن يقيموا بغزّة حتّى يرد عليهم ما يعتمدوه. وحضر مملوك من قبله يأمر الأمير قمارى بالإقامة على ناحية

صافيثا «1» ، ثم بعث إلى الأمراء بخاتم وكتاب يتضمّن إقامتهم على غزّة والاعتذار عن لقائهم، فعاد چنكلى والأحمدى إلى غزّة وتوجّه قمارى إلى ناحية صافيثا، فلمّا وقف الأمير أيدغمش على ذلك كتب من فوره إلى الأمير قطلوبغا الفخرىّ يسأله أن يصحب السلطان الملك الناصر فى قدومه إلى مصر ليجلس على تخت ملكه. ثم كتب أيدغمش للامراء بغزّة بالإقامة بها فى انتظار السلطان، وعرّفهم بمكاتبة الفخرىّ وأخذ أيدغمش فى تجهيز أمور السلطنة، وأشاع قدوم السلطان خوفا من إشاعة ما عامل الناصر أحمد به الأمراء فيفسد عليه ما دبّره، فلما قدم البريد بكتاب أيدغمش إلى دمشق وافى قدوم كتاب السلطان أيضا من الكرك يتضمّن القبض على طرنطاى البچمقدار «2» والأمير طينال، وحمل مالهم إلى الكرك. وكان قطلوبغا الفخرى قد ولّى طينال نيابة طرابلس وطرنطاى نيابة حمص فاعتذر الفخرى بأنّ طينال فى شغل

بحركة الفرنج، وأشار عليه بألّا يحرّك ساكنا فى هذا الوقت، وسأله سرمة حضور السلطان ليسير بالعساكر فى ركابه إلى مصر، وأكثر الفخرى من مصادرة الناس بدمشق. ثم قدم الأمير طشتمر الساقى المعروف بحمّص أخضر نائب حلب كان من بلاد الروم إلى الشام فتلقاه الفخرى وأنزله فى مكان يليق به، وكان فى كتاب الناصر أنه لا يخرج من الكرك حتّى يحضر الأمير طشتمر من بلاد الروم، فكتب الفخرى بحضوره إلى الناصر وأنّه يسرع فى مجيئه إلى دمشق. وأخذ الفخرى أيضا فى تجهيز ما يحتاج السلطان إليه، وفى ظنه أنّ السلطان يسير إليه بدمشق فيركب فى خدمته بالعساكر إلى مصر، فلم يشعر الفخرى إلّا وكتاب السلطان قد ورد عليه مع بعض الكركيّين يتضمّن أنّه يركب من دمشق ليجتمع مع السلطان على غزّة فشقّ ذلك عليه وسار من دمشق بعساكرها وبمن استخدمه حتّى قدم غزة فى عدّة كبيرة فتلقّاه الأمير چنكلى والأحمدى وقمارى أمير شكار. وأمّا أمر الديار المصريّة فإنّ الأميرين يلبغا اليحياوى وملكتمر الحجازىّ تفاوضا فى الكلام حتّى بلغا إلى المخاصمة، وصار لكل منهما طائفة ولبسوا آلة الحرب فتجمّعت الغوغاء تحت القلعة لنهب بيوت من عساه ينكسر من الأمراء، فلم يزل الأمير أيدغمش بالأمراء حتّى انكفوا عن القتال، وبعث إلى العامة عدّة من الأوجاقيّة فقبضوا على جماعة منهم وأودعهم بالسجن. ثم فى يوم الخميس سابع شهر رمضان قدم أولاد الملك الناصر محمد بن قلاوون من قوص إلى القاهرة، وعدّتهم ستة فركب الأمراء إلى لقائهم وهرعت العامّة إليهم فخرجوا من الحرّاقة وركبوا الخيول إلى القرافة حتى جاءوا تربة «1» جركتمر صاحت

العامّة هذه تربة الذي قتل أستاذنا الملك المنصور وهجموها وأخذوا ما فيها وأخربوها حتى صارت كوم تراب، فلمّا وصل أولاد السلطان تحت القلعة وافاهم الأمير جمال الدين يوسف والى القاهرة كان، فنزل وقبّل ركبة رمضان ابن الملك الناصر فرفسه برجله وسبّه وقال له: أتنسى ونحن فى الحرّاقة عند توجّهنا إلى قوص وقد طلبنا مأكلا من الجيزة فقلت خذوهم وروحوا إلى لعنة الله ما عندنا شىء! فصاحت بهم العامّة: بالله مكّنا من نهبه، هذا قوصونىّ! فأشار بيده أن انهبوا بيته فتسارعوا فى الحال إلى بيته «1» المجاور لجامع الظاهر بالحسينيّة، حتّى صاروا منه إلى باب الفتوح، فقامت إخوته ومن يلوذ به فى دفع العامة بالسلاح، وبعث الأمير أيدغمش أيضا لجماعة ليردّوهم عن النهب، وخرج إليهم نجم الدين والى القاهرة، وقد تقاتل القوم حتّى كفّهم عن القتال فكان يوما، مهولا، قتل فيه من العامّة «2» عشرة رجال، وجرح خلق كثير ولم ينتهب شىء. ثم قدم الخبر من غزّة بقدوم الفخرى وطقزدمر إلى غزّة واجتماعهم «3» مع چنكلى والأحمدى وقمارى، وهم فى انتظار السلطان، وأنّ الأمير أيدغمش يحلّف جميع أمراء مصر وعساكرها للملك الناصر على العادة، فجمعوا بالميدان «4» . فأخرجت نسخة اليمين المحضّرة، فإذا هى تتضمّن الحلف للسلطان ثم للأمير قطلوبغا الفخرى فتوقّف

الأمراء عن الحلف لقطلوبغا الفخرى، حتى ابتدأ الأمير أيدغمش فحلف فتبعه الجميع خوفا من وقوع الفتنة. وأمّا أمر الفخرى والأمراء فإنّهم لما وصلوا إلى غزّة جمع لهم نائبها آق سنقر الإقامات من الشعير والغنم. ثم كتب الأمراء جميعا إلى الملك الناصر بقدومهم إلى غزّة وعرّفوه بذلك واستحثوه على سرعة الحضور صحبة مماليكهم والأمير قمارى أمير شكار، فساروا إلى الكرك، وكان قد سبقهم إلى الكرك الأمير يحيى بن طايربغا صهر الأمير أيدغمش يستحثّ الملك الناصر أيضا على المسير الى مصر، فأقاموا جميعا ثلاثة أيام لم يؤذن لهم فى دخول المدينة. ثم أتاهم كاتب نصرانىّ وبازدار يقال له أبو بكر ويوسف بن النصّال وهؤلاء الثلاثة هم خاصّة الملك الناصر أحمد من أهل الكرك، فسلّموا عليهم وطلبوا ما معهم من الكتب، فشقّ ذلك على الأمير قمارى وقال لهم: معنا مشافهات من الأمراء للسلطان، لا بدّ من الاجتماع به، فقالوا: لا يمكن الاجتماع به، وقد رسم إن كان معكم كتاب أو مشافهة فأعلمونا بها، فلم يجدوا بدّا من دفع الكتب إليهم، وأقاموا إلى غد فجاءتهم كتب مختومة وقيل للأمير يحيى بن طايربغا: اذهب إلى عند الأمراء بغزّة فساروا عائدين إلى غزة، فإذا فى الكتب الثناء على الأمراء وأن يتوجهوا إلى مصر، فإن السلطان يقصد مصر بمفرده، فتغيّرت خواطر الأمراء وقالوا وطالوا، وخرج الفخرىّ عن الحدّ وأفرط به الغضب، وعزم على الخلاف، فركب إليه طشتمر حمّص أخضر والأمير چنكلى ابن البابا والأمير بيبرس الأحمدى، وما زالوا به حتّى كفّ عمّا عزم عليه، ووافق على المسير، وكتبوا بما كان من ذلك إلى الأمير أيدغمش، وتوجّهوا جميعا من غزّة يريدون مصر. وكان أيدغمش قد بعث ابنه بالخيل الخاصّ إلى السلطان، فلمّا وصل إلى الكرك أرسل السلطان من أخذ منه الخيل، ورسم بعوده إلى أبيه،

وأخرج رجلا من الكرك يعرف بأبى بكر البازدار ومعه رجلان ليبشّروا بقدومه، فوصلوا إلى الأمير أيدغمش فى يوم الاثنين خامس عشرينه «1» ، وبلّغوه سلام السلطان وعرّفوه أنّه كان قد ركب الهجن وسار على البريّة صحبة العرب، وأنه يصابح أو يماسى، فخلع عليهم وبعث بهم إلى الأمراء، فأعطاهم كلّ أمير من الأمراء المقدّمين خمسة آلاف درهم، وأعطاهم بقيّة الأمراء على قدر حالهم، وخرج العامّة إلى لقائه. فلمّا كان يوم الأربعاء سابع عشرين شهر رمضان قدم قاصد السلطان إلى الأمير أيدغمش بأنّ السلطان يأتى ليلا من باب القرافة، وأمر أن يفتح له باب السرّ حتى يعبر منه، ففتحه وجلس أيدغمش وألطنبغا الماردانىّ حتى مضى جانب من ليلة الخميس ثامن عشرينه أقبل السلطان فى الليل فى نحو العشرة رجال من أهل الكرك، وقد تلثّم وعليه ثياب مفرّجة فتلقوه وسلّموا عليه، فلم يقف معهم، وأخذ جماعته ودخل بهم، ورجع الأمراء وهم يعجبون من أمره، وأصبحوا وقد دقّت البشائر بالقلعة وزيّنت القاهرة ومصر، واستدعى السلطان أيدغمش فى بكرة يوم الجمعة، فدخل عليه وقبّل له الأرض فاستدناه وطيّب خاطره، وقال له: أنا ما كنت أتطلع إلى الملك وكنت قانعا بذلك المكان، فلمّا سيّرتم فى طلبى ما أمكننى إلا أن أحضر كما رسمتم، فقام أيدغمش وقبّل الأرض ثانيا، ثم كتب عن السلطان إلى الأمراء الشاميّين يعرّفهم بقدومه إلى مصر وأنه فى انتظارهم، وكتب علامته بين الأسطر: «المملوك أحمد بن محمد» . وكتب إليهم أيدغمش كتابا، وخرج مملوكه بذلك على البريد فلقيهم على الورّادة» فلم يعجبهم هيئة عبور السلطان إلى مصر، وكتبوا

إلى أيدغمش أن يخرج إليهم هو والأمراء إلى سرياقوس ليتفقوا على ما يفعلوه. فلمّا كان يوم عيد الفطر منع السلطان الأمراء من طلوع القلعة، ورسم لكلّ أمير أن يعمل سماطه فى داره، ولم ينزل السلطان لصلاة العيد، وأمر الطواشى عنبر السّحرتى مقدّم المماليك ونائبه الطواشى الإسماعيلى أن يجلسا على باب القلعة ويمنعا من يدخل عليه، وخلا بنفسه مع الكركيين. وكان الحاج علىّ «إخوان «1» سلّار» إذا أتى بطعام للسلطان على عادته خرج إليه يوسف وأبو بكر البازدار وأطعماه ششنى الطعام وتسلّما السّماط منه وعبرا به إلى السلطان، ويقف الحاجّ على «إخوان سلّار» بمن معه حتى يخرج إليهم الماعون. وحكى الرئيس جمال الدين بن المغربى رئيس الأطباء أنّ السلطان استدعاه وقد عرض له وجع فى رأسه فوجده جالسا وبجانبه شابّ من أهل الكرك جالس، وبقية الكركيّين قيام فوصف له ما يلائمه وتردّد إليه يومين وهو على هذه الهيئة. انتهى. ثم فى يوم الأحد تاسع شوّال قدم الأمير سيف الدين قطلوبغا الفخرى والأمير طشتمر الساقى حمّص أخضر وجميع أمراء الشام وقضاتها والوزراء ونوّاب القلاع فى عالم كبير حتى سدّوا الأفق ونزل كثير منهم تحت القلعة فى الخيم، وكان خرج إلى لقائهم الأمير أيدغمش والحاجّ آل ملك والجاولى وألطنبغا الماردانى وغيرهم، وأخذ

الفخرى يتحدّث مع أيدغمش فيما عمله «1» السلطان من قدومه فى زىّ العربان واختصاصه بالكركيّين، وإقامة أبى بكر البازدار حاجبه، وأنكر عليه ذلك غاية الإنكار، وطلب من الأمراء موافقته على خلعه وردّه إلى مكانه، فلم يمكّنه طشتمر حمص أخضر من ذلك، وساعده الأمراء أيضا، وما زالوا به حتى أعرض عمّا همّ به، ووافق الأمراء على طاعته. فلما كان يوم الاثنين عاشره لبس السلطان شعار السلطنة وجلس على تخت الملك، وحضر الخليفة الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد وقضاة مصر الأربعة وقضاة دمشق الأربعة، وجميع الأمراء والمقدمين وبايعه الخليفة بالسلطنة وقبّلوا الأرض بين يديه على العادة. ثم قام السلطان على قدميه فتقدّم الأمراء وباسوا يده واحدا بعد واحد على قدر مراتبهم، وجاء الخليفة بعدهم وقضاة القضاة ما عدا القاضى حسام الدين الغورىّ الحنفىّ، فإنه لمّا طلع مع القضاة وجلسوا بجامع القلعة حتّى يؤذن لهم على العادة جمع عليه [طبّاخ المطبخ «2» السلطانىّ] بعض صبيان المطبخ جمعا من الأوباش لحقد كان فى نفسه منه عند ما تحاكم هو وزوجته عنده قبل ذلك، فأهانه القاضى المذكور، فلمّا وجد الطباخ الفرصة هجم عليه بأوباشه ومدّ يده إلى الغورىّ من بين القضاة وأقاموه وحرقوا عمامته فى حلقه وقطعوا ثيابه وهم يصيحون: يا قوصونىّ! ثم ضربوه بالنعال ضربا مبرّحا، وقالوا له: يا كافر يا فاسق! فارتجّت القلعة، وأقبل علم «3» دار حتى خلّصه منهم وهو يستغيث يا مسلمين! كيف يجرى هذا على قاض من قضاة المسلمين؟ فأخذ المماليك جماعة من تلك الأوباش وجروهم إلى الأمير أيدغمش فضربهم وبعث طائفة من

الأوجاقية، ساروا بالغورى إلى منزله ولم يحضر الموكب وثارت العامّة على بيته بالمدرسة الصالحية «1» ونهبوه، فكان يوما شنيعا. ثم فى يوم الخميس ثالث عشره عمل السلطان موكبا آخر وخلع على سائر الأمراء قاطبة، وأنعم على الأمير طشتمر حمّص أخضر بعشرة آلاف دينار وعلى الأمير قطلوبغا الفخرى بما «2» حضر معه من البلاد الشامية وهو أربعة آلاف دينار ومائة ألف درهم فضّة، ونزل فى موكب عظيم بمن حضر صحبته من أمراء البلاد الشامية وهم الأمير سنجر الجمقدار «3» وتمر الساقى وطرنطاى البچمقدار «4» وآقبغا عبد الواحد وتمر الموسوى وابن قراسنقر وأسنبغا بن البوبكرى وبكنمر العلائى وأصلم نائب صفد. ثم طلب السلطان الوزير نجم الدين، ورسم له أن يكون يوسف البازدار ورفيقه مقدمى البازداريّة، ومقدمى الدولة، وخلع السلطان عليهما كلفتاه زركش وأقبية طردوحش بحوائص ذهب، فحكما مصر فى الدولة وتكبّرا على الناس وسارا بحمق زائد. ثم فى يوم السبت خامس عشره خلع على الأمير طشتمر الساقى حمّص أخضر باستقراره فى نيابة السلطنة بالديار المصريّة فتوّجه بخلعته وباشر النيابة، وجلس والحجاب قيام بين يديه والأمراء فى خدمته. وفى يوم الاثنين سابع عشره أخرج

السلطان عبد المؤمن بن عبد الوهاب السّلامى والى قوص من السجن، ورسم بتسميره فسمّر على باب البيمارستان «1» المنصورىّ بمسامير جافية شنيعة، وطيف به مدّة ستة أيام وهو يحادث الناس فى الليل بأخباره، ومما حدّثهم به أنه هو الذي كان وثب على النشو ناظر الخاصّ وضربه بالسيف، حسب ما ذكرناه فى ترجمة الملك الناصر محمد بن قلاوون من أمر النشو، وأنّه لما سقطت عمامته عن رأسه ظنّها رأسه. وكان إذا قيل له: اصبر يا عبد المؤمن، فيقول: أسأل الله الصبر، وينشد كثيرا قوله يبكى علينا ولا نبكى على أحد ... لنحن أغلظ أكبادا من الإبل وكان السبب لقتله ومثلته هذه أنه قتل الملك المنصور أبا بكر بن الناصر محمد بقوص بأمر قوصون، ثم شنق بعد ذلك فى يوم السبت ثانى عشرين شوّال على قنطرة «2» السدّ وأكلته الكلاب. ثم قبض السلطان على أحد وعشرين أميرا وأخرجهم إلى الإسكندريّة صحبة الأمير طشتمر طلليه «3» . ثم فى يوم الخميس سابع عشرينه خلع على الأمير الحاجّ آل ملك بنيابة حماة عوضا عن طقزدمر الحموىّ وعلى بيبرس الأحمدى واستقرّ فى نيابة صفد عوضا عن أصلم الناصرى وعلى آق سنقر، واستقر نائب غزّة على عادته. وفى مستهلّ ذى القعدة خلع على الأمير قطلوبغا الفخرى بنيابة دمشق وعلى الأمير أيدغمش أمير آخور بنيابة حلب. ثم فى يوم الثلاثاء ثانيه استقرّ قمارى أمير شكار أمير آخور عوضا عن أيدغمش؛ واستقرّ أحمد شادّ الشّربخاناه أمير شكار، واستقرّ آقبغا عبد الواحد فى نيابة حمص. ثم أنعم السلطان على الأمير زين الدين قراجا بن دلغادر بإنعامات

كثيرة وكتب له بالإمرة على التّركمان ونيابة أبلستين. وفى يوم الأحد سابع ذى القعدة خرج الأمير أيدغمش متوجّها إلى نيابة حلب. وفى يوم الاثنين خامس عشره خرج الأمير قطلوبغا الفخرى متوجّها إلى نيابة دمشق ومعه من تأخّر من عساكر الشام، وخرج الأمير نائب السلطنة بالقاهرة لوداعه وجميع الأمراء ومدّ له سماطا عظيما. ولما توجّه الفخرى وأيدغمش وغيرهما من الديار المصرية وبقى الأمير طشتمر الساقى حمص أخضر نائب السلطنة بالقاهرة قبض عليه السلطان بعد خروج الفخرى بخمسة أيام، وذلك فى يوم السبت العشرين من ذى القعدة. وسبب القبض على طشتمر أنه بقى يعارض السلطان بحيث إنه كان يردّ مراسيمه ويتعاظم على الأمراء والأجناد تعاظما زائدا، وكان إذا شفع عنده أحد من الأمراء فى شفاعة لا يقبلها، وكان لا يقف لأمير إذا دخل عليه، وإذا أتته قصّة عليها علامة السلطان بإقطاع أو غيره أخذ ذلك منه وطرد من هى باسمه، وأخرق «1» به، وقرّر مع السلطان أنه لا يمضى من المراسيم إلّا ما يختاره، ورسم للحاجب بألّا يقدّم أحد قصّة للسلطان إلّا أن يكون حاضرا، فلم يتجاسر أحد أن يقدّم قصّة للسلطان فى غيبته. وأخذ إقطاع الأمير بيبرس الأحمدى وتقدمته لولده، فكرهته الناس، وصارت أرباب الدولة وأصحاب الأشغال كلّها فى بابه، وتقرّبوا إليه بالهدايا والتّحف، وانفرد بتدبير الملك، وحطّ على الكركيّين ومنعهم من الدخول على السلطان، فلم يتهيّأ له ذلك. وكان ناصر الدين المعروف بفار السّقوف قد توصّل إلى الكركيين حتى استقرّ إمام السلطان يصلّى به الخمس وناظر المشهد النّفيسىّ عوضا عن تقىّ الدّين على بن القسطلانيّ خطيب جامع عمرو وجامع القلعة، وخلع عليه

السلطان بغير علم طشتمر النائب، فبعث إليه طشتمر عدّة نقباء ونزع الخلعة من عليه وسلّمه إلى المقدّم إبراهيم بن صابر، وأمر بضربه وإلزامه بحمل مائة ألف درهم، فضربه ابن صابر ضربا مبرّحا واستخرج منه أربعين ألف درهم. ثم أفرج عنه بشفاعة أيدغمش والفخرى فيه بعد ما أشهد عليه أنه لا يطلع القلعة. ثم أخذ قصير معين «1» من مباشرى قوصون وأحاط بما فيه من القنود والأعسال والسكّر وغير ذلك، فعظم ما فعله على السلطان وعلى الأمراء، فإنه خرج عن الحدّ، إلى أن قرر السلطان مع مقدّم المماليك عنبر السّحرتى والأمير آق سنقر السّلّارى فى القبض على طشتمر وعلى قطلوبغا الفخرى، وأن ستدعى مماليك بشتك وقوصون وينزلهم بالأطباق من القلعة ويعطيهم إقطاعات بالحلقة ليصيروا من جملة مماليك السلطان خوفا من حركة طشتمر النائب. ثم رتّب السلطان عنده مماليك بداخل القصر للقبض على طشتمر أيضا. وكان مما جدّد طشتمر فى نيابته أن منع الأمراء أن تدخل مماليكها إلى القصر، وبسط من باب القصر بساطا إلى داخله كما كان فى الأيام الناصريّة فصار الأمير لا يدخل إلى القصر إلّا بمفرده، فكان ما دبّره عليه. ثم دخل هو أيضا بمفرده ومعه ولداه إلى القصر، وجلس على السّماط على العادة، فعند ما رفع السماط قبض كشلى «2» السلاح دار أحد المماليك السلطانية وكان معروفا بالقوّة على كتفيه من خلف ظهره قبضا عنيفا. ثم بدر إليه جماعة من المماليك وأخذوا سيفه وقيّدوه وقيدوا ولديه، ونزل أمير مسعود الحاجب فى عدّة من المماليك السلطانية فأوقع الحوطة على بيته «3» وأخذ

مماليكه فسجنهم. ثم خرج فى الحال ساعة القبض على طشتمر الأمير ألطنبغا الماردانى والأمير أرنبغا أمير سلاح ومعهما من أمراء الطبلخاناه والعشرات نحو خمسة عشر أميرا ومعهم أيضا من المماليك السلطانية وغيرهم ألف فارس، وتوجّهوا ليقبضوا على الأمير قطلوبغا الفخرى، وكتب للأمير آق سنقر الناصرى نائب غزّة بالركوب معهم بعسكره وجميع من عنده ومن هو فى معاملته، وكان الفخرى قد ركب من الصالحية «1» ، فبلغه مسك طشتمر ومسير العسكر إليه من هجّان بعث به إليه بعض ثقاته، فساق إلى قطّبا «2» وأكل بها شيئا، ثم رحل مسرعا حتى دخل العريش «3» فإذا آق سنقر بعسكره فى انتظاره على الزعقة «4» ، وكان ذلك وقت الغروب فوقف كلّ منهما تجاه صاحبه. حتى أظلم الليل سار الفخرى بمن معه وهم ستون فارسا على البريّة، فلمّا أصبح آق سنقر علم أن الفخرى فاته، ومال أصحابه على أثقال الفخرى فنهبوها وعادوا إلى غزّة. واستمرّ الفخرى سائرا ليلته، ومن الغد حتّى انتصف النهار وهو سائق فلم يتأخّر معه إلا سبعة فرسان، ومبلغ أربعة آلاف وخمسمائة دينار، وقد وصل يبنى «5» وعليها الأمير أيدغمش وهو نازل فترامى عليه، وعرّفه بما جرى وأنه قطع خمسة عشر بريدا فى مسير يوم واحد، فطيّب أيدغمش خاطره وأنزله فى خيمة وقام له بما يليق به، فلمّا جنّه الليل أمر به فقيّد وهو نائم وكتب بذلك إلى السلطان مع بكا الخضرى، وكان السلطان لمّا بلغه هروب الفخرى تنكّر على الأمراء

واتّهمهم بالمخامرة عليه، وهمّ فى يوم الاثنين أن يمسكهم، فتأخّر عن الخدمة الجاولى فى يوم الاثنين المذكور، وهو تاسع عشرين ذى القعدة وتأخّر معه جماعة كبيرة. فلمّا كان وقت الظهر بعث لكل أمير طائر إوزّ مشوىّ وسأل عنهم؛ ثم بعث إليهم آخر النهار أن يطلعوا من الغد. فجاء بكا الخضرى عشيّة يوم الثلاثاء مستهلّ ذى الحجّة، ومعه البشارة بالقبض على سيف الدين قطلوبغا الفخرى، فسرّ السلطان بذلك، وكتب بحمله إلى الكرك. فلمّا طلع الأمراء إلى الخدمة فى يوم الثلاثاء ترضّاهم السلطان وبشّرهم بمسك الفخرى، ثم أخبرهم أنه عزم على التوجّه إلى الكرك، وتجهّز وأخذ الأموال صحبته، وأخرج الأمير طشتمر حمّص أخضر مقيّدا فى محارة «1» فى ليلة الأربعاء ومعه جماعة من المماليك السلطانيّة موكّلون به. ثم تقدّم السلطان إلى الخليفة بعد ما ولّاه نظر المشهد النّفيسىّ عوضا عن ابن القسطلانيّ أن يسافر معه إلى الكرك، ورسم لجمال الكفاة ناظر الجيش والخاصّ، وللقاضى علاء الدين علىّ بن فضل الله كاتب السّر أن يتوجّها معه إلى الكرك. ثم ركب السلطان ومعه الأمراء من قلعة الجبل فى يوم الأربعاء ثانيه بعد ما أمّر ثمانية من المماليك السلطانية وخلع عليهم على باب الخزانة، وخلع على الأمير شمس الدين آق سنقر السّلّارى وقرّره نائب الغيبة، وخلع على شمس الدين محمد بن عدلان باستقراره قاضى العسكر، وخلع على زين الدين عمر بن كمال الدين عبد الرحمن ابن أبى بكر البسطامىّ واستقرّ به قاضى قضاة الحنفيّة بالديار المصرية عوضا عن حسام الدين الغورى. فلمّا سار السلطان حتى قرب قبّة النصر «2» خارج القاهرة وقف حتى قبل الأمراء يده على مراتبهم ورجعوا عنه، فنزل فى الحال عن فرسه، ولبس

ثياب العربان وهى كامليّة مفرّجة وعمامة بلثامين، وسائر الكركيّين فى طريقه، وترك الأمراء الذين معه وهم قمارى وملكتمر الحجازى وأبو بكر وعمر ابنا أرغون النائب مع المماليك السلطانية والطّلب، وتوجّه على البريّة إلى الكرك [وليس «1» معه إلّا الكركيون ومملوكان] وهم فى أثره فقاسوا مشقّة عظيمة من العطش وغيره حتى وصلوا ظاهر الكرك وقد سبقهم السلطان إليها، وقدمها فى يوم الثلاثاء ثامن ذى الحجّة، وكتب للأمراء بالديار المصرية يعرّفهم بذلك ويسلّم عليهم، فقدم كتابه القاهرة فى يوم الخميس سابع عشر ذى الحجّة. ولمّا دخل الملك الناصر أحمد إلى الكرك لم يمكنّ أحدا من العسكر أن يدخل المدينة سوى كاتب السرّ وجمال الكفاة ناظر الجيش والخاصّ فقط. ورسم أن يسير الأمير المقدّم عنبر السّحرتى بالمماليك السلطانية إلى قرية «2» الخليل عليه السلام، وأن يسير قمارى وعمر ابن النائب أرغون والخليفة إلى القدس الشريف «3» . ثم رسم

السلطان لمقدّم المماليك عنبر السّحرتى أن ينتقل بالمماليك السلطانية من الخليل إلى غزّة لغلاء الأسعار بالخليل، وفى أثناء ذلك وصل أمير علىّ بن أيدغمش بالفخرى مقيّدا إلى غزة وبها العساكر، فبعث السلطان إليه من تسلّم منه الفخرى وأعاد ابن أيدغمش إلى أبيه ولم يجتمع به، فسجن السلطان قطلوبغا الفخرى وطشتمر حمص أخضر بقلعة الكرك بعد ما نكّل بالفخرى وأهين من العامّة إهانة «1» زائدة. ثم كتب السلطان لآق سنقر السّلّارى نائب الغيبة «2» بإرسال حريم الفخرى إلى الكرك، وكانوا قد ساروا من القاهرة بعد مسير الفخرى بيوم، فجهزهنّ إليه، فأخذ أهل الكرك جميع ما معهنّ حتى ثيابهنّ، وبالغوا فى الفحش بهنّ والإساءة. ثم كتب السلطان لآق سنقر السلارى نائب الغيبة بالديار المصرية أن يوقع الحوطة على موجود طشتمر حمص أخضر وقطلوبغا الفخرى، ويحمل ذلك إليه بالكرك. وكان شأن الملك الناصر أحمد أنه إذا رسم بشىء جاء كاتب كركىّ لكاتب السرّ وعرّفه عن السلطان بما يريد، فيكتب كاتب السرّ ذلك ويناوله للكاتب الكركى حتى يأخذ عليه علامة السلطان، ويبعثه حيث يرسم به، هذا ما كان من أمر الملك الناصر. أما العسكر المتوجّه من القاهرة إلى غزة فإن ابن أيدغمش لمّا قدم عليهم بمدينة غزة ومعه الفخرى أراد الأمير علاء الدين ألطنبغا الماردانىّ أن يؤخّره عنده بغزة حتّى يراجع فيه السلطان فلم يوافقه ابن أيدغمش، وتوجّه به إلى الكرك، فرحل ألطنبغا الماردانى وبقيّة العساكر عند ذلك إلى جهة الديار المصريّة فقدموها يوم السبت سادس عشرين ذى الحجّة وانعكف السلطان على اللهو واحتجب عن الناس

إلّا الكركيّين. ثم بلغه تغيّر خواطر الأمراء فأخذ فى تحصين قلعة الكرك ومدينتها وأشحنها بالغلال والأقوات والأسلحة. وأمّا أمر الديار المصرية فإنه شقّ عليهم غيبة السلطان منها، واضطربت أحوال القاهرة وصارت غوغاء، وصار عند أكابر الأمراء تشويش كثير لمّا بلغهم من مصاب حريم الأمير قطلوبغا الفخرى. وبقى الأمير آق سنقر السّلّارى فى تخوّف عظيم فإنه بلغه بأن جماعة من المماليك الذين قبض «1» على أستاذهم قد باطنوا بعض الأمراء على الركوب عليه، فترك آق سنقر الركوب فى أيام المواكب أياما حتى اجتمع الأمراء عنده وحلفوا له. ثم اتّفق رأى الأمراء على أن كتبوا للسلطان الملك الناصر أحمد كتابا فى خامس محرم سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة بأنّ الأمور واقفة لغيبة السلطان، وقد نافق غالب عربان الصعيد وغيره وطمع أرباب الفساد، وخيفت السّبل وفسدت الأحوال، وسألوا حضوره إلى الديار المصرية وأرسلوا الكتاب على يد الأمير طقتمر «2» الصلاحىّ فتوجّه طقتمر إليه، ثم عاد إلى الديار المصرية بجوابه فى حادى عشره: بأننى قاعد فى موضع أشتهى، وأىّ وقت أردت حضرت إليكم؛ وذكر طقتمر أنّ السلطان لم يمكّنه الاجتماع به، وأنه بعث من أخذ منه الكتاب، ثم أرسل إليه الجواب. وقدم الخبر بأنه قتل الأمير طشتمر الساقى حمّص أخضر، والأمير قطلوبغا الفحرى، وكان قصد قتلهما بالجوع، فأقاما يومين بلياليهما لا يطعمان طعاما، فكسبرا قيدهما- وكان السلطان قد ركب للصيد- وخلعا باب السجن ليلا وخرجا إلى

الحارس فأخذا سيفه وهو نائم فأحسّ بهما، وقام يصيح حتى لحقه أصحابه فأخذوهما وبعثوا إلى السلطان بخبرهما، فقدم فى زىّ العربان ووقف على الخندق وأحضرهما وقد كثرت بهما الجراحات، فأمر يوسف ورفيقه بضرب أعناقهما، وأخذ يسبّهما فردّا عليه السبّ ردّا قبيحا، وضربت رقابهما، فلمّا بلغ الأمراء ذلك اشتدّ قلقهم. ثم قدم كتاب السلطان للأمراء يطيّب خواطرهم ويعرّفهم أن مصر والشام والكرك له، وأنه حيثما شاء أقام، ورسم أن تجهّز له الأغنام من بلاد الصعيد، فتنكرت قلوب الأمراء «1» ، ونفرت خواطرهم وتكلّموا فيما بينهم فى خلعه، حتى اتّفق الأمراء على خلعه من السلطنة، وإقامة أخيه إسماعيل ابن الملك الناصر محمد، فخلع فى يوم الأربعاء حادى عشرين المحرّم من سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، فكانت مدة ولايته ثلاثة أشهر وثلاثة عشر يوما، منها مدّة إقامته بمدينة الكرك، ومراسيمه نافذة بمصر أحد وخمسين يوما. وإقامته بمصر شهران «2» إلا أياما. وكان لمّا خرج من الديار المصرية متوجّها إلى الكرك جمع الأغنام التى كانت لأبيه وأغنام قوصون، وعدّتها أربعة آلاف رأس وأربعمائة رأس من البقر التى كان استحسنها أبوه، وأخذ الطيور التى كانت بالأحواش على اختلاف أنواعها، وحملها على رءوس الحمّالين إلى الكرك، وساق الأغنام والأبقار إليها، ومعهم عدّة سقّايين، وعرض الخيول والهجن، وأخذ ما اختاره منها ومن البخاتى وحمر الوحش والزراريف والسّباع، وسيّرها إلى الكرك. ثم فتح الذخيرة وأخذ منها جميع ما فيها من الذهب والفضة وهو ستمائة ألف دينار وصندوق فيه الجواهر التى جمعها أبوه

فى مدة سلطنته. وتتبّع جوارى أبيه حتى عرف المتموّلات منهنّ، فصار يبعث إلى الواحدة منهنّ يعرّفها أنه يدخل عليها الليلة فإذا تجمّلت بحليها وجواهرها أرسل من يحضرها إليه، فإذا خرجت من موضعها ندب من يأخذ جميع ما عندها، ثم يأخذ جميع ما عليها، حتى سلب أكثرهنّ. ثم عرض الرّكبخاناه، وأخذ ما فيها من السروج واللّجم والسلاسل الذهب والفضة. وأخذ الطائر الذهب الذي كان على القبّة، وأخذ الغاشية الذهب وطلعات السناجق؛ وما ترك بالقلعة مالا إلّا أخذه، واستمرّ بالكرك. فلمّا تسلطن أخوه الملك الصالح إسماعيل حسب ما يأتى ذكره أرسل إلى الكرك يطلب من أخيه الناصر أحمد هذا شعائر الملك، وما كان أخذه من الخزائن وغيرها، فلم يلتفت الناصر إلى كلامه، فندب السلطان الملك الصالح تجريدة لحصاره بالكرك، واستمرّ يبعث إليه تجريدة بعد أخرى سبع تجاريد، حتى إنّه لم يبق بمصر والشام أمير إلا تجرّد إلى الكرك مرّة ومرّتين إلى أن ظفروا به حسب ما يأتى ذكر ذلك كلّه مفصّلا فى ترجمة الملك الصالح إسماعيل. ولمّا ظفروا بالملك الناصر أحمد قيدوه وحبسوه بالكرك بعد أن حاصروه بها مدّة سنتين وشهر وثلاثة أيام، ختى قبض عليه، اتلف فيها أموالا كثيرة فى النفقات على المقاتلة، وأخذ أمره يتلاشى وهلك من عنده بالجوع. وضرب الذهب وخلط به الفضّة والنحاس ونفق ذلك فى الناس، فكان الدينار الذي ضربه يساوى خمسة دراهم. وكان القبض على الملك الناصر من الكرك فى يوم الاثنين الظهر ثانى عشرين صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وكتب بذلك إلى السلطان، فأرسل السلطان الملك الصالح الأمير منجك اليوسفىّ الناصرىّ السلاح دار الى الكرك فقتله وحزّ رأسه وتوجه بها إلى القاهرة

وكان الملك الناصر أحمد هذا قد أخرجه أبوه الملك الناصر محمد بن قلاوون من الديار المصرية إلى الكرك وهو صغير، لعلّه لم يبلغ العشر سنين، فربّى بالكرك وأحبّ أهلها وصارت له وطنا، وكان نائب الكرك إذ ذاك ملكتمر السّرجوانىّ زوج أمّه. ثم أرسل إليه أبوه أخويه: إبراهيم وأبا بكر المنصور فأقاموا الجميع بالكرك إلى أن طلبهم والدهم، وأعاد الناصر هذا إلى الكرك ثم طلبه ثانيا وزوّجه ببنت الأمير طايربغا من أقارب الملك الناصر، ثم أعاده إلى الكرك. وكان الناصر هذا احسن إخوته وجها وشكلا، وكان صاحب لحية كبيرة وشعر غزير، وكان ضخما شجاعا صاحب بأس وقوّة مفرطة، وعنده شهامة مع ظلم وجبروت، وهو أسوأ أولاد الملك الناصر سيرة مع خفّة وطيش. *** السنة التى حكم فى أوّلها المنصور أبو بكر إلى حادى عشرين صفر على أنه حكم من السنة الماضية تسعة ايام. ثم حكم فيها من صفر إلى يوم الخميس أوّل شعبان الملك الأشرف كچك. ثم حكم فيما بقى منها الملك الناصر أحمد هذا، والثلاثة أولا الناصر محمد بن قلاوون حسب ما تقدّم ذكره، والسنة المذكورة سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة. فيها وقعت حادثة غريبة وهى» أن رجلا بوارديا «2» يقال له محمد بن خلف بخطّ السّيوفيّين «3» من القاهرة قبض عليه فى يوم السبت سادس عشر رمضان، واحضر

إلى محتسب القاهرة فوجد بمخزنه من فراخ الحمام والزرازير المملوحة عدّة أربعة وثلاثين ألف ومائة وستة وتسعين، من ذلك أفراخ حمام ألف ومائة وستة وتسعون، فرخا. وزرازير عدّة ثلاثة وثلاثين ألف زرزور، وجميعها قد نتنت وتغيّرت أحوالها، فأدّب وشهّر. وفيها توفّى الأمير علاء الدين ألطنبغا الصالحىّ الناصرىّ نائب الشام مقتولا بسجن الإسكندرية. كان أصله من صغار مماليك المنصور قلاوون، وربّى عند الملك الناصر محمد بن قلاوون، وتوجه معه إلى الكرك، فلما عاد الملك الناصر إلى ملكه أنعم عليه بإمره عشرة وجعله جاشنكيره، ثم ولّاه حاجبا. ثم نقله من الحجوبيّة إلى نيابة حلب بعد موت أرغون النائب، فسار فيها سيرة مشكورة وغزا بلاد سيس، حتّى أخذها بالأمان؛ وقال فى ذلك العلّامة زين الدين عمر بن الوردى قصيدة طنّانة أوّلها: جهادك مقبول وعامك قابل ... ألا فى سبيل المجد ما أنت فاعل وعمّر الأمير ألطنبغا المذكور فى نيابته بحلب جامعا «1» فى شرقيّها، ولم يكن إذ ذاك داخل سور حلب جامع تقام فيه الخطبة سوى الجامع الكبير الأموىّ، وأقام بحلب حتى وقع بينه وبين تنكز نائب الشام، فشكاه تنكز إلى الملك الناصر فعزله عن نيابة حلب، وولّاه نيابة غزّة إلى أن غضب السلطان على تنكز ولّاه عوضه نيابة الشام الى أن مات الملك الناصر وتسلطن أولاده انضمّ ألطنبغا هذا إلى قوصون، فكان

ذلك سببا لهلاكه؛ وقد تقدم ذكر ذلك كلّه مفصلا. وكان أميرا جليلا شجاعا مشكور السيرة ومات وقد جاوز الخمسين سنة من العمر. وفيها توفّى ملك التتار أزبك خان بن طغرلجا بن منكوتمر بن طغان بن باطو «1» ابن دوشى خان بن چنكز خان. ومات أزبك خان بعد أن ملك نحوا من ثلاثين سنة، وكان أسلم وحسن إسلامه وحرّض رعيته على الإسلام فأسلم بعضهم، ولم يلبس أزبك خان بعد أن أسلم السّراقوجات «2» ، وكان يلبس حياصة من فولاذ ويقول: لبس الذهب حرام على الرجال، وكان يميل إلى دين وخبر، ويتردّد إلى الفقراء، وكان عنده عدل فى رعيته، وتزوّج الملك الناصر محمد بابنته. وكان أزبك شجاعا كريما مليح الصورة ذا هيبة وحرمة. ومملكته متسعة، وهى من بحر قسطنطينيّة «3» إلى نهر أرتش «4» مسيرة ثمانمائة فرسخ، لكن أكثر ذلك قرى ومراع. وولى الملك بعده جانى «5» بك خان. وتوفّى الأمير سيف الدين بشتك بن عبد الله الناصرى مقتولا بسجن الإسكندرية فى شهر ربيع الآخر. وكان إقطاعه يعمل بمائتى ألف دينار فى كلّ سنة، وأنعم عليه أستاذه الملك الناصر محمد فى يوم واحد بألف ألف درهم. وكان راتبه لسماطه فى كلّ يوم خمسين رأسا من الغنم وفرسا، لابدّ من ذلك. وكان كثير التّيه لا يحدّث

مباشريه إلا بترجمان. وهو صاحب القصر بين «1» القصرين والحمام «2» بالقرب من سويقة «3» العزّى والجامع «4» عند قنطرة طقزدمر «5» خارج القاهرة. قال الشيخ صلاح الدين الصفدى: «وكان بشتك أهيف القامة، حلو الوجه. قربه السلطان وادناه، وكان يسمّيه فى غيبته بالأمير، وكان إقطاعه سبعة عشرة [إمرة «6» ] طبلخاناه أكبر من إقطاع قوصون، وما يعلم قوصون بذلك» . وتوفّى الأمير سيف الدين طاجار بن عبد الله الناصرى الدّوادار قتيلا بثغر الإسكندرية. وكان من خواصّ الملك الناصر محمد بن قلاوون ومن أكابر مماليكه، ورقّاه حتى ولّاه الدّواداريّة، وكان ممّن انضم إلى الملك المنصور أبى بكر فقبض عليه عند خلعه وقتل. وفيها توفّى الأمير سيف الدين جركتمر بن عبد الله الناصرىّ قتيلا. وتوفّى الأمير قوصون بن عبد الله الناصرىّ الساقى قتيلا بثغر الإسكندرية فى شوّال، وقد مرّ من ذكره ما فيه كفاية عن تكراره ثانيا. وتوفّى الملك الأفضل علاء الدين على ابن الملك المؤيّد عماد الدين إسماعيل [ابن «7» الملك الأفضل على] ابن الملك المظفّر محمود ابن الملك المنصور محمد ابن الملك المظفّر تقىّ الدين عمر بن شاهنشاه ابن الأمير نجم الدين أيّوب بن شادى بن مروان

الأيّوبى صاحب حماة وابن صاحبها. مات بدمشق، وهو من جملة أمرائها بعد ما باشر سلطنة حماة عشرين سنة إلى أن نقله قوصون إلى إمرة الشام، وولى نيابة حماة بعده الأمير طقزدمر الحموى. وكانت وفاته فى ليلة الثلاثاء حادى عشر ربيع الآخر عن ثلاثين سنة. وتوفّى الأمير شرف الدين، وقيل مظفّر الدين موسى بن مهنّا بن عيسى بن مهنا ابن مانع «1» بن حديثة بن عصيّة «2» بن فضل بن ربيعة أمير آل فضل بمدينة تدمر «3» . وكان من أجلّ ملوك العرب، مات فجأة فى العشر الأخير من جمادى الأولى. وتوفّى الحافظ الحجّة جمال الدين أبو الحجّاج يوسف بن الزّكى عبد الرحمن بن يوسف بن علىّ بن عبد الملك بن أبى الزّهر القضاعىّ الكلبى المزّى الحلبى المولد، ولد بظاهر حلب فى عاشر ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وستمائة، ومات بدمشق فى ثانى «4» عشر صفر، وكان إمام عصره أحد الحفّاظ المشهورين. سمع الكثير ورحل وكتب وصنّف. وقد ذكرنا عدّة كبيرة من مشايخه وسماعاته فى ترجمته

فى «المنهل الصافى» ونبذة كبيرة من أخباره. ومن مصنفاته «كتاب «1» تهذيب الكمال» وهو فى غاية الحسن فى معناه. وتوفّى الأمير سيف الدين تمر بن عبد الله الساقىّ الناصرىّ أحد أمراء الألوف فى يوم الأحد ثامن «2» عشرين ذى الحجة. وكان من أكابر الأمراء ومن أعيان خاصكيّة الملك الناصر محمد بن قلاوون ومماليكه. وتوفّى القاضى برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن فخر الدين خليل بن إبراهيم الرسعنى «3» الشافعى قاضى حلب بها. وكان فقيها فاضلا، ولى القضاء بحلب وغيرها وأفتى ودرّس. وتوفى الأمير علاء الدين على ابن الأمير الكبير سيف الدين سلّار فى شهر ربيع الآخر. وكان من أعيان الأمراء بالديار المضرية. وتوفّى خطيب جامع دمشق الأموىّ الشيخ بدر الدين محمد ابن قاضى القضاة جلال الدين محمد القزوينى الشافعىّ. وكان فاضلا خطيبا فصيحا. وتوفّى الأمير ركن الدين بيبرس بن عبد الله الناصرىّ السلاح دار نائب الفتوحات بآياس «4» وغيرها. وكان من أجلّ الأمراء الناصريّة. كان شجاعا كريما، وله المواقف المشهودة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ست أذرع وعشر أصابع. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وتسع أصابع. والله تعالى أعلم.

ما وقع من الحوادث سنة 743

[ما وقع من الحوادث سنة 743] ذكر ولاية الملك الصالح إسماعيل على مصر السلطان الملك الصالح عماد الدين أبو الفداء إسماعيل ابن السلطان الملك الناصر ناصر الدين محمد ابن السلطان الملك المنصور قلاوون وهو السلطان السادس عشر من ملوك الترك بالديار المصرية والرابع من بنى محمد بن قلاوون. جلس على تحت الملك فى يوم الخميس «1» ثانى عشرين المحرم سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة بعد خلع أخيه الملك الناصر أحمد باتّفاق الأمراء على ذلك لما بلغهم عن حسن سيرته، فإنّه قيل للأمراء لمّا أخرج قوصون أولاد الملك الناصر إلى قوص كان إسماعيل هذا يصوم يومى الاثنين والخميس، ويشغل أوقاته بالصلاة وقراءة القرآن مع العفّة والصّيانة عمّا يرمى به الشّباب من اللهو واللّعب، فلمّا بلغهم ذلك اتّفقوا على إقامته فى الملك وسلطنوه وحلّفوا له الأمراء والعساكر وحلف لهم أيضا السلطان الملك الصالح إسماعيل المذكور ألّا يؤذى أحدا وألا يقبض على أمير بغير ذنب، فتمّ أمره، ولقّب بالملك الصالح، ودقّت البشائر، ونودى بزينة القاهرة ومصر، ورسم بالإفراج عن المسجونين بثغر الإسكندرية، وكتب بالإفراج أيضا إلى الوجه القبلى «2» والبحرى وألّا يترك بالسجون إلّا من استحقّ عليه القتل. واستقرّ الأمير

أرغون العلائى زوج أمّ الملك الصالح رأس «1» نوبة، ويكون رأس المشورة ومدبر السلطنة وكافل السلطان. واستقرّ الأمير آق سنقر السّلّارى نائب السلطنة بالديار المصرية. وكتب للأمراء ببلاد الشام والنوّاب باستمرارهم وأرسل إليهم الخلع على يد الأمير طقتمر الصلاحىّ، وكتب بتقليد الأمير أيدغمش نائب حلب بنيابة الشام، واستقرّ عوضه فى نيابة حلب الأمير طقزدمر الحموى نائب حماة. واستقرّ فى نيابة حماة عوضا عن طقزدمر الأمير علم الدين سنجر الجاولى. ثم كتب السلطان الملك الصالح إسماعيل إلى أخيه الملك الناصر أحمد بالسلام وإعلامه أنّ الأمراء أقاموه فى السلطنة لمّا علموا أنه ليس له رغبة فى ملك مصر، وأنّه يحب بلاد الكرك والشّوبك وهى تحكّمك وملكك، وسأله أن يرسل القبّة والطّير والغاشية والنّمجاة وتوجّه بالكتاب الأمير قبلاى، وخرج الأمير بيغرا ومعه عدّة من الأوجاقية لجرّ الخيول السلطانية من الكرك الذي كان الملك الناصر أخذهم من الإسطبل السلطانى، وتوجّه الجميع إلى جهة الكرك. ثم فى يوم الأربعاء ثامن عشرين المحرم قدم الأمراء المسجونون بثغر الإسكندرية إلى القاهرة، وعدّتهم ستة وعشرون أميرا، منهم الأمير قياتمر وطيبغا المجدىّ وابن طوغان چق وأسنبغا ابن البوبكرى وابن سوسون وناصر الدين محمد بن المحسنى والحاجّ أرقطاى نائب طرابلس فى آخرين، وطلعوا إلى القلعة وقبّلوا الأرض بين يدى السلطان. ثم رسم السلطان أن يجلس أرقطاى مكان الأمير علم الدين سنجر الجاولى المنتقل إلى نيابة حماة، وأن يتوجّه البقية على إمريات ببلاد الشام.

وفى يوم السبت أوّل صفر قدم من غزّة الأمير قمارى أمير شكار والأمير أبو بكر بن أرغون النائب والأمير ملكتمر الحجازىّ وصحبتهم الخليفة الحاكم بأمر الله أحمد، ومقدّم المماليك الطّواشى عنبر السّحرتى والمماليك السلطانية مفارقين الملك الناصر أحمد. وفيه خرج الأمير طقردمر الحموى من القاهرة لنيابة حلب. وفى يوم الاثنين ثالثه خلع على الأمير سنجر الجاولى نائب حماة خلعة السفر، وخلع فيه أيضا على الأمير مسعود بن خطير الحاجب خلعة السفر لنيابة غزّة، وخلع على القاضى بدر الدين محمد بن محيى الدين يحيى بن فضل الله، واستقرّ فى كتابة السرّ بدمشق عوضا عن أخيه شهاب الدين أحمد. ورسم بسفر مماليك قوصون والأمير بشتك إلى البلاد الشامية متفرّقين، وكتب إلى النوّاب بذلك. وفيه استقرّ الأمير چنكلى بن البابا فى نظر البيمارستان المنصورىّ بين القصرين عوضا عن سنجر الجاولى. وجلس الأمير آق سقر السّلّارى بدار النيابة «1» بعد ما عمّرها وفتح شباكا. ورسم له أن يعطى الأجناد «2» الإقطاعات من ثلثمائة دينار إلى أربعمائة دينار ويشاور فيما فوق ذلك. واستقرّ المكين «3» إبراهيم بن قروينة فى نظر الجيش. وعيّن ابن التاج إسحاق لنظر الخاصّ كلاهما عوضا عن جمال الكفاة بحكم غيبته بالكرك عند الملك الناصر أحمد. وفيه أنعم السلطان على أخيه شعبان بإمرة طبلخاناه. وفى يوم الاثنين رابع عشرين صفر خلع السلطان على جميع الأمراء كبيرهم وصغيرهم الخلع السنيّة. وفى يوم الثلاثاء خامس عشرينه قدم القاضى علاء الدين على بن فضل الله كاتب السرّ وجمال الكفاة ناظر الجيش والخاصّ من الكرك إلى

الديار المصرية مفارقين الملك الناصر بحيلة دبرها جمال الكفاة، وقد بلغه عن الناصر أنه يريد قتلهم «1» خوفا من حضورهم الى مصر ونقلهم لما هو عليه من سوء السيرة. فبذل جمال الكفاة ليوسف البازدار مالا جزيلا حتى مكّنهم من الخروج، فأقبل عليهم الأمراء والسلطان، وخلع عليهم باستمرارهم على وظائفهم. ثم فى يوم الثلاثاء ثالث عشرين ربيع الأوّل رسم السلطان للأمير ألطنبغا الماردانىّ الناصرىّ بنيابة حماة عوضا عن الأمير سنجر الجاولى وكتب بحضور سنجر الجاولى الى نيابة غزّة عوضا عن أمير مسعود ونقل أمير مسعود الى إمرة طبلخاناه بدمشق. وقدم الخبر من شطّى أمير العرب بأن الملك الناصر أحمد قرّر مع بعض الكركيّين أنه يدخل الى مصر ويقتل السلطان فتشوّش الأمراء لذلك فوقع الاتفاق على تجريد العساكر لقتال الملك الناصر وأخذه من الكرك. وفى يوم الخميس ثالث شهر ربيع الآخر توجّهت التجريدة الى الكرك صحبة الأمير بيغرا، وهذه أوّل التجاريد الى الكرك لقتال الملك الناصر أحمد، وفى عقيب ذلك حدث للسلطان رعاف مستمرّ فاتهمت أمّه أمّ السلطان الأشرف كچك خوند أردو بأنّها سحرته، وهجمت عليها وأوقعت الحوطة على موجودها وضربت عدّة من جواريها ليعترفن «2» عليها، فلم يكن غير قليل حتّى عوفى السلطان، ورسم بزينة القاهرة، وحملت أمّ السلطان الى المشهد النفيسىّ «3» قنديل ذهب، زنته رطلان وسبع أواق ونصف أوقية.

ثم قدم الخبر على يد إياز الساقى بموت الأمير أيدغمش نائب الشام فجأة، فوقع الاختيار على استقرار الأمير طقزدمر الحموىّ نائب حلب مكانه فى نيابة الشام واستقرّ الأمير ألطنبغا الماردانىّ عوضا عن طقزدمر فى نيابة حلب، واستقرّ الأمير يلبغا اليحياوىّ فى نيابة حماة عوضا عن الماردانى. ثم أنعم السلطان على أرغون العلائىّ بإقطاع الأمير قمارى بعد موته، وكتب السلطان لنائب صفد وغزّة بالنّجدة للأمير بيغرا لحصار الملك الناصر بالكرك. ثم قدم الخبر من شطّى أنه ركب مع العسكر على مدينة الكرك وقاتلوا أهل الكرك وهزموهم إلى القلعة، وأنّ الملك الناصر أذعن وسأل أن يمهل حتّى يكتب إلى السلطان ليرسل من يتسلّم منه قلعة الكرك، فرجعوا عنه فلم يكن غير قليل حتى استعدّ الملك الناصر وقاتلهم. وفى يوم الأربعاء رابع شهر رجب كانت فتنة الأمير رمضان أخى السلطان، وسبب ذلك أنّ السلطان كان أنعم عليه بتقدمة ألف، فلمّا خرج السلطان إلى سرياقوس «1» تأخّر رمضان عنه بالقلعة وتحدّث مع طائفة من المماليك فى إقامته سلطانا واتّفقوا على ذلك، فلمّا مرض السلطان الملك الصالح هذا واسترخى قوى أمره، وشاع ذلك بين الناس وراسل تكا الخضرىّ ومن خرج معه من الأمراء، وواعد من وافقه على الركوب بقبّة «2» النصر، فبلغ ذلك السلطان ومدبّر دولته الأمير أرغون العلائى، فلم يعبأ بالخبر إلى أن أهلّ شهر رجب، جهّز الأمير رمضان خيوله وهجنه بناحية بركة «3» الحبش، وواعد أصحابه على يوم الأربعاء، فبلغ الأمير آق سنقر أمير

آخور عند الغروب بما هو فيه من الحركة، فندب عدّة من العربان ليأتوه بخبر القوم، فلمّا أتاه خبرهم سار إليهم وأخذ جميع الخيل والهجن عن آخرهم من خلف القلعة وساقهم إلى الإسطبل «1» السلطانى وعرّف السلطان والعلائى أرغون من باب السرّ بما فعله فطلباه إليهما فصعد بما ظفر به من أسلحة القوم، فاتّفقوا على طلب إخوة السلطان إلى عنده والاحتفاظ بهم، فلمّا طلع الفجر خرج أرغون العلائى من بين يدى السلطان وطلب إخوة السلطان ووكّل بهم ووكّل ببيت رمضان جماعة حتى طلعت الشمس، وصعد الأمراء الأكابر إلى القلعة فاستدعى السلطان لهم وأعلموه بما وقع، فطلبوا سيدى رمضان إليهم فآمتنع من الحضور وهم يلحّون فى طلبه إلى أن خرجت أمّه وصاحت عليهم، فعادوا عنه إلى أرغون العلائى، فبعث أرغون بعدة من المماليك والخدّام لإحضاره فخرج فى عشرين مملوكا إلى باب «2» القلّة وسأل عن النائب، فقيل له عند السلطان مع الأمراء فمضى إلى باب القلعة وسيوف أصحابه مصلتة، وركب على خيول الأمراء، ومرّ بمن معه إلى سوق «3» الخيل تحت القلعة فلم يجد أحدا من الأمراء، فتوجّه إلى جهة قبّة النصر خارج القاهرة ووقف هناك ومعه الأمير تكا الخضرى وقد اجتمع الناس عليهم، وبلغ السلطان والأمراء خبره فأخرج السلطان محمولا بين أربعة لما به من الاسترخاء، وركب النائب وآق سنقر أمير آخور وقمارى أخو بكتمر الساقى وجماعة أخر، وأقام أكابر الأمراء عند السلطان وصفّت أطلابهم تحت القلعة، وضربت الكوسات حربيا، ونزلت النقباء

فى طلب الأجناد، وتوجّه النائب إلى قبة النصر، ووقف بمن معه تجاه رمضان، وقد كثر جمع رمضان من أجناد الحسينيّة ومن مماليك تكا والعامّة، وبعث النائب يخبر السلطان بذلك، فمن شدّة ما انزعج نهضت قوّته، وقام قائما على قدميه بعد ما كان يئس من نفسه من عظم استرخاء أعضائه، وأراد الركوب فقام الأمراء وهنّوه بالعافية وقبّلوا له الأرض وهوّنوا عليه أمر أخيه رمضان، ولا زالوا به حتّى جلس مكانه، فأقام إلى بعد الظهر والنائب يراسل رمضان ويعده بالجميل ويخوّفه العاقبة، وهو لا يلتفت إلى قوله، فعزم النائب على الحملة عليه هو ومن معه ودقّ طبله فلم يثبت العامّة المجتمعة على رمضان وانفلّوا عنه وانهزم هو وتكا الخضرى فى عدّة من المماليك إلى البريّة، والأمراء فى طلبه فعاد النائب إلى السلطان، فلمّا كان بعد العشاء الآخرة من ليلة الخميس أحضر رمضان وتكا الخضرى وقد أدركوهما بعد المغرب، ورموا تكا بالنّشاب، حتى ألقوه عن فرسه وقد وقف فرس رمضان من شدّة السّوق فوكّل برمضان من يحفظه، وأذن للأمراء بنزولهم إلى بيوتهم، وطلعوا من بكرة يوم الخميس إلى الخدمة على العادة، وجلس السلطان وطلب مماليك رمضان، فأحضروا فأمر بحبسهم فحبسوا أياما، ثم فرّقهم السلطان على الأمراء، ثم خلع السلطان على الأمراء وفرّق عليهم الأموال. وفى يوم الاثنين سادس عشره وصل قاصد الأمير بيغرا المتوجّه إلى الكرك بمن معه من العساكر بعد ما حاربوا الملك الناصر أحمد بالكرك وقاتلوه قتالا شديدا، وجرح منهم جماعة وقلّت أزوادهم، فكتب السلطان بإحضارهم إلى الديار المصريّة. وفيه خلع السلطان على طرنطاى البشمقدار بنيابة غزّة عوضا عن الأمير علم الدين سنجر الجاولى، وكتب بقدوم الجاولى إلى مصر. وفى يوم الثلاثاء

رابع عشرينه «1» وسّط السلطان تكا الخضرى بسوق الخيل تحت القلعة ووسّط معه مملوكين من المماليك السلطانية. وفى هذا الشهر وقف السلطان الملك الصالح صاحب الترجمة ثلثى ناحية سندبيس «2» من القليوبيّة على ستة عشر خادما لخدمة الضريح الشريف النبوىّ عليه الصلاة والسلام، فتمّت عدّة خدّام الضريح الشريف النبوى بذلك أربعين خادما. قلت لله دره فيما فعل! وعلى هذا تحسد الملوك لا على غيره. ثم اتّفق الأمراء مع السلطان على إخراج تجريدة ثانية لقتال الملك الناصر بالكرك، فلمّا كان عاشر شعبان خرج الأمير بيبرس الأحمدى والأمير كوكاى فى ألفى فارس تجريدة للكرك، وكتب السلطان أيضا بخروج تجريدة من الشام مضافا إلى من خرج من الأمراء والعساكر من الديار المصريّة، وتوجّه الجميع ونصبت المناجيق على الكرك وجدّوا فى حصارها. وأما الملك الصالح فإنّه بعد خروج التجريدة خلع على جمال الكفاة بعد ما عزل وصودر باستقراره مشير الدولة بسؤال وزير بغداد فى ذلك بعد أن أعيد إلى الوزارة ونزلا معا [بتشاريفهما «3» ] .

وفى ذى القعدة رتّب السلطان دروسا للمذاهب «1» الأربعة بالقبة «2» المنصوريّة ووقف عليهم وعلى قرّاء وخدّام وغير ذلك ناحية دهمشا «3» بالشرقيّة فاستمرّ ذلك وعرف بوقف الصالح. ثم فى يوم الأربعاء عاشر المحرّم سنة أربع وأربعين وسبعمائة قبض السلطان على أربعة أمراء، وهم الأمير آق سنقر السّلّارى نائب السلطنة والأمير بيغرا أمير جاندار صهر آق سنقر المذكور والأمير قراجا الحاجب وأخيه أولاجا، وقيّدوا ورسم بحبسهم فى الإسكندرية، وخرج الأمير بلك على البريد إلى المجرّدين إلى الكرك فأدركهم على السّعيدية «4» ، وطيّب خواطرهم وأعلمهم بالقبض على الأمراء وعاد سريعا، فقدّم قلعة الجبل طلوع الشمس من يوم الخميس حادى عشره، وبعد وصوله قبض السلطان على طيبغا الدّوادار الصغير، وكان سبب قبض السلطان على هؤلاء الأمراء أن الأمير آق سنقر كان فى نيابته لا يردّ قاصدا ولا قصّة ترفع إليه، فقصده الناس من الأقطار وسألوه الرّزق والأراضى التى أنهوا أنّها لم تكن بيد أحد، وكذلك نيابة القلاع والأعمال والرواتب وإقطاعات الحلقة، فلم يردّ أحدا سأله شيئا من ذلك سواء أكان ما أنهاه صحيحا أم باطلا، فإذا قيل له: هذا الذي سأله يحتاج أن يكشف عنه تغيّر وجهه وقال: ليش تقطع رزق الناس؛ وكان إذا كتب الإقطاع لأحد فيحضر صاحبه من سفره أو تعافى من مرضه وسأله فى إعادة إقطاعه

قال له: هذا أخذ إقطاعك ونحن نعوّضك، ففسدت الأحوال لا سيمّا البلاد الشاميّة، فكتب النوّاب بذلك للسلطان، فكلّمه السلطان فلم يرجع وقال: كلّ من طلب منى شيئا أعطيته، وما أردّ قلمى عن أحد، بحيث إنه كان تقدّم إليه القصّة وهو يأكل فيترك أكله، ويكتب عليها من غير أن يعلم ما فيها، فأغلظ له بسبب ذلك الأمير شمس الدين آق سنقر الناصرىّ أمير آخور؛ واتّفق مع ذلك أنّه وشى به أنّه مباطن مع الملك الناصر أحمد، وأنّ كتبه تصل إليه فقرّر أرغون العلائىّ مسكه مع السلطان، فأمسك هو وحاشيته، هذا ما كان من أمره. وفى يوم الجمعة ثانى عشر المحرم من سنة أربع وأربعين المذكورة خلع السلطان على الأمير الحاجّ آل ملك، واستقر فى نيابة السلطنة عوضا عن آق سنقر السّلّارى المذكور. ثم فى ثانى عشر صفر قدم الخبر بوفاة الأمير ألطنبغا الماردانىّ الناصرىّ نائب حلب، فرسم السلطان للأمير يلبغا اليحياوىّ نائب حماة باستقراره فى نيابة حلب عوضه، واستقر فى نيابة حماة الأمير طقتمر الأحمدى نائب صفد واستقر بلك الجمدار فى نيابة صفد. وتوجه الأمير أرغون شاه بتقليد يلبغا اليحياوى وتوجه الأمير ألطنبغا البرناق بتقليد نائب حماة. وفى يوم السبت خامس عشرين صفر قدم الأمير بيبرس الأحمدى والأمير كوكاى بمن معهما من المجرّدين إلى الكرك، فركب الأمراء إلى لقائهم، واستمرّ الأمير أصلم على حصار الكرك وهى التجريدة الثانية للكرك، وعرّفوا الأمراء السلطان أنّه لا بدّ من خروج تجريدة ثالثة سريعا تقوية لأصلم لئلّا يتنفس الناصر ويدوم الحصار عليه، فعيّن السلطان جماعة من أعيان الأمراء وتجهّزوا وخرجوا فى يوم الاثنين رابع شهر ربيع الآخر «1» ، وهم الأمير چنكلى بن البابا والأمير آق سنقر الناصرى

الأمير آخور والأمير ملكتمر السّرجوانىّ والأمير عمر بن أرغون النائب فى أربعة آلاف فارس تقوية لأصلم، وهذه التجريدة الثالثة «1» إلى الكرك، وتوجّه صحبتهم عدّة حجّارين ونجّارين ونقّابين ونفطيّة، وخرج السلطان أيضا فى يوم سفرهم إلى سرياقوس على العادة كالمودّع لهم. وفى هذه الأيام اشتدّ نائب السلطنة الحاجّ آل ملك على والى القاهرة ومصر فى بيع الخمور وغيره من المحرّمات، وعاقب جماعة كثيرة على ذلك وكان هذا دأب النائب من يوم أخرب خزانة «2» البنود فى العام الماضى وأراق خمورها وبناها مسجدا، وحكّرها للناس فعمروها دورا. وكان الذي يفعل فى خزانة البنود من المعاصى والفسق يستحى من ذكره فعفّ الناس فى أيام نيابة آل ملك المذكور عن كثير من المعاصى خوفا منه، واستمرّ على ما هو عليه من تتبّع الفواحش والخواطئ وغير ذلك حتّى إنه نادى: من أحضر سكرانا واحدا معه جرّة خمر خلع عليه فقعد العامّة لشربة الخمر بكلّ طريق، وأتوه مرّة بجندىّ قد سكر فضربه وقطع خبزه وخلع على من قبض عليه، ووقع له أمور مع بيعة الخمر يطول الشرح فى ذكرها. وكان يجلس فى شبّاك النيابة طول النهار لا يملّ من الحكم ولا يسأم، وتروح أصحاب الوظائف ولا يبقى عنده إلّا النقباء البطالة حتى لا يفوته أحد، وصار له مهابة

عظيمة وحرمة كفّت الناس عن أشياء كثيرة حتى أعيان الأمراء، حتى قال فيه بعض شعراء عصره: ال ملك الحجّ غدا سعده ... يملأ ظهر الأرض مهما سلك فالأمرا من دونه سوقة ... والملك الظاهر هوّ الملك وفى يوم الثلاثاء «1» سابع عشر جمادى الأولى قدم الأمير أصلم و [أبو بكر «2» ] بن أرغون النائب وأرنبغا من تجريدة الكرك بغير إذن واعتذروا بضعف أبدانهم وكثرة الجراحات فى أصحابهم وقلّة الزاد عندهم، فقبل السلطان عذرهم، ورسم بسفر طقتمر الصلاحىّ وتمر الموساوىّ فى عشرين مقدّما من الحلقة وألفى فارس نجدة لمن بقى من الأمراء على حصار الكرك فساروا فى سلخه، وهذه التجريدة الرابعة بل الخامسة؛ فإنّه تكرر رواح الأمراء فى تلك التجريدة مرّتين. ثم بعد مدّة رسم السلطان بتجهيز الأمير علم الدين سنجر الحاولىّ والأمير أرقطاى والأمير قمارى الأستادار وعشرين أمير طبلخاناه وثلاثين مقدّم حلقة فساروا يوم الثلاثاء خامس عشر شوال فى ألفى فارس إلى الكرك وهى التجريدة السادسة وتوجّه معهم أيضا عدّة حجّارين ونقّابين ونفطبة وغير ذلك. وفى مستهلّ شهر رمضان «3» فرغت عمارة السلطان الملك الصالح إسماعيل صاحب الترجمة من القاعة التى أنشأها المعروفة الآن بالدهيشة «4» الملاصقة للدور السلطانية المطلّة على الحوش وفرشت بأنواع البسط والمقاعد الزّركش.

قلت: هى الآن مجاز لأوباش الرعيّة لمن له حاجة عند السلطان من التّركمان والأعراب والأوغاد والأتباع. ولله درّ القائل: وإذا تأمّلت البقاع وجدتها ... تشقى كما تشقى الرجال وتسعد وجلس السلطان الملك الصالح فيها، وبين يديه جواريه وخدمه وحرمه، وأكثر السلطان فى ذلك اليوم من الخلع والعطاء، وكان السلطان قد اختصّ ببيبغا الصالحىّ وأمّره وخوّله فى النّعم وزوّجه بابنة الأمير أرغون العلائىّ مدبّر مملكة السلطان وزوج أمّه، والبنت المذكورة أخت السلطان لأمّه. وكثر فى هذه الأيام استيلاء الجوارى والخدّام على الدولة وعارضوا النائب فى أمور كثيرة حتّى صار النائب يقول لمن يسأله شيئا: روح إلى الطواشى فلان فينقضى شغلك. واستمرّ السلطان يكثر من الجلوس فى الدهيشة بأبّهة عظيمة إلى الغاية. ثم رسم السلطان بإحضار المجرّدين إلى الكرك وعيّن عوصهم تجريدة أخرى إلى الكرك وهى التجريدة السابعة، فيها الأمير بيبرس الأحمدىّ والأمير كوكاى وعشرون أمير طبلخاناه وستة عشر أمير عشرة، وكتب بخروج عسكر أيضا من دمشق ومعهم المنجنيق والزحّافات، وحمل إلى الأحمدى مبلغ ألفى دينار، وكذلك «1»

لكوكاى، ولكلّ أمير طبلخاناه خمسمائه «1» دينار، ولكل أمير عشرة مائتى دينار، وأرسل أيضا مع الأحمدى أربعة آلاف دينار لمن عساه ينزل إليه من قلعة الكرك طائعا، وجهّز معه تشاريف كثيرة، وعيّنت لهم الإقامات، وكان الوقت شتاء فقاسوا من الأمطار مشقّات كثيرة، وأقاموا نحو شهرين وخرّج معهم ستة آلاف رأس من البقر ومائتى رأس جاموس ونحو ألفى راجل فاستعدّ لهم الملك الناصر، وجمع الرجال وأنفق فيهم مالا كثيرا، وفرّق فيهم الأسلحة المرصدة بقلعة الكرك. وركّب المنجنيق الذي بها، ووقع بينهم القتال والحصار إلى ما سيأتى ذكره. ثم رسم السلطان بالقبض على الأمير آقبغا عبد الواحد فقبض عليه بدمشق فى عدّة من أمرائها وسجنوا بها لميلهم للملك الناصر أحمد، واشتدّ الحصار على الملك الناصر بالكرك وضاقت عليه هو ومن معه لقلّة القوت، وتخلّى عنه أهل الكرك، وضجروا من طول الحصار، ووعدوا الأمراء بالمساعدة عليه، فحملت إليهم الخلع ومبلغ ثمانين ألف درهم. هذا وقد استهمّ السلطان فى أوّل سنة خمس وأربعين وسبعمائة بتجريدة ثامنة إلى الكرك، وعيّن فيها الأمير منكلى بغا الفخرىّ والأمير قمارى والأمير طشتمر طلليه، ولم يجد السلطان فى بيت المال ما ينفقه عليهم فأخذ مالا من تجّار العجم ومن بنت الأمير بكتمر الساقى على سبيل القرض وأنفق فيهم، وخرج المجرّدون فى يوم الثلاثاء حادى عشر المحرم سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وهؤلاء نجدة لمن توجّه قبلهم خوفا أن يملّ من كان توجّه من القتال، فيجد الناصر فرجا بعودهم عنه، وقطعت الميرة عن الملك الناصر، ونفدت أمواله من كثرة نفقاته فوقع الطمع فيه وأخذ بالغ، وكان أجلّ ثقاته فى العمل عليه وكاتب الأمراء ووعدهم بأنّه يسلّم إليهم الكرك وسأل الأمان فكتب اليه من السلطان أمان وقدم إلى القاهرة

ومعه مسعود «1» وابن أبى الليث وهما أعيان مشايخ الكرك فأكرمهم السلطان وأنعم عليهم، وكتب لهم مناشير بجميع ما طلبوه من الإقطاعات والأراضى، وكان من جملة ما طلبه بالغ وحده [نحو «2» ] أربعمائة وخمسين ألف درهم فى السنة، وكذلك أصحابه. ثم ركب العسكر للحرب وخرج الكركيّون فلم يكن غير ساعة حتّى انهزموا منهم إلى داخل المدينة، فدخل العسكر أفواجا واستوطنوها، وجدّوا فى قتال أهل القلعة عدّة أيام، والناس تنزل اليهم منها شيئا بعد شىء حتّى لم يبق عند الملك الناصر أحمد بقلعة الكرك سوى عشرة أنفس فأقام يرمى بهم على العسكر وهو يجدّ فى القتال ويرمى بنفسه وكان قوىّ الرّمى شجاعا إلى أن جرح فى ثلاثة مواضع وتمكّنت النقابة من البرج وعلقوه وأضرموا النار تحته، حتّى وقع. وكان الأمير سنجر الجاولى قد بالغ أشدّ مبالغة فى الحصار وبذل فيه مالا كثيرا. ثم هجم العسكر على القلعة فى يوم الاثنين ثانى عشرين صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة فوجدوا الناصر قد خرج من موضع وعليه زردية وقد تنكّب قوسه وشهر سيفه فوقفوا، وسلّموا عليه فردّ عليهم وهو متجهّم «3» وفى وجهه جرح، وكتفه أيضا يسيل دما، فتقدّم إليه الأمير أرقطاى والأمير قمارى فى آخرين، وأخذوه ومضوا به إلى دهليز الموضع الذي كان به وأجلسوه، وطيّبوا قلبه وهو ساكت لا يحييهم، فقيّدوه ووكّلوا به جماعة، ورتّبوا له طعاما، فأقام يومه وليلته، ومن باكر الغد يقدّم إليه الطعام فلا يتناول منه شيئا إلى أن سألوه أن يأكل فأبى أن يأكل، حتّى يأتوه بشابّ يقال له: عثمان، كان يهواه فأتوه به فأكل

عند ذلك، وخرج الأمير ابن بيبغا حارس طير بالبشارة إلى السلطان الملك الصالح وعلى يده كتب الأمراء فقدم قلعة الجبل فى يوم السبت سابع «1» من عشرين صفر، فدقّت البشائر سبعة أيام. وأخرج السلطان منجك اليوسفىّ الناصرىّ السلاح دار ليلا من القاهرة على البخت لقتل الملك الناصر أحمد من غير مشاورة الأمراء فى ذلك، فوصل إلى الكرك وأدخل عليه من أخرج الشاب من عنده، ثم خنفه فى ليلة رابع شهر ربيع الأول، وقطع رأسه وسار من ليلته ولم يعلم الأمراء ولا العسكر بشىء من ذلك، حتى أصبحوا وقد قطع منجك مسافة بعيدة، وقدم بعد ثلاثة أيام قلعة الجبل ليلا، وقدّم الرأس بين يدى السلطان، وكان ضخما مهولا، له شعر طويل، فاقشعر السلطان عند رؤيته وبات مرجوفا، وطلب الأمير قبلاى الحاجب، ورسم له أن يتوجّه لحفظ الكرك إلى أن يأتيه نائب لها، وكتب السلطان بعود الأمراء والعساكر المجرّدين إلى الكرك، فكانت مدّة حصار الملك الناصر بالكرك سنتين وشهرا وثلاثة «2» أيام. ثم قدم الأمراء المجردون إلى الكرك فخلع السلطان على الجميع وشكرهم وأكثر من الثناء عليهم. ثم خلع على الأمير ملكتمر السّرجوانىّ باستقراره فى نيابة الكرك على ما كان عليه قديما، وجهّز معه عدّة صناع لعمارة ما تهدّم من قلعة الكرك وإعادة البرج على ما كان عليه، ورسم بأن يخرج مائة مملوك معه من مماليك قوصون وبشتك الذين كان الملك الناصر قد أسكنهم بالقلعة، ورتّب لهم الرواتب ويخرج منهم مائتان إلى دمشق وحماة وحمص وطرابلس وصفد وحلب فأخرجوا جميعا فى يوم واحد، ونساؤهم وأولادهم فى بكاء وعويل، وسخّروا لهم خيول الطواحين ليركبوا عليها.

ثم وقعت الوحشة بين الأمير أرغون العلائى والأمير ملكتمر الحجازىّ وبين الحاج آل ملك نائب السلطنة وصار الحجازى والعلائى معا على آل ملك النائب، ووقع بين آل ملك والحجازى أمور يطول شرحها، وكان الحجازى مولعا بالخمر وآل الملك ينهى عن شربها، فكان كلّما ظفر بأحد من حواشى الحجازى مثّل به فتقوم قيامة الحجازىّ لذلك، وتفاوضا غير مرّة بسبب هذا فى مجلس السلطان، وأرغون العلائى يميل مع الحجازى لما فى نفسه من آل ملك وداما على ذلك مدّة. وأما السلطان فإنه بعد مدّة نزل إلى سرياقوس بتجمّل زائد على العادة فى كل سنة. ثم عاد إلى القلعة بعد أيام، فورد عليه قصّاد صاحب الروم وقصّاد صاحب الغرب. ثم بدا للسلطان الحجّ فتهيّأ لذلك وأرسل يطلب العربان وأعطاهم الأموال بسبب كراء الجمال، فتغيّر مزاجه فى مستهلّ شهر ربيع الأول ولزم الفراش ولم يخرج إلى الخدمة أياما، وكثرت القالة بسبب ضعفه، وتحسّنت الأسعار. ثم أرجف بموت السلطان فى بعض الأيام، فأغلقت الأسواق حتّى ركب الوالى والمحتسب وضربوا جماعة وشهّروهم، ثم اجتمعوا الأمراء ودخلوا على السلطان وتلطّفوا به حتّى أبطل حركة الحجّ، وكتب بعود طقتمر من الشام، واستعادة الأموال من العربان، وما زال السلطان يتعلّل إلى أن تحرك أخوه شعبان واتفق مع عدّة مماليك وقد انقطع خبر السلطان عن الأمراء، وكتب السلطان بالإفراج عن المسجونين من الأمراء وغيرهم بالأعمال، وفرّقت صدقات كثيرة، ورتّبت جماعة لقراءة «صحيح البخارى» فقوى أمر شعبان، وعزم أن يقبض على النائب فاحترز النائب منه، وأخذ أكابر الأمراء فى توزيع أموالهم وحرمهم فى الأماكن، ودخلوا على السلطان وسألوه أن يعهد لأحد من إخوته، فطلب النائب وبقيّة الأمراء فلم يحضر إليه أحد منهم، وقد اتّفق الأمير أرغون العلائى مع جماعة على إقامة شعبان فى الملك، وفرّق فيهم

مالا كبيرا، فإنه كان أيضا ابن زوجته شقيق الملك الصالح إسماعيل لأبيه وأمه، وأقام مع أرغون غرلو وتمر الموساوى وامتنع النائب من إقامته وصاروا حزبين، فقام النائب آل ملك فى الإنكار على سلطنة شعبان، وقد اجتمع مع الأمراء بباب القلّة وقبض على غرلو وسجنه وتحالف هو وأرغون العلائى وبقيّة الأمراء على عمل مصالح المسلمين. ومات السلطان الملك الصالح إسماعيل فى ليلة الخميس «1» رابع شهر ربيع الآخر سنة ست وأربعين وسبعمائة، وقد بلغ من العمر نحو عشرين سنة، فكتم موته، وقام شعبان إلى أمّه ومنع من إشاعة موت أخيه، وخرج إلى أصحابه وقرّر معهم أمره، فخرج طشتمر ورسلان بصل إلى منكلى بغا ليستعطفوا الأمير أرقطاى والأمير أصلم، وكان النائب والأمراء علموا من العصر أن السلطان فى النزع واتّفقوا على النزول من القلعة إلى بيوتهم بالقاهرة، فدخل الجماعة على أرقطاى ليستميلوه لشعبان فوعدهم بذلك، ثم دخلوا على أصلم فأجابهم وعادوا إلى شعبان، وقد ظنوا أنّ أمرهم تمّ، فلمّا أصبحوا نهار الخميس خرج الأمير أرغون العلائى والأمير ملكتمر الحجازى وتمر الموساوى وطشتمر طلليه ومنكلى بغا الفخرى وأسندمر وجلسوا بباب القلّة فأتاهم الأمير أرقطاى والأمير أصلم والوزير نجم الدين محمود والأمير قمارى الأستادار وطلبوا النائب فلم يحضر إليهم، فمضوا كلّهم إلى عنده واستدعوا الأمير چنكلى بن البابا واشتوروا فيمن يولوه السلطنة فأشار چنكلى أن يرسل إلى المماليك السلطانية ويسألهم من يحتاروه فإنّ من اختاروه رضيناه سلطانا، فعاد جوابهم مع الحاجب أنهم رضوا بشعبان سلطانا، فقاموا جميعا ومعهم النائب إلى داخل باب القلّة. وكان

شعبان تخيّل من دخولهم عليه وجمع المماليك وقال. من دخل علىّ وجلس على الكرسىّ قتلته بسيفى هذا! وأنا أجلس على الكرسى حتى أبصر من يقيمنى عنه. فسيّر أرغون العلائى [إليه «1» ] وبشّره وطيّب خاطره، ودخل الأمراء إليه وسلطنوه ولقّب بالملك الكامل سيف الدين شعبان حسب ما يأتى ذكره فى أوّل ترجمته. ولنرجع إلى بقية ترجمة الملك الصالح إسماعيل. وكان الملك الصالح سلطانا ساكنا عاقلا قليل الشّرّ كثير الخير، هيّنا ليّنا بشوشا، وكان شكلا حسنا حلو الوجه أبيض بصفرة وعلى خدّه شامة. ولم يكن فى أولاد الملك الناصر خيرا منه. رتّب دروسا بمدرسة جدّه المنصور قلاوون. وجدّد جماعة من الخدّام بالحرم النّبوىّ، حسب ما ذكرناه فى وقته. وله مآثر كثيرة بمكّة واسمه مكتوب على رباط «2» السّدرة بحرم مكّة، ولم يزل مثابرا على فعل الخير حتّى توفّى. ولما مات رثاه الشيخ صلاح الدين الصفدىّ بقوله مضى الصالح المرجوّ للبأس والنّدى ... ومن لم يزل يلقى المنى بالمنائح» فيا ملك مصر كيف حالك بعده ... إذا نحن أثينا عليك بصالح وكان الملك الصالح محبّبا للرعية على مشقّة كانت فى أيامه من كثرة التجاريد إلى قتال أخيه الملك الناصر أحمد بالكرك وكانت السّبل مخيفة. وشغف مع ذلك بالجوارى السّود، وأفرط فى محبة اتّفاق «4» العوّادة وفى العطاء لها، وقرّب أرباب الملاهى، وأعرض

عن تدبير الملك بإقباله على النساء والمطربين، حتّى كان إذا ركب إلى سرحة سرياقوس أو سرحة الأهرام «1» ركبت أمّه فى مائتى امرأة الأكاديش بثياب الأطلس الملوّن وعلى رءوسهن الطراطير الجلد البرغالى «2» المرصّعة بالجوهر واللآلئ وبين أيديهنّ الخدّام الطواشية من القلعة إلى السّرحة. ثم تركب حظاياه الخيول العربية ويتسابقن ويركبن تارة بالكامليّات الحرير ويلعبن بالكرة، وكانت لهنّ فى المواسم والأعياد وأوقات النّزهة أمور من هذا النّموذج. واستولى الخدّام والطواشيّة فى أيامه على أحوال الدولة، وعظم أمرهم بتحكّم كبيرهم عنبر السّحرتى لالاة «3» السلطان، واقتنى عنبر السحرتى البزاة والسناقر، وصار يركب إلى المطعم «4» ويتصيّد بثياب الحرير المزركشة، واتّخذ له كفّا للصيد مرصّعا بالجوهر. وعمل له خاصكيّة وخدّاما ومماليك تركب فى خدمته، حتى ثقل أمره على أكابر أمراء الدولة، فإنه أكثر من شراء الأملاك والتجارة فى البضائع، كلّ ذلك لكونه لالا السلطان. وأفرد له ميدانا «5» يلعب فيه بالكرة، وتصدّى لقضاء الأشغال وقصده الناس فصارت الإقطاعات والرّزق والوظائف لا تقضى إلا بالخدّام والنساء. وكان متحصّل الدولة فى أيام الملك الصالح قليلا ومصروف العمارة كثيرا. وكان مغرما بالجلوس بقاعة الدهيشة، لا سيما لمّا ولدت منه اتّفاق العوّادة ولدا ذكرا، عمل لها فيه مهمّا بلغ الغاية التى لا توصف، ومع هذا كانت حياته منغّصة وعيشته منكّدة لم يتمّ سروره بالدهيشة سوى ساعة واحدة.

ثم قدم عليه منجك السلاح دار برأس أخيه الملك الناصر أحمد من الكرك، فلمّا قدم بين يديه ورآه بعد غسله اهتزّ وتغيّر لونه وذعر، حتّى إنه بات تلك الليلة يراه فى نومه ويفزع فزعا شديدا، وتعلّل من رؤيته، وما برح يعتريه الأرق ورؤية الأحلام المزعجة، وتمادى مرضه وكثر إرجافه، حتى اعتراه القولنج، وقوى عليه حتّى مات منه فى يوم الخميس «1» المذكور، ودفن عند أبيه وجدّه الملك المنصور قلاوون بالقبّة المنصورية «2» فى ليلة الجمعة خامس شهر ربيع الآخر، فكانت مدّة ملكه بالديار المصرية ثلاث سنين وشهرين وأحد عشر يوما. وقال الصفدى: ثلاث سنين وشهرا وثمانية عشر يوما. وتسلطن من بعده أخوه شقيقه شعبان ولقّب بالكامل. وعمل للملك الصالح العزاء بالديار المصرية أياما كثيرة، ودارت الجوارى بالملاهى يضربن بالدفوف، والمخدّرات حواسر يبكين ويلطمن، وكثر حزن الناس عليه ووجدوا عليه وجدا عظيما. *** السنة الأولى من سلطنة الملك الصالح إسماعيل على مصر، وهى سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة. فيها توفّى الشيخ «3» الإمام برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد السّفاقسىّ المالكىّ فى ذى الحجّة. وكان إماما فقيها بارعا أفتى ودرّس سنين، وله مصنّفات مفيدة، منها: «إعراب «4» القرآن» «وشرح ابن الحاجب فى الفقه» وغير ذلك. وكان معدودا من علماء المالكية.

وتوفّى الأمير سيف الدين أرنبغا «1» بن عبد الله الناصرى ناظر طرابلس بها. وكان من أجلّ أمراء الدولة ومن أعيان مماليك الناصر محمد وخاصكيّته وتنقّل فى عدّة ولايات. وكان معدودا من الشّجعان. وتوفّى الأمير الكبير علاء الدين أيدغمش بن عبد الله الناصرىّ الأمير آخور، ثم نائب حلب ثم نائب الشام فجأة فى بكرة يوم الأربعاء «2» رابع جمادى الآخرة، ودفن فى آخر ميدان الحصى فى تربة عمّرت له هناك. وكانت مدّة نيابته بحلب والشام نصف سنة، وكانت موتته غريبة وهو أنه ركب فى بكرة ثالث جمادى الآخرة وخرج ظاهر دمشق وأطعم طيور الصيد وعاد إلى دار «3» السعادة وقرئت عليه قصص يسيرة، ثم أكل السّماط. ثم عرض طلبه والمضافين إليه، وقدّم جماعة وأخّر جماعة ثم دخل إليه ديوانه وقرأ عليه مخازيم «4» وحساب ومصروف ديوانه. ثم قال أيدغمش: هؤلاء الذين تزوّجوا من مماليكى اقطعوا مرتّبهم. ثم أكل الطّارى «5» ، وقعد هو وابن جمّاز يتحدّثان فسمع حسّ جماعة من جواريه يتخاصمن، فقام وأخذ عصاه ودخل إليهن وضرب واحدة منهن ضربتين وسقط ميتا لم يتنفّس، فتحيّر الناس فى أمره فأمهلوه إلى بكرة يوم الأربعاء فلم يتحرك، فغسّلوه وكفّنوه ودفنوه.

وكان أصل أيدغمش هذا من مماليك الأمير بلبان الطّباخى، ثم اتّصل إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون فجعله من جملة خاصكيّته. ثم رقّاه حتى جعله أمير آخور كبير بعد بيبرس الحاجب فدام فى وظيفة الأمير آخورية نحو عشرين سنة. وقد استوعبنا من حاله مع قوصون وغيره قطعة جيدة فى ترجمة الملك الناصر أحمد وغيره. وكان أميرا جليلا عاقلا مهابا شجاعا مدبّرا مقداما كريما «1» ، قلّ من دخل إليه للسلام إلا وأعطاه شيئا. وكان مكينا عند أستاذه الملك الناصر، على أنه أنعم على أولاده الثلاثة بإمرة، وهم أمير حاج ملك وأمير أحمد وأمير على. وكان أيدغمش يميل إلى فعل الخير، وله مآثر حميدة. وهو صاحب الحمّام «2» والخوخة خارج بابى زويلة. رحمه الله. وتوفّى الأمير ركن الدين بيبرس بن عبد الله الناصرىّ الحاجب بدمشق فى شهر رجب وهو أيضا من المماليك الناصرية، رقّاه أستاذه الملك الناصر محمد بن قلاوون حتى صار أمير مائة ومقدّم ألف. ثم ولّاه أمير آخور مدّة سنين. ثم عزله بالأمير أيدغمش المقدّم ذكره، وولّاه الحجوبيّة ثم جرّده إلى اليمن فبلغه عنه أنه أخذ برطيل «3»

صاحب اليمن وتراخى فى أمر السلطان، فلمّا عاد قبض عليه وحبسه تسع سنين وثمانية أشهر إلى أن أفرج عنه فى سنة خمس وثلاثين وسبعمائة وأخرجه إلى حلب أميرا بها. ثم نقل إلى إمرة بدمشق، فما زال بها حتّى مات فى التاريخ المذكور. وكان له ثروة كبيرة وأملاك كثيرة وله دار «1» عند باب الزّهومة. وتوفّى الأمير سيف الدين قمارى بن عبد الله الناصرىّ أمير شكار فى يوم الأحد خامس جمادى الأولى «2» . وكان خصيصا عند أستاذه الملك الناصر محمد بن قلاوون، وهو أحد من زوّجه الملك الناصر بإحدى بناته، بعد ما أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية وجعله أمير شكار. وتوفّى سيف الدين طشتمر بن عبد الله الساقىّ الناصرىّ المعروف بحمص أخضر مقتولا بسيف الملك الناصر أحمد بالكرك، وكان أيضا أحد مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون وخواصّه، رقّاه وأمّره وولّاه نيابة صفد وهو الذي توجّه من

صفد وقبض على تنكز نائب الشام حسب ما تقدّم ذكره. ثم نقله إلى نيابة حلب عوضا عن طوغان الناصرى فى سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، فدام بحلب حتى خرج منها إلى الروم، وقد مرّ ذكر ذلك كلّه إلى أن قدم الديار المصرية صحبة الأمراء الشاميّين، وولّاه الملك الناصر أحمد نيابة السلطنة. ثم قبض عليه بعد أن باشر النيابة خمسة وثلاثين يوما وأخرجه معه إلى الكرك، فقتله هناك وقتل الأمير قطلوبغا الفخرى الآتى ذكره. ولمّا قتل طشتمر قال فيه الصلاح الصفدى: طوى الرّدى طشتمرا بعد ما ... بالغ فى دفع الأذى واحترس عهدى به كان شديد القوى ... أشجع من يركب ظهر الفرس ألم يقولوا حمّصا أخضرا ... فاعجب له يا صاح كيف اندرس قلت: وهو صاحب الدار «1» العظيمة والربع الذي بجانبها بحدرة البقر خارج القاهرة «2» والجامع بالصحراء والمئذنة الحلزون والجامعين بالزريبه «3» والربع الذي بالحريريّين «4» داخل القاهرة. وكان شجاعا كريما كثير الإنعام والصدقات

وتوفّى الأمير «1» سليمان بن مهنّا بن عيسى بن مهنا ملك العرب وأمير آل فضل بظاهر سلمية «2» ، وكان من أجلّ ملوك العرب. وتوفّى الأمير سيف الدين طينال بن عبد الله الناصرىّ نائب غزة ونائب صفد ثم نائب طرابلس، ومات وهو على نيابة صفد فى يوم الجمعة رابع شهر ربيع الأول. وكان من أعيان الأمراء الناصريّة. وتوفّى الأمير سيف الدين قطلوبغا بن عبد الله الفخرىّ الساقى الناصرىّ نائب الشام، مقتولا بسيف الملك الناصر أحمد بالكرك، وكان من أكابر مماليك الناصر محمد بن قلاوون من طبقة أرغون الدّوادار. قال الصفدى: لم يكن لأحد من الخاصكيّة ولا غيرهم إدلاله على الملك الناصر محمد ولا من يكلّمه بكلامه، وكان يفحش فى كلامه له ويردّ عليه الأجوبة الحادّة المرّة وهو يحتمله، ولم يزل عند السلطان أثيرا إلى أن أمسكه فى نوبة إخراج أرغون إلى حلب نائبا، فلمّا دخل تنكز عقيب ذلك إلى القاهرة أخرجه السلطان معه إلى الشام. انتهى قلت: وقد سقنا من ذكره فى ترجمة الملك الناصر أحمد وغيره ما فيه كفاية عن ذكره هنا ثانيا. ولمّا أمسك وقتل قال الأديب البارع خليل بن أيبك الصفدىّ شعرا: سمت همّة الفخرىّ حتّى ترفّعت ... على هامة الجوزاء والنّسر بالنّصر وكان به للملك فخر فخانه الزّمان فأضحى ملك مصر بلا فخر

ما وقع من الحوادث سنة 744

وتوفّى الأمير سيف الدين بهادر بن عبد الله الجوبانىّ رأس نوبة. وتوفّى الأمير سيف الدين بكا الخضرىّ «1» الناصرى موسّطا بسوق الخيل فى رابع «2» شهر رجب، وقد مرّ من ذكره نبذة فى ترجمة الملك الصالح إسماعيل. وتوفّى الشيخ الإمام تاج الدين أبو المحاسن عبد الباقى بن عبد المجيد اليمانىّ المخزومىّ الشافعى الأديب الكاتب بالقدس الشريف فى هذه السنة عن ثلاث وستين سنة. وتوفّى الشيخ الإمام الخطيب محيى الدين محمد بن عبد الرحيم بن عبد الوهّاب ابن على بن أحمد أبو المعالى السّلمى الشافعى خطيب بعلبك فى ليلة الأربعاء تاسع شهر رمضان. ومولده فى شهر رمضان سنة ثمان وخمسين وستمائة. وكان فاضلا عالما خطيبا فصيحا، وكتب الخطّ المنسوب. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وإصبعان. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا سواء. والله تعالى أعلم. *** [ما وقع من الحوادث سنة 744] السنة الثانية من ولاية الملك الصالح إسماعيل على مصر، وهى سنة أربع وأربعين وسبعمائة. فيها توفّى قاضى القضاة برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن علىّ بن أحمد بن علىّ ابن عبد الحقّ قاضى القضاة الحنفيّة بالديار المصريّة وهو مقيم بدمشق. وكان إماما عالما بارعا أفتى ودرّس سنين وناب فى الحكم، ثم استقلّ بقضاء القضاة بالديار المصرية وحسنت سيرته.

وتوفّى الأمير سيف الدين وقيل شمس الدين آق سنقر بن عبد الله السّلّارى نائب السلطنة بالديار المصريّة قتيلا بثغر الإسكندرية فى السجن. وكان أصله من مماليك الأمير سلّار واتّصل بعده بخدمة الملك الناصر محمد بن قلاوون فرقّاه إلى أن ولّاه نيابة غزّة ثم صفد. ثم ولى بعد موت الملك الناصر نيابة السلطنة بالديار المصرية. وقد تقدّم ذكره فى ترجمة الملك الصالح هذا والتعريف بأحواله وكرمه إلى أن قبض عليه وسجن، ثم قتل. وكان من الكرماء الشّجعان. وتوفّى الأمير علاء الدين ألطنبغا بن عبد الله الماردانى الناصرىّ الساقىّ نائب حلب بها. وكان ألطنبغا أحد مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون وخاصّكيّته وأحد من شغف بمحبته ورقّاه فى مدّة يسيرة، حتّى جعله أمير مائة ومقدّم ألف، وزوّجه بابنته. ثم وقع له أمور بعد موته ذكرناها فى تراجم: المنصور والأشرف والناصر والصالح أولاد الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى أن ولى نيابة حماة، ثم حلب بعد الأمير طقزدمر فباشر نيابة حلب نصف سنة، وتوفّى ولم يبلغ من العمر خمسا وعشرين سنة. وكان أميرا شابّا لطيف الذات، حسن «1» الشكل، كريم الأخلاق مشهورا بالشجاعة والكرم. وهو صاحب الجامع «2» المعروف به خارج باب زويلة. وقد تقدّم ذكر بنائه فى ترجمة أستاذه الملك الناصر محمد. وتوفّى الأمير الأديب الشاعر علاء الدين ألطنبغا بن عبد الله الجاولى. أصله من مماليك بن باخل «3» . ثم صار إلى الأمير علم الدين سنجر الجاولى فجعله دواداره لمّا كان نائب غزّة فعرف به، ثم تنقّلت به الأحوال حتى صار من جملة أمراء دمشق إلى أن مات بها فى شهر ربيع الأول.

قلت: وهو أحد فحول الشعراء من الأتراك لا أعلم أحدا من أبناء جنسه فى رتبته فى نظم القريض، اللهم إلا إن كان أيدمر المحيوى فيمكن. ومن شعر ألطنبغا المذكور: ردفه زاد فى الثّقالة حتّى ... أقعد الخصر والقوام سويّا نهض الخصر والقوام وقاما ... وضعيفان يغلبان قويّا وله: وبارد الثغر حلو ... بمرشف فيه حوّه وخصره فى انتحال ... يبدى من الضعف قوّه وله: وصالك والثريّا فى قران ... وهجرك والجفا فرسا رهان فديتك ما حفظت لشؤم بختى «1» ... من القرآن إلّا لن ترانى وله: يقول لى العاذل فى لومه ... وقوله زور وبهتان ما وجه من أحببته قبلة ... قلت ولا قولك قرآن وقد سقنا من شعره قطعة جيّدة فى تاريخنا «المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى» . وتوفّى القاضى شرف الدين أبو بكر بن محمد ابن الشهاب محمود كاتب سرّ مصر ثم دمشق فى شهر ربيع الأوّل. وكان فاضلا بارعا فى صناعته، وهو من بيت علم وفضل ورياسة وإنشاء. وكان فاضلا مترسّلا رئيسا نبيلا، وله نظم رائق ونثر فائق. ومن شعره.

بعثت رسولا للحبيب لعلّه ... يبرهن عن وجدى له ويترجم فلمّا رآه حار من فرط حسنه ... وما عاد إلّا وهو فيه متيّم وتوفّى الأمير سيف الدين طرغاى «1» الجاشنكير الناصرىّ نائب حلب وطرابلس فى شهر رمضان. وكان من أعيان مماليك الملك الناصر وأمرائه. وكان شجاعا مقداما سيوسا. ولى الولايات والأعمال الجليلة. وتوفّى الأمير علاء الدين آقبغا عبد الواحد الناصرىّ بحبسه بثغر الإسكندرية، وقد تكرّر ذكره فى ترجمة أستاذه الملك الناصر فى مواطن كثيرة، وفى أوّل ترجمة الملك المنصور أبى بكر أيضا، وكيف كان القبض عليه، وما وقع له من المصادرة وغير ذلك إلى أن ولى نيابة حمص ثم عزل وقبض عليه وحبس إلى أن مات. وكان أصله من مماليك الناصر محمد وأخا زوجته خوند طغاى، وتولّى فى أيام أستاذه عدّة وظائف وولايات، منها أنه كان من جملة مقدّمى الألوف ثم أستادار. ثم مقدّم المماليك السلطانية، وشادّ العمائر وكان يندبه لكلّ أمر مهمّ فيه العجلة لمعرفته بشدّة بأسه وقساوة قلبه، وكثرة ظلمه. وكان من أقبح المماليك الناصرية سيرة. وهو صاحب المدرسة «2» على يسار الداخل إلى الجامع الأزهر والدار بالقرب من الجامع المذكور. وتوفّى الشيخ حسن بن تمرتاش بن جوبان متملّك تبريز والعراق فى شهر رجب. وكان من أعظم الملوك، وكان داهية صاحب حيل ومكر وخديعة. وكان كثير العساكر من التّرك وغيرها.

وتوفّى القاضى زين الدين إبراهيم بن عرفات بن صالح بن أبى المنى القنائىّ الشافعى قاضى قنا. كان فقيها رئيسا كثير الأموال. كان يتصدّق فى كلّ سنة بألف دينار فى يوم واحد مع مكارم وإنعام. وتوفّى الشيخ الإمام شمس الدين محمد بن على بن أيبك السّروجىّ. مولده بمصر فى ذى الحجة سنة أربع عشرة وسبعمائة، ومات بحلب فى الثامن من شهر ربيع الأوّل. وتوفّى المحدّث شهاب الدين أحمد بن أبى الفرج الحلبى بمصر بعد أن حدث عن النّجيب «1» والأبرقوهىّ «2» والرّشيد «3» بن علّان وغيرهم «4» . ومولده فى شهر رمضان سنة خمسين وستمائة. وتوفّى القاضى علم الدين سليمان بن إبراهيم بن سليمان المعروف بابن المستوفى المصرى ناظر الخاصّ بدمشق فى جمادى الآخرة. وله فضيلة وشعر جيّد، وكان يعرف بكاتب قراسنقر، فإنه كان بخدمته. وباشر عدّة وظائف بدمشق: نظر البيوت ثم نظر الخاصّ ثم صحابة الديوان. وكان بارعا فى صناعة الحساب ويكتب الخط المليح. وله يد فى النظم وقدرة على الارتجال، وكان يتكلّم فصيحا باللغة التركية. ومن شعره: غرامى فيك قد أضحى غريمى ... وهجرك والتّجنّى مستطاب وبلواى ملالك لا لذنب ... وقولك ساعة التسليم طابوا

ما وقع من الحوادث سنة 745

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا. والله تعالى أعلم. *** [ما وقع من الحوادث سنة 745] السنة الثالثة من سلطنة الملك الصالح إسماعيل على مصر، وهى سنة خمس وأربعين وسبعمائة. فيها توفّى قاضى القضاة العلّامة جلال الدين [أحمد «1» ] ابن القاضى حسام الدين أبى الفضائل حسن بن أحمد بن الحسن بن أنوشروان «2» الأنكورىّ الحنفى قاضى قضاة دمشق وعالمها فى يوم الجمعة تاسع عشر رجب، ومولده بمدينة أنكورية «3» ببلاد الروم فى سنة إحدى وخمسين وستمائة. وكان إماما عالما ديّنا عارفا بالمذهب وأصوله، محقّقا إماما فى العلوم العقليّة، وأفتى ودرّس وتصدّر للإقراء فى حياة والده. وولى قضاء خرتبرت «4» وعمره سبع عشرة سنة، وحمدت سيرته. ثم انتقل إلى البلاد الشامية حتى كان من أمره ما كان. وتوفّى الأمير علم الدين سنجر الجاولى، أحد أعيان أمراء بالديار المصرية فى يوم الخميس «5» ثامن شهر رمضان، ودفن بمدرسته «6» فوق جبل الكبش. وكان أصله من

مماليك جاول أحد أمراء الملك الظاهر بيبرس. ثم اتّصل بعده إلى بيت السلطان، وأخرج أيام الأشرف خليل بن قلاوون إلى الكرك، واستقرّ فى جملة بحريّتها. ثم قدم فى أيام العادل كتبغا إلى مصر بحال زرىّ، فقدّمه الأمير سلّار ونوّه بذكره إلى أن ولى نيابة غزّة، ثم عدة ولايات بعد ذلك بمصر والبلاد الشامية، وطالت أيامه فى السعادة وعمّر. وقد مرّ من ذكره أشياء فيما تقدّم. وهو صاحب الجامع «1» ، بغزّة والخليل «2» عليه السلام وخان بيسان «3» وخان قاقون «4» . وكان فاضلا فقيها، وله مصنّفات فى الفقه وغيره.

وتوفّى الأمير سيف الدين طقصبا بن عبد الله الظاهرىّ، وقد أناف على مائة [وعشرين «1» ] سنة. وكان أصله من مماليك الظاهر بيبرس البندقدارىّ. وتوفّى [إبراهيم «2» القاضى] جمال الكفاة الرئيس جمال الدين ناظر الخاصّ ثم الجيش ثم المشدّ تحت العقوبة فى ليلة الأحد سادس شهر ربيع «3» الأول. وكان ابن خالة النّشو ناظر الخاصّ، وهو الذي استسلمه واستخدمه مستوفيا فى الدولة، ثم عند بشتك ثم وقع بينهما المعاداة الصعبة على سوء ظنّ من النّشو، ولم يزالا على ذلك حتّى مات النشو تحت العقوبة، وولى جمال الكفاة هذا مكانه، وطالت أيامه ونالته السعادة. قال الصفدى: وكان شكلا حسنا ظريفا مليحا يكتب خطّا قويّا جيدا، ويتحدث بالتّركى، وفيه ذوق للمعانى الأدبية ومحبة للفضلاء ولطف عشرة وكرم أخلاق ومروءة. وكان أوّلا عند الأمير طيبغا القاسمىّ. ومدّة مباشرته الخاصّ ست سنين تقريبا. انتهى كلام الصفدىّ باختصار. وقال غيره: وكان أوّلا يباشر فى بعض البساتين على بيع ثمرته، وتنقّل فى خدمة ابن هلال الدولة، ثم خدم بيدمر البدرىّ وهو خاصّكىّ خبزه بمحلّة «4» منوف، فكتب على بابه إلى أن تأمّر. ثم انتقل بعد ذلك حتّى كان من أمره ما ذكرناه. ولمّا صودر أخذ منه أموال كثيرة. وتوفّى الشيخ الإمام العلّامة فريد عصره أثير الدّين أبو حيّان محمد بن يوسف ابن علىّ [بن يوسف «5» ] بن حيّان الغرناطىّ المغربىّ المالكىّ ثم الشافعىّ. مولده

بغرناطة «1» فى أخريات شوّال سنة أربع وخمسين وستمائة، وقرأ القرآن بالروايات، واشتغل وسمع الحديث بالأندلس وإفريقية وإسكندرية والقاهرة والحجاز، وحصّل الإجازات من الشام والعراق، واجتهد فى طلب العلم، حتى برع فى النحو والتصريف وصار فيهما إمام عصره، وشارك فى علوم كثيرة. وكان له اليد الطّولى فى التفسير والحديث والشروط والفروع وتراجم الناس وطبقاتهم وتواريخهم خصوصا المغاربة، وهو الذي جسّر الناس على مصنّفات ابن مالك، ورغّبهم فى قراءتها، وشرح لهم غوامضها، وقد سقنا من أخباره وسماعاته ومشايخه ومصنّفاته وشعره فى ترجمته فى تاريخنا «المنهل الصافى» ما يطول الشرح فى ذكره هنا؛ ومن أراد ذلك فلينظره هناك. ولنذكر هنا من شعره نبذة يسيرة بسندنا إليه: أنشدنا القاضى عبد الرحيم بن الفرات إجازة، أنشدنا الشيخ صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدىّ إجازة، قال: أنشدنى العلّامة أثير الدين أبو حيّان من لفظه لنفسه: سبق الدمع بالمسير المطايا ... إذ نوى من أحبّ عنّى نقله وأجاد السّطور «2» فى صفحة الخد ... ولم لا يجيد وهو ابن مقله وله بالسند: راض حبيبى عارض قد بدا ... يا حسنه من عارض رائض فظنّ قوم أنّ قلبى سلا ... والأصل لا يعتدّ بالعارض وله موشّحة، أوّلها: إن كان ليل داج، وخاننا الإصباح «3» ، فنورها الوهّاج، يغنى عن المصباح «4»

سلافة تبدو ... كالكوكب الأزهر مزاجها شهد ... وعرفها عنبر يا حبّذا الورد ... منها وإن أسكر قلبى بها قد هاج، فما ترانى صاح، عن ذلك المنهاج، وعن هوى يا صاح وبى رشا أهيف ... قد لجّ فى بعدى بدر فلا يخسف ... منه سنا الخدّ بلحظه المرهف ... يسطو على الأسد كسطوة الحجّاج، فى الناس والسّفّاح، فما ترى من ناج، من لحظه السّفّاح علّل بالمسك ... قلبى «1» رشا أحور منعم المسك ... ذو «2» مبسم أعطر ريّاه كالمسك ... وريقه كوثر غصن على رجراج، طاعت له الأرواح، فحبّذا الآراج، إن هبّت الأرواح مهلا أبا القاسم ... على أبى حيّان ما إن له عاصم ... من لحظك الفتّان وهجرك الدائم ... قد طال بالهيمان قدمعه أمواج، وسرّه قد باح «3» ، لكنّه ما عاج، ولا أطاع اللّاح

يا ربّ ذى بهتان ... يعذلنى» فى الرّاح وفى هوى الغزلان ... دافعت «2» بالرّاح وقلت لا سلوان ... عن ذاك يالاحى سبع «3» الوجوه والتّاج، هى منية الأرواح «4» ، فآختر لى يا زجّاج، قمصال «5» وزوج أقداح قلت: ومذهبى فى أبى حيّان أنّه عالم لا شاعر. ولم أذكر هذه الموشّحة هنا لحسنها؛ بل قصدت التعريف بنظمه بذكر هذه الموشّحة، لأنّه أفحل شعراء المغاربة فى هذا الشأن، وأما الشاعر العالم هو الأرّجانىّ «6»

وأبو العلاء «1» المعرّى وابن سناء «2» الملك. انتهى. وكانت وفاته بالقاهرة فى ثامن عشرين صفر. وتوفّى الأمير صلاح الدين يوسف بن أسعد الدّوادار الناصرى بطرابلس وكان من أكابر الأمراء، ولى الدواداريّة الكبرى فى أيام الناصر محمد، ثم ولى نيابة الإسكندريّة، ثم أخرج إلى البلاد الشامية إلى أن مات بطرابلس. وكان كاتبا شاعرا. وتوفّى الأمير علم الدين سنجر بن عبد الله البشمقدار «3» المنصورىّ، كان من مماليك المنصور قلاوون. وتوفى الأمير سيف الدين طرنطاى المنصورىّ المحمّدىّ بدمشق، وكان من جملة من وافق على قتل الأشرف خليل، فسجنه الملك الناصر سبعا وعشرين سنة، ثم أفرج عنه وأخرجه إلى طرابلس أمير عشرة. وتوفّى الأمير سيف الدين بلبان المنصورىّ الشمسىّ بمدينة حلب. وكان الناصر أيضا حبسه سنين ثم أخرجه إلى حلب. وتوفّى سيف الدين كندغدى «4» بن عبد الله المنصورى بحلب أيضا وهو رأس الميسرة ومقدّم العساكر المجرّدة إلى سيس «5» . وكان من كبار الأمراء بالديار المصريّة.

ما وقع من الحوادث سنة 746

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وثمانى أصابع. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا «1» . [ما وقع من الحوادث سنة 746] ذكر سلطنة الملك الكامل شعبان على مصر السلطان الملك الكامل سيف الدين شعبان ابن السلطان الملك الناصر ناصر الدين محمد ابن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفى الصالحى النّجمى. والكامل هذا هو السابع عشر من ملوك الترك بالديار المصرية والخامس من أولاد الملك الناصر محمد بن قلاوون. جلس على تخت الملك بعد موت أخيه وشقيقه الملك الصالح إسماعيل فى يوم الخميس الرابع «2» من شهر ربيع الآخر سنة ست وأربعين وسبعمائة، ولقّب بالملك الكامل. وفيه يقول الأديب البارع جمال الدين «3» بن نباتة. رحمه الله تعالى. [مخلّع البسيط] جبين «4» سلطاننا المرجّى ... مبارك الطالع البديع

يا بهجة الدهر إذ تبدّى ... هلال شعبان فى ربيع وكان سبب سلطنة الملك الكامل هذا أنه لمّا اشتدّ مرض أخيه الملك الصالح إسماعيل دخل عليه زوج أمّه ومدبّر مملكته الأمير أرغون العلائىّ فى عدّة من الأمراء ليعهد الملك الصالح إسماعيل بالملك لأحد من إخوته. وكان أرغون العلائى المذكور غرضه عند شعبان كونه أيضا ربيبه ابن زوجته، فعارضه فى شعبان الأمير آل ملك نائب السلطنة حسب ما ذكرنا طرفا من ذلك فى مرض الملك الصالح المذكور. ثم وقع ما ذكرناه إلى أن اتّفق المماليك والأمراء على توليته، وحضروا إلى باب القلّة «1» واستدعوا شعبان المذكور، وألبسوه أبّهة السلطنة وأركبوه بشعار الملك ومشت الأمراء بخدمته، والجاوشيّة تصيح بين يديه على العادة، حتى قرب من الإيوان لعب الفرس تحته وجفل من صياح الناس، فنزل عنه ومشى خطوات بسرعة إلى أن طلع إلى الإيوان «2» فتفاءل الناس بنزوله عن فرسه أنّه لا يقيم فى السلطنة إلّا يسيرا. ولمّا طلع الى الإيوان وجلس على الكرسىّ وباسوا الأمراء له الأرض وأحضروا المصحف ليحلفوا له، فحلف هو أوّلا أنّه لا يؤذيهم، ثم حلفوا له بعد ذلك على العادة. ودقّت البشائر بسلطنته بمصر والقاهرة، وخطب له من الغد على منابر مصر والقاهرة، وكتب بسلطنته إلى الأقطار. ثم فى يوم الاثنين ثامن شهر ربيع الآخر المذكور جلس الملك الكامل بدار العدل «3» ، وجدّد له العهد من الخليفة بحضرة القضاة والأمراء، وخلع على الخليفة وعلى القضاة والأمراء، وكتب بطلب الأمير آق سنقر الناصرى من طرابلس وسأل

الأمير قمارى الأستادار أن يستقرّ عوضه فى نيابة طرابلس، فتشفّع قمارى المذكور بأرغون العلائى وملكتمر الحجازىّ فأجيب إلى ذلك؛ ثم تغيّر ذلك وخلع عليه فى يوم الخميس حادى عشرة بنيابة طرابلس فخرج من فوره على البريد. وخلع على الأمير أرقطاى «1» واستقرّ فى نيابة حلب عوضا عن يلبغا اليحياوى، وخرج أيضا على البريد، وكتب يطلب اليحياوى، ثم طلب الأمير آل ملك نائب السلطنة الإعفاء من النيابة وقبل الأرض، وسأل فى نيابة الشام عوضا عن طقزدمر الحموىّ وأن ينتقل طقزدمر إلى مصر فاجيب إلى ذلك، وكتب بعزل طقزدمر عن نيابة الشام وإحضاره الى الديار المصريّة. وفى يوم السبت ثالث عشرة خلع السلطان الملك الكامل على الأمير الحاج آل ملك نائب السلطنة باستقراره فى نيابة الشام عوضا عن طقزدمر، وأخرج من يومه على البريد، فلم يدخل مدينة غزّة لسرعة توجّهه، وبينما هو سائر إلى دمشق لحقه البريد بتقليده نيابة صفد، وسبب ذلك أنّ أرغون العلائى لمّا قام فى أمر الملك الكامل شعبان هذا وفى سلطنته قال له الحاج آل ملك: بشرط ألّا يلعب بالحمام، فلمّا بلغ ذلك شعبان نقم عليه، فلمّا ولى دمشق استكثرها عليه وحوّله إلى نيابة صفد. ورسم للأمير يلبغا اليحياوى نائب حلب كان، باستقراره فى نيابة الشام. ثم أخذ السلطان الملك الكامل فى تدبير مملكته والنظر فى أمور الدولة فأنعم بإقطاع أرقطاى على الأمير أرغون «2» شاه، واستقرّ أستادارا عوضا عن قمارى المستقرّ فى نيابة طرابلس. وأخرج السلطان الأمير أحمد شادّ الشرابخاناه هو وإخوته من

أجل أنهم كانوا ممّن قام مع الأمير آل ملك هم وقمارى الأستادار فى منع سلطنة الملك الكامل هذا. ثم خلع السلطان على علم الدين «1» عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن زنبور باستقراره ناظر الخواصّ عوضا عن الموفّق عبد الله «2» بن إبراهيم، وعنى الأمير أرغون العلائى بالموفّق حتّى نزل إلى داره بغير مصادرة. ثم قدم الأمير آق سنقر الناصرىّ المعزول عن نيابة طرابلس فخلع السلطان عليه، وسأله بنيابة السلطنة بالديار المصرية فامتنع أشدّ امتناع، وحلف أيمانا مغلّظة أنه لا يليها فأعفاه السلطان فى ذلك اليوم. ثم بدا للسلطان أن يخطب بنت بكتمر الساقى فامتنعت أمّها من إجابته واحتجّت عليه بأنّ ابنتها تحته ولا يجمع بين أختين وأنّه بتقدير أن يفارق أختها، فإنّه أيضا قد شغف باتّفاق العوّادة جارية أخيه الملك الصالح شغفا زائدا، ثم قالت: ومع ذلك فقد ضعف حال المخطوبة من شدّة الحزن، فإنّه أوّل من أعرس عليها آنوك ابن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، وكان لها ذلك المهمّ العظيم، ومات آنوك عنها وهى بكر فتزوّجها من بعده أخوه الملك المنصور أبو بكر، فقتل فتزوّجها بعد الملك المنصور أخوه السلطان الملك الصالح إسماعيل ومات عنها أيضا، فحصل لها حزن شديد من كونه تغيّر عليها عدّة أزواج فى هذه المدّة اليسيرة، فلم يلفت الملك الكامل إلى كلامها وطلّق أختها، وأخرج جميع قماشها من عنده فى ليلته، ثم عقد عليها ودخل بها. ثم أنعم السلطان على ابن طشتمر حمّص أخضر بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصريّة، وعلى ابن أصلم بإمرة طبلخاناه.

ثم فى مستهلّ جمادى الأولى خلع السلطان الملك الكامل على جميع الأمراء المقدّمين «1» والطبلخانات، وأنعم على ستين مملوكا بستين قباء بطرز زركش وستين حياصة ذهب، وفرّق الخيول على الأمراء برسم نزول الميدان «2» . ثم رسم السلطان ان يتوفّر إقطاع النيابة للخاصّ، وخلع على الأمير بيغرا واستقرّ حاجبا كبيرا. ثم نزل السلطان إلى الميدان على العادة، فكان لنزوله يوم مشهود. وخلع على الشريف عجلان بن رميثة بن أبى نمىّ الحسنىّ «3» باستقراره أمير مكّة. ثم عاد السلطان إلى القلعة «4» . وفى يوم السبت خامس عشرين جمادى الأولى قدم الأمير طقزدمر من الشام إلى القاهرة مريضا فى محفّة بعد أن خرج الأمير أرغون العلائى وصحبته الأمراء إلى لقائه، فوجدوه غير واع، ودخل عليه الأمراء وقد أشفى على الموت، ولمّا دخل طقزدمر إلى القاهرة على تلك الحالة أخذ أولاده فى تجهيز تقدمة جليلة للسلطان تشتمل على خيول، تحف وجواهر فقبلها السلطان منهم ووعدهم بكلّ خير. وفيه أنعم السلطان على الأمير أرغون الصالحىّ بتقدمة ألف، ورسم أن يقال له: أرغون الكاملى، ووهب له فى أسبوع ثلثمائة ألف درهم وعشرة آلاف اردبّ من الأهراء؛ ورسم له بدار «5» أحمد شادّ الشّربخاناه، وأن يعمّر له

بجواره من مال السلطان قصر على بركة الفيل «1» ، ويطل على الشارع فعمل له ذلك. قلت: والبيت المذكور هو الذي كان يسكنه الملك الظاهر جقمق وتسلطن منه، ثم سكنه الملك الأشرف إينال وتسلطن منه وهو تجاه الكبش «2» . انتهى. وفى يوم الخميس مستهلّ جمادى الآخرة ركب السلطان الملك الكامل لسرحة سرياقوس «3» ومعه عساكره على العادة وأخذ حريمه صحبته، فنصب لهنّ أحسن الخيم فى البساتين. ثم فى يوم الجمعة قدم أولاد طقزدمر على السلطان بسرياقوس بخبر وفاة أبيهم طقزدمر، فلم يمكّن السلطان الأمراء من العود إلى القاهرة للصلاة عليه، ورسم بإخراجه فأخرج ودفن بخانقاته «4» بالقرافة، وأخذت خيله وجماله وهجنه إلى الإسطبل «5» السلطانىّ.

ثم خلع السلطان على الأمير أرسلان بصل، واستقرّ حاجبا ثانيا مع بيغرا، ورسم له أن يحكم بين الناس، ولم تكن العادة جرت بذلك أن يحكم الحجّاب بين الناس غير حاجب الحجّاب. قلت: كان الحجّاب يوم ذاك كهيئة رءوس النّوب الصّغار الآن. انتهى. وخلع على الأمير ملكتمر السّرجوانىّ باستقراره فى نيابة الكرك وأنعم بتقدمته «1» على الأمير طشتمر طلليه وأنعم بطبلخانات «2» طشتمر طلليه على الأمير قبلاى. ثم قدم على السلطان الخبر بموت أخيه الملك الأشرف كچك ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون عن اثنتى عشرة سنة، واتّهم السلطان أنّه بعث من سرياقوس من قتله فى مضجعه على يد أربعة خدّام طواشيّة، فعظم ذلك على الناس قاطبة. ثم عاد السلطان من سرياقوس إلى القلعة بعد ما تهتّكت المماليك السلطانية من شرب الخمور والإعلان بالفواحش وركبوا فى الليل وقطعوا الطريق على المسافرين واغتصبوا حريم الناس. ثم أخذ السلطان الملك الكامل فى تجديد المظالم والمصادرات. ثم قدم البريد على السلطان بأنّ الشيخ حسنا صاحب بغداد واقع سلطان شاه وأولاد تمرداش وانتصر الشيخ حسن وحصر سلطان شاه بماردين «3» وأخذ ضياعها. ثم إن السلطان الملك الكامل بدا له أن ينشئ مدرسته موضع خان «4» الزكاة، ونزل الأمير أرغون العلابى والوزير لنظره، وكان أبوه الملك الناصر محمد قد وقفه فلم يوافق القضاة على حلّه.

وفى مستهلّ شعبان عمل السلطان مهمّه على بنت الأمير طقزدمر الحموى سبعة أيام. وفى مستهلّ شوّال رسم السلطان للأمير أرغون الكامليّ بزيارة القدس وأنعم عليه بمائة ألف درهم، وكتب إلى نوّاب الشام بالركوب لخدمته، وحمل التقادم وتجهير الإقامات له فى المنازل إلى حين عوده؛ ورسم له أن ينادى بمدينة بلبيس «1» وأعمالها أنّه من قال عنه: أرغون الصغير شنق، وألّا يقال له إلّا أرغون الكاملى، فشهر النّداء بذلك فى الأعمال. وفى هذه الأيام كثر لعب الناس بالحمام وكثر جرى السّعاة، وتزايد شلّاق «2» الزّعر وتسلّط عبيد الطواشيّة على الناس، وصاروا كلّ يوم يقفون للضراب فتسفك بينهم دماء كثيرة. ونهبت الحوانيت بالصّليبة «3» خارج القاهرة، وإذا ركب إليهم الوالى لا يعبئون به، وإن قبض على أحد منهم أخذ من يده سريعا، فاشتد قلق الناس من ذلك. ثم اخترع السلطان شيئا لم يسبق إليه، وهو أنّه أعرس السلطان بعض الطواشيّة ببعض سراريه بعد عقده عليها، وعمل له السلطان مهمّا حضره جميع جوارى بيت السلطان، وجليت العروس على الطواشى، ونثر السلطان عليها وقت

الجلاء الذهب بيده، فكانت هذه الحادثة من أشنع ما يكون، وعظم ذلك على سائر أعيان الدولة. وفى ذى الحجّة كثرت الإشاعة «1» باتفاق الأمير آل ملك نائب صفد مع الأمير يلبغا اليحياوى نائب الشام لورود بعض مماليك آل ملك هاربا منه كونه شرب الخمر وأشاع هذا الخبر فرسم السلطان بإخراج منجك «2» اليوسفى السلاح دار على البريد لكشف الخبر فلمّا توجه منجك إلى الشام حلف له نائب الشام أنه برىء ممّا قيل عنه، وأنعم على منجك بألفى دينار سوى الخيل والقماش. ثم نودى بالقاهرة بألّا يعارض أحد من لعّاب الحمام وأرباب الملاعيب والسعاة، فتزايد الفساد وشنع الأمر، كلّ ذلك لمحبّة السلطان فى هذه الأمور. ثم ندب السلطان الأمير طقتمر الصالحىّ للتوجّه إلى الشام على البريد ليوقّع الحوطة على جميع أرباب المعاملات، وأصحاب الرّزق «3» والرواتب بالبلاد الشامية من الفرات إلى غزّة وألّا يصرف لأحد منهم شيئا وأن يستخرج منهم ومن الأوقاف وأرباب الجوامك ألف ألف درهم برسم سفر السلطان إلى الحجاز، ويشترى بذلك الجمال ونحوها، فكثر الدعاء على السلطان من أجل ذلك، وتغيّرت الخواطر.

وفى هذه الأيام كتب بإحضار الأمير آل ملك نائب صفد إلى القاهرة ليستقرّ على إقطاع الأمير چنكلى بن البابا بعد موته وتوجّه لإحضاره الأمير منجك السلاح دار. ثم فى يوم السبت تاسع عشرين ذى الحجة أمسك أينبك أخو قمارى ثم عفى عنه من يومه. ثم كتب باستقرار الأمير أراق «1» الفتّاح نائب غزّة فى نيابة صفد بعد عزل آل ملك. وأمّا الأمير منجك فإنّه وصل إلى صفد فى أوّل المحرم من سنة سبع وأربعين وسبعمائة، واستدعى آل ملك فخرج معه إلى غزّة، فقبض عليه بها فى اليوم المذكور، وقيل بل فى سادس عشرين ذى الحجة من سنة ست وأربعين. انتهى. ثم فى أول المحرّم المذكور قدم إلى جهة القاهرة الأمير ملكتمر السّرجوانىّ من نيابة الكرك فمات بمسجد التّبن «2» خارج القاهرة ودفن بتربته «3» . ثم قدم إلى القاهرة الأمير أحمد بن آل ملك فقبض عليه وسجن من ساعته. وخلع السلطان على الأمير أسندمر العمرىّ باستقراره فى نيابة طرابلس عوضا عن الأمير قمارى. وفى يوم الاثنين سادس المحرّم قدم الأمير آل ملك والأمير قمارى نائب طرابلس مقيّدين إلى قليوب «4» وركبا النيل إلى الإسكندريّة فاعتقلا بها. وكان الأمير طقتمر الصّلاحىّ قبض على قمارى لمّا توجّه للحوطه على أملاك الشام، وقيّده وبعثه على البريد. ثم ندب السلطان الأمير مغلطاى الأستادار لإيقاع الحوطة على موجود آل ملك، وندب الطواشى مقبلا التّقوىّ لإيقاع الحوطة على موجود قمارى نائب طرابلس، وألزم مباشريهما بحمل جميع أموالهما، فوجد لآل ملك قريب ثلاثين

ألف إردب غلّة، وألزم مولده بمائة ألف درهم، وأخذ لزوجته خبيّة فيها أشياء جليلة، وأخذ أيضا لزوجة قمارى صندوقا فيه مال جليل. ثم خلع «1» السلطان على الأمير أرسلان «2» بصل الحاجب الثانى فى نيابة حماة عوضا عن أرقّطاى وكتب بقدوم أرقطاى، فقدم أرقطاى إلى القاهرة فأنعم عليه السلطان بإقطاع چنكلى بن البابا بعد وفاته، واستقرّ رأس الميمنة مكان چنكلى. ثم خلع السلطان على زوح أمّه الأمير أرغون العلائى واستقرّ فى نظر البيمارستان «3» المنصورىّ عوضا عن الأمير چنكلى بن البابا فنزل إليه أرغون العلائى وأصلح أموره، وأنشأ بجوار باب البيمارستان المذكور سبيل «4» ماء ومكتب سبيل لقراءة الأيتام، ووقف عليه وقفا.

ثم خلع السلطان على الأمير نجم الدين محمود [بن علىّ «1» ] بن شروين وزير بغداد وأعيد إلى الوزارة بالديار المصريّة، وكان لها مدّة شاغرة، وخلع على علم الدين عبد الله ابن زنبور واستقرّ ناظر الدولة عوضا عن ابن مراجل «2» . وفى هذه الأيام انتهت عمارة قصر «3» الأمير أرغون الكامليّ بالجسر الأعظم تجاه الكبش «4» ، بعد أن صرف عليه مالا عظيما، وأخذ فيه من بركة «5» الفيل نحو العشرين ذراعا، فلمّا عزم أرغون إلى النزول إليه مرض فقلق السلطان لمرضه وبعث إليه بفرس وثلاثين ألف درهم يصدّق بها عنه. وأفرج عن أهل السجون، وركب السلطان لعيادته بالميدان «6» .

ثم اهتمّ السلطان بسفره إلى الحجاز وأخذ فى تجهيز أحواله. وفى يوم الجمعة رابع عشر صفر ولد للسلطان ولد ذكر من بنت الأمير بكتمر الساقى. ثم فى يوم السبت ثانى عشرين صفر أفرج السلطان عن الأمير أحمد بن آل ملك وعن أخى قمارى وأمرهما بلزوم بيتهما. وفى أوّل شهر ربيع الأوّل توجّه السلطان إلى سرياقوس وأحضر الأوباش فلعبوا قدّامه باللّبخة «1» وهى عصىّ كبار، حدث اللعب بها فى هذه الأيام، ولمّا لعبوا بها بين يديه قتل رجل رفيقه، فخلع السلطان على بعضهم وأنعم على كبيرهم بخبز فى الحلقة، واستمرّ السلطان يلعب بالكرة فى كلّ يوم وأعرض عن تدبير الأمور، فتمرّدت المماليك وأخذوا حرم الناس وقطعوا الطريق وفسدت عدّة من الجوارى، وكثرت الفتن حتّى بلغ السلطان فلم يعبأ بما قيل له، بل قال: خلّوا كلّ أحد يعمل ما يريد. فلمّا فحش الأمر قام الأمير أرغون العلائى فيه مع السلطان حتّى عاد إلى القلعة وقد تظاهر الناس بكلّ قبيح ونصبوا أخصاصا بالجزيرة «2» الوسطانيّة وجزيرة

بولاق سمّوها حليمة «1» ، بلغ مصروف كلّ حصّ منها من ألفين إلى ثلاثة آلاف درهم، وكان هذا المبلغ يوم ذاك بحقّ ملك هائل. وعمل فى الأخصاص الرّخام والدّهان البديع، وزرع حوله المقاثئ والرياحين وأقام بالأخصاص المذكورة معظم الناس من الباعة والتّجّار وغيرهم، وكشفوا سترا لحياء، وما كفّوا فى التهتّك فى حليمة والطمية» وتنافسوا فى أرضها، حتّى كان كلّ قصبة قياس تؤجّر بعشرين درهما،

فبلغ أجرة الفدّان الواحد ثمانية آلاف درهم، فأقاموا على ذلك ستة أشهر، حتى زاد الماء وغرقت الجزيرة، وقبل مجىء الماء بقليل قام الأمير أرعون العلائى فى هدمها قياما عظيما، وحرق الأخصاص على حين غفلة وضرب جماعة وشهّرهم فتلف بها مال عظيم جدا. وفى هذه الأيام قلّ ماء النيل حتى صار ما بين المقياس «1» ومصر يخاض، وصار من بولاق «2» إلى منشأة «3» المهرانىّ طريقا يمشى فيه، ومن بولاق الى جزيرة «4» الفيل وإلى المنية «5» طريقا واحدا. وبعد الماء على السقّايين وصاروا يأخذون الماء من تجاه قرية منبابة «6» ، وبلغت راوية الماء إلى درهمين بعد ما كانت بنصف درهم وربع درهم. فشكا الناس ذلك إلى أرغون العلائى فبلّغ السلطان غلاء الماء بالمدينة وانكشاف ما تحت بيوت البحر، فركب السلطان ومعه الأمراء وكثير من أرباب الهندسة، حتّى كشف ذلك، فوجدوا الوقت فيه قد فات لزيادة النيل، واقتضى

الرأى أن ينقل التراب والشقاف من مطابخ السّكّر بمدينة مصر وترمى من برّ الجيزة إلى المقياس «1» حتى يصير جسرا «2» يعمل عليه العمل، حتى يدفع الماء إلى الجهة التى يحسر عنها، فنقلت الأتربة فى المراكب وألقيت هناك إلى أن بقى جسرا ظاهرا وتراجع الماء قليلا إلى برّ مصر، فلما قويت الزيادة علا الماء على هذا الجسر وأخذه ومحا أثره.

وفى هذه الأيام لعب السلطان الكرة مع الأمراء فى الميدان من القلعة فاصطدم الأمير يلبغا «1» الصالحى مع آخر سقطا معا عن فرسيهما إلى الأرض، ووقع فرس يلبغا على صدره فانقطع نخاعه ومات لوقته فأنعم السلطان بإقطاعه على قطلوبغا الكركىّ. ثم فى هذه الأيام اشتدّت المطالبة على أهل النواحى بالجمال والشعير والأعدال والأخراج لسبب سفر السلطان إلى الحجاز وكثرت مغارمهم إلى الولاة وشكا أرباب الإقطاعات ضررهم للسلطان فلم يلتفت لهم، فقام فى ذلك الأمير أرغون شاه الأستادار مع الأمير أرغون العلائى فى التحدّث مع السلطان فى إبطال حركة السفر فلم يصغ لقولهم، وكتب باستعجال العربان بالجمال واستحثاث طقتمر الصّلاحىّ فيما هو فيه بصدد السفر. ثم أوقع السلطان الحوطة على أموال الطّواشى عرفات وأخرج عرفات إلى الشام منفيّا. ثم قصد السلطان أخذ أموال الطواشى كافور الهندىّ، فشفعت فيه خوند طغاى زوجة الملك الناصر محمد بن قلاوون؛ وكان كافور المذكور من خواصّ خدّام الملك الناصر محمد بن قلاوون فأخرج كافور إلى القدس، وكافور المذكور هو صاحب التّربة «2» بقرافة مصر، ثم نفى السلطان أيضا ياقوتا الكبير الخادم، وكافورا المحرم «3» وسرورا الدّمامينىّ، ثم نفى دينارا الصوّاف ومختصّا الخطائى. ثم فى أوّل شهر ربيع الآخر مات ولد السلطان من بنت «4» بكتمر الساقى وولد له من اتّفاق العوّادة حظيّة أخيه ولد سمّاه شاهنشاه وسرّ به سرورا عظيما زائدا، وعمل

مهمّا عظيما مدة سبعة أيام. ثم مات أخوه يوسف ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون واتّهم السلطان أيضا بقتله. ثم قدم طقتمر الصلاحىّ من الشام بالقماش المستعمل برسم الحجاز. ثم قدم كتاب يلبغا اليحياوىّ نائب الشام يتضمّن خراب بلاد الشام مما أنفق «1» بها من أخذ الأموال وانقطاع الجالب إليها، والرأى تأخير سفر السلطان إلى الحجاز الشريف فى هذه السنة، فقام الأمير أرغون العلائى وملكتمر الحجازىّ فى تصويب رأى نائب الشام وذكرا للسلطان أيضا ما حدث ببلاد مصر من نفاق العربان وضرر الزروع وكثرة مغارم البلاد، وما زالا به حتى رجع عن سفر الحجاز فى هذه السنة، وكتب إلى نائب الشام بقبول رأيه، وكتب للأعمال باسترجاع ما قبضته العرب من كراء الأحمال وغير ذلك، فلم يوافق هذا غرض نساء السلطان ووالدته، وأخذت فى تقوية عزمه على السفر للحجاز حتى مال اليهم «2» ، وكتب لنائب الشام وحلب وغيرها أنّه لا بدّ من سفر السلطان إلى الحجاز فى هذه السنة، وأمرهم بحمل ما يحتاج اليه، ووقع الاهتمام، وتجدّد الطّلب على الناس وغلاء الأسعار، وتوقّفت الأحوال وقلّ الواصل من كل شىء. وأخذ الأمراء فى أهبة السفر صحبة السلطان إلى الحجاز، وقلقوا لذلك، وسألوا أرغون العلائى وملكتمر الحجازىّ فى الكلام مع السلطان فى إبطال السفر ومعرفته «3» رقّة حالهم من حين تجاريدهم إلى الكرك فى نوبة الملك الناصر أحمد، فكلّما السلطان فى ذلك فاشتدّ غضبه وأطلق لسانه، فما زالا به حتى سكن غضبه. ورسم من الغد لجميع الأمراء بالسفر، ومن عجز عن السفر يقيم

بالقاهرة، فاشتدّ الأمر على الناس بمصر والشام من كثرة السّخر، وكثر دعاؤهم على السلطان، وتنكّرت قلوب الأمراء، وكثرت الإشاعة بتنكّر السلطان على نائب الشام، وأنّه يريد مسكه حتّى بلغه ذلك، فاحترز على نفسه، وبلغه قتل يوسف ابن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، وقوّة عزم السلطان على سفر الحجاز موافقة لأغراض نسائه، فجمع أمراء دمشق، وحلّفهم على القيام معه، وبرز إلى ظاهر دمشق فى نصف جمادى الأولى وأقام هناك وحضر إليه الأمير طرنطاى البشمقدار نائب حمص والأمير أراق الفتّاح نائب صفد والأمير أسندمر نائب حماة والأمير بيدمر البدرى نائب طرابلس، فاجتمعوا جميعا بظاهر دمشق مع عسكر دمشق لخلع الملك الكامل شعبان هذا، وظاهروا بالخروج عن طاعته، وكتب الأمير يلبغا اليحياوى نائب الشام إلى السلطان: بأنى أحد الأوصياء عليك، وأنّ مما قاله السلطان السعيد الشهيد، رحمه الله تعالى، (يعنى عن الملك الناصر) لى وللأمراء فى وصيّته: إذا أقمتم أحدا من أولادى ولم ترضوا بسيرته جرّوا برجله وأخرجوه وأقيموا غيره أحدا «1» ، وأنت أفسدت المملكة وأفقرت الأمراء والأجناد، وقتلت أخاك وقبضت على أكابر أمراء السلطان واشتغلت عن الملك والتهيت بالنساء وشرب الخمر، وصرت تبيع أخباز الأجناد بالفضّة، وذكر له أمورا فاحشة عملها، فقدم كتابه إلى القاهرة فى يوم الجمعة «2» العشرين من جمادى الأولى فلما قرأه السلطان تغيّر تغيّرا كبيرا، وأوقف أرغون العلائى عليه بمفرده، فقال له أرغون العلائى: والله لقد كنت أحسب هذا! وقلت لك فلم تسمع قولى، وأشار عليه بكتمان هذا، وكتب الجواب يتضمّن التلطّف فى القول: وأخرج الأمير منجك اليوسفى على البريد

إليه فى ثانى عشرينه، ليرجعه عما عزم عليه، ويكشف أحوال الأمراء. وكتب السلطان إلى أعمال مصر بإبطال السلطان سفر الحجاز فكثرت القالة بين الناس بخروج نائب الشام عن الطاعة، حتى بلغ ذلك الأمراء والمماليك، فأشار أرغون العلائى على السلطان بإعلام الأمراء الخبر، فطلبوا إلى القلعة، وأخذ رأيهم فوقع الاتفاق على خروج العسكر إلى الشام مع الأمير أرقطاى، ومعه من الأمراء «1» [منكلى بغا] الفخرى أمير جاندار وآق سنقر الناصرىّ وطيبغا المجدىّ وأرغون الكاملى وأمير علىّ ابن طغريل الطّوغانىّ وابن طقزدمر وابن طشتمر وأربعون أمير طبلخاناه، وأربعون أمير عشرة وأربعون مقدّم حلقة، وحملت النفقة إليهم لكلّ مقدّم ألف ألف دينار، ما عدا ثلاثة مقدّمين، لكل مقدّم ثلاثة آلاف دينار. وكتب بإحضار الأجناد من البلاد، فقدم كتاب منجك من الغور «2» بموافقة نوّاب «3» الشام إلى نائب الشام، وأن التجريدة إليه لا تفيد، فإنّه يقول: إن أمراء مصر معه. ثم قدم كتاب نائب الشام ثانيا، وفيه خطّ الأمير مسعود بن خطير وأمير علىّ بن قراسنقر وقلاوون وحسام الدين البشمقدار يتضمّن أنّك لا تصلح للملك، وإنما أخذته

بالغلبة من غير رضا الأمراء- ثم عدّد ما فعله- ونحن «1» ما بقينا نصغى لك وأنت ما تصغى لنا، والمصلحة أن تعزل نفسك من الملك ليتولّى غيرك، فلمّا سمع السلطان ذلك استدعى الأمراء وحلفهم على طاعته ثم أمرهم بالسفر فخرجوا من الغد وخرج طلب «2» منكلى بغا وبعده أرغون الكاملىّ، فعند ما وصل طلب أرغون إلى تحت القلعة خرجت ريح شديدة ألقت شاليش «3» أرغون الكاملىّ على الأرض، فصاحت العامّة: راحت عليكم يا كامليّة وتطيّروا بأنّهم غير منصورين. ثم أخذ الأمراء المجرّدون فى الخروج شيئا بعد شىء. وقدم حلاوة «4» الأوجاقى يخبر بأنّ منجك ساعة وصوله إلى دمشق قبض عليه الأمير يلبغا نائب الشام وسجنه بقلعة دمشق، فبعث السلطان بالطواشى سرور الزّبنىّ لإحضار أخوى «5» السلطان، وهما أمير حاجّ وأمير حسين فاعتذرا بوعكهما وبعثت أمهاتهما إلى العلائىّ والحجازىّ تسألانهما فى التلطّف مع السلطان فى أمرهما، وبلّغت العلائىّ بعض جوارى زوجته أمّ السلطان بأنها سمعت السلطان وقد سكر وكشف رأسه وهو يقول: «يا إلهى أعطيتنى الملك وملّكتنى آل ملك

وقمارى، وبقى من أعدائى أرغون العلائى وملكتمر الحجازى فمكّنّى منهما حتى أبلغ غرضى منهما» ، فأقلق أرغون العلائى هذا الكلام. ثم دخل على السلطان فى خلوة فإذا هو متغيّر الوجه مفكّر، فبدره بأن قال له: من جاءك من جهة إخوتى، أنت والحجازى؟ فعرّفه أن النساء دخلن عليهما [وطلبن «1» ] أن يكون السلطان طيّب الخاطر عليهما ويؤمّنهما، فإنّهما خائفان، فرد عليه السلطان جوابا جافيا، ووضع يده فى السيف ليضربه به، فقام أرغون عنه لينجو بنفسه، وعرّف الحجازىّ ما جرى له مع السلطان وشكا من فساد السلطنة، فتوحّش خاطرهما، وانقطع أرغون العلائى عن الخدمة وتعلّل، وأخذت الماليك أيضا فى التنكّر على السلطان، وكاتب بعضهم نائب الشام، واتّفقوا بأجمعهم، حتى اشتهر أمرهم، وتحدّث به العامّة وألحّ السلطان فى طلب أخويه «2» ، وبعث قطلوبغا الكركىّ «3» فى جماعة حتى هجموا عليهما ليلا، فقامت النساء ومنعنهم «4» منهما «5» فهمّ أن يقوم بنفسه حتى يأخذهما «6» ، فجىء بهما إليه وقت الظهر من يوم السبت تاسع عشرين جمادى الأولى فأدخلهما إلى موضع ووكّل بهما، وقام العزاء فى الدور السلطانى عليهما، واجتمعت جوارى الملك الناصر محمد بن قلاوون وأولاده، فلما سمع المماليك صياحهنّ هموا بالثورة والركوب للحرب وتعبّوا. فلمّا كان يوم الاثنين مستهلّ جمادى الآخرة خرج طلب أرقطاى مقدّم العساكر المجرّدين إلى الشام حتّى وصل إلى باب زويلة «7» ووقف هو مع الأمراء

فى الموكب تحت القلعة، وإذا بالناس قد اضطربوا، ونزل الحجازى سائقا يريد إسطبله «1» ، وسبب ذلك أنّ السلطان الملك الكامل جلس بالإيوان على العادة، وقد ثبّت مع ثقاته القبض على الحجازى وأرغون شاه إذا دخلا، وكانا جالسين ينتظران الإذن على العادة، فخرج طغيتمر الدوّادار فى الإذن لهما فأشار لهما بعينه أن اذهبا، وكانا قد بلغهما أنّ السلطان قد تنكّر عليهما، فقاما من فورهما ونزلا إلى إسطبلهما ولبسا بمماليكهما وحواشيهما وركبا وتوجّها إلى قبّة النصر، وبعث لحجازىّ يستدعى آق سنقر من سرياقوس، فما تضحّى النهار حتى اجتمعت أطلاب الأمراء بقبّة النصر، فطلب السلطان عند ذلك أرغون العلائى واستشاره فيما يعمل، فأشار عليه بأن يركب بنفسه إليهم، فركب السلطان بمماليكه وخاصّكيّته ومعه زوج أمّه الأمير

أرغون العلانى المذكور وتمر الموساوىّ وعدّة أخر من الأمراء، والقلوب متغيّرة، ودقّت الكوسات حربيا، ودارت النقباء على أجناد الحلقة والمماليك ليركبوا فركب بعضهم وتخاذل بعضهم؛ وسار السلطان فى جمع كبير من العامّة وهو يسألهم الدعاء فأسمعوه مالا يليق، ودعوا عليه، وسار فى نحو ألف فارس لا غير حتى قابل ملكتمر الحجازىّ وأصحابه من الأمراء والمماليك، فعند المواجهة انسلّ عن السلطان أصحابه، وبقى فى أربعمائة فارس، فبرز له آق سنقر، وساق حتى قارب السلطان وتحدّث معه وأشار عليه بأن ينخلع من السلطنة فأجابه إلى ذلك وبكى، فتركه آق سنقر وعاد إلى الأمراء وعرّفهم بأنه أجاب أن يخلع نفسه، فلم يرض أرغون شاه، وبدر ومعه الأمير قرابغا والأمير صمغار والأمير بزلار والأمير غرلو فى أصحابهم حتى وصلوا إلى السلطان وسيّروا إلى «1» أرغون العلائى ليأتيهم ليأخذوه إلى عند الأمراء فلم يوافق العلائى على ذلك، فهجموا عليه ومزّقوا من كان معه من مماليكه وأصحابه. ثم ضرب واحد منهم أرغون العلائى بدبّوس حتى أرماه عن فرسه إلى الأرض، فضربه الأمير بيبغا أروس «2» بسيف قطع خدّه، فانهزم عند ذلك عسكر السلطان، وفرّ الملك الكامل شعبان إلى القلعة واختفى عند امه روجة الأمير أرغون العلائى، فسار الأمراء إلى القلعة فى جمع هائل وأخرجوا أمير حاج وأمير حسين من سجنهما، وقبّلوا يد أمير حاجّ وخاطبوه بالسلطنة. ثم طلبوا الملك الكامل شعبان من عند أمّه فلم يجدوه فحرّضوا فى طلبه حتى وجدوه مختفيا بين الأزيار، وقد اتّسخت ثيابه من وسخ الأزيار، فأخرجوه بهيئته إلى الرّحبة ثم أدخلوه إلى الدهيشة «3» فقيّدوه وسجنوه حيث كان أخواه «4» مسجونين ووكّل به قرابغا القاسمىّ والأمير صمغار.

ومن غريب الاتفاق أنه كان عمل طعاما لأخويه: أمير حاجّ وحسين حتى يكون غداءهما فى السجن، وعمل سماط السلطان على العادة فوقعت الضّجة، وقد مدّ السّماط، فركب السلطان من غير أكل، فلمّا انهزم وقبض عليه، وأقيم بدله أخوه أمير حاج مدّ السّماط [بعينه «1» له] فأكل منه، وأدخل بطعامه وطعام أخيه أمير حسين إلى الملك الكامل فأكله فى السجن. واستمرّ الملك الكامل المذكور فى السجن إلى يوم الأربعاء ثالث جمادى الآخرة سنة سبع وأربعين وسبعمائة قتل وقت الظهر ودفن «2» عند أخيه يوسف ليلة الخميس، فكانت مدّة سلطنته على مصر سنة واحدة وثمانية وخمسين يوما؛ وقال الصّفدىّ: سنة وسبعة عشر يوما «3» . وكان من أشرّ الملوك ظلما وعسفا وفسقا. وفى أيامه- مع قصر مدّته- خربت بلاد كثيرة لشغفه باللهو وعكوفه على معاقرة الخمور، وسمع الأغانى وبيع الإقطاعات بالبذل «4» ، وكذلك الولايات، حتى إنّ الإقطاع كان يخرج عن صاحبه وهو حىّ بمال لآخر، فإذا وقف من خرج إقطاعه قيل له نعوّض عليك قد أخرجناه لفلان الفلانى. وكان مع هذا كله سفّاكا للدماء، ولو طالت يده لأتلف خلائق كثيرة، وكان سيئ التدبير، يمكّن النساء والطواشيّة من التصرّف فى المملكة والتهتّك

فى النّزه والصيد ولعب الكرة بالهيئات الجميلة وركوب الخيول المسوّمة، مع عدم الاحتشام من غير حجاب من الأمير آخورية والغلمان، ويعجبه ذلك من تهتّكهنّ على الرجال، فشغف لذلك جماعة كثيرة من الجند بحرمه بما يفعلن من ركوب الخيول وغيرها. وكان حريمه إذا نزلن إلى نزهة بلغت الجرّة الخمر إلى ثلاثين «1» درهما، وهذا كلّه مع شرهه وشره حواشيه ونسائه إلى ما فى أيدى الناس من البساتين والرّزق والدواليب ونحوها، فأخذت أمّه معصرة وزير بغداد ومنظرته على بركة الفيل، وأشياء غير ذلك. وحدث فى أيامه أخذ خراج الرّزق وزيادة القانون ونقص الأجائر، وأعيدت فى أيامه ضمان أرباب الملاعيب وعدّة مكوس، وكان يحب لعب الحمام، فلما تسلطن تغالى فى ذلك وقرّب من يكون من أرباب هذا الشأن، ومع هذا الظلم والطمع لم يوجد له من المال سوى مبلغ ثمانين ألف دينار وخمسمائة ألف درهم، إلا أنه كان مهابا شجاعا سيوسا متفقّدا لأحوال مملكته، لا يشغله لهوه عن الجلوس فى المواكب والحكم بين الناس. ولما أمسك وقتل قال فيه الصفدى: بيت قلاوون سعاداته ... فى عاجل كانت وفى آجل «2» [السريع] حلّ على أملاكه للرّدى ... دين قد استوفاه بالكامل *** السنة الأولى من سلطنة الملك الكامل شعبان على مصر وهى سنة ستّ وأربعين وسبعمائة، على أن أخاه الملك الصالح إسماعيل حكم منها إلى رابع

شهر ربيع الآخر، ثم حكم الملك الكامل هذا فى باقيها وفى أشهر من سنة سبع كما سيأتى ذكره. فيها (أعنى سنة ست وأربعين) توفّى السلطان الملك الصالح إسماعيل ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون حسب ما تقدّم ذكره فى ترجمته. وفيها أيضا توفّى السلطان الملك الأشرف كچك ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون بعد خلعه من السلطنة بسنين، وقد تقدّم ذكر سلطنته أيضا ووفاته فى ترجمته. وتوفّى الأمير سيف الدين طقزدمر بن عبد الله الحموىّ الناصرىّ الساقى بالقاهرة فى مستهل جمادى الآخرة، وكان أصله من مماليك الملك المؤيّد عماد الدين إسماعيل الأيّوبىّ صاحب حماة، ثم انتقل إلى ملك الملك الناصر محمد بن قلاوون وحظى عنده وجعله ساقيا، ثم رقّاه حتى صار أمير مائة ومقدّم ألف بالديار المصرية، ثم جعله أمير مجلس وزوّجه بإحدى بناته، وصار من عظماء أمرائه الى أن مات. و [لمّا «1» ] تسلطن ابنه الملك المنصور أبو بكر استقرّ طقزدمر هذا نائب السلطنة بديار مصر، ووقع له أمور حكيناها فى تراجم السلاطين من بنى الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى أن أخرج إلى نيابة حماة. ثم نقل إلى نيابة حلب، ثم إلى نيابة الشام، ثم طلب إلى القاهرة فى سلطنة الملك الكامل هذا فحضر اليها مريضا فى محفّة ومات بعد أيام حسب ما تقدّم. وكان من أجلّ الأمراء «2» وأحسنهم سيرة. كان عاقلا ديّنا سيوسا، عارفا، وهو صاحب الخانقاه «3» بالقرافة والقنطرة «4» خارج القاهرة على الخليج وغير ذلك مما هو مشهور به.

وتوفّى القاضى بدر الدين محمد ابن القاضى محيى الدين [يحيى «1» ] بن فضل الله العمرى الدّمشّقى، كاتب سرّ دمشق فى سادس عشرين شهر رجب بدمشق. وكان كاتبا فاضلا من بيت فضل ورياسة، وقد تقدّم ذكر جماعة من آبائه وأقاربه، ويأتى ذكر جماعة أخر من أقاربه فى محلهم من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. وتوفّى الأمير ركن الدين بيبرس بن عبد الله الأحمدىّ المنصورىّ أمير جاندار فى يوم الثلاثاء ثالث «2» عشر المحرّم، وهو فى عشر الثمانين. وكان أصله من مماليك الملك المنصور قلاوون، وأحد أعيان أمراء الديار المصرية، وهو الذي قوّى عزم قوصون على سلطنة الملك المنصور أبى بكر، وكان جار كسىّ الجنس، تنقّل إلى أن صار من أعيان الأمراء بمصر، ثم ولى نيابة صفد وطرابلس، ثم قدم القاهرة وتولّى أمير جاندار. وكان كريما شجاعا ديّنا قوىّ النفس، لم يركب قطّ إلّا فحلا، ولم يركب حجرة «3» ولا إكديشا فى عمره. وكان له ثروة كبيرة، وطالت أيّامه فى السعادة، وخلّف أملاكا كثيرة، أذهب غالبها جماعة من أوباش ذرّيته بالاستبدال والبيع إلى يومنا هذا. وتوفّى الأمير بدر الدين چنكلى [بن محمد بن البابا بن چنكلى «4» ] بن خليل ابن عبد الله المعروف بابن البابا العجلىّ أتابك العساكر بالديار المصريّة فى عصر يوم الاثنين سابع [عشر «5» ] ذى الحجّة. وكان أصله من بلاد الروم، طلبه الملك الأشرف خليل بن قلاوون وكتب له منشورا بالإقطاع الذي عيّنه إليه فلم يتّفق حضوره إلّا فى أيّام الملك الناصر محمد بن قلاوون فى سنة أربع وسبعمائة فأمّره وأكرمه،

ولا زال يرقّيه حتى صار يجلس ثانى آقوش نائب الكرك. ثم بعد آقوش جلس چنكلى هذا رأس الميمنة. قال الشيخ صلاح الدين: وهو من الحشمة والدّين والوقار وعفّة الفرج فى المحلّ الأقصى، ولم يزل معظّما من حين ورد إلى أن مات. وكان ركنا من أركان المسلمين ينفع العلماء والصلحاء والفقراء بماله وجاهه، وكان يتفقّه، ويحفظ ربع العبادات. ويقال: إنّ نسبه يتّصل بإبراهيم بن أدهم رضى الله عنه، قال: وقلت فيه ولم أكتب به إليه: [السريع] لا تنس لى يا قاتلى فى الهوى ... حشاشة من حرقى تنسلى لا ترس لى ألقى به فى الهوى ... سهام عينيك متى ترسلى لا تخت لى يشرف قدرى به ... إلّا إذا ما كنت بى تختلى لا چنك «1» لى تضرب أوتاره ... إلّا ثنا يملى على چنكلى وتوفّى رميثة «2» واسمه منجد بن أبى نمىّ محمد بن أبى سعد حسن بن على بن قتادة ابن أبى غرير إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى بن حسين بن سليمان بن علىّ ابن عبد الله بن محمد بن موسى بن عبد الله المحض بن موسى [بن عبد الله «3» ] بن الحسن «4» ابن الحسن بن علىّ بن أبى طالب الحسنىّ المكىّ أمير مكة بها فى يوم الجمعة ثامن ذى القعدة.

وتوفّى الشيخ الإمام فخر الدين أحمد بن الحسين الجاربردى «1» شارح «البيضاوىّ «2» » . وتوفّى الشيخ الإمام العلّامة تاج الدين أبو الحسن على بن عبد الله [ابن أبى «3» الحسن] ابن أبى بكر الأردبيلىّ الشافعى، مدرّس مدرسة «4» الأمير حسام الدّين طرنطاى المنصورى بالقاهرة. كان فقيها عالما بارعا أفتى ودرّس سنين.

وتوفّى الشيخ المقرئ تقىّ الدين محمد «1» [بن محمد بن على] بن همام ابن راجى الشافعى إمام جامع «2» الصالح خارج باب زويلة ومصنّف «كتاب

سلاح المؤمن «1» » . رحمه الله. - أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وست عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وخمس عشرة إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 747

[ما وقع من الحوادث سنة 747] ذكر سلطنة الملك المظفر حاجّى على مصر السلطان الملك المظفّر زين الدين حاجّى المعروف بأمير حاج ابن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، وهو السلطان الثامن عشر من ملوك الترك بالديار المصريّة والسادس من أولاد الملك الناصر محمد بن قلاوون. جلس على سرير الملك بعد خلع أخيه الملك الكامل شعبان والقبض عليه فى يوم الاثنين مستهلّ جمادى الآخرة سنة سبع وأربعين وسبعمائة. وكان سجنه أخوه الملك الكامل شعبان كما تقدّم ذكره. فلمّا انهزم الملك الكامل من الأمراء بقبّة النصر ساق فى أربعة مماليك إلى باب السرّ من القلعة، فوجده مغلقا والمماليك بأعلاه، فتلطّف بهم حتّى فتحوه له، ودخل إلى القلعة لقتل أخويه حاجّى هذا ومعه حسين، لأنهما كانا حبسا معا، فلم يفتح له الخدّام الباب فمضى إلى أمّه فاختفى عندها وصعد الأمراء فى أثره إلى القلعة بعد أن قبضوا على الأمير أرغون العلائىّ وعلى الطواشى جوهر السّحرتى اللالا وأسندمر الكاملىّ وقطلوبغا الكركىّ وجماعة أخر، ودخل بزلار وصمغار راكبين إلى باب الستارة «1» وطلبا أمير حاج المذكور، فأدخلهما الخدّام إلى الدهيشة حتى أخرجوه وأخاه من سجنهما، وخاطبا أمير حاجّ فى الوقت بالملك المظفّر. ثم دخل إليه الأمير أرغون شاه، وقبّل له الأرض وقال له: بسم الله اخرج أنت سلطاننا، وسار به وبأخيه حسين إلى الرحبة وأجلسوه على باب الستارة.

ثم طلب شعبان حتّى وجد بين الأزيار وحبسوه حيث كان أخواه، وطلبوا الخليفة والقضاة وفوّض عليه الخلعة الخليفتى، وركب من باب الستارة بأبّهة السلطنة وشعار الملك من باب الستارة إلى الإيوان. وجلس على تخت الملك وحمل المماليك أخاه أمير حسين على أكتافهم إلى الإيوان. ولقّب بالملك المظفّر وقبل الأمراء الأرض بين يديه وحلف لهم أنه لا يؤذى أحدا منهم، ثم حلفوا له على طاعته، وركب الأمير بيغرا البريد وخرج إلى الشام ليبشّر الأمير يلبغا اليحياوىّ نائب الشام ويحلّفه ويحلّف أيضا أمراء الشام للملك المظفّر. ثم كتب إلى ولاة الأعمال بإعفاء النواحى من المغارم ورماية الشعير والبرسيم. ثم حمل الأمير أرغون العلائى إلى الإسكندرية. وفى يوم الأربعاء ثالثه قتل الملك الكامل شعبان وقبض على الشيخ علىّ الدوادار، وعلى عشرة من الخدّام الكامليّة، وسلّموا إلى شادّ الدواوين، وسلّم أيضا جوهر السّحرتى وقطلوبغا الكركىّ، وألزموا بحمل الأموال التى أخذوها من الناس فعذّبوا بأنواع العذاب، ووقعت الحوطة على موجودهم. ثم قبض على الأمير تمر الموساوى، وأخرج إلى الشام. وأمر بأمّ الملك الكامل وزوجاته فأنزلن من القلعة إلى القاهرة، وعرضت جوارى دار السلطان فبلغت عدّتهن خمسمائة جارية ففرّقن على الأمراء، وأحيط بموجود حظيّة الملك الكامل التى كانت أولا حظيّة أخيه الملك الصالح إسماعيل المدعوّة اتفاق وأنزلت من القلعة، وكانت جارية سوداء حالكة السواد، اشترتها ضامنة المغانى بدون الأربعمائة درهم من ضامنة المغانى بمدينة بلبيس، وعلّمتها الضرب بالعود على الأستاذ «1» عبد علىّ العوّاد، فمهرت فيه وكانت حسنة الصوت جيّدة الغناء فقدّمتها لبيت السلطان، فاشتهرت فيه حتى شغف بها الملك الصالح

إسماعيل، فإنه كان يهوى الجوارى السودان وتزوّج بها. ثم لما تسلطن أخوه الملك الكامل شعبان باتت عنده من ليلته، لما كان فى نفسه منها أيام أخيه، ونالت عندهما من الحظّ والسعادة ما لا عرف فى زمانها لامرأة، حتّى إن الكامل عمل لها دائر بيت طوله اثنتان وأربعون ذراعا وعرضه ست أذرع، دخل فيه خمسة «1» وتسعون ألف دينار مصرية، وذلك خارج عن البشخاناه «2» والمخادّ والمساند، وكان لها أربعون بذلة ثياب مرصّعة بالجواهر، وستة عشر «3» مقعد زركش، وثمانون مقنعة، فيها ما قيمته عشرون ألف درهم وأشياء غير ذلك، استولوا على الجميع. ثم استرجع السلطان جميع الأملاك التى أخذتها حريم الكامل لأربابها. ثم نودى بالقاهرة ومصر برفع الظلامات، ومنع أرباب الملاعيب جميعهم. وخلع السلطان على علم الدين عبد الله [بن أحمد «4» بن إبراهيم] بن زنبور بانتقاله من وظيفة نظر الدولة «5» إلى نظر الخاصّ «6» عوضا عن فخر الدين «7» بن السعيد، وقبض على

ابن السعيد وخلع على موفّق الدين عبد الله بن إبراهيم باستقراره ناظر الدولة عوضا عن ابن زنبور، وخلع على سعد الدين حربا، واستقر فى استيفاء الدولة عوضا عن ابن الرّيشة «1» . ثم قدم الأمير بيغرا من دمشق بعد أن لقى الأمير يلبغا اليحياوى نائب الشام، وقد برز إلى ظاهر دمشق يريد السير إلى مصر بالعساكر لقتال الملك الكامل شعبان، فلما بلغه ما وقع سرّ سرورا عظيما زائدا بزوال دولة الملك الكامل، وإقامة أخيه المظفّر حاجّى فى الملك، وعاد يلبغا إلى دمشق وحلف للملك المظفر وحلّف الأمراء على العادة، وأقام له الخطبة بدمشق، وضرب السّكة باسمه، وسير إلى السلطان دنانير ودراهم، وكتب يهنّئ السلطان بجلوسه على تخت الملك، وشكا من نائب حلب ونائب غزة ونائب قلعة دمشق مغلطاى ومن نائب قلعة صفد قرمجى، من أجل أنهم لم يوافقوه على خروجه عن طاعة الملك الكامل شعبان، فرسم السلطان بعزل الأمير طقتمر الأحمدى نائب حلب وقدومه إلى مصر، وكتب باستقرار الأمير بيدمر «2» البدرى نائب طرابلس عوضه فى نيابة حلب، واستقرّ الأمير أسندمر العمرىّ نائب حماة فى نيابة طرابلس، وهذا أوّل نائب انتقل من حماة إلى طرابلس، وكانت قديما حماة أكبر من طرابلس، فلما اتّسع أعمالها صارت أكبر من حماة. ثم كتب السلطان بالقبض على الأمير مغلطاى نائب قلعة دمشق وعلى قرمجى نائب قلعة صفد. ثم كتب بعزل نائب غزّة، وكان الأمير يلبغا اليحياوىّ لما عاد إلى دمشق بغير قتال عمّر- موضع «3» كانت خيمته عند مسجد القدم- قبّة سمّاها قبّة النصر

التى تعرف الآن بقبّة يلبغا. ثم خلع السلطان على الطواشى عنبر السّحرتى باستقراره مقدّم المماليك السلطانية، كما كان أولا فى دولة الملك الصالح عوضا عن محسن الشّهابى. وخلع على مختصّ الرسولى باستقراره زمام دار، وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه. ثم أنعم السلطان بإقطاع الأمير أرغون العلائى على الأمير أرغون شاه، وأنعم على كلّ من أصلم وأرقطاى بزيادة على إقطاعه، وأنعم على ابن تنكز بإمرة طبلخاناه، وعلى أخيه الصغير بإمرة عشرة. ثم فى يوم الاثنين خامس [عشر «1» ] جمادى الآخرة أمّر السلطان ثمانية عشر أميرا ونزلوا إلى قبّة المنصوريّة «2» ولبسوا الخلع، وشقّوا القاهرة حتى طلعوا إلى القلعة فكان لهم بالقاهرة يوم مشهود. ثم فى يوم الخميس ثالث شهر رجب خلع السلطان على الأمير أرقطاى باستقراره نائب السلطنة بديار مصر باتفاق الأمراء على ذلك بعد ما امتنع من ذلك تمنعا زائدا، حتى قام الحجازى بنفسه وأخذ السيف، وأخذ أرغون شاه الخلعة ودارت الأمراء حوله، وألبسوه الخلعة على كره منه، فخرج فى موكب عظيم، حتى جلس فى شبّاك دار النيابة، وحكم بين الناس، وأنعم السلطان عليه- بزبادة على إقطاعه- ناحيتى المطريّة «3» والخصوص «4» ، لأجل سماط النيابة. ثم ركب السلطان بعد ذلك ونزل إلى سرياقوس على العادة كلّ سنة، وخلع على الأمير تمربغا العقيلى باستقراره فى نيابة الكرك عوضا عن الأمير قبلاى. ثم عاد السلطان

إلى القلعة، وبعد عوده فى أوّل شهر «1» رمضان مرض السلطان عدّة أيام. ثم فى يوم الاثنين خامس «2» عشرين شهر رمضان خرج الأمير أرغون شاه الأستادار على البريد إلى نيابة صفد، وسبب ذلك تكبّره على السلطان، وتعاظمه عليه وتحكّمه فى الدولة، ومعارضته السلطان فيما يرسم به، وفحشه فى مخاطبة السلطان والأمراء حتّى كرهته النفوس، وعزم السلطان على مسكه فتلطّف به النائب حتّى تركه، وخلع عليه باستقراره فى نيابة صفد، وأخرجه من وقته خشية من فتنة يثيرها، فإنّه كان قد اتفق مع عدّة من المماليك على المخامرة، وأنعم السلطان بإقطاعه على الأمير ملكتمر الحجازى وأعطى ناحية بوتيج «3» زيادة عليه. ثم فى يوم الأحد أوّل شوّال تزوّج السلطان ببنت الأمير تنكز زوجة أخيه الكامل. وفى آخر شوّال طلبت اتفاق العوّادة إلى القلعة فطلعت بجواريها مع الخدّام وتزوّجها السلطان خفية، وعقد له عليها شهاب الدين أحمد بن يحيى الجوجرى «4»

شاهد «1» الخزانة، وبنى عليها من ليلته، بعد ما جليت عليه، وفرش تحت رجليها ستون شقّة أطلس، ونثر عليها الذهب. ثم ضربت بعودها وغنّت فأنعم السلطان عليها بأربعة فصوص وستّ لؤلؤات، ثمنها أربعة «2» آلاف دينار. قلت: وهذا ثالث سلطان من أولاد ابن قلاوون تزوّج بهذه الجارية السوداء، وحظيت عنده، فهذا من الغرائب، على أنها كانت سوداء حالكة لا مولّدة، فإن كان من أجل ضربها بالعود وغنائها فيمكن من تكون أعلى منها رتبة فى ذلك وتكون بارعة الجمال بالنسبة إلى هذه. فسبحان المسخّر. وفى ثانى شوّال «3» أنعم السلطان على الأمير طنيرق مملوك أخيه يوسف بتقدمة ألف بالديار المصريّة دفعة واحدة، نقله من الجنديّة إلى التقدمة لجمال صورته، وكثر كلام المماليك بسبب ذلك. ثم رسم السلطان بإعادة ما كان أخرج عن اتّفاق العوّادة من خدّامها وجواريها، وغير ذلك من الرواتب، وطلب السلطان عبد علىّ العوّاد المغنّى معلّم اتفاق إلى القلعة وغنّى السلطان فأنعم عليه بإقطاع فى الحلقة زيادة على ما كان بيده وأعطاه مائتى دينار وكامليّة حرير بفرو سمّور. وانهمك أيضا الملك المظفّر فى اللذات، وشغف باتفاق حتى شغلته عن غيرها وملكت قلبه، وأفرط فى حبّها، فشقّ ذلك على الأمراء والمماليك وأكثروا من الكلام، حتّى بلغ السلطان، وعزم على مسك جماعة منهم، فما زال به النائب حتى رجع عن ذلك.

ثم خلع السلطان على قطليجا الحموىّ واستقرّ فى نيابة حماة عوضا عن طيبغا المجدى وخلع أيضا على أيتمش عبد الغنى واستقرّ فى نيابة غزّة، وخرجا من وقتهما على البريد، وكتب بإحضار المجدى، فقدم بعد ذلك إلى القاهرة، وخلع عليه باستقراره «1» أستادار عوضا عن أرغون شاه المنتقل إلى نيابة صفد. وفى يوم أوّل «2» محرم سنة ثمان وأربعين وسبعمائة ركب السلطان فى أمرائه الخاصّكيّة ونزل إلى الميدان «3» ولعب بالكرة فغلب الأمير ملكتمر الحجازىّ فى الكرة، فلزم الحجازىّ عمل وليمة فعملها فى سرياقوس، ذبح فيها خمسمائة رأس من الغنم وعشرة أفراس، وعمل أحواضا مملوءة بالسكر المذاب، وجمع سائر أرباب الملاهى وحضرها السلطان والأمراء، فكان يوما مشهودا. ثم ركب السلطان وعاد، وبعد عوده قدم كتاب الأمير أسندمر نائب طرابلس يسأل الإعفاء فأعفى. وخلع على الأمير منكلى بغا أمير جاندار واستقرّ فى نيابة طرابلس. وفى هذا الشهر شكا الناس للسلطان من بعد الماء عن برّ مصر والقاهرة، حتى غلت روايا الماء، فرسم السلطان بنزول المهندسين لكشف ذلك، فكتب تقدير ما يصرف على الجسر مبلغ مائة وعشرين ألف درهم، جبيت من أرباب الأملاك المطلّة على النيل، حسابا عن كل ذراع خمسة عشر درهما، فبلغ قياسها سبعة آلاف ذراع وستمائة ذراع، وقام باستخراج ذلك وقياسه محتسب القاهرة ضياء الدين [يوسف «4» بن أبى بكر محمد الشهيربا] بن خطيب بيت «5» الأبّار.

وفى هذه الأيام توقّفت أحوال الدولة من كثرة رواتب الخدّام والعجائز والجوارى، وأخذهم الرّزق بأرض بهتيم «1» من الضواحى وبأراضى الجيزة وغيرها، بحيث إنه أخذ مقبل الرومى عشرة آلاف فدان. وفى هذه الأيام رسم السلطان للطواشى مقبل الرومى أن يخرج اتّفاق العوّادة وسلمى والكركيّة حظايا السلطان من القلعة بما عليهن من الثياب، من غير أن يحملن شيئا من الجوهر والزّركش، وأن تقلع عصبة اتفاق عن رأسها ويدعها عنده، وكانت هذه العصبة قد اشتهرت عند الأمراء، وشنعت قالتها، فإنه قام بعملها ثلاثة ملوك الإخوة من أولاد الملك الناصر محمد بن قلاوون: الملك الصالح إسماعيل والملك الكامل شعبان والملك المظفّر حاجّى هذا، وتنافسوا فيها واعتنوا بجواهرها حتّى بلغت قيمتها زيادة على مائة ألف دينار مصريّة. وسبب إخراج اتّفاق وهؤلاء من الدور السلطانيّة أن الأمراء الخاصّكيّة: قرابغا وصمغار وغيرهما بلغهما إنكار الأمراء الكبار والمماليك السلطانية شدّة شغف السلطان بالنسوة الثلاث المذكورات وانهماكه على اللهو بهنّ، وانقطاعه إليهن بقاعة الدهيشة عن الأمراء وإتلافه الأموال العظيمة فى العطاء لهنّ ولأمثالهن، وإعراضه عن تدبير الملك، وخوّفوه عاقبة ذلك، فتلطّف بهم وصوّب ما أشاروا

به عليه من الإقلاع عن اللهو بالنساء، وأخرجهنّ السلطان وفى نفسه حزازات لفراقهنّ، تمنعه من الهدوء والصبر عنهنّ، فأحب أن يتعوض عنهن بما يلهيه ويسليه، فاختار صنف الحمام، وأنشأ حضيرا «1» على الدهيشة ركّبه على صوارى وأخشاب عالية، وملأه بأنواع الحمام، فبلغ مصروف الحضير خاصّة سبعة «2» آلاف درهم، وبينا السلطان فى ذلك قدم جماعة من أعيان الحلبيين وشكوا من الأمير بيدمر البدرى نائب حلب فعزله السلطان بأرغون شاه نائب صفد، ورسم ألّا يكون لنائب الشام عليه حكم، وأن تكون مكاتباته للسلطان، حمل إليه التقليد الأمير طنيرق. ثم ورد الخبر باختلال مراكز البريد بطريق الشام، فأخذ من كل أمير مقدّم ألف أربعة أفراس، ومن كل طبلخاناه فرسان، ومن كلّ أمير عشرة فرس واحد، وكشف عن البلاد المرصدة للبريد فوجد ثلاث بلاد منها وقف الملك الصالح إسماعيل، وقف بعضها وأخرج باقيها إقطاعات، فأخرج السلطان عن عيسى «3» بن حسن الهجّان بلدا تعمل فى كل سنة عشرين الف درهم، وثلاثة آلاف إردب غلّة، وجعلها مرصدة لمراكز البريد. واستمرّ خاطر السلطان موغرا على الجماعة من الأمراء بسبب اتفاق وغيرها، إلى أن كان يوم الأحد تاسع عشر شهر ربيع الأول من سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، كانت الفتنة العظيمة التى قتل فيها ملكتمر الحجازىّ وآق سنقر وأمسك بزلار

وصمغار وأيتمش عبد الغنى؛ وسبب ذلك أن السلطان لما أخرج اتّفاق وغيرها، وتشاغل بلعب الحمام صار يحضر إلى الدهيشة الأوباش، ويلعب بالعصا لعب صباح «1» ، ويحضر الشيخ على بن الكسيح مع حظاياه يسخر له وينقل إليه أخبار الناس، فشقّ ذلك على الأمراء وحدّثوا ألجيبغا «2» وطنيرق بأن الحال قد فسد، فعرّفا السلطان ذلك، فاشتدّ حنقه، وأطلق لسانه، وقام إلى السطح وذبح الحمام بيده بحضرتهما، وقال لهما: والله لأذبحنّكم كما ذبحت هذه الطيور، وأغلق باب الدهيشة، وأقام غضبان يومه وليلته، وكان الأمير غرلو «3» قد تمكّن من السلطان فأعلمه السلطان بما وقع، فنال غرلو من الأمراء وهوّن أمرهم عليه، وجسّره على الفتك بهم والقبض على آق سنقر، فأخذ السلطان فى تدبير ما يفعله، وقرّر ذلك مع غرلو. ثم بعث طنيرق فى يوم الأربعاء خامس عشر شهر ربيع الآخر إلى النائب يعرّفه أن قرابغا القاسمىّ وصمغار وبزلار وأيتمش عبد الغنى قد اتّفقوا على عمل فتنة، وعزمى أن أقبض عليهم قبل ذلك، فوعده النائب بردّ الجواب غدا على السلطان فى الخدمة، فلمّا اجتمع النائب بالسلطان أشار عليه النائب بالتثبّت فى أمرهم حتّى يصحّ له ما قيل عنهم. ثم أصبح فعرّفه السلطان فى يوم الجمعة بأنه صح عنده ما قيل بإخبار بيبغا أرس أنهم تحالفوا على قتله، فأشار عليه النائب أن يجمع بينهم وبين بيبغا أرس، حتى يحاققهم بحضرة

الأمراء يوم الأحد، وكان الأمر على خلاف هذا، فإنّ السلطان كان اتّفق مع غرلو وعنبر السّحرتى مقدّم المماليك على مسك آق سنقر وملكتمر الحجازى فى يوم الأحد. فلمّا كان يوم الأحد تاسع عشر ربيع الآخر «1» المذكور حضر الأمراء والنائب إلى الخدمة على العادة بعد العصر ومدّ السماط؛ وإذا بالقصر قد ملئ بالسيوف المسلّلة من خلف آق سنقر والحجازى، وأحيط بهما وبقرابغا، وأخذوا إلى قاعة هناك، فضرب ملكتمر الحجازىّ بالسيوف وقطّع «2» هو وآق سنقر قطعا، وهرب صمغار وأيتمش عبد الغنى، فركب صمغار فرسه من باب القلعة، وفرّ إلى القاهرة، واختفى أيتمش عند زوجته، وخرجت الخيل وراء صمغار حتى أدركوه خارج القاهرة؛ وأخذ أيتمش من داره فارتجّت القاهرة، وغلّقت الأسواق وأبواب القلعة، وكثر «3» الإرجاف إلى أن خرج النائب والوزير قريب المغرب، وطلبا الوالى ونودى بالقاهرة، فاشتهر ما جرى بين الناس، وخاف كلّ أحد من الأمراء على نفسه. ثمّ أمر «4» السلطان بالقبض على مرزة علىّ وعلى محمد بن بكتمر الحاجب وأخيه وعلى أولاد أيدغمش [وأولاد «5» قمارى، وأخرجوا الجميع إلى الإسكندرية هم وبزلار وأيتمش] وصمغار، لأنهم كانوا من ألزام الحجازى ومعاشريه، فسجنوا بها، وأخرج آق سنقر وملكتمر الحجازى فى ليلة الاثنين العشرين من شهر ربيع الآخر على جنويّات «6» فدفنا «7» بالقرافة. وأصبح الأمير شجاع الدين غرلو وجلس فى دست عظيم، ثم ركب

وأوقع الحوطة على بيوت الأمراء المقتولين والممسوكين وعلى أموالهم، وطلع بجميع خيولهم إلى الإسطبل السلطانىّ، وضرب عبد العزيز الجوهرى صاحب آق سنقر وعبد المؤمن أستاداره بالمقارع، وأخذ منهما مالا جزيلا، فخلع السلطان على الأمير غرلو قباء من ملابسه بطرز زركش عريض، وأركبه فرسا من خاصّ خيل الحجازى بسرج ذهب وكنبوش زركش. ثم خلا به يأخذ رأيه فيما يفعل فأشار عليه بأن يكتب إلى نوّاب الشام بما جرى، ويعدّد لهم ذنوبا كثيرة، حتى قبض عليهم، فكتب إلى الأمير يلبغا اليحياوىّ نائب الشام على يد الأمير آق سنقر المظفّرى أمير جاندار، فلما بلغ يلبغا الخبر كتب الجواب يستصوب ما فعله فى الظاهر، وهو فى الباطن غير ذلك، وعظم عليه قتل الحجازى وآق سنقر إلى الغاية. ثم جمع يلبغا أمراء دمشق بعد يومين بدار السعادة «1» وأعلمهم الخبر، وكتب إلى النّوّاب بذلك، وبعث الأمير ملك آص إلى حمص وحماة وحلب، وبعث الأمير طيبغا القاسمىّ إلى طرابلس. ثم انتقل فى يوم الجمعة «2» مستهلّ جمادى الأولى إلى القصر بالميدان فنزل به، ونزل ألزامه حوله بالميدان، وشرع فى الاستعداد للخروج عن طاعة الملك المظفّر هذا.

وأما السلطان الملك المظفّر فإنه أخذ بعد ذلك يستميل المماليك السلطانيّة بتفرقة المال فيهم، وأمّر منهم جماعة، وأنعم على غرلو بإقطاع أيتمش عبد الغنى وأصبح غرلو هو المشار إليه فى المملكة، فعظمت نفسه إلى الغاية. ثم أخرج السلطان ابن طقزدمر على إمرة طبلخاناه بحلب وأنعم بتقدمته على الأمير طاز، وتولّى غرلو بيع قماش الأمراء وخيولهم، وصار السلطان يتخوّف من النوّاب بالبلاد الشامية إلى أن حضرت أجوبتهم بتصويب ما فعله، فلم يطمئنّ بذلك، ورسم بخروج تجريدة إلى البلاد الشامية، فرسم فى عاشر جمادى الأولى بسفر سبعة أمراء من المقدّمين بالديار المصريّة، وهم الأمير طيبغا المجدىّ وبلك الجمدار والوزير نجم الدين محمود بن شروين وطنغرا وأيتمش الناصرى الحاجب وكوكاى والزّرّاق ومعهم مضافوهم من الأجناد، وطلب الأجناد من النواحى، وكان وقت إدراك المغلّ، فصعب ذلك على الأمراء، وارتجّت القاهرة بأسرها لطلب السلاح وآلات السفر. ثم كتب السلطان إلى أمراء دمشق ملطّفات على أيدى النّجّابة بالتيقّظ بحركات الأمير يلبغا اليحياوىّ نائب الشام. ثم أشار النائب على السلطان بطلب يلبغا ليكون بمصر نائبا أو رأس مشورة فإن أجاب وإلّا أعلم «1» بأنه قد عزل عن نيابة الشام بأرغون شاه نائب حلب، فكتب السلطان فى الحال يطلبه على يد أراى أمير آخور، وعند سفر أراى قدمت كتب نائب طرابلس ونائب حماة ونائب صفد على السلطان بأنّ يلبغا دعاهم للقيام معه على السلطان لقتل الأمراء، وبعثوا بكتبه إليه فكتب السلطان لأرغون شاه نائب حلب أن يتقدّم لعرب آل مهنّا بمنسك الطرقات على يلبغا وأعلمه أنّه ولّاه نيابة الشام عوضه، فقام أرغون شاه فى ذلك أتمّ قيام،

وأظهر ليلبغا أنه معه، ولما وصل إلى يلبغا أراى أمير آخور فى يوم الأربعاء سادس جمادى الأولى ودعاه إلى مصر ليكون رأس أمراء المشورة، وأن نيابة الشام أنعم بها السلطان على الأمير أرغون شاه نائب حلب، ظنّ يلبغا أن استدعاءه حقيقة، وقرأ كتاب السلطان فأجاب بالسمع والطاعة، وأنّه إذا وصل أرغون شاه إلى دمشق توجّه هو إلى مصر، وكتب الجواب بذلك، وأعاده سريعا، فتحلّلت عند ذلك عزائم أمراء دمشق وغيرها عن يلبغا، وتجهّز يلبغا وخرج إلى الكسوة «1» ظاهر دمشق فى خامس عشره، وكانت ملطّفات السلطان قد وردت إلى أمراء دمشق بإمساكه، فركبوا على حين غفلة وقصدوه ففرّ منهم بمماليكه وأهله وهم فى أثره إلى خلف ضمير «2» . ثم سار فى البرّيّة يريد أولاد تمرداش ببلاد الشرق، حتى نزل على حماة بعد أربعة أيام وخمس ليال، فركب الأمير قطيلجا نائب حماة بعسكره فتلقّاه ودخل به إلى المدينة وقبض عليه وعلى من كان معه من الأمراء، وهم الأمير قلاوون والأمير سيفة والأمير محمد بك بن جمق وأعيان مماليكه وكتب للسلطان بذلك، فقدم الخبر بذلك على السلطان فى جمادى الأولى أيضا، فسرّ سرورا زائدا، ورسم فى الوقت بإبطال التجريدة. ثم كتب بحمل يلبغا اليحياوى المذكور إلى مصر. ثم بدا للسلطان غير ذلك وهو أنه أخرج الأمير منجك اليوسفىّ السّلاح دار بقتله، فسار منجك حتى لقى آقجبا [الحموى «3» ] ومعه يلبغا اليحياوى وأبوه «4» بقاقون فنزل منجك بقاقون، وصعد بيلبغا اليحياوى إلى قلعة قاقون وقتله بها فى يوم الجمعة

عشرين جمادى الأولى، وحزّ رأسه وحمله إلى السلطان. قال الشيخ صلاح الدين الصفدى: «وكان يلبغا حسن الوجه مليح الثغر «1» أبيض اللّون، طويل القامة من أحسن الأشكال، قلّ أن ترى العيون مثله، كان ساقيا، وكانت الإنعامات التى تصل إليه من السلطان لم يفرح بها أحد قبله. كان يطلق له الخيل بسروجها وعددها وآلاتها الزّركش والذهب المصوغ خمسة عشر فرسا والأكاديش ما بين مائتى رأس فينعم بها عليه، وتجهّز إليه الخلع والحوائص وغير ذلك من التشاريف التى يرسم له بها خارجة عن الحدّ. وبنى له الإسطبل الذي فى سوق الخيل تجاه القلعة» . قلت: والإسطبل المذكور كان مكان مدرسة السلطان حسن الآن، اشتراه السلطان حسن وهدمه وبنى مكانه مدرسته المعروفة به. وقد سقنا ترجمته أى يلبغا اليحياوىّ بأوسع من هذا فى تاريخنا «المنهل الصافى» إذ هو كتاب تراجم. انتهى. وفى يوم الأحد خامس عشرين جمادى الأولى المذكور أخرج السلطان الوزير نجم الدين محمودا والأمير بيدمر البدرى نائب حلب كان، والأمير طغيتمر النجمى الدوادار إلى الشام؛ وسببه أن الأمير شجاع الدين غرلو لمّا كان شادّ الدواوين قبل تاريخه حقد على الوزير نجم الدين المذكور وعلى طغيتمر الدوادار، فحسّن للسلطان أحذ أموالهما، فقال السلطان للنائب عنهما وعن بيدمر أنهم كانوا يكاتبون يلبغا فأشار عليه النائب بإبعادهم، وأن يكون الوزير نجم الدين نائب غزّة وبيدمر نائب حمص وطغيتمر نائب طرابلس، فأخرجهم السلطان على البريد، فلم يعجب غرلو ذلك، وأكثر عند السلطان من الوقيعة فى الأمير أرقطاى النائب حتّى غيّر السلطان عليه، وما زال به حتّى بعث السلطان بأرغون الإسماعيلى إلى نائب غزّة بقتلهم

فدخل أرغون معهم إلى غزّة بعد العصر وعرّف النائب ما جاء بسببه، فقبض عليهم نائب غزّة وقتلهم فى ليلته، وعاد أرغون وعرّف السلطان الخبر، فتغيّر قلب الأمراء ونفر خواطرهم فى الباطن من السلطان وميله إلى غرلو، وتمكّن غرلو من السلطان وأخذ أموال من قتل، وتزايد أمره واشتدّت وطأته، وكثر إنعام السلطان عليه حتّى إنه لم يكن يوم إلا وينعم عليه فيه بشىء. ثم أخذ غرلو فى العمل على علم الدين عبد الله بن زنبور ناظر الخاصّ «1» ؛ وعلى القاضى علاء الدين علىّ بن فضل الله العمرى كاتب السّر. وصار يحسّن للسلطان القبض عليهما «2» وأخذ أموالهما، فتلطّف النائب بالسلطان فى أمرهما حتى كفّ عنهما، فلم يبق بعد ذلك أحد من أهل الدولة حتّى خاف «3» من غرلو وصار يصانعه بالمال حتى يسترضيه «4» . ثم حسّن غرلو للسلطان قتل الأمراء المحبوسين بالإسكندرية، فتوجّه الطواشى مقبل الرومى بقتلهم فقتل الأمير أرغون العلائى وقرابغا القاسمى وتمر الموساوىّ وصمغار وأيتمش عبد الغنى، وأفرج عن أولاد قمارى وأولاد أيدغمش وأخرجوا إلى الشام. واستمرّ السلطان على الانهماك فى لهوه، فصار يلعب فى الميدان تحت القلعة بالكرة فى يومى الأحد والثلاثاء، ويركب إلى الميدان «5» الذي على النيل فى يوم السبت. فلمّا كان آخر ركوبه إلى الميدان رسم السلطان بركوب الأمراء المقدّمين بمضافيهم «6» ووقوفهم صفّين من الصّليبة إلى فوق القلعة «7» ليرى السلطان عسكره، فضاق الموضع، فوقف كلّ مقدّم بخمسة من مضافيه، وجمعت أرباب الملاهى، ورتّبت

فى عدّة أماكن من القلعة إلى الميدان. ثم ركبت أمّ السلطان فى جمعها، وأقبل الناس من كلّ جهة، فبلغ كراء كلّ طبقة مائة درهم، وكلّ بيت كبير لنساء الأمراء مائتى درهم، وكلّ حانوت خمسين درهما، وكلّ موضع إنسان بدرهمين. فكان يوم لم يعهد فى ركوب الميدان مثله. ثم فى يوم الخميس خامس عشره «1» قبض السلطان الملك المظفّر هذا على أعظم أمرائه ومدبّر مملكته الأمير شجاع الدين غرلو وقتله، وسبب ذلك أمور: منها شدّة كراهية الأمراء له لسوء سيرته، فإنه كان يخلو بالسلطان، ويشير عليه بما يشتهيه، فما كان السلطان يخالفه فى شىء، وكان عمله أمير سلاح فخرج عن الحدّ فى التعاظم، وجسّر السلطان على قتل الأمراء، وقام فى حقّ النائب أرقطاى يريد القبض عليه وقتله، واستمال المماليك الناصريّة والصالحيّة والمظفّريّة بكمالهم، وأخذ يقرّر مع السلطان، أن يفوّض إليه أمور المملكة بأسرها ليقوم عنه بتدبيرها، ويتوفّر السلطان على لذاته. ثم لم يكفه ذلك، حتّى أخذ يغرى السلطان بألجيبغا وطنيرق وكانا أخصّ الناس بالسلطان، ولا زال يمعن فى ذلك حتى تغيّر السلطان عليهما، وبلغ ذلك ألجيبغا، وتناقلته المماليك فتعصّبوا عليه وأرسلوا إلى الأمراء الكبار، حتى حدّثوا السلطان فى أمره، وخوّفوه عاقبته، فلم يعبأ السلطان بقولهم، فتنكّروا بأجمعهم على السلطان بسبب غرلو إلى أن بلغه ذلك عنهم من بعض ثقاته، فاستشار النائب فى أمر غرلو المذكور، فلم يشر عليه فى أمره بشىء، وقال للسلطان: لعلّ الرجل قد كثرت حسّاده على تقريب السلطان له، والمصلحة التثبّت فى أمره. وكان أرقطاى النائب عاقلا سيوسا، يخشى من معارضته غرض السلطان فيه، فاجتهد ألجيبغا وعدّة من الخاصّكيّة فى التدبير عليه وتخويف السلطان منه ومن سوء عاقبته، حتى أثّر قولهم فى نفس

السلطان، وأقاموا الأمير أحمد شادّ الشرابخاناه، وكان مزّاحا للوقيعة فيه، فأخذ أحمد شاق الشرابخاناه فى خلوته مع السلطان يذكر كراهية الأمراء لغرلو وموافقة المماليك له، وأنه يريد أن يدبّر المملكة ويكون نائب السلطنة ليتوثّب بذلك على المملكة «1» ويصير سلطانا، ويخرج له قوله هذا فى وجه المسخريه «2» والضحك، وصار أحمد المذكور يبالغ فى ذلك على عدة فنون من الهزل، إلى أن قال السلطان: أنا الساعة أخرجه وأعمله أمير آخور، فمضى أحمد شادّ الشربخاناه إلى النائب وعرّفه مما وقع فى السّر، وأنه جسّر السلطان على الوقيعة فى غرلو، فبعث السلطان وراء النائب أرقطاى واستشاره فى أمر غرلو ثانيا فأثنى عليه النائب وشكره، فعرف السلطان كثرة وقيعة الخاصّكيّة فيه، وأنه قصد أن يعمله أمير آخور، فقال النائب: غزلو رجل شجاع جسور «3» لا يليق أن يعمل أمير آخور، فكأنّه أيقظ السلطان من رقدته بحسن عبارة وألطف إشارة، فأخذ السلطان فى الكلام معه بعد ذلك فيما يوليه! فأشار عليه النائب بتوليته نيابة غزّة، فقبل السلطان ذلك، وقام عنه النائب، فأصبح السلطان بكرة يوم الجمعة وبعث الأمير طنيرق إلى النائب أن يخرج غرلو إلى نيابة غزّة، فلم يكن غير قليل حتى طلع غرلو على عادته إلى القلعة وجلس على باب القلّة، فبعث النائب يطلبه، فقال: مالى عند النائب شغل وما لأحد معى حديث غير أستاذى، فأرسل النائب يعرّف السلطان جواب غرلو فأمر السلطان مغلطاى أمير شكار وجماعة من الأمراء أن يعرّفوا غرلو عن السلطان أن يتوجّه إلى غزّة، وإن امتنع يمسكوه، فلما صار غرلو بداخل القصر لم يحدّثوه بشىء، وقبضوا عليه وقيّدوه وسلّموه لألجيبغا فأدخله إلى بيته

بالأشرفية «1» ، فلمّا خرج السلطان لصلاة الجمعة على العادة قتلوا غرلو وهو فى الصلاة، وأخذ السلطان بعد عوده من الصلاة يسأل عنه، فنقلوا عنه أنه قال: أنا ما أروح مكانا، وأراد سلّ سيفه وضرب الأمراء به فتكاثروا عليه فما سلّم نفسه حتى قتل، فعزّ قتله على السلطان، وحقد عليهم لأجل قتله، ولم يظهر لهم ذلك، ورسم بإيقاع الحوطة على حواصله. وكان لموته يوم مشهود. ثم أخرج بغرلو المذكور ودفن بباب القرافة، فأصبح وقد خرجت يده من القبر «2» ، فأتاه الناس أفواجا ليروه ونبشوا عليه وجرّوه بحبل فى رجله إلى تحت القلعة، وأتوا بنار ليحرقوه وصار لهم ضجيج عظيم، فبعث السلطان عدّة من الأوجاقية قبضوا على كثير من العامة، فضربهم الوالى بالمقارع وأخذ منهم غرلو المذكور ودفنه. ولم يظهر لغرلو المذكور كثير مال. قلت: ومن الناس من يسمّيه «أغزلو» بألف مهموزة وبعدها غين معجمة مكسورة وزاى ساكنة ولام مضمونة وواو ساكنة. ومعنى أغزلو باللغة التركية: «له فم» وقد ذكرناه نحن أيضا فى المنهل الصافى فى حرف الهمزة، غير أن جماعة كثيرة ذكروه «غرلو» فاقتدينا بهم هنا وخالفناهم هناك، وكلاهما اسم باللغة التركية. انتهى. وكان غرلو هذا أصله من مماليك الحاجّ بهادر العزّى، وخدم بعده عند بكتمر السّاقى وصار أمير آخوره، ثم خدم بعد بكتمر عند بشتك، وصار أمير آخوره أيضا. ثم ولى بعد ذلك ناحية (أشمون «3» ) ، ثم ولى نيابة الشّوبك «4» . ثم ولى القاهرة، وأظهر العفّة

والأمانة، وحسنت سيرته، ثم تقرّب عند الملك الكامل شعبان، وفتح له باب الأخذ فى الولايات والإقطاعات، وعمل لذلك ديوانا قائم الذات، سمّى ديوان البدل «1» ، فلما تولّى الصاحب تقىّ الدين بن مراحل الوزر شاححه فى الجلوس والعلامة، فترجّح الصاحب تقي الدين وعزل غرلو هذا عن شدّ الدواوين، ودام على ذلك إلى أن كانت نوبة السلطان الملك المظفّر كان غرلو هذا ممن قام معه، لما كان فى نفسه من الكامل من عزله عن شد الدواوين، وضرب فى الوقعة أرغون العلائى بالسيف فى وجهه، وتقرّب من يوم ذاك إلى الملك المظفّر، حتى كان من أمره ما حكيناه. ثم خرج السلطان الملك المظفّر بعد قتله إلى سرياقوس على العادة وأقام بها أياما، ثم عاد وخلع على الأمير منجك اليوسفى السلاح دار باستقراره حاجبا بدمشق عوضا عن أمير على بن طغريل. وأنعم السلطان على اثنى عشر من المماليك السلطانية بإمريات ما بين طبلخاناه وعشرة وأنعم بتقدمة الأمير منجك السّلاح دار على بعض خواصّه. وفى يوم مستهلّ شعبان خرج الأمير طيبغا المجدى والأمير أسندمر العمرىّ والأمير بيغرا والأمير أرغون الكاملى والأمير بيبغا أرس والأمير بيبغا ططر إلى الصيد. ثم خرج الأمير أرقطاى النائب بعدهم إلى الوجه القبلىّ بطيور السلطان، ورسم السلطان لهم ألّا يحضروا إلى العشر الأخير من شهر رمضان، فخلا الجو للسلطان، وأعاد حضير الحمام وأعاد أرباب الملاعيب من الصّراع والثقاف والشباك، وجرى السّعاة، ونطاح الكباش، ومناقرة الدّيوك، والقمار، وغير ذلك من أنواع الفساد. ونودى بإطلاق اللعب بذلك بالقاهرة [ومصر «2» ] وصار للسلطان

اجتماع بالأوباش وأراذل الطوائف من الفراشين والبابية «1» ومطيّرى الحمام، فكان السلطان يقف معهم ويراهن على الطير الفلانى والطيرة الفلانيّة؛ وبينما هو ذات يوم معهم عند حضير الحمام، وقد سيّبها إذ أذّن العصر بالقلعة والقرافة فجفلت الحمام عن مقاصيرها وتطايرت فغضب وبعث إلى المؤذّنين يأمرهم أنهم إذا رأوا الحمام لا يرفعون أصواتهم. ويلعب مع العوامّ بالعصىّ وكان السلطان إذا لعب مع الأوباش يتعرّى ويلبس تبّان «2» جلد ويصارع معهم ويلعب بالرّمح والكرة، فيظلّ نهاره مع الغلمان والعبيد فى الدهيشة، وصار يتجاهر بما لا يليق به أن يفعله. ثم أخذ مع ذلك كلّه فى التدبير على قتل أخيه حسين، وأرصد له عدّة خدّام ليهجموا عليه عند إمكان الفرصة ويغتالوه، فبلغ حسينا ذلك فتمارص واحترس على نفسه فلم يجدوا منه غفلة. ثم فى سابع عشر شعبان توفّى الخليفة أبو الربيع سليمان، وبويع بالخلافة ابنه أبو بكر ولقّب بالمعتصم بالله أبى الفتح. وفى آخر شعبان قدم الأمراء من الصيد شيئا بعد شىء وقد بلغهم ما فعله السلطان فى غيبتهم، وقدم ابن الحرّانى من دمشق بمال يلبغا اليحياوى فتسلّمه الخدّام، وأنعم السلطان من ليلته على حظيّته «كيدا» من المال بعشرين ألف دينار، سوى الجواهر واللآلئ ونثر الذهب على الخدّام والجوارى، فاختطفوه وهو يضحك، وفرّق على لعّاب الحمام والفراشين والعبيد الذهب واللؤلؤ، وهو يحذفه عليهم وهم يترامون عليه ويأخذوه بحيث إنه لم يدع من مال يلبغا سوى

القماش، فكان جملة التى فرّقها ثلاثين ألف دينار وثلثمائة ألف درهم، وجواهر وحليّا ولؤلؤا وزركشا ومصاغا، قيمته زيادة على ثمانين ألف دينار، فعظم ذلك على الأمراء، وأخذ ألجيبغا وطنيرق يعرّفان السلطان ما ينكره عليه الأمراء من لعب الحمام وتقريب الأوباش، وخوّفاه فساد الأمر، فغضب وأمر آقجباشاد والعمائر بخراب حضير الحمام، ثم أحضر الحمام وذبحهم واحدا بعد واحد بيده وقال لألجيبغا وطنيرق: والله لأذبحنّكم كلّكم كما ذبحت هذا الحمام وتركهم وقام، وفرق جماعة من خشداشيّة ألجيبغا طنيرق فى البلاد الشامية، واستمرّ على إغراضه عن الجميع، ثم قال لحظاياه وعنده معهن الشيخ على بن الكسيح: والله ما بقى يهنأ لى عيش وهذان الكذّابان بالحياة (يعنى بذلك عن ألجيبغا وطنيرق) فقد فسدا علىّ جميع ما كان لى فيه سرور، واتّفقا علىّ، ولابدّ لى من ذبحهما، فنقل ذلك ابن الكسيح لألجيبغا فإن ألجيبغا هو الذي أوصله إلى السلطان، وقال: مع ذلك خذ لنفسك فو الله لا يرجع عنك وعن طنيرق، فطلب ألجيبغا طنيرق وعرّفه ذلك، فأخذا فى التدبير عليه فى الباطن [وأخذ فى التدبير عليهما «1» ] ، وخرج الأمير بيبغا أرس للصيد بالعبّاسة «2» ، فإنه كان صديقا لألجيبغا وتنمّر السلطان على طنيرق واشتدّ عليه وبالغ فى تهديده، فبعث طنيرق وألجيبغا إلى الأمير طشتمر طلليه «3» ، وما زالا به حتّى وافقهما ودارا على الأمراء، وما منهم إلا من نفرت نفسه من السلطان الملك المظفّر، وتوقّع به أنه يفتك به، فصاروا معهما يدا واحدة لما فى نفوسهم. ثم كلّموا النائب فى موافقتهم وأعلموه

أنه يريد القبض عليه، وكان عنده أيضا حسّ من ذلك، وأكثروا من تشجيعه. حتى وافقهم وأجابهم، وتواعدوا جميعا فى يوم الخميس تاسع شهر رمضان على الركوب على السلطان فى يوم الأحد ثانى عشر شهر رمضان فبعث السلطان فى يوم السبت يطلب بيبغا أرس من العبّاسة، وقد قرّر مع الطواشى عنبر مقدّم المماليك أن يعرّف المماليك السلاح دارّية أن يقفوا خلفه فإذا دخل بيبغا أرس، وقبّل الأرض ضربوه بالسيوف وقطعوه قطعا، فعلم بذلك ألجيبغا، وبعث إليه يعلمه مما دبّره السلطان عليه من قتله ويعرّفه بما وقع اتفاق الأمراء عليه، وأنه يوافيهم بكرة يوم الأحد على قبّة النصر، فاستعدوا ليلتهم ونزل ألجيبغا من القلعة، وتلاه بقيّة الأمراء، حتى كان آخرهم ركوبا الأمير أرقطاى نائب السلطنة، وتوافوا بأجمعهم عند مطعم «1» الطير، وإذا ببيبغا أرس قد وصل إليهم، فعبّوا «2» أطلابهم ومماليكهم ميمنة وميسرة، وبعثوا فى طلب بقية الأمراء، فما ارتفع النهار حتى وقفوا بأجمعهم ملبسين «3» عند قبّة النصر، وبلغ السلطان ذلك، فأمر بضرب الكوسات فدقّت، وبعث الأوجاقية فى طلب الأمراء فجاءه طنيرق وشيخون وأرغون الكاملى وطاز ونحوهم من الأمراء الخاصّكيّة. ثم بعث المقدّمين فى طلب أجناد الحلقة فحضروا.

ثم أرسل السلطان يعتب النائب على ركوبه فردّ جوابه بأن مملوكك الذي ربّيته ركب عليك (يعنى عن ألجيبغا) وأعلمنا فساد نيّتك لنا، وقد قتلت مماليك أبيك وأخذت أموالهم، وهتكت حريمهم بغير موجب، وعزمت على الفتك بمن بقى، وأنت أوّل من حلف أنك لا تخون الأمراء ولا تخرّب بيت أحد، فردّ الرسول إليه يستخبره عمّا يريدوه الأمراء من السلطان حتّى يفعله لهم، فعاد جوابهم أنه لا بدّ أن يسلطنوا غيره، فقال: ما أموت إلّا على ظهر فرسى، فقبضوا على رسوله وهمّوا بالزّحف عليه، فمنعهم النائب أرقطاى من ذلك حتى يكون القتال أوّلا من السلطان، فبادر السلطان بالركوب إليهم وأقام أرغون الكاملى وشيخون فى الميمنة، ثم أقام عدّة أمراء أخر فى الميسرة، وسار بمماليكه حتّى وصل إلى قريب قبّة النصر، فكان أول من تركه ومضى إلى القوم الأمير طاز ثم الأمير أرغون الكاملى ثم الأمير ملكتمر السعدى ثم الأمير شيخون وانضافوا الجميع إلى النائب أرقطاى والأمراء، وتلاهم بقيّتهم حتى جاء الأمير طنيرق والأمير لاچين أمير جاندار صهر السلطان آخرهم، وبقى السلطان فى نحو عشرين فارسا، فبرز له الأمير بيبغا أرس والأمير ألجيبغا فولّى السلطان فرسه وانهزم عنهم فتبعوه وأدركوه وأحاطوا به، فتقدّم إليه بيبغا أرس فضربه السلطان بالطّبر، فأخذ بيبغا الضربة بترسه. ثم حمل عليه بالرّمح وتكاثروا عليه حتى قلعوه من سرجه وضربه طنيرق بالسيف جرح وجهه وأصابعه. ثم ساروا به على فرس غير فرسه محتفظين به إلى تربة «1» آق سنقر الرومى تحت الجبل وذبحوه من ساعته قبيل عصر يوم الأحد ثانى عشر شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، ودفن بتربة أمّه،

ولما أنزلوه وأرادوا ذبحه قال لهم: بالله لا تستعجلوا علىّ، خلونى ساعة، فقالوا: كيف استعجلت أنت على قتل الناس! لو صبرت عليهم صبرنا عليك فذبحوه. وقيل: إنّهم لما أنزلوه عن فرسه كتّفوه وأحضروه بين يدى النائب أرقطاى ليقتله، فلما رآه النائب نزل عن فرسه وترجّل ورمى عليه قباءه وقال: أعوذ بالله، هذا سلطان ابن سلطان ما أقتله! فأخذوه ومضوا إلى الموضع الذي ذبحوه فيه، وفيه يقول الشيخ صلاح الدين الصفدى: [الخفيف] أيها العاقل اللبيب تفكّر ... فى المليك المظفّر الضّرغام كم تمادى فى البغى والغىّ حتى ... كان لعب الحمام جدّ الحمام وفيه يقول: [المجتث] حان الرّدى للمظفّر ... وفى التراب تعفّر كم قد أباد أميرا ... على المعالى توفّر وقاتل النفس ظلما ... ذنوبه ما تكفّر ثم صعد الأمراء القلعة من يومهم، ونادوا فى القاهرة بالأمان والاطمئنان وباتوا بالقلعة ليلة الاثنين، وقد اتّفقوا على مكاتبة نائب الشام والأمير أرغون شاه بما وقع، وأن يأخذوا رأيه فيمن يقيموه سلطانا فأصبحوا وقد اجتمع المماليك على إقامة حسين ابن الملك الناصر محمد عوضا عن أخيه المظفّر فى السلطنة ووقعت بين حسين وبينهم مراسلات فقام المماليك فى أمره فقبضوا الأمراء على عدّة منهم ووكّلوا الأمير طاز بباب حسين، حتّى لا يجتمع به أحد من جهة المماليك، وأغلقوا باب القلعة، واستمرّوا بآلة الحرب يومهم وليلة الثلاثاء «1» ، وقصد المماليك إقامة الفتنة، فحاف الأمراء تأخير السلطنة حتى يستشيروا نائب الشام أن يقع من المماليك مالا يدرك فارطه، فوقع اتّفاقهم عند ذلك على حسن فسلطنوه فتمّ أمره.

وكانت مدّة سلطنة الملك المظفّر هذا على مصر سنة واحدة وثلاثة أشهر وأربعة عشر يوما. وكان المظفّر أهوج سريع الحركة، عديم المداراة، سيّئ التدبير، يؤثر صحبة الأوباش على أرباب الفضائل والأعيان، وكان فيه ظلم وجبروت وسفك للدماء، قتل فى مدة سلطنته مع قصرها خلائق كثيرة من الأمراء وغيرهم وكان مسرفا على نفسه، يحبّ لعب الحمام وغيره، ويحسن فنونا كثيرة من الملاعيب، كالرمح والكرة والصّراع والثّقاف وضرب السيف، مع شجاعة وإقدام من غير تثبّت فى أموره. قلت: وبالجملة هو أسوأ سيرة من جميع إخوته ممن تسلطن قبله من أولاد الملك الناصر محمد بن قلاوون، على أن الجميع غير نجباء وحالهم كقول القائل: «عجيب نجيب من نجيب» ؛ اللهم إن كان السلطان حسن الآتى ذكره، فهو لا بأس به. انتهى. *** السنة التى حكم فى أوّلها الملك الكامل شعبان إلى سلخ جمادى الأولى، ثم حكم فى باقيها الملك المظفّر حاجى صاحب الترجمة وهى سنة سبع وأربعين وسبعمائة. فيها توفى الأمير بهاء الدين أصلم بن عبد الله الناصرى أحد أمراء الألوف بالديار المصرية فى يوم السبت عاشر شعبان؛ وإليه ينسب جامع «1» أصلم خارج القاهرة

بسوق الغنم. وكان أصله من مماليك الملك المنصور قلاوون «1» وكان من خواصّ الملك الناصر محمد وقبض عليه وحبسه سنين، ثم أطلقه، وكان من أعيان الأمراء، وتولّى عدّة ولايات بالبلاد الشامية وغيرها حسب ما تقدّم ذكره فيما مضى، طالت أيامه فى السعادة والإمرة حتى صار من أمراء المشورة. وتوفّى الأمير الكبير سيف الدين الحاج آل ملك الجوكندار، ثم نائب السلطنة بالديار المصرية مقتولا بالإسكندرية فى أيام الملك الكامل شعبان، وأحضر ميتا إلى القاهرة فى يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الآخرة. وأصله من كسب الأبلستين فى الأيام الظاهريّة بيبرس فى سنة ست وسبعين وستمائة، واشتراه قلاوون وهو أمير ومعه سلّار النائب، فأنعم بسلار على ولده علىّ، وأنعم بآل ملك هذا على ولده الآخر. وقيل قدّمه لصهره الملك السعيد بركة خان ابن الملك الظاهر بيبرس، فأعطاه الملك السعيد لكوندك «2» وقيل غير ذلك. وترقّى آل ملك فى الخدم إلى أن صار من جملة

أمراء الديار المصرية. وتردّد للملك الناصر محمد بن قلاوون فى الرسليّة لمّا كان بالكرك من جهة الملك المظفّر بيبرس الجاشنكير، فأعجب الملك الناصر عقله وكلامه. فلمّا أن عاد الملك الناصر إلى ملكه رقّاه وولّاه الأعمال الجليلة إلى أن ولى نيابة السلطنة بديار مصر فى دولة الملك الصالح إسماعيل. فلمّا ولى الملك الكامل شعبان أخرجه لنيابة صفد. ثم طلبه وقبض عليه وقتله بالإسكندرية، وقد ذكرنا من أحواله نبذة كبيرة فى عدّة تراجم فلا حاجة لتكرار ذلك، إذ ليس هذا المحلّ محلّ الإطناب إلا فى تراجم ملوك مصر فقط، ومن عداهم يكون على سبيل الاختصار. وآل ملك هذا هو صاحب الدار «1» العظيمة بالقرب من باب مشهد الحسين- رضى الله عنه- وله هناك مدرسة «2» أيضا تعرف به، وهو صاحب الجامع «3» بالحسينية. وكان

خيرا ديّنا عفيفا مثريا، كان يقول: كلّ أمير لا يقيم رمحه ويسكب الذهب حتى يساوى السّنان ما هو أمير. وتوفّى الأمير سيف الدين قمارى بن عبد الله الناصرى أخو بكتمر الساقى مقتولا، وقد ولى نيابة طرابلس والأستادارية بديار مصر، وكان من أعيان الأمراء الناصرية مشهورا بالشجاعة والإقدام، وهو غير قمارى أمير شكار، وكلاهما «1» من الأمراء الناصرية. وتوفّى الأمير سيف الدين ملكتمر بن عبد الله السّرجوانىّ نائب الكرك فى يوم الاثنين مستهلّ المحرّم خارج القاهرة، وقد قدمها من الكرك مريضا، وكان من أعيان الأمراء، وتولّى عدّة ولايات، لا سيما نيابة الكرك، فإنّه وليها غير مرّة. قلت: وغالب هؤلاء الأمراء ذكرنا من أحوالهم فى عدّة مواطن من تراجم ملوك مصر ما يستغنى عن ذكره ثانيا هنا. وتوفّى ملك تونس من بلاد الغرب أبو بكر «2» بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى ابن عبد الواحد فى ليلة الأربعاء ثامن شهر رجب، بعد ما ملك تونس نحوا من ثلاثين سنة، وتولّى بعده ابنه أبو حفص عمر، وكان أبو بكر هذا من أجلّ ملوك الغرب، وطالت أيامه فى السلطنة، وله مواقف فى العدوّ «3» مشهودة. رحمه الله تعالى. وتوفّى القاضى تاج الدين «4» محمد بن الخضر بن عبد الرحمن بن سليمان المصرى كاتب سرّ دمشق فى ليلة الجمعة تاسع شهر ربيع الآخر. وكان كاتبا فاضلا باشر عدّة وظائف.

ما وقع من الحوادث سنة 748

وتوفى الأمير سيف الدين طقتمر «1» بن عبد الله الصلاحىّ نائب حمص بها. وكان من أعيان أمراء مصر. وقد مرّ ذكره أيضا فى تراجم أولاد الملك الناصر محمد ابن قلاوون. وتوفى الشيخ شمس الدين محمد «2» بن محمد بن محمد [بن نمير] بن السراج بن نمير بن السراج فى شعبان؛ وكان كاتبا فاضلا مقرئا، وعنده مشاركة فى فنون. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وخمس أصابع. والله أعلم. *** [ما وقع من الحوادث سنة 748] السنة الثانية من ولاية الملك المظفّر حاجّى على مصر، وهى سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، على أنه قتل فى شهر رمضان منها، وحكم فى باقيها أخوه السلطان الملك الناصر حسن. فيها توفى الأمير شمس الدين آق سنقر بن عبد الله الناصرى مقتولا بقلعة الجبل، وقد تقدّم ذكر قتله أن الملك المظفّر حاجّيّا أمر بالقبض على آق سنقر وعلى الحجازى بالقصر، ثم قتلا من ساعتهما تهبيرا بالسيوف فى يوم الأحد تاسع عشر شهر ربيع الآخر، وكان آق سنقر هذا اختصّ به أستاذه الملك الناصر محمد بن قلاوون وزوّجه إحدى بناته وجعله أمير شكار، ثم أمير آخور، ثم نائب غزّة، وأعيد بعد موت الناصر فى أيام الملك الصالح إسماعيل ثانيا واستقرّ أمير آخور على عادته، ثم ولى نيابة طرابلس مدّة، ثم أحضر إلى مصر فى أيام الملك الكامل

شعبان، وعظم قدره، ودبّر الدولة فى أيام الملك المظفّر حاجىّ. ثم ثقل عليه وعلى حواشيه فوشوا به وبملكتمر حتى قبض عليهما وقتلهما فى يوم واحد. وكان آق سنقر أميرا جليلا كريما شجاعا عارفا مدبّرا. وإليه ينسب جامع «1» آق سنقر

بخط التّبانة «1» خارج القاهرة بالقرب من باب الوزير «2» . وتوفّى الأمير سيف الدين بيدمر «3» البدرى مقتولا بغزة فى أوّل جمادى الآخرة، وهو أيضا أحد المماليك الناصرية وترقى إلى أن ولى نيابة حلب. وقد تقدّم ذكر مقتله فى ترجمة الملك المظفر حاجى. وإليه تنسب المدرسة «4» البيدمرية قريبا من مشهد الحسين رضى الله عنه.

وتوفّى قاضى القضاة «1» عماد الدين علىّ بن محيى الدين أحمد بن عبد الواحد بن عبد المنعم بن عبد الصمد الطّرسوسىّ الحنفى الدمشقى قاضى قضاة دمشق بها، عن تسع وسبعين سنة تقريبا، بعد ما ترك القضاء لولده وانقطع بداره للعبادة، إلى أن مات فى يوم الاثنين ثامن عشرين ذى الحجة. وكان منشؤه بدمشق، وقرأ الخلاف على الشيخ بهاء الدين «2» بن النحّاس، والفرائض على أبى العلاء «3» ، وتفقّه على جماعة من علماء عصره، وبرع فى عدّة علوم وأفتى ودرّس بعدّة مدارس. وكان كثيرة التلاوة سريع القراءة، قيل إنه كان يقرأ القرآن فى التروايح كاملا فى أقلّ من ثلاث ساعات بحضور جماعة من القرّاء. وتولّى قضاء دمشق بعد قاضى القضاة صدر «4» الدين على الحنفىّ فى سنة سبع وعشرين وسبعمائة وحمدت سيرته. وكان أوّلا ينوب عنه فى الحكم. رحمه الله تعالى.

وتوفّى قاضى قضاة المالكية وشيخ الشيوخ بدمشق شرف الدين محمد بن أبى بكر ابن ظافر بن عبد الوهاب الهمدانىّ «1» فى ثالث المحرّم عن ثلاث وسبعين سنة. وكان فقيها عالما صوفيّا. وتوفّى الشيخ الإمام الحافظ المؤرّخ صاحب التصانيف المفيدة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز [بن عبد الله «2» التّركمانىّ الأصل الفارقىّ] الذهبىّ الشافعىّ- رحمه الله تعالى- أحد الحفّاظ المشهورة فى ثالث ذى القعدة. ومولده فى شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين وستمائه، وسمع الكثير ورحل البلاد، وكتب وألّف وصنّف وأرّخ وصحّح وبرع فى الحديث وعلومه، وحصّل الأصول وانتقى، وقرأ القراءات السبع على جماعة من مشايخ القراءات. استوعبنا مشايخه ومصنّفاته فى تاريخنا «المنهل الصافى» مستوفاة. ومن مصنفاته: «تاريخ الإسلام» وهو أجل كتاب نقلت عنه فى هذا التاريخ. وقال الشيخ صلاح الدين الصفدىّ- بعد ما أثنى عليه- قال: «وأخذت عنه وقرأت عليه كثيرا من تصانيفه، ولم أجد عنده جمودة المحدّثين، ولا كودنة «3» النّقلة، بل هو فقيه النظر، له دربة بأقوال الناس ومذاهب الأئمة من السلف وأرباب المقالات، وأعجبنى منه ما يعنيه فى تصانيفه، ثم إنه لا يتعدّى حديثا يورده حتى يبيّن ما فيه من ضعف متن، أو ظلام إسناد، أو طعن فى روايته، وهذا لم أر غيره يراعى هذه الفائدة» . وأنشدنى من لفظه لنفسه مضمّنا، وهو تخيّل جيّد إلى الغاية: [وافر]

إذا قرأ الحديث علىّ شخص ... وأخلى موضعا لوفاة مثلى فما جازى بإحسان لأنّى ... أريد حياته ويريد قتلى وتوفى الأمير الوزير نجم الدين محمود [بن على «1» ] بن شروين المعروف بوزير بغداد مقتولا بغزّة مع الأمير بيدمر البدرىّ فى جمادى الآخرة. وكان قدم من بغداد إلى القاهرة فى دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون، فلمّا سلّم على السلطان وقبّل الأرض ثم قبّل يده حطّ فى يد السلطان حجر «2» بلخش، زنته أربعون درهما، قوّم بمائتى ألف درهم، فأمّره السلطان وأعطاه تقدمة ألف بديار مصر. ثم ولى الوزر غير مرّة إلى أن أخرجه الملك المظفّر حاجّىّ إلى غزّة، وقتله بها هو وبيدمر البدرىّ وطغيتمر الدوادار، وكان- رحمه الله- عاقلا سيوسا كريما محسنا مدبّرا، محمود الاسم والسيرة فى ولاياته، وهو ممّن ولى الوزر شرقا وغربا، وهو صاحب الخانقاه بالقرافة بجوار تربة كافور الهندىّ. وتوفى الشيخ الإمام البارع المفتّن قوام الدين مسعود بن محمد «3» بن محمد بن سهل الكرمانى الحنفى بدمشق، وقد جاوز الثمانين سنة. وكان إماما بارعا فى الفقه والنحو

والأصلين واللغة، وله شعر وتصانيف، وسماه الحافظ عبد القادر فى الطبقات مسعود بن إبراهيم. وتوفّى الأمير سيف الدين ملكتمر بن عبد الله الحجازىّ الناصرىّ قتيلا فى تاسع عشر شهر ربيع الآخر مع الأمير آق سنقر المقدّم ذكره. وكان أصل الحجازى من مماليك شمس الدين «1» أحمد بن يحيى بن محمد بن عمر الشّهرزورىّ البغدادى، فبذل فيه الملك الناصر محمد زيادة على مائة ألف درهم، حتى ابتاعه له منه المجد السلامىّ بمكة لمّا حجّ الشهرزورىّ، وقدم به على الناصر، فلم ير بمصر أحسن منه ولا أظرف فعرف بالحجازى، وحظى عند الملك الناصر، حتى جعله من أكابر الأمراء وزوّجه بإحدى بناته «2» . وكان فيه كلّ الخصال الحسنة، غير أنه كان مسرفا على نفسه منهمكا فى اللذّات، مدمنا على شرب الخمر، فكان مرتّبه منه فى كل يوم خمسين رطلا. ولم يسمع منه فى سكره وصحوه كلمة فحش، ولا توسّط بسوء أبدا، هذا مع سماحة النفس والتواضع والشجاعة والكرم المفرط، والتجمّل فى ملبسه ومركبه وحواشيه. وقد تقدّم كيفية قتله فى ترجمة الملك المظفّر هذا. وتوفى الأمير طغيتمر بن «3» عبد الله النجمى الدوادار، صاحب الخانقاة «4» النجمية خارج باب المحروق من القاهرة مقتولا بغزّة مع بيدمر البدرىّ ووزير بغداد المقدّم

ذكرهما. وكان طغتمر من أجل أمراء مصر، وكان عارفا عاقلا كاتبا وعنده فضيلة ومشاركة. وكان مليح الشكل. وتوفى الأمير سيف الدين يلبغا اليحياوىّ الناصرىّ نائب الشام مقتولا بقلعة قاقون، تقدّم ذكر قتله فى ترجمة الملك المظفّر هذا. وكان يلبغا هذا أحد من شغف به أستاذه الملك الناصر محمد بن قلاوون، وعمّر له الدار «1» العظيمة التى موضعها الآن مدرسة «2» السلطان حسن تجاه القلعة. ثم جعله أمير مائة ومقدّم ألف بالديار المصرية. ثم ولى بعد موت الملك الناصر حماة وحلب والشام. وعمّر بالشام الجامع المعروف بجامع يلبغا بسوق الخيل، ولم يكمّله، فكمّل بعد موته. وكان حسن الشكالة، شجاعا كريما، بلغ إنعامه فى كلّ سنة على مماليكه فقط مائة وعشرين فرسا وثمانين حياصة ذهب. وعاش أبوه بعده، وكان تركىّ الجنس، وتقلب فى هذه السعادة، ومات وسنه نيّف «3» على عشرين سنة. وتوفى الأمير أرغون بن عبد الله العلائىّ قتيلا بالإسكندرية، وكان أرغون أحد المماليك الناصرية، رقّاه الملك الناصر محمد فى خدمته، وزوّجه أمّ ولديه: الصالح «4» إسماعيل والكامل شعبان، وعمله لا لا لأولاده، فدبّر الدولة فى أيام ربيبه

الملك الصالح إسماعيل أحسن تدبير. ثم قام بتدبير ربيبه أيضا الملك الكامل شعبان، حتى قتل شعبان لسوء سيرته وأرغون ملازمه، فقبض على أرغون المذكور بعد الهزيمة وسجن بالإسكندرية إلى أن قتله الملك المظفّر حاجّىّ فيمن قتل، وقد تقدّم ذكر ذلك كلّه مفصّلا فى وقته. وأرغون هذا هو صاحب الخانقاه بالقرافة. وكان عاقلا عارفا مدبرا سيوسا كريما، ينعم فى كل سنة بمائتين وثلاثين فرسا، ومبلغ أربعين ألف دينار. قال الشيخ صلاح الدين الصّفدى: وعظمت حرمته لما دبّر المملكة وكثرت أرزاقه وأملاكه، وصار أكبر «1» من النوّاب بالديار المصرية، وهو باق على وظيفته رأس نوبة الجمدارية، وجنديته إلى آخر وقت. قلت: وهذا الذي ذكره صلاح الدين من العجب، كونه يكون مدبّر مملكتى الصالح والكامل، وهو غير أمير. انتهى. وتوفّى جماعة من الأمراء بسيف السلطان الملك المظفّر حاجّىّ، منهم: الأمير أيتمش عبد الغنىّ والأمير تمر الموساوى الساقى والأمير قرابغا والأمير صمغار، الجميع بسجن الإسكندريّة، وهم من المماليك الناصرية محمد بن قلاوون، وقتل أيضا بقلعة الجبل الأمير غرلو فى خامس «2» عشرين جمادى الاخرة، وقد تقدّم التعريف بحاله عند قتله فى ترجمة الملك المظفّر حاجّىّ. وكان جركسىّ الجنس، ولهذا كان جمع الجراكسة على الملك المظفر حاجّىّ، لأنهم من جنسه. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وست أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثمانى أصابع.

ذكر سلطنة الملك الناصر حسن الأولى على مصر

ذكر سلطنة الملك الناصر حسن الأولى على مصر السلطان الملك الناصر بدر الدين وقيل ناصر الدين أبو المعالى حسن. واللّقب الثانى أصحّ، لأنه أخذ كنية أبيه، ولقبه وشهرته، ابن السلطان الملك الناصر محمد ابن السلطان الملك المنصور قلاوون، وأمّه أمّ ولد ماتت عنه وهو صغير، فتولّى تربيته خوند أردو، وكان أوّلا يدعى قمارى واستمرّ بالدور السلطانيّة إلى أن كان من أمر أخيه الملك المظفّر حاجّىّ ما كان. وطلبت المماليك أخاه حسينا للسلطنة، فقام الأمراء بسلطنة حسن هذا، وأجلسوه على تخت الملك بالإيوان فى يوم الثلاثاء، رابع عشر شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وسبعماية، وركب بشعار السلطنة وأبّهة الملك. ولمّا جلس على تخت الملك لقّبوه بالملك الناصر سيف الدين قمارى، فقال السلطان حسن للنائب أرقطاى: يا أبت ما اسمى قمارى، إنما اسمى حسن، فاستلطفه الناس لصغر سنّه ولذكائه، فقال له: النائب: يا خوند- والله- إن هذا اسم حسن، حسن على خيرة الله تعالى. فصاحت الجاووشيّة فى الحال باسمه وشهرته وتمّ مره، وحلف له الأمراء على العادة. وعمره يوم سلطنته إحدى عشرة سنة، وهو السلطان التاسع عشر من ملوك الترك بالديار المصريّة، والسابع من أولاد الملك الناصر محمد بن قلاوون. وفى يوم الأربعاء خامس عشره اجتمع الأمراء بالقلعة وأخرج لهم الطواشى دينار الشّبلىّ المال من الخزانة، ثم طلب الأمراء خدّام الملك المظفّر وعبيده، ومن كان يعاشره من الفرّاشين ولعاب الحمام، وسلّموا لشادّ الدواوين على حمل ما أخذوه من الملك المظفّر من الأموال، فأظهر بعض الخدّام حاصلا تحت يده من الجوهر واللؤلؤ، ما قيمته زيادة على مائة ألف دينار، وتفاصيل حرير، وبذلات زركش بمائة ألف دينار أخرى.

وفى يوم الخميس قبض على الأمير أيدمر الزرّاق والأمير قطز أمير آخور والأمير بلك الجمدار، وأخرج قطز لنيابة صفد، وقطعت أخباز عشرين خادما وخبز عبد علىّ العوّاد المغنى وخبز إسكندر بن بدر الدين كتيلة الجنكىّ، ثم قبض ايضا على الطواشى عنبر السّحرتى مقدّم المماليك، وعلى الأمير آق سنقر أمير جندار، ثم عرضت المماليك أرباب الوظائف وأخرج منهم جماعة، وأحيط بمال «كيدا» حظيّة الملك المظفر التى أخذها بعد اتّفاق السوداء العوّادة وأموال بقية الحظايا وأنزلن من القلعة، وكتبت أوراق بمرتبات الخدّام والعبيد والجوارى فقطعت كلّها. وكان أمر المشورة فى الدولة والتدبير لتسعة أمراء: بيبغا أرس القاسمىّ وألجيبغا المظفّرى وشيخون العمرىّ وطاز الناصرىّ وأحمد شادّ الشراب خاناه وأرغون الاسماعيلىّ وثلاثة أخر، فاستقر الأمير شيخون رأس نوبة كبيرا وشارك فى تدبير المملكة، واستقر الأمير مغلطاى أمير آخور عوضا عن الأمير قطز، ثم رسم بالإفراج عن الأمير بزلار من سجن الإسكندريّة، ثمّ جهّزت التشاريف لنوّاب البلاد الشامية، وكتب لهم بما وقع من أمر الملك المظفّر وقتله، وسلطنة الملك الناصر حسن وجلوسه على تخت الملك. ثمّ اتّفقوا الأمراء على تخفيف الكلف السلطانيّة، وتقليل المصروف بسائر الجهات، وكتبت أوراق بما على الدولة من الكلف، وأخذ الأمراء فى بيع طائفة الجراكسة من المماليك السلطانية، وقد كان الملك المظفّر حاجّىّ قرّبهم إليه بواسطة غرلو وجلبهم من كلّ مكان، وأراد أنّ ينشئهم على الأتراك، وأدناهم إليه حتى عرفوا بين الأمراء بكبر عمائمهم، وقوى أمرهم وعملوا كلفتات خارجة عن الحدّ فى الكبر، فطلبوا الجميع وأخرجوهم منفيّين خروجا فاحشا وقالوا: هؤلاء جيعة النفوس كثيرو الفتن.

ثم قدم كتاب نائب الشام الأمير أرغون شاه يتضمن موافقته للأمراء ورضاءه بما وقع، وغضّ من الأمير فخر الدين إياس نائب حلب، وكان الأمير أرقطاى النائب قد طلب من الأمراء أن يعفوه من النيابة ويولّوه بلدا من البلاد فلم يوافقوه الأمراء على ذلك، فلمّا ورد كتاب نائب الشام يذكر فيه أنّ إياس يصغر عن نيابة حلب، فإنّه لا يصلح لها إلّا رجل شيخ كبير القدر، له ذكر بين الناس وشهرة، فعند ذلك طلب الأمير أرقطاى النائب نيابة حلب، فخلع عليه بنيابة حلب فى يوم الخميس خامس شوّال، واستقرّ عوضه فى نيابة السلطنة بالديار المصرية الأمير بيبغا أرس أمير مجلس وخلع عليهما معا، وجلس بيبغا أرس فى دست النيابة وجلس أرقطاى دونه بعد ما كان قبل ذلك أرقطاى فى دست النيابة وبيبغا دونه. وفى يوم السبت سابعه قدم الأمير منجك اليوسفىّ السلاح دار حاجب دمشق وأخو بيبغا أرس من الشام، فرسم له بتقدّمه ألف بديار مصر وخلع عليه واستقرّ وزيرا وأستادارا، وخرج فى موكب عظيم والأمراء بين يديه، فصار حكم مصر للأخوين: بيبغا أرس ومنجك السلاح دار. ثمّ فى يوم الثلاثاء عاشر شوّال خرج الأمير أرقطاى الى نيابة حلب، وصحبته الأمير كشلى «1» الإدريسىّ مسفّرا. ثم إنّ الأمير منجك اشتدّ على الدواوين، وتكلّم فيهم حتى خافوه بأسرهم، وقاموا له بتقادم هائلة، فلم يمض شهر حتّى أنس بهم، واعتمد عليهم فى أموره كلّها، وتحدّث منجك فى جميع أقاليم مصر ومهدّ أمورها. ثم قدم سيف الأمير فخر الدين إياس نائب حلب بعد القبض عليه فخرج مقيّدا وحبس بالإسكندرية «2» .

ثم تراسل المماليك الجراكسة مع الأمير حسين ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون على أن يقيموه سلطانا فقبض على أربعين منهم، وأخرجوا على الهجن مفرّقين الى البلاد الشاميّة. ثم قبض على ستّة منهم وضربوا تجاه الإيوان من القلعة ضربا مبرّحا، وقيّدوا وحبسوا بخزانة شمائل. ثم عملت الخدمة بالإيوان، واتفقوا على أنّ الأمراء إذا انفضّوا من خدمة الإيوان، دخل أمراء المشورة والتدبير إلى القصر دون غيرهم من بقيّة الأمراء، ونفذوا الأمور على اختيارهم من غير أن يشاركهم أحد من الأمراء فى ذلك، فكانوا إذا حضروا الخدمة بالإيوان خرج الأمير منكلى بغا الفخرىّ والأمير بيغرا والأمير بيبغا ططر والأمير طيبغا المجدىّ والأمير أرلان وسائر الأمراء فيمضوا على حالهم، إلا أمراء المشورة وهم، الأمير بيبغا أرس النائب والأمير شيخون العمرىّ رأس نوبة النّوب «1» والأمير طاز «2» والأمير الوزير منجك اليوسفىّ السلاح دار والأمير ألجيبغا المظفّرىّ والأمير طنيرق فإنهم يدخلون القصر، وينفّذون أحوال المملكة بين يدى السلطان بمقتضى علمهم وحسب اختيارهم. وفى هذه السنة استجدّ بمدينة حلب قاض مالكىّ وقاض حنبلىّ، فولى قضاء المالكية بها شهاب الدين أحمد بن ياسين الربّاحىّ «3» ، وتولى قضاء الحنابلة بها شرف الدين أبو البركات «4» موسى بن فيّاض، ولم يكن بها قبل ذلك مالكىّ ولا حنبلىّ، وذلك فى سنة ثمان وأربعين وسبعمائة.

وفى يوم الثلاثاء أوّل المحرّم سنة تسع وأربعين وسبعمائة، قبض على الشيخ علىّ الكسيح نديم الملك المظفّر حاجّىّ، وضرب بالمقارع والكسّارات ضربا عظيما، وقلعت أسنانه وأضراسه شيئا بعد شىء فى عدّة أيام، ونوّع له العذاب أنواعا حتى هلك، وكان بشع المنظر، له حدبة فى ظهره وحدبة فى صدره، كسيحا لا يستطيع القيام، وإنما يحمل على ظهر غلامه، وكان يلوذ بألجيبغا المظفّرىّ، فعرّف به ألجيبغا الملك المظفّر حاجّيّا فصار يضحّكه، وأخرج المظفر حرمه عليه، وعاقره الشّراب، فوهبته الحظايا شيئا كثيرا. ثم زوّجه الملك المظفر بإحدى حظاياه، وصار يسأله عن الناس فنقل له أخبارهم على ما يريد، وداخله فى قضاء الأشغال، فخافه الأمراء وغيرهم خشية لسانه، وصانعوه بالمال حتى كثرت أمواله، بحيث إنه كان إذا دخل خزانة الخاصّ، لا بدّ أن يعطيه ناظر الخاصّ منها له شيئا له قدر، ويدخل عليه ناظر الخاصّ حتى يقبله منه، وإنه إذا دخل الى النائب أرقطاى استعاذ أرقطاى من شرّه، ثمّ قام له وترحّب به وسقاه مشروبا، وقضى شغله الذي جاء بسببه وأعطاه ألف درهم من يده واعتذر له، فيقول للنائب: هأنا داخل الى ابنى السلطان وأعرّفه إحسانك الىّ، فلما دالت دولة الملك المظفّر عنى به ألجيبغا، الى أن شكاه عبد العزيز العجمىّ أحد أصحاب الأمير آق سنقر على مال أخذه منه، لمّا قبض عليه غرلو بعد قتل آق سنقر حتى خلّصه منه، فتذكّره أهل الدولة وسلّموه الى الوالى، فعاقبه واشتدّ عليه الوزير منجك حتى أهلكه. وفى المحرّم هذا وقعت الوحشة ما بين النائب بيبغا أرس وبين شيخون، ثمّ دخل بينهما منجك الوزير حتى أصلح ما بينهما. ثمّ فى يوم الاثنين ثالث شهر ربيع الأوّل عزل الأمير منجك عن الوزارة، وسببه أنّ ابن زنبور قدم من الإسكندرية بالحمل على العادة، فوقع الاتّفاق على

تفرقنه على الأمراء، فحمل الى النائب منه ثلاثة آلاف دينار، وإلى شيخون ثلاثة آلاف دينار، وللجماعة من الأمراء كلّ واحد ألفا دينار، وهم بقيّة أمراء المشورة، ولجماعة الأمراء المقدّمين كلّ واحد ألف دينار، فامتنع شيخون من الأخذ وقال: أنا ما يحلّ لى أن آخذ من هذا شيئا. ثم قدم حمل قطيا وهو مبلغ سبعين ألف درهم، وكانت قطيا قد أرصدت لنفقة المماليك، فأخذ الوزير منجك منها أربعين ألف درهم، وزعم أنّها كانت له قرضا فى نفقة المماليك، فوقفت المماليك الى الأمير شيخون وشكوا الوزير بسببها، فحدّث الوزير فى ردّ ما أخذه فلم يفعل، وأخذ فى الحطّ على ابن زنبور ناظر الخواصّ، وأنه يأكل المال جميعه، وطلب إضافة نظر الخاصّ له مع الوزارة والأستادارية وألحّ فى ذلك عدّة أيّام، فمنعه شيخون من ذلك، وشدّ من ابن زنبور وقام بالمحاققة عنه، وغضب بحضرة الأمراء فى الخدمة، فمنع النائب منجك من التحدّث فى الخاصّ وانفضّ المجلس، وقد تنكّر كلّ منهما [على «1» الاخر] وكثرت القالة بالركوب على النائب ومنجك حتى بلغهما ذلك، فطلب النائب الإعفاء من النيابة وإخراج أخيه منجك من الوزارة، وأبدأ وأعاد حتى كثر الكلام ووقع الاتفاق على عزل منجك من الوزارة، واستقراره أستادارا على حاله وشادّا على عمل الجسور فى النيل. وطلب أسندمر العمرىّ المعروف برسلان بصل من كشف الجسور ليتولّى الوزارة، فحضر وخلع عليه فى يوم الاثنين رابع عشرينه. [وفيه «2» أخرج] الأمير أحمد شادّ الشراب خاناه الى نيابة صفد؛ وسبب ذلك أنه كان كبر فى نفسه وقام مع المماليك على الملك المظفّر حاجّىّ حتى قتل، ثم أخذ

فى تحريك الفتنة واتفق مع ألجيبغا وطنيرق على الركوب فبلغ بيبغا أرس النائب الخبر فطلب الإعفاء، وذكر ما بلغه وقال: إنّ أحمد صاحب فتن ولا بدّ من إخراجه من بيننا فطلب أحمد وخلع عليه وأخرج من يومه. ثمّ فى يوم الأربعاء سادس عشرين ربيع الأوّل أنعم على الأمير منجك اليوسفى بتقدمة أحمد شادّ الشراب خاناه. ثمّ فى الغد يوم الخميس امتنع النائب من الركوب فى الموكب وأجاب بأنه ترك النيابة، فطلب إلى الخدمة وسئل عن سبب ذلك فذكر أنّ الأمراء المظفّرية تريد إقامة الفتنة وتبيّت خيولهم فى كل ليلة مشدودة، وقد اتفقوا على مسكه، وأشار لألجيبغا وطنيرق فأنكرا ما ذكر النائب عنهما، فحاققهما الأمير أرغون الكاملىّ أنّ ألجيبغا واعده بالأمس على الركوب فى غد وقت الموكب ومسك النائب ومنجك، فعتب عليهما الأمراء فاعتذرا بعذر غير مقبول، وظهر صدق ما نقله النائب، فخلع على ألجيبغا بنيابة طرابلس وعلى طنيرق بإمرة فى دمشق وأخرجا من يومهما، فقام فى أمر طنيرق صهره الأمير طشتمر طلليه حتى أعفى من السفر وتوجّه ألجيبغا إلى طرابلس فى ثامن شهر ربيع الآخر من السنة بعد ما أمهل أياما، واستمرّ منجك معزولا إلى أن أعيد إلى الوزر فى يوم الاثنين خامس عشر شهر ربيع الآخر «1» باستعفاء أسندمر العمرى لتوقّف أحوال الوزارة. وفيه أيضا أخرج من الأمراء المظفّرية لاچين العلائىّ وطيبغا المظفّرىّ ومنكلى بغا المظفّرىّ وفرّقوا ببلاد الشام. ثم قدمت تقدمة الأمير أرغون شاه نائب الشام زيادة عما جرت به العادة، وهى مائة وأربعون فرسا بعبىّ تدمرية «2» فوقها أجلّة «3» أطلس، ومقاود سلاسلها فضة،

ولواوين «1» بحلق فضّة، وأربعة قطر هجن بمقاود حرير، وسلاسل فضّة وذهب، وأكوارها «2» مغشّاة بذهب، وأربعة كنابيش «3» ذهب عليها ألقاب السلطان، وتعابى قماش مبقّجة «4» من كلّ صنف؛ ولم يدع أحدا من الأمراء المقدّمين ولا من أرباب الوظائف حتى الفرّاش ومقدّم الإسطبل ومقدّم الطبلخاناة والطبّاخ، حتى بعث إليهم هديّة، فخلع على مملوكه عدّة خلع وكتب إليه بزيادة على إقطاعه، ورسم له بتفويض حكم الشام جميعه إليه، يعزل ويولّى من يختار. وفيه أنعم على خليل بن قوصون بإمرة طبلخاناه، وأنعم أيضا على ابن المجدى بإمرة طبلخاناه، وأنعم على أحد أولاد منجك الوزير بإمرة مائة وتقدمة ألف ثم فى ثالث ذى الحجة أخرج طشبغا الدّوادار إلى الشام، وسببه مفاوضة جرت بينه وبين القاضى علاء الدين علىّ بن فضل الله كاتب السرّ، أفضت به إلى أن أخذ طشبغا بأطواق كاتب السرّ ودخلا على الأمير شيخون كذلك، فأنكر شيخون على طشبغا، ورسم بإخراجه، وعمل مكانه قطليجا الأرغونىّ دوادارا. ثم رسم للأمير بيغرا أمير جاندار أن يجلس رأس ميسرة، واستقرّ الأمير أيتمش الناصرى حاجب الحجاب أمير جاندار عوضه، واستقرّ الأمير قبلّاى «5» حاجب الحجّاب عوضا عن أيتمش.

وكانت هذه السنة (أعنى سنة تسع وأربعين وسبعمائة) كثيرة الوباء والفساد بمصر والشام من كثرة قطع الطريق لولاية الأمير منجك جميع أعمال المملكة بالمال، وانفراده وأخيه بيبغا أرس بتدبير المملكة. ومع هذا كان فيها أيضا الوباء الذي لم يقع مثله فى سالف الأعصار، فإنه كان ابتدأ بأرض مصر آخر أيام التخضير فى فصل الخريف فى أثناء سنة ثمان وأربعين، فما أهلّ المحرّم سنة تسع وأربعين حتى اشتهر واشتدّ بديار مصر فى شعبان ورمضان وشوّال، وارتفع فى نصف ذى القعدة، فكان يموت بالقاهرة ومصر ما بين عشرة آلاف إلى خمسة عشر ألف نفس [إلى عشرين «1» ألف نفس] فى كلّ يوم، وعملت الناس التوابيت والدّكك لتغسيل الموتى للسبيل بغير أجرة، وحمل أكثر الموتى على ألواح الخشب وعلى السلالم والأبواب، وحفرت الحفائر وألقيت فيها الموتى، فكانت الحفيرة يدفن فيها الثلاثون والأربعون وأكثر، وكان الموت بالطّاعون، يبصق الإنسان دما ثمّ يصيح ويموت؛ ومع هذا عمّ الغلاء الدنيا جميعها، ولم يكن هذا الوباء كما عهد فى إقليم دون إقليم، بل عم أقاليم الأرض شرقا وغربا وشمالا وجنوبا جميع أجناس بنى آدم وغيرهم، حتى حيتان البحر وطير السماء ووحش البرّ. وكان أوّل ابتدائه من بلاد القان «2» الكبير حيث الإقليم الأوّل، وبعدها من تبريز «3» إلى آخرها ستّة أشهر وهى بلاد الخطا «4» والمغل وأهلها يعبدون النار والشمس

والقمر، وتزيد عدّتهم على ثلثمائة جنس فهلكوا بأجمهم من غير علّة، فى مشاتيهم ومصايفهم وعلى ظهور خيلهم، وماتت خيولهم وصاروا جيفة مرمية فوق الأرض؛ وكان ذلك فى سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة. ثم حملت الريح نتنهم إلى البلاد، فما مرّت على بلد إلّا وساعة شمّها إنسان أو حيوان مات لوقتة فهلك من أجناد القان خلائق لا يحصيها إلا الله تعالى. ثمّ هلك القان وأولاده الستّة ولم يبق بذلك الإقليم من يحكمه. ثم اتّصل الوباء ببلاد الشرق جميعها: بلاد أزبك «1» وبلاد إسطنبول «2» وقيصرية «3» الروم، ثم دخل أنطاكية حتى أفنى من بها، وخرج جماعة من بلاد «4» أنطاكية فارّين من الموت فماتوا بأجمهم فى طريقهم، ثم عمّ جبال «5» ابن قرمان وقيصرية، ففنى أهلها ودوابّهم ومواشيهم، فرحلت الأكراد خوفا من الموت فلم يجدوا أرضا إلا وفيها الموت، فعادوا إلى أرضهم وماتوا جميعا. ثم وقع ذلك ببلاد سيس فمات لصاحبها تكفور فى يوم واحد بموضع مائة وثمانون نفسا وخلت سيس. ثمّ وقع فى بلاد الخطا مطر عظيم لم يعهد مثله فى غير أوانه، فماتت دوابّهم ومواشيهم

عقيب ذلك المطر حتى فنيت. ثمّ مات الناس والوحوش والطيور حتى خلت بلاد الخطا وهلك ستّة عشر ملكا فى مدّة ثلاث أشهر، وأفنى أهل الصّين حتى لم يبق منهم إلا القليل، وكذلك بالهند. ثمّ وقع ببغداد أيضا فكان الإنسان يصبح وقد وجد بوجهه طلوعا، فما هو إلا أن يمدّ يده على موضع الطلوع فيموت فى الوقت. وكان أولاد دمرداش قد حصروا الشيخ حسنا صاحب بغداد، ففجأهم الموت فى عسكرهم من وقت المغرب إلى باكر النهار إلى الغد، فمات منهم عدد كثير نحو الألف ومائتى رجل وستة أمراء ودوابّ كثيرة «1» ، فكتب الشيخ صاحب بغداد بذلك إلى سلطان مصر. ثمّ فى أوّل جمادى الأولى ابتدأ الوباء بمدينة حلب ثمّ بالبلاد الشاميّة كلّها وبلاد ماردين «2» وجبالها، وجميع ديار بكر، وأفنى بلاد صفد والقدس والكرك ونابلس والسواحل وعربان البوادى حتى إنه لم يبق ببلد جينين «3» غير عجوز واحدة خرجت منها فارّة، وكذلك وقع بالرّملة «4» وغيرها، وصارت الخانات ملآنة بجيف الموتى، ولم يدخل الوباء معرّة النّعمان «5» من بلاد الشام ولا بلد شيزر «6» ولا حارما.

وأول ما بدأ بدمشق، كان يخرّج خلف أذن الإنسان بثرة فيخرّ صريعا، ثمّ صار يخرج للإنسان كبّة «1» فيموت أيضا سريعا، ثمّ خرجت بالناس خيارة فقتلت خلقا كثيرا، ثم صار الآدمىّ يبصق دما ويموت من وقته، فاشتدّ الهول من كثرة الموت، حتّى إنه» أكثر من كان يعيش ممن يصيبه ذلك خمسين ساعة. وبلغ عدّة من يموت فى كلّ يوم بمدينة حلب خمسمائة إنسان، ومات بمدينة غزّة فى ثانى المحرم الى رابع صفر- على ما ورد فى كتاب نائبها- زيادة على اثنين وعشرين ألف إنسان، حتى غلقت أسواقها، وشمل الموت أهل الضّياع بها، وكان آخر زمان الحرث، فكان الرجل يوجد ميتا خلف محراثه، ويوجد آخر قد مات وفى يده ما يبذره. ثمّ ماتت أبقارهم؛ وخرج رجل بعشرين رأس بقر، لإصلاح أرضه فماتوا واحدا بعد واحد، وهو يراهم يتساقطون قدّامه، فعاد إلى غزّة. ودخل ستّة نفر لسرقة دار بغزّة فأخذوا ما فى الدار ليخرجوا به فماتوا بأجمعهم، وفرّ نائبها الى ناحية بدّعرش «3» ، وترك غزّة خالية، ومات أهل قطيا وصارت جثثهم تحت النخل وعلى الحوانيت، حتى لم يبق بها سوى الوالى وغلامين وجارية عجوز، وبعث يستعفى، فولّى عوضه مبارك، أستادار طغجى. ثمّ عمّ الوباء بلاد الفرنج، وابتدأ فى الدوابّ ثمّ فى الأطفال والشباب، فلمّا شنع الموت فيهم جمع أهل قبرس من فى أيديهم من أسرى المسلمين وقتلوهم جميعا من بعد العصر إلى المغرب، خوفا من أن تفرغ الفرنج فتملك المسلمون قبرس، فلما كان بعد العشاء الأخيرة هبّت ريح شديدة، وحدثت زلزلة عظيمة، وامتدّ البحر

فى المينة نحو مائة قصبة، فغرق كثير من مراكبهم وتكسّرت، فظنّ أهل قبرس أنّ الساعة قامت، فخرجوا حيارى لا يدرون ما يصنعون. ثمّ عادوا إلى منازلهم، فإذا أهاليهم قد ماتوا، وهلك لهم فى هذا الوباء ثلاثة ملوك، واستمرّ الوباء فيهم مدّة أسبوع، فركب منهم ملكهم الذي ملّكوه رابعا، فى جماعة فى المراكب يريدون جزيرة بالقرب منهم، فلم يمض عليهم فى البحر إلا يوم وليلة ومات أكثرهم فى المراكب، ووصل باقيهم الى الجزيرة فماتوا بها عن آخرهم، ووافى هذه الجزيرة بعد موتهم مركب فيها تجّار فماتوا كلّهم وبحّارتهم إلا ثلاثة عشر رجلا، فمرّوا إلى قبرس فوصلوها، وقد بقوا أربعة نفر فلم يجدوا بها أحدا فساروا إلى طرابلس، وحدّثوا بذلك فلم تطل مدّتهم بها وماتوا وكانت المراكب إذا مرّت بجزائر الفرنج لا تجد ركّابها بها أحدا، وفى بعضها جماعة يدعونهم أن يأخذوا من أصناف البضائع ما أحبّوا بغير ثمن لكثرة من كان يموت عندهم، وصاروا يلقون الأموات فى البحر، وكان سبب الموت عندهم ريح تمرّ «1» على البحر فساعة يشمّها الإنسان سقط، ولا يزال يضرب برأسه إلى الأرض حتى يموت. وقدمت مراكب الى الإسكندرية، وكان فيها اثنان وثلاثون تاجرا وثلثمائة رجل ما بين بحّار وعبيد، فماتوا كلّهم ولم يصل منهم غير أربعة من التجّار وعبد واحد، ونحو أربعين من البحّارة. وعمّ الموت جزيرة الأندلس بكمالها إلا جزيرة غرناطة «2» ، فإنهم نجوا، ومات من عداهم حتى إنه لم يبق للفرنج من يمنع أموالهم، فأتتهم العرب من إفريقية

تريد أخذ الأموال إلى ان صاروا على نصف يوم منها، فمرّت بهم ريح فمات منهم على ظهور الخيل «1» جماعة كثيرة ودخلها باقيهم، فرأوا من الأموات ما هالهم، وأموالهم ليس لها من يحفظها، فأخذوا ما قدروا عليه، وهم يتساقطون موتى، فنجا من بقى منهم بنفسه، وعادوا إلى بلادهم وقد هلك أكثرهم، والموت قد فشا بأرضهم أيضا بحيث إنه مات منهم فى ليلة واحدة عدد كثير، وبقيت أموال العربان ساتبة لا تجد من يرعاها، ثمّ أصاب الغنم داء، فكانت الشاة إذا ذبحت وجد لحمها منتنا قد اسودّ وتغيّر، وماتت المواشى بأسرها. ثم وقع الوباء بأرض برقة «2» إلى الإسكندرية، فصار يموت فى كلّ يوم مائة. ثمّ صار يموت مائتان، وعظم عندهم حتى إنه صلّى فى اليوم الواحد بالجامع دفعة واحدة على سبعمائة جنازة، وصاروا يحملون الموتى على الجنويّات «3» والألواح، وغلّقت دار الطّراز لعدم الصّنّاع، وغلّقت دار الوكالة، وغلّقت الأسواق وأريق ما بها من الخمور. وقدمها مركب فيه إفرنج فأخبروا أنهم رأوا بجزيرة طرابلس مركبا عليه طير تحوم فى غاية الكثرة، فقصدوه فإذا جميع من فيها ميّت والطير يأكلهم، وقد مات من الطير أيضا شىء كثير، فتركوهم ومروا فما وصلوا الى الإسكندرية حتى مات منهم «4» زيادة على ثلثهم. ثمّ وصل إلى مدينة دمهور «5»

وتروجة «1» بالبحيرة كلها حتى عمّ أهلها، وماتت دوابهم ومواشيهم وبطل «2» من البحيرة سائر الضمانات، وشمل الموت أهل «3» البرلّس ونستراوة «4» وتعطل الصيد من البحيرة بموت الصيادين فكان يخرج فى المركب عدّة صيادين فيموت أكثرهم ويعود من

بقى منهم فيموت بعد عوده من يومه هو وأولاده وأهله. ووجد فى حيتان البطارخ شىء منتن، وفيه على رأس البطارخة «1» كبّه «2» منتنة قدر البندقة قد اسودّت. ووجد فى جميع زراعات البرلّس وبلحها دود، وتلف أكثر تمر النّخل عندهم، وصارت الأموات على الأرض فى جميع الوجه البحرىّ لا يوجد من يدفنها. ثمّ عظم الوباء بالمحلّة «3» حتى إنّ الوالى كان لا يجد من يشكو إليه؛ وكان القاضى إذا أتاه من يريد الإشهاد على شخص لا يجد من العدول أحدا إلا بعد عناء لقلّتهم. وصارت الفنادق لا تجد من يحفظها، وماتت الفلّاحون بأسرهم إلا القليل، فلم يوجد من يضمّ الزرع، وزهد أرباب الأموال فى أموالهم وبذلوها للفقراء، فبعث الوزير منجك إلى الغربية، كريم الدين ابن الشيخ مستوفى الدولة ومحمد بن يوسف مقدّم الدولة، فدخلوا على سنباط «4» وسمنّود «5» وبوصير «6» وسنهور «7» ونحوها من البلاد، وأخذوا مالا كثيرا، لم يحضروا منه سوى ستين ألف درهم.

وعجز أهل بلبيس وسائر الشرقية عن ضمّ الزرع لكثرة موت الفلّاحين. وكان ابتداء الوباء عندهم من أوّل فصل الصيف الموافق لأثناء شهر ربيع الآخر من سنة تسع وأربعين وسبعمائة، ففاحت الطّرقات بالموتى، ومات سكان بيوت الشّعر ودوابّهم ومواشيهم، وامتلأت مساجد بلبيس وفنادقها وحوانيتها بالموتى، ولم يبق مؤذّن، وطرحت الموتى بجامعها، وصارت الكلاب فيه تأكل الموتى. ثم قدم الخبر من دمشق أنّ الوباء كان بها آخر ما كان بطرابلس وحماة وحلب، فلمّا دخل شهر رجب والشمس فى برج الميزان أوائل فصل الخريف، هبّت فى نصف اللّيل ريح شديدة جدّا، واستمرّت حتّى مضى من النهار قدر ساعتين، فاشتدت الظّلمة حتى كان الرجل لا يرى من بجانبه. ثم انجلت وقد علت وجوه الناس صفرة ظاهرة فى وادى دمشق كلّه، وأخذ فيهم الموت مدّة شهر رجب فبلغ فى اليوم ألفا ومائتى إنسان، وبطل إطلاق الموتى من الديوان، وصارت الأموات مطروحة فى البساتين على الطّرقات، فقدم على قاضى القضاة تقىّ الدين السّبكىّ «1» قاضى دمشق رجل من جبال الرّوم، وأخبر أنّه لمّا وقع الوباء ببلاد الروم رأى فى نومه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فشكا إليه ما نزل بالناس من الفناء فأمره صلّى الله عليه وسلّم أن يقول لهم: «اقرءوا سورة نوح ثلاثة آلاف وثلثمائة وستين مرّة، واسألوا الله فى رفع ما أنتم فيه» فعرّفهم ذلك فاجتمع الناس فى المساجد، وفعلوا ما ذكر لهم، وتضرّعوا إلى الله تعالى وتابوا إليه من ذنوبهم، وذبحوا أبقارا وأغناما كثيرة للفقراء مدّة سبعة أيام، والفناء يتناقص كلّ يوم حتى زال. فلمّا سمع القاضى والنائب ذلك نودى بدمشق باجتماع الناس بالجامع لأموىّ، فصاروا به جمعا كبيرا وقرءوا «صحيح البخارىّ» فى ثلاثة أيام وثلاث

ليال. ثم خرج الناس كافّة بصبيانهم إلى المصلّى وكشفوا رءوسهم وضجّوا بالدعاء، وما زالوا على ذلك ثلاثة أيام فتناقص الوباء حتّى ذهب بالجملة. وكان ابتداؤه بالقاهرة ومصر فى النساء والأطفال ثم بالباعة حتى كثر عدد الأموات، فركب السلطان إلى سرياقوس، وأقام بها من أوّل شهر رجب إلى العشرين منه، وقصد العود إلى القلعة فأشير عليه بالإقامة فى سرياقوس وصوم رمضان بها. ثم قدم كتاب نائب حلب بأنّ بعض أكابر الصلحاء رأى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فى نومه فشكا إليه ما نزل بالناس من الوباء، فأمره صلى الله عليه وسلم بالتّوبة، والدعاء بهذا الدعاء المبارك وهو: «اللهمّ سكن «1» هيبة صدمة «2» قهرمان الجبروت بألطافك النازلة الواردة من فيضان الملكوت، حتى نتشبّث بأذيال لطفك، ونعتصم بك عن إنزال قهرك، يا ذا القوّة والعظمة الشاملة، والقدرة الكاملة، ياذا الجلال والإكرام «3» » . وأنه كتب بها عدّة نسخ بعث بها إلى حماة وطرابلس ودمشق. وفى شعبان تزايد الوباء بديار مصر، وعظم فى شهر رمضان وقد دخل فصل الشتاء فرسم بالاجتماع فى الجوامع للدعاء، فى يوم الجمعة سادس شهر رمضان، فنودى أن يجتمع الناس بالصّناجق الخليفتية والمصاحف، إلى قبّة النصر خارج القاهرة، فاجتمع الناس بعامّة جوامع مصر والقاهرة، وخرج المصريّون إلى مصلّى

خولان بالقرافة «1» ، واستمرّت قراءة البخارىّ بالجامع الأزهر وغيره عدّة أيام، والناس يدعون إلى الله تعالى ويقنتون فى صلواتهم. ثم خرجوا إلى قبة النصر وفيهم الأمير شيخون والوزير منجك اليوسفىّ والأمراء بملابسهم الفاخرة من الذهب وغيره، فى يوم الأحد «2» ثامن شهر رمضان. ومات فى ذلك اليوم الرجل الصالح سيّدى عبد الله «3» المنوفىّ، تغمده الله برحمتة، وأعاد علينا من بركاته، فصلّى عليه ذلك الجمع العظيم، وعاد الأمراء إلى سرياقوس وانفضّ الجمع، واشتد الوباء بعد ذلك حتى عجز الناس عن حصر «4» الموتى. فلما انقضى شهر رمضان حضر السلطان من سرياقوس، وحدث فى الناس فى شوّال نفث الدّم، فكان الإنسان يحسّ فى نفسه بحرارة ويجد غثيانا فيبصق دما ويموت عقيبه، ويتبعه أهل داره واحدا بعد واحد حتى يفنوا جميعا بعد ليلة

أو ليلتين، فلم يبق أحد إلا وغلب على ظنه أنه يموت بهذا الداء، واستعدّ الناس جميعا وأكثروا من الصّدقات، وتحاللوا وأقبلوا على العبادة، ولم يحتج أحد فى هذا الوباء إلى أشربة ولا أدوية ولا أطبّاء لسرعة الموت، فما انتصف شوّال إلا والطرقات والأسواق قد امتلأت بالأموات، فانتدب جماعة لمواراتهم وانقطع جماعة للصلاة عليهم، وخرج الأمر عن الحدّ، ووقع العجز عن العدد، وهلك أكثر أجناد الحلقة وخلت الطّباق بالقلعة من المماليك السلطانية لموتهم. فما أهلّ ذو القعدة إلا والقاهرة خالية مقفرة، لا يوجد بشوارعها مارّ، بحيث إنه يمرّ الإنسان من باب زويلة إلى باب النصر «1» فلا يرى من يزاحمه، لاشتغال الناس بالموتى، وعلت الأتربة على الطّرقات، وتنكّرت وجوه الناس، وامتلأت الأماكن بالصّياح، فلا تجد بيتا إلا وفيه صيحة، ولا تمرّ بشارع إلا وترى فيه عدّة أموات. وصلّى فى يوم الجمعة بعد الصلاة على الأموات بالجامع «2» الحاكمىّ فصفّت التوابيت اثنين اثنين من باب مقصورة الخطابة إلى باب الجامع، ووقف الإمام على العتبة والناس خلفه خارج الجامع. وخلت أزقّة كثيرة وحارات عديدة من الناس، وصار بحارة برجوان» اثنتان وأربعون دارا خالية، وبقيت الأزّتمة والدّروب المتعدّدة

جالية، وصار أمتعة أهلها لا تجد من يأخذها، وإذا ورث إنسان شيئا انتقل فى يوم واحد [عنه «1» ] لرابع وخامس. وحصرت عدّة من صلّى عليه بالمصلّيات التى خارج باب النصر وباب زويلة وباب المحروق وتحت القلعة، ومصلّى قتّال «2» السبع تجاه باب جامع قوصون «3» فى يومين فبلغت ثلاث عشرة ألفا وثمانمائة، سوى من مات فى الأسواق والأحكار، وخارج باب البحر «4» وعلى الدكاكين وفى الحسينية «5» وجامع ابن طولون «6» ، ومن يتأخر دفنه فى البيوت. ويقال: بلغت عدّة الأموات فى يوم واحد عشرين ألفا، وحصرت الجنائز بالقاهرة فقط فى مدّة شعبان ورمضان فكانت تسعمائة «7» ألف، سوى من مات

بالأحكار والحسينية والصّليبة وباقى الخطط خارج القاهرة وهم أضعاف ذلك، وعدّت النّعوش وكانت عدّتها ألفا وأربعمائة نعش، فحملت الأموات على الأقفاص ودراريب «1» الحوانيت، وصار يحمل الاثنان والثلاثة فى نعش واحد وعلى لوح واحد، وطلبت القرّاء على الأموات فأبطل كثير من الناس صناعاتهم «2» ، وانتدبوا للقراءة على «3» الجنائز، وعمل جماعة مدراء «4» وجماعة غسّالا وجماعة تصدّوا لحمل الأموات، فنالوا بذلك جملا مستكثرة، وصار المقرئ يأخذ عشرة دراهم، وإذا وصل إلى المصلّاة تركه وانصرف لآخر، ويأخذ الحمّال ستّة دراهم بعد الدّخلة [عليه «5» ] ، وصار الحفّار يأخذ أجرة حفر كلّ قبر خمسين درهما، فلم يمتّع اكثرهم بذلك وماتوا. ودخلت امرأة غاسلة لتغسّل امرأة فلمّا جرّدتها من ثيابها، ومرّت بيدها على موصع الكبّة صاحت الغاسلة وسقطت ميّتة، فوجدوا فى بعض أصابعها التى لمست بها الكبّة كبّة قدر الفولة، وصار الناس يبيتون بموتاهم فى التّرب لعجزهم عن تواريهم، وكان أهل البيت يموتون جميعا وهم عشرات، فلا يوجد لهم سوى نعش واحد ينقلون فيه شيئا بعد شىء، وأخذ كثير من الناس دورا وأموالا بغير استحقاق لموت مستحقيها فلم يتمّل «6» أكثرهم بما أخذ حتى مات بعدهم بسرعة، ومن عاش منهم استغنى [به «7» ] ، وأخذ كثير من العامة «8» إقطاعات حلقة.

وقام الأمير شيخون العمرىّ والأمير مغلطاى أمير آخور بتغسيل الأموات وتكفينهم ودفنهم. وبطل الأذان من عدّة مواضع، وبقى فى المواضع المشهورة يؤذّن مؤذّن واحد، وبطلت أكثر طبلخاناة الأمراء،؟؟؟ ار فى طبلخانة الأمير شيخون ثلاثة نفر بعد خمسة عشر نفرا. وغلّقت أكثر المساجد والزوايا. وقيل إنه ما ولد لأحد فى هذا الوباء إلا ومات الولد «1» بعد يوم أو يومين ولحقته أمّه. ثمّ شمل فى آخر السنة الوباء بلاد الصعيد بأسرها ولم يدخل الوباء أرض أسوان «2» ، ولم يمت به سوى أحد عشر إنسانا. ووجدت طيور كثيرة ميّتة فى الزروع ما بين غربان وحدأة وغيرها من سائر أصناف الطيور، فكانت إذا أنتفت وجد فيها أثر الكبة. وتواترت الأخبار من الغور «3» وبيسان وغير ذلك أنهم كانوا يجدون الأسود والذئاب وحمر الوحش، وغيرها من الوحوش ميّتة وفيها أثر الكبّة. وكان ابتداء الوباء أوّل «4» أيام التّخضير، فما جاء أوان الحصاد حتى فنوا الفلّاحون ولم يبق منهم إلا القليل، فخرج الأجناد بغلمانهم للحصاد ونادوا: من يحصد يأخذ نصف ما حصد، فلم يجدوا واحدا، ودرسوا غلالهم على خيولهم وذرّوها بأيديهم، وعجزوا عن غالب الزرع فتركوه، وكان الإقطاع الواحد يصير من واحد إلى واحد حتى إلى السابع والثامن، فأخذ إقطاعات الأجناد أرباب الصنائع من الخياطين والأساكفة، وركبوا الخيول ولبسوا الكلفتاه والقباء. وكثير من الناس لم يتناول فى هذه السنة من إقطاعه شيئا، فلمّا جاء النيل ووقع أوان التخضير

تعذر وجود الرجال فلم يخضّر إلا نصف الأراضى، ولم يوجد أحد ليشترى القرط «1» الأخضر ولا من يربط عليه خيوله، وترك ألف وخمسمائة فدان بناحية ناى «2» وطنان «3» ، وانكسرت البلاد التى بالضواحى وخربت. وخلت بلاد الصعيد مع اتساع أرضها، بحيث كانت مكلفة مساحة أرض أسيوط تشتمل على ستة آلاف نفر يؤخذ منها الخراج، فصارت فى سنة الوباء هذه تشتمل على مائة وستة عشر نفرا. ومع ذلك كان الرّخاء موجودا وانحطّ سعر القماش حتى أبيع بخمس ثمنه وأقلّ، ولم يوجد من يشتريه، وصارت كتب العلم ينادى عليها بالأحمال، فيباع الحمل منها بأرخص ثمن. وانحطّ قدر الذهب والفضة حتى صار الدينار بخمسة عشر درهما، بعد ما كان بعشرين. وعدمت جميع الصّناع «4» ، فلم يوجد سقاء ولا بابا «5» ولا غلام. وبلغت جامكيّة الغلام ثمانين درهما، عنها خمس «6» دنانير وثلث دينار، فنودى بالقاهرة: من كانت له صنعة فليرجع إلى صنعته، وضرب جماعة منهم، وبلغ ثمن راوية الماء ثمانية دراهم لقلّة الرجال والحمال، وبلغت أجرة طحن الإردب القمح دينارا «7» .

ويقال: إنّ هذا الوباء أقام يدور على أهل الأرض مدّة خمسة عشرة سنة. قلت: ورأيت أنا من رأى هذا الوباء، فكان يسمّونه الفصل الكبير، ويسمّونه أيضا بسنة الفناء، ويتحاكون عنه أضعاف ما حكيناه، يطول الشرح فى ذكره. وقد أكثر الناس من ذكر هذا الوباء فى أشعارهم فممّا قاله شاعر ذلك العصر الشيخ جمال الدين محمد بن نباتة: [الخفيف] سر بنا عن دمشق يا طالب العي ... ش فما فى المقام للمرء رغبه رخصت أنفس الخلائق بالطّا ... عون فيها فكلّ نفس بحبّه وقال الشيخ صلاح الدين الصّفدىّ وأكثر فى هذا المعنى على عادة إكثاره، فممّا قاله فى ذلك: [الوافر] رعى الرحمن دهرا قد تولّى ... يجازى بالسّلامة كلّ شرط وكان الناس فى غفلات أمر ... فجاطاعونهم من تحت إبط وقال أيضا: [الكامل] قد قلت للطّاعون وهو بغزّة ... قد جال «1» من قطيا إلى بيروت أخليت أرض الشام من سكّانها ... وأتيت «2» يا طاعون بالطاغوت وقال الشيخ بدر الدين حسن [بن عمر بن الحسن «3» ] بن حبيب فى المعنى من قصيدة أوّلها: [الخفيف]

إنّ هذا الطاعون يفتك فى العا ... لم فتك امرئ ظلوم حسود» ويطوف البلاد شرقا وغربا ... ويسوق الخلوق «2» نحو اللّحود ولابن الوردىّ «3» فى المعنى: [البسيط] قالوا فساد الهواء يردى ... فقلت يردى هوى الفساد كم سيّئات وكم خطايا ... نادى عليكم بها المنادى وقال أيضا: [الرّمل] حلب- والله يكفى ... شرّها- أرض مشقّه أصبحت حيّة سوء ... تقتل الناس ببزقه ولابن الوردىّ أيضا: [الرجز] إنّ الوبا قد غلبا ... وقد بدا فى حلبا قالوا له على الورى ... كاف ورا قلت وبا وقال أيضا: [الكامل] سكّان سيس يسرّهم ما ساءنا ... وكذا العوائد من عدوّ الدّين الله ينفذه إليهم عاجلا ... ليمزّق الطاغوت بالطاعون وقال الأديب جمال الدين «4» إبراهيم المعمار فى المعنى: [الرمل] قبح الطاعون داء ... فقدت فيه الأحبّه بيعت الأنفس فيه ... كلّ إنسان بحبّه

وله أيضا فى المعنى: [السريع] يا طالب الموت أفق وانتبه ... هذا أوان الموت ما فاتا قد رخص الموت على أهله ... ومات من لا عمره ماتا ثم أخذ الوباء يتناقص فى أوّل المحرّم من سنة خمسين وسبعمائة. ثم فى يوم الأربعاء تاسع «1» عشر من ربيع الأوّل، ورد الخبر بقتل الأمير سيف الدين أرغون شاه نائب الشام، وأمره غريب، وهو أنه لما كان نصف ليلة الخميس ثالث عشرينه وهو بالقصر «2» الأبلق بالميدان خارج مدينة دمشق ومعه عياله، وإذا بصوت قد وقع فى الناس بدخول العسكر، فثاروا بأجمعهم ودارت النّقباء على الأمراء بالركوب ليقفوا على مرسوم السلطان، فركبوا جميعا إلى سوق «3» الخيل تحت القلعة، فوجدوا الأمير ألجيبغا المظفّرى نائب طرابلس وإذا بالأمير أرغون شاه نائب الشام مكتّف بين مماليك الأمير إياس؛ وخبر ذلك أن ألجيبغا لما ركب من طرابلس سار حتى طرق دمشق على حين غفلة، وركب معه الأمير فخر الدين إياس السّلاح دار، وأحاط إياس بالقصر الأبلق وطرق بابه، وعلم الخدّام بأنه قد حدث أمر مهم فأيقظوا الأمير أرغون شاه، فقام من فرشه وخرج إليهم فقبضوا عليه، وقالوا له: حضر مرسوم السلطان بالقبض عليك، والعسكر واقف، فلم يجسر أحد أن يدفع عنه، وأخذه الأمير إياس وأتى به ألجيبغا فسلّم أمراء دمشق على ألجيبغا، وسألوه الخبر، فذكر لهم أن مرسوم السلطان ورد عليه بركوبه إلى دمشق بعسكر طرابلس، والقبض على أرغون شاه المذكور وقتله، والحوطة على

ماله وموجوده، وأخرج لهم كتاب السلطان بذلك، فأجابوا بالسمع والطاعة، وعادوا الى منازلهم ونزل ألجيبغا إلى الميدان، وأصبح يوم الخميس فأوقع الحوطة على موجود أرغون شاه وأصبح يوم الجمعة رابع عشرين ربيع «1» الأوّل أرغون شاه المذكور مذبوحا، فكتب ألجيبغا محضرا أنه وجده مذبوحا والسّكين فى يده، (يعنى أنه ذبح نفسه) فأنكر عليه كونه لمّا قبض أموال أرغون شاه، لم يرفعها إلى قلعة دمشق على العادة، واتّهموه فيما فعل، وركبوا جميعا لقتاله فى يوم الثلاثاء ثامن عشرينه فقاتلهم ألجيبغا المذكور وجرح الأمير مسعود بن خطير، وقطعت يد الأمير ألجيبغا العادلى أحد أمراء دمشق، وقد جاوز تسعين سنة، فعند ذلك ولّى ألجيبغا المظفّرى نائب طرابلس، ومعه خيول أرغون شاه وأمواله، وتوجّه إلى نحو المزّة «2» ومعه الأمير إياس نائب حلب كان، ومضى إلى طرابلس. وسبب هذه الواقعة أنّ إياسا لما عزل عن نيابة حلب وأخذت أمواله وسجن، ثم أفرج عنه واستقرّ فى جملة أمراء دمشق، وعدّوه أرغون شاه الذي كان سعى فى عزله عن نيابة حلب نائبها، فصار أرغون شاه يهينه ويخرق به، واتفق أيضا إخراج ألجيبغا من الديار المصرية إلى دمشق أميرا بها، فترفّع عليه أيضا أرغون شاه المذكور وأذلّه، فاتّفق ألجيبغا وإياس على مكيدة، فأخذ ألجيبغا فى السعى على خروجه من دمشق عند أمراء مصر، وبعث إلى الأمير بيبغا أرس نائب السلطنة بالديار المصرية، وإلى أخيه الأمير منجك الوزير هديّة سنيّة فولّاه نيابة طرابلس، وأقام بها الى أن كتب يعرّف السلطان والأمراء أنّ أكثر عسكر طرابلس مقيم بدمشق. وطلب أنّ نائب الشام يردّهم إلى طرابلس، فكتب له بذلك فشقّ على أرغون شاه

نائب الشام كون ألجيبغا لم يكتب إليه، وأرسل كاتب السلطان فى ذلك فكتب إلى ألجيبغا بالإنكار عليه فيما فعل، وأغلظ له فى القول، وحمل البريدىّ إليه مشافهة شنيعة، فقامت قيامة ألجيبغا لمّا سمعها، وفعل ما فعل، بعد أن أوسع الحيلة فى ذلك، فاتفق مع إياس فوافقه إياس أيضا، لما كان فى نفسه من أرغون شاه حتى وقع ما ذكرناه. وأما أمراء الديار المصرية فإنهم لما سمعوا بقتل الأمير أرغون شاه ارتاعوا، واتّهم بعضهم بعضا، فحلف كلّ من شيخون والنائب بيبغا أرس على البراءة من قتله، وكتبوا إلى ألجيبغا بأنّه قتل أرغون شاه بمرسوم من! وإعلامهم بمستنده فى ذلك، وكتب إلى أمراء دمشق بالفحص عن هذه الواقعة، وكان ألجيبغا وإياس قد وصلا إلى طرابلس، وخيّما بظاهرها، فقدم فى غد وصولهما كتب أمراء دمشق إلى أمراء طرابلس بالاحتراس على ألجيبغا حتى يرد مرسوم السلطان، فإنه فعل فعلته بغير مرسوم السلطان، ومشت حيلته علينا. ثم كتبوا إلى نائب حماة ونائب حلب وإلى العربان بمسك الطّرقات عليه، فركب عسكر طرابلس بالسلاح وأحاطوا به، ثم وافاهم كتاب السلطان بمسكه، وقد سار عن طرابلس وساروا خلفه إلى نهر الكلب «1» عند بيروت فوقف قدّامهم نهاره، ثم كر راجعا عليهم، فقاتله عسكر

طرابلس، حتى قبضوا عليه، وفرّ إياس، ووقعت الحوطة على مماليك ألجيبغا وأمواله، ومسك الذي كتب الكتاب بقتل أرغون شاه، فاعتذر أنه مكره، وأنه غيّر ألقاب أرغون شاه، وكتب أوصال الكتب مقلوبة حتى يعرف أنه زوّر، وحمل ألجيبغا المذكور مقيّدا إلى دمشق. ثم قبض نائب بعلبكّ على الأمير إياس، وقد حلق لحيته ورأسه، واختفى عند بعض النصارى، وبعث به إلى دمشق، فحبسا معا بقلعتها، وكتب بذلك إلى السلطان والأمراء، فندب الأمير قجا الساقى على البريد إلى دمشق بقتل ألجيبغا وإياس، فأخرجهما من حبس قلعة دمشق ووسّطهما بسوق الخيل بدمشق، وعلّق إياس على خشب وقدّامه ألجيبغا على خشبة أخرى، وذلك فى يوم الخميس حادى عشرين شهر ربيع الآخر. وكان عمر ألجيبغا المذكور يوم قتل نحو تسع عشرة سنة وهو ما طرّ شاربه. ثمّ كتب السلطان باستقرار الأمير أرقطاى نائب حلب، فى نيابة الشام عوضا عن أرغون شاه المذكور، واستقرّ الأمير قطليجا الحموىّ نائب حماة فى نيابة حلب عوضا عن أرقطاى، واستقرّ أمير مسعود بن خطير فى نيابة طرابلس عوضا عن ألجيبغا المظفّرى المقدّم ذكره. ثمّ قدم إلى مصر طلب أرغون شاه ومماليكه وأمواله وموجود ألجيبغا أيضا، فتصرّف الوزير منجك فى الجميع. وبعد مدّة يسيرة ورد الخبر أيضا بموت الأمير أرقطاى نائب دمشق، فكتب باستقرار قطليجا الحموىّ نائب حلب فى نيابة دمشق، وتوجّه الأمير ملكتمر «1» المحمدى بتقليده بنيابة الشام، وسار حتى وصل إليه فوجده قد أخرج طلبه إلى جهة دمشق وهو ملازم الفراش، فمات قطليجا أيضا بعد أسبوع، ولما وصل الخبر إلى مصر بموت قطليجا، أراد النائب بيبغا ارس والوزير منجك إحراج طاز لنيابة الشام،

والأمير مغلطاى أمير آخور إلى نيابة حلب، فلم يوافقاهما «1» على ذلك، وكادت الفتنة أن تقع، فخلع على الأمير أيتمش الناصرىّ بنيابة الشام، واستقرّ بعد مدّة الأمير أرغون الكاملىّ فى نيابة حلب. وفى محرّم سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، ابتدأت الوحشة بين الأمير مغلطاى أمير آخور وبين الوزير منجك اليوسفى، بسبب الفار الضامن، وقد شكا منه، فطلبه مغلطاى من الوزير وقد احتمى به، فلم يمكّنه منه. وكان منجك لما فرغ صهريجه «2» الذي عمّره تجاه القلعة عند باب الوزير، اشترى له من بيت المال ناحية بلقينة «3» بالغربية بخمسة وعشرين ألف دينار، وأنعم عليه بها، فوقفها منجك على صهريجه المذكور، فأخذ مغلطاى يعدّد لمنجك تصرّفه فى المملكة، وسكن الأمر فيما بينهما. ثم توجه السلطان إلى سرحة سرياقوس على العادة فى كل سنة وأنعم على الأمير قطلوبغا «4» الذهبىّ بإقطاع الأمير لاچين أمير آخور بعد موته، وأنعم بإمرته وتقدمته على الأمير عمر بن أرغون النائب. ثمّ استقرّ بكلمش أمير شكار فى نيابة طرابلس،

عوضا عن أمير مسعود بن خطير، وكتب بإحضار أمير مسعود إلى القاهرة. ثم عاد السلطان من سرحة سرياقوس، وكتب بعود أمير مسعود إلى دمشق بطّالا، حتى ينحلّ له ما يليق به، وخلع على الأمير فارس الدين ألبكى باستقراره فى نيابة غزّة بعد موت الأمير دلنجى، ودلنجى باللغة التركية هو المكدّى (وهو بكسر الدال المهملة وفتح اللام وسكون النون وكسر الجيم) . وفى هذه الأيام توجّه الأمير طاز إلى سرحة البحيرة، وأنعم السلطان عليه بعشرة آلاف اردبّ شعير وخمسين ألف درهم وناحية طمّوه «1» زيادة على إقطاعة. وفى خامس عشر شوّال خرج أمير حاجّ المحمل الأمير بزلار أمير سلاح. ثم خرج بعده طلب الأمير بيبغا أرس النائب بتجمّل زائد، وفيه مائة وخمسون مملوكا معدّة بالسلاح «2» . ثم خرج طلب الأمير طاز وفيه ستون فارسا، فرحل بيبغا أرس قبل طاز بيومين. ثمّ رحل طاز بعده. ثمّ رحل بزلار بالحاجّ ركبا ثالثا فى عشرين شوّال من بركة «3» الحاجّ. وفى يوم السبت رابع عشرينه عزل الأمير منجك اليوسفىّ عن الوزر، وقبض عليه، وكان الأمير شيخون خرج إلى العبّاسة؛ وسبب عزله أن السلطان بعد توجّه شيخون طلب القضاة والأمراء، فلما اجتمعوا بالخدمة، قال لهم: يا أمراء

هل لأحد علىّ ولاية حجر، أو أنا حاكم نفسى! فقال الجميع يا خوند: ما ثمّ أحد يحكم على «1» مولانا السلطان، وهو مالك رقابنا، فقال: إذا قلت لكم شيئا ترجعوا إليه؛ قالوا جميعهم: نحن تحت طاعة السلطان «2» وممتثلون ما يرسم به، فالتفت إلى الحاجب وقال له: خذ سيف هذا، وأشار إلى منجك الوزير، فأخذ سيفه وأخرج وقيّد، ونزلت الحوطة على أمواله مع الأمير كشلى «3» السلاح دار، فوجد له خمسون حمل زردخاناه، ولم يوجد له كبير مال، فرسم بعقوبته، ثمّ أخرج إلى الإسكندرية فسجن بها، وساعة القبض عليه رسم بإحضار الأمير شيخون من العباسة وإعلامه بمسك منجك الوزير، فقام الأمير مغلطاى أمير آخور والأمير منكلى بغا فى منعه من الحضور، وما زالا يخيّلان السلطان منه حتى كتب له مرسوم بنيابة طرابلس، على يد طينال الجاشنكير، فتوجّه إليه فلقبه قريب بلبيس، وقد عاد صحبة الجمدار الذي توجه بإحضاره من عند السلطان، وأوقفه على المرسوم فأجاب بالسمع والطاعة، وبعث يسأل فى الإقامة بدمشق، فكتب له بخبز الأمير تلك بدمشق، وحضور تلك إلى مصر فتوجّه شيخون إليها. ثمّ قبض السلطان على الأمير عمر شاه «4» الحاجب واخرج إلى الإسكندرية، واستقرّ الأمير طنيرق رأس نوبة كبيرا عوضا عن شيخون. ثمّ قبض على حواشى منجك وعلى عبده عنبر البابا وصودر، وكان عنبر قد أفحش فى سيرته مع الناس، فى قطع المصانعات، وترفّع على الناس ترفّعا زائدا، فضرب ضربا مبرحا: ثمّ

ضرب بكتمر شادّ الأهراء فاعترف للوزير منجك باثنى عشر ألف اردبّ غلّة، اشتراها من أرباب الرواتب. وفى مستهلّ ذى القعدة قبض على ناظر الدولة والمستوفين، وألزموا بخمسمائة ألف دينار، فترفّق فى أمرهم الأمير طنيرق، حتى استقرّت خمسمائة ألف درهم «1» ، ووزّعها الموفّق ناظر الدولة على جميع الكتّاب، والتزم علم الدين عبد الله بن زنبور ناظر الخاصّ والجيش بتكفية جميع الأمراء المقدّمين بالخلع من ماله، وقيمتها خمسمائة ألف درهم، وفصّلها وعرضها على السلطان، فركبوا الأمراء بها الموكب، وقبّلوا الأرض وكان موكبا جليلا. وفى يوم السبت ثامن ذى القعدة خلع السلطان على الأمير بيبغا ططر حارس طير، واستقرّ فى السلطنة بالديار المصرية عوضا عن بيبغا أرس المتوجّه إلى الحجاز، بعد أن عرضت النيابة على أكابر الأمراء فلم يقبلها أحد، وتمنّع بيبغا ططر أيضا منها تمنّعا كبيرا، ثم قبلها. واستقرّ الأمير مغلطاى أمير آخور رأس نوبة كبيرا، عوضا عن طنيرق، الذي كان وليها عن شيخون، وأطلق له التحدّث فى أمر الدولة كلّها عوضا عن الأمير شيخون، مضافا لما بيده من الأميرا خورية «2» . واستقرّ الأمير منكلى بغا الفخرى رأس مشورة وأتابك العساكر، وأنعم على ولده بإمرة، ودقّت الكوسات وطبلخانات الأمراء بأجمعها، وزيّنت القاهرة ومصر، فى يوم الأحد تاسع ذى القعدة واستمرّت ثمانية أيام.

وأما شيخون فإنه لما وصل إلى دمشق، قدم بعده الأمير أرغون التاجى بإمساكه، فقبض عليه وقيّد وأخرج من دمشق فى البحر وتوجه إلى الطّينة «1» ، ثم أوصله إلى الإسكندرية فسجن بها. وخلع على طشبغا الدّوادار على عادته دوادارا، وتصالح هو والقاضى علاء الدين ابن فضل الله كاتب السرّ، فإنه كان نفى بسببه حسب ما تقدّم ذكره، وأرسل كلّ منهما إلى صاحبه هديّة. وكان السلطان لمّا أمسك منجك، كتب إلى الأمير طاز وإلى الأمير بزلار على يد قردم، وأخبرهما بما وقع، وأنهما يحترسان على النائب بيبغا أرس، وقد نزل سطح العقبة «2» ، فلمّا قرأ بيبغا الكتاب وجم وقال: كلّنا مماليك السلطان. وخلع عليه، وكتب أنه ماض لقضاء الحج. ثم إنّ السلطان عزل الأمير صرغتمش والأمير عليّا من وظيفتى الجمدارية، وكانا من جملة حاشية شيخون، ورسم لصرغتمش أن يدخل الخدمة مع الأمراء، ثم أخرج أمير على إلى الشام، وأخرج صرغتمش لكشف الجسور بالوجه القبلى، وألزم أستادار بيبغا أرس بكتب حواصل بيبغا، وندب السلطان الأمير آقجبا الحموى لبيع حواصل منجك، وأخذت جوارى بيبغا أرس ومماليكه وجوارى منجك

ومماليكه، الى القلعة، فطلع لمنجك خمسة وسبعون مملوكا صغارا، وطلع لبيبغا أرس خمس وأربعون جارية، فلما وصلن تجاه دار النيابة، صحن صيحة واحدة وبكين، فأبكين من كان هناك. ثم قدم الخبر على السلطان بأنّ الأمير أحمد الساقى نائب صفد، خرج عن طاعة السلطان، وسببه أنه لما قبض على منجك، خرج الأمير قمارى الحموىّ وعلى يده ملطّفات لأمراء صفد بالقبض عليه، فبلغه ذلك من هجّان جهزه له أخوه، فندب طائفة من مماليكه لتلقّى قمارى، وطلب نائب قلعة صفد وديوانه، وأمره أن يقرأ عليه: كم له بالقلعة من الغلة، فأمر لمماليكه منها بشىء فرّقه عليهم إعانة لهم على ما حصل من المحل فى البلاد، وبعثهم ليأخذوا ذلك، فعند ما طلعوا القلعة شهروا سيوفهم وملكوها من نائب قلعة صفد، وقبضوا على عدّة من الأمراء، وطلع بحريمه الى القلعة وحصّنها، وأخذ مماليكه قمارى وأتوا به، فأخذ ما معه من الملطّفات وحبسه. فلما بلغ السلطان ذلك كتب إلى نائب غزّة ونائب الشام بتجريد العسكر إليه. هذا والأراجيف كثيرة، بأنّ طاز تحالف هو وبيبغا أرس بعقبة أيلة فخرج الأمير فيّاض «1» والأمير عيسى بن حسن أمير العائذ، فتفرّقا على عقبة أيلة بسبب بيبغا أرس، وكتب لعرب شطّى «2» وبنى عقبة وبنى «3» مهدى، بالقيام مع الأمير فضل «4» ، وكتب لنائب غزّة فأرسل السوقة الى العقبة. ثم خلع «5» السلطان على الأمير شهاب الدين أحمد بن قزمان «6» بنيابة الإسكندرية عوضا عن بكتمر المؤمنى.

ثم فى يوم الأربعاء سادس عشرين ذى القعدة قدم سيف الأمير بيبغا أرس، وقد قبض عليه، وسبب ذلك، أنه لمّا ورد عليه كتاب السلطان بمسك أخيه منجك، اشتدّ خوفه وطلع الى العقبة ونزل الى المنزلة «1» ، فبلغه أنّ الأمير طاز والأمير بزلار ركبا للقبض عليه، فركب بيبغا أرس بمن معه من الأمراء والمماليك بآلة الحرب، فقام الأمير عز الدين أزدمر الكاشف بملاطفته، وأشار عليه ألا يعجّل ويكشف الخبر،

فبعث نجّابا فى الليل لذلك، فعاد وأخبر أنّ الأمير طاز مقيم بركبه، وأنه سار بهم وليس فيهم أحد ملبس «1» ، فقلع بيبغا السلاح هو ومن معه، وتلقّى طاز وسأله عما تخوّف منه، فأوقفه على كتاب السلطان إليه، فلم ير فيه ما يكره. ثم رحل كلّ منهما بركبه من العقبة، وأنت الأخبار للأمراء بمصر باتفاق طاز وبيبغا أرس فكتب السلطان للأمير طاز وللأمير بزلار عند ذلك القبض على بيبغا أرس قبل دخوله مكة، وتوجه إليهما بذلك طيلان «2» الجاشنكير، وقد رسم [له «3» ] أن يتوجه بيبغا الى الكرك، فلما قدم طيلان على طاز وبزلار، ركبا الى أزدمر الكاشف فأعلماه بما رسم به إليهما من مسك بيبغا أرس ووكّدا عليه فى استمالة الأمير فاضل «4» ، والأمير محمد بن بكتمر الحاجب، وبقية من مع بيبغا أرس، فأخذ أزدمر فى ذلك. ثم كتب لبيبغا أرس أن يتأخر حتى يسمع مرسوم السلطان، [و «5» ] حتى يكون دخولهم لمكة جميعا، فأحسّ بيبغا بالشرّ، وهمّ أن يتوجه إلى الشام، فما زال أزدمر الكاشف به حتى رجّعه عن ذلك. وعند نزول بيبغا أرس إلى منزلة المويلحة «6» ، قدم طاز وبزلار فتلقاهما «7» ، وأسلم نفسه من غير ممانعة فأخذا سيفه، وأرادا تسليمه لطينال حتى يحمله إلى الكرك، فرغب إلى طاز أن يحج معه، فأخذه طاز محتفظا به، وكتب طاز بذلك إلى السلطان، فتوهّم مغلطاى والسلطان أنّ طاز وبزلار قد مالا إلى بيبغا أرس وتشوّشا تشويشا زائدا، ثم أكّد ذلك ورود الخبر بعصيان أحمد

الساقى نائب صفد، وظنّوا أنه مباطن لبيبغا أرس، وأخرج طينال ليقيم بالصفراء «1» حتى يرد الحاجّ إليها، فيمضى بيبغا أرس إلى الكرك. ثم فى يوم الخميس سابع عشرين ذى القعدة خلع على الأمير علم الدين عبد الله ابن زنبور خلعة الوزارة، مضافا لما بيده من نظر الخاصّ ونظر الجيش بعد ما امتنع وشرط شروطا كثيرة. وفيه أيضا خلع السلطان على الأمير طنيرق باستقراره فى نيابة حماة، عوضا عن أسندمر العمرىّ. ثمّ كتب القاضى علاء الدين بن فضل الله كاتب السرّ تقليد ابن زنبور الوزير، ونعته فيه بالجناب العالى. وكان جمال الكفاة سعى أن يكتب له ذلك، فلم يرض كاتب السرّ، وشحّ عليه بذلك، فخرج الوزير وتلقّى كاتب السرّ، وبالغ فى إكرامه، وبعث إليه بتقدمة سنية. ثمّ قدّم الخبر على السلطان بنزول عسكر الشام على محاصرة أحمد نائب صفد، وزحفهم على قلعة صفد عدّة أيام، جرح فيها كثير من الناس والأجناد، ولم ينالوا من القلعة غرضا، إلى أن بلغهم القبض على بيبغا أرس، وعلم أحمد بذلك وانحلّ عزمه، فبعث إليه الأمير بكلمش نائب طرابلس يرغّبه فى الطاعة، ودسّ على من معه بالقلعة، حتى خامروا عليه وهمّوا بمسكه، فوافق على الطاعة، وحلف له نائب طرابلس، فنزل إليه بمن معه، فسرّ السلطان بذلك، وكتب بإهانته وحمله إلى السجن.

وفى عاشر ذى الحجة كانت الواقعة بمنى، وقبض على الملك المجاهد صاحب اليمن، واسمه علىّ بن داود ابن المظفر يوسف ابن المنصور عمر بن علىّ بن رسول، وكان من خبره أنّ ثقبة لمّا بلغه استقرار أخيه عجلان عوضه فى إمرة مكة، توجه إلى اليمن، وأغرى صاحب اليمن بأخذ مكة وكسوة الكعبة، فتجهّز الملك المجاهد صاحب اليمن، وسار يريد الحج فى حفل كبير بأولاده وأمّه، حتى قرب من مكة وقد سبقه حاجّ مصر، فلبس عجلان آلة الحرب، وعرّف أمراء مصر ما عزم عليه صاحب اليمن، وحذّرهم غائلته، فبعثوا إليه بأنّ من يريد الحج إنما يدخل مكة بذلّة ومسكنة، وقد ابتدعت من ركوبك بالسلاح بدعة، لا تمكّنك أن تدخل بها، وابعث إلينا ثقبة ليكون عندنا، حتى تنقضى أيام الحج فنرسله إليك، فأجاب لذلك، وبعث ثقبة رهينة، فأكرمه الأمراء. وركبوا الأمراء «1» فى جماعة إلى لقاء الملك المجاهد، فتوجهوا إليه ومنعوا سلاح داريّته بالمشى معه بالسلاح، ولم يمكّنوه من حمل الغاشية، ودخلوا به مكة فطاف وسعى، وسلّم على الأمراء واعتذر إليهم، ومضى إلى منزله، وصار كلّ منهم على حذر حتى وقفوا بعرفة، وعادوا إلى الخيف من منى، وقد تقرّر الحال بين الأمير ثقبة وبين الملك المجاهد على أنّ الأمير طاز إذا سار من مكة أوقعا بأمير الحاج ومن معه، وقبضا على عجلان، وتسلّم ثقبة مكة. فاتفق أن الأمير بزلار رأى وقد عاد من مكة إلى منى خادم الملك المجاهد سائرا، فبعث يستدعيه فلم يأته، وضرب مملوكه، بعد مفاوضة جرت بينهما وجرحه فى كتفه، فماج الحاجّ، وركب الأمير بزلار وقت الظهر إلى الأمير طاز، فلم يصل إليه حتى أقبلت الناس جافلة، تخبر بركوب الملك المجاهد بعسكره للحرب،

وظهرت لوامع أسلحتهم، فركب طاز وبزلار وأكثر العسكر المصرى بمكة، فكان أوّل من صدم أهل اليمن بزلار وهو فى ثلاثين فارسا، فأخذوه فى صدرهم إلى أن أرموه قريب خيمته، ومضت فرقة إلى جهة طاز فأوسع لهم طاز، ثمّ عاد عليهم. وركب الشريف عجلان والناس، فبعث الأمير طاز لعجلان: أن احفظ الحاجّ ولا تدخل بيننا فى حرب، ودعنا مع غريمنا. واستمرّ القتال بينهم إلى بعد العصر، فركب أهل اليمن مع كثرة عددهم واستعدادهم الذّلّة، والتجأ الملك المجاهد إلى دهليزه، وقد أحاط به العسكر وقطعوا أطنابه وألقوه إلى الأرض، فمرّ الملك المجاهد على وجهه منهزما، ومعه أولاده، فلم يجد طريقا، فسلّم المجاهد ولديه لبعض الأعراب، وعاد بمن معه من عسكره، وهم فى أقبح حال، يصيحون الأمان يا مسلمون! فأخذوا وزيره، وتمزّقت عساكره فى تلك الجبال، وقتل منهم خلق كثير، ونهبت أموالهم وخيولهم عن آخرها، وانفصل الحال عند غروب الشمس، وفرّ ثقبة بعبيده وعربه، فأخذ عبيد عجلان جماعة من الحاج فيما بين مكّة ومنى، وقتلوا جماعة. قلت: هذا شأن عرب مكة وعبيدها، وهذه فروسيتّهم لا فى لقاء العدوّ، وكان حقّهم يوم ذاك خفر الحاجّ، كون التّرك قاموا عنهم بدفع عدوّهم، وإلا كان المجاهد يستولى عليهم، وعلى أموالهم وذراريهم فى أسرع وقت. انتهى. ولما أراد طاز الرحيل من منى، سلّم أمراء «1» المجاهد وحريمه إلى الشريف عجلان، وأوصاه بهم، وركب الأمير طاز ومعه المجاهد محتفظا به، وبالغ فى إكرامه يريد الديار المصرية، وصحب معه أيضا الأمير بيبغا أرس مقيّدا، وبعث

بالأمير طقطاى إلى السلطان يبشّره بما وقع، ولمّا قدم الأمير طاز إلى المدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة والرحمة، قبض بها على الشريف طفيل. وأما الديار المصرية، فإنه فى يوم الجمعة خامس المحرّم من سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، قدم الأمير أرغون الكاملىّ نائب حلب إلى الديار المصرية بغير إذن، فخلع عليه وأنزل بالقلعة؛ وسبب حضوره أنه أشيع عنه بحلب القبض عليه، ثمّ أشيع فى مصر أنه خامر، فكره تمكّن موسى حاجب حلب منه، لما كان بينهما من العداوة. ورأى وقوع المكروه به فى غير حلب أخفّ عليه، فلما قدم مصر فرح السلطان به، لما كان عنده من إشاعة عصيانه. ثم قدم الخبر على السلطان، بأنّ طيلان تسلّم بيبغا أرس من الأمير طاز، وتوجّه به إلى الكرك من بدر، فسرّ السلطان أيضا بذلك. ثمّ فى يوم السبت عشرين المحرّم قدم الأمير طاز بمن معه من الحجاز، وصحبته الملك المجاهد، والشريف طفيل «1» أمير المدينة، فخرج الأمير مغلطاى إلى لقائه إلى البركة، ومعه الأمراء، ومدّ له سماطا جليلا، وقبض على من كان معه من الأمراء من أصحاب بيبغا أرس وقيّدهم وهم: الأمير فاصل أخو بيبغا أرس، وناصر الدين محمد بن بكتمر الحاجب. وأما الأمير أزدمر الكاشف فإنه أخرج السلطان إقطاعه ولزم داره. ثمّ فى يوم الاثنين ثانى عشرينه طلع الأمير طاز بالملك المجاهد إلى نحو القلعة، حتى وصل إلى باب القلّة قيّده، ومشى الملك المجاهد بقيده حتى وقف- عند العمود بالدّركاه تجاه الإيوان، والأمراء جلوس- وقوفا طويلا. إلى أن خرج أمير جاندار

يطلب الأمراء على العادة، فدخل المجاهد على تلك الهيئة معهم، وخلع السلطان على الأمير طاز، ثمّ تقدّم الملك المجاهد وقبّل الأرض ثلاث مرات، وطلب السلطان الأمير طاز وسأل عنه، فما زال طاز يشفع فى المجاهد، إلى أن أمر السلطان بقيده ففكّ عنه، وأنزل بالأشرفية من القلعة عند الأمير مغلطاى، وأجرى له الرواتب السنية، واقيم له من يخدمه، ثم أنعم السلطان على الأمير طاز بمائتى ألف درهم. ثم خلع السلطان أيضا على الأمير أرغون الكاملىّ باستمراره على نيابة حلب، ورسم أن يكون موسى حاجب حلب فى نيابة قلعة الروم. وفى يوم تاسع عشرين المحرّم حضر الملك المجاهد الخدمة، وأجلس تحت الأمراء، بعد أن ألزم بحمل أربعمائة ألف دينار يقترضه من تجّار الكارم، حتى ينعم له السلطان بالسفر إلى بلاده. ثم أحضر الأمير أحمد الساقى نائب صفد مقيّدا إلى بين يدى السلطان، فأرسل إلى سجن الاسكندرية. ثمّ فى آخر المحرّم خلع السلطان على الأمراء المقدّمين، وعلى الملك المجاهد صاحب اليمن بالإيوان، وقبّل المجاهد الأرض غير مرة، وكان الأمير طاز والأمير مغلطاى تلطّفا فى أمره، حتى أعفى من أجل المال، وقرّبه السلطان، ووعده بالسفر إلى بلاده مكرّما، فقبّل الأرض وسرّ بذلك، وأذن له أن ينزل من القلعة إلى إسطبل الأمير مغلطاى ويتجهز للسّفر، وأفرج عن وزيره وخادمه وحواشيه، وأنعم عليه بمال، وبعث له الأمراء مالا جزيلا، وشرع فى القرض من [تجار «1» ] الكارم اليمن ومصر، فبعثوا له عدّة هدايا، وصار يركب حيث يشاء.

ثمّ فى يوم الخميس ثانى صفر، ركب الملك المجاهد فى الموكب بسوق الخيل تحت القلعة، وطلع مع النائب بيبغا ططر إلى القلعة، ودخل الى الخدمة السلطانية بالإيوان مع الأمراء والنائب، وكان موكبا عظيما، ركب فيه جماعة من أجناد الحلقة مع مقدّميهم، وخلع على المقدّمين وطلعوا إلى القلعة، واستمرّ المجاهد يركب فى الخدم مع النائب بسوق الخيل، ويطلع إلى القلعة ويحضر الخدمة. ثمّ خلع السلطان على الأمير صرغتمش، واستقرّ رأس نوبة على ما كان عليه أوّلا، بعناية الأمير طاز والأمير مغلطاى. وفى يوم السبت ثامن عشر من صفر برز المجاهد صاحب اليمن بثقله من القاهرة إلى الرّيدانية متوجّها إلى بلاده، وصحبته الأمير قشتمر شادّ الدواوين، وكتب للشريف عجّلان أمير مكة بتجهيزه إلى بلاده، وكتب لبنى شعبة وغيرهم من العربان بالقيام فى خدمته، وخلع عليه، وقرّر المجاهد على نفسه مالا «1» يحمله فى كلّ سنة، وأسرّ السلطان إلى قشتمر، إن رأى منه ما يريبه يمنعه من السفر، ويطالع السلطان فى أمره، فرحل المجاهد من الريدانية فى يوم الخميس ثالث عشرينه، ومعه عدّة مماليك اشتراها وكثير من الخيل والجمال. ثمّ فى أوائل جمادى الآخرة توعّك السلطان ولزم الفراش أياما، فبلغ طاز ومنكلى بغا ومغلطاى أنه أراد بإظهار توعّكه القبض عليهم إذا دخلوا عليه، وكان قد اتفق مع قشتمر وألطنبغا الزامر وملكتمر الماردينى وتنكزبغا على ذلك، وأنه ينعم عليهم بإقطاعاتهم وإمرياتهم، فواعدوا الأمراء أصحابهم، واتفقوا مع الأمير بيبغا ططر النائب والأمير طيبغا المجدىّ والأمير رسلان بصل، وركبوا يوم الأحد

سابع عشرين جمادى الآخرة بأطلابهم، ووقفوا عند قبّة النصر خارج القاهرة، فخرج السلطان إلى القصر، وبعث يسألهم عن سبب ركوبهم، فقالوا: أنت اتّفقت مع مماليكك على مسكنا، ولا بدّ من إرسالهم إلينا، فبعث تنكزبغا وقشتمر «1» وألطنبغا الزامر وملكتمر، فعندما وصلوا إليهم قيّدوهم وبعثوهم إلى خزانة شمائل، فسجنوا بها، فشقّ ذلك على السلطان، وبكى وقال: قد نزلت عن السلطنة، وسيّر إليهم النّمجاة «2» ؛ فسلموها للأمير طيبغا المجدىّ. وقام السلطان حسن إلى حريمه، فبعثوا الأمراء الأمير صرغتمش ومعه الأمير قطلوبغا الذّهبىّ، ومعهم جماعة ليأخذوه ويحبسوه، فطلعوا إلى القلعة راكبين إلى باب القصر «3» الأبلق، ودخلوا إلى الملك الناصر حسن، وأخذوه من بين حرمه، فصرخ النساء صراخا عظيما، وصاحت الستّ حدق «4» على صرغتمش صياحا منكرا، وقالت له: هذا جزاؤه منك. وسبّته سبّا فاحشا، فلم يلتفت صرغتمش إلى كلامها، وأخرجه وقد غطّى وجهه إلى الرّحبة، فلما رآه لخدّام والمماليك تباكوا عليه بكاء كثيرا، وطلع به إلى رواق فوق الإيوان، ووكّل به من يحفظه، وعاد إلى الأمراء، فاتّفق الأمراء على خلعه من السلطنة، وسلطنة أخيه الملك الصالح صالح بن محمد بن قلاوون وتسلطن حسب ما يأتى ذكره. ولمّا تسلطن الملك الصالح صالح، نقل أخاه الملك الناصر حسنا هذا إلى حيث كان هو ساكنا، ورتّب فى خدمته جماعة، وأجرى عليه من الرواتب ما يكفيه. ثم طلب الملك الصالح أخاه حسنا، ووعده أيضا بزيادة على إقطاعه، وزاد راتبه. وزالت دولة الملك الناصر حسن.

فكانت مدّة سلطنته هذه الأولى ثلاث سنين وتسعة أشهر وأربعة عشر يوما، منها مدّة الحجر عليه ثلاث سنين، ومدّة استبداده بالأمر نحو تسعة أشهر وأربعة عشر يوما، وكان القائم بدولته فى أيام الحجر عليه الأمير شيخون العمرىّ رأس نوبة النّوب، وإليه كان أمر خزانة الخاصّ، ومرجعه لعلم الدين ابن زنبور ناظر الخاصّ. وكان الأمير منجك اليوسفىّ الوزير والأستادار ومقدّم المماليك، إليه التصرّف فى [أموال «1» ] الدولة. والأمير بيبغا أرس نائب السلطنة وإليه حكم العسكر وتدبيره، والحكم بين الناس. وكان المتولّى لتربية السلطان حسن خوند طغاى زوجة أبيه، ربّته وتبنّت به. وكانت الستّ حدق الناصريّة دادته. وكان الأمراء المذكورون رتّبوا له فى أيام سلطنته، فى كلّ يوم مائة درهم، يأخذها خادمه من خزانة الخاصّ، وليس ينوبه سواها، وذلك خارج عن سماطه وكلفة حريمه، فكان ما ينعم به السلطان حسن فى أيام سلطنته ويتصدّق به من هذه المائة درهما لا غير، إلى أن ضجر من الحجر، وسافر النائب بيبغا أرس والأمير طاز إلى الحجاز، وخرج شيخون، إلى العبّاسة «2» للصيد، واتفق السلطان حسن مع مغلطاى الأمير آخور وغيره على ترشيده، فترشّد حسب ما ذكرناه. واستبدّ بالدار المصرية. ثم قبض على منجك وشيخون وبيبعا أرس، إلى أن كان من أمره ما كان، على أنه سار فى سلطنته بعد استبداده بالأمور مع الأمراء أحسن سيرة، فإنه اختصّ بالأمير طاز بعد حضوره من الحجاز، وبالغ فى الإنعام عليه. وكانت أيّامه شديدة، كثرت فيها المغارم، بما أحدثه الوزير «3» منجك بالنواحى، وخربت عدّة أملاك على النيل، واحترقت مواضع كثيرة بالقاهرة ومصر، وخرجت

ما وقع من الحوادث سنة 749

عربان العائذ وثعلبة وعرب الشام «1» وعرب الصعيد عن الطاعة، واشتدّ فسادهم لاختلاف كلمة مدبّرى المملكة. وكان فى أيامه الفناء العظيم المقدّم ذكره، الذي لم يعهد فى الإسلام مثله. وتوالى فى أيامه شراقى البلاد وتلاف «2» الجسور، وقيام ابن واصل الأحدب ببلاد الصعيد، فاختلّت أرض مصر وبلاد الشام بسبب ذلك خللا فاحشا، كل ذلك من اضطراب المملكة واختلاف الكلمة، وظلم الأمير منجك وعسفه. وأمّا الملك الناصر حسن المذكور كان فى نفسه مفرط الذكاء عاقلا، وفيه رفق بالرعيّة، ضابطا لما يدخل إليه وما يصرّفه كلّ يوم، متديّنا شهما، لو وجد ناصرا أو معينا، لكان أجلّ الملوك، يأتى بيان ذلك فى سلطنته الثانية، إن شاء الله تعالى. وأما سلطنته هذه المرّة فلم يكن له من السلطنة إلا مجرّد الاسم فقط، وذلك لصغر سنه وعدم من يؤيّده. انتهى. *** [ما وقع من الحوادث سنة 749] السنة الأولى من سلطنة الملك الناصر حسن ابن الملك الناصر محمد ابن قلاوون الأولى على مصر وهى سنة تسع وأربعين وسبعمائة، على أنه حكم من الخالية من رابع عشر شهر رمضان. فيها أعنى (سنة تسع وأربعين) كان الوباء العظيم المقدّم ذكره فى هذه الترجمه، وعمّ الدنيا حتى دخل إلى مكّة المشرّفة، ثم عمّ شرق الأرض وغربها، فمات بهذا الطاعون بمصر والشام وغيرهما خلائق لا تحصى.

فممّن مات فيه من الأعيان الشيخ المحدّث برهان الدين إبراهيم بن لاچين بن عبد الله الرشيدىّ الشافعىّ فى يوم الثلاثاء تاسع «1» عشرين شوّال. ومولده فى سنة ثلاث وسبعين وستمائة. وكان أخذ القراءات عن التقىّ الصائغ «2» ، وسمع من الأبرقوهىّ «3» وأخذ الفقه عن العلم «4» العراقىّ، وبرع فى الفقه والأصول والنحو وغيره، ودرّس وأقرأ وخطب بجامع «5» أمير حسين خارج القاهرة سنين. وتوفّى الشيخ الأديب شهاب الدين أبو العباس أحمد بن مسعد بن أحمد بن ممدود السّنهورىّ المادح الضرير. وكانت له قدرة زائدة على النظم؛ ومدح النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعدّة قصائد. وشعره كثير إلى الغاية، لا سيما قصائده النبوية وهى مشهورة فى حفظ المدّاح «6» . وتوفّى القاضى الإمام البارع الكاتب المؤرّخ المفتنّ شهاب الدين أبو العباس أحمد ابن القاضى محيى الدين يحيى بن فضل الله بن المجلّى بن دعجان القرشىّ العدوىّ العمرىّ الدّمشقى الشافعىّ فى تاسع ذى الحجة بدمشق. ومولده فى ثالث شوّال سنة سبعمائة «7» . وكان إماما بارعا وكاتبا فقيها نظم كثيرا من القصائد والأراجيز

والمقطّعات، ودو بيت. وأنشأ كثيرا من التقاليد والمناشير والتواقيع، وكتب فى الإنشاء لمّا ولى والده كتابة سرّ دمشق، ثمّ لمّا ولى والده كتابة السرّ بمصر أيضا، صار ولده أحمد هذا هو الذي يقرأ البريد على الملك الناصر محمد بن قلاوون، وينفّذ المهمّات واستمرّ كذلك فى ولاية والده الأولى والثانية، حتى تغيّر السلطان عليه وصرفه فى سنة ثمان وثلاثين، وأقام أخاه علاء الدين عليّا، وكلاهما كانا يكتبان بحضرة والدهما ووجوده، نيابة عنه لكبر سنّه؛ وتوجه شهاب الدين إلى دمشق، حتى مات بها فى التاريخ المذكور. وكان بارعا فى فنون، وله مصنّفات كثيرة، منها تاريخه: «مسالك الأبصار «1» ، فى ممالك الأمصار» فى أكثر من عشرين مجلدا. وكتاب «فواصل «2» السّمر، فى فضائل آل عمر» فى أربع مجلدات. «والدعوة المستجابة» ، «وصبابة المشتاق» فى مجلّد، فى مدح النّبىّ صلّى الله وسلم و [دمعة «3» الباكى] «ويقظة السّاهى «4» » و «نفحة الرّوض» . قال الشيخ صلاح الدين خليل الصّفدىّ: وأنشدنى القاضى شهاب الدين ابن فضل الله لنفسه، ونحن على العاصى هذين البيتين: [البسيط] لقد نزلنا على العاصى بمنزلة ... زانت محاسن شطّيه حدائقها تبكى نواعيرها العبرى بأدمعها ... لكونه بعد لقياها يفارقها قال: فأنشدته لنفسى: [الطويل] وناعورة فى جانب النّهر قد غدت ... تعبّر عن شوق الشّجىّ وتعرب فيرقص عطف الغصن تيها لأنّها ... تغنّى «5» له طول الزمان ويشرب

وتوفّى الأمير سيف الدين أطلمش «1» الجمدار؛ كان أوّلا من أمراء مصر، ثم حجوبية دمشق إلى أن مات، وكان مشكور السّيرة. وتوفّى الأمير سيف الدين بلك بن عبد الله المظفّرىّ الجمدار، أحد أمراء الألوف بالديار المصرية فى يوم الخميس رابع عشرين شوّال. وكان من أعيان الأمراء، وقد تقدّم ذكره فيما مرّ. وتوفّى الأمير سيف الدين برلغى بن عبد الله الصغير، قريب السلطان الملك الناصر «2» محمد بن قلاوون، قدم إلى القاهرة صحبة القازانيّة سنة أربع وسبعمائة، فأنعم عليه الملك الناصر بإمرة بديار مصر، وتزوّج بابنة الأمير بيبرس الجاشنكير قبل سلطنته، وعمل له مهمّا عظيما، أشعل فيه ثلاثة آلاف شمعة، ثم قبض عليه الملك الناصر بعد زوال دولة الملك المظفّر، وامتحن بسبب صهره، وحبسه الملك الناصر عشرين «3» سنة، ثمّ أفرج عنه وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة الف، فدام على ذلك إلى أن مات. وبرلغى هذا يلتبس ببرلغى الأشرفى، كلاهما كان عضدا للملك المظفّر بيبرس الجاشنكير وكانا فى عصر واحد.

وتوفّى الأمير سيف الدين بلبان بن عبد الله الحسينىّ «1» المنصورىّ أمير جاندار، وقد أناف على ثمانين سنة، فإنه كان من مماليك الملك المنصور قلاوون. وتوفى الأمير سيف الدين بكتوت بن عبد الله القرمانىّ المنصورىّ، أحد المماليك المنصوريّة قلاوون أيضا، وكان أحد البرجيّة. ثمّ ولى شدّ الدواوين بدمشق وحبسه الملك الناصر محمد بن قلاوون مدّة، لأنه كان من أصحاب المظفّر بيبرس، ثمّ أطلقه وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه بمصر. وكانت به حدبة فاحشة وولع، ويتتبّع المطالب والكيمياء، وضاع عمره فى البطّال. وتوفّى الأمير سيف الدين تمربغا بن عبد الله العقيلىّ نائب الكرك فى جمادى الآخرة، وكان عاقلا شجاعا مشكور السيرة. وتوفّى الشيخ الإمام «2» كمال الدين جعفر [بن ثعلب «3» بن جعفر] بن علىّ الأدفوىّ الفقيه الأديب الشافعىّ. كان فقيها بارعا أديبا مصنفا؛ ومن مصنفاته تاريخ الصعيد المسمّى «بالطالع السعيد فى تاريخ الصعيد «4» » وله مصنّفات أخر وشعر كثير. وتوفى الأمير سيف الدين طشتمر بن عبد الله الناصرىّ، أحد أمراء الألوف بالديار المصرية، المعروف بطلليه فى شوّال بالقاهرة، وقيل له: طلليه، لأنه كان إذا تكلّم قال فى آخر كلامه: طلليه. وهو من مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون وخاصّكيته، وصار من بعده من أعيان الأمراء بالديار المصرية، وله تربة «5» بالصحراء معروفة به، وكان شجاعا مقداما.

وتوفّيت خوند طغاى أمّ آنوك زوجة السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، وتركت مالا كثيرا جدّا، من ذلك ألف جارية، وثمانون طواشيا أعتقت الجميع وهى صاحبة التّربة «1» بالصحراء معروفة بها. وهى التى تولّت تربية السلطان الملك الناصر حسن بعد موت أمّه من أيام الملك الناصر محمد. وكانت من أعظم نساء وقتها وأحشمهنّ «2» وأسعدهنّ. وتوفّى الشيخ الإمام الأديب البارع صفىّ الدين عبد العزيز بن سرايا بن على بن [أبى «3» ] القاسم بن أحمد بن نصر بن أبى العزّ بن سرايا بن باقى «4» بن عبد الله السّنبسىّ «5» الحلّىّ الشاعر المشهور فى سلخ «6» ذى الحجة. ومولده فى خامس شهر ربيع الآخر سنة سبع وسبعين وستمائة، وقدم القاهرة مرتين، ومدح الملك المؤيّد صاحب حماة، ومدح ملوك ماردين بنى أرتق، وله فيهم غرر القصائد، وتقدّم فى نظم الشعر. ومدح النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالقصيدة المعروفة. ب «البديعيّة» وله «ديوان شعر كبير» ، وشعره سار شرقا وغربا. وهو أحد فحول الشعراء. وفيه يقول الشيخ جمال الدين محمد بن نباتة: [الكامل] يا سائلى عن رتبة الحلّىّ فى ... نظم القريض راضيا بى أحكم للشعر حلّيان ذلك راجح ... ذهب الزمان به وهذا قيّم ومن شعر الصفىّ الحلّىّ: [السريع] أستطلع الأخبار من نحوكم ... وأسأل الأرواح حمل السّلام وكلّما جاء غلام لكم ... أقول يا بشراى هذا غلام

ومن شعره قصيدته «1» التى أوّلها: [الكامل] كيف الضلال وصبح وجهك مشرق ... وشذاك فى الأكوان مسك يعبق يا من إذا سفرت محاسن وجهه ... ظلّت به حدق الخلائق تحدق أوضحت عذرى فى هواك بواصح ... ماء الحيا بأديمه يترقرق فإذا العذول رأى جمالك قال لى ... عجبا لقلبك كيف لا يتمزّق يا آسرا قلب المحبّ فدمعه ... والنوم منه مطلق ومطلّق أغنيتنى بالفكر فيك عن الكرى ... يا آسرى فأنا الغنىّ المملق ومنها أيضا: لم أنس ليلة زارنى ورقيبه ... يبدى الرّضا وهو المغيظ المحنق حتى إذا عبث الكرى بجفونه ... كان الوسادة ساعدى والمرفق عاتقته وضممته فكأنه ... من ساعدىّ ممنطق «2» ومطوّق حتى «3» بدا فلق الصباح فراعه ... إنّ الصّباح هو العدو الأزرق وقد استوعبنا من شعره وأحواله قطعة جيّدة فى تاريخنا «المنهل الصافى» . رحمه الله تعالى إن كان مسيئا. وتوفّى الشيخ الصالح المعتقد عبد الله المنوفىّ الفقيه المالكىّ، فى يوم الأحد ثامن شهر رمضان ودفن بالصحراء، وقبره «4» بها معروف يقصد للزيارة والتبرّك.

وتوفّى الإمام العلّامة شيخ الشيوخ بدمشق علاء الدين علىّ بن محمود بن حميد القونوىّ الحنفىّ فى رابع شهر رمضان، وكان إماما فقيها بارعا صوفيا صالحا. رحمه الله. وتوفّى الشيخ الإمام البارع المفتنّ الأديب الفقيه، زين الدين عمر بن المظفّر بن عمر بن محمد بن أبى الفوارس بن علىّ المعرّىّ الحلبىّ الشافعىّ المعروف بابن الوردىّ «1» ناظم «الحاوى فى الفقه» رحمه الله؛ وقد جاوز الستين سنة بحلب، فى سابع عشرين ذى الحجّة. وقد استوعبنا من شعره ومشايخه نبذة كبيرة فى «المنهل الصافى» إذ هو كتاب تراجم، محلّه الإطناب فى مثل هؤلاء. ومن شعره ما قاله فى مقرئ «2» . [الكامل] :

ووعدت أمس بأن تزور فلم تزر ... فغدوت «1» مسلوب «2» الفؤاد مشتتا لى مهجة «3» فى النازعات وعبرة ... فى المرسلات وفكرة فى هل اتى وله عفا الله عنه: [الوافر] تجادلنا: أماء الزّهر أذكى ... ام الخلّاف أم ورد القطاف وعقبى ذلك الجدل اصطلحنا ... وقد حصل الوفاق على الخلاف وتوفّى الأمير الطّواشى عنبر السّحرتىّ لالاة السلطان الملك الكامل شعبان، ومقدّم المماليك السلطانيّة منفيّا فى القدس، بعد أن امتحن وصودر. وكان رأى من العزّ والجاه والحرمة، فى أيام الكامل شعبان ما لا مزيد عليه، حسب ما ذكرنا منه نبذة فى ترجمة الملك الكامل المذكور. وتوفّى الأمير سيف الدين كوكاى بن عبد الله المنصور السّلاح دار، أحد أعيان الأمراء الألوف بالديار المصريّة، وكان من أجلّ الأمراء وأسعدهم، خلّف أكثر من أربعمائة ألف دينار عينا. وهو صاحب التّربة «4» والمئذنة التى بالصحراء، على رأس الهدفة، تجاه تربة «5» الملك الظاهر برقوق. وكان شجاعا مقداما. طالت ايامه فى السعادة. وتوفى الأمير سيف الدين قطز بن عبد الله الأمير آخور، ثم نائب صفد بدمشق، وهو أحد أمرائها، فى يوم الثلاثاء رابع ذى القعدة. وكان من أعيان أمراء مصر، ولى عدّة ولايات جليلة.

وتوفّى الأمير سيف الدّين نكباى بن عبد الله البريدىّ المنصورىّ. كان أحد مماليك الملك المنصور قلاوون، ولى قطيا والاسكندرية، ثم أنعم عليه بإمرة طبلخاناه، واستقرّ مهمندارا. وإليه تنسب دار «1» نكباى خارج مدينة مصر على النيل، وعنى بعمارتها فلم يتمتع بها. وتوفّى الأمير شرف الدين محمود [بن أوحد «2» ] بن خطير أخو الأمير مسعود. وأظنه صاحب الجامع «3» بالحسينية خارج القاهرة. وتوفّى الشيخ المحدّث الواعظ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن ميلق الشاذلىّ. كان يجلس ويذكّر الناس ويعظ، وكان لوعظه تأثير فى النفوس. وتوفّى الشيخ المعتقد زين الدين أبو بكر بن النّشاشيبى «4» . كان له قدم وللناس فيه محبّة واعتقاد. رحمه الله. وتوفّى الرئيس شمس الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عمر الأسيوطىّ ناظر بيت المال، كان مغدودا من أعيان الديار المصرية، وله ثروة. وإليه ينسب جامع «5» الأسيوطىّ بخطّ جزيرة الفيل.

ما وقع من الحوادث سنة 750

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وثلاث وعشرون إصبعا. وحوّلت هذه السنة إلى سنة خمسين. والله أعلم. *** [ما وقع من الحوادث سنة 750] السنة الثانية من ولاية السلطان الملك الناصر حسن الأولى على مصر وهى سنة خمسين وسبعمائة. فيها توفّى مكين الدين إبراهيم بن قروينة بطالا، بعد ما ولى استيفاء الصّحبة، ونظر البيوت، ثم نظر الجيش مرتين ثمّ تعطّل إلى أن مات. وكان من أعيان الكتّاب ورؤسائهم. وتوفّى الأمير سيف الدين أرغون شاه بن عبد الله الناصرىّ، نائب الشام مذبوحا فى ليلة الجمعة رابع عشرين شهر ربيع الأوّل، وكان من أعيان مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون وخواصّه، ربّاه وجعله أمير طبلخاناه رأس نوبة الجمدارية. ثم استقرّ بعد وفاته أستادارا أمير مائة ومقدّم ألف بديار مصر، فتحكّم على الملك الكامل شعبان، حتى أخرجه لنيابة صفد، وولى بعدها نيابة حلب. ثمّ نيابة الشام. وكان خفيفا قوىّ النفس شرس الأخلاق، مهابا جبّارا فى أحكامه، سفّاكا للدماء غليظا فاحشا، كثير المال والحشم.

وكان أصله من بلاد الصّين حمل إلى بو سعيد بن خربندا ملك التّتار، فأخذه دمشق خجا بن جوبان. ثم ارتجعه بو سعيد بعد قتل «1» [دمشق خجا بن] جوبان، وبعث به إلى الناصر هديّة ومعه ملكتمر السّعيدىّ «2» . وقد تقدّم من ذكر أرغون شاه هذا نبذة كبيرة فى عدّة تراجم من هذا الكتاب، من أوّل ابتداء أمره حتى كيفية قتله، فى ترجمة الملك الناصر حسن هذا، فلينظر هناك. وتوفّى الأمير الكبير سيف الدين أرقطاى بن عبد الله المنصورى، نائب السلطنة بالديار المصرية، ثم نائب حلب ثم ولى نيابة دمشق، فلما خرج منها متوجّها إلى دمشق، مات بظاهرها عن نحو ثمانين سنة، فى يوم الأربعاء خامس جمادى الأولى. وأصله من مماليك الملك المنصور قلاوون، ربّاه الطواشى فاخر «3» أحسن تربية إلى أن توجّه الملك الناصر إلى الكرك توجه معه، فلما عاد الملك الناصر إلى ملكه جعله من جملة الأمراء. ثم سيّره صحبة الأمير تنكز إلى الشام، وأوصى تنكز ألا يخرج عن رأيه، فأقام عنده مدّة، ثم ولّاه نيابة حمص سنتين ونصفا. ثم نقله إلى نيابة صفد، فأقام بها ثمانى عشرة سنة. ثم قدم مصر، فأقام بها خمس «4» سنين وجرّد إلى آياس «5» . ثم ولى نيابة طرابلس، ومات الملك الناصر محمد، فقدم مصر بعد موته

فقبض عليه. ثمّ أفرج عنه، وبعد مدّة ولى نيابة حلب. ثمّ عزل وطلب الى مصر فصار يجلس رأس المبمنة. ثمّ ولى نيابة السلطنة بالديار المصرية نحو سنتين. ثم أخرج لنيابة حلب ثانيا، بحسب سؤاله فى ذلك، فأقام بها مدّة. ثم نقل إلى نيابة الشام بعد قتل أرغون شاه، فمات خارج حلب قبل أن يباشر دمشق، ودفن بحلب. وكان أميرا جليلا عظيما مهابا عاقلا سيوسا، مشكور السّيرة محبّبا للرعية. وقد تقدّم من أخباره ما يغنى عن الاعادة هنا. وتوفّى الأمير سيف الدين ألجيبغا بن عبد الله المظفّرى نائب طرابلس، موسّطا بسوق خيل دمشق، فى يوم الاثنين ثانى «1» شهر ربيع الآخر، بمقتضى قتله الأمير أرغون شاه نائب الشام، وقد تقدّم كيفيّة قتله أرغون شاه فى ترجمة السلطان حسنى هذا، وأيضا واقعة توسيطه مفصّلا هناك. وكان ألجيبغا من مماليك المظفّر حاجّى ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون ومن خواصّه. وقتل ألجيبغا وسنّه دون العشرين سنة، بعد أن صار أمير مائة ومقدّم ألف بمصر والشام ونائب طرابلس، ووسّط معه إياس الآتى ذكره. وتوفّى الأمير فخر الدين إياس «2» بن عبد الله الناصرى، موسّطا أيضا بسوق خيل دمشق لموافقته ألجيبغا المقدّم ذكره على قتل أرغون شاه فى التاريخ المذكور أعلاه. وكان أصل إياس هذا من الأرمن، وأسلم على يد الملك الناصر محمد بن قلاوون، فرقّاه حتّى عمله شادّ العمائر. ثم أخرجه الى الشام شادّ الدواوين. ثم صار حاجبا بدمشق. ثم نائبا بصفد. ثم نائبا بحلب. ثم عزل بسعى أرغون شاه به، وقدم

دمشق أميرا فى نيابة أرغون شاه لدمشق، فصار أرغون شاه يهينه، وإياس يومئذ تحت حكمه، فحقد عليه، واتّفق مع ألجيبغا نائب طرابلس حتّى قتلاه ذبحا، حسب ما ذكرناه مفصلا، فى ترجمة السلطان الملك الناصر حسن. وتوفّى الإمام العلّامة قاضى القضاة علاء الدين علىّ ابن القاضى فخر الدين عثمان ابن إبراهيم بن مصطفى الماردينىّ الحنفىّ المعروف بالتّركمانى- رحمه الله تعالى- فى يوم الثلاثاء عاشر المحرّم بالقاهرة. ومولده فى سنة ثلاث وثمانين وستّمائة، وهو أخو العلّامة تاج الدين أحمد «1» ، ووالد الإمامين العالمين: عزّ «2» الدين عبد العزيز وجمال «3» الدين عبد الله، وعمّ العلّامة محمد بن أحمد، يأتى ذكر كلّ واحد من هؤلاء فى محلّه إن شاء الله تعالى. وكان قاضى القضاة علاء الدين إماما فقيها بارعا نحويّا أصوليّا لغويّا، أفتى ودرّس وأشغل وألّف وصنّف، وكان له معرفة تامّة بالأدب وأنواعه، وله نظم ونثر: كان إمام عصره بلا مدافعة، لا سيّما فى العلوم العقلية والفقه أيضا والحديث، وتصدّى للإقرار عدّة سنين. وتولّى قضاء الحنفية بالديار المصرية فى شوّال سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، عوضا عن قاضى القضاة زين الدين البسطامىّ «4» ، وحسنت سيرته، ودام قاضيا إلى أن مات. وتولّى عوضه ولده جمال الدين عبد الله.

ومن مصنّفاته- رحمه الله- كتاب «بهجة «1» الأريب فى بيان ما فى كتاب الله العزيز من الغريب» و «المنتخب فى علوم الحديث» و «المؤتلف والمختلف» و «الضعفاء «2» والمتروكون» و «الدرّ النّقىّ فى الردّ على البيهقىّ» وهو جليل فى معناه، يدلّ على علم غزير، واطّلاع كثير، و «مختصر المحصّل فى الكلام» و «مقدّمة فى أصول الفقه» و «الكفاية «3» فى مختصر الهداية» و «مختصر رسالة القشيرىّ» وغير ذلك. وتوفّى قاضى القضاة تقىّ الدين محمد بن أبى بكر بن عيسى بن بدران السّعدىّ الإخنائىّ المالكىّ «4» ، فى ليلة الثالث من صفر. ومولده فى شهر رجب سنة أربع وستّين وستّمائة، وكان فقيها فاضلا محدّثا بارعا. ولى شهادة الخزانة. ثم تولّى قضاء الإسكندرية. ثم نقل لقضاء دمشق بعد علاء الدين «5» القونوىّ. وحسنت سيرته. وتولى بعده جمال الدّين يوسف [بن «6» إبراهيم] بن جملة. وتوفّيت خوند بنت الملك الناصر محمد بن قلاوون زوجة الأمير طاز، وخلّفت أموالا كثيرة، أبيع موجودها بباب القلّة من القلعة بخمسمائة ألف درهم، من جملة ذلك قبقاب مرصّع بأربعين ألف درهم، عنها يوم داك ألفا دينار مصريّة.

ما وقع من الحوادث سنة 751

وتوفّى شيخ القرّاء شهاب الدين أحمد بن أحمد بن الحسين المعروف بالهكّارى، بالقاهرة فى جمادى الأولى. وكان إماما فى القراءات، تصدّى للإقرار عدّة سنين وانتفع به الناس. وتوفّى الأمير طقتمر بن عبد الله الشّريفىّ، بعد ما عمى ولزم داره «1» وكان من أعيان الأمراء. وتوفّى الشيخ الإمام نجم الدين عبد الرحمن «2» بن يوسف بن إبراهيم بن محمد ابن إبراهيم بن علىّ القرشىّ الأصفونىّ «3» الشافعى، بمنى، فى ثالث عشر ذى الحجّة. وكان فقيها عالما مصنّفا، ومن مصنّفاته: «مختصر «4» الرّوضة فى الفقه» . أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وأربع أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثلاث وعشرون إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 751] السنة الثالثة من سلطنة الناصر حسن الأولى على مصر وهى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة.

فيها توفّى الأمير سيف الدين دلنجى «1» بن عبد الله (ودلنجى هو المكدى باللّغة التركيّة) . كان أصله من الأتراك وقدم إلى الديار المصريّة سنة ثلاثين وسبعمائة، فأنعم عليه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون بإمرة عشرة. ثمّ إمرة طبلخاناة. ثمّ ولى نيابة غزّة بعد الأمير تلجك، فأوقع بالمفسدين ببلاد غزّة وأبادهم، وقويت حرمته. وكان شجاعا مهابا وتوفّى الشيخ الإمام العلّامة شمس الدين محمد بن أبى بكر بن أيوب الزّرعىّ الدّمشقىّ الحنبلى، المعروف بابن قيّم الجوزيّة بدمشق، فى ثالث عشر شهر رجب. ومولده سنة إحدى وتسعين وستّمائة. وكان بارعا فى عدّة علوم، ما بين تفسير وفقه وعربيّة ونحو وحديث وأصول وفروع، ولزم شيخ الإسلام تقىّ «2» الدين بن تيميّة بعد عوده من القاهرة فى سنة اثنتى عشرة وسبعمائة، وأخذ منه علما كثيرا، حتّى صار أحد أفراد زمانه، وتصدّى للإقراء والإفتاء سنين، وانتفع به الناس قاطبة، وصنّف وألّف وكتب. وقد استوعبنا أحواله ومصنّفاته وبعض مشايخه فى ترجمته فى «المنهل الصافى» كما ذكرنا أمثاله. وتوفّى الأمير حسام الدين لاچين بن عبد الله العلائىّ الناصرىّ. أصله من مماليك الناصر محمد. ثم صار أمير جاندار فى ولة الملك المظفّر حاجّىّ، فإنه كان روج أمّه. ثمّ ولى أمير آخور، فلمّا قتل الملك المظفر فى سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، عزل وأخرج إلى حلب، على إقطاع الأمير حسام الدين محمود بن داود الشّيبانىّ، فدام بحلب إلى أن مات بها، وقيل بغيرها.

ما وقع من الحوادث سنة 752

وتوفّى الشيخ فخر الدين أبو عبد الله محمد بن علىّ بن إبراهيم بن عبد الكريم المصرى، الفقيه الشافعىّ بدمشق، فى سادس «1» عشرين ذى القعدة، ومولده سنة إحدى وتسعين وستّمائة. وكان فقيها عالما فاضلا بارعا فى فنون. وتوفّى ابن قرمان صاحب جبال الروم بعد مرض طويل. قلت: وبنو قرمان «2» هؤلاء هم من ذريّة السلطان علاء الدين كيقباد السّلجوقىّ، وهم ملوك تلك البلاد إلى يومنا هذا، وقد تقدّم من ذكرهم جماعة كثيرة فى هذا الكتاب. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع ونصف، وقيل خمس أذرع وسبع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة دراعا. ونزل فى خامس توت وشرقت البلاد. *** [ما وقع من الحوادث سنة 752] السنة الرابعة من سلطنة الملك الناصر حسن الأولى على مصر وهى سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، وهى التى خلع فيها السلطان حسن المذكور فى سابع وعشرين جمادى الآخرة، وحكم فى باقيها أخوه الملك الصالح صالح ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون. فيها توفّى السيّد الشريف أدّى «3» أمير المدينة النبويّة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فى السجن.

وتوفّى الأمير سيف الدين طشبغا «1» بن عبد الله الناصرىّ الدّوادار. كان من جملة الأمراء فى الديار المصريّة، فلمّا أخرج الأمير جرجى الدوادار من القاهرة، فى أوّل دولة الملك الناصر حسن، استقرّ طشبغا هذا دوادارا عوضه، فى شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، واستمرّ على ذلك إلى أن توفّى. وكان خيّرا ديّنا فاضلا عاقلا. وتوفّى قاضى القضاة الحنفيّة بحلب ناصر الدين محمد بن عمر بن عبد العزيز ابن محمد بن أبى الحسن «2» بن أحمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله [بن أحمد «3» ] بن يحيى بن أبى جرادة، المعروف بابن العديم الحلبى بحلب، عن ثلاث وستّين سنة. وقد تقدّم ذكر جماعة من آبائه وأقاربه فى هذا الكتاب، وسيأتى ذكر جماعة أخر من أقاربه، كلّ واحد فى محلّه. إن شاء الله تعالى. وتوفّى ملك الغرب أبو الحسن علىّ بن ابى سعيد عثمان بن يعقوب بن عبد الحقّ ابن محيو بن أبى بكر بن حمامة «4» فى ليلة «5» الثلاثاء السابع والعشرين من شهر ربيع الأوّل، وقام فى الملك من بعده ابنه أبو عنان فارس. وكانت مدّة ملكه إحدى وعشرين سنة.

وتوفّى القاضى شمس الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الرحيم بن عبد الله بن محمد ابن محمد بن خالد بن محمد بن نصر المعروف بابن القيسرانىّ، موقّع الدّست وصاحب المدرسة «1» بسويقة الصاحب داخل القاهرة وبها دفن، وكان معدودا من الرؤساء الأماثل.

وتوفّى الأمير ناصر الدين محمد ابن الأمير ركن الدين بيبرس الأحمدىّ، أحد أمراء الطبلخاناة بالديار المصرية، وهو مجرّد ببلاد الصعيد، فحمل إلى القاهرة ميّتا فى يوم الأحد ثانى عشرين شهر رمضان. وتوفّى الشيخ الإمام تاج الدين أبو الفضل «1» محمد بن إبراهيم بن يوسف المرّاكشىّ الأصل الشافعىّ بدمشق فى جمادى الآخرة. وكان فقيها فاضلا بارعا معدودا من فقهاء الشافعية. وتوفّى القاضى علاء الدين علىّ بن محمد بن مقاتل الحرّانىّ ثم الدّمشقىّ ناظر دمشق بالقدس الشريف، فى عاشر شهر رمضان. قلت: لعلّ علاء الدين هذا غير الأديب علاء الدين بن مقاتل الزّجّال الحموىّ. لأنى أحفظ وفاة هاذاك، فى سنة إحدى وستين وسبعمائة، وهكذا أرّخناه فى «المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى» . أمر النيل فى هذه السنة. المآن القديم ستّ أذرع وخمس أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وإصبع واحدة. والله أعلم.

ذكر سلطنة الملك الصالح صالح ابن السلطان الملك الناصر محمد ابن السلطان الملك المنصور قلاوون

ذكر سلطنة الملك الصالح صالح ابن السلطان الملك الناصر محمد ابن السلطان الملك المنصور قلاوون هو العشرون من ملوك التّرك بديار مصر، والثامن من أولاد الملك الناصر محمد بن قلاوون. وأمّه خوند قطلو ملك بنت الأمير تنكز الناصرىّ نائب الشام، تسلطن بعد خلع أخيه الملك الناصر حسن فى يوم الاثنين ثامن «1» عشرين جمادى الآخرة سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، باتفاق الأمراء على ذلك، وأمره أنّ الأمراء لما حملت لهم نمجاة الملك، وأخبروا بأن الناصر حسنا خلع نفسه، وهم وقوف بقبّة النصر خارج القاهرة، توجّهوا الى بيوتهم، وباتوا تلك الليلة وهى ليلة الاثنين بإسطبلاتهم، وأصبحوا بكرة يوم الاثنين طلعوا إلى القلعة، واجتمعوا بالرّحبة داخل باب النحاس «2» ، وطلبوا الخليفة والقضاة وسائر الأمراء وأرباب الدولة، واستدعوا بالصالح هذا من الدور السلطانية؛ فأخرج لهم فقاموا له وأجلسوه وبايعوه بالسلطنة، وألبسوه شعار الملك وأبّهة السلطنة، وأركبوه فرس النّوبة من داخل باب السّتارة، ورفعت الغاشية بين يديه ومشت الأمراء والأعيان بين يديه والأمير طاز والأمير منكلى بغا آخذان بشكيمة فرسه، وسار على ذلك حتى نزل وجلس على تخت الملك بالقصر، وقبّلت الأمراء الأرض بين يديه، وحلفوا له [وحلّفوه «3» ] على العادة، ولقّبوه بالملك الصالح، ونودى بسلطنته بمصر

والقاهرة ودقّت الكوسات وزيّنت القاهرة وسائر بيوت الأمراء. وقبل سلطنته كان النيل نقص عند ما كسر عليه، فردّ نقصه ونودى عليه بزيادة ثلاث أصابع من سبع عشرة ذراعا، فتباشر الناس بسلطنته. ثم توجّه الأمير بزلار أمير سلاح إلى الشام، ومعه التشاريف والبشارة بولاية السلطان الملك الصالح، وتحليف العساكر الشامية له على العادة. ثم طلب الأمير طاز والأمير مغلطاى مفاتيح الذخيرة ليعتبرا «1» ما فيها فوجدا شيئا يسيرا. ثم رسم للصاحب علم الدين عبد الله بن زنبور، بتجهيز تشاريف الأمراء وأرباب الوظائف على العادة، فجهّزها فى أسرع وقت، ووقف الأمير طاز سأل السلطان والأمراء الإفراج عن الأمير شيخون العمرى، فرسم بذلك، وكتب كلّ من مغلطاى وطاز كتابا، وبعث مغلطاى أخاه قطليجا «2» رأس نوبة، وبعث طاز الأمير طقطاى صهره، وجهزت له الحرّاقة «3» لإحضاره من الإسكندرية فى يوم الثلاثاء تاسع «4» عشرين جمادى الآخرة من سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة المذكورة، وكان ذلك بغير اختيار الأمير مغلطاى، إلّا أنّ الأمير طاز دخل عليه وألحّ عليه فى ذلك، حتى وافقه على مجيئه، بعد أن قال «5» له: أخشى على نفسى من مجىء شيخون إلى مصر، فحلف له طاز أيمانا مغلّظة أنه معه على كلّ ما يريد، ولا يصيبه من شيخون ما يكره، وأنّ شيخون إذا حضر لا يعارضه فى شىء من أمر المملكة، وإنى ضامن له فى هذا، وما زال به حتى أذعن، وكتب له مع أخيه، فشقّ ذلك على الأمير منكلى بغا الفخرىّ، وعتب مغلطاى على موافقة طاز، وعرّفه أنّ بحضور شيخون إلى مصر يزول عنهم

ما هم فيه، فتقرّر فى ذهن مغلطاى ذلك، وندم على ما كان منه، إلى أن كان يوم الخميس أوّل شهر رجب، وركب الأمراء فى الموكب على العادة، أخذ منكلى بغا يعرّف النائب والأمراء بإنكار «1» ما دار بينه وبين مغلطاى، وحذّرهم من حضور شيخون إلى أن وافقوه، وطلعوا إلى القلعة ودخلوا إلى الخدمة، فابتدأ النائب بحضور «2» شيخون وقال: إنه رجل كبير ويحتاج إلى إقطاع كبير وكلف كثيرة، فتكلّم مغلطاى ومنكلى بغا والأمراء وطاز ساكت، قد اختبط لتغيّر مغلطاى ورجوعه على ما وافقه عليه، وأخذ طاز يتلطّف بهم، فصمّم مغلطاى على ما هو عليه وقال: مالى وجه أنظر به شيخون، وقد أخذت منصبه ووظيفته وسكنت فى بيته، فوافقه النائب، وقال لناظر الجيش: اكتب له مثالا «3» بنيابة حماة، فكتب ناظر الجيش ذلك فى الوقت، وتوجه به أيدمر الدوادار فى الحال فى حرّاقة، وعيّن لسفر شيخون عشرون هجينا ليركبها ويسير عليها إلى حماة. وانفضّوا وفى نفس طاز ما لا يعبّر عنه من القهر، ونزل واتّفق هو والأمير صرغتمش وملكتمر وجماعة، واتفقوا جميعا، وبعثوا إلى مغلطاى، بأنّ منكلى بغا رجل فتنىّ، وما دام بيننا لا نتّفق أبدا، فلم يصغ مغلطاى إلى قولهم، واحتجّ بأنه إن وافقهم لا يأمن على نفسه، فدخل عليه طاز ليلا بالأشرفية «4» من قلعة الجبل، حيث هى مسكن مغلطاى وخادعه، حتى أجابه إلى إخراج منكلى بغا وتحالفا على ذلك؛ فما هو إلا أن خرج عنه طاز، أخذ دوادار مغلطاى يقبّح على مغلطاى

ما صدر منه، ويهوّل عليه الأمر، بأنه متى ابعد منكلى بغا وحضر شيخون أخذ لا محالة، فمال إليه، وبلغ الخبر منكلى بغا بكرة يوم الجمعة ثانيه. فواعد النائب والأمراء على الاجتماع فى صلاة الجمعة، ليقع الاتفاق على ما يكون، فلم يخف عن طاز وصرغتمش رجوع مغلطاى عما تقرّر بينه وبين طاز ليلا، فاستعدّا للحرب، وواعدا الأمير ملكتمر «1» المحمدىّ، والأمير قردم «2» الحموىّ، ومن يهوى هواهم، واستمالوا مماليك بيبغا أرس ومماليك منجك حتى صاروا معهم رجاء لخلاص أستاذيهم، وشدّ الجميع خيولهم، فلمّا دخل الأمراء لصلاة الجمعة، اجتمع منكلى بغا بالنائب وجماعته، وقرّر معهم أن يطلبوا طاز وصرغتمش الى عندهم فى دار النيابة، ويقبضوا عليهما، فلمّا أتاهما الرسول من النائب يطلبهما، أحسّا بالشرّ وقاما ليتهيأ للحضور، وصرفا الرسول على أنهما يكونان فى أثره، وبادرا الى باب الدوّر ونحوه من الأبواب فأغلقاها، واستدعوا من معهم من المماليك السلطانية وغيرها، ولبسوا السلاح، ونزل صرغتمش بمن معه من باب السرّ، ليمنع من يخرج من اسطبلات الأمراء، ودخل طاز على السلطان الملك الصالح، حتى يركب به للحرب، فلقى الأمير صرغتمش فى نزوله الأمير أيدغدى أمير آخور، فلم يطق منعه، وأخذ بعض الخيول من الاسطبل وخرج منه، فوجد خيله وخيل من معه فى انتظارهم، فركبوا الى الطبلخاناه، فاذا طلب منكلى بغا مع ولده ومماليكه يريدون قبّة النصر، فألقوا ابن منكلى بغا عن فرسه، وجرحوه فى وجهه، وقتلوا حامل الصّنجق وشتّتوا شمل الجميع، فما استتم هذا، حتى ظهر طلب مغلطاى مع مماليكه، ولم يكن لهم علم بما وقع على طلب منكلى بغا، فصدمهم صرغتمش أيضا بمن معه صدمة بدّدتهم،

وجرح جماعة منهم وهزم بقيّتهم. ثم عاد صرغتمش ليدرك الأمراء قبل نزولهم من القلعة، وكانت خيولهم واقفة على باب السّلسلة تنتظرهم، فمال عليها صرغتمش ليأخذها، وامتدّت أيدى أصحابه إليها وقتلوا الغلمان، فعظم الصّياح وانعقد الغبار، واذا بالنائب ومنكلى بغا ومغلطاى وبيغرا ومن معهم قد نزلوا وركبوا خيولهم، وكانوا لمّا أبطأ عليهم حضور طاز وصرغتمش بعثوا فى استحثاثهم، فاذا الأبواب مغلقة، والضجّة داخل باب القلعة، فقاموا من دار النيابة يريدون الركوب فلمّا توسّطوا بالقلعة حتى سمعوا ضجّة الغلمان وصياحهم، فأسرعوا إليهم وركبوا، فشهر مغلطاى سيفه وهجم بمن معه على صرغتمش، ومرّ النائب وبيغرا ورسلان بصل، يريد كلّ منهم إسطبله، فلم يكن غير ساعة حتى انكسر مغلطاى من صرغتمش كسرة قبيحة، وجرح كثير من أصحابه، وفرّ الى جهة قبّة النصر وهم فى أثره، وانهزم منكلى بغا أيضا. وكان طاز لمّا دخل على السلطان عرّفه، أن النائب والأمراء اتّفقوا على إعادة الملك الناصر حسن الى السلطنة، فمال السلطان الملك الصالح الى كلامه، فقام معه فى مماليكه، ونزل الى الإسطبل واستدعى بالخيول ليركب، فقعد «1» به أيدغدى أمير آخور واحتجّ بقلّة «2» السّروج، فانه كان من حزب مغلطاى، فأخذوا المماليك ما وجدوه من الخيول وركبوا بالسلطان، ودقت الكوسات فاجتمع إليه الأمراء والمماليك والأجناد من كلّ جهة، حتى عظم جمعه، فلم تغرب الشمس إلا والمدينة قد أغلقت، وامتلأت الرّميلة بالعامة، وسار طاز بالسلطان يريد قبّة النصر، حتى يعرف خبر صرغتمش، فوافى قبّة النصر بعد المغرب، فوجد صرغتمش

قد تمادى فى طلب مغلطاى ومنكلى بغا حتى أظلم الليل، فلم يشعر إلا بمملوك النائب قد أتاه برسالة النائب أن مغلطاى عنده فى بيت «1» آل ملك بالحسينيّة، فبعث صرغتمش جماعة لأخذه، ومرّ فى طلب منكلى بغا، فلقيه الأمير محمد بن بكتمر «2» الحاجب وعرّفه أن منكلى بغا نزل قريبا من قناطر «3» الأميرية، ووقف يصلّى، وأنّ طلب الأمير مجد الدين موسى بن الهذبانىّ، قد جاء من جهة كوم الرّيش «4» ، ولحقه الأمير أرغون ألبكى فى جماعة، فقبض عليه وهو قائم يصلّى، وكتّفوه بعمامته، وأركبوه بعد ما نكلّوا به، فلم يكن غير قليل حتى أتوا بهما فقيّدا وحبسا بخزانة شمائل، ثم أخرجا إلى الإسكندرية، ومعهما ابنا منكلى بغا فسجنوا بها. وأمّا صرغتمش فإنه لمّا فرغ من أمر مغلطاى ومنكلى بغا وقبض عليهما، أقبل على السلطان بمن معه بقبة النصر، وعرّفه بمسك الأميرين، فسرّ السلطان سرورا كبيرا، ونزل هو والأمراء وباتوا بقبّة النصر، وركب السلطان بكرة يوم السبت ثالث شهر رجب إلى قلعة الجبل، وجلس بالإيوان وهنّئوه بالسلامة والظفر، وفى الحال كتب بإحضار الأمير شيخون، وخرج جماعة من الأمراء بمماليكهم «5» إلى لقائه، ونزلت البشائر إلى بيت شيخون، وبيت بيبغا أرس وبيت منجك اليوسفىّ الوزير، فكان يوما عظيما، وبات الأمراء تلك الليلة على تخوّف. وأمّا شيخون لمّا ورد عليه الرسول بإطلاقه أوّلا، خرج من الإسكندريّة وهو ضعيف، وركب الحرّاقة، وفرح أهل الإسكندرية لخلاصه، وسافر فوافاه كتاب

الأمير صرغتمش بأنه إذا أتاك أيدمر بنيابة حماة، لا ترجع وأقبل إلى القاهرة فأنا وطاز معك؛ فلمّا قرأ شيخون الكتاب تغير وجهه، وعلم أنه قد حدث فى أمره شىء، فلم يكن غير ساعة «1» ، حتى لاحت له حرّاقة أيدمر، فمرّ شيخون وهو مقلع وأيدمر منحدر إلى أن تجاوزه، وأيدمر يصيح ويشير بمنديله إليه فلا يلتفتون إليه، فأمر أيدمر بأن تجهّز مركبه بالقلع، وترجع خلف شيخون، فما تجهّز قلع مركب أيدمر حتى قطع شيخون بلادا كثيرة، وصارت حرّاقته تسير وأيدمر فى أثرهم فلم يدركوه إلا بكرة يوم السبت، فعند ما طلع إليه أيدمر وعرّفه ما رسم به، من عوده إلى حماة، وقرأ المرسوم الذي على يد أيدمر برجوعه إلى نيابة حماة، وإذا بالخيل يتبع بعضها بعضا، والمراكب قد ملأت وجه الماء تبادر لبشارته وإعلامه بما وقع من الركوب ومسك مغلطاى ومنكلى بغا، فسرّ شيخون بذلك سرورا عظيما «2» ، وسار إلى أن أرسى بساحل «3» بولاق فى يوم الأحد رابع شهر رجب، بعد أن مشت له الناس إلى منية الشيرج، فلما رأوه صاحوا ودعوا له وتلقّته المراكب، وخرج الناس إلى الفرجة عليه، حتى بلغ كراء المركب إلى مائة درهم، وما وصلت الحرّاقة إلا وحولها فوق ألف مركب، وركبت الأمراء إلى لقائة وزيّنت الصليبة وأشعلت الشموع، وخرجت مشايخ الصوفية بصوفيّتهم إلى لقائه، فسار فى موكب لم ير مثله لأمير قبله، وسار حتى طلع القلعة وقبّل الأرض بين يدى السلطان الملك الصالح، فأقبل عليه السلطان وخلع» عليه تشريفا جليلا، وقلع عنه ثياب السجن، وهى

ملّوطة «1» طرح محرّر. ثم نزل إلى منزله والتهانى تتلقاه. ودام الأمر على ذلك إلى يوم الأربعاء سابع شهر رجب رسم، بإخراج الأمير بيبغا أرس حارس طير نائب السلطنة بالديار المصرية فالأمير بيغرا، فنزل الحاجب إلى بيت آل ملك بالحسينية وبه كان سكن بيبغا المذكور، وأخرج منه ليسير من مصر إلى نيابة غزّة، وأخرج

بيغرا من الحمّام إخراجا عنيفا ليتوجّه إلى حلب، فركبا من فورهما وسارا. ثم رسم بإخراج الأمير أيدغدى الأمير آخور إلى طرابلس بطّالا، وكتب بالإفراج عن المسجونين بالإسكندرية والكرك. وفى يوم السبت عاشره ركب السلطان والأمراء إلى الميدان على العادة، ولعب فيه بالكرة، فكان يوما مشهودا. ووقف الناس للسلطان، فى الفار الضامن، ورفعوا فيه مائة قصّة فقبض عليه، وضربه الوزير بالمقارع ضربا مبرّحا وصادره، وأخذ منه مالا كثيرا. وفيه قبض على الأمير بيبغا «1» ططر المعروف بحارس طير نائب السلطنة المتوجّه إلى نيابة غزّة فى طريقه، وسجن بالإسكندرية. وفى يوم الأحد حادى عشره وصل الأمراء من سجن الإسكندرية وهم سبعة نفر: منجك اليوسفىّ الوزير وفاضل أخو بيبغا أرس وأحمد الساقى نائب صفد وعمر شاه الحاجب وأمير حسين التّترىّ وولده، والأمير محمد بن بكتمر الحاجب. فركب الأمراء ومقدّمهم الأمير طاز، ومعه الخيول المجهّزة لركوبهم، حتى لقيهم وطلع بهم إلى القلعة، فقبّلوا الأرض وخلع السلطان عليهم، ونزلوا إلى بيوتهم فامتلأت الزاهرة بالأفراح والتهانى، ونزل الأمير شيخون والأمير طاز والأمير صرغمتش إلى الطبلاتهم، وبعثوا إلى الأمراء القادمين من السّجن التقادم السّنية من الخيول والتّعابى القماش والبسط وغيرها، فكان الذي بعثه شيخون لمنجك خمسة أفراس ومبلغ ألفى دينار، وقس على هذا. ثمّ فى يوم الاثنين ثانى عشر شهر رجب خلع على الأمير قبلاى الحاجب واستقرّ فى نيابة السلطنة بالديار المصريّة، عوضا عن بيبغا ططر حارس طير.

وفى يوم الخميس خامس عشر شهر رجب قدم الأمير بيبغا أرس من سجن الكرك، فركب الأمراء إلى لقائه، وطلع إلى السلطان وقبّل الأرض وخلع عليه ونزل إلى ببته، فلم يبق أحد من الأمراء حتّى قدّم له تقدمة تليق به. ثم فى يوم الاثنين تاسع عشره خلع على الأمير بيبغا أرس واستقرّ فى نيابة حلب عوضا عن أرغون الكاملى واستقرّ أرغون الكاملى فى نيابة الشام، عوضا عن أيتمش الناصرىّ، وخلع على أحمد الساقى شادّ الشراب خاناه كان، بنيابة حماة عوضا عن طنيرق، ورسم لطنيرق أن يتوجّه إلى حلب أمير طبلخاناة بها. ثم رسم بأن يكون بطّالا بدمشق، وسافر بيبغا أرس وأحمد الساقى بعد أيام إلى محلّ «1» كفالتهما ثم سأل الأمير منجك الإعفاء عن أخذ الإمرة، وأن يقعد بطّالا بجامعه «2» ، فأجيب إلى ذلك

بسفارة الأمير شيخون، واستردّ أملاكه التى كان أنعم بها السلطان على المماليك والخدّام والجوارى، ورمّم ما تشعّث من صهريجه واستجدّ به خطبة. ثم خلع السلطان على عمر شاه واستقر حاجب الحجاب عوضا عن قبلاى المنتقل إلى نيابة السلطنة بديار مصر، وأنعم على طشتمر القاسمىّ بتقدمة ألف، واستقر حاجبا ثانيا وهى تقدمة بيغرا. وفيها أخرج جماعة من الأمراء وفرّقوا بالبلاد الشامية، وهم: الأمير طينال الجاشنكير وآقجبا الحموىّ الحاجب وملكتمر السعدى «1» وقطلوبغا أخو مغلطاى وطشبغا الدوادار. وفى يوم السبت تاسع شعبان وصل الملك المجاهد «2» صاحب اليمن من سجن الكرك، فخلع عليه من الغد ورسم له بالعود الى بلاده من جهة عيذاب «3» ، وبعث إليه الأمراء بتقادم كثيرة وتوجّه الى بلاده. وكانت أمّه قد رجعت من مكة الى اليمن بعد مسكه وأقامت فى مملكة اليمن الصالح وكتبت الى تجّار الكارم توصّيهم بابنها المجاهد وأن يقرضوه ما يحتاج إليه، وختمت على أموالهم من صنف المتجر بعدن وتعزّ وزبيد «4» ، فقدم قاصدها، بعد أن قبض على المجاهد ثانيا وسجن بالكرك، بعد أن كان رسم له الملك الناصر حسن بالتوجّه إلى بلاده، لأمر بدا منه فى حقّ السلطان فى الطريق، فكتب مسفّره يعرّف السلطان بذلك. انتهى. ثم فى يوم الاثنين ثانى عشر شعبان، وصل إلى القاهرة الأمير أيتمش الناصرىّ المعزول عن نيابة الشام، فقبض عليه من الغد. ثم قدم الشريف ثقبة صاحب مكّة فى مستهلّ شهر رمضان بعد ما قدم قوده وقود أخيه عجلان، فخلع السلطان عليه بإمرة مكّة بمفرده، واقترض من الأمير

طاز ألف دينار، ومن الأمير شيخون عشرة آلاف درهم، واقترض من التجار مالا كثيرا، واشترى الخيل والمماليك والسلاح واستخدم عدّة أجناد، ورسم بسفر الأمير حسام الدين لاجين العلائىّ مملوك آقبغا الجاشنكير صحبته ليقلّده إمرة مكّة. ثم سافر الأمير طيبغا المجدىّ فى خامس شوّال بالحج والمحمل على العادة، وسار الجميع إلى مكّة، ولم يعلم أحد خبر المجاهد صاحب اليمن حتّى قدم مبشّرا الحاجّ فى مستهلّ المحرّم سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة، وأخبر بوصول الملك المجاهد إلى ممالك اليمن فى ثامن عشر ذى الحجة من السنة الماضية، وأنه استولى على ممالكه. وفى شهر ربيع الأوّل من سنة ثلاث وخمسين، وسبعمائة شرع الأمير طاز فى عمارة قصره «1»

وإصطبله، تجاه حمّام الفارقانىّ «1» بجوار المدرسة البندقدارية «2» على الشارع. وأدخل فيه عدّة أملاك، وتولّى عمارته الأمير منجك، وحمل إليه الأمراء وغيرهم من

الرّخام وآلات العمارة شيئا كثيرا، وشرع الأمير صرغتمش أيضا فى عمارة إسطبل «1» الأمير بدرجك، بجوار بئر «2» الوطاويط قريبا من الجامع

الطّولونى «1» وحمل إليه الناس أيضا شيئا كثيرا من آلات العمارة. ثم خلع السلطان على الأمير صرغتمش المذكور، واستقرّ رأس نوبة كبيرا، فى رتبة الأمير شيخون باختيار شيخون، وجعل إليه التصرّف فى أمور الدولة كلّها من الولاية والعزل والحكم، ما عدا مال الخاصّ، فإن الأمير شيخون يتحدّث فيه، فقصد الناس صرغتمش لفضاء أشغالهم، وكثرت مهابته، وعارض الأمراء فى جميع أفعالهم، وأراد ألا يعمل شىء إلّا من بابه وبإشارته، فإن تحدّث غيره غضب وأبطل ما تحدّث فيه وأخرق بصاحبه، فأجمع الأمراء باستبداد السلطان بالتصرّف، وأن يكون ما يرسم به على لسان الأمير صرغتمش رأس نوبة، فطال صرغتمش واستطال وعظم ترفّعه على الناس، فتنكّرت له الأمراء وكثرت الأراجيف بوقوع فتنة، وإعادة الملك الناصر حسن ومسك شيخون، وصاروا الأمراء على تحرّز واستعداد، فأخذ صرغتمش فى التبرؤ مما رمى به، وحلف للأمير شيخون وللأمير طاز، فلم يصدّقه طاز وهمّ به، فقام شيخون بينهما قياما كبيرا، حتى أصلح بينهما، وأشار على طاز بالركوب إلى عمارة صرغتمش فركب إليه وتصافيا.

وفى هذه الأيام من سنة ثلاث وخمسين رتّب الأمير شيخون فى الجامع «1» الذي أنشأه العلامة أكمل الدين محمد الرومىّ الحنفىّ مدرّسا، وجعل خطيبه جمال الدين خليل بن عثمان الرومىّ الحنفىّ، وجعل به درسا للمالكيّة أيضا وولّى تدريسه نور الدين السّخاوىّ المالكىّ، وقرّر له ثلثمائة درهم كلّ شهر ورتّب به قرّاء ومؤذنين وغير ذلك من أرباب الوظائف، وقرّر لهم معاليم بلغت فى الشهر ثلاثة آلاف درهم. قلت: ذلك قبل أن تبنى الخانقاه تجاه الجامع المذكور. وفى عاشر جمادى الآخرة خلع السلطان على الأمير شيخون العمرىّ واستقرّ رأس نوبة كبيرا عوضا عن صرغتمش لأمر اقتضى ذلك، وعند لبس شيخون الخلعة قدم عليه الخبر بولادة بعض سراريه ولدا ذكرا، فسرّ به سرورا زائدا، فإنه لم يكن له ولد ذكر. وفى هذه الأيام ادّعى رجل النبوّة، وأنّ معجزته أن ينكح امرأة فتلد من وقتها ولدا ذكرا يخبر بصحّة نبوّته، فقال بعض من حضر: إنك لبئس النّبيّ، فقال:

لكونكم بئس الأمة، فضحك الناس من قوله، فحبس وكشف عن أمره، فوجدوا له نحو اثنى عشر يوما من حين خرج من عند المجانين. وفى يوم الأربعاء عاشر شهر رجب قدم كتاب الأمير أرغون الكاملىّ نائب الشام يتضمن أنه قبض على قاصد الأمير منجك الوزير بكتابه إلى أخيه ببيغا أرس نائب حلب يحسّن، له الحركة والعصيان، وأرسل الكتاب وإذا فيه أنه اتفق مع سائر الأمراء، وما بقى إلا أن يركب ويتحرّك، فاقتضى الرأى التأنّى حتى يحضر الأمراء والنائب إلى الخدمة من الغد ويقرأ الكتاب عليهم ليدبّروا الأمر على ما يقع عليه الاتفاق، فلمّا طلع الجماعة من الغد، إلى الخدمة لم يحضر منجك، فطلب فلم يوجد، وذكر حواشيه أنهم من عشاء الآخرة لم يعرفوا «1» خبره، فركب الأمير صرغتمش فى عدّة من الأمراء وكبس بيوت جماعته فلم يقع له على خبر، وتفقدوا مماليكه ففقد منهم اثنان، فنودى عليه من القاهرة، وهدّد من أخفاه وأخرج عيسى ابن حسن الهجان فى جماعة من عرب العائذ على النّجب لأخذ الطرقات عليه، وكتب إلى العربان ونوّاب الشام وولاة الأعمال على أجنحة الطيور بتحصيله فلم يقدروا عليه، وكبست بيوت كثيرة. ثمّ فى يوم الأربعاء رابع عشرين شهر رجب قدم الخبر بعصيان الأمير أحمد الساقى نائب حماة وبعصيان الأمير بكلمش نائب طرابلس. وفى يوم السبت سابع عشرينه، كتب بإحضار الأمير بيبغا أرس نائب حلب الى الديار المصرية، وكتب ملطّفات لأمراء حلب تتضمّن أنّه: إن امتنع من الحضور فهو معزول، ورسم لحامل الكتاب أن يعلم بيبغا أرس بذلك مشافهة بحضرة أمراء حلب.

فقدم البريد من الشام بموافقة ابن دلغادر الى بيبغا أرس وأنّه تسلطن بحلب، وتلقّب بالملك العادل وأنه يريد مصر لأخذ غرمائه، وهم طاز وشيخون وصرغتمش وبزلار وأرغون الكاملىّ نائب الشام، فلمّا بلغ ذلك السلطان والأمراء رسم للنائب بعرض أجناد الحلقة، وتعيين مضافيهم من عبرة أربعمائة دينار الإقطاع فما فوقها ليسافروا. ثم قدم البريد بأنّ قراجا بن دلغادر، قدم حلب فى جمع كبير من التّركمان، فركب بيبغا أرس وتلقّاه، وقد واعد نائب حماة وطرابلس على مسيره أوّل شعبان الى نحو الديار المصرية، وأنهم يلقوه على الرّستن «1» ، فأمر السلطان الأمير طقطاى الدّوادار بالخروج الى الشام على البريد وعلى يده ملطّفات لجميع أمراء حلب وحماة وطرابلس، فسار طقطاى حتّى وصل دمشق وبعث بالملطّفات الى أصحابها، فوجد أمر بيبغا أرس قد قوى، ووافقه النوّاب والعساكر وابن دلغارر بتركمانه، وحيّار «2» بن مهنّا بعربانه، فكتب نائب الشام بأن سفر السلطان لا بد منه، وإلا خرج عنكم الشام جميعه، فاتّفق رأى أمراء مصر على ذلك، وطلب الوزير ورسم له بتهيئة بيوت السلطان، وتجهيز الإقامات فى المنازل، فذكر أنّه ما عنده مال لذلك، فرسم له بقرض ما يحتاج إليه من التجّار، فطلب تجّار الكارم وباعهم غلالا من الأهراء بالسعر الحاضر، وعدّة أصناف أخر، وكتب لمغلطاى بالإسكندريّة، وأخذ منه أربعمائة

ألف درهم، وأخذ من النائب مائة ألف درهم قرضا، ومن الأمير بلبان الأستادار مائة ألف درهم، فلم يمض أسبوع حتّى جهّز الوزير جميع ما يحتاج إليه السلطان. وخرج الأمير طاز فى يوم الخميس ثالث شعبان، ومعه الأمير بزلار والأمير كلتا والأمير فارس الدين ألبكى. ثم خرج الأمير طيبغا المجدىّ وابن أرغون النائب وكلاهما مقدّم ألف فى يوم السبت خامس شعبان وخرج الأمير شيخون العمرى فى يوم الأحد سادسه بتجمّل عظيم، فبينما الناس فى التفرّج على طلبه إذ قيل قبض على منجك اليوسفى، وهو «1» أن الأمير طاز لمّا رحل ووصل الى بلبيس قيل له: إنّ بعض أصحاب منجك صحبة شاورشى مملوك قوصون، فطلبهما الأمير طاز وفحص عن أمرهما فرابه أمرهما، فأمر بالرجل ففتّش فإذا معه كتاب منجك لأخيه بيبغا أرس، يتضمّن أنه قد فعل كلّ ما يختاره، وجهّز أمره مع الأمراء كلّهم، وأنه أخفى نفسه وأقام عند شاورشى أيّاما ثم خرج من عنده الى بيت الحسام الصّقرى أستاداره وهو مقيم حتّى يعرف خبره، وهو يستحثه على الخروج من حلب، فبعث به طاز الى الأمير شيخون، فوافى الاطلاب خارجة، فطلب شيخون الحسام الصّقرى وسأله فأنكر، فأخذه الأمير صرغتمش وعاقبه. ثمّ ركب الى بيته بجوار الجامع الأزهر وهجمه فاذا منجك ومملوكه، فأخذه صرغتمش وأركبه مكتوف اليدين الى القلعة، فسيّر من وقته الى الاسكندرية فحبس بها. ثمّ ركب السلطان الملك الصالح من قلعة الجبل فى يوم الاثنين سابع شعبان فى بقية الأمراء والخاصكية ونزل الى الرّيدانية «2» خارج القاهرة وخلع على الأمير قبلاى نائب الغيبنة باستقراره نائب الغيبة ورتّب أمير على الماردينى أن يقيم

بالقلعة ومعه الأمير كشلى السّلاح دار ليقيما داخل باب القلّة، ويكون على باب القلعة الأمير أرنان والأمير قطلوبغا الذهبى ورتّب الأمير مجد الدين موسى الهذبانى مع والى مصر لحفظ مصر. ثم استقلّ السلطان بالمسير من الريدانية فى يوم الثلاثاء بعد الظهر. فقدم البريد بأنّ الأمير مغلطاى الدوادار خرج من دمشق يريد مصر وأنّ الأمير أرغون الكاملىّ نائب الشام لمّا بلغه خروج بيبغا أرس بمن اجتمع معه من العساكر، عزم على لقائه فبلغه مخامرة أكثر أمراء دمشق فاحترس على نفسه وصار يجلس بالميدان وهو لابس آلة الحرب. ثم اقتضى رأى الأمير مسعود بن خطير أنّ النائب لا يلقى القوم، وأنه ينادى بالعرض للنفقة بالكسوة فاذا خرج العسكر إليه بمنزلة الكسوة، منعهم من عبورهم الى دمشق وسار بهم الى الرّملة «1» فى انتظار قدوم السلطان، وأنه استصوب ذلك وفعله، وأنه مقيم بعسكر دمشق على الرملة، وأن الأمير ألطنبغا برناق نائب صفد سار الى بيبغا أرس وأن بيبغا أرس سار من حلب الى حماة واجتمع مع نائبها أحمد الساقى وبكلمش نائب طرابلس، وسار بهم الى حمص، وعند نزوله على حمص وصل إليه مملوكا «2» الأمير أرقطاى بكتاب السلطان ليحضر فقبض عليهما وقيّدهما وسار يريد دمشق فبلغه مسير السلطان واشتهر ذلك فى عسكره وأنه عزل عن نيابة حلب فانحلت عزائم كثير ممن معه من المقاتلة، وأخذ بيبغا أرس فى الاحتفاظ بهم والتحرز منهم الى أن قدم دمشق يوم الخميس «3» خامس عشرين شهر رجب، فاذا أبواب المدينة مغلّقة والقلعة محصّنة، فبعث الى

الأمير إياجى نائب قلعتها يأمره بالإفراج عن قردم وأن بفتح أبواب المدينة، ففتح أبواب المدينة ولم يفرج عن قردم فركب الأمير أحمد الساقى نائب حماة وبكلمش نائب طرابلس من الغد ليغيرا على الضّياع فوافى بعض عسكر بيبغا أرس نجّابا يخبر بمسك منجك ومسير السلطان من خارج القاهرة، وعاد أحمد وبكلمش فى يوم الاثنين رابع عشر شعبان وقد نزل طاز بمن معه المزيرب فارتجّ عسكر بيبغا أرس وتواعد قراجا بن دلغادر وحيّار بن مهنا على الرحيل، فما غربت الشمس إلا وقد خرجا بأثقالهما وأصحابهما وسارا، فخرج بيبغا أرس فى أثرهما فلم يدركهما، وعاد بكرة يوم الثلاثاء فلم يستقرّ قراره، حتى دقّت البشائر بقلعة دمشق، بأن الأمير طاز والأمير أرغون الكاملىّ نائب الشام وافيا دمشق وأن الأمير شيخون والسلطان ساقة؛ فبهت بيبغا أرس وتفرّق عنه من كان معه، فركب عائدا إلى حلب فى تاسع عشر شعبان، فكانت إقامته بدمشق أربعة وعشرين يوما، أفسد أصحابه بدمشق فيها مفاسد وقبائح من النهب والسّبى والحريق والغارات على الضّياع من حلب إلى دمشق وفعلوا كما فعل التتار أصحاب قازان وغيره، فبعث السلطان الأمير أسندمر العلائى إلى القاهرة بالبشارة فقدمها يوم الجمعة خامس عشرين شعبان، ودقّت البشائر لذلك وزيّنت القاهرة وأمّا السلطان الملك الصالح فإنه التقى مع الأمير أرغون شاه الكاملىّ نائب الشام على بدّعرش من عمل غزّة، وقد تأخّر معه الأمير طاز بمن معه فدخلوا غزّة، وخلع السلطان على أرغون المذكور باستمراره فى نيابة دمشق، وأنعم عليه بأربعمائة ألف درهم وأنعم على أمير مسعود بن خطير بألف دينار، وعلى كل أمراء دمشق كل واحد قدر رتبته، فكان جملة ما أنفق السلطان فيهم ستمائة ألف درهم، وتقدّم الأمير شيخون والأمير طاز والأمير أرغون نائب الشام إلى دمشق وتأخر الأمير صرغتمش

صحبة السلطان ليدبّر العسكر، ثم تبعهم السلطان إلى دمشق فدخلها فى يوم الخميس مستهلّ شهر رمضان، وخرج الناس إلى لقائه وزيّنت مدينة دمشق، فكان لدخوله يوم مشهود، ونزل السلطان بقلعة دمشق، ثم ركب منها فى الغد يوم الجمعة ثانية إلى الجامع الأموى فى موكب جليل حتى صلى به الجمعة وكان الأمراء قد مضوا فى طلب بيبغا أرس. وأما بيبغا أرس فانه قدم إلى حلب فى تاسع عشرين شعبان، وقد حفرت خنادق تجاه أبواب حلب وغلّقت وامتنعت القلعة عليه ورمته بالحجارة والمجانيق، وتبعهم الرجال من فوق الأسوار بالرّمى عليه، وصاحوا عليه فبات تلك الليلة بمن معه وركب فى يوم الخميس مستهل شهر رمضان للزحف على مدينة حلب، وإذا بصياح عظيم والبشائر تدقّ فى القلعة وهم يصيحون: يا منافقون، العسكر وصل، فالتفت بمن معه فاذا صناجق على جبل جوشن «1» فانهزموا عند ذلك بأجمعهم إلى نحو البرية، ولم يكن ما رأوه على جبل جوشن عسكر السلطان، ولكنه جماعة من جند حلب وعسكر طرابلس كانوا مختفين من عسكر بيبغا أرس عند خروجه من دمشق فساروا فى أعقابه يريدون الكبسة على بيبغا أرس وتعبّوا على جبل جوشن فعند ما رآهم بيبغا لم يشكّ أنهم عسكر السلطان فانهزم. وكان أهل بانقوسا «2» قد وافقوهم

وتقدّموا عنهم فمسكوا المضايق على بيبغا وأدركهم العسكر المذكور من خلفهم فتمزق عسكر بيبغا أرس وقد انعقد عليهم الغبار، حتى لم يمكن أحد أن ينظر رفيقه فأخذهم العرب وأهل حلب قبضا باليد، ونهبوا الخزائن والأثقال وسلبوهم ما عليهم من آلة الحرب وغيره ونجا بيبغا أرس بنفسه بعد أن امتلأت الأيدى بنهب ما كان معه وهو شىء يجلّ عن الوصف، وتتبّع أهل حلب أمراءه ومماليكه وأخرجوهم من عدّة مواضع فظفروا بكثير منهم، فيهم أخوه الأمير فاضل والأمير ألطنبغا العلائىّ شادّ الشراب خاناه وألطنبغا برناق نائب صفد وملكتمر السعيدى وشادى أخو نائب حماة وطيبغا حلاوة الأوجاقىّ وابن أيدغدى الزرّاق ومهدى شاد الدواوين بحلب وأسنباى قريب ابن دلغادر وبهادر الحاموس وقليج أرسلان أستادار بيبغا أرس ومائة مملوك من مماليك الأمراء، فقيّدو الجميع وسجنوا، وتوجّه مع الأمير بيبغا أرس أحمد الساقى نائب حماة وبكلمش نائب طرابلس وطشتمر القاسمىّ نائب الرّحبة وآقبغا البالسىّ وطيدمر وجماعة أخر، تبلغ عدّتهم نحو مائة وستة عشر نفرا. ثم دخل الأمراء حلب وأخذوا أموال بيبغا أرس، وكتبوا إلى قراجا بن دلغادر بالعفو عنه والقبض على بيبغا أرس ومن معه، فأجاب بأنّه ينتظر فى القبض عليه مرسوم السلطان، وقد نزل بيبغا أرس عنده، وسأل إرسال أمان لبيبغا أرس وأنّه مستمرّ على إمرته، فجهّز له ذلك فامتنع من تسليمه، فطلب الأمراء رمضان من أمراء التّركمان، وخلع عليه بإمرة قراجا بن دلغادر وإقطاعه، وعاد الأمراء من حلب واستقرّ بها الأمير أرغون الكاملىّ نائب الشام، وعاد الجميع إلى دمشق ومعهم الأمراء المقبوض عليهم فى يوم الجمعة سلخ شهر رمضان، وصلّوا العيد بدمشق مع السلطان الملك الصالح صالح، وأقاموا إلى يوم الاثنين ثالث شوّال، جلس السلطان بطارمة قلعة دمشق وأخرجوا الأمراء فى الحديد ونودى عليهم: هذا جزاء من يجامر على

السلطان ويخون الأيمان. ووسّطوهم واحدا بعد واحد، وقد تقدّم ذكر أسمائهم عند القبض عليهم فوسّط الجميع، ما خلا ملكتمر السّعيدى «1» فإنه أعيد إلى السجن، وخلع السلطان على أيتمش الناصرىّ واستقرّ فى نيابة طرابلس «2» عوضا عن بكلمش السّلاح دار، وخلع على طنيرق بنيابة حماة عوضا عن أحمد الساقى، وعلى الأمير شهاب الدين أحمد بن صبيح «3» بنيابة صفد عوضا عن ألطنبغا برناق. ثم صلّى السلطان صلاة الجمعة بالجامع الأموىّ وهو سابع شوّال وخرج من دمشق يريد الديار المصريّة بأمرائه وعساكره، فكانت مدّة إقامته بدمشق سبعة وثلاثين يوما وسار حتّى وصل القاهرة فى يوم الثلاثاء خامس عشرين شوّال من سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة، ومشى بفرسه على الشّقق الحرير التى فرشت له بعد أن خرج الناس إلى لقائه والتفرّج عليه، فكان لدخوله القاهرة أمر عظيم لم يتّفق ذلك لأحد من إخوته، وعند ما طلع إلى القلعة تلقّته أمّه وجواريه ونثروا على رأسه الذهب والفضّة، بعد أن فرشت له طريقه أيضا بالشّقاق الأطلس الملوّنة، والتهانى تزفّه، ولم يبق بيت من بيوت الأمراء إلا وفيه الأفراح والتهانى. وفى قدوم السلطان الملك الصالح يقول العلّامة شهاب الدين أحمد بن أبى حجلة التّلمسانى الحنفىّ تغمده الله برحمته: [الكامل] الصالح الملك المعظّم قدره ... تطوى له أرض البعيد النازح لا تعجبوا من طيّها فى سيره ... فالأرض تطوى دائما للصالح ثم عمل السلطان عدّة مهمّات بالقلعة والقصر السلطانىّ، وخلع على جميع الأمراء وأرباب الوظائف.

ثم قبض على الوزير علم الدين عبد الله بن أحمد بن زنبور وهو بخلعته قريب المغرب، وسبب ذلك أنّه لمّا فرّقت التشاريف على الأمراء، غلط الذي أخذ تشريف الأمير صرغتمش، ودخل إليه بتشريف الأمير بلبان السّنانىّ الأستادار، فلمّا رآه صرغتمش تحرّك ما عنده من الأحقاد على ابن زنبور المذكور، وتنمّر «1» غضبا، وقام من فوره ودخل إلى الأمير شيخون وألقى البقجة قدّامه وقال: انظر فعل الوزير معى، وحلّ الشاش وكشف التشريف. فقال شيخون: هذا وقع فيه الغلط فقام صرغتمش وقد أخذه من الغضب شبه الجنون وقال: أنا ما أرضى بالهوان، ولا بدّ من القبض عليه، ومهما شئت فأفعل، وخرج فصادف ابن زنبور داخلا إلى شيخون وعليه الخلعة، فصاح فى مماليكه خذوه. ففى الحال نزعوا عنه الخلعة، وجرّوه إلى بيت صرغتمش، فسجنه فى موضع مظلم من داره، وعزل عنه ابنه رزق الله فى موضع آخر. وكان قبل دخوله إلى شيخون رتّب عدّة مماليك على باب خزانة الخاص، وباب النجاس «2» وباب القلعة وباب «3» القرافة وغيره من المواضع وأوصاهم بالقبض على حاشية ابن زنبور وجميع الكتّاب، بحيث لا يدعو أحدا منهم يخرج من القلعة، فعند ما قبض على ابن زنبور ارتجّت القلعة وخرجت الكتّاب، فقبضت مماليك صرغتمش عليهم كلّهم، حتى على شهود الخزانة وكتّابها، وكتّاب الأمراء الذين بالقلعة، واختلطت الطمّاعة بمماليك صرغتمش وصاروا يقبضون على الكاتب، ويمضون به إلى مكان ليعرّوه ثيابه، فإن احترموه أخذوا مهمازه من رجله، وخاتمه

من إصبعه، أو يفتدى نفسه منهم بمال يدفعه لهم، حتى يطلقوه، وفيهم من اختفى عند الغلمان، فقرّروا عليه مالا، واسترهنوا دواته، بحيث إنّ بعض غلمان أمير حسين أخى السلطان، جمع ستّ عشرة دواة من ستة عشر كاتبا، وأصبح يجبيهم ويدفع لهم أدويتهم. وذهب من الفرجيات والعمائم والمناديل شىء كثير. وساعة القبص على ابن زنبور، بعث الأمير صرغتمش الأمير جرچى والأمير قشتمر فى عدّة من المماليك إلى دور ابن زنبور بالصناعة «1» بمدينة مصر. وأوقعوا الحوطة على حريمه، وختموا بيوته وبيوت أصهاره وكانت حرمهم فى الفرح وعليهنّ الحلىّ والحلل، وعندهنّ معارفهنّ، فسلب المماليك كثيرا من النساء اللّاتى كنّ فى الفرح، حتّى مكّنوهنّ من الخروج إلى دورهنّ، فخرج عامّة نساء ابن زنبور وبناته ولم تبق إلّا زوجته فوكّل بها؛ وكتب إلى ولاة الأعمال بالوجه القبلىّ والوجه البحرىّ بالحوطة على ماله وزراعته، وماله من القنود والدّواليب وغيرها، وخرج لذلك عدّة من مقدّمى الحلقة، وتوجّه الحسام العلائىّ إلى بلاد الشام ليوقّع الحوطة على أمواله، وأصبح الأمير صرغتمش يوم السبت ثامن عشرين شوّال، فأخرج ابن الوزير ابن زنبور رزق الله بكرة، وهدّده ونزل به من داره من القلعة إلى بيته، وأخذ زوجة ابن زنبور أيضا وهدّدها، وألقى ابنها رزق الله إلى الأرض ليضربه فلم تصبر، ودلته على موضع المال فأخذ منه خمسه عشر ألف دينار وخمسين ألف درهم. وأخرج من بئر صندوقا فيه ستّة آلاف دينار ومصاغ. ووجد له عند الصارم مشدّ العمائر ستّة آلاف دينار ومائة وخمسين ألف درهم، سوى التّحف والتفاصيل

وثياب الصوف وغير ذلك. وألزم محمد [بن «1» ] الكورانىّ والى مصر بتحصيل بنات ابن زنبور، فنودى عليهنّ؛ ونقل ما فى دور صهرى ابن زنبور وسلّما لشادّ الدواوين، وعاد صرغتمش إلى القلعة، فطلب السلطان جميع الكتّاب وعرضهم، فعيّن موفّق الدين هبة الله [بن إبراهيم «2» ] للوزارة وبدر الدين [كاتب يلبغا «3» لنظر الخاصّ] و [تاج الدين «4» أحمد بن الصاحب] أمين الملك عبد الله بن الغنّام لنظر الجيش، وأخاه كريم الدين لنظر البيوت [وابن السعيد لنظر «5» الدولة] وقشتمر مملوك طقزدمر لشدّ الدواوين. وفى يوم الأحد تاسع عشرين شوّال خلع على الجميع، وأقبل الناس إلى باب صرغتمش للسعى فى الوظائف فولّى الأسعد حربة استيفاء الدولة، وولّى كريم الدين أكرم ابن شيخ ديوان الجيش. وسلم المقبوض عليهم لشادّ الدواوين وهم: الفخر [ابن «6» ] قروينة ناظر البيوت، والفخر بن مليحة ناظر الجيزة والفخر مستوفى الصّحبة، والفخر بن الرضىّ كاتب الإسطبل، وابن معتوق كاتب الجهات، وطلب التاج بن لفيتة ناظر المتجر وناظر المطبخ وهو خال ابن زنبور فلم يوجد، وكبست بسببه عدّة بيوت، حتى أخذ وصار الأمير صرغتمش ينزل ومعه ناظر الخاصّ وشهود الخزانة وينقل حواصل ابن زنبور من مصر «7» إلى حارة زويلة فأعياهم كثرة ما وجدوه له، وتتبّعت حواشى ابن زنبور، وهجمت دور كثيرة بسببهم.

ثم فى مستهلّ ذى القعدة نزل الأمير صرغتمش إلى بيت «1» ابن زنبور بالصناعة، وهدم منه ركنا فوجد فيه خمسة وستّين ألف دينار، حملها إلى القلعة، وطلب ابن زنبور وضربه عريانا فلم يعترف بشىء، فنزل إلى بيته وضرب ابنه الصغير وأمّه تراه فى عدّة أيام حتى أسمعته كلاما جافيا فأمر بها فعصرت، وأخذ ناظر الخاصّ فى كشف حواصل ابن زنبور بمصر، فوجد له من الزيت والشّيرج والنّحاس والرّصاص والكبريت والعكر «2» والبقّم «3» والقند «4» والعسل وسائر أصناف المتجر ما أذهله، فشرع فى بيع ذلك كلّه. هذا والأمير صرغتمش ينزل بنفسه وينقل قماش ابن زنبور وأثاثه إلى حارة زويلة ليكون ذخيرة للسلطان، فبلغت عدة الحمّالين الذين حملوا النّصافى والأوانى الذهب والفضّة والبلّور والصّينىّ والكتب والملابس الرجالية والنسائية والزراكش واللآلئ والبسط الحرير والمقاعد ثمانمائة حمّال، سوى ما حمل على البغال. وكان ما وجد له من أوانى الذهب والفضّة ستّين قنطارا، ومن الجواهر ستين رطلا، ومن اللؤلؤ الكبار إردبين، ومن الذهب الهرجة «5» مائتى ألف دينار وأربعة آلاف دينار وقيل ألف ألف

دينار، ومن الحوائص الذهب ستة آلاف حياصة، ومن الكلفتاة الزّركش ستة آلاف كلفتاه، ومن ملابسه عدّة ألفين وستمائة فرجية، ومن البسط ستة آلاف بساط، ومن الشاشات ثلثمائة شاش، ووجد له من الخيل والبغال ألف رأس، ودواب حلّابة ستة آلاف رأس، ومن معاصر السكر خمس وعشرون معصرة، ومن الإقطاعات سبعمائة إقطاع، كلّ إقطاع متحصله خمسة وعشرون ألف درهم فى السنة. ووجد له مائة عبد وستون طواشيّا وسبعمائة جارية، وسبعمائة مركب فى النيل، وأملاك قوّمت بثلاثمائة ألف دينار، ورخام بمائتى ألف درهم، ونحاس بأربعة آلاف دينار، وسروج وبدلات عدّة خمسمائة، ووجد له اثنان وثلاثون مخزنا، فيها من أصناف المتجر ما قيمته أربعمائة ألف دينار؛ ووجد له سعة «1» آلاف نطع وخمسمائة حمار ومائتا بستان وألف وأربعمائة ساقية، وذلك سوى ما نهب وما اختلس، على أنّ موجوده أبيع بنصف قيمته. ووجد فى حاصل بيت المال مبلغ مائة ألف وستون ألف درهم؛ وبالأهراء نحو عشرين ألف إردب: وهذا الذي ذكرناه محرّر عن الثقات. وأما غيرنا فذكر له أشياء كثيرة حدا، أضربنا عن ذكرها خوف المجازفة. وكان ابتداء ابن زنبورانه ناشر فى استيفاء الوجه القبلى، فنهض فيه وشكرت سيرته إلى أن عرض الملك الناصر محمد بن قلاوون الكتّاب ليختار منهم من يولّيه كاتب الإسطبل، وكان ابن زنبور هذا من جملتهم وهو شاب فأثنى عليه الفخر ناظر الجيش وساعده الأكوز والنّشو، فولّى كاتب الإسطبل عوضا عن ابن الجيعان فنالته فيها السعادة، وأعجب به السلطان لفطنتة فدام على ذلك حتى مات الناصر فاستقرّ مستوفى الصّحبة ثم انتقل عنها إلى نظر الدولة ثم ولى نظر الخاصّ بعناية الأمير أرغون العلائى ثم أضيف إليه نظر الجيش، وجمع بعد مدّة إليهما الوزارة ولم تتفق لأحد قبله هذه الوظائف.

قلت: ولا بعده إلى يومنا هذا، (أعنى لواحد فى وقت واحد) . وعظم فى الدولة ونالته السعادة، حتى إنه كان يخلع عليه فى ساعة واحدة ثلاث خلع ويخرج له ثلاث أفراس، ونفذت كلمته وقويت مهابته، واتّجر فى جميع الأصناف حتى فى الملح والكبريت، ولمّا صار فى هذه الرتبة كثرت حسّاده وسعوا فيه عند صرغتمش وأغروه به، حتى كان من أمره ما كان. وكان يقوم بكلف شيخون جميعها من ماله وصار صرغتمش يسمع شيخون بسببه الكلام، ويقول: لو مكنتنى منه أخذت منه للسلطان ما هو كيت وكيت، وشيخون يعتذر له ويقول: لا يوجد من يسدّ مسدّه، وإن كان ولا بدّ يقرّر عليه مال ويستمرّ على وظائفه، وبينما هم فى ذلك قدم الخبر بعصيان بيبغا أرس، فاشتغل صرغتمش عنه حتى سافروا وعادوا إلى القاهرة، ووقع من أمر الخلعة ما حكيناه ثم انتدب جماعة بعد مسكه للسعى فى هلاكه وأشاعوا أنه باق على دين النّصرانية، أثبتوا فى ذهن صرغتمش ذلك، وأنه لمّا دخل إلى القدس فى سفرته هذه بدأ فى زيارته بالقمامة «1» فقبّل عتبتها وتعبّد فيها ثم خرج إلى المسجد الأقصى فأراق الماء فى بابه ولم يصلّ فيه وتصدّق على النصارى ولم يتصدّق على غيرهم، ورتّبوا فتاوى أنه ارتدّ عن دين الإسلام. وكان أجلّ من قام عليه الشريف شرف الدين نقيب الأشراف والشريف أبو العباس الصّفراوىّ وبدر الدين ناظر الخاصّ والصوّاف تاجر الأمير صرغتمش، وأشهد «2» عليه أنّ جميع ما يملكه للسلطان من مال بيت المال دون ماله. ثم

حسّنوا لصرغتمش ضربه، فأمر به فأخرج وفى عنقه باشة وجنزير وضرب عريانا قدّام باب قاعة الصاحب من القلعة. ثم أعيد إلى موضعه وعصر وسقى الماء والملح. ثم سلّم لشدّ الدواوين وأمر بقتله، فنوّع عليه أنواع العذاب فتكلّم الأمير شيخون فى عدم قتله فأمسك عنه ورتّب له الأكل والشرب وغيّرت عنه ثيابه ونقل من قاعة الصاحب إلى بيت صرغتمش واستمرّ على ذلك إلى أن أخرج إلى قوص منفيا، ومات بها بعد أن أخذ سائر موجوده وأخذ منه ومن حواشيه فوق الألفى ألف دينار. انتهى. وأما أمر الديار المصرية فإنه لمّا كان يوم الاثنين ثامن عشرين ذى الحجّة قدم البريد من حلب بأخذ أحمد الساقى نائب حماة، وبكلمش نائب طرابلس من عند بن دلغادر وسجنا بقلعة حلب فأمر السلطان إلى نائب حلب بخلعه. وفى هذه الأيام توفّى الخليفة أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بعد أن عهد لأخيه أبى بكر، فطلب أبو بكر وخلع عليه خلعة الخلافة بحضرة السلطان والأمير شيخون ولقّب بالمعتضد بالله أبى بكر. يأتى ذكره فى الوفيات على عادة هذا الكتاب. وقد ذكرناه فى المنهل الصافى بأوسع مما يأتى ذكره فيه. وأيضا فى مختصرنا المنعوت: «بمورد اللّطافة فى ذكر من ولى السلطنة والخلافة» . وأما أمر بيبغا أرس فانه لمّا أرسل قراجا بن دلغادر أحمد الساقى نائب حماة وبكلمش نائب طرابلس إلى حلب فى القيود واعتقلا بقلعة حلب حسب ما ذكرناه، فكان ذلك آخر العهد بهما. ثم أرسل قراجا المذكور بيبغا أرس بعد أيام فى محرّم سنة أربع وخمسين وسبعمائة فاعتقل بقلعة حلب، وكان ذلك آخر العهد به أيضا. رحمه الله. وقيل: إنه ما حضر إلى حلب إلا رءوسهم. والله أعلم. وفى بيبغا أرس يقول الأديب زين الدين عبد الرحمن بن الخضر السنجارىّ الحلبىّ- رحمه الله- أبيانا منها: [الطويل]

بغى بيبغا بغى الممالك عنوة ... وما كان فى الأمر المراد موفّقا أغار على الشقراء فى قيد جهله ... لكى يركب الشهباء فى الملك مطلقا فلمّا علا فى ظهرها كان راكبا ... على أدهم لكنّه كان موثقا ثم رسم السلطان الملك الصالح صالح أن يقرّ أهل الذمّة على ما أقرهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- عليه من ترك تشبّههم بالمسلمين فى أمر من الأمور، وترك ركوب الخيل وحمل السلاح، ورفع أصواتهم على أصوات المسلمين وأشباه ذلك. ثم رسم بنفى الأمير منجك اليوسفى الوزير كان إلى صفد بطّالا. وفى هذه السنة (أعنى سنة أربع وخمسين وسبعمائة) انتهت عمارة الأمير سيف الدين طاز التى تجاه حمّام الفارقانى، فعمل طاز وليمة وعزم على السلطان والأمراء، ومدّ سماطا عظيما. ولمّا انتهى السّماط وعزم السلطان على الركوب، قدّم له أربعة أرؤس من الخيل بسروج ذهب وكنابيش زركش، وقدّم للامير سيف الدين شيخون فرسين، ولصرغتمش فرسين ولسائر الأمراء المقدّمين كل واحد فرسا، ولم يعهد قبل ذلك أن سلطانا نزل إلى بيت بعض الأمراء، بعد الملك الناصر محمد بن قلاوون إلا هذا. وحجّ بالناس فى هذه السنة الأمير ركن الدين عمر شاه الحاجب، صاحب القنطرة «1» خارج القاهرة.

ثم استهلّت سنة خمس وخمسين وسبعمائة، فكان فيها الواقعة والفتنة بين حاشية طاز وبين صرعتمش، والسبب لهذه الحركة أن الأمير صرغتمش كان يخاف من طاز ويغضّ منه وكذلك كان طاز يغضّ من صرغتمش، وكان طاز يدخل على شيخون مرارا عديدة بمسك صرغتمش، وكان شيخون يكره الفتن والفساد، وقصده الصلاح للأمور بكلّ ما يمكن فكان شيخون يعده ويصبّره، وكان صرغتمش أيضا يخاف شرّ طاز ويقول لشيخون: هذا ما يريد الّا هلاكى، فكان شيخون يطمّنه على نفسه ويعده بكلّ خير، وكان إخوة طاز وحواشيه تحرّضه على صرغتمش وعلى إثارة الفتنة وقوى أمر طاز وإخوته وخرج عن الحدّ، وهم الأمير جنتمر وكلناى وصهره طقطاى، فهؤلاء الذين كانوا يحرّكون طاز على قيام الفتنة، ومسك صرغتمش ليستبدّ طاز بالأمر وحده، ويكونوا هم عظماء الدولة، وشيخون يعلم بذلك ويسكّنهم ويرجعهم عن قصدهم، وطاز يستحى من شيخون، وطال الأمر إلى أن اتفق طاز مع إخوته المذكورين وغيرهم من مماليكه وأصحابه أنه يخرج هو إلى الصيد، فاذا غاب عن المدينة يركب هؤلاء على صرغتمش ومن يلوذ به ويمسكونه فى غيبته، فيكون بغيبة طاز له عذر عند شيخون من حيائه منه، فلمّا خرج طاز الى الصيد بالبحيرة بإذن الأمير شيخون له وما عند شيخون علم من هذا الاتّفاق، رتّب حاشية طاز وإخوته ومن يلوذ به أمرهم واجتمعوا ولبسوا السلاح وركبوا على صرغتمش فلمّا سمع شيخون بذلك أمر مماليكه أن يركبوا بالسلاح وكانوا مقدار سبعمائة مملوك فركبوا. وركب الأمير صرغتمش ومن يلوذ به، ووقع الحرب بينهم وبين إخوة طاز، وتقاتلا فانكسر إخوة طاز وقبض عليهم، وعلى أكابر مماليك طاز وحواشيه، فهربت البقية، فدخل صرغتمش هو ومن بقى من أكابر الأمراء إلى شيخون وقالوا: لا بدّ من خلع الملك الصالح صالح وإعادة الملك الناصر حسن إلى السلطنة،

ما وقع من الحوادث سنة 753

لكون الصالح كان يميل إلى طاز، فاعتذر شيخون بأعذار غير مقبولة، وأراد إبقاء الصالح. فلم يوافقوه وما زالوا به حتى أذعن واتفقوا على خلعه فخلع، وأعيد الملك الناصر حسب ما يأتى ذكره فى ترجمته. وكان خلع الملك الصالح صالح فى يوم الاثنين ثانى شوّال سنة خمس وخمسين وسبعمائة، فكانت مدّة سلطنته بالديار المصرية ثلاث سنين وثلاثة أشهر وأربعة عشر يوما، وحبس بالقلعة فى بعض دورها إلى أن توفّى بها فى ذى الحجة سنة إحدى وستين وسبعمائة، وله نحو سبع وعشرين سنة. ودفن بتربة «1» عمّه الملك الصالح علىّ بن قلاوون [الخاتونية] بالقرب من المشهد النفيسى خارج القاهرة. وكان- رحمه الله- ملكا جليلا مليح الشكل عاقلا لم تشكر سيرته ولم تذم، لأنه لم يكن له فى سلطنته إلا مجرّد الاسم فقط، لغلبة شيخون وطاز وصرغتمش على الأمر، لأنهم كانوا هم حلّ المملكة وعقدها واليهم أمورها لا لغيرهم. وأمّا أمر طاز فانه يأتى- إن شاء الله تعالى- فى أوّل سلطنة الملك الناصر حسن، بعد ذكر حوادث سنى الملك الصالح هذا، كما هى عادة هذا الكتاب انتهى والله سبحانه أعلم. *** [ما وقع من الحوادث سنة 753] السنة الأولى من سلطنة الملك الصالح صالح ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون على مصر وهى سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة، على أنه حكم من السنة الماضية من سابع عشر جمادى الآخرة إلى آخرها.

وفيها (أعنى سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة) : توفّى قاضى القضاة نجم الدين محمد الأذرعى الشافعى بدمشق على قضائها، وتولى بعده قضاء دمشق قاضى القضاة كمال الدين المعرّى قاضى قضاة حلب. وتوفّى الشيخ الإمام العلّامة فريد دهره ووحيد عصره، زين الدين المعروف بالعضد العجمى «1» الحنفى رحمه الله تعالى، كان إما بارعا مفتنّا فقيها مصنّفا، وله اليد الطّولى فى علم المعقول والمنقول، وتولى قضاء القضاة بممالك القان بو سعيد ملك التتار بل كان هو المشار اليه بتلك الممالك، والمعوّل على فتواه وحكمه، وتصدّى للإقراء والإفتاء والتصنيف عدّة سنين. ومن مصنفاته «شرح المختصر لابن الحاجب» و «المواقف» و «الجواهر» وغير ذلك فى عدّة فنون «2» ، وكان رحمه الله كريما عفيفا جواد احسن السّيرة مشكور الطريقة. وتوفّى الأديب الفاضل الشاعر بدر الدين أبو على الحسن بن على المغربى المعروف بالزّغارى الشاعر المشهور، مات عن نيف وخمسين سنة. ومن شعره قوله: [الرجز] أعجب ما فى مجلس اللهو جرى ... من أدمع الرّاووق لما انسكبت لم تزل البطّة فى قهقهة ... ما بيننا تضحك حتى انقلبت قال وله أيضا: [البسيط] قالت وقد أنكرت سقامى ... لم أر ذا «3» السّقم يوم بينك لئن أصابتك عين غيرى ... فقلت لا عين بعد عينك

قال وله أيضا: [المتقارب] فتنت بأسمر جلو اللّمى ... لسلوانه الصّبّ لم يستطع تقطّع قلبى وما رقّ لى ... ودمعى يرقّ ولا ينقطع وتوفّى النّوين أرتنا «1» ، وقيل: أرطنا سلطان بلاد الروم، كان نائبا عن السلطان بو سعيد بن خربندا ملك التتار بجميع ممالك الروم، ودام على ذلك سنين، فلمّا مات بو سعيد كاتب أرتنا هذا السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون وقال له: أريد أن أكون نائبك بممالك الروم، فأجابه الملك الناصر محمد وكتب له بذلك، وأرسل اليه الخلع السنيّة وكتب له: «نائب السلطنة الشريفة بالبلاد الرومية «2» » ولم تزل رسله تتردّد إلى الديار المصرية إلى أن مات فى أوائل المحرّم من هذه السنة، رحمه الله تعالى. وكان ملكا عارفا عاقلا سيوسا مدبّرا، طالت أيامه فى السعادة. وتوفّى الأمير سيف الدين تلك «3» بن عبد الله الناصرى الأمير آخور بغزّة فى عوده إلى الديار المصرية، وقد تقدّم ذكره فى عدّة أماكن من هذا الكتاب.

ما وقع من الحوادث سنة 754

وتوفّى الشيخ بهاء الدين محمد بن على بن سعيد الفقيه الشافعى بدمشق فى شهر رمضان وكان فقيها فاضلا يعرف بابن إمام المشهد» . وتوفّى القاضى شهاب الدين يحيى بن إسماعيل بن محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد بن خالد بن محمد بن نصر الشافعى الدّمشقى المعروف بابن القيسرانى كاتب سرّ دمشق بطّالا كانت لديه فضيلة وهو من بيت كتابة وفضل «2» . وتوفّى الأمير شهاب الدين أحمد بن بيليك «3» المحسنىّ، كان أميرا فقيها شافعيا أديبا نظم كتاب «التنبيه فى الفقه» وكتب عدّة مصنفات، وكان معدودا من الفضلاء العلماء. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع واثنتا عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وست عشرة إصبعا. *** [ما وقع من الحوادث سنة 754] السنة الثانية من سلطنة الملك الصالح صالح ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون على مصر وهى سنة أربع وخمسين وسبعمائة. فيها توفّى الخليفة أمير المؤمنين، الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن المستكفى بالله أبى الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله أبى العباس أحمد الهاشمى العباسى، كان بويع بالخلافة بعد وفاة والده بقوص فى العشرين من شعبان سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، فلم يمض له ما عهده أبوه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون لما كان

فى نفسه من والده المستكفى بالله من ميله للملك المظفر بيبرس الجاشنكير، وأراد أن يولّى الخلافة لبعض أقاربه بل أحضره وخلع عليه ثم مات الملك الناصر بعد ذلك بمدّة يسيرة، فتمّت بموته خلافة الحاكم هذا الى أن مات فى هذه السنة «1» . والمتولّى يومئذ لأمور الديار المصرية الأمير شيخون والأمير طازو والأمير صرغتمش ونائب السلطنة الأمير قبلاى، والسلطان الملك الصالح صالح وكان الحاكم مات ولم يعهد بالخلافة لأحد، فجمع الأمراء القضاة، وطلب جماعة من بنى العباس، حتى وقع الاختيار على أبى بكر بن المستكفى بالله أبى الربيع سليمان فبايعوه ولقّبوه بالمعتضد «2» . وتوفّى قاضى القضاة علاء الدين أبو الحسن على ابن الشيخ جمال الدين [يحيى «3» ] الحنفى المعروف بابن الفويرة فى العشر الأوسط من شوّال. كان فقيها بارعا باشر توقيع الدّست الشريف وكتب وصنّف وولى القضاء سنين. وتوفّى الشيخ المسند المعمّر صدر الدين محمد بن شرف الدين محمد بن إبراهيم الميدومى المصرى «4» فى شهر رمضان ودفن بالقرافة عن تسعين سنة. وكان مولده سنة أربع وستين وستمائة وهو آخر من حدّث عن النّجيب عبد اللطيف وابن علّان وسمع منه السّراجان: البلقينى وابن الملقّن.

وتوفّى القاضى الرئيس زين الدين أبو حفص عمر بن شرف الدين يوسف ابن عبد الله بن يوسف بن أبى السفاح الحلبى الشافعى الكاتب، كاتب الإنشاء بحلب، ثم ولى صحابة «1» الإنشاء بها ووكالة بيت المال الى أن مات بحلب عن نيّف وستين سنة. وتوفّى الأمير سيف الدين ألجيبغا بن عبد الله العادلى، كان من أكابر الأمراء أقام أميرا نحو ستين سنة، وكان قد أصابته ضربة سيف فى وقعة أرغون شاه بدمشق بانت منها يده اليمنى، واستمرّ على إمرته وتقدمته الى أن مات فى السابع من شهر ربيع الآخر، ودفن بتربته بدمشق خارج باب الجابية وقد أناف على تسعين سنة «2» . وتوفّى الأمير الجليل بدر الدين مسعود بن أوحد بن مسعود بن الخطير بدمشق فى سابع شوّال، بعد ما تنقّل فى عدّة ولايات وأعمال: مثل حجوبية الحجّاب بديار مصر ونيابة غزّة وغير ذلك. وكان مولده سنة ثلاث وثمانين وستمائة بدمشق ونشأ بها وولى الحجوبية بها، وأرسله تنكز الى مصر صحبة أسندمر رسول جوبان، فلمّا رآه الملك الناصر أعجبه شكله فرسم له بإمرة طبلخاناه بمصر وجعله من جملة الحجّاب، فأقام على ذلك الى أن قبض السلطان على مملوكه ألماس الحاجب ولّاه عوضه حاجب الحجّاب، ولم يكن بمصر يوم ذلك نائب سلطنة، فعظم أمره إلى أن مسك تنكز رسم له بنيابة غزّة، ثم بعد موت الملك الناصر أعطى إمرة بدمشق، ثم طلب إلى مصر وأعيد إلى حجوبيّة الحجّاب ثانيا، فلم تطل مدّته لاختلاف الكلمة

وأخرج إلى نيابة غزّة ثانيا، ثم عزل ونقل إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، ثم ولى نيابة غزّة ثالث مرّة وأقام بها سنين، ثم عزل وتوجّه إلى دمشق أميرا بها. ثم ولى نيابة طرابلس فلم تطل مدّته بها وعزل، وتوجّه أيضا إلى دمشق فأقام بها إلى أن مات. رحمه الله «1» . وتوفّى فى هذه السنة جماعة ممن تقدّم ذكرهم من الأمراء قتلوا بقلعة حلب وهم: الأمير أحمد الساقى نائب حماة «2» وبكلمش نائب طرابلس «3» وبيبغا أرس نائب حلب وغيرهم. فأما الأمير بيبغا أرس القاسمىّ، فإن أصله من مماليك الملك الناصر محمد ابن قلاوون ومن أعيان خاصكيّته، ثم ولى بعد موته نيابة السلطنة بالديار المصرية فى أوّل سلطنة الملك الناصر حسن، ثم قبض عليه بطريق الحجاز وحبس ثم أطلق فى أوّل دولة الملك الصالح صالح، وتولّى نيابة حلب بعد أرغون الكاملى، ولمّا ولى نيابة حلب شدّد على من يشرب الخمر بها إلى الغاية، وظلم وحكم فى ذلك بغير أحكام الله تعالى، حتى إنه سمّر من سكر وطيف به بشوارع حلب، وفى هذا المعنى يقول ابن حبيب: [الرجز] أهل الطّلا توبوا وكلّ منكم ... يعود عن ساق التّقى مشمّرا فمن يبت راووقه معلّقا ... أصبح ما بين الورى مسمّرا وفيه أيضا يقول القاضى شرف الدين حسين بن ريان «4» : [الخفيف] تب عن الخمر فى حلب ... والزم العقل والأدب حدّها عند بيبغا ... بالمسامير والخشب

ثم خرج بيبغا عن طاعة السلطان، ووقع له ما حكينا فى ترجمة الملك الصالح إلى أن ظفر به وقتل فى قلعة حلب، وفيه يقول بعض الأدباء: [البسيط] لمّا اعتدى بيبغا العادى ومن معه ... على الورى فارقوا كرها مواطنهم خوف الهلاك سروا ليلا على عجل ... فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم «1» وتوفّى الرئيس أمين الدين إبراهيم بن يوسف المعروف بكاتب طشتمر، كان من أعيان الكتّاب وتولّى نظر الجيش بالديار المصرية مدّة، ثم عزل وأخرج الى القدس فأقام به مدّة، ثم أعيد الى القاهرة فأقام بها الى أن مات «2» . وتوفّى الأمير سيف الدين بيغرا بن عبد الله الناصرى ثم المنصورى، أحد أمراء الألوف بالديار المصرية وهو بطّال بحلب، وكان شجاعا مقداما من أعيان أمراء مصر وقد تقدّم ذكره فى عدّة أماكن «3» . وتوفّى الأمير زين الدين قراجا بن دلغادر صاحب أبلستين فى رابع عشر ذى القعدة، وقد تقدّم ذكره فى واقعة الأمير بيبغا أرس «4» . وتوفّى مستوفى الصحبة أسعد حربة أحد الكتّاب المسالمة فى ذى القعدة من السنة. وتوفى الشيخ جمال الدين أبو الحجاج يوسف ابن الإمام شمس الدين أبى محمد عبد الله بن العفيف محمد بن يوسف بن عبد المنعم المقدسى النابلسى ثم الدمشقى الحنبلى فى شهر رجب ومولده سنة إحدى وتسعين وستمائة «5» .

وتوفّى الشيخ إمام الدين محمد بن زين الدين محمد بن محمد بن محمد بن أحمد ابن على بن محمد بن الحسن القيسى القسطلانيّ الشافعى بالقاهرة فى عشرين المحرّم، ومولده بمكّة المشرّفة فى سنة إحدى وسبعين وستمائة «1» . وتوفّى حاكم الموصل وسنجار الأمير بدر الدين حسن بن هندوا. كان من أعيان الملوك وكان بينه وبين صاحب ماردين عداوة، ووقع بينهما حروب قتل فى بعضها حسن هذا بعد القبض عليه «2» . وتوفّى القاضى شرف الدين أبو محمد عبد الوهاب [بن الشهاب «3» أحمد بن محيى الدين يحيى] بن فضل الله بن المجلّى بن دعجان بن خلف القرشىّ العمرى، نسبته الى عمر بن الخطّاب رضى الله عنه. [مات فى شوّال «4» من هذه السنة] . [مولده «5» فى ثالث ذى الحجّة سنة ثلاث وعشرين وستمائة بدمشق، ومات بها فى شهر رمضان وكان إماما بارعا كاتبا بليغا أديبا مترسّلا، كتب المنسوب الفائق وتنقّل فى الخدم حتى ولى ناظر ديوان الإنشاء بالديار المصرية مدّة طويلة، وهو أوّل كاتب سرّ ولى بمصر من بنى فضل الله، ولّاه الأشرف خليل بن قلاوون بعد عزل عماد الدين إسماعيل بن أحمد بن الأثير، فدام فى كتابة السرّ سنين، الى أن نقله الملك الناصر محمد بن قلاوون الى كتابة سرّ دمشق، عوضا عن أخيه محيى الدين

ما وقع من الحوادث سنة 755

يحيى بن فضل الله، وولى عوضه القاضى علاء الدين بن الأثير، ولمّا مات رثاه الشعراء والعلماء ورثاه العلّامة شهاب الدين محمود بقصيدته التى أوّلها: [الطويل] لتبك المعالى والنّهى الشرف الأعلى ... وتبك الورى الإحسان والحلم والفضلا «1» ومن شعر القاضى شرف الدين المذكور يمدح الملك المنصور قلاوون الألفى الصالحى: [الكامل] تهب الألوف ولا تهاب لهم ... ألفا إذا لاقيت فى الصّفّ ألف وألف فى ندى ووغى ... فلاجل ذا سمّوك بالألفى «2» وله أيضا لمّا ختن الملك الناصر محمد بن قلاوون. [الخفيف] لم يروّع له الختان جنانا ... قد أصاب الحديد منه حديدا «3» مثلما تنقص المصابيح بالقطّ ... فتزداد فى الضياء وقودا أمر النيل فى هذه، السنة- الماء القديم خمس أذرع سواء. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وست عشرة إصبعا. والله سبحانه أعلم. *** [ما وقع من الحوادث سنة 755] السنة الثالثة من سلطنة الملك الصالح صالح ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون على مصر وهى سنة خمس وخمسين وسبعمائة وفيها خلع الملك الصالح المذكور فى ثانى شوّال.

وفيها توفّى العلّامة زين الدين أبو الحسن علىّ بن الحسين بن القاسم بن منصور ابن علىّ الموصلىّ الشافعىّ الشهير بابن شيخ العوينة بالموصل «1» عن أربع وسبعين سنة، وكان إماما فقيها بارعا مصنّفا ناظما ناثرا، نظم كتاب «الحاوى» فى الفقه، وشرح «المختصر» و «المفتاح» ، وقدم الى الشام متوجّها الى الحجاز الشريف وهو القائل: [الطويل] وما اخترت بعد الدار عمّن أحبّه ... صدودا وحاشى أن يقال صدود ولكنّ أسباب الضرورة لم تزل ... الى غير ما تهوى النفوس تقود «2» وتوفّى القاضى شهاب الدين أحمد ابن القاضى شمس الدين إبراهيم بن المسلم ابن هبة الله بن حسّان بن محمد بن منصور الجهنىّ الشافعى الشهير بابن البارزىّ، ناظر أوقاف دمشق وبها مات عن نيّف وثمانين سنة «3» . وتوفّى الشيخ الإمام سراج الدين أبو حفص عمر ابن القدوة نجم الدّين عبد الرحمن بن الحسين بن يحيى بن عبد المحسن القبّانى الحنبلى، كان إماما زاهدا عابدا أفتى ودرّس وحدّث وباشر مشيخة المالكيّة بالقدس الى مات «4» . وتوفّى الشيخ الإمام العالم العلّامة فخر الدين أبو طالب أحمد بن علىّ بن أحمد الكوفى البغدادىّ الحنفىّ الشهير بابن الفصيح، مات بدمشق وقد قارب الثمانين سنة. وكان إماما عالما بارعا فى فنون، ناظما ناثرا، نظم «الكنز فى الفقه» و «السراجية

فى الفرائض» وقدم إلى دمشق وتصدّى للافتاء والتدريس والإقراء الى أن مات بها ومن «1» شعره وهو فى غاية الحسن: [الوافر] أمرّ سواكه من فوق درّ ... وناولنيه وهو أحبّ عندى فذقت رضابه ما بين ندّ ... وخمر أمزجا منه بشهدى «2» وله أيضا: [الرجز] زار الحبيب فحيّا ... يا حسن ذاك المحبّا من صدّه كنت ميتا ... من وصله عدت» حيّا وتوفّى الشيخ الامام شهاب الدين أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الظاهرى الدمشقى الشافعى مدرّس الفرّوخشاهيّة «4» ، كان فقيها فاضلا. مات بدمشق عن نيّف وثمانين سنة. وكان «5» له نظم وينشئ المقامات، وله القصيدة الحجازية التى أولها: [الطويل] سرت نسمة الوادى فأذكرت الصّبّا ... ليالى منى فانصبّ مدمعه صبّا وتوفّى الشيخ الإمام جمّال الدين محمد بن علاء الدين علىّ بن الحسن الهروى الحلبىّ الحنفىّ المعروف بالشيخ زاده. كان فقيها متصوّفا زاهدا. قال ابن حبيب أنشدنى بيتين بالفارسى وذكر لى معناهما واقترح علىّ نظمهما بالعربى فقلت: [الكامل]

ألحاظه شهدت بأنّى مخطئ ... وأتت بخطّ عذاره تذكارا يا حاكم الحبّ اتّئد فى قصّتى ... فالخطّ زور والشّهود سكارى ومن إنشاء الشيخ زاده المذكور قوله: [الطويل] وما العيش إلّا والشّبيبة غضّة ... ولا الحبّ إلّا والمحبّون أطفال وهم زعموا أنّ الجنون أخو الصّبا ... فليت جنونا دام والناس غفّال وكانت وفاته بحلب عن نيّف وخمسين سنة «1» . وتوفّى الشريف علاء الدين أبو الحسن علىّ ابن الشريف عز الدين حمزة بن علىّ ابن حسن بن زهرة بن الحسن بن زهرة بن الحسين الحلبى نقيب الأشراف بحلب، وبها مات عن نيّف وسبعين سنة، وكان رئيسا كاتبا مجيدا عارفا مثريا «2» . وتوفّى الصاحب الوزير علم الدين عبد الله بن تاج الدين أحمد بن إبراهيم الشهير بابن زنبور المصرىّ القبطىّ المقدّم ذكره ولى الوزارة ونظر الجيش والخاصّ ولم تجتمع لأحد قبله. ثم نكب وصودر وأخذت أمواله وذخائره التى وصفناها فى ترجمة الملك الصالح ومات بقوص معتقلا «3» . وتوفّى الوزير الصاحب موفّق الدين أبو الفضل هبة الله بن سعيد الدّولة القبطىّ المصرىّ، ولى نظر الدولة ثم الخاص ثم الوزارة إلى أن مات، وكان مشكور السّيرة حسن الأخلاق، وعنده تواضع وكرم ومعرفة وعقل «4» .

وتوفّى الأمير سيف الدين أيتمش المحمدى الناصرى، نائب طرابلس. مات بها وتولّى عوضه منجك اليوسفىّ الوزير أخو بيبغا أرس، وكان أيتمش وافر الحشمة ليّن الجانب بعيد الشرّ قريب الخير، وعنده عقل وسكون ووقار، ولى الحجوبيّة والوزارة بالديار المصرية، ثم ولى نيابة دمشق مدّة سنين، إلى أن قبض عليه وسجن بثغر الإسكندرية، ثم أطلق وولى نيابة طرابلس بعد بكلمش الناصرىّ فدام على نيابتها إلى أن مات «1» . وتوفّى السلطان أبو الحجاج يوسف بن إسماعيل بن فرج صاحب الأندلس وما والاها، طعن بخنجر فى جبينه فى يوم عيد الفطر، فمات منه وتسلطن بعده ابنه أبو عبد الله محمد بن يوسف «2» . وتوفّى الأمير سيف الدين إياجى بن عبد الله الناصرى، نائب قلعة دمشق، كان شجاعا مقداما أظهر فى فتنة الأمير بيبغا أرس أمرا عظيما من حفظ قلعة دمشق وقاتل بيبغا أرس قتالا عظيما وقام فى ذلك أتمّ قيام. وتوفّى الأمير سيف الدين مغلطاى بن عبد الله الناصرىّ، بطّالا فى عاشر شهر رمضان، وكان من أعيان ممالك الملك الناصر محمد بن قلاوون وخاصّكيّته وتولّى رأس نوبة ثم صار أمير شكار ثم ولى الأمير آخورية الكبرى، ثم أمسك وحبس بعد أمور وقعت له ثم أطلق وأخرج الى الشام بطّالا، فدام به إلى أن مات رحمه الله تعالى «3» .

وتوفّى تاج الدين أبو الفضائل أحمد بن الصاحب أمين الملك عبد الله بن الغنّام القبطىّ المصرىّ فى شوّال تحت العقوبة، وهو أحد الكتّاب المعدودة وتولّى عدّة وظائف وباشر عدّة مباشرات، وكان مشكور السّيرة. رحمه «1» الله. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وثلاث عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة تسع عشرة ذراعا وخمس أصابع.

سلطنة الملك الناصر حسن الثانية على مصر

سلطنة الملك الناصر حسن الثانية على مصر قد تقدّم ذكره فى سلطنته الأولى من هذا الكتاب وذكرنا أيضا سبب خلعه من السلطنة بأخيه الملك الصالح صالح ثم ذكرنا فى ترجمة أخيه الصالح سبب خلع الصالح وإعادة الناصر هذا فلا حاجة لذكر ذلك ثانيا. والمقصود هنا الآن ذكر عود الملك الناصر حسن الى ملكه فنقول: ولمّا قبض على أصحاب الأمير طاز اتّفق صرغتمش مع الأمير شيخون على خلع الملك الصالح من السلطنة وسلطنة الملك الناصر حسن ثانيا وأبرموا ذلك حتى تمّ لهم فقاموا ودخلوا الى القلعة وأرسلوا طلبوا الملك الصالح، فلمّا توجّه اليهم أخذ من الطريق وحبس فى بيت من قلعة الجبل وأرسلوا أشهدوا عليه بأنه خلع نفسه من السلطنة، ثم طلبوا الملك الناصر حسنا من محبسه بالقلعة، وكلّموه فى عوده، وأشرطوا عليه شروطا قبلها. فاخذوه إلى موضع بالقلعة، فيه الخليفة والقضاة، وبايعوه ثانيا بالسلطنة، ولبّسوه تشريف السلطنة وأبّهة الملك، وركب فرس النّوبة ومشت الأمراء بين يديه الى الإيوان، فنزل وجلس على تخت الملك، وقبّلوا الأمراء الأرض بين يديه على العادة، وكان ذلك فى يوم الاثنين ثانى شوّال سنة خمس وخمسين وسبعمائة، ولم يغيّر لقبه بل نعت بالناصر كما كان أوّلا على لقب أبيه، ونودى باسمه بمصر والقاهرة، ودقّت البشائر وتمّ أمره وحالما قلع الملك الناصر خلعة السلطنة عنه، أمر فى الحال بمسك الأمير طاز، فشفع فيه الأمير شيخون لأنه كان أمّنه وهو نزيله، فرسم له السلطان بالتوجّه إلى نيابة حلب، فخرج من يومه وأخذ فى إصلاح أمره، إلى أن سافر يوم الجمعة سادس شوّال وسار حتى وصل حلب، فى الخامس من ذى القعدة، وكانت ولايته لنيابة حلب عوضا عن الأمير أرغون الكاملىّ، وطلب أرغون إلى مصر، فحضر أرغون الى للقاهرة وأقام بها مدّة يسيرة ثم أمسك، وأقام طاز فى نياية حلب، ومعه أخوه كلتاى وجنتمر وكلاهما مقدّمان بها.

ودام الملك الناصر حسن فى الملك إلى أن دخلت سنة ست وخمسين وسبعمائة والخليفة يوم ذاك المعتضد بالله أبو بكر، ونائب السلطنة بمصر الأمير آقتمر عبد الغنى وأتابك العساكر الأمير شيخون العمرىّ، وهو أوّل أتابك سمى بالأمير الكبير، وصارت من بعده الأتابكية وظيفة إلى يومنا هذا، ولبسها بخلعة وإنما كانت العادة فى تلك الأيام من كان قديم هجرة من الأمراء سمّى بالأمير الكبير [من غير «1» خلعة فكان فى عصر واحد جماعة كلّ واحد منهم يسمّى بالأمير الكبير] حتى ولّى شيخون هذا أتابكيّة العساكر- وسمّى بالأمير الكبير- بطلب تلك العادة القديمة وصارت من أجلّ وظائف الأمراء، تمّ ذلك. انتهى. وكان نائب الشام يوم ذاك أمير علىّ الماردينى، ونائب حلب طاز، وصاحب بغداد وما والاها الشيخ حسن ابن الشيخ حسين سبط أرغون بن أبغا بن هولاكو. وفى هذه السنة أيضا كملت خانقاة «2» الأمير الكبير شيخون العمرى بالصّليبة والربع «3»

والحمّامان «1» وفرغت هذه العمارة ولم يتشوّش أحد بسبيها، ورتّب فى مشيختها العلّامة أكمل الدين «2» محمد البابرتى «3» الحنفىّ، وأشركه فى النظر. ودام السلطان حسن فى السلطنة ولم يحرّك ساكنا إلى أن استهلّت سنة ثمان وخمسين وسبعمائة قبض على أربعة من الأمراء وسجنوا بثغر الإسكندرية، وهم: الأمير قجا السلاح دار، وطقطاى الدّوادار، وقطلوبغا الذهبى، وخليل بن قوصون وخلع على الأمير علم دار باستقراره فى الدوادارية، وخلع على الأمير قشتمر باستقراره حاجبا ووزيرا، وكان القبض على هؤلاء الأمراء بعد أن ضرب الأمير شيخون بالسيف، وحمل إلى داره «4» جريحا ولزم الفراش الى أن مات، حسب ما يأتى ذكره.

وأمر ضرب شيخون كان فى يوم الاثنين من شعبان سنة ثمان وخمسين وسبعمائة، وهو أن السلطان الملك الناصر حسنا جلس فى اليوم المذكور على كرسى الملك بدار العدل «1» للخدمة، والأمراء جلوس فى الخدمة والقضاة والأعيان وجميع أرباب الدولة، وبينما السلطان جالس على كرسى الملك وثب مملوك من المماليك السلطانية يسمّى قطلو خجا السلاح دار على الأمير الكبير شيخون، وضربه بالسيف ثلاث ضربات أصابت وجهه ورأسه وذراعه، فوقع شيخون مغشيّا عليه، وأرجف بموته، وقام السلطان من على الكرسى ودخل الى القصر، ووقعت الهجّة، فلمّا سمعت مماليك شيخون بذلك، طلعوا القلعة راكبين صحبة أمير خليل بن قوصون أحد الأربعة المقبوض عليهم بعد ذلك، فحملوا شيخون على جنويّة «2» وبه رمق، ونزلوا به الى داره، وأحضروا الجرائحية فأصلحوا جراحاته، وبات شيخون تلك الليلة، وأصبح السلطان الملك الناصر حسن نزل لعيادته من الغد، فدخل عليه وحلف له أن الذي وقع لم يكن بخاطره ولا له علم به، وكان الناس ظنوا أن السلطان هو الذي سلّطه على شيخون، فتحقّق الناس براءة السلطان، وطلع السلطان الى القلعة وقد قبض على قطلو خجا المذكور، فرسم السلطان بتسميره فسمّر. ثم وسّط فى اليوم المذكور، بعد أن سأل السلطان قطلوخجا السلاح دار المذكور عن سبب ضرب شيخون بالسيف، فقال: طلبت منه خبزا فمنعنى منه وأعطاه لغيرى. ولزم شيخون الفراش من جراحه الى أن مات فى ذى القعدة من السنة، وبموته خفّ عن السلطان أشياء كثيرة، فإنه كان ثقيل الوطأة على السلطان الى الغاية، بحيث إن السلطان كان لا يفعل شيئا حتى يشاوره حقيرها وجليلها، فلما مات التفت السلطان حسن الى إنشاء مماليكه، فأمّر منهم جماعة كثيرة على ما سيأتى ذكره.

ثم أخذ السلطان حسن فى شراء دار ألطنبغا الماردانى ويلبغا اليحياوى بالرّميلة وهدمهما وأضاف اليهما عدّة دور وإسطبلات أخر، وشرع فى بناية مدرسته «1» المعروفة به تجاه قلعة الجبل، التى لم يبن فى الإسلام نظيرها، ولا حكاها معمار فى حسن عملها، وذلك فى سنة ثمان وخمسين المذكورة. ولما شرع فى عمارتها جعل عليها مشدّين ومهندسين واجتهد فى عملها. وأما مصروفها وما اجتمع بها من الصّنّاع والمعلّمين فكثير جدا لا يدخل تحت حصر، وقيل: إن إيوانها يعادل إيوان كسرى فى الطول. قلت: وفى الجملة إنها أحسن ما بنى فى الدنيا شرقا وغربا فى معناها بلا مدافعة. وفى هذه السنة وقع أمر عجيب، قال ابن كثير فى تاريخه: «وفى هذه السنة «2» حملت جارية من عتقاء الأمير الهيدبانى «3» قريبا من تسعين يوما، ثم شرعت تطرح ما فى بطنها، فوضعت قريبا من أربعين ولدا، منهم أربع عشرة بنتا. وقد تشكل الجميع، وتميّز الذكر من الأنثى، فسبحان القادر على كل شىء. قلت: وابن كثير ثقة حجّة فيما يرويه وينقله. انتهى.

ولما مات شيخون انفرد صرغتمش بتدبير المملكة، وعظم أمره واستطال فى الدولة، وأخذ وأعطى وزادت حرمته وأثرى وكثرت أمواله، الى أن قبض عليه الملك الناصر حسن حسب ما يأتى ذكره فى محلّه، إن شاء الله تعالى. ثم إنّ السلطان قبض على الأمير طاز نائب حلب، فى أوائل سنة ثمان وخمسين المذكورة بسفارة صرغتمش، وقيّده وحمله إلى الإسكندرية فحبسه بها، وولّى عوضه فى نيابة حلب الأمير منجك اليوسفىّ الوزير، نقل إليها من نيابة طرابلس. ثم عزل السلطان عزّ الدين بن جماعة «1» عن قضاء الشافعية بديار مصر، وولّى عوضه بهاء الدين «2» بن عقيل، فأقام ابن عقيل فى القضاء ثمانين يوما وعزل، وأعيد ابن جماعة ثم نقل السلطان منجك اليوسفىّ المذكور من نيابة حلب إلى الشام عوضا عن أمير على الماردينى، ونقل الماردينى إلى نيابة حلب، كلّ ذلك فى سنة ثمان وخمسين وسبعمائة المقدّم ذكرها، وخلع السلطان على تاج الدين بن ريشة واستقرّ فى الوزارة ثم نفى السلطان جماعة من الأمراء، منها الأمير چرچى الإدريسىّ، وأنعم بإقطاعه وهو إمرة مائة وتقدمة ألف بديار مصر على مملوكه يلبغا العمرى صاحب الكبش «3» وهو الذي قتل أستاذه الملك الناصر حسنا المذكور، حسب ما يأتى ذكره فى وقته من هذا الكتاب فى هذه الترجمة، ثم خلع عليه وجعله أمير مجلس عوضا عن الأمير تنكز بغا الماردينى. ثم فى يوم الخميس العشرين من شهر رمضان سنة

تسع وخمسين وسبعمائة، أمسك السلطان الأمير صرغتمش الناصرىّ، بعد ما أقعد له قواعد مع الأمير طيبغا الطويل ويلبغا العمرى وغيرهما، وأمسك معه جماعة من الأمراء، وهم طشتمر القاسمى حاجب الحجاب، وطيبغا الماجارى وأزدمر وقمارى وأرغون الطّرخانى وآقجبا الحموىّ، وجماعة أخر من أمراء الطبلخانات والعشرات، وكان سبب مسكه أنّ صرغتمش كان قد عظم أمره بعد موت شيخون، واستبدّ بأمور الدولة وتدبير الملك، فلما تمّ له ذلك، ندب الملك الناصر حسنا لمسك طاز ووغّر خاطره عليه، حتى كان من أمره ما كان، فلمّا صفا له الوقت بغير منازع، لم يقنع بذلك، حتى رام الوثوب على الملك الناصر حسن ومسكه واستقلاله بالملك، فبلغ الناصر ذلك فاتّفق مع جماعة من الأمراء على مسكه عند دخوله على السلطان فى خلوة، فلمّا كان وقت دخوله وقفوا له فى مكان رتّبهم السلطان فيه، فلما دخل صرغتمش احتاطوا به وقبضوا عليه، ثم خرجوا لمن عيّن لهم من الأمراء المقدّم ذكرهم، فقبضوا عليهم أيضا فى الحال، وحبسوا الجميع بقلعة الجبل، فلما بلغ مماليك صرغتمش وحواشيه من المماليك، ركبوا بالسلاح وطلعوا الى الرميلة، فنزل إليهم المماليك السلطانية من القلعة، وقاتلوهم من بكرة النهار الى العصر عدّة وجوه، إلى أن كانت الكسرة على مماليك صرغتمش. وأخذتهم السيوف السلطانية، ونهبت دار صرغتمش عند بئر الوطاويط «1» ، ونهبت دكاكين الصليبة، ومسك من الأعجام صوفية المدرسة «2» الصّرغتمشية جماعة لأنهم ساعدوا الصّرغتمشية وأحموهم عند

كسرتهم؛ وما أذّن المغرب حتى سكن الأمر وزالت الفتنة، ونودى بالأمان والبيع والشراء. وأصبح الملك الناصر حسن فى بكرة يوم الثلاثاء وهو سلطان مصر بلا منازع، وصفا له الوقت، وأخذ وأعطى، وقرّب من اختار وأبعد من أبعد، وخلع على الأمير ألجاى اليوسفىّ واستقرّ به حاجب الحجاب عوضا عن طشتمر القاسمىّ، وخلع على جماعة أخر بعدّة وظائف، ثم أخذ فى ترقية مماليكه والإنعام عليهم. وأعيان مماليكه: يلبغا العمرىّ وطيبغا الطويل وجماعة من أولاد الأمراء. وكان يميل لإنشاء أولاد «1» الناس وترقّيهم الى الرتب السنية، لا لحبّه لهم، بل كان يقول: هؤلاء مأمونو العاقبة، وهم فى طىّ علمى، وحيث وجّهتهم إليه توجّهوا، ومتى

أحببت عزلهم أمكننى ذلك بسهولة، وفيهم أيضا رفق بالرعية ومعرفة بالأحكام، حتى إنه كان فى أيامه منهم عدّة كثيرة، منهم أمراء مقدّمون، يأتى ذكر أسمائهم فى آخر ترجمته، إن شاء الله تعالى. ثمّ أخرج السلطان صرغتمش ورفقته فى القيود الى الإسكندرية، فسجن صرغتمش بها إلى أن مات فى ذى الحجة من السنة، على ما سيأتى ذكر صرغتمش فى الوفيات من حوادث سنين الملك الناصر حسن. ثم إن السلطان عزل الأمير منجك اليوسفى عن نيابة دمشق فى سنة ستين وسبعمائة، وطلبه الى الديار المصرية، فلما وصل منجك الى غزّة بلغه أن السلطان يريد القبض عليه، فتسحّب ولم يوقف له على خبر، وعظم ذلك على السلطان وأكثر من الفحص عليه، وعاقب بسببه خلائق فلم يفده ذلك. ثم خلع السلطان على الأمير علىّ الماردينىّ نائب حلب، بإعادته إلى نيابة دمشق كما كان أوّلا، واستقرّ بكتمر المؤمنىّ فى نيابة حلب عوضا عن علىّ الماردينى، فلم تطل مدّته بحلب وعزل عنها بعد أشهر بالأمير أسندمر الزينى، أخى يلبغا اليحياوىّ نائب الشام كان. ثم خلع السلطان على فخر الدين بن قروينة باستقراره فى نظر الجيش والخاص معا، ثم ظهر الأمير منجك اليوسفىّ من اختفائه فى بيت بالشّرف الأعلى بدمشق، فى سنة إحدى وستين وسبعمائة، بعد أن اختفى به نحو السنة، فأخذ وأحضر الى القاهرة، فلمّا مثل بين يدى السلطان وعليه بشت عسلى «1» وعلى رأسه مئزر صفح

عنه لكونه لم يخرج من بلاده، ورسم له بإمرة طبلخاناة بدمشق، وأن يكون طرخانا «1» يقيم حيث شاء، وكتب له بذلك توقيع شريف. ثم فى هذه السنة وقع الوباء بالديار المصرية، الى أوائل سنة اثنتين وستين وسبعمائة، ومات فى هذا الوباء جماعة كثيرة من الأعيان وغيرهم، وأكثرهم كان لا يتجاوز مرضه أربعة أيام الى خمسة، ومن جاوز ذلك يطول مرضه، وهذا الوباء يقال له: الوباء الوسطىّ (أعنى بين وباءين) . وفى هذه الأيام عظم يلبغا العمرى فى الدولة حتى صار هو المشار اليه، وثقلت وطأته على أستاذه الملك الناصر حسن، مع تمكّن الملك الناصر فى ملكه، وكان يلبغا العمرى وطيبغا الطويل وتمان تمرهم أعظم أمرائه وخاصّكيّته من مماليكه. فلمّا أن استهلت سنة اثنتين وستين وسبعمائة بلغ الملك الناصر أنّ يلبغا ينكر عليه من كونه يعطى الى النساء الإقطاعات الهائلة، وكونه يختص بالطواشية ويحكّمهم فى المملكة وأشياء غير ذلك، وصارت الخاصكيّة ينقلون للسلطان عن يلبغا أمورا قبيحة فى حقّه فى مثل هذا المعنى وأشباهه، فتكلّم الملك الناصر حسن مع خواصّه بما معناه: إنه قبض على أكابر أمرائه من مماليك أبيه، حتى استبدّ بالأمر من غير منازع، وأنشأ مماليكه مثل يلبغا المذكور وغيره، حتى يسلم من معارض، فصار يلبغا يعترض عليه فيما يفعله، فعظم عليه ذلك وندم على ترقيه، وأخذ يترقّب وقتا يمسك يلبغا فيه.

واتّفق بعد ذلك أن السلطان حسنا خرج الى الصيد ببرّ الجيزة بالقرب من الهرمين «1» ، وخرجت معه غالب أمرائه يلبغا وغيره على العادة، فلمّا كان يوم الثلاثاء ثامن «2» جمادى الأولى من سنة اثنتين وستين المذكورة، أراد السلطان القبض على يلبغا لما بلغه عن يلبغا أنه يريد الركوب عليه هناك، فصبر السلطان حسن حتى دخل الليل، فركب ببعض خاصّكيّته من غير استعداد ولا اكتراث بيلبغا، وسار يريد يكبس على يلبغا بمخيّمه فنمّ بعض خاصّكيّة السلطان بذلك الى يلبغا، فاستعدّ يلبغا بمماليكه وحاشيته لقتاله، وطلب خشداشيته وواعدهم بالإمريات والإقطاعات، وخوّفهم عاقبة أستاذهم الملك الناصر حسن المذكور، حتى وافقه كثير منهم، كلّ ذلك والملك الناصر فى غفلة استخفافا بمملوكه يلبغا المذكور، حتى قارب السلطان خيمة يلبغا، خرج اليه يلبغا بمن معه وقاتله، فلم يثبت السلطان لقلّة من كان معه من مماليكه، وانكسر وهرب وعدّى النيل وطلع الى قلعة الجبل فى الليل، هى ليلة الأربعاء «3» التاسع من جمادى الأولى من سنة اثنتين وستين المذكورة، وتبعه يلبغا ومن معه يريد القلعة، فاعترضه ابن المحسنى أحد أمراء الألوف بمماليكه، ومعه الأمير قشتمر المنصورى، وواقعا يلبغا ببولاق وقعة هائلة، انكسر فيها يلبغا مرتين، وابن المحسنىّ يتقدّم عليه، كلّ ذلك وابن المحسنىّ ليس له علم من السلطان أين ذهب، بل بلغه أنه توجه إلى جهة القلعة، فأخذ فى قتال يلبغا وتعويقه عن المسير إلى جهة القلعة، واشتدّ القتال بين يلبغا وابن المحسنىّ حتى أردف يلبغا الأمير ألجاى اليوسفىّ حاجب الحجّاب وغيره، فانكسر عند ذلك ابن المحسنى وقشتمر،

وقيل: إنّ يلبغا لمّا رأى شدّة ابن المحسنى فى القتال دسّ عليه من رجّعه عن قتاله وأوعده بأوعاد كثيرة، منها أنه لا يغير عليه ما هو فيه فى شىء من الأشياء خوفا «1» من طلوع النهار قبل أن يدرك القلعة، وأخذ السلطان الملك الناصر حسن، لأنّ الناصر كان طلع إلى قلعة الجبل فى الليل، ولم يشعر به أحد من أمرائه ومماليكه وخواصّه، وصاروا فى حيرة من عدم معرفتهم أين توجّه السلطان، حتى يكونوا معه على قتال يلبغا، وعلم يلبغا أنه متى تعوّق فى قتال ابن المحسنى إلى أن يطلع النهار، أتت العساكر الملك الناصر من كل فجّ، وذهبت روحه، فلما ولّى ابن المحسنى عنه انتهز يلبغا الفرصة بمن معه وحرّك فرسه وصحبته من وافقه إلى جهة القلعة، حتى وصل إليها فى الليل. والله أعلم. وأمّا أمر السلطان حسن، فإنه لمّا انكسر من مملوكه يلبغا وتوجّه إلى قلعة الجبل، حتى وصل إليها فى الليل، ألبس مماليكه المقيمين بالقلعة، فلم يجد لهم خيلا لأنّ الخيول كانت فى الربيع، وبينما هو فى ذلك طرقه يلبغا قبل أن يطلع النهار وتجتمع العساكر عليه، فلم يجد الملك الناصر قوّة للقائه، فلبس هو وأيدمر الدوادارى زى الأعراب ليتوجّها إلى الشام ونزلا من القلعة وقت التسبيح، فلقيهما بعض المماليك فأنكروا عليهما وأمسكوهما فى الحال، وأحضروهما إلى بيت الأمير شرف الدين [موسى «2» ] بن الأزكشى أستادار العالية، فحملهما فى الوقت إلى يلبغا حال طلوع يلبغا إلى القلعة، فقتلهما يلبغا فى الحال قبل طلوع الشمس. وكان عمر السلطان حسن يوم قتل نيّفا على ثلاثين سنة تخمينا، وكانت مدّة ملكه فى سلطنته هذه الثانية ستّ سنين وسبعة أشهر [وسبعة «3» أيام] وكان قتله وذهاب

ملكه على يد أقرب الناس إليه من مماليكه وخواصّه، وهم: يلبغا العمرى وطيبغا الطويل وتمان تمر وغيرهم وهم من مشترواته، اشتراهم ورباهم وخوّلهم فى النعم ورقاهم إلى أعلى المراتب، خوفا من أكابر الأمراء من مماليك أبيه، فكان ذهاب روحه على أيديهم، وكانوا عليه أشدّ من تلك الأمراء، فإنّ أولئك لما خلعوه من السلطنة بأخيه الملك الصالح، حبسوه بالدور من القلعة مكرما مبجّلا، وأجروا عليه الرواتب السنيّة، إلى أن أعادوه إلى ملكه ثانيا، وهم مثل شيخون وصرغتمش وقبلاى النائب وغيرهم، فصار يتذكّر ما قاساه منهم فى خلعه من السلطنة وتحكّمهم عليه، فأخذ فى التدبير عليهم حتى قبض على جماعة كثيرة منهم وأبادهم. ثم رأى أنه ينشئ مماليكه ليكونوا له حزبا وعضدا، فكانوا بعكس ما أمّله منهم، ووثبوا عليه، وكبيرهم يلبغا المقدّم ذكره، وعندما قبضوا عليه لم يمهلوه ساعة واحدة، وعندما وقع نظرهم عليه قتلوه من غير مشاورة بعضهم لبعض، موافاة لحقوق تربيته لهم وإحسانه إليهم، فكان بين فعل مماليك أبيه به وبين فعل مماليكه له فرق كبير، ولله در القائل: معاداة العاقل، ولا مصاحبة الجاهل. قلت: لا جرم أنّ الله تعالى عزّ وجلّ عامل يلبغا المذكور من مماليكه بجنس ما فعله مع أستاذه، ووثبوا عليه وقتلوه أشرّ قتلة، على ما سيأتى ذكره إن شاء الله تعالى. واستولى يلبغا العمرى الخاصكىّ على القلعة والخزائن والسلاح والخيول والجمال، وعلى جميع ما خلفه أستاذه الملك الناصر حسن، وأقام فى المملكة بعده ابن أخيه الملك المنصور محمد ابن الملك المظفّر حاجّى ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون كما سيأتى ذكره بعد حوادث سنين الملك الناصر حسن، كما هى عادة هذا الكتاب.

وكان الملك الناصر حسن سلطانا شجاعا مقداما كريما عاقلا حازما مدبّرا سيوسا، ذا شهامة وصرامة وهيبة ووقار، عالى الهمة كثير الصدقات والبرّ، ومما يدلّ على علوّ همته مدرسته «1» التى أنشأها بالرميلة تجاه قلعة الجبل فى مدّة يسيرة، مع قصر مدّته فى السلطنة والحجر عليه فى تصرفه فى سنين من سلطنته الثانية أيضا، وكان صفته للطول أقرب، أشقر وبوجهه نمش، مع كيس وحلاوة، وكان متجملا فى ملبسه ومركبه ومماليكه وبركه، اصطنع مرّة خيمة عظيمة، فلمّا نجّزت ضربت له بالحوش السلطانى من قلعة الجبل، فلم ير مثلها فى الكبر والحسن، وفيها يقول الشيخ شهاب الدين أحمد بن أبى حجلة التّلمسانىّ المغربى. رحمه الله تعالى: [الطويل] حوت خيمة السلطان كلّ عجيبة ... فأمسيت منها باهتا أتعجّب لسانى بالتقصير فيها مقصّر ... وإن كان فى أطنابها بات يطنب وكان السلطان الملك الناصر حسن مغرما بالنساء والخدّام، واقتنى فى سلطنته من الخدّام ما لم يقتنه غيره من ملوك التّرك قبله، وكان إذا سافر يستصحب النساء معه فى سفره لكونه ما كان له ميل للشّباب كعادة الملوك من قبله، كان يعفّ عن ذلك، وفى محبته إلى النساء وواقعته مع يلبغا يقول «2» بعض أصحاب يلبغا فيه شعرا: [الكامل]

لمّا أتى للعاديات وزلزلت ... حفظ النساء وما قرا للواقعه فلأجل ذاك الملك أضحى لم يكن ... وأتى القتال وفصّلت بالقارعه لو عامل الرحمن فاز بكهفه ... وبنصره فى عصره فى السابعه من كانت القينات من أحزابه ... عطعط به الدّخان «1» نار لامعه تبت يدا من لا يخاف من الدعا ... فى الليل إذ يغشى يقع فى النازعه وخلّف السلطان الملك الناصر حسن، تغمّده الله برحمته، من الأولاد الذكور عشرة: وهم أحمد وقاسم وعلىّ وإسكندر وشعبان وإسماعيل ويحيى وموسى ويوسف ومحمد، وستّا من البنات، وخلّف من الأموال والقماش والذهب العين والسلاح والخيول وغيرها شيئا كثيرا. استولى يلبغا على الجميع، وتصرّف فيه حسب ما أراده. وكان السلطان حسن محبا للرعية، وفيه لين جانب، حمدت سائر خصاله، لم يعب عليه فى ملكه سوى ترقّيه لمماليكه فى أسرع وقت، فإنه كان كريما بارّا بإخوته وأهله، يميل الى فعل الخير والصدقات، وله مآثر بمكة المشرّفة، واسمه مكتوب فى الجانب الشرقىّ من الحرم، وعمل فى زمنه باب الكعبة الذي هو بابها الآن «2» ، وكسا الكعبة الكسوة التى هى الى الآن فى باطن البيت العتيق، وكان كثير البرّ لأهل مكة والمدينة، الى أن كانت الواقعة لعسكره بمكة فى أواخر سنة إحدى وستين وسبعمائة التى كان مقدّم عسكرها «3» الأمير قندس وابن قراسنقر وحصل لهم الكسرة والنهب والقتل من أهل مكة واخراجهما من مكة على أقبح وجه،

غضب بعد ذلك على أهل مكة وأمر بتجهيز عسكر كبير الى الحجاز للانتقام من أهل مكة، وعزم على أنه ينزعها من أيدى الأشراف الى الأبد، وكاد «1» يتمّ له ذلك بسهولة وسرعة، وبينما هو فى ذلك وقع بينه وبين مملوكه يلبغا وكان من أمره ما كان. وكان السلطان حسن يميل الى تقدمة أولاد الناس الى «2» المناصب والولايات حتى إنه كان غالب نوّاب القلاع بالبلاد الشامية فى زمانه أولاد ناس، ولهذا لم يخرج عليه منذ سلطنته بالبلاد الشامية خارجىّ، وكان فى أيامه من أولاد الناس ثمانية من مقدّمى الألوف بالديار المصرية. ثم أنعم على ولديه بتقدمتى ألف فصارت الجملة عشرة، فأما الثمانية فهم: الأمير عمر بن أرغون النائب وأسنبغا بن الأبى بكرى ومحمد ابن طوغاى ومحمد بن بهادر رأس نوبة ومحمد بن المحسنىّ الذي قاتل يلبغا وموسى بن أرقطاى وأحمد بن آل ملك وشرف الدين موسى بن الأزكشى الأستادار، فهؤلاء من مقدّمى الألوف. وأما الطبلخانات والعشرات فكثير، وكان بالبلاد الشامية جماعة أخر فكان ابن القشتمرى نائب حلب وأمير علىّ الماردينىّ نائب الشام وابن صبيح «3» نائب صفد وأمّا من كان منهم من المقدّمين. والطبلخانات نوّاب القلاع فكثير. وقيل: إن سبب تغيير خاطر يلبغا من أستاذه الملك الناصر حسن- على ما قيل- إنه لما عمل ابن مولاهم «4» البليقة «5» التى أوّلها:

ما وقع من الحوادث سنة 756

من قال أنا: جندى خلق، لقد صدق. عندى قبا، من عهد نوح، على الفتوح لو صادفوا شمس السطوح، كان احترق ورقصوا بها بين يدى السلطان حسن، أشاروا «بالجندى خلق» إلى يلبغا وهو واقف بين يدى السلطان حسن والسلطان حسن يضحك ويستعيدها منهم فغضب من ذلك يلبغا وحقد على أستاذه السلطان وهذا يبعد وقوعه لكنّه قد قيل. قلت: وقد أثبتنا هذه البلّيقة- والتى عملها الشيخ زين الدين عبد الرحمن ابن الخرّاط فى الفقيه التى أوّلها: من قال أنا ... فقيه بشر لقد فشر - فى تاريخنا المنهل الصافى فى ترجمة ابن الخرّاط المذكور بتمامها وكمالها وهما من أظرف البلاليق فى معناهما. والله أعلم. انتهى. *** [ما وقع من الحوادث سنة 756] السنة الأولى من سلطنة الملك الناصر حسن الثانية على مصر وهى سنة ست وخمسين وسبعمائة على أنه حكم- فى السنة الخالية بعد خلع أخيه الملك الصالح صالح- من شوّال إلى آخرها. وفيها (أعنى سنة ست وخمسين) توفّى قاضى القضاة شيخ الإسلام «1» تقىّ الدين أبو الحسن على بن زين الدين عبد الكافى بن علىّ بن تمّام بن يوسف بن موسى ابن تمّام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علىّ بن سوار بن سليم الأنصارى

السّبكى الشافعى- رحمه الله تعالى- بشاطئ النيل فى ليلة «1» الاثنين رابع جمادى الآخرة، ومولده فى [أول يوم من «2» ] شهر صفر سنة ثلاث وثمانين وستمائة بسبك الثلاث «3» وهى قرية بالمنوفية من أعمال الديار المصرية بالوجه البحرى، وكان- رحمه الله- إماما عالما بالفقه والأصلين والحديث والتفسير والنحو والأدب وفى شهرته ما يغنى عن الإطناب فى ذكره. وقد استوعبنا ترجمته فى تاريخنا «المنهل الصافى» بأوسع من هذا فلينظر هناك لمن أراد ذلك. ومن شعره: [الكامل] إنّ الولاية ليس فيها راحة ... إلّا ثلاث يتّبعها «4» العاقل حكم بحقّ أو إزالة باطل ... أو نفع محتاج سواها باطل وتوفّى قاضى القضاة نور الدين أبو الحسن على بن عبد النصير «5» بن على السّخاوىّ «6»

المصرى المالكى قاضى قصاة الديار المصرية بها وقد قارب الثمانين سنة فى ليلة الاثنين ثانى «1» جمادى الأولى ودفن بالقرافة. وتوفّى الشيخ الأديب «2» شمس الدين محمد بن يوسف بن عبد الله الدّمشقى الشاعر المشهور المعروف بالخيّاط بطريق الحجاز. ومن شعره قوله. [السريع] خلّفت بالشام حبيبى وقد ... يمّمت مصرا لغنى طارق والأرض قد طالت فلا تبعدى ... بالله يا مصر على عاشق وتوفّى القاضى تاج الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد المنعم بن عبد «3» الرحمن ابن عبد الحق السّعدىّ البارنبارى «4» المصرىّ كاتب سرّ طرابلس وكان فاضلا كاتبا

خدم الملوك وباشر كتابة سر طرابلس. وكان له شعر جيّد وكتابة حسنة. رحمه الله تعالى. وتوفّى الشيخ الإمام العلّامة شهاب الدين أبو العبّاس أحمد بن يوسف [بن عبد «1» الدائم] بن محمد الحلبى النحوى المقرئ الفقيه الشافعى المعروف بابن السّمين- رحمه الله- فى جمادى» الآخرة، وكان إماما عالما أفتى ودرّس وأقرأ عدّة سنين. وتوفّى الأمير سيف الدين قبلاى بن عبد الله الناصرى فى يوم الأربعاء ثالث شهر ربيع الأول، وكان أصله من مماليك الناصر محمد بن قلاوون، وولى نيابة الكرك ثم الحجوبية الثانية بمصر، ثم نقل الى الحجوبية الكبرى بها، ثم ولى نيابة السلطنة بالديار المصرية. وقد تقدّم من ذكره نبذة جيدة فى عدّة تراجم. وتوفّى القاضى زين الدين خضر ابن القاضى تاج الدين محمد بن زين الدين خضر بن جمال الدين عبد الرحمن بن علم الدين سليمان بن نور الدين علىّ كاتب الإنشاء بالديار المصرية. ومولده ليلة الأحد رابع ذى الحجة سنة عشر وسبعمائة. كان فاضلا قادرا على الكتابة سريعها، يكتب من رأس القلم التواقيع والمناشير واعتمد القاضى علاء الدين على بن فضل الله عليه. وكان له نظم ونثر. رحمه الله تعالى. ومن شعره فى مقصّ قوله: [الطويل] يحرّكنى مولاى فى طوع أمره ... ويسكننى [شانيه «3» ] وسط فؤاده ويقطع بى إن رام قطعا وإن يصل ... يشقّ بحدّى الوصل عند اعتماده

ما وقع من الحوادث سنة 757

وتوفّى الأمير سيف الدين آص ملك بن عبد الله بطالا «1» بدمشق فى شهر رمضان. وكان من أعيان الأمراء، وتنقّل فى عدّة وظائف وأعمال، وكان مشهورا بالشجاعة. رحمه الله. وتوفّى الأمير سيف الدين قردم بن عبد الله الناصرى الأمير آخور بطّالا بدمشق فى يوم الأحد تاسع عشر شهر رمضان، وقد تقدّم ذكره فى عدّة أماكن. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وأربع عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وإحدى وعشرون إصبعا. والله سبحانه وتعالى أعلم. *** [ما وقع من الحوادث سنة 757] السنة الثانية من سلطنة الملك الناصر حسن الثانية على مصر وهى سنة سبع وخمسين وسبعمائة. فيها توفّى السيد الشريف شرف الدين أبو الحسن على بن الحسين بن محمد الحسينى نقيب الأشراف بالديار المصرية، وفيها توفّى عن سبعين سنة- وكان رحمه الله- إماما عالما فاضلا، درّس بالقاهرة بمشهد «2» الحسين والفخرية «3» ، وولى حسبة القاهرة ووكالة بيت المال، وكان معدودا من الرؤساء العلماء. وتوفّى قاضى القضاة نجم الدين أبو عبد الله محمد ابن القاضى فخر الدين عثمان ابن أحمد بن عمرو بن محمد الزّرعىّ الشافعىّ قاضى قضاة حلب فى صفر، وكان- رحمه الله- إماما عالما فاضلا وافتى ودرّس وولى الحكم بعدّة بلاد.

وتوفّى صاحب بغداد وما والاها الشيخ حسن «1» بن الحسين بن آقبغا بن أيلكان «2» ببغداد، وملك بعده بغداد ابنه الشيخ أويس. والشيخ حسن هذا هو سبط الملك أرغون بن أبغا بن هولاكو بن طولون بن چنكزخان ملك التتار صاحب «اليسق «3» » والاحكام التركية. وكان فى أيام الشيخ حسن الغلاء العظيم ببغداد حتى أبيع بها الخبز بسنج «4» الدراهم وبرح الناس عنها، وكان مشكور السّيرة. رحمه الله تعالى. وتوفّى الشيخ الإمام شرف الدين إبراهيم «5» بن إسحاق بن إبراهيم المناوى الشافعى فى يوم الثلاثاء خامس شهر «6» رجب، وكان- رحمه الله- فقيها عالما، ناب فى الحكم بالقاهرة، وأفتى ودرّس وشرح الفرائض «من الوسيط» وغيره. وتوفّى الشيخ الإمام العالم كمال الدين أحمد بن [عمر «7» بن أحمد بن] مهدى النّشائى «8» الشافعى فى يوم الأحد «9» حادى عشر صفر ومولده فى أوائل ذى القعدة سنة إحدى

ما وقع من الحوادث سنة 758

وتسعين وستمائة. وكان- رحمه الله- إماما عالما خطيبا فصيحا مصنّفا ولى خطابة جامع «1» الأمير أيدمر الخطيرى ببولاق وإمامته ودرّس به وهو أوّل من ولى خطابته وإمامته. ومن مصنّفاته: كتاب «جامع المختصرات «2» » وكتاب «المنتقى «3» » وعلّق على «التنبيه «4» » استدراكات، وله غير ذلك. والله أعلم. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وأربع أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشرون إصبعا. والله أعلم. *** [ما وقع من الحوادث سنة 758] السنة الثالثة من سلطنة الملك الناصر حسن الثانية على مصر وهى سنة ثمان وخمسين وسبعمائة. فيها توفّى الأمير الكبير أتابك العساكر شيخون بن عبد الله العمرى الناصرى اللالا مدبّر الممالك الإسلامية بالديار المصرية فى السابع من ذى الحجة بالقاهرة من جرح أصابه لمّا ضربه قطلوخجا السلاح دار فى موكب السلطان حسن حسب ما تقدّم ذكره فى ترجمة السلطان حسن هذه الثانية. وقيل: كانت وفاته فى أواخر ذى القعدة «5» وسنّه نيّف على خمسين سنة. وكان أصله من كتابية الملك الناصر محمد ابن قلاوون وكان تركىّ الجنس، جلبه خواجا «6» عمر من بلاده وباعه للملك الناصر

وترقّى بعد موت الملك الناصر حتى صار أتابك العساكر بالديار المصرية، وهو أوّل من سمّى بالأمير الكبير، وليها بخلعة، وصارت من بعده وظيفة. وهو صاحب الجامع «1» والخانقاه «2» بخطّ صليبة أحمد بن طولون. وقد تقدّم من ذكره فى ترجمة الملك الناصر حسن والملك الصالح صالح وغيرهما ما يستغنى عن ذكره هنا ثانيا. ودفن بخانقاته المذكورة. وفى شيخون يقول بعض شعراء عصره مضمّنا: [البسيط] شيخو الأمير المفدّى كلّه حسن ... حوى المحاسن والحسنى ولا عجب دع الذين يلومونى عليه سدى ... ليذهبوا فى ملامى أيّة ذهبوا وتوفّى الشيخ الإمام العالم العلّامة قوام الدين أبو حنيفة أمير كاتب بن أمير عمر ابن أمير غازى «3» الفارابى الإتقانى الحنفى بالقاهرة، ودفن بالصحراء خارج القاهرة- وكان رحمه الله- إماما عالما مفتنّا بارعا فى الفقه واللغة العربية والحديث وأسماء الرجال وغير ذلك من العلوم، وله تصانيف كثيرة منها: «شرح الهداية «4» » فى عشرين مجلّدا «وشرح «5» الأخسيكتي» «وشرح «6» البزدوى» ولم يكمّله، وولى التدريس بمشهد أبى حنيفة ببغداد. ثم قدم دمشق فأفتى بها ودرّس واشتغل وصنّف بدمشق كتابا فى منع رفع اليدين فى الصلاة فاضلا عن تكبيرة الافتتاح. ثم طلب الى القاهرة

مكرّما معظّما حتى حضرها وصار بها من أعيان العلماء لا سيّما عند الأمير صرغتمش الناصرى، فإنه لأجله بنى مدرسته «1» بالصليبة حتى ولّاه تدريسها. ولما مات- رحمه الله تعالى- ولى تدريس الصّرغتمشية العلّامة أرشد الدين السرائى الحنفى. وتوفّى قاضى القضاة نجم الدين أبو إسحاق إبراهيم ابن القاضى عماد الدين أبى الحسن على بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المنعم بن عبد الصمد الطّرسوسى ثم الدمشقى الحنفى قاضى قضاة الحنفية بدمشق بها عن نحو أربعين سنة وكان- رحمه الله- إماما عالما علّامة أفتى ودرّس وناب فى الحكم عن والده بدمشق ثم استقل بالوظيفة من بعده عدّة سنين وحمدت سيرته. وله مصنّفات كثيرة منها: كتاب «رفع الكلفة عن الإخوان فى ذكر ما قدّم القياس على الاستحسان» وكتاب «مناسك الحج» مطوّل وكتاب «الاختلافات الواقعة فى المصنّفات» وكتاب «محظورات الإحرام» وكتاب «الإرشادات فى ضبط المشكلات» عدّة مجلدات وكتاب «الفتاوى فى الفقه» وكتاب «الإعلام فى مصطلح الشهود والأحكام «2» » وكتاب «الفوائد «3» المنظومة فى الفقه» . وتوفّى الأمير سيف «4» الدين أرغون بن عبد الله الكاملى المعروف بأرغون الصّغير بالقدس بطّالا قبل أن يبلغ الثلاثين سنة من العمر وكان أرغون خصيصا عند الملك الكامل ثم عند أخيه الملك الصالح إسماعيل وترقّى حتى صار أمير مائة ومقدّم ألف بديار مصر. ثم ولى نيابة حلب ثم نيابة الشام ثم أعيد الى نيابة حلب ثانيا الى أن طلب الى القاهرة وقبض عليه واعتقل بالإسكندرية مدّة ثم أخرج الى القدس

بطّالا، فمات به. وكان أميرا جليلا عارفا شجاعا كريما وفيه بر ومعروف وله مآثر، من ذلك بيمارستان «1» بحلب وغيره. رحمه الله تعالى. وتوفّى الشيخ شهاب الدين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم ابن عبد المحسن العسجدىّ الشافعىّ. كان معدودا من فقهاء الشافعية. رحمه الله. وتوفّى القاضى علاء الدين أبو الحسن على بن محمد بن الأطروش الحنفىّ محتسب القاهرة وقاضى العسكر بها كان من بياض الناس وله وجاهة. رحمه الله تعالى. وتوفّى الشيخ الإمام العلّامة محبّ الدين أبو عبد الله محمود ابن الشيخ الإمام علاء الدين أبى الحسن على بن إسماعيل بن يوسف القونوىّ الشافعىّ فى يوم الأربعاء ثامن عشرين شهر ربيع الآخر وكان فقيها مصنّفا ومن مصنّفاته: «شرح ابن الحاجب فى الأصول» وكتاب «اعتراضات على شرح الحاوى» فى الفقه لأبيه. وله غير ذلك. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وإصبع. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وست أصابع. والله أعلم.

ما وقع من الحوادث سنة 759

*** [ما وقع من الحوادث سنة 759] السنة الرابعة من سلطنة الملك الناصر حسن الثانية على مصر وهى سنة تسع وخمسين وسبعمائة. فيها توفّى الأمير سيف الدين صرغتمش بن عبد الله الناصرىّ فى سجنه بثغر الإسكندرية فى ذى الحجّة. وكان أصله من مماليك الناصر محمد بن قلاوون وترقّى حتى صار من أكابر الأمراء ومدبّرى الديار المصرية مع الأمير شيخون وبعده وقد تقدّم من ذكره فى ترجمة الملك الصالح والملك الناصر حسن ما يكتفى بذكره هناك: ولمّا حبسه الملك الناصر حسن بثغر الإسكندرية كتب إليه صرغتمش كتابا يتخضّع إليه فيه وفى أوّله: [الكامل] قلبى يحدّثنى بأنّك متلفى ... روحى فداك عرفت ألم تعرف «1» فلم يلتفت الملك الناصر لكتابه وفعل به ما قدّر عليه وكان صرغتمش عظيما فى الدولة فاضلا مشاركا فى فنون يذاكر بالفقه والعربيه ويحبّ العلماء وأرباب الفضائل ويكثر من الجلوس معهم وهو صاحب المدرسة «2» بخطّ الصليبة وله برّ وصدقات، إلا أنه كان فيه ظلم وعسف مع جبروت. وتوفّى القاضى «3» شرف الدين أبو البقاء خالد بن عماد الدين إسماعيل بن محمد ابن عبد الله بن محمد بن محمد بن خالد بن محمد بن نصر المخزومى الشافعىّ المعروف بابن القيسرانىّ الحلبى ثم الدّمشقى بدمشق عن نيّف وخمسين سنة وكان كاتبا فاضلا مصنفا باشر كتابة الإنشاء بدمشق ووكالة بيت المال وسمع الكثير.

وتوفّى قاضى الإسكندرية فخر الدين «1» أبو العبّاس محمد بن أحمد بن عبد الله الشهير بابن المخلّطة فى يوم الجمعة سابع شهر رجب، ولى قضاء الإسكندرية أشهرا، بعد أن كان درّس بالقاهره بمدرسة الصّرغتمشية: درس الحديث. وكان فاضلا عارفا بالأصول وله سماع وتولى بعده قضاء الإسكندرية ابن التّنسىّ «2» . وتوفّى ملك الغرب أبو عنان «3» فارس ابن السلطان أبى الحسن علىّ ابن السلطان أبى يوسف يعقوب بن عبد الحق بن محيوبن حمامة المرينىّ المغربى بمدينة فاس «4» بعد أن حكم خمس سنين وكان مشكور السّيرة. رحمه الله.

وتوفّى الشريف مانع بن على بن مسعود بن جمّاز بن شيحة الحسينى أمير المدينة بها وتولّى المدينة الشريفة بعده ابن عمّه فضل «1» بن القاسم فى ذى القعدة. وتوفّى الأمير سيف بن فضل بن مهنّا بن عيسى بن مهنّا بن مانع بن حديثة ابن غضيّة فى ذى القعدة وكان جوادا شجاعا، ولى إمرة آل فضل غير مرة. وقيل إنه قتل سنة ستين وهو الأصحّ وتوفّى الشيخ الإمام شمس الدين محمد بن عيسى بن حسن بن كر «2» الحنبلى إمام أهل الموسيقى، وله فيها تآليف حسنة ويتصل نسبه إلى الخليفة مروان بن محمد الحمار. وكان صوفيّا فقيها وله زاوية «3» عند مشهد الحسين بالقاهرة. ومولده فى شهر

ربيع «1» الأوّل سنة إحدى وثمانين وستمائة بالقاهرة، وكان فاضلا قرأ القرآن على الشّطنوفى «2» وحفظ الأحكام «3» لعبد الغنى [بن «4» عبد الواحد] «والعمدة فى الفقه» للشيخ موفّق «5» الدين والملّحة للحريرى وسمع على أشياخ عصره مثل الدّمياطىّ «6» والأبرقوهىّ «7» وغيرهما وصنف كتابا فى الموسيقى سماه: «غاية المطلوب، فى الأنغام والضروب» وقد أوضحنا أمره وما يتعلّق بفنّه الموسيقى فى المنهل الصافى إذ هو محلّ الاستيعاب. وتوفّى الأمير الطّواشى صفى الدين جوهر بن عبد الله الجناحى البتخاصى مقدّم المماليك السلطانية، وقد قارب المائة سنة من العمر. وكان من أعيان الخدّام وأمائلهم. وتوفّى الأمير سيف الدين ننكزبغا بن عبد الله الماردين أمير مجلس وزوج أخت السلطان حسن، كان من أكابر الأمراء بالديار المصرية، لا سيما فى دولة الناصر حسن. وكان عاقلا مدبّرا سيوسا. وتوفّى الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن داود بن الهكّارى الكردى الشافعى بدمشق فى ذى القعدة. ومولده سنة خمس وثمانين وستمائة وكان فقيها فاضلا.

ما وقع من الحوادث سنة 760

وتوفّى الأمير سيف الدين ملكتمر بن عبد الله السّعدى «1» فى ذى القعدة «2» بحماة بطّالا بعد أن ولى عدّة وظائف وتنقّل فى عدّة ولايات. رحمه الله تعالى. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وثمانى أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا سواء. *** [ما وقع من الحوادث سنة 760] السنة الخامسة من سلطنة الملك الناصر حسن الثانية على مصر وهى سنة ستين وسبعمائة. فيها توفّى قاضى القضاة تقىّ الدين أبو عبد الله محمد بن شهاب الدين أحمد ابن شأس المالكىّ قاضى قضاة الديار المصرية فى يوم الأربعاء رابع شوّال ودفن بالقرافة. وكان إماما بارعا فى مذهبه أفتى ودرس وناب فى الحكم، ثم استقل بالقضاء، وكان مشكور السّيرة، من علم وفضل. رحمه الله. وتوفّى قاض قضاة حماة تقىّ الدين أبو المظفّر محمود بن بدر الدين محمد بن عبد السلام بن عثمان القيسى الحنفىّ الحموى الشهير بابن الحكيم «3» ، باشر قضاء حماة تسع عشرة سنة، وحمدت سيرته ومات بمنزلة ذات الحج «4» من الحجاز، وقد جاوز ستين سنة وكان عالما زاهدا ورعا.

وتوفّى الشيخ الإمام العالم العلّامة شيخ الإسلام وقطب الوجود أبو البقاء وقيل أبو الوفاء خليل بن عبد الرحمن بن محمد بن عمر المالكى المالقى «1» ثم المكىّ العالم المشهور، صاحب التصانيف فى مذهبه بمكة المشرفة بعد أن انتهت إليه رياسة مذهبه ولم يخلّف بعده مثله. وتوفّى القاضى جمال الدين إبراهيم ابن العلّامة شهاب الدين محمود بن سليمان ابن فهد الحلبى الحنبلى بحلب عن أربع وثمانين سنة وكان فاضلا كاتبا ماهرا فى صناعته، كتب فى ديوان الإنشاء بمصر وولى كتابة سرّ حلب ثلاث مرات نيّفا وعشرين سنة وحدّث عن جماعة من حفّاظ الديار المصرية والإسكندرية. وكان عارفا بالاصطلاح والكتابة، وله نظم ونثر. ومن شعره ما كتبه لوالده متشوّقا بقوله: [السريع] . هل زمن ولّى بكم عائد ... أم هل ترى يرجع عيش مضى فارقتكم بالرغم منى ولم ... أختره لكنّى أطلعت القضا قلت: لو كانت وظيفته قضاء حلب كان فى قوله: «أطعت القضا» تورية. وكان جوادا ممدّحا وفيه يقول البارع جمال الدين محمد بن نباتة المصرى قصيدته المشهورة التى أوّلها: [الطويل] أجيراننا حيّا الربيع دياركم ... [وإن لم يكن فيها لطرفى مربع «2» ] . انتهى وتوفّى القاضى تاج الدين أحمد بن يحيى بن محمد بن على بن أبى القاسم بن على ابن أبى الفضل العذرى الدمشقى الحنفى المعروف بابن السّكاكرى. كان «3» عارفا بعلل

المكاتيب الحكيمة خبيرا بسلوك طرائقها العلمية والعملية وكتب الحكم والإنشاء بحلب ومات عن خمس وستين سنة. رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير عز «1» الدين طقطاى بن عبد الله الصالحىّ الدّوادار بطرابلس عن بضع وأربعين سنة معتقلا. وكان أميرا فاضلا جليلا رئيسا وفيه يقول الشيخ صلاح الدين خليل بن أيبك الصّفذىّ تغمّده الله برحمته: [الكامل] هذا الدّوادار الذي أقلامه ... تذر المهارق مثل روض نافح «2» تجرى بأرزاق الورى فمدادها ... وبل تحدّر من غمام سافح «3» أستغفر الله العظيم غلطت بل ... نهر جرى من لجّ بحر طافح وإذا تكون كريهة فيمينه ... تسطو بحدّ أسنّة وصفائح يا فخر دهر قد حواه [فإنّه «4» ] ... عزّ لمولانا المليك الصالح وتوفّى الخان جانبك خان بن أزبك خان صاحب كرسىّ سراى «5» وبلاد

الدّشت «1» بها، بعد أن حكم ثمانى عشرة سنة. ونسبه يتّصل لجنكزخان وتولى بعده الملك ابنه بردبك. خان والله أعلم بالصواب. أمر النيل فى هذه السنة- المياء القديم خمس أذرع وثلاث عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة تسع عشرة ذراعا وثلاث أصابع. وقيل أربعة أصابع من غير زيادة والله سبحانه أعلم بالصواب.

ما وقع من الحوادث سنة 761

*** [ما وقع من الحوادث سنة 761] السنة السادسة من سلطنة الملك الناصر حسن الثانية على مصر وهى سنة إحدى وستين وسبعمائة. فيها توفّى الشيخ الإمام العالم العلّامة جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن أحمد بن هشام الأنصارى الحنبلى النحوى فى ليلة الجمعة الخامس من ذى القعدة ودفن بعد صلاة الجمعة بمقابر «1» الصوفيّة خارج باب النصر من القاهرة. وكان بارعا فى عدّة علوم، لا سيما العربية فإنه كان فارسها ومالك زمامها وهو صاحب الشرح على ألفية ابن مالك فى النحو المسمّى «بالتوضيح» «وشرح أيضا البردة» [وشرح «2» ] «بانت سعاد» وكتاب «المغنى» وغير ذلك ومات عن بضع وخمسين سنة وكان أوّلا حنفيّا ثم استقرّ حنبليّا وتنزّل فى دروس الحنابلة «3» . وتوفّى قاضى القضاة صدر الدين أبو الربيع سليمان بن داود بن سليمان [بن داود] ابن محمد بن عبد الحق الدمشقى الحنفى باليمن «4» عن ثلاث وستين سنة. وكان إماما بارعا مفتنا، أفتى ودرّس بدمشق وباشر بها عدّة وظائف، منها: كتابة الإنشاء والنظر فى الأحكام ورحل إلى العراق وخراسان ومصر والحجاز واليمن. وكان له شعر جيّد من ذلك قوله: [السريع]

لما بدا فى خدّه عارض ... وشاق قلبى نبته الأخضر أمطر أجفانى مستمطر ... فقلت هذا عارض ممطر وتوفّى الشيخ الإمام الحافظ صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدى العلائى الدمشقى الشافعى، كان إماما حافظا رحّالا عارفا بمذهبه، سمع بالشام ومصر والحجاز وتقدّم فى علم الحديث وجمع وألّف وصنّف ودرّس بالصلاحيّة «1» والتّنكزية «2» بالقدس، [وبها توفى «3» ] وكانت وفاته فى المحرّم من هذه السنة. وقال الإسنوىّ: سنة ستين. ومولده بدمشق فى سنة أربع وتسعين وستمائة. وتوفّى القاضى ضياء الدين أبو المحاسن يوسف بن أبى بكر بن محمد الشهير بابن خطيب بيت الآبار الدّمشقى. مات بالقاهرة عن نيف وسبعين سنة. وكان مقدّما فى الدولة الناصرية وباشر الحسبة ونظر الأوقاف وغيرهما، [وكان لأهل الشام نعم الذخيرة «4» ] .

وتوفّى الشيخ تقىّ الدين إبراهيم ابن الشيخ بدر الدين محمد بن ناهض بن سالم ابن نصر الله الحلبى الشهير بابن الضّرير بحلب عن بضع وستين سنة. وكان فقيها بارعا سمع الحديث وجمع وحصّل وكتب كثيرا من الإنشاء والعلم والأدب. وتوفّى الشريف زين الدين أبو الحسن على بن محمد بن أحمد بن على محمد بن على الحسينى الحلبى نقيب الأشراف بحلب. كان رئيسا نبيلا من بيت رياسة وشرف. رحمه الله تعالى «1» . وتوفّى الشيخ شرف الدين موسى بن كجك الإسرائيلى الطبيب فى شوّال. وكان بارعا فى الطب مشاركا فى غيره. وتوفّى الشيخ الإمام الخطيب شهاب الدين أبو العباس أحمد [بن «2» ] القسطلانى خطيب جامع عمرو- رحمه الله- بمصر القديمة فى ذى الحجة، وكان ديّنا خيّرا من بيت فضل وخطابة، وقد تقدّم ذكر جماعة من آبائه وأقاربه. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم اثنتا عشرة ذراعا سواء. مبلغ الزيادة أربع وعشرون ذراعا، قاله غير واحد، وخربت أماكن كثيرة من عظم زيادة النيل. والله أعلم. *** انتهى الجزء العاشر من النجوم الزاهرة ويليه الجزء الحادى عشر وأوّله: ذكر سلطنة الملك المنصور محمد على مصر

*** تنبيه: التعليقات الخاصة بالأماكن الأثرية والمدن والقرى المصرية القديمة وغيرها مع تحديد أماكنها من وضع العلامة المحقق المرحوم محمد رمزى بك الذي كان مفتشا بوزارة المالية وعضوا فى المجلس الأعلى لإدارة حفظ الآثار العربية، كالتعليقات السابقة فى الأجزاء الماضية ابتداء من الجزء الرابع. ولا يسعنا إلا أن نسأل الله جلت قدرته أن ينزل على قبره شآبيب رحمته، وأن يجزيه الجزاء الأوفى على خدمته للعلم وأهله. وكانت وفاته- رحمه الله- يوم الاثنين 13 ربيع الأول سنة 1364 هـ (26 فبراير سنة 1945 م) .

استدراكات

استدراكات كان العلامة المحقق المرحوم محمد رمزى بك قد وصّى أحد أفراد الأسرة قبل وفاته بهذه الاستدراكات ليرسلها إلى دار الكتب المصرية فجاءتنا بطريق البريد بعد وفاته. باب الصفا ورد فى الحاشية رقم 3 صفحة 91 من الجزء الرابع من هذه الطبعة أن باب الصفا كان واقعا تقريبا فى النقطة التى يتقابل فيها شارع سوق المواشى بشارع الفسطاط بمصر القديمة. وبإعادة البحث تبيّن لى أن هذا الوصف خطأ. والصواب أن هذا الباب كان واقعا فى السور البحرى لمدينة الفسطاط على رأس الطريق التى كانت تمر فى المنطقة التى بها اليوم جبانة السيدة نفيسة الجديدة فيما بين باب الصفا المذكور وامتداد شوارع الأشرف والخليفة والركبية حيث كانت تسير الطريق قديما بين الفسطاط والقاهرة. وقد بيّنا هذا الوصف فيما كتبناه عن هذا الباب فى صفحة 654 بالعدد الخامس من مجلة العلوم الصادرة فى سنة 1942 وعلى الخريطة المرفقة بالعدد المذكور. شارع نجم الدين ورد فى الحاشية رقم 1 ص 67 بالجزء السادس من هذه الطبعة ما يفيد أن شارع نجم الدين الممتدّ من جبانة باب النصر من الجنوب إلى الشمال منسوب إلى الأمير نجم الدين أيوب بن شادى الذي أنشأ مسجدا ظاهر باب النصر سنة 566 هـ على ما جاء فى المقريزى ص 412 ج 2 ثم جدّدت هذه التسمية نسبة إلى الشيخ صالح المحدّث نجم الدين أبى الغنائم محمد بن أبى بكر الشافعى المشهور بغنائم السعودى صاحب الزاوية التى فى نهاية هذا الشارع من الجهة البحرية.

العش

العش ورد بالحاشية رقم 3 ص 261 بالجزء السابع من هذه الطبعة أن ناحية العش التى ولد بها الملك السعيد بركة خان ابن الملك الظاهر بيبرس البندقدارى بضواحى القاهرة هى الناحية التى تعرف اليوم باسم منية شبين إحدى قرى مركز شبين القناطر بمديرية القليوبية بمصر. وبإعادة البحث تبين لى أن هذا الإرجاع خطأ، والصواب أنه من الاطلاع على كتاب الانتصار لابن دقماق ظهر لى أن ناحية العش هى ناحية أخرى كانت واقعة غربى البركة المعروفة بالعكرشة، وبما أن حوض العكرشة لا يزال موجودا ومعروفا تحت رقم 47 بأراضى ناحية أبى زعبل وشرقى سكنها تبين لى من ذلك أن ناحية العش التى ولد بها الملك السعيد بركة خان بضواحى القاهرة هى التى تسمى اليوم كفر الشيخ سعيد بجوار سكن ناحية أبى زعبل بمركز شبين القناطر ومن توابعها. حلوان ورد فى الحاشية رقم 2 صفحة 90 بالجزء التاسع من هذه الطبعة ما يفيد أن حلوان البلد أنشأها عبد العزيز بن مروان على النيل فى سنة 67 هجرية والصواب أنه أنشأها فى سنة 70 هجرية بعد أن اشترى أرضها من أهلها فى تلك السنة. وورد فى الحاشية المذكورة أن مدينة حلوان الحمامات أنشأها الخديوى إسماعيل فى سنة 1282 هجرية- 1871 ميلادية. والصواب أن هذا التاريخ هو تاريخ إنشاء الحمامات لأنها كانت أنشئت هى والفندق ونقطة البوليس فى السنة المذكورة فى الخلاء، قبل أن تبنى مدينة حلوان الحمامات التى فى الجبل بمدة أربع سنوات. وأما مدينة حلوان الحمامات ذاتها فقد أنشأها الخديوى إسماعيل فى سنة 1285 هجرية- 1874 ميلادية وقد تكلمنا على ذلك فى الرسالة التى طبعناها عن مدينة حلوان فى مجلة العلوم سنة 1944.

فهرس الولاة الذين تولوا مصر من سنة 690 هـ - إلى سنة 709 هـ

فهرس الولاة «1» الذين تولوا مصر من سنة 690 هـ- إلى سنة 709 هـ (ا) الأشرف صلاح الدين خليل ابن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفى الصالحى النجمىّ 3- 40 من سنة 690- 692 هـ (خ) خليل- الأشرف صلاح الدين خليل بن قلاوون. (ع) العادل زين الدين كتبغا بن عبد الله المنصورى التركى المغلى سلطان الديار المصرية 55- 84 من سنة 694- 695 هـ (م) المظفر ركن الدين بيبرس بن عبد الله المنصورى الجاشنكير 232- 282 سنة 709 هـ المنصور حسام الدين لاچين بن عبد الله المنصورى سلطان الديار المصرية 85- 114 من سنة 696- 697 هـ (ن) الناصر أبو الفتوح وأبو المعالى ناصر الدين محمد ابن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحى النجمى الألفى- ولايته الأولى 41- 54 سنة 693 هـ ولايته الثانية 115- 231 من سنة 698- 708 هـ

الجزء الحادى عشر

[الجزء الحادى عشر] بسم الله الرّحمن الرّحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحابته والمسلمين. [ما وقع من الحوادث سنة 762] ذكر سلطنة الملك المنصور محمد على مصر «1» السلطان الملك المنصور أبو المعالى ناصر الدين محمد ابن السلطان الملك المظفّر حاجىّ ابن السلطان الملك الناصر محمد ابن السلطان الملك المنصور قلاوون المنصورى الحادى والعشرون من ملوك الترك بالديار المصرية. جلس على تخت الملك صبيحة قبض على عمّه الملك الناصر حسن وهو يوم الأربعاء تاسع جمادى الأولى سنة اثنتين وستين وسبعمائة وكان عمره يومئذ نحوا من أربع عشرة سنة، بعد أن اجتمع الخليفة المعتضد بالله والقضاة والأعيان. ثم فوّض عليه خلعة السلطنة وهو التشريف الخليفتى في يوم الخميس عاشر الشهر المذكور، ولقّبوه الملك المنصور وحلفت له الأمراء على العادة، وركب من باب الستارة «2» من قلعة الجبل إلى الإيوان «3» وعمره ستّ عشرة سنة. قاله العينى. «4» والأصحّ ما قلناه.

ثم خلع على الأمير يلبغا العمرىّ الناصرىّ الخاصّكى وصار مدبر مملكة، ويشاركه فى ذلك خشداشه الأمير طيبغا الطويل، على أن كلّا منهما لا يخالف الآخر في أمر من الأمور؛ ثم خلع على الأمير قطلوبغا الأحمدى واستقر رأس نوبة النّوب، وخلع على قشتمر المنصورى بنيابة السلطنة بالديار المصرية وناظر البيمارستان المنصورىّ عوضا عن الأمير آقتمر عبد الغنى، وخلع على الشريف عز الدين عجلان بإمرة مكة على عادته. ثم كتب بالإفراج عن جماعة من الأمراء من الحبوس «1» وهم الأمير حركتمر الماردينىّ وطشتمر القاسمى وقطلوبغا المنصورى وخلع على طشتمر القاسمى بنيابة الكرك من يومه وعلى ملكتمرا المحمدى بنيابة صفد، ونفى اطقتمر المؤمنى إلى أسوان وخلع على الأمير ألجاى اليوسفى حاجب الحجّاب واستقرّ أمير جاندار، وأفرج عن الأمير طاز اليوسفى الناصرى من اعتقاله بثغر الإسكندرية بعد أن حبس بها ثلاث سنين وزيادة، وكان السلطان الملك الناصر حسن قد أكحله وأفرج أيضا عن أخوىّ طاز: الأمير جنتمر وكلتاى؛ وقرابغا وحضروا الجمع إلى بين يدى السلطان، وحضر طاز وعلى عينيه شعرية «2» فأخلع عليه وسأل أن يقيم بالقدس فأجيب وسافر إلى القدس وأقام به إلى أن مات على ما سيأتى ذكره إن شاء الله تعالى. ولمّا بلغ خبر قتل الملك الناصر حسن إلى الشأم عظم ذلك على بيدمر نائب الشأم وخرج عن الطاعة في شعبان من سنة اثنتين وستين وسبعمائة وعصى معه أسند مر الزينىّ ومنجك اليوسفى وحصّنوا قلعة دمشق، فلمّا بلغ ذلك يلبغا العمرى استشار الأمراء في أمرهم فاتّفقوا على خروج السلطان إلى البلاد الشامية وتجهّز يلبغا وجهّز

السلطان الملك المنصور إلى السفر وأنفق فى الأمراء والعساكر وخرج السلطان ويلبغا بالعساكر المصرية إلى الرّيدانية «1» فى أواخر شعبان. ثم رحّل الأمير يلبغا جاليش العسكر في يوم الاثنين مستهلّ شهر رمضان ورحّل السلطان الملك المنصور في يوم الثلاثاء الثانى منه ببقية العساكر وساروا حتى وصلوا دمشق في السابع والعشرين من شهر رمضان المذكور، فتحصّن الأمراء المذكورون بمن معهم في قلعة دمشق، فلم يقاتلهم يلبغا وسيّر إليهم في الصلح وتردّدت الرسل إليهم، وكان الرسل قضاة الشام، حتى حلف لهم يلبغا أنه لا يؤذيهم وأمّنهم فنزلوا حينئذ إليه، فحال وقع بصره عليهم أمر بهم فقبضوا وقيّدوا وحملهم «2» إلى الإسكندرية الى الاعتقال بها وخلع يلبغا على أمير علىّ الماردينى بنيابة دمشق على عادته أوّلا، وهذه ولاية أمير علىّ الثالثة على دمشق وتولّى الأمير قطلوبغا الأحمدى رأس نوبة نيابة جلب عوضا عن الأمير شهاب الدين أحمد بن القشتمرى. وأقام السلطان ويلبغا مدّة أيام، ومهّد يلبغا أمور البلاد الشامية حتى استوثق له الأمر. ثم عاد إلى جهة الديار المصرية وصحبته الملك المنصور والعساكر حتى وصل إليها في ذى القعدة من سنة اثنتين وستين وسبعمائة. وصار الأمر جميعه ليلبغا وأخذ يلبغا في عزل من اختار عزله وتولية من اختاره، فأخلع على الطواشى سابق الدين مثقال الآنوكى زمام الدار واستقرّ في تقدمة المماليك السلطانية عوضا عن الطواشى شرف الدين مخلص الموفّقى. ثم في شهر رجب استقرّ الأمير طغيتمر النّظامى حاجب الحجاب بالديار المصرية، وكانت شاغرة منذ ولّى ألجاى اليوسفى الأمير جاندار، ثم في شعبان استقرّ الأمير قطلقتمر العلائى الجاشنكير أمير مائة ومقدّم ألف بديار مصر.

ثم في شوّال أخلع على الأمير إشقتمر «1» الماردينى أمير مجلس بنيابة طرابلس واستقر طغيتمر النظامى عوضه أمير مجلس، واستقر الأمير اسنبغا الأبوبكريّ حاجب الحجّاب عوضا عن طغيتمر النظامى. ثم أخلع على الأمير عزّ الدين أيدمر الشيخى بنيابة حماة. ثم استقرّ الأمير منكلى بغا الشمسى فى نيابة حلب عوضا عن قطلوبغا الأحمدى بحكم وفاته. ثم أمسك الأمير شرف الدين موسى بن الأزكشى الأستادار ونفى الى حماة واستقرّ عوضه في الأستادارية أروس المحمودى. ثم تزوّج الأمير الكبير يلبغا بطولوبيه «2» زوجة أستاذه الملك الناصر حسن. وفي هذه السنة بويع المتوكّل على الله أبو عبد الله محمد بالخلافة بعد وفاة أبيه المعتضد بالله أبى بكر بعهد من أبيه في يوم الأربعاء ثامن عشر جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وسبعمائة. ثم أشيع في هذه السنة عن السلطان الملك المنصور محمد أمور شنعة نفّرت قلوب الأمراء منه واتّفقوا على خلعه من السلطنة، فخلع في يوم الثلاثاء خامس عشر شعبان سنة أربع وستين وسبعمائة وتسلطن بعده ابن عمه الملك الأشرف شعبان بن حسين، وحسين المذكور لم يتسلطن غير أنه كان لقّب بالأمجد من غير سلطنة، وأخذوا الملك المنصور محمدا وحبسوه داخل الدور السلطانية بقلعة الجبل. وكانت مدّة سلطنته سنتين وثلاثة أشهر وستة «3» أيام، وليس له فيها من السلطنة إلا مجرّد الاسم فقط. والأتابك يلبغا هو المتصرف في سائر أمور المملكة.

وسبب خلعه- والذي أشيع عنه- أنه بلغ الأتابك يلبغا أنه كان يدخل بين نساء الأمراء ويمزح معهن، وأنه كان يعمل مكاريّا للجوارى ويركبهنّ ويجرى هو وراء الحمار بالحوش السلطانى وأنه كان يأخذ زنبيلا فيه كعك ويدخل بين النساء ويبيع ذلك الكعك عليهن على سبيل المماجنة. وأنه يفسق في حريم الناس ويخلّ بالصلوات وأنه يجلس على كرسى الملك جنبا وأشياء غير ذلك، فاتّفق الأمراء عند ذلك على خلعه فخلعوه وهم يلبغا العمرى الخاصّكى وطيبغا الطويل وأرغون الإسعردى وأرغون الأشرفى وطيبغا العلائى وألجاى اليوسفى وأروس المحمودى وطيدمر البالسى وقطلوبغا المنصورى وغيرهم من المقدّمين والطبلخانات والعشروات. واستمر الملك المنصور محبوسا بالدور السلطانية من القلعه إلى أن مات بها فى ليلة السبت تاسع المحرّم من سنة إحدى وثمانمائة. وزوّج الملك الظاهر برقوق الوالد «1» بابنته خوند فاطمة في حياة والدها الملك المنصور المذكور واستولدها الوالد عدّة أولاد وماتت تحته في سنة أربع وثمانمائة، ولما مات الملك المنصور صلّى عليه الملك الظاهر برقوق بالحوش «2» السلطانى من القلعة ودفن بتربة «3» جدّته أمّ أبيه بالروضة «4» خارج

باب «1» المحروق بالقرب من الصحراء، وكان محبّا للهو والطرب راضيا بما هو فيه من العيش الطيب، وكان له مغان عدّة، جوقة كاملة زيادة على عشر جوار يعرفن بمغانى المنصور استخدمهنّ الوالد بعد موته، وكانت العادة تلك الأيام، أنّ لكل سلطان أو ملك يكون له جوقة من المغانى عنده فى داره، ولم يخلّف الملك المنصور مالا له صورة وخلّف عدّة أولاد ذكور وإناث. رأيت أنا جماعة منهم. انتهى والله أعلم. السنة الأولى وهي سنة اثنتين وستين وسبعمائة ومدبّر الممالك يلبغا العمرىّ على أن الملك الناصر حسنا حكم منها إلى تاسع جمادى الأولى ثم حكم في باقيها الملك المنصور هذا. فيها كان خلع الملك الناصر حسن وقتله حسب ما تقدّم وسلطنة الملك المنصور هذا.

وفيها توفّى الأديب شمس الدين أبو عبد الله محمد بن علىّ بن محمد المعروف بابن أبى طرطور الشاعر المشهور وبحماة عن بضع وسبعين سنة. وكان رحمه الله شاعرا ماهرا حسن العشرة، مدح الأكابر والأعيان ورحل إلى الشام ثم استوطن حماة إلى أن مات. رحمه الله. ومن شعره في مليح اسمه يعقوب، وهو هذا. [الرمل] يا مليحا حاز وجها حسنا ... أورث الصّبّ البكا والحزنا غلطوا في اسمك إذ نادوا به ... يوسف أنت ويعقوب أنا وتوفّى الحافظ المفتّن علاء الدين أبو عبد الله مغلطاى بن قليح «1» بن عبد الله البكجرىّ الحنفىّ الحافظ المصنف المحدّث المشهور في شعبان ومولده سنة تسعين وستمائة قاله ابن «2» رافع، وغيره في سنة تسع وثمانين وسمع من التاج أحمد «3» ابن دقيق العيد وابن الطبّاخ والحسن بن عمر الكردىّ وأكثر عن شيوخ عصره وتخرّج بالحافظ فتح الدين ابن سيد «4» الناس وغيره ورحل وكتب وصنّف «وشرح صحيح البخارىّ» ورتب «صحيح ابن حبّان» «وشرح [سنن] «5» أبى داود» ولم يكمّله وذيّل على «المشتبه لابن نقطة» وذيّل على «كتاب الضعفاء لابن الجوزىّ» وله عدّة مصنّفات أخر، وكان له اطلاع كبير وباع واسع في الحديث وعلومه وله مشاركة فى فنون عديدة. تغمّده الله برحمته.

وتوفّى الشيخ الإمام البارع المحدّث العلامة جمال الدين عبد الله بن يوسف [ابن محمد «1» ] الزّيلعىّ الحنفىّ في الحادى والعشرين من المحرّم. وكان- رحمه الله- فاضلا بارعا في الفقه والأصول والحديث والنحو والعربية وغير ذلك، وصنّف وكتب وأفتى ودرّس وخرّج أحاديث الكشّاف في جزء وأحاديث الهداية [فى الفقه «2» على مذهب أبى حنيفة] فى أجزاء وأجاد، أظهر فيه على اطلاع كبير وباع واسع. رحمه الله تعالى. وتوفّى السيّد الشريف «3» شهاب الدين حسين بن محمد بن الحسين بن محمد بن الحسين بن زيد الحسينىّ المصرىّ الشافعىّ الشهير بابن قاضى العسكر نقيب الأشراف بالديار المصرية عن أربع وستين سنة وكان كاتبا بارعا أديبا بليغا كتب الإنشاء بمصر وباشر كتابة السّر بحلب وله ديوان خطب وتعاليق ونظم ونثر، ومن شعره قوله. [المتقارب] تلقّ الأمور بصبر جميل ... وصدر رحيب وخل الجرج وسلّم إلى الله في حكمه ... فإمّا الممات وإمّا الفرج وتوفّى القاضى شهاب «4» الدين أبو العباس أحمد بن عبد الوهاب بن خلف [ابن محمود بن على «5» ] بن بدر المعروف بابن بنت الأعز العلامىّ الفقيه الشافعى

فى يوم الخميس ثامن عشر شهر ربيع الآخر وكان فقيها بارعا فاضلا ولى نظر الأحباس بالقاهرة ووكالة بيت المال وعدّة وظائف دينيّة- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين بلبان بن عبد الله السّنانى الناصرى الأستادار وأحد أمراء المقدّمين بالقاهرة، وكان من أعيان أمراء الديار المصرية وفيه شجاعة ومروءة وكرم. تغمّده الله برحمته. وتوفّى القاضى شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عيسى [بن عيسى «1» ] بن محمد ابن عبد الوهاب بن ذؤيب الآمدى الدمشقىّ الشافعىّ المعروف بابن قاضى شهبة- رحمه الله- كان إماما بارعا أديبا ماهرا باشر الخطابة بمدينة غزّة سنين، ثم كتب الإنشاء بدمشق وكان له نظم ونثر وخطب. وتوفّى الشيخ شمس الدين محمد بن مجد الدين عيسى بن محمود [بن عبد «2» اللطيف البعلبكى] المعروف بابن المجد الموسوى في سلخ صغر، وكان فقيها فاضلا إلا أنه كان غلب عليه الوسواس، حتى إنه كان في بعض الأحيان يتوضّأ من فسقية الصالحية «3» بين القصرين فلا يزال به وسواسه حتى يلقى نفسه في الماء بثيابه. وتوفّى الفقيه الكاتب المنشئ كمال الدين أبو عبد الله محمد بن شرف الدين أحمد ابن يعقوب بن فضل بن طرخان الزينبىّ الجعفرىّ العباسىّ الدمشقىّ الشافعىّ بضواحى القاهرة. كان معدودا من الرؤساء الفضلاء الأدباء.

وتوفّى الشيخ المعمّر المعتقد أبو العباس أحمد بن موسى الزرعىّ الحنبلىّ أحد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في المحرّم بمدينة حبراص «1» من الشأم وكان قويا فى ذات الله جريئا على الملوك والسلاطين. أبطل عدّة مكوس ومظالم كثيرة وقدم إلى القاهرة أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون وله معه أمور يطول شرحها وكان يخاطب الملوك كما يخاطب بعض الحرافيش وله على ذلك قوّة وشدّة بأس. رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين برناق بن عبد الله نائب قلعة دمشق بها في شعبان وكان مشكور السّيرة في ولايته. وتوفّى قاضى الكرك «2» محيى الدين أبو زكريّا يحيى بن عمر بن الزكىّ الشافعى- رحمه الله- فى أوائل ذى القعدة وهو معزول. وتوفّى قتيلا صاحب فاس «3» من بلاد المغرب السلطان أبو سالم إبراهيم ابن السلطان أبى الحسن على بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المرينىّ في ليلة الأربعاء ثامن عشر ذى القعدة- رحمه الله تعالى- وكان من أجلّ ملوك الغرب «4» . وتوفّى الخواجا عزّ الدين حسين بن داود بن عبد السيّد بن علوان السّلامى التاجر فى شهر رجب بدمشق وقد حدّث وكان مثريا وخلّف مالا كبيرا. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع واثنتا عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وعشر أصابع. والله أعلم.

ما وقع من الحوادث سنة 763

[ما وقع من الحوادث سنة 763] السنة الثانية من سلطنة الملك المنصور محمد ابن الملك المظفر حاجّى على مصر وهي سنة ثلاث وستين وسبعمائة. فيها توفّى الشيخ الإمام العالم الخطيب شمس الدين أبو أمامة محمد بن على بن عبد الواحد بن يحيى بن عبد الرحيم الدّكّالى المصرى الشافعى الشهير بابن النقاش- رحمه الله تعالى- فى يوم الثلاثاء ثالث عشر شهر ربيع الأوّل ودفن آخر النهار بالقرب من باب البرقية «1» خارج القاهرة عن ثلاث وأربعين سنة. وكان إماما بارعا فصيحا مفوّها وله نظم ونثر ومواعيد. وخطب بجامع أصلم «2» ودرّس به وبالآنوكيّة «3» وعمل عدّة مواعيد بالقاهرة والقدس والشأم واتّصل بالملك الناصر حسن وحظى عنده وهو الذي كان سببا لخراب بيت «4» الهرماس الذي

كان عمّره في زيادة جامع الحاكم «1» وساعده في ذلك العلّامة قاضى القضاة سراج «2» الدين الهندىّ الحنفى وكان له نظم ونثر وخطب ومن شعره قصيدته التي أوّلها: [الكامل] طرقت وقد نامت عيون الحسّد ... وتوارت الرقباء غير الفرقد وتوفّى قاضى القضاة تاج الدين أبو عبد الله محمد ابن القاضى علم الدين محمد بن أبى بكر بن عيسى بن بدران «3» السّعدى الإخنائى «4» المالكىّ- رحمه الله- بالقاهرة، وكان فقيها فاضلا رئيسا ولى نظر الخزانة السلطانية ثم باشر الأحكام الشرعية إلى أن مات. وتوفّى الخليفة أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو الفتح ثم أبو بكر ابن الخليفة المستكفى بالله أبى الربيع سليمان ابن الخليفة الحاكم بأمر الله أبى العباس أحمد بن الحسن بن

أبى بكر بن على بن حسن ابن الخليفة الراشد بالله منصور ابن الخليفة المسترشد بالله الفضل ابن الخليفة المستظهر بالله أحمد ابن الخليفة المقتدى بالله عبيد الله ابن الأمير ذخيرة الدين محمد ابن الخليفة القائم بأمر الله عبد الله ابن الخليفة القادر بالله أحمد ابن الأمير إسحاق ابن الخليفة المقتدر بالله جعفر ابن الخليفة المعتضد بالله أحمد ابن الأمير الموفّق طلحة ابن الخليفة المتوكّل على الله جعفر ابن الخليفة المعتصم بالله محمد ابن الخليفة الرشيد بالله هارون ابن الخليفة المهدى محمد ابن الخليفة أبى جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس العباسى الهاشمى المصرى- رحمه الله- بالقاهرة فى ليلة الأربعاء «1» ثامن عشر شهر جمادى الأولى وعهد بالخلافة لولده من بعده المتوكّل محمد. وتوفّى الأمير سيف الدين طاز بن عبد الله الناصرىّ المقدّم ذكره في عدّة أماكن من تراجم أولاد الملك الناصر محمد بن قلاوون وهو بطّال «2» بالقدس وكان من خواصّ الملك الناصر محمد ثم ترقّى بعد موته إلى أن صار مدبّر الديار المصرية. ثم ولى نيابة حلب بعد أمور وقعت له ثم قبض عليه وحبس وسمل إلى أن أطلقه يلبغا في أوائل سلطنة الملك المنصور محمد هذا وأرسله إلى القدس بطّالا فمات به وكان من الشجعان. وتوفّى القاضى أمين الدين محمد بن جمال الدين أحمد بن محمد بن محمد بن نصر الله المعروف بابن القلانسىّ التميمى الدّمشقى بها. كان أحد أعيان دمشق معدودا من الرؤساء، باشربها عدّة وظائف ثم ولى كتابة سرّ دمشق أخيرا، وكان فاضلا كاتبا.

وتوفّى القاضى «1» ناصر الدين محمد ابن الصاحب شرف الدين يعقوب بن عبد الكريم الحلبى الشافعى كاتب سرّ حلب ثم دمشق. ولد سنة سبع وسبعمائة بحلب ونشأ بها، وبرع في عدّة علوم وأذن له بالإفتاء والتدريس وولى كتابة السّرّ والإنشاء بحلب عوضا عن القاضى شهاب الدين ابن القطب وأضيف إليه قضاء العسكر بها. ثم نقل الى كتابة سرّ دمشق بعد وفاة تاج «2» الدين بن الزين خضر، وكان ساكنا محتملا مداريا كثير الإحسان إلى الفقراء. وكان يكتب خطّا حسنا، وله نظم ونثر جيّد إلى الغاية وكان مستحضرا للفقه وأصوله وقواعد أصول الدين والمعانى والبيان والهيئة والطب ومن شعره رحمه الله: [الرمل] وكأنّ القطر في ساجى الدّجى ... لؤلؤ رصّع ثوبا أسودا فإذا جادت «3» على الأرض غدا ... فضّة تشرق مع بعد المدى وتوفّى الأمير سيف الدين أينبك بن عبد الله أخو الأمير بكتمر الساقى وكان من جملة أمراء الطبلخانات. وتوفّى الأمير الطواشى صفىّ الدين جوهر الزّمرّدى بقوص في شعبان وكان من أعيان الخدّام وله رياسة ضخمة. وتوفّى الشيخ الإمام العالم شمس الدين محمد بن مفلح بن محمد بن مفرّج الدمشقى الحنبلى بدمشق في شهر رجب. وكان فقيها بارعا مصنّفا صنّف «كتاب الفروع «4» » وهو مفيد جدّا وغيره.

ما وقع من الحوادث سنة 764

وتوفّى الشيخ المعتقد فتح الدين يحيى بن عبد الله بن مروان [بن عبد «1» الله بن قمر] الفارقىّ الأصل الدمشقى الشافعى في شهر ربيع الأوّل بدمشق ومولده بالقاهرة فى سنة اثنتين وسبعين وستمائة- رحمه الله تعالى- وكان صالحا عالما صوفيّا. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ست أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وإصبعان. [ما وقع من الحوادث سنة 764] السنة الثالثة من سلطنة الملك المنصور محمد على مصر وهي سنة أربع وستين وسبعمائة وهي التي خلع فيها الملك المنصور المذكور بابن عمه الأشرف شعبان بن حسين في شعبان منها. فيها كان الطاعون بالديار المصرية والبلاد الشامية ومات فيه خلق كثير، لكنه كان على كلّ حال أخفّ من الطاعون الأوّل «2» الذي كان في سنة تسع وأربعين وسبعمائة المقدّم ذكره. وفيها توفّى الشيخ عماد الدين أبو عبد الله محمد بن الحسن «3» بن على بن عمر القرشى الإسنائى الشافعى في ثامن عشرين جمادى الآخرة ودفن خارج باب النصر من القاهرة. كان إماما عالما مفتيا مدرّسا. وتوفّى الشيخ سراج الدين أبو حفص عمر بن شرف الدين عيسى «4» بن عمر البارينىّ الشافعى الحلبى بحلب عن ثلاث وستين سنة وكان من الفقهاء الأفاضل- رحمه الله.

وتوفّى القاضى كمال الدين أبو العباس أحمد ابن القاضى تاج الدين محمد بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر «1» بن هبة الله بن عبد القاهر «2» بن عبد الواحد بن هبة الله ابن طاهر بن يوسف الحلبى الشهير بابن النصيبى بحلب عن تسع وستين سنة. كان كاتبا بارعا سمع الحديث وحدث وعلّق بخطه كثيرا، وباشر كتابة الإنشاء بحلب ثم ترك ذلك كلّه ولزم العزلة إلى أن مات. وتوفّى الصاحب تقىّ الدين سليمان بن علاء الدين علىّ بن عبد الرحيم «3» بن أبى سالم بن مراجل «4» الدّمشقى بدمشق وهو من أبناء الثمانين، وكان كاتبا رئيسا، ولى نظر الدولة بمصر، ثم ولى وزارة دمشق ونظر قلعتها وغير ذلك من الوظائف، ونقل في عدّة خدم؛ ومن إنشاده لوالده: [الطويل] أأحبابنا شوقى إليكم مضاعف ... وذكركم عندى مع البعد وافر وقلبى لمّا غبتم طار نحوكم ... وأعجب شىء واقع وهو طائر وتوفّى القاضى شمس الدين عبد الله بن شرف الدين يوسف بن عبد الله بن يوسف بن أبى السفّاح «5» الحلبى بالقاهرة عن نيّف وخمسين سنة- رحمه الله- كان جليلا باشر كتابة الإنشاء بحلب وعدّة من الوظائف الديوانية وتنقّل في الخدم وقال في مرض موته: [الخفيف] إن قضى الله موتتى ... وفراقى أحبّتى فعليهم تأسّفى ... وإليهم تلفّتى أو يكن حان مصرعى ... وتدانت منيّتى رحم الله مسلّما ... زار قبرى وحفرتى

وتوفّى الشيخ «1» الإمام البارع الأديب المفتن صلاح الدين أبو الصفاء خليل ابن الأمير عز الدين أيبك بن عبد الله الألبكى الصّفدى الشاعر المشهور بدمشق فى ليلة الأحد عاشر شوّال. ومولده سنة ستّ وتسعين وستمائة وكان إماما بارعا كاتبا ناظما ناثرا شاعرا. وديوان شعره مشهور بأيدى الناس وهو من المكثرين. وله مصنّفات كثيرة في التاريخ والأدب والبديع وغير ذلك وتاريخه المسمّى: «الوافى «2» بالوفيات» فى غاية الحسن وقفت عليه وانتقيته ونقلت منه أشياء كثيرة فى هذا المؤلّف وفي غيره، وله تاريخ آخر أصغر من هذا سمّاه «أعوان النصر «3» فى أعيان العصر» فى عدّة مجلدات. وقد استوعبنا من أحواله وشعره ومكاتباته نبذة كبيرة في ترجمته في تاريخنا «المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى» وتسميتى للتاريخ المذكور «والمستوفى بعد الوافى» إشارة لتاريخ الشيخ صلاح الدين هذا، لأنه سمّى تاريخه: «الوافى بالوفيات» إشارة على تاريخ ابن خلّكان أنه يوفّى بما أخلّ به ابن خلّكان، فلم يحصل له ذلك وسكت هو أيضا: عن خلائق فخشيت أنا أيضا أن أقول: «والمستوفى على الوافى» فيقع لى كما وقع له؛ فقلت: «والمستوفى بعد الوافى» انتهى.

قلت: وقد خرجنا عن المقصود ولنعود لترجمة الشيخ صلاح الدين ونذكر من مقطّعاته ما تعرف به طبقته بين الشعراء على سبيل الاختصار، فمن شعره بسندنا إليه: أنشدنا مسند عصره ابن «1» الفرات الحنفىّ إجازة، أنشدنا الشيخ صلاح الدين خليل الصّفدىّ إجازة. [السريع] المقلة «2» السوداء أجفانها ... ترشق في وسط فؤادى نبال وتقطع الطّرق على سلوتى ... حتى حسبنا في السّويدا رجال قال- وله أيضا- رحمه الله تعالى: [الوافر] محيّاه «3» له حسن بديع ... غدا روض الخدود به مزهّر وعارضه رأى تلك الحواشى ... مذهّبة فزمّكها وشعّر وله- عفا الله عنه-: [البسيط] بسهم ألحاظه رمانى ... فذبت من هجره وبينه إن متّ مالى سواه خصم ... فإنه قاتلى بعينه وقال: [المتقارب] كئوس المدام تحبّ الصّفا ... فكن لتصاويرها مبطلا ودعها سواذج من نقشها ... فأحسن ما ذهّبت بالطّلا وله: [الطويل] أقول له ما كان خدّك هكذا ... ولا الصّدغ حتى سال في الشّفق الدّجى فمن أين هذا الحسن والظّرف قال لى ... تفتّح وردى والعذار تخرّجا

وله: [الكامل] أنفقت كنز مدائحى في ثغره ... وجمعت فيه كلّ معنى شارد وطلبت منه جزاء ذلك قبلة ... فأبى وراح تغزّلى في البارد وله: [المنسرح] أفديه ساجى الجفون حين رنا ... أصاب منّى الحشا بسهمين أعدمنى الرشد في هواه ولا ... أفلح شئ يصاب بالعين وله: [البسيط] سألتم عن منام عينى ... وقد براه جفا وبين والنوم قد غاب حين غبتم ... ولم تقع لى عليه عين وتوفّى الأمير بدر الدين حسين المنعوت بالملك الأمجد ابن السلطان الملك الناصر محمد ابن السلطان الملك المنصور قلاوون بالقلعة في ليلة السبت رابع شهر ربيع الآخر وهو آخر من بقى من أولاد الملك الناصر محمد بن قلاوون من الذكور، وهو والد السلطان الملك الأشرف شعبان بن حسين. وموته قبل سلطنة ولده الأشرف بنحو خمسة شهور وأيام ولو عاش لما كان يعدل عنه يلبغا إلى غيره. وكان حسين هذا حريصا على السلطنة فلم ينلها دون إخوته على أنه كان أمثل إخوته. وتوفّى الأمير سيف الدين بزدار الخليلىّ أمير شكار أحد مقدّمى الألوف بالديار المصرية بها، وكان من أعيان الأمراء؛ عرف بالشجاعة والإقدام. وتوفّى شيخ القراءات مجد الدين أبو الفداء إسماعيل بن محمد بن يوسف بن محمد الكفتى في نصف شعبان- رحمه الله- وكان إماما في القراءات، تصدّى للإقراء سنين وانتفع الناس به.

وتوفّى السيد الشريف غياث الدين أبو إسحاق إبراهيم ابن الشريف صدر الدين حمزة العراقىّ والد الشريف مرتضى- تغمده الله تعالى- وكان رئيسا فاضلا نبيلا. وتوفّى الأمير سيف الدين جركس بن عبد الله النّوروزىّ أحد أمراء الطبلخانات بالقاهرة وكان من أعيان المماليك الناصرية. وتوفّى الشيخ المعتقد مسلم السلمى «1» المقيم بجامع الفيلة «2» - رحمه الله- كان صالحا مجاهدا عابدا قائما في ذات الله تعالى وكان يجاهد بطرابلس الغرب ويقيم حاله وفقراءه من الغنائم. وله كرامات ومناقب، فمن ذلك كان عنده سبع ربّاه حتى صار بين فقرائه كالهرّ «3» يدور البيوت: فلما مات الشيخ- رحمه الله- أخذه السّبّاعون فتوحّش عندهم إلى الغاية، حتى أبادهم وعجزوا عنه.

وتوفّى الأمير «1» سيف الدين قطلوبغا بن عبد الله الأحمدى الناصرىّ نائب حلب بها، وكان من خواصّ الملك الناصر محمد بن قلاوون وترقّى من بعده حتى صار أمير مائة ومقدّم ألف بديار مصر. ثم ولى حجوبية الحجّاب بها ثم أمير مجلس ثم ولى نيابة حلب في أوائل سلطنة الملك المنصور محمد بن المظفّر حاجىّ صاحب الترجمة، فلم تطل مدّته بحلب ومات بها، وكان من الأماثل. رحمه الله تعالى. وتوفّى الطواشى صفىّ الدين جوهر بن عبد الله اللّالا. وكان من أعيان الخدّام، وله عزّ ووجاهة. وتوفّى خطيب دمشق جمال الدين أبو الثناء محمود بن محمد بن إبراهيم بن جملة فى يوم الاثنين العشرين من شهر رمضان، وكان فصيحا، مفوّها ولى خطابة دمشق سنين. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم لم يحرّر. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وأربع أصابع. والله أعلم بالصواب.

ذكر سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر.

ذكر سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر. السلطان الملك الأشرف أبو المفاخر «1» زين الدين شعبان ابن الملك الأمجد حسين ابن السلطان الملك الناصر محمد ابن السلطان الملك المنصور قلاوون. تسلطن باتفاق الأمير يلبغا العمرى وطيبغا الطويل مع الأمراء على سلطنته بعد خلع ابن عمه الملك المنصور محمد ابن الملك المظفّر حاجّى وهو السلطان الثانى والعشرون من ملوك الترك بالديار المصرية. ولمّا اتفق الأمراء على سلطنته أحضر الخليفة المتوكّل على الله أبو عبد الله محمد والقضاة الأربعة وأفيض عليه الخلعة الخليفتيّة السوداء بالسلطنة وجلس على تخت الملك وعمره عشر سنين في يوم الثلاثاء خامس عشر شعبان سنة أربع وستين وسبعمائة من غير هرج في المملكة ولا اضطراب في الرعية، بل في أقلّ من قليل وقع خلع المنصور وسلطنة الأشرف هذا وانتهى أمرهما ونزل الخليفة إلى داره وعليه التشريف ولم يعرف الناس ما وقع إلا بدقّ البشائر والمناداة باسمه وزيّنت القاهرة وتمّ أمره على أحسن الأحوال. ومولد الأشرف هذا في سنة أربع وخمسين وسبعمائة بقلعة الجبل. واستقرّ الأتابك يلبغا العمرى الخاصّكى مدبّر الممالك ومعه خجداشه الأمير طيبغا الطويل أمير سلاح على عادتهما وعند ما ثبّت قواعد الملك الأشرف أرسل يلبغا بطلب الأمير على الماردينى نائب الشام إلى مصر فلمّا حضر أخلع عليه بنيابة السلطنة بديار مصر وتولّى عوضه «2» نيابة دمشق الأمير منكلى بغا الشمسى نائب حلب وتولى نيابة حلب

عوضا عن الشمسىّ الأمير اشقتمر الماردينى وتولّى نيابة طرابلس عوضّا عن اشقتمر الأمير أزدمر الخازن نائب صفد وتولّى نيابة صفد عوضا عن أزدمر الخازن الأمير قشتمر المنصورى الذي كان نائبا بالديار المصرية لأمر وقع منه في حقّ يلبغا العمرى الأتابكى واستقرّ الأمير أرغون الأحمدى الخازندار لا لا الملك الأشرف شعبان واستقرّ الأمير يعقوب شاه السّيفى [تابع «1» ] يلبغا اليحياوى خازندارا عوضا عن أرغون الأحمدى ثم استقرّ الأمير أرنبغا الخاصّكى في نيابة غزّة عوضا عن تمان تمر العمرى بحكم وفاته. ثم ولى الأمير عمر شاه حاجب الحجاب نيابة حماة عوضا عن أيدمر الشيخى واستقر الشريف بكتمر في ولاية القاهرة عوضا عن علاء الدين علىّ بن الكورانىّ بحكم استعفائه عنها. ثم استقرّ الأمير أحمد بن القشتمرى في نيابة الكرك. ثم ورد الخبر بوقوع الوباء بمدينة حلب وأعمالها وأنه مات بها خلق كثير، والأكثر في الأطفال والشبان. ثم نزل السلطان الملك الأشرف شعبان إلى سرياقوس «2» بعساكره على عادة الملوك. ثم سمّر الأتابك يلبغا خادمين من خدّام السلطان الملك المنصور لكلام بلغه عنهما فشفع فيهما فخلّيا ونفيا إلى قوص «3» . ثم في سنة خمس وسبعين «4» أنعم على الأمير طيدمر البالسىّ بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية.

ثم أخلع على الأمير أسن قجا بنيابة ملظية «1» فى ثالث صفر واستقرّ الأمير عمر بن أرغون النائب في نيابة صفد عوضا عن قشتمر المنصورى وحضر قشتمر المذكور الى مصر على إقطاع عمر بن أرغون المذكور واستقر الأمير طينال الماردينىّ «2» نائب فلعة الجبل عوضا عن ألطنبغا الشمسى بحكم استعفائه. ثم أنعم على جماعة بإمرة طبلخاناه وهم تمربغا العمرىّ ومحمد بن قمارى أمير شكار وألطنبغا الأحمدىّ وآقبغا الصّفوىّ وأنعم أيضا على جماعة بإمرة عشرات وهم: إبراهيم «3» بن صرغتمش وأرزمك من مصطفى ومحمد بن قشتمر وآقبغا الجوهرى وطشتمر العلائىّ خازندار طيبغا الطويل وطاجار من عوض وآروس بغا الخليلىّ ورجب بن كلبك التركمانىّ. ثم وقع الفناء في هذه السنة في البقر حتى هلك منها شئ كثير وأضرّ ذلك بحال الزرّاع. ثم في هذه السنة فتح الأمير منكلى بغا الشمسىّ نائب الشام باب كيسان «4» ، أحد أبواب دمشق بحضور أمراء الدوله وأعيان أهل دمشق، وذلك بعد بروز المرسوم الشريف إليه بذلك وعقد عليه قنطرة كبيرة ومدّ له الى الطريق جسرا وعمّر هناك جامعا وكان هذا مغلقا من مدّة تزيد على مائتى سنة، كان سدّه الملك العادل نور الدين محمود الشهيد لأمر اقتضى ذلك، فيه مصلحة للإسلام.

ثم رسم في هذه السنة بإبطال الوكلاء المتصرفين في أبواب القضاة. وفي هذا المعنى يقول الشيخ بدر الدين حسن بن حبيب، رحمه الله تعالى: [السريع] يقول ذو الحقّ الذي عاله ... خصم ألدّ ولسان كليل إن صيّروا أمر وكيلى سدّى ... فحسبى الله ونعم الوكيل ثم استقرّ الأمير يعقوب شاه أمير آخور عوضا عن الأمير جرجى الإدريسىّ بحكم انتقال جرجى إلى نيابة حلب عوضا عن إشقتمر «1» الماردينى. ثم في سنة ست وستين وسبعمائة استقرّ الأمير قطلقتمر العلائىّ أمير جاندار فى نيابة صفد عوضا عن الأمير عمر بن أرغون النائب وحضر عمر بن أرغون إلى مصر على إقطاع قطلقتمر المذكور في سابع شهر رجب. ثم استقرّ الأمير عبد الله ابن بكتمر الحاجب أمير شكار عوضا عن الأمير ناصر الدين محمد بن ألجيبغا، واستقرّ أسندمر العلائى الحرفوش حاجبا عوضا عن عبد الله بن بكتمر المذكور. ثم أنعم السلطان على الأمير أسندمر المظفّرى بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية في سلخ شهر رمضان. ثم أنعم على الأمير شعبان ابن الأتابك يلبغا العمرى بإمرة مائة وتقدمة ألف. ثم استقرّ الأمير قشتمر المنصورىّ في نيابة طرابلس، واستقرّ الأمير أزدمر الخازن في نيابة صفد عوضا عن الأمير قطلقتمر العلائىّ. ثم استقرّ الأمير ألطنبغا البشتكى في نيابة غزة عوضا «2» عن أرنبغا الكاملى بحكم وفاته.

ثم أخلع على الأمير منجك اليوسفى باستقراره في نيابة طرسوس بعد تلك الرتّب العالية من تحكمه لمّا ولى الوزر «1» [بالديار «2» المصرية] ونيابة طرابلس والشام وقد تقدّم ذكر ذلك كلّه في عدة أماكن، وإنما أردنا التعريف به هنا لما تقدّم له ولما هو آت. وكانت ولاية منجك اليوسفى لنيابة طرسوس عوضا عن قمارى أمير شكار بحكم وفاته في سلخ ذى القعدة. ثم أنعم السلطان على جماعة بإمرة طبلخاناه وهم: قطلوبغا البلبانىّ وكمشبغا «3» الحموى أحد مماليك الأتابك يلبغا العمرىّ وآقبغا «4» الجوهرى أحد اليلبغاويّة أيضا وعلى جماعة بإمرة عشرات وهم: سلجوق الرومى وأروس السّيفى بشتاك وسنقر السيفى أرقطاى ثم أنعم «5» السلطان على الأمير ألجاى اليوسفى في حادى عشرين شهر رجب بإمرة جاندار. وفي هذه السنة وهي سنة ست وستين وسبعمائة عزل قاضى «6» القضاة عزّ الدّين «7» عبد العزيز بن محمد بن جماعة نفسه من قضاء الديار المصرية في سادس عشر جمادى الأولى ونزل إليه الأتابك يلبغا بنفسه الى بيته وسأله بعوده إلى المنصب فلم يقبل ذلك وأشار على يلبغا بتولية نائبه بهاء الدين «8» أبى البقاء السّبكىّ فولى بهاء الدين قضاة الشافعية عوضه. ثم استقرّ قاضى القضاة جمال الدين محمود بن أحمد بن مسعود القونوىّ الحنفى قاضى قضاة دمشق بعد موت قاضى القضاة جمال الدين يوسف ابن أحمد الكفرىّ (بفتح الكاف) .

وفي هذه السنة أسلم الصاحب شمس الدين المقسى وكان نصرانيا يباشر في دواوين الأمراء، فلما أسلم استقرّ مستوفى المماليك السلطانية. وفي سنة سبع وستين وسبعمائة أخذت الفرنج مدينة إسكندرية في يوم الجمعة ثالث «1» عشرين المحرّم، وخبر ذلك أنه لمّا كان يوم الجمعة المذكور طرق الفرنج مدينة الاسكندرية على حين غفلة في سبعين قطعة ومعهم صاحب قبرس وعدّة الفرنج تزيد على ثلاثين ألفا وخرجوا من البحر المالح إلى برّ الإسكندرية فخرج أهلها إليهم فتقاتلوا فقتل من المسلمين نحو أربعة آلاف نفس واقتحمت الفرنج الإسكندرية وأخذوها بالسيف واستمروا بها أربعة أيام وهم يقتلون وينهبون ويأسرون وجاء الخبر بذلك إلى الأتابك يلبغا وكان السلطان بسرياقوس «2» ، فقام من وقته ورجع إلى القلعة ورسم للعساكر بالسفر إلى الإسكندرية، وصلّى السلطان الظّهر وركب من يومه ومعه الأتابك يلبغا والعساكر الإسلامية في الحال وعدّوا النيل وجدّوا فى السّير من غير ترتيب ولا تعبية حتى وصلوا إلى الطّرّانة «3» والعساكر يتبع بعضها بعضا، فلمّا وصل السلطان إلى الطرّانة أرسل جاليشا «4» من الأمراء أمامه في خفية وهم قطلوبغا المنصورى وكوندك وخليل بن قوصون وجماعة من الطبلخانات والعشرات وغيرهم وجدّوا في السير، وبينماهم في ذلك جاء الخبر بأن العدوّ المخذول لمّا سمعوا بقدوم

السلطان تركوا الإسكندرية وهربوا، ففرح الناس بذلك، ورسم السلطان بعمارة ما تهدّم من الإسكندرية «1» وإصلاح أسوارها وأخلع السلطان على الشريف بكتمر بنيابة الإسكندرية وأعطاه إمرة مائة وتقدمة ألف وبكتمر هذا هو أوّل نائب ولى نيابة الإسكندرية من النوّاب، وما كانت أوّلا إلا ولاية، فمن يومئذ عظم قدر نوّابها وصار نائبها يسمى ملك الأمراء ثمّ أمر يلبغا فنودى بمصر والقاهرة بأن البحّارة والنّفاطة كلّهم يحضرون إلى بيت الأتابك يلبغا للعرض والنّفقة ليسافروا فى المراكب التي تنشأ، وبدأ يلبغا في عمارة المراكب وبعث مراسيم إلى سائر البلاد الشامية والحلبية بإخراج جميع النجّار بن وكلّ من يعرف يمسك منشارا بيده، ولا يترك واحد منهم، وكلّهم يخرجون إلى جبل شغلان وهو جبل عظيم فيه أشجار كثيرة من الصّنوبر والقرو ونحو ذلك، وهذا الجبل بالقرب من مدينة أنطاكية «2» ، وأنهم يقطعون الألواح وينشرون الأخشاب للمراكب ويحملونها إلى الديار المصرية، فامتثل نائب حلب ذلك وفعل ما أمر به ووقع الشروع في عمل المراكب. هذا، وقد ثقل على يلبغا وطاة خشداشه طيبغا الطويل فأراد أن يستبدّ بالأمر وحده وأخذ يلبغا يدبّر عليه في الباطن. ولقد حكى لى بعض من رآهما قال: كانا ينزلان من الخدمة السلطانية معا، فتقول العامّة: يا طويل حسّك من هذا القصير! فكان طيبغا يلتفت إلى يلبغا ويقول له وهو يضحك: ما يقولون هؤلاء! فيقول يلبغا: هذا شأن العامة يثيرون الفتن. انتهى.

واستمرّ يلبغا على ذلك إلى أن خرج طيبغا الطويل إلى الصيد بالعبّاسة «1» أرسل إليه يلبغا جماعة من مقدّمى الألوف وهم: أرغون الإسعردى الدّوادار والأمير آروس المحمودى الأستادار وأرغون الأزقى وطيبغا العلائى حاجب الحجّاب ومعهم «2» تشريف له بنيابة دمشق فساروا حتى قدموا على طيبغا الطويل وأخبروه بما وقع فلما سمع طيبغا ذلك غضب وأبى قبول الخلعة. وخامر واتّفق معه أرغون الإسعردى الدوادار وآروس المحمودىّ وهرب طيبغا العلائى وأرغون الأزقى ولحقا بالأتابك يلبغا وأعلماه بالخبر فركب يلبغا في الحال ومعه السلطان الملك الأشرف شعبان بالعساكر في صبيحة اليوم المذكور وقد ساق طيبغا الطويل من العبّاسة حتى نزل بقبّة «3» النصر خارج القاهرة ليأتيه من له عنده غرض، فوافاه يلبغا في حال وصوله بالعساكر وقاتله فاقتتلا ساعة وانكسر طيبغا الطويل بمن معه وأمسك هو وأصحابه من الأمراء وهم أرغون الإسعردى وآروس المحمودى وكوندك «4» أخو طيبغا الطويل وجركتمر السّيفى منجك وأرغون من عبد «5» الله وجمق الشّيخونى وكليم أخو طيبغا الطويل وتلك أخو بيبغا الصالحى وآقبغا العمرى البالسى وجرجى ابن كوندك «6» وأرزمك من مصطفى وطشتمر العلائى، وأرسلوا الجمع إلى سجن الإسكندرية، وأخذ يلبغا إقطاع ولدى طيبغا الطويل وهما: على وحمزة وكانا أميرى طبلخاناه.

ثم في يوم الاثنين خامس عشرين شعبان من سنة سبع وستين وسبعمائة، باست الأمراء الأرض للسلطان ويلبغا الأتابك معهم وطلبوا من السلطان الإفراج عن الأمراء المسجونين بثغر الإسكندرية المقدّم ذكرهم، فقبل السلطان شفاعتهم، ورسم بالإفراج عن طيبغا الطويل خاصة فأفرج عنه ورسم بسفره إلى القدس بطّالا، فسافر إلى القدس وأقام به إلى ما يأتى ذكره. ثم بعد ذلك في يوم عيد الفطر رسم السلطان بالإفراج عمن بقى في الإسكندرية من أصحاب طيبغا الطويل، فأفرج عنهم وحضروا فأخرجوا إلى الشام متفرّقين بطّالين وصفا الوقت ليلبغا العمرىّ وصار هو المتكلّم في الأمور من غير مشارك والسلطان الملك الأشرف شعبان معه آلة في السلطنة، وأنعم يلبغا بإقطاعات أصحاب طيبغا الطويل على جماعة من أصحابه، فأنعم على الأمير أرغون بن بلبك الأزقىّ بتقدمة ألف، عوضا عن قطلوبغا المنصورىّ وأنعم على طيبغا العلائى السيفىّ بزلار بتقدمة ألف، عوضا عن ملكتمر الماردينىّ بحكم وفاته، وأنعم على أينبك البدرىّ أمير آخور يلبغا العمرىّ بإمرة طبلخاناه واستقرّ أستادار أستاذه يلبغا. ثم استقرّ الأمير إشقتمر الماردينىّ المعزول عن نيابة حلب قبل تاريخه فى نيابة طرابلس، عوضا عن قشتمر المنصورىّ، وطلب قشتمر المذكور إلى مصر. ثم استقرّ الأمير طيدمر البالسى أمير سلاح عوضا عن طيبغا الطويل في سابع جمادى الأولى. ثم استقرّ طيبغا الأبوبكريّ دوادارا كبيرا بإمرة طبلخاناه عوضا عن الإسعردى، فأقام دوادارا إلى حادى عشرين شعبان عزل بأمير بيبغا دوادار أمير على الماردينى بإمرة طبلخاناه أيضا.

ثم استقرّ الأمير أرغون ططر رأس نوبة النّوب عوضا عن ملكتمر العمرى الماردينى في آخر جمادى الآخرة، واستقرّ أرغون الأزقى أستادارا عوضا عن آروس المحمودى واستقرّ يعقوب «1» شاه أمير آخور مقدّم ألف وحاجبا ثانيا عوضا عن قطلوبغا المنصورى واستقرّ طقتمر الحسنى أمير آخور كبيرا عوضا عن يعقوب شاه المنتقل إلى الحجوبية الثانية واستقرّ قطلو شاه الشّعبانى أمير طبلخاناه وشادّ الشراب خاناه عوضا عن أرغون بن عبد الملك واستقرّ تمرقبا العمرى جوكندارا عوضا عن جركتمر السّيفى منجك وأنعم على آقبغا الأحمدى المعروف بالجلب بتقدمة ألف وعلى أسندمر الناصرى بتقدمة ألف أيضا، وكلاهما بالديار المصرية واستقرّ حسين [ابن على «2» ] بن الكورانى في ولاية القاهرة وهذه أوّل ولايته. ثم فرّق على جماعة كبيرة بإمرة طبلخانات وهم: طغيتمر العثمانى وآقبغا الجوهرى وفجماس السيفى طاز وألطنبغا العزى وأرغون «3» كتك العزى وقراتمر المحمدى، الشهابى هذا قراتمر، رأيته وقد شاخ وكان بطّالا يسكن بالقرب «4» من الكبش «5» بعد سنة عشرين وثمانمائة. انتهى. وآروس بغا الكاملى «6» وطاجار من عوض وآقبغا اليوسفى وألطنبغا الماردينى. وهو غير صاحب «7» الجامع، ذاك متقدّم على هذا ورسلان الشيخونى «8» واستقرّ حاجبا بإسكندرية على إمرة

طبلخاناه وعلىّ بن قشتمر المنصورى وسودون القطلقتمرى وقطلوبغا الشعبانى «1» ومحمّد المهندس التّركمانى «2» وعلى جماعة بعشرات، وهم: تنبك الأزقى وأرغون الأحمدى وطيبغا «3» السيفى يلبغا وأرغون الأرغونى وسودون الشيخونى، وهو الذي صار نائب السلطنة في دولة الملك الظاهر برقوق كما سيأتى ذكره. وأزدمر العزى أبو ذقن ويونس العمرى ودرت بغا البالسى وقرابغا الصّرغتمشى وطاز «4» الحسينى وقرقماس «5» الصرغتمشى وطيبغا العلائى وقمارى الجمالى. ثم في هذه السنة أبطل يلبغا المكوس من مكة والمدينة ورتّب عوض ذلك من بيت المال مائتى ألف وستين ألفا. ثم في سنة ثمان وستين طلب السلطان الأمير منكلى بغا الشمسى نائب الشام إلى الديار المصرية فلما حضره أكرمه وأخلع عليه بنيابة حلب عوضا عن جرجى الإدريسى لعجزه عن القيام بمصالح حلب مع التّركمان، فامتنع منكلى بغا من نيابة حلب كونه نائب دمشق، ثم ينتقل منها إلى نيابة حلب، فأضيف اليه أربعة آلاف نفر «6» من عسكر دمشق لتكون منزلته أكبر من منزلة نائب دمشق؛ فأذعن عند ذلك ولبس الخلعة وتوجه إلى حلب وتولّى نيابة دمشق عوضه الأمير آقتمر عبد الغنى حاجب الحجّاب بالديار المصرية وتولّى عوضه حجوبيّة الحجّاب طيبغا العلائى. وأما جرجى الإدريسى المعزول عن نيابة حلب فإنه ولى نيابة طرابلس بعد عزل منجك اليوسفى عنها.

وفي ثامن عشر شهر ربيع الأوّل من سنة ثمان وستين المذكورة استقرّ أرغون الأزقى الأستادار في نيابة غزّة عوضا عن ألطنبغا البشتكى. وفي الشهر أيضا استقرّ آقبغا الأحمدى المعروف بالجلب لالا السلطان الملك الأشرف عوضا عن أرغون الأحمدى بحكم نفيه إلى الشام لأمر اقتضى ذلك ونفى معه تمربغا العمرى. ثم في آخر الشهر المذكور أمسك الأتابك يلبغا الأمير الطواشى سابق الدين مثقالا الآنوكى مقدّم المماليك السلطانية وضربه داخل القصر بقلعة «1» الجبل ستمائة عصاة ونفاه إلى «2» أسوان، وسببه ظهور كذبه له وولّى مكانه مختار الدّمنهورى المعروف بشاذروان، وكان مقدّم الأوجاقية بباب «3» السّلسلة، كلّ ذلك والعمل في المراكب مستمرّ إلى أن كملت عمارة المراكب من الغربان «4» والطّرائد لحمل الغزاة والخيول وكانوا نحو مائة غراب وطريدة، عمّرت في أقلّ من سنة مع عدم الأخشاب والأصناف يوم ذاك. وبينما الناس في ذلك قتل يلبغا العمرى بيد مماليكه في واقعة كانت بينهم؛ وخبر ذلك أنه لمّا كان في مستهل شهر ربيع الآخر نزل السلطان من قلعة الجبل وعدّى إلى برّ الجيزة ليتوجه إلى الصّيد بالبحيرة بعد أن ألزم الأمراء أن يجعلوا- فى الشّهوانى التي نجز عملها برسم الغزاة- العدد والسلاح والرجال على هيئة القتال

لينظر السلطان والناس ذلك، فامتثلوا الأمراء المرسوم الشريف وأشحنوا المراكب بالعدد والسلاح والرجال الملبسة وضربوا الطّبلخاناه بها وصارت في أبهى زىّ ولعبوا بها في البحر قدّام السلطان والأتابك يلبغا وخرج الناس للتفرّج من كلّ فجّ، وكان يوم من الأيام المشهودة الذي لم ير مثله في سالف الأعصار. ثم سار السلطان والأتابك ويلبغا بالعساكر من برّ الجيزة يريدون البحيرة «1» حتى نزلوا في ليلة الأربعاء سادس شهر ربيع الآخر من سنة ثمان وستين وسبعمائة بالطرّانة «2» وباتوا بها وكانت مماليك يلبغا قد نفرت قلوبهم منه لكثرة ظلمه وعسفه وتنوعه في العذاب لهم على أدنى جرم، حتى إنه كان إذا غضب على مملوك ربما قطع لسانه فاتّفق جماعة من مماليك يلبغا تلك الليلة على قتله من غير أن يعلموا الملك الأشرف هذا بشىء من ذلك، وركبوا عليه نصف الليل، ورءوسهم من الأمراء: آقبغا الأحمدى الجلب وأسندمر الناصرى وقجماس الطازى وتغرى برمش العلائى وآقبغا جاركس أمير سلاح وقرابغا الصّرغتمشى في جماعة من أعيان اليلبغاويّة ولبسوا آلة الحرب وكبسوا في الليل على يلبغا بخيمته بغتة وأرادوا قتله، فأحسّ بهم قبل وصولهم إليه، فركب فرس النّوبة بخواصّه من مماليكه وهرب تحت الليل وعدّى النيل إلى القاهرة ومنع سائر المراكب أن يعدّوا بأحد واجتمع عنده من الأمراء طيبغا حاجب الحجاب وأينبك البدرى أمير آخور وجماعة الأمراء المقيمين بالقاهرة، وأمّا مماليك يلبغا فإنهم لمّا علموا بأن أستاذهم نجا بنفسه وهرب، اشتدّ تخوّفهم من أنه إذا ظفر بهم بعد ذلك لا يبقى منهم أحدا، فاجتمعوا الجميع بمن انضاف إليهم من الأمراء وغيرهم وجاءوا إلى الملك الأشرف

شعبان- تغمّده الله برحمته- وهو بمخيّمه أيضا بمنزله بالطّرّانة وكلّموه في موافقنهم على قتال يلبغا فامتنع قليلا ثم أجاب لما في نفسه من الحزازة من حجر يلبغا عليه، وعدم تصرّفه في المملكة، وركب بمماليكه وخاصّكيته، فأخذوه وعادوا به إلى جهة القاهرة، وقد اجتمع عليه خلائق من مماليك يلبغا وعساكر مصر وساروا حتى وصلوا إلى ساحل النيل ببولاق التّكرورى تجاه بولاق والجزيرة الوسطى «1» ، فأقام الملك الأشرف ببولاق التّكرورى «2» يوم الأربعاء ويوم الخميس ويوم الجمعة فلم يجدوا مراكب يعدّون فيها. وأما يلبغا فإنه لمّا علم أنّ الملك الأشرف طاوع مماليكه وقرّبهم أنزل من قلعة الجبل سيّدى آنوك ابن الملك الأمجد حسين أخى الملك الأشرف شعبان وسلطنه ولقّبه بالملك المنصور وذلك بمخيّمه بجزيرة أروى المعروفة بالجزيرة «3» الوسطانية، تجاه بولاق التّكرورى حيث الملك الأشرف نازل بمماليك يلبغا بالبرّ الشرقىّ؛ والأشرف بالبر الغربى، فسمّته العوامّ سلطان الجزيرة. ثم في يوم الجمعة حضر عند الأتابك يلبغا الأمير طغيتمر النظامىّ والأمير أرغون ططر، فإنهما كانا يتصيّدان بالعباسة «4» وانضافا بمن معهما إلى يلبغا فقوى أمره بهما وعدّى إليه أيضا جماعة من عند الملك الأشرف وهم الأمير قرابغا البدرى والأمير يعقوب شاه والأمير بيبغا العلائى الدّوادار والأمير خليل بن قوصون وجماعة من

مماليك يلبغا الذين أمّرهم: مثل آقبغا الجوهرى وكمشبغا الحموى ويلبغا شقير فى آخرين واسمرّ الأتابك يلبغا وآنوك بجزيرة الوسطى والملك الأشرف ومماليك يلبغا ببولاق التّكرورى، إلى أن حضر إلى الأشرف شخص يعرف [بمحمد] ابن «1» بنت لبطة رئيس [شوانى] السلطان وجهّز للسلطان من الغربان «2» التى عمزها برسم الغزاة نحو ثلاثين غرابا برجالها وكسّر بروقها، وجعلها مثل الفلاة لأجل التّعدية، قنزل فيها جماعة من الأمراء ومن مماليك يلبغا ليعدوا فيها إلى الجزيرة فرمى عليهم يلبغا بمكاحل النّفط وصار هؤلاء يرمون على يلبغا بالسّهام فيردّونهم على أعقابهم وأخذ يلبغا ومن معه يرمون أيضا النفط والنّشّاب، والأشرفية لا يلتفتون الى ذلك، بل يزيدون فى سبّ يلبغا ولعنه وقتاله، وأقاموا على ذلك الى عصر يوم السبت وقد قوى أمر الملك الأشرف وضعف أمر يلبغا. ثم اتّفق رأى عساكر الملك الأشرف على تعدية الملك الأشرف من الورّاق «3» ، فعدّى وقت العصر من الورّاق الى جزيرة «4» الفيل وتتابعته عساكره، فلما صاروا

الجميع في برّ القاهرة وبلغ ذلك يلبغا هرب الأمراء الذين كانوا مع يلبغا بأجمعهم وجاءوا إلى الملك الأشرف وقبّلوا الأرض بين يديه، فلمّا رأى يلبغا ذلك رجع إلى جهة القاهرة، ووقف بسوق الخيل من تحت قلعة الجبل، ولم يبق معه غير طيبغا حاجب الحجاب الذي كان أوّلا أستاداره فوقف يلبغا ساعة ورأى أمره في إدبار، فنزل عن فرسه بسوق «1» الخيل تجاه باب الميدان وصلّى العصر وحلّ سيفه وأعطاه للأمير طيبغا الحاجب، ثم نزل وقصد بيته بالكبش «2» فرجمته العوامّ من رأس سويقة «3» منعم الى أن وصل حيث اتّجه وسار الملك الأشرف شعبان بعساكره، حتى طلع إلى قلعة الجبل في آخر نهار السبت المذكور، وأرسل جماعة من الأمراء إلى يلبغا فأخذوه من بيته ومعه طيبغا الحاجب وطلعوا به إلى القلعة، بعد المغرب فسجن بها إلى بعد عشاء الآخرة من اليوم المذكور فلمّا أذّن للعشاء جاء جماعة من مماليك يلبغا مع بعض الأمراء وأخذوا يلبغا من سجنه وأنزلوه من القلعة فلما صار بحدرة القلعة أحضروا له فرسا ليركبه، فلما أراد الركوب ضربه مملوك من مماليكه يسمّى

قراتمر فأرمى رأسه ثم نزلوا عليه بالسيوف حتى هبّروه تهبيرا وأخذوا رأسه وجعلوها فى مشعل [النار «1» ] إلى أن انقطع الدم فلمّا رآه بعضهم أنكره وقال: أخفيتموه وهذه رأس غيره فرفعوه من المشعل ومسحوه ليعرفوه أنه رأس يلبغا بسلعة كانت خلف أذنه فعند ذلك تحقّق كلّ أحد بقتله، وأخذوا جثته فغيبوها بين العروستين «2» ، فجاء الأمير ظشتمر الدوادار فأخذ الرأس منهم في الليل واستقصى على الجثّة حتى أخذها وحطّ الرأس على الجثّة وغسّلها وكفّنها وصلّى عليه في الليل ودفنه بتربته «3» التى أنشأها بالصحراء بالقرب من تربة «4» خوند طغاى أمّ آنوك زوجة الناصر محمد ابن قلاوون. وفيه يقول بعض الشعراء [مخلع البسيط] : بدا شقا يلبغا وعدّت ... عداه في سفنه إليه والكبش لم يفده وأضحت ... تنوح غربانه عليه قلت: لا جرم أنّ الله سبحابه وتعالى عامل يلبغا هذا من جنس فعله بأستاذه الملك الناصر حسن فسلّط عليه مماليكه فقتلوه كما قتل هو أستاذه الناصر حسنا، فالقصاص قريب والجزاء من جنس العمل. ولما أصبح نهار الأحد عاشر شهر ربيع الآخر وهو صبيحة ليلة قتل فيها يلبغا العمرىّ الخاصّكى المقدّم ذكره طلع جميع الأمراء إلى القلعة واستقرّ الأمير طغيتمر النّظامىّ هو المتحدّث في حلّ المملكة وعقدها ومعه آقبغا جلب الأحمدىّ وأسندمر

الناصرىّ وقجماس الطازىّ وقبضوا من الأمراء على تمربغا «1» البدرىّ ويعقوب شاه وبيبغا العلائىّ الدوادار وقيّدوا وأرسلوا عشيّة النهار إلى الإسكندرية ورسم للامير خليل بن قوصون أن يلزم بيته بطالا. وفي يوم الاثنين حادى عشرة استقرّ قشتمر المنصورىّ حاجب الحجاب عوضا عن طيبغا العلائىّ واستقرّ أيدمر الشامىّ دودارا بإمرة مائة وتقدمة ألف وناظر الأحباس ولم يعلم قبله دوادار أمير مائة ومقدّم ألف. ثم قبض على جماعة من الأمراء وهم: أزدمر العزّىّ وآقبغا الجوهرىّ وأرغون كتك العزّىّ أيضا وأرغون الأرغونىّ ويونس الرمّاح العمرىّ وكمشبغا الحموىّ وأرسلوا الجميع في القيود إلى ثغر الإسكندرية فحبسوا «2» بها. ثم استقرّ طيدمر البالسىّ أستادار العالية ثم أخلع على قجماس الطازىّ واستقرّ أمير سلاح عوضا عن طيدمر البالسىّ المنتقل إلى الأستادارية وأنعم على قرابغا الصّرغتمشىّ بتقدمة ألف دفعة واحدة من إمرة عشرة. ثم في العشرين من الشهر استقرّ أسنبغا القوصونىّ لالا السلطان، عوضا عن آقبغا جلب «3» واستقرّ قراتمر المحمدىّ خازندارا، عوضا عن تلكتمر المحمدىّ وحضر سابق الدين مثقال [الآنوكى «4» ] من قوص بطلب من السلطان وقبل الأرض ونزل إلى داره. وفى [يوم الخميس «5» ] ثانى [عشر «6» ] جمادى الأولى قبض على فخر الدين ماجد بن قروينة وسلّم لقرابغا [الصّرغتمشى «7» ] ليستخلص منه الأموال، واستقرّ عوضه في الوزارة الصاحب جمال الدين عبد الله بن تاج الدين موسى بن أبى شاكر وأضيف إليه نظر الخاصّ أيضا وكان أوّلا صاحب ديوان يلبغا.

وفي سادس عشر جمادى الأولى أعيد [الطواشى «1» ] سابق الدين مثقال إلى تقدمة المماليك السلطانية وصرف الدّمنهورىّ المعروف بشاذروان. فى يوم الخميس سادس عشر شهر رجب قبض على قرابغا الصرغتمشىّ وعند ما قبض على قرابغا المذكور ركب الأمير تغرى برمش بالسلاح ومعه عدّة من الأمراء والخاصّكية فرسم السلطان بركوب الأمراء والخاصّكية فركبوا في الحال وقبضوا عليه وأمسكوا معه الأمير أينبك البدرىّ وإسحاق الرّجبىّ وقرابغا العزّى، ومقبل الرومىّ وأرسلوا إلى الإسكندرية. ثمّ أنعم السلطان على كلّ من قطلوبغا جركس وأقطاى بتقدمة ألف. ومن هذا الوقت أخذ أسندمر الناصرىّ في التعاظم وانضمام الناس عليه فاتّفق جماعة من الأمراء العزّية مع طغيتمر النظامىّ وآقبغا جلب على قبض أسندمر ودبّروا عليه إلى أن كانت ليلة الأحد سابع شهر شوّال من سنة ثمان وستين المذكورة ركبوا نصف الليل وضربوا الكوسات وأنزلوا الملك الأشرف إلى الإصطبل السلطانىّ وقصدوا مسك أسندمر الناصرىّ وبعض مماليك يلبغا العمرىّ الأشرار وبلغ ذلك أسندمر، فمكث في بيته إلى طلوع الشمس. ثمّ ركب من بيته بالكبش «2» فإنّه كان سكن فيه بعد قتل بلبغا وتوجّه بمن معه إلى قبّة «3» النّصر ومنها إلى

القرافة إلى باب الدّرفيل «1» من وراء القلعة، فلم يفطن به الأمراء إلّا وهو تحت الطبلخاناه السلطانية من القلعة وكبس عليهم من الصّوة «2» فهرب أكثر الأمراء وكان غالبهم قد استخدم عنده جماعة من مماليك يلبغا فلما رأى مماليك يلبغا أسندمر ومن

معه من خشداشيتهم توجّهوا إليهم وتركوا أمراءهم. ثمّ خرج إلى أسندمر آقبغا جلب وطردوا الحاجب ابن أخى آل ملك فقوى أسندمر بهم على الأمراء وصدمهم صدمة هائلة كسرهم فيها كسرة شنيعة وهربوا الجميع إلّا ألجاى اليوسفىّ وأرغون ططر فإنهما ثبتا وقاتلا أسندمر وليس معهما غير سبعين فارسا، فقاتلوا أسندمر وجماعته إلى قريب الظهر، فلم يرجع إليهما أحد من أصحابهما فانكسرا وانتصر أسندمر الناصرىّ عليهم وطلع إلى القلعة وقبّل الأرض بين يدى الملك الأشرف شعبان فأخلع عليه الأشرف باستقراره أتابكا ومدبّر المماليك كما كان يلبغا العمرىّ الخاصّكى. ثم قبض أسندمر على جماعة من الأمراء وقيّدهم وأرسلوا إلى ثغر الإسكندرية فحبسوا بها وهم: ألجاى اليوسفىّ وطغيتمر النظامىّ وأيدمر الشامى وآقبغا جلب وقطلوبغا جركس وأقطاى وأرغون ططر وقجماس الطازىّ وجميع هؤلاء مقدّمو ألوف. ثم قبض على جماعة من الأمراء الطبلخانات وهم: طاجار من عوض ويلبغا شقير وقرابغا شادّ الأحواش وقرابغا الأحمدىّ وقطلوبغا الشعبانىّ وأيدمر الخطائىّ وتمراز الطازىّ وآسن الناصرىّ وقراتمر المحمدىّ. ثم أصبح أسندمر في يوم حادى عشر شوّال أنعم على جماعة من الأمراء واستقرّوا مقدّمى ألوف بالديار المصرية وأصحاب وظائف، فأخلع على أزدمر العزّىّ واستقرّ أمير مائة ومقدم ألف وأمير سلاح واستقرّ جركتمر السيفىّ منجك أمير مائة ومقدّم ألف وأمير مجلس واستقرّ ألطنبغا اليلبغاوىّ رأس نوبة النّوب من امرأة عشرة دفعة واحدة واستقرّ قطلقتمر العلائى أمير جاندار واستقرّ سلطان شاه أمير مائة ومقدّم ألف وحاجبا ثانيا واستقرّ بيرم العزّىّ دوادارا بتقدمة ألف وكان جنديّا قبل ذلك، فانعم عليه بإقطاع طغيتمر النظامىّ ووظيفته وجميع

موجوده ومماليكه وحواصله وأنعم على خليل بن قوصون بتقدمة ألف وعلى قبق العزّىّ بتقدمة ألف وعلى أرغون القشتمرى بتقدمة ألف وعلى محمد بن طيطق «1» العلائىّ بتقدمة ألف. ثم أنعم على جماعة بإمرة طبلخاناه وهم: بزلار العمرىّ وأرغون المحمدىّ الآنوكىّ الخازن وأرغون الأرغونىّ ومحمد بن طقبغا الماجارى وباكيش السيفىّ يلبغا وآقبغا آص الشّيخونىّ وسودون الشيخونىّ وجلبان السّعدىّ وكبك الصّرغتمشى وإينال اليوسفىّ وكمشبغا الطازىّ وبكتمر العلمىّ وقمارى الجمالى وأرسلان خحا ومبارك الطازىّ وتلكتمر «2» الكشلاوىّ وأسنبغا العزىّ وقطلوبغا الحموى «3» ومأمور القلمطاوىّ. ثم أنعم على جماعة بإمرة عشرات وهم: كزك «4» الأرغونى وألطنبغا المحمودى وقرأبغا الأحمدى، وهذا غير قرابغا الأحمدى الجلب وحاجىّ ملك بن شادى وعلى بن باكيش «5» ورجب بن خضر وطيطق الرمّاح. ثم خلع على جماعة واستقرّت جوكندارية وهم: مبارك الطازى المقدّم ذكره وقرمش الصرغتمشى وإينال اليوسفى وأخلع على ملكتمر «6» المحمدى واستقرّ خازندارا على عادته وبهادر الجمالى شادّ الدواوين، عوضا عن خليل بن عرّام بحكم انتقال ابن عرام إلى نيابة الإسكندرية واستقرّ أسندمر الزين في نيابة طرابلس، عوضا عن اشقتمر الماردينى وأمسك اشقتمر وحبس

بالإسكندرية واستقر طيبغا الطويل الناصرى رفيق يلبغا العمرى الخاصكى المقدّم ذكره فى نيابة حماة وكان بطّالا بالقدس في تاسع صفر، فلم تطل مدّته وقبض عليه منها في ذى القعدة واعتقل بالإسكندرية ثانيا، وتولّى نيابة حماة عمر شاه على عادته واستقرّ بيبغا القوصونى أمير آخور كبيرا، عوضا عن آقبغا الصّفوى بحكم وفاته، وأرسل الى الأمير منكلى بغا الشمسى نائب حلب خلعة الاستمرار. وقد كمل جامع «1» منكلى بغا الذي أنشاه بحلب في هذه السنة بقنسرين. واستهلت سنة تسع وستين والملك الأشرف شعبان كالمحجور عليه مع أسندمر، غير أن اسمه السلطان، وخليفة الوقت المتوكّل على الله وأسندمر الناصرى أمير كبير أتابك العساكر ومدبّر المملكة ونائب السلطنة مع أمير علىّ الماردينى آلة يتعاطى الأحكام لا غير، ونائب دمشق آقتمر عبد الغنىّ ونائب حلب منكلى بغا الشمسىّ وهو يومئذ يخشى شرّه ونائب طرابلس منجك اليوسفىّ ونائب حماة عمر

شاه صاحب القنطرة «1» على الخليج خارج القاهرة ونائب صفد أرغون الأزقى واستمرّ الأتابك أسندمر على ما هو عليه الى يوم الجمعة سادس صفر اتّفقت عليه مماليك يلبغا الأجلاب وركبوا معهم الأمراء وقت صلاة الجمعة ودخلوا على أسندمر الناصرىّ وسألوه أن يمسك جماعة من الأمراء، فمسك أزدمر العزّىّ أمير سلاح وحركتمر المنجكىّ أمير مجلس وبيرم العزّىّ الدوادار الكبير وبيبغا القوصونىّ والأمير آخور كبك الصرغتمشى الجوكندار واستمرّت المماليك لابسين السلاح، وأصبحوا يوم السبت ومسكوا خليل بن قوصون ثم أطلقوه وانكسرت الفتنة الى عشيّة النهار وهي ليلة الأحد وقالوا لأسندمر: نريد عزل الملك الأشرف، وكان أسندمر مفهورا معهم وبلغ الخبر الملك الأشرف، فأرسل في الحال إلى [خليل «2» ] ابن قوصون فحضر وركب الملك الأشرف وركب ابن قوصون ومماليك الأشرف الجميع مع أستاذهم، وكانوا نحو المائتين لا غير، وكان الذين اجتمعوا من مماليك يلبغا فوق الألف وخمسمائة وركب مع الملك الأشرف جماعة «3» من الأمراء الكبار مثل أسنبغا ابن الأبوبكريّ وقشتمر المنصورى في آخرين وضربت الكوسات واجتمع على السلطان خلق كثير من العوامّ، ولمّا بلغ أسندمر الناصرىّ ركوب الملك الأشرف أخذ جماعة من مماليك يلبغا وطلع من خلف القلعة كما فعل أوّلا في واقعة آقبغا الجلب وتقدّمت مماليك يلبغا وصدموا المماليك الأشرفية وتقاتلوا، وبينما هم في ذلك جاء أسندمر بمن معه من تحت الطبلخاناه كما فعل تلك المرة، فعلم به الأشرفية والأمراء فمالوا عليه فكسروه أقبح كسرة وهرب أسندمر، ثم أمسك وتمزقت المماليك اليلبغاوية، فلما جىء للأشرف بأسندمر وحضر بين يديه شفعت فيه الأمراء

الكبار، فأطلقه السلطان ورسم له أن يكون أتابكا على عادته ورسم له بالنزول الى بيته بالكبش «1» ورسم للأمير خليل بن قوصون أن يكون شريكه في الأتابكيّة، فنزل أسندمر الى بيته ليلة الاثنين وأرسل السلطان معه الأمير خليل بن قوصون صفة الترسيم وهو شريكه في وظيفة الأتابكيّة ليحضره في بكرة نهار الاثنين، فلمّا نزلا الى الكبش تحالفا وخامرا ثانيا على السلطان واجتمع عند أسندمر وخليل بن قوصون في تلك الليلة جماعة كبيرة من مماليك يلبغا وصاروا مع أسندمر كما كانوا أوّلا وأصبحا يوم الاثنين وركبا الى سوق الخيل «2» ، فركب السلطان بمن معه من الأمراء. والمماليك الأشرفية وغيرهم فالتقوا معهم وقاتلوهم وكسروهم وقتلوا جماعة كبيرة من مماليك يلبغا وهرب أسندمر وابن قوصون واشتغل مماليك السلطان والعوامّ بمسك مماليك يلبغا، يمسكونهم ويحضرونهم عرايا مكشّفى الرءوس وتوجّه فرقة من السلطانية الى أسندمر وابن قوصون فقبضوا عليهما وعلى ألطنبغا اليلبغاوىّ وجماعة أخر من الأمراء اليلبغاوية فقيّدوا وأرسلوا إلى سجن الإسكندرية. وفي هذه الواقعة يقول الشيخ شهاب الدين أحمد بن العطّار: [البسيط] هلال شعبان جهرا لاح في صفر ... بالنصر حتى أرى عيدا بشعبان وأهل كبش كأهل الفيل قد أخذوا ... رغما وما انتطحت في الكبش شاتان ثم جلس الملك الأشرف شعبان في الإيوان وبين يديه أكابر الأمراء، ورسم بتسمير جماعة من مماليك يلبغا نحو المائة وتوسيطهم، ونفى جماعة منهم الى الشام وأخذ مال أسندمر وأنفق على مماليكه لكل واحد مائة دينار، ولكل واحد من غير مماليكه خمسون دينارا، ورسم للامير يلبغا المنصورى باستقراره أتابك العساكر هو

والأمير ملكتمر الخازندار، وأنعم على كل منهما بتقدمة ألف وأنعم على تلكتمر بن بركة بتقدمة ألف عوضا عن خليل بن قوصون، وكان ذلك في سادس عشر صفر. ثم أصبح السلطان من الغد في يوم الثلاثاء «1» سابع عشر صفر قبض على يلبغا المنصورىّ المذكور ورفيقه تلكتمر المحمدىّ لأنهما أرادا الإفراج عن مماليك يلبغا وقصد يلبغا المنصورىّ أن يسكن بالكبش فمسكهما الملك الأشرف وأرسلهما إلى الإسكندرية. ثم أرسل السلطان بطلب الأمير منكلى بغا الشمسىّ نائب حلب إلى الديار المصرية، فحضرها بعد مدّة وأخلع عليه السلطان خلعة النيابة بديار مصر، فأبى أن يكون نائبا، فأنعم عليه بتقدمة ألف وجعله أتابك العساكر وتولى نيابة حلب عوضه طيبغا الطويل، وكان أخرجه من سجن الإسكندرية قبل ذلك. ثم زوّج السلطان أخته «2» للأمير منكلى بغا الشمسى المذكور فتزوجها وأولدها بنتا «3» تزوّجها الملك الظاهر برقوق وعاشت بعد الملك الظاهر الى أن ماتت في سنة ثلاث وثلاثين بقاعتها بخطّ «4» الكعكيين من القاهرة، ثم رسم الملك الأشرف أن يفرج عن طغيتمر النظامى وأيدمر الخطائى وألجاى اليوسفى وكانوا محبوسين بالإسكندرية فحضروا إلى بين يدى السلطان وقبّلوا الأرض بين يديه وخلع على

بكتمر المؤمنى واستقرّ أمير آخور كبيرا بتقدمة ألف وهو صاحب المصلّاة «1» والسبيل بالرّميلة ثم رسم السلطان بإحضار الأمير آقتمر عبد الغنى. فلما وصل آقتمر إلى مصر أخلع عليه السلطان باستقراره حاجب الحجّاب بالديار المصرية، وكان آقتمر هذا قد ولى نيابة السلطنة بالديار المصرية، قبل نيابة الشام وتولى نيابة دمشق بعده بيدمر الخوارزمىّ قليلا، ثم عزل واستقرّ عوضه في نيابة دمشق منجك اليوسفى نائب طرابلس واستقرّ في نيابة طرابلس بعد منجك أيدمر الآنوكى.

ثم أخلع السلطان على الأمير الأكز الكشلاوىّ باستقراره شادّ الدواوين، عوضا عن بهادر الجمالى. ثم أفرج عن الأمير أرغون ططر وأخلع عليه واستقرّ أمير شكار بتقدمة ألف. ثم رسم باحضار قطلوبغا الشعبانى من الشام فحضر بعد مدّة. [ثم في ثامن «1» عشر جمادى الآخرة استقرّ الأمير آقتمر الصاحبى دوادارا عوضا عن آقبغا بن عبد الله بإمرة طبلخاناة واستقرّ طغيتمر العثمانى شادّ الشراب خاناه واستقرّ بشتك العمرى رأس نوبة ثانيا] . ثم أخلع الملك الأشرف في تاسع عشرين شهر رمضان على الأمير أرغون الأزقى باستقراره رأس نوبة كبيرا عوضا عن تلكتمر بن بركة واستقرّ تلكتمر المذكور أمير مجلس عوضا عن طغيتمر النظامى. ثم استقرّ الأمير ألجاى اليوسفى أمير سلاح برانيّا عوضا عن أزدمر العزّى. واستقرّ آقبغا بن عبد الله دوادارا كبيرا بإمرة طبلخاناه. ثم استقرّ الأكز أستادارا عوضا عن ألطنبغا بحكم وفاته. وفي سابع شوّال استقرّ الأمير عمر بن أرغون النائب في نيابة الكرك، عوضا عن ابن القشمرى واستقرّ طيدمر البالسىّ في نيابة الإسكندرية، عوضا عن صلاح الدين خليل بن غرّام واستقرّ خليل بن عرّام حاجبا بثغر الإسكندرية. ثم استقرّ أيدمر الشيخى في نيابة حماة عوضا عن عمر شاه، وأخلع على شمس الدين ابن المقسىّ باستقراره ناظر الخواص الشريفة بالقاهرة عوضا عن ابن أبى شاكر

فى ثالث عشر ذى القعدة. واستقرّ العلامة سراج «1» الدين عمر بن إسحاق الغزنوىّ الهندىّ الحنفىّ قاضى قضاة الحنفية بالديار المصرية، بعد موت قاضى القضاة جمال «2» الدين التّركمانى واستقرّ الشيخ سراج عمر بن رسلان بن نصير بن صالح الكنانى «3» البلقينى الشافعى في قضاء دمشق عوضا عن قاضى القضاة تاج الدين عبد الوهاب السّبكىّ، فلم تطل مدّة البلقينى في قضاء دمشق وعزل وأعيد تاج الدين السّبكى واستقرّ القاضى بدر الدين محمد ابن القاضى علاء الدين على ابن القاضى محيى الدين يحيى بن فضل الله العمرى في كتابة السر بالديار المصرية بعد وفاة والده واستقرّ فتح «4» الدين محمد بن الشهيد في كتابة سرّ دمشق عوضا عن جمال الدين «5» بن الأثير. ثم وقع الوباء بالديار المصرية حتى بلغت عدّة الموتى في اليوم أكثر من ألف نفس وأقام نحو الأربعة أشهر وارتفع. وفي هذه السنة أيضا وهي سنة تسع وستين وسبعمائة قصدت الفرنج مدينة طرابلس الشام في مائة وثلاثين مركبا من الشوانى والقراقير «6» والغربان والطرائد وصحبتهم صاحب قبرس وهو المقدّم ذكره عليهم وكان نائبها وأكثر عسكرها غائبين

عنها، فاغتنمت الفرنج الفرصة وخرجوا من مراكبهم إلى الساحل فخرج لهم من طرابلس بقية عسكرها بجماعة من المسلمين فتراموا بالنّبال ثم اقتتلوا أشدّ قتال وتقهقر المسلمون ودخل المدينة طائفة من الفرنج فنهبوا بعض الأسواق. ثم إن المسلمين تلاحقوا وحصل بينهم وبين الفرنج، وقائع عديدة استشهد فيها من المسلمين نحو أربعين نفرا وقتل من الفرنج نحو الألف وألقى الله تعالى الرّعب في قلوب الفرنج فرجعوا خائبين. وفي هذه السنة قوى أمر الملك الأشرف في السلطنة وصار تدبير ملكه إليه يعزل ويولّى من غير مشورة الأمراء وصار في الملك من غير منازع ولا معاند وحسنت سيرته وحبّته الرعية إلى الغاية وصار يقصد المقاصد الجميلة مما سيأتى ذكره. ثم في أوّل جمادى الآخرة عزل الأشرف أسنبغا بن الأبوبكريّ عن نيابة حلب بالأمير قشتمر المنصورىّ. ثم قبض السلطان على أرغون العجمىّ الساقى أحد المماليك السلطانية بسبب أنه سرق أحجارا مثمّنة من الخزانة السلطانية وباعها على الفرنج، وفيها حجر يعرف بوجه الفرس فجاء به الفرنج الى منجك اليوسفى نائب الشام فعرفه وأرسله الى السلطان وأخبره بخبر أرغون العجمىّ وكيف باعه للفرنج فصفح السلطان عنه ونفاه الى الشام. ثم في يوم السبت العشرين من شهر رمضان نفى السلطان الأمير آقتمر الصاحبىّ الدوادار الكبير إلى الشام لأمر وقع بينه وبين الأمير ألجاى اليوسفىّ. وفي تاسع عشر ذى القعدة أحضر الأمير بيدمر الخوارزمى المعزول عن نيابة الشام قبل تاريخه وأدخل الى قاعة الصاحب «1» بقلعة الجبل وطلب منه ثلاثمائة ألف

دينار وكان متولّى أمره علىّ بن محمد بن كلبك التّركمانى فعصر يوم الثلاثاء حادى عشرين ذى القعدة، ثم أفرج عنه ونفى الى طرابلس بعد أن اخذ منه مائة ألف دينار. ثم قدم الخبر على السلطان بقتل الأمير قشتمر المنصورىّ نائب حلب، وخبره أنه لما ولى نيابة حلب في جمادى الآخرة من هذه السنة وتوجّه إلى حلب فلم يقم بها إلا يسيرا وخرج منها وكبس أمير آل فضل بعربه مثل السلطان فركب العرب وقاتلته فقتل في المعركة هو وولده محمد بن قشتمر وكان الذي قتله حيّار أمير آل فضل وولده نعير بن حيّار وكان ذلك يوم الجمعة خامس عشر ذى الحجة ولما بلغ الملك الأشرف عظم عليه وأرسل تقليدا للامير اشقتمر الماردينى بنيابة حلب على يد الأمير قطلوبغا الشعبانى وعزل حيّارا عن إمرة العرب وولّاها لزامل «1» . ثم أنعم الملك الأشرف في هذه السنة على ألوف بتقادم وطبلخانات وعشرات، فممن أنعم عليهم بتقدمة ألف الأمير بهادر الجمالى وبشتك العمرى وممن أنعم عليه بإمرة طبلخاناه صراى الإدريسى وبيبغا القوصونى وأحمد بن آقتمر عبد الغنى وأحمد بن قنغلى وخليل بن قمارى الحموى وطغيتمر الحسينى وحسين بن الكورانى وأرغون شاه الأشرفى. وكان أمير الحاج في هذه السنة بهادر الجمالى، وحجّت في هذه السنة أيضا خوند بركة والدة السلطان الملك الأشرف صاحب الترجمة بتجمّل زائد ورخت «2» عظيم وبرك هائل وفى خدمتها من الأمراء الألوف بشتك العمرى وبهادر الجمالى

أمير الحاج ومائة مملوك من المماليك السلطانية الخاصّكية وكان من جملة ما معها بدرب الحجاز كوسات وعصائب سلطانية وعدّة محفّات بأغطية زركش وعدّة محاير «1» كثيرة بأفخر زينة وحمل معها أشياء كثيرة يطول الشرح في ذكرها من ذلك: قطر جمال عليها مزروع خضر وغير ذلك وحجّت وعادت إلى الديار المصرية، بعد أن احتفل جميع أمراء الدولة إلى ملاقاتها، ولما وصلت إلى الفلعة أثلت على بهادر الجمالى فأخلع السلطان عليه. ثم بعد مدّة في يوم حادى عشرين المحرّم من سنة إحدى وسبعين وسبعمائة استقرّ به «2» أمير آخور كبيرا عوضا عن الأمير بكتمر المؤمنى بعد موته واستقرّ الأمير تلكتمر [من بركة «3» ] أستادارا عوضا عن بهادر [الجمالى «4» ] المذكور واستقرّ أرغون شاه الأشرفى أمير مجلس عوضا عن تلكتمر المنتقل الى الأستادارية ثم نقل أرغون شاه المذكور بعد مدّة يسيرة من وظيفة أمير مجلس إلى وظيفة رأس نوبة النّوب، بعد موت بشتك العمرى واستقرّ أرغون [الأحمدى «5» ] اللّالا أمير مجلس عوضا عن أرغون شاه المذكور. ثم أنعم السلطان على الأمير طينال الماردينى بتقدمة ألف وعلى علم دار أيضا بتقدمة ألف واستقرّ أستادار العالية عوضا عن تلكتمر. ثم في سنة اثنتين وسبعين استقرّ الأمير طشتمر العلائى دوادارا كبيرا بإمرة طبلخاناه، انتقل إليها من الجندية عوضا عن منكوتمر من عبد الغنى واستقرّ يلبغا الناصرى اليلبغاوىّ خازندارا كبيرا، عوضا عن يعقوب شاه.

قلت: والناصرى هذا هو صاحب الوقعة مع الملك الظاهر برقوق الآتى ذكرها في ترجمة الظاهر المذكور. ثم في سنة ثلاث وسبعين عزل السلطان الأمير اشقتمر الماردينى عن نيابة حلب بالأمير عز الدين أيدمر الدوادار. قلت: وإشقتمر الماردينى هذا ومنجك اليوسفى نائب الشام وبيدمر الخوارزمى هؤلاء الثلاثة لا أعلم أحدا في الدولة التركيّة ولى ولايتهم من الأعمال والوظائف ولا طال مكثه في السعادة مثلهم على ما ذكرناه فيما مضى وما سنذكره فيما يأتى إن شاء الله تعالى على أن اشقتمر هذا طال عمره في السعادة حتى ولى نيابة الشام عن الملك الظاهر برقوق، وبرقوق يومئذ في خدمة منجك اليوسفى نائب الشام، وإلى الآن لم يتصل بخدمة السلطان ولا صار من جملة المماليك السلطانية وقد تقدّم أنّ اشقتمر ولى الأعمال الجليلة من سلطنة الملك الناصر حسن الأولى وكان يلبغا العمرى أستاذ برقوق يوم ذاك خاصّكيّا، فانظر إلى تقلّبات هذا الدهر ونيل كلّ موعود بما وعد. انتهى. وفى سنة ثلاث وسبعين المذكورة رسم السلطان الملك الأشرف أنّ الأشراف بالديار المصرية والبلاد الشامية كلّهم يسمون عمائمهم بعلامة خضراء بارزة للخاصّة والعامّة إجلالا لحقّهم وتعظيما لقدرهم ليقابلوا بالقبول والإقبال ويمتازوا عن غيرهم من المسلمين، فوقع ذلك ولبسوا الأشراف العلائم الخضر، التى هي الآن مستمرّة على رعوسهم، فقال الأديب شمس الدين محمد بن إبراهيم الشهير بالمزيّن في هذا المعنى: [الكامل] أطراف تيجان أتت من سندس ... خضر كأعلام على الأشراف والأشرف السلطان خصّصهم بها ... شرفا لنعرفهم من الأطراف وقال أيضا في المعنى الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن جابر الأندلسى: [الكامل]

جعلوا لأبناء الرّسول علامة ... إنّ العلامة شأن من لم يشهر نور النّبوّة في كريم وجوههم ... يغنى الشّريف عن الطّراز الأخضر وقال أيضا في المعنى الشيخ بدر الدين حسن بن حبيب الحلبى: [الرجز] عمائم الأشراف قد تميّزت ... بخضرة رقّت وراقت منظرا وهذه إشارة أنّ لهم ... فى جنّة الخلد لباسا أخضرا وقال ولده أبو العزّ طاهر بن حسن بن حبيب في المعنى أيضا: [الطويل] ألا قل لمن يبغى ظهور سيادة ... تملّكها الزّهر الكرام بنو الزّهرا لئن نصبوا للفخر أعلام خضرة ... فكم رفعوا للمجد ألوية حمرا وقال الشيخ شهاب الدين بن أبى حجلة التّلمسانىّ الخنفى- تغمده الله تعالى- فى المعنى أيضا. [الطويل] لآل رسول الله جاه ورفعة ... بها رفعت عنّا جميع النّوائب وقد أصبحوا مثل الملوك برنكهم «1» ... إذا ما بدوا للناس تحت العصائب قلت: وبهذه الفعلة يدلّ على حسن اعتقاد الملك الأشرف المذكور في آل بيت النبوّة وتعظيمه لهم؛ ولقد أحدث شيئا كان الدهر محتاجا إليه ولا ألهم الله تعالى الملوك ذلك من قبله؛ ولله درّ القائل: «كم ترك الأوّل للآخر» . وفي أوّل سنة أربع وسبعين وسبعمائة استقرّ الأمير ألجاى اليوسفى أمير سلاح أتابك العساكر بالديار المصرية عوضا عن منكلى بغا الشمشى بحكم وفاته- إلى رحمة الله تعالى- وأخلع عليه أيضا بنظر البيمارستان «2» المنصورىّ فعند ذلك عظم قدر

ألجاى المذكور من كونه زوج أمّ السلطان وصار أتابك العساكر، وبهذا استطال الجاى في المملكة. فإنّه قبل زواجه بأمّ السلطان خوند بركة كان من جملة الأمراء المقدّمين لا غير انتهى. ثم أخلع السلطان على الأمير كجك من أرطق شاه باستقراره أمير سلّاح برانيّا عوضا عن ألجاى اليوسفى المذكور واستقرّ يلبغا الناصرىّ شادّ الشراب خاناه عوضا عن كجك واستقرّ تلكتمر الجمالى خازندارا عوضا عن يلبغا الناصرى. ثم توجّه السلطان الى سرحة الأهرام بالجيزة وعاد بعد أيام وعند عوده الى قلعة الجبل أخلع على الطّواشى سابق الدين مثقال مقدّم المماليك السلطانية قباء حرير أزرق صاف بطرز زركش عريض أسوة بالأمراء الخاصّكيّة وهذا شىء لم يلبسه مقدّم قبله، وكان السلطان الملك الأشرف قبل ذلك قد استجدّ في كلّ سنة عند طلوعه من هذه السّرحة وهي توجّه السلطان إلى ربيع الخيل أن يلبس الأمراء الخاصّكية مقدّمى الألوف أقبية حرير بفرو سمّور بأطواق سمّور بطرز زركش والطّبلخانات والعشرات أقبية حرير بطرز زركش منها ما هو بفرو قاقم ومنها ما هو بفرو سنجاب. ثم بعد ذلك نزل السلطان في يوم الثلاثاء سادس عشر ذى القعدة سنة أربع وسبعين ووالدته معه وهي متمرّضة إلى الرّوضة «1» تجاه مصر القديمة بمنظرة الأمير طشتمر الدّوادار، فاقام فيها يوم الثلاثاء والأربعاء وصحبته جميع الأمراء وطلع يوم الخميس إلى القلعة واستمرّت أمّ السلطان متمرّضة الى أن ماتت في ذى الحجّة وهي في عصمة

الجامى اليوسفى وصلّى عليها ابنها السلطان الملك الأشرف ودفنت بمدرستها «1» التى عمّرتها بخطّ التّبانة خارج القاهرة بالقرب من باب الوزير ووجد عليها ولدها الملك الأشرف وجدا عظيما، لأنها كانت من خيار نساء عصرها دينا وخيرّا وصدقة ومعروفا. ومن الاتفاق العجيب بعد موتها البيتان اللذان عملهما الأديب شهاب الدين السعدىّ الأعرج وتفاعل بهما على ألجاى اليوسفىّ وهما: [الكامل]

فى مستهلّ العشر من ذى الحجة ... كانت صبيحة موت أمّ الأشرف فالله يرحمها ويعظم أجره ... ويكون في عاشور موت اليوسفى فكان الأمر على ما ذكر، وهذا من الاتفاق الغريب وهو أنه لمّا ماتت خوند بركة المذكورة، واستهلت سنة خمس وسبعين وقع بين الملك الأشرف وبين زوج أمّه ألجاى اليوسفى كلام من أجل التّركة المتعلقة بخوند بركة المذكورة وكان ذلك يوم الثلاثاء سادس المحرّم من السنة المذكورة، وكثر الكلام بين السلطان وبين ألجاى اليوسفى حتى غضب ألجاى وخرج عن طاعة المك الأشرف ولبس هو ومماليكه آلة الحرب ولبست مماليلك السلطان أيضا وركب السلطان بمن معه من أمرائه وخاصّكيّته. وباتوا الليلة لابسين السّلاح إلى الصّباح، فلما كان نهار الأربعاء سابع المحرّم كان الوقعة بين الملك الأشرف شعبان وبين زوج أمّة الأتابك ألجاى اليوسفى فتواقعوا إحدى عشرة مرة وعظم القتال بينهما حتى كانت الوقعة الحادية عشرة انكسر فيها ألجاى اليوسفى وانهزم إلى بركة الحبش «1» . ثم تراجع أمره وعاد بمن معه من على الجبل الأحمر إلى قبّة النّصر، فطلبه السلطان الملك الأشرف فأبى فأرسل إليه خلعة بنيابة حماة فقال: أنا أروح بشرط أن يكون كلّ ما أملكه وجميع مماليكى معى، فأبى السلطان ذلك وباتوا تلك الليلة فهرب جماعة من مماليك ألجاى في الليل وجاءوا إلى الملك الأشرف. فلما كان صباح يوم الخميس ثامن المحرّم أرسل السلطان الأمراء والخاصّكية ومماليك أولاده وبعض المماليك السلطانية إلى قبّة النصر إلى حيث ألجاى، فلمّا

رآهم ألجاى هرب فساقوا خلفه إلى الخرقانية «1» ، فلما رأى ألجاى أنه مدرك رمى بنفسه وفرسه إلى البحر؛ ظنّا أنه يعدّى به إلى ذلك البرّ؛ وكان ألجاى عوّاما فثقل عليه لبسه وقماشه فغرق في البحر وخرج فرسه وبلغ الخبر السلطان الملك الأشرف فشقّ عليه موته وتأسّف عليه. ثم أمر بإخراجه من النيل فنزل الغوّاصون وطلعوا به وأحضروه إلى القلعة في يوم الجمعة تاسع المحرّم في تابوت وتحته لبّاد أحمر فغسّل وكفّن وصلّى عليه الشيخ جلال الدين التّبانى ودفن في القبّة التي أنشأها بمدرسته «2» برأس سويقة «3» العزّى خارج القاهرة والمدرسة معروفة وبها خطبة. وكان الجاى من أجلّ الأمراء وأحسنها سيرة. ثم قبض السلطان على مماليك ألجاى ونودى بالمدينة أنّ كل من لقى أحدا منهم يحضره إلى السلطان ويأخذ له خلعة. ثم أخذ السلطان أولاد ألجاى وهم إخوته

لأمّه ورتب لهم ما يكفيهم واحتاط على سائر موجود ألجاى وأخذ جميع مماليكه وصفح عنهم وجعلهم في خدمة ولديه: أمير علىّ وأمير حاج. ثم قبض السلطان على جماعة من الأمراء ممن كان يلوذ بالأمير ألجاى وهم صراى العلائىّ وسلطان شاه بن قراجا وطقتمر الحسنى وعلىّ بن كلبك «1» وصادره. ثم أمسك بيبغا القوصونى وخليل بن قمارى الحموى فشفع فيهما الأمير طشتمر الدوادار. ثم في آخر صفر رسم السلطان بنفى جماعة إلى البلاد الشامية، وهم محمد شاه دوادار ألجاى وخليل بن عرّام المعزول عن نيابة الإسكندرية وعلىّ بن كلبك وآقبغا البشمقدار خازندار ألجاى وكان السلطان في تاسع الحرّم رسم لبورى الحلبى الخازندار أن يتوجّه الى طرابلس لإحضار نائبها الأمير عزّ الدين أيدمر الدوادار الناصرى الى مصر، فتوجّه بورى اليه وأحضره، فلّما مثل بين يدى السلطان أخلع عليه باستقراره بأتابك العساكر بالديار المصرية، عوضا عن ألجاى اليوسفى وتولّى عوضه نائب طرابلس الأمير يعقوب شاه، وبعد موت ألجاى أنعم السلطان على جماعة من الأمراء بإقطاعات ووظائف فأخلع على الأمير صرغتمش الأشرفى باستقراره أمير سلاح خاصّكيا يجلس بالإيوان فى دار العدل «2» واستقرّ ارغون الأحمدى الّالا أمير كبير برانيّا وأجلس بالإيوان، قاله العينى في تاريخه ووافقه غيره. قلت: فيكون على هذا الحكم تلك الأيام أمير كبير خاصّ وأمير كبير برّانى وأمير سلاح خاص وأمير سلاح برّانى وهذا شىء لم يسمع بمثله. انتهى

ثم أنعم السلطان على قطلوبغا الشعبانى بتقدمة ألف واستقرّ رأس نوبة ثانيا. قلت: وهذه الوظيفة الآن هي وظيفة رأس نوبة النّوب ورأس نوبة نوب تلك الأيام قد بطلت من الدولة الناصرية فرج بن برقوق. وكانت تسمى رأس نوبة الأمراء وآخر من وليها آقباى الطّرنطاوى الحاجب. ثم أخلع على جماعة وأنعم عليهم بإمرة طبلخانات وهم: أحمد بن يلبغا العمرى الخاصّكى وآقتمر الصاحبى وتمرباى الحسنى وإينال اليوسفى وعلى بن بهادر الجمالى وبلّوط الصّرغتمشى ومختار الطواشى الحسامى مقدّم الرّفرف «1» . قلت: وأيضا هذا شىء لم يسمع بمثله من أن يكون بعض خدّام الأطباق أمير طبلخاناه، وأغرب من ذلك أنّ مقدّم المماليك في زماننا هذا إقطاعه إمرة عشرة ضعيفة. انتهى. وعلى ألجيبغا المحمدى وحاجى بك بن شادى. وأنعم على اثنين بعشرات وهم ألطنبغا من عبد الملك وطشتمر الصالحىّ. ثم في عاشر شهر ربيع الآخر استقرّ أحمد بن آل ملك في نيابة غزة عوضا عن طشبغا المظفّرى وأنعم على مبارك الطّازى بتقدمة ألف وعلى سودون جركس المنجكى بتقدمة ألف وارتجع السلطان من طينال الماردينى تقدمته وأنعم عليه بإمرة طبلخاناة. ثم استقر منكلى بغا البلدى الأحمدى في نيابة الكرك واستقر ناصر الدين محمّد بن آقبغا آص أستادارا بتقدمة ألف. ثم أنعم السلطان على ألطنبغا ططق العثمانى بتقدمة ألف واستقر أمير سلاح برانيا عوضا عن طيدمر البالسى وأنعم على

طغيتمر اليلبغاوى الدوادار الثانى بإمرة طبلخاناه وهو أوّل من لبس «1» الدوادارية الثانية. ثم نقل منكلى بغا البلدى من نيابة الكرك الى نيابة صفد واستقرّ آقتمر عبد الغنى النائب بديار مصر في نيابة طرابلس وقد تقدّم أن آقتمر هذا كان ولى نيابة الشام سنين. وفي رابع عشرين ذى القعدة استقرّ يلبغا الناصرى اليلبغاوى صاحب الوقعة مع برقوق الآنى ذكرها حاجبا ثانيا بإمرة مائة وتقدمة ألف. ثم عزل السلطان سابق الدين مثقالا الآنوكى مقدّم المماليك وأمره أن يلزم بيته واستقرّ عوضه في تقدمة المماليك الطواشى مختار الحسامى مقدّم الرّفرف «2» المقدّم ذكره. ثم ندب السلطان الأمير يلبغا الناصرى للسفر الى دمشق لإحضار نائبها الأمير منجك اليوسفى فسار من وقته الى أن وصل الى دمشق وأحضر الأمير منجك المذكور، ووصل منجك الى الديار المصرية وصحبته أولاده ومملوكه جركتمر وصهره آروس المحمودى بعد أن احتفل أهل الدولة لملاقاته وخرجت اليه الأمراء الى بين الحوضين «3» خارج قبّة النصر وطلع الى القلعة من باب السرّ «4» وسائر الأمراء والخاصّكيّة مشاة بين يديه في ركابه، مثل أيدمر الدوادار ومن دونه بإشارة السلطان، فلما

دخل منجك على السلطان وقبّل الأرض أقبل عليه السلطان إقبالا كليّا وخلع عليه باستقراره نائب السلطنة بالديار المصرية خاصّكيّا عوضا عن آقتمر عبد الغنى المنتقل الى نيابة طرابلس وفوّض اليه السلطان النظر في الأحباس والأوقاف والنظر في الوزارة، فإنه كان وليها بعد موت أستاذه الملك الناصر محمد بن قلاوون كما تقدّم ذكره والنظر على ناظر الخاص وقرئ تقليده بالإيوان «1» ، وأن السلطان أقامه مقام نفسه فى كل شىء وفوّض إليه سائر أمور المملكة، وأنه يخرج الإقطاعات التي عبرتها «2» سبعمائة دينار إلى ما دونها، وأنه يعزل من شاء من أرباب الدولة، وأنه يخرج الطبلخانات والعشرات بسائر المماليك الشامية، ورسم للوزير أن يجلس قدّامه فى الدركاه مع الموقّعين. ثم بدأ الغلاء بالديار المصرية في هذه السنة وتزايد سعر القمح إلى أن أبيع بتسعين درهما الإردب، وزاد النيل بعد أن نقص في شهرها تور، وهذا أيضا من الغرائب، وهذه السنة تسمى سنة الشراقىّ كما سنبينه في حوادث السنين من سلطنة الملك الأشرف هذا. ثم في أوّل سنة ست وسبعين عزل السلطان الأمير آقتمر عبد الغنى عن نيابة طرابلس بالأمير منكلى بغا البلدى نائب صفد وولّاه نيابة صفد. قلت: درجة إلى أسفل. ثم مرض الأمير منجك اليوسفىّ النائب فنزل السلطان لعيادته، ففرش منجك تحت رجلى فرسه الشّقق الحرير وقدّم له عشرة مماليك وعشرة بقج وعدّة خيول فقبلها السلطان ثم أنعم بها عليه، وكان ذلك في يوم الثلاثاء سابع عشرين ذى الحجة ومات منجك بعد يومين.

ثم ورد الخبر على السلطان بأن القان حسين ابن الشيخ أويس ابن الشيخ حسن بن حسين بن آقبغا «1» بن أيلكان، تولى مملكة «2» تبريز وبغداد بعد وفاة «3» أبيه. وفي هذه السنة فتحت سيس «4» - وهي كرسى الأرمن- على يد الأمير اشقتمر الماردينى نائب حلب، بعد أن نازلها مدّة ثلاثة شهور حتى فتحها وانقرضت منها دولة الأرمن- ولله الحمد- فدقّت البشائر لذلك وفرح الملك الأشرف فرحا عظيما بهذا الفتح العظيم. وفي هذه السنة- أيضا وهي سنة ست وسبعين المذكورة- وقع الفناء بالديار المصرية من نصف جمادى الآخرة وتزايد في شعبان، ثم في شهر رمضان حتّى صار يموت في كلّ يوم من الحشريّة «5» نحو خمسمائة نفس ومن الطّرحى» نحو الألف، فأبيع كلّ فرّوج بخمسة وأربعين درهما، وكل سفرجلة بخمسين درهما، وكل رمّانة بعشرة دراهم، والعشرة دراهم يوم ذاك كانت أزيد من نصف دينار، وكل رمّانة حلوة بستة عشر درهما، وكلّ بطيخة صيفية بسبعين درهما. ولما توفّى منجك شغرت نيابة السلطنة بديار مصر الى العشرين من شهر ربيع الأوّل استقرّ فيها الأمير آقتمر الصاحبى الحنبلى.

وفي محرّم سنة سبع وسبعين ختن السلطان أولاده وعمل المهمّ سبعة أيام. وفي العشر الأوسط من صفر هذه السنة ابتدأ الملك الأشرف بعمارة مدرسته «1» التى أنشأها بالصوه تجاه الطبلخاناة «2» السلطانية التي موضعها الآن بيمارستان «3» الملك المؤيد شيخ وهو كلا شىء، فاشترى الملك الأشرف بيت الأمير شمس الدين سنقر الجمالى وشرع في هدمه.

وفي هذه السنة تزايد الغلاء بالبلاد الشامية، حتى جاوز الحدّ وجعل الغنى فقيرا، وأبيع فيه الرطل الخبز بدرهمين، وفي هذا المعنى يقول بدر الدين بن حبيب: [الخفيف] لا تقيمن بى على حلب الشّه ... باء وارحل فأخضر العيش أدهم كيف لى بالمقام والخبز فيها ... كلّ رطل بدرهمين ودرهم وفي سنة ثمان وسبعين عزل السلطان الملك الأشرف آقتمر الصاحبىّ الحنبلىّ عن نيابة السلطنة بالديار المصرية واستقرّ به أتابك العساكر وعزل الأمير آقتمر عبد الغنىّ عن نيابة صفد واستقرّ به أمير «1» مائة ومقدّم ألف بالقاهرة.

ثم في العشرين من شهر ربيع الآخر غرقت الحسينية «1» خارج القاهرة وخرب فيها أزيد من ألف بيت، وكان سبب هذا الغرق أنّ أحمد بن قايماز أستادار محمد ابن آقبغا آص استأجر مكانا خارج القاهرة بالقرب من آخر الحسينية وجعله بركة وفتح له مجرى «2» من الخليج فتزايد الماء وغفلوا عنه فطفح على الحسينية فغرّقها فقبض السلطان بعد ذلك بمدّة على محمد بن آقبغا آص وصادره وعزله عن الأستادارية؛ هذا والسلطان في تأهّب سفر الحجاز. فلما كان يوم الأربعاء تاسع عشر شهر رمضان «3» سفّر السلطان إخوته وأولاد أعمامه إلى الكرك صحبة الأمير سودون الفخرى الشيخونى ليقيم عندهم بالكرك مدّة غيبة السلطان في الحجاز، كلّ ذلك والسلطان متضعّف وحركة الحجاز عمّالة وحواشيه وخواصّه ينهونه عن السفر في هذه السنة وهو لا يلتفت إلى كلامهم. ثم توجه السلطان الى سرياقوس «4» على عادته في كل سنة وعاد وقد نصل عن ضعفه إلى يوم السبت الثانى عشر من شوّال خرجت أطلاب «5» الأمراء المتوجّهين صحبة السلطان إلى الحجاز. وفي الأحد ثالث عشر خرج السلطان بتجمّل زائد وطلب عظيم إلى الغاية جرّ فيه عشرون قطارا من الهجن الخاص بقماش ذهب وخمسة عشر قطارا بقماش حرير وقطار واحد بلبس خليفتىّ وقطار آخر بلبس أبيض برسم الإحرام ومائة فرس ملبسة

وكجاوتان «1» بأغشية زركش وتسع محفّات، غشاء خمس منهن زركش وستة وأربعون زوجا من المحاير وخزانة عشرون جملا وقطاران من الجمال محمّلة خضر مزروعة كالبقل والشّمار والنّعناع والسلق والكسبرة وغير ذلك. وأما أحمال المطاعم والمشارب والمآكل فلا تدخل تحت حصر كثرة: منها ثلاثون ألف علبة حلاوة في كل علبة خمسة أرطال كلّها معمولة من السكر المكرر المصرىّ وطيّبت بمائة مثقال مسك، سوى الصّندل والعود؛ هذا خلاف ما كان للأمراء والخاصّكية وإنما كان هذا للسلطان خاصّة نفسه وأشياء من هذا النّموذج كثيرة ومع هذا كلّه لم يتغيّر سعر السكّر بمصر. وسار السلطان بأمرائه في أبّهة عظيمة حتى نزل سرياقوس فاقام بها يوما، وفي هذا اليوم أخلع السلطان على الشيخ ضياء الدين القرمى الحنفىّ باستقراره شيخ شيوخ المدرسة التي أنشأها بالصّوّة وقد أشرفت على الفراغ وجاءت من أحسن البناء. ثم رحل السلطان من سرياقوس حتى نزل بالبركة «2» على عادة الحجّاج فأقام بها إلى يوم الثلاثاء ثانى عشرين شوّال ورحل بعساكره وأمرائه إلى جهة الحجاز وكان الذي صحبه من أمراء الألوف تسعة وهم: الأمير صرغتمش الأشرفى وأرغون شاه الأشرفى ويلبغا الشامىّ وهؤلاء الثلاثة أشرفيّة مماليكه والأمير بهادر الجمالىّ وصراى تمر المحمدىّ وطشتمر العلائى الدّوادار ومبارك الطازى وقطلقتمر العلائى الطويل وبشتك من عبد الكريم الأشرفىّ أيضا. ومن أمراء الطبلخانات خمسة وعشرون أميرا وهم: بورى الأحمدىّ وأيدمر الخطائىّ من صديق وعبد الله بن

بكتمر الحاجب وبلوط الصرغتمشى وآروس المحمودى ويلبغا المحمدى ويلبغا الناصرىّ، على أنه كان أنعم عليه بتقدمة ألف، غير أنه أضيف إلى الطبلخانات كونه كان حاجبا ثانيا وأرغون العزّى الأفرم وطغيتمر الأشرفى ويلبغا المنجكىّ وكزل الأرغونى وقطلوبغا الشعبانىّ وأمير حاج بن مغلطاى وعلىّ بن منجك اليوسفى ومحمد ابن تنكزبغا وتمرباى الحسنى الأشرفىّ وأسندمر العثمانى وقرابغا الأحمدىّ وإينال اليوسفى وأحمد بن يلبغا العمرى وموسى بن دندار بن قرمان ومغلظاى البدرى وبكتمر العلمى وآخر. ومن العشرات خمسة عشر أميرا وهم: آقبغا بوز الشيخونى وأبو بكر بن سنقر الجمالى وأحمد بن محمد بن بيبرس الأحمدى وأسنبغا التّلكىّ وشيخون ومحمد بن بكتمر الشمسى و [محمد «1» بن] قطلوبغا المحمدى وخضر بن عمر ابن أحمد بن بكتمر الساقى وجوبان الطّيدمرى وألطنبغا من عبد الملك وقطلوبغا البزلارى وطوغان العمرى الظهيرى وتلكتمر العيسوىّ ومحمد بن سنقر المحمدىّ. وعيّن الملك الأشرف جماعة من الأمراء ليقيموا بالديار المصرية، عيّن الأمير: أيدمر الشمسىّ نائب الغيبة بالقلعة وأميرين أخر تسكن بالقلعة أيضا وعيّن الأمير آقتمر عبد الغنى نائب الغيبة وأن يسكن بالقاهرة للحكم بين الناس وعيّن أيضا للاقامة بالديار المصرية من الأكابر: الأمير طشتمر اللّفّاف وقرطاى الطازى وأسندمر الصرغتمشى وأينبك البدرى. وسافر السلطان وهو متوعّك في بدنه، بعد أن أشار عليه جماعة من الصّلحاء والأعيان بتأخير الحج في هذه السنة فأبى إلا السفر لأمر يريده الله تعالى، وأمر السلطان لنائب الغيبة وغيره أن يطلعوا القلعة في كل يوم موكب ويدخلوا إلى باب «2»

السّتارة ويخرج الأسياد أولاد السلطان الملك الأشرف ساعة ثم يعود كلّ واحد إلى محلّه فامتثلوا ذلك، فكانوا لما يطلعون إلى القلعة ويخرج عليهم الأسياد وأكبرهم أمير علىّ يقوم الأمراء ويبوسون أيديهم ويقعدون ساعة لطيفة فيقوم أمير علىّ ويشير بيده أمرا باسم الله فيقوم الأمراء وينصرفون بعد أن يسقون مشروبا ووقع ذلك في غيبة السلطان مدّة يسيرة. فلما كان يوم السبت ثالث ذى القعدة اتفق طشتمر اللفّاف وقرطاى الطازى وأسندمر الصرغتمشى وأينبك البدرى وجماعة من المماليك السلطانية وجماعة من مماليك الأسياد أولاد السلطان الملك الأشرف وجماعة من مماليك الأمراء المسافرين صحبة السلطان الملك الأشرف ولبسوا السلاح واتفق معهم من بالأطباق من المماليك السلطانية وهجموا الجميع القلعة وقصدوا باب السّتارة فغلق سابق الدين مثقال الزّمام باب الساعات ووقف داخل الباب ومعه الأمير جلبان اللّالا، لالا أولاد السلطان وآقبغا جركس اللّالا أيضا، فدقّت المماليك الباب وقالوا: أعطونا سيّدى أمير علىّ، فقال لهم اللّالا: من هو كبيركم حتى نسلم لهم سيّدى عليّا! وأبى أن يسلمهم سيدى عليّا، وكثر الكلام بينهم ومتقال الزّمام يصمّم على منع أمير علىّ فقالوا له: السلطان الملك الأشرف مات: ونريد أن نسلطن ولده أمير علىّ، فلم يلتفت مثقال الى كلامهم، فلما علموا المماليك ذلك، طلعوا جميعا وكسروا شبّاك الزّمام المطلّ على باب الساعات، ودخلوا منه ونهبوا بيت الزمام وقماشه، ثم نزلوا إلى رحبة باب السّتارة ومسكوا مثقالا الزّمام وجلبان اللّالا وفتحوا الباب، فدخلت بقيّتهم وقالوا: أخرجوا أمير علىّ، حتى نسلطنه فانّ أباه توفّى إلى رحمة الله تعالى، فدخل الزمام على رغم أنفه وأخرج لهم أمير علىّ فأقعد في باب الستارة، ثم أحضر الأمير أيدمر الشمسى فبوّسوه الأرض لأمير علىّ، ثم أركبوا أمير علىّ على بعض خيولهم

وتوجّهوا به إلى الإيوان الكبير وأرسلوا خلف الأمراء الذين بالقاهرة، فركبوا إلى سوق الخيل وأبوا أن يطلعوا إلى القلعة فأنزلوا أمير علىّ إلى الإسطبل السلطان، حتى رأوه الأمراء فلما رأوه طلعوا وقبّلوا له الأرض وحلفوا له، غير أنّ الأمير طشتمر الصالحى وبلاط السّيفى ألجاى «1» الكبير وحطط رأس نوبة النّوب لم يوافقوا ولا طلعوا، فنزلوا اليهم المماليك ومسكوهم وحبسوهم بالقصر وعقدوا لأمير علىّ بالسلطنة ولقّبوه با «لملك المنصور» على ما يأتى ذكره فى محله، ونسوق الواقعة على جليّتها. ثم نادوا بالديار المصرية بالأمان والبيع والشراء، بعد أن أخذوا خطوط سائر الأمراء المقيمين بمصر فأقاموا ذلك النهار وأصبحوا يوم الأحد رابع ذى القعدة من سنة ثمان وسبعين وسبعمائة وهم لابسون آلة الحرب واقفون بسوق الخيل يتكلمون في إتمام أمرهم، وبينما هم في ذلك جاءهم الخبر أنّ شخصا يسمّى قازان اليرقشىّ كان مسافرا صحبة السلطان الملك الأشرف إلى الحجاز الشريف وجدوه متنكّرا فمسكوه وأتوا به إلى الأمراء فسألوه عن خبر قدومه وعن أخبار السلطان، فأبى أن يخبرهم بشيء وأنكر أنه لم يتوجّه إلى الحجاز، فأوهموه بالتوسيط فأقرّ وأعلمهم الخبر بقدوم السلطان الملك الأشرف شعبان وكسرته من مماليكه بالعقبة فقالوا له: وما سبب هزيمة السلطان من عقبة أيلا «2» ؟ قال: لما نزل السلطان الملك الأشرف بمن معه من أمرائه وعساكره إلى العقبة وأقام بها يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء سلخ

شوّال فطلب المماليك السلطانية العليق، فقيل لهم اصبروا إلى منزلة الأزلم «1» : فغضبوا وامتنعوا من أكل السّماط عصر يوم الأربعاء واتفقوا على الركوب، فلما كانت ليلة الخميس المذكورة ركبوا على السلطان ورءوسهم الأمير طشتمر العلائىّ ومبارك الطازىّ وصراى تمر المحمدىّ وقطلقتمر العلائىّ الطويل وسائر مماليك الأسياد وأكثر المماليك السلطانية، فلما بلغ السلطان أمرهم ركب بأمرائه وخاصّكيته وتواقعوا فانكسر السلطان وهرب هو ومن كان معه من الأمراء وهم: صرغتمش الأشرفىّ وأرغون شاه الأشرفىّ وبيبغا الأشرفىّ وبشتك الأشرفىّ وأرغون كتك ويلبغا الناصرىّ وصار السلطان بهؤلاء إلى بركة عجرود «2» ، فنزل بها وهو مقيم به،

فقالوا له: كذبت قل لنا حقيقة أمره، فامتنع وحلف، فأرادوا توسيطه حقيقة، فقال: أطلقونى أنا أدلّكم عليهم، فأطلقوه فأخذهم وتوجّه بهم إلى قبّة النصر خارج القاهرة إلى محل كان الأشرف نزل فيه بجماعته فوجدوا بالمكان أرغون شاه وصرغتمش وبيبغا وبشتك وأرغون كتك وكان الذي توجّه مع قازان اليرقشىّ من القوم أسندمر الصرغتمشىّ وطولو الصرغتمشىّ ومعهما جماعة كبيرة من المماليك الذين ثاروا بالقاهرة، فقبضوا على الأمراء المذكورين وسألوهم عن الملك الأشرف، فقالوا: فارقنا وتوجّه هو ويلبغا الناصرىّ إلى القاهرة ليختفى بها، فقتلوا الأمراء المذكورين في الحال وحزوا رءوسهم وأتوا بها إلى سوق الخيل ففرح بذلك بقيّة الأمراء الذين هم أصل الفتنة وعلموا أنّ الأشرف قد زال ملكه. وأمّا الملك الأشرف فإنه لما وصل إلى قبّة النصر توجّه منها نحو القاهرة ومعه يلبغا الناصرىّ واختفى عند أستادار يلبغا الناصرىّ، فلم يأمن على نفسه فتوجّه تلك الليلة من عند أستادار يلبغا الناصرىّ الى بيت آمنة زوجة المشتولىّ «1» فاختفى عندها، فقلق عند ذلك الأمراء الذين أثاروا الفتنة وخافوا عاقبة ظهور الأشرف وهم: قرطاى الطازىّ وطشتمر اللفّاف وأسندمر الصرغتمشىّ وقطلوبغا البدرىّ وألطنبغا السلطانىّ وبلاط الصغير ودمراش اليوسفىّ وأينبك البدرىّ ويلبغا النظامىّ وطولو الصرغتمشىّ وهؤلاء الأمراء، وأمّا الأجناد فكثير فاشتد قلقهم. وبينماهم في ذلك في آخر نهار الأحد يوم قتلوا الأمراء المذكورين بقبّة النصر، وقبل أن يمضى النهار جاءت امرأة إلى الأمراء وذكرت لهم أنّ السلطان مختف عند آمنة

زوجة المشتولىّ في الجودرية «1» ، فقام ألطنبغا من فوره ومعه جماعة وكبسوا بيت آمنة المذكورة فهرب السلطان واختفى في بادهنج «2» البيت فطلعوا فوجدوه في البادهنج وعليه قماش النساء، فمسكوه وألبسوه عدّة الحرب وأحضروه الى قلعة الجبل فتسلّمه الأمير أينبك البدرىّ وخلا به وأخذ يقرّره على الذخائر فأخبره الملك الأشرف بها وقيل. إنّ أينبك المذكور ضربه تحت رجليه عدّة عصىّ. ثم أصبحوا في يوم الاثنين خنقوه وتولّى خنقه جاركس شادّ عمائر ألجاى اليوسفىّ فأعطى جاركس المذكور إمرة عشرة واستقرّ شادّ عمائر السلطان. ثم بعد خنق الملك الأشرف لم يدفنوه، بل أخذوه ووضعوه في قفّة وخيّطوا عليها ورموه في بئر، فأقام بها أياما إلى أن ظهرت رائحته، فاطّلع عليه بعض خدّامه من الطواشيّة، ثم أخرجوه ودفنوه عند كيمان «3» السيدة نفيسة وذلك الخادم يتبعهم من بعد حتى عرف المكان، فلما دخل الليل أخذ جماعة من إخوته وخدمه ونقلوه فى تلك الليلة من موضع دفنوه المماليك ودفنوه بتربة والدته خوند بركة بمدرستها التى بخطّ التّبّانة في قبّة وحده، بعد أن غسّلوه وكفّنوه وصلّوا عليه وقيل: غير ذلك وهو أنهم لمّا وجدوه في البيت المذكور وعليه قماش النّسوة أركبوه على هيئة بازار خلف مملوك ومشوا خلفه وطلعوا به من على قنطرة باب «4» الخلق وطلعوا به على

معديّة «1» فريج وطلعوا به من على الصّليبة وقت الظهر، وكان من رآه

ظنه «1» أميرا من الأمراء وفعلوا ذلك خوفا من العامّة فإنهم لو علموا أنه السلطان خلّصوه منهم ولو ذهبت أرواحهم الجميع لمحبة الرعية في الأشرف المذكور. ثم دخلوا بالأشرف إلى إسطبل بالقرب من الصليبة «2» ، مخافة من العامّة لا يعرفون به لمّا تكاثروا للفرجة عليه، فأقام بالإسطبل ونزل إليه قرطاى وقرّره على الذخائر، فقرّ له. ثم قتله ودفنه بمصطبة بالإسطبل المذكور، فهذه رواية أخرى غير ما ذكرنا أوّلا والأوّل أشهر وأظنه الأصحّ والأقوى. وأمّا الذين تخلّفوا بالعقبة من الذين وثبوا على الملك الأشرف وكسروه وهرب الأشرف إلى جهة الديار المصرية ولم يدركوه، فإنهم اتّفقوا الجميع الأمراء وغيرهم وتوجّهوا إلى الخليفة المتوكّل على الله وكان أيضا في صحبة السلطان الملك الأشرف وقالوا له: يا أمير المؤمنين تسلطن ونحن بين يديك. وكانت العصائب السلطانية حاضرة فامتنع الخليفة من ذلك. هذا وهم لا يعلمون بما وقع بالديار المصرية من ركوب هؤلاء وسلطنة أمير علىّ فإنّ كلّ طائفة وثبت على السلطان. وليس للأخرى بها علم ولا كان بينهم

اتّفاقيّة على ذلك، وهذا من غريب الاتفاق، كون الواقعة تكون في العقبة وينكسر السلطان. ثم بعد ثلاثة أيام أو أقلّ تكون بمصر أيضا ويخلع الملك الأشرف ويتسلطن ولده وكلاهما من غير مواعدة الأخرى، فنعوذ بالله من زوال النعم. ثم إنّ الأمراء والمماليك أقاموا بالعقبة بعد هروب السلطان يومين وقد جهزوا للخليفة قماش السلطنة وآلة الموكب وألحّوا عليه بالسلطنة وهو يمتنع وتوجّهت القضاة الى القدس للزيارة وردّ الحاجّ بأسره إلى أبيار «1» العلائىّ وقد قصدوا العود إلى القاهرة وإبطال الحاج في تلك السنة، فنهض الأمير بهادر الجمالىّ أمير الحاجّ وردّهم وحجّ بهم. ولما تحقّقت الأمراء والمماليك أنّ الخليفة امتنع من السلطنة رجعوا نحو الديار المصرية حتى وصلوا إلى عجرود، أتاهم الخبر بما جرى من مسك السلطان الملك الأشرف وقتله فاطمأنوا فإنهم كانوا على وجل ومنهم من ندم على ما فعل فإنه كان سببا لزوال دولة الملك الأشرف ولم ينله ما آمل وخرج الأمر لغيره. ثم ساروا الجميع من عجرود إلى أن وصلوا إلى بركة الحاجّ، فسار إليهم جماعة من القائمين بمصر بآلة الحرب فتعبّوا لقتالهم، فأرسل طشتمر العلائىّ الدوادار طليعة عليها قطلقتمر الطويل، فقاتلوه المصريون فكسرهم قطلقتمر وسار خلفهم إلى قلعة الجبل، فلما قرب إلى القلعة تكاثروا عليه ومسكوه، وفي ذلك الوقت حضر

إلى الديار المصرية الأمير آقتمر الصاحبى نائب السلطنة بالديار المصرية وكان قد توجّه إلى بلاد الصعيد قبل توجّه السلطان الملك الأشرف إلى الحجاز، فتلقاه أمراء مصر وعظّموه وقالوا له: أنت نائب السلطنة على عادتك وأنت المتحدّث وكلّنا مماليكك، فلم يسعه إلا مطاوعتهم على ما أرادوا وكان كلام الأمراء لآقتمر الصاحبى بهذا القول، خوفا ممّن أتى من الأمراء والخاصكيّة من العقبة. ثم اتفق المصريون على قتال طشتمر الدوادار ومن أتى معه من العقبة من المماليك الأشرفية وغيرها، فنزلوا اليهم من القلعة بعد المغرب في جمع كبير والتقوا معهم على الصوّة «1» من تحت القلعة، تجاه الطبلخاناة السلطانية وتقاتلوا، فانكسر طشتمر ومن معه من الأمراء والمماليك الأشرقية وانهزموا بعد المغرب إلى ناحية الكيمان، فلما كان الليل أرسل طشتمر طلب الأمان لنفسه، فأرسلوا له الأمان، فلما حضر مسكوه وقيّدوه هو وجماعته وحبسوهم بالقلعة، وفيه يقول الأديب شهاب الدين أحمد بن العطار. [الكامل] إن كان طشتمر طغى ... وأتى بحرب مسرع وبغى سيؤخذ عاجلا ... ولكلّ باغ مصرع قلت: ما أشقى هؤلاء القوّم العصاة بالعقبة فإنهم كانوا سببا لزوال ملك أستاذهم الملك الأشرف وذهاب مهجته من غير أن يحصل أحدهم على طائل، بل ذهبت عنهم الدنيا والآخرة، فإنهم عصوا على أستاذهم وخلعوا طاعته من غير موجب وشمل ضررهم على الحجاج وغيرهم وارتكبوا أمورا قبيحة، فهذا ما حصلوه من الإثم. وأما أمر الدنيا فإنها زالت عنهم بالكلية وخرج عنهم إقطاعاتهم ووظائفهم وأرزاقهم ومنهم من قتل أشرّ قتلة ولم يقرّبهم ملك من الملوك بعد ذلك، بل

صاروا مبعودين في الدّول وماتوا قهرا مما قاسوه من الذل والهوان، حتى إننى رأيت منهم من كان عمّر واحتاج إلى السؤال، وما ربك بظلّام للعبيد. وكان السلطان الملك الأشرف- رحمه الله تعالى- من أجلّ الملوك سماحة وشهامة وتجملا وسؤددا. قال قاضى القضاة بدر الدين محمود العينى- رحمه الله- فى تاريخه: كان ملكا جليلا لم ير مثله فى الحلم، كان هينا ليّنا محبّا لأهل الخير والعلماء والفقراء مقتديا بالأمور الشّرعية واقفا عندها محسنا لإخوته وأقار به وبنى أعمامه، أنعم عليهم وأعطاهم الإمريات والإقطاعات وهذا لم يعهد من ملك قبله في ملوك الترك ولا غيرهم ولم يكن فيه ما يعاب، سوى كونه كان محبّا لجمع المال. وكان كريما يفرّق في كل سنة على الأمراء أقبية بطرز زركش والخيول المسوّمة بالكنابيش الزركش والسلاسل الذّهب والسروج الذّهب وكذلك على جميع أرباب الوظائف وهذا لم يفعله ملك قبله. انتهى كلام العينى باختصار- رحمه الله تعالى-. وقال غيره- رحمه الله- وكان ملكا جليلا شجاعا مهابا كريما هيّنا ليّنا محبّا للرعية، قيل إنه لم يل الملك في الدولة التركية أحلم منه ولا أحسن خلقا وخلقا وأبطل عدّه مكوس في سلطنته. والله أعلم. قلت: حدّثنى العلامة علاء «1» الدّين على القلقشندى- تغمده الله تعالى- الشافعى، قال حدّثنى العلّامة قاضى القضاة شمس الدين محمد البساطىّ «2» المالكىّ

أنّ الملك الأشرف شعبان هذا كان من فطنته وذكائه يعرف غالب أحوال القلاع الشامية وغيرها ويعرف كيف تؤخذ ومن أين تحاصر معرفة جيّدة. قلت: هذا دليل على الذّكاء المفرط والتيقّظ في أحوال مملكته. انتهى. ورأيت أنا كثيرا من المماليك الأشرفيّة وبهم رمق وقوّة في أوائل الدولة الأشرفية برسباى منهم الأمير آق سنقر الأشرفىّ الحاجب وغيره وكانت أيام الملك الأشرف شعبان المذكور بهجة وأحوال الناس في أيامه هادئة مطمئنّة والخيرات كثيرة، على غلاء وقع في أيامه بالديار المصرية والبلاد الشامية ومع هذا لم يختلّ من أحوال مصر شىء لحسن تدبيره ومشى سوق أرباب الكمالات في زمانه من كل علم وفن؛ ونفقت في أيامه البضائع الكاسدة من الفنون والملح وقصدته أربابها من الأقطار وهو لا يكلّ من الاحسان إليهم في شىء يريده وشىء لا يريده، حتى كلّمه بعض خواصّه في ذلك، فقال- رحمه الله-. أفعل هذا لئلا تموت الفنون في دولتى وأيامى. قلت. لعمرى إنه كان يحشى موت الفنون والفضائل؛ ولقد جاء من بعده من قتلها صبرا، قبل أوان موتها ودفنها في القبور وعفّى أثرها، وما أحسن قول أبى الطيب أحمد بن الحسين حيت يقول: على قدر أهل العزم تأتى العزائم ... [وتأتى «1» على قدر الكرام المكارم] [الطويل] وخلّف الملك الأشرف [رحمه الله] من الأولاد ستّة بنين، وهم الملك المنصور علىّ الذي تسلطن من بعده على ما يأتى ذكره وذكر من قام بسلطنته مفصّلا- والملك الصالح أمير حاج وقاسم ومحمد وإسماعيل وأبو بكر وولدت بعده خوند سمراء جاريته ولدا سمّوه أحمد فصاروا سبعة.

ما وقع من الحوادث سنة 765

وخلّف سبع بنات رأيت إحداهنّ بعد سنة عشرين وثمانمائة. وكانت مدّة سلطنة الملك الأشرف أربع عشرة سنة وشهرين وعشرين يوما، ومات وعمره أربع وعشرون سنة. وقد تقدّم مولده في أوّل ترجمته، ورثاه الشعراء بعد موته بعدّة قصائد وحزن الناس عليه حزنا عظيما وكثر تأسّفهم عليه. وعمل عزاؤه بالقاهرة عدّة أيام. وفيه يقول الشيخ شهاب الدين أحمد بن العطار: [البسيط] للملك الأشرف المنصور سيّدنا ... مناقب بعضها يبدو به العجب له خلائق بيض لا يغيّرها ... صرف الزمان كما لا يصدأ الذهب وقال غيره: [الزجل] كوكب السعد غاب من القلعه ... وهلا لو قد انطفا بأمان وزحل قد قارن المرّيخ ... لكسوف شمس الضّحى شعبان [ما وقع من الحوادث سنة 765] السنة الأولى من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر. وهي سنة خمس وستين وسبعمائة على أنه حكم في السنة الماضية من شعبان إلى آخرها. وفيها (أعنى سنة خمس وستين) توفّى الشيخ الإمام العالم ناصر الدين محمد بن أحمد بن عبد العزيز القونوىّ الحنفىّ الشهير بابن الرّبوة- رحمه الله- كان إماما عالما بارعا خطيبا فصيحا فقيها مناظرا أفتى ودرّس وأعاد وشرح «الفرائض «1» السراجيّة» و «كتاب المنار» وله عدّة مصنّفات أخر ومات بدمشق في هذه السنة وقيل «2» فى الخالية.

وتوفّى قاضى القضاه نجم الدين عبد الرحيم ابن القاضى شمس الدين إبراهيم بن شرف الدين هبة الله بن عبد الرحيم بن إبراهيم بن المسلم بن عبد الله بن حسّان المعروف بالبارزىّ الجهنىّ الحموىّ الشافعىّ قاضى قضاة حماة بها، بعد أن ولى قضاءها ستّا وعشرين سنة وكان مشكور السّيرة في أحكامه- رحمه الله-. وتوفّى الأديب عزّ الدين أبو محمد الحسن بن علىّ بن الحسن بن علىّ العبّاسىّ الشهير بابن البنّاء الحلبىّ الشاعر المشهور؛ قدم إلى حلب وبها مات، وسنّه زيادة على سبعين سنة. ومن شعره قصيدة أوّلها: [الرجز] أنفقت عمرى في رجاء وصلكم ... والعصر إنّى بكم في خسر وتوفّى القاضى شهاب الدين أحمد ابن الصاحب جمال الدين محمد ابن الصاحب كمال الدين عمر بن أحمد الحنفىّ الحلبىّ الشهير بابن العديم بحلب، عن بضع وسبعين سنة. وكان فقيها عارفا بالتاريخ والأدب. وتوفّى الأمير سيف الدين قطلوبغا الأحمدىّ نائب حلب بها عن نيّف وثلاثين سنة- رحمه الله- وكان أميرا جليلا شجاعا كريما، نشأ في السعادة وولى نيابة حلب مرّتين. وتوفّيت خوند «1» طولوبيه الناصريّة التّتريّة، زوجة السلطان الملك الناصر حسن. ثم من بعده زوجة مملوكه يلبغا العمرىّ في الرابع والعشرين من شهر ربيع الآخر. ودفنت «2» بتربتها التي أنشأتها بجوار تربة خوند طغاى الناصريّة أمّ آنوك خارج باب البرقيّة بالصحراء، وكانت من أجمل نساء عصرها.

وتوفّى القاضى تاج الدين أبو عبد الله محمد بن بهاء الدين إسحاق بن إبراهيم السّلمىّ المناوىّ الشافعىّ خليفة الحكم بالديار المصرية وقاضى العسكر، ووكيل بيت المال والخاصّ بها في يوم الجمعة سادس شهر ربيع الآخر. وتوفّى القاضى صلاح الدين عبد الله بن عبد الله بن إبراهيم البرلّسىّ المالكىّ محتسب القاهرة بها في يوم الخميس خامس عشرين صفر وهذا المحتسب هو الذي أمر المؤذّنين أن يقولوا في ليلة الجمعة بعد أذان العشاء الآخرة، وقبل الفجر: «الصلاة والسلام عليك يا رسول الله» فاستمرّ ذلك إلى سلطنة الملك الظاهر برقوق، أمر محتسب القاهرة نجم الدّين الطّنبذىّ أن يقولوا ذلك عقيب كلّ أذان إلّا المغرب، واستمرّ ذلك أيضا إلى يومنا هذا، على ما سنبيّنه في وقته- إن شاء الله تعالى- ونذكر سببه، ولم يكن قبل ذلك إلّا الأذان فقط. وتوفّى قاضى مكّة تقىّ الدين محمد بن أحمد بن قاسم العمرىّ الحرازىّ «1» الشافعىّ معزولا. وتوفّى بالمدينة النبويّة- على ساكنها أفضل الصلاة والسلام- الحافظ عفيف الدين أبو السيادة عبد الله بن محمد بن أحمد بن خلف في سادس عشرين شهر ربيع الأوّل- رحمه الله- وكان إماما حافظا متقنا سمع الكثير ورحل البلاد وكتب وحصّل. وتوفّى السلطان الملك الصالح شمس الدين صالح ابن الملك المنصور نجم الدين غازى ابن الملك المظفر قرا أرسلان ابن الملك السعيد غازى بن أرتق بن أرسلان ابن «2» إيل بن غازى بن ألبى بن تمرداش بن إيل بن غازى بن أرتق الأرتقىّ صاحب

ما وقع من الحوادث سنة 766

ماردين بها، وقد ناهز السبعين سنة من العمر، بعد أن دام في سلطنة ماردين أربعا وخمسين سنة. وتولّى ماردين بعده ابنه الملك المنصور أحمد. وكان الملك الصالح من أجلّ ملوك بنى أرتق حزما وعزما ورأيا وسؤددا وكرما ودهاء وشجاعة وإقداما، وكان يحبّ الفقهاء والفضلاء وأهل الخير وكان له فضل وفهم وذوق للشعر والأدب، وكان يحبّ المديح ويجيز عليه بالجوائز السنيّة. ولصفىّ الدين عبد العزيز الحلى فيه مدائح وغرر في مخلص بعض قصائده- رحمه الله-. [الكامل] لم أشك جور الحادثات ولم أقل ... حالت بى «1» الأيام عن حالاتها مالى أعدّ لها مساوئ جمة ... والصالح السلطان من حسناتها ملك تقرّ له الملوك بأنه «2» ... إنسان عينيها وعين حياتها أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وستة أصابع. مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا واثنا عشر إصبعا. وكان الوفاء ثانى عشرين توت. والله أعلم. [ما وقع من الحوادث سنة 766] السنة الثانية من ولاية الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر. وهي سنة ست وستين وسبعمائة. فيها توفّى العلّامة قاضى القضاة جمال الدين يوسف بن أحمد بن الحسين بن سليمان بن فزارة الكفرى (بفتح الكاف) الدّمشقىّ الحنفىّ قاضى قضاة دمشق بها. وكان- رحمه الله- إماما بارعا في مذهبه ماهرا في علم العربيّة بصيرا بالأحكام، باشر مدّة طويلة نيابة عن والده. ثم استقلّ بها إلى أن مات، وكان مشكور السّيرة وأفتى ودرّس سنين.

وتوفّى قاضى القضاة زين الدين محمد بن سراج الدين عمر بن محمود الحنفى المعروف بابن السّراج بالقاهرة في ذى القعدة عن تسع وستين سنة ودفن بتربته «1» خارج باب النصر بالقرب من تربة «2» الصوفية- رحمه الله. وكان فقيها بارعا عالما مفتيا يحفظ الهداية في الفقه ودرّس بالجامع «3» الحاكمى وأعاد بجامع «4» أحمد بن طولون والأشرفية وغيرهما وناب في القضاء عن قاضى القضاة جمال «5» الدين التّركمانى الحنفى وكان معدودا من الفقهاء العلماء. وتوفّى الخطيب أبو المعالى تقىّ الدين محمد بن الخطيب محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ابن ناصح الحموى ثم الحلبى الشافعى الشهير بابن القوّاس بحلب عن نيّف وخمسين سنة- رحمه الله-. وتوفى الشيخ الإمام العالم العلّامة قطب الدين محمد بن محمد «6» الرازى الشافعى الشهير بالقطب التحتانى «7» - رحمه الله. بدمشق عن نيف وستين سنة. كان بحرا في جميع العلوم لا سيما في العلوم العقلية وله تصانيف مفيدة، منها: شرح الشمسية «8» وشرح

المطالع «1» والحواشى على كشاف الزمخشرى «2» ، وكانت تصانيفه أحسن من تصانيف شيخه العلّامة شمس الدين الأصفهانى «3» - رحمه الله. وتوفّى الأمير سيف الدين أرنبغا بن عبد الله الكاملى نائب غزّة وكان، أصله من مماليك الملك الكامل شعبان ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون وكان خصيصا عنده إلى الغاية. وتوفّى الأمير الشريف أبو على الحسن بن محمد بن الحسن بن علىّ بن الحسن ابن زهرة الحسنىّ الحلبىّ، ولى نقابة الأشراف بحلب بعد والده- رحمهما الله تعالى- واستقرّ أمير طبلخاناه بحلب مدّة ثم صرف عن الوظيفتين ومات بظاهر حلب عن ثلاث وخمسين سنة. وتوفّى الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الهادى الفوّىّ الفقيه الشافعىّ في يوم الخميس ثانى عشر جمادى الأولى وقد تصدّر للتدريس والإقراء- رحمه الله. وتوفّى الشيخ شرف الدين محمد بن أحمد بن أبى بكر المزّىّ الدمشقىّ الحريرىّ المحدّث بمصر في شعبان. رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير آسن قجا بن عبد الله من على بك الناصرىّ أحد أمراء الطبلخانات، بعد ما تنقّل في عدّة أعمال مثل البيرة وطرسوس وغيرهما- رحمه الله.

ما وقع من الحوادث سنة 767

وتوفّى الأمير سيف الدين قمارى بن عبد الله الحموىّ الناصرىّ الحاجب وهو على نيابة طرسوس وكان من أعيان الأمراء ومن أكابر المماليك الناصريه. وتوفّى الشيخ المعمّر الرّحلة شمس الدين محمد بن إبراهيم بن محمد بن أبى بكر بن ابراهيم بن يعقوب [بن الياس «1» ] الأنصارىّ الخزرجىّ المقدسىّ البيانىّ الشاهد، كان أبوه يعرف بابن إمام الصّخرة واشتهر هو بالبيانى، ولد سنة ستّ وثمانين وستمائة فأحضر على زينب بنت مكى في الثانية من عمره وعلى الفخر ابن البخارى في الثالثه وأسمع على أبى الفضل بن عساكر وغيره وأجاز له جماعة وحدّث بالكثير، وعمّر وصار مسند عصره ورحلة زمانه وخرّج له الحافظ تقىّ الدين بن رافع «2» مشيخة وذيّل عليها الحافظ زين الدين العراقىّ. وكانت وفاته يوم الاثنين تاسع عشرين ذى القعدة، وآخر من تأخّر ممن سمع عليه شيخنا الرّحلة زين الدين عبد الرحمن الزّركشىّ الخيلىّ. رحمه الله تعالى. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وأربعة أصابع. مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وستة عشر إصبعا. والله أعلم. [ما وقع من الحوادث سنة 767] السنة الثالثة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر وهي سنة سبع وستين وسبعمائة. فيها توفّى الشيخ الإمام العالم العلّامة قاضى القضاة عز الدين عبد العزيز ابن قاضى القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكنانىّ الحموى

المصرى الشافعىّ بمكة المشرفة في يوم الاثنين ثامن «1» عشر جمادى الآخرة، ودفن بباب المعلاة بين الفضيل بن عياض وأبى القاسم القشيرىّ «2» ونجم الدين الأصبهانىّ. ومولده بالعادلية بدمشق في سنة أربع وتسعين وستمائة- رحمه الله- وكان إماما عالما فاضلا ديّنا صالحا، سمع بمصر والشام والحجاز وأخذ عن الأبرقوهىّ «3» والدّمياطىّ «4» وغيرهما من الحفّاظ وجمع وكتب وحدّث وخطب وأفتى ودرّس وتولى القضاء تسعا وعشرين سنة. ثم استعفى وتوجّه إلى مكة مجاورا بها إلى أن مات. وتوفّى القاضى شهاب الدين أبو العباس أحمد بن ابراهيم أيوب العينتابىّ الحنفىّ قاضى العسكر بدمشق- رحمه الله تعالى- وبها كانت وفاته وقد جاوز ستين سنة، وكان إماما بارعا في المذهب وأفتى ودرّس وشرح مجمع البحرين فى الفقه في المذاهب الثلاثة في عشرة مجلدات وسماه: «المنبع «5» » . وتوفّى الشيخ الرضىّ شيخ خانقاة «6» بيبرس الجاشنكير في ليلة الجمعة حادى عشر شهر رجب ودفن بمقابر الصوفية وتولّى مكانه الشيخ ضياء «7» الدين العفيفى المعروف بقاضى قرم. رحمه الله.

وتوفّى السلطان الملك المجاهد سيف الدين أبو يحيى على ابن السلطان الملك المؤيد هزير الدين داود ابن السلطان الملك المظفر يوسف ابن السلطان الملك لمنصور عمر بن نور الدين على رسول التّركمانىّ الأصل اليمنىّ المولد والمنشأ والوفاة، صاحب اليمن بعدن- رحمه الله- فى يوم السبت الخامس والعشرين من شهر جمادى الأولى من هذه السنة وقيل سنة أربع وستين وولى بعده ابنه الملك الأفضل عباس. ومولد المجاهد هذا في سنة إحدى وسبعمائة بتعز ونشأ بها وحفظ التنبيه في الفقه وبحثه وتخرّج على المشايخ منهم: الشيخ الإمام العلامة الصاغانىّ، وتأدّب على الشيخ تاج الدين عبد الباقى وغيرهما، وشارك في علوم وكان جيّد الفهم- رحمه الله- وله ذوق في الأدب وله نظم ونثر، وهذا المجاهد الذي ذكرنا في ترجمة الملك الناصر «1» محمد بن قلاوون أنه أرسل إليه نجدة إلى بلاد اليمن، لما خرج عليه ونازعه الملك الناصر بن الأشرف صاحب زبيد، وسقنا حكايته هناك مفصلا، وطالت مدّة المجاهد في مملكة اليمن وفعل الخيرات وله مآثر: عمر مدرسة عظيمة بتعز وزيادة أخرى وغير ذلك وعمّر مدرسة بمكة المشرفة بالمسجد الحرام بالجانب اليمانىّ مشرفة على الحرم الشريف. وقد استوعبنا ترجمته في المنهل الصافى بأطول من هذا إذ هو كتاب تراجم. والله أعلم وتوفّى الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الظاهر المعروف بابن الشرف «2» الحنفىّ الفقيه خطيب جامع «3» شيخون وكان من أعيان الفقهاء وله مشاركة وفضل. رحمه الله تعالى.

ما وقع من الحوادث سنة 768

وتوفّى الأمير سيف الدين بطا بن عبد الله أحد أمراء الطبلخانات وقرئ على قبره بعد موته ألف ختمة شريفة بوصيّته هكذا نقل الشيخ تقىّ الدين المقريزى. رحمه الله. وتوفّى الشيخ المحدّث العالم العلّامة شمس الدين أبو الثناء محمود بن خليفة بن محمد ابن خلف المنبجىّ ثم الدّمشقىّ التاجر. ومولده في سنة سبع وثمانين وستمائة ومات فى ذى الحجة. رحمه الله. وتوفّى الشيخ الإمام أحد فقهاء المالكيّة خليل بن إسحاق المعروف بابن الجندى الفقيه المالكىّ- رحمه الله- فى يوم الخميس ثانى عشر شهر ربيع الأوّل. وكان فقيها مصنّفا صنّف المختصر في فقه المالكية وغيره. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وأربعة أصابع. مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وستة عشر إصبعا. والله سبحانه أعلم. [ما وقع من الحوادث سنة 768] السنة الرابعة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر. وهي سنة ثمان وستين وسبعمائه. وفيها كانت وقعة يلبغا العمرىّ الخاصكى صاحب الكبش «1» ومقتلته وسلطنة آنوك بجزيرة الوسطى ولم يتم أمره ولا عدّ من السّلاطين وقد تقدم ذكر ذلك كله مفصلا في ترجمة الملك الأشرف هذا فلينظر هناك. وفيها توفّى قاضى القضاة أمين الدين أبو محمد عبد الوهاب بن أحمد بن وهبان الدمشقىّ الحنفىّ قاضى قضاة حماة وبها توفّى وهو من أبناء الأربعين- رحمه الله- وكان فقيها عالما مشكور السيرة.

وتوفّى الشيخ الإمام العالم المسلّك العارف بالله تعالى عفيف الدين أبو محمد وقيل أبو السيادة عبد الله بن أسعد بن على بن سليمان بن فلاح اليمانىّ اليافعىّ، نزيل مكة وشيخ الحرم وإمام المسلّكين وشيخ الصوفية في ليلة الأحد العشرين من جمادى الآخرة بمكة المشرفة ودفن بالمعلاة بجوار الفضيل بن عياض. ومولده سنة ثمان وستين وستمائة «1» تقريبا وسمع الكثير وبرع في الفقه والعربية والأصلين واللغة والفرائض والحساب والتصوّف والتسليك، وغير ذلك. وكان له نظم جيّد كثير، دوّن منه ديوان وله تصانيف كثيرة منها: «روض «2» الرياحين» [فى حكايات «3» الصالحين] وتاريخ بدأ فيه من أوّل الهجرة وأشياء غير ذلك، ذكرناها مستوفاة فى ترجمته في تاريخنا «المنهل الصافى» وما وقع له مع علماء عصره بسبب قصيدته التى أولها حيث قال في ذلك: [الطويل] ويا ليلة فيها السعادة والمنى ... لقد صغرت في جنبها ليلة القدر «4» قال: ومن شعره أيضا قصيدته التي أوّلها: [الطويل] قفا حدّثانى فآلفؤاد عليل ... عسى منه يشفى بالحديث غليل أحاديث نجد علّلانى بذكرها ... فقلبى إلى نجد أراه يميل بتذكار سعدى أسعدانى فليس لى ... إلى الصّبر عنها والسّلوّ سبيل ولا تذكر الى العامرية إنها ... يولّه عقلى ذكرها ويزيل

ومنها المخلص: ألا يا رسول الله يا أكرم الورى ... ومن جوده خير النّوال ينبل ومن كفّه سيحون منها وجيحن «1» ... ودجلة تجرى والفرات ونيل مدحتك أرجو منك ما أنت أهله ... وأنت الذي في المكرمات أصيل فياخير ممدوح أئب شرّ مادح ... عطا مانح منه الجزاء جزيل وتوفّى الشيخ الإمام العالم المسلّك الصوفىّ العارف بالله تعالى المعتقد جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن عبد الله بن عمر بن على بن خضر [الكردىّ «2» ] الكورانىّ الأصل المصرىّ الدار والوفاة المعروف بالشيخ يوسف العجمىّ بزاويته بقرافة مصر الصّغرى في يوم الاثنين ثانى عشر شهر ربيع الأوّل وقيل: جمادى الأولى وقيل: يوم الأحد النصف من جمادى الأولى ودفن بزاويته المذكوة وقبره يقصد للزيارة وكان- رحمه الله- شيخا حقيقة ومقتدى طريقة، كان إمام المسلّكين في عصره وكان على قدم هائل، كان غالب علماء عصره يقتدون به وكان له أوراد وأذكار هائلة، انتفع بصحبته جماعة من العلماء والصلحاء والفقهاء وكان لا يأخذه في الله لومة لائم، مع فضيلة غزيرة ومعرفة تامّة بالتصوّف وله رسالة سمّاها «ريحان القلوب «3» والتوصّل إلى المحبوب» . وقد شاع ذكر الشيخ يوسف في الدنيا وأثنى عليه العلماء والصلحاء. حكى أنّ الشيخ يوسف هذا دخل مرة الى الشيخ يحيى بن علىّ بن «4» يحيى الصنافيرى، فقام إليه الشيخ يحيى وكان لا يلتفت إلى أحد وتلقّاه وهو ينشد بقوله: [الوافر]

ألم تعلم بأنّى صيرفىّ ... بلوت «1» العالمين على محكى فمنهم زائف لا خير فيه ... ومنهم جائز تجويز شكّ وأنت الخالص الإبريز منهم ... بتزكيتى وحسبك من أزكّى! فحصل للشيخ يوسف بهذا الكلام غاية السرور والفرح وكان مع الشيخ يوسف ولده محمد فأقبل عليه الشيخ يحيى وأنشده فقال: [الكامل] إنّ السّرىّ إذا سرى فبنفسه ... وابن السّرىّ إذا سرى أسراهما قال: فازداد الشيخ يوسف سرورا على سروره بهذا القول. رحمهما الله تعالى ونفعنا ببركاتهما. وتوفّى الشيخ الإمام الأديب البارع المفتن جمال الدين أبو بكر محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن صالح بن على بن يحيى بن طاهر بن محمد بن الخطيب أبى يحيى عبد الرحيم بن نباته (بضم النون) الفارقىّ: الأصل الجذامى المصرىّ المعروف بابن نباتة بالقاهرة- رحمه الله تعالى- بالبيمارستان «2» المنصورىّ في ثامن شهر صفر من السنة المذكورة. ومولده في مصر في شهر ربيع الأوّل سنة ست وثمانين وستمائة «بزقاق القناديل «3» » ونشأ بمصر وبرع في عدّة علوم وفاق أهل زمانه في نظم القريض وله الشّعر الرائق والنّثر الفائق وهو أحد من حذا حذو القاضى الفاضل وسلك طريقه وأجاد فيما سلك وكان خطّه في غاية الحسن وديوان شعره مشهور وقد مدح الملوك والأعيان ورحل إلى البلاد وانقطع إلى السلطان الملك المؤيّد إسماعيل

صاحب حماة وله فيه غرر مدائح وكان مع ما اشتمل عليه من المحاسن قليل الحظ ومن شعره في المعنى: [الكامل] أسفى «1» لشعر بارع نظمته ... تحتاج بهجته لرفد بارع درّ يتيم قد تضوّع نشره ... يا من يرقّ على اليتيم الضّائع ومن شعره أيضا قوله: [السريع] مقبّل «2» الخدّ أدار الطّلا ... فقال لى في حبّها عائبى عن أحمر المشروب ما تنتهى ... قلت: ولا عن أخضر الشارب وله أيضا: [السريع] وتاجر قلت له إذ رنا ... رفقا بقلب صبره خاسر ومقلة تنهب طيب الكرى ... منها على عينك يا تاجر «3» وله أيضا: [الكامل] قبلته عند النّوى فتمرّرت ... تلك الحلاوة [بالتفرّق «4» والجوى] ولثمته عند القدوم فحبّذا ... رطب الشّفاه السّكّرىّ بلا نوى وله: أيضا- عفا الله عنه-[البسيط] أهلا بطيف على الجرعاء مختلس ... والفجر في سحر كالثّغر في لعس والنّجم في الأفق الغربىّ منحدر ... كشعلة سقطت من كفّ مقتبس يا حبّذا زمن الجرعاء من زمن ... كلّ الليالى فيه ليلة العرس

وحبّذا العيش مع هيفاء لو ظهرت «1» ... للبدر لم يزه أو للغصن لم يمس خود لها مثل ما في الظّبى من ملح «2» ... وليس للظّبى ما فيها من الأنس محروسة بشعاع البيض ملتمعا ... ونور ذاك المحيّا آية الحرس يسعى ورا لحظها قلبى ومن عجب ... سعى الطّريدة في آثار مفترس ليت العذول عنى مر أى محاسنها ... لو كان ثنّى عمى عينيه بالخرس «3» وقد استوعبنا من شعره وأحواله نبذة كبيرة في المنهل الصافى. انتهى والله أعلم. وتوفّى الوزير الصّاحب فخر الدين ماجد بن قروينة القبطىّ المصرى تحت العقوبة، بعد أن أحرقت أصابعه بالنار، وكان- رحمه الله- وزيرا عارفا مكينا عفيفا رزينا ذا حرمة ونهضة، لم يل الوزارة في الدولة التركية من يشابهه؛ عمّر فى أيام وزارته بيوت الأموال بالذهب والفضة، وترك بالأهراء مغلّ ثلاث سنين وبعض الرابعة، وذلك فوق ثلاثمائة ألف اردبّ. وبالبلاد مغلّ سنتين، بعد ما كان يقوم بالكلف السلطانية وكلفة الأتابك يلبغا العمرىّ الخاصّكى وبعد هذا كله كان يحمل إلى الخزانة الشريفة في كل شهر ستين ألف دينار، وكان فيه محاسن كثيرة، غير أنه كانت نفسه نفسا شامخة، وفيه تهكّم على الناس مع تكبّر، هذا مع الكرم الزائد والإحسان للناس وقلّة الظلم بالنسبة إلى غيره، رحمه الله تعالى؛ والله أعلم. وتوفّى الأمير سيف الدين دروط ابن أخى الحاج آل ملك، كان أحد أمراء الألوف بالديار المصرية وحاجبا ثانيا بها. وتوفّى الأمير علاء الدين آقبغا بن عبد الله الصّفوى أحد الأمراء الطبلخانات بالديار المصرية وأمير آخور وكان- رحمه الله- من أعيان الأمراء.

ما وقع من الحوادث سنة 769

وتوفّى الأمير علاء الدين آقبغا بن عبد الله الأحمدى اليلبغاوى المعروف بالجلب فى أواخر السنة المذكورة وهو مسجون بثغر الإسكندرية، من جرح أصابه في شهر ذى القعدة؛ وقد تقدّم ذكره في عدّة مواطن. والله أعلم. وتوفّى الأمير علاء الدين ألطنبغا بن عبد الله العزّى أحد أمراء الطبلخانات فى يوم الاثنين رابع شهر ربيع الآخر، وكان مثيرا للفتن. وتوفّى القاضى بهاء الدين حسن بن سليمان بن أبى الحسن بن سليمان بن ريّان ناظر الجيش بحلب في دمشق عن ثمان وستين سنة، وكان رئيسا نبيلا كاتبا بارعا، ولى عدّة وظائف؛ وله نظم ونثر؛ ومن شعره- رحمه الله تعالى-[الرجز] نحن الموقّعون في وظائف ... قلوبنا من أجلها في حرق قسمتنا في الكتب لا في غيرها ... وقطعنا ووصلنا في الورق وتوفّى القاضى تقىّ الدين محمد بن محمد بن عيسى بن محمود «1» بن عبد اللطيف «2» البعلبكى الشافعى الشهير بابن المجد- رحمه الله- كان فقيها فاضلا ولى قضاء طرابلس وغيرها. وقد تقدم أنّ يلبغا العمرى قتل في هذه السنة؛ انتهى، والله أعلم. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستة أذرع وثلاثة أصابع. مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعا وستة أصابع. [ما وقع من الحوادث سنة 769] السنة الخامسة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين صاحب الترجمة على مصر؛ وهي سنة تسع وستين وسبعمائة.

فيها كانت الوقعة بين الملك الأشرف صاحب الترجمة وبين الأتابك أسندمر الزّينى الناصرى وانتصر الأشرف حسب ما تقدّم ذكره. وفيها توفّى العلّامة قاضى القضاة جمال الدين عبد الله بن قاضى القضاة علاء الدين علىّ ابن العلامة فخر الدين عثمان بن إبراهيم «1» بن مصطفى بن سليمان الحنفىّ الماردينىّ، الشهير بابن التّركمانىّ بالقاهرة، فى ليلة الجمعة حادى عشر شهر شعبان ودفن بتربة والده خارج باب النصر من القاهرة وتولّى بعده القضاء العلّامة سراج الدين عمر الهندى. ومولده في سنة تسع عشرة وسبعمائة، وقيل سنة خمس عشرة وسبعمائة. وتفقّه على والده وغيره، حتى برع في الفقه والأصول والعربية وشارك في فنون كثيرة، وكان من جملة محفوظاته «الهداية في الفقه» حتى إنه كان يمليها فى دروسه من صدره، وكمّل شرح أبيه لها، وتولّى القضاء بعد وفاة أبيه وباشر القضاء بعفّة وحشمة ورئاسة وتصدّى للإفتاء والتدريس والإقراء سنين في حياة والده الى أن مات. وكان له عبادة وأوراد هائلة ومحاسن كثيرة. رحمه الله تعالى. وتوفّى قاضى القضاة موفّق الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الملك ابن عبد الباقى الحجّاوى «2» المقدسىّ الحنبلىّ قاضى قضاة الديار المصرية بعد أن حكم بها ثلاثين سنة- رحمه الله تعالى- وتولّى بعده القاضى ناصر الدين نصر الله العسقلانى الحنبلىّ. وكان موفّق الدين مشكور السّيرة جميل الطريقة.

وتوفّى قاضى القضاة جمال الدين يوسف «1» بن محمد بن عبد الله بن محمد بن محمود المرداوى المقدسى الحنبلىّ قاضى قضاة دمشق بها عن نيّف وسبعين سنة، مصروفا عن القضاء- رحمه الله تعالى- وتوفّى قاضى «2» قضاة طرابلس شمس الدين أبو عبد الله محمد ابن الشيخ تقي الدين عبد الله الشّبلىّ الدمشقىّ الحنفىّ وهو من أبناء السبعين- رحمه الله- وكان عالما ديّنا مجاهدا مرابطا يلبس السّلاح في سبيل الله ويغزو وسمع الكثير وجمع وألّف وأفتى ودرّس وانتفع الناس به وباشر الحكم خمس عشرة سنة. رحمه الله. وتوفّى قاضى قضاة حلب «3» صدر الدين أحمد بن عبد الظاهر بن محمد الدّميرى المالكى- رحمه الله- عن نيّف وسبعين سنة. وكان فقيها فاضلا مشكور السّيرة. وتوفّى الشيخ «4» العلّامة قاضى القضاة بهاء الدين أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن ابن عقيل المصرى الشافعىّ قاضى قضاة الديار المصريّة وفقيه الشافعية- تغمّده الله برحمته- بالقاهرة في ليلة الأربعاء الثالث والعشرين من شهر ربيع الأوّل ودفن بالقرافة «5» بالقرب من قبّة الإمام الشافعىّ- رضى الله عنه- ومولده في المحرّم سنة ثمان وتسعين وستمائة. ونسبه يتّصل إلى عقيل بن أبى طالب رضى الله عنه.

ونشأ بالقاهرة. وقرأ على علماء عصره وبرع في علوم كثيرة وصنّف التصانيف المفيدة فى الفقه والعربيّة والتفسير، منها «شرح الألفيّة» لابن مالك و «شرح» التسهيل» أيضا وباشر قضاء الديار المصريّة مدّة يسيرة وباشر التداريس الجليلة والمناصب الشريفة، وكتب إليه قاضى القضاة بهاء «2» الدين أبو البقاء السّبكى من دمشق يقول: [الطويل] تقضّت شهور بالبعاد وأحوال ... جرت بعدكم فيها أمور وأحوال فإن يسر الله التّلاقى ذكرتها ... وإلا فلى في هذه الأرض أمثال وتوفّى الشيخ عزّ الدين أبو يعلى حمزة بن قطب الدين موسى بن ضياء الدين أحمد بن الحسين «3» الدّمشقى الحنبلى الشهير بابن شيخ السلامية بدمشق وقد جاوز ستين سنة وكان- رحمه الله- إماما عالما فاضلا كتب على «المنتقى «4» » . وتوفّى الإمام العالم شهاب الدين أحمد «5» بن لؤلؤ الشهير بابن النّقيب المصرى الشافعى في يوم الأربعاء رابع عشر شهر رمضان وكان- رحمه الله- مفتنّا فى علوم وله مصنّفات ونظم حسن. وتوفّى الشيخ الإمام المحدّث صلاح الدين عبد الله ابن المحدّث شمس الدين محمد بن إبراهيم بن غنائم «6» بن أحمد بن سعيد الصالحىّ الحنفى الشهير بابن المهندس

- رحمه الله تعالى- بحلب عن نيفّ وسبعين سنة. وكان محدّثا مسندا سمع الكثير بمصر والشام والحجاز والعراق وكتب وحدّث وحجّ غير مرّة وطاف البلاد ثم استوطن حلب إلى أن مات. رحمه الله. وتوفّى القاضى «1» علاء الدين علىّ ابن القاضى محيى الدين يحيى بن فضل الله القرشى العمرى كاتب السّر الشريف بالديار المصريّة بالقاهرة في ليلة الجمعة تاسع عشرين شهر رمضان عن سبع وخمسين سنة. وكان قبل موته نزل عن وظيفة كتابة السّر لولده بدر الدين محمد فتمّ أمره من بعده. وكان القاضى علاء الدين- رحمه الله تعالى- إماما في فنّه كاتبا عاقلا طالت أيّامه في السعادة حتّى إنه باشر وظيفة كتابة السّر نيّفا وثلاثين سنة لأحد عشر سلطانا من بنى قلاوون. استوعبنا ذلك كلّه فى «المنهل الصافى» . قلت: ولا أعلم أحدا ولى كتابة السّر هذه المدّة الطويلة من قبله ولا من بعده سوى العلّامة القاضى كمال الدين محمد بن البارزى- رحمه الله- فإنّه وليها أيضا نحوا من ثلاث وثلاثين سنة على أنه عزل منها غير مرّة وتعطّل سنين، كما سيأتى ذكره في ترجمته إذا وصلنا إليه- إن شاء الله تعالى- وكان للقاضى علاء الدين- رحمه الله- نظم ونثر وترسّل وإنشاء ومن شعره: [البسيط] بان الحمى لم يمس من بعد بعدكم ... ولا تغنّت به ورقاؤه طربا يا جيرة خلّفونى في ديارهم ... أجرى الدموع على آثارهم سحبا قد كان يحزننى واش يراقبنى ... واليوم يحزننى أن ليس لى رقبا وتوفى الأمير علاء الدين طيبغا بن عبد الله الناصرى المعروف بالطويل نائب حلب بها في يوم السبت وقت الظهر سلخ شوّال ودفن خارج باب المقام وقيل:

إنه سمّ، لأنّه كان أراد الخروج عن الطاعة، فعاجلته المنيّة، وقد تقدّم ذكره مع خشداشه يلبغا العمرى الخاصّكى وما وقع له معه في ترجمة الملك الناصر حسن وكيفيّة خروجه من الديار المصرية والقبض عليه فلا حاجة للإعادة هاهنا. وتوفّى الأتابك سيف الدين أسندمر بن عبد الله الناصرىّ صاحب الواقعة مع الملك الأشرف شعبان محبوسا بثغر الإسكندريّة في شهر رمضان وقد تقدّم أيضا ذكر واقعته مفصّلا في ترجمة الملك الأشرف. وتوفّى الأمير سيف الدين قنق بن عبد الله العزّى أحد مقدّمى الألوف بالديار المصرية على هيئة عجيبة؛ نسأل الله تعالى حسن الخاتمة بمحمد وآله. وخبره أنه كان قد عصى مع أسندمر الناصرى المقدّم ذكره، ركب معه من جملة اليلبغاويّة، فلما انكسرت اليلبغاويّة ساق قنق هذا فرسه إلى بركة «1» الحبش ونزل بشاطئ البركة وبقى يشرب الماء ويستفّ الرمل إلى أن مات، فآنظر إلى هذا الجاهل وما فعل فى نفسه. وتوفّى السلطان الملك المنصور أحمد ابن الملك الصالح صالح ابن الملك المنصور غازى بن قرا أرسلان بن أرتق الأرتقى صاحب ماردين «2» بها وقد جاوز الستين سنة من العمر وكانت مدّة ملكه ثلاث سنن، وكان صاحب همّة عليّة وحرمة سنية. رحمه الله تعالى. وتوفّى الشاب الفاضل تاج الدين محمد بن السّكّرى- رحمه الله- وكان فاضلا عالما ودرّس وبرع- رحمه الله- وفيه يقول ابن نباتة: [السريع] سألته في خدّه قبلة ... فقال قولا ليس بالمنكر عليك بالصبر ومن ذا الذي ... ينفعه الصبر عن السّكّرى

ما وقع من الحوادث سنة 770

وتوفّى الأمير علاء الدين ألطنبغا بن عبد الله البشتكى نائب غزّة وأستادار السلطان كان في رابع «1» عشر شعبان. وتوفّى الأمير سيف الدين باكيش بن عبد الله اليلبغاوىّ الحاجب في صفر، وكان من رءوس الفتن وممن قام على أستاذه يلبغا. وتوفّى الأمير سيف الدين بيليك بن عبد الله الفقيه الزرّاق، أحد مقدّمى الألوف بالديار المصرية- رحمه الله تعالى- كان فاضلا فقيها ويكتب المنسوب وعنده مشاركة في فنون. وتوفى الأمير سيف الدين تلكتمر بن عبد الله المحمدى الخازندار أحد أمراء الألوف بالديار المصرية مسجونا بثغر الإسكندرية. وكان ممن قام مع أسندمر الناصرى. وتوفّى الأمير سيف الدين جرجى بن عبد الله الإدريسىّ الأمير آخور ثم نائب حلب وهو بدمشق. وكان من أجلّ الأمراء وتنقّل في عدّة وظائف وولايات- رحمه الله تعالى-. وتوفّى الأمير سيف الدين جرقطلو «2» بن عبد الله أمير جاندار في صفر وكان من الأشرار. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وأربعة عشر إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا سواء. والله أعلم. [ما وقع من الحوادث سنة 770] السنة السادسة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر وهي سنة سبعين وسبعمائة.

وفيها توفّى الشيخ بدر الدين محمد بن جمال الدين محمد بن كمال الدين أحمد بن جمال الدين محمد بن أحمد الشّريشىّ البكرىّ الوائلىّ الدّمشقى الشافعى بدمشق عن ستّ وأربعين سنة- رحمه الله- وكان عالما فاضلا فقيّها درّس بالإقبالية «1» بدمشق إلى أن مات. وفيها توفّى قاضى القضاة «2» جمال الذين محمود بن أحمد بن مسعود القونوىّ الحنفى قاضى قضاة دمشق بها عن ستّ وسبعين سنة وكان- رحمه الله- من العلماء الأماثل، كان رأسا فى الفقهاء الحنفية، بارعا في الأصول والفروع ودرّس بدمشق بعدّة مدارس وأفتى وجمع وألّف- رحمه الله تعالى-. وتوفّى القاضى شمس «3» الدين محمد بن خلف بن كامل الغزّى الشافعىّ بدمشق عن بضع وخمسين سنة. وكان عالما، درّس بدمشق وأفتى وباشر بها نيابة الحكم إلى أن مات- رحمه الله تعالى-. وتوفّى الطواشى ناصر الدين شفيع بن عبد الله الفوّىّ نائب مقدّم المماليك السلطانيّة في يوم الأحد ثامن شعبان وكان من أعيان الخدّام وطالت أيامه فى السعادة.

وتوفّى الأمير سيف الدين أرغون «1» بن عبد الله بن غلبك الأزقى رأس نوبة النّوب بالديار المصريّة في العشر «2» الأوّل من جمادى الآخرة. وكان من أعيان الأمراء وهو أحد من ثار على يلبغا. وتوفّى الأمير صلاح «3» الدين خليل بن أمير على ابن الأمير الكبير سلّار المنصورى وكان أحد أمراء الطبلخانات بالديار المصريّة وهو أحد من ركب مع الأتابك أسندمر. وتوفّى الأمير ناصر الدين محمد بن طقبغا الناصرى أحد أمراء الطبلخانات أيضا. وتوفّى الأمير صارم الدين إبراهيم ابن الأمير سيف الدين صرغتمش الناصرى وكان أيضا من أمراء الطبلخانات وله وجاهة في الدولة، وفيه شجاعة وإقدام ودفن بمدرسة «4» أبيه. رحمه الله تعالى. وتوفّى الأديب الموّال شهاب الدين أحمد بن محمد «5» بن أحمد المعروف بالفار الشّطرنجىّ العالية، وكان بارعا في المواليا وله شعر جيّد وكان ماهرا في الشّطرنج. وتوفّى الأمير سيف الدين قشتمر بن عبد الله المنصورى نائب حلب بها مقتولا بيد العرب في وقعة كانت بينه وبينهم على تلّ «6» السلطان وقتل معه ولده، وقد تقدّم

ما وقع من الحوادث سنة 771

أنّ قشتمر هذا ولى نيابة طرابلس ونيابة دمشق ونيابة السلطنة بالديار المصريّة. ثم أخرج من مصر إلى نيابة حلب فلم تطل مدّته على نيابة حلب وقتل- رحمه الله- وكان شجاعا مقداما عارفا عاقلا مدبّرا سيوسا دبّر أمر السلطنة سنين وحمدت سيرته. وتوفّى القاضى عماد الدين محمد بن شرف الدين موسى بن سليمان الشهير بالشيرجى بدمشق. كان ولى حسبة دمشق ونظر خزانتها وكان له ثروة ولديه فضيلة وعنده سياسة. وتوفّى الأمير سيف الدين آقتمر بن عبد الله من عبد الغنى الصغير في شهر رمضان، وآقتمر هذا غير الأمير الكبير آقتمر عبد الغنى وكان آقتمر هذا من جملة أمراء الطبلخانات. والله أعلم. وتوفّى السلطان صاحب تونس وما والاها من بلاد الغرب أبو إسحاق إبراهيم ابن أبى بكر بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى في العشرين من شهر رجب بعد ما ملك تسع عشرة سنة- رحمه الله- وكان من أجلّ ملوك الغرب، كان شجاعا وله مواقف وفتوحات هائلة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة اذرع وعشرون إصبعا. مبلغ لزيادة سبعة عشر ذراعا وستة أصابع. والله أعلم. [ما وقع من الحوادث سنة 771] السنة السابعة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر وهي سنة إحدى وسبعين وسبعمائة.

وفيها توفّى «1» قاضى القضاة شرف الدين أبو العبّاس أحمد ابن الشيخ شرف الدين حسن بن الخطيب شرف الدين أبى بكر عبد الله ابن الشيخ أبى عمر محمد بن أحمد ابن محمد بن قدامة الشهير بابن قاضى الجبل الحنبلىّ المقدسىّ الصالحىّ قاضى قضاة دمشق بها في ثالث عشر شهر رجب عن ثمان وسبعين سنة- رحمه الله- وكان إماما عظيم القدر انتهت إليه رياسة مذهبه، وكان صحب ابن تيميّة وسمع منه وتفقّه به وبغيره، وفي هذا المعنى يقول: [الوافر] نبيّي أحمد وكذا إمامى ... وشيخى أحمد «2» كالبحر طامى واسمى أحمد أرجو «3» بهذا ... شفاعة سيّد الرسل الكرام وتوفى قاضى القضاة تاج الدين عبد الوهاب ابن قاضى القضاة تقىّ الدين علىّ ابن عبد الكافى بن علىّ بن تمّام بن يوسف بن موسى بن تمّام الأنصارىّ السلمىّ السّبكىّ الشافعىّ قاضى قضاة دمشق بها، فى عصر يوم «4» الثلاثاء سابع شهر ذى الحجّة ودفن بسفح قاسيون «5» . تغمّده الله برحمته عن أربع وأربعين سنة. وكان إماما بارعا مفتنّا في سائر العلوم وله تصانيف شتّى: منها «شرح المنهاج «6» » فى الفقه للنّووىّ

«وشرح مختصر ابن الحاجب» ومنهاج «1» البيضاوىّ، وغير ذلك ودرّس «بالعادليّة «2» » و «والغزاليّة «3» » و «الأمينيّة «4» » و «الناصريّة «5» » و «دار الحديث «6» الأشرفيّة» «والشامية» البرانيّة» وباشر قضاء دمشق أربع مرّات وخطب بالجامع الأموىّ، وقدم القاهرة وتولّى مكانه أخوه أبو حامد بهاء الدين واستقرّ تاج الدين هذا مكان أخيه أبى حامد المذكور في تدريس «الشّيخونية «8» » بمصر، وقيل: إنه كان أفقه من أخيه أبى حامد المذكور. وتوفّى قاضى القضاة جمال الدين أبو عبد الله محمد ابن الشيخ زين الدين عبد الرحيم بن على بن عبد الملك المسلّاقى السّلمى قاضى قضاة دمشق بالقاهرة

وهو من أبناء السبعين سنة وكان- رحمه الله- عالما فاضلا سمع بالإسكندرية «1» ومصر والشام وأخذ عن القونوىّ وأبى «2» حيّان وغيرهما وولى نيابة الحكم بدمشق. ثم استقلّ بالقضاء أكثر من عشرين سنة. وتوفّى الأديب شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يوسف بن أحمد الماردينى الشهير بابن خطيب الموصل- رحمه الله- مات بحماة وهو من أبناء الستين سنة. وكان أديبا فاضلا، كان يتنقّل في البلاد وكان يكتب المنسوب وله مشاركة. ومن شعره: [المتقارب] ليهنك ما نلت من منصب ... شريف له كنت مستوجبا وما حسن أن تهنّى به ... ولكن نهنّى بك المنصبا وتوفّى الأمير ناصر الدين محمد ابن الأمير تنكز الحسامى الناصرىّ نائب الشام، كان أحد أمراء الطبلخانات بالديار المصرية وله وجاهة في الدولة. رحمه الله. وتوفّى الوزير الصاحب شمس الدين موسى بن أبى إسحاق عبد الوهاب بن عبد الكريم القبطى المصرىّ، أسلم أبوه وتولّى نظر الجيش والخاصّ بعد كريم الدين الكبير واستناب ابنه هذا وكان يوم ذاك ناظر الخزانة الشريفة. فلمّا مات أبوه في سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة استقرّ مكانه في نظر الخاصّ، فباشر فيه مدّة وصرف بالنشو واستقرّ في نظر الجيش عوضا عن الفخر، فلم تطل مدّته وأمسك بسعى النّشو وسلّم هو وأخوه علم الدين ناظر الدولة إلى النّشو،

فأوقع الحوطة على موجودهما، فوجد لهما ما لا يوصف: من ذلك أربعمائة سراويل لزوجته واستقرّ عوضه في نظر الجيش مكين الدين إبراهيم بن قروينة واستمرّ موسى في المصادرة وأجرى عليه العذاب ألوانا، وأمره أعجب من العجب وهو أنه كان قبل مصادرته نحيف البدن قليل الأكل، لا يزال سقيما بالرّبو وضيق النّفس، لزمه «1» الحمّى الصّالبة «2» ، فلا يبرح محتميا ويلبس الفراء شتاء وصيفا، فبنى له أبوه بيتا فى الروضة ووكّل به الأطباء، يدبّرون له الأغذية الصالحة ويعالجونه وهو على ما هو عليه إلى أن قبض عليه وصودر وسلّم لوالى القاهرة ناصر الدين محمد بن المحسنى. ثم نقل إلى لؤلؤ شادّ الدواوين وكان النّشو يغريهما على قتله، فضمن لؤلؤ للنشو قتله، فضربه أوّل يوم مائتى شيب «3» وسعطه «4» بالماء والملح وبالخل والجير حتى قوى عنده أنه مات فأصبح سويّا، فضربه بعد ذلك حتى أعياه أمره، وعقّد «5» له المقرعة التى يضربه بها، فكانت إذا نزلت على جنبه تثقبه، فكان يضربه بتلك المقرعة حتى يقولوا: مات فيصبح فيعيدون عليه العذاب والتّسعيط، فصار يقيم اليوم واليومين والثلاثة لا يمكّن فيها من أكل ولا شرب. وكانوا إذا عاقبوه وفرغوا رموه عريانا فى قوّة الشتاء على البلاط فيتمرّغ عليه بجسده وهو لا يعى من شدّة الضرب والعقوبة، كل ذلك والنّشو يستحثّ على قتله. ثم عصروه في كعبيه وصدغيه، حتى لهجوا بموته وبشّروا النشر بموته غير مرة. ثم يتحرّك فيجدوه حيّا، واستمرّ على ذلك أشهرا ثم ترك نحو الشهر لمّا أعياهم أمره وأعادوا عليه العقوبة وعلى زوجته بنت الشمس غبريال وكانت كحاله في ضعف البدن والنّحافة وكانت حاملا، فولدت وهي تعصر،

فعاش ولدها حتى كبر، وما زالا في العقوبة حتى هلك النّشو وهو يقول: أموت وفي قلبى حسرة من موسى بن التاج، فمات النشو ولم ينل فيه غرضه. قيل: إنّ مجموع ما ضرب موسى هذا ستة عشر ألف شيب، حتى إنه ضرب مرة فوقع من ظهره قطعة لحم بقدر الرّغيف، وأعجب من هذا كلّه أنه لمّا أطلق تعافى مما كان به من الأمراض المزمنة القديمة. وصار صحيح البدن. ثم أفرج عنه الملك الناصر محمد وأكرمه وأنعم عليه ببغلة النشو وردّ عليه أشياء كثيرة وولّاه نظر جيش دمشق، ثم ولى نظر الخاصّ ثانيا وأضيف إليه نظر الخزانة الشريفة وساءت سيرته واستعفى وأعيد إلى دمشق وزيرا، ولم يزل يتنقّل في الوظائف إلى أن مات في هذا التاريخ. وقد أطلنا فى ذكره لما أوردناه من الغرائب. انتهى. وتوفّى الأمير علاء الدين طيبغا المحمدىّ في شهر صفر وكان أحد مقدّمى الألوف بالديار المصرية. وتوفّى الأمير سيف الدين بكتمر بن عبد الله المؤمنى الأمير آخور الكبير بالديار المصرية- رحمه الله- وكان من أجل الأمراء فضلا ومعرفة ودينا وعفّة عن الأموال، وتولّى عدّة وظائف وتنقّل في الولايات، مثل نيابة حلب والإسكندرية، ثم استقرّ أمير آخور إلى أن مات، وهو صاحب المصلّاة «1» بالرّميلة، والسبيل المعروف بسبيل المؤمنىّ. رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين، أسندمر بن عبد الله الكاملىّ زوج خوند القردمية «2» بنت الملك الناصر محمد بن قلاوون وكان أحد مقدّمى الألوف بالديار المصرية ومات بالقاهرة.

وتوفّى الأمير سيف الدين آروس بغا بن عبد الله الخليلىّ أحد أمراء الطبلخانات بالقاهرة في شهر رجب وهو أحد من قام على يلبغا. وتوفّى الأمير سيف الدين أسن بن عبد الله الصرغتمشىّ أحد أمراء الطبلخانات بالديار المصريّة بدمشق بعد ما نفى إليها وكان من الأشرار. وتوفّى الأمير علاء الدين ألطنبغا بن عبد الله العلائىّ المعروف «فرفور» كان أحد أمراء الطبلخانات بمصر وكان خصيصا عند الملك الأشرف. رحمه الله. وتوفّى الأمير علاء الدين آقبغا بن عبد الله اليوسفىّ الناصرىّ الحاجب في شعبان بمدينة منفلوط «1» ، وقد توجّه إلى لقاء هدية صاحب اليمن إلى السلطان الملك الأشرف. وتوفّى الأمير سيف الدين أينبك بن عبد الله الأزقىّ أحد أمراء الطبلخانات ورأس نوبة ثانى بها وكان من الشجعان. وتوفّى الأمير الأكز بن عبد الله الكشلاوىّ وهو منفىّ بحلب في شهر ربيع الأوّل وكان من أعظم الأمراء وأوجهم، ولى الوزر والأستدارية بمصر ونالته السعادة وعظم في الدّول إلى أن تغيّر عليه الملك الأشرف شعبان وعزله ثم نفاه إلى حلب لأمر اقتضى ذلك. وفيها كان بدمشق طاعون عظيم وانتشر إلى عدّة بلاد ومات فيه خلائق لا تحصى كثرة. والله أعلم. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وخمسة وعشرون إصبعا- مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وثمانية عشر إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 772

[ما وقع من الحوادث سنة 772] السنة الثامنة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر، وهي سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة. وفيها توفّى الشيخ العالم المفتّن جمال «1» الدين أبو محمد عبد الرحيم الحسن بن علىّ ابن عمر القرشىّ الأموىّ الإسنائىّ «2» الشافعىّ شيخ الشافعية بالديار المصرية. مات فجأة في ليلة الأحد ثامن «3» عشرين جمادى الأولى عن سبع وستين سنة، رحمه الله تعالى. وكان إماما عالما مصنّفا بارعا، درّس بالأقبغاوية «4» والفاضلية «5» والفارسية «6» ،

ودرّس التفسير بجامع أحمد بن طولون وتصدّر بالملكية «1» وأعاد «بالناصرية «2» » والمنصورية وغيرهما. وله مصنّفات كثيرة مفيدة: منها «كتاب المهمّات على الرافعىّ» و «شرح المنهاج في الفقه» و «شرح منهاج البيضاوىّ في الأصول» وله «كتاب طبقات الفقهاء الشافعية» و «كتاب تخريج الفروع على الأصول» وسمّاه «التمهيد» و «كتاب تخريج الفروع على العربية» وسماه «الكوكب» و «شرح عروض ابن الحاجب» و «مختصر الإمام الرافعىّ» و «كتاب الجمع والفرق» . وكان له نظم ليس بذاك، من ذلك ما قاله يمدح كتاب الرافعىّ فى الفقه: [الكامل] يا من سما نفسا إلى نيل العلا ... ونحا الى العلم الغزير الرافع قلّد سمىّ المصطفى ونسيبه ... والزم مطالعة العزيز الرافعى وتوفّى القاضى شهاب الدين أبو العباس أحمد ابن الشيخ الصالح برهان الدين إبراهيم [بن عمر بن أحمد «3» ] العمرىّ الصالحىّ الحنفى، قاضى قضاة الإسكندرية

وبها توفى- رحمه الله- وقد قارب سبعين سنة وكان فاضلا عالما أفتى ودرّس وخطب وأفاد وأعاد وأقام بحلب مدّة، يقرئ ويفتى. ثم قدم إلى مصر وأقام بها أيضا إلى أن ولى قضاء الإسكندرية مسئولا في ذلك. وتوفّى الأمير الكبير «1» علاء الدين علىّ الماردينىّ، ثمّ الناصرى نائب السلطنة بدمشق، ثم بالديار المصرية في العشر الأوّل من المحرّم عن بضع وستين سنة وكان أميرا جليلا دينا خيرا عفيفا عاقلا، تنقل في الأعمال الجليلة سنين عديدة وطالت أيامه في السعادة، وكان- رحمه الله- منقادا إلى الشريعة في أحكامه وأفعاله، مشتغلا بالفقه على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة- رضى الله عنه- مستحضرا له وكان قريبا من الناس محببّا للرعية. وأجلّ أعمال وليها نيابة حلب ثمّ دمشق ثلاث مرّات فيما أظنّ. والله أعلم. ثم نيابة السلطنة بالديار المصرية. وأمّا الولايات التي دون هؤلاء فكثير. وتوفّى الأمير سيف الدين جرجى بن عبد الله الإدريسىّ الناصرىّ بدمشق عن بضع وخمسين سنة. وكان أصله من مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون، وترقّى إلى أن ولى نيابة حلب. ثمّ عزل بعد مدّة وأنعم عليه بإمرة بدمشق، فتوجّه إليها وأقام بها إلى أن مات- رحمه الله- وكان عالى الهمّة، غزير النعمة، وله سعادة وافرة، وقد تقدّم وفاته، والأصحّ أنه توفّى في هذه السنة. وتوفّى قاضى «2» قضاة المدينة النبوية- على الحالّ بها أفضل الصلاة والسلام- نور الدين أبو الحسن علىّ بن عز الدين أبى المحاسن يوسف بن الحسن [بن محمد

ابن «1» محمود] الزّرندىّ «2» الحنفىّ المدنىّ- رحمه الله- كان عالما فاضلا ولى قضاء المدينة سنين. وتوفّى الأمير سيف الدين أرغون بن عبد الله من قيران السّلّارىّ أحد أمراء الطبلخانات ونقيب الجيوش المنصورة في شهر جمادى الأولى، وكان قديم هجرة وله كلمة في الدولة وحرمة وقرب من الملوك. وتوفّى الأمير سيف الدين أسندمر بن عبد الله العلائىّ الحاجب المعروف «حرفوش» بعد ما أنعم عليه يإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق على هيئة النّفى، فإنه كان من أكابر أمراء الألوف بالديار المصرية وكان ممن يخاف شرّه. وتوفّى القاضى بدر الدين أبو علىّ الحسن بن محمد بن صالح [بن محمد بن محمد «3» ] النابلسىّ «4» الفقيه الحنبلىّ- رحمه الله- مفتى دار العدل «5» فى شهر جمادى الآخرة. وتوفّى الشيخ علاء الدين أبو الحسن علىّ بن عماد الدين إسماعيل بن برهان الدين إبراهيم [بن «6» موسى] الفقيه المالكىّ، المعروف بابن الظريف في أربع عشر شهر جمادى الأولى. رحمه الله. وتوفّى الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الله بن محمد الزّركشى الحنبلىّ في رابع عشرين جمادى الأولى أيضا- رحمه الله تعالى- وكان من أعيان الفقهاء الحنابلة.

وتوفّى الأمير سيف الدين منكوتمر «1» بن عبد الله من عبد الغنى الأشرفى الدّوادار فى شهر جمادى الأولى وكان من خواصّ السلطان الأشرف شعبان ومن مماليكه. وتوفّى القاضى تاج الدين أبو عبد الله محمد بن البها المالكى المعروف بابن شاهد الجمالى- تغمده الله تعالى- كان فقيها وتولّى إفتاء دار العدل وشاهد الجيش وناظر البيمارستان «2» المنصورى ووكيل الخاصّ وتوجّه إلى الحجاز فمات في عوده بمنزلة العقبة «3» . وتوفّى الشيخ المعتقد الصالح صاحب الكرامات الخارقة أبو زكرياء يحيى بن على ابن يحيى المغربى الأصل الصّنافيرى الضرير المجذوب، قدم جدّه يحيى من الغرب ونزل عند الشيخ أبى العباس البصير بزاويته «4» بجوار باب الخرق وولد له على أبو يحيى هذا وكانت له أيضا كرامات، وقدم في التجريد وكان الغالب عليه الوله، وذكر له الموفّق «5» كرامات جمّة. ثم ولد له يحيى هذا صاحب الترجمة مكفوفا مجذوبا، إلا أنه له كلام خارق وأحوال عجيبة، وكان الغالب عليه الوله، كما كان أبوه، وكان لا يفيق من سكرته، لا يزال مغمورا في نشأته، لا يفرّق بين من هو

فى حضرته من سلطان ولا أمير ولا غنىّ ولا فقير، والناس كلّهم عنده سواء، وكان يقيم أوّلا بالقرافة عند ضريح «1» أبى العباس البصير، وبنى له هناك قبّة وجعل لها بابين: بابا ظاهرا وبابا في الأرض نازلا، وكان إذا أحسّ بالناس هرب من ذلك الباب الذي في الأرض، فلمّا كثر ترداد الناس إليه للزيارة من كلّ فجّ، صار يرجمهم بالحجارة، فلم يردّهم ذلك عنه رغبة في التماس بركته، ففرّ منهم وساح في الجبال مدّة طويلة. ثم نزل صنافير «2» بالقليوبية من قرى القاهرة، فكان كل يوم في أيام الشتاء يغطس في الماء البارد صبيحة نهاره وفي شدّة الحرّ يجلس عريانا مكشوف الرأس فى الشمس، وليس عليه سوى ما يستر عورته، فكان يقيم على سقيفة طابونة سوداء، أقام على ذلك ثلاث سنين، لا ينزل عنها وبنى له بعض الأمراء زاوية، فلم يسكنها ولا التفت اليها وكان الناس يتردّدون اليه فوجا فوجا ما بين قاض وعالم وأمير ورئيس وهو لا يلتفت إلى أحد منهم. ومن كراماته- نفعنا الله به- أنه أتى مرة بمنسف «3» خشب فيه طعام أرز، فقال لهم: سخّنوه، فلم يسعهم إلا موافقته، ووضعوا المنسف الخشب على النار، حتى اشتدّت سخونة الطعام ولم تؤثّر النار في الخشب، ثم عاد إلى القرافة فمات بها في يوم الأحد سابع عشرين شهر شعبان وصلّى عليه بمصلّاة «4» خولان فحرز عدّة من صلّى عليه من الناس، فكانوا زيادة على خمسين ألفا. والله أعلم. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وخمسة وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وأربعة أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 773

[ما وقع من الحوادث سنة 773] السنة التاسعة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر وهي سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة. فيها رسم السلطان الملك الأشرف للأشراف بسائر الأقطار أن يسموا عمائمهم بعلائم خضر، وقد تقدّم ذكر ذلك كلّه في ترجمة الأشرف. والله أعلم. وفيها توفّى القاضى كمال الدين أبو الغيث محمد ابن القاضى تقىّ الدين عبد الله ابن قاضى القضاة نور الدين أبى عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن [عبد الخالق «1» بن] عبد القادر الأنصارىّ الدمشقىّ الشافعىّ الشهير بابن الصائغ بدمشق عن بضع وأربعين سنة. رحمه الله. وكان ولى قضاء حلب مرتين ثم ولى قضاء حمص، ثم عاد إلى دمشق، وبها كانت وفاته. وتوفّى الشيخ العالم العلّامة قاضى القضاة «2» سراج الدين أبو حفص عمر ابن الشيخ نجم الدين إسحاق بن شهاب الدين أحمد الغزنوىّ الهندىّ الحنفىّ قاضى قضاة الديار المصرية بها في ليلة الخميس سابع شهر رجب، بعد أن ولى القضاء نحو خمس عشرة سنة- رحمه الله- وتولّى بعده القضاء صدر الدين «3» محمد بن جمال الدين التّركمانىّ؛ ومولد السراج هذا في سنة أربع أو خمس وسبعمائة تخمينا، وقدم القاهرة قبل سنة أربعين [وسبعمائة]- رحمه الله- وكان إماما عالما بارعا مفتنّا في الفقه والأصلين والنحو وعلمى المعانى والبيان وغيرهم، وناب في الحكم بالقاهرة وتصدّى للإفتاء والتدريس والإقراء سنين، ثمّ تولّى عدّة وظائف دينيّة، وهو أحد من قام

مع ابن النقّاش في قضية الهرماس حتى وغّرا خاطر السلطان عليه ووقع له معه ما وقع. وكان السراج- رحمه الله تعالى- إماما مصنّفا: منها «شرح المغنى» فى مجلدين و «شرح البديع» لابن السّاعاتىّ وغير ذلك، وقد ذكرنا من علوّ همّته وغزير فضله فى «المنهل الصافى» نبذة كبيرة جيّدة تنظر هناك. وتوفّى الشيخ الأديب أبو زكرياء يحيى بن محمد بن زكرياء بن محمد بن يحيى العامرىّ الحموىّ الشهير بالخبّاز بدمشق وهو من أبناء الثمانين وكان بارعا فى النّظم، نظم سائر فنون الأدب وكان فيه تشبّع كبير ومن شعره: [الوافر] بعيشك هاتها صفراء صرفا ... صباحا واطّرح قول النّصوح فإنّ الشّمس قد بزغت «1» بعين ... تغامزنا على شرب الصّبوح وله أيضا: [السريع] باكر عروس الرّوض واستجلها ... وطلّق الحزن «2» ثلاثا بتات بقهوة حلّت لنا كلّما ... حلّت لآلى القطر جيد النبات وتوفّى العلّامة «3» قاضى القضاة بهاء الدين أبو حامد أحمد ابن قاضى القضاة تقىّ الدين أبى الحسن علىّ ابن الشيخ زين الدين عبد الكافى بن علىّ بن تمّام بن يوسف ابن موسى بن تمام الأنصارىّ السّبكى الشافعىّ. بمكة المشرفة عن ست وخمسين سنة- رحمه الله- وكان إماما عالما بارعا فى عدّة من الفنون وسمع من الحفّاظ، وأخذ من والده وعن أبى حيّان «4» - وهو أسنّ من أخيه تاج الدين المقدّم ذكره-

ودرّس بقبّة الشافعىّ والجامع «1» الطولونىّ والمنصورية «2» والشّيخونية «3» ، وباشر قضاء العسكر وإفتاء دار العدل بمصر وخطب وألّف وصنّف وتولّى قضاء الشام عوضا عن أخيه تاج الدين وتولّى أخوه تاج الدين وظائفه بمصر، وقد تقدّم ذلك. ثم ترك قضاء دمشق عفّة ورجع إلى مصر يدرّس ويفتى ثم جاور بمكّة وبها مات- رحمه الله-. وتوفّى الأمير سيف الدين أيدمر بن عبد الله الشّيخى أحد أمراء الألوف بالديار المصريّة. ثم نائب حماة وكان من أعيان الأمراء، وقد تقدّم ذكره فى عدّة أماكن. وتوفّى الشيخ الفقير المعتقد عبد الله درويش- رحمه الله- فى سابع عشر «4» شهر رجب. وكان فقيرا مباركا وللناس فيه محبة واعتقاد حسن. وتوفّى الأديب الشاعر شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان بن شيخان «5» المعروف بابن المجد البكرى التّيمىّ القرشىّ البغدادىّ في عاشر شهر رمضان بمنية «6» ابن خصيب من صعيد مصر ومن شعره: [الوافر] أتى المحبوب في السّنجاب يسعى ... وطلعته لناظره تروق فتبصر طوقه السّنجاب سحبا ... وفيها من تبسّمه بروق أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم سبعة أذرع وخمسة وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا وأربعة أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 774

[ما وقع من الحوادث سنة 774] السنة العاشرة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر وهي سنة أربع وسبعين وسبعمائة. وفيها استقرّ الأمير ألجاى اليوسفىّ أتابك العساكر بديار مصر بعد موت منكلى بغا الشّمسى. وفيها توفّى الشيخ الإمام الحافظ المؤرّخ عماد الدين أبو الفداء إسماعيل ابن الخطيب شهاب الدين أبى حفص عمر بن كثير القرشىّ الشافعىّ صاحب «التاريخ» و «التفسير» فى يوم الخميس سادس عشرين شعبان بدمشق. ومولده بقرية شرقىّ بصرى «1» من أعمال دمشق في سنة إحدى وسبعمائة- رحمه الله تعالى- قال العبنىّ رحمه الله: كان قدوة العلماء والحفّاظ، وعمدة أهل المعانى والألفاظ. وسمع وجمع وصنّف ودرّس وحدّث وألّف. وكان له اطّلاع عظيم في الحديث والتفسير والتاريخ واشتهر بالضبط والتحرير، وانتهى إليه علم التاريخ والحديث والتفسير، وله مصنّفات عديدة مفيدة. انتهى كلام العينى- رحمه الله. قلت: ومن مصنّفاته «تفسير القرآن «2» الكريم» فى عشر مجلدات، وكتاب «طبقات الفقهاء» و «مناقب الإمام الشافعى» رضى الله عنه والتاريخ المسمّى «بالبداية والنّهاية» حذا فيه حذو ابن الأثير- رحمه الله- فى «الكامل» والتاريخ أيضا في عشرة مجلدات، وخرّج أحاديث «مختصر ابن الحاجب» وكتب

على «البخارى» ولم يكمّله- رحمه الله تعالى- ولما مات رثاه بعض طلبته رحمه الله بقوله: [الطويل] لفقدك طلّاب العلوم تأسّفوا ... وجادوا بدمع لا يبيد غزير ولو مزجوا ماء المدامع بالدّما ... لكان قليلا فيك يا ابن كثير وتوفّى الشيخ الحافظ تقىّ الدين محمد بن جمال الدين رافع بن هجرس بن محمد ابن شافع بن السّلّامىّ «1» المصرىّ الشافعىّ بدمشق عن ستين سنة، وكان- رحمه الله- إماما في الحديث، رحل البلاد وسمع بمصر والشام وحلب والحجاز وكتب لنفسه مشيخة و «ذيّل على تاريخ البخارى» رحمه الله. وتوفّى الأديب زين الدين أبو محمد عبد الرحمن بن الخضر بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن يوسف بن عثمان السّنجارىّ، قدم حلب وباشر بها توقيع الدّرج إلى أن مات بها عن نيّف وخمسين سنة. ومن شعره في مغنّ ورأيته لغيره: [الكامل] أضحى يخرّ لوجهه قمر السّما ... وغدا يلين لصوته الجلمود فإذا بدا فكأنّما هو يوسف ... وإذا شدا فكأنّه داود وتوفّى الأمير مظفّر الدين موسى ابن الحاج أرقطاى الناصرىّ نائب صفد بها، وتولّى عوضه نيابة صفد الأمير علم دار المحمدىّ، وكان مظفّر الدين من الأماثل، وله وجاهة في الدّول وثروة. وتوفّى الأمير الكبير سيف منكلى بغا بن عبد الله الشمسىّ أتابك العساكر بالديار المصرية بها في شهر جمادى الأولى عن بضع وخمسين سنة، كان من أجلّ الأمراء وأعظمهم حرمة وهيبة ووقارا، وكان فيه ديانة، وله معرفة بالأمور، وله اشتغال جيّد

فى علوم متعدّدة، ولى نيابة صفد وطرابلس وحلب ودمشق ثم أعيد إلى حلب لإصلاح البلاد الحلبيّة، فعاد إليها ومهّد أمورها، ثم طلبه الملك الأشرف إلى الديار المصرية وسأله أن يلى النيابة بها فامتنع من ذلك، فأخلع عليه باستقراره أتابك العساكر الديار المصرية وزوّجه الأشرف بأخته: «خوند سارة» فاستمرّ على ذلك إلى أن مات في التاريخ المذكور- رحمه الله-. وتوفّيت خوند بركة خاتون والدة السلطان الملك الأشرف هذا وزوجة الأمير ألجاى اليوسفى في شهر ذى القعدة، ودفنت بمدرستها «1» التى أنشأتها بخط «2» التّبّانة، وبسبب ميراثها كانت الوقعة بين ابنها الملك الأشرف وزوجها ألجاى اليوسفى، وقد تقدّم ذكر ذلك كلّه مفصّلا في أوائل هذه الترجمة، وكانت خيّرة ديّنة عفيفة جميلة الصورة. ماتت في أوائل الكهولية. رحمها الله تعالى. وتوفّى الشيخ الإمام العالم العلّامة ولىّ الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الملّوىّ «3» الدّيباجىّ الشافعىّ- رحمه الله- ذو الفنون بالقاهرة في ليلة الخميس خامس عشرين شهر ربيع الأوّل عن بضع وستين سنة. وكان من أعيان فقهاء الديار المصرية. وتوفّى الشيخ العارف بالله تعالى المعتقد المسلّك بهاء الدين محمد بن الكازرونىّ فى ليلة الأحد خامس شهر ذى الحجّة بزاويته «4» بالمشتهى بالرّوضة وكان- رحمه الله تعالى رجلا صالحا معتقدا وللناس فيه محبّة زائدة واعتقاد حسن.

ما وقع من الحوادث سنة 775

وتوفّى القاضى بدر الدين محمد بن محمد ابن العلامة شهاب الدين محمود بن سليمان ابن فهد الحلبىّ ثمّ الدّمشقى الحنبلىّ ناظر جيش حلب بها- رحمه الله- وكان رئيسا كاتبا فاضلا من بيت كتابة وفضل- رحمه الله تعالى- والله أعلم. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم لم يحرّر لأجل التحويل، حوّلت هذه السنة إلى سنة خمس وسبعين. [ما وقع من الحوادث سنة 775] السنة الحادية عشرة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر وهي سنة خمس وسبعين وسبعمائة. فيها كانت وقعة الملك الأشرف المذكور مع زوج أمّه الأتابك ألجاى اليوسفى وغرق ألجاى في بحر النيل حسب ما تقدّم ذكره. وفيها توفّى قاضى القضاة بدر الدين أبو إسحاق إبراهيم بن صدر الدين أحمد بن مجد الدين عيسى بن عمر بن خالد بن عبد المحسن المخزومىّ المصرىّ الشافعىّ الشهير بابن الخشّاب وهو في البحر المالح بالقرب من الأزلم «1» عائدا إلى الديار المصريّة وهو من أبناء الثمانين سنة- رحمه الله- وكان عالما مفتيا مدرّسا، شاع ذكره فى الأقطار وانتفع الناس بعلمه وولى نيابة الحكم بالقاهرة. وباشر قضاء حلب استقلالا. ثم ولى القضاء بالمدينة النبويّة وأراد التوجّه إلى نحو مصر فأدركته المنيّة فى طريقه- رحمه الله-. وتوفّى الشيخ الإمام العالم العلّامة أرشد الدين أبو الثناء محمود بن قطلوشاه السّرائىّ الحنفىّ بالقاهرة في جمادى الآخرة عن نيّف وثمانين سنة- رحمه الله

تعالى- وكان بحرا في العلوم لا سيّما العلوم العقلية والأدبية، وأقام بالقاهرة سنين كثيرة يشتغل ويقرئ، وانتفع به عامّة الطلبة من كلّ مذهب، وتولّى مشيخة الصّرغتمشيّة «1» بعد وفاة الشيخ العلّامة قوام الدّين أمير كاتب الإتقانىّ فباشر تدريسها إلى أن مات في التاريخ المذكور. وتوفّى الأمير سيف الدين طيبغا بن عبد الله الفقيه الحنفىّ أحد أمراء العشرات بالديار المصرية بالقاهرة وقد ناهز الستين سنة، وكان فقيها مستحضرا لفروع مذهبه ويشارك في فنون كثيرة- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين تمرقيا بن عبد الله العمرىّ الجوكندار، أحد أمراء الطبلخانات بالديار المصرية وسنّه نحو الخمسين سنة وهو خشداش يلبغا العمرىّ الخاصّكى. وتمرقيا باللغة التركية: جبل حديد، فتمر هو الحديد وقيا بفتح القاف هو الصخر العظيم. وتوفّى الأمير سيف الدين تلكتمر بن عبد الله الجمالىّ، أحد أمراء الطبلخانات بالقاهرة، مات بمنزلة «2» قاقون من طريق الشام في شهر ذى الحجة، كان الملك الأشرف أرسله في مهمّ. وتوفّى الأمير سيف الدين آل ملك بن عبد الله الصرغتمشى أحد أمراء الطبلخانات بالقاهرة وكاشف الوجه البحرى ونقيب الجيوش المنصورة في شهر شوّال. وكان أصله من مماليك الأمير صرغتمش الناصرىّ صاحب المدرسة بالصليبة المقدّم ذكره. وكلّ من نذكره في هذه السنين بالصرغتمشى فهو منسوب إليه، ولا حاجة للتعريف به بعد ذلك.

وتوفّى الأمير سيف الدين آقبغا بن عبد الله من مصطفى اليلبغاوىّ، أحد أمراء الطبلخانات بالديار المصرية وهو مجرّد بالإسكندرية وهو ممن قام على أستاذه يلبغا. وتوفّى الأمير سيف الدين أرغون بن عبد الله الأحمدىّ أحد مقدّمىّ الألوف بالديار المصرية ولالا الملك الأشرف شعبان صاحب الترجمة وكان معظما في الدول وله همة ومعرفة وشجاعة وحرمة وافرة في الدولة الأشرفية. وقد مرّ ذكره في عدّة حكايات، ولمّا ثقل على الملك الأشرف أخرجه إلى نيابة الإسكندرية فمات بها فى خامس عشر ذى القعدة. وتوفّى الشيخ نور الدين علىّ بن الحسن بن علىّ الإسنائىّ الشافعىّ أخو الشيخ جمال الدين عبد الرحيم المتقدّم ذكره، مات في شهر رجب- رحمه الله تعالى-. وتوفّى القاضى شمس الدين شاكر القبطىّ المصرىّ المعروف بابن البقرىّ ناظر الذخيرة وصاحب المدرسة «1» البقريّة بالقاهرة في ثالث عشر شوّال وكان معدودا من رؤساء الأقباط.

وتوفّى الأمير سيف الدين بيبغا بن عبد الله المعروف بحارس طير، أحد أمراء الطبلخانات، وهو غير بيبغا ططر حارس طير الذي ولى نيابة السلطنة في سلطنة الملك حسن. وتوفّى الأمير علاء الدين ألطنبغا بن عبد الله الماردينىّ في ثانى جمادى الآخرة، وهو أيضا غير ألطنبغا الماردينىّ الناصرىّ صاحب الجامع، وقد تقدّم ذكر هذاك فى محلّه. وتوفّى الأمير سيف الدين آروس بن عبد الله المحمودىّ أحد أمراء الألوف بالقاهرة، وزوج بنت الأمير منجك اليوسفىّ في ذى القعدة، وكان أصله من مماليك الناصر محمد، وترقّى في الدول إلى أن صار أمير مائة ومقدّم ألف، ثم ولى الحجوبية، ثم أمير جاندار، ثم ولى الأستدارية العالية مدّة طويلة. ووقع له أمور وحوادث، وأخرج إلى الشام. ثم قدم إلى مصر صحبة حميه منجك اليوسفىّ، فأقام بها إلى أن مات. وتوفّى الأمير الكبير سيف الدين ألجاى اليوسفىّ أحد مماليك الملك الناصر حسن غريقا بالنيل بساحل الخرقانية «1» ، بعد وقعة كانت بينه وبين الملك الأشرف شعبان حسب ما ذكرناه أنه انكسر في الآخر وتوجّه إلى الجهة المذكورة واقتحم البحر بفرسه، فغرق في يوم الجمعة تاسع المحرّم، ودفن بمدرسته بسويقة «2» العزّىّ خارج القاهرة. وكان من أجلّ الأمراء شجاعة وكرما وهمّة وسؤددا، وقد تقدّم ذكره فى عدّة تراجم من هذا الكتاب. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وعشرة أصابع. مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا وتسعة عشر إصبعا وهي سنة الشراقى العظيم.

ما وقع من الحوادث سنة 776

[ما وقع من الحوادث سنة 776] السنة الثانية عشرة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين بن على مصر وهي سنة ست وسبعين وسبعمائة. وفيها كان ابتداء الغلاء العظيم بسائر البلاد. وفيها فتحت سيس «1» على يد نائب حلب الأمير إشقتمر الماردينى، وقد تقدّم ذكر ذلك كلّه في أصل الترجمة. وفيها توفّى العلّامة قاضى «2» القضاة صدر الدين أبو عبد الله محمد ابن العلّامة قاضى القضاة جمال الدين عبد الله ابن قاضى القضاة علاء الدين علىّ بن عثمان بن الماردينى الحنفىّ الشهير بابن التّركمانىّ، قاضى قضاة الديار المصرية بها في ليلة الجمعة ثالث ذى القعدة عن نحو أربعين سنة، بعد أن باشر ثلاث سنين وأشهرا، وكان سلك فى العدل طريقة أبيه وجدّه، وكان عالما بارعا ذكيّا فهما عفيفا. وله نظم ونثر، ومن شعره وقد حصل له رمد: [الوافر] أفرّ إلى الظلام بكلّ جهدى ... كأنّ النور يطلبنى بدين وما للنور من ظلّ وإنّى ... أراه حقيقة مطلوب عينى وقد تقدّم ذكر أبيه وجدّه كلّ واحد منهما في محلّه. وتوفّى «3» قاضى القضاة شرف الدين أبو العباس أحمد بن الحسين بن سليمان بن فزارة الكفرى (بفتح الكاف) الحنفىّ بدمشق، بعد أن كفّ بصره عن خمس وثمانين سنة. وكان من العلماء الأعلام، ماهرا في مذهبه، أفتى ودرّس وأفاد وأتقن

روايات القرّاء السبعة وناب في الحكم بدمشق مدّة من الزمان. ثم استقلّ بالوظيفة مدّة طويلة ثم تركها لولده متنزّها عن ذلك ولزم العبادة إلى أن مات. وتوفّى الشيخ الإمام العالم العلّامة جمال الدين أبو عبد الله محمد بن الحسن بن محمد بن عمّار الحارثى «1» الدّمشقىّ الشافعىّ الشهير بابن قاضى الزّبدانىّ بدمشق عن سبع وثمانين سنة، وقد انتهت إليه رياسة الفتوى بالشام في زمانه، ودرّس بظاهرية «2» دمشق وعادليتها «3» الصغرى وكتب وصنّف. وتوفّى الشيخ أمين الدين أبو عبد الله محمد ابن القاضى برهان الدين إبراهيم بن علىّ بن أحمد بن علىّ بن يوسف بن إبراهيم الدمشقىّ الحنفىّ الشهير بابن عبد الحق درّس بدمشق بعدّة مدارس وباشر بها الوظائف الجليلة وكان معدودا من أعيان أهل دمشق إلى أن مات بها عن بضع وستين سنة. وتوفّى الشيخ الإمام العلّامة الأديب المفتن شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يحيى بن أبى بكر بن عبد الواحد التّلمسانىّ المغربىّ الحنفىّ الشهير بابن أبى حجلة نزيل الديار المصرية بها في يوم الخميس مستهلّ ذى الحجّة عن إحدى وخمسين سنة. ومولده بالمغرب بزاوية جدّه أبى حجلة عبد الواحد، ثم رحل إلى الشام ثم استوطن مصر وولى مشيخة خانقاه منجك اليوسفىّ إلى أن مات. وكان إماما بارعا فاضلا ناظما ناثرا، وله مصنّفات كثيرة تبلغ ستين مصنّفا- رحمه الله- ومن شعره في مليح له خال على خدّه: [البسيط]

تفرّد الخال عن شعر بوجنته ... فليس في الخدّ غير الخال والخفر يا حسن ذاك محيّا ليس فيه سوى ... خال من المسك في خال من الشّعر وله: [السريع] وعاذل بالغ في عذله ... وقال لمّا هاج بلبالى بعارض المحبوب ما تنتهى ... قلت ولا بالسّيف «1» والوالى وله مضمّنا وهو أحسن قوله في المعنى: [الكامل] يا صاح قد حضر الشّراب وبغيتى ... وحظيت بعد الهجر بالإيناس وكسا العذار الخدّ حسنا فاسقنى ... واجعل حديثك كلّه في الكاس وتوفّى الصاحب الوزير فخر الدين عبد الله بن تاج الدين موسى بن أبى شاكر بالقاهرة ودفن بالقرافة بتربته بجوار تربة قاضى القضاة شمس الدين الحريرى. وكان فى مبادئ أمره صاحب ديوان يلبغا العمرىّ ثم تولّى الوزر بعد موته ثلاث مرات وجمع في بعض الأحيان بين الوزارة ونظر الخاصّ معا كما كان ابن قروينة من قبله. وكان حسن السّيرة مليح الشكل بشوشا متواضعا، ليّن الجانب، قليل الأذى محببّا للناس. وتوفّى التاجر ناصر الدين محمد بن مسلّم الكارمىّ «2» المصرىّ في يوم الجمعة ثانى عشر شوّال. وقد خلّف اموالا كثيرة من المتجر وعمل الكيميا بحيث إنه لم يكن أحد من أهل عصره أكثر مالا منه.

وتوفّى القان «1» أويس ابن الشيخ حسن بن حسين بن اقبغا «2» بن أيلكان صاحب تبريز «3» وبغداد وما والاهما. وفي موتته غريبة وهي أنه رأى في منامه قبل موته أنه يموت في يوم كذا وكذا، فخلع نفسه من الملك وولّى عوضه ولده الكبير الشيخ حسين بن أويس واعتزل هو عن الملك وصار يتعبّد ويكثر من الصلاة والصدقة والبرّ إلى الوقت الذي عيّنه لهم أنه يموت فيه فمات فيه. وكان ملكا حازما عادلا ذا شهامة وصرامة، قليل الشرّ كثير الخير محبّبا للفقراء والعلماء، وكان مع هذا فيه شجاعة وكرم ومات في عنفوان شبيبته وكان تسلطن بعد أبيه فمكث في الملك تسعة عشر سنة ومات بتبريز عن نيّف وثلاثين سنة. وتوفّى الأمير الكبير سيف الدين منجك بن عبد الله اليوسفى الناصرى أتابك العساكر ونائب السلطنة الشريفة بالديار المصرية بداره «4» من القاهرة بالقرب من سويقة العزّىّ الملاصقة لمدرسة السلطان حسن، بعد عصر يوم الخميس تاسع عشرين شهر ذى الحجة ودفن صبيحة يوم الجمعة بتربته «5» التى أنشأها عند

جامعه «1» وخانقاته، خارج باب الوزير بالقرب من قلعة الجبل. وكانت جنازته مشهودة وكان عمره يوم مات بضعا وستين سنة، وقد مرّ من ذكره ما يستغنى به عن التكرار هنا. وكان ابتداء أمره وظهور اسمه من سلطنة الملك الناصر أحمد ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون وهلمّ جرّا إلى يومنا هذا، حتى إنه لم يذكر سلطان بعد موت محمد بن قلاوون، إلا ومنجك هذا له فيه أمر وذكر وواقعة. وقد طالت أيامه في السعادة على أنه قاسى فيها خطوبا وأهوالا وأمسك وحبس ثم أطلق واختفى مدّة ثم ظهر وقد تكرر ذلك كلّه مفصلا في عدّة تراجم من سلاطين مصر. وأمّا ما عمّره من المساجد والجوامع والمآثر فقد ذكرنا ذلك كلّه في ترجمته «فى المنهل الصافى «2» والمستوفى بعد الوافى» فلينظر هناك. وتوفّى الأمير سيف الدين يلبغا بن عبد الله الناصرىّ حاجب الحجّاب بالديار المصرية وأحد أمراء الألوف بها، وكان من أماثل الأمراء وأعيان المماليك الناصرية، ترقّى بعد موت أستاذه الملك الناصر محمد وولى عدّة وظائف أعظمها حجوبيّة الحجّاب. وتوفّى الأمير سيف الدين أيدمر بن عبد الله الناصرىّ الدّوادار بالقاهرة عن نيّف وستين سنة، وكان أميرا عالى القدر ظاهر الحشمة وافر المهابة حسن السياسة والتدبير، يبدأ الناس بالسلام ويكثر من ذلك، حتى إنه لمّا ولى نيابة حلب لقّبه أهلها «بسلام عليكم» وكان أوّلا أمير مائة ومقدّم ألف بديار مصر. ثم ولى نيابة طرابلس ثم نيابة حلب ثم عزل وطلب إلى ديار مصر واستقرّ بها أمير مائة ومقدّم ألف أيضا إلى أن مات وهو أجل أمراء عصره.

وتوفّى الأمير الطواشى سابق الدين مثقال بن عبد الله الحبشى الآنوكىّ مقدّم المماليك السلطانية وأحد أمراء الطبلخانات، وكان أصله من خدّام سيدى آنوك ابن الملك الناصر محمد وترقّى إلى أن ولى تقدمة المماليك السلطانية وهو الذي ضربه يلبغا العمرى داخل القصر ستمائة عصاة ونفاه إلى أسوان «1» وولّى مكانه مختار الدمنهورىّ شاذروان، فلما قتل يلبغا أعاده الملك الأشرف هذا إلى رتبته ووظيفته تقدمة المماليك السلطانية إلى أن مات وولى التّقدمة بعده مختار الدمنهورىّ شاذروان المقدّم ذكره ثانيا، وأظن مثقالا هذا هو صاحب المدرسة «2» السابقيّة داخل بين القصرين من القاهرة. والله أعلم. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع واثنا عشر إصبعا. مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وخمسة أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 777

[ما وقع من الحوادث سنة 777] السنة الثالثة عشرة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر وهي سنة سبع وسبعين وسبعمائة. فيها كان الغلاء المفرط بالبلاد الشامية حتى أكل الناس الميتات والكلاب والقطط. وفيها توفّى الشيخ الإمام العالم العلّامة قاضى القضاة برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم ابن القاضى علم الدين محمد بن أبى بكر بن عيسى بن «1» بدران الهيدبانى السعدى الإخنائى المالكى قاضى قضاة الديار المصرية بها في يوم الأربعاء ثالث شهر رجب بعد أن مكث في القضاء خمس عشرة سنة وكان- رحمه الله- من أعيان الفقهاء المالكية. وتوفّى الشيخ الإمام العالم العلّامة قاضى القضاة بهاء الدين أبو البقاء محمد ابن قاضى القضاة سديد الدين عبد البر بن صدر الدين يحيى السّبكىّ الأنصارىّ الشافعىّ- رحمه الله تعالى- قاضى القضاة بالديار المصرية ثم بدمشق المحروسة فى شهر ربيع الأوّل. ومولده في سنة سبع وسبعمائة. وكان إمام وقته وعالم زمانه، روى البخارى عن الوزيرة والحجّار وتولّى القضاء بدمشق ثم بمصر ثم عزل وعاد إلى قضاء دمشق إلى أن مات- رحمه الله- بعد أن أفتى ودرّس وكتب وألّف ونظم ونثر. ومن شعره- رحمه الله تعالى-. [الكامل]

ودّعته ولثمت باسم ثغره ... مع خدّه وضممت مائس قدّه ثمّ انتبهت ومقلتى تبكى دما ... يا ربّ لا تجعله آخر عهده قلت: ويعجبنى في هذا المعنى قول الأديب المفتنّ علاء الدين علىّ كاتب «1» ابن وداعة. [مخلّع البسيط] إذا رأيت الوداع فاصبر ... ولا يهمّنّك البعاد وانتظر العود عن قريب ... فإنّ قلب الوداع عادوا وتوفّى القاضى شهاب الدين أبو العباس أحمد ابن القاضى علاء الدين على ابن القاضى محيى الدين يحيى بن فضل الله بن المجلى بن دعجان، ينتهى نسبه الى الإمام عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- مات بدمشق ودفن بسفح قاسيون عن نيف وثلاثين سنة بعد أن باشر نيابة كتابة سر مصر عن والده. وكان إماما بليغا كاتبا ناظما ناثرا أخذ العربية عن الشيخ كمال «2» الدين بن قاضى شهبة ثم عن قاضى القضاة شمس الدين «3» محمد بن مسلّم- رحمهم الله تعالى- وتوجّه القاضى شهاب الدين المذكور إلى دمشق واستوطنها إلى أن مات. وشهاب الدين هذا سمى على اسم عمّه شهاب الدين أحمد صاحب «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار» وقد مرّ ذكره وذكر جماعة من آبائه وأقاربه.

وتوفّى الشيخ المعتقد أحمد بن مسعود المجذوب ودفن بالقرافة بالقرب من قبّة الإمام الشافعىّ- رضى الله عنه- وكان يجلس في المريس «1» دائما وللناس فيه اعتقاد. وتوفّى الإمام العالم العلّامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن على الشهير بابن الصائغ الحنفىّ- رحمه الله- فى يوم الثلاثاء ثانى عشر شهر شعبان، وكان إماما في القراءات وسمع الحديث وأخذ النحو عن أبى حيّان وبرع في الفقه وأعاد ودرّس وأفاد وأفتى وبرع في النحو والأدب ودرّس بجامع «2» ابن طولون بالقاهرة وتولّى قضاء العسكر بمصر وكان أديبا لطيفا ظريفا بارعا في النظم ومن شعره: [الطويل] بروحى أفدى خاله فوق خدّه ... ومن أنا في الدنيا فأفديه بالمال تبارك من أخلى من الشّعر خدّه ... وأسكن كلّ الحسن في ذلك الخال وله عفا الله عنه: [الرجز] قاس الورّى وجه حبيبى بالقمر ... لجامع بينهما وهو الخفر قلت القياس باطل بفرقه ... وبعد ذا عندى في الوجه نظر

وله: [السريع] وشادن ظلّت عيون الرّبا ... لمّا رأته مقبلا ساجده سألته من ريقه شربة ... فقال ذى مسألة بارده وتوفّى السيّد الشريف عزّ الدّين عجلان بن رميثة بن أبى نمىّ محمد بن أبى سعد «1» حسن بن على بن قتادة بن إدريس المكىّ الحسنىّ أمير مكة. وكان قبل موته نزل لولده السيّد الشريف أحمد بن عجلان عن نصف إمرة مكة التي كانت بيده، فإنه كان قبل ذلك نزل له عن النّصف الأوّل قديما وكان ولى إمرة مكة غير مرة نحو ثلاثين سنة مستقلا بها مدّة وشريكا لأخيه ثقبة «2» مدّة وشريكا لابنه أحمد هذا مدّة. وكانت وفاته في ليلة الاثنين الحادى عشر من شهر جمادى الأولى ودفن بالمعلاة- رحمه الله- وقد قارب السبعين سنة من العمر، وكان ذا عقل ودهاء ومعرفة بالأمور وسياسة حسنة. وكان بخلاف آبائه وأقاربه يحبّ أهل السّنّة وينصرهم على الشّيعة وربما كان يذكر أنه شافعىّ المذهب، وهذا نادرة في السادة الأشراف، فإنّ غالبهم زيديّة يتجاهرون بذلك. قيل: إنه ذكر عنده مرة معاوية بن أبى سفيان لينظروا رأيه فيه، فقال عجلان: معاوية شيخ من كبار قريش لاح له الملك فتلقّفه. قلت: لو لم يكن من محاسنه إلا اتباعه للسّنة النبوية لكفاه ذلك شرفا. وكان ممدوحا، مدحه النّشو أحد شعراء مكة بقصيدة طنّانة أوّلها: [الكامل]

لولا الغرام ووجده ونحو له ... ما كنت ترحمه وأنت عدو له إن كنت تنكره فسل عن حاله ... فالحبّ داء لا يفيق عليله يا من يلوم على الهوى أهل الهوى ... دع لومهم فالصبر مات جميله وتوفّى الأمير سيف الدين أسنبغا بن بكتمر الأبوبكريّ في يوم الأربعاء خامس المحرّم وكان من عظماء أمراء الديار المصرية، كان خصيصا عند الملك الناصر محمد ابن قلاوون وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه. ثم ترقى بعد موته حتى ولى الأمير آخورية الكبرى للسلطان حسن. ثم للاشرف. ثم ولى نيابة الإسكندرية. ثم نيابة حلب. ثم حجوبيّة الحجّاب بديار مصر وطالت أيامه في السعادة وأظنّه صاحب الأبوبكريّة «1» داخل القاهرة. والله أعلم. وتوفّى الشيخ الإمام المعتقد العالم العلّامة جمال الدين عبد الله بن محمد بن أبى بكر بن خليل بن إبراهيم بن يحيى بن أبى عبد الله بن يحيى بن إبراهيم بن سعيد بن طلحة بن موسى بن إسحاق بن عبد الله بن محمد بن أبان بن عثمان بن عفّان- رضى الله عنه- فى يوم الأحد ثالث شهر جمادى الأولى بخلوته بسطح جامع

الحاكم «1» . وكانت جنازته مشهودة جدّا، اجتمع فيها خلائق لا تحصى- رحمه الله- ومولده في سنة أربع وتسعين وستمائة. وكان فقيها شافعيّا صاحب فنون وعلوم. وتوفّى الأمير ناصر الدين محمد ابن الأمير قيران الحسامىّ، كان أحد أمراء الطبلخانات بالديار المصريّة- رحمه الله تعالى- وكان كريما شجاعا مقداما وله وجاهة في الدّول وحرمة وافرة. وتوفّى تاج الدين أبو غالب الكلبشاوى «2» الأسلمىّ القبطىّ ناظر الذّخيرة فى نصف شهر شوّال وإليه تنسب المدرسة المعروفة بمدرسة «3» أبى غالب تجاه باب

الخوخة ظاهر القاهرة «1» . وتوفى شيخ الكتّاب غازى بن قطلوبغا التركى في شهر رجب، وقد انتهت إليه الرياسة في الخط المنسوب وتصدّر للإفادة سنين عديدة وانتشر خطه في الآفاق. وتوفّى الشيخ نور الدين علىّ بن محمد بن محمد بن علىّ بن أحمد الكنانىّ العسقلانىّ الشافعىّ الشهير بابن حجر والد الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر في يوم الأربعاء عاشر شهر رجب، وكان تاجرا بمدينة مصر القديمة، وتفقّه على مذهب الإمام الشافعىّ

ما وقع من الحوادث سنة 778

- رضى الله عنه- وحفظ الحاوى «1» وأخذ الفقه عن بهاء الدين محمد بن عقيل- رحمه الله- وقال الشعر، ومن شعره يشير إلى المتجر: [المجتث] إسكندريّة كم ذا ... يسمو قماشك عزّا فطمت نفسى عنها ... فلست أطلب بزّا وله أيضا: [الكامل] يا ربّ أعضاء السّجود عتقتها ... من فضلك الوافى وأنت الواقى والعتق يشرى بالغنى ياذا الغنى ... فامنن على الفانى بعتق الباقى أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وأربعة أصابع. مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وثلاثة عشر إصبعا. والله أعلم. [ما وقع من الحوادث سنة 778] السنة الرابعة عشرة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر وهي سنة ثمان وسبعين وسبعمائة وهي التي قتل فيها في ذى القعدة. فيها توفّى القاضى محبّ الدين أبو عبد الله محمد ابن القاضى نجم الدين أبى المحاسن يوسف بن أحمد بن عبد الدائم التّميمىّ المصرىّ ناظر الجيوش المنصورة بالديار المصرية بها في يوم الثلاثاء ثانى عشر شهر ذى الحجة عن إحدى وثمانين سنة. وكان فى ابتداء أمره تولّى ديوان چنكلى بن البابا ثم خدم عند الأمير منكلى الفخرىّ فكتب إليه الشيخ صلاح الدين الصّفدىّ يقول: [السريع] من چنكلى صرت الى منكلى ... فكلّ خير أرتجى منك لى وأنت لى كهف وما مقصدى ... من هذه الدنيا سوى أنت لى

وكان القاضى محبّ الدين المذكور رجلا صالحا فاضلا وله سماع عال وله مصنّفات- رحمه الله- منها «شرح التسهيل» [فى النحو «1» ] فى أربعة مجلدات و «شرح التلخيص في المعانى والبيان» وغير ذلك. وتوفّى الشيخ الإمام العالم العلّامة تقىّ الدين أبو الفداء إسماعيل بن نور الدين علىّ بن الحسن «2» القلقشندىّ الشافعىّ المصرىّ مفتى المسلمين بالقدس الشريف عن نحو سبعين سنة وكان فقيها برع في عدّة علوم وأفتى ودرّس واستقل. رحمه الله. وتوفّى الشيخ المسند المعمّر الرّحلة أبو حفص عمر بن الحسن بن مزيد «3» الشهير بابن أميلة المراغىّ الحلبى ثم الدمشقىّ بها عن ثمان وتسعين سنة، بعد أن صار رحلة زمانه وقصد من الأقطار للسماع عليه فسمع منه خلائق كثيرة. وتوفّى الشيخ الأديب جمال الدين أبو الربيع سليمان بن داود بن يعقوب المصرىّ ثم الحلبىّ بحلب، وقد قارب الخمسين سنة وكان معدودا من الكتّاب الأدباء الفضلاء، ومن شعره: [الطويل] رياض جرت بالظّلم عادات ريحها ... وسار بغير العدل في الحكم سيرها ففرّقت «4» الاغصان عند اعتناقها ... وسلسلت الانهار إذ جنّ طيرها

وتوفّى الأمير سيف الدين يعقوب شاه بن عبد الله الحاجب الثانى وأحد مقدّمى الألوف بالديار المصرية، وكان ممن قام مع الملك الأشرف في واقعة أسندمر وأظهر شجاعة عظيمة، فقرّبه السلطان الملك الأشرف من ثمّ ورقّاه وأنعم عليه، حتى جعله من جملة الأمراء الألوف بالديار المصرية إلى أن مات- رحمه الله تعالى-. وتوفّى السلطان الملك الأفضل عباس ابن الملك المجاهد علىّ ابن الملك المؤيّد داود ابن الملك المظفّر يوسف بن عمر [بن على «1» ] بن رسول التّركمانىّ الأصل اليمنىّ صاحب اليمن وابن صاحبها- رحمه الله تعالى- فى شعبان، وتسلطن بعده ولده السلطان الملك الأشرف إسماعيل، وكان الملك الأفضل ولى السلطنة بعد موت أبيه المجاهد فى شهر جمادى الأولى سنة أربع وستين وسبعمائة. ولمّا ولى اليمن خرج في أيامه ابن ميكائيل فوقع له معه وقائع، حتى أباده الأفضل وزالت دولة ابن ميكائيل في أيامه. وكان الأفضل- رحمه الله- شجاعا مهابا كريما وله إلمام بالعلوم والفضائل ومشاركة جيّدة في عدّة علوم وتصانيف منها: «كتاب العطايا «2» السنية في ذكر أعيان اليمنية» و «كتاب نزهة «3» العيون في تاريخ طوائف القرون» و «مختصر تاريخ ابن خلّكان» و «كتاب بغية ذوى الهمم في أنساب العرب والعجم» وكتاب آخر «فى الألغاز الفقهية» وغير ذلك. وكان فيه برّ وصدقة وله مآثر حسنة- رحمه الله تعالى-

بنى مدرسة عظيمة بتعزّ وله أيضا بمكة مدرسة «1» معروفة به بالصفا. وقيل: إن هذه التصانيف المذكورة إنما هي لقاضى تعز رضىّ الدين أبى بكر بن محمد بن يوسف الجرائى الصبرىّ «2» [الناشرى]- رحمه الله- عمل ذلك على لسان الأفضل- والله أعلم-. وتوفّى الأمير سيف الدين جركتمر بن عبد الله الخاصّكى الأشرفىّ أحد مقدّمى الألوف بالقاهرة مقتولا في هذه السنة وكان من خواصّ الملك الأشرف هذا ومن أجلّ مماليكه. وتوفّى السلطان الملك المظفّر فخر الدين داود ابن الملك الصالح صالح ابن الملك المنصور غازى بن ألبى بن تمرتاش بن إيل غازى بن أرتق الأرتقىّ صاحب ماردين وابن صاحبها بماردين في هذه السنة، بعد أن حكمها نحو عشرين سنة وتولّى سلطنة ماردين من بعده ابنه الملك الظاهر مجد الدين عيسى الآتى ذكره في محلّه- إن شاء الله تعالى- وكان الملك المظفر هذا ولى ملك ماردين بعد ابن أخيه الملك الصالح محمود الذي أقام في سلطنة ماردين أربعة أشهر عوضا عن والده الملك المنصور أحمد ابن الملك الصالح صالح وخلع وتسلطن الملك المظفر هذا فأظهر العدل واقتفى أثر والده الملك الصالح في الإحسان إلى الرعية وإصلاح الأمور إلى أن مات- رحمه الله-.

وتوفّى في هذه السنة جماعة كبيرة من الأمراء الأشرفية ممن مرّ ذكرهم في أواخر ترجمة الملك الأشرف، قتلوا بالسيف عند كسرة الأشرف من العقبة «1» ، وهم: الأمير «2» سيف الدين أرغون شاه بن عبد الله الجمالىّ الأشرفى أحد مقدّمى الألوف بالديار المصرية وأجلّ أمراء الأشرف، بعد أن قدم معه من العقبة والأمير سيف الدين صرغتمش بن عبد الله الأشرفىّ رأس نوبة في النّوب وأحد مقدّمى الألوف أيضا بالديار المصرية والأمير سيف الدين يلبغا بن عبد الله السابقىّ الأشرفى أحد مقدّمى الألوف أيضا والأمير سيف الدين بشتك بن عبد الله الأشرفىّ أحد مقدّمى الألوف أيضا وهو غير بشتك الناصرى صاحب القصر «3» والحمّام «4» والأمير سيف الدين أرغون ابن عبد الله العزّى الأشرفىّ الأفرم أحد مقدّمى الألوف أيضا وغيرهم من أمراء الطبلخانات والعشرات. وهؤلاء الذين ذكروا هم أعيان الأشرفية القادمون صحبة أستاذهم الملك الأشرف من العقبة إلى مصر، قتلوا الجميع في ساعة واحدة وأتوا برءوسهم من قبة النصر إلى الأمراء الذين ثاروا بالقاهرة وهم يقولون: «صلّوا على محمّد» ووضعوها بين يديهم. وقد تقدّم ذكر ذلك كلّه في أواخر ترجمة الملك الأشرف شعبان، وتأتى بقيّة ما وقع فى ترجمة الملك المنصور على ابن الملك الأشرف شعبان هذا. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستة أذرع واثنتا عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعا وإصبعان. والله أعلم.

ذكر سلطنة الملك المنصور على على مصر

ذكر سلطنة الملك المنصور علىّ على مصر السلطان الملك المنصور علاء الدين علىّ ابن السلطان الملك الأشرف زين الدّين شعبان ابن الأمير الملك الأمجد حسين ابن السلطان الملك الناصر محمد ابن السلطان الملك المنصور قلاوون الألفىّ الصالحىّ وهو السلطان الثالث والعشرون من ملوك الترك بالديار المصرية، تسلطن في حياة والده حسب ما تقدّم ذكره أنّ الأمير قرطاى وطشتمر اللّفاف وأينبك البدرىّ لمّا ثاروا بمن معهم بالدّيار المصرية، وطلعوا إلى القلعة وأخذوا أمير علىّ هذا من الدور السلطانية وسلطنوه في حياة والده أرادوا بذلك انضمام الناس عليهم فإنهم كانوا أشاعوا موت الملك الأشرف شعبان فى العقبة حتى تمّ لهم ما أرادوه وسلطنوا أمير علىّ هذا من غير حضور الخليفة والقضاة فإنهم كانوا صحبة السلطان الملك الأشرف بالعقبة فلمّا زالت دولة الملك الأشرف وقبض عليه وقتل ثم حضر الخليفة المتوكّل على الله أبو عبد الله محمد من العقبة وكان القضاة بالقدس الشريف توجّهوا إليه من العقبة بعد واقعة الملك الأشرف وهروبه الى مصر. فلما كان يوم الخميس ثامن «1» شهر ذى القعدة سنة ثمان وسبعين وسبعمائة وذلك بعد قتل الملك الأشرف شعبان بثلاثة أيام، اجتمع الأمراء القائمون بهذا الأمر بالقلعة واستدعوا الخليفة ومن كان بمصر من القضاة ونوّاب من هو غائب من القضاة بالقدس وحضر الأمير آقتمر الصاحبىّ نائب السلطنة بالديار المصرية وقعدوا الجميع بباب الآدر الشريفة من قلعة الجبل «2» وجدّدوا البيعة بالسلطنة للملك المنصور علىّ هذا بعد وفاة أبيه الملك الأشرف وقبل له البيعة آقتمر الصاحبىّ المذكور

ولبسوه السواد خلعة السلطنة وكانت فرجيّة حرير بنفسجىّ بطرز ذهب وبدائرها تركيبة زركش بحاشية حرير أزرق خطائى وشاش أسود خليفتى وقبعا أسود بعذبة خليفتيّا زركش. وركب بأبّهة السلطنة وشعار الملك من باب الستارة «1» والأمراء مشاة بين يديه إلى أن وصل إلى الإيوان «2» وجلس على تخت الملك في يوم الخميس المذكور وقبّلت الأمراء الأرض بين يديه وحلفوا له على العادة وأخلع على الخليفة وعلى الأمراء وعلى من له عادة بلبس الخلع ومدّ السّماط وكان عمر السلطان الملك المنصور يوم تسلطن نحو سبع سنين تخمينا. ثم قام الملك المنصور من الإيوان ودخل إلى القصر وأخلع على الأمير طشتمر اللفّاف [المحمدى «3» ] باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية وأنعم عليه بكل مال أرغون شاه الأشرفىّ بعد قتله، وخلع على الأمير قرطاى الطازىّ واستقرّ رأس نوبة كبيرا وأطابكا «4» وأنعم عليه بكل مال صرغتمش الأشرفىّ بعد قتله أيضا، ورسم لهما أيضا أن يجلسا بالإيوان في الميمنة، وخلع على أسندمر الصّرغتمشىّ واستقرّ أمير سلاح ورسم له أن يجلس في الميسرة، وخلع على قطلوبغا البدرىّ واستقرّ أمير مجلس وخلع على طشتمر «5» العلائى الدوادار واستقرّ في نيابة دمشق ورسم له أن يخرج من يومه وخلع على إياس الصرغتمشىّ واستقرّ دويدارا كبيرا عوضا عن طشتمر العلائىّ بإمرة طبلخاناه. ثم أنعم على أينبك البدرىّ واستقر أمير آخور كبيرا وبلاط السيفىّ ألجاى الصغير ودمراش اليوسفىّ واستقرّ رأس نوبة ثانيا- وهذه الوظيفة هي الآن

وظيفة رأس نوبة النّوب في زماننا هذا- ويلبغا النظامىّ وألطنبغا السلطانىّ، وكان الجميع أجنادا ماعدا أينبك البدرىّ فإنه كان أمير طبلخاناه وطشتمر اللفّاف فإنه كان أمير عشرة فانتقل للأتابكيّة دفعة واحدة وأنعم على جماعة بإمرة طبلخاناه، وهم: الأمير طغيتمر الناصرىّ وقطلوبغا البيسرىّ وبيخجا الكاملىّ وصربغا الناصرىّ وطولو الصّرغتمشىّ وأطلمش الأرغونىّ ومقبل الرومىّ وألجيبغا السيفىّ ألجاى وقطلوبغا النظامىّ وأحمد بن يحمر «1» التّركمانىّ وقطلوخجا أخو أينبك البدرىّ وتمربغا البدرىّ وألطنبغا المعلّم «2» وتلكتمر «3» بن عبد الله المنصورىّ وأسنبغا الصارمىّ وأطلمش الطازىّ وإبراهيم بن قطلقتمر العلائى وأرنبغا السيفىّ ألجيبغا وعلىّ بن آقتمر عبد الغنىّ وأسنبغا النظامىّ ومأمور القلمطاوىّ. وأنعم على جماعة بإمرة عشرات وهم: تكا الشمسىّ ومحمد بن قرطاى الطازىّ وخضر بن ألطنبغا السلطانى ومحمد بن شعبان بن يلبغا العمرىّ وأسنبغا المحمودىّ وطبج المحمدىّ وألطنبغا شادى وسودون العثمانىّ شادّ السلاح خاناه وتلكتمر المنجكىّ وآقبغا السيفىّ ألجاى وجركس السّيفىّ ألجاى وطقتمش السيفىّ يلبغا وطوغان العمرىّ الظهيرىّ وبكلمش الإبراهيمىّ ويلبغا العلائى دوادار أمير علىّ النائب ويوسف بن شادى أخو حاج ملك وخضر الرسولىّ وأسندمر الشرفىّ ومغلطاى الشرفىّ وخليل بن أسندمر العلائىّ ورمضان بن صرغتمش وحسن أخو قطلوبغا حاجّى أمير علم ومنكلى الشمسىّ وألجيبغا السيفىّ جنقرا. ثم رسم بالإفراج عن جماعة من السجن بقلعة الجبل في يوم السبت عاشر شهر ذى القعدة وهم: الأمير آقتمر عبد الغنى نائب السلطنة بديار مصر ونائب الشام كان

والأمير علم المحمدىّ وأيدمر الشمسىّ وسودون جركس المنجكىّ وطيبغا الصّفوىّ ألجاى «1» ومغلطاى البدرىّ الجمالىّ وصربغا السيفىّ وطشتمر الصالحىّ وبلاط الكبير السيفىّ ألجاى وحطط اليلبغاوىّ وإياس الماردينىّ وبلّوط الصرّغتمشىّ ويلبغا المنجكىّ وقرابغا أبو جركتمر «2» وحاجىّ خطاى والد غريب. ثم من الغد أمر بمسكهم ثانيا وتقييدهم وإرسالهم إلى سجن الإسكندرية فقبض عليهم وأرسلوا في تلك الليلة ما خلا آقتمر عبد الغنىّ وسودون المنجكىّ «3» . ثم في يوم الأحد ثامن عشر ذى القعدة قبضوا على جماعة من مباشرى الدولة وطلعوا بهم إلى القلعة وهم: الصاحب الوزير شمس الدين المقسى وتاج الدين موسى ناظر الخواصّ الشريفة وأمين الدّين وعلاء الدّين بن السائس وشهاب الدين ابن الطّولونى وأدخلوا قاعة الصاحب «4» وصودروا حتى قرّر عليهم ما يقومون به من الأموال ثم أفرج عنهم. ثم أحضر الأمير صلاح الدين خليل بن عرّام من الإسكندرية وصودر وقرّر عليه ألف ألف درهم ثم خلع عليه باستقراره في نيابة الإسكندرية على عادته. ثمّ مسكوا من الطواشية والخدّام جماعة كبيرة، وهم: مختصّ الأشرفىّ وجوهر الإسكندرىّ وسنبل رأس نوبة الجمدارية وأدخلوا قاعة الصاحب. ثم أصبحوا من الغد قبضوا على جماعة أخروهم: دينار اللّالا وشاهين دست وسنبل اللّفاف أحد الجمدارية وأدخلوا أيضا إلى قاعة الصاحب. ثم أصبحوا من الغد ورسموا لمثقال الجمالىّ الزّمام بحمل ثلاثمائة ألف درهم، ثم استقرّت مائة ألف درهم.

ثم في يوم الاثنين تاسع عشر ذى القعدة خلع على الأمير آقتمر «1» الصاحبىّ واستقرّ على نيابة السلطنة بالدّيار المصرية، كما كان في أيام الملك الأشرف شعبان، وفوّض إليه أن يخرج الإقطاعات للأمراء والأجناد والنوّاب وألّا يكون لأحد معه تحكّم وذلك بعد أن رضيت الأمراء والخاصّكية والبرّانيّون بذلك. ثم أخلع على الأمير أرغون الإسعردىّ بنيابة طرابلس عوضا عن الأمير منكلى «2» بغا الأحمدىّ البلدىّ. ثم أخلع على القاضى بدر الدين بن فضل الله كاتب السّر باستمراره على وظيفته. ثم أخلع على الصاحب تاج الدين المكّىّ بإعادته إلى الوزارة ثانية وهي وزارته الرابعة وأخلع على القاضى كريم الدين بن الرّويهب باستقراره ناظر الدولة واستقرّ القاضى تقىّ الدين عبد الرحمن ابن القاضى محب الدين محمد في نظر الجيوش المنصورة عوضا عن والده محبّ الدين المذكور بحكم وفاته. ثم شرع الأمراء في النفقة على المماليك السلطانية فأعطوا كلّ نفر عشرة آلاف درهم. وفي ثانى عشر شهر ذى الحجة قرئ تقليد السلطان الملك المنصور على بالإيوان من قلعة الجبل وعلّم عليه الخليفة المتوكّل على الله وشهدت عليه القضاة بتفويض السلطنة للملك المنصور وخلع على الخليفة وأنعم عليه بألف دينار وهي رسم المبايعة. ثم بعد أيام دخل أسندمر الصرغتمشىّ ودمرداش اليوسفىّ إلى الدّور السلطانيّة وفرّقوا جوارى الملك الأشرف شعبان على الأمراء. ثم استقرّ في خامس المحرّم من سنة تسع وسبعين وسبعمائة الأمير قرطاى الطازىّ أتابكا بعد موت طشتمر اللّفّاف وأخلع عليه بعد أيام بنظر البيمارستان «3»

المنصورىّ وأخلع على الأمير مبارك الطازىّ واستقرّ رأس نوبة كبيرا عوضا عن قرطاى المذكور. ثم بعد ذلك بمدّة يسيرة استقرّ الأمير أينبك البدرىّ الأمير آخور الكبير في نظر البيمارستان، عوضا عن قرطاى برغبة قرطاى عنه واستقرّ سودون جركس أستادارا. ثم في العشرين من المحرّم خلع على الأمير سودون الفخرىّ الشّيخونىّ وبلّوط الصرغتمشىّ واستقرّا حاجبين بالديار المصريّة. ثم في صفر حضر الأمير يلبغا الناصرىّ إلى القاهرة وكان قد نفى إلى بلاد الشام، بعد قتل السلطان الأشرف فأنعم عليه بإمرة طبلخاناه وكانوا أيضا قبل تاريخه قد عزلوا الأمير منكلى بغا الأحمدىّ عن نيابة طرابلس وتمرباى نائب صفد عن نيابة صفد فجاء الخبر بأنّ منكلى بغا حلّ سيفه وأطاع وأنّ تمرباى عصى وامتنع بصفد فخلع على الأمير أرغون الإسعردىّ ثانيا بنيابة طرابلس عوضا عن منكلى بغا المذكور وتولى نيابة حماة تمراز الطازىّ. ثم في هذه الأيام بدت الوحشة بين قرطاى الطازىّ الأتابك وبين صهره أينبك البدرىّ الأمير آخور الكبير في الباطن، كلّ ذلك في هذه المدّة اليسيرة وصار كلّ واحد يدبّر على الآخر مع أصحابه وحواشيه، فلمّا كان يوم الأحد العشرون من صفر عمل الأمير الأتابك قرطاى وليمة فأهدى له أينبك مشروبا يقال له الشّشش «1» وعمل فيه بنجا، فلمّا شربه قرطاى تبنّج، وكان لأينبك عند قرطاى عيون فأخبروه أنّه تبنّج فركب أينبك من وقته بالسلاح ومعه جماعة كبيرة ملبسين وأنزل السلطان الملك المنصور عليّا إلى الإسطبل السلطانىّ ودقّت الكوسات فجاءت الأمراء إلى السلطان وأقام أينبك راكبا من عصر يوم الأحد إلى صبيحة يوم الاثنين، وسببه أنه كان

عند قرطاى في بيته جماعة من الأمراء من أصحابه: منهم سودون جركس وأسندمر الصرغتمشىّ وقطلوبغا البدرىّ وقطلوبغا جركس وأمير سلاح ومبارك الطازىّ رأس نوبة كبير وجماعة أخر من أمراء الطبلخانات والعشرات فركبوا الجميع ومنعوا أينبك من الوصول إلى قرطاى وحموه إلى أن استفاق قرطاى من بنجه وقد ضعف أمر أصحابه وقوى أمر أينبك، فبعث قرطاى يسأل أينبك أن ينعم عليه بنيابة حلب ويرسل إليه منديل الأمان، فأجابه أينبك إلى ذلك فخرج قرطاى من وقته إلى سرياقوس «1» وقبض أينبك على من كان عند قرطاى من الأمراء فإنّهم كانوا قاتلوه وأبادوه من أخذ قرطاى وقيّدهم وأرسلهم إلى الإسكندرية «2» فسجنوا بها. ورسم للأمير آقتمر الصاحبىّ نائب السلطنة بمصر بنيابة دمشق عوضا عن طشتمر العلائىّ الدوادار فلبس آقتمر الخلعة وخرج من وقته ونودى بالقاهرة ومصر في الوقت بالأمان ومن كان له ظلامة، فعليه بباب المقرّ الأشرف العزىّ الأتابك أينبك البدرىّ وسافر قرطاى، فلمّا وصل إلى غزّة نفى إلى طرابلس. ثم حمل منها إلى المرقب «3» فحبس به ثم خنق بعد مدّة يسيرة وصفا الوقت لأينبك فأخلع السلطان عليه خلعة سنيّة في خامس عشرين شهر صفر باستقراره أتابك العساكر ومدبّر الممالك وخلع على الأمير آقتمر عبد الغنى واستقرّ نائب السلطنة بالديار المصريّة عوضا عن الأمير آقتمر الصاحبىّ المنتقل إلى نيابة دمشق وكلاهما قديم هجرة من أكابر الأمراء المشايخ. واستقرّ الأمير بهادر الجمالىّ أستادارا عوضا عن سودون جركس واستقرّ بلاط السيفى ألجاى أمير سلاح، عوضا عن قطلوبغا جركس واستقرّ ألطنبغا السلطانىّ أمير مجلس واستقرّ دمرداش اليوسفىّ رأس نوبة كبيرا.

وأنعم على يلبغا الناصرىّ بإمرة مائة وتقدمة ألف واستقرّ رأس نوبة ثانيا ويلبغا الناصرىّ هذا هو صاحب الوقعة المشهورة مع السلطان الملك الظاهر برقوق وإلى الآن برقوق لم يتأمّر عشرة. ثم أنعم على أطلمش الأرغونىّ بإمرة طبلخاناه واستقرّ دوادار كبيرا عوضا عن إياس الصرغتمشىّ وأخلع على قطلوخجا واستقرّ أمير آخور كبيرا عوضا عن أخيه أينبك البدرىّ وصار الأمر في المملكة لأينبك البدرىّ وحده من غير منازع وأخذ أينبك في المملكة وأعطى وحكم بما اختاره وأراده، فمن ذلك أنه في رابع شهر ربيع الأوّل رسم بنفى الخليفة المتوكّل على الله تعالى إلى مدينة قوص فخرج المتوكل على الله ثم شفع فيه فعاد إلى بيته ومن الغد طلب أينبك نجم الدين زكريا بن إبراهيم ابن الخليفة الحاكم بأمر الله وخلع عليه واستقرّ به في الخلافة عوضا عن المتوكّل على الله من غير مبايعة ولا خلع المتوكل من الخلافة نفسه، ولقّب زكرياء المذكور بالمعتصم بالله. ثم في العشرين من شهر ربيع الأوّل المذكور تكلّم الأمراء مع أينبك فيما فعله مع الخليفة ورغّبوه في إعادته فطلبه وأخلع عليه على عادته بالخلافة وعزل زكرياء. ومن الناس من لم يثبت خلافة زكريا المذكور، فإنّه لم يخلع المتوكل نفسه من الخلافة حتى يبايع زكريا المذكور. ثم بدا لأينبك أن يسكن جماعة من مماليكه بمدرسة السلطان «1» حسن وبمدرسة «2» الملك الأشرف شعبان ويجعل في كل مدرسة مائة مملوك. ثم أعطى أينبك لولديه تقدمتى ألف وهما الأمير أحمد وأبو بكر. ثم نفى أرغون العثمانىّ إلى الشام بطالا وخلع على مقبل الدوادار الطواشىّ الرومىّ واستقرّ زماما بالآدر الشريفة عوضا عن

مثقال الجمالىّ. ثم خلع على بهادر الجمالىّ الأستادار واستقرّ في نظر البيمارستان «1» المنصورىّ. وبينما أينبك في أمره ونهيه ورد عليه الخبر بعصيان نوّاب الشام ففى الحال علّق أينبك جاليش «2» السفر في تاسع عشر شهر ربيع الأوّل المذكور ورسم للعساكر بالتجهيز إلى سفر الشام وأسرع بالنفقة على العساكر وتجهّز في أسرع وقت وخرج الجاليش من القاهرة إلى الريدانية «3» فى سادس عشرين شهر ربيع الأوّل المذكور وهم خمسة من أمراء الألوف أوّلهم: قطلوخجا الأمير آخور الكبير أخو أينبك الأتابك وأحمد ولده ويلبغا الناصرىّ والأمير بلاط السيفىّ ألجاى وتمرباى الحسنىّ. ومن الطبلخانات بورى الأحمدىّ وآقبغا آص الشيخونىّ في آخرين ومائة مملوك من المماليك السلطانية ومائة مملوك من مماليك الأتابك أينبك. وفي تاسع عشرين شهر ربيع الأوّل المذكور من سنة تسع وسبعين وسبعمائة خرج طلب السلطان الملك المنصور وطلب الأتابك أينبك البدرىّ وأطلاب بقيّة العساكر من الأمراء وغيرهم إلى الرّيدانية فأقاموا بالريدانية إلى يوم السبت مستهلّ شهر ربيع الآخر استقلّوا بالمسير قاصدين البلاد الشامية، وساروا حتى وصلوا بلبيس «4» رجعوا على أعقابهم بالعساكر إلى جهة الديار المصرية. وخبر ذلك أن قطلوخجا أخا أينبك مقدّم الجاليش بلغه أن الجماعة الذين معه مخامرون وأنهم أرادوا أن يكبسوا عليه فاستقصّ الخبر حتّى تحقّقه فركب من وقته وساعته وهرب في الحال وهو في ثلاثة أنفس عائدا إلى أخيه أينبك فاجتمع به وعرّفه

الخبر ففى الحال أخذ أينبك السلطان ورجع به إلى نحو القاهرة حتّى وصلها في يوم الاثنين ثالث شهر ربيع الآخر وطلع به إلى قلعة الجبل وأنزل الأتابك أينبك السلطان الملك المنصور إلى الإسطبل السلطانىّ وجاءه بعض أمراء من أصحابه ثم أخذ أينبك فى إصلاح أمره وبينما هو في ذلك بلغه أن الأمير قطلقتمر العلائىّ الطويل والأمير ألطنبغا السلطانىّ وكانا رجعا معه من بلبيس، ركبا بجماعتهما في نصف الليل ومعهما عدّة من الأمراء وسائر المماليك السلطانية وخرج الجميع إلى قبّة النصر «1» موافقة لمن كان من الأمراء بالجاليش المقدّم ذكره، فجهز أينبك الأمير قطلوخجا في مائتى مملوك لقتال هؤلاء، فخرج بهم قطلوخجا إلى قبّة النصر، فتلقّاه القوم وحملوا عليه فآنكسر ومسك. فلما بلغ أينبك ذلك جهّز الأمراء الذين كانوا بقلعة الجبل وأرسلهم إلى قبة النصر وهم: آقتمر من عبد الغنىّ نائب السلطنة وأيدمر الشمسىّ وبهادر الجمالىّ الأستادار ومبارك الطازىّ. هذا وقد ضعف أمر أينبك المذكور وخارت قواه، فإنّه بلغه أن جميع العساكر اتّفقت على مخالفته حتى إنه لم يعلم من هو القائم بهذا الأمر لكثرة من خرج عليه، فلمّا رأى أمره في إدبار ركب فرسه ونزل من الإسطبل السلطانىّ من غير قتال وهرب إلى ناحية كيمان مصر فتبعه أيدمر الخطائىّ وجماعة من العسكر فلم يقف له أحد على أثر، كلّ هذا وإلى الآن لم يجتمع من بالجاليش مع من هو بقبّة النصر من الأمراء، غير أنّ الفتنة قائمة على ساق والغوغاء ثائرة والسعد قد زال عنه من غير تدبير ولا عمل واختفى أينبك بتلك الجهة ثم وجدوا فرسه وقباءه ولبسه، ولمّا استولت الأمراء على القلعة على ما سنحكيه- إن شاء الله تعالى- بعد أن نذكر قتلة أينبك المذكور ألزموا والى القاهرة

ومصر بإحضاره فنودى عليه بالقاهرة ومصر وهدّد من أخفاه بانواع النّكال، فخاف كلّ أحد على نفسه من تقريبه، فلم يجد بدّا من طلب الأمان من الأمير يلبغا الناصرىّ الآتى ذكره، فأمّنه بعد مدّة فطلع أينبك اليه فحال وقع بصر القوم عليه قبضوه وأرسلوه مقيّدا إلى سجن الإسكندرية وكان ذلك آخر العهد به، كما سيأتى ذكره بعد استيلاء الأمراء على القلعة. قلت «وكما تدين تدان» . وما من طالم إلّا سيبلى بظالم. وفي أينبك هذا يقول الأديب شهاب الدين بن العطّار: [المنسرح] من بعد عزّ قد ذلّ أينبكا ... وانحطّ بعد السّموّ من فتكا وراح يبكى الدماء منفردا ... والناس لا يعرفون أين بكى وأمّا الأمراء فإنهم لمّا بلغهم هروب أينبك من قلعة الجبل ركبوا الجميع من قبّة النصر وطلعوا إلى الإسطبل «1» السلطانىّ من القلعة وصار المتحدّث فيهم قطلقتمر العلائى الطويل وضرب رنكه «2» على إسطبل شيخون «3» بالرمبلة تجاه باب السلسلة وأقام ذلك اليوم متحدثا، فأشار عليه من عنده من أصحابه أن يسلطن سلطانا كبيرا يرجع الناس إلى أمره ونهيه، فلم يفعله وقال: حتّى يأتى إخواننا، يعنى الأمراء الذين كانوا بالجاليش مع قطلوبغا وهم الذين ذكرناهم فيما تقدّم عند خروج الجاليش ومعهم من الأمراء الطبلخانات والعشرات جماعة: منهم برقوق العثمانىّ اليلبغاوىّ وبركة الجوبانىّ اليلبغاوىّ وكان أينبك قد أنعم على كل واحد منهما بإمرة طبلخاناه، بعد واقعة قرطاى دفعة واحدة من الجندية، قبل خروج السفر بأيام قليلة وهذا أوّل

ظهور برقوق وبركة في الدّول ثم حضرت الأمراء الذين كانوا بالجاليش إلى الإسطبل السلطانىّ وهم جمع كبير ممّن أنشأه أينبك وغيرهم وتكلّموا فيمن يكون إليه تدبير الملك واشتوروا في ذلك فاختلفوا. فى الكلام وظهر للقادمين الغدر ممّن كان بالإسطبل السلطانىّ ممّن ذكرناه، فقبضوا على جماعة منهم وهم: قطلقتمر العلائىّ الطويل المذكور الذي كان دبّر الأمر لنفسه وألطنبغا السلطانىّ ومبارك الطازىّ فى آخرين وقيّدوا الجميع وأرسلوا إلى الإسكندرية صحبة جمال الدين عبد الله بن بكتمر الحاجب واتّفقوا على أن يكون المتكلم في المملكة الأمير يلبغا الناصرىّ، فصار هو المتحدّث في أحوال الملك وسكن الإسطبل السلطانىّ وأرسل بإحضار الأمير طشتمر العلائىّ الدوادار نائب الشام. ثم في يوم الأحد تاسع شهر ربيع الآخر لمّا تزايد الفحص على أينبك حضر أينبك بنفسه إلى عند الأمير بلاط فطلع به بلاط إلى يلبغا الناصرىّ بعد أن أخذ له منه الأمان حسب ما تقدّم ذكره، فلم تطل أيام يلبغا الناصرىّ في التحدث وظهر منه لين جنب، فاتّفق برقوق وبركة وهما حينذاك من أمراء الطبلخانات، لهم فيها دون الشهرين مع جماعة أخر وركبوا في سادس عشر شهر ربيع الآخر المذكور وركبت معهم خشداشيّتهم من المماليك اليلبغاوية ومسكوا دمرداش اليوسفىّ وتمرباى الحسنىّ وآقبغا آص الشيخونىّ وقطلوبغا الشعبانىّ ودمرداش التمان تمرىّ المعلّم وأسندمر العثمانىّ وأسنبغا تلكى وقيّدوا وأرسلوا إلى سجن الإسكندرية فسجنوا بها. وقد أضربنا عن أشياء كثيرة من وقائع هذه الأيام لاختلاف نقول الناس فيها، لأنّ غالب من وثب وأثار الفتنة من واقعة الملك الأشرف شعبان إلى هذه الأيام كان فيما قيل في العام الماضى إمّا جنديا وإمّا أمير

عشرة لا يعرف من أحواله إلا القليل وأيضا لم يكن في هذه الواقعة رجل عظيم له شأن قام بأمر وتبعته الناس، بل كل واقعة من هؤلاء تكون فيها جماعة كبيرة، كلّ منهم يقول: أنا ذاك ولهذا اختلفت النقول. وقد ذكرنا المقصود من ذلك كلّه وما فيه كفاية. إن شاء الله تعالى. ولنشرع الآن في سياق ما وقع في أيام الملك المنصور- إلى أن يتوفّى إلى رحمة الله تعالى- فنقول: ثم في النهار المذكور (أعنى اليوم الذي مسك فيه الأمراء) قبض أيضا على الطواشى مختار الحسامىّ مقدّم المماليك السلطانية وحبس بالبرج «1» من القلعة ثم أفرج عنه بعد أيام قلائل وأعيد إلى تقدمة المماليك على عادته. ثم بعد مدّة يسيرة استقرّ برقوق العثمانىّ اليلبغاوىّ أمير آخور كبيرا دفعة واحدة وسكن بالإسطبل السلطانىّ وأنزل معه الأمير يلبغا الناصرىّ واستقرّ الأمير زين الدين بركة الجوبانى اليلبغاوىّ أمير مجلس. ثم حضر الأمير طشتمر الدوادار نائب الشام إلى الديار المصرية بطلب من يلبغا الناصرىّ لما كان متحدّثا في أمور المملكة، فخرج السلطان الملك المنصور وسائر الأمراء لتلقيه إلى الرّيدانية «2» خارج القاهرة، فلمّا رأى السلطان نزل عن فرسه وقبّل الأرض بين يديه وبكى وطلع فى خدمة السلطان إلى القلعة وخلع عليه باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية وحضر مع طشتمر من الشام الأمير تمرباى التمرتاشىّ والأمير تغرى برمش وسودون الشيخونىّ وكان أينبك قد نقله إلى الشأم والأمير طقطمش ونزل طشتمر إلى بيت شيخون بالرّميلة وسكن به ليحكم بين الناس.

فلمّا كان في ثالث جمادى الأولى أمر طشتمر أن ينادى بالقاهرة ومصر «من كان له ظلامة فعليه بباب المقرّ الأشرف طشتمر العلائىّ» . ثم في خامس جمادى الأولى المذكور أخلع السلطان على تمرباى التمرداشىّ باستقراره رأس نوبة كبيرا عوضا عن دمرداش اليوسفىّ وخلع على برقوق العثمانىّ باستمراره على وظيفة الأمير آخورية وعلى بركة الجوبانىّ باستمراره في إمرة مجلس وأنعم على الأمير أطلمش الأرغونىّ بتقدمة ألف واستقرّ دوادارا كبيرا واستقرّ يلبغا المنجكىّ شادا لشراب خاناه ورسم للأمير بلاط أمير سلاح أن يجلس بالإيوان ثم استقرّ دينار الطواشى الناصرىّ لالا السلطان الملك المنصور عوضا عن مقبل الكلبكىّ بحكم نفيه. وفي سلخ جمادى الآخرة عزل الأمير آقتمر عبد الغنىّ من نيابة السلطنة بديار مصر. ثم استقرّ الأمير تغرى برمش حاجب الحجّاب بالقاهرة واستقرّ أمير علىّ ابن قشتمر حاجبا ثانيا بإمرة مائة وتقدمة ألف ويقال له: حاجب ميسرة. ثم في يوم الأحد ثانى شهر رجب توجّه الأمير أيتمش البجاسىّ إلى الإسكندرية بالإفراج عن جميع من بها من الأمراء المسجونين خلا أربعة أنفس: أينبك وأخوه قطلوخجا وأسندمر الصّرغتمشى وقيل جركس الجاولى الرابع وأنّ أينبك كان قتل. فلما أحضروا الأمراء من الإسكندرية أخرجوا إلى بلاد الشام. ثم ولى الأمير بيدمر الخوارزمىّ نيابة الشام بعد موت الأمير آقتمر الصاحبىّ الحنبلىّ وكان آقتمر أحد من نفى من أكابر الأمراء المشايخ. وأخلع على مبارك شاه المشطوب بنيابة غزة.

وفي مستهلّ شعبان استقرّ قطلقتمر العلائىّ نائب ثغر الإسكندرية عوضا عن خليل بن عرّام ثم نفى بيبغا الطويل العلائىّ أحد أمراء الطبلخانات إلى الشام بطّالا. ثم نقل الأمير منكلى بغا الأحمدىّ البلدىّ من نيابة حماة إلى نيابة طرابلس عوضا عن أرغون الإسعردىّ ونقل أرغون الإسعردىّ إلى نيابة حماة عوضه لأمر اقتضى ذلك ونقل الأمير آقبغا الجوهرىّ حاجب حجّاب طرابلس إلى نيابة غزّة عوضا عن مبارك العلائىّ ونقل مبارك العلائىّ عوضه في حجوبيّة طرابلس. ثم أخلع على الأمير صلاح الدين خليل بن عرّام المعزول عن نيابة إسكندرية باستقراره وزيرا بالديار المصرية عوضا عن القاضى كريم الدين بن الرّويهب. وقبض على ابن الرّويهب وصودر. وفي شوّال توجّه بلاط أمير سلاح إلى خيله بالجيزة فأرسل إليه خلعة بنيابة طرابلس، فأجاب وخرج من القاهرة فرسم له بأن يتوّجه إلى القدس بطّالا واستقرّ عوضه يلبغا الناصرىّ أمير سلاح وأخلع على إينال اليوسفىّ اليلبغاوىّ واستقرّ رأس نوبة ثانيا بتقدمة ألف، عوضا عن يلبغا الناصرىّ المذكور. وأخلع على القاضى بدر الدين محمد ابن القاضى بهاء الدين أبى البقاء السبكىّ الشافعىّ قاضى قضاة الديار المصرية عوضا عن قاضى القضاة برهان الدين ابن جماعة بحكم توجّهه إلى القدس بحسب سؤاله على ذلك. ولمّا صار الأمر للأتابك طشتمر العلائىّ الدوادار أخذ في تنفيد الأمور على القواعد فعظم ذلك على برقوق واتّفق مع بركة الجوبانىّ خجداشه ومع جماعة أخر على الركوب على طشتمر، فلما كان ليلة تاسع ذى الحجة من سنة تسع وسبعين المذكورة ركب برقوق العثمانىّ وخجداشه بركة الجوبانىّ بمن وافقهما من الأمراء وغيرهم وأنزلوا السلطان الملك المنصور بكرة النهار وهو يوم عرفة ودقت الكوسات،

وقصد برقوق مسك طشتمر الأتابك، فركبت مماليك طشتمر وخرجوا إليهم وتقاتلوا معهم قتالا عظيما، حتى تكاثر جمع برقوق وبركة وقوى أمرهم فحينئذ انكسرت مماليك طشتمر وأرسل طشتمر يطلب الأمان فأرسل السلطان إليه منديل الأمان، فطلع إلى القلعة فمسك في الحال هو والأمير أطلمش الأرغونىّ الدوادار وأمير حاج بن مغلطاى ودوادار الأمير طشتمر المذكور وأرسل الجميع إلى سجن الإسكندرية فاعتقلوا بها. ثم في يوم الاثنين ثالث عشر ذى الحجّة استقرّ برقوق العثمانىّ أتابك العساكر بالديار المصرية عوضا عن طشتمر العلائى المقدّم ذكره واستقرّ بركة الجوبانىّ رأس نوبة كبيرا أطابكا «1» - وهذه الوظيفة الآن مفقودة في زماننا- وسكن بركة «2» فى بيت قوصون تجاه باب (3) السلسلة واستقرّ الأمير أيتمش البجاسىّ أمير آخور كبيرا بتقدمة ألف عوضا عن برقوق واستقرّ برقوق بسكنه بالإسطبل السلطانىّ وصار هؤلاء الثلاثة هم: نظام الملك وإليهم العقد والحلّ وبرقوق كبيرهم الذي يرجع إليه والمعوّل على الاثنين: برقوق وبركة، حتى لهجت الناس بقولهم: (برقوق وبركة، نصبا على الدنيا شبكة) . ثم بعد يومين مسك الأمير يلبغا الناصرىّ أمير سلاح وأرسل إلى سجن الإسكندريّة ومعه الأمير كشلى «3» أحد أمراء الطبلخانات. ثم أخرج يلبغا الناصرىّ بعد مدّة إلى نيابة طرابلس؛ ويلبغا الناصرىّ هذا هو صاحب الوقعة مع برقوق الآتى ذكرها في سلطنته إن شاء الله تعالى.

ثم في العشرين من ذى الحجّة خلع على الأمير إينال اليوسفىّ واستقرّ أمير سلاح عوضا عن يلبغا الناصرىّ. ثم في مستهل شهر المحرّم سنة ثمانين وسبعمائة أنعم على آقتمر العثمانىّ بتقدمة ألف واستقرّ دوادارا كبيرا عوضا عن أطلمش الأرغونىّ. ثم بعد أيام قبض على صراى تمر نائب صفد وسجن بالكرك واستقرّ عوضه في نيابة صفد آقبغا الجوهرى نائب غزّة واستقرّ عوضه في نيابة غزّة مبارك شاه. ثم في سادس صفر تولّى كريم الدين عبد الكريم بن مكانس الوزر والخاصّ معا ووكالة بيت المال ونظر الدواوين. ثم استقرّ برقوق بالأمير منكلى بغا الأحمدىّ البلدىّ نائب طرابلس في نيابة حلب عوضا عن إشقتمر الماردينىّ بحكم عزله بالقبض عليه بمدينة بلبيس وسجنه بالإسكندرية. وقد قدّمنا أنّ إشقتمر هذا كان ممن ولى الأعمال الجليلة من سلطنة السلطان حسن وبرقوق يوم ذاك من صغار مماليك يلبغا العمرىّ. انتهى. ثمّ أخرج برقوق يلبغا الناصرىّ وولّاه نيابة طرابلس عوضا عن منكلى بغا الأحمدىّ البلدىّ المنتقل إلى نيابة حلب. ثمّ بعد مدّة يسيرة قبض على منكلى بغا المذكور واعتقل بقلعة حلب وتولّى حلب عوضه الأمير تمرباى الأفضلىّ التمرداشى. ثمّ رسم بالإفراج عن إشقتمر الماردينىّ من سجن الإسكندرية وأن يتوجّه إلى القدس بطّالا. ثم في هذه الأيام رسم بعزل الأمير بيدمر الخوارزمىّ عن نيابة الشام بالأمير «1» كمشبغا الحموىّ اليلبغاوىّ.

قلت: وبيدمر هذا أيضا ممّن ولى نيابة طرابلس في أيام يلبغا العمرىّ وغيرها من الأعمال وحضر بيدمر إلى القاهرة وقبض عليه واعتقل بسجن الإسكندرية. ثمّ استقرّ الأمير قرادمرداش الأحمدىّ اليلبغاوىّ أمير مجلس واستقر ألطنبغا الجوبانىّ اليلبغاوىّ رأس نوبة ثانيا بتقدمة ألف وهذه الوظيفة هي الآن وظيفة رأس نوبة النوب واستقر الأمير بزلار العمرىّ الناصرىّ نائب إسكندرية عوضا عن الأمير قطلقتمر بتقدمة ألف واستقر منكلى بغا الطرخانىّ نائب الكرك، عوضا عن تمراز الطازىّ واستقرّ خليل بن عرّام المعزول عن نيابة إسكندرية وعن الوزر وهو يومئذ من جملة أمراء الألوف أستادار بركة الجوبانىّ وهذا شئ لم يسمع بمثله كون أمير مائة ومقدّم ألف يكون أستادارا عند بعض أعيان الأمراء، فهذا شئ عجيب. ثم استقرّ الأمير بركة الجوبانىّ ناظر الأوقاف الحكمية «1» جميعها وجعل نائبه فى النظر جمال الدين محمود العجمىّ الحنفى. ثمّ استعفى الأمير تغرى برمش من الإمرة والحجوبية الكبرى بديار مصر فأعفى، فاستقر عوضه الأمير مأمور القلمطاويّ اليلبغاوىّ أمير مائة ومقدّم ألف وحاجب الحجاب. وفي هذه الأيام اتّفق جماعة على قتل الأتابك برقوق العثمانىّ، ففطن بهم فمسك منهم جماعة منهم طشبغا الخاصّكى وآقبغا بشمقدار ألجاى وآقبغا أمير آخور ألجاى في آخرين تقدير أربعين نفسا، فنفى برقوق بعضهم وحبس البعض، ثمّ مسك

برقوق ألطنبغا شادى وجماعة من مماليك ألجاى اليوسفىّ ثمّ أمسك بعد ذلك بمدّة سبعة عشر أميرا وقيّدهم وأرسلهم إلى الإسكندرية. ثمّ في حادى عشرين شهر ربيع الأوّل سمّر برقوق آقبغا البشمقدار ومعه أحد عشر مملوكا من المماليك السلطانية، وعشرين من مماليك طشتمر الدوادار لكلام صدر منهم في حق برقوق. وفي أوّل هذه السنة (أعنى سنة ثمانين) كان الحريق العظيم بديار مصر بظاهر باب زويلة «1» ، احترق فيه الفاكهيون «2» والنقليون والبراذعيون وعمل الحريق إلى سور القاهرة، فركب الأمير بركة والأمير أيتمش والأمير قرادمرداش الأحمدىّ وجماعة كبيرة من الأمراء والحكّام، حتى قدروا على طفيه بعد أيام واستمر مواضع الحريق خرابا من أوّل هذه السنة إلى آخرها. ثمّ في سادس عشرين ذى القعدة اجتمع الأمراء والقضاة عند الأتابك برقوق وقالوا: إنّ العساكر قلت في الإسلام ونريد أن نحلّ الأوقاف المحدثة، بعد الملك الناصر محمد بن قلاوون، فمنعهم الشيخ سراج الدين البلقينىّ من ذلك، فلم يسمعوا له وحلّوا أوقاف الناس وجعلوها إقطاعات وفرّقوها.

وفي مستهل شهر ربيع الآخر من سنة إحدى وثمانين وسبعمائة طلب اشقتمر الماردينىّ من القدس «1» الى القاهرة، فحضر في أوّل جمادى الأولى وتولّى نيابة حلب بعد عزل تمرباى الأفضلىّ التّمرداشىّ، ولمّا حضر اشقتمر إلى القاهرة تلقّاه الأتابك برقوق والأمير بركة الى الحوض «2» التحتانىّ من الريدانية وترجّلا له عن خيولهما، وأنزله برقوق عنده وخدمه أتمّ خدمة، ثمّ عزل الأمير كمشبغا الحموىّ اليلبغاوىّ عن نيابة دمشق، وتولّى عوضه بيدمر الخوارزمىّ على عادته، وكان بيدمر معتقلا بالإسكندرية. ثمّ في أثناء هذه السنة كانت واقعة الأمير إينال اليوسفىّ اليلبغاوىّ مع الأتابك برقوق. وخبر هذه الواقعة: أنه لمّا كان في يوم رابع عشرين شعبان ركب الأتابك برقوق من الإسطبل السلطانىّ في حواشيه ومماليكه للتسيير على عادته، وكان الأمير بركة الجوبانىّ مسافرا بالبحيرة «3» للصيد، فلما بلغ إينال اليوسفىّ أمير سلاح ركوب برقوق من الإسطبل السلطانىّ انتهز الفرصة لركوب برقوق وغيبة بركة، وركب بمماليكه وهجم الإسطبل السلطانىّ وملكه ومسك الأمير جركس الخليلىّ، وكان مع إينال المذكور جماعة من الأمراء: منهم سودون جركس المنجكىّ أمير آخور، والأمير صصلان الجمالىّ، وسودون النّوروزىّ، وجمق الناصرىّ، وقمارى،

وجماعة أخر، ولما طلع إينال الى باب «1» السلسلة وملكها أرسل الأمير قمارى لينزل بالسلطان الملك المنصور إلى الإسطبل، فأبى السلطان من نزوله ومنعه، ثمّ كبس إينال زردخاناه برقوق وأخرج منها اللّبوس وآلة الحرب، وأخذ مماليك برقوق الذين كانوا وافقوه وألبسهم السلاح وأوقفهم معه وأوعدهم بمال كبير وإمريات، وبلغ برقوقا الخبر فعاد مسرعا، وجاء الى بيت «2» الامير أيتمش البجاسىّ بالقرب من باب الوزير «3» وألبس مماليكه هناك، وجاءه جماعة من أصحابه، فطلع بالجميع الى تحت القلعة وواقعوا إينال اليوسفىّ، وأرسل برقوق الأمير قرط في جماعة الى باب السلسلة الذي من جهة باب المدرّج، فأحرقه، ثمّ تسلّق قرط المذكور من عند باب سرّ قلعة الجبل، ونزل ففتح لأصحابه الباب المتصل الى الإسطبل السلطانىّ، فدخلت أصحاب برقوق منه وقاتلت إينال، وصار برقوق بمن معه يقاتل من الرّميلة «4» فانكسر إينال ونزل الى بيته جريحا من سهم أصابه في رقبته من بعض مماليك برقوق، وطلع برقوق الى الإسطبل وملكه وأرسل الى إينال من أحضره، فلمّا حضر قبض عليه وحبسه بالزّردخاناه وقرّره بالليل فأقرّ: أنه ما كان قصده إلّا مسك بركة لا غير. ثم إنّ برقوق مسك جماعة من الأمراء وغيرهم من أصحاب يتال اليوسفىّ ما خلا سودون النوروزىّ وجمق الناصرىّ وشخصا جنديّا يسمى أزبك وكان يدّعى أنه من أقارب برقوق. ثمّ حمل إينال في تلك الليلة إلى سجن الإسكندرية

ومعه سودون جركس. ثم أخذ برقوق في القبض على مماليك إينال اليوسفىّ، ونودى عليهم بالقاهرة ومصر؛ وفي هذه الواقعة يقول الأديب شهاب الدين أحمد ابن العطار: [الرجز] ما بال إينال اتى ... فى مثل هذى الحركه مع علمه بأنها ... خالية من بركه وله أيضا- عفا الله عنه: [السريع] قد ألبس الله برقوق المهابة فى ... نهار الاثنين من نصر وتمكين وراح إينال مع سودون وانكسرا ... وكان يوما عسيرا يوم الاثنين وله عفا الله عنه: [الوافر] بغى إينال واعتقد الأمانى ... تساعده فما نال المؤمّل ومدّ لأخذ برقوق يديه ... ولم يعلم بأن الخوخ أسفل ثمّ في الثامن والعشرين من شعبان حضر الأمير بركة من السّرحة، فركب الأتابك برقوق وتلقّاه من السّحر وأعلمه بما وقع من إينال اليوسفىّ في حقّه. ثم اتّفقا على طلب الأمير يلبغا الناصرىّ من نيابة طرابلس فحضر وأنعم عليه باقطاع إينال اليوسفىّ ووظيفته إمرة سلاح وكانت وظيفة يلبغا قبل إينال. وتولّى مكانه فى نيابة طرابلس منكلى بغا الأحمدىّ البلدىّ ثم استقر بلّوط الصّرغتمش في نيابة الإسكندريّة، بعد عزل بزلار عنها ونفيه إلى الشام بطّالا. ثمّ نقل حطط من نيابة أبلستين إلى نيابة حماة عوضا عن أرغون الإسعردىّ ثمّ استقر قرط فى نيابة الوجه القبلىّ مضافا إلى أسوان.

ثمّ أمسك برقوق مثقال الجمالىّ الزّمام وسأله عن ذخائر الملك الأشرف شعبان فأنكر ففرض عليه العقوبة فأقرّ بصندوق داخل الدار السلطانية فأرسله، ومعه خادمان فأتى بالصندوق وفيه ثلاثون ألف دينار. ثمّ قرّره فأخرج من قاعة المجدىّ ذخيرة فيها خمسة عشر ألف دينار وبرنيّة فيها فصوص، منها فصّ عين هرّ، زنته ستة عشر درهما. ثمّ بعثه إلى الأمير بركة فعصره فلم يعترف بشىء ثمّ وجدوا عند دادة الملك الاشرف أوراقا فيها دفتر بخط الملك الأشرف: فيه كلّ شىء ادّخره مفصّلا، فوجدوا الذخائر كلّها قد أخذت ولم يتأخر إلا عند طشتمر الدوادار ذخيرة فيها خمسة عشر ألف دينار وعلبة فصوص وعلبة لؤلؤ، وما وجدوا في ذلك اسم مثقال المذكور فأفرج عنه. وفي هذه السنة وجّه الأمير بركة دواداره سودون باشا إلى الحجاز الشريف لإجراء الماء الى عرفة، وكان في أوائل هذه السنة برز المرسوم الشريف بأن يعمل على قنطرة فم الخور «1» التى عند موردة الجبس سلسلة تمنع المراكب من الدخول إلى الخليج

وإلى بركة الرطلى «1» ، فعمل شعراء العصر في ذلك أبياتا، منها قول بدر الدين ابن الشاميّة أحد صوفية الخانقاة الرّكنية بيبرس: [البسيط] يا سادة فعلهم جميل ... وما لهم في الورى وحاشه سلسلتم البحر لا لذنب ... وارسلتموا للحجاز باشه

قلت: لم تصح التورية معه في قوله: باشه، لعدم معرفته باللغة التركية، لأن اسم باشا بالتفخيم والألف وباشه مرقّقة وفي آخرها هاء وبينهما بون في اللفظ، وكثير مثل هذا يقع للشعراء من أولاد العرب، فيأخذون المعانى الصالحة فيجعلونها هجوا مثل لفظة نكريش وغيرها، لأن نكريش باللغة العجمية معناه: «جيد اللحية» ، فاستعملوها الشعراء في باب الهجو وكثير مثل هذا. وقد أوضحنا ذلك في مصنف «1» بيّنا فيه تحاريف أولاد العرب في الأسماء التركية وغيرها. وقال الأديب عبد العال البغدادىّ في المعنى: [مخلّع البسيط] أطلقت دمعى على خليج ... مذ سلسلوه فصار يقفل من رام من دهرنا عجيبا ... فلينظر المطلق المسلسل [مخلّع البسيط] وقال غيره: قد أطلقوا البحر من فسوق ... مذ سلسلوا منه خير جدول ورق قلب الهوى عليه ... فجذا نهره المسلسل وفي هذه السنة كانت بالديار المصرية واقعة غريبة من كلام الحائط، وخبره: أن في أوائل شهر رجب من هذه السنة ظهر كلام شخص من حائط في بيت العدل شهاب الدين [أحمد] الفيشىّ «2» الحنفىّ بالقرب من الجامع الأزهر، فصار كلّ من

يأتى الى الحائط المذكور ويسأله عن شىء يردّ عليه الجواب ويكلّمه بكلام فصيح، فجاءته الناس أفواجا وتردّدت الى الحائط المذكور أكابر الدولة وتكلّموا معه وافتتن الناس بذلك المكان وتركوا معايشهم وازدحموا على الدار المذكورة وأكثر أرباب العقول الفحص عن ذلك، فلم يقفوا له على خبر، وتحيّر الناس في هذا الأمر العجيب، إلى أن حضر الى البيت المذكور القاضى جمال الدين «1» محمود القيصرىّ العجمىّ محتسب القاهرة وفحص عن أمره بكلّ ما يمكن القدرة اليه، حتّى إنه أخرب بعض الحائط فلم يؤثّر ذلك شيئا واستمرّ الكلام في كلّ يوم الى ثالث شعبان، وقد كادت العامّة أن تتعبد بالمكان المذكور. وأكثروا من فولهم: «يا سلام سلّم، الحيطة بتتكلّم» وخاف أهل الدولة من إفساد الحال وقد أعياهم أمر ذلك، حتّى ظهر أنّ الذي كان يتكلّم هي زوجة صاحب المنزل، فأعلم بذلك الأتابك برقوق، فاستدعى بها مع زوجها فحضرا فأنكرت المرأة فضربها فأقرّت، فأمر بتسميرها وتسمير شخص آخر معها يسمى «عمر» وهو الذي كان يجمع الناس إليها، بعد أن ضرب برقوق الزوج وعمر المذكور بالمقارع وطيف بهما في مصر والقاهرة ثم أفرج عنهم، بعد أن حبسوا مدّة، وفي ذلك يقول الشيخ شهاب الدين بن العطار: [البسيط] يا ناطقا من جدار وهو ليس يرى ... اظهر وإلّا فهذا الفعل فتّان فما سمعنا وللحيطان «2» ألسنة ... وإنّما قيل للحيطان آذان

وقال غيره: [البسيط] قد حار في منزل الفيشى الورى عجبا ... بناطق من جدار ظل مبديه وكلّهم في حديد بارد ضربوا ... وصاحب البيت أدرى بالذى فيه وفي هذه السنة أمر الأمير بركة بنقل الكلاب وقرّر على كلّ أمير شيئا معيّنا وعلى أصحاب الدكاكين على كلّ صاحب دكّان كلبا، فتتّبع الناس الكلاب حتى أبيع كلّ كلب بدرهم فأخذ بركة جميع الكلاب ونفاها إلى برّ الجيزة. وفي يوم الأربعاء سابع صفر من سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة كان ابتداء الفتنة بين الأتابك برقوق وبين خجداشه بركة الجوبانىّ وهو أن بركة أرسل يقول إلى برقوق في اليوم المذكور: إن أيتمش البجاسىّ لابس آلة الحرب هو ومماليكه بإسطبله فأرسل برقوق إلى أيتمش في الحال فلم يجد الأمر صحيحا. ثم طلع أيتمش إلى برقوق وأقام عنده وتردّدت الرسل بين برقوق وبركة، والذي كان الرسول بينهما العلّامة أكمل الدّين شيخ الشيوخ بالشيخونية، أراد بذلك إخماد الفتنة والشيخ أمين الدين الحلوانىّ ولا زالا بهما حتى أوقع الصلح بينهما ورضى بركة على أيتمش البجاسىّ وخلع عليه قباء «نخّ» عند نزوله إليه بأمر برقوق صحبة الشيخين المذكورين. ثم فسد ما بينهما أيضا بعد اثنى عشر يوما في ليلة الجمعة تاسع عشر صفر وبات تلك الليلة كلّ أمير من أمراء مصر ملبسا بماليكه في إسطبله، وسببه: أن بركة أراد أن يمسك جماعة من الأمراء، ممّن هو من ألزام برقوق فأصبح نهار الجمعة والأمراء لابسون السلاح ولمّا وقع ذلك، طلب برقوق القضاة إلى القلعة ليرشّد السلطان الملك المنصور وقال لهم: نرشّد السلطان فيتكلم في أمور مملكته وأنكفّ أنا وغيرى من التّكلّم وأنا مملوك من جملة مماليك السلطان، فتكلّم القضاة بينه وبين

الأمير بركة وتردّدوا في الرّسلية غير مرّة إلى أن أذعن كلّ منهما إلى الصلح وتحالفا على ذلك واصطلحا وأصبحت الأمراء من الغد ركبوا إلى الميدان ولعبوا بالكرة وخلع بركة على أيتمش ثانيا. واستقرّ الصلح وخلع برقوق على القضاة الأربعة والتزم بركة أنه لا يتحدّث في شىء من أمور المملكة البتة. واستمرّ الأمراء على ذلك إلى يوم الاثنين سابع شهر ربيع الأوّل ركبت الأمراء وسيّروا بناحية قبّة النصر ورجعوا وطلع برقوق إلى الإسطبل السلطانىّ، حيث سكنه، وذهب بركة إلى بيته وكان برقوق قد ولد له ولد ذكر وعمل سماطا للناس وطلع إليه الأمير صراى الرّجبىّ الطويل وكان من إخوة بركة وقال لبرقوق: إن بركة وحاشيته قد اتّفقوا على قتلك إذا دخلت يوم الجمعة إلى الصلاة هجموا عليك وقتلوك فبقى برقوق متفكّرا في ذلك متحيّرا لا يشكّ فيما أخبره صراى لصحبته مع بركة وبينما برقوق فى ذلك إذ طلع إليه الأمير قرادمرداش الأحمدىّ اليلبغاوىّ أمير مجلس وطبج المحمدىّ وآقتمر العثمانىّ الدّوادار الكبير. وهم من أعيان أصحاب بركة وهنّئوه بالولد وأكلوا السّماط، فلمّا فرغوا طلب برقوق الأمير جركس الخليلىّ ويونس الدّوادار وأمرهما بمسك هؤلاء الثلاثة ومن معهم، فمسكوا في الحال. ثم أمر برقوق حواشيه بلبس السلاح فلبسوا ونزل بزلار الناصرىّ من وقته غارة إلى مدرسة السلطان حسن مع مماليكه وطلع إليها وأغلق بابها وصعد إلى سطحها ومآذنها ورمى بالنّشّاب على بركة في إسطبله الملاصق للمدرسة المذكورة وهو بيت قوصون تجاه باب السلسلة، فلمّا رأى بركة ذلك أمر مماليكه وأصحابه بلبس السلاح، فلبسوا ونادى برقوق في الحال للعامّة تنهب بيت بركة، فتجمّعوا في الحال وأحرقوا بابه ولم يتمكن بركة من قتالهم من عظم الرمى عليه من أعلى سطوح المدرسة، فخرج من بابه الذي

بالشارع الأعظم المتّصل إلى صليبة «1» ابن طولون وخرج معه سائر أصحابه ومماليكه وترك ماله بالبيت ودخل من باب «2» زويلة وأخذ والى القاهرة معه إلى باب الفتوح «3» ، ففتحه له فإنه كان أغلق عند قيام الفتنة مع جملة أبواب القاهرة وسار بركة بمن معه من الأمراء والمماليك إلى قبّة النصر، خارج القاهرة فأقام بها ذلك اليوم في مخيّمه ثم أخرج طائفة من عساكره إلى جهة القلعة فتوجّهوا يريدون القلعة فندب برقوق لقتالهم جماعة من أصحابه، فنزلوا إليهم وقاتلوهم قتالا شديدا، قتل فيه من كلّ طائفة جماعة. ثم رجعت كلّ طائفة إلى أميرها وباتوا تلك الليلة. فلمّا أصبح نهار الثلاثاء ثامن شهر ربيع الأوّل من سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة، ندب برقوق لقتال بركة الأمير علّان الشعبانىّ وأيتمش البجاسىّ وقرط الكاشف فى جماعة كبيرة من الأمراء والمماليك وتوجّهوا إلى قبّة النصر فبرز لهم من أصحاب بركة الأمير يلبغا الناصرىّ أمير سلاح بجماعة كبيرة والتقوا وتصادموا صدمة هائلة انكسر فيها يلبغا الناصرىّ بمن معه وانهزم إلى جهة قبة النصر، فلمّا رأى الأمير بركة انهزام عسكره ركب بنفسه وصدمهم صدمة صادقة وكان من الشّجعان كسرهم فيها أقبح كسرة وتتّبعهم إلى داخل التّرب، ثم عاد إلى مخيّمه وطلع أصحاب برقوق إلى باب السلسلة في حالة غير مرضية وباتوا تلك الليلة، فلمّا أصبح نهار الأربعاء تاسع شهر ربيع الأوّل المذكور، أنزل برقوق السلطان الملك المنصور إلى عنده بالإسطبل السلطانىّ، ونادى للماليك السلطانية بالحضور، فحضروا فأخرج جماعة كبيرة من الأمراء ومعهم المماليك السلطانية وندبهم لقتال بركة ودقّت الكوسات بقلعة الجبل

حربية، هذا وقد جهّز بركة أيضا جماعة كبيرة أيضا من أصحابه، لملتقى من ندبه برقوق لقتاله، وسار كلّ من الفريقين إلى الآخر حتّى تواجها على بعد، فلم يتقدّم أحد من العسكرين إلى غريمه، فلما كان بعد الظهر بعث الأمير بركة أمير آخر سيف الدين طغاى يقول لبرقوق: ما هذا العمل! هكذا كان الاتفاق بيننا؟ فقال برقوق: هكذا وقع، قل لأستاذك يتوجه نائبا في أىّ بلد شاء، فرجع أمير آخوره بركة له بهذا القول، فلم يوافق بركة على خروجه من مصر أصلا، فلما أيس منه أمير آخوره قال له: إن كان ولا بدّ فهذا الوقت وقت القيلولة والناس مقيّلة، فهذا وقتك، فركب بركة بأصحابه ومماليكه من وقته وساقوا فرقتين: فرقة من الطريق المعتادة، وفرقة من طريق الجبل. وكان بركة في الفرقة التي بطريق الجبل؛ وبلغ برقوقا ذلك فأرسل الأمراء والمماليك في الوقت لملتقاه، فلمّا أقبل بركة هرب أكثر عساكر برقوق ولم يثبت إلّا الأمير علّان الشعبانىّ في نحو مائة مملوك، والتي مع بركة. وكان يلبغا الناصرىّ بمن معه من أصحاب بركة توجّه من الطريق المعتادة، فآلتقاه أيتمش البجاسىّ بجماعة وكسره وضربه بالطّبر وأخذ جاليشه وطبلخاناته ورجع مكسورا بعد أن وقع بينهم وقعة هائلة جرح فيها من الطائفتين خلائق. وأمّا بركة فإنه لما التقى مع علّان صدم علان صدمة تقنطر فيها عن فرسه وركب غيره، فلمّا تقنطر انهزم عنه أصحابه، فصار في قلّة فثبت ساعة جيّدة ثم انكسر وانهزم إلى جهة قبّة النصر، وأقام به إلى نصف الليل فلم يجسر أحد من البرقوقية على التوجّه إليه وأخذه. فلمّا كانت نصف ليلة الخميس المذكورة رأى بركة أصحابه في قلّة وقد خلّ عنه أكثر مماليكه وحواشيه وهرب من قبّة النصر هو والأمير آقبغا صيوان إلى جامع

المقسىّ «1» خارج القاهرة فغمز عليه في مكانه فمسك هو وآقبغا المذكور من هناك وطلع بهما إلى برقوق وتتبّع برقوق أصحاب بركة ومماليكه فمسك منه جماعة كبيرة حسب ما يأتى ذكره مع من مسك مع بركة من الأمراء وبقيت القاهرة ثلاثة أيام مغلقة والناس في وجل بسبب الفتنة فنادى برقوق عند ذلك بالأمان والاطمئنان.

وفي واقعة بركة يقول طاهر بن حبيب: [الرجز] يا لؤمها من حالة ... وشؤمها من حركه وقبحها من فتنة ... فيها زوال بركه وعظم كسرة بركة ومسكه على الناس، لأنه كان محبّبا للرعيّة وفيه كرم وحشمة وكان أكثر ميل الناس إليه. ولمّا كان عشيّة ليلة الخميس المذكورة أخذ برقوق خجداشه بركة وقيّده وأرسله إلى سجن الإسكندرية فحبس به صحبة الأمير قردم الحسنىّ ومعه جماعة في القيود من أصحابه الأمراء وهم: الأمير قرادمرداش الأحمدىّ أمير مجلس المقبوض عليه قبل واقعة بركة وآقتمر العثمانىّ الدوادار وأمير آخر. ثم أخذ برقوق في القبض على الأمراء من أصحاب بركة، فمسك جماعة كبيرة وهم: أيدمر الخطائىّ وخضر (بضم الخاء المعجمة وفتح الضاد المعجمة وراء ساكنة) وقراكسك وأمير حاج بن مغلطاى وسودون باشا ويلبغا المنجكىّ وقرابلاط وقرابغا الأبوبكريّ وتمربغا السيفىّ تمرباى وإلياس الماجرىّ وتمربغا الشمسىّ ويوسف ابن شادى وقطلبك النظامىّ وآقبغا صيوان الصالحىّ وكزل القرمىّ وطولو تمر الأحمدىّ وطوجى الحسينىّ وتنكر العثمانى وقطلوبغا السيفىّ وغريب الأشرفىّ وكمجىّ «1» وألطنبغا الأرغونىّ ويلبغا الناصرىّ رفيق منطاش الآتى ذكرهما وأطلمش الطازىّ وتمرقيا. فأرسل منهم برقوق في ليلة الأحد ثانى عشر ربيع الأوّل جماعة إلى الإسكندرية صحبة الأمير سودون الشيخونىّ وهم: يلبغا الناصرىّ وهو أكبر الجماعة

وطبج المحمدىّ ويلبغا المنجكىّ وأطلمش الطازىّ وقرابلاط وتمرقيا السيفىّ تمربغا وإلياس وقرابغا. ثم عرض برقوق مماليك بركة فأخذ أكابرهم في خدمته، وكذلك فعل بمماليك يلبغا الناصرىّ، ثم أمسك أرسلان الأشرفىّ دوادار بركة. ثم أفرج برقوق عن ستة أمراء ممن أمسكهم. ثم أنعم برقوق على جماعة من أصحابه بتقادم ألوف فأنعم على ولده محمد بن برقوق بإقطاع بركة بتمامه وكماله، ثم أنعم على أربعة أخر بتقادم ألوف وهم: جركس الخليلىّ وبزلار العمرىّ الناصرىّ وألطنبغا المعلّم وآلابغا العثمانىّ وأنعم على أطلمش الطازىّ أحد أصحاب بركة بإمرة طبلخاناة بالشام. ثم في يوم الخميس ثامن شهر ربيع الأوّل المذكور أنعم على جماعة بإمرة طبلخانات، وهم: آقبغا الناصرىّ وتنكزبغا السيفىّ؟؟ وفارس الصرغتمشىّ وكمشبغا الأشرفىّ الخاصّكى وقطلوبغا السيفىّ كوكاى وتمربغا المنجكىّ وسودون باق السّيفىّ تمرباى وإياس الصرغتمشىّ وعلى جماعة بإمرة عشرات وهم: قوصون الأشرفىّ وبيبرس التمان تمرىّ وطغا الكريمىّ وبيرم العلائىّ وآقبغا اللّاجينىّ. ثم في حادى عشرين شهر ربيع الأوّل المذكور أخلع برقوق على جماعة من الأمراء بوظائف، فاستقرّ أيتمش البجاسىّ رأس نوبة كبيرا أطابكا عوضا عن بركة- وهذه الوظيفة بطلت من أيام الملك الناصر فرج- واستقرّ علّان الشعبانىّ أمير سلاح عوضا عن يلبغا الناصرىّ واستقرّ ألطنبغا الجوبانىّ أمير مجلس عوضا عن قرادمرداش الأحمدىّ واستقرّ آلابغا العثمانىّ دوادارا عوضا عن آقتمر العثمانىّ واستقرّ ألطنبغا المعلّم رأس نوبة ثانى بتقدمة ألف (أعنى رأس نوبة النّوب) واستقرّ جركس الخليلىّ أمير آخور كبيرا واستقرّ قرابغا الأبوبكري حاجبا واستقرّ

بجمان «1» المحمدىّ من جملة رءوس النوب واستقرّ كمشبغا الأشرفىّ الخاصّكى شادّ الشراب خاناه. وفي ثانى عشرينه استقرّ الأمير صلاح الدين خليل بن عرّام نائب إسكندرية عوضا عن بلّوط الصرغتمشىّ فتوجّه ابن عرّام إلى الإسكندرية ثم عاد إلى القاهرة، بعد مدّة يسيرة وشكا من الأمير بركة، فأوصاه برقوق به في الظاهر وسيّره إلى الإسكندرية ثانيا. ثم أمسك برقوق الأمير بيدمر الخوارزمىّ نائب الشام وأمسك معه جماعة من أصحابه من الأمراء وكان بيدمر من حزب بركة وخرج عن طاعة برقوق فولّى برقوق عوضه الأمير اشقتمر الماردينىّ نائب حلب. وتولّى نيابة حلب بعد اشقتمر منكلى بغا الأحمدىّ البلدىّ نائب طرابلس. ثم في آخر جمادى الأولى أفرج برقوق عن جماعة الأمراء المسجونين بثغر الإسكندرية ما خلا أربعة أنفس، وهم: بركة ويلبغا الناصرىّ وقرادمرداش الأحمدىّ وبيدمر الخوارزمىّ نائب الشام وحضرت البقيّة إلى القاهرة فأخرج بعضهم إلى الشام ونفى بعضهم إلى قوص. ثم في شعبان باست الأمراء الأرض للسلطان الملك المنصور علىّ وسألوه الإفراج عن المسجونين بالإسكندرية وذلك بتدبير برقوق فرسم السلطان بالإفراج عنهم وهم: بيدمر الخوارزمىّ ويلبغا الناصرىّ وقرادمرداش الأحمدىّ ولم يبق بسجن الإسكندرية ممّن مسك من الأعيان في واقعة بركة غير بركة المذكور ومات فى شهر رجب على ما يأتى ذكره، بعد أن نحكى قدوم آنص والد الأتابك برقوق من

بلاد الجركس ولمّا حضر الأمراء إلى مصر أخرج يلبغا الناصرىّ إلى دمشق على إمرة مائة وتقدمة ألف بها وقرّادمرداش إلى حلب على تقدمة ألف أيضا بها وتوجّه بيدمر الخوارزمىّ إلى ثغر دمياط بطّالا. ثم رسم برقوق بالإفراج عن الأمير إينال اليوسفىّ صاحب الواقعة مع برقوق المقدّم ذكرها من سجن الإسكندرية واستقرّ في نيابة طرابلس. ثم استقرّ كمشبغا الحموىّ اليلبغاوى في نيابة صفد عوضا عن تمرباى الأفضلىّ التّمرداشىّ مدّة يسيرة ونقل إلى نيابة طرابلس بحكم انتقال إينال اليوسفىّ إلى نيابة حلب بعد وفاة منكلى بغا الأحمدىّ البلدىّ. ثم في ذى الحجّة من السنة وصل الخبر بوصول الأمير آنص الجركسىّ والد الأمير الكبير برقوق العثمانىّ صحبة تاجر برقوق الخواجا عثمان بن مسافر، فخرج برقوق بجميع الأمراء إلى لقائه في يوم الثلاثاء ثامن ذى الحجة سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة المذكورة، فسافر برقوق إلى العكرشة «1» . قال قاضى القضاة بدر الدين محمود العينىّ الحنفىّ: وهو المكان الذي التقى به يوسف الصّدّيق أباه يعقوب عليهما السلام على ما قيل.

وكان قد هيّأ له ولده الأتابك برقوق الإقامات والخيم والأسمطة والتقى برقوق مع والده فحال وقع بصر آنص على ولده برقوق مدّ له يده فأخذها برقوق وقبلها ووضعها على رأسه ثم سلّم عليه أكابر أمراء مصر على مراتبهم وأقعد آنص والد برقوق في صدر المخيّم وقعد الأمير آقتمر عبد الغنىّ النائب من جانب والأمير أيدمر الشمسىّ من جانب آخر وجلس برقوق تحت أيدمر وهو يوم ذاك مرشّح للسلطنة، فانظر إلى تلك الآداب والقواعد السالفة. ولمّا استقرّ بهم الجلوس أخذ آنص يخاطب برقوقا ولده باسمه من غير تحشم، كما يخاطب الوالد ولده على قاعة الجراكسة، والقاعدة عندهم: أنّ الولد والخديم عندهم سواء، وكان الملتقى بالعكرشة والنزول بالمخيّم بالخانقاه، فإنهم لمّا تلاقوا ساروا على ظهر إلى خانقاه سرياقوس وحضر مع الأمير آنص جماعة كبيرة من أقاربه وأولاده إخوة الأتابك برقوق خوند الكبرى والصّغرى أمّ بيبرس الأتابك وغيرهما. ثم مدّت الأسمطة من المآكل والمشارب والحلاوات وغيرها ودام برقوق والأمراء بخانقاة سرياقوس إلى ظهر اليوم المذكور ثم ركبوا الجميع وعادوا إلى جهة الديار المصريّة والموكب لآنص والد برقوق وأكابر الأمراء عن يمينه وشماله وتحته فرس بسرج ذهب وكنبوش زركش بذهب هائل قد تناهوا في عملهما وسار الجميع حتّى دخلوا إلى القاهرة واجتازوا بها وقد أوقدت لهم الشموع والقناديل فتحيّر والد برقوق ممّا رأى وكان جركسيّا جنسه «كسا» لا يعرف باللغة التركيّة شيئا، لأن الكسا بالبعد عن بلاد التّتار وطلع والد برقوق مع ابنه إلى القلعة وصار هو المشار إليه على ما سنذكره. وأمّا أمر بركة فإنه لمّا كان شهر رجب من هذه السنة ورد الخبر من لأمه صلاح الدين خليل بن عرّام نائب الإسكندرية بموت الأمير زين الدين بركه

الجوبانىّ اليلبغاوىّ المقدّم ذكره بسجن الإسكندرية، فلمّا بلغ الأتابك برقوقا ذلك عظم عليه في الظاهر- والله سبحانه وتعالى متولى السرائر- وبعث بالأمير يونس النّوروزىّ الدّوادار بالإسكندرية لكشف خبر الأمير بركة وكيف كانت وفاته فتوجّه يونس إلى الإسكندرية، ثم عاد إلى مصر ومعه ابن عرّام المذكور نائب الإسكندرية وأخبر برقوقا بأنّ الأمر صحيح وأنه كشف عن موته وأخرجه من قبره فوجد به ضربات: إحداها في رأسه وأنه مدفون بثيابه من غير كفن وأنّ يونس أخرجه وغسّله وكفّنه ودفنه وصلّى عليه خارج باب رشيد «1» وبنى عليه تربة وأن الأمير صلاح الدين خليل بن عرّام هو الذي قتله، فحبس برقوق ابن عرّام بخزانة «2» شمائل. ثم عصره وسأله عن فصوص خلّاها بركة عنده فأنكرها وأنكر أنه ما رآها. فلمّا كان يوم الخميس خامس عشرين شهر رجب المذكور طلع الأمراء الخدمة على العادة وطلب ابن عرّام من خزانة شمائل فطلعوا به إلى القلعة على حمار فرسم برقوق بتسميره، فخرج الأمير مأمور القلمطاوى حاجب الحجّاب وجلس بباب القلّة «3» هو وأمير جاندار وطلب ابن عرّام بعد خدمة الإيوان فعرّى وضرب بالمقارع ستة وثمانين شيبا ثم سمّر على جمل بلعبة تسمير عطب وأنزل من القلعة إلى سوق الخيل بالرّميلة بعد نزول الأمراء وأوقفوه تجاه الإسطبل السلطانىّ ساعة فنزل إليه جماعة

من مماليك بركة وضربوه بالسيوف والدّبابيس حتى هبّروه وقطّعوه قطعا عديدة ثم إنّ بعضهم قطع أذنه وجعل يعضّها صفة الأكل وأخذ آخر رجله وآخر قطع رأسه وعلّقها بباب زويلة وبقيت قطع منه مرميّة بسوق الخيل، وذكر أن بعض مماليك بركة أخذ من لحمه قطعة شواها. والله أعلم بصحة ذلك. ثم جمع ابن عرّام بعد ذلك ودفن بمدرسته «1» خارج القاهرة عند جامع أمير حسين بن جندر «2» بحكر جوهر النوبىّ وقد صار أمر ابن عرّام المذكور في أفواه

العامّة مثلا يقولون: خمول ابن عرام وكان ابن عرام المذكور أميرا جليلا فاضلا تنقّل في الولايات والوظائف وكان له يد طولى في التاريخ والأدب وله مصنفات مفيدة وتاريخ كبير فيه فوائد وملح وفي هذا المعنى يقول الأديب شهاب الدين أحمد ابن العطار: [البسيط] أيا بن عرّام قد سمّرت مشتهرا ... وصار ذلك مكتوبا ومحسوبا ما زلت تجهد في التاريخ تكتبه ... حتّى رأيناك في التاريخ مكتوبا وفيه يقول أيضا: [الوافر] بدت أجزا ابن عرّام خليل ... مقطّعة من «1» الضرب الثقيل وأبدت أبحر الشعر المراثى ... محرّرة «2» بتقطيع الخليل

حدّثنى الزينى فيروز الطواشىّ الرومىّ العرّامىّ وكان ثقة صاحب فضل ومعرفة ودين أن أستاذه صلاح الدين خليل بن عرّام المذكور كان مليح الشكل فصيح العبارة بلغات عديدة مع فضيلة تامّة ومعرفة بالأمور وسياسة حسنة وتولّى نيابة ثغر الإسكندرية غير مرة سنين طويلة وتولّى الوزر بالديار المصرية وتنقّل في عدّة وظائف أخر، قال: وكان من رجال الدهر وكان محبّبا في الفقهاء والفقراء وأرباب الصلاح. انتهى. وقال غيره: كان بشّره الشيخ يحيى الصنافيرىّ والشيخ المعتقد نهار «1» أنه يموت مقتولا بالسيف مسمّرا، وفي معنى ما قاله الشيخ نهار المذكور يقول الشيخ الشهاب ابن العطار المقدّم ذكره: [السريع] وعد ابن عرّام قديم بما ... قد نال من شيخ رفيع المنار يا ليلة بالسّجن أبدت له ... ما قاله الشيخ نهار جهار وقال العينىّ- رحمه الله-: وذكر القاضى تاج الدين بن المليجىّ شاهد الخاصّ الشريف أنّه طلع إلى القلعة وهم يسمّرون ابن عرّام فقعد إلى أن تخفّ الناس، فلمّا فرغوا من تسميره، جازوا به عليه فسمعه وهو يقول في تلك الحالة وينشد أبيات أبى بكر الشّبلىّ «2» وهي قوله: [الخفيف] لك «3» قلبى تعلّه ... فدمى لم؟؟ قال إن كنت قاهرا ... فلى؟؟ كلّه انتهى. وقد خرجنا عن المقصود وأطلنا الكلام في قصّة بركة وابن عرّام على سبيل الاستطراد ولنرجع لما كنّا فيه.

ما وقع من الحوادث سنة 779

وأما برقوق فإنه استمرّ على حاله كما كان قبل مسك بركة وقتله وإليه حلّ المملكة وعقدها ولم يجسر على السلطنة، وبينما هو في ذلك مرض السلطان الملك المنصور علىّ ولزم الفراش، حتى مات بين الظهر والعصر من يوم الأحد ثالث عشرين صفر سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة ودفن من ليلته بعد عشاء الآخرة في تربة «1» جدّته لأبيه خوند بركة بالقبّة التي بمدرستها بالتبانة. وكان الذي تولّى تجهيزه وتغسيله ودفنه الأمير قطلوبغا الكوكائىّ. وكانت مدّة سلطنته على ديار مصر خمس سنين وثلاثة أشهر وعشرين يوما. ومات وعمره اثنتا عشرة سنة ولم يكن له في سلطنته سوى مجرّد الاسم فقط. وإنما كان أمر المملكة في أيام سلطنته إلى قرطاى أوّلا ثم إلى برقوق آخرا، وهو كالآلة معهم لصغر سنه ولغلبتهم على الملك. وتسلطن من بعده أخوه أمير حاج ابن الملك الأشرف شعبان بن حسين ولم يقدر برقوق- مع ما كان عليه من العظمة- أن يتسلطن. وكان الملك المنصور علىّ مليح الشكل حسن الوجه، حشيما كثير الأدب واسع النفس كريما. رحمه الله تعالى. [ما وقع من الحوادث سنة 779] السنة الأولى من سلطنة الملك المنصور على ابن الملك الأشرف شعبان على مصر وهي سنة تسع وسبعين وسبعمائة، على أنه تسلطن في الثامن من ذى القعدة من السنة الخالية. فيها. (أعنى سنة تسع وسبعين وسبعمائة) كانت واقعة قرطاى الطازىّ مع صهره أينبك البدرىّ وقتل قرطاى. ثم بعد مدّة قتل أينبك أيضا.

وفيها كان ظهور برقوق وبركة، وابتداء أمرهما حسب ما ذكرنا ذلك كلّه فى أصل ترجمة الملك المنصور هذا. وفيها توفّى الشيخ الإمام العلّامة شهاب الدين أبو جعفر أحمد «1» بن يوسف بن مالك الرّعينىّ الغرناطىّ المالكىّ بحلب عن سبعين سنة وكان إليه المنتهى في علم النحو والبديع والتصريف والعروض وله مشاركة في فنون كثيرة ومصنفات جيدة وكان له نظم ونثر. ومن شعره ما كتبه على ألفية الشيخ «2» يحيى: [البسيط] يا طالب النحو ذا اجتهاد ... تسمو به في الورى وتحيا إن شئت نيل المراد فاقصد ... أرجوزة للإمام يحيى وتوفّى الشيخ الإمام بدر الدين حسن بن زين الدين عمر بن الحسن بن عمر بن حبيب الحلبىّ الشافعى بحلب عن سبعين سنة وكان باشر كتابة الحكم وكتابة الإنشاء وغير ذلك من الوظائف الدّينية وكان إمام عصره في صناعتى الإنشاء والشروط وله تصانيف مفيدة منها: «تاريخ دولة الترك» أنهاه إلى سنة سبع وسبعين وسبعمائة وذيّل عليه ولده أبو العزّ طاهر وقال: [البسيط] ما زلت تولع بالتاريخ تكتبه ... حتّى رأيناك في التاريخ مكتوبا قلت: وأكثر الناس من نظم هذا المعنى الركيك البارد في حقّ عدّة كثيرة من المؤرّخين، وتزاحموا على هذا المعنى المطروق. انتهى. قلت: وكان له نظم كثير ونثر وتاريخه مرجّز وهو قليل الفائدة والضبط ولذلك لم أنقل عنه إلّا نادرا، فإنه كان إذا لم تعجبه القافية سكت عن المراد.

وليس هذا مذهبى في التاريخ. ومن شعر الشيخ بدر الدين حسن هذا- رحمه الله تعالى-: [السريع] الورد والنّرجس مذ عاينا ... نيلوفرا يلزم أنهاره شمّر ذا للخوض عن ساقه ... وفكّ ذا للعوم أزراره وله في مليح يدعى موسى: [الرجز] لما بدا كالبدر قال عاذلى ... من ذا الذي قد فاق عن شمس الضّحا فقلت موسى واستفق فإنه ... أهون شىء عنده حلق اللّحى وله عفا الله تعالى عنه: [الرجز] يا أيها الساهون عن أخراكم ... إنّ الهدايا فيكم لا تعرف المال بالميزان يصرف عندكم ... والعمر بينكم جزابا يصرف وله قصيدة على روىّ قصيدة كمال الدين علىّ بن النّبيه، قد أثبتناها في ترجمته فى المنهل الصافى، أوّلها: [البسيط] جوانجى للقا الأحباب قد جنحت ... وعاديات غرامى نحوهم جنحت «1» وتوفّى الأمير سيف الدين قطلقتمر بن عبد الله العلائىّ صاحب الواقعة مع الأمير أينبك البدرىّ وغيره وهو ممن قام على الملك الأشرف شعبان وأخذ تقدمة ألف بالديار المصرية دفعة فلم يتهنأ بها وعاجلته المنية ومات ولحقه من بقى من أصحابه بالسيف. وتوفّى الأمير طشتمر اللّفاف المحمدىّ مقتولا في ثالث المحرّم وهو أيضا ممّن قام على الملك الأشرف وصار أميرا كبيرا أتابك العساكر دفعة واحدة من الجندية، وقد تقدّم ذكر هؤلاء الجميع في أواخر ترجمة الملك الأشرف شعبان وفي أوائل ترجمة ولده الملك المنصور علىّ هذا.

وتوفّى الأمير الكبير سيف الدين آقتمر الصاحبىّ المعروف بالحنبلىّ نائب السلطنة بديار مصر، ثم بدمشق بها في ليلة الحادى عشر من شهر رجب وكان من أجلّ الأمراء وأعظمهم، باشر نيابة دمشق مرتين وتولّى قبلها عدّة ولايات. ثم بعد النيابة الأولى لدمشق ولى نيابة السلطنة بالقاهرة وساس الناس أحسن سياسة وشكرت سيرته وكان وقورا في الدول مهابا وفيه عقل وحشمة وديانة وكان سمّى بالحنبلىّ لكثرة مبالغته في الطهارة والوضوء. وتوفّى الأمير سيف الدين يلبغا بن عبد الله النظامىّ الناصرىّ، وكان أوّلا من خاصكية الملك الناصر حسن ثم ترقى إلى أن صار أمير مائة ومقدّم ألف بمصر، ثم ولى نيابة حلب وبها مات فيما أظنّ وكان شجاعا مقداما. وتوفى الأمير سيف الدين قرطاى أتابك العساكر مخنوقا بطرابلس وقد تقدّم واقعته مع صهره أينبك البدرىّ وهو أحد رءوس الفتن وممن ولى أتابكيّة العساكر من إمرة عشرة، وكان قتله في شهر رمضان. وجميع هؤلاء من أصاغر الأمراء لم تسبق لهم رياسة ليعرف حالهم وإنما وثب كل واحد منهم على ما أراد فأخذه، فلم تطل مدّتهم وقتل بعضهم بعضا إلى أن تفانوا. وتوفّى القاضى صلاح الدين صالح بن أحمد بن عمر بن السّفّاح الحلبى الشافعىّ وهو عائد من الحج بمدينة بصرى «1» وكنيته أبو النّسك؛ ومولده في سنة اثنتى عشرة وسبعمائة بحلب وبها نشأ وولى بها وكالة بيت المال ونظر الأوقاف وعدّة وظائف أخر. وهو والد شهاب الدين أحمد كاتب سر حلب ثم مصر وكان كاتبا حسن التصرف، ذكره [زين الدين] أبو العزّ طاهر بن حبيب في تاريخه وأورد له نظما من ذلك: [الدّوبيت]

ما وقع من الحوادث سنة 780

لا نلت من الوصال ما أمّلت ... إن كان متى ما حلت عنّى حلت «1» أحببتكم طفلا وها قد شبت ... أبغى بدلا ضاق علىّ الوقت وتوفّى الأمير شهاب الدين أحمد ابن الأمير سيف الدين قوصون في ثانى عشر ذى الحجّة وكان من جملة أمراء الطبلخانات بمصر وله وجاهة في الدول. وتوفّى الأمير علاء الدين ألطنبغا بن عبد الله السلاح دار المعروف بأبى درقة «2» وكان أيضا من جملة أمراء مصر. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وأربعة وعشرون إصبغا. مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا واثنا عشر إصبغا. [ما وقع من الحوادث سنة 780] السنة الثانية من سلطنة الملك المنصور علىّ بن الأشرف شعبان على مصر وهي سنة ثمانين وسبعمائة فيها كانت وقعة الأمير تمرباى الأفضلىّ التّمرداشى نائب حلب مع التركمان. وتوفّى العلّامة شمس الدين أبو عبد الله محمد ابن الشيخ شهاب الدين أحمد بن أبى الحسن بن علىّ بن جابر الأندلسىّ المالكىّ الهوّارىّ بحلب عن سبعين سنة. وكان عالما بارعا في فنون كثيرة، وله نظم ونثر وله مصنّفات كثيرة. ومن شعره: [الخفيف] وقفت للوداع زينب لمّا ... رحل الرّكب والمدامع تسكب فالتقت بالبنان دمعى وحلو ... سكب دمعى على أصابع زينب

وتوفّى الشيخ الإمام العلامة ضياء الدين أبو محمد عبد الله ابن الشيخ سعد الدين سعد العفيفىّ القزوينىّ الشافعىّ الشهير بابن قاضى القرم بالقاهرة في ثالث عشر ذى الحجة عن نيّف وستين سنة. وكان من العلماء عارفا بعدّة علوم، كان يدرّس فى المذهبين: الحنفية والشافعية. وكتب إليه زين الدين طاهر بن حبيب يقول: [الخفيف] قل لربّ النّدى ومن طلب العل ... م مجدّا إلى سبيل السواء إن أردت الخلاص من ظلمة الجه ... ل فما تهتدى بغير الضياء فأجابه ضياء الدين: قل لمن يطلب الهداية منّى ... خلت لمع السّراب بركة ماء ليس عندى من الضياء شعاع ... كيف تبغى الهدى من اسم الضياء وتوفّى الشيخ الصالح الزاهد العابد الورع المعتقد شهاب الدين أبو العباس أحمد المعروف ببادار بالقدس الشريف عن نيّف وسبعين سنة، بعد أن كف بصره، وكان يعرف علم التصوّف وعلم الحرف جيّدا وللناس فيه اعتقاد كبير. رحمه الله تعالى ونفعنا ببركته. وتوفّى الشيخ صالح المعتقد أبو النّسك صالح بن نجم بن صالح المصرىّ المقيم بزاويته بمنية «1» الشّيرج من ضواحى القاهرة وبها مات ودفن في يوم الأربعاء خامس عشرين شهر رمضان عن نيف وستين سنة، وكان على قدم هائل من العبادة والزّهد والورع. وفيه يقول أبو العزّ طاهر بن حبيب: [الطويل] إذا رمت وجه الخير فالشيخ صالح ... عليك به فالقصد إذ ذاك ناجح وحىّ هلا وانشده في الحى منشدا ... ألا كلّ ما قرّت به العين صالح

وتوفّى الشيخ المعتقد الصالح المجذوب صاحب الكرامات الخارقة والأحوال العجيبة نهار المغربىّ الإسكندرىّ بها في يوم الاثنين سادس عشرين جمادى الأولى. وقيل يوم الثلاثاء ودفن بتربة الديماس داخل الإسكندرية- ومن كراماته: ما اتّفق له مع الأمير صلاح الدين خليل بن عرّام نائب الإسكندرية. وكان ابن عرام يخدمه كثيرا، فقال له الشيخ نهار: يا بن عرّام! ما تموت إلّا موسّطا أو مسمّرا، قبل قتل ابن عرّام بسنين، مرارا عديدة وابن عرام يقول له: فى الغزاة: إن شاء الله تعالى، فكان كما قال. وقد تقدّم ذلك. وتوفّى الشيخ الصالح المعتقد عبد الله الجبرتىّ الزّيلعىّ الحنفىّ في ليلة الجمعة سادس عشر المحرّم ودفن بالقرافة وقبره معروف بها يقصد للزيارة. وكان من عباد الله الصالحين: رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير شرف الدين موسى ابن الأزكشىّ في سادس عشر ذى القعدة بالمحلّة «1» من أعمال مصر وحمل إلى داره بالحسينية «2» وهو إذ ذاك من أمراء الطبلخانات وكان ديّنا عفيفا، تولّى ولايات جليلة منها: الأستادارية العالية والحجوبية واستقر فى أيام الملك الأشرف شعبان بن حسين مشير الدولة وكان إذا ركب يحمل مملوكه وراءه دواة ومزمّلة. وتوفّى الأمير سيف الدين أطلمش بن عبد الله الدوادار أحد أمراء الألوف بديار مصر فى شهر ربيع الآخر بدمشق «3» وقد أخرج إليها منفيا على إمرة مائة وتقدمة

ما وقع من الحوادث سنة 781

ألف لمّا ملك برقوق وبركة ديار مصر وصار لهما أمرها ونهيها وكان من أعيان الأمراء وهو أيضا أحد من قام على الملك الأشرف شعبان. وتوفّى القاضى علاء الدين علىّ بن عبد الوهاب بن عثمان بن محمد بن هبة الله ابن عرب محتسب القاهرة في ثالث عشر ذى الحجة بمكة بعد قضاء الحج. وتوفّى الأمير علاء الدين علىّ بن كلبك شادّ الدواوين في جمادى الآخرة وكان ولى في بعض الأحيان ولاية القاهرة. وتوفى الشيخ المعمّر سند الوقت صلاح الدين محمد بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله ابن الشيخ أبى عمر المقدسىّ، آخر من بقى من أصحاب ابن البخارىّ في شوّال بصالحية «1» دمشق. وتوفّى الأمير شرف الدين موسى بن محمد بن شهرى الكردىّ نائب سيس وكان فقيها شافعيا فاضلا كاتبا. قلت: وبنو شهرى معروفون: منهم جماعة إلى الآن في قيد الحياة ويلى بعضهم أعمال البلاد الحلبية في زماننا هذا. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستة أذرع واثنان وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعا وخمسة أصابع وقيل أربعة عشر. [ما وقع من الحوادث سنة 781] السنة الثالثة من سلطنة الملك المنصور علىّ على مصر وهي سنة إحدى وثمانين وسبعمائة فيها كان ركوب إينال اليوسفىّ على الأتابك برقوق وقد تقدّم ذكر الواقعة فى أصل هذه الترجمة. وفيها كان الكلام من الحائط كما تقدّم أيضا.

وفيها توفّى الشيخ تقىّ الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن علىّ الواسطىّ الأصل المصرىّ المولد والوفاة الشافعىّ المقرئ المحدّث الشهير بابن البغدادىّ، بعد ما عمى في يوم الأربعاء سادس عشرين شعبان بالقاهرة ومولده ببغداد سنة سبع وتسعين وستمائة وكان ولى قضاء المالكية بدمشق مدّة ثم صرف. كان فقيها نصدّر للإقراء بمدرسة «1» الحاج آل ملك والجامع الطولونىّ «2» وتولى مشيخة الحديث بالخانقاه «3» الشيخونية. وتوفّى الشيخ الإمام العالم أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن أبى بكر بن محمد ابن مرزوق العجيسىّ «4» التّلمسانىّ المغربىّ المالكىّ. كان من ظرفاء عصره، ترقى عند الملك الناصر حسن حتى صار صاحب سرّه وإمام جمعته ومنبره. ثم توجّه فى سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة إلى الأندلس خوفا من النّكبة، ثم عاد إلى مصر وتولّى عدّة تداريس وكان له سماع كثير وفضل غزير. وتوفّى الشيخ الإمام الأديب البارع المفتنّ الفقيه برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم ابن الشيخ الإمام المفتى شرف الدين عبد الله بن محمد بن عسكر بن مظفر بن نجم ابن شادى بن هلال الطائىّ الطّريفىّ القيراطىّ الشافعىّ بمكة المشرفة في ليلة الجمعة

العشرين من شهر ربيع الأوّل ودفن بالمعلاة بعد صلاة الجمعة والطّريفىّ «1» فخذ من طيئ والقيراطىّ نسبه إلى قيراط «2» وهي بلدة بالشرقية من أعمال الديار المصرية. ومولده ليلة الأحد حادى عشرين صفر من سنة ست وعشرين وسبعمائة. ونشأ بالقاهرة وطلب العلم ولازم علماء عصره إلى أن برع في الفقه والأصول والعربية ودرّس بعدّة مدارس وسمع الكثير وبرع في النظم وقال الشعر الفائق الرائق. وعندى أنه أقرب الناس في شعره لشيخه الشيخ جمال الدين بن نباتة من دون تلامذته ومعاصريه على ما سنذكره من شعره هنا وقد استوعبنا نبذة كبيرة في المنهل الصافى ومن شعره: [السريع]

تنفّس الصبح فجاءت لنا ... من نحوه الأنفاس مسكيّه وأطربت لى العود قمريّة ... وكيف لا تطرب عوديه «1» وله فى طبّاخ: [السريع] هويت طبّاخا له نصبة ... نيرانها للقلب جنّات يكسر أجفانا إذا ما رنا ... لها على الأرواح نصبات وله أيضا: [السريع] جفنى وجفن الحبّ قد أحرزا ... وصفين من نيلك يا مصر جفنى له يوم الوداع الوفا ... وجفه السّاحى له الكسر «2» وله أيضا: [مخلّع البسيط] لو لم يكن كفّه غماما ... ما أنبتت في الطروس رهرا نعم ولولاه بحر جود ... ما أبرز اللّفظ منه درّا ومن شعره- رحمه الله تعالى وعفا عنه- قصيدته «3» التى أوّلها: [الكامل] قسما بروضة خدّه ونباتها ... وبآسها المخضرّ في جنباتها وبسورة الحسن التي فى خدّه ... كتب العذار بخطّه آياتها وبقامة كالغصن إلا أننى ... لم أجن غير الصّد من ثمراتها لأعزّرنّ غصون بان زوّدت ... أعطافه بالقطع من عذباتها

وأباكرنّ رياض وجنّته التى ... ما زهرة الدنيا سوى زهراتها ولأصبحنّ للذّتى متيقّظيا ... ما دامت الأيام في غفلاتها كم ليلة نادمت بدر سمائها ... والشمس تشرق في أكفّ سقاتها وجرت بنادهم الليالى للصّبا ... وكؤوسنا غرر على جبهاتها فصرفت دينارى على دينارها ... وقضيت أعوامى على ساعاتها خالفت في الصّهباء كلّ مقلّد «1» ... وسعيت مجتهدا إلى حاناتها فتحيّر الخمّار أين دنانها ... حتى اهتدى بالطّيب من نفحاتها فشممتها ورأيتها ولمستها ... وشربتها وسمعت حسن صفاتها فتبعت كلّ مطاوع لا يخشنى ... عند ارتكاب ذنوبه تبعاتها يأتى إلى اللذات من أبوابها ... ويحجّ للصّهباء من ميقاتها عرف المدام بحسنها وبنوعها ... وبفضلها وصفاتها وذواتها يا صاح قد نطق الهزار «2» مؤذنا ... أيليق بالأوتار طول سكاتها فخذ ارتفاع الشمس من أقداحنا ... وأقم صلاة اللهو في أوقاتها إن كان عندك يا شراب بقيّة ... مما تزيل بها العقول فهاتها الخمر من أسمائها والدّرّ من ... تيجانها والمسك من نسماتها وإذا العقود من الحباب تنظّمت ... إيّاك والتفريط في حيّاتها أمحرّك الأوتار إن نفوسنا ... سكناتها وقف على حركاتها دار العذار بحسن وجهك منشدا ... لا تخرج الأقمار عن هالاتها كسرات جفنك كلّمت قلبى فلم ... يأت الصّحاح لنا بمثل لغاتها

والبدر يستر بالغيوم وينجلى ... كتنفّس الحسناء في مرآتها وتلا نسيم الروض فيها قارئا ... فأمال من أغصانها ألفاتها ومليحة أرغمت فيها عاذلى ... قامت إلى وصلى برغم وشاتها لا مال وجهى عن مطالع حسنها ... وحياة طلعة وجهها وحياتها يا خجلة الأغصان من خطراتها ... وفضيحة الغزلان من لفتاتها ما الغصن ميّاسا سوى أعطافها ... ما الورد محمرا سوى وجناتها وعدت بأوقات الوصال كأنّها ... ظنّت «1» سلامتنا إلى أوقاتها وتوفّى الشيخ المسند المعمّر ناصر الدين محمد الكردىّ الحرازىّ المعروف بالطّبردار في ثامن عشر شهر ربيع الأوّل وكان سمع الكثير وتفرّد بأشياء كثيرة، منها. «كتاب فضل الحيل» سمعه من مصنّفه الحافظ شرف الدين عبد المؤمن الدّمياطىّ وهو آخر من روى عنه. ووقع لنا سماع فضل الخيل المذكور من طريقه عاليا. وتوفّى الشيخ المعتقد حسن المغربىّ الصبّان الحاجاوىّ في العشرين من شهر ربيع الأوّل بداره بالحسينية ودفن بباب النصر. وتوفّى الأمير قارا بن مهنّا بن عيسى بن مهنا بن مانع بن حديثة بن غضبة ابن فضل بن ربيعة أمير آل فضل وملك العرب وكان كريما جليلا شجاعا مشكور السّيرة. وتولّى عوضه إمرة آل فضل زامل بن موسى. وتوفّى الشيخ الصالح المعتقد صالح الجزيرىّ ساكن جزيرة أروى أعنى الجزيرة «2» الوسطى بها في رابع شهر ربيع الأوّل ودفن بزاويته بالجزيرة الوسطى.

وتوفّى الأمير سيف الدين حطط بن عبد الله اليلبغاوىّ نائب حماة بها. وتولّى بعده الأمير طشتمر خازندار يلبغا أيضا. وكان حطط المذكور غير مشكور السّيرة وعنده ظلم وعسف وهو من الذين قاموا على أستاذهم يلبغا العمرىّ الخاصّكى حسب ما تقدّم ذكره. وتوفّى الأمير سيف الدين ماماق بن عبد الله المنجكىّ أحد أمراء الطبلخانات بالديار المصريّة فى يوم الخميس ثالث شعبان ودفن بتربته «1» عند دار الضّيافة «2» تجاه قلعة الجبل.

ما وقع من الحوادث سنة 782

وتوفّى الأمير ناصر الدين محمد ابن الأمير ألجيبغا العادلى نائب غزّة بها، بعد ما استعفى في سلخ جمادى الآخرة وتولى بعده نيابة غزة آقبغا بن عبد الله الدّوادار. وكان ابن ألجيبغا هذا شجاعا مقداما وله حرمة ووقار في الدولة. وتوفّى الأمير حاجّى بك بن شادى أحد أمراء الطبلخانات بالديار المصرية بها فى هذه السنة. وتوفّى الطواشى زين الدين ياقوت بن عبد الله الرّسولىّ شيخ الخدّام بالمدينة النبويّة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام- فى ليلة الجمعة سابع عشرين شهر رمضان- وكان من أعيان الخدّام، له وجاهة في الدول وثروة كبيرة. وتوفّى الأمير سيف الدين سطلمش بن عبد الله الجلالى بدمشق في ذى القعدة. وكان أوّلا من جملة أمراء مصر ثم نفى منها على إمرة في دمشق. وتوفّى القاضى شمس الدين محمد بن أحمد بن مزهر أحد موقّعى دمشق بها فى شوّال عن نحو الأربعين سنة وهو أخو القاضى بدر الدين محمد بن مزهر كاتب سرّ مصر. وفيها كان الطاعون بالديار المصرية وضواحيها ومات فيها عالم كثير جدّا. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستة أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعا وإصبعان. والله أعلم. [ما وقع من الحوادث سنة 782] السنة الرابعة من سلطنة الملك المنصور علىّ على مصر وهي سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة. فيها كانت الوقعة بين الأتابك برقوق العثمانىّ اليلبغاوىّ وبين خشداشه زين الدين بركة الجوبانىّ اليلبغاوىّ ومسك بركة وحبس ثم قتل حسب ما تقدّم ذكره وحسب ما يأتى أيضا في الوفيات.

وفيها حضر من بلاد الجركس الأمير آنص والد الأتابك برقوق وأخواته النسوة كما تقدّم ذكره. وفيها قتل ابن عرّام وقد تقدّم ذكره وكيفية تسميره في أواخر ترجمة الملك المنصور هذا، فلا حاجة لذكر ذلك ثانيا. وفيها توفّى ماماى ملك التتار وحاكم بلاد الدّشت «1» وكان ولى الملك بعد كلدى بك خان في سنة ثلاث وستين وسبعمائة، وكان من أجلّ ملوك الترك وأعظمهم، ومات قتيلا. وتوفّى الشيخ الإمام العلّامة جلال الدين محمد «2» المعروف بجار الله ابن الشيخ قطب الدين محمد بن الشيخ شرف الدين أبى الثناء محمود النّيسابورىّ الحنفىّ قاضى قضاة الديار المصرية عن نيفّ وثمانين سنة، بعد أن حكم خمس سنين وكانت ولايته بعد ابن منصور، وتولّى القضاء بعده صدر الدين بن منصور ثانيا. وكان عالما بارعا في فنون من العلوم وتولى مشيخة الصّرغتمشيّة بعد موت العلامة أرشد الدين السّرائىّ، وفيه يقول الأديب أبو العزّ زين الدين بن حبيب- رحمه الله تعالى-: [الكامل] لله جار الله حاكمنا الذي ... ما مثله يسعى له ويزار حبّا له وكرامة من ماجد ... حسنت خلائقه ونعم الجار ورثاه شهاب الدين بن العطار. [البسيط] قاضى القضاة جلال الدين مات وقد ... أعطاه ما كان يرجو بارئ النّسم حاشاه أن يحرم الراجى مكارمه ... أو يرجع الجار منه غير محترم

وتوفّى الأمير الكبير زين الدين بركة بن عبد الله الجوبانىّ اليلبغاوىّ رأس نوبة الأمراء وأطابك الديار المصريّة مقتولا بثغر الإسكندرية بيد صلاح الدين خليل ابن عرّام نائب الثغر المذكور في شهر رجب. وقد ذكرنا ما وقع لابن عرّام بسببه من الضرب والتّسمير والتّقطيع بالسيوف في ترجمة الملك المنصور هذا. كان بركة من مماليك يلبغا وصار من بعده في خدمة أولاد الملك الأشرف شعبان إلى أن كانت قتلة الملك الأشرف شعبان، قام هو وخشداشه برقوق مع أينبك فأنعم أينبك على كلّ منهما بإمرة طبلخاناه دفعة واحدة من الجنديّة وندبهما بعد شهر للسفر مع الجاليش إلى الشام فاتّفق بركة هذا مع خشداشيته ووثبوا على أخى أينبك حتى كان من أمر أينبك ما ذكرناه، صار بركة هذا أمير مائة ومقدّم ألف هو وبرقوق وأقام على ذلك مدّة. ثم اتّفق مع برقوق وخشداشيته على مسك الأمير طشتمر العلائىّ الدّوادار فمسك طشتمر بعد أن قاتلهم، ومن يوم ذاك استبدّ برقوق بالأمر وبركة هذا شريكه فيه وصار برقوق أتابك العساكر وبركة أطابك رأس نوبة الأمراء، وحكما مصر إلى أن وقع الخلف بينهما وتقاتلا، فانتصر برقوق على بركة هذا وأمسكه وحبسه بثغر الإسكندرية إلى أن قتله ابن عرّام، حسب ما تقدّم ذكر ذلك كلّه فى ترجمة الملك المنصور. وإنما ذكرناه هنا ثانيا تنبيها لما تقدّم، فكان بركة ملكا جليلا شجاعا مهابا تركىّ الجنس وفيه كرم وحشمة وله المآثر بمكة المشرّفة وبطريق الحجاز الشريف وغيره. رحمه الله تعالى. وتوفّى قاضى «1» القضاة جلال الدين أبو المعالى محمد ابن قاضى القضاة نجم الدين محمد ابن قاضى القضاة فخر الدين عثمان بن جلال الدين أبى المعالى علىّ بن

شهاب الدين أحمد بن عمر بن محمد الزّرعىّ الشافعىّ سبط الشيخ جمال الدين الشّريشىّ في هذه السنة وقد قارب الأربعين سنة، وكان قد ولى قضاء حلب وحمدت سيرته. وتوفّى الوزير الصاحب تاج الدّين عبد الوهّاب المكّىّ المعروف بالنّشو فى المصادرة تحت العقوبة عن نيّف وستين سنة، بعد أن ولى الوزارة أربع مرّات. وكان مشكورا في وزارته محسنا لأصحابه. وهذا النّشو غير النشو «1» الذي تقدّم ذكره فى دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون. وتوفّى الأمير سيف الدين منكلى بغا بن عبد الله الأحمدىّ البلدىّ نائب حلب بها ودفن خلف تربة قطلوبغا الأحمدىّ بين الجوهرىّ والجمالية. وكان من أجلّ الأمراء وممّن طالت أيامه في السعادة، ولى نيابة طرابلس وحماة وحلب مرّتين، مات فى الثانية وعدّة وظائف بالديار المصريّة، وكان حازما هيوبا كريما ذا مروءة كاملة وتحشّم. وكان يقول: كلّ أمير لا يكون مصروف سماطه نصف إقطاعه ما هو أمير. وتوفّى الأمير الطّواشى زين الدين مختار السّحرتىّ الحبشىّ مقدّم المماليك السلطانية وكان صاحب معروف وصدقة وفيه كرم مع تحشّم. وتوفّى قاضى القضاة شرف الدين أبو العباس أحمد بن نور الدين علىّ بن أبى البركات منصور الدّمشقىّ الحنفىّ قاضى قضاة الديار المصريّة، وليها ثم عزل نفسه وكان من أعيان العلماء. رحمه الله تعالى. وتوفّى الشيخ الإمام نور الدين أبو الحسن علىّ بن ألجاوىّ (بالجيم) أحد فقهاء المالكيّة في رابع عشر ذى الحجة، بعد ما أفتى ودرّس وأشغل.

ما وقع من الحوادث سنة 783

وتوفّى الشيخ الإمام المقرئ شمس الدين أبو عبد الله المعروف بالحكرىّ الشافعى فى ذى الحجة بالقاهرة، وكان فقيها فاضلا بارعا في القراءات. وتوفّى الشيخ الصالح المعتقد زين الدين محمد بن الموّاز في شهر ربيع الأوّل، وكان صاحب عبادة وللناس فيه اعتقاد حسن وتوفّى الشيخ الإمام شمس الدين محمد بن نجم بن عمر بن محمد بن عبد الوهّاب ابن محمد بن ذؤيب الأسدىّ الدّمشقى المعروف بابن قاضى شهبة أحد أعيان الفقهاء الشافعية في ثامن المحرّم. ومولده ليلة الثلاثاء العشرين من شهر ربيع الأوّل سنة إحدى وتسعين وستمائة بدمشق. وكان بارعا فقيها مدرّسا مفتنّا. وتوفّى الشيخ زين الدين أبو محمد ححّىّ بن موسى بن أحمد بن سعد السّعدىّ الحسبانىّ الشافعىّ الدّمشقىّ في ليلة الأربعاء سابع عشر صفر، وكان أحد فقهاء الشافعية بدمشق، وحجّى هذا هو والد بنى حجىّ رؤساء دمشق في عصرنا. انتهى. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستة أذرع وستة أصابع. مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وأربعة أصابع- انتهى. [ما وقع من الحوادث سنة 783] ذكر سلطنة الملك الصالح حاجىّ الأولى على مصر السلطان الملك الصالح صلاح الدين أمير حاج ابن السلطان الملك الأشرف شعبان ابن الأمير الملك الأمجد حسين ابن السلطان الملك الناصر محمد ابن السلطان الملك المنصور قلاوون وهو الرابع والعشرون من ملوك الترك بالديار المصرية. تسلطن بعد وفاة أخيه الملك المنصور علاء الدين علىّ في يوم الاثنين رابع عشرين صفر سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة.

وخبر سلطنته أنه لمّا مات أخوه الملك المنصور علىّ تكلّم الناس بسلطنة الأتابك برقوق العثمانىّ وأشيع ذلك فعظمت هذه المقالة على أكابر أمراء الدولة وقالوا: لا نرضى أن يتسلطن علينا مملوك يلبغا وأشياء من هذا النّمط، وبلغ برقوقا ذلك، فخاف ألّا يتمّ له ذلك، فجمع برقوق الأمراء والقضاة والخليفة في اليوم المذكور بباب الستارة بقلعة الجبل وتكلم معهم في سلطنة بعض أولاد الأشرف شعبان، فقالوا له: هذا هو المصلحة وطلبوهم من الدور السلطانية وحضر أمير حاج هذا من جملة الإخوة، فوجدوا بعضهم ضعيفا بالجدرى والبعض صغيرا، فوقع الاختيار على سلطنة أمير حاج هذا، لأنه كان أكبرهم، فبايعه الخليفة وحلف له الأمراء وباسوا يده ثم قبّلوا له الأرض، ولقّب بالملك الصالح وهو الذي غيّر لقبه فى سلطنته الثانية بالملك المنصور، ولا نعرف سلطانا تغيّر لقبه غيره، وذلك بعد أن خلع برقوق وحبس بالكرك على ما سنذكره إن شاء الله تعالى مفصّلا في وقته- انتهى. ولمّا تمّ أمر الملك الصالح هذا ألبسوه خلعة السلطنة وركب من باب الستارة بأبّهة الملك وبرقوق والأمراء مشاة بين يديه إلى أن نزل إلى الإيوان بقلعة الجبل وجلس على كرسىّ الملك وقبّلت الأمراء الأرض بين يديه، ثم مدّ السّماط وأكلت الأمراء. ثم قام السلطان الملك الصالح ودخل القصر وخلع على الخليفة المتوكّل على الله خلعة جميلة ونودى بالقاهرة ومصر بالأمان والدعاء للملك الصالح حاجّى وخلع على الأتابك واستقرّ على عادته أتابك العساكر ومدبّر الممالك لصغر سنّ السلطان، وكان سنّ السلطان يوم تسلطن نحو تسع سنين تخمينا. ثم في سابع عشرين صفر المذكور جلس السلطان الملك الصالح بالإيوان للخدمة على العامه. ثم قام ودخل القصر، بعد أن حضر الخليفة والقضاة والأمراء والعساكر

وقرئ تقليد السلطان الملك الصالح عليهم، وعند فراغ القراءة أخذ بدر الدين محمد ابن فضل الله كاتب السر التقليد وقدّمه للخليفة فعلّم عليه بخطّه وخلع السلطان على القضاة وعلى كاتب السّر المذكور. وانفضّ الموكب وأخذ برقوق في التكلّم في الدولة على عادته من غير معاند وفي خدمته بقية الأمراء يركبون في خدمته وينزلون عنده ويأكلون السّماط. وأما القضاة والنوّاب بالبلاد الشاميّة وأرباب الوظائف بالديار المصريّة فى هذه الدولة، فكان أتابك العساكر برقوق العثمانىّ اليلبغاوى ورأس نوبة الأمراء أيتمش البجاسىّ وأمير سلاح علّان الشّعبانىّ وأمير مجلس ألطنبغا الجوبانىّ اليلبغاوىّ والدوادار الكبير آلابغا العثمانىّ والأمير آخور جركس الخليلىّ وحاجب الحجّاب مأمور القلمطاوى اليلبغاوى وأستادار العالية بهادر المنجكىّ ورأس نوبة ثانى- أعنى رأس نوبة النّوب في زماننا- قردم الحسنى وهؤلاء غير نائب السلطنة وهو الأمير آقتمر عبد الغنى وغير أيدمر الشمسى وهما من أجل الأمراء وأقدمهم هجرة، يجلس الواحد عن يمين السلطان والآخر عن يساره. والقضاة: الشافعىّ برهان الدين بن جماعة والحنفىّ صدر الدين بن منصور والمالكىّ علم الدين البساطىّ والحنبلىّ ناصر الدين العسقلانىّ وكاتب السر بدر الدين ابن فضل الله العمرى والوزير شمس الدين المقسى وناظر الجيش والمحتسب جمال الدين محمود القيصرى العجمىّ وناظر الخاصّ هو ابن المقسى أيضا، ونائب دمشق إشقتمر الماردينى ونائب حلب إينال اليوسفىّ ونائب طرابلس كمشبغا الحموى ونائب حماة طشتمر القاسمى ونائب صفد الأمير الكبير طشتمر العلائىّ، نقل إليها من القدس ونائب غزّة آقبغا بن عبد الله ونائب إسكندريّة بلّوط الصّرغتمشىّ.

والذين هم معاصروه من ملوك الأقطار: صاحب بغداد وتبريز وما والاهما الشيخ حسين بن أويس وصاحب ماردين الملك الظاهر مجد الدين عيسى وصاحب اليمن الملك الأشرف ابن الملك الأفضل وصاحب مكّة الشريف أحمد بن عجلان وصاحب المدينة الشريفة عطية بن منصور وصاحب سيواس القاضى برهان الدين أحمد وصاحب بلاد قرمان الأمير علاء الدين وصاحب بلاد سمرقند وما والاها تيمور لنك كوركان وصاحب بلاد الدّشت طقتمش خان من ذرية جنجز خان انتهى. ولمّا كان يوم الخميس ثالث شهر ربيع الآخر: أنعم على الأمير تغرى برمش بتقدمة ألف بديار مصر بعد وفاة أمير علىّ بن قشتمر المنصورى. ثم أنعم على سودون الشيخونى بتقدمة ألف أيضا واستقرّ حاجبا ثانيا عوضا عن علىّ بن قشتمر المنصورى. ثم بعد مدّة استقرّ تغرى برمش المقدّم ذكره أمير سلاح بعد وفاة علّان الشعبانىّ. ثم استقرّ مأمور القلمطاوى حاجب الحجّاب في نيابة حماة بعد وفاة طشتمر خازندار يلبغا العمرى. ثم طلب يلبغا الناصرى من دمشق وكان منفيّا بها على تقدمة ألف، فحضر فى آخر شعبان، فتلقاه الأتابك برقوق والأمراء وترجّل له برقوق وأركبه مركوبا من مراكيبه وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالقاهرة وأجلس راس ميسرة فوق أمير سلاح فلم تطل مدّته بديار مصر وأخلع عليه بنيابة حلب في يوم الخميس ثانى شوّال بعد عزل إينال اليوسفى وطلبه إلى مصر، فلما وصل إينال إلى غزّة قبض عليه وأرسل الى سجن الكرك. ثم أنعم الأتابك برقوق على دواداره الأمير يونس النوروزى بتقدمة ألف بمصر عوضا عن يلبغا الناصرى وخلع على الأمير جركس الخليلى الأمير آخور الكبير واستقرّ مشير الدولة ورسم للوزير ألا يتكلم في شىء إلا بعد مراجعته.

وفي العشر الأخير من شوّال أنعم على قطلوبغا الكوكائىّ بتقدمة ألف بعد وفاة الأمير آنص والد الأتابك برقوق العثمانىّ الذي قدم قبل تاريخه من بلاد الجركس، يأتى ذكر وفاته في الوفيات. ثم في يوم الاثنين تاسع ذى الحجّة من سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة تخلّى الأمير تغرى برمش أمير سلاح عن إمرته ووظيفته وتوجّه إلى جامع قوصون ليقيم به بطّالا، فأرسل الأتابك إليه الأمير سودون الشيخونى الحاجب الثانى وقردم الحسنى رأس توبة وتوجّها إليه وسألاه أن يرجع إلى وظيفته وإمرته فلم يرجع لها، فعادا بالجواب إلى برقوق بذلك. ثم إنّ تغرى برمش المذكور ندم من ليلته وأرسل يسأل الشيخ أكمل الدين شيخ الشيخونية أن يسأل برقوقا أن يعيده إلى إمرته ووظيفته فأرسل أكمل الدين إلى برقوق بذلك فلم يقبل برقوق ورسم بخروجه إلى القدس ماشيا، فأخرجه النّقباء إلى قبة النصر ماشيا. ثم شفع فيه فركب وسار إلى القدس. ثم في العشر الأخير من شعبان أجرى جركس الخليلى الأمير آخور الماء إلى الميدان من تحت القلعة إلى الحوض الذي على بابه. قلت: وإلى الآن الحوض باق على حاله بلا ماء. ثم في التاريخ المذكور أخرج الأمير جركس الخليلى فلوسا جددا من الفلوس العتق، منها فلس زنته أوقيّة بربع درهم وفلس زنته نصف أوقية وفلس بفلسين. فلما فعل ذلك وقف حال الناس وحصل الغلاء وقلّ الجالب؛ فلمّا بلغ الأتابك برقوقا أمر بإبطالها، وفي المعنى يقول الشيخ شهاب الدين أحمد بن العطار- رحمه الله تعالى: [البسيط]

تغيير عتق فلوس قد أضرّ فكم ... حوادث جدد جلّت من العدد فكيف تمشى علاقات الأنام إذا ... والحال واقفة بالعتق والجدد وقالت العامّة- لمّا فعل الخليلى ذلك ورسم بنقش اسمه على الفلوس-: الخليلى من عكسو، نقش اسمو على فلسو. انتهى. ثم حضر إلى الديار المصرية في ذى الحجّة الأمير كمشبغا الحموى نائب طرابلس وكان السلطان والأتابك برقوق في الصيد بناحية كوم برا «1» ؛ فأخلع السلطان عليه باستمراره على نيابة طرابلس. ثم في يوم الخميس ثالث المحرّم سنة أربع وثمانين وسبعمائة استقرّ سودون الفخرى الشيخونى حاجب الحجاب بالديار المصرية، وكانت شاغرة من العام الماضى منذ توجّه مأمور القلمطاوى إلى نيابة حماة. ثم أرسل الأتابك برقوق بكلمش الطازى العلائى إلى دمياط «2» لإحضار بيدمر الخوارزمى المعزول عن نيابة دمشق قبل تاريخه فحضر في العشرين من المحرّم وتلقّاه الأتابك برقوق من البحر «3» وخلع عليه باستقراره في نيابة دمشق على عادته عوضا عن إشقتمر الماردينى. وفي سلخ صفر تولّى القاضى بدر الدين بن أبى البقاء قضاء الشافعية بديار مصر عوضا عن قاضى القضاة برهان الدين بن جماعة ورسم بانتقال مأمور القلمطاوى من

نيابة حماة إلى نيابة طرابلس عوضا عن كمشبغا الحموى بحكم انتقال كمشبغا إلى دمشق على خبز جنتمر أخى طاز بحكم توجّه جنتمر إلى القدس بطّالا ونقل إلى نيابة حماة الأمير الكبير طشتمر العلائى الدّوادار الذي كان قبل تاريخه حكم مصر، وتولّى نيابة صفد بعد طشتمر الدوادار تلو حاجب حجّاب دمشق. وفي العشر الأوسط من شعبان نام الأتابك برقوق بمبيته بسكنه بالإسطبل السلطانىّ وقعد شيخ الصّفوىّ الخاصّكى يكبّسه وبينما هو نائم مسكه شيخ المذكور فى جنبه قويّا خارجا عن الحدّ، فقعد برقوق من اضطجاعه وقال له: ما الخبر؟ فقال: إنّ مملوكك أيتمش اتّفق مع مماليك الأسياد الذين في خدمتك ومعهم بطا الأشرفىّ على أنهم الساعة يقتلونك، فسكت برقوق وجلس على حاله، فإذا أيتمش المذكور دخل عليه فقام برقوق وأخذ بيده قوسا وضربه به ضربة واحدة صفحا أرماه وأمر بمسكه وقال له: يا متخنّث! الذي يأخذ الملك ويقتل الملوك يقع من ضربة واحدة. ثم مسك بطا الخاصّكى وخرج برقوق وجلس بالإسطبل وطلب سائر الأمراء الكبار والصغار، فطلع الجميع إليه في الحال فكلّمهم بما سمع وجرى ثم أمسك من مماليك الأسياد نحو سبعة عشر نفرا؛ منهم: كزل الحططىّ، ويلبغا الخازندار الصغير وجماعة من رءوس نوب الجمداريّة عنده. ثم في صبيحة نهاره أمسك جماعة من رءوس نوب الجمدارية وجماعة أخر تتمة خمسة وستين نفرا من مماليك الأسياد وهرب من بقى منهم. فالذين كان قبض عليهم اوّل يوم حبسهم بالبرج «1» من قلعة الجبل والذين مسكهم من الغد حبسهم بخزانة شمائل «2» . ثم أنزل بطا الخاصّكى الأشرفىّ وأيتمش إلى خزانة شمائل. ثم أمسك الأتابك

برقوق الأمير ألابغا العثمانى الدوادار الكبير وأحد مقدّمى الألوف بالديار المصرية وسجنه. ثم أخرجه على إمرة طبلخاناه بطرابلس. ثم نقله بعد مدّة يسيرة إلى تقدمة ألف بدمشق. ثم في يوم السبت مستهل شهر رمضان أخرج برقوق من خزانة شمائل ثلاثة وأربعين مملوكا من الممسوكين قبل تاريخه، وأمر بتخشيبهم وتقييدهم ومشوا وهم مزنجرين بالحديد. ومعهم سودون الشّيخونىّ حاجب الحجّاب ونقيب الجيش إلى أن أوصلوهم إلى مصر القديمة وأنزلوهم إلى المراكب، وصحبتهم جماعة من الجبليّة فتوجّهوا بهم إلى قوص. وكان سبب اتفاق هؤلاء المماليك على برقوق وقتله بسكنه بباب السلسلة لفرصة كانت وقعت لهم باشتغال الأمير جركس الخليلى الأمير آخور بجسر كان عمّره بين الروضة ومصر في النيل. وخبره أنه لمّا كان في أوائل شهر ربيع الأوّل من هذه السنة اهتمّ الأمير جركس الخليلىّ المذكور في عمل جسر «1» بين الرّوضة وبين جزيرة «2» أروى المعروفة بالجزيرة الوسطى، طوله نحو ثلاثمائة قصبة وعرضه عشر قصبات وأقام هو بنفسه على عمله ومماليكه وجعل في ظاهر الجسر المذكور خوازيق «3» من سنط وسمّر عليها أفلاق نخل، جعلها على الجسر كالستارة تقيه من الماء عند زيادته، وانتهى العمل منه في آخر شهر ربيع الآخر. ثم حفر في وسط البحر خليجا من الجسر المذكور إلى زريبة «4» قوصون ليمرّ الماء فيه عند زيادته. ويصير البحر ممرّه دائما منه صيفا

وشتاء. وغرّم على هذا العمل أموالا كثيرة فلم يحصل له ما أراد على ما يأتى ذكره. وفي هذا المعنى يقول الأديب شهاب الدين أحمد بن العطار. [الخفيف] شكت النّيل أرضه ... للخليلى فأحضره ورأى الماء خائفا ... أن يطأها فجسّره وقال في المعنى شرف الدين عيسى بن حجّاج العالية- رحمه الله تعالى-[الكامل] جسر الخليلى المقرّ لقد رسا ... كالطّود وسط النّيل كيف يريد فإذا سالتم عنهما قلنا لكم ... : ذا ثابت دهرا وذاك يزيد فهذا هو الذي كان أشغل الخليلى عن الإقامة بالإسطبل السلطانى. وأيضا لما كان خطر في نفوسهم من الوثوب على الملك فإنه من يوم قتل الملك الأشرف شعبان وصار طشتمر اللّفّاف من الجنديّة أتابك العساكر. ثم من بعده قرطاى الطازى. ثم من بعده أينبك البدرى. ثم من بعده قطلقتمر. ثم الأتابك برقوق وبركة، وكلّ من هؤلاء كان إمّا جنديّا أو أمير عشرة وترقّوا إلى هذه المنزلة بالوثوب وإقامة الفتنة، طمع كلّ أحد أن يكون مثلهم ويفعل ما فعلوه فذهب لهذا المعنى خلائق ولم يصلوا إلى مقصودهم. انتهى. واستمرّ الأتابك برقوق بعد مسك هؤلاء في تخوّف عظيم واحترز على نفسه من مماليكه وغيرهم غاية الاحتراز. فأشار عليه بعد ذلك أعيان خشداشيّته وأصحابه مثل: أيتمش البجاسى وألطنبغا الجوبانى أمير مجلس وقردم الحسنىّ وجركس الخليلى ويونس النّوروزىّ الدوادار وغيرهم- أن يتسلطن ويحتجب عن الناس ويستريح ويريح من هذا الذي هو فيه من الاحتراز من قيامه وقعوده. فجبن عن الوثوب على السلطنة وخاف عاقبة ذلك فاستحثّه من ذكرناه من الأمراء، فاعتذر بأنّه يهاب قدماء

الأمراء بالديار المصريّة والبلاد الشامية. فركب سودون الفخرى الشيخونى حاجب الحجّاب ودار على الأمراء سرّا حتّى استرضاهم، ولا زال بهم حتّى كلّموا برقوقا فى ذلك وهوّنوا عليه الأمر وضمنوا له أصحابهم من أعيان النّوّاب والأمراء بالبلاد الشامية، وساعدهم في ذلك موت الأمير آقتمر عبد الغنى، فإنّه كان من أكابر الأمراء، وكان برقوق يجلس في الموكب تحته لقدم هجرته وكذلك بموت الأمير أيدمر الشّمسى، فإنه كان أيضا من أقران آقتمر عبد الغنى، فماتا في سنة واحدة على ما يأتى ذكرهما في الوفيات- إن شاء الله تعالى. فعند ذلك طابت نفسه وأجاب، وصار يقدّم رجلا ويؤخر أخرى، حتّى كان يوم الأربعاء تاسع عشر شهر رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة طلع الأمير قطلوبغا الكوكائى أمير سلاح وألطنبغا المعلّم رأس نوبة إلى السلطان الملك الصالح أمير حاجّ صاحب التّرجمة، فأخذاه من قاعة الدّهيشة «1» وأدخلاه إلى أهله بالدور السلطانية، وأخذا منه النّمجاة وأحضراها إلى الأتابك برقوق العثمانى، وقام بقيّة الأمراء من أصحابه على الفور وأحضروا الخليفة والقضاة وسلطنوه؛ على ما سنذكره في أوّل ترجمته، بعد ذكر حوادث سنين الملك الصالح هذا على عادة هذا الكتاب. إن شاء الله تعالى. وخلع الملك الصالح من السلطنة، فكانت مدّة سلطنته على الديار المصريّة سنة واحدة وسبعة أشهر تنقص أربعه أيام، على أنه لم يكن له في السلطنة من الأمر والنهى لا كثير ولا قليل. واستمرّ الملك الصالح عند أهله بقلعة الجبل إلى أن أعيد للسلطنة ثانيا، بعد خلع الملك الظاهر برقوق من السلطنة وحبسه بالكرك في واقعة يلبغا الناصرىّ ومنطاش؛ كما سيأتى ذكر ذلك مفصّلا.

السنة الأولى من سلطنة الملك الصالح أمير حاج الأولى على مصر

السنة الأولى من سلطنة الملك الصالح أمير حاج الأولى على مصر وهي سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة. على أنّ أخاه الملك المنصور عليا حكم فيها من أوّلها إلى ثالث عشرين صفر؛ حسب ما تقدّم ذكره في وفاته. فيها (أعنى سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة) توفّى قاضى «1» القضاة عماد الدين أبو الفداء إسماعيل ابن الشيخ شرف الدين أبى البركات محمد بن أبى العزّ بن صالح الدمشقى الحنفى قاضى قضاة دمشق بها عن نيّف وتسعين سنة. وكان فقيها رئيسا من بيت علم ورياسة بدمشق. وهم يعرفون ببنى أبى العز وبنى الكشك. وتوفّى قاضى القضاة كمال الدين أبو القاسم عمر ابن قاضى القضاة فخر الدين أبى عمر عثمان بن الخطيب هبة الله المعرّى «2» الشافعىّ بدمشق عن إحدى وسبعين سنة بعد أن حكم بها خمس سنين. وكان تنقّل في البلاد وولّى قضاء طرابلس وحلب ودمشق غير مرة؛ وكان فقيها عارفا بالأحكام خبيرا بالأمور. وتوفّى الشيخ الإمام العالم شهاب «3» الدين أبو العباس أحمد بن حمدان بن أحمد ابن عبد الواحد الأذرعىّ الشافعىّ بحلب عن نيف وسبعين سنة. وكان عديم النظير، فقيها عالما، شرح «منهاج النّووى» . واستوطن حلب وولى بها التدريس ونيابة الحكم إلى أن توفّى. رحمه الله.

وتوفّى الشيخ الإمام العالم الفاضل ركن الدين أحمد القرمىّ الحنفى الشهير بقاضى قرم ومفتى دار العدل «1» بالديار المصرية بها عن ثمانين سنة. واستقر عوضه في إفتاء دار العدل الشيخ شمس الدين محمد النيسابورىّ ابن أخى جار الله الحنفىّ. وكان ركن الدين فاضلا عارفا بمذهبه، ناب في الحكم عن قاضى القضاة جلال الدين جار الله، وكان معدودا من أعيان فقهاء مصر. وتوفّى شيخ الشيوخ نظام الدين إسحاق ابن الشيخ مجد الدين عاصم ابن الشيخ سعد الدين محمد الأصبهانىّ الحنفىّ في ليلة الأحد ثالث عشر وبيع الآخر؛ قاله المقريزىّ. وخالفه العينى؛ بأن قال: فى المحرم سنة ثمانين ولم يوافق لا في الشهر ولا في السنة. والصواب: المقالة الأولى. وكان قدم إلى القاهرة وتولّى مشيخة خانقاه «2» سرياقوس، ثم توجه في الرّسلية إلى بلاد الهند وعاد وقد كثر ماله، حتى إنه أهدى الذهب فى الأطباق. ومما يدلّ على اتساع ماله عمارته الخانقاه بالقرب من قلعة الجبل تجاه باب الوزير على بعد متر شرقىّ الجبل وهي في غاية الحسن. وكان له همة ومكارم، حدّثنى حفيده بأشياء كثيرة من مكارمه وفضله وأفضاله. توفّى الشيخ جمال الدين عبد الله بن محمد بن حديدة الأنصارى أحد الصوفية بالخانقاه «3» الصلاحية سعيد السعداء في سادس عشرين شعبان. وكان يروى الشّفاء وثلاثيّات «البخارى» وغير ذلك. وصنّف كتاب «المصباح المضئ» فى كتّاب النبي عليه السلام ومكاتباته. وتوفّى الأمير سيف الدين مازى بن عبد الله اليلبغاوىّ أحد أمراء الطلبخانات بالديار المصرية بها.

وتوفّى السيد الشريف عطية بن منصور بن جمّاز بن شيحة الحسنىّ أمير المدينة النبويّة بها وتولى بعده ابن أخيه جمّاز بن هبة الله وكان كريما عادلا. رحمه الله. وتوفّى الأمير آنص العثمانىّ الجركسىّ والد الأتابك برقوق العثمانىّ أحد مقدّمى الألوف بالديار المصرية في العشر الأوسط من شوّال وقد جاوز ثمانين سنة من العمر، أقام عمره في بلاد الجزكس، حتى هداه الله تعالى للإسلام على يد ولده الأتابك برقوق، وقدم القاهرة كما تقدّم ذكره في ترجمة الملك المنصور علىّ وأسلم وحسن إسلامه وأقام بعد ذلك دون السنتين ومات. ومع هذه المدة القصيرة من إسلامه أظهر فيها عن دين كبير وخير وصدقات كثيرة ومحبّة لأهل العلم وشفقة على الفقراء وأهل الصّلاح. وكان لا يدّخر شيئا من المال، بل كان مهما حصل في يده فرّقه في الحال على الفقراء والمساكين. أخبرنى جماعة من خدمه أنّه كان إذا ركب ولقى في طريقه أحدا من المحابيس المكدّين يأخذه من جنداره ويطلقه في الحال من زبحيره، ولم يقدر أحد أن يردّه عن ذلك، فمنع برقوق من خروج المحابيس للتّكدّى خوفا من أن يطلقهم، فإنّه كان إذا رأى أحدا منهم يسأل من مماليكه هذا مسلم أم كافر؟ فيقولون له: مسلم؛ فيقول: كيف يفعل بمسلم هكذا في بلاد الإسلام! أطلقوه فيطلق في الحال. ومات قبل سلطنة ولده برقوق ودفن بتربة «1» الأمير يونس الدوادار

برأس الروضة خارج باب البرقية من القاهرة، ثم نقل بعد فراغ مدرسة ولده البرقوقية ببين القصرين إلى الدفن بها في القبّة. وتوفّى الأمير الكبير سيف آقتمر بن عبد الله من عبد الغنى نائب السلطنة بالديار المصرية بالقاهرة في هذه السنة، بعد أن باشر عدّة أعمال ووظائف مثل: نيابة صفد، وطرابلس، ودمشق، وحجوبّية الحجّاب بديار مصر، وإمرة جاندار، ونيابة السلطنة بها مرتين. وبموته خلا الجوّ للأتابك برقوق وتسلطن، مع أنه كان عديم الشر، غير أنه كان مطاعا في الدولة يرجع إلى كلامه، فكان برقوق يراعيه ويجلس تحته إلى أن مات في تاسع عشرين جمادى الآخرة. وتوفّى الأمير الكبير عزّ الدين أيدمر بن عبد الله الشمسى أحد أكابر أمراء الألوف بالديار المصريّة بها في ثالث عشر «1» صفر وقد جاوز الثمانين سنة. وكان أصله من مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون، أقام أميرا نحوا من ستين سنة، وهو أيضا ممّن كان برقوق يخشاه ويعظّمه ويجلس تحته حتّى في يوم حضور والد برقوق بخانقاة سرياقوس، جلس برقوق تحته في الملأ من الناس، فبموت هؤلاء صفا الوقت لبرقوق وإن كان بقى من القدماء إشقتمر الماردينىّ بأيدمر الخوارزمىّ، فهما ليس كهؤلاء فإنهما لحبّهما لنيابة دمشق وغيرها يتواضعا لأصحاب الشوكة. انتهى وكان أيدمر الشمسىّ هذا كونه مملوك ابن قلاوون يجلس عن اليمين وآقتمر عبد الغنى عن اليسار. وتوفّى الأمير سيف الدين طشتمر بن عبد الله القاسمىّ المعروف بخازندار يلبغا العمرىّ نائب حماة في هذه السنة في شهر رجب بعين «2» تاب صحبة العساكر الشاميّة.

وكان من أجلّ مماليك يلبغا العمرىّ وأكابرهم، وتولّى بعده نيابة حماة مأمور القلمطاوىّ اليلبغاوىّ حاجب الحجّاب. وتوفّى الأمير علّان بن عبد الله الشعبانىّ أمير سلاح في ثمانى عشر شهر ربيع الآخر وهو أحد أعيان مماليك يلبغا، وكان من حزب برقوق وقام معه في نوبة واقعة بركة أتمّ قيام وكان برقوق لا يخرج عن رأيه. وتوفّى خواجا فخر الدين عثمان بن مسافر جالب الأتابك برقوق من بلاده ثم جالب أبيه وإخوته إلى الديار المصريّة بالقاهرة في سادس عشر شهر رجب. وكان رجلا مقداما عاقلا وقورا، نالته السعادة لجلبه الأتابك برقوق ومات وهو من أعيان المملكة. وكان برقوق إذا رآه قام له من بعد وأكرمه وقبل شفاعته وأعطاه ما طلب. وتوفّى الشيخ الفقير المعتقد على الشامىّ بالقاهرة في خامس صفر وكان يعرف بأبى لحاف. وتوفّى الأمير علاء الدين على بن قشتمر الحاجب الشهير بالوزيرىّ في تاسع عشرين شهر ربيع الآخر، كان أمير مائة ومقدّم ألف بديار مصر وكان من خواصّ برقوق وأحد من قام معه في وقائعه وساعده. وتوفّى الأستاذ شمس الدين محمد بن محمد بن محمد المعروف بابن السّورى العمّارى الموصلى العوّاد المغنّى- نسبته بالعمّارى إلى عمّار بن ياسر الصحابىّ رضى الله عنه- فى يوم العشرين من صفر بالقاهرة، وقد انتهت إليه الرئاسة في ضرب العود والموسيقى ونالته السعادة من أجلها، حتّى إنّه كان إذا مرض عاده جميع أعيان الدولة.

ما وقع من الحوادث سنة 784

قلت: وهو صاحب التصانيف الهائلة في الموسيقى. وتوفّيت المسندة المعمّرة جويرة بنت الشّهاب أبى الحسن [أحمد] بن أحمد الهكّارى في يوم السبت ثانى عشرين صفر وقد انفردت برواية النّسائى وغيرها. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وثمانية أصابع. مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعا واثنا عشر إصبعا. [ما وقع من الحوادث سنة 784] ذكر سلطنة الملك الظاهر برقوق الأولى على مصر السلطان الملك الظاهر أبو سعيد سيف الدين برقوق بن آنص العثمانى اليلبغاوى الجاركسىّ القائم بدولة الجراكسة بالديار المصرية. وهو السلطان الخامس والعشرون من ملوك الترك بالديار المصرية والثانى من الجراكسة، إن كان الملك المظفر بيبرس الجشنكير چاركسيا، وإن كان بيبرس تركى الجنس فبرقوق هذا هو الأوّل من ملوك الچراكسة، وهو الأصحّ وبه نقول. جلس على تخت الملك في وقت الظّهر من يوم الأربعاء تاسع عشر شهر رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة الموافق له آخر يوم هاتور وسادس تشرين الثانى، بعد أن اجتمع الخليفة المتوكّل على الله أبو عبد الله محمد والقضاة وشيخ الإسلام سراج الدّين عمر البلقينى وخطب الخليفة المتوكّل على الله خطبة بليغة. ثم بايعه على السلطنة وقلّده أمور المملكة ثم بايعه من بعده القضاة والأمراء. ثم أفيض على برقوق خلعة السلطنة، وهي خلعة سوداء خليفتيّة على العادة، وأشار السّراج البلقينى أن يكون لقبه «الملك الظاهر» فإنه وقت الظّهيرة والظّهور وقد ظهر هذا الأمر بعد أن كان خافيا، فتلقّب بالملك الظاهر وركب فرس النّوبة من الحرّافة من المقعد الذي بالإسطبل السلطانىّ من باب السّلسلة. والقبّة والطّير

على رأسه، وطلع من باب السّر «1» إلى القصر الأبلق «2» ، وأمطرت السماء عند ركوبه بأبّهة السلطنة، فتفاءل الناس بيمن سلطنته ومشت الأمراء والأعيان بين يديه إلى أن نزل ودخل القصر المذكور وجلس على تخت الملك. وكان طالع جلوسه على تخت الملك برج الحوت والشمس في القوس متصلة بالقمر تثليثا والقمر بالأسد متّصل بالمشترى تثليثا وزحل بالثّور راجعا والمشترى بالحمل متصل بعطارد من تسديس والمرّيخ بالجوزاء في شرفه والزّهراء بالعقرب وعطارد بالقوس. ودقّت البشائر بقلعة الجبل عند ركوبه ثم زيّنت القاهرة ومصر ونودى بالقاهرة بالدعاء للسلطان الملك الظاهر برقوق. ولمّا جلس على تخت الملك قبّلت الأمراء الأرض بين يديه وخلع على الخليفة على العادة. ثم كتب بذلك إلى الأعمال وخرجت الأمراء لتحليف النّوّاب بالبلاد الشامية ثم أمر الملك الظاهر في السلطنة وثبتت قواعد ملكه. ومدحه جماعة من شعراء عصره منهم الشيخ شهاب الدين أحمد بن العطار فقال: [السريع] ظهور يوم الأربعاء ابتدا ... بالظاهر المعتز بالقاهر والبشر قد تمّ وكلّ امرئ ... منشرح الباطن بالظاهر وقال الشيخ شهاب الدين الأعرج السّعدى من قصيدة: [الوافر] تولّى الملك برقوق المفدّى ... بسعد الجدّ والاقدار حتم نهار الأربعاء بعيد ظهر ... وللتربيع في الاملاك حكم بتاسع عشر رمضان بعام ... لأربع مع ثمانين يتمّ

قلت: ولنذكر أمر الملك الظاهر هذا من أوّل ابتداء أمره فنقول: أصله من بلاد الچاركس وجنسه «كسا» ثم أخذ من بلاده وأبيع بمدينة قرم فاشتراه خواجا عثمان بن مسافر المقدّم ذكره وجلبه إلى مصر فاشتراه منه الأتابك يلبغا العمرى الخاصّكى الناصرى في حدود سنة أربع وستين وسبعمائة أو قبلها بيسير وأعتقه وجعله من جملة مماليكه، واستمرّ بخدمته إلى أن ثارت مماليك يلبغا عليه وقتل في سنة ثمان وستين وسبعمائة، فلم أدر هل كان برقوق ممّن هو مع أستاذه يلبغا أم كان عليه. ولما قتل يلبغا وتمزّقت مماليكه وحبس أكثرهم حبس برقوق هذا مع من حبس مدّة طويلة هو ورفيقه بركة الجوبانىّ ومعهم أيضا جاركس الخليلى وهو دونهم في الرتبة. ثم أفرج عنه وخدم عند الأمير منجك اليوسفىّ نائب الشام سنين إلى أن طلب الملك الأشرف مماليك يلبغا إلى الديار المصرية حضر برقوق هذا من جملتهم وصار بخدمة الأسياد أولاد الملك الأشرف جنديّا ولم يزل على ذلك حتى ثار مع من ثار من مماليك يلبغا على الملك الأشرف شعبان في نوبة قرطاى وأينبك وغيرهما في سنة ثمان وسبعين وسبعمائة وقتل الأشرف. ثم لمّا وقع بين أينبك وقرطاى وانتصر أينبك على قرطاى أنعم أينبك عليه بإمرة طبلخاناة دفعة واحدة من الجندية، فدام على ذلك نحو الشهر، وخرج أيضا مع من خرج على أينبك من اليلبغارية فأخذ إمرة مائة وتقدمة ألف وكذلك وقع لرفيقه بركة. ثم صار بعد أيام قليلة أمير آخور كبيرا ودام على ذلك دون السنة واتّفق مع الأمير بركة على مسك طشتمر الدوادار ومسكاه بعد أمور حكيناها في ترجمة الملك المنصور علىّ وتقاسما المملكة وصار برقوق أتابك العساكر، وبركة رأس نوبة الأمراء أطابكا، فدام على ذلك من سنة تسع وسبعين إلى سنة اثنتين وثمانين ووقع

بينه وبين خشداشه بركة وقبض عليه بعد أمور وحروب وصفا له الوقت إلى أن تسلطن. وقد تقدّم ذكر ذلك كلّه، غير أننا ذكرناه هنا ثانيا على سبيل الاختصار لينتظم سياق الكلام مع سياقه. انتهى. قال المقريزى- رحمه الله: وكان اسمه ألطنبغا فغيّره أستاذه يلبغا لمّا اشتراه وسمّاه برقوقا. وقال القاضى علاء الدين علىّ ابن خطيب «1» الناصريّة: كان اسمه «سودون» نقلا عن قاضى القضاة ولىّ الدين أبى زرعة العراقىّ عن التاجر برهان الدين المحلّى عن خواجا عثمان بن مسافر. والقولان ليسا بشىء وإن كان النقلة لهذا الخبر ثقات في أنفسهم فإنهم ضعفاء في الأتراك وأسمائهم وما يتعلّق بهم لا يرجع إلى قولهم فيها. والأصح: أنّه من يوم ولد اسمه برقوق كما سنبيّنه في هذا المحلّ من وجوه عديدة منها: أن الخواجا عثمان كان لا يعرف بالعربية، وكان البرهان المحلّى لا يعرف باللغة التركية كلمة واحدة، فكيف دار بينهما الكلام، حتى حكى له ما نقل وإن وقع اجتماعهما في بعض المجالس وتكالما، فالبرهان يفهم عنه بالرمز لا بالتحقيق وليس بهذا نستدل، بل أشياء أخر منها: أنّ والد الملك الظاهر برقوق لمّا قدم من بلاد الجاركس إلى الديار المصرية ونزل الملك الظاهر برقوق في وجوه الأمراء إلى ملاقاته بالعكرشة وقد تقدّم ذكر ذلك كلّه، وكان يوم ذلك برقوق مرشّحا للسلطنة،

فعندما وقع بصر والده عليه وأخذ برقوق في تقبيل يده ناداه باسمه برقوق من غير تعظيم ولا تحشّم. وكان والد برقوق لا يعرف الكلمة الواحدة من اللغة التركية، فلمّا جلس في صدر المخيّم وصار يتكلّم مع ولده برقوق بالجاركس تكرّر منه لفظ «برقوق» غير مرة. ثم لمّا قدم القاهرة وصار أمير مائة ومقدّم ألف استمرّ على ما ذكرناه من أنه ينادى برقوقا باسمه ولا يقوم له إذا دخل عليه، فكلّمه بعض أمراء الجراكسة أن يخاطبه بالأمير، فلم يفعل وغضب وطلب العود إلى بلاد الجاركس، فلو كان لبرقوق اسم غير برقوق ما ناداه إلّا به ولو قيل له في ذلك ما قبله. فهذا من أكبر الأدلة على أن اسمه القديم «برقوق» . وكذلك وقع لبرقوق مع الخوندات، فإن أخته الكبرى كانت أرضعت برقوقا مع ولد لها، وكانت أيضا لا تعرف باللّغة التركية، فكان أعظم يمين عندها: وحقّ رأس برقوق. وقدم مع الخوندات جماعة كبيرة من أقاربهم وحواشيهم وتداول مجيئهم من بلاد الجاركس إلى القاهرة إلى الدولة الناصرية، ورأيت أنا الخوندات غير مرّة. وأما جواريّهم وخدمهم فصار غالبهم عندنا بعد موتهم. واستولد الوالد بعض من حضر معهم من بلاد الجاركس من الجوارى وكان غالب من حضر معهم من عجائز الجراكسة يعرف مولد برقوق فلم نسمع من أحد منهم ما نقله من تغيير اسمه ولا من أحد من مماليكه مع كثرة عددهم واختلاف أجناسهم. ومنهم من يدّعى له بقرابة مثل الأمير قجماس والد إينال الأمير الآخور الكبير وغيره، وقد أثبت ذرية قجماس المذكور أنّه ابن عمّ برقوق بسبب ميراث مماليكه بمحضر شهد فيه جماعة من قدماء الجراكسة وسمّى فيه برقوق برقوقا وسمّى قجماس فجماسا.

ثم لمّا وقفت على هذه النّقول الغريبة سألت عن ذلك من أكابر مماليك برقوق، فكلّ من سألت منه يقول: لم يطرق هذا الكلام سمعى إلّا في هذا اليوم، هذا مع كثرتهم وتعظيمهم لأستاذهم المذكور وحفظهم لأخياره، وما وقع له قديما وحديثا حتى إنّ بعضهم قال: هذا اسم جاركسى ويلبغا اسم تترى لا يعرف معناه، ثم ذكر معناه فقال: هذا الاسم أصله «ملى جق «1» » ومعناه بالجاركسى غنّام، فإنّ «ملى» بلغتهم اسم للغنم ثم خفّف على «جق» ببرقوق ثم ذكر أسماء كثيرة، كان أصلها غير ما هي عليه الآن مثل «بايزير» فسمى «بايزيد» ومنهم من جعله كنية أبى يزيد ومثل «آل باى» فسّمى «على باى» وأشياء من ذلك يطول شرحها. وقد خرجنا عن المقصود لتأييد قولنا، وقد أوضحنا هذا وغيره في مصنّف على حدته في تحريف أولاد العرب للاسماء التركيّة والعجميّة وفي شهرتهم إلى بلادهم في مثل جانبك وتنبك وشيخون، ومثل من نسب إلى فيروزباد واسترآباد من زيادة ألفاظ وترقيق ألفاظ يتغيّر منها معناها، حتّى إن بعض الأتراك أو الأعاجم إذا سمعها لا يفهمها إلّا بعد جهد كبير. انتهى. وأمّا الملك الظاهر برقوق فإنه لمّا تسلطن جلس بالقصر الأبلق «2» ثلاثة أيام، فصارت هذه الإقامة سنّة بعده لمن يتسلطن ولم تكن قبل ذلك. فلمّا كان يوم الاثنين رابع عشرين شهر رمضان قرئ عهد الملك الظاهر برقوق بالسلطنة بحضرة الخليفة والقضاة والأمراء وأعيان الدولة وخلع السلطان عليهم الخلع السنيّة. ثم أخلع على الأمير أيتمش البجاسىّ باستمراره رأس نوبة الأمراء وأطابكا وعلى الأمير ألطنبغا الجوبانىّ أمير مجلس على عادته، وعلى جاركس الخليلى الأمير آخور الكبير على

عادته، وعلى الأمير سودون الفخرىّ الشيخونىّ حاجب الحجّاب باستقراره نائب السّلطنة بالديار المصرية، وكانت شاغرة من يوم مات الأمير آقتمر عبد الغنى. وخلع على الأمير ألطنبغا الكوكائى أمير سلاح، واستقرّ حاجب الحجّاب عوضا عن سودون الشيخونىّ، وعلى الأمير ألطنبغا المعلّم باستقراره أمير سلاح عوضا عن الكوكانى المنتقل إلى الحجوبيّة. قلت: وهذا مما يدل على أن وظيفة إمرة سلاح كانت إذ ذاك دون الحجوبيّة انتهى. ثم أخلع السلطان على الأمير يونس النّوروزى دواداره قديما باستقراره دوادارا كبيرا بإمرة مائة وتقدمة ألف عوضا عن ألابغا العثمانى المقبوض عليه قبل تاريخه، وعلى الأمير قردم الحسنىّ اليلبغاوىّ باستقراره على عادته رأس نوبة ثانيا بإمرة مائة وتقدمة ألف عوضا عن ألابغا. وهذه الوظيفة هي الآن وظيفة رأس نوبة النّوب وقد بينا ذلك في غير موضع. ثم خلع السلطان على القضاة الأربعة؛ وهم: قاضى القضاة بدر الدين بن أبى البقاء السّبكى الشافعىّ. وقاضى القضاة صدر الدين بن منصور الحنفىّ. وقاضى القضاة جمال الدين بن خير المالكىّ. وقاضى القضاة ناصر الدين العسقلانى الحنبلىّ. وخلع على قضاة العسكر مفتى دار العدل «1» ، ووكلاء بيت المال، وعلى مباشرى الدولة، وعلى القاضى بدر الدين بن فضل الله كاتب السر، وعلى علم الدّين سنّ إبرة الوزير، وعلى تقىّ الدين محمد بن محبّ الدّين ناظر الجيش، وعلى سعد الدين بن البقرى ناظر الخاصّ.

ثم خلع الملك الظاهر على القاضى أوحد الدين عبد الواحد موقّعه في أيام إمرته، وعلى جمال الدين محمود القيصرى محتسب القاهرة، وعلى سائر أرباب الدولة وأعيان المملكة فكان يوما مشهودا. ثمّ في يوم الخميس سابع عشرينه طلب السلطان سائر الأمراء والأعيان، وحلّفهم على طاعته. وفيه أيضا خلع على الأمير بهادر المنجكىّ، واستقرّ أستدارا بإمرة طبلخاناه، وأضيف إليه أستاداريّة المقام الناصرىّ محمد ابن السلطان الملك الظاهر برقوق. ثم في يوم الاثنين تاسع شوّال أخلع السلطان على العلّامة أوحد الدين عبد الواحد ابن إسماعيل بن ياسين الحنفىّ باستقراره كاتب السرّ بالديار المصريّة عوضا عن القاضى بدر الدين بن فضل الله بحكم عزله. ثمّ أخلع السلطان على الأمير جلبان العلائى واستقرّ حاجبا خامسا، ولم يعهد قبل ذلك بديار مصر خمسة حجّاب، وعدّ ذلك من الأشياء التي استجدّها الملك الظاهر برقوق. وأخلع على رجل من صوفيّة خانقاه شيخون يقال له: خير الدين [العجمىّ «1» ] باستقراره قاضى قضاة الحنفيّة بالقدس الشريف. ثم أخلع أيضا على رجل آخر من صوفيّة خانقاه شيخون يقال له: موفّق الدّين العجمىّ بقضاء غزة، كلّ ذلك بسفارة الشيخ أكمل الدّين شيخ الخانقاه الشّيخونية. وهذا أيضا ممّا استجدّه الملك الظاهر، فإنه لم يكن قبل ذلك بالقدس ولا بغزة قاض حنفىّ.

ثم في يوم الأربعاء «1» تاسع عشرين شوّال ركب السلطان الملك الظاهر من قلعة الجبل وعدّى النيل من بربلاق إلى الجيزة وتصيّد ثم عاد من آخر النهار، وقد ركب الأمير أيتمش عن يمينه والعلّامة أكمل الدين شيخ الشّيخونيّة عن يساره. ثم رسم السلطان بعد عوده من الصّيد باستقرار بدر الدين محمد بن أحمد [ابن إبراهيم «2» ] ابن مرهر في كتابة سرّ دمشق عوضا عن القاضى فتح الدين [محمد «3» ] ابن الشهيد. ثم ورد الخبر على السلطان من الأمير يلبغا الناصرىّ نائب حلب بأنّ الأمير ألطنبغا السلطانىّ نائب أبلستين «4» عصى وطلع الى قلعة «5» دارندة المضافة اليه وأنه أمسك بعض أمرائها وأطلع إلى دارندة ذخائره، فركب العسكر الذين هم بالمدينة عليه وأمسكوا مماليكه وحاصروه فطلب الأمان منهم، ثم فرّ من القلعة إلى أبلستين ثانيا فكتب إليه الناصرىّ نائب حلب يهدّده فلم يرجع إليه ومرّ هاربا إلى بلاد التّتار وقال: لا أكون في دولة حاكمها جاركسىّ! وفي يوم السبت سابع عشر ذى القعدة ركب السلطان أيضا من القلعة إلى

جهة المطريّة «1» ومضى إلى قناطر أبى منجّا «2» ، ثم عاد وشقّ القاهرة من باب الشعرية «3» ، وكان لمروره يوم مشهود وهو أوّل ركوبه ومروره من القاهرة في سلطنته.

ثم قدم الخبر على السلطان بفرار الأمير آقبغا من عبد الله نائب غزّة منها إلى الأمير نعير «1» . وفي هذه الأيام أخلع السلطان على الأمير قرقماس الطّشتمرىّ باستقراره خازندارا كبيرا. وفي سابع «2» عشر ذى الحجّة من سنة أربع وثمانين وسبعمائة ركب السلطان من القلعة وعدّى النيل إلى برّ الجيزة ثم عاد من بلاق في سابع عشر ذى الحجّة المذكور. وفي سابع عشرين ذى الحجّة قدم الأمير ألطنبغا الجوبانىّ امير مجلس من الحجاز وكان حج مع الركب الشامىّ وعاد من طريق الحجّ المصرىّ. وفي يوم السبت أوّل محرّم سنة خمس وثمانين وسبعمائة قدم الأمير يلبغا الناصرىّ نائب حلب إلى الديار المصرية فخرج الأمير سودون الشّيخونىّ النائب إلى لقائه وجماعة من الأمراء، وطلع الجميع في خدمته إلى القلعة، وقبّل الناصرىّ الأرض بين يدى السلطان الملك الظاهر. وخلع السلطان عليه بالاستمرار على نيابة حلب، فكان مجىء الناصرى إلى مصر أوّل عظمة نالت الملك الظاهر برقوقا؛ لأن يلبغا الناصرى المذكور كان من كبار مماليك الأتابك يلبغا العمرى وممن تأمّر في أيام يلبغا، وبرقوق كان من صغار مماليكه، وأيضا فإن الناصرى كان في دولة الملك الأشرف شعبان بن حسين أمير مائة ومقدّم ألف وبرقوق من جملة الأجناد ممن يتردّد إليه ويقوم في مجلسه على قدميه، فلم يمض غير سنيات حتى صار كلّ منهما في رتبة معروفة. فسبحان مغيّر حال بعد

حال. ويلبغا الناصرى هو صاحب الوقعة مع الملك الظاهر برقوق الآتى ذكرها- إن شاء الله تعالى- فى هذا المحل. ثم نزل الأمير يلبغا الناصرى وعليه خلعة الاستمرار بنيابة حلب وعن يمينه الأمير أيتمش وعن يساره الأمير ألطنبغا الجوبانى ومن ورائه سبعة جنائب من خيل السلطان بسروج ذهب وكنابيش زركش أنعم بها عليه. ثم حمل إليه السلطان والأمراء من التّقادم مما يجلّ وصفه. ثم ركب السلطان في يوم السبت ثامن المحرّم ومعه الأمير يلبغا الناصرى وعدّى النيل من بلاق إلى برّ الجيزة وتصيّد وعاد في آخر النهار. وفي عاشره خلع السلطان على الأمير يلبغا الناصرى نائب حلب خلعة السفر، وخرج من يومه إلى محل كفالته بحلب. ثم في يوم الاثنين سابع عشره أخلع السلطان على شمس الدين إبراهيم كاتب أرنان واستقرّ به وزيرا على شروط عديدة، منها: أنه لم يلبس خلعة الوزر، فأجيب ولبس خلعة [من صوف «1» ] كخلعة القضاة وغير ذلك. وفيه وصل الأمير أسد الدين الكردى أحد أمراء حلب في الحديد لشكوى بعض التّجّار عليه أنه غصبه مملوكا فحبس أياما ثم أفرج عنه وأخرج على تقدمة «2» ألف بطرابلس. ثم عزل السلطان الأمير إينال اليوسفى عن نيابة صفد بالأمير تمرباى التّمرداشى، وأنعم على إينال بتقدمة ألف بدمشق.

وفيه استعفى الأمير يلّو من نيابة حماة فأعفى. وفي تاسع عشرة قدم سالم الدوكارى «1» من حلب فأكرمه السلطان وأخلع عليه وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه بحلب. وفي ثامن عشرين جمادى الأولى وهو سادس «2» مسرى أو في النيل فنزل الملك الظاهر من القلعة في موكب عظيم حتى عدّى النيل وخلّق المقياس «3» وفتح خليج السّدّ. وهذا أيضا مما استجدّه الملك الظاهر برقوق، فإنه لم يعهد بعد الملك الظاهر بيبرس البندقدارى سلطان نزل من القلعة لتخليق المقياس وفتح الخليج غير الملك الظاهر هذا، فهو أيضا ممن استجدّه لطول ترك الملوك له. وفي هذا الشهر أخلع السلطان على الأمير صنجق الحسنى اليلبغاوى بنيابة حماة عوضا عن يلّو بحكم استعفائه عن نيابة حماة. وفيه ورد الخبر بموت الأمير تمرباى التّمرداشىّ نائب صفد بعد أن أقام على نيابة صفد خمسة أيام، فأخلع السلطان بعد مدّة على الأمير كمشبغا الحموىّ بنيابة صفد عوضه، وكمشبغا هذا هو أكبر مماليك يلبغا العمرىّ وممّن صار في أيام أستاذه أمير طبلخاناه ولم يخرج عن طاعة أستاذه يلبغا، ولهذا مقته خشداشيّته الذين خرجوا على أستاذهم يلبغا، لكونه لم يوافقهم، وقد تقدّم أنّه ولى نيابة دمشق وصفد وطرابلس قبل ذلك.

وفي أوّل شهر رجب من سنة خمس وثمانين وسبعمائة طلع الأمير [صلاح الدين «1» ] محمد بن محمد بن تنكز إلى السلطان ونقل له عن الخليفة المتوكّل على الله أبى عبد الله محمد أنه اتفق مع الأمير قرط بن عمر التّركمانىّ المعزول عن الكشوفية ومع إبراهيم ابن قطلوقتمر العلائىّ أمير جاندار ومع جماعة من الأكراد والتّركمان، وهم نحو من ثمانمائة فارس أنهم يثبون على السلطان إذا نزل من القلعة إلى الميدان في يوم السبت للعب بالكرة يقتلونه ويمكّنون الخليفة من الأمر والاستبداد بالملك فحلّف السلطان ابن تنكز على صحّة ما نقل فحلف له وطلب يحاققهم على ذلك، فبعث السلطان إلى الخليفة وإلى قرط وإلى إبراهيم بن قطلقتمر فأحضرهم وطلب سودون النائب وحدّثه بما سمع، فأخذ سودون ينكر ذلك ويستبعد وقوعه منهم، فأمر السلطان بالثلاثة فحضروا بين يديه وذكر لهم ما نقل عنهم فأنكروا إلا قرط، فإنّه خاف من تهديد السلطان، فقال: الخليفة طلبنى وقال: هؤلاء ظلمة وقد استولوا على هذا الملك بغير رضائى، وإنى لم أقلّد برقوقا السلطنة إلّا غصبا، وقد أخذ أموال الناس بالباطل وطلب منّى أن أقوم معه وأنصر الحقّ فأجبته إلى ذلك ووعدته بالمساعدة، وأن أجمع له ثمانمائة واحد من الأكراد والتّركمان وأقوم بأمره، فقال السلطان للخليفة: ما قولك في هذا، فقال: ليس لما قاله صحّة، فسأل إبراهيم ابن قطلقتمر عن ذلك، فقال: ما كنت حاضرا هذا الاتفاق، لكنّ الخليفة طلبنى إلى بيته بجزيرة «2» الفيل وأعلمنى بهذا الكلام وقال لى: إنّ هذا مصلحة، ورغّبنى في موافقته والقيام لله تعالى ونصرة الحق، فأنكر الخليفة ما قاله إبراهيم أيضا وصار إبراهيم يذكر له أمارات والخليفة يحلف أن هذا الكلام ليس له صحة، فاشتدّ

حنق الملك الظاهر وسلّ السيف ليضرب عنق الخليفة؛ فقام سودون النائب وحال بينه وبين الخليفة، وما زال به حتى سكّن بعض غضبه. فأمر الملك الظاهر بقرط وإبراهيم يسمّرا واستدعى القضاة ليفتوه بقتل الخليفة، فلم يفتوه بقتله وقاموا عنه، فأخذ الخليفة وسجنه بموضع في قلعة الجبل وهو مقيّد وسمرّقرط وإبراهيم وشهّرا فى القاهرة ومصر. ثم أوقفا تحت القلعة بعد العصر فنزل الأمير أيدكار «1» الحاجب وسار بهما ليوسّطا خارج باب المحروق «2» من القاهرة، فابتدأ بقرط فوسّط وأبى أن يأخذوا إبراهيم [إذ «3» ] جاءت عدّة من المماليك بأن الأمراء شفعوا في إبراهيم ففكّت مساميره وسجن بخزانة «4» شمائل. ثم طلب السلطان زكريّاء وعمر ابنى إبراهيم عمّ المتوكّل، فوقع اختياره على عمر فولّاه الخلافة وتلقّب بالواثق بالله، كلّ ذلك في يوم الاثنين أوّل شهر رجب. ثم في يوم الاثنين ثامن شهر رجب أخلع السلطان على الطواشى بهادر الرومىّ واستقرّ مقدّم المماليك السلطانية عوضا عن جوهر الصّلاحى. ثم في يوم السبت ثالث عشره ركب السلطان إلى الميدان ثانى مرة للعب الكرة. ثم ركب في يوم السبت عشرينه ثالث مرّة. ثم ركب في يوم السبت سابع عشرينه إلى خارج القاهرة وعاد من باب النصر ونزل بالبيمارستان المنصورى.

ثم ركب منه إلى القلعة «1» ، فلم يتحرّك أحد بأمر من الأمور. ثم خرج السلطان إلى سرحة سرياقوس على العادة في كلّ سنة وأقام بها أياما وعاد وفي عوده قبض على سعد الدين نصر الله بن البقرىّ ناظر الخاصّ بالخدمة. وخلع السلطان على موفّق الدين أبى الفرج عبد الله الأسلمى بنظر الخاصّ عوضا عن ابن البقرى وأجرى على ابن البقرىّ العقوبة ثم ضربه بالمقارع، بعد ما أخذ منه ثلثمائة ألف دينار. وفيه شفع الأمراء في الخليفة وتقدّم منهم الأمير أيتمش والأمير ألطنبغا الجوبانىّ وقبّلا الأرض وسألا السلطان في العفو عنه وترفّقا في سؤاله؛ فعدّد لهما السلطان ما أراد أن يفعله بقتله فما زالا به حتّى أمر بفكّ قيده. وفي هذه السنة توجه السلطان عدة مرار للصيد ببر الجيزة وغيرها، وفي الأخير اجتاز السلطان بخيمة الأمير قطلقتمر العلائىّ أمير جاندار ووقف عليها فخرج قطلقتمر إليه وقدّم له أربعة أفراس فلم يقبلها فقبّل الأرض ثانيا وسأل السلطان أن يقبلها، فأجاب سؤاله وقبلها وسار حتى نزل بمخيّمه. وفي الحال استدعى بإبراهيم ابن قطلقتمر المذكور من خزانة شمائل وأطلقه وخلع عليه وأركبه فرسا بسرج ذهب وكنبوش زركش، وأعطاه ثلاثة أرؤس أخر وهي التي قدّمها أبوه للسلطان وأذن له أن يمشى في الخدمة ووعده بإمرة «2» هائلة وأرسله إلى أبيه قطلقتمر المذكور فسر به سرورا زائدا وكان قطلقتمر في مدّة حبس ابنه لم يحدّث السلطان ولا الأمراء فى أمر ابنه بكلمة واحدة، فأتاه الفرج من الله تعالى بغير «3» مأنّة أحد.

وفي هذه الأيام جمع السلطان القضاة واشترى الأمير أيتمش البجاسى وهو يوم ذاك رأس نوبة الأمراء وأطابك وأكبر جميع أمراء ديار مصر من ذرّيّة الأمير جرجى الإدريسىّ نائب حلب بحكم أنّ جرجى لمّا مات لم يكن أيتمش ممّن أعتقه، فأخذه بعد موته الأمير بجاس وأعتقه من غير أن يملكه بطريق شرعى وأثبتوا ذلك على القضاة، فعند ذلك اشتراه الملك الظاهر من ذرّيّة جرجى بمائة ألف درهم وأعتقه وأنعم عليه بأربعة «1» آلاف درهم وبناحية سفط «2» رشيد. ثم خلع السلطان على القضاة والموقّعين الذين سجّلوا «3» قضيّة البيع والعتق. وفي يوم الثلاثاء تاسع ذى القعدة أفرج السلطان عن الخليفة المتوكّل على الله، ونقل من سجنه بالبرج إلى دار بالقلعة وأحضر إليه عياله. ثمّ في يوم السبت ثالث صفر من سنة ست وثمانين وسبعمائة قبض السلطان على الأمير يلبغا الصغير الخازندار، وعلى سبعة من المماليك وشى بهم أنهم قصدوا قتل السلطان فضربهم ونفاهم إلى الشام. وفي يوم الاثنين عاشر شهر ربيع الأوّل قدم الأمير بيدمر الخوارزمىّ نائب الشام؛ فأجلسه السلطان فوق الأمير سودون النائب بدار العدل. ثم في ثالث عشره خلع عليه السلطان، وقيّد له ثمانية جنائب من الخيل بقماش ذهب، جرّوها الأوجاقيّة خلفه.

وفي يوم الثلاثاء ثامن عشره نزل السلطان لعيادة الأمير ألطنبغا الجوبانى أمير مجلس وقد توعّك. وفيه قدّم الأمير بيدمر نائب الشام تقدّمته للسلطان وكانت تشتمل على عشرين مملوكا وثلاثة وثلاثين جملا عليها أنواع الثّياب من الحرير والصوف والفرو وثلاثة «1» وعشرين كلبا سلوقيّا، وثمانية عشر فرسا عليها أجلال حرير، وخمسين فحلا، واثنتين وثلاثين حجرة ومائة إكديش لتتمة مائتى «2» فرس وثمانية قطر هجن بقماش ذهب وخمسة وعشرين قطارا من الهجن أيضا بكيران ساذجة «3» ، وأربعة قطر جمال بخاتىّ لكل جمل منها سنامان وثمانين جملا عرابا. وباسم ولد السلطان سيّدى محمد عشرين فرسا وخمسة عشرة جملا وثيابا وغيرها. وفي عشرينه خلع عليه السلطان خلعة السفر وتوجّه إلى محلّ ولايته بدمشق. وفي خامس عشرينه نزل السلطان لعيادة ألطنبغا الجوبانىّ ثانيا ففرش له الجوبانىّ شقاق الحرير السّكندرىّ وشقاق نخّ من باب إسطبله إلى حيث هو مضطجع، فمشى عليها السلطان بفرسة، ثم بقدميه «4» فنثرت عليه الدنانير والدراهم. وقدّم له الجوبانىّ جميع ما عنده من المماليك والخيل، فلم يأخذ السلطان شيئا منها، وجلس ساعة عنده ثم عاد إلى القلعة. وفي ثالث عشر جمادى الأولى غضب السلطان على القاضى تقىّ الدين عبد الرحمن ابن القاضى محب الدين محمد [بن يوسف بن أحمد «5» ] ناظر الجيوش المنصورة بسبب إقطاع الأمير زامل أمير عرب آل فضل وضربه بالدواة، ثم امر به فضرب بين

يديه نحو ثلثمائة عصاة وكان ترفا، فحمل في محفّة إلى داره بالقاهرة، فلزم الفراش إلى أن مات بعد ثلاثة أيام في ليلة الخميس سادس عشر جمادى الأولى. وأخلع السلطان على موفّق الدّين أبى الفرج [الأسلمى «1» ] ناظر الخاصّ واستقرّ به في نظر الجيش مضافا لنظر الخاصّ والذّخيرة ولاستيفاء الصحبة. وفي أثناء شهر رجب المذكور استبدل السلطان خان «2» الزّكاة من ذرّية الملك الناصر محمد بن قلاوون بقطعة أرض وأمر بهدمه وعمارة مدرسة مكانه، وأقام السلطان على عمارتها الأمير جاركس الخليلىّ أمير آخور، فابتدأ بهدمه وشرع فى عمارة المدرسة المعروفة بالبرقوقيّة «3» بين القصرين، فلمّا كان يوم الاثنين ثانى شعبان مات تحت الهدم جماعة من الفعلة. وفي خامسه ركب السلطان إلى رؤية عمارته المذكورة وعاد إلى القلعة، ثم سار إلى سرحة سرياقوس على العادة بحريمه وخواصّه في ندمائه وسائر الأمراء والأعيان ثم عاد بعد أيام. ثمّ نزل في يوم الثلاثاء سادس عشر شهر رمضان لعيادة الشيخ أكمل الدّين الشيخ بالشّيخونيّة. ثمّ نزل في يوم الخميس ثامن عشرة ليصلّى عليه فظهر أنه أعمى عليه ولم يمت، فعاد السلطان ونزل في يوم تاسع عشره حتى صلّى عليه بمصلّاة «4» المؤمنىّ من تحت القلعة ومشى على قدميه أمام النّعش من المصلّى إلى خانقاه شيخون مع الناس في الجنازة بعد ما أراد أن يحمل النعش غير مرّة فتحمله الأمراء عنه وما زال واقفا على قبره حتى دفن وعاد إلى القلعة، كلّ ذلك لاعتقاده في دينه وغزير علمه ولقدم صحبته معه. ومن يوم مات الشيخ أكمل الدين صار الشيخ سراج الدين عمر البلقينى يجلس مكانه عن يمين السلطان.

ثم خلع السلطان على الشيخ عزّ الدين يوسف بن محمود الرّازىّ العجمىّ باستقراره في مشيخة خانقاه شيخون عوضا عن الشيخ أكمل الدين المذكور. ثم في حادى عشر شوّال قدم الأمير يلبغا الناصرىّ نائب حلب إلى القاهرة وعدّى إلى السلطان ببرّ الجيزة، وعاد معه من برّ الجيزة، بعد ما غاب [عن «1» ] صحبة السلطان أياما في يوم الخميس أوّل ذى القعدة. وفي خامسه خلع عليه خلعة السّفر وتوجّه إلى محلّ كفالته بحلب، وهذا قدوم يلبغا الناصرىّ ثانى مرّة، بعد سلطنة الملك الظاهر برقوق. وفي يوم الخميس ثانى ذى القعدة أسّست المدرسة الظاهريّة «2» ببين القصرين موضع خان الزكاة.

وفي يوم الاثنين رابع ذى الحجّة خلع السلطان على القاضى بدر الدين محمد بن فضل الله باستقراره في وظيفة كتابة السّرّ على عادته بعد وفاة القاضى أوحد الدين. وفي ثامن عشرين ذى الحجّة استجدّ السلطان لقرافة «1» مصر واليا أمير عشرة وهو سليمان الكردىّ وأخرجت «2» عن والى مدينة مصر ولم يعهد هذا فيما مضى. وفيه نقل الأمير كمشبغا الحموىّ اليلبغاوىّ من نيابة صفد إلى نيابة طرابلس عوضا عن مأمور القلمطاوىّ وهذه ولاية كمشبغا لنيابة طرابلس ثانى مرّة. وفي يوم الاثنين ثانى محرّم سنة سبع وثمانين وسبعمائة استقرّ الأمير سودون المظفرىّ حاجب حجاب حلب في نيابة حماة بعد عزل الأمير صنجك وتوجّه إلى طرابلس أميرا بها. وفي يوم الجمعة ثالث شهر رجب توجّه «3» الأمير حسن قجا على البريد لإحضار يلبغا الناصرىّ نائب حلب. وفي عشرينه خرج من القاهرة الأمير كمشبغا الخاصّكىّ الأشرفىّ على البريد لنقل سودون المظفّرى في نيابة حماة إلى نيابة حلب؛ عوضا عن الأمير يلبغا الناصرىّ. وأما الناصرىّ فإنّه لما وصل إلى مدينة بلبيس قبض عليه وقيّد وحمل إلى الإسكندريّة واحتاط محمود شادّ الدواوين على أمواله بحلب ومن يومئذ أخذ أمر الملك الظاهر في إدبار بقبضه على الأمير يلبغا الناصرىّ بغير ذنب.

ثمّ في يوم الاثنين ثانى عشرين ذى الحجّة قبض السلطان على الأمير ألطنبغا الجوبانى أمير مجلس وقيّده وحبسه ثم أفرج عنه بعد أيام وخلع عليه بنيابة الكرك عوضا عن تمرداش القشتمرىّ. ثم في محرّم سنة ثمان وثمانين وسبعمائة قبض الملك الظاهر على جماعة من المماليك السلطانية وضربهم بالمقارع لكلام بلغه عنهم أنهم اتّفقوا على الفتك به، ثمّ قبض سريعا على الأمير تمربغا الحاجب، وكان اتّفق مع هؤلاء المذكورين وسمّره ومعه عشرة من المماليك المذكورين، [أركب «1» ] كلّ مملوكين على جمل، ظهر أحدهما إلى ظهر الآخر وأفرد تمربغا المذكور على جمل وحده ثم وسّطوا الجميع، فكان هذا اليوم من أشنع الأيام، وكثر الكلام بسببهم في حقّ الملك الظاهر إلى الغابة. وفي خامس «2» عشرينه قبض السلطان على ستة عشر من مماليك الأمير الكبير أيتمش ونفوا إلى الشام. ثمّ تتبّع السلطان من بقى من المماليك الأشرفية فقبض على كثير منهم وأخرجوا من القاهرة إلى عدّة جهات. وفي يوم الخميس «3» ثانى عشر شهر ربيع الأوّل رسم السلطان بالإفراج عن الأمير يلبغا الناصرىّ نائب حلب كان ونقله من سجن الإسكندريّة إلى ثغر دمياط وأذن له أن يركب ويتنزّه حيث شاء.

وفي شهر ربيع الآخر غضب السلطان على موفّق الدين أبى الفرج ناظر الجيش وضربه نحو مائة وأربعين عصاة «1» وأمر بحبسه. وفي يوم الخميس رابع عشر جمادى الآخرة نقلت رمم أولاد السلطان الخمسة من مدافنهم إلى القبّة بالمدرسة الظاهريّة التي أنشأها الملك الظاهر بين القصرين ونقلت أيضا رمّة والد الملك الظاهر الأمير آنص عشاء والأمراء مشاة أمام نعشه، حتى دفن أيضا بالقبّة المذكورة. ثمّ في يوم الأربعاء حادى عشرة نزل الأمير جاركس الخليلىّ الأمير آخور إلى المدرسة الظاهريّة المقدّم ذكرها بعد فراغها وهيّا بها الأطعمة والحلاوات والفواكه. ثمّ ركب السلطان من الغد في يوم الخميس ونزل من القلعة بأمرائه وخاصّكيّته إلى المدرسة المذكورة، وقد اجتمع القضاة وأعيان الدولة، فمدّ بين يديه سماطا جليلا، أوّله عند المحراب وآخره عند البحرة التي بوسط المدرسة، وأكل السلطان والقضاة والأمراء والمماليك، ثمّ تناهبت الناس بقيّته، ثم مدّ سماط الحلوات والفواكه وملئت البحرة التي بصحن المدرسة من مشروب السّكّر، ثم بعد رفع السماط أخلع السلطان على الشيخ علاء الدين [علىّ «2» ] السّيرامىّ الحنفىّ وقد استدعاه السلطان من بلاد الشرق واستقرّ مدرّس الحنفيّة وشيخ الصوفيّة وفرش له الأمير جاركس الخليلىّ السّجّادة بيده حتّى جلس عليها. ثم خلع السلطان على الأمير جاركس الخليلىّ شاد عمارة المدرسة المذكورة وعلى المعلّم شهاب الدين أحمد بن الطّولونىّ المهندس وركبا فرسين بقماش ذهب. ثم خلع السلطان على خمسة عشر نفرا من مماليك

جاركس الخليلىّ ممن باشروا العمل مع أستاذهم وأنعم على كلّ منهم بخمسمائة درهم. ثم خلع السلطان على مباشرى العمارة. ولمّا جلس الشيخ علاء «1» الدين السّيرامىّ على السّجّادة تكلّم على قوله تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ الآية. ثم قرأ القارىّ عشرا من القرآن ودعا. وقام السلطان وركب بأمرائه وخاصّكيّته وعاد إلى القلعة، بعد أن خرج من باب زويلة، فكان هذا اليوم من الأيام المشهودة. ثمّ بدا للسلطان بعد ذلك أن يقبض على الأمير بيدمر الخوارزمىّ نائب الشام، فأرسل طاووسا «2» البريدىّ للقبض عليه ورسم للأمير تمربغا المنجكى أن يتوجّه على البريد لتقليد الأمير إشقتمر الماردينىّ عوضه بنيابة الشام وكان إشقتمر بالقدس بطّالا، وقد تقدم أنّ إشقتمر هذا ولى نيابة حلب في أيّام السلطان حسن الأولى ويلبغا أستاذ برقوق يوم ذاك خاصّكىّ، فانظر إلى تقلّبات الدهر. وفي يوم الجمعة عاشر شهر رمضان من سنة ثمان وثمانين وسبعمائة أقيمت الجمعة بالمدرسة الظاهريّة المذكورة وخطب بها جمال الدين محمود القيصرى العجمىّ المحتسب. وحجّ في هذه السنة الأمير جاركس الخليلىّ بتجمّل كبير وحجّ من الأمراء كمشبغا الخاصّكىّ الأشرفىّ ومحمد بن تنكز [بن «3» ] بغا وجاركس المحمودىّ «4» .

وفي يوم الاثنين [خامس «1» ] عشرين شوّال استدعى السلطان زكريّا ابن الخليفة المعتصم بالله أبى إسحاق إبراهيم- وإبراهيم المذكور لم يل الخلافة- ابن المستمسك بالله أبى عبد الله محمد- وكذلك المستمسك لم يل الخلافة- ابن الخليفة الحاكم بأمر الله أحمد العباسىّ وأعلمه السلطان أنّه يريد أن ينصّبه في الخلافة، بعد وفاة أخيه الواثق بالله عمر. ثم استدعى السلطان القضاة والأمراء والأعيان، فلمّا اجتمعوا أظهر زكريّاء المذكور عهد عمّه المعتضد له بالخلافة، فخلع السلطان عليه خلعة غير خلعة الخلافة ونزل إلى داره. فلمّا كان يوم الخميس ثامن عشرينه طلع الخليفة زكرياء المذكور إلى القلعة وأحضر أعيان الأمراء والقضاة والشيخ سراج الدين عمر البلقينىّ فبدأ البلقينى بالكلام مع السلطان في مبايعة زكريّاء على الخلافة فبايعه السلطان أوّلا، ثم بايعه من حضر على مراتبهم ونعت بالمستعصم بالله وخلع عليه خلعة الخلافة على العادة ونزل إلى داره وبين يديه القضاة وأعيان الدولة. ثم طلع زكرياء المذكور في يوم الاثنين ثانى «2» ذى القعدة وخلع عليه السلطان ثانيا بنظر المشهد النفيسىّ على عادة من كان قبله من الخلفاء، ولم تكن هذه العادة قديما، بل حدثت في هذه السنين. وفي خامس عشرين ذى الحجة قدم مبشّر الحاجّ السّيفىّ بطا الخاصّكىّ وأخبر أنّ الأمير آقبغا الماردينىّ أمير الحاجّ لمّا قدم مكّة خرج الشريف محمد بن أحمد ابن عجلان أمير مكّة لتلقّيه على العادة ونزل وقبّل الأرض ثم قبّل خفّ جمل المحمل.

وعند ما انحنى وثب عليه فداويّان، ضربه أحدهما بخنجر في عنقه وهما يقولان: غريم السلطان فخرّ ميتا وتمّ نهاره ملقى حتى حمله أهله وواروه وكان كبيش على بعد، فقتل الفداويّة رجلا آخر يظنّوه كبيشا وأقام أمير الحاجّ لابس السلاح سبعة أيام خوفا من الفتنة، فلم يتحرّك أحد، ثم خلع أمير الحاجّ على الشريف غنان باستقراره أمير مكّة عوضا عن محمد المذكور وتسلّمها. ثمّ في تاسع عشرين ذى الحجة قدمت رسل الحبشة بكتاب ملكهم الحطّى واسمه داود بن سيف أرعد ومعهم هديّة على [أحد «1» و] عشرين جملا، فيها من طرائف بلادهم، من جملتها قدور قد ملئت حمّصا صنع من ذهب إذا رآه الشخص يظنّه حمصا وغير ذلك. ثم في يوم السبت سابع عشر صفر من سنة تسع وثمانين وسبعمائة قدم الأمير ألطنبغا الجوبانىّ نائب الكرك باستدعاء، فأخلع عليه السلطان باستقراره في نيابة دمشق عوضا عن إشقتمر الماردينىّ وعزل إشقتمر ولم تكمل ولايته على دمشق عشرة أشهر وأقام ألطنبغا الجوبانىّ بالقاهرة ثلاثة أيام وسافر في يوم تاسع عشره بعد ما أنعم عليه الملك الظاهر بمبلغ ثلاثمائة ألف درهم فضّة وفرس بسرج ذهب وكنبوش زركش وأرسل إليه الأمير أيتمش بمائة ألف درهم وعدّة بقج ثياب واستقرّ مسفّره الأمير قرقماس الظاهرىّ وخرج الجوبانىّ من مصر بتجمّل عظيم. ثم رسم باستقرار الأمير ناصر الدين محمد بن مبارك المهمندار في نيابة حماة عوضا عن الأمير سودون العثمانى، واستقرّ سودون العثمانى على إقطاع محمد بن المهمندار المذكور بحلب.

وفي آخر جمادى الآخرة من السنة وهى سنة تسع وثمانين ورد الخبر على السلطان بأن تيمور لنك صاحب بلاد العجم كبس الأمير قرا محمد صاحب مدينة تبريز «1» وكسره ففرّ منه قرا محمد في نحو مائتى فارس وتوجّه بهم إلى جهة ملطية «2» ونزل هناك ونزل تيمور لنك على آمد «3» فاستدعى السلطان القضاة والفقهاء والأمراء وتحدّث معهم فى أخذ الأوقاف من البلاد بسبب ضعف عسكر مصر فكثر الكلام في ذلك وصمّم الملك الظاهر على إخراج الجميع للجند، ثم رجع عن ذلك ورسم بتجهيز أربعة أمراء من أمراء الألوف بالديار المصريّة وهم: الأمير ألطنبغا المعلّم أمير سلاح والأمير قردم الحسنى رأس نوبة النّوب والأمير يونس النّوروزىّ الدوادار الكبير والأمير سودون باق وسبعة أمراء أخر من أمراء الطبلخانات وعيّن معهم من أجناد الحلقة ثلاثمائة فارس فتجهّز الجميع وخرجوا من القاهرة فى أوّل شهر رجب وساروا إلى حلب ونائبها يوم ذاك سودون المظفّرى وقد وصل إليه الخبر بأن قرا محمدا واقع ابن تيمور لنك وكسره ورجع إلى بلاده. وبعد خروج العسكر استدعى السلطان في سادس «4» عشرين شعبان من سنة تسع وثمانين المذكورة الشيخ ناصر الدين ابن بنت الميلق «5» وولّاه قضاء الشافعيّة بالديار المصرية بعد عزل القاضى بدر الدين محمد بن أبى البقاء عنها بعد ما تمنّع

ابن الميلق المذكور من قبول القضاء تمنّعا زائدا وصلى ركعتى الاستخارة حتى أذعن، فألبسه السلطان الملك الظاهر تشريف القضاء بيده وأخذ طيلسانه يتبرّك به ونزل وبين يديه عظماء الدولة إلى المدرسة الصالحية «1» ، فداخل أرباب الدولة بولايته خوف ووهم وظنّوا أنه يحمل الناس على محض الحق وأنه يسير على طريق السّلف من القضاة، قال الشيخ تقىّ الدين المقريزىّ- رحمه الله- لما ألفوه من تشدّقه في وعظه وتفخّمه في منطقه وإعلانه في التّنكير على الكافة ووقيعته فى القضاة واشتماله على لبس المتوسّط من الخشن ومعيبه على أهل التّرف. وكان أوّل ما بدأ به أن عزل قضاة مصر كلهم من العريش «2» إلى أسوان «3» وبعد يومين تكلّم معه الحاجّ مفلح مولى «4» القاضى بدر الدين بن فضل الله كاتب السرّ فى إعادة بعض من عزله من القضاة، فأعاده، فانحلّ ما كان معقودا بالقلوب من مهابته. ثمّ قلع زيّه الذي كان يلبسه ولبس الشاش الكبير الغالى الثمن ونحوه وترفّع فى مقاله وفعاله، حتى كاد يصعد الجوّ وشحّ في العطاء ولاذ به جماعة غير محبّبين إلى الناس فانطلقت ألسنة الكافّة بالوقيعة في عرضه واختلقوا عليه ما ليس فيه. انتهى كلام المقريزىّ باختصار. قلت: كل ذلك والملك الظاهر لا يسمع فيه قول قائل، حتى كانت وقعة الناصرىّ ومنطاش مع الملك الظاهر برقوق وحبس الملك الظاهر بالكرك وكان هو قاضيا يومئذ فوقع في حقّ الظاهر وأساء القول فيه، فبلغ الظاهر ذلك قبل

ذهابه إلى الكرك وهو بسجن القلعة فأسرّها في نفسه على ما سنذكره فى محلّه فى سلطنة الملك الظاهر الثانية إن شاء الله تعالى. ثمّ ورد الخبر على السلطان الظاهر بأن العسكر المجرّد من الديار المصرية عاد إلى حلب وكان توجّه نحو ديار بكر صحبة نوّاب البلاد الشامية وعاد وكان الأمير ألطنبغا الجوبانىّ نائب الشام مقدّم العساكر وخرج بثقل عظيم وزدخاناه هائلة، جدّدها بدمشق حتى إنه رسم لفضلاء دمشق أن ينظموا له ما ينقش على أسنّة الرّماح، فنظم له القاضى فتح الدين محمد بن الشهيد كاتب سرّ دمشق: [البسيط] إذا الغبار علا في الجوّ عثيره ... وأظلم الجوّ ما للشمس أنوار هذا سنانى نجم يستضاء به ... كأنّنى علم في رأسه نار والسيف إن نام ملء الجفن في غلف ... فإننى بارز للحرب خطّار إنّ الرماح لأغصان وليس لها ... سوى النجوم على العيدان أزهار ونظم القاضى صدر الدين علىّ بن الآدمىّ الدمشقىّ الحنفى في المعنى فقال: [الكامل] النصر مقرون بضرب أسنة ... لمعانها كو ميض برق يشرق سبكت لتسبك كلّ خصم مارد ... وتطرّقت لمعاند يتطرّق زرق «1» تفوق البيض في الهيجاء إذ ... يحمرّ من دمه العدوّ الأزرق ينسجن يوم الحرب كلّ كتيبة ... تحت الغبار فنصرهنّ محقّق

ونظم الشيخ شمس الدين محمد المزيّن الدّمشقىّ في المعنى وأجاد إلى الغاية: [الكامل] أنا أسمر والراية البيضاء لى ... لا للسيوف وسل من الشّجعان لم يحل لى عيش العداة لأننى ... نوديت يوم الجمع بالمرّان وإذا تغاتمت «1» الكماة بجحفل ... كلّمتهم فيه بكلّ لسان فتخالهم غنما تساق إلى الرّدى ... قهرا لمعظم سطوة الجوبانى ثمّ في شوّال خرج السلطان من القاهرة إلى سرياقوس «2» على العادة في كل سنة، واستدعى به بالأمير يلبغا الناصرىّ من ثغر دمياط «3» ، فوصل إلى سرياقوس فى ثالث عشر «4» شوّال وقبّل الأرض بين يدى السلطان، فأكرمه السلطان وأنعم عليه بمائة فرس ومائة جمل وسلاح كثير [ومال «5» ] وثياب وأشياء غير ذلك، قيمة ذلك كله خمسمائة ألف درهم فضة، وأهدى إليه سائر الأمراء على العادة، كل واحد على قدر حاله. ثم عاد السلطان من سرياقوس في أوّل ذى القعدة، وخلع على الأمير يلبغا الناصرىّ المذكور في خامس ذى القعدة من سنة تسع وثمانين المذكورة باستقراره فى نيابة حلب على عادته، عوضا عن سودون المظفرىّ بحكم استقرار سودون المظفرىّ أتابك حلب وأمره بالتجهيز، وهذه ولاية الناصرىّ الثالثة على حلب،

فأصلح الأمير يلبغا الناصرىّ أمره وتهيّأ للسفر، وخرج في ثامن ذى القعدة إلى الرّيدانيّة، بعد أن أخلع السلطان عليه خلعة السفر، وسافر من الريدانية في تاسعه بتجمّل عظيم وبرك هائل ومسفّره الأمير جمق ابن الأمير أيتمش البجاسىّ، وبعد خروجه بثلاثة أيام قدم البريد من البلاد الشامية بأنّ تمربغا الأفضلى الأشرفىّ المدعوّ منطاش نائب ملطية خرج عن الطاعة ووافقه القاضى برهان الدين أحمد صاحب سيواس وقرا محمد التّركمانى ونائب البيرة ويلبغا المنجكىّ وعدّة كبيرة من خشداشيّة منطاش من المماليك الأشرفية وأنه انضم عليه جماعة كبيرة من التّركمان، فتشوّش السلطان في الباطن ولم يظهر ذلك، وندم على توليته يلبغا الناصرىّ على نيابة حلب، غير أنه لم يسعه إلا السّكات. ثم ركب السلطان الملك الظاهر في ثانى يوم جاء الخبر بعصيان منطاش وعدّى البحر إلى برّ الجيزة وتصيّد وعاد في سادس عشرينه، وبعد عوده بأيام وصل قاصد الأمير تمربغا الأفضلى الأشرفىّ المدعوّ منطاش نائب ملطية يخبر أنه ما نافق وأنه باق على طاعة السلطان، فأخذ السلطان في أخبار القاصد وأعطى، وبينما هو في ذلك قدم البريد من حلب في إثره يخبر السلطان بأنّ منطلق المذكور عاص، وأنه ما أرسل يقول: إنه باق على الطاعة إلّا يدفع عن نفسه حتى يخرج فصل الشتاء ويدخل فصل الربيع وتذوب الثلوج، فسيّر السلطان السيفىّ ملكتمر الدوادار بعشرة آلاف دينار إلى الأمراء المجرّدين قبل تاريخه توسعة لهم، وأمره في الباطن بالفحص عن أخبار منطاش وحقيقة أمره، وبعد خروج ملكتمر فشا الطاعون بالقاهرة ونواحيها في شهر ربيع الأوّل من سنة تسعين وسبعمائة، واشتغل الناس بمرضاهم وأمواتهم عن غيره.

ثمّ أخلع السلطان على الأمير أيدكار «1» العمرىّ اليلبغاوىّ الحاجب الثانى وأحد مقدّمى الألوف، باستقراره حاجب الحجاب بالديار المصرية، عوضا عن قطلوبغا الكوكائىّ بعد شغورها عنه أربع سنين، وأضيف إليه نظر خانقاة شيخون، واستقرّ الأمير زين الدين أبو بكر بن سنقر عوضه حاجبا ثانيا حاجب ميسرة بتقدمة ألف. ثم في حادى عشرين جمادى الأولى من السنة قدم صراى تمر دوادار الأمير يونس النّوروزىّ الدوادار، ومملوك نائب حلب الأمير يلبغا الناصرىّ يخبران بأنّ العسكر توجّه إلى سيواس وقاتلوا عسكرها، وقد استنجد أهل سيواس» بالتتر، فأتاهم من التتر نحو الستين ألفا فحاربهم العسكر المصرىّ والحلبىّ يوما كاملا حتى هزموهم وحصروا سيواس بعد ما قتل كثير من الفريقين وجرح معظمهم، وأنّ الأقوات عندهم عزيزة، فجهّز السلطان للعسكر المذكور خمسين ألف دينار مصرية وشكرهم وسار بالذهب ملكتمر الدوادار ثانيا بعد قدومه مصر بأيام قليلة. وكان خروج ملكتمر في هذه المرّة الثانية بالذهب في سابع عشرين جمادى الآخرة «3» ، هذا ما أخبره صراى تمر دوادار ثانى يونس الدّوادار. وأمّا ما وقع من بعده هناك فإنّ العسكر تحرّك إلى الرحيل عن سيواس لطول مكثهم، وعند ما ساروا هجم عليهم التتر من خلفهم، فاحترز الأمير يلبغا الناصرىّ نائب حلب إلى جهة حتى صار خلفهم، ثم طرقهم بمن معه ووضع السيف فيهم،

فقتل منهم خلائق كثيرة وأسر منهم نحو الألف وأخذ منهم نحو عشرة آلاف فرس وعاد العسكر سالما إلى حلب؛ فقدم هذا الخبر الثانى أيضا على يد بعض مماليك الأمير يونس الدوادار، فسرّ السلطان بذلك ودقّت البشائر بالديار المصرية، ورسم السلطان بعود العسكر المصرىّ إلى نحو الديار المصرية، فعادوا إليها في ثالث شعبان من سنة تسعين وسبعمائة، فكانت غيبتهم عن القاهرة سنة وعدّة أيام. ولمّا وصلوا وطلعوا إلى القلعة أخلع عليهم السلطان الخلع الهائلة وشكرهم ونزلوا إلى دورهم، وكثرت التهانئ لمجيئهم. ثمّ في خامس عشر شعبان المذكور طلب السلطان الأمير الطواشى بهادر مقدّم المماليك السلطانية، فلم يجده بالقلعة ثم أحضر سكرانا من بيت على بحر النيل، فغضب السلطان عليه ونفاه إلى صفد على إمرة عشرة بها، وأخلع على الطواشى شمس الدين صواب السّعدىّ المعروف بشنكل الأسود بتقدمة المماليك السلطانية عوضا عن بهادر المذكور، واستقرّ الطواشى سعد الدين بشير الشّرفىّ فى نيابة المقدّم عوضا عن شنكل المذكور. وحجّ في هذه السنة أيضا الأمير جاركس الخليلىّ الأمير آخور الكبير أمير حاجّ الأوّل. وكان أمير حاجّ المحمل الأمير آقبغا الماردينىّ وخرج الحجّ من مصر في عاشر شوّال، وفي أثناء ذلك قدم الخبر بعصيان الأمير ألطنبغا الجوبانىّ نائب الشام وأنه ضرب الأمير طرنطاى حاجب حجّاب دمشق واستكثر من استخدام المماليك وشاع ذلك بالقاهرة وكثرت القالة بين الناس بهذا الخبر، فلمّا بلغ الأمير ألطنبغا الجوبانىّ ذلك أرسل استأذن السلطان في الحضور إلى الديار المصرية، فأذن له السلطان فى ذلك وفي ظنّ كلّ أحد أنه لم يحضر، فعندما جاءه الإذن ركب البريد من دمشق

فى خواصه وسار حتى نزل سرياقوس خارج القاهرة في ليلة الخميس سابع عشرين شوّال من سنة تسعين المذكورة، وبلغ السلطان ذلك فأرسل إليه الأمير فارسا الصّرغتمشىّ أمير جاندار، فقبض عليه من سرياقوس وقيّده وسيّره إلى سجن الإسكندرية صحبة الأمير ألجيبغا الجمالىّ الدوادار. ثمّ رسم السلطان بأنّ طرنطاى حاجب حجاب دمشق يستقرّ في نيابة دمشق عوضا عن الأمير ألطنبغا الجوبانىّ المذكور، وحمل إليه التشريف والتقليد الأمير سودون الطّرنطائىّ، فعظم مسك الأمير ألطنبغا الجوبانىّ على الناس كونه ظهر للسلطان براءته ممّا نقله عنه أعداؤه وكونه من أكابر اليلبغاويّة، ولم يسعهم إلا السكات لفوات الأمر. ثم كتب السلطان كتابا لأمراء طرابلس وأرسله على يد بعض خواصّه بالقبض على الأمير كمشبغا الحموىّ اليلبغاوىّ نائب طرابلس، فقدم سيفه في عاشر ذى القعدة فتأكّد تشويش الناس بمسك كمشبغا أيضا، فإنه أكبر مماليك يلبغا العمرىّ. وممّن صار في أيام أستاذه يلبغا أمير طلبخاناه، وتوجّه الأمير شيخ الصّفوىّ بتقليد الأمير أسندمر المحمّدىّ حاجب حجّاب طرابلس بنياية طرابلس عوضا عن كمشبغا الحموىّ المقدّم ذكره. ثم نفى السلطان الملك الظاهر الأمير كمشبغا الخاصّكىّ الأشرفىّ، أحد أمراء الطبلخانات ورأس نوبة إلى طرابلس، فسار من دمياط «1» ، لأنّه كان في اليزك بالثّغر المذكور.

ثمّ قدم البريد بعشرين سيفا من سيوف الأمراء الذين قبض عليهم من أمراء البلاد الشامية، ثم كتب السلطان بالقبض على الأمراء البطّالين ببلاد الشام جميعا، ثم أعيد سودون العثمانىّ إلى نيابة حماة بحكم خروج كشلى منها إلى نيابة ملطية، عوضا عن منطاش، وكان كشلى ولى نيابة حماة قبل تاريخه بمدّة يسيرة عوضا عن ابن المهمندار. ثم في ثانى ذى القعدة قدمت رسل قرا محمد وأخبروا أنه أخذ مدينة تبريز، وضرب بها السّكّة باسم السلطان الملك الظاهر برقوق، ودعا له على منابرها وسيّر دنانير ودراهم، عليها اسم السلطان، وسأل أن يكون نائبا بها عن السلطان فأجيب بالشكر والثناء، هذا والخواطر قد نفرت من الملك الظاهر لكثرة قبضه على الأمراء من غير موجب، وتخوّف كلّ أحد منه، على نفسه حتى خواصّه وكثر تخيّل الأمراء منه، وبينما هم في ذلك أشيع بالديار المصريّة بعصيان الأمير يلبغا الناصرىّ نائب حلب، وكثر هذا الخبر في محرّم سنة إحدى وتسعين وسبعمائة. وسبب ذلك أنه وقع بين الأمير يلبغا الناصرىّ وبين سودون المظفّرىّ أتابك حلب المعزول عن نيابة حلب قبل تاريخه، وكاتب كلّ منهما في الآخر، فاحتار السلطان بينهما وقد قوى تخوّفه من الناصرىّ. قال المقريزىّ- رحمه الله-. وكان أجرى الله سبحانه وتعالى على ألسنة العامّة: من غلب، صاحب حلب، حتى لا يكاد صغير ولا كبير إلا يقول ذلك، حتى كان من أمر الناصرىّ نائب حلب ما كان. انتهى كلام المقريزى.

ولمّا شاع ذلك جمع السلطان الأمراء والخاصّكيّة في يوم الأحد خامس صفر بالميدان من تحت القلعة وشرب معهم القمزّ، وقرّر لشربه معهم يومى الأحد والأربعاء، يروم بذلك أخذ خواطرهم. ثمّ في عاشره بعث السلطان هديّة للأمير يلبغا الناصرىّ نائب حلب فيها عدّة خيول بقماش ذهب [وقباء «1» ] واستدعاه ليحضر ليعمل معه مشورة في أمر منطاش، فلمّا أتاه رسول السلطان بالحضور إلى الديار المصرية، خشى أن يفعل به كما فعل بالأمير ألطنبغا الجوبانىّ نائب الشام من مسكه وحبسه بالإسكندرية، فكتب يعتذر عن الحضور إلى حضرة السلطان بحركة التّركمان وعصيان منطاش، وأنه يتحوّف على البلاد الحلبية منهم، ومهما كان للسلطان من حاجة يرسل يعرّفه ليقوم بقضائها، وعاد رسول السلطان إلى مصر بهذا الجواب، فلم يقبل السلطان ذلك منه في الباطن وقبله في الظاهر وقد كثر تخيّله منه، وأخذ في التدبير على الأمير يلبغا الناصرىّ مع خواصّه، حتى اقتضى رأى الجميع على إرسال تلكتمر «2» الدوادار إلى حلب بحيلة دبّروها، فخرج تلكتمر المحمّدىّ الدوادار المذكور وعلى يده مثالان ليلبغا الناصرىّ نائب حلب ولسودون المظفرىّ أتابك حلب المقدّم ذكره أن يصطلحا بحضرة الأمراء والقضاة والأعيان وسير معه خلعتين يلبسانها بعد صلحهما وحمل السلطان في الباطن مع ملكتمر عدّة مطالعات إلى سودون المظفرىّ وغيره من أمراء حلب وأرباب وظائفها بالقبض على الناصرىّ وقتله إن امتنع من الصلح وكان مملوك الناصرىّ قد تأخر بالقاهرة عن السفر لحلب ليفرّق كتبا

من أستاذه على أمراء مصر، يدعوهم فيها إلى موافقته على الخروج على السلطان وأخّر السلطان أيضا جواب الناصرىّ الوارد على يد مملوكه المذكور، عامدا حتى يسبقه تلكتمر الدوادار إلى حلب. وكان مملوك الناصرىّ المذكور يقظا حاذقا، فبلغه ما على يد تلكتمر الدوادار من المطالعات بالقبض على أستاذه يلبغا الناصرىّ وعلم أنه عوّق حتى سافر تلكتمر. ثم أعطى الجواب، فأخذه وخرج من مصر فى يومه وسار مسرعا وجّد في السّوق حتى سبق تلكتمر الدوادار إلى حلب وعرّف أستاذه بخبر تلكتمر كلّه سرّا، فأخذ الناصرىّ في الحذر. ويقال: إنّ تلكتمر الدّوادار كان بينه وبين الشيخ حسن رأس نوبة الناصرىّ مصاهرة، فلما قرب من حلب بعث يخبر الشيخ حسنا المذكور بما أتى فيه، فعلى كل حال احترز الناصرىّ. وهذا الخبر الثانى يبعد والأوّل أقرب وأقوى عندى من كلّ وجه. ثمّ لمّا تحقّق الناصرىّ ما جاء فيه تلكتمر احترز على نفسه وتعبّأ، فلما قرب تلكتمر من حلب، خرج الأمير يلبغا الناصرىّ من حلب ولاقاه على العادة مظهرا لطاعة السلطان وقبّل الأرض وأخذ منه مثاله وعاد به إلى دار السعادة «1» بحلب وقد اجتمع الأمراء والقضاة وغيرهم لسماع مرسوم السلطان وتأخّر الأمير سودون المظفّرى أتابك حلب عن الحضور ولم يعجبه ما فعله الملك الظّاهر برقوق من حضوره عند الناصرىّ لمعرفته بقوّة الناصرىّ وكثرة مماليكه، فأرسل له الناصرىّ- غير قاصد- يستعجله للحضور فلم يجد بدّا من الحضور وحضر وهو لابس آلة الحرب من تحت قماشه خوفا على نفسه من الناصرىّ وحواشيه، فعندما دخل سودون المظفّرىّ إلى دهليز دار السّعادة. جسّ قازان اليرقشىّ أمير آخور الناصرىّ كتفه فوجد السلاح،

فقال: يا أمير! الذي يجيء للصلح يدخل دار السعادة وعليه السلاح وآلة الحرب، فسبّه سودون المظفّرىّ فسلّ قازان سيفه وضربه به وأخذت سودون المظفّرى السّيوف من كل جانب من مماليك الناصرىّ الذين كان رتّبهم لهذا الأمر، فقتل سودون المظفرىّ بعد أن جرّدت مماليكه أيضا سيوفهم وقاتلوا مماليك الناصرىّ ساعة هيّنة وقتل من الفريقين أربعة أنفس لا غير وثارت الفتنة. ففى الحال قبض الناصرىّ على حاجب حجّاب حلب وعلى أولاد المهمندار وكانا مقدّمى ألوف بحلب وعلى عدّة أمراء أخر ممن يخشاهم ويخاف عاقبتهم. ثم ركب الناصرىّ إلى القلعة وتسلّمها واستدعى التركمان والعربان وكتب إلى تمربغا الأفضلىّ الأشرفىّ المعروف بمنطاش يدعوه إلى موافقته، فسرّ منطاش بذلك وقدم عليه بعد أيام ودخل تحت طاعته. وكان الناصرىّ قد أباد منطاش وقاتله، منذ خرج عن طاعته وطاعة السلطان غير مرّة، وصار منطاش من جملة أصحابه وتعاضد الأشرفيّة واليلبغاويّة، واليلبغاوية هم الأكثر، فإنّ الناصرىّ من كبار اليلبغاويّة ومنطاش من كبار الأشرفيّة، هذا مع ما انضم على الناصرىّ من أكابر الأمراء على ما سيأتى ذكره. وعاد ملكتمر الدّوادار بهذا الخبر في خامس عشر صفر، فكان عليه خبر غير صالح، فكتب السّلطان في الحال إلى الأمير إينال اليوسفىّ أتابك دمشق والمعزول قبل تاريخه عن نيابة حلب بنيابة حلب ثانيا. وجهّز إليه التّشريف والتّقليد فى ثامن عشر صفر المذكور من سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وكان إينال اليوسفىّ ممن انحرف على السلطان في الباطن من أيام ركوبه عليه، قبل أن يتسلطن وقبض عليه وحبسه سنتين، ثم أطلقه على إمرة بدمشق ثم ولّاه بعض البلاد الشامية وهي نيابة طرابلس، ثم نقله إلى نيابة حلب، فدام بها سنين، ثم عزله عنها بالأمير

يلبغا الناصرىّ وجعله أتابك دمشق، فصار في نفسه حزازة من هذا كله على ما سيأتى ذكره. ثمّ إن السلطان في ثامن عشر صفر المذكور طلب الأمراء إلى القلعة وكلّهم فى أمر الناصرىّ وعصيانه واستشارهم في أمره، فوقع الاتفاق على خروج تجريدة لقتاله وحلّف الأمراء على طاعته، ثم خرج إلى القصر الأوّل وحلّف أكابر المماليك السلطانيّة. ثم في تاسع عشره ضربت خيمة كبيرة بالميدان من تحت القلعة وضرب بجانبها عدّة صواوين برسم الأمراء ونزل السلطان إلى الخيمة المذكورة وحلّف بها سائر الأمراء وأعيان المماليك السلطانيّة بل غالبهم. ثم مدّ لهم سماطا جليلا فأكلوا وانفضّوا. ثم في رابع عشرينه قدم البريد من دمشق بأنّ الأمير قرابغا فرج الله والأمير بزلار العمرىّ الناصرىّ والأمير دمرداش اليوسفىّ والأمير كمشبغا الخاصّكى الأشرفىّ وآقبغا قبجق «1» اجتمع معهم عدّة كثيرة من المماليك المنفيّين بطرابلس ووثبوا «2» على نائبها الأمير أسندمر المحمّدىّ وقبضوا عليه وقتلوا من أمراء طرابلس الأمير صلاح الدين خليل بن سنجر وابنه وقبضوا على جماعة كبيرة من أمراء طرابلس، ثم دخل الجميع فى طاعة الناصرىّ وكاتبوه بذلك وملكوا مدينة طرابلس. وفي يوم وصول هذا الخبر على السلطان عرض السلطان المماليك السلطانيّة، وعيّن منهم أربعمائة وثلاثين مملوكا من المماليك السلطانيّة للسفر، وعيّن خمسة من أمراء الألوف بديار مصر وهم: الأمير الكبير أيتمش البجاسىّ «3» ، والأمير جاركس

الخليلىّ الأمير آخور الكبير والأمير شهاب الدين أحمد بن يلبغا أمير مجلس والأمير يونس النّوروزىّ الدّوادار الكبير والأمير أيدكار «1» حاجب الحجاب وعيّن من أمراء الطبلخاناه سبعة وهم: فارس الصّرغتمشىّ وبكلمش العلائىّ رأس نوبة وجاركس المحمّدىّ وشاهين الصّرغتمشىّ وآقبغا الصغير السلطانىّ وإينال الجاركسىّ أمير آخور وقديد القلمطاوىّ من أمراء العشرات جماعة كبيرة. ثمّ أرسل السلطان للأمير أيتمش برسم النفقة مائتى ألف درهم فضة وعشرة آلاف دينار ذهبا مصريا. ثم أرسل إلى كل من أمراء الألوف ممن عيّن للسفر مائة ألف درهم وخمسة آلاف دينار ماخلا أيدكار حاجب الحجاب فإنه حمل إليه مبلغ ستين ألف درهم وألفا وأربعمائة دينار. ثم في سادس عشرين صفر المذكور قدم الخبر من الشّام بأنّ مماليك الأمير سودون العثمانىّ نائب حماة اتّفقوا على قتله، ففرّ منهم إلى دمشق وأنّ الأمير بيرم العزّىّ حاجب حجاب حماة سلّم حماة إلى الأمير يلبغا الناصرىّ ودخل تحت طاعته، فعظم هذا الخبر أيضا على السلطان حتى كاد يهلك وعرض المماليك ثانيا وعيّن منهم أربعة وسبعين نفرا لتتمّة خمسمائة مملوك. قلت: ولهذا تعرف هذه الواقعة بوقعة الخمسمائة وبوقعة شقحب «2» وبوقعة الناصرىّ ومنطاش. انتهى. وفي يوم الجمعة سابع عشرين صفر رسم السلطان للأمير بجاس نائب «3» قلعة الجبل أن يتوجّه إلى الخليفة المتوكل على الله أبى عبد الله محمد بالقلعة وينقله من داره إلى

البرج من القلعة ويضيّق عليه ويمنع الناس من الدخول إليه، ففعل بجاس ذلك، فبات الخليفة ليلته بالبرج ثم أعيد من الغد إلى مكانه بالقلعة، بعد أن كلّم السلطان الأمراء في ذلك. ثمّ رسم السلطان للطّواشى زين الدين مقبل الزّمام بالتّضييق على الأسياد أولاد «1» السّلاطين بالحوش السّلطانىّ من القلعة ومنع من يتردّد إليهم من الناس والفحص عن أحوالهم، ففعل مقبل ذلك. ثم في يوم الاثنين ثانى شهر ربيع الأوّل خرج البريد من مصر بتقليد الأمير طغاى تمر القبلائى أحد أمراء دمشق بنيابة طرابلس. ثم فرّق السلطان في المماليك نفقة ثانية، فكانت الأولى لكل واحد: خمسة آلاف درهم فضّة والثانية ألف درهم، سوى الخيل والجمال والسلاح، فإنه فرّق فى أرباب الجوامك لكل واحد جملين ولكل اثنين من أرباب الأخباز ثلاثة جمال ورتّب لهم [اللحم «2» ] والجرايات والعليق، فرتّب لكل من رءوس النّوب [فى اليوم «3» ] ستة عشرة عليقة ولكلّ من أكابر المماليك عشر علائق ولكل من أرباب الجوامك خمس علائق. ورسم أيضا لكل مملوك من المماليك السلطانية بخمسمائة درهم بدمشق. ثم في رابع عشر شهر ربيع الأوّل المذكور جلس السلطان بمسجد «4» الرّدينىّ داخل القلعة بالحريم السلطانىّ واستدعى الخليفة المتوكّل على الله من مكانه بالقلعة، فلّما

دخل عليه الخليفة قام الملك الظاهر له وتلقّاه وأخذ في ملاطفته والاعتذار إليه واصطلحا وتحالفا ومضى الخليفة إلى موضعه بالقلعة، فبعث السلطان إليه عشرة آلاف درهم وعدّة بقج، فيها أثواب صوف وقماش سكندرىّ. ثمّ تواترت الأخبار على السلطان بدخول سائر الأمراء بالبلاد الشامية والمماليك الأشرفيّة واليلبغاويّة في طاعة الناصرىّ وكذلك الأمير سولى بن دلغادر أمير التركمان، ونعير أمير العربان وغيرهما من التركمان والأعراب، دخل الجميع في طاعة الناصرى على محاربة السلطان الملك الظاهر وأنّ الناصرىّ أقام أعلاما «1» خليفتيّة وأخذ جميع القلاع بالبلاد الشامية، واستولى عليها ما خلا قلعة الشام وبعلبكّ والكرك، فقلق السلطان لذلك وكثر الاضطراب بالقاهرة وكثر كلام الناس في هذا الأمر، حتى

تجاوز الحدّ واختلفت الأقاويل، كلّ ذلك وإلى الآن لم تخرج التجريدة من مصر، فلما بلغ السلطان هذه الأخبار رسم بخروج التجريدة، فخرجت الأمراء المذكورون قبل تاريخه في يوم السبت رابع عشر شهر ربيع الاوّل من سنة إحدى وتسعين وسبعمائة إلى الرّيدانية بتجمل زائد واحتفال عظيم بالأطلاب من الخيول المزيّنة بسروج الذهب والكنابيش والسلاح الهائل، لا سيما الأمير أيتمش والأمير أحمد ابن يلبغا فإنهما أمعنا في ذلك وكان للناس مدّة طويلة لم يتجرّد السلطان إلى البلاد الشامية ولا عسكره، سوى سفر الأمراء في السنة الماضية إلى سيواس وكانوا بالنسبة إلى هذه التجريدة كلا شىء وتتابعتهم المماليك شيئا بعد شىء، حتى سافر الجميع من الرّيدانية في يوم الاثنين سادس عشر شهر ربيع الأوّل المذكور. ثمّ أخذ السلطان بعد خروج العسكر في استجلاب خواطر الناس وأبطل الرّمايات والسّلف على البرسيم والشعير وإبطال قياس القصب والقلقاس والإعفاء على ذلك كله. ثم في يوم الثلاثاء [أوّل ربيع الآخر «1» ] قدم البريد بأن الأمير كمشبغا المنجكىّ نائب بعلبكّ دخل تحت طاعة يلبغا الناصرىّ وكذلك [فى خامسه قدم البريد بأن «2» ] ثلاثة عشر أميرا من أمراء دمشق خرجوا بمماليكهم من دمشق وساروا إلى حلب ودخلوا في طاعة الناصرى. وأما العسكر الذي خرج من مصر فإنه لما وصل إلى غزّة أحسّ الأمير جاركس الخليلىّ بمخامرة نائبها الأمير آقبغا الصفوىّ فقبض عليه وبعثه إلى الكرك وأقرّ في نيابة غزّة الأمير حسام الدين بن باكيش.

ثم في عشرين شهر ربيع الآخر قدم على السلطان رسول قرا محمد التركمانى ورسول الملك الظاهر مجد الدين عيسى صاحب ماردين يخبران بقدومهما إلى خابور ويستأذنان في محاربة الناصرى فأجيبا بالشكر والثناء وأذن «1» لهما في ذلك. وأمّا العسكر فإنه سار من غزّة حتّى دخل دمشق في يوم الاثنين سابع شهر ربيع الآخر المذكور، ودخلوا دمشق بعد أن تلقّاهم نائبها الأمير [حسام الدين «2» ] طرنطاى، ودخلوا دمشق قبل وصول الناصرىّ بعساكره اليها بمدّة، وأقبل المماليك السلطانية على الفساد بدمشق، واشتغلوا باللهو وأبادوا أهل دمشق شرّا، حتى سئمتهم أهل الشام وانطلقت الألسنة بالوقيعة فيهم وفي مرسلهم. قلت: هو مثل سائر: «الولد الخبيث يكون سببا لوالده في اللّعنة» وكذلك وقع، فإنّ أهل دمشق لمّا نفرت قلوبهم من المماليك الظاهرية، لم يدخلوا بعد ذلك في طاعة الملك الظاهر البتّة على ما سيأتى ذكره. وبينما هم في ذلك جاءهم الخبر بنزول يلبغا الناصرىّ بعساكره على خان لاجين «3» خارج دمشق في يوم السبت تاسع عشر شهر ربيع الآخر، فعند ذلك تهيّأ الأمراء المصريّون والشاميون إلى قتالهم وخرجوا من دمشق في يوم الاثنين حادى عشرينه إلى برزة «4» والتقوا بالناصرىّ على خان لاجين، وتصاففوا ثم اقتتلوا قتالا شديدا ثبت فيه كلّ من الفريقين ثباتا لم يسمع بمثله، ثمّ تكاثر العسكر المصرىّ وصدقوا الحملة على الناصرىّ ومن معه فهزموهم وغيّروه عن موقفه.

ثمّ تراجع عسكر الناصرىّ وحمل بهم، والتقى العسكر السّلطانى ثانيا واصطدما صدمة هائلة ثبت فيها أيضا الطائفتان وتقاتلا قتالا شديدا، قتل فيها جماعة من الطائفتين، حتى انكسر الناصرىّ ثانيا. ثم تراجع عسكره وعاد إليهم والتقاهم ثالث مرّة، فعندما تنازلوا في المرّة الثالثة «1» والتحم القتال، أقلب الأمير أحمد بن يلبغا أمير مجلس رمحه ولحق بعساكر الناصرىّ بمن معه من مماليكه وحواشيه، ثم تبعه الأمير أيّدكار العمرىّ حاجب الحجاب أيضا بطلبه ومماليكه، ثم الأمير فارس الصّرغتمشىّ ثم الأمير شاهين [حسين «2» ] أمير آخور بمن معهم وعادوا قاتلوا العسكر المصرىّ، فعند ذلك ضعف أمر العساكر المصريّة وتقهقروا وانهزموا أقبح هزيمة، فلما ولّوا الادبار في أوائل الهزيمة هجم مملوك من عسكر الناصرىّ يقال له يلبغا الزينىّ الأعور وضرب الأمير جاركس الخليل الأمير آخور بالسيف قتله وأخذ سلبه وترك رمّته عارية، إلى أن كفّنته امرأة بعد أيام ودفنته. ثم مدّت التركمان والعرب أيديهم ينهبون من انهزم من العسكر المصرىّ ويقتلون ويأسرون من ظفروا به وساق الأمير الكبير أيتمش البجاسىّ حتى لحق بدمشق وتحصّن بقلعتها وتمزّق العسكر المصرىّ وذهب كأنه لم يكن ودخل الناصرىّ من يومه إلى دمشق بعساكره ونزل بالقصر من الميدان وتسلّم بالقلعة بغير قتال وأوقع الحوطة على سائر [ما «3» ] للعسكر وأنزل بالأمير الكبير أيتمش وقيّده هو والأمير طرنطاى نائب الشام وسجنهما بقلعة دمشق وتتبّع بقيّة الأمراء والمماليك حتى قبض من يومه أيضا على الأمير بكلمش العلائى في عدّة من أعيان المماليك

الظاهريّة، فاعتقلهم أيضا بقلعة دمشق. ثم مدّت التركمان والأجناد أيديهم في النهب، فما عفّوا ولا كفّوا وتمادوا على هذا عدّة أيام. وقدم هذا الخبر على الملك الظاهر من غزة في يوم سابع عشرين شهر ربيع الآخر المذكور فاضطربت الناس اضطرابا عظيما لا سيما لمّا بلغهم قتل الأمير جاركس الخليلىّ والقبض على الأمير الكبير أيتمش البجاسىّ وغلّقت الأسواق وانتهبت الأخباز وتشغّبت الزّعر وطغى أهل الفساد، هذا مع ما للناس فيه من الشغل بدفن موتاهم وعظم الطاعون بمصر، كلّ ذلك وإلى الآن لم يعرف السلطان بقتل الأمير يونس النّوروزىّ الدوادار على ما سيأتى ذكره. وأما السلطان الملك الظاهر برقوق فإنه لمّا بلغه ما وقع لعسكره وجم وتحيّر فى أمره وعظم عليه قتل جاركس الخليلىّ والقبض على أيتمش أكثر من انهزام عسكره، فإنهما ويونس الدوادار كانوا هم القائمين بتدبير ملكه، وأخذ يفحص عن أخبار يونس الدوادار المذكور، فلم يقف له على خبر، لسرعة مجىء خبر الوقعة له من مدينة غزّة وإلى الآن لم يأته أحد ممن باشر الواقعة غير أنه صحّ عنده ما بلغه. ثمّ خرج إلى الإيوان بالقلعة واستدعى الأمراء والمماليك وتكلّم معهم السلطان فى أمر الناصرىّ ومنطاش واستشارهم، فوقع الاتفاق على خروج تجريدة ثانية، فانفضّ الموكب وخرج السلطان في ثامن عشر شهر ربيع الآخر إلى الإيوان، وعيّن من المماليك السلطانيّة ممن اختار سفره خمسمائة مملوك، وأنفق فيهم ذهبا حسابا عن ألف درهم فضّة لكل واحد، ليتوجّهوا إلى دمشق صحبة الأمير سودون الطّرنطائىّ، وقام السلطان فكلّمه بعض خواصّه في قلّة من عيّن من المماليك، وأن العسكر الذي كان صحبة أيتمش كان أضعاف ذلك وحصل ما حصل، فعرض العسكر ثانيا وعيّن

خمسمائة أخرى ثم عيّن أربعمائة أخرى لتتمّة ألف وأربعمائة مملوك، وأنفق في الجميع ألف درهم فضة، لكل واحد. ثمّ أنفق السلطان في المماليك الكتابيّة لكل مملوك مائتى درهم فضّة، فإنه بلغه أنهم في قلق لعدم النفقة عليهم. هذا، وقد طمع كلّ أحد من المماليك وغيرهم في جانب الملك الظاهر لما وقع لعسكره بدمشق. ثم عمل السلطان الموكب في يوم الأربعاء أوّل جمادى الأولى، وأنعم على كلّ من قرابغا البوبكرىّ وبجاس النّوروزىّ نائب قلعة الجبل وشيخ الصّفوىّ وقرقماس الطّشتمرىّ بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، عوضا عمّن قتل أو أمسك بالبلاد الشامية. ثم أنعم السلطان أيضا في اليوم المذكور على كل من الجيبغا الجمالىّ الخازندار وألطنبغا العثمانىّ رأس نوبة ويونس الإسعردىّ الرمّاح وقنق باى الألجاوىّ اللالا وأسنبغا الأرغونىّ شاوىّ وبغداد الأحمدىّ وأرسلان اللّفّاف وأحمد الأرغونىّ وجرباش الشيخىّ وألطنبغا شادى وأرنبغا «1» المنجكىّ وإبراهيم بن طشتمر العلائىّ الدوادار وقرا كسك السيفىّ بإمرة طبلخاناه. وأنعم على كل من السيد الشريف بكتمر الحسينىّ «2» والى القاهرة [كان «3» ] وقنق باى الأحمدى بإمرة عشرين. وأنعم على كل من بطا الطّولوتمرىّ الظاهرىّ ويلبغا السودونىّ وسودون اليحياوىّ وتنّبك «4» اليحياوىّ وأرغون شاه البيدمرىّ وآقبغا

الجمالىّ الهذبانىّ وفوزى الشعبانىّ وتغرى بردى البشبغاوىّ والد كاتبه وبكبلاط السعدىّ «1» وأرنبغا «2» العثمانىّ وشكرباى العثمانىّ وأسنبغا السيفىّ بإمرة عشرة، وكلّ هؤلاء مماليك الملك الظاهر برقوق وخاصّكيّته أمرّهم في هذه الحركة وكانوا قبل ذلك من جملة الخاصكيّة، ومنهم من هو إلى الآن لم يحضر من التجريدة. ثمّ قدم البريد على السلطان من قطيا بأنّ الأمير إينال اليوسفىّ أتابك دمشق المنعم عليه بنيابة حلب بعد عصيان الناصرىّ والأمير إينال أمير آخور والأمير إياس أمير آخور دخلوا إلى غزّة في عسكر كثيف من عساكر الناصرىّ وقد صاروا قبل تاريخه من حزب الناصرىّ واستولوا على مدينة غزة والرّملة وتمزّقت عساكرها، فعظم لهذا الخبر جزع الملك الظاهر وتحيّر في أمره. ثم في يومه «3» استدعى السلطان القضاة والأمراء والأعيان وبعث الأمير سودون الطّرنطائى والأمير قرقماش الطشتمرىّ إلى الخليفة المتوكّل على الله بمسكنه في قلعة الجبل فأحضراه، فلمّا رآه الملك الظاهر قام له وتلقّاه وأجلسه، وأشار إلى القضاة فحلّفوا كلّا منهما للآخر على الموالاة والمناصحة، وخلع السلطان على الخليفة المتوكل على الله المذكور خلعة الرضا، وقيّد إليه حجرة شهباء من خواصّ خيل السلطان بسرج ذهب وكنبوش مزركش وسلسلة ذهب وأذن له في النزول إلى داره، فركب ونزل من القلعة إلى داره في موكب جليل، وأعيدت إقطاعاته ورواتبه وأخلى له بيت بقلعة الجبل ليسكن فيه.

ثمّ طلع الخليفة من يومه ونقل حرمه إلى البيت المذكور بالقلعة، وصار يركب فى بعض الأحيان وينزل إلى داره بالمدينة ثم يطلع من يومه إلى مسكنه بالقلعة ويبيت فيه مع أهله وحرمه، واستمرّ على ذلك إلى ما سيأتى ذكره. ثم في يوم الجمعة ثالث جمادى الأولى المذكورة قدم الأمير شهاب الدين أحمد ابن بقر أمير عرب الشرقيّة، ومعه هجّان الأمير جاركس الخليلىّ، فحدّث السلطان بتفصيل واقعة العسكر المصرى مع الناصرى، وأنه فرّمع الأمير يونس الدوادار فى خمسة نفر طالبين الديار المصرية، فعرض لهم الأمير عنقاء بن شطّى أمير آل فضل بالقرب من خربة اللصوص من طريق دمشق، وقبض على الأمير يونس الدّوادار ووبّخه لما كان في نفسه منه، ثم قتله وحزّ رأسه وبعث به إلى الناصرىّ، فعندما بلغ السلطان قتل يونس الدوادار وتحقّقه كادت نفسه تزهق وكان بلغه هذا الخبر، غير أنه لم يتحقّقه إلا في هذا اليوم وبقتل يونس الدوادار استشعر كلّ أحد بذهاب ملك الملك الظاهر. ثم أصبح السلطان أمر بالمناداة بمصر والقاهرة بإبطال سائر المكوس من سائر ديار مصر وأعمالها، فقام جميع كتّاب المكوس من مجالسهم. ثم في سادس الشهر «1» ركب الخليفة المتوكّل على الله من القلعة بأمر السلطان الملك الظاهر ونزل إلى القاهرة، ومعه الأمير سودون الفخرىّ الشيخونىّ نائب السلطنة وقضاة القضاة وشيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقينىّ وسائر الحجّاب وداروا في شوارع القاهرة ورجل أمامهم على فرس يقرأ ورقة فيها: إنّ السلطان قد أزال المكوس والمظالم وهو يأمر الناس بتقوى الله وطاعته وإنّا قد سألنا العدق

الباغى في الصلح فأبى وقد قوى أمره فأغلقوا دوركم وأقيموا الدروب «1» على الحارات وقاتلوا عن أنفسكم وحريمكم، فلمّا سمع الناس ذلك تزايد خوفهم وقلقهم ويئس كلّ واحد من الملك الظاهر وأخذ الناس في العمل للتوصّل إلى الناصرىّ، حتى حواشى برقوق لمّا سمعوا هذه المقالة وقد تحقّقوا بسماعها بأنّ الملك الظاهر لم يبق فيه بقيّة يلقى بها الناصرىّ وعساكره وقول الملك الظاهر: وإنا قد سألنا العدوّ فى الصلح فأبى وقوى، فإنه كان لمّا توجه العسكر من مصر لقتال الناصرى أمرهم أن يرسلوا له في طلب الصلح مع الناصرىّ ففعلوا، فلم ينتظم صلح ووقع ما حكيناه من القتال وغيره. ثمّ إن الناس لمّا سمعوا هذه المناداة شرعوا في عمل الدّروب فجدّد بالقاهرة دروب كثيرة وأخذوا في جمع الأقوات والاستعداد للقتال والحصار وكثر كلام العامّة فيما وقع وهان الملك الظاهر وعساكره في أعين الناس وقلّت الحرمة وتجمّع الزّعر، ينتظرون قيام الفتنة لينهبوا الناس وتخوّف كلّ أحد على ماله وقماشه، كلّ ذلك والناصرى إلى الآن بدمشق. ثم انقطع أخبار الناصرىّ عن مصر لدخول الأمير حسام الدين بن باكيش نائب غزة في طاعة الناصرىّ. ثم قدم الخبر بدخول الأمير مأمور القلمطاوى نائب الكرك في طاعة الناصرىّ وأنه سلّم له الكرك بما فيها من الأموال والسلاح، فتيقّن كلّ أحد عند سماع هذا الخبر أيضا بزوال ملك الملك الظاهر. هذا والأمراء والعساكر المعيّنة للسفر فى اهتمام، غير أنّ عزائم السلطان فاترة وقد علاه وله وداخله الخوف من غير أمر

يوجب ذلك. وكان السلطان لمّا عيّن هذه التجريدة الثانية أرسل إلى بلاد الصعيد يطلب نجدة فقدم إلى القاهرة في هذا اليوم طوائف من عرب هوّارة نجدة للسلطان ونزلوا تحت القلعة. ثمّ أمر السلطان بحفر خندق «1» القلعة وتوعير طريق باب القلعة المعروف بباب القرافة وباب الحرس وباب «2» الدّرفيل. ثمّ أمر السلطان بسدّ خوخة «3» الأمير أيدغمش خارج بابى زويلة، فسدّت حتى صار لا يدخل منها راكب ثمّ أمر السلطان فنودى بالقاهرة بإبطال مكس النّشا والجلود.

وفي يوم الجمعة عاشر جمادى الأولى من سنة إحدى وتسعين وسبعمائة خطب للخليفة المتوكّل على الله أبى عبد الله محمد، فإنه أعيد إلى الخلافة من يوم خلع عليه السلطان خلعة الرّضا، ثمّ قرئ تقليده في ثانى عشره بالمشهد «1» النّفيسىّ وحضره القضاة ونائب السلطنة. ولمّا انقضى مجلس قراءة التقليد توجّهوا الجميع إلى الآثار النّبوية «2» وقرءوا به صحيح البخارىّ ودعوا الله تعالى للسلطان الملك الظاهر برقوق بالنصر وإخماد الفتنة بين الفريقين. ثمّ في يوم ثالث عشر أخلع السلطان على الأمير قرا دمرداش الأحمدىّ اليلبغاوى باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية عوضا عن الأمير أيتمش البجاسى بحكم حبسه بقلعة دمشق وعلى الأمير سودون باق باستقراره أمير سلاح، عوضا عن قرا دمرداش المذكور وعلى الأمير قرقماس الطّشتمرىّ باستقراره دوادارا كبيرا عوضا عن يونس النّوروزىّ المقتول بيد عنقاء أمير آل فضل وعلى الأمير تمربغا «3» المنجكىّ أمير آخور كبيرا عوضا عن الأمير جاركس الخليلىّ المقتول في واقعة الناصرىّ

بدمشق وعلى قرابغا البوبكرىّ باستقراره أمير مجلس عوضا عن أحمد بن يلبغا بحكم عصيانه ودخوله في طاعة الناصرىّ وعلى آقبغا الماردينىّ باستقراره حاجب الحجاب عوضا عن أيدكار العمرىّ الداخل أيضا في طاعة الناصرى ونزل الجميع بالخلع والتشاريف. ثمّ أنعم السلطان على الأمير صلاح الدين محمد [بن محمد «1» ] بن تنكز الناصرىّ نائب الشّام كان بإمرة طبلخاناه وعلى جلبان الكمشبغاوى الخاصكى الظاهرى بإمرة طبلخاناه. وكثر في هذه الأيام تحصين السلطان لقلعة الجبل فعلم بذلك كلّ أحد أنه لم تخرج تجريدة من مصر ولم يثبت الملك الظاهر لقتال الناصرىّ بما أفرزوا من أحوال السلطان، خذلان من الله تعالى. ثمّ أخذ السلطان ينقل إلى قلعة الجبل المناجنيق والمكاحل والعدد وأمر السلطان لسكّان قلعة الجبل من الناس بادّخار القوت بها لشهرين. ثمّ رسم السلطان للمعلم أحمد بن الطّولونى بجمع الحجّارين لسدّ فم وادى «2» السدرة بجوار الجبل الأحمر وأن يبنى حائط من جوار باب الدرفيل إلى الجبل. ثمّ نودى بالقاهرة بأنّ من له فرس من أجناد الحلقة يركب للحرب ويخرج مع العسكر، فكثر الهرج وتزايد قلق الناس وخوفهم وصارت الشوارع كلها ملآنة بالخيول الملبّسة، هذا وإلى الآن لم يعرف السلطان ما الناصرىّ فيه وطلبت آلات الحرب من الخوذ والقرقلات والسيوف والأرماح بكل ثمن غال.

ثمّ رسم السلطان للأمير حسام الدين حسين [بن «1» على] بن الكورانى والى القاهرة بسدّ باب المحروق «2» أحد أبواب القاهرة فكلّمه الوالى في عدم سدّه، فنهره وأمره بسدّه وسدّ الباب الجديد «3» أيضا أحد أبواب القاهرة، ففعل. ثمّ سدّ باب الدّرفيل المعروف قديما بباب سارية ويعرف في يومنا هذا بباب المدرّج «4» . ثمّ أمر السلطان بسدّ جميع الخوخ، فسدّ عدّة خوخ وركّب عند قناطر «5» السباع ثلاثة دروب: أحدها من جهة مصر والآخر من جهة قبو «6» الكرانىّ والآخر بالقرب من الميدان ثمّ بنى بالقاهرة عدّة دروب أخر وحفر خنادق كثيرة.

هذا والموت بالطاعون عمّال بالديار المصريّة في كل يوم يموت عدّة كبيرة. وأما الأمير يلبغا الناصرىّ نائب حلب وصاحبه منطاش نائب ملطية بمن معهما، فإنّ الناصرىّ لمّا استقرّ بدمشق وملكها بعد الوقعة، نادى في جميع بلاد الشام وقلاعها بألا يتأخر أحد عن الحضور إلى دمشق من النوّاب والأمراء والأجناد ومن تأخّر سوى من غبن لحفظ البلاد قطع خبزه وسلبت نعمته، فاجتمع الناس بأسرهم في دمشق من سائر البلاد وأنفق الناصرى فيهم وتجهّز وتهيأ للخروج من دمشق وبرز منها بعساكره وأمرائه من الأمراء والأكراد والتركمان والعربان وكان اجتمع إليه خلائق كثيرة جدّا في يوم السبت حادى عشر جمادى الأولى من سنة إحدى وتسعين وسبعمائة المقدّم ذكرها، بعد أن أقرّ في نيابة دمشق الأمير جنتمر المعروف بأخى طاز وسار الناصرى بمن معه من العساكر يريد الديار المصرية وهو يظنّ أنّه يلقى العساكر المصريّة بالقرب من الشام واستمرّ في سيره على هيّنة إلى أن وصل إلى غزّة، فتلقّاه نائبها حسام الدين بن باكيش بالتّقادم والإقامات، فسأله الناصرى عن أخبار عسكر مصر، فقال: لم يرد خبر بخروج عسكر من مصر وقد أرسلت جماعة كبيرة غير مرة لكشف هذا الخبر ولم يكن منى تهاول في ذلك، فلم يبلغنى عن الديار المصرية إلا أنّ برقوقا في تخوّف كبير وقد استعدّ للحصار فلم يلتفت الناصرى إلى كلامه، غير أنه صار متعجبا على عدم خروج العساكر المصرية لقتاله. ثم قال في نفسه: لعله يريد قتالنا في فم الرمل بمدينة قطيا «1» ، ليكون عسكره فى راحة من جواز الرّمل وأقام الناصرىّ بغزّة يومه. ثم سار من الغد يريد ديار مصر وأرسل أمامه جماعة كبيرة من أمرائه ومماليكه كشّافة واستمرّ في السّير إلى أن نزل مدينة قطيا وجاء الخبر بنزول الناصرىّ بعساكره على قطيا فلم يتحرّك بحركة.

وفي ليلة وصول الخبر فرّ من أمراء مصر جماعة كبيرة إلى الناصرىّ وهي ليلة الثلاثاء ثامن عشرين جمادى الأولى المذكورة وهم: الأمير طغيتمر الجركتمرى وأرسلان اللّفاف وأرنبغا العثمانىّ في عدّة كبيرة من المماليك ولحقوا بالناصرىّ ودخلوا تحت طاعته، بعد ما صرفوا في طريقهم الأمير عز الدين [أيدمر «1» ] أبا درقة كاشف الوجه البحرى وقد سار من عند الملك الظاهر لكشف الأخبار، فضربوه وأخذوا جميع ما كان معه وساقوه معهم إلى الناصرىّ، فلما وصلوا إلى الناصرى حرّضوه على سرعة الحركة وعرّفوه ما الظاهر فيه من الخوف والجبن عن ملاقاته، فقوى بذلك قلب الناصرى وهو إلى الآن يأخذ في أمر الملك الظاهر ويعطى. ثم جلس الملك الظاهر صبيحة هرب الأمراء بالإيوان من قلعة الجبل وهو يوم الثلاثاء ثامن عشرينه وأنفق على المماليك جميعها، لكل مملوك من مماليك السلطان ومماليك الأمراء، لكل واحد خمسمائة درهم فضة واستدعاهم طائفة بعد طائفة وأعطى كل واحد بيده وصار يحرّضهم على القتال معه وبكى بكاء شديدا في الملأ. ثمّ فرّق جميع الخيول حتى خيل الخاصّ في الأمراء والأجناد وأعطى الأمير اقبغا الماردينى حاجب الحجّاب جملة كبيرة من المال ليفرّقه على الزّعر وعظم أمر الزعر وبطل الحكم من القاهرة وصار الأمر فيها لمن غلب وتعطّلت الأسواق وأكثر الناس من شراء البقسماط والدقيق والدهن ونحو ذلك. ثم وصل الخبر على السلطان بنزول الناصرىّ على الصالحيّة «2» بمن معه وقد وقف لهم عدّة خيول في الرمل وأنّه لما وجد الصالحية خالية من العسكر سجد لله تعالى

شكرا، فإنه كان يخاف أن يتلقّاه عسكر السلطان بها ولو تلقّاه عسكر السلطان لما وجد لعسكره منعة للقتال، لضعف خيولهم وشدّة تعبهم، فلهذا كان حمده لله تعالى. وأخبر السلطان أيضا أنّ الناصرىّ لمّا نزل إلى الصالحيّة تلقّاه عرب العائد مع كبيرهم الأمير شمس الدين محمد بن عيسى وخدموه بالإقامات والشعير وغيرها فردّ بذلك رمقهم. فلمّا سمع السلطان ذلك رسم للأتابك الأمير قرادمرداش الأحمدىّ أن يتوجّه لكشف الأخبار «1» من جهة بركة الحبش مخافة أن يأتى أحد من قبل إطفيح «2» ، فسار لذلك. ثم رتّب السلطان العسكر نوبتين: نوبة لحفظ النهار ونوبة لحفظ الليل وسيّر «3» ابن عمه الأمير قجماس في عدّة أمراء إلى المرج «4» والزيات «5» طليعة للكشف.

ثمّ في يوم الأربعاء تاسع عشرين جمادى الأولى المذكور أنفق السلطان فى مماليك أمراء الطبلخانات والعشرات، فأعطى كلّ واحد أربعمائة درهم فضة وأنفق السلطان أيضا في الطّبرداريّة [والبزداريّة «1» ] والأوجاقية وأعطاهم القسىّ والنّشّاب. ثم رتّب من الأجناد البطّالين جماعة بين شرفات القلعة ليرموا على من لعلّه يحاصر القلعة، وأنفق فيهم أيضا. ثم استدعى السلطان رماة قسىّ الرمل من ثغر الإسكندرية فحضر منهم جماعة كبيرة وأنفق فيهم الأموال. ثم عاد الأمير قجماس بمن معه من المرج والزيّات وأخبر السلطان أنه لم يقف للقوم على خبر. ثم خرج الأمير سودون الطّرنطائىّ في ليلة الخميس في عدّة من الأمراء والمماليك إلى قبّة النصر للحرس وسارت طائفة أخرى إلى بركة «2» الحبش وبات السلطان بالإسطبل السلطانى ساهرا لم ينم ومعه الأمير سودون الشيخونى النائب والأتابك قرادمرداش الأحمدىّ، بعد أن عاد من بركة الحبش وعدّة كبيرة من المماليك والأمراء. ثم توجّه الأمير قرابغا الأبوبكرىّ أمير مجلس في يوم الخميس أوّل جمادى الآخرة إلى قبّة النصر، ثم عاد ولم يقف على خبر، كلّ ذلك لضعف خيول عساكر الناصرى وكلّهم من السفر، فلم يجد الناصرىّ لهم منعة، فأقام بهم على الصالحية ليتراجع أمرهم وتعود قواهم، هذا والأمراء بالديار المصريّة لابسون آلة الحرب وهم على ظهور خيولهم بسوق الخيل تحت القلعة.

وفي ليلة الخميس المذكورة هرب من المماليك السلطانية اثنان ومن مماليك الأمراء جماعة «1» كبيرة بعد أخذهم نفقة السلطان وساروا الجميع إلى الناصرىّ. ثمّ طلب السلطان أجناد الحلقة، فدارت النقباء عليهم فأحضروا منهم جماعة كبيرة فرّقوا على أبواب القاهرة ورتّبوا بها لحفظها. ثمّ ندب السلطان الأمير ناصر الدين محمدا ابن الدوادارى أحد أمراء الطبلخانات ومعه جماعة لحفظ قياسر القاهرة وأغلق والى القاهرة باب البرقيّة. ثمّ رتّب السلطان النّفطيّة على برج الطبلخاناه السلطانية وغيره بقلعة الجبل. ثمّ قدم الخبر على السلطان بنزول طليعة الناصرىّ بمدينة بلبيس «2» ومقدّمها الطواشى طقطاى الرومىّ الطّشتمرىّ. ثم في يوم الجمعة نزلت عساكر الناصرى بالبئر البيضاء» ، فأخذ عند ذلك عسكر السلطان يتسلّل إلى الناصرى شيئا بعد شىء، وكان أوّل من خرج إليه من القاهرة الأمير جبريل الخوارزمىّ ومحمد بن بيدمر نائب الشام وبجمان المحمدى نائب الإسكندرية وغريب الخاصّكىّ والأمير أحمد بن أرغون الأحمدىّ [اللّالا «4» ] .

ثمّ نصب السلطان السناجق السلطانيّة على أبراج القلعة ودقّت الكوسات الحربيّة فاجتمعت العساكر جميعها وعليهم آلة الحرب والسلاح ثم ركب السلطان والخليفة المتوكل على الله معه من قلعة الجبل بعد العصر وسار السلطان بمن معه حتى وقفا خلف دار الضّيافة وقد اجتمع حول السلطان من العامة خلائق لا تحصى كثرة، فوقف هناك ساعة ثم عاد وطلع إلى الإسطبل «1» السلطانى وجلس فيه من غير أن يلقى حربا وصعد الخليفة إلى منزله بقلعة الجبل، وقد نزلت الذّلّة على الدولة الظاهريّة وظهر من خوف «2» السلطان وبكائه ما أبكى الناس شفقة له ورحمة عليه. فلمّا غربت الشمس صعد السلطان إلى القلعة وبات بالقصر السلطانى ومعه عامّة مماليكه وخاصّكيّته وهم عدّة كبيرة إلى الغاية. ثمّ في يوم السبت ثالث جمادى الآخرة نزل الناصرى بعساكره بركة «3» الجبّ ظاهر القاهرة، ومعه من أكابر الأمراء الأمير تمربغا الأفضلىّ الأشرفىّ المدعو منطاش والأمير بزلار العمرى الناصرىّ حسن والأمير كمشبغا الحموى اليلبغاوى نائب طرابلس كان والأمير أحمد بن يلبغا العمرى أمير مجلس والأمير أيدكار حاجب الحجاب وجماعة أخر من أمراء الشام ومصر وغيرها. ثمّ تقدمت عساكر الناصرىّ إلى المرج وإلى مسجد التّبن «4» ، فعند ذلك غلّقت أبواب القاهرة كلّها إلا باب زويلة وأغلقت جميع الدروب والخوخ وسدّ باب القرافة وانتشرت الزّعر في أقطار المدينة تأخذ ما ظفرت به ممّن يستضعفونه.

ثمّ ركب السلطان ثانيا من القلعة ومعه الخليفة المتوكل على الله ونزل إلى دار الضّيافة فقدم عليه الخبر بأنّ طليعة الناصرىّ وصلت الى الخراب طرف الحسينيّة فلقيتهم كشّافة السلطان فكسرتهم. ثمّ ندب السلطان الأمراء فتوجهوا بالعساكر إلى جهة قبّة النصر ونزل السلطان ببعض الزوايا عند دار الضيافة إلى آخر النهار. ثمّ عاد إلى الإسطبل السلطانىّ وصحبته الأمراء الذين توجّهوا لقبّة النصر والكوسات تدقّ وهم على أهبة اللّقاء وملقاة العدوّ وخاصّكيّة السلطان حوله والنّفوط لا تفترّ والرّميلة قد امتلأت بالزّعر والعامة ومماليك الأمراء ولم يزالوا على ذلك حتّى أصبحوا يوم الاثنين «1» وإذا بالأمير آقبغا الماردينىّ حاجب الحجاب والأمير جمق ابن أيتمش البجاسى والأمير إبراهيم بن طشتمر العلائى الدوادار قد خرجوا «2» فى الليل ومعهم نحو خمسمائة مملوك من المماليك السلطانية ولحقوا بالناصرىّ. ثمّ أصبح السلطان من الغد وهو يوم خامس «3» جمادى الآخرة، فرّ الأمير قرقماس الطّشتمرى الدوادار الكبير وقرادمرداش الأحمدىّ أتابك العساكر بالديار المصرية والأمير سودون باق أمير مجلس ولحقوا بالناصرىّ وكانوا في عدّة وافرة من المماليك والخدم والأطلاب الهائلة، ولم يتأخر عند السلطان من أعيان الأمراء إلا ابن عمه الأمير قجماس وسودون الشّيخونى النائب وسودون طرنطاى وتمزبغا المنجكىّ وأبو بكر ابن سنقر وبيبرس التّمان تمرىّ وشيخ الصفوىّ ومقدم المماليك شنكل وطائفة من أمرائه مشترواته وخاصّكيّته والعجب أنّ السلطان كان أنعم في أمسه على الأمراء

الذين توجّهوا للناصرى لكلّ أمير من أمراء الألوف عشرة آلاف دينار ولكل أمير طبلخاناه خمسة آلاف دينار وحلّفهم على طاعته ونصرته وأعطى في ليلة واحدة للأمير الكبير قرادمرداش الأحمدىّ ثلاثين ألف دينار دفعة واحدة وخاتما مثمّنا، قيمته آلاف عديدة، حتى قال له: قرادمرداش المذكور: يا مولانا السلطان روحى فداؤك لا تخف ما دمت أنا واقف في خدمتك أنت آمن، فشكره السلطان، فنزل من عنده في الحال ركب وخرج من باب القرافة وقطع الماء الذي يجرى إلى القلعة وتوجّه مع من ذكرنا من الأمراء إلى الناصرىّ، فلم يلتفت الناصرىّ لهم ذاك الالتفات الكلّىّ، بل فعل معهم كما فعل مع غيرهم ممّن توجّه إليه من أمراء مصر. انتهى. ولمّا بلغ السلطان نفاق هؤلاء الأمراء عليه بعد أن أنعم عليهم بهذه الأشياء، علم أنّ دولته قد زالت، فأغلق في الحال باب زوبلة وجميع الدروب وتعطّلت الأسواق وامتلأت القاهرة بالزّعر واشتدّ فسادهم وتلاشت الدولة الظاهريّة وانحلّ أمرها وخاف والى القاهرة حسام الدين بن الكورانىّ على نفسه، فقام من خلف باب زويلة وتوجّه إلى بيته واختفى وبقى الناس غوغاء وقطع المسجونون قيودهم بخزانة شمائل «1» وكسروا باب الحبس وخرجوا على حميّة جملة واحدة، فلم يردّهم أحد بشغل كلّ واحد بنفسه وكذلك فعل أهل حبس «2» الدّيلم وأهل سجن

الرّحبة «1» ، هذا والسلطان إلى الآن بقلعة الجبل والنّفوط عمالة والكوسات تدقّ حربيا، ثمّ أمر السلطان مماليكه فنزلوا ومنعوا العامة من التوجّه إلى يلبغا الناصرىّ،

فرجمهم العامّة بالحجارة، فرماهم المماليك بالنّشاب، قتلوا منهم جماعة تزيد عدّتهم على عشر أنفس. ثمّ أقبلت طليعة الناصرىّ مع عدّة من أعيان الأمراء من أصحابه، فبرز لهم لأمير قجماس ابن عمّ السلطان في جماعة كبيرة وقاتلهم وأكثر الرّمى عليهم من فوق القلعة بالسّهام والنفوط والحجارة بالمقاليع وهم يوالون الكرّ والفرّ غير مرة وثبتت السلطانيّة ثباتا جيّدا غير أنهم في علم بزوال دولتهم. هذا وأصحاب السلطان تتفرّق عنه شيئا بعد شىء، فمنهم من يتوجّه إلى الناصرىّ ومنهم من يختفى خوفا على نفسه، حتى لم يبق عند السلطان إلّا جماعة يسيرة ممن ذكرنا من الأمراء، فلمّا كان آخر النهار المذكور أراد السلطان أن يسلّم نفسه، فمنعه من بقى عنده من الأمراء وخاصكيّته وقالت مماليكه: نحن نقاتل بين يديك حتى نموت، ثم سلّم بعد ذلك نفسك فلم يثق بذلك منهم، لكنه شكرهم على هذا الكلام والسعد مدبر والدولة زائلة. ثمّ بعد العصر من اليوم المذكور قدم جماعة من عسكر الناصرىّ عليهم الطواشىّ طقطاى الرّومى الطّشتمرىّ والأمير بزلار العمرى الناصرىّ وكان من الشجعان والأمير ألطنبغا الأشرفىّ في نحو الألف وخمسمائة مقاتل، يريدون القلعة، فبرز لهم الأمير بطا الطّولوتمرى الظاهرىّ الخاصّكى والأمير شكرباى «1» العثمانىّ الظاهرىّ وسودون شقراق والوالد، فى نحو عشرين مملوكا من الخاصكيّة الظاهريّة وبلاقوا مع العسكر المذكور صدموهم صدمة واحدة كسروهم فيها وهزموهم إلى قبّة النصر ولم يقتل منهم غير سودون شقراق، فإنه أمسك وأتى به إلى الناصرىّ فوسّطه فلم يقتل

الناصرى في هذه الوقعة أحدا غيره لا قبله ولا بعده، أعنى صبرا، غير أن جماعة كبيرة قتلوا في المعركة ورد الخبر بنصرتهم على الملك الظاهر، فلم يغترّ بذلك وعلم أن أمره قد زال، فأخذ في تدبير أمره مع خواصّه، فأشار عليه من عنده أن يستأمن من الناصرى، فعند ذلك أرسل الملك الظاهر الأمير أبا بكر بن سنقر الحاجب والأمير بيدمر المنجكىّ «1» شادّ القصر بالمنجاة إلى الأمير يلبغا الناصرىّ أن يأخذا له أمانا على نفسه ويترقّقا له، فسارا من وقتهما إلى قبّة النصر ودخلا على الناصرى وهو بمخيّمه واجتمعا به في خلوة فآمنه على نفسه وأخذ منهما منجاة الملك وقال الملك الظاهر: أخونا وخشداشنا ولكنّه يختفى بمكان إلى أن تخمد الفتنة، فإن الآن كلّ واحد له رأى وكلام، حتى ندبّر له أمرا يكون فيه نجاته، فعادا بهذا الجواب إلى الملك الظاهر برقوق وأقام السلطان بعد ذلك في مكانه مع خواصه إلى أن صلّى عشاء الآخرة وقام الخليفة المتوكل على الله إلى منزله بالقلعة على العادة في كل ليلة وبقى الملك الظاهر في قليل من أصحابه، أذن لسودون النائب في التوجّه إلى حال سبيله والنظر في مصلحة نفسه، فوادعه وقام ونزل من وقته. ثمّ فرّق الملك الظاهر بقية أصحابه، فمضى كلّ واحد إلى حال سبيله. ثمّ استتر الملك الظاهر وغيّر صفته، حتى نزل من الإسطبل إلى حيث شاء ماشيا على قدميه، فلم يعرف له أحد خبرا وانفصّ ذلك الجمع كله في أسرع ما يكون وسكن فى الحال دقّ الكوسات ورمى مدافع النفط ووقع النهب في حواصل الإسطبل حتى أخذوا سائر ما كان فيه من السّروج واللّجم وغيرها والعبىّ ونهبوا أيضا ما كان بالميدان من الغنم الضأن وكان عدّتها نحو الألفى رأس ونهبت طباق المماليك بالقلعة

وطار الخبر في الوقت إلى الناصرى فلم يتحرك من مكانه ودام بمخيّمه وأرسل جماعة من الأمراء من أصحابه فسار من عسكره عدّة كبيرة واحتاطوا بالقلعة. واصبح الأمير يلبغا الناصرىّ بمكانه وهو يوم الاثنين خامس جمادى الآخرة من سنة إحدى وتسعين وسبعمائة وندب الأمير منطاش في جماعة كبيرة إلى القلعة، فسار منطاش إلى قلعة الجبل في جموعه وطلع إلى الإسطبل السلطانىّ فنزل إليه الخليفة المتوكّل على الله أبو عبد الله محمد وسار مع منطاش إلى الناصرى بقبّة النصر، حتى نزل بمخيّمه، فقام الناصرى إليه وتلقّاه وأجلسه بجانبه ووانسه بالحديث. هذا وقد انضمّت العامّة والزّعر والتّركمان من أصحاب الناصرى وتفرّقوا على بيوت الأمراء وحواصلهم، فنهبوا ما وجدوا حتى أخربوا الدور وأخذوا أبوابها وخشبها وهجموا منازل الناس خارج القاهرة ونهبوها واستمرّوا على ذلك وقد صارت مصر غوغاء وأهلها رعيّة بلا راع، حتى أرسل الناصرى الأمير ناصر الدين محمد بن الحسام وقد ولّاه ولاية القاهرة فسار ابن الحسام إلى القاهرة فوجد باب النصر مغلوقا، فدخل بفرسه راكبا من جامع «1» الحاكم إلى القاهرة وفتح باب النصر «2» وباب الفتوح «3» وعند فتح الأبواب طرق جماعة كبيرة من عسكر الناصرىّ القاهرة ونهبوا منها جانبا كبيرا، فقاتلهم الناس وقتلوا منهم أربعة نفر ومرّ بالناس في هذه الأيام شدائد وأهوال، وبلغ الناصرى الخبر فبعث أبا بكر بن سنقر الحاجب وتنكز بغا رأس نوبة إلى حفظ القاهرة فدخلاها.

ثمّ نودى بها من قبل الناصرى بالأمان ومنع النّهب، فنزل تنكز بغا المذكور عند الجملون «1» وسط القاهرة ونزل سيدى أبو بكر بن سنقر عند باب زويلة وسكن الحال وهدأ ما بالناس وأمنوا على أموالهم. وأمّا الناصرى، فإنّه لمّا نزل إليه الخليفة وأكرمه، كما تقدّم وحضر قضاه القضاة والأعيان للهناء، أمرهم الناصرىّ بالإقامة عنده وأنزل الخليفة بمخيّم وأنزل القضاة بخيمة أخرى، ثمّ طلب الناصرىّ من عنده من الأمراء والأعيان وتكلم معهم فيما يكون وسألهم فيمن ينصّب في السلطنة بعد الملك الظاهر برقوق، فأشار أكابرهم بسلطنة الناصرىّ فامتنع الناصرى من ذلك أشدّ امتناع وهم يلحّون عليه ويقولون له: ما المصلحة إلا ما ذكرنا وهو يأبى وانفضّ المجلس من غير طائل، فعند ذلك تقدّم الناصرى بكتابة مرسوم عن الخليفة، وعن الأمير الكبير يلبغا الناصرىّ بالإفراج عن الأمراء المعتقلين بتغر الإسكندرية وهم: ألطنبغا الجوبانىّ نائب الشام وقردم الحسنى وألطنبغا المعلّم أمير سلاح وإحضارهم إلى قلعة الجبل والجميع يلبغاويّه، فسار البريد بذلك ثم أمر الناصرى بالرحيل من قبّة النصر إلى نحو الديار المصرية وركب في عالم كبير من العساكر نحو الستين ألفا، حتى إنه

كان عليق جمالهم في كل ليلة ألفا [وثلثمائة «1» ] إردب فول وسار الناصرى بخيوله وبجيوشه حتى طلع إلى القلعة ونزل بالإسطبل السلطانى وطلع الخليفة إلى منزله بقلعة الجبل ونزل كلّ أمير في بيت من بيوت الأمراء بديار مصر وجلس الناصرىّ فى مجلس عظيم وحضر إلى خدمته الوزير كريم الدين عبد الكريم بن الغنّام وموفّق الدين أبو الفرج ناظر الخاص والقاضى جمال الدين محمود ناظر الجيش والقاضى بدر الدين محمد بن فضل الله كاتب السر الشريف وغيرهم من أرباب الوظائف، فأمرهم الأمير الكبير بتحصيل الأغنام إلى مطابخ الأمراء ونودى في القاهرة ثانيا بالأمان. ثمّ رسم للأمير تنكزبغا رأس نوبة بتحصيل [مماليك «2» ] الملك الظاهر برقوق، فأخذ تنكزبغا يتتبّع أثره وأصبح الناس في يوم الثلاثاء سادس جمادى الآخرة فى هرج كبير ومقالات كثيرة مختلفة في أمر الملك الظاهر برقوق. ثمّ استدعى الأمير الكبير يلبغا الناصرىّ الأمراء واستشارهم فيمن ينصّبه فى سلطنة مصر، فكثر الكلام بينهم وكان غرض غالب الأمراء سلطنة الناصرىّ ماخلا منطاش وجماعة من الأشرفيّة، حتى استقرّ الرأى على إقامة الملك الصالح أمير حاج ابن الملك الأشرف شعبان في السلطنة ثانيا، بعد أن أعيا الأمراء أمر الناصرىّ في عدم قبوله السّلطنة وهو يقول: المصلحة سلطنة الملك الصالح أمير حاج، فإن الملك الظاهر برقوقا خلعه من غير موجب، فطلعوا في الحال من الإسطبل إلى القلعة واستدعوا الملك الصالح وسلطنوه وغيّروا لقبه بالملك المنصور

على ما سنذكره في أوّل ترجمته الثانية- إن شاء الله تعالى- بعد أن نذكر حوادث سنين الملك الظاهر برقوق كما هي عادة كتابنا هذا من أوّله إلى آخره. وأمّا الملك الظاهر برقوق فإنّه دام في اختفائه إلى أن قبض عليه بعد أيام على ما سنحكيه في سلطنة الملك الصالح مفصّلا إلى أن يسجن بالكرك ويعود إلى ملكه ثانيا. قلت: وزالت دولة الملك الظّاهر برقوق كأن لم تكن- فسبحان من لا يزول ملكه- بعد أن حكم مصر أميرا كبيرا وسلطانا إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر وسبعة وعشرين يوما، تفصيله مدّة تحكّمه أميرا منذ قبض على الأمير طشتمر العلائىّ الدوادار في تاسع ذى الحجّة سنة تسع وسبعين وسبعمائة إلى أن جلس على تخت الملك وتلقّب بالملك الظاهر في يوم الأربعاء تاسع عشر شهر رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة أربع سنين وتسعة أشهر وعشرة أيّام. وكان يقال له في هذه المدة: الأمير الكبير أتابك العساكر ومن حين تسلطن في سنة أربع وثمانين المذكورة إلى يوم ترك الملك واختفى في ليلة الاثنين خامس جمادى الآخرة من سنة إحدى وتسعين وسبعمائة ست سنين وثمانية أشهر وسبعة عشر يوما، فهذا تفصيل تحكّمه على مصر أميرا أو سلطانا إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر وسبعة وعشرين يوما. وذهب ملكه من الديار المصريّة على أسرع وجه مع عظمة في النفوس وكثرة مماليكه وحواشيه، فإنه خلع من السلطنة وله نحو الألفى مملوك مشترى، غير من أنشأه من أكابر الأمراء والخاصكيّة من خشداشيّته وغيرهم، هذا مع ما كان فيه من القوّة والشّجاعة والإقدام، فإنّه قام في هذا الأمر بالقوّة في ابتداء أمره وتوثّب على الرئاسة والإمرة بيده دفعة واحدة حسب ما تقدّم ذكره، ولم يكن له يوم ذاك عشرة مماليك مشتراة، وأعجب من هذا ما سيكون من أمره في سلطنته الثانية عند

خروجه من حبس الكرك وهو في غاية ما يكون من الفقر وقلّة الحاشية ومع هذا يملك مصر ثانيا، كما سيأتى ذكر ذلك مفصلا. وما أرى هذا الذي وقع للملك الظاهر في خلعه من الملك مع ما ذكرنا إلّا خذلانا من الله تعالى ولله الأمر. وقال المقريزى- رحمه الله-: وكان في سلطنته مخلّطا يخلّط الصالح بالطالح. ومما حكاه المقريزىّ قال: وكان له في مدته أشياء مليحة، منها: إبطاله ما كان يؤخذ من أهل البرلّس «1» وشورى «2» وبلطيم «3» من أعمال مصر شبه الجالية فى كلّ سنة. قلت: وقد تجدّد ذلك في دولة الملك الظاهر جقمق ثانيا في سنة سبع وأربعين وثمانمائة: قال وهو مبلغ ستّين ألف درهم فضّة يعنى عن الذي كان يؤخذ من هذه الجهات المذكورة، قال: وأبطل ما كان يؤخذ على القمح بثغر دمياط من المكوس وما كان يؤخذ من معمل الفراريح بالجيزيّة وأعمالها والغربية وغيرها، وما كان يؤخذ على الملح من المكس بعينتاب «4» وما كان يؤخذ على الدقيق بالبيرة «5» من المكس. وأبطل

أيضا ما كان يؤخذ في طرابلس عند قدوم النائب إليها- من قضاة البرّ وولاة الأعمال عن كل واحد خمسمائة درهم وأبطل أيضا ما كان يؤخذ في كلّ سنة من الخيل والجمال والبقر والغنم من أهل الشرقيّة من أعمال مصر. وأبطل ما كان يؤخذ من المكس بديار مصر على الدريس والحلفاء خارج باب النصر. وأبطل ضمان المغانى بالكرك والشوبك ومن منية «1» ابن خصيب وزفتة من أعمال مصر وأبطل رمى الأبقار بعد فراغ عمل الجسور على أهل النّواحى وأنشأ من العمائر في هذه السلطنة الأولى المدرسة بخطّ بين القصرين من القاهرة ولم يعمّر داخل القاهرة مثلها ولا أكثر معلوما منها وله أيضا الصهريج والسبيل بقلعة الجبل تجاه الإيوان وعمّر الطاحون أيضا بالقلعة وأنشأ جسر الشريعة على نهر الأردن بطريق الشام وطوله مائة وعشرون ذراعا في عرض عشرين ذراعا وجدّد خزائن السلاح بثغر الاسكندريّة وعمّر سور دمنهور بالبحيرة وعمّر الجبال الشرقيّة بالفيوم وزاوية البرزخ بدمياط وبنى قناطر بالقدس وبنى بحيرة برأس وادى بنى سالم قريبا من المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام قال: وكان حازما مهابا محبّا لأهل الخير والعلم إذا أتاه أحد منهم قام إليه ولم يعرف أحد قبله من الملوك [الترك] يقوم لفقيه وقلّما كان يمكّن أحدا منهم من تقبيل يده، إلا أنه كان محبّا لجمع المال وحدث في أيامه تجاهر الناس بالبراطيل، فكان لا يكاد يولّى أحدا وظيفة ولا عملا إلا بمال وفسد بذلك كثير من الأحوال وكان مولعا بتقديم الأسافل وحطّ ذوى البيوتات. قلت: وهذا البلاء قد تضاعف الآن حتّى خرج عن الحدّ وصار ذوو البيوت معيرة في زماننا هذا. انتهى.

قال: وغيّر ما كان للناس من الترتيب. واشتهر في أيامه ثلاثة أشياء قبيحة: إتيان الذكران من اشتهاره بتقريب المماليك الحسان وتظاهر البراطيل وكان لا يكاد يولّى أحدا وظيفة إلا بمال واقتدى بهذا الملوك من بعده وكساد الأسواق لشحه وقلة عطائه، فمساوئه أضعاف حسناته. انتهى كلام المقريزىّ من هذا المعنى. قلت: ونحن نشاحح الشيخ تقىّ الدين المقريزىّ في كلامه حيث يقول: وحدث في أيامه ثلاثة أشياء قبيحة، فأمّا إتيان الذكران، فأقول: البلاء قديم وقد نسب اشتهار ذلك من يوم دخول الخراسانيّة إلى العراق في نوبة أبى مسلم الخراسانىّ في سنة اثنتين وثلاثين ومائة من الهجرة. وأما اقتناؤه المماليك الحسان، فأين الشيخ تقىّ الدين من مشترى الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى حسان المماليك بأغلى الأثمان الذي لم يقع للملك الظاهر فى مثلها، حتى إن الملك الناصر محمد قدّم جماعة من مماليكه ممن شغف بمحبّتهم وأنعم عليهم بتقادم ألوف بمصر ولم يطرّ شارب واحد منهم، مثل بكتمر الساقى ويلبغا اليحياوى وألطنبغا الماردينى وقوصون وملكتمر الحجازى وطقزدمر الحموى وبشتك وطغاى الكبير وزوّجهم بأولاده، فحينئذ الفرق بينهما في هذا الشأن ظاهر. وأما قوله: أخذ البراطيل، فهذا أيضا قديم جدّا من القرن الثالث وإلى الآن، حتى إنه كان في دولة الملك الصالح إسماعيل ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون ديوان يعرف بديوان البذل (أعنى بديوان البرطيل) وشاع ذلك في الأقطار وصار من له حاجة يأتى إلى صاحب الديوان المذكور ويبذل فيما يرومه من الوظائف وهذا شىء لم يصل الملك الظاهر برقوق اليه. وأما شحّه فهو بالنسبة لمن تقدّمه من الملوك شحيح وإلى من جاء بعده كريم والشيخ تقي الدين- رحمه الله- كان له انحرافات معروفة تارة وتارة ولولا ذاك

ما كان يحكى عنه في تاريخه السلوك قوله: ولقد سمعت العبد الصالح جمال الدين عبد الله السكسرىّ «1» المغربى يخبرنى «2» - رحمه الله- أنه رأى قردا في منامه صعد المنبر بجامع الحاكم فخطب ثم نزل ودخل المحراب ليصلّى بالناس الجمعة، فثار الناس عليه في أثناء صلاته بهم، فأخرجوه من المحراب وكانت هذه الرؤيا في أواخر سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين في سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، فكان ذلك تقدّم الملك الظاهر برقوق على الناس وسلطنته تأويل هذه الرؤيا، فإنه كان متخلّقا بكثير من أخلاق القردة شحا [وطمعا «3» ] وفسادا ولكن الله يفعل ما يريد ولله الأمر من قبل ومن بعد. انتهى كلام المقريزى. قلت: وتعبير الشيخ تقي الدين لهذه الرؤيا أن القرد هو الملك الظاهر فليس بشىء من وجوه عديدة، منها: أن برقوقا لم يتسلطن بعد قتل الملك الأشرف إلا بعد أن تسلطن ولد الملك الأشرف الملك المنصور علىّ وولده الملك الصالح أمير حاجّ. ثم تسلطن برقوق بعد ستّ سنين من وفاة الأشرف ومنها: أن الناس لمّا أخرجوا القرد في أثناء الصلاة كان ينبغى أن يعود ويصلّى بالناس بعد إخراجه ثانيا صلاة أطول من الصّلاة الأولى، فإن برقوقا لما خلع عاد إلى السلطنة ثانيا ومكث فيها أكثر من سلطنته الأولى حتى كانت تطابق ما وقع لبرقوق وقولنا: إن الشيخ تقي الدين كان له تارات يشكر فيها وتارات يذم فيها، فإنه لما صحب الملك الظاهر المذكور فى سلطنته الثانية وأحسن إليه الظاهر أمعن في الثناء عليه في عدّة أماكن من مصنفاته ونسى مقالته هذه وغيرها وفاته أن يغيّر مقالته هذه، فإنه أمعن، ويقال

السنة الأولى من سلطنة الملك الظاهر برقوق الأولى على مصر

فى المثل من شكر وذمّ، فكأنما كذّب نفسه مرّتين. وبإجماع الناس أن الملك الظاهر برقوقا كان في سلطنته الأولى أحسن حالا من سلطنته الثانية، فإنه ارتكب فى الثانية أمورا شنيعة مثل قتل العلماء وإبعادهم والغضّ منهم، لمّا أفتوا بقتاله عند خروجه من الكرك ونحن أعرف بأحوال الملك الظاهر وابنه الناصر من الشيخ تقي الدين وغيره وإن كان هو الأسنّ، ولم أرد بذلك الحطّ على الشيخ تقىّ الدين ولا التعصّب للملك الظاهر، غير أن الحق يقال والحق المحض فيه أنّه كان له محاسن ومساوئ وليس للإمعان محلّ، كما هي عادة الملوك والحكّام. وبالجملة فهو أحسن حالا ممن جاء بعده من الملوك بلا مدافعة. والله تعالى أعلم. السنة الأولى من سلطنة الملك الظاهر برقوق الأولى على مصر وهي سنة أربع وثمانين وسبعمائة، على أن الملك الصالح حاجيّا حكم منها إلى تاسع عشر شهر رمضان ثم حكم الملك الظاهر في باقيها. وفيها توفّى قاضى قضاة الحنفيّة بدمشق همام الدين أمير غالب ابن العلّامة قاضى القضاة قوام الدين أمير كاتب الإتقانى الفارابى الانزارى الحنفى، ولى أوّلا حسبة دمشق ثم القضاء بها، وكان قليل العلم بالنسبة إلى أبيه، إلّا أنه كان رئيسا حسن الأخلاق كريم النفس، عادلا في أحكامه وكان في ولايته يعتمد على العلماء من نوّابه، فمشى حاله وشكرت سيرته إلى أن مات في جمادى الأولى. وتوفّى قاضى القضاة بدر الدين عبد الوهاب ابن الشيخ كمال الدين أحمد ابن قاضى القضاة علم الدين محمود «1» بن أبى بكر بن عيسى [بن بدران «2» ] السعدىّ

الإخنائى المالكىّ. ولد في حدود العشرين وسبعمائة وتولّى القضاء بعد موت القاضى برهان الدين إبراهيم الإخنائى وكان ضعيفا، فجاءه التشريف من الملك الأشرف شعبان وألقى عليه على لحافه، فلما عوفى لبسه وباشر القضاء وحسنت سيرته إلى أن صرف بعلم الدين سليمان بن خالد بن نعيم البساطى في ذى القعدة سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، ثم أعيد في صفر سنة تسع وسبعين وعزل في السنة بالبساطىّ ثانيا ولزم داره إلى أن مات. وكان خيّرا ديّنا مشكور السيرة. وتوفّى الوزير الصاحب كريم الدين عبد الكريم ابن الرّويهب في سابع «1» عشر شهر رمضان، وقد اتّضع حاله وافتقر وكان من أعيان الأقباط وباشر عدّة مباشرات، منها الوزر ونظر الدولة والاستيفاء وغير ذلك. وتوفّى الشيخ علاء الدين أبو الحسن علىّ بن عمر بن محمد ابن قاضى القضاة تقي الدين محمد ابن دقيق العيد موقّع الحكم في خامس عشر «2» صفر. وتوفّى الشيخ جمال الدين محمد بن علىّ [بن يوسف «3» ] الأسوانىّ «4» فى يوم الأحد عاشر شهر ربيع الأوّل وكان معدودا من الفضلاء. وتوفّى الأمير فخر الدين إياس بن عبد الله الصّرغتمشىّ الحاجب أحد أمراء الطبلخانات في ثالث شهر ربيع الآخر وكان فيه شجاعة وعنده كرم وتعصّب لمن يلوذ به.

وتوفّى الشيخ الإمام عزّ الدين عبد العزيز بن عبد الحق «1» الأسيوطى الشافعى فى يوم الأحد «2» عاشر ذى القعدة بعد ما تصدّر للاشتغال والإفتاء عدّة ستين ودرّس بعدّة مدارس وكان من أعيان الشافعية. وتوفى الأمير زين الدين زبالة الفارقانىّ نائب قلعة دمشق بها في شعبان. وتوفى السلطان الملك المعزّ حسين بن أويس ابن الشيخ حسن بن حسين ابن آقبغا بن أيلكان المنعوت بالشيخ حسين سلطان بغداد وتبريز وما والاهما وكان سبط ألقان أرغون بن بو سعيد ملك التتار. ولى سلطنة بغداد في حياة أبيه، لأن والده أويسا، كان رأى مناما يدلّ على موته في يوم معين، فاعتزل الملك وسلطن ولده هذا وقد تقدّم ذكره في ترجمة والده المذكور فى سنة ست وسبعين وسبعمائة. ودام الشيخ حسين هذا في الملك إلى أن قتله أخوه السلطان أحمد ابن أويس وملك بغداد بعده بإشارة خجاشيخ الكجحانىّ في هذه السنة. وكان الشيخ حسين هذا ملكا شابا جميلا «3» جليلا شجاعا مقداما كريما محببّا للرعية كثير البر قليل الطمع؛ ولقد كانت العراق في أيامه مطمئنة معمورة إلى أن ملكها أخوه أحمد بعده فاضطربت أحوالها إلى أن قتل، ثم ملكها قرا يوسف وأولاده، فكان خراب العراق على أيديهم. وبالجملة فكان الشيخ حسين هذا هو آخر ملوك بغداد والعراق. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستة أذرع ونصف. مبلغ الزيادة عشرون ذراعا وثلاثة أصابع. وهي سنة الغرقى لعظم زيادة النيل.

ما وقع من الحوادث سنة 785

[ما وقع من الحوادث سنة 785] السنة الثانية من سلطنة الملك الظاهر برقوق الأولى على مصر وهي سنة خمس وثمانين وسبعمائة. وفيها توفّى الأديب المقرئ الفاضل شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يحيى ابن مخلوف بن مرّ «1» بن فضل الله بن سعد بن ساعد السعدىّ الأعرج الشاعر المشهور. كان لديه فضيلة وعلا قدره على نظم الشّعر، وكان عارفا بالقراءات، وقال الشعر وسنّه دون العشرين «2» سنة. ومن شعره رحمه الله: [الكامل] إنّ الكريم إذا تنجّس عرضه ... لو طهّروه بزمزم لم يطهر ممّا اعتراه من القذاوة والقذى ... لم ينق من نجس بسبعة أبحر وتوفى الأمير عز الدين أيدمر بن عبد الله من صديق المعروف بالخطائى وهو مجرّد بالإسكندرية، كان أحد أمراء الطبلخانات بالديار المصرية ورأس نوبة، وكان ممن انضمّ على الأمير بركة الجوبانىّ، فقبض عليه برقوق وحبسه مدّة ثم أفرج عنه وأعاده على إمرته إلى أن مات. وخلّف موجودا كبيرا استولى عليه ناظر الخاص. وتوفّى الأمير سيف الدين بلاط بن عبد الله السّيفى المعروف بالصغير أمير سلاح وهو بطرابلس في جمادى الأولى، وكان حيثما وقورا مشكور السيرة. وتوفى الأمير سيف الدين تمرباى بن عبد الله الأفضلىّ الأشرفىّ نائب صفد بها فى جمادى الأولى، وكان من أعيان المماليك الأشرفية وقد تقدّم أنّه ولى نيابة

حلب وغيرها، ثم عزله الملك الظاهر فنقله في عدة بلاد إلى أن ولّاه نيابة صفد، فمات بها. وتوفّى الشيخ الإمام علم الدين سليمان بن شهاب الدين أحمد بن سليمان بن عبد الرحمن [بن «1» أبى الفتح بن هاشم] العسقلانىّ الحنبلىّ، أحد فقهاء الحنابلة فى ثالث [عشرين «2» ] جمادى الآخرة. وتوفى قاضى قضاه الشافعية بدمشق ولىّ الدين عبد الله ابن قاضى القضاة بهاء الدين «3» أبى البقاء محمد بن عبد البر بن يحيى بن على بن تمّام السبكى الشافعى بها فى هذه السنة. وتوفى الأمير سيف الدين قطلوبغا بن عبد الله الكوكانىّ حاجب حجّاب دمشق في سادس المحرّم. وكان أصله من مماليك الأمير كوكاى، وترقى إلى أن صار من جملة أمراء الألوف بالديار المصرية، ثم ولى إمرة سلاح، ثم نقل إلى حجوبية الحجّاب في أوّل سلطنة الملك الظاهر برقوق عوضا عن سودون الفخرىّ الشيخونىّ بحكم انتقال سودون إلى نيابة السلطنة بالديار المصرية، فدام قطلوبغا هذا في وظيفة الحجوبيّة إلى أن مات وشغرت الوظيفة وهي الحجوبية من بعده أربع سنين إلى أن وليها أيدكار العمرىّ. وتوفّى الأمير سيف الدين أرغون بن عبد الله دوادار الأمير الكبير طشتمر العلائىّ في هذه السنة. وكان من جملة أمراء الطبلخانات بديار مصر، وكان عارفا عاقلا مدبّرا وله وجاهة في الدول.

ما وقع من الحوادث سنة 786

وتوفّى الأمير شرف الدين موسى بن دندار «1» بن قرمان أحد أمراء الطبلخانات فى ليلة الأربعاء العشرين من جمادى الأولى. وتوفى مستوفى ديوان المرتجع أمين الدين عبد الله المعروف بجعيص «2» الأسلمىّ فى [ثالث عشر «3» ] المحرّم. كان من أعيان الكتّاب القبطيّة. وتوفى القاضى شرف الدين موسى ابن القاضى بدر الدين محمد بن محمد ابن العلّامة شهاب الدين محمود الحلبى الحنبلى، أحد موقّعى الدّست بمدينة الرّملة عائدا من القاهرة إلى دمشق في رابع عشرين صفر، وكان من بيت كتابة وفضل. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثمانية أذرع سواء. مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعا وأربعة عشر إصبعا. والله تعالى أعلم. [ما وقع من الحوادث سنة 786] السنة الثالثة من سلطنة الملك الظاهر برقوق الأولى على مصر وهي سنة ست وثمانين وسبعمائة. فيها توفّى الأمير سيف الدين بهادر بن عبد الله الجمالىّ المعروف بالمشرف، أحد أمراء الألوف بالديار المصرية وأمير حاج المحمل في ذى القعدة بعيون «4» القصب من طريق الحجاز وبها دفن وقبره معروف هناك. وكان مشكور السيرة، ولى إمرة الحاج غير مرّة. رحمه الله تعالى.

وتوفّى قاضى القضاة علم الدين أبو الربيع سليمان بن خالد بن نعيم بن مقدم ابن محمد بن حسن بن غانم بن محمد الطائى البساطىّ المالكى قاضى قضاة المالكية بالديار المصرية وهو معزول في يوم الجمعة سادس عشر صفر وقد أناف على الستين سنة، وأصل آبائه من قرية شبرا بسيون «1» بالغربية من أعمال القاهرة وولد هو ببساط «2» وكان فقيها فاضلا بارعا ولى قضاء مصر في الدولة الأشرفيّة شعبان عوضا عن بدر الدين الإخنائىّ، بعد عزله وباشر بعفّة وتقشّف واطّراح التكلّف، حتى عزل في سنة ثلاث وثمانين ولزم داره حتى مات.

وتوفى الأمير سيف الدين طنج المحمّدى أحد أمراء الألوف بالديار المصرية، بعد أن أخرج منفيّا إلى دمشق، فمات بها وكان من أعيان الأمراء. وتوفى العلّامة أوحد الدين عبد الواحد بن إسماعيل بن ياسين الحنفى المصرى المولد والدار والوفاة، كاتب السر الشريف بالديار المصرية في يوم السبت ثانى ذى الحجّة. وكان فقيها فاضلا عالما مفتنّا مشاركا في عدّة علوم مع رياسة وحشمة، خدم عند الملك الظاهر برقوق موقّعا، فلمّا تسلطن ولّاه كتابة السر بالديار المصرية، فى شوّال سنة أربع وثمانين وسبعمائة، بعد عزل القاضى بدر الدين محمد بن فضل الله فباشر الوظيفة بحرمة وافرة وحسنت سيرته وعظم في الدولة، فعاجلته المنيّة وعمره سبع وثلاثون سنة في عنفوان شبيبته وأعيد بدر الدين بن فضل الله من بعده إلى كتابة السر. وتوفّى القاضى تقىّ الدين عبد الرحمن ابن القاضى محب الدين محمد بن يوسف ابن أحمد بن عبد الدائم [التّيمىّ «1» ] الحلبى الأصل المصرى الشافعى ناظر الجيوش المنصورة في ليلة الخميس سادس عشر جمادى الأولى. وسبب موته أن الملك الظاهر برقوقا غضب عليه بسبب إقطاع زامل أمير العرب وضربه بالدواة ثم مدّه وضربه نحو ثلاثمائة عصاة، فحمل إلى داره في محفّة ومات بعد ثلاثة أيام أو أكثر. وتوفّى الأمير جمال الدين عبد الله ابن الأمير بكتمر الحسامىّ الحاجب أحد أمراء الطبلخاناه في يوم الأربعاء خامس عشر جمادى الأولى بداره خارج باب النصر.

وتوفى الأمير علاء الدين على بن أحمد بن السائس الطّيبرسىّ أستادار خوند بركة أمّ الملك الأشرف شعبان في سادس شوّال وكان من أعيان رؤساء الديار المصرية وله ثروة. وتوفى العلّامة قاضى القضاة صدر الدين محمد ابن قاضى القضاة علاء الدين على ابن منصور الحنفى قاضى قضاة الديار المصرية، وهو قاض في يوم الاثنين عاشر شهر ربيع الأوّل وقد أناف على ثمانين سنة في ولايته الثانية وتولّى القضاء عوصه قاضى القضاة شمس الدين الطرابلسىّ وتولى مشيخة الصرغتمشيّة من بعده العلّامة جلال الدين التبّانىّ. قال العينى- رحمه الله- كان إماما عالما فاضلا كاملا بحرا فى فروع أبى حنيفة مستحضرا قويّا، وكان ريّض الخلق كثير التواضع والحلم ليّن الجانب جميل المعاشرة حسن المحاضرة والمذاكرة معتمدا على جانب الصدق فى أقواله وأفعاله سعيدا في حركاته وسكناته. رحمه الله تعالى. وتوفّى العلّامة إمام عصره ووحيد دهره وأعجوبة زمانه أكمل الدين محمد بن محمد بن محمود «1» الرومى البابرتىّ «2» الحنفىّ شيخ خانقاة «3» شيخون في يوم الجمعة تاسع عشر شهر رمضان وحضر السلطان الملك الظاهر الصلاة عليه ومشى أمام نعشه من مصلّاة المؤمنىّ إلى أن وقف على دفنه بقبّة الشيخونيّة، بعد أن همّ على أن يحمل نعشه غير مرة فتحمّله أكابر الأمراء عنه. كان واحد زمانه في المنقول والمعقول ونالته السعادة والحاه العريض حتى إن الملك الظاهر برقوقا مع عظمته كان ينزل فى موكبه ويقف على باب خانقاه شيخون، حتى يتهيّأ الشيخ أكمل الدين للركوب

ويركب ويسير مع الملك الظاهر، وقع له ذلك معه غير مرّة وهو الذي كان سببا لقيام الملك الظاهر برقوق للقضاة، فإنه كان يقوم له إذا دخل عليه ولا يقوم للقضاة، لما كانت عادة الملوك من قبله فكلّمة الشيخ أكمل الدين هذا في القيام للقضاة، حتى قام لهم وصارت عادة إلى يومنا هذا. وبعد موته جلس الشيخ سراج الدين البلقينىّ عن يمين السلطان، وقد استوعبنا أحواله في المنهل الصافى بأطول من هذا. وتوفّى قاضى مكّة وخطيبها كمال الدين أبو الفضل محمد بن أحمد بن على العقيلىّ النّويرى الشافعى بمكة في يوم «1» الأربعاء ثالث عشر شهر رجب. وتوفّى عالم بغداد شمس الدين محمد بن يوسف بن على [بن «2» ] الكرمانىّ البغدادى الشافعىّ شارح البخارى في المحرّم بطريق الحجاز وحمل إلى بغداد ودفن بها. ومولده فى جمادى الآخرة سنة سبع «3» عشرة وسبعمائة وكان قدم مصر والشام. رحمه الله. وتوفّى صائم الدهر الشيخ محمد بن صديق التّبريزىّ الصوفىّ في ليلة الاثنين خامس عشر شهر رمضان بالقاهرة، أقام [نيّفا «4» و] أربعين سنة يصوم (الدهر 5) ويفطر على حمّص بفلس لا يخلطه إلا بالملح فقط. وكان على قدم هائل من العبادة. وتوفّى الأمير الطواشى شبل الدولة كافور بن عبد الله الهندى الزّمرّدى الناصرى حسن في ثامن شهر ربيع الأول وقد عمّر طويلا وهو صاحب التربة بالقرافة.

ما وقع من الحوادث سنة 787

وتوفّى الأمير الكبير سيف الدين طشتمر بن عبد الله العلائىّ الدوادار. كان من أجلّ الأمراء وهو أوّل دوادار وليها بتقدمة ألف، ثم ولى نيابة الشام ثم أتابك العساكر بالديار المصرية إلى أن ركب عليه الملك الظاهر برقوق قبل سلطنته وقبض عليه وحبسه مدّة وولى الأتابكّية من بعده ثم أخرجه إلى القدس بطّالا، ثم ولاه نيابة صفد ثم حماة إلى أن مات. وكان ديّنا خيّرا وله مشاركة في فنون وفيه محبة لأهل العلم والفضل وكان يكتب الخطّ المنسوب ويحب الأدب والشعر. وتوفّى تاج الدين موسى بن سعد «1» الله بن أبى الفرج ناظر الخاصّ وهو معزول وكان يعرف بابن كاتب السعدىّ وكان من أعيان الأقباط. وتوفّى تاج الدين بن وزير بيته الأسلمىّ ناظر الإسكندرية بها في شهر ربيع الآخر. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثمانية أذرع وثمانية أصابع. مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعا وثمانية أصابع. [ما وقع من الحوادث سنة 787] السنة الرابعة من سلطنة الملك الظاهر برقوق الأولى على مصر وهي سنة سبع وثمانين وسبعمائة. وفيها توفّى قاضى قضاة الحنفية بحلب تاج الدين أحمد بن شمس الدين محمد ابن محمد «2» بدمشق في هذه السنة، وكان فقيها فاضلا محدثا أديبا شاعرا ومات عن سنّ عالية.

وتوفّى «1» القاضى جمال الدين إبراهيم ابن قاضى قضاة حلب ناصر الدين محمد ابن قاضى قضاة حلب كمال الدين عمر ابن قاضى قضاة حلب عز الدين [أبى البركات «2» ] عبد العزيز ابن الصاحب فخر «3» الدين محمد ابن قاضى القضاة نجم الدين [أبى الحسن «4» ] أحمد ابن قاضى القضاة جمال الدين [أبى الفضل «5» ] هبة الله ابن قاضى قضاة حلب محب الدين محمد ابن قاضى قضاة حلب جمال الدين هبة الله ابن قاضى قضاة حلب محب الدين أبى غانم محمد ابن قاضى قضاة حلب جمال الدين هبة الله ابن القاضى نجم الدين أحمد بن يحيى بن زهير بن هارون بن موسى بن عيسى بن عبد الله بن محمد ابن عامر بن أبى جرادة بن ربيعة الحنفى المعروف بآبن العديم. مات عن نيّف وسبعين سنة. قلت: هو من بيت علم ورياسة وقد تقدّم ذكر جماعة من أقار به ويأتى أيضا ذكر جماعة منهم، كلّ واحد في محلّه، إن شاء الله تعالى. وتوفّى رئيس «6» التّجّار زكىّ الدين أبو بكر بن علىّ الخرّوبىّ المصرىّ بمصر القديمة فى يوم الخميس تاسع عشر المحرّم وخلّف مالا كبيرا. وتوفّى الأمير فخر الدين عثمان بن قارا «7» بن [حيّار «8» ] بن مهنّا بن عيسى بن مهنّا أمير آل فضل بالبلاد الشامية في شهر ربيع الأوّل وكان من أجلّ ملوك العرب.

وتوفّى الأمير سيف الدين قرا بلاط بن عبد الله الأحمدى اليلبغاوىّ نائب الإسكندرية بها فى [نصف «1» ] شهر ربيع الآخر. وكان من أكابر مماليك الأتابك يلبغا العمرى الخاصّكى. وتوفّى الشيخ الإمام العالم نجم الدين أحمد بن عثمان بن عيسى بن حسن بن حسين ابن عبد المحسن الراسوفىّ الدمشقى الشافعىّ المعروف بابن الحبّال في جمادى الآخرة،- بعد عوده من مصر- بدمشق. وكان فقيها عالما متبحّرا في مذهبه، انتهت إليه رياسة مذهب الشافعىّ بدمشق في زمانه وتصدّى للإفتاء والتدريس والإشغال سنين عديدة. وتوفّى السيد الشريف شمس الدين أبو المجد محمد بن النقيب جمال الدين أحمد ابن النقيب شمس الدين محمد بن أحمد الحرّانى الحلبى الحنفى عن سبع وأربعين سنة ولم يل نقابة الأشراف. وتوفّى الشيخ الأديب شهاب الدين أحمد بن عبد الهادى بن أحمد المعروف بالشاطر الدمنهورىّ الشاعر المشهور بعقبة «2» أيلا متوجّها إلى الحجاز الشريف، فى العشر الأول من ذى القعدة. ومولده في سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة. وكان أديبا بارعا فاضلا، بارعا في فنون لا سيّما: فى المترجم ونظم القريض. ومن شعره فى مروحة: [الطويل] ومخطوبة في الحرّ من كل هاجر ... ومهجورة في البرد من كلّ خاطب إذا ما الهوى المقصور هيّج عاشقا ... أتت بالهوى الممدود من كل جانب

ما وقع من الحوادث سنة 788

وتوفّى الأمير سيف الدين [أحمد «1» ] آقبغا بن عبد الله الدّوادار في شهر ربيع الآخر، وكان من المماليك اليلبغاويّة من حزب خشداشية الملك الظاهر برقوق. وتوفى الرئيس شمس الدين محمد بن شهاب الدين أحمد بن سبع العبسىّ مستوفى ديوان الأحباس في ثامن [عشر «2» ] شعبان وكان معدودا من أعيان الديار المصرية. وتوفّى قاضى القضاة زين الدين عبد الرحمن بن رشد المالكىّ، قاضى قضاة حلب بها. وكان معدودا من فقهاء المالكية. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستة أذرع وأربعة أصابع. مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وخمسة عشر إصبعا. [ما وقع من الحوادث سنة 788] السنة الخامسة من سلطنة الملك الظاهر برقوق الأولى على مصر وهي سنة ثمان وثمانين وسبعمائة. فيها توفّى القاضى بدر الدين أحمد بن شرف الدين محمد ابن الوزير الصاحب فخر الدين محمد ابن الوزير الصاحب بهاء الدين على بن محمد بن سليم المعروف بابن حنّاء في يوم الجمعة تاسع عشرين جمادى الآخرة بمدينة «3» مصر عن نيّف وسبعين سنة. وكان فقيها عالما مفتنّا أديبا معدودا من فقهاء الشافعية. ومن شعره: [الكامل] هنئت يا عود الأراك بثغره ... إذ أنت للأوطان غير مفارق إن كنت فارقت العقيق وبارقا ... ها أنت ما بين العذيب وبارق

قلت: وأحسن من هذا قول ابن دمرداش الدّمشقىّ في المعنى: [الطويل] أقول لمسواك الحبيب لك الهنا ... بلثم فم ما ناله ثغر عاشق فقال وفي أحشائه حرق الجوى ... مقالة صبّ للديار مفارق تذكّرت أوطانى فقلبى كما ترى ... أعلّله بين العذيب وبارق ولابن قرناص في هذا المعنى وهو أيضا في غاية الحسن: [الطويل] سألتك يا عود الأراك بأن تعد ... إلى ثغر من أهوى فقبّله مشفقا ورد من ثنيّات العذيب منيهلا ... تسلسل ما بين الأبيرق والنّقا وتوفّى السيد الشريف شهاب الدين أحمد بن عجلان بن رميثة، واسم رميثة منجد [ابن أبى نمىّ «1» سعد] الحسنىّ المكىّ أمير مكّة في حادى عشرين «2» شعبان عن نيف وستين سنة بمكة ودفن بالمعلاة. وكان حسن السّيرة مشكور الطريقة. وولى إمرة مكة بعده ابنه محمد بن أحمد بأمر عمّه كبيش بن عجلان. وتوفّى الشيخ عماد الدين إسماعيل أحد الأفراد في الخطّ المنسوب المعروف بابن الزّمكحل، كان رئيسا في كتابة المنسوب، كان يكتب سورة الإخلاص على حبة أرز كتابة بيّنة تقرأ بتمامها وكمالها لا ينطمس منها حرف واحد- وكان له بدائع فى فنّ الكتابة وكتب عدّة مصاحف إلى أن مات (والزّمكحل بزاى مضمومة وميم مضمومة أيضا وكاف ساكنة وحاء مضمومة مهملة وبعدها لام ساكنة) . وتوفّى الأمير سيف الدين جلبان بن عبد الله الحاجب أحد أمراء الطبلخانات فى شهر رمضان. وكان عاقلا ساكنا مشكور السيرة.

وتوفى الأمير غرس الدين خليل بن قراجا بن دلغادر أمير التّركمان اليروقية «1» وصاحب أبلستين «2» قتيلا في الحرب مع الأمير صارم الدين إبراهيم بن همر التّركمانىّ، قريبا من مدينة مرعش «3» عن نيّف وستين سنة. وتوفّى الأمير سودن العلائىّ نائب حماة قتيلا في محاربة التّركمان أيضا. وكان ممن أنشأه الملك الظاهر برقوق وأظنّه من خشداشيّته. وتوفّى الشريف بدر الدين محمد بن عطيفة بن منصور بن جمّاز بن شيحة أمير المدينة النبويّة- على ساكنها أفضل الصلاة والسلام- وتوفى الشيخ الزاهد العابد الصالح شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان القرمىّ الحنفىّ بالقدس الشريف في صفر. ومولده في ذى الحجّة سنة ستة وعشرين وسبعمائة. وكان كثير العبادة والتّلاوة للقرآن حتى قيل: إنه قرأ في اليوم والليلة ثمانى ختمات. قلت: هذا شىء من وراء العقل فسبحان المانح. وتوفّى الشيخ الإمام «4» العابد الصالح الورع شمس الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن إلياس القونوىّ الحنفىّ بدمشق عن نيّف وسبعين سنة. وكان إماما عالما زاهدا شديدا في الله. وقدم القاهرة غير مرّة وتصدّى للإقراء والتصنيف سنين عديدة وانتفع الناس به. ومن مصنّفاته المفيدة «شرح تلخيص المفتاح» و «كتاب درر البحار» ونظم فيه فقه الأربعة و «شرح مجمع البحرين» فى الفقه

فى عشر مجلّدات، وشرح آخر في ستة أجزاء، وله: «رسالة في الحديث» وغير ذلك. رحمه الله تعالى. وتوفّى شيخ أهل الميقات ناصر الدين محمد بن الخطائى فى يوم الأربعاء ثالث عشرين شعبان وكان إماما في وقته. وتوفّى أيضا قرينه في علم الميقات شمس الدين محمد بن الغزولىّ في رابع شهر رجب. وكان أيضا من علماء هذا الشأن. وتوفّى ملك الغرب صاحب مدينة فاس وما والاها السلطان موسى ابن السلطان أبى عنان فارس بن أبى الحسن المرينىّ في جمادى الآخرة. وأقيم بعده المستنصر محمد بن أبى العباس أحمد المخلوع بن أبى سالم فلم يتم أمره وخلع بعد قليل. وأفيم الواثق محمد بن أبى الفضل ابن السلطان أبى الحسن، كلّ ذلك بتدبير «1» الوزير ابن مسعود وهو يوم ذاك صاحب أمر فاس. وتوفّى القاضى شهاب الدين أحمد بن محمد بن الزّركشى أمين الحكم فجاة بالقاهرة فى ليلة الجمعة تاسع عشر شهر ربيع الأوّل واتّهم أنّه سمّ نفسه، حتى مات لمال بقى عليه، فنسأل الله تعالى حسن الخاتمة. وتوفّى الأمير أحمد ابن السلطان الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون فى جمادى الآخرة بمجلسه في قلعة الجبل بالحوش السلطانىّ. وتوفّى قاضى القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن التّقىّ الحنبلىّ قاضى قضاة الحنابلة بدمشق بها «2» فى هذه السنة.

ما وقع من الحوادث سنة 789

وتوفّى الأمير شرف الدين موسى المعروف بابن الفافا أستدار الأمير أيتمش البجاسىّ في تاسع شوال. وكانت لديه فضيلة وله ثروة عظيمة وحشم. وكان من رءوس الظاهرية مذهبا وأثنى عليه الشيخ تقىّ الدين المقريزى. رحمه الله. وتوفّى السيد الشريف هيازع بن هبة الله الحسنىّ المدنىّ أمير المدينة النبويّة مات وهو في السجن بثغر الإسكندرية في شهر ربيع الأوّل. وتوفّى الشيخ شرف الدين صدقة ويدعى محمد بن عمر بن محمد بن محمد العادلىّ شيخ الفقراء القادريّة بالفيوم في جمادى الآخرة. وكان ديّنا صالحا أحرم مرّة من القاهرة. وتوفّى علم الدين يحيى القبطى الأسلمى ناظر الدولة المعروف بكاتب ابن الدينارى فى شهر ربيع الآخر. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستة أذرع سواء. مبلغ الزيادة عشرون ذراعا، وقيل: تسعة عشرة ذراعا وسبعة عشرة إصبعا. [ما وقع من الحوادث سنة 789] السنة السادسة من سلطنة الملك الظاهر برقوق الأولى على مصر وهي سنة تسع وثمانين وسبعمائة. وفيها توفّى الأمير سيف الدين طينال بن عبد الله الماردينىّ الناصرىّ. كان أصله من مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون وصار في أيام الملك الناصر حسن أمير مائة ومقدّم ألف بالديار المصرية. ثم نفاه الناصر حسن إلى الشام، فأقام بها إلى أن طلبه الملك الأشرف شعبان وأعاده إلى تقدمة ألف بديار مصر مدّة. ثمّ انتزعه منه وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه وجعله نائب قلعة الجبل فدام على ذلك مدّة سنين.

ثم عزله وأخذ الطبلخاناه منه وأنعم عليه بإمرة عشرة وترك طرخانا إلى أن مات فى شهر رمضان وقد عمّر. وتوفّى الأمير تاج الدين إسماعيل بن مازن الهوّارىّ أمير عرب هوارة ببلاد الصعيد في هذه السنة وترك أموالا جمّة. وتوفى الوزير الصاحب شمس الدين إبراهيم المعروف بكاتب أرنان. كان أصله من نصارى مصر وأسلم وخدم في ديوان الملك الظاهر برقوق في أيام إمرته، بعد أن باشر عند جماعة كبيرة من الأمراء. ولمّا تسلطن ولّاه الوزارة على كره منه وأحوال الدولة غير مستقيمة، فلما وزّر نفّذ الأمور ومشّى الأحوال مع وفور الحريّة ونفوذ الكلمة والتقلّل في الملبس بحيث إنه كان مثل أوساط الكتاب ودخل الوزارة وليس للدولة حاصل من عين ولا غلّة وقد استأجر الأمراء النواحى بأجرة قليلة، وكفّ أيدى الأمراء عن النواحى وضبط المتحصّل وجدّد مطابخ السكّر ومات والحاصل فيه ألف ألف درهم فضة وثلاثمائة وستون ألف اردبّ غلّة وستة وثلاثون ألف رأس من الغنم ومائة ألف طائر من الإوز والدّجاج وألف قنطار من الزيت وأربعمائة قنطار ماء ورد، قيمة ذلك كلّه يوم ذاك خمسمائة ألف دينار، هذا بعد قيامه بكلف الديوان تلك الأيام أحسن قيام. وتوفّى الحافظ صدر الدين سليمان بن يوسف بن مفلح الياسوفىّ «1» الطوسىّ الحنفىّ الشافعىّ بقلعة دمشق قتيلا بها، بعد أن اعتقل بها مدّة في محنة رمى بها. وكان من الفضلاء العلماء عارفا بالفقه إماما في الحديث والتفسير عفيفا عن أمور الدنيا.

وتوفى الأمير سيف الدين طقتمش بن عبد الله الحسنىّ «1» اليلبغاوىّ أحد أمراء الطبلخاناه في سابع شهر رجب «2» . كان من أعيان مماليك الأتابك يلبغا العمرىّ وممن قام مع الملك الظاهر برقوق. وتوفّى الشيخ الزاهد الورع أمين الدين محمد بن محمد بن محمد الخوارزمىّ النسفى اليلبغاوى «3» الحنفىّ المعروف بالخلواتىّ «4» فى سابع عشرين شعبان، خارج القاهرة. وكان ممن جمع بين العلم والعمل. وتوفّى الشيخ الإمام العلامة شمس الدين محمد القرمىّ الحنفىّ قاضى العسكر بالديار المصريّة في سابع عشرين شهر ربيع الآخر. وكان فاضلا بارعا في فنون من العلوم وكان خصيصا عند السلطان الملك الأشرف شعبان بن حسين. وتوفى قاضى قضاة المالكيّة بحلب زين الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن الجعيد الشهير بابن رشد المالكىّ المغربىّ السّجلماسىّ، كان من فضلاء السادة المالكية وله مشاركة في سائر العلوم وأفتى ودرّس وتولّى قضاء حلب وحسنت سيرته. وتوفى التاجر نور الدين على بن عنان في شوّال وكان من أعيان تجّار الكارم بمصر وخلّف مالا كبيرا. وتوفىّ القاضى شمس الدين محمد بن على بن الخشاب الشافعىّ في شعبان وكان فاضلا عالما محدّثا، حدّث عن وزيرة والحجّار.

ما وقع من الحوادث سنة 790

وتوفى الخطيب البليغ ناصر الدين محمد بن على بن محمد [بن «1» محمد] بن هاشم ابن عبد الواحد بن عشائر الحلبى الشافعىّ بالقاهرة في ليلة الأربعاء سادس عشرين شهر ربيع الآخر. وكان فقيها عالما عارفا بالفقه والحديث والنحو والشعر وغيره. وولى هو وأبوه خطابة جامع حلب وقدم إلى القاهرة فلم تطل مدّته حتى مات. وتوفى القاضى فتح الدين محمد ابن قاضى القضاة بهاء الدين [عبد الله «2» بن] عبد الرحمن بن عقيل الشافعىّ موقّع الدّرج بالديار المصرية في حادى عشرين صفر وكان معدودا من فضلاء الشافعية. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستة أذرع وأربعة أصابع. مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا وخمسة عشرا إصبعا. [ما وقع من الحوادث سنة 790] السنة السابعة من سلطنة الملك الظاهر برقوق الأولى على مصر وهي سنة تسعين وسبعمائة. وفيها توفى قاضى القضاة برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن «3» بن محمد ابن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكنانى الشافعى قاضى قضاة مصر ثم دمشق بها وهو على قضائها في ليلة الجمعة ثامن عشر شعبان. ومولده في سنة خمس وعشرين وسبعمائة. وسمع الكثير بمصر والشام وبرع في الفقه والعربية وولى خطابة المسجد الأفصى. ثم ولى القضاء بديار مصر ثم بالشام.

قلت: وهو خلاف قاضى القضاة برهان الدين إبراهيم بن سعد الله بن جماعة وهو جدّ عبد الرحمن والد صاحب الترجمة. وتوفّى الشيخ جمال الدين إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن الأميوطى «1» الشافعى بمكة المشرفة في ثانى شهر رجب بعد أن عمّر وأسمع صحيح مسلم وغيره. وكان فقيها بارعا أفتى ودرّس وأشغل سنين. وتوفّى الشيخ المعتقد إسماعيل بن يوسف الإنبابى بزاويته «2» بناحية منبابة في سلخ شعبان. وكان شيخا معتقدا وله كرامات. وللناس فيه اعتقاد وظنون حسنة. ترجمه الشيخ تقىّ الدين المقريزى وقد رآه وحضر عنده وذكر عن الوقت الذي كان يعمله بزاويته (- أعنى المولد- قبائح كان الإضراب عن ذكرها أليق) وإن كان هو كما قال: مما يقع به من الفساد من المتفرّجين والمترددين، غير أن السكات فى مثل هذا أحسن، كونه رجلا منسوبا إلى الصلاح ومن ذريّة الصالحين، على أننى أيضا أنكر هذا الوقت الذي يعمل بالزاوية المذكورة إلى الآن وإبطاله من أعظم معروف يعمل، لما ترتكب العامّة فيه من الفسق وصار عندهم هذا الوقت من جملة النّزه ويتواعدون عليه من قبل عمله بأيام ويتوجّهون إليه أفواجا. ومنهم من له سنين على ذلك وهو لا يعرف باب الزاوية، غير أنه صار ذلك عنده عادة، يتّزه بها هو ومن يريد هو وأمثاله ممّن لا خلاق لهم، فلا قوّة إلا بالله ما شاء الله كان.

وتوفّى الأمير سيف الدين بهادر بن عبد الله المنجكىّ الأستادار وأحد أمراء الألوف بالديار المصرية في أوّل جمادى الآخرة. وأصله من مماليك الأمير منجك اليوسفىّ الناصرىّ. وكان الملك الظاهر برقوق لمّا صار بخدمة منجك المذكور بقى بينهما أنسة وصحبة، فلمّا تسلطن برقوق عرف له ذلك ورقّاه حتى ولاه الأستدارية العالية إلى أن مات وتولّى محمود بن على الاستدارية بعده. وكان بهادر عنده معرفة وعقل وسياسة وتدبير، ومات ولم ينتكب كونه كان فيه إحسان للفقراء والصلحاء والغرباء وكان له صدقات كثيرة وبرّ وافر. وكان أصله روميّا وقيل إفرنجيا وأخذه الأمير منجك. قلت: وهو أعظم أستدار ولى الأستدارية في دولة الملك الظاهر برقوق إلى يومنا هذا وأوفرهم حرمة وأوقرهم في الدول.- رحمه الله-. وتوفّى الوزير الصاحب علم الدين بن القسّيس الأسلمى القبطىّ المعروف بكاتب سيدى في آخر ذى الحجة، بعد أن باشر عدّة وظائف أعظمهم الوزر. وتوفّى الرئيس أمين الدين عبد الله بن المجد فضل الله بن أمين الدين عبد الله أبن ريشة القبطى الأسلمىّ ناظر الدولة في ليلة الأربعاء سادس جمادى الأولى. وكان معدودا من أعيان الأقباط بالديار المصرية. وتوفّى الأمير سيف الدين سيرج بن عبد الله الكمشبغاوىّ نائب قلعة الجبل، فى تاسع عشرين شهر ربيع الآخر وكان من جملة أمراء الطبلخانات وكان وقورا وله وجاهة. وتوفّى الشيخ الإمام العالم العلّامة علاء الدين أحمد بن محمد المعروف بالعلاء السّيرامىّ العجمىّ الحنفىّ شيخ الشيوخ بالمدرسة الظاهرية البرقوقية في ثالث جمادى

الأولى وكان إماما عالما مقدّما مفتنّا أعجوبة زمانه في الفقه وفروعه وعلمى المعانى والبيان والأصول. وكان أدرك المشايخ وأخذ عنهم العلوم العقلية والنقلية وبرع ودرّس وأفتى في بلاد العجم بمدينة هراة وخوارزم وسراى وقرم وتبريز، حتى شاع ذكره وبعد صيته ولمّا بنى الملك الظاهر مدرسته بين القصرين أرسل يطلبه على البريد حتى قدم فولّاه شيخ شيوخ مدرسته فدام بها إلى أن أدركته المنية ودفن بتربة «1» الملك الظاهر برقوق بالصحراء. وهو أحد من أوصى الملك الظاهر أن يدفن تحت رجليه ويبنى عليه مدرسة ففعل ذلك وكان ديّنا خيّرا عابدا صالحا. ولمّا مات طلب السلطان الشيخ سيف الدين السّيرامى من حلب وولّاه عوضه شيخ الظاهرية وهو والد الشيخ نظام الدين يحيى وجدّ الشيخ عضد الدين عبد الرحمن شيخ الظاهرية المذكورة الآن. وتوفّى القاضى تقىّ الدين محمد بن محمد بن أحمد بن شاس الماكى أحد أعيان موقّعى الدست بالديار المصرية في سابع عشر شعبان. وكان كاتبا فاضلا عيّن لكتابة السرّ بديار مصر غير مرّة. وتوفّى الأمير شهاب الدين أحمد بن عمر بن قليج «2» والى الفيّوم في هذه السنة. كان أبوه من أمراء الألوف بالديار المصرية وكذلك جدّه وكان هو من جملة أمراء الطبلخانات. رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير قطلوبغا المحمدى المعروف بقشقلندق أحد أمراء العشرات في ثانى جمادى الآخرة وكان له وجاهة وعنده فروسية.

وتوفّى القاضى عز الدين أبو اليمن محمد بن عبد اللطيف بن الكويك الرّبعى الشافعى في ثالث «1» عشر جمادى الأولى عن خمس وستين سنة وكان له سماع ورواية ولديه فضيلة. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم سنة أذرع وثمانية أصابع. مبلغ الزيادة تسعة عشر ذرعا وأربعة أصابع. وكان الوفاء سابع عشر مسرى أحد شهور القبط.

ما وقع من الحوادث سنة 791

[ما وقع من الحوادث سنة 791] ذكر سلطنة الملك المنصور حاجى الثانية على مصر السلطان الملك الصالح ثم المنصور حاجّى ابن السلطان الملك الأشرف شعبان ابن الأمير الملك الأمجد حسين ابن السلطان الملك الناصر محمد ابن السلطان الملك المنصور قلاوون. وقد تقدّم ذكر نسبه أيضا في سلطنتة الأولى. وكان سبب عوده للملك أنه لمّا وقع ما حكيناه من خروج الأمير يلبغا الناصرى وتمربغا الأفضلى المدعو منطاش بمن معهما على الملك الظاهر برقوق ووقع ما حكيناه من الحروب بينهم إلى أن ضعف أمر الملك الظاهر واختفى وترك ملك مصر واستولى الأمير الكبير يلبغا الناصرى على قلعة الجبل وكلّمه أصحابه على أنه يتسلطن فلم يفعل وأشار بعود الملك الصالح هذا وقال: إن الملك الظاهر برقوقا خلعه بغير سبب وطلب أكابر الأمراء من أصحابه مثل الأمير منطاش المقدم ذكره والأمير بزلا العمرى الناصرى والأمير قرادمرداش الأحمدى وغيرهم، وكلّمهم في عود الملك الصالح الى السلطنة ثانيا فأجاب الجميع وطلعوا من الإسطبل «1» السلطانى إلى الحوش من قلعة الجبل وجلس الأتابك يلبغا الناصرى به وطلب الملك الصالح هذا من عند أهله وقد حضر الخليفة والقضاة وبايعوه بالسلطنة وألبسوه خلعتها وركب من الحوش بأبّهة الملك وشعار السلطنة إلى الإيوان «2» بقلعة الجبل والأمراء المذكورون مشاة بين يديه وأجلسوه على تخت الملك وغيّروا لقبه بالملك المنصور ولم نعلم بسلطان تغيّر لقبه قبله ولا بعده، فإنّه كان لقبه أولا الصالح وصار الآن في سلطنته

الثانية المنصور وقلده الخليفة أمور الرعية على العادة وقبّل الأمراء الأرض بين يديه ودقّت النواقيس والكوسات ونودى باسمه بالقاهرة ومصر وبالأمان والدعاء للملك المنصور ثم للأتابك يلبغا وتهديد من نهب فاطمأنت الناس. ثم قام الملك المنصور إلى القصر وسائر أرباب الدولة بين يديه واستقرّ الأمير الكبير يلبغا الناصرى أتابك العساكر بالديار المصرية ومدبّر المملكة وصاحب حلّها وعقدها، ففى الحال أمر الناصرى للامير ألطنبغا الأشرفى والأمير أرسلان اللفاف وقراكسك والأمير أردبغا العثمانى أن يكونوا عند السلطان الملك المنصور بالقصر، وأن يمنعوا من يدخل عليه من التّركمان وغيرهم. ونزل الأتابك يلبغا الناصرىّ إلى الإسطبل السلطانى حيث هو سكنه وخلع على الأمير حسام الدين حسين بن على ابن الكورانى بولاية القاهرة على عادته أولا فسّر الناس بولايته. وتعيّن الصاحب كريم الدين بن عبد الكريم بن عبد الرزّاق بن إبراهيم بن مكانس مشير الدولة وأخوه فخر الدين عبد الرحمن لنظر الدولة على عادته وأخوهما زين الدين لنظر الجهات، وأعاد جميع المكوس التي أبطلها الملك الظاهر برقوق. ثم نودى بالأمان للماليك الجراكسة وأن جميع المماليك والأجناد على حالهم وأنّ الأمير الكبير لا يغيّر على أحد منهم شيئا مما كان فيه ولا يخرج عنه إقطاعه. ثم في يوم الأربعاء سادس الشهر قدم الأمير ألطنبغا الجوبانى نائب الشام كان والأمير الطنبغا المعلم أمير سلاح كان والأمير قردم الحسنى رأس نوبة النّوب كان من سجن الإسكندرية وطلعوا إلى السلطان وترحّب بهم الأمير الكبير يلبغا الناصرى. ثم نودى ثانيا بالقاهرة بأن من ظهر من المماليك الظاهرية فهو على حاله باق على إقطاعه ومن اختفى منهم بعد النداء حل ماله ودمه للسلطان.

ثم رسم الأمير الكبير للامير سودون الفخرى الشيخونى نائب السلطان للديار المصرية بلزوم بيته، وأما محمود الأستادار فإنه توجه إلى كريم الدين بن مكانس وترامى عليه فتكلم ابن مكانس في أمره مع الأمير الكبير وأصلح شأنه معه على مال يحمله للامير الكبير يلبغا الناصرى وجمع بينهما فآمنه الناصرى ونزل الى داره. ثم في ثامن جمادى الآخرة المذكورة اجتمع الأمراء في الخدمة السلطانية على العادة، فأغلق باب القلعة وقبض على تسعة من الأمراء المقدّمين وهم: الأمير سودون الفخرى الشيخونى النائب المقدم ذكره وسودون باق وسودون طرنطاى وشيخ الصفوى وقجماس الصالحى ابن عم الملك الظاهر برقوق وأبو بكر بن سنقر وآقبغا الماردينى حاجب الحجاب وبجاس النّوروزى ومحمود بن على الأستدار المقدم ذكره أيضا وقبض أيضا على جماعة من أمراء الطبلخانات وهم: عبد الرحمن بن منكلى بغا الشمسى وبورى الأحمدى وتمربغا المنجكى ومنكلى الشمسى الطرخانى ومحمد بن جمق بن أيتمش البجاسى وجرجى وقرمان المنجكى وحسن خجا وبيبرس التمان تمرى وأحمد الأرغونى وأسنبغا الأرغونى وشادى وقنق باى اللّالا السيفى ألجاى وجرباش الشيخى الظاهرى وبغداد الأحمدى ويونس الرمّاح وبرسبغا الخليلى وبطا الطّولوتمرى الظاهرى ونوص المحمدى وتنكز العثمانى وأرسلان اللّفّاف وتنكزبغا السيفى وألطنبغا شادى وآقبغا اللاجينى وبلاط المنجكى وبجمان المحمدى وألطنبغا العثمانى وعلىّ بن آقتمر من عبد الغنى وإبراهيم بن طشتمر الدوادار وخليل بن تنكزبغا ومحمد بن الدوادارى وحسام الدين حسين بن على الكورانى والى القاهرة وبلبل الرومى الطويل والطواشى صواب السعدى المعروف بشنكل مقدّم المماليك والطواشى مقبل الزمام الرومى الدوادارى.

ثم قبض على نيّف وثلاثين أمير عشرة وهم: أزدمر الجركانى وقمارى الجمالى وجلبان أخو مامق وقرطاى السيفى ألجاى اليوسفى وآقبغا بورى الشيخونى وصلاح الدين محمد بن تنكزبغا وعبدوق العلائى وطولوبغا الأحمدى ومحمد بن أرغون شاه الأحمدى وإبراهيم ابن الشيخ على بن قرا وغريب بن حاجى وأسنبغا السيفى وأحمد بن حاجّبك بن شادى وآقبغا الجمالى الهيدبانى الظاهرى وأميرزه بن ملك الكرج وجلبان الكمشبغاوى الظاهرى قراسقل وموسى بن أبى بكر بن رسلان أمير طبر وقنق باى الأحمدى وأمير حاج بن أيتمش وكمشبغا اليوسفى ومحمد بن آقتمر الصاحبى الحنبلى النائب وآقبغا الناصرى حطب ومحمد بن سنقر المحمدى وبهادر الفخرى ومحمد بن طغاى تمر النظامى ويونس العثمانى وعمر بن يعقوب شاه وعلى بن بلاط الكبير ومحمد بن أحمد بن أرغون النائب ومحمد بن بكتمر الشمسى وألجيبغا الدوادر ومحمد بن يونس الدوادار وخليل بن قرطاى شاد العمائر ومحمد بن قرطاى نقيب الجيش وقطلوبك أمير جاندار وعلى جماعة كبيرة من المماليك الظاهرية. ثم شفع فيه جماعة من الأمراء فأفرج عنهم: منهم صواب مقدّم المماليك المعروف بشنكل، والطواشى مقبل الدوادارى الزّمام، وحسين بن الكورانى الوالى وجماعة أخر، وأخرج قجماس ابن عم الملك الظاهر برقوق على البريد إلى طرابلس. وفيه نودى بالقاهرة ومصر: من أحضر السلطان الملك الظاهر برقوق إلى الأمير الكبير يلبغا الناصرى، إن كان عامّيّا خلع عليه وأعطى ألف دينار، وإن كان جنديّا أعطى إمرة عشرة بالديار المصرية، وإن كان أمير عشرة أعطى طبلخاناه، وإن كان طبلخاناه أعطى تقدمة ألف. ومن أخفاه بعد ذلك شنق وحلّ ماله ودمه للسلطان.

ثم في ليلة الجمعة حملوا الأمراء المسجونون بقلعة الجبل إلى ثغر الإسكندريه ما خلا الأمير محمود الأستدار وبقيت المماليك الظاهرية في الأبراج متفرقة بقلعة الجبل، ثم أطلق الأمير آقبغا الماردينى حاجب الحجّاب، وأخرج من الحرّاقة «1» لشفاعة صهره الأمير أحمد بن يلبغا العمرى أمير مجلس فيه فردّ معه أرسلان اللّفّاف ومحمد بن تنكر شفع فيهما أيضا بعض الأمراء. وفيه أيضا نودى على الملك الظاهر برقوق وهدّد من أخفاه فكثر الدعاء من العامة للملك الظاهر برقوق وكثر الأسف على فقده، وثقلت أصحاب الناصرى على الناس ونفروا منهم، فصارت العامّة تقول: راح برقوق وغزلانه، وجاء الناصرى وتيرانه. ثم قبض الناصرى على الطواشى بهادر الشهابى مقدّم المماليك، كان الذي كان الملك الظاهر عزله من التقدمة ونفاه إلى طرابلس، فحضر مع الناصرى من جملة أصحابه، فاتّهم أنه أخفى الملك الظاهر برقوقا، فنفى إلى المرقب «2» وختم على حواصله ونفى معه أسنبغا المجنون. وفي ثانى عشره سجن محمود الأستدار وهو مقيّد بالزردخاناه. وفيه ألزم الأمير الكبير يلبغا الناصرى حسين بن الكورانى الوالى بطلب الملك الظاهر برقوق وخشّن عليه في الكلام بسببه، فنزل ابن الكورانى من وقته وكرر النداء عليه بالقاهرة ومصر وهدّد من أخفاه بأنواع العذاب والنّكال. هذا وقد كثر فساد التركمان أصحاب الناصرى بالقاهرة، وأخذوا النساء من الطرقات ومن الحمامات، ولم يتجاسر أحد على منعهم.

وفيه قلع العسكر السلاح من عليهم ومن على خيولهم، وكانوا منذ دخولهم وهم بالسلاح إلى هذا اليوم. وفي يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى الآخرة غمر على الملك الظاهر برقوق من بيت أبى يزيد، وأمره: أنه لمّا نزل بالإسطبل بالليل سار على قدميه حتى وصل إلى بيت أبى يزيد أحد أمراء العشرات واختفى بداره ولم يعرف له خبر، وكثر الفحص عليه من قبل الناصرى وغيره وهجم في مدّة اختفائه على بيوت كثيرة فلم يقف له أحد على خبر وتكرّر النداء عليه والتهديد على من أخفاه، فخاف الملك الظاهر من أن يدلّ عليه فيؤخذ غصبا باليد فلا يبقى عليه، فأرسل أعلم الأمير ألطنبغا الجوبانى بمكانه فتوجّه إليه الجوبانى واجتمع به وأخذه وطلع به إلى الناصرى على ما سنذكره. وقيل غير ذلك؛ وهو أنه لما نزل الملك من الإسطبل السلطانى ومعه أبو يزيد المذكور لا غير، تبعه نعمان مهتار الطشتخاناه إلى الرّميلة، فردّه الملك الظاهر، ومضى هو وأبو يزيد حتى قربا من دار أبى يزيد، فتوجّه أبو يزيد قبله، وأخلى له دارا، ثم عاد إليه وأخفاه فيها. ثم أخذ الناصرىّ يتتبع أثر الملك الظاهر برقوق حتى سأل المهتار نعمان عنه، فأخبره أنه نزل ومعه أبو يزيد، وأنه لمّا تبعه ردّه الملك الظاهر، فعند ذلك أمر الناصرى حسين بن الكورانىّ بإحضار أبى يزيد المذكور، فشدّد فى طلبه، وهجم بيوتا كثيرة، فلم يقف له على خبر، فقبض على جماعة من أصحاب أبى يزيد وغلمانه وقرّرهم فلم يجد عندهم علما «1» به، وما زال يفحص على ذلك حتى دلّه بعض الناس على مملوك أبى يزيد، فقبض عليه، وقبض ابن الكورانى على امرأة المملوك وعاقبها

فدلّته على موضع أبى يزيد وعلى الملك الظاهر، وأنهما في بيت رجل خيّاط بجوار بيت أبى يزيد، فمضى ابن الكورانىّ إلى البيت، وبعث إلى الناصرىّ يعلمه، فأرسل إليه الأمراء. وقيل غير ذلك وجه آخر، وهو أن السلطان الملك الظاهر لمّا نزل من الإسطبل كان ذلك وقت نصف الليل من ليلة الاثنين المقدّم ذكرها، فسار إلى بحر النيل، وعدّى إلى بحر النيل، وعدّى إلى برّ الجيزة ونزل عند الأهرام، وأقام هناك ثلاثة أيام، ثمّ عاد إلى بيت أبى يزيد المذكور، فأقام عنده إلى يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى الآخرة، فحضر مملوك أبى يزيد إلى الناصرى وأعلمه أن الملك الظاهر في بيت أستاذه، فأحضر الناصرىّ في الحال أبا يزيد، وسأله عن الملك الظاهر فاعترف أنه عنده، فأخذه ألطنبغا الجوبانى وسار به إلى البيت الذي فيه الملك الظاهر برقوق، فأوقف أبو يزيد الجوبانى بمن معه، وطلع هو وحده إلى الملك الظاهر وحدّثه الخبر، ثم أذن أبو يزيد للجوبانى، فطلع فلما رآه الملك الظاهر برقوق قام له وهمّ بتقبيل يديه فاستعاذ بالله الجوبانى من ذلك، وقال له: ياخوند، أنت أستاذنا ونحن مماليك، وأخذ يسكّن روعه، حتى سكن ما به. ثم ألبسه عمامة وطيلسانا وأنزله من الدار المذكورة، وأركبه، وأخذه وسار من صليبة «1» ابن طولون نهارا، وشقّ به بين الملأ من الناس إلى أن طلع به إلى الإسطبل السلطانى بباب السلسلة حيث هو سكن الأمير [الكبير] يلبغا الناصرى، فأجلس بقاعة الفضة من القلعة وألزم أبو يزيد بمال الملك الظاهر الذي كان معه، فأحضر كيسا وفيه ألف دينار، فأنعم به الناصرى عليه، وأخلع عليه، ورتّب الناصرى

فى خدمة الملك الظاهر مملوكين وغلامه المهتار نعمان، وقيّد بفيد ثقيل، وأجرى عليه من سماطه طعاما بكرة وعشيا، ثم خلع الناصرىّ على الأمير حسام الدين حسن الكجكنىّ باستقراره في نيابة الكرك عوضا عن مأمور القلمطاوىّ. ورسم بعزل مأمور، وقدومه إلى مصر أمير مائة ومقدّم ألف بها. هذا بعد أن جمع الناصرى الأمراء من أصحابه وشاورهم في أمر الملك الظاهر برقوق بعد القبض عليه، فاختلفت آراء الأمراء فيه، فمنهم من صوّب قتله، وهم الأكثر، وكبيرهم منطاش، ومنهم من أشار بحبسه وهم الأقل، وأكبرهم الجوبانىّ فيما قيل، فمال الناصرىّ إلى حبسه لأمر يريده الله تعالى، وأوصى حسام الدّين الكجكنى به وصايا كثيرة حسب ما يأتى ذكره في محلّه، فأقام الكجكنى بالقاهرة فى عمل مصالحه إلى يوم تاسع عشر جمادى الآخرة، وسافر إلى محل كفالته بمدينة الكرك. وعند خروجه قدم الخبر على الناصرى بأن الأمير آقبغا الصغير وآقبغا أستدار آقتمر، اجتمع عليهما نحو أربعمائة مملوك من المماليك الظاهرية ليركبوا على جنتمر نائب الشام ويملكوا منه البلد، فلمّا بلغ جنتمر ذلك ركب بمماليكه وكبسهم على حين غفلة، فلم يفلت منهم إلا اليسير وفيهم آقبغا الصغير المذكور، فسرّ الناصرى بذلك، وخلع على القاصد. ولمّا وصل هذا الخبر إلى مصر ركب منطاش وجماعة من أصحابه إلى الناصرى وكلّموه بسبب إبقاء الملك الظاهر، وخوّفوه عاقبة ذلك، ولا زالوا به حتى وافقهم على قتله، بعد أن يصل إلى الكرك ويحبس بها، واعتذر إليهم بأنه إلى الآن لم يفرّق الاقطاعات والوظائف لاضطراب المملكة، وأنّه ثمّ من له ميل للظاهر في الباطن

وربّما يثور بعضهم عند قتله، وهذا شىء يدرك في أىّ وقت كان، حتى قاموا عنه ونزلوا إلى دورهم. ثم أخذ الناصرى في اليوم المذكور يخلع على الأمراء باستقرارهم في الإمريات والإقطاعيات، فاستقرّ بالأمير بزلار العمرى الناصرى حسن في نيابة دمشق، والأمير كمشبغا الحموى اليلبغاوى في نيابة حلب، وبالأمير صنجق الحسنىّ في نيابة طرابلس، وبالأمير شهاب الدين أحمد بن محمد الهيدبانىّ في حجوبية طرابلس الكبرى. ثم في حادى عشرينه عرض الأمير الكبير يلبغا الناصرى المماليك الظاهريّة وأفرد من المستجدّين مائتين وثلاثين مملوكا لخدمة السلطان الملك المنصور حاجىّ صاحب الترجمة وسبعين من المشتروات أنزلهم بالأطباق وفرّق من بقى على الأمراء، وكان العرض بالإسطبل، وأنعم على كلّ من آقبغا الجمالى الهيدبانىّ أمير آخور ويلبغا السّودونىّ وتنبك اليحياوى وسودون اليحياوى بإمرة عشرة في حلب، وهؤلاء الأربعة ظاهريّة من خواصّ مماليك الملك الظاهر برقوق، ورسم بسفرهم مع الأمير كمشبغا الحموىّ نائب حلب. ثم في ليلة الخميس ثانى عشرين جمادى الاخرة رسم الناصرى بسفر الملك الظاهر برقوق إلى الكرك، فأخرج من قاعة الفضّة في ثلث الليل من باب القرافة أحد أبواب القلعة ومعه الأمير ألطنبغا الجوبانى، فأركبوه هجينا ومعه من مماليكه أربعة مماليك صغار على هجن، وهم قطلوبغا الكركى وبيغان الكركى وآقباى الكركى وسودون الكركى، والجميع صاروا في سلطنة الملك الظاهر الثانية بعد خروجه من الكرك أمراء، وسافر معه أيضا مهتاره نعمان، وسار به الجوبانى إلى قبة النصر خارج

القاهرة، وأسلمه إلى الأمير سيف الدين محمد بن عيسى العائدى؛ فتوجه به إلى الكرك من على عجرود «1» حتى وصل به إلى الكرك، وسلّمه إلى نائبها الأمير حسام الدين الكجكنى وعاد بالجواب، فأنزل الكجكنى الملك الظاهر بقاعة النحاس من قلعة الكرك، وكانت ابنة الأتابك يلبغا العمرى الخاصّكى أستاذ الملك الظاهر برقوق زوجة مأمور المعزول عن نيابة الكرك هناك، فقامت للملك الظاهر برقوق بكلّ ما يحتاج، كونه مملوك أبيها يلبغا، مع أن الناصرى أيضا مملوك أبيها، غير أنها حبّب إليها خدمة الملك الظاهر، ومدّت له سماطا يليق به، واستمرّت على ذلك أياما كثيرة، وفعلت معه أفعالا، كان اعتادها أيام سلطنته. ثم إن الكجكنىّ أيضا اعتنى بخدمته لمّا كان أوصاه الناصرىّ به قبل خروجه من مصر، ومن جملة ما كان أوصاه الناصرىّ وقرّره معه أنّه متى حصل له أمر من منطاش أو غيره فليفرج عن الملك الظاهر برقوق من حبس الكرك، فاعتمد الكجكنى على ذلك، وصار يدخل إليه في كل يوم ويتلطّف به ويعده أنه يتوجّه معه إلى التّركمان، فإنّه له فيهم معارف، وحصّن قلعة الكرك وصار لا يبرح من عنده نهاره كلّه، ويأكل معه طرفى النهار سماطه، ولا زال على ذلك حتى أنس به الملك الظاهر وركن له حسب ما يأتى ذكره. وأما الناصرىّ فإنه بعد ذلك خلع على جماعة من الأمراء، فاستقرّ بالأمير قطلوبغا الصّفوىّ في نيابة صفد، وبالأمير بغاجق في نيابة ملطية، ثم رسم فنودى بالقاهرة بأن المماليك الظاهريّة يخدمون مع نوّاب البلاد الشامية، ولا يقيم أحد منهم بالقاهرة، ومن تأخّر بعد النداء حلّ ماله ودمه للسلطان، ثم نودى بذلك من الغد ثانيا.

وفي رابع عشرينه برز النوّاب إلى الرّيدانيّة للسفر بعد أن أخلع الناصرى على الجميع خلع السفر. ثم في سادس عشرينه خلع السلطان الملك المنصور على الأمير يلبغا الناصرى باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية وأن يكون مدبّر المملكة، وعلى الأمير ألطنبغا الجوبانى باستقراره رأس نوبة الأمراء وظيفة بركة الجوبانى وعلى الأمير قرادمرداش الأحمدى واستقرّ أمير سلاح، وعلى الأمير أحمد بن يلبغا واستقرّ أمير مجلس على عادته أوّلا، وعلى الأمير تمرباى الحسنى، واستقرّ حاجب الحجاب، وخلع على القضاة الثلاثة باستمرارهم، وهم: القاضى شمس الدين محمد الطّرابلسىّ والقاضى جمال الدين عبد الرحمن بن خير المالكى والقاضى ناصر الدين نصر الله الحنبلى، ولم يخلع على قاضى القضاة ناصر الدين ابن بنت ميلق الشافعى، لتوعّكه، ثم خلع على القاضى صدر الدين المناوى مفتى دار العدل «1» ، وعلى القاضى بدر الدين محمد بن فضل الله كاتب السر الجميع باستمرارهم. وفي هذا اليوم سافر نوّاب البلاد الشامية، وسافر معهم كثير من التّركمان واجناد الشام وأمرائها، وفيه نودى أيضا بألّا يتأخر أحد من مماليك الملك الظاهر برقوق إلّا من يكون بخدمة السلطان ممّن عيّن، ومن تأخر بعد ذلك شنق، ثم نودى على التركمان والشاميين والغرباء بخروجهم من الديار المصرية إلى بلادهم. وفي يوم الخميس خلع الناصرى على الأمير آقبغا الجوهرى باستقراره أستادارا، وعلى الأمير آلابغا العثمانى دوادارا كبيرا، وعلى الأمير ألطنبغا الأشرفىّ رأس نوبة ثانيا، وهي الآن وظيفة رأس نوبة النّوب، وعلى الأمير جلبان العلائى حاجبا، وعلى الأمير بلاط العلائى أمير جاندار، وعلى شهرى نائب دوركى باستمراره.

ثمّ في سلخ جمادى الآخرة فرّق الناصرى المثالات «1» على الأمراء، وجعلهم أربعة وعشرين تقدمة على العادة القديمة، أراد بذلك أن يظهر للناس ما أفسده الملك الظاهر برقوق في أيام سلطنته من قوانين مصر، فشكره الناس على ذلك. ثم نودى بالقاهرة بالأمان: ومن ظلم من مدّة عشرين سنة فعليه بباب الأمير الكبير يلبغا الناصرىّ، ليأخذ حقّه. ثم في يوم السبت أوّل شهر رجب وقف أوّل النهار زامر على باب السلسلة تحت الإسطبل السلطانى، حيث هو سكن الناصرىّ، وزعق في زمره؛ فلما سمعه الناس اجتمع الأمراء والمماليك في الحال، وطلعوا إلى خدمة الناصرىّ، ولم يعهد هذا الزّمر بمصر قبل ذلك على هذه الصورة، وذكروا أنها عادة ملوك التتار إذا ركبوا يزعق هذا الزامر بين يديه، وهو عادة أيضا في بلاد حلب، فاستغرب أهل مصر ذلك واستمرّ في كلّ يوم موكب. وفيه أيضا رسم الناصرىّ أن يكون رءوس نوب السّلاحداريّة والسّقاة والجمداريّة ستّة لكل طائفة على ما كانوا أوّلا قبل سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين، فإن الأشرف هو الذي استقرّ بهم ثمانية، وخلع الناصرى على قطلوبغا الفخرى باستقراره نائب قلعة الجبل عوضا عن الأمير بجاس. وفي خامسه قدم الأمير نعير بن حيّار بن مهنّأ ملك العرب إلى الديار المصرية، ولم يحضر قطّ في أيام الملك الظاهر برقوق، وقصد بحضوره رؤية الملك المنصور

وتقبيل الأرض بين يديه، فخلع السلطان عليه، ونزل بالميدان الكبير من تحت القلعة، وأجرى عليه الرّواتب. وفيه خلع على الأمير آلابغا العثمانى الدوادار الكبير باستقراره في نظر الأحباس مضافا لوظيفته، وقرقماس الطّشتمرى واستمرّ خازندارا. وفي ثامنه خلع على الأمير نعير خلعة السفر وأنعم على الطواشى صواب السعدى شنكل بإمرة عشرة، واسترجعت منه إمرة طبلخاناه، ولم يقع مثل ذلك أن يكون مقدّم المماليك أمير عشرة. وفيه خلع السلطان الملك المنصور على شخص وعمله خيّاط السلطان، فطلبه الناصرى وأخذ منه الخلعة، وضربه ضربا مبرّحا، وأسلمه لشادّ الدواوين، ثم أفرج عنه بشفاعة الأمير أحمد بن يلبغا أمير مجلس، فشقّ ذلك على الملك المنصور، فقال: إذا لم ينفّذ مرسومى في خيّاط فما هذه السلطنة؟ ثمّ سكت على مضض. وفي أوّل شعبان أمر المؤذّنون بالقاهرة ومصر أن يزيدوا في الآذان، إلّا آذان المغرب: الصلاة والسلام عليك يا رسول الله عدّة مرّات، وسبب ذلك أن رجلا من الفقراء المعتقدين سمع في ليلة الجمعة بعد أذان العشاء: الصلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وكان العادة في ليلة الجمعة بعد أذان العشاء يصلّى المؤذنون على النّبيّ صلى الله عليه وسلم مرارا على المئذنة، فلمّا سمع الفقير ذلك قال لأصحابه الفقراء: أتحبون أن تسمعوا هذا في كل أذان؟ قالوا: نعم، فبات تلك الليلة، وأصبح وقد زعم أنّه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم في منامه يأمره أن يقول لمحتسب القاهرة نجم الدين الطّنبدى أن يأمر المؤذنين أن يصلّوا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عقيب كلّ أذان، فمشى الشيخ إلى المحتسب المذكور وقصّ عليه ما رآه، فسّره ذلك، وأمر به فبقى إلى يومنا هذا.

ثم إن الناصرىّ أنزل السبعين الذين قرّرهم بالأطباق من مماليك برقوق وفرّقهم على الأمراء، ورسم أيضا بإبطال المقدّمين والسوّاقين من الطّواشيّة، ونحوهم، وأنزلهم من عند الملك المنصور، فاتّضح أمر السلطان الملك المنصور، وعرف كلّ أحد أنه ليس له أمر ولا نهى في المملكة. ذكر ابتداء الفتنة بين الأمير الكبير يلبغا الناصرى وبين الأمير تمربغا الأفضلىّ المدعو منطاش: ولمّا كان سادس عشر شعبان أشيع في القاهرة بتنكّر منطاش على الناصرىّ، وانقطع منطاش عن الخدمة، وأظهر أنه مريض، ففطن الناصرىّ بأنه يريد يعمل مكيدة، فلم ينزل لعيادته، وبعث إليه الأمير ألطنبغا الجوبانى رأس نوبة كبيرا فى يوم الاثنين سادس عشر شعبان المذكور ليعوده في مرضه، فدخل عليه، وسلّم عليه، وقضى حقّ العيادة، وهمّ بالقيام، فقبض عليه منطاش وعلى عشرين من مماليكه، وضرب قرقماس دوادار الجوبانى ضربا مبرّحا، مات منه بعد أيام. ثم ركب منطاش حال مسكه للجوبانىّ في أصحابه إلى باب السلسلة وأخذ جميع الخيول التي كانت واقفة على باب السلسلة وأراد اقتحام الباب ليأخذ الناصرىّ على حين غفلة، فلم يتمكّن من ذلك، وأغلق الباب، ورمى عليه مماليك الناصرىّ من أعلى السور بالنّشّاب والحجارة، فعاد إلى بيته ومعه الخيول، وكانت داره دار «1» منجك اليوسفىّ التي اشتراها تمربغا الظاهرىّ الدوادار وجدّدها بالقرب من مدرسة السلطان «2» حسن، ونهب منطاش في عوده بيت الأمير آقبغا الجوهرىّ الأستدار وأخذ خيوله وقماشه.

ثمّ رسم منطاش في الوقت لمماليكه وأصحابه بالطلوع إلى مدرسة السلطان حسن، فطلعوا إليها وملكوها، وكان الذي طلع إليها الأمير تنكزبغا رأس نوبة والأمير أزدمر الجوكندار دوادار الملك الظاهر برقوق في عدّة من المماليك، وحمل إليها منطاش النّشّاب والحجارة، ورموا على من كان بالرّميلة «1» من أصحاب الناصرىّ من أعلى المئذنتين ومن حول القبّة، فعند ذلك أمر الناصرىّ مماليكه وأصحابه بلبس السلاح وهو يتعجّب من أمر منطاش كيف يقع منه ذلك وهو في غاية من قلّة المماليك وأصحابه، وبلغ الأمراء ذلك، فطلع كلّ واحد بمماليكه وطلبه إلى الناصرىّ. وأمّا منطاش فإنّه أيضا تلاحقت به المماليك الأشرفيّة خشداشيته والمماليك الظاهرية، فعظم بهم أمره، وقوى جأشه، فأمّا مجىء الظاهريّة إليه فرجاء لخلاص أستاذهم الملك الظاهر برقوق والأشرفية، فهم خشداشيّته، لأن منطاش كان أشرفيّا ويلبغا الناصرىّ يلبغاويّا خشداشا لبرقوق، وانضمت اليلبغاويّة على الناصرى وهم يوم ذاك أكابر الأمراء وغالب العسكر المصرى، وتجمّعت المماليك على منطاش حتى صار في نحو خمسمائة فارس معه، بعد ما كان سبعون فارسا في أوّل ركوبه، ثم أتاه من العامّة عالم كبير، فترامى الفريقان واقتتلا. ونزل الأمير حسام الدّين حسين بن الكورانى والى القاهرة والأمير مأمور حاجب الحجاب من عند الناصرىّ، ونودى في الناس بنهب مماليك منطاش، والقبض على من قدروا عليه منهم، وإحضاره إلى الناصرىّ فخرج عليهما طائفة من المنطاشيّة فضربوهما وهزموهما، فعادوا إلى الناصرى، وسار الوالى إلى القاهرة، وأغلق أبوابها: واشتدّ الحرب، وخرج منطاش في أصحابه، وتقرّب من العامّة، ولا طفهم

وأعطاهم الذهب، فتعصّبوا له وتزاحموا على التفاط النّشّاب الذي يرمى به من أصحاب الناصرىّ على منطاش وأتوه به، وبالغوا في الخدمة لمنطاش، حتى خرجوا عن الحدّ، فكان الواحد منهم يثب في الهواء حتى يخطف السهم قبل أن يأخذه غيره، ويأتى به منطاش وطائفة منهم تنقل الحجارة إلى أعلى المدرسة «1» الحسنيّة، واستمرّوا على ذلك إلى الليل، فبات منطاش ليلة الثلاثاء سابع عشر شعبان على باب مدرسة السلطان حسن المذكورة والرمى يأتيه من القلعة من أعوان الناصرى،. هذا والمماليك الظاهريّة تأتيه من كلّ فجّ، وهو يعدهم ويمنّيهم حتى أصبح يوم الثلاثاء وقد زادت أصحابه على ألف فارس، كلّ ذلك والناصرى لا يكترث بأمر منطاش، ويصلح أمره على التراخى استخفافا بمنطاش وحواشيه، يحرّضه على سرعة قتال منطاش ويحذّرونه التهاون في أمره. ثمّ أتى منطاش طوائف من مماليك الأمراء والبطّالة وغيرهم شيئا بعد شىء، فحسن حاله بهم، واشتدّ بأسنه، وعظمت شوكته بالنسبة لما كان فيه أوّلا، لا بالنسبة لحواشى الناصرىّ ومماليكه، فعند ذلك ندب الناصرىّ الأمير بجمان والأمير قرابغا الأبوبكرى في طائفة كبيرة ومعهم المعلّم شهاب الدين أحمد بن الطّولونى المهندس وجماعة كبيرة من الحجّارين والنقّابين لينقبوا بيت منطاش من ظهره حتى يدخلوا منه إلى منطاش ويقاتلوه من خلفه والناصرى من أمامه، ففطن منطاش بهم، فأرسل إليهم في الحال عدّة من جماعته قاتلوهم حتى هزموهم، وأخذوا قرابغا وأتوا به إلى منطاش، فرتّب عدّة رماة على الطبلخاناه السلطانية، وعلى المدرسة الأشرفيّة التي هدمها الملك الناصر فرج، وجعل الملك المؤيّد مكانها

بيمارستانا في الصوّة، فرموا على منطاش بالمدافع والنّشّاب، فقتل عدّة من العوامّ، وجرح كثير من المنطاشية، هذا وقد انزعج الناصرى وقام بنفسه وهيّأ أصحابه لقتال منطاش، وندب من أصحابه من أكابر الأمراء جماعة لقتاله، وهم الأمير أحمد بن يلبغا أمير مجلس، والأمير جمق ابن الأتابك أيتمش البجاسىّ في جمع كبير من المماليك، فنزلوا وطردوا العامّة من الرّميلة، فحملت العامّة من أصحاب منطاش عليهم حملة واحدة هزموهم فيها أقبح هزيمة. ثم عاد أحمد بن يلبغا المذكور غير مرّة، واستمرّ القتال بينهما إلى آخر النهار والرّمى والقتال عمّال من القلعة على المدرسة الحسنيّة ومن المدرسة على القلعة وبينماهم فى ذلك خرج من عسكر الناصرىّ الأمير آقبغا الماردينىّ بطلبة وصار إلى منطاش فتسلّل الأمراء عند ذلك واحدا بعد واحد، وكلّ من يأتى منطاش من الأمراء يوكّل به واحد يحفظه ويبعث به إلى داره، ويأخذ مماليكه فيقاتل الناصرى بهم. فلمّا رأى حسين بن الكورانى الوالى جانب الناصرىّ قد اتضع خاف على نفسه من منطاش واختفى، فطلب منطاش ناصر الدين محمد بن ليلى نائب حسين ابن الكورانى وولّاه ولاية القاهرة، وألزمه بتحصيل النّشّاب، فنزل في الحال إلى القاهرة، وحمل إليه كثيرا من النشاب. ثم أمره منطاش فنادى بالقاهرة بالأمان والاطمئنان وإبطال المكس والدعاء للأمير الكبير منطاش بالنصر. هذا وقد أخذ أمر الناصرىّ في إدبار، وتوجّه جماعة كبيرة من أصحابه الى منطاش، فلمّا رأى الناصرىّ عسكره في قلّة وقد نفر عنه غالب أصحابه، بعث الخليفة المتوكّل على الله إلى منطاش يسأله في الصلح وإحماد الفتنة، فنزل الخليفة

إليه وكلّمه في ذلك، فقال له منطاش: أنا في طاعة السلطان، وهو أستاذى وابن أستاذى، والأمراء إخوتى وما غريمى إلا الناصرىّ، لأنّه حلف لى وأنا بسيواس «1» ثم بحلب ودمشق أيضا بأننا نكون شيئا واحدا، وأن السلطان يحكم في مملكته بما شاء، فلمّا حصل لنا النصر وصار هو أتابك العساكر، استبد بالأمر، ومنع السلطان من التّحكّم، وحجر عليه، وقرّب خشداشيته اليلبغاوية وأبعدنى أنا وخشداشيّتى الأشرفية، ثم ما كفاه ذلك حتى بعثنى لقتال الفلّاحين، وكان الناصرى أرسله من جملة الأمراء إلى جهة الشرقية لقتال العربان، لمّا عظم فساد فلّاحيها. ثم قال منطاش: ولم يعطنى الناصرى شيئا من المال سوى مائة ألف درهم، وأخذ لنفسه أحسن الإقطاعات وأعطانى أضعفها، والإقطاع الذي قرّره لى يعمل فى السنة ستمائة ألف درهم، والله ما أرجع عنه حتى أقتله أو يقتلنى، ويتسلطن ويستبدّ بالأمر وحده من غير شريك، فأخذ الخليفة يلاطفه فلم يرجع له، وقام الخليفة من عنده وهو مصمّم على مقالته، وطلع إلى الناصرى وأعاد عليه الجواب. فعند ذلك ركب الناصرىّ بسائر مماليكه وأصحابه، ونزل بجمع كبير لقتال منطاش وصفّ عساكره تجاه باب السلسلة «2» ، وبرز إليه منطاش أيضا بأصحابه وتصادما وأقتتلا قتالا شديدا، وثبت كلّ من الطائفتين ثباتا عظيما، فخرج من عسكر الناصرى الأمير عبد الرحمن ابن الأتابك منكلى بغا الشمسى صهر الملك الظاهر برقوق بمماليكه، والأمير صلاح الدين محمد بن تنكر نائب الشام، وكان أيضا من خواصّ الملك الظاهر برقوق، وسار صلاح الدين المذكور إلى منطاش ومعه خمسة أحمال نشّاب وثمانون حمل مأكل وعشرة آلاف درهم وانكسر الناصرى وأصحابه وطلع إلى باب السلسلة،

فتراجع أمره، وانضمّ عليه من بقى من خشداشيته اليلبغاوية، وندب لقتال منطاش الأمير أحمد بن يلبغا أمير مجلس ثانيا، والأمير قرادمرداش الأحمدى أمير سلاح، والأمير ألطنبغا المعلّم، والأمير مأمور القلمطاوى حاجب الحجّاب، والجميع يلبغاوية، ونزلوا في جمع موفور من العسكر وصدموا منطاش صدمة هائلة، وأحمى أظهرهم من في القلعة بالرمى على منطاش وأصحابه، فأخذ أصحاب منطاش عند ذلك في الرمى من أعلى المدرسة بالنشّاب والنفط، والتحم القتال، من فوق ومن أسفل، فانكسر عسكر الناصرى ثانيا، وانهزموا إلى باب السلسلة. هذا والعامّة تأخذ النّشّاب من على الأرض وتأتى به منطاش وهو يتقرّب منهم ويترفّق لهم، ويقول لهم: أنا واحد منكم وأنتم إخواننا وأصحابنا، وأشياء كثيرة من هذه المقولة، هذا وهم يبذلون نفوسهم في خدمته ويتلاقطون النّشّاب من الرّميلة مع شدة رمى الناصرى عليهم من القلعة. ثم ظفر منطاش بحاصل للأمير جركس الخليلى الأمير آخور وفيه سلاح كثير ومال، وبحاصل آخر لبكلمش العلائى، فأخذ منطاش منهما شيئا كثيرا، فقوى به، فإنّه كان أمره قد ضعف من قلّة السلاح لا من قلّة المقاتلة، لأن غالب من أتاه بغير سلاح. ثم ندب الناصرىّ لقتاله الأمير مأمورا حاجب الحجّاب والأمير جمق بن أيتمش والأمير قراكسك في عدة كبيرة من اليلبغاويّة وقد لاح لهم زوال دولة اليلبغاوية بحبس الملك الظاهر برقوق، ثم بكسرة الناصرىّ من منطاش إن ثم ذلك؛ فنزلوا إلى منطاش وقد بذلوا أرواحهم، فبرز لهم العامة أمام المنطاشية، وأكثروا من رميهم بالحجارة في وجوههم ووجوه خيولهم حتى كسروهم، وعادوا إلى باب السلسلة.

كلّ ذلك والرمى من القلعة بالنّشّاب والنفوط والمدافع متواصل على المنطاشية، وعلى من بأعلى المدرسة الحسنية، حتى أصاب حجر من حجارة المدفع القبة الحسنية فخرقها، وقتل مملوكا من المنطاشية، فلمّا رأى منطاش شدّة الرمى عليه من القلعة أرسل أحضر المعلّم ناصر الدين محمد بن الطّرابلسى وكان أستاذا في الرمى بمدافع النّفط، فلمّا حضر عنده جرّده من ثيابه ليوسّطه من تأخّره عنه فآعتذر إليه بأعذار مقبولة، ومضى ناصر الدين في طائفة من الفرسان وأحضر آلات النفط وطلع على المدرسة ورمى على الإسطبل السلطانى، حيث هو سكن الناصرى حتى أحرق جانبا من خيمة الناصرى وفرّق جمعهم، وقام الناصرىّ والسلطان الملك المنصور من مجلسهما ومضيا إلى موضع آخر امتنعا فيه، ولم يمض النهار حتى بلغت عدّة فرسان منطاش نحو الألفى مقاتل. وبات الفريقان في تلك الليلة لا يبطلان الرّمى حتى أصبحا يوم الأربعاء وقد جاء كثير من مماليك الأمراء إلى منطاش، ثم خرج من عسكر الناصرى الأمير تمرباى الحسنىّ حاجب الحجّاب، والأمير قردم الحسنى رأس نوبة النّوب في جماعة كبيرة من الأمراء، وصاروا إلى منطاش من جملة عسكره، وغالب هؤلاء الأمراء من اليلبغاوية. ثم ندب الناصرىّ لقتال منطاش الأمير أحمد بن يلبغا أمير مجلس، والأمير قرا دمرداش الأحمدى أمير سلاح، وعيّن منهم جماعة كبيرة، فنزلوا وصدموا المنطاشية صدمة هائلة انكسروا فيها غير مرّة، وابن يلبغا يعود بهم إلى أن ضعف أمره، وانهزم وطلع إلى باب السلسلة، هذا والقوم يتسللون من الناصرى إلى منطاش والعامه تمسك من وجدوه من التّرك ويقولون له: ناصرىّ، أم منطاشىّ فإن قال: ناصرى أنزلوه من على فرسه وأخذوا جميع ما عليه وأتوا به إلى منطاش.

ثم تكاثرث العامة على بيت الأمير أيدكار حتى أخذوه بعد قتال كبير وأتوا به إلى منطاش، فأكرمه منطاش، وبينما هو في ذلك جاءه الأمير ألطنبغا المعلّم بطلبه ومماليكه، وكان من أجل خشداشية الناصرى وأصحابه، وصار من جملة المنطاشية، فسرّ به منطاش. ثم عيّن له ولأيدكار موضعا يقفان فيه ويقاتلان الناصرى منه، وبينما منطاش فى ذلك أرسل إليه الأمير قرادمرداش الأحمدى أمير سلاح يسأله في الحضور إليه طائعا فلم يأذن له، ثم أتاه الأمير بلّوط الصرغتمشى بعد ما قاتله عدّة مرار وكان من أعظم أصحاب الناصرى. ثم حضر إلى منطاش جمق بن أيتمش واعتذر إليه، فقبل عذره، وعظم أمر منطاش، وضعف أمر الناصرىّ، واختل أمره وصار في باب السلسلة بعدد يسير من مماليكه وأصحابه، وندم الناصرىّ على خلع الملك الظاهر برقوق، وحبسه لمّا علم أن الأمر خرج من اليلبغاوية وصار في الأشرفية حيث لا ينفعه الندم. فلمّا أذّن العصر قام الناصرىّ هو وقرادمرداش الأحمدى أمير سلاح وأحمد ابن يلبغا أمير مجلس وآقبغا الجوهرى الأستادار والابغا العثمانى الدوادار والأمير قراكسك في عدّة من المماليك وصعد إلى قلعة الجبل ونزل من باب القرافة، وعند ما قام الناصرىّ من باب السلسلة وطلع القلعة ونزل من باب القرافة أعلم أهل القلعة منطاش فركب في الحال بمن معه وطلع إلى الإسطبل السلطانىّ وملكه ووقع النهب فيه فأخذ من الخيل والقماش شيئا كثيرا وتفرّق الذّعر والعامّة إلى بيوت المنهزمين، فنهبوا وأخذوا ما قدروا عليه ومنعهم الناس من عدّة مواضع وبات منطاش بالإسطبل.

وأصبح من الغد وهو يوم الخميس تاسع عشر شعبان، وطلع إلى القلعة إلى السلطان الملك المنصور حاجى وأعلمه بأنه في طاعته وأنه هو أحقّ بخدمته لكونه من جملة المماليك الذين لأبيه الأشرف شعبان، وأنه يمتثل مرسومه فيما يأمره به وأنه يريد بما فعله عمارة بيت الملك الأشرف- رحمه الله- فسرّ المنصور بذلك هو وجماعة الأشرفية، فإنهم كانوا في غاية ما يكون من الضّيق مع اليلبغاوية من مدّة سنين. ثم تقدّم الأمير منطاش إلى رءوس النّوب بجمع من المماليك وإنزالهم بالأطباق من قلعة الجبل على العادة، ثم قام من عند السلطان ونزل إلى الإسطبل بباب السلسلة، وكان ندب جماعة للفحص على الناصرى ورفقته، ففى حال نزوله أحضر إليه الأمير أحمد بن يلبغا أمير مجلس، والأمير مأمور القلمطاوى، فأمر بحبسهما بقاعة الفضّة من القلعة وحبس معهما أيضا الأمير بجمان المحمّدىّ، وكتب منطاش بإحضار الأمير سودون الفحرىّ الشيخونىّ النائب من ثغر الإسكندرية، ثم قدم عليه الخبر بأنّ الأمراء الذين توجّهوا في أثر الناصرىّ أدركوه بسرياقوس وقبضوا عليه، وبعد ساعة أحضر الأمير يلبغا الناصرىّ بين يديه فأمر به فقيّد وحبس أيضا بقاعة الفضّة، ثم حمل هو والجوبانىّ في آخرين إلى سجن الإسكندرية فحبسوهما «1» ، وأخذ الأمير منطاش يتتبّع أصحاب الناصرىّ وحواشيه من الأمراء والمماليك. فلمّا كان يوم عشرين شعبان قبض على الأمير قرادمرداش الأحمدى أمير سلاح فأمر به منطاش فقيّد وحبس ثم قبض منطاش على جماعة كبيرة من الأمراء، وهم: الأمير ألطنبغا المعلّم، والأمير كشلى القلمطاوى، واقبغا الجوهرىّ، وألطنبغا

الأشرفىّ، وآقبغا العثمانى، وفارس الصرغتمشى، وكمشبغا، وشيخ اليوسفىّ، وعبدوق العلائى، وقيّد الجميع وبعث بهم إلى ثغر الإسكندرية، فحبسوا بها. ثم في حادى عشرينه أنعم منطاش على الأمير إبراهيم بن قطلقتمر الخازندار «1» بإمرة مائة وتقدمة ألف، واستقرّ أمير مجلس عوضا عن أحمد بن يلبغا دفعة واحدة من إمرة عشرة، ثم أخلع السلطان الملك المنصور على الأمير منطاش باستقراره أتابك العسكر ومدبّر الممالك عوضا عن يلبغا الناصرى المقبوض عليه، ثم كتب منطاش أيضا بإحضار قطلوبغا الصّفوىّ نائب صفد، والأمير أسندمر الشرفىّ، ويعقوب شاه وتمان تمر الأشرفىّ، وعيّن لكل منهم إمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية. ثم في ثانى عشرينه قبض على الأمير تمرباى الحسنى حاجب الحجّاب بديار مصر، وعلى الأمير يلبغا المنجكىّ، وعلى إبراهيم بن قطلقتمر أمير مجلس الذي ولّاه فى أمسه، ثم أطلقه وأخرجه على إمرة مائة وتقدمة ألف بحلب لأمر اقتضى ذلك. ثم في ثالث عشرين شعبان المذكور قبض منطاش على أرسلان اللّفّاف، وعلى قراكسك السيفىّ، وأيدكار العمرىّ حاجب الحجّاب، وقردم الحسنىّ، وآقبغا الماردينىّ وعدّة من أعيان المماليك اليلبغاوية وغيرهم. ثم قبض على الطواشى مقبل الزّومىّ الدّوادارى الزّمام، وجوهر اليلبغاوى لالا السلطان الملك المنصور، ثم قبض منطاش على الطواشى صندل الرومىّ المنجكى خازندار الملك الظاهر برقوق وعذّبه على ذخائر برقوق وعصره مرارا حتّى دلّ على شىء كثير، فأخذها منطاش وتقوّى بها.

وفي ثامن «1» عشرينه وصل سودون الشيخونى النائب من سجن الإسكندريّة فأمره منطاش بلزوم بيته. ثم أنفق منطاش على من قاتل معه من الأمراء والمماليك بالتدريج، فأعطى لمائة واحد منهم لكل واحد ألف دينار، وأعطى لجماعة أخر لكلّ واحد عشرة آلاف درهم، ودونهم لكل واحد خمسة آلاف درهم، ودونهم لكل واحد ألف درهم، ودونهم لكلّ واحد خمسمائة درهم. وظهر على منطاش الملل من المماليك الظاهرية والتخوّف منهم، فإنه كان قد وعدهم بأنه يخرج أستاذهم الملك الظاهر برقوق من سجن الكرك إذا انتصر على الناصرىّ، فلم يفعل ذلك، ولا أنعم على واحد منهم بإمرة ولا إقطاع، وإنما أخذ يقرّب خشداشيته ومماليكه وأولاد الناس، فعزّ عليهم ذلك في الباطن، وفطن منطاش بذلك، فعاجلهم بأن عمل عليهم مكيدة، وهى: أنه لمّا كان يوم الثلاثاء ثانى شهر رمضان من سنة إحدى وتسعين وسبعمائة المذكورة طلب سائر المماليك الظاهريّة على أنّه ينظر في أمرهم وينفق عليهم ويترضّاهم، فلمّا طلعوا إلى القلعة أمر منطاش فأغلق عليهم باب القلعة، وقبض على نحو المائتين منهم. حدّثنى السّيفى إينال المحمودى الظاهرى قال: كنت من جملتهم، فلمّا وقفنا بين يدى منطاش ونحن في طمعة النّفقة والإقطاعات، ظهر لى من وجه منطاش الغدر، فتأخّرت خلف خشداشيتى، فلمّا وقع القبض عليهم رميت بنفسى إلى الميدان، ثم منه إلى جهة باب القرافة، واختفيت بالقاهرة. انتهى.

ثم بعث منطاش بالأمير جلبان الحاجب، وبلاط الحاجب، فقبض على كثير من المماليك الظاهريّة، وسجنوا بالأبراج من قلعة الجبل. قلت: لا جرم، فإنه من أعان ظالما سلّط عليه، وفي الجملة أن الناصرىّ كان لحواشى برقوق خيرا من منطاش، غير أنّه لكل شىء سبب، وكانت حركة منطاش سببا لخلاص الملك الظاهر برقوق، وعوده إلى ملكه على ما سيأتى ذكره، ثم أمر منطاش فنودى بالقاهرة أن من أحضر مملوكا من مماليك برقوق فله كذا وكذا، وهدّد من أخفى واحدا منهم. قلت: وما فعله منطاش هو الحزم، فإنّه أزال من يخشاه، وقرّب مماليكه وأصحابه، وكاد أمره أن يتمّ بذلك لو ساعدته المقادير، وكيف تساعده المقادير وقد قدّر بعود برقوق إلى ملكه بحركة منطاش وبركوبه على الناصرىّ. ثم في ثالث شهر رمضان قبض منطاش على سودون النائب وألزمه بمال يحمله إلى خزانته. وفيه شدّد الطلب على المماليك الظاهريّة، وألزم سودون النائب المتقدّم ذكره بحمل ستمائة ألف درهم كان أنعم عليه بها الملك الظاهر برقوق فى أيام سلطنته. ثم خلع على حسين ابن الكورانى بعوده إلى ولاية القاهرة، وحرّضه منطاش على المماليك الظاهريّة. ثم قدمت الأمراء المطلوبون من البلاد الشاميّة، وخلع منطاش عليهم، وأنعم على كلّ منهم بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية دفعة، ولم يسبق لهم قبل ذلك أخذ إمرة عشرة بديار [مصر «1» ] .

وفيه ظفر منطاش بذخيرة كانت للملك الظاهر برقوق بجوار جامع الأزهر. وفيه أفرج منطاش عن الأمير محمود بن على الأستادار بعد ما أخذ منه جملة كبيرة من المال، ثم أمسك منطاش جماعة من أعيان المماليك الظاهريّة ممّن كانوا ركبوا معه في أوائل أمره، وبهم كان استفحل أمره، وأضافهم إلى من تقدّم من خشداشيّتهم، وحبس الجميع بأبراج قلعة الجبل، ولم يرقّ لأحد منهم. قلت: لعله تمثّل بأبيات المتنبى: (الكامل) لا يخدعنّك من عدوّك دمعه ... وارحم شبابك من عدو ترحم لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ... حتى يراق على جوانبه الدم وبينما منطاش في ذلك ورد عليه البريد بخروج الأمير نعير عن الطاعة غضبا للناصرىّ، وأنه اتفق هو وسولى بن دلغادر ونهبا بلادا كثيرة من الأعمال الحلبيّة، فلم يلتفت منطاش إلى ذلك وكتب لهما يستعطفهما على دخولهما تحت الطاعة. ثم بعد أيام ورد البريد أيضا بخروج الأمير بزلار العمرى الناصرى حسن نائب الشام عن طاعة منطاش غضبا للأمير يلبغا الناصرى، فكتب إليه أيضا مكاتبة خشّن له فيها. ثم أخذ منطاش فيما يفعله في أمر دمشق وغيرها- على ما سيأتى ذكره- بعد أن يقعّد له قواعد بمصر، فبدأ منطاش في اليوم المذكور بالقبض على الطواشى صواب السّعدى المعروف بشنكل مقدّم المماليك السلطانية. وخلع على الطواشى جوهر وأعاده لتقدمة المماليك، ثم أنعم على جماعة من حواشيه ومماليكه بإقطاعات كثيرة، وأنعم على جماعة منهم بتقدمة ألف، وهم: ولده الأمير ناصر الدين محمد بن منطاش، وهي أحسن التقادم، والأمير قطلوبغا الصّفوى،

وأسندمر بن يعقوب شاه وتمان تمر الأشرفى وأيدكار العمرى وأسندمر الشرفى رأس نوبة منطاش وجنتمر الأشرفى، ومنكلى باى الأشرفى، وتكا الأشرفى، ومنكلى بغا خازندار منطاش وصراى تمر دوادار منطاش وتمربغا الكريمى، وألطنبغا الحلبىّ ومبارك شاه. ثم أنعم على جماعة كبيرة بإمرة طبلخاناه، وعشرينات وعشرات، فممن أنعم عليه بإمرة طبلخاناه: الشريف بكتمر الحسنى، وأبو بكر بن سنقر الجمالى، ودمرداش القشتمرى وعبد الرحمن بن منكلى بغا الشمسى على عادته أوّلا، وجلبان السعدى، وآروس بغا صلغيه وإبراهيم بن طشتمر الدوادار وسربغا الناصرى، وتنكز الأعور الأشرفى، وصراى تمر الأشرفى، وآقبغا المنجكى، وملكتمر «1» المحمدى، وقرابغا السيفى، وقطلوبغا الزينى، وتمربغا المنجكى وأرغون شاه السيفى ومقبل السيفى منطاش أمير سلاح وطيبرس السيفى رأس نوبة، وبيرم خجا الأشرفى، وألطنبغا الجربغاوى، ومنجك الزينى، وبزلار الخليلىّ، ومحمد بن أسندمر العلائى؛ وطشبغا السيفى منطاش، وإلياس الأشرفى، وقطلوبغا السيفى، وشيخون الصرغتمشى، وجلبان السيفى، وألطنبغا الطازى، وإسماعيل السيفى، وحسين بن الكورانى. وأنعم على كل ممّن يدكر بإمرة عشرين «2» ، وهم: غريب الخطائى وبايجى الأشرفى، ومنكلى بغا الجوبانى، وقرابغا الأحمدى، وآق كبك «3» السيفى، وفرج شادّ الدواوين، ورمضان السيفى، ومحمد بن مغلطاى المسعودى والى مصر. وأنعم على كل ممن يذكر بإمرة عشرة «4» : صلاح الدين محمد بن تنكز، زيادة على ما بيده، وخضر بن عمر بن بكتمر الساقى، ومحمد بن يونس الدوادار، وعلىّ

الجركتمرى، ومحمد بن رجب بن محمد التركمانى، ومحمد بن رجب بن جنتمر من عبد الغنى وجوهر الصلاحى، وإبراهيم بن يوسف بن برلغى ولؤلؤ العلائى الطواشى، وتنكز العثمانى وصراى تمر الشرفى الصغير، ومنكلى بغا المنجكى، وآق سنقر الأشرفى، رأيت أنا المذكور في دولة الملك الأشرف برسباى في حدود سنة ثلاثين وثمانمائة وقد شاخ وجاركس القرابغاوى، وأسنبغا التاجى، وسنقر السيفى، وكزل الجوبانى، وقرابغا الشهابى، وبك بلاط الأشرفى، ويلبغا التركمانى، وأرنبغا الأشرفى، وحاجى اليلبغاوى، وأرغون الزينى، ويلبغا الزينىّ وتمر الأشرفى وجنبغا الشرفى، وجقمق السيفى، وأرغون شاه البكلمشى، وألطنبغا الأشقر، وصراى السيفى، وألطنبغا الإبراهيمى، وآقبغا الأشرفى وألجيبغا السيفى. انتهى. ثم في خامس عشر شهر رمضان نودى على الزّعر بالقاهرة ومصر من حمل منهم سيفا أو سكّينا أو شالق بحجر وسّط وحرّض الموالى عليهم، فقطع أيدى ستة منهم فى يوم واحد. وفي يوم عشرين شهر رمضان ورد البريد بأن بزلار نائب الشام مسكه الأمير جنتمر أخو طاز فكاد منطاش أن يطير من الفرح بذلك، لأن بزلار كان من عظماء الملوك «1» ممن كان الملك الظاهر برقوق يخافه، ونفاه إلى الشام، فوافق الناصرىّ، فولاه الناصرى نيابة الشام دفعة واحدة مخافة من شرّه، وكان من الشجعان حسب ما يأتى ذكره في الوفيات. ولمّا أن بلغ منطاش هذا الخبر قلع السلاح عنه وأمر أمراءه ومماليكه بقلع السلاح، فإنهم كانوا في هذه المدّة الطويلة لابسين السلاح في كلّ يوم. ثمّ في الحال قبض منطاش على جمق بن أيتمش البجاسىّ وعلى بيرم العلابى رأس نوبة أيتمش.

وفيه قدم سيف الأمير بزلار المقدّم ذكره، وكان من خبره أن منطاش لمّا انتصر على الناصرىّ وملك مصر أرسل إلى الأمير بزلار المذكور بحضوره إلى مصر فى ثلاثة سروج لا غير على البريد، فأجابه بزلار: لا أحضر اليه إلا في ثلاثين ألف مقاتل، وخاشنه في ردّ الجواب، وخرج عن طاعته، فخادعه منطاش حسب ما تقدّم ذكره، وكتب في الباطن للأمير جنتمر أخى طاز أتابك دمشق بنيابة دمشق إن قبض على بزلار المذكور ثم سيّر، إليه التشريف بذلك، وكتب إليه أن محمد ابن بيدمر يكون أتابك دمشق عوضه، وجبريل حاجب حجّاب دمشق، فلمّا بلغ جنتمر ذلك عرّف الأمراء المذكورين الخبر، واتّفق مع جماعة أخر من أكابر أمراء دمشق وركبوا على بزلار المذكور على حين غفلة وواقعوه، فلم يثبت لهم، وانكسر ومسك وحبس بقلعة دمشق، وأرسل جنتمر سيفه إلى منطاش، واستقرّ عوضه فى نيابة دمشق، فسرّ منطاش بذلك غاية السرور. فلم يتّم سروره، وقدم عليه الخبر بما هو أدهى وأمرّ، وهو خروج الملك الظاهر برقوق من سجن الكرك، وأنه استولى على مدينتها ووافقه نائبها الأمير حسام الدين حسن الكجكنى، وقام بخدمته وقد حضر إلى الملك الظاهر برقوق ابن خاطر أمير بنى عقبة من عرب الكرك ودخل في طاعته، وقدم هذا الحبر من ابن باكيش نائب غزة، فلمّا سمع منطاش ذلك كاد يهلك واضطربت الديار المصرية، وكثرت القالة بين الناس، واختلفت الأقاويل، وتشغّب الذعر وكان من خبر الملك الظاهر برقوق أن منطاش لمّا وثب على الأمير وأقهر الأتابك يلبغا الناصرى وحبسه وحبس عدّة من أكابر الأمراء، عاجل في أمر الملك الظاهر برقوق بأن بعث إليه شخصا يعرف بالشهاب البريدى ومعه كتب للأمير حسام الدين الكجكنى نائب الكرك وغيره بقتل الملك الظاهر برقوق من غير مراجعة، ووعده بأشياء غير نيابة الكرك،

وكان الشهاب البريدىّ أصله من الكرك، وتزوج ببنت قاضى الكرك القاضى عماد الدين أحمد بن عيسى المقيّرىّ الكركى، ثم وقع بين الشهاب المذكور وبين زوجته، فقام أبوها عليه حتى طلّقها منه، وزوجها بغيره، وكان الشهاب مغرما بها، فشقّ ذلك عليه، وخرج من الكرك وقدم مصر وصار بريديّا وضرب الدهر ضرباته حتى كان من أمر منطاش ما كان، فاتصل به الشهاب المذكور ووعده أنه يتوجّه لقتل الملك الظاهر برقوق، فجهزه منطاش لذلك سرّا وكتب على يده إلى الأمير حسام الدين الكجكنى نائب الكرك كتبا بذلك وحثّه على القيام مع الشهاب المذكور على قتل برقوق وأنه ينزله بقلعة الكرك ويسكنه بها حتى يتوصّل لقتل الملك الظاهر برقوق. وخرج الشهاب من مصر ومضى إلى نحو الكرك على البريد حتى وصل قرية المقيّر «1» بلد صهره القاضى عماد الدين قاضى الكرك الذي أصله منها، فنزل بها الشهاب ولم يكتم ما في نفسه من الحقد على القاضى عماد الدين، وقال: والله لأخربن دياره وأزيد في أحكار أملاكه وأملاك أقاربه بهذه القرية وغيرها، فاشتوحش قلوب الناس وأقارب عماد الدين من هذه الكلام وأرسلوا عرّفوه بقصد الشهاب وما جاء بسببه قبل أن يصل الشهاب إلى الكرك، ثم ركب الشهاب من المقيّر وسار إلى الكرك حتى وصلها في الليل، وبعث للنائب من يصيح به من تحت السور، فمنعوه من ذلك، وأحسّ الكجكنى بالأمر، فلمّا أصبح أحضره إلى دار السعادة، وقرأ كتاب السلطان الذي على يده، وكتاب منطاش ومضمونهما أمور أخر غير قتل الظاهر برقوق؛ فامتثل النائب ذلك بالسمع والطاعة.

فلمّا انفضّ الناس أخرج الشهاب إليه كتاب منطاش الذي بقتل برقوق، فأخذه الكجكنى منه ليكون له حجّة عند قتله السلطان برقوق، ووعده بقضاء الشغل، وأنزل الشهاب بمكان قلعة الكرك قريبا من الموضع الذي فيه الملك الظاهر برقوق، بعد أن استأنس به، ثم قام الكجكنى من فوره ودخل إلى الملك الظاهر برقوق ومعه كتاب منطاش الذي بقتله، فأوقفه على الكتاب، فلمّا سمعه الملك الظاهر كاد أن يهلك من الجزع، فخلف له الكجكنى بكل يمين أنه لا يسلّمه لأحد ولو مات، وأنه يطلقه ويقوم معه، وما زال به حتى هدأ ما به، وطابت نفسه، واطمأنّ خاطره. هذا وقد اشتهر في مدينة الكرك بمجيء الشهاب بقتل الملك الظاهر برقوق لخفّة كانت في الشهاب المذكور، وأخذ القاضى عماد الدين يخوّف أهل الكرك عاقبة قتل الملك الظاهر برقوق وينفّرهم عن الشهاب حتى خافوه وأبغضوه، وكان عماد الدين مطاعا في أهل بلده، مسموع الكلمة عندهم لما كانوا يعهدون من عقله وحسن رأيه، وثقل الشهاب على أهل الكرك إلى الغاية، وأخذ الشهاب يلحّ على الأمير حسام الدين نائب الكرك في قتل الملك الظاهر برقوق، وبقى النائب يسوّف به من وقت إلى وقت، ويدافعه عن ذلك بكلّ حجّة وعذر فزاد الشهاب فى القول حتى خاشنه في اللفظ، فعند ذلك قال له الكجكنى: هذا شىء لا أفعله بوجه من الوجوه حتى أكتب إلى مصر بما أعرفه وأسأل عن ذلك ممّن أثق به من أصحابى من الأمراء. ثمّ أرسل البريد إلى مصر أنه لا يدخل في هذا الأمر، ولكن يحضر إليه من يتسلّمه منه ويفعل فيه ما يرسم له به، وكان في خدمة الملك الظاهر غلام من أهل الكرك يقال له: عبد الرحمن، فنزل إلى جماعة في المدينة وأعلمهم أن الشهاب قد حضر،

لقتل أستاذه الملك الظاهر، فلمّا سمعوا ذلك اجتمعوا في الحال؛ وقصدوا القلعة وهجموها حتى دخلوا إلى الشهاب المذكور وهو بسكنه من قلعة الكرك، ووثبوا عليه وقتلوه، ثم جرّوه برجله إلى الباب الذي فيه الملك الظاهر برقوق، وكان نائب الكرك الكجكنى عند الملك الظاهر، وقد ابتدءوا في الإفطار بعد أذان المغرب، وهي ليلة الأربعاء عاشر شهر رمضان من سنة إحدى وتسعين وسبعمائة المقدّم ذكرها، فلم يشعر الملك الظاهر والكجكنى إلا وجماعة قد هجموا عليهم وهم يدعون للملك الظاهر بالنصر؛ وأخذوا الملك الظاهر بيده حتى أخرجوه من البرج الذي هو فيه، وقالوا له: دس بقدمك عند رأس عدوّك، وأروه الشهاب مقتولا، ثم نزلوا به إلى المدينة فدهش النائب ممّا رأى، ولم يجد بدا من القيام في خدمة الملك الظاهر وتجهيزه، وانضمّ على الملك الظاهر أقوام الكرك وأجنادها، وتسامع به أهل البلاد، فأتوه من كلّ فجّ بالتقادم والخيول، كلّ واحد بحسب حاله، وأخذ أمر الملك الظاهر برقوق من يوم ذلك في استظهار على ما سيأتى ذكره. وأمّا أمر منطاش فإنه لمّا سمع هذا الخبر وتحقّقه علم أنه وقع في أمر عظيم، فأخذ في تدبير أحواله، فأوّل ما ابتدأ بمسك الأمير قرقماس الطشتمرى الخازندار، وأحد أمراء الألوف بديار مصر، وبمسك الأمير شاهين الصرغتمشى أمير آخور، وبمسك قطلوبك أستادار الأتابك أيتمش البجاسىّ، وعلى جماعة كبيرة من المماليك الظاهريّة، وتداول ذلك منه أياما. ثم أنعم منطاش على جماعة من الأمراء بأموال كثيرة، ورسم بسفر أربعة آلاف فارس إلى مدينة غزّة صحبة أربعة أمراء من مقدّمى الألوف بالديار المصرية، وهم: أسندمر اليوسفى، وقطلوبغا الصفوى، ومنكلى باى الأشرفىّ، وتمربغا الكريمى، وأنفق في كلّ أمير منهم مائة ألف درهم فضّة، ثم عيّن منطاش مائة مملوك

للسفر صحبة أمير الركب إلى الحجاز، واسمرّ منطاش في عمل مصالحه إلى أن كان يوم سابع شوّال خلع السلطان الملك المنصور على الأمير منطاش المذكور، وفوّض إليه تدبير الأمور، وصار أتابك العساكر كما كان يلبغا، أراد منطاش بذلك إعلام الناس أنه ليس له غرض في السلطنة، وأنه في طاعة الملك المنصور ابن أستاذه. ثمّ خلع الملك المنصور أيضا على الأمير قطلوبغا الصّفوى المقدّم ذكره في الأربعة أمراء المعينين للسفر باستقراره أمير سلاح، وعلى تمان تمر الأشرفىّ باستقراره رأس نوبة النوب، وعلى أسندمر بن يعقوب شاه أمير مجلس، وعلى ألطنبغا الحلبى دوادارا كبيرا، وعلى تكا الأشرفىّ رأس نوبة ثانيا بتقدمة ألف وعلى إلياس الأشرفىّ أمير آخور بإمرة طبلخاناه، وعلى أرغون شاه السيفى رأس نوبة ثالثا بإمرة طبلخاناه، وعلى تمربغا المنجكى رأس نوبة، رابعا بإمرة طبلخاناه، وعلى قطلوبغا الأرغونى أستدارا، وعلى جقمق شادّ الشراب خاناه، ثم خلع على تمان تمر رأس نوبة بنظر البيمارستان المنصورى، وعلى ألطنبغا الحلبى الدوادار الكبير بنظر الأحباس، ثم بطل أمر التجريدة المعيّنة إلى غزة خوفا من المماليك لئلا يذهبوا للملك الظاهر برقوق. ثم في تاسع شوّال خلع على الأمير أيدكار باستقراره حاجب الحجاب وعلى أمير حاج بن مغلطاى حاجبا ثانيا بتقدمة ألف. وفيه سمّر منطاش أربعة من الأمراء، وهم: سودون الرمّاح أمير عشرة، ورأس نوبة، والطنبغا أمير عشرة أيضا، وأميران من الشام، ووسّطوا بسوق الخليل في عاشره لميلهم إلى الملك الظاهر برقوق. ثم أخلع منطاش على تنكز الأعور باستقراره في نيابة حماة عوضا عن طغاى تمر القبلاوى، وفيه حمل جهاز خوند بنت الملك الأشرف شعبان أخت الملك المنصور،

هذا لتزفّ على الأمير الكبير منطاش، وكان على خمسمائة جمل وعشرة قطر بغال، ومشى الحجاب وغالب الأمراء أمام الجهاز، فخلع عليهم منطاش الخلع السّنيّة، وبنى بها من ليلته، بعد أن اهتمّ بالعرس اهتماما زائدا، وعند ما زفّت إليه علّق منطاش على شربوشها دينارا زنته مائتا مثقال، ثم ثانى مرّة دينارا زنته مائة مثقال وفتح للقصر بابا من الإسطبل بسبب ذلك بجوار باب السرّ، هذا مع ما كان منطاش فيه من شغل السرّ من اضطراب المملكة بعد مسكه الناصرىّ وغيره. وفيه أخرج عدّة من المماليك الظاهريّة إلى قوص «1» ، وبينما منطاش في ذلك قدم عليه الخبر بأن الأمراء المقيمين بمدينة قوص من المنفيّين قبل تاريخه خرجوا عن الطاعة، وقبضوا على والى قوص، وحبسوه واستولوا على مدينة قوص، وانضم عليهم جماعة كبيرة من عصاة العربان، فندب منطاش لقتالهم تمربغا الناصرى وبيرم خجا، وآروس بغا من أمراء الطبلخاناة في عدّة مماليك. ثم قدم عليه الخبر بأن الأمير كمشبغا الحموى اليلبغاوى نائب حلب خرج عن الطاعة، وأنه قبض على جماعة من أمراء حلب بعد أن حارب إبراهيم بن قطلقتمر الخازندار، وقبض عليه ووسّطه هو وشهاب الدين أحمد بن أبى الرضا قاضى قضاة حلب الشافعى بعد أن قاتلوه ومعهم أهل بانقوسا «2» ، فلمّا ظفر بهم كمشبغا المذكور قتل منهم عدّة كبيرة.

قلت: وإبراهيم بن قطلقتمر هذا هو صاحب الواقعة مع الملك الظاهر برقوق لمّا اتفق مع الخليفة هو وقرط الكاشف على قتل الملك الظاهر، وقبض عليهما الظاهر، وعزل الخليفة وحبسه سنين، وقد تقدّم ذكر ذلك كله، وهو الذي أنعم عليه منطاش في أوائل أمره بإمرة مائة، وتقدمة ألف بمصر، وجعله أمير مجلس عوضا عن أحمد بن يلبغا، ثم أخرجه بعد أيام من مصر خوفا من شرّه إلى حلب على إمرة مائة وتقدمة ألف، فدام بها إلى أن كانت منيّته على يد كمشبغا هذا. ثم قدم الخبر على منطاش بأن الأمير حسام الدين حسن بن باكيش نائب غزّة جمع العشران وسار لمحاربة الملك الظاهر برقوق، فسرّ منطاش بذلك، وفي اليوم ورد عليه الخبر أيضا بقوّة شوكة الأمراء الخارجين عن طاعته ببلاد الصعيد، فأخرج منطاش في الحال الأمير أسندمر بن يعقوب شاه أمير مجلس في نحو خمسمائة فارس نجدة لمن تقدّمه من الأمراء إلى بلاد الصعيد، فسار أسندمر بمن معه في ثالث عشرينه، وفي يوم مسيره ورد البريد من بلاد الصعيد باتفاق ولاة الصعيد مع الأمراء المذكورين. وكان من خبرهم أنه لمّا استقر أبو درقة في ولاية أسوان سار إلى ابن قرط، واتّفق معه على المخامرة، وسار معه إلى قوص، وأفرج عمن بها من الأمراء المقدّم ذكرهم. وكان عدّة الأمراء الذين بقوص زيادة على ثلاثين أميرا، وعدّة كبيرة من المماليك السلطانية الظاهرية، فلما بلغ خبرهم الأمير مبارك شاه نائب الوجه القبلى اجتمع معه أيضا نحو ثلثمائة مملوك من الظاهرية واتفقوا على المخامرة أيضا، واستمال مبارك شاه عرب هوّارة وعرب ابن الأحدب، فوافقوه، واستولوا على البلاد، فلمّا خرجت تجريدة منطاش الأولى لهم انتهت إلى أسيوط، فقبض عليهم مبارك شاه المذكور، وأفرج عمّن كان معهم من المماليك الظاهرية؛ فلما بلغ

منطاش ذلك أخرج أسندمر بن يعقوب شاه كما تقدّم ذكره، وسار اليهم من الشرق، وتوجّه إلى جهة الصعيد بمن معه، فلقيه الخارجون عن الطاعة، فواقعهم أسندمر بمن معه، فكسروه، فرسم منطاش بخروج نجدة لهم من الأمراء والمماليك وأجناد الحلقة، وبينما هو في تجهيز أمرهم جاء الخبر أن أسندمر واقع مبارك شاه ثانيا وكسره، وقبض عليه، وأرسله إلى منطاش. فقدم مقيدا، فرسم منطاش بحبسه في خزانة شمائل «1» . ثمّ في يوم سابع عشرينه عيّن منطاش تجريدة إلى جهة الكرك فيها أربعة وقيل خمسة أمراء من مقدّمى الألوف، وثلاثمائة مملوك، ثم أخرج منطاش الأمير بلّوط الصرغتمشى، والأمير غريب لكشف أخبار الملك الظاهر برقوق بالكرك. وأما الملك الظاهر برقوق فإنه لما أنزله عوامّ الكرك من قلعتها إلى المدينة وقاموا فى خدمته، وأتته العربان، وصار في طائفة كبيرة، ووافقه أيضا أكابر أهل الكرك، فقوى شوكته بهم، وعزم على الخروج من الكرك، وبرّز أثقاله إلى ظاهر الكرك، فاجتمع عند ذلك أعيان الكرك عند القاضى عماد الدين أحمد بن عيسى المقيّرى قاضى الكرك وكلموه في القيام على الملك الظاهر برقوق مراعاة للملك المنصور حاجّى، وللأمير منطاش، واتفقوا على قبضه وإعلام أهل مصر بذلك، وأنهم يعتذرون لمنطاش أنه لم يخرج من حبسه بالكرك إلا باجتماع السفهاء من أهل الكرك، ليكون ذلك عذرا لهم عند السلطان، وبعثوا ناصر الدين محمدا أخا القاضى عماد الدين المذكور، فأغلق باب المدينة، وبقى الملك الظاهر برقوق داخل المدينة وحيل بينه وبين أثقاله ومعظم أصحابه.

فلمّا قام الملك الظاهر برقوق ليركب فرسه بلغه ذلك، وكان القاضى علاء الدين علىّ كاتب سر الكرك، وهو أخو القاضى عماد الدين يكتب للملك الظاهر فى مدة خروجه من حبس الكرك، وبالغ في خدمته، وانضمّ عليه، فلما رأى ما نزل بالملك الظاهر وبلغه اتفاق أهل المدينة مع أخيه القاضى عماد الدين على القبض على الملك الظاهر برقوق أعلم الملك الظاهر بذلك، وقوى قلبه، وحرّضه على السير إلى باب المدينة، فركب معه برقوق، وسار حتى وصل إلى الباب وجده مغلقا وأخوه ناصر الدين قائم عند الباب، كما أمره أخوه عماد الدين قاضى الكرك، فما زال علاء الدين بأخيه ناصر الدين المذكور حتى فتح له الباب، وخرج بالملك الظاهر منه ولحق ببقية أصحابه ومماليكه الذين كانوا حضروا إليه من البلاد الشامية، فأقام الملك الظاهر بالتّنية «1» خارج الكرك يوما واحدا، وسأر من الغد في يوم ثانى عشرين شوال الى نحو دمشق، ونائبها يوم ذاك جنتمر أخو طاز، وقد وصل إليه الأمير الطنبغا الحلبى من مصر نائبا بحلب عوضا عن الأمير كمشبغا الحموى، فاستعدّوا لقتال الملك الظاهر، ومعهما أيضا حسام الدين حسن بن باكيش نائب غزة مساكرها. ثم أقبل الملك الظاهر برقوق بمن معه، فالتقوا على شقحب «2» قريبا من دمشق، واقتتلوا قتالا شديدا، كسروا فيه الملك الظاهر غير مرّة، وهو يعود إليهم ويقاتلهم إلى أن كسرهم، وانهزموا إلى دمشق وقتل منهم ما يزيد على الألف، قاله المقريزى،

فيهم خمسة عشر أميرا، وقتل من أصحاب الملك الظاهر ستون نفسا، ومن أمرائه سبعة نفر، فهى أعظم وقعة كانت للملك الظاهر برقوق في عمره. وركب الملك الظاهر أقفية الشاميين إلى دمشق، فامتنع جنتمر بقلعة دمشق، وتوجّه من أمراء دمشق ستة وثلاثون أميرا، ونحو ثلاثمائة وخمسين فارسا وقد أثخنوا بالجراحات ومعهم نائب صفد وقصدوا الديار المصرية. فلم يمص غير يوم واحد حتى عاد ابن باكيش نائب غزّة بجماعة كبيرة من العربان والعشير لقتال الملك الظاهر، وبلغ الملك الظاهر ذلك فأرسل الوالد وقلمطاى لكشف الخبر، فعادا إليه بسرعة بحضور ابن باكيش، فركب الملك الظاهر في الحال وخرج إليه والتقى معه وقاتله حتى كسره، وأخذ جميع ما كان معه من الأثقال والخيول والسلاح، تقوّى الملك الظاهر بذلك، وأتاه عدة كبيرة من مماليكه الذين كانوا بالبلاد الشامية في خدمة أمراء الشام، ثم دخل في طاعته الأمير جبريل حاجب حجاب دمشق، وأمير على بن أسندمر الزّينى، وجقمق الصفوىّ، ومقبل الرومى، وصاروا من جملة عسكره، فعند ذلك ركب الملك الظاهر إلى دمشق، وحصرها وأحرق القبيبات وأخربها، فهلك في الحريق خلق كبير وأخذ أهل دمشق في قتال الملك الظاهر برقوق، وأفحشوا في أمره بالسب والتوبيخ، وهو لا يفترّ عن قتالهم؛ وبينما هو في ذلك أتاه المدد من الأمير كمشبغا الحموىّ نائب حلب ومن جملة المدد ثمانون مملوكا من المماليك الظاهريّة البرقوقية، فلما بلغ جنتمر مجينهم أخرج إليهم من دمشق خمسمائة فارس ليحيلوا بينهم وبين الملك الظاهر، فقاتلتهم المماليك الظاهريّة وكسرتهم، وأخذوا جميع ما كان معهم، وأتوا بهم إلى أستاذهم الملك الظاهر، ففرح بهم غاية الفرح.

قال الوالد: فعند ذلك قوى أمرنا، واستفحل واستمرّوا على حصار دمشق وبينما هم في ذلك وإذا بنعير قد أقبل في عربانه يريد قتال الملك الظاهر برقوق، فخرج الملك الظاهر وقاتله فكسره، واستولى على جميع ما كان معه فقوى الملك الظاهر بما صار إليه من هذه الوقائع من الخيل والسلاح وصار له برك كبير بعد ما كان معه خيمة صغيرة لا غير، وكانت مماليكه في أخصاص، وكلّ منهم هو الذي يخدم فرسه بنفسه. والآن فقد صاروا بالخيم والسلاح والغلمان، هذا ومماليك الملك الظاهر يتداول مجيئهم إليه شيئا بعد شىء ممن كان نفاهم الناصرى ومنطاش إلى البلاد الشامية. ووصل الخبر بهذه الوقائع كلّها إلى منطاش في خامس عشر ذى القعدة، فقامت قيامة منطاش لما سمع هذه الأخبار وأخذ في تجهيز الملك المنصور حاجىّ للسفر لبلاد الشام لقتال الملك الظاهر برقوق، وأمر الوزير موفّق الدين بتجهيز ما يحتاج إليه السلطان، فلم يجد في الخزانة ما يجهّز به السلطان، واعتذر بأنّ المال انتهب وتفرّق في هذه الوقائع فقبل عدره وسأل منطاش قاضى القضاة صدر الدين المناوى الشافعى. وكان ولّاه قضاء القضاة قبل تاريخه بمدة يسيرة بعد عزل ناصر الدين ابن بنت الميلق. وقال له: أقرضنى مال الأيتام، وكانت إذ ذاك أموالا كثيرة، فامتنع المناوى من ذلك، ووعظه فلم يؤثر فيه الوعظ، وختم على جميع مال الأيتام، ثم رسم منطاش لحاجب الحجّاب ولناصر الدين محمد بن قرطاى نقيب الجيش بتفرقة النقباء على أجناد الحلقة، وحثّهم على التجهيز للسفر، وبينما هم في ذلك قدم عليه الخبر بكسرة ابن باكيش نائب غزة ثانيا من الملك الظاهر برقوق، وأخذ الملك الظاهر ما كان معه، فاشتدّ عند ذلك الاضطراب وكثر الإرجاف ووقع الاهتمام بالسفر، وأزعج أجناد الحلقة، واستدعى منطاش الخليفة المتوكّل

على الله والقضاة، والشيخ سراج الدين عمر البلقينى، وأعيان الفقهاء، ورتبو صورة فتيا في أمر الملك الظاهر برقوق، وانفضوا من غير شىء وفي اليوم ورد على منطاش واقعة صفد، وكان من خبرها أن مملوكا من مماليك الملك الظاهر برقوق يقال له يلبغا السالمىّ كان أسلمه الظاهر إلى الطواشى بهادر الشهابى مقدّم المماليك، فرباه بهادر ورتّبه خازنداره واستمرّ على ذلك إلى أن نفى الملك الظاهر بهادر إلى البلاد الشامية، فصار يلبغا السالمى المذكور عند صواب السعدى شنكل لمّا استقر مقدم المماليك بعد بهادر المذكور، وصار دواداره الصغير، فلما قبض الناصرىّ على شنكل المذكور، خدم يلبغا السالمىّ هذا عند الأمير قطلوبك النظامى نائب صفد، وصار دواداره، وسار مع أهل صفد سيرة حميدة إلى أن قدم إلى صفد خبر الملك الظاهر برقوق، وخروجه من حبس الكرك، جمع النظامى عسكر صفد ليتوجّه بهم إلى نائب دمشق نجدة على الظاهر، وأبقى يلبغا السالمى بالمدينة، فقام يلبغا السالمى في طائفة من المماليك الذين استمالهم، وأفرج عن الأمير إينال اليوسفى نائب حلب كان، وعن الأمير قجماس ابن عم السلطان الملك الظاهر برقوق، ونحو المائتين من المماليك الظاهرية من سجن صفد ونادى بشعار الملك الظاهر برقوق وأراد القبض على الأمير قطلوبك النّظامى، فلم يثبت النظامى، وفرّ في مملوكين فاستولى السالمىّ ومن معه على مدينة صفد وقلعتها، وصار الأمير إينال اليوسفى هو القائم بمدينة صفد، والسالمى في خدمته، وأرسلوا إلى الملك الظاهر بذلك، وكان هذا الخبر من أعظم الأمور على منطاش، وزاد قلقه. وكثرت مقالة الناس في أمر الملك الظاهر، ثم تواترت الأخبار بأمر الملك الظاهر وفي حادى عشرينه ورد الخبر على منطاش بوصول نائب غزة حسام الدين بن باكيش وصحبته الأمير قطلوبك النّظامى نائب صفد المقدّم ذكره. والأمير محمد

ابن بيدمرى أتابك دمشق، وخمسة وثلاثون أميرا من أمراء دمشق، وجمع كبير من الأجناد قد هزموا الجميع من الملك الظاهر برقوق، وقدموا إلى القاهرة وهم الذين قاتلوا برقوقا مع جنتمر نائب الشام، وقد تقدّم ذكر الواقعة، فرسم منطاش بدخولهم القاهرة. وفي هذا اليوم استدعى منطاش الخليفة المتوكل على الله والقضاة والعلماء بسبب الفتيا في الملك الظاهر برقوق وفي قتاله، فكتب ناصر الدين الصالحى موقّع الحكم فتيا في الملك الظاهر برقوق تتضمّن: عن رجل خلع الخليفة والسلطان وقتل شريفا في الشهر الحرام والبلد الحرام وهو محرم، يعنى عن أحمد بن عجلان صاحب مكة، واستحل أخذ أموال الناس وقتل الأنفس وأشياء غير ذلك، ثم جعل الفتيا عشر نسخ، فكتب جماعة من الأعيان والقضاة. ثم رسم منطاش بفتح سجن قديم بقلعة الجبل كان قد ارتدم وسجن فيه عدّة من المماليك الظاهرية المقبوض عليهم قبل تاريخه ثم وجد منطاش ذخيرة بالقاهرة للأمير جركس الخليلى في بيت جمال الدين أستاداره: فيها خمسمائة ألف درهم، ونحو خمسين ألف دينار، فأخذها منطاش، ثم أخذ أيضا من مال ابن جركس الخليلى نحو ثلثمائة ألف دينار مصرية. ودخل الأمراء المنهزمون من الشام إلى القاهرة، وهم قطلوبك النّظامى نائب صفد، وتنكز الأعور نائب حماة، ومحمد بن أيدمر أتابك، دمشق، ويلبغا العلائى أحد مقدّمى دمشق، وآقباى الأشرفى نائب قلعة الروم، ومن الطبلخانات دمرداش الأطروش والى الولاة، وأحمد بن تنكز، وجوبك الخاصكى الأشرفى، وقطلوبك جنجق وخير بك. ومن العشرنيات آقبغا الوزيرى وأزدمر القشتمرى وقنق الزّينى، ومنكلى بغا الناصرى، وآقبغا الإبنالى وأحمد بن ياقوت، ومن

العشرات أسنبغا العلائى، وطغاى تمر الأشرفى ومصطفى البيدمرى، وقرابغا السيفى من أمراء صفد، وتغرى برمش الأشرفى، ومنجك الخاصّكى وقجقار السيفى. ومن أمراء حماة جنتمر الإسعردىّ، وألطنبغا الماردينى، وبكلمش الأرغونى القرمى، وأسنبغا الأشرفى، وحسين الأيتمشى، ومن المماليك عدّة مائتين وعشرين نفرا. وفي يوم قدم هؤلاء أفرج منطاش عن الأمير قرقماس الطشتمرى، واستقر خازندارا على عادته، وعن شيخ الصفوى الخاصكى، وعن أرغون السلامىّ، ويلبغا اليوسفى، ونزلوا إلى دورهم. ثم نودى بأمر منطاش أن الفقهاء والكتّاب لا يركب أحد منهم فرسا، وأن الكتّاب الكبار يركبون البغال. ثم رسم بأخذ أكاديش الحمّالين وخيل الطواحين الجياد، ورسم بتتبّع المماليك الجراكسة، فطلبهم حسين بن الكورانى وأخذهم من كل موضع. ثم رسم منطاش بتخشيب المماليك الظاهرية المسجونين بقلعة الجبل في أيديهم وأرجلهم. ثم في حادى عشرينه. اجتمع الأمراء وأهل الدولة مع الأمير منطاش واتّفقوا على استبداد السلطان الملك المنصور حاجّى بالأمر، وأثبتوا رشده بحضرة القضاة والخليفة فرسم السلطان بتعليق الجاليش على الطبلخاناه ليعلم الناس بسفر السلطان إلى الشام لقتال الملك الظاهر برقوق. ثم أحضر منطاش نسخ الفتوى في الملك الظاهر برقوق وقد أزيد فيها واستعان على قتال المسلمين بالكفّار وحضر الخليفة المتوكّل على الله والقضاة الأربعة والشيخ سراج الدين عمر البلقينىّ وولده جلال الدين عبد الرحمن قاضى العسكر وابن خلدون المالكى وابن الملقّن وقاضى القضاة بدر الدين محمد بن أبى البقاء

وجماعة أخر، فحضر الجميع بحضرة السلطان الملك المنصور بالقصر «1» الأبلق وقدّمت إليهم الفتوى فكتبوا عليها بأجمعهم كتابة شنيعة على قدر النهى وانصرفوا إلى منازلهم. ثم نودى على أجناد الحلقة للعرض وهدّد من تأخر منهم وكتب لعرب البحيره بالحضور للسفر مع السلطان إلى الشام. ثم خلع منطاش على أمير حاج بن مغلطاى الحاجب باستقراره أستادارا. ثم أنعم السلطان على الأمراء القادمين من الشام لكل أمير مائة ومقدم ألف بفرس بقماش ذهب ولمن عداهم بأقبية ورتّب لهم اللحم والجامكيات والعليق وأخذ منطاش يستعطفهم بكل ما تصل إليه القدرة. وفي سابع عشرينه أخليت خرانة الخاص بالقلعة وسدّت شبابيكها وبابها وفتح من سقفها طاقة وعملت سجنا للمماليك الظاهرية. ثم في يوم السبت أوّل ذى الحجة من سنة إحدى وتسعين وسبعمائة قدم الخبر على منطاش من الصعيد بأن العسكر الذي مع أسندمر بن يعقوب شاه واقع الأمراء الظاهرية بمدينة قوص «2» وكسرهم وقبض عليهم فسر منطاش بذلك وخفّ عنه بعض الأمر ودقّت البشائر لذلك ثلاثة أيام. وفيه أنفق منطاش على الأمراء نفقة السفر فأعطى لكل أمير من أمراء الألوف مائة ألف درهم فضة وأعطى لكل أمير من أمراء الطبلخانات خمسين ألف درهم فضة، ثم أمر منطاش بسدّ باب الفرج «3» أحد أبواب القاهرة وخوخة أيدغمش.

ثم قبض منطاش على متّى بطرك النصارى وألزمه بمال وعلى رئيس اليهود وألزمه أيضا بمال فقرّر على البطرك مائة ألف درهم وعلى رئيس اليهود خمسين ألف درهم. ثم طلب منطاش الشيخ شمس الدين محمد الرّكراكى المالكى وألزمه بالكتابة على الفتوى في أمر الملك الظاهر برقوق فامتنع من الكتابة غاية الامتناع فضربه منطاش مائة عصاه وسجنه بالإسطبل. ثم في خامس عشر ذى الحجة برز الأمراء الشاميون من القاهرة الى ظاهرها للتوجه إلى الشام أمام العسكر السلطانى. وفيه قبض منطاش على الخليفة المخلوع من الخلافة زكريا: وأخذ منه العهد الذي عهده إليه أبوه بالخلافة وأشهد عليه أنه لا حقّ له في الخلافة. ثم قدمت الأمراء ماخلا أسندمر بن يعقوب شاه من تجريدة الصعيد ومعهم المماليك الظاهرية الذين كانوا خرجوا عن الطاعة بقوص مقيدين فخلع منطاش على الأمراء وأخذ المماليك غرّق منهم جماعة في النيل ليلا وأخرج بستة من الجب بالقلعة موتى خنقا. ثم قدم الأمير أسندمر بن يعقوب شاه من بلاد الصعيد ومعه الأمراء الخارجون عن الطاعة: وهم الأمير تمرباى الحسنى وقرابغا الأبوبكرى، وبجمان المحمدىّ ومنكلى الشمسىّ وفارس الصرغتمشىّ وتمربغا المنجكىّ وطوجى الحسنى وقرمان المنجكى، وبيبرس التمان تمرى وقرا كسك السيفىّ وأرسلان اللّفاف ومقبل الرومى وطغاى تمر الجركتمرى وجرباش التمان تمرى الشيخى وبغداد الأحمدى ويونس الإسعردى وأردبغا العثمانى وتنكز العثمانى وبلاط المنجكى وقرابغا المحمدى وعيسى التركمانى وقراجا السيفى وكمشبغا اليوسفى وآقبغا حطب

وبك بلاط فأوقفوا الجميع بين يدى السلطان ومنطاش زمانا ثم أمر بهم فحبسوا وأفرج عن جماعة: منهم الأمير قنق باى الألجائى اللالا وآقبغا السيفى وتمرباى الأشرفى وفارس الصرغتمشى وخلع عليهم ثم سجن منطاش بخزانة شمائل وخزانة الخاص التي سدّ بابها قبل تاريخه الأمير محمود بن على الاستادار وآقبغا الماردينى وآيدمر أبو زلطة وشاهين الصرغتمشى أمير آخور وجمق بن أيتمش البجاسى وبطا الطولوتمرى الظاهرى وبهادر الأعسر وعدّة كبيرة من الأمراء والمماليك الظاهرية. وفيه ألزم منطاش سائر مباشرى الديوان السلطانى وجميع الدواوين بأن يحمل كل واحد خمسمائة درهم وفرسا وقرّر ذلك على الوظائف لا على الأشخاص، حتى من كان له عشرة وظائف في عدّة دواوين يحمل عن كل وظيفة خمسمائة درهم وفرسا فنزل بالناس ما لم يعهدوه فتوزّعوا ذلك فجاء جملة الخيل التي أخذت من المباشرين خيلا وعينا ألف فرس: ثم أحضر منطاش من ألزم من أجناد الحلقة للسفر فأعفاهم على أن يحضر كلّ منهم فرسا جيّدا فأحضروا خيولهم فأخذ جيادها وردّ ما عداها. ثم ألزم منطاش رءوس نوّاب الحجاب وغيرها بحمل كل واحد منهم خمسة آلاف درهم وعدتهم أربعة. وفي يوم الاثنين سابع عشر ذى الحجة من سنة إحدى وتسعين وسبعمائة نزل السلطان الملك المنصور حاجى من قلعة الجبل ومعه الأمير الكبير منطاش وتوجّها بالعساكر المصرية إلى الرّيدانية «1» خارج القاهرة بتجمّل عظيم إلى الغاية.

فلمّا نزلا بالمخيّم استدعى منطاش قاضى القضاة صدر الدين محمد المناوى الشافعى إلى الريدانية وألزمه بالسفر معه إلى الشام فآمتنع من ذلك وسأل الأعفاء فأعفى وخلع على قاضى القضاة بدر الدين محمد ابن أبى البقاء باستقراره عوضه في قضاء ديار مصر على أن يعطى مال الأيتام ويعطى من ماله مائة ألف درهم أخرى فضة، وخلع عليه ودخل القاهرة من باب النصر بالتشريف. قلت: هذا هو الكريم الذي تكرّم بماله ودينه. ثم رسم منطاش بحبس الخليفة زكرياء والأمير سودون الشيخونى النائب بقاعة الفضة من القلعة. ثم نزل الوزير موفّق الدين أبو الفرج وناصر الدين أبى الحسام إلى خان «1» مسرور بالقاهرة حيث هو مودع مال الأيتام، وأخذ منه بأمر منطاش ثلاثمائة ألف

درهم، وألزم أمين الحكم بالقاهرة أن يحصل تتمّة خمسمائة ألف درهم، وألزم أمين الحكم بمصر أن يحمل مائة ألف درهم، وألزم أمين الحكم بالحسينيّة أن يحمل مائة ألف درهم قرضا، كلّ ذلك حسب إذن قاضى القضاة بدر الدين محمد بن أبى البقاء. وفيه استدعى منطاش القضاة إلى الرّيدانية بكرة فأجلسوا بغير أكل إلى قريب العصر، ثم طلبوا إلى عند السلطان، فعقدوا عقده على بنت الأمير أحمد ابن السلطان حسن بصداق مبلغه ألف دينار وعشرون ألف درهم. وعقدوا أيضا عقد الأمير قطلوبغا الصفوى على ابنة الأمير أيدمر الدوادار. وفي ثانى عشرينه رحل الأمير الكبير منطاش في عدّة من الأمراء جاليشا للسلطان، ثم رحل السلطان الملك المنصور والخليفة والقضاة وبقية العساكر بعد أن أقيم نائب الغيبة بالقلعة الأمير تكا الأشرفى ومعه الأمير دمرداش القشتمرىّ، وأقيم بالإسطبل السلطانى الأمير صراى تمر، وبالقاهرة الأمير قطلوبغا الحاجب، وجعل منطاش أمر الولاية والعزل إلى صراى تمر. ثم رحل السلطان من العكرشة «1» إلى جهة بلبيس، فتقنطر عن فرسه، فتطيّر الناس من ذلك بأنه يرجع مقهورا، وكذلك كان. ثم سار السلطان وسائر العساكر إلى غزة في ثامن المحرم من سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة وعليهم آلة الحرب والسلاح. وأما أمراء الديار المصرية فإن منطاش أمر قبل خروجه حسين بن الكورانى بالاحتفاظ على حواشى الملك الظاهر برقوق فأخذ ابن الكورانى يتقرّب إلى

منطاش بكل ما تصل قدرته إليه من ذلك أنه توجّه إلى قاعة «1» البيسريّة بين القصرين حيث هو سكن الخوندات إخوة الملك الظاهر برقوق الكبرى والصغرى أم الأتابك بيبرس وهجم عليهن بالقاعة المذكورة، وأخذ بيبرس من أمّه أخذا عنيفا، بعد أن أفحش في سبّهنّ، وبالغ في ذم الملك الظاهر والحطّ منه، وأخذ الخوندات حاسرات هن وجواريهنّ مسبّيات يسحبهنّ بشوارع القاهرة وهنّ في بكاء وعويل حتى أبكين كلّ أحد، وحصل بذلك عبرة لمن اعتبر، ولا زال يسحبهنّ على هذه الصورة إلى باب زويلة فصادف مرورهنّ بباب زويلة دخول مقبل نائب الغيبة من باب زويلة، فلما رأى مقبل ذلك أنكره غاية الإنكار، ونهر حسين ابن الكورانى على فعله ذلك، وردهن من باب زويلة، بعد أن أركب الخوندات وسترهن إلى أن عدن إلى قاعة البيسرية، فكان هذا من أعظم الأسباب في هلاك حسين بن الكورانى على ما يأتى ذكره في سلطنة الملك الظاهر برقوق الثانية إن شاء الله تعالى. ثم نادى حسين بن الكورانى على المماليك الظاهرية أنّ من أحضر مملوكا منهم كان له ألفا درهم. وأما السلطان الملك المنصور ومنطاش فإن الأخبار أتتهما بأن الأمير كمشبغا الحموى نائب حلب لم يزل يبعث يمدّ الملك الظاهر من حلب بالعساكر والأزواد والآلات والخيول وغير ذلك، حتى صار لبرقوق برك عظيم، ثم خرج من بعد ذلك من حلب بعساكرها وقدم على الملك الظاهر لنصرته، فعظم أمر الملك الظاهر به إلى الغاية، وكثرت عساكره، وجاءته التركمان والعربان والعشير من كلّ فجّ، فلما

بلغ ذلك منطاش جدّ في السير هو والسلطان والعساكر إلى نحو الملك الظاهر برقوق. وبلغ الملك الظاهر مجىء الملك المنصور ومنطاش لقتاله فترك حصار دمشق وأقبل نحوهم بعساكره ومماليكه حتى نزل على شقحب «1» ، ونزل العسكر المصرى على قرية المليحة وهي عن شقحب بنحو البريد، وأقاموا بها يومهم، وبعثوا كشافتهم، فوجدوا الملك الظاهر برقوقا على شقحب، فتقدم منطاش بالسلطان والعساكر إلى نحوه بعد أن صف منطاش عساكر السلطان ميمنة وميسرة، وقلبا وجناحين، وجعل للميمنة رديفا، وكذلك للميسرة، هذا بعد أن رتّب الملك الظاهر برقوق أيضا عساكره، غير أنه لم يتصرف في التعبية كتصرف منطاش لقلة جنده. ووقف منطاش في الميمنة على ميسرة الظاهر برقوق، والتقى الفريقان في يوم الأحد رابع عشر للمحرم في سنة اثنتين وتسعين وتصادما، واقتتل الفريقان قتالا عظيما لم يقع «2» مثله في سالف الأعصار وحمل منطاش من الميمنة على ميسرة الظاهر، وحمل أصحاب ميمنة الظاهر على ميسرة الملك المنصور، وبذل كلّ من الفريقين جهده، وثبتت كلّ طائفة للأخرى، فكانت بينهما حروب شديدة انهزم فيها ميمنة الملك الظاهر وميسرته، وتبعهم منطاش بمن معه، وثبت الملك الظاهر في القلب، وقد انقطع عنه خبر أصحابه، وأيقن بالهلاك، وبينما هو في ذلك لاح له طلائع السلطان الملك المنصور، وقد انكشف الغبار عنه، فحمل الملك الظاهر بمن بقى معه على الملك المنصور، فأخذه وأخذ الخليفة المتوكل على الله والقضاة والخزائن، ومالت

الطائفة التي ثبتت معه على أثقال المصريين، فأخذوها على آخرها، وكانت شيئا يخرج عن الحد في الكثرة «1» . ووقع الامير قجماس ابن عم الملك الظاهر في قبضة، منطاش، فلم يتعوّق، ومرّ في أثر المنهزمين وهو يظن أن الملك الظاهر أمامه إلى أن وصل إلى دمشق وبها نائبها الأمير جنتمر أخو طاز فقال له منطاش قد كسرنا الظاهر برقوقا، وفي الغد يقدم السلطان الملك المنصور، فاخرج إلى لقائه، فمشى ذلك على جنتمر واحتار منطاش فيما يفعل في الباطن، ولم يعرف ما حصل بعده للملك المنصور، ومع هذا كله في نفسه أن الملك الظاهر برقوق قد انكسر. وأما أمر السلطان الملك الظاهر برقوق وأصحابه فإن الأمير كمشبغا نائب حلب كان على ميمنة الملك الظاهر برقوق فلما انهزم من منطاش تمّ في هزيمته إلى حلب وتبعه خلائق من عساكر حلب وغيرها، وفي ظن كمشبغا أن الملك الظاهر قد انكسر، وتبعه في الهزيمة الأمير حسام الدين حسن الكجكنى «2» ، نائب الكرك، ومعه أيضا عدة كبيرة من عساكر حلب والكرك فسار بهم إلى الكرك كما سار كمشبغا إلى حلب فلم يصل كل واحد من كمشبغا والكجكنى حتى قاسى شدائد ومحنا. هذا مع أنهم قطعوا رجاءهم من نصرة الملك الظاهر برقوق، غير أن كل واحد ينظر في مصلحة نفسه فيما يأتى. وأما الملك الظاهر فإنه لم يتأخر عنده إلا نحو من ثلاثين نفرا، أعنى من المماليك الظاهرية الذين كانوا معه عند أخذه الملك المنصور. وأما من بقى من التركمان والغوغاء فأزيد من مائتى نفر.

ولما قصد الملك الظاهر السلطان الملك المنصور حاجّيّا والخليفة والقضاة وأخذهم وملك العصائب السلطانية وقف تحت العصائب، فلما رآه المنصور ارتاع، فسكّن الملك الظاهر روعه، وآنسه بالكلام، وسلّم على الخليفة والقضاة، وبشّ في وجوههم وتلطّف بهم، فإنه لمّا رآه الخليفة كاد بهلك من هيبته، وكذلك القضاة؛ فما زال بهم حتى اطمأن خواطرهم. هذا بعد أن سلبت النّهابة القضاة الثلاثة جميع ما عليهم، قبل أن يقع بصر الملك الظاهر عليهم، ما خلا القاضى الحنبلى ناصر الدين نصر الله، فإنه سلم من النهب، لعدم ركوبه وقت الحرب، ولم يركب حتى تحقق نصرة الملك الظاهر برقوق، فعند ذلك ركب وجاء إليه مع جملة رفقته، وأما مباشر والدولة فإنهم كانوا توجهوا الجميع إلى دمشق، هذا بعد أن قتل من الطائفتين خلائق كثيرة جدّا بطول الشرح في ذكرها. واستمر الملك الظاهر واقفا تحت العصائب السلطانية والملك المنصور والخليفة بجانبه، وتلاحق به أصحابه شيثا بعد شىء، وتداول مجيئهم إليه، وجاءه جمع كبير من العساكر المصرية طوعا وكرها، فإنه صار الرجل منهم، بعد فراغ المعركة يقصد العصائب السلطانية، فيجد الملك الظاهر تحتها، فلم يجد بدّا من النزول إليه وتقبيل الأرض له، فإن خافه الملك الظاهر قبض عليه، وإلّا تركه من جملة عسكره. واستمر الملك الظاهر برقوق يومه وليلته على ظهر فرسه بسلاحه، وحوله مماليكه وخواصّه. قال الوالد فيما حكاه بعد ذلك لمماليكه وحواشيه: وبات كلّ منا على فرسه، على أن غالبنا به الجراح الفاشية المنكية «1» ، وهو مع ذلك بسلاحه على فرسه،

لم يغف أحد منا تلك الليلة، من السرور الذي طرقنا، وأيضا من الفكر فيما يصير أمرنا بعد ذلك إليه، غير أننا حصل لنا ولخيولنا راحة عظيمة، ببياتنا تلك الليلة فى مكان واحد وتشاورنا فيما نفعل من الغد، وكذلك السلطان الملك الظاهر، فإنه أخذ يتكلّم معنا فيما يرتّبه من الغد، فى قتال منطاش ونائب الشام، فما أصبح باكر نهار الاثنين إلا وقد رتبنا جميع أحوالنا وصار الملك الظاهر في عسكر كثيف وتهيّأنا لقتال منطاش وغيره وبعد ساعة وإذا بمنطاش قد أقبل من الشام في عالم كبير، من عسكر دمشق وعوامّها وممن تراجع إليه من عسكره، بعد الهزيمة، فتواقعنا، فحصل بيننا وقعة من شروق الشمس إلى غروبها ووقع بيننا وبينهم قتال لم يعهد مثله في هذا العصر. وبذل كلّ منا ومنهم نفسه، فقاتلنا عن أرواحنا لا عن أستاذنا، لأننا تحقّق كل منا أنه إن انهزم بعد ذلك لا بقاء له في الدنيا والمنطاشية أيضا قالوا كذلك وانكسر كل منا ومنهم غير مرة ونتراجع. هذا والملك الظاهر يكرّ فينا بفرسه كالأسد ويشجّع القوم ويعدهم ويمنيهم، ثم قصدنى شخص من الأمراء يقال له آقبغا الفيل وحمل علىّ فحملت عليه وطعنته برمحى ألقيته عن فرسه، فرآه الملك الظاهر، فسأل عنى، فقيل له: تغرى بردى فتفاءل باسمى. وقال ما معناه: الله لا ينوّلنى ما في خاطرى إن كنت ما أرقّيك إلى الرتب العالية. انتهى. قلت: ومعنى اسم تغرى بردى باللغة التركية: الله أعطى، فلهذا تفاءل الملك الظاهر به، لمّا قيل له، تغرى بردى واستمر كلّ من الطائفتين تبذل نفسها لنصرة سلطانها إلى أن أرسل الله سبحانه وتعالى في آخر النهار ريحا ومطرا في وجه منطاش ومن معه، فكانت من أكبر الأسباب في هزيمته وخذلانه ولم تغرب الشمس حتى قتل من الفريقين خلائق لا يحصيها إلا الله تعالى: من الجند والتّركمان والعربان والعامّة وولّى منطاش هو وأصحابه منهزما إلى دمشق، على أقبح وجه.

وعاد الملك الظاهر برقوق بمماليكه إلى مخيّمه بالمنزلة المذكورة ولم يكن في أحد من عسكره منعة أن يتبع منطاش ولا عسكره واستمرّ الملك الظاهر بمزلة شقحب سبعة أيام، حتى عزّت عنده الأقوات وأبيعت البقّسماطة بخمسة دراهم فضة وأبيع الفرس بعشرين درهما والجمل بعشرة دراهم، وذلك لكثرة الدواب وقلّة العلف. وغنم أصحاب الملك الظاهر أموالا جزيلة. وفي مدة إقامة الملك الظاهر بشقحب، قدم عليه جماعة كبيرة من الأمراء والتركمان والعربان والمماليك. ثم جمع الملك الظاهر من معه من الأمراء والأعيان بحضرة الخليفة والقضاة، وأشهد على الملك المنصور حاجى يخلع نفسه من السلطنة وحكم بذلك القضاة. ثم بويع الملك الظاهر برقوق بالسلطنة وأثبت القضاة بيعته وخلع على الخليفة والقضاة. ثم ولّى الأمير إياس الجرجاوى نيابة صفد والأمير قديد القلمطاوى نيابة الكرك والأمير آقبغا الصغير نيابة غزّة. ثم تهيّأ الملك الظاهر للعود إلى الديار المصرية ورحل من شقحب فأتاه عند رحيله منطاش بعسكر الشام ووقف على بعد، فاستعدّ الملك الظاهر للقائه فلم يتقدّم منطاش. ثم ولّى إلى ناحية دمشق فأراد الملك الظاهر أن يتبعه فمنعه من ذلك أعيان دولته وقالوا له: أنت سلطان مصر أم سلطان الشام امض إلى مصر واجلس على تخت الملك، فتصير الشام وغيرها في قبضتك، فصوّب الملك الظاهر هذا الرأى وسار من وقته بمن معه من الملك المنصور والخليفة والقضاة إلى جهة الديار المصرية.

ثم أرسل الملك الظاهر يأمر منصور حاجب غزة بالقبض على حسام الدين حسن بن باكيش نائب غزة، فقبض عليه واستولى على مدينة غزة وقيّد ابن باكيش المذكور وبعث به إلى الملك الظاهر، فوافاه بمدينة الرملة «1» فأوقفه بين يديه ووبّخه، ثم ضربه بالمقارع، ثم حمله معه إلى غزّة فضربه بها أيضا ضربا مبرّحا. وكان يوم دخول السلطان الملك الظاهر إلى غزة يوم مستهلّ صفر من سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة. وأمّا أمر الديار المصرية، فإنه أشيع بكسرة الملك الظاهر لمنطاش، يوم رابع عشر المحرم، وهو يوم الوقعة، قاله الشيخ تقي الدين المقريزى- رحمه الله- وهذا شىء من العجائب. وفي هذه الأيام ورد من الفيّوم محضر على نائب الغيبة مفتعل بأن حائطا سقط على الأمراء المسجونين بالفيّوم، ماتوا تحته، وهم: الأمير تمرباى الحسنى حاجب

الحجّاب وقرابغا الأبوبكرى أحد مقدّمى الألوف وطوغاى تمر الجركتمرى أحد أمراء الألوف أيضا ويونس الإسعردى الرماح الظاهرىّ وقازان السيفىّ وتنكز العثمانى وأردبغا العثمانىّ وعيسى التركمانىّ. قال المقريزى: هذا والكتب المزوّرة ترد على أهل مصر فى كل قليل، بأنّ السلطان الملك المنصور انتصر على الملك الظاهر برقوق، وملك الشام، وأنّ الظاهر هرب، فدقّ البشائر لذلك أياما، ولم يمش ذلك على أعيان الناس، مع أن الفتنة لم تزل قائمة في هذه المدة بين الأمير صراى تمر نائب الغيبة وبين الأمير تكا الأشرفىّ المقيم بقلعة الجبل وكل منهما يحترز من الآخر. واتّفق مع ذلك أن الأمراء والمماليك الظاهريّة الذين سجنوا بخزانة الخاصّ من القلعة زرعوا بصلا في قصريّتين فخّار وسقوهما فنجب بصل إحدى القصريّتين ولم ينجب الآخر، فرفعوا القصريّة التي لم ينجب بصلها، فإذا هي مثقوبة من أسفلها وتحتها خلوّ، فما زالوا به حتى اتّسع وأفضى بهم إلى سرداب مشوا فيه حتى صعد بهم إلى طبقة الأشرفية «1» من قصور القلعة القديمة وكان منطاش سدّ بابها الذي ينزل منه إلى الإسطبل السلطانى، فعاد الذين مشوا وأعلموا أصحابهم، فقاموا بأجمعهم وهم نحو الخمسمائة رجل ومشوا فيه ليلة الخميس ثانى صفر وقد عملوا عليهم الأمير بطا الطولوتمرى الظاهرى رأسا وحاربوا باب الأشرفية: حتى فتحوه فثار بهم الخرّاس الموكّلون بحفظ الباب وضربوا مملوكا يقال له تمربغا، قتلوه وكان ابتدأ بالخروج، فبادر بطا بعده ليخرج فضربه الحارس ضربة كما ضرب تمربغا قبله، سقط منها بطا إلى الأرض، ثم قام وضرب بقيده الرجل الحارس ضربة كما ضربه

صرعه وخرج البقيّة وصرخوا المماليك: ياتكا يا منصور وجعلوا قيودهم سلاحهم، يقاتلون بها وقصدوا الإسطبل السلطانى، فانتبه صراى تمر، فسمع صياحهم تكا يا منصور، فلم يشكّ أنّ تكا ركب عليه ليأخذه بغتة لما كان بينهما من التخاصم وقوى خوفه، فنهض في الحال ونزل من الإسطبل من باب السلسلة، وتوجّه إلى بيت الأمير قطلوبغا الحاجب وكان قريبا من الإسطبل بالرّميلة، فملك بطا ورفقته الإسطبل واحتوى على جميع ما كان فيه من قماش صراى تمر وخيله وسلاحه وقبض على المنطاشيّة وأفرج عن المحبوسين من الظاهريّة وأخذ الخيول التي كانت هناك وأمر في الوقت بدقّ الكوسات، فدقّت في الوقت نحو ثلث الليل الأوّل فاستمروا على ذلك إلى أن أصبحوا يوم الخميس وندم صراى تمر على نزوله من الإسطبل ولبس هو وقطلوبغا الحاجب آلة الحرب وأرسلوا إلى تكا بأن يقاتل المماليك الظاهرية من أعلى القلعة وهم يقاتلونهم من تحت، فرمى تكا عليهم من الرفرف والقصر وساعده الأمير مقبل أمير سلاح ودمرداش القشتمرى بمن معه من مماليكهم والمماليك المقيمين بالقلعة، فقاتلهم المماليك الظاهريّة وتسامعت المماليك الظاهرية البطّالة ومن كان مختفيا منهم، فجاءوهم من كل مكان، وكذلك المماليك اليلبغاوية وغيرهم من حواشى الملك الظاهر برقوق، ومن حواشى يلبغا الناصرىّ وغيره من الأمراء الممسوكين وكبسوا سجن الدّيلم، وأخرجوا من كان به محبوسا من المماليك وغيرهم. ثم بعثوا إلى خزانة شمائل فكسروا بابها وأخرجوا من كان بها أيضا من المماليك اليلبغاويّة والظاهريّة وغيرهم، ثم فعلوا ذلك بحبس الرحبة فقوى أمر بطا ورفقته وكثر جمعهم فخاف حسين بن الكورانى وهرب واختفى. ثم ركب الأمير صراى تمر والأمير قطلوبغا حاجب الحجّاب في جمع كبير من مماليكهم وغيرها وخرجا لقتال بطا وأصحابه، فنزل بطا بمن معه وقد تهيّأ للقتال،

وقد صار في جمع كبير واجتمعت عليه العوام لمعاونته، فلما تصاففا خامر جماعة من المنطاشيّة وجاءوا إلى بطا، وصدم بطا المنطاشية فكسرهم، فانحازوا إلى مدرسة السلطان حسن، فلما رأى تكا ذلك خرج إلى الطبلخاناه ورمى على بطا وأصحابه بالنّشاب ومدافع النفط، فنزل طائفة من الظاهرية إلى بيت قطلوبغا وملكوه، ونقبوا منه نقبا طلعوا منه إلى المدرسة «1» الأشرفية بالصّوّه، وصعدوا إلى سطحها تجاه الطبلخاناه السلطانية ورموا على من بالطبلخاناه، من أعوان تكا فانهزموا فملك الظاهرية الطبلخاناه فحاصروا من هو بمدرسة السلطان حسن وكان بها طائفة من التركمان قد أعدّهم منطاش لحفظها، فصاحوا وسألوا الأمان لشدة الرمى عليهم بمكاحل النفط، فانهزم عند ذلك أيضا من كان من الرماة على باب المدرج أحد أبواب القلعة وسارت الظاهرية واليلبغاوية إلى بيوت الأمراء فنهبوها. كلّ ذلك والقاهرة في أمن مع عدم من يحفظها ولم يمض النهار حتى وصل عدد الظاهرية إلى ألف، وأمدّهم ناصر الدين أستادار منطاش بمائة ألف درهم، ثم طلب بطا ناصر الدين محمد بن العادلىّ، وأمره أن يتحدّث في ولاية القاهرة عوضا عن ابن الكورانى، فدخلها ابن العادلى ونادى فيها بالأمان والدعاء للملك الظاهر برقوق، فسرّ الناس بذلك سرورا زائدا. ثم في يوم الجمعة ثالث صفر سلّم الأمير تكا قلعة الجبل إلى الأمير سودون الشيخونى النائب، ثم أقام بطا في ولاية القاهرة منجك المنجكى، عوضا عن ابن العادلى، فركب ودخل القاهرة ونادى أيضا بالأمان والدعاء للسلطان الملك الظاهر برقوق.

وفيه نزل الأمير سودون النائب من القلعة ومعه تكا الأشرفىّ ودمرداش القشتمرى ومقبل السيفى أمير سلاح، إلى عند الأمير بطا فقبض بطا عليهم وقيّدهم وبالغ في إكرام الأمير سودون النائب وبعثه إلى الأمير صراى تمر، فنزل سودون إلى صراى تمر وما زال به حتى كفّه عن الرمى وأخذه هو وقطلوبغا وسار فتكاثر العامّة عليهما يريدون قتلهما والأمير سودون النائب يمنعهم من ذلك أشدّ المنع، فلم يلتفتوا إليه ورجموهما رجما متتابعا كاد يهلك الجميع، فاحتاجوا إلى الرمى بالنشّاب عليهم وضربهم بالسيوف فقتل منهم جماعة كبيرة، فطلع سودون النائب بهما وبمن كان معهما إلى الإسطبل، فقيّدهم بطا أيضا وسجنهم وأمر بمن فى المدرسة من المقاتلة فنزلوا كلّهم. وأذهب الله تعالى الدولة المنطاشية من مصر في نحو ثلاثة أيام كأنها لم تكن، وركب الأمير سودون الشيخونى النائب وعبر إلى القاهرة والمنادى ينادى بين يديه بالأمان والدعاء للملك الظاهر برقوق وأرسل إلى خطباء الجوامع فدعوا له في خطبة الجمعة وأطلق بطا زكرياء المخلوع عن الخلافة والشيخ شمس الدين محمد الركراكىّ المالكى وسائر من كان بالقلعة من المسجونين وصار بطا يتتبع المنطاشية ويقبض عليهم كما كان منطاش يتتبع الظاهريّة ويقبض عليهم. وفي أثناء ذلك قدم أحمد بن شكر الدليل وأشاع الخبر بالقاهرة بأنّ الملك الظاهر برقوقا قادم إلى الديار المصرية، ثم قدم جلبان العيسوى الخاصّكى وأخبر برحيل الملك الظاهر برقوق من مدينة غزّة في يوم الخميس ثانى صفر، فدقّت البشائر وتخلّق الظاهرية بالزعفران وكتب بطا للسلطان يخبره بما اتّفق وأنهم ملكوا ديار مصر وأقاموا الخطبة باسمه وبجميع ما وقع لهم مفصّلا وبعثوا بهذا الخبر

الشريف عنان «1» بن مغامس، ومعه آقبغا الطولوتمرى المعروف باللّكّاش أحد المماليك الظاهريّة، فى يوم السبت رابع صفر، ثم كتب بطا إلى سائر الأعمال بالقبض على المنطاشيّة والإفراج عن الظاهريّة وإرسالهم إلى الديار المصرية. ثم طلب بطا حسين بن الكورانى في الإسطبل، فلما طلع أراد المماليك الظاهرية قتله لقبح ما فعل فيهم، فشفع فيه سودون النائب. ثم خلع عليه بطا وأعاده إلى ولاية القاهرة وأمره بتحصيل المنطاشية فنزل فى الحال ونادى من قبض على مملوك منطاشى أو أشرفىّ فله كذا وكذا، ثم قبض بطا على الأمير قطلوبغا والأمير بورى صهر منطاش، والأمير بيد مرشادّ القصر والأمير صلاح الدين محمد بن تنكز وحبسهم بالقلعة، ثم حصّن بطا القلعة تحصينا زائدا ورتّب الرماة والنفطية والرجال حتى ظنّ كلّ أحد أنه يمنع الملك الظاهر من طلوع القلعة. قلت: وكان الأمر كما ظنّه الناس حسب ما حكاه الوالد بعد ذلك كما سنذكره الآن في محلّه. قال: وكثر الكلام في أمر بطا، ثم أمر بطا الفخرى بن مكانس بعمل سماط في الإسطبل السلطانىّ فصار الأمراء والمماليك بأجمعهم يأكلون منه في كل يوم عند الأمير بطا. ثم قدم كتاب الملك الظاهر إلى بطا على يد سيف الدين محمد بن عيسى العائدىّ يأمره بتجهيز الإقامات إليه.

ثم قدم كتاب الملك الظاهر بتفصيل الوقعة بينه وبين منطاش، ثم قدم كتاب آخر عقيبه، كلّ ذلك ولم تطمئن النفوس بعود الملك الظاهر إلى ملكه ولا ارتفع الشكّ، بل كان بطا يخشى أن يكون ذلك مكيدة من مكايد منطاش، وهو ينتظر جواب كتابه للملك الظاهر، حتى قدم آقبغا الطولوتمرى اللّكّاش، وقد ألبسه الملك الظاهر خلعة سنيّة شقّ بها القاهرة، فعند ذلك تحقّق كل أحد بنصرة الملك الظاهر برقوق ونودى بالأمان والاطمئنان، ومن ظلم أو قهر فعليه بباب الأمير بطا. ثم قبض بطا على حسين بن الكورانى وقيّده بقيد ثقيل جدّا ونهبت داره وصار الصارم يأخذ ابن الكورانى في الحديد، كما يؤخذ اللصوص ويضربه ويعصره ثم نقل من عند الصارم الوالى إلى الأمير ناصر الدين محمد بن آقبغا آص شادّ الدواوين، فعاقبه أشدّ عقوبة. وفي تاسعه قدم تغرى بردى البشبغاوىّ الظاهرىّ وهو والد كاتبه إلى القاهرة بكتاب السلطان يتضمّن السلام على الأمراء وغيرهم وبأمور أخر. وأمّا ما وعدنا بذكره من أمر بطا وأنه كان حدّثته نفسه بملك مصر فى الباطن، حكى لى الوالد- رحمه الله-. قال: لما قدمت إلى مصر وتلقّانى بطا وسلّم علىّ وعانقنى وأخذ يسألنى عن أستاذنا الملك الظاهر برقوق وكيف كانت الوقعة بينه وبين منطاش وصار يفحص عن أمره حتى رابنى أمره، فكان من جملة ما سألنى عنه بأن قال: يا أخى تغرى بردى مع أستاذنا صبيان ملاح شجعان أم مماليك ملفّقة، فقلت: مع أستاذنا جماعة إذا أجروا خيولهم هدموا باب السلسلة إنقابها وأقلّهم أنت وأنا إيش هذا السؤال. أما تعرف أغواتك وخشداشيّتك،

فقال: صدقت، وكم مثلثا في خجداشيّتنا عند أستاذنا وأخذ ينتقل بى إلى كلام آخر بما هو في مصالح السلطان الملك الظاهر. انتهى. وعند قدوم الوالد إلى الديار المصريّة تزايد سرور الناس وفرحهم وتحقّقوا عود الملك الظاهر إلى ملكه. ثم قدم تنبك الحسنىّ الظاهرىّ المعروف بتنم من الإسكندرية وكان أرسله بطا لنائب الإسكندرية وقد امتنع من الإفراج عن الأمراء المسجونين إلّا بكتاب السلطان. ثم ألزم بطا الفخر بن مكانس بتجهيز الإقامات والشّقق الحرير للفرش في طريق الملك الظاهر حتى يمشى عليها بفرسه عند قدومه إلى القاهرة. ثم قدم من ثغردمياط الأمير شيخ الصفوىّ وقبق باى السيفىّ ومقبل الرومىّ الطويل وألطنبغا العثمانىّ وعبدوق العلائى وجرجى الحسنىّ وأربعة أمراء أخر. وفي عاشره شدّد العذاب على ابن الكورانىّ وألزم بحمل مائة ألف درهم فضة ومائة فرس ومائة لبس حربىّ. وفي حادى عشر صفر قدم البريد بنزول السلطان الملك الظاهر إلى منزلة الصالحية فخرج الناس أفواجا إلى لقائه ونودى بزينة القاهرة ومصر فتفاخر الناس فى الزينة ونزل السلطان بعساكره إلى العكرشة في ثالث عشر صفر. وأمّا أمر منطاش وما وقع له بعد ذلك وبقيّة سياق أمر الملك الظاهر برقوق ودخوله إلى القاهرة وطلوعه إلى قلعة الجبل وجلوسه على تخت الملك يأتى ذكر ذلك كلّه مفصّلا في ذكر سلطنته الثانية من هذا الكتاب، بعد أن نذكر من توفّى من سنة إحدى وتسعين وسبعمائة التي حكم في غالبها على مصر الملك المنصور حاجىّ، ثم نعود إلى ذكر الملك الظاهر وسلطنته الثانية- إن شاء الله تعالى-.

وأما الملك المنصور حاجىّ فإنه عاد إلى ديار مصر صحبة الملك الظاهر برقوق محتفظا به وهو في غاية ما يكون من الإكرام وطلع إلى القلعة وسكن بها بالحوش «1» السلطانىّ على عادة أولاد الأسياد ودام عند أهله وعياله إلى أن مات بها في ليلة الأربعاء تاسع عشر شوّال سنة أربع عشرة وثمانمائة ودفن بتربة «2» جدّته لأبيه خوند بركة بخطّ التّبانة بالقرب من باب الوزير خارج القاهرة، بعد أن تسلطن مرّتين وكان لقّب في أوّل سلطنته بالملك الصالح وفي الثانية بالملك المنصور، ولا نعلم سلطانا غيّر لقبه غيره ومات الملك المنصور هذا عن بضع وأربعين سنة وقد تعطّلت حركته وبطلت يداه ورجلاه مدّة سنين قبل موته وكان ما حصل له من الاسترخاء من جهة جواريه على ما قيل: إنّهم أطعموه شيئا بطلت حركته منه وذلك لسوء خلقه وظلمه. حدّثنى غير واحد من حواشى الملك الظاهر برقوق ممّن كان يباشر أمر الملك المنصور المذكور قال: كان إذا ضرب أحدا من جواريه يتجاوز ضربه لهنّ الخمسمائة عصاة، فكان الملك الظاهر لمّا يسمع صياحهنّ يرسل يشفع فيهنّ فلا يمكنه المخالفة فيطلق المضروبة، وعنده في نفسه منها كمين، كونه ما اشتفى فيها وكان له جوقة مغان كاملة من الجوارى، كما كانت عادت الملوك والأمراء تلك الأيام نحو خمس عشرة واحدة، يعرفن من بعده بمغانى المنصور، وكنّ خدمن عند الوالد بعد موته، فلمّا صار الملك الظاهر برقوق يشفع في الجوارى لمّا يسمع صياحهنّ، بقى المنصور إذا ضرب واحدة من جواريه يأمر مغانيه أن يزفّوا بالدّفوف وتزعق

السنة التي حكم في أولها الملك الظاهر برقوق إلى ليلة الاثنين خامس جمادى الآخرة وحكم في باقيها الملك المنصور حاجى.

المواصيل فتصيح الجارية المضروبة فلا يسمعها الملك الظاهر ولا غيره، ففطن بذلك حريم الملك الظاهر وأعلموه الخبر، وقلن له إذا سمع السلطان زفّ المغانى فى غير وقت المغنى فيعلم السلطان أنّه يضرب جواريه وخدمه، فعلم الظاهر ذلك، فصار كلّما سمع المغانى تزفّ أرسل إليه في الحال بالشفاعة، وله من ذلك أشياء كثيرة. وكان الملك الظاهر قبل أن يتكسّح يرسل خلفه في مجلس أنسه وينادمه فى غالب الأوقات وتكرر ذلك منه سنين وكان إذا غلب عليه السّكر تسفّه على الملك الظاهر ويخاطبه باسمه من غير تحشّم فيبتسم الملك الظاهر ويقول لحواشى الملك المنصور: خذوا سيّدى أمير حاج وردّوه إلى بيته، فيقوم على حاله وهو مستمرّ في السّبّ واللّعن، فيعظم ذلك على حواشى الملك الظاهر ويكلّمون الملك الظاهر في عدم الاجتماع به، فلا يلتفت إلى كلامهم فيصبح المنصور يعتذر للسلطان فيما وقع منه في أمسه، فلمّا تكرر منه ذلك غير مرّة تركه وصار لا يجتمع به إلّا في الأعياد والمواسم، فلما بطلت حركته انقطع عنه بالكليّة. السنة التي حكم في أولها الملك الظاهر برقوق إلى ليلة الاثنين خامس جمادى الآخرة وحكم في باقيها الملك المنصور حاجّى. ولم يكن له في سلطنته إلا مجرّد الاسم فقط والمتحدّث في المملكة الأتابك يلبغا الناصرىّ ثم تمربغا الأفضلى الأشرفىّ المدعو منطاش وهي سنة إحدى وتسعين وسبعمائة. وفيها كان خلع الملك الظاهر برقوق من السلطنة وسلطنة الملك المنصور هذا كما تقدم ذكره.

وفيها في ذى الحجّة كانت وقائع بين الملك الظاهر برقوق وبين جنتمر نائب الشام بعد خروجه من سجن الكرك. وفيها توفّى خلائق كثيرة بالطاعون والسيف وكان الطاعون وقع بالديار المصرية فى أيام الفتنة، فكان من أجل ذلك أشد الطواعين وأعظمها خطبا لما دها الناس من شدّة الطاعون وأهوال الوقائع، فممّن قتل من الأعيان: القاضى شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عمر بن أبى الرضا قاضى قضاة الشافعيّة بحلب. وخبره أن الملك الظاهر برقوقا لما خرج من سجن الكرك ووافقه الأمير كمشبغا الحموى نائب حلب ثار عليه شهاب الدين هذا محاماة لمنطاش وجمع أهل بانقوسا وحرّضهم على قتال كمشبغا المذكور وأفتى بجواز قتال برقوق، فركب كمشبغا وقاتلهم فكسرهم وقتل كثيرا من البانقوسيّة ممّن ظفر به، ففرّ شهاب الدين هذا إلى ظاهر حلب، فأخذ قريبا من حلب وأتى به إلى كمشبغا فقتله صبرا، وعمره زيادة على أربعين سنة، أثنى على علمه القاضى علاء الدين بن خطيب الناصريّة والشيخ تقىّ الدين المقريزىّ رحمهما الله- وذكر عنه قاضى القضاة بدر الدين محمود العينىّ- رحمه الله- مساوى وقبائح، نسأل الله تعالى السلامة في الدّين، ذكرناها في ترجمته فى تاريخنا المنهل الصافى. قلت: والجمع بين هذه الأقوال هو أنه كان عالما غير أنه كان خبيث اللسان، يرتكب أمورا شنيعة مشهورة عنه عند الحلبيين. وتوفّى قتيلا الأمير صارم الدين إبراهيم ابن الأمير قطلقتمر الخازندار بحلب قتله أيضا الأمير كمشبغا الحموى بحلب، وقد قام بنصرة منطاش وقاتل كمشبغا فلمّا ظفر به كمشبغا وسّطه في شوال وإبراهيم هذا هو الذي كان وقع له مع الملك الظاهر برقوق ما وقع، لمّا اتفق مع الخليفة المتوكّل على الله ووافقهما الأمير قرط

الكاشف على قتل الملك الظاهر برقوق وتمّ عليهم وظفر بهم برقوق وخلع الخليفة وحبسه ووسّط قرط الكاشف وحبس إبراهيم هذا مدّة ثم أطلقه لأجل أبيه قطلقتمر، ثم أنعم عليه بإمرة فلمّا خلع الملك الظاهر وحبس، قام عليه إبراهيم هذا وانضم مع الناصرىّ ومنطاش وصار من جملة أمراء الطبلخاناة، ثم كان مع منطاش على الناصرى، فلمّا ملك منطاش الديار المصرية أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بديار مصر واستقرّ أمير مجلس عوضا عن الأمير أحمد بن يلبغا فلم يقنع بذلك وبدا منه أمور فأخرجه منطاش بعد أخذه الإمرة بدون السبعة أيام إلى حلب أمير مائة ومقدّم ألف بها، فدام بها حتى ثار أهل بانقوسا على كمشبغا نائب حلب وافقهم إبراهيم هذا فظفر به كمشبغا ووسطه. قلت: ما كان جزاؤه إلا ما فعله به كمشبغا وكان شجاعا غير أنه كان يحب الفتن ويثير الشرور- عفا الله تعالى عنه-. وتوفّى الشيخ الإمام العلّامة شهاب الدين أحمد بن أبى يزيد بن محمد المعروف بمولانا زادة السّيرامىّ العجمىّ الحنفى والد العلّامة محبّ الدين محمد ابن مولانا زادة فى يوم الأربعاء حادى عشر المحرّم بالقاهرة وكان إماما مفتنّا في علوم كثيرة؛ وهو أوّل من ولى درس الحديث بالمدرسة الظاهريّة البرقوقية ودام على ذلك إلى أن مات في التاريخ المقدّم ذكره. وتوفّى الأمير سيف الدين تلكتمر بن عبد الله أحد أمراء الطبلخانات بالطاعون في جمادى الأول وكان من خواصّ الملك الظاهر برقوق. وتوفّى قتيلا الأمير سيف الدين جاركس بن عبد الله الخليلى اليلبغاوى الأمير آخور الكبير وعظيم دولة الملك الظاهر برقوق، قتل في محاربة الناصرىّ خارج

دمشق، فى يوم الاثنين حادى عشر شهر ربيع الأول «1» وبقتله تخلخلت أركان دولة الملك الظاهر برقوق وكان أميرا مهابا عاقلا عارفا خبيرا سيوسا وله بالقاهرة خان يعرف بخان «2» الخليلى ومآثر بمكة وغيرها وخلّف أموالا كثيرة أخذها منطاش وفرّقها في أصحابه. وتوفّى الأمير يونس بن عبد الله النّوروزى اليلبغاوى الدوادار الكبير، قتله الأمير عنقاء «3» بن شطّى أمير آل مرا بخربة اللصوص وهو عائد إلى الديار المصرية، بعد انهزامه من الناصرى وكان أيضا أحد أركان الملك الظاهر برقوق وإليه كان تدبير المملكة وكان خدمه وباشر دواداريّته من أيام إمرته وكان عاقلا مدبّرا حازما وهو صاحب الخان خارج مدينة غزّة وغيره معروفة عمائره باسمه ولا يحتاج ذلك إلى التعريف به، فإننا لا نعلم أحدا في الدولة التركيّة سمّى بيونس الدوادار غيره ثم دوادار زماننا هذا الأمير يونس الدوادار السيفىّ آقباى، انتهى. وتوفّى الأمير سيف الدين بزلار بن عبد الله العمرىّ ثم الناصرى نائب الشام قتيلا بها وكان أصله من مماليك الملك الناصر حسن اشتراه وربّاه مع أولاده وقرأ

القرآن وتأدّب ومهر في الخط المنسوب وبرع في عدة علوم لا سيما علم الفلك والنجوم مع تقدّمه في أنواع الفروسية والشجاعة المفرطة وأنواع الملاعيب، مع ذكاء وفطنة وذوق وعقل ومحاضرة حسنة وحسن شكاله، ولاه الملك الظاهر برقوق نيابة الإسكندرية، ثم عزله وجعله من جملة أمراء الألوف بالديار المصرية، ثم خافه، فقبض عليه ونفاه إلى طرابلس فلمّا كانت نوبة الناصرية اتفق مع جماعة قليلة من أصحابه وملك طرابلس من نائبها أسندمر ووافق الناصرىّ على قتال الملك الظاهر برقوق، فلمّا ملك الناصرىّ مصر خلع عليه بنيابة دمشق، فولى دمشق ودام به إلى أن قبض منطاش على الناصرىّ، فغضب بزلار المذكور للناصرى وخرج عن الطاعة، فخادعه منطاش وأرسل ملطّفات إلى جنتمر بنيابة دمشق فاتّفق أمراء دمشق مع جنتمر ووثبوا عليه على حين غفلة، فركب وقاتلهم، وكاد يهزمهم لولا تكاثروا عليه ومسكوه وحبسوه بقلعة دمشق، حتى أرسل منطاش بقتله فقتل، وسنّه نيّف على خمسين سنة، وكان من محاسن الدنيا، حدّثنى الشيخ موسى الطرابلسىّ قال: لمّا نفاه الملك الظاهر برقوق إلى طرابلس صحبته فكنت أقعد لتكبيسه فأجد أضلاعه صفيحة واحدة، انتهى. وتوفّى الشيخ المعتقد حسن الخبّاز الواعظ، كان صاحب الشيخ ياقوت الشاذلىّ وتلقّن منه وتزوّج بآبنته وترك بيع الخبز وانقطع بزاويته خارج القاهرة وجلس للوعظ حتى مات في حادى عشرين شهر ربيع الآخر ودفن بالقرافة وكان للناس فيه اعتقاد حسن ولوعظه تأثير في القلوب. وتوفّى الأمير سيف الدين سودون المظفرىّ أتابك حلب قتيلا بها بيد مماليك الأمير يلبغا الناصرى حسب ما تقدم ذكره في ترجمة الملك الظاهر برقوق وكان أصله من مماليك قطلوبغا المظفّرى أحد أمراء حلب وبها نشأ وخدم الأمير جرجى

الإدريسىّ نائب حلب وصار خازنداره ثم صار من جملة أمراء حلب، ثم ولّاه برقوق حجوبية حلب ثم أتا بكابها، ثم نقله إلى نيابة حماة، ثم إلى نيابة حلب بعد القبض على يلبغا الناصرىّ، ثم عزله الظاهر عن نيابة حلب بالأمير يلبغا الناصرىّ المذكور وجعله أتابك حلب، فكان بينهما مباينة كبيرة وكان الناصرى يزدريه ودام على ذلك حتى بلغ الظاهر خروج الناصرىّ عن الطاعة وكتب ملطّفا لسودون المظفرى هذا بنيابة حلب على عادته وأرسل الملك الظاهر بصلحهم، فلمّا دخل سودون المذكور إلى دهليز دار السعادة «1» أخذته سيوف مماليك الناصرى حتى قتل. وتوفّى الأمير سيف الدين صراى الطويل أحد أعيان المماليك اليلبغاوية خارج القاهرة في شهر ربيع الأوّل وكان أحد أمراء الطبلخاناة بالديار المصرية. وتوفّى قاضى القضاة جمال الدين عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن سليمان بن خير السكندرىّ المالكى في يوم الأربعاء رابع عشر شهر رمضان وكنيته أبو القاسم، مولده بالإسكندرية في يوم الأحد سابع جمادى الأولى سنة إحدى وعشرين وسبعمائة وبها نشأ وطلب العلم وسمع الحديث وتفقّه بأبيه وغيره وبرع في الفقه والأصول وشارك في غيره وجلس مع الشهود بالثغر، ثم ولى به نيابة الحكم، ثم نقل إلى قضاء الديار المصرية، عوضا عن قاضى القضاة علم الدين سليمان بن خالد البساطىّ بعد عزله في سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة وحمدت سيرته إلى الغاية ودام مدة سنين إلى أن عزل بالقاصى ولى الدين عبد الرحمن بن خلدون، ثم أعيد بعد ذلك إلى أن مات قاضيا، وتولّى بعده تاج الدين بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز الدّميرىّ.

وتوفّى إمام السلطان الملك الظاهر برقوق الشيخ شرف الدين عثمان بن سليمان ابن رسول بن يوسف بن خليل بن نوح الكرادىّ (بتخفيف الراء المهملة) الحنفىّ المعروف بالأشقر، فى يوم الخميس رابع عشرين شهر ربيع الآخر، كان أصله من البلاد الشمالية واشتغل بها ثم قدم القاهرة في عنفوان شبابه في الدولة الأشرفيّة شعبان بن حسين واشتغل بها على علماء عصره، حتى شارك في عدّة فنون ويجب الملك الظاهر في أيام إمرته، فلما تسلطن الملك الظاهر قرّره إمامه وتقدم في دولته ثم ولى قضاء العسكر، ثم مشيخة الخانقاه البيبرسيّة إلى أن مات وكان حسن الهيئة جميل الطريقة وهو والد القاضى محبّ الدين محمد بن الأشقر كاتب سرّ الديار المصرية الآن وقد سألت من ولده المذكور عن أصل آبائه فقال: أصلنا من بلاد القرم وكان جدّى عالما مفتنّا وكان والد جدّى ملكا بتلك البلاد، انتهى. وتوفى الأمير سيف الدين إشقتمر بن عبد الله الماردينىّ الناصرى نائب حلب والشام، غير مرّة بطّالا بحلب في شوّال، كان أصله من مماليك صاحب ماردين وبعثه إلى الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن قلاوون فربّاه الناصر وأدّبه وكان يعرف ضرب العود ويحسن الموسيقى وكان ماهرا في عدّة فنون، فقرّبه أستاذه الملك الناصر حسن، وجعله من أعيان خاصّكيّته،؟؟ أمّره ثم تنقّل بعد موت أستاذه في عدة وظائف إلى أن ولّاه الملك الأشرف شعبان نيابة حلب بعد وفاة قطلوبغا الأحمدىّ، فباشرها نحو سنة ونصف وعزل بالأمير جرجى الناصرى الإدريسىّ، ثم ولى نيابة طرابلس عوضا عن قشتمر المنصورىّ، ثم أعيد بعد مدة إلى نيابة حلب عوضا عن قشتمر المنصورىّ المذكور، فى سنة إحدى وسبعين بعد قتل يلبغا أستاذ الملك الظاهر برقوق وكان إشقتمر خجداش يلبغا وصاحبه ومن أقرانه، فباشر نيابة حلب مدّة ثم عزل وأعيد إلى نيابة طرابلس والسواحل

عوضا عن أيدمر الدوادار، ثم أعيد إلى نيابة حلب مرّة ثالثة في سنة أربع وسبعين فباشر نيابة حلب إلى أن عزل في سنة خمس وسبعين بالأمير بيدمر الخوارزمىّ وتولى نيابة دمشق، فباشر نيابة دمشق أربعة أشهر وعزل وأعيد إلى نيابة حلب رابع مرّة، فطالت مدّته في هذه الولاية، وغزاسيس «1» وفتحها في سنة ست وسبعين وكان فتحا عظيما وسرّ الملك الأشرف شعبان بفتحه، وفيه يقول الشيخ بدر الدين «2» حسن بن حبيب: [السريع] الملك الأشرف إقباله ... يهدى له كلّ عزيز نفيس لمّا رأى الخضراء في شامة ... تختال والشقراء عجبا تميس وعاين الشّهباء في ملكه ... تجرى وتبدى ما يسرّا الجليس ساق إلى سوق العدى أدهما ... وساعدا الجيش على أخذ سيس واستمرّ على نيابتها إلى أن عزل بالأمير منكلى بغا الأحمدىّ البلدىّ وقبض عليه وحبس بالإسكندرية ثم أطلق وتوجه إلى القدس بطالا، كل ذلك وإلى الآن لم يكن برقوق من جملة المماليك السلطانية، بل كان في خدمة منجك، ثم من بعده فى خدمة الأسياد أولاد الملك الأشرف شعبان، ثم أعيد إلى نيابة حلب خامس مرة عوضا عن تمرباى الأفضلىّ الأشرفىّ في سنة إحدى وثمانين، ثم نقل بعد عشرة أشهر إلى نيابة دمشق، عوضا عن بيدمر الخوارزمىّ في سنة اثنتين وثمانين، فدام بدمشق إلى أن عزل في محرم سنة أربع وثمانين وتوجّه إلى القدس بطّالا، فدام بالقدس إلى أن أعيد إلى نيابة دمشق ثالث مرة، من قبل الملك الظاهر برقوق

فى سنة ثمان وثمانين، ثم عزل بعد «1» أربعة أشهر ورسم له أن يتوجّه إلى حلب بطّالا، فدام بحلب إلى أن مات وكان فيه كل الخصال الحسنة لولا حبّه لجمع المال. وتوفّى الشيخ الإمام العلّامة بدر الدين محمد ابن شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقينىّ الشافعىّ قاضى العساكر في يوم الجمعة سابع عشر شعبان ودفن بمدرسة «2» أبيه بحارة بهاء الدين قراقوش وكان أعجوبة في الذكاء والحفظ مفتنّا في عدّة علوم وهو أسنّ من أخيه قاضى القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقينىّ وكان له نظم ونثر ومما ينسب إليه من الشعر: [الرمل] كسروا الجرّة عمدا ... سقوا الأرض شرابا قلت والإسلام دينى ... ليتنى كنت ترابا وتوفّى العلامة شمس الدين محمود بن عبد الله النّيسابورىّ الحنفىّ المعروف بابن أخى جار الله، فى سابع جمادى الأولى وكان عالما مفتنّا في علوم كثيرة. وتوفّى تاج الدين عبد الله وقيل: أمين الدين بن مجد الدين فضل الله بن أمين الدين عبد الله بن ريشة القبطىّ المصرىّ ناظر الدولة، فى سادس جمادى الأولى.

وتوفّى الأمير قرا محمد التّركمانىّ صاحب الموصل، قتيلا في هذه السنة وهو والد قرا يوسف صاحب تبريز، وجدّ بنى قرا يوسف ملوك العراق، الذين خربت بغداد وغيرها في دولتهم وأيامهم. وتوفّى الأمير الطواشى سابق الدين مثقال بن عبد الله الجمالىّ الحبشىّ الزّمام وأصله من خدّام الملك الأمجد والد الأشرف شعبان، تنقّل في عدة وظائف إلى أن صار زماما للدور السلطانية، فلمّا أن قتل الملك الأشرف عزله أينبك البدرىّ وولّى عوضه مقبلا الرومىّ الطواشى اليلبغاوىّ ودام مثقال بطّالا سنين وصادره برقوق وحصل له محن، ثم أفرج عنه فصار يتردّد إلى مكة والمدينة إلى أن مات ببدر من طريق الحجاز في ذى القعدة ودفن عند الشهداء في ليلة الجمعة تاسع عشرينه. أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعا وأربعة أصابع، والله تعالى أعلم. انتهى الجزء الحادى عشر من النجوم الزاهرة ويليه الجزء الثانى عشر وأوله: ذكر سلطنة الملك الظاهر برقوق الثانية على مصر

فهرس الملوك والسلاطين الذين تولوا مصر

فهرس الملوك والسلاطين الذين تولوا مصر «1» من سنة 762- 791 هـ (س) (1) السلطان الملك الأشرف شعبان بن حسين- ولايته من ص 24- 147 (2) السلطان الملك الصالح صلاح الدين أمير حاج ابن السلطان الملك الأشرف شعبان- ولايته من ص 206- 221 (3) السلطان الملك الصالح ثم المنصور حاجى ابن السلطان الملك الأشرف بن حسين- ولايته من ص 319- 390 (4) السلطان الملك الظاهر أبو سعيد سيف الدين برقوق بن آنص العثمانى اليلبغاوى الجاركسى- ولايته الأولى من ص 221- 318 (5) السلطان الملك علاء الدين على ابن السلطان الملك الأشرف زين الدين بن شعبان- ولايته من ص 148- 206 (6) السلطان الملك المنصور أبو المعالى ناصر الدين محمد ابن السلطان الملك المظفر حاجى- ولايته من ص 3- 23

الجزء الثانى عشر

[الجزء الثانى عشر] بسم الله الرّحمن الرّحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم [ما وقع من الحوادث سنة 792] ذكر سلطنة الملك الظاهر برقوق الثانية على مصر «1» تقدّم ذكر الملك الظاهر برقوق وأصله وخبر قدومه من بلاد الجاركس إلى الديار المصريّة وما وقع له بها إلى أن ملكها وتسلطن، كلّ ذلك فى ترجمته الأولى من هذا الكتاب «2» . وذكرنا أيضا ما وقع له من يوم خلع نفسه وسجن بالكرك «3» إلى أن خرج من الحبس وقاتل منطاشا وانتصر عليه وعاد إلى الديار المصرية بعد أن أعيد إلى السلطنة بمنزلة شقحب «4» ، وأشهد على الملك المنصور بخلع نفسه، ثم

سار حتى نزل بالصالحية «1» ، كلّ ذلك فى ترجمة السلطان الملك المنصور حاجى مفصّلا، فمن أراد شيئا من ذلك فلينظره فى محلّه، ومن يومئذ نذكر رحيله من منزلة الصالحية إلى نحو الديار المصرية فنقول: ولمّا نزل الملك الظاهر برقوق على منزلة الصالحيّة فى يوم عاشر صفر سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة أقام بها نهاره، وأعيان الدولة تأتيه فوجا بعد فوج، مثل أكابر الأمراء الذين كانوا بالحبوس وأعيان العلماء ومباشرى الدولة وغيرهم. ثمّ رحل من الغد بعساكره وصحبته الخليفة والملك المنصور حاجى والقضاة وسار بهم يريد الديار المصرية إلى أن نزل بالرّيدانيّة «2» خارج القاهرة فى بكرة يوم الثلاثاء رابع عشر صفر، فخرج الأعيان من العلماء والأمراء والفقراء إلى لقائه

فخرجت الأشراف مع السيد الشريف علىّ نقيب الأشراف، وخرجت طوائف الفقراء بأعلامها وأذكارها، ومشايخ الخوانق بصوفيّتها، وخرجت العساكر المصريّة بلبوسها الحربيّة، لأن العسكر المصرىّ كان من يوم خروج بطا وأصحابه من السجن وملكوا الديار المصريّة؛ عليهم آلة الحرب، وخرجت اليهود بالتوراة والنصارى بالإنجيل، ومعهم الشموع المشعولة. وخرج من الناس ما لا يحصيه إلا الله تعالى وعندهم من الفرح والسرور ما لا يوصف، وهم يصيحون بالدعاء له حتّى لقوه وخاطبوه. فشرع الملك الظاهر يكلّم الناس ويدنيهم ويرجع رءوس النّوب عن منعهم من السلام عليه. وكلّما دعا له شخص منهم رحّب به. هذا وقد فرشت له الشّقق الحرير خارج التّرب إلى باب السلسلة «1» ، فلمّا وصل الملك الظاهر إلى الشقق المفروشة له، تنحّى بفرسه عنها وقدم الملك المنصور حاجّى، حتى مشى بفرسه عليها، ومشى الملك الظاهر برقوق بجانبه خارجا عن الشقق، فصار الموكب كأنه للملك المنصور لا للظاهر، فوقع هذا من الناس موقعا عظيما، ورفعوا أصواتهم له بالدعاء والابتهال لتواضعه فى حال غلبته وقهره له وكون المنصور معه كالأسير، وصارت القبّة والطير على رأس الملك المنصور أيضا، والخليفة أمامها وقضاة القضاة بين يدى الخليفة، وتناهبت العامّة الشّقق الحرير بعد دوس فرس السلطان عليها، من غير أن يمنعهم أحد، وكذلك لمّا نثر عليه الذهب والفضّة تناهبتّه العامّة. وكانت عادة ذلك كلّه للجمداريّة، فقصد الظاهر بذلك زيادة التحبّب للعامّة، كونهم أظهروا المحبّة له فى غيبته، وقاموا مع المماليك، وصاروا مع مماليكه، وصار الملك الظاهر يعظّم الملك المنصور فى مشيه

وخطابه، ويعامله كما يعامل الأمير سلطانه، إلى أن أدخله داره بالقلعة؛ ثم عاد الملك الظاهر إلى حيث نزل من القلعة، وتفرّغ عند ذلك لشأنه، واستدعى الخليفة وقضاة القضاة والشيخ سراج الدين عمر البلقينىّ والأمراء وأعيان الدولة، فجدّد عقد السلطنة له وتجديد التفويض الخليفتىّ، فشهد بذلك القضاة على الخليفة ثانيا وأفيضت التشاريف الخليفتيّة على السلطان بسلطنته، ثم أفيضت التشاريف السلطانية على الخليفة، وركب السلطان الملك الظاهر من الإسطبل «1» السلطانىّ من باب السلسلة بأبّهة السلطنة وشعار الملك، وطلع إلى القلعة ونزل إلى القصر، وجلس على تخت الملك، ودقت البشائر وعملت التهانى والأفراح بالقلعة وفى دور الأمراء وأهل الدولة، وكان هذا اليوم من الأيام التى لم يقع مثلها إلا نادرا. ثم قام السلطان ودخل إلى حرمه وإخوته، ففرشت له أيضا الشّقق الحرير والشقق المذهّبة تحت رجليه، ونثر عليه الذهب والفضة ولاقته التهانى من خارج باب السّتارة «2» ، ثم أصبح السلطان فى يوم الأربعاء؛ فأمر أن يكتب إلى ثغر الإسكندرية «3» بالإفراج عن الأمراء المسجونين بها، وإحضارهم إلى الديار المصريّة.

ثم خلع السلطان على فخر الدين بن مكانس صاحب ديوان الجيش باستقراره فى وظيفته نظر الجيش عوضا عن القاضى جمال الدين محمود القيصرىّ العجمىّ بحكم توجّهه مع منطاش إلى دمشق، وخلع على الوزير موفّق الدين أبى الفرج واستقرّ به فى الوزارة، ونظر الخاصّ، وعلى ناصر الدين محمد بن آقبغا آص شادّ الدواوين باستمراره. وأنعم على الأمير بطا الطّولوتمرىّ الظاهرىّ بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، وعيّن للدواداريّة الكبرى وأخلع على الأمير قرقماش الطشتمرىّ أستادارا. ثم فى سابع عشر صفر قدم الأمراء من الإسكندرية إلى بر الجيزة، فباتوا به وعدّوا فى ثامن عشره وطلعوا إلى القلعة وهم سبعة عشر أميرا، أعظمهم الأتابك يلبغا الناصرىّ، الذي كان خرج على الملك الظاهر، وقبض عليه وحبسه بالكرك ثم الأمير ألطنبغا الجوبانىّ نائب الشام الذي كان قبض على الملك الظاهر برقوق من بيت أبى يزيد، وطلع به إلى القلعة نهارا، ثم الأمير الكبير قرادمرداش الأحمدىّ الذي كان الظاهر جعله أتابك العساكر بديار مصر، وأنعم عليه بثلاثين ألف دينار فتركه وتوجّه إلى يلبغا الناصرى المقدّم ذكره، والأمير ألطنبغا المعلّم أمير سلاح وهؤلاء الأربعة من أعيان اليلبغاويّة خشداشيّة الملك الظاهر برقوق، ثم الأمير أحمد بن يلبغا أمير مجلس الذي كان سببا لكسرة عسكر الملك الظاهر بدمشق بهرو به إلى الناصرىّ، والأمير قردم الحسنىّ اليلبغاوىّ رأس نوبة النّوب والأمير سودون باق أحد أمراء الألوف اليلبغاوية والأمير سودون طرنطاى أحد الألوف أيضا والأمير آفبغا الماردينىّ الأستادار أحد الألوف، وكشلى اليلبغاوىّ «1» وبجاس النّورورى

كلاهما أيضا مقدّم ألف ومأمور القلمطاوى نائب حماة والكرك وألطنبغا الأشرفىّ أحد الألوف أيضا ويلبغا المنجكىّ ويونس العثمانىّ، فوقف الجميع بين يدى الملك الظاهر برقوق وقبّلوا الأرض له، وهم فى غاية ما يكون من الخجل والحياء منه، بما تقدّم منهم فى حقّه، فرحّب بهم الملك الظاهر وطيّب خواطرهم ولم يذكر لهم ما فعلوه به ولا عتبهم عن شئ مما وقع منهم فى حقّه، بل أكرمهم غاية الإكرام بكلّ ما يمكن القدرة إليه، ثم أمرهم بالنزول إلى بيوتهم، فنزل الجميع وهم فى غاية السرور. ثم فى يوم الاثنين العشرين من صفر جلس السلطان بالإيوان «1» من القلعة المعروفة بدار العدل، وأخلع على الأمير سودون الفخرىّ الشيخونىّ بنيابة السلطنة بالديار المصرية على عادته أوّلا، وعلى الأمير إينال اليوسفىّ اليلبغاوى باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية، وعلى الأمير الكبير يلبغا الناصرى صاحب الوقعة باستقراره أمير سلاح، وعلى الأمير ألطنبغا الجوبانىّ باستقراره رأس نوبة الأمراء وأطابكا وعلى الأمير كمشبغا الأشرفىّ الخاصكىّ باستقراره أمير مجلس وعلى الأمير بطاالطّولوتمرىّ الظاهرىّ باستقراره دوادارا كبيرا، وهو الذي كان خرج من حبس القلعة وملك باب السلسلة فى فتنة الملك الظاهر وعلى الأمير طوغان العمرىّ باستقراره أمير

جاندار، وعلى سودون النظامىّ باستقراره نائب قلعة «1» الجبل، ونزل الجميع بالخلع وتحتهم الخيول بالسروج الذهب والكنابيش الزّركش إلى دورهم، بعد أن خرجت الناس للفرجة عليهم، فكان يوما من الأيام المشهودة. ثم فى يوم حادى عشرين صفر أخلع السلطان على الأمير بكلمش العلائىّ باستقراره أمير آخور كبيرا، وسكن بالإصطبل السلطانىّ. ثم فى يوم الخميس ثالث عشرين صفر قرئ عهد السلطان الملك الظاهر برقوق بدار العدل، وخلع السلطان على الخليفة المتوكّل على الله وأخلع على القاضى علاء الدين علىّ بن عيسى المقيّرىّ الكركى كاتب سرّ الكرك فى كتابة سرّ مصر، لما تقدم له من الإيادي على الظاهر فى القيام معه بالكرك، عوضا عن القاضى بدر الدين محمد ابن فضل الله بحكم توجّهه أيضا مع منطاش إلى دمشق. ثم أخلع السلطان على بيجاس السّودونىّ باستقراره فى نيابة صفد. وفى سادس عشرينه قبض السلطان على حسين بن الكورانىّ وأمر به فعدّب بأنواع العذاب. وفيه قدم البريد على السلطان من صفد بفرار الأمير طغاى تمر القبلاوىّ من دمشق إلى حلب فى مائتين وواحد من المنطاشية. وفى سابع عشرين صفر استقرّ الأمير محمود بن على الأستادار كان باستقراره مشير الدولة.

وفى يوم الأربعاء تاسع عشرينه جلس السلطان الملك الظاهر بالميدان «1» من تحت القلعة للنظر فى أحوال الرعية والحكم بين الناس على العادة، واستمرّ على ذلك فى كلّ يوم أحد وأربعاء. وفى ثامن عشر شهر ربيع الأوّل أخلع السلطان على الشيخ محمد الرّكراكىّ المالكىّ باستقراره فى قضاء المالكية بالديار المصرية عوضا عن تاج الدين بهرام الدّميرىّ. والرّكراكىّ هذا هو الذي كان امتنع من الكتابة على الفتيا فى أمر الملك الظاهر برقوق لمّا كتب عليها البلقينىّ وغيره من القضاة والعلماء، وضربه منطاش بسبب عدم كتابته. وحبسه إلى أن أطلقه بطا فيمن أطلق من سجن منطاش، فعرف له الظاهر ذلك وولّاه قضاء المالكية. وفيه استقرّ سعد الدين أبو الفرج بن تاج الدين مرسى المعروف بابن كاتب السعدىّ باستقراره فى نظر الخاصّ عوضا عن الصاحب موفّق الدّين، وانفرد موفّق الدين بالوزر. وفى خامس عشرين شهر ربيع الأوّل استقرّ الأمير ألطنبغا الجوبانىّ رأس نوبة الأمراء فى نيابة الشام عوضا عن جنتمر أخى طاز بحكم انضمامه مع منطاش. واستقرّ الأمير قرا دمرداش الأحمدىّ فى نيابة طرابلس ورسم لهما الملك الظاهر فى محاربة الأمير منطاش. وفى يوم السبت أوّل شهر ربيع الآخر استقرّ الأمير مأمور القلمطاوىّ فى نيابة حماة واستقرّ أرغون العثمانىّ فى نيابة الإسكندرية، وآلابغا العثمانىّ حاجب حجّاب دمشق، وأسندمر السيفى حاجب حجّاب طرابلس

وفيه أيضا أنعم السلطان على كل من ألطنبغا الأشرفىّ وسودون باق وبجمان المحمّدىّ بإمرة مائة بدمشق ورسم لهم أن يخرجوا نوّاب البلاد الشامية. وفى سابع عشر شهر ربيع الآخر المذكور استقرّ سعد الدين «1» نصر الله بن البقرىّ فى الوزارة عوضا عن موفّق الدين أبى الفرج، واستقرّ الصاحب علم الدين سنّ إبرة فى نظر الدولة. وفى رابع عشرينه قبض السلطان على الأمير سربغا الظاهرىّ وعلى الأمير أيدكار العمرىّ وعلى بكتمر الدوادار وعلى طشبغا الحسنىّ وقرابغا وأرغون الزّينىّ. وفيه أيضا خلع السلطان على الأمير جلبان الكمشبغاوىّ الظاهرىّ المعروف بقراسقل باستقراره رأس نوبة النّوب بعد وفاة الأمير حسين قجا. كلّ ذلك والأخبار ترد على السلطان بأن المنطاشيّة تدخل فى الطاعة شيئا بعد شىء وأن منطاشا فى إدبار. وفيه أخلع السلطان على الأمير يلبغا الناصرىّ واستقرّ به مقدّم العساكر المتوجّهة لقتال منطاش، وندبه للتوجّه صحبة النوّاب، وقال له: هو غريمك، اعرف كيف تقاتله. وجعل إليه مرجع العسكر جميعه. وفيه أيضا خلع على نوّاب الشام خلع السّفر. وأنعم السلطان على جماعة كبيرة من مماليكه وغيرهم بإمريات بالبلاد الشامية، ورسم أيضا لجماعة من أمراء مصر بالسفر صحبة الأمير يلبغا الناصرىّ لقتال منطاش. وفى عاشر جمادى الأولى برزت أطلاب «2» النّوّاب والأمراء إلى الرّيدانية خارج القاهرة، هذا بعد دخول الأمير قطلوبغا الصّفوى فى طاعة السلطان وحضوره إلى الديار المصرية بمن معه، كما سيأتى ذكره.

وكان من خبر قطلوبغا الصّفوىّ أن منطاشا جهّزه على تجريدة من دمشق لمحاصرة مدينة صفد «1» ، فلما قارب قطلوبغا صفد، دخل هو وجميع من معه فى طاعة السلطان. ثم قدم قطلوبغا المذكور بمن معه فى ثالث عشر جمادى المذكورة، وكان لقدومه يوم مشهود. وعند دخوله إلى القاهرة قدم البريد فى إثره بأن منطاشا لمّا بلغه مخامرة الصفوىّ بمن معه، قبض على الأمير جنتمر أخى طاز نائب الشام وهو أعظم أصحابه وعلى ولده وعلى أستاداره ألطنبغا وعلى الأمير أحمد بن خوجى وعلى الأمير أحمد بن قجق وعلى كمشبغا المنجكىّ نائب بعلبك «2» وعلى القاضى شهاب الدين أحمد بن عمر القرشىّ الشافعىّ قاضى دمشق وعلى عدّة من الأمراء والأعيان؛ هذا ومجىء المنطاشية يتداول إلى مصر شيئا بعد شئ. وفى تاسع عشرينه استقرّ الأمير محمود بن علىّ الأستادار أستادارا على عادته عوضا عن الأمير قرقماس الطشتمرىّ بعد وفاته. هذا والقتال عمّال بالبلاد الشامية فى كلّ قليل بين عسكر منطاش وعساكر السلطان. ثم قدم البريد بأن منطاشا أخذ بعلبك بعد ما حاصرها محمد بن بيدمر نحو أربعة أشهر وأنه وسّط ابن الحنش وأربعة نفر معه.

وفى سابع عشر جمادى الآخرة قدم البريد بأن منطاشا لمّا بلغه قدوم العساكر لقتاله برز من دمشق وأقام بقبة «1» يلبغا أياما، ثم رحل نصف ليلة الأحد ثالث عشر جمادى الآخرة بخواصّه، وهم نحو ستمائة فارس ومعه نحو سبعين حملا ما بين ذهب وفضة، وتوجّه نحو قارا «2» والنّبك «3» ، بعد أن قتل جماعة من المماليك الظاهرية وقتل الأمير ناصر الدين محمد بن المهمندار نائب؟؟؟ اة كان وأنّ الأمير الكبير أيتمش خرج من سجنه بقلعة دمشق، وأفرج عمن كان محبوسا بها، وملك القلعة وأرسل إلى النوّاب يعلمهم بذلك. فلمّا سمع النوّاب ذلك ساروا إلى دمشق وملكوها من غير قتال، فسرّ السلطان بذلك سرورا عظيما ودقت البشائر ونودى بالقاهرة ومصر بالزينة. وفى سابع عشر جمادى الآخرة المذكور، قدم البريد من دمشق بثلاثة عشر سيفا من سيوف الأمراء المنطاشية الذين قبض عليهم بدمشق. ثم فى حادى عشرينه قدم البريد أيضا بثمانية سيوف أيضا من المنطاشية، ثم قدم البريد بسبعة سيوف أخر، منهم سيف الأمير ألطنبغا الحلبىّ وسيف دمرداش اليوسفىّ. وفى ثالث عشرينه قدم البريد بأن الأمير نعير بن حيّار قبض على الأمير منطاش فدقّت البشائر لذلك، ثم تبيّن كذب الخبر. وفى سابع عشرينه حضر الأمراء المقبوض عليهم من المنطاشية بدمشق.

وفى يوم الخميس ثانى شهر رجب قدم القاضى عماد الدين أحمد بن عيسى المقيّرىّ قاضى الكرك إلى القاهرة، بعد أن خرج الأعيان إلى لقائه وطلع إلى القلعة فلمّا وقع بصر السلطان عليه قام له، ومشى لتلقّيه خطوات، وعانقه وأجلسه بجانبه وحادثه ساعة، ثم قام ونزل إلى داره؛ كلّ ذلك لما كان له على السلطان أيام حبسه بالكرك من الخدم. وفى ثانى عشر شهر رجب حضر من دمشق القاضى بدر الدين محمد بن فضل الله كاتب السر والقاضى جمال الدين محمود العجمىّ ناظر الجيش ونزلا فى بيوتهما من غير أن يجتمعا بالسلطان لتوغّر خاطر السلطان عليهما لكونهما توجّها إلى دمشق صحبة منطاش. وفى ثالث عشره أخلع السلطان على القاضى عماد الدين الكركىّ المقدّم ذكره باستقراره قاضى قضاة الديار المصرية عوضا عن القاضى بدر الدين محمد بن أبى البقاء، فصار عماد الدين هذا قاضى قضاة مصر وأخوه علاء الدين المقدّم ذكره كاتب سرّ مصر. ثم قدم الخبر على السلطان من حلب بأن الأمير كمشبغا الحموى نائب حلب لمّا انهزم وتوجّه إلى حلب جهّز إليه منطاش من دمشق بعد عود الملك الظاهر إلى مصر عسكرا عليه الأمير تمان تمر الأشرفى، فوصل تمان تمر المذكور إلى حلب واجتمع به أهل بانقوسا «1» ، وقاتلوا كمشبغا المذكور وحصروه بقلعة حلب نحو أربعة أشهر ونصف، وأحرقوا الباب والجسر، ونقبوا القلعة من ثلاثة مواضع، فنقب كمشبغا على أحد النّقوب من أعلاه، ورمى على من به من فوق بالمكاحل واختطفهم

بكلاليب الحديد، وصار يقاتلهم من النقب فوق السبعين يوما وهو فى ضوء الشموع بحيث إنه لا ينظر شمسا ولا قمرا ولا يعرف الليل من النهار، وقاسى شدائد ومحنّا، ودام ذلك عليه إلى أن بلغ تمان تمر المذكور فرار منطاش من دمشق فضعف أمره، فثار عليه أهل بانقوسا ونهبوه، فحضر حاجب حجّاب حلب إلى الأمير كمشبغا وأعلمه بذلك، فعمّر كمشبغا الجسر فى يوم واحد، ونزل وقاتل أهل بانقوسا يومين، وقد أقاموا عليهم رجلا يعرف بأحمد بن «1» الحرامىّ؟ فلمّا كان اليوم الثالث وقت العصر انكسر أحمد بن الحرامىّ المذكور وقبض كمشبغا عليه وعلى أخيه وعلى نحو الثمانمائة من الأتراك والأمراء والبانقوسية، فوسّطهم كمشبغا بأجمعهم وضرب بانقوسا حتى صارت دكّا، ونهب جميع ما فيها. ثمّ إن الكتاب يتضمّن أيضا أن كمشبغا بالغ فى تحصين قلعة حلب وعمارتها وأعدّ بها مؤونة عشر سنين، وأنه جمع من أهل حلب مبلغ ألف درهم، وعمّر سور مدينة حلب وكان منذ خرّبه هولاكو خرابا، فجاء فى غاية الحسن، وعمل له بابين وفرغه فى نحو الشهرين ونصف، وكان أكثر أهل حلب يعمل فيه وأن الأمير شهاب الدين أحمد بن المهمندار والأمير طغجى «2» نائب دوركى «3» كان لهما قيام تام مع الأمير كمشبغا فى هذه الوقعة. انتهى. قلت: يقال: إنه قتل فى واقعة كمشبغا مع الحلبيين بحلب نحو العشرين ألفا من الفريقين. ثم أشبع بالقاهرة أن الأمير بطا الطولوتمرى الدوادار يريد إثارة فتنة، فتحرّز الأمراء واعتدّوا للحرب إلى أن كان يوم الاثنين عشرينه جلس السلطان بدار العدل «4» على العادة، ثم توجّه إلى القصر ومعه الأمراء فتقدّم الأمير

بطا إلى السلطان وقال للسلطان: قد سمعت ما قيل عنى وهأنا. وحلّ سيفه وعمل فى عنقه منديلا، فسأل السلطان الأمراء عما ذكره الأمير بطا وأظهر أنه لم يسمع شيئا من ذلك، فذكر الأمراء أن الأمير كمشبغا رأس نوبة تنافس مع الأمير بكلمش العلائى أمير آخور. ثم وقع بين الأمير بطا ومحمود الأستادار مخاشنة فى اللفظ، فأشاع الناس ما أشاعوه فجمعهم السلطان وأصلح بينهم. ثم حلّفهم على طاعته وحلّف المماليك أيضا، وطيّب خواطر الجميع بلين كلامه ودهائه؛ وفى النفس من ذلك شىء. ثم أحضر السلطان مملوكا انّهم أنه هو الذي أشاع الفتنة، فضرب ضربا مبرّحا وسمّر على جمل وشهّر، ثم سجن بخزانة «1» شمائل، فلم يعرف له خبر بعد ذلك، وهو من المماليك الظاهرية. ثم قبض السلطان على الأمير يلبغا أحد أمراء العشرات، وسمّر ونودى عليه: هذا جزاء من يرمى الفتن بين الأمراء. وسكنت الفتنة بعد أن كادت أن تثور. وبينما السلطان فى ذلك وصل إليه الخبر من الشام بأن منطاشا ونعير بن حيّاز جمعوا جمعا كبيرا من المماليك الأشرفية والتركمان والعربان وقصدوا النوّاب، والأمير يلبغا الناصرىّ مقدّم العساكر، فلمّا بلغ الناصرىّ ذلك خرج بالعساكر هو والأمير ألطنبغا الجوبانىّ نائب

الشام وغيره من دمشق ونزل بسلمية «1» ، وخلّفوا الأمير الكبير أيتمش البجاسى بدمشق لحفظها، فثار على أيتمش المذكور بدمشق بعد خروج العسكر منها جماعة من المماليك البيدمريّة والطازيّة والجنتمريّة فى طوائف من العامّة يريدون أخذ مدينة دمشق من أيتمش، فأرسل أيتمش بطاقة من قلعة دمشق إلى سلمية، يعلم الأمراء والنوّاب بذلك، فحالما سمع الناصرىّ الخبر ركب ليلا فى طائفة من عسكره وقدم دمشق ومعه الأمير آلابغا العثمانىّ حاجب حجّاب دمشق، وقاتل المذكورين قتالا شديدا، قتل بينهما خلائق كثيرة من العامّة والأتراك، حتى انتصر الناصرىّ وقبض على جماعة منهم ووسّطهم تحت قلعة دمشق، وقبض أيضا على جماعة كثيرة فقطع أيديهم وهم: نحو سبعمائة رجل، قاله الشيخ تقىّ الدين المقريزيّ- سامحه الله- وحبس جماعة أخر. ثم عاد الناصرى إلى سلمية بعد أن مهّد أمر الشام واجتمع مع أصحابه النوّاب، فذكروا له أنّ منطاشا فرّق أصحابه ثلاث فرق، فأشار عليهم الناصرىّ بأنه أيضا يفرّق أصحابه وعساكره، فتفرّقوا هم أيضا ثلاث فرق: الناصرىّ فرقة، والجوبانىّ فرقة، وقرادمرداش نائب طرابلس فرقة. فأما الناصرىّ، فإنه تولّى قتال نعير بن حيّار، فحاربه وكسره أقبح كسرة، وقتل جمعا كبيرا من عربانه؛ على أن نعيرا كان من أصحاب الناصرىّ قبل ذلك، وممن خرج على منطاش غضبا للناصرىّ، وركب الناصرىّ قفا نعير إلى منازله. وأما الأمير قرا دمرداش الأحمدىّ نائب طرابلس فانتدب لقتال منطاش، فإنه كان بينهما عداوة قديمة، فتواقعا وتقاتلا قتالا شديدا، برز فيه كلّ من منطاش وقرا دمرداش لصاحبه، وضرب كلّ مهما الآخر بسيفه، فجاءت ضربة منطاش

فى يد قرا دمرداش، فقلعت عدّة أصابع من أصابعه، وجاءت «1» ضربة قرا دمرداش فى كتف منطاش فحلّته، هذا والحوبانىّ فى القلب واقف بعساكره، فخامرت جماعة من الأشرفية من خجداشية منطاش وجاءت إليه، وصارت من عسكره، وكان حضر إلى الجوبانىّ قبل ذلك جماعة أخر من المماليك الأشرفية، فأحسن إليهم ألطنبغا الجوبانىّ وقرّبهم وجعلهم من خواصّ عسكره، فاتفقوا مع بعض مماليك الجوبانىّ على قتل الجوبانىّ، فلما كان وقت الوقعة، وقد التحم القتال بين الناصرىّ ونعير وبين قرا دمرداش ومنطاش وثبوا عليه من خلفه وقتلوه بالسيوف، ثم قبضوا على الأمير مأمور القلمطاوىّ نائب حماة ووسّطوه، ثم قتلوا الأمير آقبغا الجوهرىّ والثلاثة من عظماء المماليك اليلبغاوية خجداشية الملك الظاهر برقوق وأكابر أمرائه، ثم قتلوا عدّة أمراء أخر من اليلبغاوية وكانت هذه الوقعة من أعظم الملاحم، قتل فيها من الفريقين عالم لا يحصى كثرة وانتهبت العربان والتركمان والعشير «2» ما كان مع العسكرين، وقدم البريد بذلك على السلطان، فشقّ عليه قتل الأمراء إلى الغاية، وأخبر البريد أيضا أنّ منطاش لمّا انكسر من قرا دمرداش وهو مجروح أشيع موته، فأقام الأشرفية عوضه عليهم خجداشهم الأمير ألطنبغا الأشرفىّ، فلما حضر منطاش من الغد غضب من ذلك وأراد قتل ألطنبغا الأشرفىّ فلم تمكّنه الأشرفية من ذلك. وأما يلبغا الناصرىّ فإنه لما رجع من محاربة نعير ووجد الأمير ألطنبغا الجوبانى قد قتل، جمع العساكر وعاد إلى دمشق وأقام به يومين حتى أصلح أمره، ثم خرج من دمشق بجميع العساكر وأغار على آل علىّ، فوسّط منهم جماعة كبيرة نحو مائتى نفس ونهب بيوتهم وكثيرا من جمالهم، وعاد إلى دمشق وكتب للسلطان أيضا بذلك،

فكتب السلطان للناصرىّ الجواب بالشكر والثناء والتأسف على الأمير ألطنبغا الجوبانىّ وغيره وأرسل إليه الأمير أبا يزيد بن مراد بالتقليد والتشريف بنيابة الشام عوصا عن ألطنبغا الجوبانىّ ومبلغ عشرين ألف دينار برسم النفقة فى العساكر. قلت: وأبو يزيد هذا هو الذي كان اختفى عنده الملك الظاهر برقوق لمّا خلع نفسه عند حضور الناصرىّ ومنطاش إلى الديار المصرية. ثم فى يوم الخميس أوّل ذى الحجة من سنة اثنتين وتسعين المذكورة، رسم السلطان للأمير قرا دمرداش الأحمدىّ نائب طرابلس باستقراره فى نيابة حلب عوضا عن الأمير كمشبغا الحموىّ بحكم عزله وقدومه إلى القاهرة وجهّز إليه التقليد والتشريف على يد الأمير تنبك المعروف بتنم الحسنىّ الظاهرىّ. ثم فى خامس ذى الحجّة استقرّ السلطان بالأمير إينال من خجا أتابك حلب باستقراره فى نيابة طرابلس عوضا عن الأمير قرا دمرداش المنتفل لنيابة حلب، واستقرّ الأمير آقبغا الجمالىّ الظاهرىّ أتابك حلب عوضا عن إينال المذكور واستقر الأمير محمد بن سلّار حاجب حجّاب حلب وكتب لسولى بن دلغادر بنيابة أبلستين «1» . ثم فى يوم عيد النحر خرج الأمير بيليك المحمدىّ لإحضار الأمير كمشبغا الحموىّ اليلبغاوىّ نائب حلب، ثم أرسل السلطان الملك الظاهر الأمير تمربغا المنجكىّ بمال كبير ينفقه فى العساكر الشاميّة ويجهّزهم إلى عينتاب «2» لقتال منطاش. ثم فى سادس محرّم سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة ورد الخبر من دمشق بأن الأمير يلبغا الناصرىّ تنافس هو والأمير الكبير أيتمش البجاسىّ فأضمر الناصرىّ الخروج

عن الطاعة ولبس السلاح وألبس حاشيته ونادى بدمشق من كان من جهة منطاش فليحضر، فصار إليه نحو ألف ومائتى فارس من المنطاشيّة، فقبض على الجميع وسجنهم، ثم قلع السلاح وكتب بذلك إلى السلطان يعرّفه، فأجابه السلطان بالشكر والثناء. ثم فى ثانى صفر رسم السلطان بهدم سلالم مدرسة «1» السلطان حسن فهدمت وفتح بابها من شباك بالرّميلة تجاه باب السلسلة. ثم قدم الأمير كمشبغا الحموىّ نائب حلب إلى القاهرة فى سابع صفر، بعد أن خرج الأمير سودون النائب مع أعيان الأمراء والحجّاب إلى لقائه وطلع إلى القلعة وقبّل الأرض، فقام له السلطان واعتنقه وأجلسه فى الميمنة فوق الأمير الكبير إينال اليوسفىّ ونزل إلى دار أعدّت له، وبعث له السلطان ثلاثة أرؤس من الخيل بقماش ذهب وحضر مع كمشبغا أيضا الأمير حسام الدين حسن الكجكنىّ نائب الكرك وكان قد انهزم مع كمشبغا نائب حلب من يوم وقعة شقحب، فرحّب السلطان به أيضا وأكرمه وأرسل إليه فرسا بقماش ذهب وقدم معهما أيضا عدّة أمراء أخر. ثم قدم البريد فى أثناء ذلك بأن العساكر الشامية وصلت إلى مدينة عينتاب ففرّ منطاش إلى جهة مرعش «2» وفرّ من عنده جماعة كبيرة ودخلوا تحت طاعة السلطان.

ثم أحضر السلطان الأمير حسام الدين حسن بن باكيش نائب غزّة من السجن وضربه بالمقارع وأحضر أيضا آقبغا الماردينىّ نائب الوجه القبلى وضربه على أكتافه وأمر والى القاهرة بتخليص حقوق الناس منه واستقرّ عوضه فى كشف الوجه القبلىّ الأمير يلبغا الأحمدىّ المجنون أحد المماليك الظاهرية. ثم فى تاسع عشرينه أحضر السلطان القاضى شهاب الدين أحمد بن الجبّال الحنبلىّ قاضى طرابلس فضرب بين يديه عدّة عصىّ بسبب قيامه مع منطاش. ثم أنعم السلطان على الأمير حسام الدين الكجكنى نائب الكرك كان بإقطاع أرغون العثمانىّ البجمقدار نائب الإسكندرية والإقطاع تقدمة ألف بالقاهرة. ثم خرج البريد من مصر بإحضار الأمير أيتمش البجاسىّ من دمشق وكان بها من يوم قبض عليه الناصرىّ فى واقعة الناصرىّ ومنطاش مع الملك الظّاهر برقوق وحبس بقلعة دمشق إلى أن أطلق بعد خروج منطاش من دمشق واستمرّ بدمشق لمصالح الملك الظاهر حتى طلب فى هذا التاريخ وخرج بطلبه الأمير قنق باى الأحمدىّ رأس نوبة، فقدم فى يوم الاثنين رابع جمادى الأولى على البريد، فتلقّاه الأمير سودون النائب والحجّاب وقدم مع أيتمش المذكور عدّة أمراء، منهم: آلابغا العثمانىّ حاجب حجّاب دمشق والأمير أيتمش المذكور والأمير جنتمر أخو طاز نائب دمشق كان وأمير ملك ابن أخت جنتمر ودمرداش اليوسفىّ وألطنبغا الحلبىّ وكثير من المماليك السلطانية وجماعة أخر والجميع فى الحديد على ما يأتى ذكرهم، ما خلا المماليك الظاهريّة وطلع الأمير أيتمش إلى السلطان وقبّل الأرض فأكرمه السلطان وأجلسه فى الميسرة تحت الأمير سودون النائب وكانت منزلته فى الميمنة، فإنّه كان أتابك العساكر بالديار المصرية قبل توجّهه إلى قتال الناصرىّ، لكنه لمّا حضر الآن كان بطّالا وكان الأتابك يومئذ الأمير إينال

اليوسفىّ اليلبغاوىّ، على أنه يجلس تحت الأمير الكبير كمشبغا الحموىّ نائب حلب كان، فلو جلس الأمير أيتمش الآن فى الميمنة لجلس ثالثا، فإنّه لا يمكنه الجلوس، فوقف إينال كونه متولّيا أتابك العساكر وأيتمش الآن منفصل، فرسم له السلطان أن يجلس فى الميسرة ولم يجسر أن يأمره بالجلوس فوقه لكبر سنّه وقدمته، فجلس تحته. قلت: وهذا شأن الدنيا، الرفع والخفض، ثم أحضر السلطان الأمراء القادمين صحبة الأمير الكبير أيتمش وعدّتهم ستة وثلاثون أميرا ومعهم أيضا قاضى القضاة شهاب الدين أحمد بن عمر القرشىّ الشافعىّ قاضى قضاة دمشق والقاضى فتح الدين محمد بن محمد بن أبى بكر بن إبراهيم بن الشهيد كاتب سرّ دمشق وابن شكر ناظر جيش دمشق والجميع فى القيود، فونّج السلطان ألطنبغا الحلبىّ وجنتمر نائب الشام وابن القرشىّ وأطال الحديث معهم وكانوا قابلوه فى محاربته لدمشق بأشياء قبيحة إلى الغاية وأفحشوا فى أمره إفحاشا زائدا، بحيث إنّ القاضى شهاب الدين القرشىّ المذكور كان يقف على سور دمشق وينادى: إن قتال برقوق أوجب من صلاة الجمعة وكان يجمع عوامّ دمشق ويحرّضهم على قتاله ويرمى الملك الظاهر بعظائم فى دينه ويختلق عليه ما ليس هو فيه. ثم أمر بهم الملك الظاهر فسجنوا وأسلم ابن شكر لشادّ الدواوين، فعصره والزمه بحمل ستة «1» آلاف دينار ثم أفرج عنه. ولما نزل الأمير أيتمش إلى داره بعث إليه السلطان بأشياء كثيرة من الخيل والجمال والقماش والمماليك، ثم قبض السلطان على أسندمر وإسماعيل التّركمانىّ وكزل القرمىّ وآقبغا البجاسىّ وسربغا وسلّمهم إلى والى القاهرة.

ثم قبض السلطان أيضا على أحد عشر أميرا وهم: قطلوبغا الطّشتمرىّ الحاجب وطقطاى الطّشتمرىّ الطواشى الرومىّ وآلابغا الطشتمرىّ وقرابغا السيفىّ وآقبغا السيفىّ وبيبغا السيفىّ وطيبغا السيفىّ ومحمد بن بيدمر أتابك دمشق وخير بك الخوارزمىّ ومنجك الزّينىّ وأرغون شاه السيفىّ وحبسهم ورسم بتسمير أسندمر الشّرفىّ رأس نوبة وآقبغا الظّريف البجاسىّ وإسماعيل التّركمانىّ وكزل القرمىّ وسربغا، فسمّروا وشهّروا بالقاهرة. ثم وسّطوا بالكوم «1» وهذا شىء لم يفعله ملك قبله بأمير، ففعل ذلك لما كان فى نفسه منهم. ثم أحضر السلطان الأمير ألطنبغا الحلبىّ وألطنبغا أستادار جنتمر إلى مجلس قاضى القضاة شمس «2» الدين الرّكراكىّ المالكىّ وادّعى عليهما بما يقتضى القتل فسجنهما القاضى بخزانة شمائل «3» مقيّدين. ثم قبض السلطان على الأمير سنجق الحسنىّ نائب طرابلس كان، ثم شكا رجل القاضى شهاب الدين القرشىّ إلى السلطان فأحضره السلطان من السجن وادّعى عليه غريمه بمال له فى قبله وبدعاوى شنيعة، فأمر به السلطان فضرب بالمقارع وسلّم إلى والى القاهرة ليخلّص منه مال المدّعى عليه، فضربه الوالى وأهانه وعصره مرارا ثم سجنه بخزانة شمائل. ثم وقف شخص وادّعى أن أمير ملك ابن أخت جنتمر أخذ له ستمائة ألف درهم وأغرى به منطاش، حتّى ضربه بالمقارع، فأحضره السلطان حتّى سمع

الدّعوى. ثم أمر به فضرب بالمقارع ضربا مبرّحا وسلّمه إلى والى القاهرة، فمات بعد ثلاثة أيام تحت العقوبة. ثم قبض السلطان على مماليك الأمير بركة الجوبانىّ والمماليك الذين خدموا عند منطاش وتتبّعوا من الأماكن، ثم ضرب والى القاهرة القاضى شهاب الدين أحمد القرشى نحو مائتى شيب «1» . ثم قدم البريد من الشام بأن منطاشا فى أوّل شهر رجب قدم دمشق وكان من خبر منطاش أنّ الناصرىّ لمّا كان بدمشق ورد عليه الخبر بمجيء منطاش إليه فخرج من وقته بعساكره يريد لقاءه على حين غفلة ومرّ من طريق الزّبدانىّ «2» ، فبادر أحمد بن شكر بجماعة البيدمرية ودخل دمشق من باب كيسان «3» ونهب إسطبل الناصرىّ وإسطبلات أمراء دمشق وخرج يوم الأحد تاسع عشرين جمادى الآخرة من دمشق ليلحق منطاش، فدخل منطاش من صبيحة اليوم وهو يوم الاثنين أوّل رجب إلى دمشق من طريق آخر ونزل بالقصر «4» الأبلق ونزل جماعته حوله، فعاد ابن شكر فى إثره إلى دمشق وأحضر إليه الخيول التى أخذها وهى نحو ثمانمائة فرس

وكان منطاش لمّا خرج من عند نعير يريد دمشق، سار إلى مرعش «1» على العمق «2» حتى قدم على حماة فطرق نائبها بغتة فانهزم نائب حماة إلى نحو طرابلس من غير قتال، فدخل منطاش حماة ولم تحدث بها مظلمة. ثم توجّه منها إلى حمص ففرّ منها أيضا نائبها إلى دمشق ومعه نائب بعلبك واجتمعا بالناصرىّ وعرّفاه الخبر، فخرج الناصرىّ على الفور- كما قدمنا ذكره- من طريق وجاء منطاش من طريق آخر. انتهى. ثم إن منطاشا لما أقام بالقصر «3» الأبلق ندب أحمد بن شكر المذكور ليدخل إلى مدينة دمشق ويأخذ من أسواقها المال، فبينما هو فى ذلك إذ قدم الناصرى بعساكره فاقتتلا قتالا عظيما دام بينهم أياما إلى أواخر الشهر، وقتل كثير من الفريقين والأكثر ممن كان مع منطاش وفرّ عن منطاش معظم التركمان الذين قدموا معه شيئا بعد شىء، وصار منطاش محصورا بالقصر الأبلق والقتال عمّال بينهم فى كل يوم، حتى وجد منطاش له فرصة، ففرّ إلى جهة التركمان وتبعه عساكر دمشق فلم يدركه أحد، فعظم هذا الخبر على الملك الظاهر برقوق إلى الغاية واتّهم الناس الناصرىّ بالتراخى فى قتال منطاش. ثم إن الملك الظاهر خلع على الأمير قطلوبغا الصوىّ باستقراره حاجب الحجّاب بديار مصر وعلى الأمير بتخاص باستقراره حاجب ميسرة وعلى الأمير قديد

باستقراره حاجبا ثالثا بإمرة طبلخاناه وعلى الأمير على باشاه باستقراره حاجبا رابعا وخلع على الأمير يلبغا الأشقر الأمير آخور باستقراره فى نيابة غزة عوضا عن آقبغا الصغير بحكم طلبه إلى القاهرة وعلى ناصر الدين محمد بن شهرى فى نيابة ملطية «1» ثم خلع السلطان على الأمير أرغون شاه الإبراهيمىّ الظاهرىّ الخازندار، باستقراره حاجب حجاب دمشق عوضا عن آلابغا العثمانىّ واستقر آلابغا العثمانى المذكور فى نيابة حماة. قلت: وكلّ من نذكره من هذا الوقت وننعته بالظاهرىّ فهو منسوب إلى الملك الظاهر برقوق ولا حاجة للتعريف بعد ذلك. ثم أنعم السلطان على كلّ من قاسم ابن الأمير الكبير كمشبغا الحموىّ ولاجين الناصرىّ وسودون العثمانىّ النظامىّ وأرغون شاه الآقبغاوىّ وسودون من باشاه الطغاى تمرىّ وشكرباى العثمانى الظاهرىّ وقجق القرمشىّ «2» الظاهرىّ بإمرة طبلخاناه وعلى كل من قطلوبغا الطّقتمشىّ وعبد الله أمير زاه ابن ملك الكرج «3» وكزل الناصرىّ

وعلّان «1» اليحياوىّ الظاهرىّ وكمشبغا الإسماعيلىّ الظاهرىّ وقلمطاى العثمانىّ الظاهرىّ بإمرة عشرة. ثم فى تاسع شهر رجب ضرب القاضى شهاب الدين القرشىّ قاضى قضاة دمشق بخزانة شمائل «2» ، حتى مات تحت العقوبة من ليلته وأخرج على وقف الطّرحى. ثم فى خامس عشر رجب اجتمع القضاة والأمير بتخاص الحاجب بالمدرسة «3» الصالحية بين القصرين وأحضر الأمير ألطنبغا دوادار جنتمر وأوقف تحت الشّباك عند خيمة الغلمان على الطريق وادّعى عليه بما اقتضى إراقة دمه وشهد عليه وضربت رقبته، ثم فعل بالأمير ألطنبغا الحلبىّ مثله وحملت رءوسهما على رمحين ونودى عليهما بشوارع القاهرة. ثم رسم السلطان فى أوّل شعبان بخروج تجريدة من الأمراء إلى الشام لتكون معاونة للناصرىّ على قتال منطاش، فأخذ من عيّن للسفر فى التجهيز، ثم أشيع سفر السلطان بنفسه وأخذ أرباب الدولة فى إصلاح أمر السفر. ثم فى خامس شعبان قتل السلطان الأمير حسام الدين حسن بن باكيش نائب غزّة كان، وسببه أنّه لمّا عوقب واستمرّ محبوسا بخزانة شمائل جمع ولده كثيرا من العشير ونهب الرملة «4» وقتل كثيرا من الناس، فلما بلغ السلطان ذلك أمر بقتله فقتل

ثم ضرب السلطان الأمير حسام الدين حسين بن علىّ الكورانىّ فى سجنه بخزانة شمائل بالمقارع ضربا مبرّحا. ثم فى عاشر شعبان علّق السلطان جاليش «1» السفر إلى بلاد الشام فتحقّق كلّ أحد عند ذلك بسفر السلطان وأصبح من الغد وهو يوم حادى عشر شعبان تسلّم الأمير علاء الدين علىّ بن الطّبلاوىّ والى القاهرة الأمير صراى تمر دوادار منطاش الذي كان والى الغيبة بديار مصر وكان سكن بباب «2» السلسلة والأمير تكا الأشرفىّ ودمرداش القشتمرىّ ودمرداش اليوسفى وعليّا الجركتمرىّ، فقتلوا جميعا إلّا عليّا الجركتمرىّ فإنّه عصر وعوقب، ثم قتل بعد ذلك مع الأمير قطلوبغا النظامىّ نائب صفد. ثم فى ثانى عشره عرض السلطان المحابيس من المنطاشية فأفرد [منهم «3» ] جماعة كبيرة للقتل فقتلوا فى ليلة الأحد ثالث عشره، منهم الأمير جنتمر أخو طاز نائب الشام والأمير ألطنبغا الجربغاوىّ والطواشى طقطاى الطّشتمرىّ الرومىّ والقاضى فتح الدين محمد بن الشهيد كاتب سر دمشق، ضربت أعناقهم بالصحراء. ثم خلع السلطان فى يوم خامس عشر شعبان على القاضى جمال الدين محمود القيصرىّ العجمىّ وأعيد إلى قضاء القضاة الحنفية بالديار المصرية وصرف قاضى القضاة مجد الدين إسماعيل ونزل فى موكب جليل وكتب له فى توقيعه الجناب العالى،

كما كتب للقاضى عماد الدين أحمد الكركىّ وكان سبب كتابة ذلك لعماد الدين إيادى سلفت له على الملك الظاهر برقوق فى أيام حبسه فى الكرك وأيضا اعتنى به أخوه القاضى علاء الدين على الكركىّ كاتب السر الشريف وهو أوّل من كتب له: الجناب العالى من المتعمّمين وما كان يكتب ذلك إلا للوزير بديار مصر فقط وكان يكتب للقضاة بالمجلس العالى. ثم فى ثامن عشر شعبان المذكور قبض السلطان على عدّة من الأمراء فسجنوا بالقلعة، فكان ذلك آخر العهد بهم. وفيه عيّن السلطان لنيابة الغيبة الأمير كمشبغا الحموىّ اليلبغاوىّ ورسم للأمير سودون الفخرىّ الشيخونىّ النائب أن يتحوّل إلى قلعة الجبل، فتحوّل إليها هو والأمير بجاس النّوروزىّ ورسم السلطان بأن يقيم بالقلعة أيضا ستمائة مملوك وأميرهم تغرى بردى اليشبغاوى الظاهرىّ رأس نوبة، أعنى: (الوالد) والأمير الطواشى صواب السعدىّ شنكل مقدّم المماليك السلطانية وتعيّن للإقامة بالقاهرة من الأمراء الأمير قطلوبغا الصّفوى حاجب الحجّاب والأمير بتخاص السّودونىّ الحاجب الثانى والأمير قديد القلمطاوىّ الحاجب الثالث وأحد أمراء الطبلخاناه والأمير طغاى تمر باشاه الحاجب وقرابغا الحاجب فى عدة من الأمراء العشرات. ورسم للشيخ سراج الدين عمر البلقينىّ وقاضى القضاة بدر الدين بن أبى البقاء وهو غير قاض والقاضى بدر الدين محمد بن فضل الله [العمرى «1» ] المعزول عن كتابة السرّ وقضاة العسكر ومفتى دار العدل بالسفر صحبة السلطان من جملة القضاة الأربعة فتجهّزوا لذلك.

ونزل السلطان بعد صلاة الظهر فى يوم الثلاثاء ثانى عشرين شعبان المذكور من قلعة «1» الجبل وتوجّه حتى نزل بالرّيدانية خارج القاهرة وأقام به، ثم طلب من الغد سائر المسجونين بخزانة شمائل إلى الريدانية، فحضروا وعرضوا على السلطان، فأفرد منهم سبعة وثلاثين رجلا، فأمر بثلاثة منهم فغرّقوا فى النيل: وهم محمد بن الحسام أستادار أرغون أسكى وأحمد بن النقوعىّ ومقبل الصّفوى وسمّر منهم سبعة وهم: شيخ الكريمى وأسندمر نائب قلعة الجبل وثلاثة من أمراء الشام واثنان من التّركمان «2» ، ثمّ وسّطوا، ثمّ قتل من بقى منهم فى السجن. ثمّ فى رابع عشر منه استقر ناصر الدين محمد بن كلبك «3» شاد الدواوين، وأنعم على الأمير أبى بكر بن سنقر الجمالى بإمرة طبلخاناه ورسم له بإمرة الحاج. ثم رحل السلطان الملك الظاهر بعساكره من الريدانية فى سادس عشرين شعبان سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة وبعد سفر السلطان من الرّيدانيّة قتل والى القاهرة اثنى عشر أميرا من الأمراء المسجونين بالقاهرة فى ليلة الثلاثاء، وهم: أرغون شاه السّيفى وآلابغا الطشتمرىّ وآقبغا السيفى وبزلار الخليلىّ وآخرون.

ثمّ فى ليلة الأربعاء سلخه قتل الأمير صنجق الحسنى «1» نائب حماة، ثمّ طرابلس وقرابغا السيفىّ ومنصور حاجب غزّة وأظنّ هؤلاء هم تمام السبعة والثلاثين نفرا الذين عرضهم السلطان بالريدانية. والله أعلم. ثمّ استقل السلطان بالمسير إلى نحو البلاد الشامية حتى دخل دمشق فى يوم الخميس ثانى عشرين شهر رمضان وقد زيّنت له دمشق وخرج الأمير يلبغا الناصرى نائب الشام إلى لقائه بمنزلة اللّجون «2» ، فكان لدخوله إلى دمشق يوم مشهود وحمل الناصرىّ على رأسه القبّة والطير وعند دخول السلطان إلى دمشق نادى فيها بالأمان لأهل دمشق، فإنهم كانوا قاموا مع منطاش قياما عظيما وأفحشوا فى أمر الملك الظاهر وقتاله. ثم فى يوم ثالث عشرين شهر رمضان صلّى السلطان صلاة الجمعة بجامع «3» دمشق وعند ما فرغ السلطان من الصلاة نادى الجاويش فى الناس بالأمان، والماضى

لا يعاد، ونحن من اليوم تعارفنا، فضجّ الناس بالدعاء للسلطان وخرجوا من بيوتهم إلى معايشهم وحوانيتهم وأمنوا بعد أن كانوا فى وجل وخوف وهم مترقّبون ما يحلّ بهم منه، لما وقع منهم فى حقّه فى السنة الماضية لمّا حضر منطاش ومبالغتهم فى سبّه ولعنه واستمرارهم على قتاله. وأمّا الأمير كمشبغا نائب الغيبة فإنه عمل النيابة على أعظم حرمة، حتى إنّه نادى فى تاسع عشرين شهر رمضان بمنع النساء فى يوم العيد إلى التّرب، ومن خرجت وسّطت هى والمكارى وألّا يركب أحد فى مركب للتفرّج وأشياء كثيرة من هذا النّموذج، فلم يجسر أحد على مخالفته. ثم نادى ألّا تلبس امرأة قميصا واسع الأكمام ولا يزيد تفصيل القميص على أكثر من أربعة عشر ذراعا، وكان النساء بالغن فى سعة القمصان حتى كان يفصّل القميص الواحد من اثنين وسبعين ذراعا من القماش، فمشى ذلك وفصّلوا قمصانا سمّوها كمشبغاويّة. ورأيت أنا القمصان الكمشبغاويّة المذكورة، وكان أكمامها مثل أكمام قمصان العربان. وأمّا السلطان الملك الظاهر برقوق فإنّه أقام بدمشق إلى ثانى شوّال وخرج منه يريد مدينة حلب، فسار بعساكره حتى وصلها فى ثانى عشرين شوّال، بعد أن أقام بمدينة حمص وحماة أيّاما كثيرة وأعاد السلطان القاضى بدر الدين محمد بن فضل الله إلى كتابة السّرّ لضعف القاضى علاء الدين الكركىّ وعندما دخل السلطان إلى حلب ورد عليه الخبر أن سالما الدّوكارىّ قبض على الأمير منطاش وأنّ صاحب ماردين «1»

قبض أيضا على جماعة من المنطاشية، فسّر السلطان بذلك وبعث بالأمير قرا الأحمدىّ نائب حلب فى عساكر حلب لإحضار منطاش من عند سالم الدّوكارىّ، فسار قرا دمرداش حتى وصل إلى سالم الدوكارىّ وأقام عنده أربعة أيام يطالبه بتسليم منطاش وهو يماطله، فحنق منه قرا دمرداش وركب بمن معه من العساكر ونهب بيوته وقتل عدّة من أصحابه وفرّ سالم بمنطاش إلى سنجار «1» ، وامتنع بها وفى عقب ذلك وصل الأمير يلبغا الناصرىّ نائب الشام إلى بيوت سالم الدّوكارىّ قرا دمرداش ما وقع منه فى حقّ سالم وأغلظ له فى القول وهم أن يضربه بالسيف، فدخل بعض الأمراء بينهما حتى سكّن ما به وكادت الفتنة أن تقوم بينهما ويعود الأمر على ما كان عليه أوّلا. وأما الأمير الكبير إينال اليوسفىّ فإنّه وجّه السلطان إلى صاحب ماردين، فسار إلى رأس عين «2» وتسلّم منه الجماعة المقبوض عليهم من المنطاشية وعاد بهم إلى السلطان وكبيرهم الأمير قشتمر الأشرفىّ وبكتاب صاحب ماردين وهو يعتذر فيه ويعد بتحصيل غريم السلطان، فكتب له الجواب بالشكر والثناء.

وأما السلطان لمّا بلغه ما جرى بين يلبغا الناصرىّ نائب الشام وبين قرا دمرداش الأحمدىّ نائب حلب وعودهما من غير طائل، غلب على ظنه صحة ما نقل عن يلبغا الناصرىّ قبل تاريخه أنّ قصده مطاولة الأمر بين الملك الظاهر وبين منطاش وأن منطاش لم يحضر إلى دمشق فيما مضى إلّا بمكاتبته له بقدومه وأنه طاوله فى القتال، (أعنى: لمّا كان نزل منطاش بالقصر الأبلق «1» بميدان دمشق) ولو شاء الناصرىّ لكان أخذه فى أقلّ من ذلك وأنّ رسل الناصرىّ كانت ترد على منطاش فى كلّ ليلة بما يأمره به وأنّ سالما الدوكارىّ لم يدخل بمنطاش إلى سنجار إلّا بمكاتبته وقوى عند الملك الظاهر برقوق وتحرّكت عنده تلك الكمائن القديمة من خروجه عليه وخلعه من الملك وحبسه بالكرك وكلّ ما هو فيه إلى الآن من الشرور والفتن، فالناصرىّ هو السبب فيها وسكت حتى قدم الناصرىّ إلى حلب، فقبض عليه وعلى الأمير شهاب الدين أحمد بن المهمندار نائب حماة وعلى الأمير كشلى أمير آخور الناصرىّ

والشيخ حسن رأس نوبته وسجن الجميع بقلعة حلب، ثم قتلهم من ليلته بقلعة حلب. وكان الناصرىّ من أجلّ الأمراء ومن أكابر مماليك الأتابك يلبغا العمرىّ، وقد تقدّم من أمره فى ترجمة الملك الظاهر برقوق الأولى وفى ترجمة الملك المنصور حاجىّ وما وقع له مع منطاش وغيره ما يغنى عن التعريف به هنا ثانيا. قال قاضى القضاة بدر الدين محمود العينىّ الحنفىّ فى تاريخه «1» فى حق يلبغا الناصرىّ المذكور: وكان من ابتداء إنشائه من أيام الملك الناصر حسن إلى آخر عمره على فتنة وسوء رأى وتدبير وشؤم؛ حتى قيل: إنه ما كان مع قوم فى أمر من الأمور إلّا وقد حصل لهم العكس وشوهد ذلك منه، كان مع أستاذه يلبغا الخاصّكىّ العمرىّ فانكسر، ثم أسندمر الناصرىّ فغلب وانقهر، ثم مع الأشرف شعبان بن حسين فقتل، ثم مع الأمير بركة فخذل، انتهى كلام العينىّ. قلت: نصرته على الملك الظاهر برقوق وأحده مملكة الديار المصريّة وحبسه للملك الظاهر برقوق بالكرك بكلّ ما قاله العينىّ، وقد فات العينىّ أيضا كسرة الناصرىّ من منطاش بباب السلسلة وحبس منطاش له، لأنّ قضيته مع منطاش كانت أعظم شاهد للعينىّ فيما رماه به من الشؤم. انتهى. ثم عزل الملك الظاهر الأمير قرا دمرداش عن نيابة حلب، وأنعم عليه بتقدمة ألف بالديار المصريّة، عوضا عن الأمير بطا الطّولوتمرىّ الظاهرىّ الدوادار الكبير بحكم انتقال بطا إلى نيابة الشام عوضا عن الأمير الكبير يلبغا الناصرىّ المقدّم

ذكره، وخلع السلطان على بطا المذكور، وعلى جلبان الكمشبغاوى الظاهرىّ رأس نوبة النّوب المعروف بقرا سقل باستقراره فى نيابة حلب عوضا عن قرا دمرداش الأحمدىّ فى يوم واحد، وهما أوّل من ترقّى من مماليك الملك الظاهر إلى الرّتب وولى الأعمال الجليلة. ثم خلع الملك الظاهر على الأمير فخر الدين إياس الجرجاوى باستقراره فى نيابة طرابلس، وأخلع على الأمير دمرداش المحمدىّ الظاهرى بنيابة حماة، وخلع على الأمير أبى يزيد بن مراد الخازن باستقراره دوادارا كبيرا عوضا عن بطا المنتقل إلى نيابة الشام، وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه، لما لأبى يزيد المذكور على السلطان من الإيادي عند ما اختفى عنده فى محنة الناصرىّ ومنطاش. ثم أنعم السلطان على الأمير تنبك اليحياوىّ الظاهرىّ بإقطاع جلبان قرا سقل المنتقل إلى نيابة حلب. ثم خرج السلطان من حلب فى يوم الاثنين أوّل ذى الحجّة عائدا إلى دمشق فدخلها فى ثالث عشرين «1» ذى الحجّة، وقتل بها يوم دخوله الأمير آلابغا العثمانى الدوادار الكبير كان، والأمير سودون باق أحد مقدّمى الألوف أيضا، وسمّر ثلاثة عشر أميرا منهم الأمير أحمد بن بيدمر أتابك دمشق، وأحمد بن أمير علىّ الماردينىّ أحد مقدّمى الألوف بدمشق، ويلبغا العلائىّ، وقنق باى السّيفىّ، نائب ملطية، وكمشبغا السيفى نائب بعلبكّ، وغريب الخاصّكى أحد أمراء الطبلخاناه بمصر، وقرا بغا العمرى وجماعة أخر ووسّطوا الجميع، وأقام السلطان بدمشق، وأهلها على تخوّف عظيم منه إلى أن خرج منها فى العشر الأخير من ذى الحجّة سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة عائدا إلى الديار المصرية، فسار بعساكره حتى دخل مدينة غزّة فى يوم الجمعة ثالث محرّم

سنة أربع وتسعين وسبعمائة، فعند ذلك نودى بالقاهرة بالزّينة لقدومه، فزيّنت أعظم زينة إلى يوم ثالث عشر المحرّم، فقدم البريد من السلطان إلى مصر بالخروج إلى ملاقاته إلى بلبيس «1» ، فخرج الأمير كمشبغا الحموىّ نائب الغيبة، ومعه الأمير سودون الشيخونىّ النائب، وبقية الأمراء، وساروا حتى وافوا السلطان بمدينة بلبيس، فقبّلوا الأرض بين يديه وعادوا فى ركابه حتى نزل السلطان بالعكرشة «2» ، وأقام بها إلى ليلة الجمعة، ثم رحل فى صبيحة الجمعة سابع عشر المحرّم، فخرج من القاهرة سائر الطوائف إلى لقائه ومشوا فى خدمته، وقد اصطفّت الناس لرؤيته إلى أن طلع إلى القلعة يوم الجمعة المذكور فى موكب جليل إلى الغاية، وكان لطلوعه يوم مشهود. ولمّا طلع إلى القلعة جلس بالقصر وخلع على الأمراء وأرباب الوظائف. ثم قام ودخل إلى الدور السلطانية، فاستقبله المغانى والتهانى وفرشت الشّقق الحرير تحت أقدامه، ونثر على رأسه الذهب والفضّة، هذا! وقد تخلّق غالب أهل القلعة بالزّعفران. فلم يمض بعد ذلك إلا أيام يسيرة، وقدم البريد من دمشق فى يوم خامس عشرينه بسيف الأمير بطا الطّولوتمرىّ الظاهرىّ نائب الشام، وبطا هذا! هو الذي خرج من سجن القلعة وملك باب السلسلة فى غيبة الملك الظاهر برقوق حسب ما ذكرناه فى وقته من هذا الكتاب، واتّهم الملك الظاهر فى موته، فخلع السلطان

فى يوم سابع عشرينه على الأمير سودون طرنطاى بنيابة دمشق، عوضا عن بطا المذكور. ثمّ فى يوم الاثنين ثانى عشر صفر قبض السلطان على الأمير قرا دمرداش الأحمدىّ اليلبغاوىّ المعزول قبل تاريخه عن نيابة حلب وعلى الأمير ألطنبغا، المعلم نائب الإسكندرية وهو أيضا يلبغاوىّ، وسجنا بالبرج من القلعة، وقرا دمرداش هذا! هو الذي كان الملك الظاهر خلع عليه باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية، وأنعم عليه بثلاثين ألف دينار، فأخذها قرا دمرداش وخامر عليه وتوجّه إلى الناصرىّ ومنطاش فأسرّ له السلطان ذلك إلى يوم «1» قبض عليه، فذكرها للأمراء وقد ذكرنا ذلك كلّه مفصّلا فى ترجمة الملك الظاهر الأولى. ثمّ فى خامس عشرين صفر أيضا مسك السلطان الأمير قردم الحسنىّ اليلبغاوىّ رأس نوبة النوب كان وأخرج بعد أيام على إمرة عشرة بغزّة، ثم خلع السلطان على الأمير قلمطاى العثمانىّ الظّاهرىّ باستقراره أمير جاندار بعد موت قطلوبغا القشتمرىّ وخلع على ناصر الدين محمد ابن الأمير محمود الأستادار بنيابة الإسكندرية عوضا عن ألطنبغا المعلّم المقبوض عليه. ثمّ قدم البريد من دمشق بأنّ خمسة من المماليك أتوا إلى نائب قلعة دمشق مشاة، وشهروا سيوفهم وهجموا القلعة وملكوها وأغلقوا بابها وأخرجوا من بها من المنطاشيّة والناصريّة وهم نحو مائة رجل وقتلوا نائب القلعة ومن معه وأنّ حاجب حجّاب دمشق ركب بعسكر دمشق وقاتلهم ثلاثة أيام حتى أخذ القلعة منهم وقبض على الجميع إلا خمسة، فإنهم فرّوا فوسّط الحاجب الجميع.

ثمّ فى ثالث عشرين شهر ربيع الآخر رسم السلطان بقتل الأمير أيدكار العمرىّ حاجب الحجّاب كان والأمير قراكسك والأمير أرسلان اللّفّاف والأمير أرغون شاه. ثمّ فى أوّل جمادى الأولى أحضرت إلى القاهرة من الإسكندريّة عدّة رءوس من الأمراء المسجونين بها وغيرهم. وفى تاسع عشر شهر جمادى الأولى المذكور خلع السلطان على الأمير كمشبغا الحموىّ باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية بعد موت الأمير إينال اليوسفىّ اليلبغاوىّ، على أن كمشبغا كان يجلس فوق إينال المذكور. ثمّ خلع السلطان على الأمير أيتمش البجاسىّ باستقراره رأس نوبة الأمراء وأطابكا وأنعم عليه بزيادة على إقطاعه حتى صار إقطاعه يضاهى إقطاع الأمير الكبير، لأن أيتمش المذكور كان ولى الأتابكيّة بديار مصر فى سلطنة الملك الظاهر الأولى إلى أن مسكه الناصرىّ وحبسه بقلعة دمشق وقد تقدّم ذلك. وفى يوم الاثنين أوّل شهر رمضان خلع السلطان على الأمير كمشبغا الأشرفىّ الخاصكىّ أمير مجلس باستقراره فى نيابة دمشق بعد موت سودون طرنطاى. قلت: هذا رابع نائب ولى دمشق فى أقل من سنة: الأوّل الناصرى، والثانى بطا، والثالث سودون طرنطاى، والرابع كمشبغا هذا، فلعمرى! هل هذه آجال متقاربة لديهم، أم كؤوس منايا تدور عليهم. ثم قدم البريد على السلطان بقتال عسكر حلب لمنطاش وفرار منطاش وانهزامه أمامهم حتى عدّى الفرات. ثم أنعم السلطان فى اليوم المذكور على الوالد بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية وأنعم بطبلخانات الوالد على الأمير قلمطاى العثمانىّ الظاهرىّ، وكان

الإقطاع المنعم به على الوالد عوضا عن كمشبغا الخاصّكى المنتقل إلى نيابة الشام وأنعم السلطان بإقطاع قلمطاى على الأمير شادى خجا الظاهرىّ والإقطاع إمرة عشرة. ثمّ أمسك السلطان شيخ الشيوخ المعروف بالشيخ أصلم بن نظام الدين الأصبهانىّ صاحب الزاوية «1» على الجبل تجاه باب الوزير وسلّمه لشادّ الدواوين على حمل مائتى ألف درهم، وسببه أنّ السلطان لما اختلّ أمره فى حركة الناصرىّ ومنطاش وهمّ بالهرب طلب أصلم المذكور، وأعطاه خمسة آلاف دينار، وواعده أنه ينزل إليه ويحتفى عنده، فلم يف له أصلم بذلك، وأخذ الذهب وغيّب، فاختفى السلطان فى بيت أبى يزيد من غير ميعاد واعده. وفى سابع عشرين شوّال استقرّ الأمير بكلمش العلائىّ الأمير آخور أمير سلاح، واستقر الأمير تنبك اليحياوىّ الظاهرىّ أمير آخور كبيرا عوضه. وفى ثانى عشر ذى القعدة قتل الأمير قرا دمرداش الأحمدىّ اليلبغاوىّ نائب حلب كان، والأمير تغاى تمر نائب سيس فى عدة أمراء أخر. وفى ثالث محرّم سنة خمس وتسعين وسبعمائة قدم البريد على السلطان من الشام بموت الأمير كمشبغا الخاصّكى الأشرفى نائب دمشق، فاستقر السلطان بالأمير تنبك الحسنىّ الظاهرىّ المعروف بتنم أتابك دمشق فى نيابتها عوضا عن كمشبغا المذكور. قلت: الآن طاب خاطر السلطان الملك الظاهر برقوق بنيابة تنم المذكور فإنّ الشام صار الآن بيد مملوكه، كما نيابة حلب وحماة مع جلبان ودمرداش ولمّا

استقرّ تنم فى نيابة دمشق، رسم السلطان بنقل الأمير إياس الجرجاوىّ نائب طرابلس إلى أتابكيّة دمشق، عوضا عن تنم المذكور، ونقل الأمير دمرداش المحمدى الظاهرى من نيابة حماة إلى نيابة طرابلس عوضه، واستقر الأمير آقبغا الصغير فى نيابة حماة عوضا عن دمرداش المذكور. وفى أثناء ذلك قدم البريد على السلطان. يخبر بأنّ منطاشا ونعيرا أمير العرب وابن بزدغان التّركمانىّ وابن إينال التركمانىّ صاروا فى عسكر كثيف وحضروا به إلى سلمية «1» فلقيهم محمد بن قارا أمير العرب على شيزر «2» بتراكمين الطاعة، فقاتلهم وقتل ابن بزدغان وابن إينال، وجرح منطاش وسقط عن فرسه، فلم يعرف لأنه كان حلق شاربه ورمى شعره حتى أدركه ابن نعير وأردفه خلفه وانهزم به، بعد أن قتل من الفريقين عالم كبير، وحملت رأس ابن بزدغان وابن إينال إلى دمشق، فعلّقتا على قلعتها، ففرح السلطان بذلك، وكتب لمحمد بن قارا بالشكر والثناء وأرسل إليه خلعة هائلة.

ثمّ بعد أيام يسيرة ورد الخبر بأن نعيرا والأمير منطاشا كبسا حماة فى عسكر كبير، فقاتلهم الأمير آقبغا الصغير نائب حماة فيما بين حماة وطرابلس وكسرهما، فلمّا بلغ الأمير جلبان الكمشبغاوى قراسقل نائب حلب ذلك ركب بعسكره وسار إلى أبيات نعير ونهبها «1» وأخذ ما قدر عليه من المال والخيل والجمال والأغنام والنساء والأطفال، وأضرم النيران فيما بقى عندهم. ثمّ أكمن كميا. فلما سمع نعير بما وقع عليه رجع إلى نحو بيوته بجماعته، فخرج الكمين عليه وقتل من عربانه جماعة كبيرة وأسر مثلها، وقتل فى هذه الوقعة من عسكر «2» حلب نحو المائة فارس، وعدّة من الأمراء، فأعجب السلطان «3» ما فعله نائب حلب، وكتب إليه بالشكر والثناء، وأرسل إليه خلعة عظيمة وفرسا بسرج ذهب وكنبوش زركش. ثم أخرج السلطان الأمير ألطنبغا المعلّم أمير سلاح كان، من السجن وأرسله إلى ثغر دمياط «4» بطالا، وأفرج السلطان أيضا عن الأمير قطلوبغا السيفى حاجب الحجاب كان فى أيام منطاش وأرسله إلى الثغر المذكور. ثم فى رابع عشر جمادى الآخرة من سنة خمس وتسعين وسبعمائة قدم البريد بموت الأمير يلبغا الإشقتمرى نائب غزة «5» ، وفى تاسع عشرين جمادى المذكورة خلع

السلطان على الأمير قلمطاى العثمانىّ الظاهرىّ باستقراره دوادارا كبيرا بعد موت الأمير أبى يزيد بن مراد الخازن، وخلع السلطان على الأمير ألطنبغا العثمانى الظاهرى باستقراره فى نيابة غزة عوضا عن يلبغا الأقشتمرىّ. قلت: أدركت أنا ألطنبغا العثمانى الظاهرىّ هذا فى نيابته على دمشق فى دولة الملك المؤيّد شيخ. انتهى. وأنعم السلطان بإقطاع ألطنبغا العثمانىّ على الأمير تمراز الناصرىّ الظاهرىّ رأس نوبة، والإقطاع: إمرة طبلخاناه، وأنعم السلطان بإمرة تمراز المذكور على الأمير شرف الدين موسى بن قمارى أمير شكار، والإقطاع إمرة عشرة. وفى يوم الاثنين ثالث شهر رمضان من سنة خمس وتسعين المذكورة قدم البريد من حلب بالقبض على الأمير منطاش، وكان من خبره، أن الأمير جلبان نائب حلب لم يزل فى مدّة ولايته على حلب يبذل جهده فى أمر منطاش، حتى وافقه الأمير نعير على ذلك بعد أمور صدرت بينهما، وكان منطاش فى طول هذه المدّة مقيما عند نعير، فبعث جلبان شادّ شراب خاناته السيفى كمشبغا فى خمسة عشر مملوكا إلى نعير، بعد أن التزم الأمير جلبان لنعير بإعادة إمرة العرب عليه، فسار كمشبغا المذكور حتى قارب أبيات نعير، فنزل فى موضع، وبعث يأمر نعيرا بالقبض على منطاش ويعلمه بحضوره، فندب نعير أحد عبيده إليه يستدعيه، فأحس منطاش بالشر وفطن بالقصد فهمّ بالفرار، فركب فرسه وأراد التوجه إلى حال سبيله، فقبض العبد على عنان فرسه فهم منطاش بضربه، فأدركه عبد آخر وأنزلاه عن فرسه وأخذا سيفه، فتكاثروا عليه، فلما تحقّق منطاش أنه أخذ ومسك أخذ سكينا كانت معه وضرب نفسه بها أربع ضربات أغشى عليه، وحمل وأتى به إلى عند كمشبغا المذكور ومعه فرسه وأربعة جمال، فتسلمه كمشبغا وسار به

إلى حلب، فدخلها فى أربعمائة فارس من عرب نعير، فكان لدخوله حلب يوم عظيم مشهود وحمل منطاش إلى قلعة حلب وسجن بها. ثمّ كتب إلى السلطان بمسكه، فلما بلغ السلطان ذلك سرّ سرورا عظيما وأنعم على كمشبغا المذكور بخمسة آلاف درهم وخلع عليه فوقانيا «1» بطرز ذهب مزركش ورسم السلطان إلى سائر الأمراء أن يوافوه بالخلع ودقّت البشائر لهذا الخبر بالديار المصرية وزيّنت القاهرة من الغد زينة عظيمة. ثمّ خلع السلطان على الأمير طولو من علىّ باشاه الظاهرىّ أحد أمراء العشرات وندبه للتوجّه إلى حلب على البريد لإحضار رأس منطاش، بعد أن يعذّبه بأنواع العذاب ليقرّ على أمواله، فسار طولو فى خامسه إلى حلب وأحضر منطاشا وعصره وأجرى عليه أنواع العذاب ليقرّ بالمال، فلم يعترف بشىء، فذبحه بعد عذاب شديد، قيل: إنه عذّب بأنواع العذاب والكسّارات والنار فى أطرافه، حتى لم يبق فيه عضو إلا وتكسّر وهو مصمم على أنه لا يملك شيئا، ثم قطع رأسه وحملت على رمح وطيف بها بمدينة حلب، ثمّ أخذها طولو وعاد يريد الديار المصرية، فصار كلما دخل إلى مدينة طاف بها على رمح وعمل بها كذلك فى سائر مدن الشام، حتى وصلت إلى الديار المصرية صحبة طولو المذكور فى يوم الجمعة حادى عشرين رمضان «2» ، فعلّقت على باب قلعة الجبل، ثمّ طيف بها القاهرة على رمح، ثمّ علقت على باب زويلة أياما، ثم سلمت إلى زوجته أم ولده، فدفنتها فى سادس عشرينه. ثمّ ندب السلطان يلبغا السالمىّ الظاهرىّ إلى نعير بالخلع.

ثمّ فى سادس عشرينه قدم رسل الملك الظاهر مجد الدين عيسى صاحب ماردين على السلطان تخبر بأن تيمورلنك أخذ مدينة تبريز وأرسل يستدعيه «1» إلى عنده فاعتذر لمشاورة سلطان مصر، فلم يقبل منه تيمور ذلك وقال له: ليس لصاحب «2» مصر بملكك حكم وأرسل إليه خلعة «3» وسكة «4» ينقش بها الذهب والدنانير وقدم مع القاصد أيضا رسول صاحب بسطام «5» ، يذكر بأن تيمور قتل شاه منصور متملّك شيراز وبعث برأسه إلى بغداد وبعث بالخلع والسكة إلى السلطان أحمد بن أويس صاحب العراق، فلبس السلطان أحمد الخلعة وطاف بها فى شوارع بغداد وضرب باسمه السكة، وكان ذلك خديعة من تيمور، حتى ملك منه بغداد فى يوم السبت حادى عشرين شوّال من سنة خمس وتسعين المذكورة. وكان سبب أخذ تيمور بغداد أن ابن أويس المذكور كان أسرف فى قتل أمرائه وبالغ فى ظلم رعيته وانهمك فى الفجور والفساد. قلت فائدة: حكى بعض الحكماء أن الرجل إذا كان فيه خصلة من سبع خصال تمنعه السيادة على قومه ونظم السبعة بعضهم فقال: [الخفيف] منع الناس أن يسود عليهم ... سبعة قاله ذوو التبيان أحمق كاذب صغير فقير ... ظالم النفس ممسك الكفّ زان

ولما وقع من السلطان أحمد ذلك كاتب أهل بغداد تيمور بعد استيلائه على مدينة تبريز «1» يحثونه على المسير إلى بغداد، فتوجّه إليها بعساكرها حتى بلغ الدّربند «2» وهو من بغداد مسيرة يومين، فبعث إليه أحمد بن أويس بالشيخ نور الدين الخراسانىّ فأكرمه تيمور وقال له: أنا أترك بغداد لأجلك ورحل يريد السلطانية، فبعث نور الدين كتبة بالبشارة إلى بغداد. ثم قدم فى إثرها فاطمأن أهلها وكان تيمور قد سار يريد بغداد من طريق أخرى، فلم يشعر أحمد بن أويس وقد اطمأن إلا وتيمور نزل غربى بغداد قبل أن يصل الشيخ نور الدين فدهش عند ذلك ابن أويس وأمر بقطع الجسر ورحل من بغداد بأمواله وأولاده وقت السحر من ليلته وهى ليلة السبت المذكورة وترك بغداد فدخلها تيمور لنك وأرسل ابنه فى إثر ابن أويس فأدركه بالحلّة «3» ونهب ماله وسبى حريمه وأسر وقتل كثيرا من أصحابه، فنجا السلطان أحمد بن أويس بنفسه فى طائفة وهم عراة، فقصد حلب وتلاحق به من بقى من أصحابه. ثم بعد ذلك قدم البريد على السلطان الملك الظاهر برقوق بأنّ ابن أويس المذكور نزل بالرحبة «4» فى نحو ثلاثمائة فارس وقدم كتاب ابن أويس وكتاب نعير،

فأجيب أحسن جواب وكتب بإكرامه والقيام بما يليق به، فلما وصل كتاب السلطان إلى نعير توجه إليه، وعندما عاين ابن أويس نزل عن فرسه وقبّل الأرض بين يديه وسار به إلى بيوته وأضافه. ثم سيّره إلى حلب فقدمها ومعه أحمد بن شكر ونحو الألفى فارس فأنزله الأمير جلبان قرا سقل نائب حلب بالميدان وقام له بما يليق به وكتب مع البريد إلى السلطان بذلك وعلى يد القادم أيضا كتاب السلطان أحمد بن أويس يستأذن فى القدوم إلى مصر، فجمع السلطان الأمراء للمشورة فى أمر ابن أويس، فاتفقوا على إحضاره وأن يخرج إلى مجيئه الأمير عز الدين أزدمر ومعه نحو ثلاثمائة ألف درهم فضة وألف دينار برسم النفقة على ابن أويس فى طريقه إلى مصر وتوجه أزدمر المذكور فى سادس عشرينه وسار أزدمر إلى حلب وأحضر السلطان أحمد ابن أويس المذكور إلى نحو الديار المصرية، فلما قرب ابن أويس من ديار مصر أخرج السلطان عدّة من الأمراء إلى لقائه. فلمّا كان يوم الثلاثاء سابع عشرين «1» شهر ربيع الأوّل من سنة ست وتسعين وسبعمائة، نزل السلطان الملك الظاهر من قلعة الجبل بأمرائه وعساكره إلى لقاء أحمد بن أويس وجلس بمسطبة مطعم «2» الطير من الرّيدانية خارج القاهرة إلى أن

قرب السلطان أحمد بن أويس ووقع بصره على المسطبة التى جلس عليها السلطان، فنزل عن فرسه ومشى عدّة خطوات، فتوجه إليه الأمير بتخاص حاجب الحجّاب بالديار المصرية ومن بعده الأمراء للسلام على ابن أويس، فتقدّم بتخاص المذكور وسلم عليه ووقف بإزائه وصار كلما تقدّم إليه أمير ليسلّم عليه يعرّفه بتخاص باسمه ووظيفته وهم يقبّلون يده واحدا بعد واحد، حتى أقبل الأمير أحمد بن يلبغا أمير مجلس فقال له: الأمير بتخاص هذا أمير مجلس وابن أستاذ السلطان، فعانقه ابن أويس ولم يدعه يقبّل يده. ثمّ جاء بعده الأمير بكلمش العلاثىّ أمير سلاح فعانقه أيضا، ثمّ من بعده الأمير أيتمش البجاسىّ رأس نوبة الأمراء وأطابك فعانقه ثمّ من بعده الأمير سودون الفخرىّ الشيخونىّ نائب السلطنة فعانقه، ثمّ الأمير الكبير كمشبغا الحموىّ أتابك العساكر فعانقه وانقضى سلام «1» الأمراء، فقام عند ذلك السلطان ونزل من على المسطبة ومشى نحو العشرين خطوة، فلمّا رأى ابن أويس مشى السلطان له هرول حتى التقيا، فأومأ أحمد بن أويس ليقبّل يد السلطان فمنعه السلطان من ذلك وعانقه. ثمّ بكيا ساعة ثم مشيا إلى نحو المسطبة والسلطان يطيّب خاطره ويعده بكل جميل وبالعود إلى ملكه ويده فى يده حتى طلعا على المسطبة وجلسا معا على البساط من غير أن يقعد السلطان على مرتبته وتحادثا طويلا، ثمّ طلب السلطان له خلعة فقدّم قبا حرير بنفسجىّ بفرو وقاقم بطرز زركش هائلة، فألبسه الخلعة المذكورة وقدّم له فرسا من خاصّ مراكيب السلطان بسرج ذهب وكنبوش زركش وسلسلة ذهب فركبه ابن أويس من حيث يركب السلطان، ثمّ ركب السلطان بعده وسارا

يتحادثان والأمراء والعساكر سائرة على منازلهم ميمنة وميسرة، حتى قربا من القلعة، هذا والناس قد خرجت إلى قريب الرّيدانية «1» وامتلأت الصحراء منهم للفرجة على موكب «2» السلطان، حتى أدهش كثرتهم السلطان أحمد بن أويس، فكان هذا اليوم من الأيام المشهودة، ولما وصلا إلى قريب القلعة «3» وأخذت العساكر تترجّل عن خيولهم على العادة، صار ابن أويس مواكبا للسلطان حتى بلغا تحت الطبلخاناه من قلعة الجبل، فأومأ إليه السلطان بالتوجه إلى المنزل الذي أعدّ له على بركة «4» الفيل، وقد جدّدت عمارته وزخرفت بالفرش والآلات والأوانى، فسلّم ابن أويس على السلطان، وسار إليه وجميع الأمراء فى خدمته، وطلع السلطان إلى القلعة. فلما دخل ابن أويس إلى المنزل المذكور ومعه الأمراء، مدّ الأمير جمال الدين محمود الأستادار بين يديه سماطا جليلا إلى الغاية فى الحسن والكثرة، فأكل السلطان أحمد وأكل الأمراء معه، ثم انصرفوا إلى منازلهم، وفى اليوم جهّز السلطان إليه مائتى ألف درهم فضة، ومائتى قطعة قماش سكندرىّ، وثلاثة أفراس بقماش ذهب وعشرين مملوكا وعشرين جارية، فلما كان الليل «5» قدم حريم ابن أويس وثقله. ثمّ فى يوم الخميس عمل السلطان الخدمة بدار «6» العدل المعروفة بالإيوان «7» ، وطلع القان أحمد بن أويس المذكور، وعبر من باب الجسر الذي يقال له باب السرّ «8» وجلس

تجاه الإيوان حتى خرج إليه رأس نوبة ومضى به إلى القصر، فأخذه السلطان، وخرج به إلى الإيوان، وأقعده رأس الميمنة فوق الأمير كمشبغا الحموىّ أتابك العساكر، فلما قام القضاة ومدّ السماط، قام الأمراء على العادة، فقام ابن أويس أيضا معهم ووقف، فأشار إليه السلطان بالجلوس فجلس، حتى فرغ الموكب، ولما انقضت خدمة الإيوان دخل مع السلطان إلى القصر وحضر خدمة القصر أيضا، ثمّ خرج الأمراء بين يديه، حتى ركب وقدّامه جاويشه ونقيب جيشه، فسار الأمراء فى خدمته إلى منزله. ثمّ علّق السلطان جاليش السفر إلى البلاد الشامية على الطبلخاناه، فشرع الأمراء والمماليك وغيرهما فى تجهيز أحوالهم إلى السفر صحبة السلطان. ثمّ فى حادى عشرين شهر ربيع الأوّل المذكور، ركب السلطان من القلعة ومعه السلطان أحمد بن أويس إلى مدينة «1» مصر وعدّى النيل إلى برّ الجيزة، ونزل بالخيام ليتصيّد، فأقام هناك ثلاثة أيام وعاد، وقد أذهل ابن أويس ما رأى من تجمّل المملكة وعظمتها من ندماء السلطان ومغانيه وترتيبه فى مجلس موكبه وأنسه ثم فى سلخه قدم البريد من حلب بتوجّه الأمير ألطنبغا الأشرفىّ نائب الرّها «2» كان، وهو يوم ذلك أتابك حلب «3» ، والأمير دقماق المحمدىّ نائب ملطية «4» بعسكريهما

وموافقتهما لطلائع تيمور لنك وهزيمتهما له، بعد أن قتلا من اللّنكيّة خلقا كثيرا، وأسرا أيضا جماعة كبيرة، وعاد إلى حلب بمائة رأس من التّمريّة. وفى يوم الخميس ثالث شهر ربيع الآخر ابتدأ السلطان بنفقة المماليك، لكل مملوك مبلغ ألفى درهم وعدّتهم خمسة آلاف مملوك، فبلغت النفقة فى المماليك خاصة عشرة آلاف درهم فضة، سوى نفقة الأمراء وسوى ما حمل فى الخزائن وسوى ما تكلفه للقان أحمد بن أويس فيما مضى، وفيما يأتى ذكره. وبينما السلطان فى ذلك قدم عليه كتاب تيمور يتضمن الإرداع والتخويف، ونصّه: قل اللهم مالك الملك، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون. اعلموا أنا جند الله مخلوقون من سخطه، ومسلّطون على من حلّ عليه غضبه، لا نرقّ لشاك، ولا نرحم عبرة باك، قد نزع الله الرحمة من قلوبنا، فالويل ثم الويل لمن لم يكن من حزبنا ومن جهتنا! قد خرّبنا البلاد، وأيتمنا الأولاد، وأظهرنا فى الأرض الفساد، وذلّت لنا أعزّتها، وملكنا بالشوكة أزمّتها، فإن خيّل ذلك على السامع وأشكل، وقال: إن فيه عليه مشكلا، فقل: (إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزّة أهلها أذلّة) ، وذلك لكثرة عددنا، وشدّة بأسنا، فخيولنا سوابق، ورماحنا خوارق، وأسنّتها بوارق، وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال، وجيوشنا كعدد الرمال، ونحن أبطال وأقيال، وملكنا لا يرام، وجارنا لا يضام، وعزّنا أبدا لسؤدد منقام، فمن سالمنا سلم، ومن

حاربنا ندم، ومن تكلّم فينا بما لا يعلم جهّل. وأنتم فإن أطعتم أمرنا وقبلتم شرطنا، فلكم مالنا وعليكم ما علينا، وإن خالفتم وعلى بغيكم تماديتم، فلا تلوموا إلا أنفسكم، فالحصون منّا مع تشييدها لا تمنع، والمدائن بشدّتها لقتالنا لا تردّ ولا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يستجاب فينا فلا يسمع، فكيف يسمع الله دعاءكم وقد أكلتم الحرام، وظلمتم «1» جميع الأنام، وأخذتم أموال الأيتام، وقبلتم الرشوة من الحكّام، وأعددتم لكم النار وبئس المصير: (إنّ الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون فى بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) فبما فعلتم ذلك أوردتم أنفسكم موارد المهالك، وقد قتلتم العلماء، وعصيتم رب الأرض والسماء، وأرقتم دم الأشراف، وهذا والله هو البغى والإسراف، فأنتم بذلك فى النار خالدون، وفى غد ينادى عليكم: فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ، فأبشروا بالمذلّة والهوان، يا أهل البغى والعدوان، وقد غلب عندكم أننا كفرة، وثبت عندنا والله أنكم الكفرة الفجرة، وقد سلطنا عليكم الإله، له أمور مقدّرة، وأحكام محرّرة، فعزيزكم عندنا ذليل، وكثيركم لدينا قليل، لأننا ملكنا الأرض شرقا وغربا، وأخذنا منكم كلّ سفينة غصبا، وقد أوضحنا لكم الخطاب، فأسرعوا بردّ الجواب، قبل أن ينكشف الغطاء، وتضرم الحرب نارها، وتضع أو زارها، وتصير كلّ عين عليكم باكية، وينادى منادى الفراق: هل ترى لهم من باقية، ويسمعكم صارخ الفناء بعد أن يهزّكم هزا، هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً ، وقد أنصفناكم إذ راسلناكم، فلا تقتلوا المرسلين، كما فعلتم بالأوّلين، فتخالفوا كعادتكم سنن الماضين، وتعصوا رب العالمين، وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ، وقد أوضحنا لكم الكلام، فأرسلوا بردّ الجواب والسلام

فكتب جوابه بعد البسملة الشريفة: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ ، وحصل الوقوف على ألفاظكم الكفريّة، ونزغاتكم الشيطانية، وكتابكم يخبرنا عن الحضرة الخانيّة، وسيرة الكفرة الملائكية، وأنكم مخلوقون من سخط الله ومسلطون على من حلّ عليه غضب الله، وأنكم لا ترقّون لشاك، ولا ترحمون عبرة باك، وقد نزع الله الرحمة من قلوبكم، فذاك أكبر عيوبكم، وهذه من صفات الشياطين، لا من شيم السلاطين، وتكفيكم هذه الشهادة الكافية، وبما وصفتم به أنفسكم ناهية، قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ. لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ. وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ. وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ. وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ. لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ففى كل كتاب لعنتم، وعلى لسان كلّ مرسل نعتم، وبكل قبيح وصفتم، وعندنا خبركم من حين خرجتم، أنكم كفرة، ألا لعنة الله على الكافرين، من تمسّك بالأصول فلا يبالى بالفروع، نحن المؤمنون حقّا، لا يدخل علينا عيب، ولا يضرنا ريب، القرآن علينا نزل، وهو سبحانه رحيم لم يزل، فتحققنا نزوله، وعلمنا ببركته تأويله، فالنار لكم خلقت، ولجلودكم أضرمت، إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ ، ومن أعجب العجب تهديد الرتوت «1» بالتوت والسباع بالضباع والكماة بالكراع، نحن خيولنا برقيّة، وسهامنا عربية، وسيوفنا يمانية، ولبوسنا مصرية، وأكفّنا شديدة المضارب، وصفتنا مذكورة فى المشارق والمغارب، إن قتلنا كم فنعم البضاعة، وإن قتل منا أحد فبينه وبين الجنة ساعة، وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ

الْمُؤْمِنِينَ . وأمّا قولكم: قلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، فالقصّاب لا يبالى بكثرة الغنم، وكثير الحطب يغنيه الضّرم كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ الفارّ الفارّ من الزوايا، وطول البلايا، واعلموا أنّ هجوم المنيّة، عندنا غاية الأمنية، إن عشنا عشنا سعداء، وإن قتلنا قتلنا شهداء ألا إن حزب الله هم الغالبون أبعد أمير المؤمنين، وخليفة رب العالمين، تطلبون منا طاعة، لا سمع لكم ولا طاعة، وطلبتم أن نوصّح لكم أمرنا، قبل أن ينكشف الغطاء، ففى نظمه تركيك، وفى سلكه تلبيك، لو كشف الغطاء لبان القصد بعد بيان، أكفرتم بعد إيمان، أم اتخذتم إلها «1» ثان، وطلبتم من معلوم رأيكم، أن نتبع دينكم، لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا قل: لكاتبك الذي وضع رسالته، ووصف مقالته، وصل كتابك كضرب رباب، أو كطنين ذباب، كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا، وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ إن شاء الله تعالى لقد لبكتم «2» ، فى الذي أرسلتم، والسلام. انتهى. فعرض هذا الجواب على السلطان ثمّ ختم وأرسل إليه. ثم فى سادس شهر ربيع الآخر المذكور عرض السلطان أجناد الحلقة الذين عيّنوا للسفر وعيّن منهم أربعمائة فارس للسفر صحبة السلطان وترك الباقى بالديار المصرية. ثمّ فى سابعه خرجت مدوّرة السلطان من القاهرة ونصبت بالريدانية «3» خارج القاهرة. ثمّ فى يوم الأربعاء تاسعه عقد السلطان عقده على الخاتون تندى بنت حسين ابن أويس وكانت قدمت مع عمها السلطان أحمد بن أويس، ومبلغ الصداق ثلاثة

آلاف دينار وكان صرف الدينار إذ ذاك ستة وعشرين درهما ونصف درهم، وبنى عليها ليلة الخميس عاشره وهو يوم سفره إلى الشام. وأصبح من الغد فى يوم الخميس المذكور نزل السلطان من قلعة الجبل إلى الإسطبل «1» السلطانىّ، ثمّ خرج من باب «2» السلسلة إلى الرميلة «3» وقد وقف القان أحمد ابن أويس وجميع الأمراء وسائر العسكر ملبسين آلة الحرب ومعهم أطلابهم، فسار السلطان وعليه قرقل «4» بلا أكمام وعلى رأسه كلفتة «5» وتحته فرس بعرقيّة من صوف سميك إلى باب القرافة والعساكر قد ملأت الرّميلة فرتّب هو بنفسه أطلاب الأمراء ومرّ فى صفوفها ذهابا وإيابا غير مرّة، حتى رتّبها أحسن ترتيب وصاحبها ينظر وأخذ يخالف فى تعبئة الأطلاب، كلّ تعبئة بخلاف الذي يتقدّمها، حفظت أنا غالبها عن الأستاذ الأتابك آقبغا التمرازىّ عن أستاذه تمراز الناصرىّ النائب ولولا الإطالة والخروج عن المقصود لرسمتها هنا بالنقط. انتهى. فلمّا فرغ السلطان الملك الظاهر برقوق من تعبئة أطلاب أمرائه أخذ فى ترتيب طلب نفسه وجعله أمام أطلاب الأمراء كالجاليش لكثرة من كان به

وعبّأه قلبا وجناح يمين وجناح شمال ورديفا وكمينا وأمر الكوسات والطبول فدقّت حربيّا. ثمّ ترك جميع الأطلاب ومضى فى خواصّه إلى قبة «1» الإمام الشافعىّ [رضى الله عنه] وزاره وتصدّق على الفقراء بمال كثير خارج عن الحدّ، ثم سار إلى المشهد «2» النفيسىّ وزاره وتصدّق به أيضا، وفى طول طريقه بجملة مستكثرة، ثمّ عاد إلى الرّميلة وأشار إلى طلب السلطان فسار إلى نحو الرّيدانيّة فى أعظم قوّة وأبهج زىّ وأفخر هيئة وأحسن ملبس، جرّ فيه من خواصّ الخيل مائتا جنيب ملبسة آلة الحرب التى عظمت من الآلات المذهبة والمفضّضة والمزركشة على اختلاف أنواعها وصفاتها التى تحيّر العقول عند رؤيتها. ثمّ أشار لأطلاب الأمراء فسارت أيضا بأعظم هيئة وقد تفاخر الأمراء أيضا فى أطلابهم وخرج كل طلب أحسن من الآخر حتى حاذوا القلعة

فوقفوا يمينا ويسارا حتى سار السلطان فى موكبه فى غاية العظمة والأبّهة وإلى جانبه القان أحمد بن أويس على فرس بقماش ذهب وبجانب ابن أويس الأمير الكبير كمشبغا الحموىّ ثم الأمراء ميمنة وميسرة، كلّ واحد فى رتبته حتى انقضى ممرّ السلطان وأمامه العساكر وخلفه، ثمّ سارت أطلاب الأمراء تريد الريدانية شيئا بعد شىء وسار السلطان حتى نزل بمخيّمه بالريدانيّة وأقام بها أياما. ثم فى رابع عشره خلع على القاضى بدر الدين محمد بن أبى البقاء باستقراره قاضى قضاة الشافعية بديار مصر، بعد عزل القاضى صدر الدين المناوىّ ودخل من الرّيدانية إلى القاهرة ومعه تغرى بردى من يشبغا رأس نوبة النّوب (أعنى الوالد) والأمير قلمطاى من عثمان الدوادار الكبير وآقبغا اللكّاش رأس نوبة ثان وجماعة أخر. ثم قدم على السلطان بالريدانية ولد الأمير نعير ومعه محضر أنّ أباه أخذ مدينة بغداد وخطب بها للسلطان الملك الظاهر برقوق، فخلع السلطان عليه ووعده بكل خير. ثمّ كتب السلطان بإحضار الأمير ألطنبغا المعلّم من ثغر دمياط «1» . ثمّ خلع السلطان على الأمير سودون النائب ليقيم بالقاهرة فى مدّة غيبة السلطان، وعلى الأمير بجاس ليقيم بالقلعة، وعلى الأمير محمود الأستادار، وعلى ولده وخلع على التاجر برهان الدين المحلّىّ، وعلى التاجر شهاب الدين أحمد بن مسلم، وعلى التاجر نور الدين على الخرّوبىّ لكون السلطان اقترض منهم مبلغ ألف ألف درهم. ثمّ فى ثالث عشرينه رحل السلطان بعساكره وأمرائه من الريدانية، بعد أن أقام بها نحو ثلاثة عشر يوما، وفرّق من الجمال فى المماليك نحو أربعة آلاف جمل،

ومن الخيل ألفى فرس وخمسمائة فرس، وحمل معه أشياء كثيرة مما يحتاج السلطان إليه، منها خمسة قناطير من العاج والآبنوس برسم الشّطرنج الذي يلعب به السلطان، وسببه انه كان إذا لعب بشطرنج وفرغ من لعبه أخذه صاحب النّوبة وجدّد غيره، وأشياء كثيرة أخر من هذه المقولة. ثمّ فى ثامن عشرينه أرسبل السلطان يطلب بدر الدين محمود الكلستانىّ، فأخذ محمود المذكور من خانقاة «1» شيخون فإنه كان من بعض صوفيتها وسار وهو خائف وجل، لأنه كان من ألزام ألطنبغا الجوبانىّ إلى أن وصل إلى السلطان. وخبره أنّ السلطان كان ورد عليه كتاب من بعض الملوك بالعجمىّ، فلم يعرف القاضى بدر الدين محمد بن فضل الله كاتب السر يقرؤه، فطلب السلطان من يقرؤه، فنوّه بعض من حضر من الأمراء بذكر الكلستانىّ هذا، فطلب لذلك وحضر وقرأه فأعجب السلطان قراءته، فأمره بالسفر معه، فسافر صحبة السلطان وصار ينزل مع الأمير قلمطاى الدوادار كأنّه من بعض حواشيه فإنه كان فى غاية من الفقر إلى أن وصل إلى دمشق كما سنذكره. وأما السلطان فإنه دخل دمشق فى عشرين جمادى الأولى وقام به إلى أن أخرج عسكرا إلى البلاد الحلبية فى سابع عشر شهر رجب، وعليهم الأمير الكبير كمشبغا الحموىّ والأمير بكلمش أمير سلاح والأمير أحمد بن يلبغا أمير مجلس وبيبرس ابن أخت السلطان الملك الظاهر برقوق، ونائب صفد «2» ونائب غزّة، كل ذلك والسلطان مقيم بدمشق فى انتظار قدوم تيمور لنك. ثم أمر السلطان للقان غياث الدين أحمد بن أويس بالتوجه إلى محل مملكته ببغداد، فخرج من دمشق فى يوم الاثنين أوّل شعبان من سنة ست وتسعين

المذكورة، بعد ما قام له السلطان بجميع ما يحتاج إليه، وعند وداعه خلع عليه الملك الظاهر خلعة أطلسين متمّرا وقلّده بسيف مسقّط بذهب، وكتب له تقليدا بسلطنة بغداد، وناوله إيّاه، فأراد أحمد بن أويس أن يقبّل الأرض فلم يمكّنه السلطان من ذلك، إجلالا له وتعظيما فى حقه، وقام له وعانقه ووادعه، ثمّ افترقا، وكان ما أنعم به السلطان الملك الظاهر على القان غياث الدين أحمد بن أويس عند سفره خاصّة من النقد خمسمائة ألف درهم، سوى الخيل والجمال والسلاح والمماليك والقماش السكندرىّ وغير ذلك، واستمرّ ابن أويس بمخيّمه خارج دمشق إلى يوم ثالث عشر شعبان، فسافر إلى جهة بغداد بعد أن أظهر الملك الظاهر من علوّ همته ومكارمه وإنعامه لابن أويس المذكور ما أدهشه. قلت: هكذا تكون الشّيم الملوكية، وإظهار الناموس، وبذل الأموال فى إقامة الحرمة، مع أن الملك الظاهر لم يخرج من الديار المصرية، حتّى تحمّل جملة كبيرة من الديون، فإنه من يوم حبس بالكرك «1» وملك الناصرىّ ومنطاش ديار مصر فرّقا جميع ما كان فى الخزائن السلطانية، وحضر الملك الظاهر من الكرك فلم يجد فى الخزائن ما قلّ ولا كثر وصار مهما حصّله أنفقه فى التجاريد والكلف، فلله درّه من ملك! على أنه كان غير مشكور فى قومه. حدّثنى غير واحد من حواشى الأسياد أولاد السلاطين، قالوا: كنّا نقول من يوم تسلطن هذا المملوك: هذا الكعب الشؤم نشّفت القلعة من الرّزق وخربت الدنيا هذا، وكان الذي يصرف يوم ذلك على نزول السلطان إلى سرحة سرياقوس «2» بكلفة

ملوك زماننا هذا! من أوّل السنة إلى آخرها، فلعمرى! هل الأرزاق قلّت أم الهمة اضمحلّت! وما الشيء إلا كما كان وزيادة، غير أنّ قلّة العرفان تمنع السيادة. انتهى. وفى يوم ثانى شعبان خلع السلطان على الشيخ بدر الدين محمود الكلستانى المقدّم ذكره باستقراره فى كتابة سرّ مصر، بعد موت القاضى بدر الدين محمد بن فضل الله، وكانت تولية الكلستانى هذه الوظيفة كتابة السرّ من غريب الاتفاق، كونه كان فقيرا مملقا خائفا من السلطان، وعند طلب السلطان له من خانقاه «1» شيخون لقراءة الكتاب الوارد عليه من العجم لم يخرج من الخانقاه حتى أوصى. ثم إنّه بعد قراءة الكتاب سافر صحبة السلطان إلى دمشق واشتغل السلطان بما هو فيه عنه، فضاق عيشه إلى الغاية وبقى فى أعوز حال وبات ليلته يتفكّر فى عمل أبيات يمدح بها قاضى دمشق، لعلّه ينعم عليه بشىء يردّ به رمقه. فنظم قصيدة هائلة وكان بارعا فى فنون عديدة، وأصبح من الغد ليتوجه بالقصيدة إلى القاضى، فجاءه قاصد السلطان بولاية كتابة سرّ مصر فجاءته السعادة فجاة. وكان من أمر السلطان أنه لمّا مات كاتب السرّ طلب من يوليه كتابة السرّ فذكر له جماعة وبذلوا له مالا، له صورة، فلم يلتفت السلطان إلى ذلك وأراد من يكون كفئا لهذه الوظيفة التى يكون متولّيها صاحب لسان وقلم فلم يجد غير الكلستانى المذكور، وكان أهلا لها، فطلبه وولّاه كتابة السرّ، فباشرها على أحمل وجه. انتهى. ثمّ قدم على السلطان رسل طقتمش خان صاحب كرسى بلاد القفجاق «2» بأنه يكون عونا مع السلطان على تيمور لنك، فأجابه السلطان لذلك.

ثم قدمت رسل خوندكار يلدرم با يزيد بن عثمان متملّك بلاد الروم بأنّه جهز لنصرة السلطان مائتى ألف درهم، وأنّه ينتظر ما يرد عليه من جواب السلطان ليعتمده. ثمّ قدم رسول القاضى برهان الدين أحمد صاحب سيواس «1» بأنّه فى طاعة السلطان ويترقّب ورود المراسيم السلطانية الشريفة عليه بالمسير إلى جهة يعيّنه السلطان إليها، عند قدوم تيمور، فكتب جواب الجميع بالشكر والثناء وبما اختاره السلطان. ثمّ فى أوّل ذى القعدة خرج السلطان من دمشق يريد البلاد الحلبية وسار حتى دخلها فى العشر الأوسط من ذى القعدة. وبعد دخوله حلب بأيام قليلة، عزل نائبها الأمير جلبان من كمشبغا الظاهرىّ المعروف بقراسقل، وخلع على الوالد باستقراره عوضه فى نيابة حلب، وأنعم على الأمير جلبان المذكور بإقطاع الوالد وإمرته، وهى إمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، ولم يستقرّ به فى وظيفته، وكانت وظيفة الوالد قبل نيابة حلب رأس نوبة النّوب. ثم أمسك السلطان الأمير دمرداش المحمدىّ نائب طرابلس وحبسه وخلع على الأمير أرغون شاه الإبراهيمى الظاهرىّ نائب صفد باستقراره عوضه فى نيابة طرابلس، وخلع على الأمير آقبغا الجمالى الظاهرى أتابك حلب باستقراره فى نيابة صفد «2» ، عوضا عن أرغون شاه الإبراهيمى، وخلع على الأمير دقماق المحمّدىّ الظاهرىّ باستقراره فى نيابة ملطية، وعلى الأمير كور مقبل باستقراره فى نيابة طرسوس «3» .

ثم قبض السلطان على عدّة أمراء من أمراء حلب: منهم الأمير ألطنبغا الأشرفى، والأمير تمرباى الأشرفى، وقطلوشاه الماردينى، وحبس الجميع بقلعة حلب وانفضّ الموكب، والوالد واقف لم يتوجه، فقال له السلطان: لم لا تتوجه! فقال: يا مولانا السلطان! أستحى أنزل من الناس يمسك أخى دمرداش نائب طرابلس «1» وأتولّى أنا نيابة حلب! وما يقبل السلطان شفاعتى فيه، فقال له السلطان: قبلت شفاعتك فيه، غير أنه يمكث فى السجن أيّاما، ثم أفرج عنه لأجلك، لئلا يقال: يمسك السلطان نائب طرابلس ويطلقه من يومه! فيصير ذلك وهنا فى المملكة، فقال:- الوالد رحمه الله-: السلطان يتصرّف فى مماليكه كيف يشاء، ما علينا من قول القائل! ثم قبّل الأرض ويد السلطان، فتبسّم السلطان، وأمر بإطلاق دمرداش وحضوره، فحضر من وقته، فخلع عليه بأتابكية حلب عوضا عن آقبغا الجمالى المستقرّ فى نيابة صفد، ثم قال له السلطان: خذ أخاك وانزل، فكانت

هذه الواقعة أول عظمة نالت الوالد من أستاذه الملك الظاهر برقوق انتهى هذا الخبر. والأخبار ترد على السلطان شيئا بعد شىء من بلاد الشمال بعود تيمور لنك إلى بلاده والسلطان لا يصدّق ذلك. ويتقحّم «1» على لقاء تيمور لنك، فلم يجسر تيمور على القدوم إلى البلاد الشامية مخافة من الملك الظاهر برقوق، وتوجّه إلى بلاده، فلما تحقّق السلطان عوده تأسّف على عدم لقائه، وخرج من حلب بعساكره فى سابع محرّم سنة سبع وتسعين وسبعمائة يريد دمشق، فوصلها ولم يقم بها إلا أياما قليلة لطول إقامته بها فى ذهابه، وخرج منها بعساكره فى سابع عشر المحرّم المذكور، يريد الديار المصرية، بعد أن خلع على الأمير بتخاص السودونىّ حاجب حجّاب الديار المصرية باستقراره فى نيابة الكرك، عوضا عن الأمير شهاب الدين أحمد ابن الشيخ علىّ، ونقل الشهابىّ المذكور إلى حجوبية دمشق الكبرى، عوضا عن الأمير تمربغا المنجكى بحكم قدوم تمربغا المنجكىّ إلى مصر صحبة السلطان، وسار السلطان إلى أن وصل مدينة قطيا «2» ، فأمسك مملوكه الأمير جلبان الكمشبغاوىّ قراسقل المعزول عن نيابة حلب وبعثه من قطيا فى البحر إلى ثغر دمياط، وسار السلطان من قطيا حتى وصل إلى ديار مصر فى ثامن عشر صفر، وطلع إلى القلعة من يومه، بعد أن احتفل

الناس لطلوعه، وزيّنت القاهرة أياما، غير أن الغلاء كان حصل قبل قدوم السلطان، فتزايد بعد حضوره لكثرة العساكر. ومن يومئذ صفا الوقت للملك الظاهر، وصارت مماليكه نوّاب البلاد الشامية من أبواب الروم إلى مصر، وأخذ السلطان يكثر من الركوب والتوجّه إلى الصيد، وعمل له الأمير تمربغا المنچكى شرابا من زبيب، يسمى التمر بغاوى، وأقبل السلطان على الشرب منه مع الأمراء، ولم يكن يعرف منه السّكر قبل ذلك. ثمّ أنعم السلطان على الأمير فارس من قطلوجا الظاهرى الأعرج بإمرة مائة وتقدمة ألف وولّاه حجوبية الحجاب عوضا عن بتخاص السودونى المستقر فى نيابة الكرك. وأنعم على الأمير نوروز الحافظى الظاهرى بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، عوضا عن الوالد، وهو الإقطاع الذي كان أنعم به السلطان على جلبان نائب حلب. ثم أنعم السلطان على الأمير أرغون شاه البيدمرى بإمرة مائة وتقدمة ألف، وأنعم السلطان أيضا على كل من تمربغا المنجكى، وصلاح الدين محمد بن محمد تنكز وصرغتمش المحمدى الظاهرى بإمرة طبلخاناه، وأنعم أيضا على كل من مقبل الرومى، وآقباى من حسين شاه الظاهرىّ، وآق بلاط الأحمدى، ومنكلى بغا الناصرى بإمرة عشرة. ثم بعد أشهر خلع السلطان على الأمير نوروز الحافظى الظاهرى باستقراره رأس نوبة النوب، عوضا عن الوالد بحكم انتقاله إلى نيابة حلب، وكانت شاغرة من تلك الأيام. ثم قبض السلطان على الأمير محمود بن على الأستادار المعروف بابن أصفر، عيّنه فى صفر سنة ثمان «1» وتسعين، وعلى ولده وعلى كاتبه، سعد الدين إبراهيم بن غراب

وخلع السلطان على قطلوبك العلائى أستادار الأمير أيتمش باستقراره فى الأستادارية، عوضا عن محمود المذكور، وأنعم السلطان عليه بإمرة عشرين، واستمرّ محمود على إمرته وهو مريض محتفظ به، وخلع السلطان أيضا على سعد الدين إبراهيم بن غراب كاتب محمود باستقراره ناظر ديوان المفرد وهذا أول ظهور ابن غراب فى الدولة الظاهرية، واستمال السلطان ابن غراب، فأخذ يدلّ على ذخائر أستاذه محمود، ومحمود فى المصادرة إلى أن أظهر شيئا كثيرا من المال. ثم أنعم السلطان على جماعة من مماليكه بإمرة طبلخاناه وهم: طولو من على باشاه الظاهرى، ويلبغا الناصرىّ الظاهرىّ، وشاذى خجا الظاهرى العثمانى، وقينار العلائى، وأنعم أيضا على جماعة بإمرة عشرة وهم: طيبغا الحلبى الظاهرى، وسودون من علىّ باشاه الظاهرى المعروف بسودون طاز، ويعقوب شاه الخازندار الظاهرى ويشبك الشعبانى الخازندار وتمان تمر الإشقتمرىّ رأس نوبة الجمدارية. ثم خلع السلطان على الأمير فارس الحاجب باستقراره فى نظر الشيخونية» وخلع على الأمير تمربغا المنجكىّ حاجبا ثانيا بتقدمة ألف. وفى هذه الأيام عظم الغلاء وفقد الخبز من الدكاكين. وفى آخر ذى العقدة استقرّ سعد الدين إبراهيم بن غراب كاتب محمود فى وظيفة نظر الخاصّ بعد القبض على سعد الدين بن أبى الفرج بن تاج الدين موسى.

ثم رسم السلطان بإحضار الأمير محمود فحمل إلى بين يدى السلطان، وهو فى ألم عظيم من العصر والضرب والعقوبة، فانتصب إليه كاتبه سعد الدين إبراهيم بن غراب فى محاققته والفحش له فى الكلام، حتى امتلأ السلطان غضبا على محمود وأمر بعقوبته حتى يموت من عظم ما أغراه سعد الدين المذكور به. ثم ورد الخبر بقدوم الأمير تنم الحسنىّ نائب الشام، وكان خرج بطلبه الأمير سودون طاز، وقدم من الغد فى يوم الاثنين ثالث صفر سنة تسع وتسعين وسبعمائة، بعد أن خرج السلطان إلى لقائه بالرّيدانيّة «1» ، وجلس له على مطعم «2» الطير، وبعث الأمراء والقضاة إليه فسلّموا عليه، ثم أتوا به، فقبّل الأرض، فخلع عليه خلعة باستمراره على نيابة دمشق. ثم قدّم من الغد تقدمته، وكانت تقدمة جليلة، وهى عشرة كواهى «3» وعشرة مماليك صغار فى غاية الحسن، وعشرة آلاف دينار، وثلاثمائة ألف درهم فضة، ومصحف عليه قراءات وسيف مسقّط ذهب مرصّع، وعصابته منسبكة من ذهب مرصّع، بجوهر نفيس وبدلة فرس من ذهب، فيها أربعمائة مثقال ذهب، وكان أجرة صائغها ثلاثة آلاف درهم فضّة، ومائة وخمسين بقجة فيها أنواع الفرو، ومائة وخمسين

فرسا، وخمسين جملا، وخمسة وعشرين حملا من نصافى ونحوه، وثلاثين حملا فاكهة وحلوى، فخلع السلطان على أرباب «1» الوظائف. ثم نزل السلطان بعد أيام إلى برّ «2» الجيزة، ومعه الأمير تنم وغيره، وتصيّد ببرّ الجيزة. ثم عاد. وعمل السلطان الموكب بدار العدل فى يوم سابع عشر صفر من سنة تسع وتسعين المذكورة، وخلع على الأمير تنم خلعة الاستمرار ثانيا، وجرّت له من الإسطبل ثمانى جنائب بكنابيش وسروج ذهب، فتقدّم تنم، وشفع فى الأمير جلبان الكمشبغاوى المعزول عن نيابة حلب، فقبل السلطان شفاعته، وخرج البريد بطلبه من ثغردمياط «3» ، فقدم بعد أيام، وقبّل الأرض بين يدى السلطان، فأنعم عليه السلطان بإقطاع الأمير إياس الجرجاوى وخلع عليه بأتابكية دمشق عوضا «4» عن

إياس المذكور بحكم القبض عليه وحضوره إلى الديار المصرية، وبعث إليه ثمانية أفراس بقماش ذهب (أعنى عن جلبان) . ثم أمر السلطان أن يسلّم الأمير إياس الجرجاوى إلى ابن الطبلاوى ليخلّص منه الأموال، فأحده ابن الطبلاوىّ فالتزم بحمل خمسمائة ألف درهم وبعث مملوكه لإحضار ماله وهو مريض، فمات إياس بعد يومين، واختلف الناس فى موته، فمنهم من قال: إنه كان معه خاتم فيه سمّ فشربه فمات منه قهرا مما فعله معه الملك الظاهر، ومنهم من قال: إنه مات من مرضه. والله أعلم بحاله. ثم فى يوم الخميس رابع شهر ربيع الأول أمسك السلطان الوزير سعد الدين نصر الله بن البقرىّ وولده تاج الدين وسائر حواشيه، وخلع على بدر الدين محمد بن محمد بن الطّو؟؟؟ «1» واستقر عوضه فى الوزارة واستقر فى نظر الدولة سعد الدين ابن الهيصم. ثم خلع السلطان على شرف الدين محمد بن الدّمامينى باستقراره فى وظيفة نظر الجيش بديار مصر بعد موت القاضى جمال الدين محمود القيصرى العجمىّ، نقل إليها من حسبة القاهرة. ثم من الغد فى يوم الثلاثاء تاسع شهر ربيع الأول المذكور استقر القاضى شمس الدين محمد بن أبى بكر الطرابلسى قاضى قضاة الحنفية بالديار المصرية عوضا عن جمال الدين محمود القيصرى المقدّم ذكره. ثم فى خامس عشرينه قدمت هدية ممهّد الدين إسماعيل ابن الملك الأفضل عباس بن المجاهد على بن داود بن يوسف بن عمر بن رسول ملك اليمن صحبة التاجر

برهان الدين إبراهيم المحلّى «1» والطواشى افتخار الدين فاخر، وهى عشرة خدّام طواشية وبعض عبيد حبوش وست جوار وسيف بحلية ذهب مرصّع بعقيق وحياصة بعواميد عقيق مكلّلة بلؤلؤ كبار ووجه فرس عقيق ومرآة هندية محلّاة بفضّة قد رصعت بعقيق وبراشم «2» برسم الخيول عشرة ورماح عدّة مائتين وشطرنج عقيق أبيض وأحمر وأربع مراوح مصفّحة بذهب ومسك ألف مثقال وسبعون أوقية زباد «3» ومائة مضرّب غالبة ومائتان وستة عشر رطلا من العود وثلاثمائة وأربعون رطلا من اللّبان وثلاثمائة وأربعة وستون رطلا من الصّندل «4» وأربعة برانى من الشّند «5» وسبعمائة رطل من الحرير الخام ومن البهار والاقطاع والصينى وغير ذلك من تحف اليمن؟؟؟ كثير. ثم فى يوم الخميس ثانى جمادى الأولى نقل الأمير جمال الدين محمود الأستادار إلى خزانة شمائل «6» وهو مريض. وفى سادس عشر جمادى الآخرة أنعم على الأمير بيسق الشّيخىّ بإمرة طبلخاناه. ثم خلع السلطان على الأمير صرغتمش القزوينى باستقراره فى نيابة الإسكندرية بعد عزل الأمير قديد عنها ونفيه إلى القدس «7» بطّالا، وأنعم السلطان على الأمير شيخ

المحمودى الساقى الظاهرى (أعنى عن الملك المؤيّد) بإمرة طبلخاناه، عوضا عن صرغتمش القزوينى المتولى نيابة الإسكندرية وأنعم بإقطاع شيخ المحمودى وهو إمرة عشرة على الأمير طغنجى نائب البيرة «1» ، وأنعم السلطان أيضا على يشبك العثمانى الظاهرى بإقطاع الأمير صلاح الدين محمد بن محمد بن تنكز. ثم فى سادس عشرينه استقرّ الأمير يلبغا الأحمدى الظاهرى المعروف بالمجنون أستادار السلطان، عوضا عن قطلوبك العلائى واستقرّ قطلوبك على إمرة عشرين «2» . ثم فى يوم الاثنين ثامن محرم سنة ثمانمائة توجّه السلطان إلى سرحة سرياقوس «3» بعساكره وحريمه على العادة فى كل سنة، فأقام به أياما على ما يأتى ذكره. وفى ثانى عشر المحرم المذكور خرج الأمير بكتمر جلّق الظاهرى على البريد إلى حلب لإحضار الوالد- رحمه الله وعفا عنه- بعد عزله عن نيابة حلب وكتب بانتقال الأمير أرغون شاه الإبراهيمى الظاهرى نائب طرابلس إلى نيابة حلب عوضا عن الوالد، وخرج الأمير يشبك العثمانى بتقليد أرغون شاه المذكور، ورسم بانتقال الأمير آقبغا الجمالى الظاهرىّ من نيابة صفد إلى نيابة طرابلس عوضا عن أرغون شاه المذكور، وتوجّه بتقليده الأمير أزدمر أخو إينال ومعه أيضا خلعة للأمير تنم الحسنى باستمراره فى نيابة الشام، ورسم بانتقال الأمير شهاب الدين أحمد ابن الشيخ على حاجب حجّاب دمشق إلى نيابة صفد عوضا

عن آقبغا الجمالى المذكور، وحمل إليه التقليد والتشريف الأمير يلبغا الناصرى الظاهرى رأس نوبة. ثم قدم فى هذه الأيام جماعة من سوابق الحاجّ وأخبروا أنه هلك بالسبع «1» وعرات من شدّة الحر نحو ستمائة إنسان. ثم عاد السلطان من سرحة سرياقوس فى خامس عشرينه ولم يخرج إليها بعد ذلك، ولا أحد من السلاطين وبطلت عوائدها وخرّبت تلك القصور، وكانت من أجمل عوائد الملوك وأحسنها، وكان النزول إلى سرياقوس يضاهى نزول السلطان إلى الميدان «2» فالميادين أبطلها الملك الظاهر وسرياقوس أبطله الملك الناصر، ثم صار كل ملك يأتى بعد ذلك يبطل نوعا من نراتيب مصر، حتى

ذهب الآن جميع شعار الملوك السالفة وصار الفرق بين سلطنة مصر ونيابة الأبلستين «1» اسم السلطنة ولبس الكلفتاة فى المواكب لا غير. قلت: والفرق بين براعة الاستهلال وبين براعة المقطع واضح. ثم فى يوم الاثنين تاسع عشرين المحرّم من سنة ثمانمائة المذكورة قبض السلطان فى وقت الخدمة بالقصر على الأمير الكبير كمشبغا الحموىّ أتابك العساكر بالديار المصرية وعلى الأمير بكلمش العلائىّ أمير سلاح، وقيّدا وحبسا بقلعة الجبل، يأتى ذكر السبب على قبضهما فى الوفيات، وفى هذه الترجمة- إن شاء الله تعالى-. ثم نزل فى الحال الأمير قلمطاى الدوادار، والأمير نوروز الحافظىّ رأس نوبة النّوب، والأمير فارس حاجب الحجّاب إلى الأمير شيخ الصّفوى أمير مجلس ومعهم خلعة له بنيابة غزّة، فلبسها شيخ المذكور وخرج من وقته ونزل بخانقاه «2» سرياقوس.

ثم فى ليلة الثلاثاء سلخه توجّه الأمير سودون الطيّار الظاهرى بالأتابك كمشبغا وبكلمش فى الحديد إلى سجن الإسكندرية فسجنا بها، وفى الغد استعفى الأمير شيخ الصّفوىّ من نيابة غزّة وسأل الإقامة بالقدس «1» فرسم له بذلك. وفى يوم الخميس ثانى صفر استقرّ الأمير أيتمش البجاسىّ أتابك العساكر بالديار المصرية عوضا عن كمشبغا الحموى وأنعم السلطان على أيتمش المذكور وعلى قلمطاى الدوادار، وعلى الأمير تنبك اليحياوى الأمير آخور بعدّة بلاد من إقطاع كمشبغا المذكور زيادة على ما بأيديهم وأنعم ببقيّة إقطاع كمشبغا على الأمير سودون المعروف بسيّدى سودون ابن أخت الملك الظاهر وجعله من جملة أمراء الألوف بالديار المصرية وأنعم بإقطاع سيّدى سودون المذكور على ولد السلطان الأمير عبد العزيز ابن الملك الظاهر برقوق.

ثمّ أنعم السلطان بإقطاع بكلمش العلائى على الأمير نوروز الحافظىّ رأس نوبة النّوب. وأنعم بإقطاع نوروز المذكور على الأمير أرغون شاه البيدمرىّ الظاهرى وأنعم بإقطاع أرغون شاه على الأمير يلبغا المجنون الأستادار والجميع تقادم ألوف لكنّ التفاوت بينهم فى زيادة المغلّ والخراج. ثم عيّن السلطان الأمير شيخ الصفوىّ أمير مجلس للوالد قبل قدومه إلى القاهرة من نيابة حلب. ثم فى رابعه استقر الأمير باى خجا الشّرفى الأمير آخور المعروف بطيفور فى نيابة غزة. ثم فى تاسع صفر استقر الأمير بيبرس ابن أخت السلطان أمير مجلس عوضا عن شيخ الصفوى المقدّم ذكره. ثم فى سابع عشرين «1» صفر أنعم السلطان على الأمير بهادر فطيس بإمرة طبلخاناه، عوضا عن طيفور بحكم انتقاله إلى نيابة غزّة، واستقر عوضه أيضا فى الأمير آخورية الثانية وأنعم بإقطاع بهادر فطيس المذكور، وهو إمرة عشرة على يلبغا السالمىّ الظاهرى. وفى ليلة الجمعة ثانى شهر ربيع الأول عمل السلطان المولد «2» النبوىّ على العادة فى كلّ سنة.

قلت: نذكر صفة ما كان يعمل بالمولد قديما ليقتدى به من أراد تجديده فلمّا كان يوم الخميس المذكور، جلس السلطان بمخيّمه بالحوش «1» السلطانى، وحضر القضاة والأمراء ومشايخ العلم والفقراء، فجلس الشيخ سراج الدين عمر البلقينى عن يمين السلطان، وتحته الشيخ برهان الدين إبراهيم بن زقّاعة، وجلس على يسار السلطان الشيخ المعتقد أبو عبد الله المغربى، ثم جلس القضاة يمينا وشمالا على مراتبهم، ثم حضر الأمراء فجلسوا على بعد من السلطان، والعساكر ميمنة وميسرة فقرأت الفقهاء، فلمّا فرغ القرّاء وكانوا عدّة جوق كثيرة، قام الوعاظ واحدا بعد واحد، وهو يدفع لكل منهم صرّة فيها أربعمائة درهم فضة، ومن كلّ أمير شقّة حرير خاصّ وعدّتهم عشرون واحدا. وأنعم أيضا على القرّاء لكل جوقة بخمسمائة درهم فضة وكانوا أكثر من الوعّاظ، ثم مدّ سماط جليل يكون مقداره قدر عشرة أسمطة من الأسمطة الهائلة، فيه من الأطعمة الفاخرة ما يستحى من ذكره كثرة، بحيث إن بعض الفقراء أخذ صحنا فيه من خاصّ الأطعمة الفاخرة فوزن الصحن المذكور فزاد على ربع قنطار. ولمّا انتهى السّماط «2» مدّت أسمطة الحلوى من صدر المخيّم إلى آخره.

وعند فراغ ذلك مضى القضاة والأعيان وبقى السلطان فى خواصّه وعنده فقراء الزوايا والصوفية، فعند ذلك أقيم السّماع من بعد ثلث الليل إلى قريب الفجر وهو جالس عندهم ويده تملأ من الذهب، وتفرّغ لمن له رزق فيه والخازندار يأتيه بكيس بعد كيس، حتى قيل: إنّه فرّق فى الفقراء ومشايخ الزوايا والصوفية فى تلك الليلة أكثر من أربعة آلاف دينار. هذا، والسّماط من الحلوى والفاكهة يتداول مدّة بين يديه، فتأكله المماليك والفقراء وتكرّر ذلك أكثر من عشرين مرّة. ثم أصبح السلطان ففرّق فى مشايخ الزوايا القمح من الأهراء «1» لكل واحد بحسب حاله وقدر فقرائه، كلّ ذلك خارج عمّا كان لهم من الرواتب عليه فى كلّ سنة حسب ما يأتى ذكر ذلك فى آخر ترجمة الملك الظاهر بعد وفاته. ثم فى خامس عشر شهر ربيع الأوّل المذكور قدم الوالد إلى القاهرة معزولا عن نيابة حلب. فنزل السلطان الملك الظاهر إلى لقائه، قال الشيخ تقىّ الدين المقريزىّ- رحمه الله-: «وفى خامس عشر شهر ربيع الأوّل قدم الأمير تغرى بردى اليشبغاوى من حلب بتجمّل زائد عظيم إلى الغاية، فخرج السلطان وتلقّاه بالمطعم «2» من الريدانية «3» خارج القاهرة، وسار معه من غير خلعة، فلمّا قارب القلعة أمره

بالتوجّه إلى حيث أنزله وبعث إليه بخمسة أفراس بقماش ذهب وخمس بقج فيها قماش مفصّل له مفرّى؟ انتهى كلام المقريزى. قلت: وقوله: وعاد «1» معه بغير خلعة هى العادة، فإنّه منفصل عن نيابة حلب ولم يعط إلى الآن وظيفة حتى يلبس خلعتها. وفى سابع عشره قدّم الوالد تقدمته إلى السلطان، وكانت «2» نيّفا وعشرين مملوكا وخمسة طواشية بيض من أجمل الناس، من جملتهم: خشقدم اليشبكى مقدّم المماليك السلطانية فى دولة الملك الأشرف برسباى، أنعم به الملك الظاهر على فارس الحاجب، ثم ملكه يتسبك الشعبانى بعده وأعتقه، وثلاثين ألف دينار مصرية، ومائة وخمسة وعشرين فرسا، وعدّة جمال بخاتى «3» تزيد على الثمانين، وأحمالا من البقج، فيها من أنواع الفرو والشقق الحرير وأثواب الصوف والمخمّل زيادة على مائة بقجة، فآبتهج السلطان بذلك وقبله، وخلع على أصحاب وظائف الوالد، ونزلوا فى غاية الجبر. حكى لى بعض أعيان الظاهرية، قال: لما رأى الملك الظاهر تقدمة والدك تعجّب غاية العجب من حسن سيرته وقلّة ظلمه بحلب، ومع هذا كيف قام بهذه التقدمة الهائلة مع كثرة مماليكه وخدمه. وكان سبب عزل الوالد- رحمه الله- عن نيابة حلب، شكوى الأمير تنم الحسنى نائب الشام منه للملك الظاهر، ورماه بالعصيان والخروج عن الطاعة،

وخبر ذلك: أن الوالد وتنم لمّا توجّها فى السنة الماضية إلى سيواس «1» وغيرها بأمر الملك الظاهر وتلاقى الوالد مع تنم بظاهر حلب وعادا جميعا إلى حلب وكلّ منهما سنجقه «2» منتصب على رأسه، فعظم ذلك على تنم، كون العادة إذا حضر نائب الشام يصير هو رأس العساكر وينزل نائب حلب سنجقه، فلمّا سارا وكلّ منهما سنجقه على رأسه، تكلّم سلحدارية تنم مع سلحداريّة الوالد فى نزول السّنجق، فلم يفعل حامل السنجق، فخرجا من القول إلى الفعل، وتقاتل الفريقان بالدبابيس بسبب ذلك، وكادت الفتنة تقع بينهما، والوالد بتجاهل عمّا هم فيه، حتى التفت تنم ونهى مماليكه عن القتال، وسار كلّ واحد وسنجقه على رأسه، حتى نزلا بمخيّمهما «3» ، فاستشهد تنم أمراء دمشق بما وقع من الوالد ومماليكه، وكتب للسلطان بذلك فلم يشكّ السلطان فى عصيانه، وكتب بعزله وطلبه إلى القاهرة. وأما الوالد لمّا نزل بمخيّمه كلّمه بعض أعيان مماليكه فيما وقع، فقال الوالد: أنا خرجت من مصر جنديّا حتى أنزل سنجقى، أشار بذلك أنه ولى نيابة حلب وهو رأس نوبة النوب، وأن تنم ولى أتابكيّة دمشق، وهو أمير عشرة بمصر قبل ولايته نيابة دمشق، ثم نقل من أتابكية دمشق إلى نيابتها، يعنى بذلك أن تنم لم تسبق له رياسة بمصر قبل ولايته نيابة دمشق، فلمّا بلغ تنم ذلك قامت قيامته. انتهى.

ثم أنعم السلطان على سودون بن زادة بإمرة عشرة، بعد موت الأمير طوغان الشاطر. ثم نزل السلطان وعاد الأمير قلمطاى الدّوادار، ففرش قلمطاى تحت حوافر فرسه الشّقق الحرير، مشى عليها السلطان من باب داره حتى نزل بالقصر، فمشى من باب القصر على الشقق النخ «1» المذهب حتى جلس، فقدّم إليه طبقا فيه عشرة آلاف دينار وخمسا وعشرين بقجة قماش، وتسعة وعشرين فرسا ومملوكا تركيّا بديع الحسن، فقبل الملك الظاهر ذلك كله، ورجع إلى القلعة، وفى حال رجوعه قدم عليه الخبر بأن تيمور لنك سار من سمرقند «2» إلى بلاد الهند وأنه ملك مدينة دلّى «3» . ثم فى يوم الخميس العشرين من شهر جمادى الأولى خلع السلطان على قاضى القضاة جمال الدين يوسف بن موسى بن محمد الملطى باستقراره قاضى قضاة الحنفية بالديار المصرية، بعد موت شمس الدين محمد الطرابلسى، بعد ما شغر قضاء الحنفية بمصر مائة يوم وأحد عشر يوما، حتى طلب جمال الدين المذكور لها من حلب وقدم على البريد.

قلت: هكذا تكون ولاية القضاء. ثم أنعم السلطان على الأمير علىّ باى بإمرة مائة وتقدمة ألف عوضا عن الأمير تنبك الأمير آخور بعد موته. ثم بعد أيام أنعم على الأمير يشبك العثمانى بإمرة مائة وتقدمة ألف بعد موت الأمير قلمطاى العثمانى الدوادار، وأنعم على الأمير أسنبغا العلائى الدوادار الثانى بطبلخانات الأمير بكتمر الركنى، وكان بكتمر المذكور أخذ طبلخاناه الأمير علىّ باى المنتقل إلى تقدمة تنبك الأمير آخور. ثمّ أنعم السلطان على آقباى الطّرنطائى بإمرة طبلخاناه، وعلى تنكزبغا الحططى بإمرة عشرين. وفى يوم تاسع عشرين جمادى الأولى خلع السلطان على جماعة من الأمراء بعدة وظائف، فخلع على الوالد باستقراره أمير سلاح عوضا عن بكلمش العلائى، بعد ما شغرت أشهرا وعلى الأمير آقبغا الطولوتمرى الظاهرى المعروف باللّكّاش باستقراره أمير مجلس عوضا عن بيبرس ابن أخت السلطان، وعلى نوروز الحافظى رأس نوبة النوب باستقراره أمير آخور كبيرا، بعد موت الأمير تنبك وعلى الأمير بيبرس ابن أخت السلطان باستقراره دوادارا كبيرا، عوضا عن الأمير قلمطاى، بعد موته وعلى الأمير علىّ باى الخازندار باستقراره رأس نوبة النوب عوضا عن نوروز الحافظى وعلى يشبك الشعبانى باستقراره خازندارا عوضا عن علىّ باى المذكور. ثمّ فى ليلة الجمعة ثامن شعبان أمسك السلطان الأمير علاء الدين علىّ بن الطبلاوى وأمسك أخاه ناصر الدين محمدا والى القاهرة وجماعة من ألزامه وأوقع الحوطة على دورهم وتسلمه الأمير يلبغا الأحمدى المجنون الأستادار ليخلّص منه

الأموال، فأخذه يلبغا وتوجّه به إلى دار ابن الطبلاوى وأخذ منها مالا وقماشا بنحو مائة وستين ألف دينار. ثم أخذ منها أيضا بعد أيام ألفا ومائة قفّة فلوسا وصرفها ستمائة ألف درهم، ومن الدراهم الفضّة خمسة وثمانين ألف درهم فضة، واستمر علاء الدين فى المصادرة وخلع السلطان على الأمير الكبير أيتمش البجاسى باستقراره فى نظر البيمارستان «1» المنصورى عوضا عن ابن الطّبلاوى المذكور ومن يومئذ استمر نظر البيمارستان مع كلّ من يلى الأتابكية بمصر. ثم بعد أيام طلب ابن الطّبلاوى الحضور بين يدى السلطان، فأذن له السلطان فى ذلك، فحضر فى الحديد، بعد أن عوقب أياما كثيرة، وطلب من السلطان أن يدنيه منه، فاستدناه، حتى بقى من السلطان على قدر ثلاثة ادرع، فقال له: تكلّم، قال: أريد أن أسارّ السلطان فى أذنه، فلم يمكّنه من ذلك، فألّح عليه ابن الطبلاوى فى مسارّة السلطان فى أذنه، حتى استراب منه وأمر بإبعاده واستخلاص المال منه، فأخذه يلبغا وأخرجه من مجلس السلطان إلى باب «2» النحاس من القلعة، فجلس ابن الطبلاوى هناك ليستريح فضرب نفسه بسكّين كانت معه ليقتل نفسه وجرح فى موضعين من بدنه، فمسكوه ومنعوه من قتل نفسه وأخذوا السكين منه

وبلغ السلطان ذلك، فلم يشكّ أنه أراد الدنوّ من السلطان حتى يقتله بتلك السكين التى كانت معه. فلمّا فاته السلطان ضرب نفسه، فعند ذلك أمر السلطان بتشديد عقوبته فعاقبه يلبغا المجنون، فدلّ على خبيئة فيها ثلاثون «1» ألف دينار، ثم أخرى فيها تسعون ألف دينار، ثم أخرى فيها عشرون ألف دينار ودام فى العقوبة، ثم نقله يلبغا المجنون إلى خزانة شمائل «2» . ثمّ فى خامس عشر شوال ختن السلطان الملك الظاهر ولديه. الأمير فرجا والأمير عبد العزيز وختن معهما عدّة من أولاد الأمراء المقتولين، منهم: ابن الأمير منطاش وغيره وأنعم عليهم بقماش وذهب وعمل السلطان مهمّا عظيما بالقلعة للنساء فقط ولم يعمل للرجال، مخافة على الأمراء من الكلف. وفى يوم السبت ثانى عشر ذى القعدة عمل السلطان مهمّا عظيما بالميدان «3» تحت القلعة، سببه: أنه لعب بالكرة مع الأمراء على العادة، فغلب السلطان الأمير

الكبير أيتمش البجاسى، فلزم أيتمش عمل مهمّ بمائتى ألف درهم فضة، كونه غلب، فقام عنه السلطان بذلك وألزم السلطان الوزير بدر الدين محمد بن الطوخى والأمير يلبغا الأستادار ونصبت الخيم بالميدان وعمل المهم، وكان فيه من اللحم عشرون ألف رطل ومائتا زوج إوز وألف طائر من الدّجاج وعشرون فرسا وثلاثون قنطارا من السكر وثلاثون قنطارا من الزبيب عملت أقسما «1» وستون إردبا دقيقا لعمل البوزا وعملت المسكرات فى دنان من الفخّار. ونزل السلطان سحر يوم السبت المذكور، وفى عزمه أن يقيم نهاره مع الأمراء والمماليك، يعاقر الشراب، فأشار عليه بعض ثقاته بترك ذلك وخوّفه العاقبة، فمدّ السّماط وعاد إلى القصر، قبل طلوع الشمس، وأنعم على كلّ من الأمراء المقدّمين بفرس بقماش ذهب، وأذن السلطان للعامّة فى انتهاب ما بقى من الأكل والشراب، قال المقريزى: «فكان يوما فى غاية القبح والشّناعة أبيحت فيه المسكرات وتجاهر الناس فيه بالفواحش، بما لم يعهد مثله، وفطن أهل المعرفة بزوال الأمر، فكان كذلك، ومن يومئذ انتهكت الحرمات بديار مصر وقلّ الاحتشام» . انتهى كلام المقريزى.

ذكر وقعة على باى مع السلطان الملك الظاهر برقوق

ذكر وقعة علىّ باى مع السلطان الملك الظاهر برقوق لمّا كان يوم السبت تاسع عشر ذى القعدة من سنة ثمانمائة أو فى النيل وقدم أيضا البريد بقتل سولى بن دلغادر أمير التّركمان «1» ، فركب السلطان بعد صلاة الظهر يريد المقياس «2» ليخلّقه ويفتح خليج «3» السّدّ على العادة، ومعه جميع الأمراء إلّا الأمير عليّا باى الخازندار، فإنه كان انقطع بداره أياما وتمارض وفى باطن أمره أنه قصد الفتك بالسلطان، فإنّه علم أنه إذا نزل لفتح الخليج يدخل إليه ويعوده كما جرت به عادته مع الأمراء فدبّر علّى باى على السلطان وأخلى إسطبله من الخيل وداره من حريمه، وأعدّ قوما اختارهم من مماليكه، فتهيئوا لذلك فرآهم شخص كان يسكن بأعلى الكبش «4» من المماليك اليلبغاويّة يسمى سودون الأعور، فركب إلى

الملك الظاهر فى أثناء طريقه بعد تخليق المقياس وفتح خليج السدّ وأسرّ إليه أنه شاهد من سكنه مماليك علىّ باى وقد لبسوا آلة الحرب ووقفوا عند بوائك الخيل من إسطبله وستروا البوائك بالأنخاخ «1» ليخفى أمرهم، فقال له: السلطان اكتم ما معك، فلم يبد السلطان ذلك إلا لأكابر أمرائه. ثم أمر السلطان الأمير أرسطاى رأس نوبة أن يتوجّه إلى دار علىّ باى ويعلمه أن السلطان يدخل إليه لعيادته، فتوجّه أرسطاى عادة وأعلم عليّا باى بذلك، فلمّا بلغ عليّا باى أن السلطان يعوده اطمأن وظنّ أن حيلته تمّت ووقف أرسطاى على باب علىّ باى ينتظر قدوم السلطان، وعند ما بعث السلطان أرسطاى إلى علىّ باى أمر الجاويشية بالسكوت فسكتوا عن الصّياح أمام السلطان. ثم أبعد السلطان العصائب السلطانية عنه وأيضا السّنجق الذي يحمل على رأس السلطان وتقدّم عنهم حتى صار بينه وبين العصائب مدى بعيدا من خلفه وسار السلطان كآحاد الأمراء وسار حتى وافى الكبش، وهو تجاه دار علىّ باى والناس قد اجتمعوا للفرجة على موكب السلطان، فصاحت امرأة من أعلى الكبش «2» على السلطان لا تدخل، فإنّهم قد لبسوا لقتالك، فحرّك السلطان فرسه وأسرع

فى المشى ومعه الأمراء ومن ورائه المماليك الخاصّكيّة يريد القلعة «1» ، وكان باب علىّ باى مردود الدّرفتين، وضبّته مطرقة ليمنع الناس من الدخول إليه، حتى يأتى السلطان، فلمّا مرّ السلطان ولم يعلم به من ندبه علىّ باى لرؤية «2» السلطان وإعلامه به، حتى جاوزهم السلطان بما دبّره السلطان من المكيدة بتأخير العصائب السلطانية والسّنجق والجاويشيّة وتقدّمه عنهم. ثم بلغ عليّا باى أن السلطان فاته، فركب وبادر أحد أصحابه يريد فتح الضّبّة فأغلقها، وإلى أن يحضر مفتاح الضّبّة ويفتحونها، فاتهم السلطان وصار بينه وبينهم سدّ عظيم من الجمداريّة والغلمان وغيرهم، فخرج علىّ باى ومن معه من أصحابه لابسين السلاح، وعدّتهم نحو الأربعين فارسا يريدون السلطان، وقد ساق السلطان ومعه الأمراء، حتى دخل باب «3» السلسلة وامتنع به «4» ، فوقف على باى من معه تجاه باب السلسلة، فنزل إليه فى الحال طائفة من المماليك السلطانية لقتاله، فقاتلهم، وثبت لهم ساعة حتى جرح من الفريقين جماعة وقتل من المماليك السلطانية بيسق المصارع. ثم انهزم علىّ باى وتفرّق عنه أصحابه، وقد ارتجت مصر والقاهرة، وركب يلبغا المجنون الأستادار ومعه مماليك لابسين يريد القلعة، وأرجف الناس بقتل السلطان واشتدّ خوف الرعيّة وتشعّب الذّعر.

ثم لبست المماليك السلطانية السلاح، وأتى السلطان من كان غائبا عنه من الأمراء والخاصكيّة وتحلّقوه. فعندما طلع يلبغا الأحمدىّ المجنون الأستادار إلى السلطان وثب عليه الخاصكيّة، واتّهموه بموافقة علىّ باى لكونه جاء هو ومماليكه فى أسرع وقت بآلة الحرب، فأخذه اللّكم من الخاصكيّة من كل جهة، ونزعوا ما عليه من السلاح، وألقوه إلى الأرض ليذبحوه، لولا أن السلطان منعهم من ذلك، فلمّا كفّوا عن ذبحه سجنوه «1» بالزّردخاناه السلطانية مقيّدا. ثم قبض على نكباى شادّ شرابخاناه علىّ باى، وقطّع قطعا بالسيوف، فإنّه أصل هذه الفتنة. وسبب ركوب علىّ باى على السلطان وخبره أن نكباى هذا كان تعرّض لجارية من جوارى الأمير آقباى الطّرنطائى، وصار بينهما مشاكلة، فبلغ ذلك آقباى، فمسك نكباى المذكور وضربه ضربا مبرّحا ثم أطلقه، فحنق علىّ باى من ذلك، وشكا آقباى للسلطان، فلم يلتفت السلطان إليه، وأعرض عنه، وكان فى زعمه أن السلطان يغضب على أقباى بسبب مملوكه، فغضب علىّ باى من ذلك، ودبّر هذه الحبلة الباردة، فكان فى تدبيره تدميره. وبات السلطان تلك الليلة بالإسطبل السلطانى، ونهبت العامّة بيت علىّ باى حتى إنهم لم يبقوا به شيئا. وأما علىّ باى فإنه لما رأى أمره تلاشى ذهب واختفى فى مستوقد حمّام فقبض عليه وحمل إلى السلطان، فقيّده وسجنه بقاعة «2» الفضّة من القلعة.

فلما أصبح النهار وهو نهار الأحد والعشرين من ذى القعدة نزع العسكر السلاح وتفرّقوا، وطلع السلطان إلى القلعة من الإسطبل وأخذ علىّ باى وعصره، فلم يقر على أحد، وأحضر يلبغا المجنون فخلف علىّ باى أنه لم يوافقه ولا علم بشىء من خبره، وحلف يلبغا أنه لم يعلم بما وقع، وأنه كان مع الوزير بمصر. فلمّا أشيع بركوب علىّ باى لحق بداره، ولبس السلاح ليقاتل عليّا باى، فأفرج عنه السلطان وخلع عليه باستمراره على الأستادارية ونزل إلى داره، فلم يجد بها شيئا، وجميع ما كان فيها نهبته العامّة حتى سلبت جواريه وفرّت امرأته خوند بنت الملك الأشرف شعبان بن حسين، وأخذوا حتى رخام بيته وأبوابه، وتشعّثت داره وصارت خرابا، والدار هى التى على بركة «1» الناصرى بيت سونجبغا الناصرى الآن.

ثم قدم البريد على السلطان من حلب بأن أولاد ابن بزدغان من التّركمان والأمير عثمان بن طر على «1» المدعو قرايلك «2» تقاتلوا مع القاضى برهان الدين أحمد صاحب سيواس «3» ، فقتل برهان الدين فى المعركة وقام من بعده ابنه. ثم فى يوم الاثنين حادى عشرين ذى القعدة جلس السلطان بدار العدل «4» وعصر عليّا باى المذكور فلم يقر على أحد. وبينما السلطان فى ذلك إذا بهجّة عظيمة قامت فى الناس، فلبس العسكر ووقفوا تحت القلعة؛ «5» وقد غلقت أبواب القلعة، وأشيع أن يلبغا المجنون، والأمير آقبغا الطّولوتمرى المعروف باللّكّاش أمير مجلس خامرا على السلطان، ولم يكن الأمر كذلك وبلغ اللكاش ذلك، فركب من وقته فطلع إلى القلعة.

وأمّا يلبغا المجنون فإنه كان فى بيت الأمير فرج، فركب فرج المذكور ليعلم السلطان بأنه كان فى داره بالقاهرة حتى يبرأ ممّا رمى به، وطلع فى الحال جميع الأمراء، فأمر السلطان بقلع السلاح ونزول كلّ أحد إلى داره، وسكن الأمر ونودى بالأمان والاطمئنان. ثم فى ليلة الثلاثاء عذّب على باى أيضا بين يدى السلطان عذابا شديدا، كسرت فيه رجلاه وركبتاه وخسف صدره، فلم يقرّ على أحد، ثم أخذ إلى خارج وخنق، فتنكّرت الأمراء وكثر خوفهم من السلطان، خشية أن يكون علىّ باى ذكر أحدا منهم من حرارة العقوبة، ومن يومئذ فسد أمر السلطان مع مماليكه الجراكسة، ودخل السلطان إلى زوجته خوند الكبرى أرد «1» وكانت تركية الجنس، وكانت تحذره عن اقتناء المماليك الجراكسة وتقول له: اجعل عسكرك أبلق من أربعة أجناس: تتر وجاركس وروم وتركمان، تستريح أنت وذريّتك، فقال لها: الذي كنت أشرت به علىّ هو الصواب، ولكن هذا كان مقدّرا ونرجو الله تعالى إصلاح الأمر من اليوم. ثمّ فى يوم الثلاثاء أمر السلطان الأمير يلبغا المجنون أن ينفق على المماليك السلطانية، فأعطى الأعيان منهم خمسمائة درهم، فلم يرضهم ذلك وكثرت الإشاعات الردية والإرجاف بوقوع فتنة وباتوا ليلة الخميس على تخوّف، ولم تفتح الأسواق فى يوم الخميس، فنودى بالأمان والبيع والشراء، ولا يتحدّث أحد فيما لا يعنيه. ثمّ أنعم السلطان على الأمير أرسطاى بتقدمة علىّ باى، ووظيفته رأس نوبة النّوب، وأنعم على الأمير تمان تمر الناصرى بإقطاع أرسطاى، والإقطاع: إمرة طبلخاناه.

ثم فى سادس عشرينه نزل الأمير فارس حاجب الحجاب، والأمير تمربغا المنجكى أحد أمراء الألوف، وحاجب ثانى، وقبضا على الأمير يلبغا الأحمدى الظاهرىّ المعروف بالمجنون الأستادار من داره، وبعثاه فى النّيل إلى ثغردمياط «1» واستقرّ عوضه أستادارا الأمير ناصر الدين محمد بن سنقر بإمرة خمسين فارسا وأنعم السلطان على الأمير بكتمر جلّق الظاهرى رأس نوبة بتقدمة ألف عوضا عن يلبغا المجنون. وفى يوم السبت ثالث ذى الحجة خلع السلطان على أميرين باستقرارهما رءوس نوب صغارا وهما: طولو بن على باشا الظاهرى وسودون الظريف الظاهرىّ. وفى يوم الأحد رابع ذى الحجة سمّر السلطان أربعة نفر من مماليك علىّ باى ثم وسّطوا. ثم رسم السلطان بإحضار الأمير بكلمش العلائىّ أمير سلاح كان من سجنه بالإسكندرية «2» وتوجّه إلى القدس «3» بطّالا على ما كان للأمير شيخ الصّفوى من المرتّب. ثمّ استهلّ القرن التاسع: أعنى- سنة إحدى وثمانمائة- والخليفة المتوكّل على الله أبو عبد الله محمد العباسى والسلطان الملك الظاهر أبو سعيد برقوق

ابن أنص الجاركسى اليلبغاوىّ والقاضى الشافعىّ تقي الدين عبد الرحمن الزّبيرى والقاضى الحنفى جمال الدين يوسف الملطىّ والقاضى المالكى ناصر الدين أحمد التّنسى «1» والحنبلىّ برهان الدين إبراهيم بن نصر الله، والأمير الكبير أيتمش البجاسىّ، وأمير سلاح تغرى بردى بن يشبغا الظاهرى (أعنى عن الوالد) وأمير مجلس آقبغا اللكّاش الظاهرى، والأمير آخور نوروز الحافظى الظاهرى، وحاجب الحجاب فارس الظاهرى والدوادار بيبرس ابن أخت الملك الظاهر برقوق ورأس نوبة النّوب أرسطاى. ونوّاب البلاد صاحب مكة «2» المشرفة الشريف حسن بن عجلان الحسنىّ المكّى وأمير المدينة «3» النبوية- على ساكنها أفضل الصلاة والسلام- الشريف ثابت بن نعير الحسينىّ،

ونائب الشام الأمير تنبك الحسنى المعروف بتنم الظاهرى، ونائب حلب أرغون شاه الإبراهيمى الظاهرى، ونائب طرابلس يونس الظاهرى المعروف بيونس بلطا، ونائب حماة آقبغا الجمالى، ونائب صفد شهاب الدين أحمد ابن الشيخ على ونائب غزّة بيخجا «1» المعروف بطيفور الظاهرى، ونائب الإسكندرية صرغتمش القزوينى وجميع من ذكرنا من النوّاب بالبلاد الشامية وأصحاب الوظائف بالديار المصريه هم مماليك الظاهر برقوق ومشترواته، ما خلا نائب صفد وهو أيضا نشؤه، والأتابك أيتمش وقد اشتراه بعد سلطنته، حسبما تقدم ذكره أنه اشتراه من أولاد معتق أستاذه. ثم فى يوم سابع عشر المحرم المذكور سمّر السلطان سبعة نفر من المماليك يقال لأحدهم: آقبغا الفيل الظاهرى وآخر من إخوة علىّ باى ظاهرى أيضا والباقى من مماليك علىّ باى وشهّروا بالقاهرة، ثم وسّطوا. وفيه أيضا تنكّر السلطان على سودون الحمزاوى الخاصّكى الظاهرى وضربه ضربا مبرّحا وسجنه بخزانة «2» شمائل مدّة، ثم أخرجه منفيّا إلى بلاد الشام لأمر اقتضى ذلك. وفى هذا الشهر توعّك السلطان وحدث له إسهال مفرط لزم منه الفراش مدّة تزيد على عشرين يوما. ورسم السلطان بتفرقة مال على الفقراء، ففرّق فيهم، فاجتمع تحت القلعة «3» منهم عالم كثير وازدحموا لأخذ الذهب، فمات فى الزّحام منهم سبعة وخمسون شخصا، ما بين رجل وامرأة وصغير، قاله المقريزى.

وفى يوم ثانى عشره رسم السلطان بجمع أهل الإسطبل «1» السلطانى من الأمير آخورية والسلاخورية ونحوهم، فاجتمعوا ونزل السلطان من القصر إلى مقعده بالإصطبل السلطانى، وهو متوعّك البدن لعرضهم، وعرضهم حتى انقضى العرض، فأمسك جرباش الظاهرى أحد الأمير «2» آخورية الأجناد وقال له بعد ذلك على ماذا تريد قتلى وأنا أستاذك! فلم ينزعج جرباش المذكور وقال: بعد أن أشار بيده الى حياصته: أكون أنا لابس حياصة وهؤلاء أمراء، وأشار لمن حول السلطان من الأمراء من مماليكه، وهم الجميع أقلّ منى وبعدى شريتهم، فأشار السلطان بأخذه، فأخذ وسجن، فكان ذلك آخر العهد به. ثم عرض السلطان الخيل وفرّق خيل السّباق على الأمراء، كما كانت العادة يوم ذلك. ثم عرض الجمال البخاتى، كلّ ذلك تشاغل، والمقصود القبض على الأمير نوروز الحافظى الظاهرى الأمير آخور الكبير، ثم أظهر السلطان أنه تعب واتّكأ على الأمير نوروز ومشى من الإسطبل متكئا عليه، حتى وصل إلى الباب الذي يطلع منه إلى القصر، فأدار السلطان يده على عنق نوروز المذكور، فبادر الخاصّكيّة إليه باللّكم حتى سقط إلى الأرض، ثم قبضوا عليه وحملوه مقيّدا إلى السجن، ودخل السلطان من الباب وطلع إلى القلعة، وكان للأمير نوروز ذنوب كثيرة: منها الممالأة لعلىّ باى، ومعه أيضا الأمير آقبغا اللّكّاش، ثم تخاذل نوروز فى فتح باب السلسلة للسلطان يوم وقعة علىّ باى.

ثمّ بعد ذلك بلغ السلطان أن نوروز المذكور قصد الركوب عليه، فمنعته أصحابه، وأشاروا عليه أن يصير حتى ينتظر ما يصير من أمر السلطان فى مرضه، فإن مات فقد حصل له القصد من غير تعب ولا شنعة، وإن تعافى من مرضه فليفعل عند ذلك ما شاء. وكان ممن حضر هذه المشورة مملوك من خاصّكية الملك الظاهر، فلم يعجب نوروز ذلك، وقرّر مع أصحابه من الخاصّكية الذين وافقوه أنه إذا كان ليلة نوبتهم فى خدمة القصر ودخلوا مع السلطان فى القصر «1» الصغير المعروف بالخرجة المطلّ على الإسطبل السلطانى يثبون عليه بمن اتفق معهم ويقتلون السلطان على فراشه، ثم يكسرون الثّريّة المعلقة بقناديلها الموقدة يكون ذلك إشارة بينهم وبين نوروز، بعد قتل السلطان، فيركب نوروز عند ذلك ويملك القلعة من غير قتال، فأخذ الخاصّكية يستميلون جماعة أخر من الخاصكية ليكثر جمعهم، وكان من جملة من استمالوه قانى باى الصغير الخاصكىّ وأظنه الذي ولى نيابة الشام فى دولة الملك المؤيّد شيخ، والله أعلم. فأجابهما قانى باى بالسمع والطاعة وحلف لهم على الموافاة، ثم فارقهم ودخل إلى السلطان من فوره وقعد لتكبيسه، فحكى له القصة بتمامها وكمالها، فاحترز الملك الظاهر على نفسه ودبّر على نوروز حتى قبض عليه. ثم بعد مدة فى يوم السبت رابع صفر خلع السلطان على الأمير آقبغا اللّكّاش الظاهرىّ بنياية الكرك «2» وأخرج من ساعته وأذن له بالإقامة بخانقاه «3» سرياقوس حتى يجهّز أمره، ووكّل به الأمير تنبك الكركى الخاصّكى وهو مسفّره.

ثم فى ليلة الأحد أنزل الأمير نوروز الحافظى من القلعة مقيّدا إلى سجن الإسكندرية ومسفّره الأمير أردبغا الظاهرى أحد أمراء العشرات. ثم قبض السلطان على قوزى الخاصّكى أحد من كان اتفق مع نوروز وسلّم إلى والى القاهرة. ثم أنعم السلطان بإفطاع الأمير نوروز الحافظى على تمراز الناصرى، وصار من جملة مقدّمى الألوف بالديار المصرية، وأنعم على سودون الماردينىّ بإقطاع آقبغا اللّكّاش، وهو تقدمة ألف أيضا، وخلع على الأمير أرغون شاه البيدمرى الظاهرى باستقراره أمير مجلس، عوضا عن آقبغا اللكاش المذكور، وخلع على سودون المعروف بسيّدى سودون قريب الملك الظاهر برقوق باستقراره أمير آخور عوضا عن نوروز الحافظىّ.

وفى ثالث عشرين صفر أيضا أملى بعض المماليك السلطانية إليه بالأطباق على بعض فقهاء الأطباق أسماء جماعة من الأمراء والمماليك، أنهم اتفقوا على إقامة فتنة والقيام على السلطان وكتبها ودخل بها المملوك على السلطان، فلما قرئت الورقة على السلطان، استدعى المذكورين وأخبرهم بما قيل عنهم، فخلفوا أن هذا شىء لم يسمعوه إلا الآن، وحلّوا أوساطهم ورموا سيوفهم، وقالوا يوسّطنا السلطان أو يخبرنا بمن قال هذا عنا، فأحضر السلطان المملوك وسلّمه إليهم وضربوه نحو الألف عصا، حتى أقرّ أنه اختلق هذا الكلام عليهم حنقا من واحد منهم، وسمّى شخصا كان خاصمه «1» قبل ذلك. ثم أحضر السلطان الفقيه الذي كتب الورقة وضربه بالمقارع وسمر، ثم شفع فيه من القتل وحبس بخزانة شمائل. ولما وصل الأمير آقبغا اللكاش إلى غزة «2» متوجّها إلى محل كفالته بمدينة الكرك، قبض عليه بها وأحيط على سائر ما كان معه، وحمل إلى قلعة الصّبيبة «3» فسجن بها. ثم ورد الخبر على السلطان فى صفر المذكور أن السكّة ضربت باسمه بمدينة ماردين «4» ، وخطب له بها وحملت له الدنانير والدراهم وعليها اسم السلطان. ثم فى شهر ربيع الأول فى رابعه، ورد الخبر على السلطان بموت الأمير أرغون الإبراهيمى الظاهرى نائب حلب، فرسم السلطان أن ينقل الأمير آقبغا الجمالى

الظاهرى المعروف بالأطروش من نيابة طرابلس إلى نيابة حلب، وحمل إليه التقليد والتشريف إينال باى بن قجماس، ورسم أيضا باستقرار يونس بلطا نائب حماة «1» فى نيابة طرابلس عوضا عن آقبغا المذكور، وتوجّه بتقليده وتشريفه الأمير يلبغا الناصرى الظاهرى، ورسم أن يستقر دمرداش المحمدى أتابك حلب فى نيابة حماة، وتوجه بتقليده الأمير شيخ المحمودى «2» الساقى رأس نوبة وهو الذي تسلطن ثم خلع السلطان على الأمير سودون الظاهرى المعروف بالظريف فى نيابة الكرك. وفى خامس عشر شهر ربيع الأول أنعم السلطان على الوالد بجميع سرحة البحيرة «3» وداخلها مدينة الإسكندرية.

ثم فى سلخ ربيع الأول المذكور أمسك السلطان الأمير عزّ الدين أزدمر أخا إينال اليوسفى وأمسك معه ناصر الدين محمد بن إينال اليوسفىّ ونفيا إلى الشام. ثم فى يوم الأربعاء أوّل شهر ربيع الآخر خلع السلطان على الأمير سراى تمرشلّق الناصرى أحد أمراء الطبلخانات ورأس نوبة بديار مصر باستقراره أتابك العساكر بحلب عوضا عن دمرداش المحمّدى المنتقل إلى نيابة حماة. ثم فى عشرينه أنعم السلطان على الأمير على بن إينال اليوسفى بخبز أخيه محمد، وأمير علىّ هذا هو أستاذ الملك الظاهر جقمق الآتى ذكره، وبه عرف بالعلائىّ. وفيه أنعم السلطان على كلّ من سودون من زادة الظاهرى، وتغرى بردى الجلبانى، ومنكلى بغا الناصرى، وبكتمر الظاهرى، وأحمد بن عمر الحسنى بإمرة طبلخاناة بالديار المصرية. وأنعم أيضا على كلّ من بشباى الظاهرى، وتمربغا من باشاه، وشاهين من إسلام الأفرم الظاهرىّ، وجوبان العثمانى الظاهرى، وجكم من عوض الظاهرى بإمرة عشرة. ثم فى خامس عشرينه طلع إلى السلطان رجل عجمىّ، وهو جالس للحكم بين الناس وهيئته كهيئة الصوفية، وجلس بجانب السلطان، ومدّ يده إلى لحيته ليقبض عليها وسبّه سبّا قبيحا، فبادر إليه رءوس النّوب وأقاموه، ومرّوا به، وهو مستمرّ فى السبّ، فأمر به السلطان، فسلّم لوالى القاهرة، فأخذه الوالى ونزل به وعاقبه حتى مات تحت العقوبة.

ثم فى يوم الخميس سلخه خلع السلطان على تاج الدين عبد الرزاق بن أبى الفرج ابن نقولا الأرمنىّ الأسلمىّ والى قطيا «1» باستقراره وزيرا عوضا عن الوزير بدر الدين محمد بن الطوخى. وفى رابع جمادى الأولى رسم السلطان بإحضار الأمير يلبغا الأحمدى المجنون من ثغردمياط. ثم فى يوم الاثنين حادى عشر جمادى الأولى المذكور رسم السلطان باستدعاء رئيس الأطبّاء فتح الدين فتح الله بن معتصم بن نفيس الداودىّ «2» التّبريزى وخلع عليه باستقراره فى كتابة السّر، بعد موت القاضى بدر الدين محمود الكلستانى، وكان نفيس جدّ فتح الله هذا يهوديّا من أولاد نبىّ الله داود عليه السلام. وفى رابع عشرينه خلع السلطان على الأمير فرج الحلبى أستدار الذخيرة والأملاك باستقراره فى نيابة الإسكندرية. ثمّ فى يوم الاثنين ثامن شهر رجب رسم السلطان بانتقال الأمير جقمق الصّفوى حاجب حجّاب حلب إلى نيابة ملطية «3» بعد عزل دقماق المحمّدىّ الظاهرىّ وجهّز تقليده على يد مقبل الخازندار الظاهرى.

ثمّ فى حادى عشرين شهر رجب المذكور خلع السلطان على الشيخ تقي الدين المقريزى المؤرّخ باستقراره فى الحسبة بالقاهرة، عوضا عن شمس الدين البجاسىّ. ثم فى خامس عشرينه أعيد قاضى القضاة صدر الدين محمد بن إبراهيم المناوى إلى قضاء الشافعيّة بالديار المصرية، بعد عزل قاضى القضاة تقي الدين عبد الرحمن الزبيرىّ. وفى هذه الأيام أعيد أيضا يلبغا المجنون إلى وظيفة الأستدارية، بعد عزل ناصر الدين محمد بن سنقر، واستقر ابن سنقر أستادار الذخيرة والأملاك عوضا عن فرج المنتقل إلى نيابة الإسكندريّة. ثم كتب السلطان للأمير تنم الحسنىّ نائب الشام بالقبض على الأمير شهاب الدين أحمد ابن الشيخ على نائب صفد وعلى الأمير جلبان الكمشبغاوى الظاهرى المعروف بقراسقل أتابك دمشق، فورد مرسوم السلطان على تنم وهو بالغور فاستدعى نائب صفد المذكور وقبض عليه، ثم قبض على الأمير جلبان المذكور وبعث بهما إلى قلعة دمشق فسجنا بها. ورسم السلطان بنقل الأمير ألطنبغا العثمانى الظاهرى من حجوبيّة دمشق إلى نيابة صفد، ونقل الأمير بيخجا الشرفى المعروف بطيفور نائب غزة منها إلى حجوبية دمشق، ونقل ألطنبغا الظاهرىّ نائب الكرك كان إلى نيابة غزة. ثم فى تاسع شعبان خلع السلطان على كمال الدين عمر بن العديم باستقراره قاضى قضاة حلب بسفارة الوالد.

ثم فى رابع عشرين شهر رمضان كتب السلطان بالإفراج عن الأمير شهاب الدين أحمد ابن الشيخ علىّ من محبسه بقلعة «1» دمشق واستقراره أتابك العساكر بها، عوضا عن الأمير جلبان قراسقل. ثم فى سابع عشرينه أخرج الأمير علاء الدين علىّ بن الطبلاوى من خزانة شمائل وسلّم للأمير يلبغا المجنون الأستادار. ثم قدم الخبر على السلطان بموت الأمير الكبير كمشبغا الحموىّ بسجن الإسكندرية، فابتهج السلطان بموته، ورأى أنه قد تمّ له أمره، فإنه آخر من بقى من اليلبغاويّة الأمراء.

وأصبح من الغد فى يوم الجمعة وهو أوّل شوّال، صلّى صلاة العيد بالميدان على العادة، ثم صلّى الجمعة بجامع القلعة «1» فتفاءل الناس بزوال السلطان، كونه خطب بمصر فى يوم واحد مرّتين. قلت: وهذه القاعدة غير صحيحة، فإنّ ذلك وقع للملك الظاهر جقمق فى أوّل سنين سلطنته، ثم وقع ذلك فى سلطنة الملك الأشرف إينال. ثم فى سادس شوّال أخرج ابن الطبلاوىّ علاء الدين منفيّا إلى الكرك ومعه نقيب واحد. وفى يوم الثلاثاء خامس شوّال من سنة إحدى وثمانمائة، فيه كان ابتداء مرض السلطان الملك الظاهر برقوق وسببه أنّه ركب للعب الكرة بالميدان،

فلما فرغ منه قدم عليه عسل نخل ورد من كختا «1» ، فأكل منه ومن لحم بلشون «2» مشوىّ. ثم دخل إلى مجلس أنسه وشرب مع ندمائه، فاستحال ذلك خلطا رديئا لزم منه «3» الفراش من ليلته. ثم أصبح وعليه حمّى شديدة الحرارة، ثم تنوّع مرضه، وأخذ فى الزيادة من اليوم الثالث وليلة الرابع، وهو البحران «4» الأوّل، فأنذر عن السابع إنذارا رديئا لشدّة الحمى وضعف القوّة، حتى أيس منه، وأرجف بموته فى يوم السبت تاسعه، واستمرّ أمره فى الزيادة إلى يوم الأربعاء ثالث عشره، فقوى الإرجاف بموته، وغلّقت الأسواق، فركب الوالى ونادى بالأمان. فلما أصبح يوم الخميس استدعى السلطان الخليفة المتوكل على الله وقضاة القضاة وسائر الأمراء وجميع أرباب الدولة، فحضر الجميع فى مجلس السلطان، فحدّثهم السلطان فى العهد لأولاده، وابتدأ «5» الخليفة بالحلف للأمير فرج ابن السلطان، وأنه هو السلطان بعد وفاة أبيه. ثم حلف القضاة والأمراء وجميع أرباب الدولة، وتولى تحليفهم كاتب السرّ فتح الله، فلما تمّ الحلف للأمير فرج، حلفوا أن يكون القائم بعد فرج أخوه عبد العزيز، وبعد عبد العزيز أخوهما إبراهيم.

ثم كتبت وصيّة السلطان، فأوصى لزوجاته وسراريه وخدّامه بمائتى ألف دينار وعشرين ألف دينار، وأن يعمّر له تربة «1» بالصحراء خارج باب النصر «2» تجاه تربة «3»

الأمير يونس الدّوادار بثمانين ألف دينار، ويشترى بما فضل عن «1» عمارة التربة المذكورة عقار ليوقف عليها، وأن يدفن السلطان الملك الظاهر برقوق بها فى لحد تحت أرجل الفقراء: وهم الشيخ علاء الدين السيرامىّ الحنفىّ، والشيخ أمين الدين الخلواتى الحنفىّ، والمعتقد عبد الله الجبرتىّ، والمعتقد طلحة، والشيخ المعتقد أبو بكر البجائىّ، والمجذوب أحمد الزهورىّ، وقرّر أن يكون الأمير الكبير أيتمش هو القائم بعده بتدبير ابنه فرج، وأن يكون «2» وصيّا على تركته ومعه تغرى بردى بن «3» بشبغا أمير السلاح، أعنى عن الوالد، والأمير بيبرس الدوادار ابن أخت السلطان بعدهما، ثم الأمير قطلوبغا الكركىّ أحد أمراء العشرات، ثم الأمير يلبغا السالمىّ أحد أمراء العشرات أيضا، ثم سعد الدين إبراهيم بن غراب، وجعل الخليفة ناظرا على الجميع. ثم انفضّ المجلس ونظر الأمراء بأسرهم فى خدمة الأمير الكبير أيتمش البجاسىّ إلى منزله، فوعد الناس أنه يبطل المظالم وأخذ البراطيل على المناصب والولايات. وأكثر السلطان فى مرضه من الصدقات، فبلغ ما تصدّق به فى هذا المرض أربعة عشرة ألف دينار وتسعمائة دينار وتسعة «4» وتسعين دينارا، وأخذ فى النزع من بعد الظهر إلى أن مات السلطان الملك الظاهر برقوق من ليلته بعد نصف الليل. وهى ليلة الجمعة خامس عشر شوّال، وقد تجاوز ستّين سنة من العمر، بعد أن حكم على الديار المصرية والممالك الشامية أميرا كبيرا مدبرا وسلطانا إحدى وعشرين سنة وسبعة وخمسين يوما، منها تحكّمه بديار مصر، بعد مسك الأمير الكبير طشتمر العلائىّ الدوادار أربع سنين وتسعة أشهر وعشرة أيام، وكان يسمّى إذ ذاك بالأمير

الكبير نظام الملك، ومنذ تسلطن سلطنته الأولى فى يوم الأربعاء تاسع عشر شهر رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة إلى أن خلع واختفى فى واقعة الناصرى ومنطاش فى سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، ست سنين وثمانية أشهر وسبعة عشر يوما، وتسلطن عوضه الملك المنصور حاجّىّ ابن الملك الأشرف شعبان بن حسين، ودام مخلوعا محبوسا، ثم خارجا بالبلاد الشامية ثمانية أشهر وستة عشر يوما، وأعيد إلى السلطنة ثانيا، فمن يوم أعيد إلى سلطنته ثانية إلى أن مات فى ليلة الجمعة المذكورة تسع سنين وثمانية أشهر، وتسلطن من بعده ابنه الملك الناصر فرج وجلس على تخت الملك حسبما يأتى ذكره فى سلطنته. ثم أخذ الأمراء فى تجهيز السلطان الظاهر برقوق- رحمه الله- وغسّل وكفّن، وصلّى عليه بالقلعة قاضى القضاة صدر الدين المناوى، وحمل نعشه سائر الأمراء على أعناقهم إلى تربته، فدفن بها- حيث أوصى- على قارعة الطريق، ولم يكن بذلك المكان يوم ذاك حائط، ودفن قبل صلاة الجمعة، ونزل أمام نعشه سائر الأمراء وأرباب الدولة مشاة يصيحون ويصرخون بالبكاء والعويل، وقد امتلأت طرق الصحراء بالجوارىّ والنساء السّبيات «1» الحاسرات منشّرات الشعور من حرم مماليكه وحواشيه، فكان يوما فيه عبرة لمن اعتبر، ولم يعهد قبله أحد من ملوك مصر دفن نهارا غيره، وضربت الخيام على قبره، وقرئ القرآن أياما، ومدّت لهم الأسمطة العامة الهائلة، وتردّدت أكابر الدول فى كل ليلة إلى قبره عدّة أيام وكثر أسف الناس عليه.

قلت: وهو أوّل من ولى السلطنة من الجراكسة بالديار المصرية بعد الملك المظفّر بيبرس الجاشنكير، على خلاف فى بيبرس، وهو القائم بدولة الجراكسة، وقد تقدّم ذكر ذلك كلّه فى أوّل ترجمته. وخلّف من الأولاد ثلاثة ذكور: الملك الناصر فرجا، وأمه أمّ ولد رومية تسمّى: «شيرين» وهى بنت عمّ الوالد، وقيل: أخته، وماتت فى سلطنة ابنها الملك الناصر فرج. وعبد العزيز، وأمّه أمّ ولد أيضا تركيّة الجنس، تسمّى قنق باى، ماتت فى سنة خمس وثلاثين وثمانمائة، وإبراهيم، وأمّه خوند بركة، ماتت فى أواخر دولة الملك الأشرف برسباى. وخلّف أيضا ثلاث بنات: خوند سارة وأمّها أمّ ولد، تزوّجها الأمير نوروز الحافظىّ، ثم مقبل الرومىّ، وماتت فى سنة ست عشر وثمانمائة بطريق دمشق، رخوند بيرم وأمّها خوند هاجر بنت منكلى بغا الشمسىّ، تزوجها إينال باى بن قجماس، وماتت بالطاعون فى سنة تسع عشرة وثمانمائة وخوند زينب، وأمّها أمّ ولد، تزوجها الملك المؤيّد شيخ، ثم من بعده الأتابك قجق، وماتت فى حدود سنة ثلاثين وثمانمائة. وخلّف فى الخزانة وغيرها من الذّهب العين ألف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار، ومن الغلال والقنود «1» والأعسال والسكّر والثياب وأنواع الفرو ما قيمته أيضا ألف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار. وخلّف من الخيل نحو ستّة آلاف فرس، ومن الجمال نحو خمسة آلاف جمل، ومن البغال وحمير التراب عدّة كبيرة.

وبلغت عدّة مماليكه المشتروات خمسة آلاف مملوك، وبلغت جوامك «1» مماليكه فى كل شهر نحو أربعمائة ألف درهم فضة، وعليق خيولهم فى الشهر ثلاثة عشر ألف إردب شعير، وعليق خيوله بالإسطبل «2» السلطانى وغيره، وجمال النّفر وأبقار السواقى وحمير التراب فى كل شهر أحد عشر ألف إردب من الشعير والفول. وكان ملكا جليلا حازما شهما شجاعا مقداما صارما فطنا عارفا بالأمور والوقائع والحروب، ومما يدل على فرط شجاعته وثوبه على الملك وهو من جملة أمراء الطبلخانات، وتملّكه الديار المصرية من تلك الشجعان، وما وقع له مع الناصرىّ ومنطاش عند خلعة من السلطنة كان خذلانا من الله تعالى (ليقضى الله أمرا كان مفعولا) ، وما وقع له بعد خروجه من حبس الكرك «3» ، فهو من أكبر الأدلة على شجاعته وإقدامه. وكان- رحمه الله- سيوسا عاقلا ثبتا، وعنده شهامة عظيمة ورأى جيّد ومكر شديد وحدس صائب، وكان يتروّى فى الشيء المدّة الطويلة حتى يفعله، ويتأنّى فى أموره، مع طمع كان فيه وشره فى جمع المال، وكان يحب الاستكثار

من المماليك، ويقدّم جنس المماليك الجراكسة على غيره، ثم ندم على ذلك فى أواخر عمره، بعد فتنة علىّ باى. وكان يحب اقتناء الخيول والجمال، وكان يتصدّى للأحكام بنفسه ويباشر أحكام المملكة برأيه وتدبيره، فيصيب فى غالب أموره، على أنه كان كثير المشورة لأرباب التجارب، يأخذ رأيهم فيما يفعله، ثم يقيس رأيهم على حدسه، فيظهر له ما يفعله. وكان يحب أهل الخير والصلاح، وله اعتقاد جيّد فى الفقراء والصّلحاء، وكان يقوم للفقهاء والصلحاء إذا دخل عليه أحد منهم، ولم يكن يعهد هذا من ملك كان قبله من ملوك مصر، على أنه صار يعض من الفقهاء فى سلطنته الثانية، من أجل أنهم أفتوا فى قتاله وقتله، لاسيما القاضى ناصر الدين ابن بنت ميلق، فإنه كان كثير الاعتقاد فيه، ومع شدّة حنقه عليهم كان لا يترك إكرامهم. وكان كثير الصّدقات والمعروف، أوقف ناحية بهتيت «1» على سحابة «2» تسير مع الحج إلى مكة فى كلّ سنة، ومعها جمال تحمل المشاة من الحاج وتصرف لهم ما يحتاجون

إليه من الماء والزاد ذهابا وإيابا، ووقف أيضا أرضا على قبور «1» إخوة يوسف عليه السلام بالقرافة «2» ، وكان يذبح دائما فى طول أيام إمارته وسلطنته فى كلّ يوم من أيام شهر رمضان خمسا وعشرين بقرة، يتصدّق بها بعد ما أن تطبخ، ومعها آلاف من أرغفة الخبز النّقى، تفرّق على أهل الجوامع والمساجد والرّبط «3» وأهل السجون، لكل إنسان رطل لحم مطبوخ، وثلاثة أرغفة، وهذا، غير ما كان يفرّق فى الزوايا من اللحم أيضا، فإنه كان يعطى لكل زاوية خمسين رطلا من اللحم الضأن، وعدّة أرغفة فى كل يوم، وفيهم من يعطى أكثر من ذلك بحسب حالهم وكان يفرق فى كل سنة فى أهل العلم والصلاح مائتى ألف درهم، الواحد إلى مائة دينار، وكان يفرّق فى فقراء القرافتين «4» لكل فقير من دينار إلى أكثر وأقلّ، ويفرّق فى كل سنة ثمانية آلاف إردب قمحا على أهل الخير وأرباب الصلاح. ويبعث فى كل سنة إلى بلاد الحجاز ثلاثة آلاف إردب قمحا، تفرّق فى الحرمين وفرّق فى مدة الغلاء كلّ يوم أربعين إردبا؛ عنها ثمانية آلاف رغيف، فلم يمت فيه أحد من الجوع.

وكان غير هذا كلّه يبعث فى كل قليل بجملة من الذهب تفرّق فى الفقهاء والفقراء، حتى إنه تصدّق مرة بخمسين ألف دينار مصرية على يد خازنداره العبد الصالح الطواشى صندل المنجكى الرومىّ. وأبطل عدّة مكوس: منها ما كان يؤخذ من أهل شورى «1» وبلطيم «2» من البرلّس «3» ، وكانت شبه الجالية «4» فى كل سنة. قلت: أعيد ذلك فى سلطنة الملك الظاهر جقمق. وأبطل ما كان يؤخذ على القمح بثغردمياط «5» عما تبتاعه الفقراء وغيرهم.

وأبطل مكس معمل الفراريج بال؟؟؟ ريرية «1» وما معها من بلاد الغربية، وأبطل مكس الملح بعينتاب «2» ، ومكس الدقيق بالبيرة «3» ، وأبطل من طرابلس» ما كان مقرّرا على قضاة البرّ وولاة الأعمال عند قدوم النائب إليها، وهو مبلغ خمسمائة درهم على كلّ منهم، أو بغلة بدل ذلك. وأبطل ما كان يؤخذ على الدّريس والحلفاء بباب النصر خارج القاهرة.

وأبطل ضمان المغانى بمدينة الكرك «1» والشّوبك «2» ، وبمنية «3» ابن خصيب، وأعمال الأشمونين «4» وزفتة «5» ومنية غمر «6» .

وأبطل رمى الأبقار بعد الفراغ من عمل الجسور بأراضى مصر على البطّالين بالوجه البحرىّ. وأنشأ بالقاهرة مدرسته التى لم يعمر مثلها ببين القصرين، ورتّب لها صوفية بعد العصر كلّ يوم، وجعل بها سبعة دروس لأهل العلم على المذاهب الأربعة أعظمهم بالإيوان القبلىّ الحنفى، ثم درسا للتفسير، ودرسا للحديث، ودرسا للقراءات. وأجرى على الجميع فى كلّ يوم الخبز ولحم الضّأن المطبوخ، وفى الشهر الحلوى والزيت والصابون والدراهم، ووقف على ذلك الأوقاف الجليلة من الأراضى والدّور ونحوها. وعمّر جسرا على نهر الأردن «1» بالغور فى طريق دمشق «2» ، طوله مائة وعشرون ذراعا فى عرض عشرين ذراعا، وجدّد خزائن السلاح بثغر الإسكندرية، وسور

دمنهور «1» ، وعمّر جبال الشرقية بالفيوم «2» ، وزاوية البرزخ بدمياط «3» ، وقناة العرّوب بالقدس، وبنى أيضا بركة بطريق الحجاز، وبركة أخرى برأس وادى بنى سالم

وجدّد عمارة القناة التى تحمل ماء النيل إلى قلعة الجبل، وجدّد عمارة الميدان من تحت القلعة، بعد ما كان خرب، وسقاه وزرع به الفرط، وغرس فيه النخل، وعمر صهريجا ومكتبا يقرأ فيه أيتام المسلمين القرآن الكريم بقلعة الجبل، وجعل عليه وقفا، وعمّر أيضا بالقلعة طاحونا، وعمر أيضا سبيلا تجاه باب دار الضيافة تجاه القلعة. وخطب له على منابر تبريز «1» ، عند ما أخذها قرا محمد التّركمانى، وضربت الدنانير والدراهم فيها باسمه وخطب له على منابر الموصل «2» من العراق، وعلى منابر ماردين «3» بديار بكر، ومنابر سنجار «4» ، وخرب عساكره مدينة دوركى «5» وأرزن «6» كان من أرض الروم. وكان نائبه بالديار المصرية الأمير سودون الفخرىّ الشيخونىّ إلى أن مات سودون المذكور، فلم يستنب الملك الظاهر أحدا بعده. وكانت نوّابه بدمشق «7» (أعنى الذين تولوا فى أيام سلطنته) : الأمير بيدمر الخوارزمى، وإشقتمر الماردينىّ، وألطنبغا الجوبانىّ غير مرة، وطرنطاى السيفىّ،

ويلبغا الناصرى صاحب الوقعة معه، وبطا الطّولوتمرىّ الظاهرىّ المعروف بتنم، ومات الملك الظاهر وهو على نيابتها. ونوّابه بحلب «1» : يلبغا الناصرىّ غير مرّة، وسودون المظفّرىّ وكمشبغا الحموىّ وقرادمرداش الأحمدىّ وجلبان الكمشبغاوىّ الظاهرىّ قراسقل وتغرى بردى من بشبغا الظاهرىّ (أعنى الوالد) وأرغون شاه الإبراهيمى الظاهرىّ وآقبغا الجمالى الظاهرىّ الأطروش، ومات السلطان وهو على نيابتها. ونوّابه بطرابلس «2» مأمور القلمطاوىّ اليلبغاوىّ وكمشبغا الحموىّ اليلبغاوىّ وأسندمر السيفىّ، وقرا دمرداش الأحمدىّ اليلبغاوىّ، وإينال بن خجا على، وإياس الجرجاوى، ودمرداش المحمدىّ الظاهرىّ، وأرغون شاه الإبراهيمىّ الظاهرىّ، وآقبغا الجمالىّ الظاهرىّ الأطروش، ويونس بلطا الظاهرىّ، ومات الملك الظاهر وهو على نيابتها. ونوّابه بحماة «3» : صنجق الحسنىّ، وسودون المظفّرىّ وسودون العلائىّ، وسودون العثمانىّ، وناصر الدين محمد بن المهمندار، ومأمور القلمطاوىّ اليلبغاوىّ، ودمرداش المحمدىّ الظاهرىّ وليها مرّتين، وآقبغا السلطانىّ، ويونس بلطا الظاهرى، ثم دمرداش المحمدى، ومات برقوق وهو على نيابتها.

ذكر قضاته بالديار المصرية

ونوّابه بصفد «1» : أركماس السيفىّ، وبتحاص السّودونىّ، وارغون شاه الإبراهيمى الظاهرىّ وآقبغا الجمالىّ الأطروش الظاهرىّ، وأحمد ابن الشيخ علىّ، وألطنبغا العثمانىّ الظاهرىّ، ومات الملك الظاهر وهو على نيابتها. ونوّابه بالكرك: «2» طغاى تمر القبلائى، ومأمور القلمطاوىّ، اليلبغاوى، وقديد القلمطاوىّ اليلبغاوىّ، ويونس القشتمرى، وأحمد ابن الشيخ على، وبتخّاص السّودونىّ، ومحمد بن مبارك شاه المهندار، وألطنبغا الحاجب، وسودون الظريف الظاهرىّ الشمسىّ، ومات السلطان وهو على نيابتها. ونوّابه بغزّة «3» : قطلوبغا الصّفوىّ وآقبغا الصغير، ويلبغا القشتمرى، وألطنبغا العثمانى الظاهرىّ، وبيخجا الشرفىّ المدعو طيفور، وألطنبغا الحاجب، ومات الملك الظاهر وهو على نيابتها. ذكر قضاته بالديار المصرية فالشافعية: برهان الدين إبراهيم بن جماعة، وبدر الدين محمد بن أبى البقاء، وناصر الدين محمد بن بنت ميلق، وعماد الدين أحمد المقيّرى الكركىّ. وصدر الدين محمد المناوى، وتقىّ الدين عبد الرحمن الزّبيرى، ثم المناوى ثالث مرة، ومات السلطان وهو قاض.

والحنفيّة: صدر الدين محمد بن منصور الدّمشقى، وشمس الدين محمد الطرابلسى ومجد الدين إسماعيل بن إبراهيم، وجمال الدين محمود القيصرىّ العجمىّ، وجمال الدين يوسف الملطىّ ومات الملك الظاهر وهو قاض. والمالكية: جمال الدين عبد الرحمن بن خير السّكندرىّ، ثمّ ولىّ الدّين عبد الرحمن بن خلدون، وشمس الدين محمد الرّكراكىّ المغربى، وشهاب الدين أحمد النحريرىّ، وناصر الدين أحمد بن التّنسىّ، ثم ابن خلدون، ومات الملك الظاهر وهو قاض. والحنابلة: نصر الدين نصر الله العسقلانىّ، ثم ابنه برهان الدين إبراهيم، ومات السلطان وهو قاض. وأما أصحاب وظائفه من أكابر أمراء مصر فلم يضبطهم أحد من مؤرّخى ملك العصر، واكتفوا بذكرهم عند ولاية أحدهم أو عزله أو موته، إن كانوا فعلوا ذلك. ذكر مباشرى دولته، أستاداريّته: بهادر المنجكىّ، ثم محمود بن على بن أصفر عينه. ثم قرقماس الطّشتمرىّ، ثم عمر بن محمد بن قايماز، ثم قطلوبك العلائى، ثم يلبغا الأحمدى المجنون، ثم محمد بن سنقر، ثم يلبغا المجنون، ومات السلطان وهو على وظيفته. ووزراؤه بديار مصر: علم الدين عبد الوهاب المعروف بسنّ إبرة، وشمس الدين إبراهيم بن كاتب أرنان، وعلم الدين عبد الوهاب بن كاتب سيّدى، وكريم الدين عبد الكريم بن الغنّام، وموفّق الدين أبو الفرج، وسعد الدين نصر الله بن البقرىّ، وناصر الدين محمد بن الحسام، وركن الدين عمر بن قايماز، وتاج الدين عبد الرحيم ابن أبى شاكر، وناصر الدين محمد بن رجب بن كلبك، ومبارك شاه، وبدر الدين

محمد بن الطّوخىّ، وتاج الدين عبد الرزاق بن أبى الفرج، ومات السلطان وهو وزير. وكتّاب سره: القاضى بدر الدين محمد بن فضل الله، وأوحد الدّين عبد الواحد، وعلاء الدين على المقيّرى الكركىّ، ثم ابن فضل الله ثانيا، ثم بدر الدين محمود الكلستانىّ، وفتح الدّين فتح الله، ومات السلطان وهو كاتب سرّه. ونظار جيشه: تقىّ الدين عبد الرحمن بن محبّ الدين، وموفّق الدين أبو الفرج وجمال الدين محمود القيصرىّ العجمىّ، وكريم الدين عبد الكريم بن عبد العزيز، وشرف الدين محمد الدّمامينى، وسعد الدين إبراهيم بن غراب، ومات السلطان هو ناظر الجيش. ونظّار خاصّه: سعد الدين نصر الله بن البقرىّ، وموفّق الدين أبو الفرج، وسعد الدين أبو الفرج بن تاج الدين موسى كاتب السعدى، وسعد الدين بن غراب، ومات السلطان وهو ناظر الجيش والخاص معا، والله تعالى أعلم. السنة الأولى من سلطنة الملك الظاهر برقوق الثانية على مصر، وهى سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة، على أن الملك المنصور حاجّى بن الملك الأشرف شعبان حكم منها ثمانية أشهر وسبعة أيام من يوم سلطنته إلى يوم طلوع الملك الظاهر برقوق إلى قلعة الجبل «1» . فيها توفّى الأمير سيف «2» الدين آقبغا بن عبد الله الجوهرىّ اليلبغاوىّ، كان من أكابر اليلبغاويّة وتولّى الأستادارية وحجوبيّة الحجّاب كليهما بديار مصر، ووقع له

أمور، وهو أحد من أخرجه الملك الظاهر من حبس منطاش بالإسكندرية، وندبه فيمن ندب من الأمراء لقتال منطاش، فقتل فى وقعة حمص «1» عن بضع وخمسين سنة. وكان أميرا جليلا عارفا يذاكر بمسائل جيّدة فقهيّة وغيرها فى عدّة فنون مع حدّة مزاج. وتوفّى الأمير سيف الدين أردبغا بن عبد الله العثمانىّ اليلبغاوى أحد أمراء الطبلخانات قتيلا أيضا فى وقعة منطاش، وكان من كبار اليلبغاويّة. وتوفّى الأمير علاء الدين ألطنبغا بن عبد الله الجوبانىّ اليلبغاوى نائب الشام قتيلا فى واقعة منطاش، وقد تقدّم ذكر موته وكيفيّة قتله فى أوائل سلطنة الملك الظاهر برقوق الثانية، وكان من عظماء المماليك اليلبغاوية، ولّاه الملك الظاهر فى سلطنته الأولى أمير مجلس، ثم ولّاه نيابة الكرك، ثم نقله إلى نيابة الشام، ثم قبض عليه وحبسه إلى أن أخرجه الناصرىّ بعد خلع الملك الظاهر برقوق وحبسه، فولّاه الناصرىّ رأس نوبة الأمراء إلى أن أمسكه منطاش وحبسه بالإسكندرية ثانيا، حتى أخرجه الملك الظاهر برقوق فيمن أخرجه بعد عوده إلى سلطنة مصر، وولّاه نيابة الشام، وندبه لقتال منطاش فتوجّه وقاتله، وقتل فى الواقعة، وتولّى الناصرىّ نيابة الشام بعده، ومات الجوبانى وقد قارب الخمسين سنة من العمر، وكان حشما فخورا معظّما فى الدول متجمّلا فى مركبه ومماليكه ولبسه، وعنده سياسة وأدب ومعرفة، رحمه الله تعالى.

وتوفّى الأمير سيف الدين قازان اليرقشى «1» أحد أمراء الطبلخانات بالديار المصرية، وكان من حواشى الناصرى، قتل فى واقعة منطاش على حمص، وقبل أن يخرج منطاش بالملك المنصور من مصر لقتال الملك الظاهر برقوق لمّا خرج من سجن الكرك، أمر والى الفيّوم فى الباطن بقتل جماعة كبيرة من الأمراء ممن كان بحبس الفيوم، ثم سافر منطاش، وبعد سفره بأيّام قدم محضر مفتعل من كاشف الفيوم: أنه لمّا كان يوم الجمعة حادى عشرين جمادى الآخرة سقط على الأمراء المسجونين حائط سجنهم فماتوا جميعا، فعظم ذلك على الناس إلى الغاية، كونهم من أكابر الأمراء وأعيان الدولة، وهم: الأمير تنكز العثمانى اليلبغاوى أحد أمراء الطبلخانات بالديار المصرية، وكان من الشجعان، وتمان تمر الأشرفىّ نائب بهنسا «2» وكان من أكابر المماليك الأشرفيّة، وهو من خشداشيّة منطاش، لكنه كان من حزب الناصرىّ، وتمرباى الحسنى الأشرفى حاجب الحجاب بالديار المصرية ومن أجلّ المماليك الأشرفية، وهو حمو الوالد وكان من الشجعان، وجمق الكمشبغاوى أحد أعيان أمراء مصر والشام، وكان من حزب الناصرى، وتمر الجركتمرىّ أحد أمراء الطبلخانات بالديار المصرية، وكان من حزب الملك الظاهر برقوق، وقطلوبغا الأحمدىّ اليلبغاوىّ أحد أمراء العشرات بالقاهرة، وعيسى التّركمانى أحد أمراء الطبلخانات بمصر، وقد ولى عدّة أعمال، وقرابغا البو بكرى أمير مجلس وأحد مقدّمى الألوف بالديار المصرية، وقرقماش الطّشتمرىّ أستادار العالية والخازندار، والدوادار الكبير بالديار المصرية، تنقّل فى جميع هذه الوظائف وغيرها، وكان أوّلا من حزب

الظاهر، ثم صار من بعد خلعه من حزب يلبغا الناصرىّ، ويونس الإسعردى الرمّاح الظاهرى أحد أمراء الطبلخانات لم يكن فى المماليك الظاهريّة من يضاهيه فى حسن الشّكالة ولا فى لعب الرّمح، قتل الجميع فى يوم واحد حسب ما ذكرناه. وتوفّى الأمير سيف الدين مأمور بن عبد الله القلمطاوى اليلبغاوى فى واقعة حمص أيضا وكان ولى نيابة الكرك، وتقدمة ألف بديار مصر، وحجوبية الحجاب بها، ثم ولّاه الملك الظاهر فى سلطنته الثانية نيابة حماة «1» ، فقتل وهو على نيابة حماة، وكان من أجلّ المماليك اليلبغاوية وأعيان أمراء مصر، وهو زوج بنت أستاذه الأتابك يلبغا التى خدمت الملك الظاهر برقوقا لمّا حبس بالكرك «2» . وتوفّى الشيخ المعتقد الصالح علىّ المغربل فى خامس جمادى الأولى، ودفن بزاويته خارج القاهرة بحكر الزرّاق وكان للناس فيه اعتقاد حسن ويقصد للزيارة. وتوفّى الشيخ المعتقد الصالح محمد الفاوىّ فى ثامن جمادى الأولى ودفن خارج باب النصر، وكان خيّرا معتقدا. وتوفّى الشيخ المقرئ شمس الدين محمد المعروف بالرفاء «3» فى سابع جمادى الأولى. وتوفّى الأديب الشاعر شمس الدين محمد بن إسماعيل الإفلاتىّ فى سادس جمادى الأولى. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع ونصف، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا وإصبعان. والوفاء حادى عشر مسرى. والله تعالى أعلم.

ما وقع من الحوادث سنة 793

[ما وقع من الحوادث سنة 793] السنة الثانية من سلطنة الملك الظاهر برقوق الثانية على مصر وهى سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة. فيها توفّى الأمير شهاب الدين أحمد ابن الأمير الكبير الحاج آل ملك الجوكندار فى يوم الأحد ثانى عشرين جمادى الآخرة. وتوفّى قاضى القضاة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عمر بن مسلم بن سعيد ابن بدر القرشىّ الدمشقى الشافعى قاضى قضاة دمشق بخزانة «1» شمائل، بعد عقوبات شديدة فى ليلة الأحد «2» تاسع شهر رجب، وكان غير مشكور السّيرة، مسرفا على نفسه، وهو ممن قام على الملك الظاهر برقوق بدمشق، وحرّض العامّة على قتاله وقد مرّ من ذكره ما فيه غنية عن ذكره ثانيا. وتوفّى الأمير حسام الدين حسين بن علىّ بن الكورانىّ أحد أمراء الطبلخانات ووالى القاهرة مخنوقا بخزانة شمائل بعد عقوبات كثيرة، فى عاشر شعبان، وكان غير مشكور السيرة وفيه ظلم وجبروت، قتل من الزّعر فى أيام ولايته خلائق لا تدخل تحت حصر. وتوفّى الشيخ الإمام العالم العلّامة جلال الدين جلال بن رسول «3» بن أحمد بن يوسف العجمىّ الثّيرىّ «4» التّبّانىّ الحنفىّ خارج القاهرة فى يوم الجمعة ثالث [عشر «5» ]

شهر رجب، والتّبانىّ نسبة إلى سكنه، موضع خارج القاهرة بالقرب من باب الوزير، يقال له: التبّانة «1» ، وكان إماما عالما بفنون كثيرة، أفتى وأقرأ ودرّس عدّة سنين، وعرض عليه قضاء مصر فامتنع عفّة منه. وله مصنفات كثيرة: منها «شرح المنار» فى أصول الفقه، و «شرح مختصر ابن الحاجب» وخرّج أيضا «مختصر التلويح فى شرح الجامع الصحيح» للحافظ مغلطاى، وله «منظومة فى الفقه» ، وشرحها فى أربع مجلدات، وله «مختصر فى ترجيح الإمام أبى حنيفة» ، وله تعليق على البزدوى ولم يكمله، وشرح كتبا كثيرة غير ذلك، وأصله من بلدة بالروم يقال لها: ثيرة بكسر (الثاء المثلثة) وسكون الياء آخر الحروف. وتوفّى الشيخ المعتقد الصالح على الروبىّ فى رابع ذى الحجة، وكان للناس فيه اعتقاد ويقصد للزيارة للتبرك به. وتوفّى قاضى القضاة شمس الدين محمد بن يوسف الرّكراكىّ المالكىّ قاضى قضاة الديار المصرية وهو قاض بحمص «2» ، فى رابع عشر شوّال، وقد تجرّد صحبة السلطان، وكان عالما ديّنا مشكور السّيرة. وتوفّى شيخ الخانقاه «3» الصلاحيّة سعيد السعداء شهاب الدين أحمد بن الأنصارى الشافعى فى عاشر ذى القعدة.

وتوفّى قاضى قضاة الحنابلة بدمشق الشيخ شرف الدين عبد القادر بن شمس الدين محمد بن عبد القادر الحنبلى النابلسى الدمشقى فى عيد الأضحى بدمشق، وكان فقيها فاضلا، أفتى ودرّس. وتوفّى القاضى «1» فتح الدين أبو بكر محمد ابن القاضى عماد الدين أبى إسحاق إبراهيم ابن محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن أبى الكرم محمد الدّمشقى الشافعى المعروف بابن الشّهيد كاتب سرّ دمشق قتيلا بخزانة «2» شمائل، فى ليلة الثلاثاء تاسع عشرين شعبان، وكان ممن خرج على الملك الظاهر برقوق ووافق منطاشا، وحرّض على قتال برقوق، وقد مرّ من ذكره نبذة كبيرة عند حضوره إلى القاهرة مع جنتمر نائب دمشق وابن القرشى قاضى دمشق وغيرهما، وكان فتح الدين رئيسا فاضلا بارعا فى الأدب والترسّل، مشاركا فى فنون كثيرة، ماهرا فى التفسير، مليح الخطّ، وله مصنفات، منها: أنه نظم السّيرة النبوية لابن هشام، فى مسطور مرجّز، وجملتها خمسون ألف بيت، ولمّا ولى كتابة سرّ دمشق، قال فيه بدر الدين ابن حبيب: (السريع) كتابة السرّ علا قدرها ... بابن الشهيد الألمعىّ «3» الأديب وكيف لا تعلو وقد جاءها ... (نصر من الله وفتح قريب) ومن شعر القاضى فتح الدين هذا- رحمه الله- قوله: (الوافر)

مدير الكأس حدّثنا ودعنا ... بعيشك عن كؤوسك والحثيث «1» حديثك عن قديم الراح «2» يغنى ... فلا تسق الأنام سوى الحديث وله: (الكامل) قاسوا حماة «3» بجلّق «4» فأجبتهم ... هذا قياس باطل وحياتكم فعروس جامع جلّق ما مثلها ... شتان بين عروسنا وحماتكم وله فى عين بعلبك «5» - رحمه الله- (الكامل) ولقد أتيت لبعلبكّ فشاقنى ... عين بها روض النعيم منعّم فلأهلها من أجلها أنا مكرم ... ولأجل عين ألف عين تكرم وتوفى الأمير الكبير يلبغا بن عبد الله الناصرىّ اليلبغاوىّ قتيلا بقلعة حلب «6» ، وهو صاحب الوقعة مع الملك الظاهر برقوق التى خلع الملك الظاهر فيها من الملك وحبس بالكرك «7» ، وكان أصله من أكابر مماليك يلبغا العمرى أستاذ برقوق، وتولّى فى أيام أستاذه يلبغا إمرة طبلخاناه، ثم صار أمير مائة ومقدّم ألف بالقاهرة فى دوله الملك الأشرف شعبان، وكان معه فى العقبة «8» ، ثم ملك باب السلسلة «9» من الإسطبل

السلطانىّ، كلّ ذلك وبرقوق لم يتأمّر إلّا من نحو شهر واحد، ثم وقع له أمور وحبس ونفى إلى البلاد الشامية على إمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق حتى ولى نيابة حلب عن المنصور علىّ، ثم عن أخيه، ثم عن الملك الظاهر برقوق، ثم أطلقه وولّاه نيابة حلب ثانيا، فعصى بعد مدّة ووافق منطاش، وقهر الظاهر برقوقا وخلعه من السلطنة وحبسه بالكرك ورشّح إلى سلطنة مصر، فامتنع غاية الامتناع وسلطن الملك الصالح حاجيّا ثانيا ولقبّه بالمنصور، وصار هو مدبّر مملكته، وحكم مصر إلى أن خرج عليه منطاش وكسره وقبض عليه وحبسه بسجن الإسكندرية «1» ، إلى أن أفرج عنه الملك الظاهر برقوق لما خرج من حببس الكرك وكسر منطاش وتسلطن ثانيا، فأخرجه ولم يؤاخذه، وندبه لقتال منطاش ثم ولّاه نيابة الشام بعد قتل الجوبانى ثم قبض عليه فى هذه السنة، وقتله بقلعة حلب ليلته هو وكشلى أمير آخوره والأمير محمد بن المهمندار نائب حماة، وقد تقدّم ذلك كله مفصلا فى ترجمة الملك الظاهر برقوق الأولى والثانية، وترجمة المنصور حاجّى، فإنه كان فى الحقيقة هو السلطان، وحاجى له الاسم لا غير، فيكتفى بما وقع من ذكره هناك، ولا حاجة للإعادة هنا. وكان يلبغا الناصرىّ من أجلّ الملوك عفّة وصيانة، ولى مصر وخلع الملك الظّاهر، وولى الملك المنصور، ولم يقتل أحدا صبرا «2» غير واحد يسمّى سودون من مماليك الظاهر، ويكفيه من عفته عن سفك الدماء عدم قتله للملك الظاهر برقوق بعد أن أشار عليه جميع أصحابه بقتله وكان مذهبى فيه أنّ الملك الظاهر برقوقا لا يقتله

ما وقع من الحوادث سنة 794

أبدا، بل إذا ظهر منه ما يخيفه يحبسه إلى أن يموت مراعاة لما سبق له من المنّ عليه لمّا خلعه من الملك والسلطنة وحبسه ولم يقتله. انتهى. [ما وقع من الحوادث سنة 794] السنة الثالثة من سلطنة الملك الظاهر برقوق «الثانية على مصر» ، وهى سنة أربع وتسعين وسبعمائة. وفيها توفّى الشيخ الأديب شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن على الدّنيسرىّ «1» المعروف بابن العطار الشاعر المشهور فى سادس عشر شهر ربيع الآخر، وقد مرّ من شعره نبذة كثيرة فى عدّة مواطن، ومن نظمه المشهور فى الأقباط قوله: (السريع) قالوا ترى الأقباط قد رزقوا ... حظا واضحوا كالسلاطين وتملّكوا الأتراك قلت لهم: ... رزق الكلاب على المجانين وتوفّى الأمير الكبير إينال بن عبد الله اليوسفىّ اليلبغاوىّ أتابك العساكر بالديار المصرية بها فى رابع عشرين جمادى الآخرة، وتولّى الأتابكية من بعده الأمير كمشبغا الحموى اليلبغاوى، على أن كمشبغا كان يجلس فى الخدمة تحت «2» إينال المذكور، وكان إينال شجاعا مقداما، وقد تقدم ركوبه على الملك الظاهر برقوق قبل سلطنته والقبض عليه وحبسه مدّة إلى أن أخرجه برقوق إلى بلاد الشام وصار بها أميرا، ثم نقله إلى عدّة ولايات إلى أن ولّاه نيابة حلب، ثم عزله فى سلطنته الأولى عن نيابة حلب، وجعله أتابك دمشق، ثم ولّاه نيابة حلب بعد عصيان الناصرىّ، فلم يتم له ذلك، وخرج إينال أيضا على الظاهر، ووافق الناصرىّ، فلمّا ملك الناصرىّ مصر ولّاه نيابة صفد «3» ، ووقع له أمور حتى ولّاه الملك الظاهر برقوق

أتابكية العساكر بالديار المصرية فى سلطنته الثانية، فدام على ذلك إلى أن مات فى التاريخ المذكور، وقد تقدّم ذكر إينال هذا فى عدّة تراجم من هذا الكتاب، فيها كفاية عن التعريف بحاله. وتوفّى الأمير سيف الدين بطا بن عبد الله الطولوتمرىّ الظاهرىّ نائب الشام بها، بعد أن ولى نيابة الشام أياما قليلة، فى حادى عشرين المحرم؛ وقد ذكرنا أمر بطا هذا فى أواخر ترجمة الملك المنصور، وكيفية خروجه من سجن القلعة؛ وكيف ملك باب «1» السلسلة من صراى تمر نائب غيبة منطاش، وإقامته بباب السلسلة إلى أن قدم أستاذه الملك الظاهر برقوق إلى الديار المصرية، وولّاه الدوادارية الكبرى، ثم ولاه نيابة دمشق بعد القبض على الأتابك يلبغا الناصرى، فلم تطل أيامه، ومات، وكان من أعيان المماليك الظاهرية، واتّهم الملك الظاهر فى أمره أنه اغتاله بالسم، والله أعلم. وتوفّى الأمير سيف الدين ملكتمر بن عبد الله الناصرىّ بطّالا ملازما لبيته فى حادى عشرين شهر ربيع الأوّل، وكان قديم هجرة فى الأمراء، تأمّر فى دولة الناصر حسن، ثم أنعم عليه الملك الأشرف شعبان بإمرة مائة، وتقدمة ألف بالديار المصرية، ثم جعله رأس نوبة النّوب، بعد واقعة أسندمر الناصرى، ثم نقل إلى إمرة مجلس، ثم صار أستادارا كبيرا فى سنة إحدى وسبعين وسبعمائة عوضا عن علم دار المحمدى، ثم أخرج إلى نيابة صفد فى السنة المذكورة، ثم عزل وأحضر إلى القاهرة وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بها، ثم ولى حجوبية الحجّاب بالدّيار المصرية مدّة سنين، ثم تعطّل ولزم داره حتى «2» مات.

وتوفى الأمير سيف الدين سودون بن عبد الله الطولوتمرى «1» نائب دمشق بها فى شعبان، وكان ولى نيابة دمشق بعد موت الأمير بطا المقدّم ذكره، فحكم بدمشق ومات، وتولى بعده نيابة دمشق الأمير كمشبغا الأشرفى الخاصّكىّ أمير مجلس. متوفّى الشيخ المعتقد المجذوب طلحة المغربىّ فى رابع عشر شوال بمدينة مصر، وكانت جنازته مشهودة، ودفن خارج باب النصر «2» من القاهرة، وهو أحد من أوصى الملك الظاهر برقوق أن يدفن تحت أرجلهم من الصالحين والعلماء، فدفن هناك، ثم عمّرت التربة» الناصرية الموجودة الآن، وكان للناس فيه اعتقاد كبير، لاسيما الملك الظاهر برقوق. وتوفى الشيخ الإمام العالم العلامة عز الدين يوسف بن محمود بن محمد الرازى الحنفى العجمى، المعروف بالأصم، شيخ خانقاه «4» الملك المظفر ركن الدين بيبرس

الجاشنكير، ثم شيخ الخانقاه الشيخونية «1» فى ثالث عشرين المحرم، وقد أناف على السبعين سنة، وكان من العلماء. وتوفى الأديب الوزير فخر الدين أبو الفرج «2» عبد الرحمن، وقيل عبد الوهاب ابن عبد الرزاق بن إبراهيم القبطى الحنفى الشهير بابن مكانس «3» وزير دمشق، وناظر الدولة بالديار المصرية، والشاعر المشهور بالقاهرة فى خامس ذى الحجة، وكان أديبا فاضلا شاعرا فصيحا بليغا لا يعرف فى أبناء جنسه الأقباط من يقاربه ولا يدانيه، وهو أحد فحول الشعراء بالديار المصرية فى عصره، وشعره فى غاية الحسن والرّقة والانسجام، وديوان «4» شعره مشهور كثير الوقوع بأيدى الناس، وقد استوعبنا من شعره أشياء كثيرة فى كتابنا (المنهل الصافى) ، إذ هو كتاب تراجم، نذكر هنا بعضها، ومن شعره وقد صادره الملك الظاهر برقوق، فقال: [الرمل] ربّ خذ بالعدل قوما ... أهل ظلم متوالى كلّفونى بيع خيلى ... برخيص وبغالى ولما علّقه الملك الظاهر برقوق فى مصادرته منكسا على رأسه قال: [البسيط] وما تعلقت بالسّرياق «5» منتكسا ... لجرمة أوجبت تعذيب ناسوتى «6» لكننى مذ نفثت السّحر من أدبى ... علّقت تعليق هاروت وماروت

وله- عفا الله عنه-: [الكامل] زارت معطرة الشذا ملفوفة ... كى تختفى فأبى شذا العطر يا معشر الأدباء هذا وقتكم ... فتناظموا فى اللّفّ والنّشر وله- سامحه الله تعالى-: [الوافر] يقول معذّبى إذ همت وجدا ... بخدّ خلت فيه الشّعر نملا أتعرف خدّه للعشق أهلا ... فقلت لهم نعم أهلا وسهلا وتوفّى القاضى علاء الدين علىّ بن عيسى بن موسى بن عيسى بن سليم بن حميد «1» الأزرقى المقيّرى «2» الكركىّ الشافعى كاتب سرّ الكرك ثم الديار المصرية فى أوّل شهر ربيع الاوّل، ودفن خارج باب النصر «3» ، وهو أحد من قام بنصرة الملك الظاهر عند خروجه من حبس الكرك، وقد تقدّم ذكر ذلك فى ترجمة الملك الظاهر برقوق، فعرف له برقوق ذلك، وولّاه كتابة سرّ مصر، وولى أخاه القاضى عماد الدين قضاء الديار المصرية، واستمرّ علاء الدين هذا فى وظيفته كتابة السر إلى أن مرض ومات، وأعيد بدر الدين بن فضل الله من بعده فى وظيفة كتابة السرّ. وتوفّى القاضى علاء الدين علىّ بن عبد الله بن يوسف البيرىّ «4» الحلبىّ الشاعر الكاتب المنشئ فى رابع عشر شهر ربيع الأوّل مخنوقا بأمر الملك برقوق، وكان

بارعا فى الإنشاء والأدب، وخدم جماعة من الملوك إلى أن اتصل بخدمة الأتابك يلبغا الناصرى، وسار صحبته إلى الديار المصرية لقتال الملك الظاهر برقوق. ولمّا ملك الناصرىّ ديار مصر صار علاء الدين هذا من عظماء مصر، ولا زال على ذلك حتى قبض على الناصرىّ وحبس بالإسكندرية، فاستمر علاء الدين بمصر، فلمّا عاد الظاهر إلى ملكه وأخرج الناصرىّ، عاد علاء الدين هذا إلى خدمته، إلى أن قبض عليه الملك الظاهر وقتله، وأمسك علاء الدين هذا وحمل إلى القاهرة فى الحديد، ثم قتل، وكان بارعا أديبا شاعرا، ومن شعره: [الطويل] أرى البدر لمّا أن دنا «1» لغروبه ... وألبس منه أزرق الماء أبيضا توهّم أن البحر رام التقامه ... فسلّ له سيفا عليه مفضّضا وتوفّى الأمير عنقاء بن شطّى ملك العرب وأمير آل مرا «2» ، كان قد خرج عن طاعة الملك الظاهر، وقتل الأمير يونس الدّوادار، ووافق الناصرىّ ومنطاشا، فلمّا عاد الملك الظاهر إلى ملكه لم يزل يرسل إليه الفداويّة ويعد الناس فى قتله حتى قتلته الفداويّة فى هذه السنة فى رابع المحرم. وتوفى الأمير سيف الدين قطلوبغا بن عبد الله الصّفوى، كان أحد أمراء الألوف بالديار المصرية، وحاجب الحجّاب بها فى أوّل شهر ربيع الآخرة. وتوفّى الأمير سيف الدين قطلوبك «3» بن عبد الله السيفى طشتمر الدوادار، كان أحد أمراء العشرات مات فى عاشر صفر.

وتوفّى الشيخ بدر الدين محمد بن عبد الله المنهاجىّ الفقيه الشافعى المعروف بالزّركشىّ «1» المصنّف المشهور فى ثالث رجب وكان فقيها مصنّفا. وتوفّى الشيخ الصالح المعتقد أبو عبد الله محمد الرّكراكىّ المغربىّ المالكىّ فى ثالث «2» جمادى الأولى، وقد قارب مائة سنة. وتوفّى الأمير الوزير ناصر الدين محمد بن الأمير حسام الدين لاچين الصقرىّ المنجكىّ المعروف بابن الحسام فى ثانى عشر صفر، بعد مرض طويل، بعد أن ولى الوظائف الجليلة مثل وزر مصر والأستادارية وغيرهما. وتوفى القاضى جمال الدين محمود ابن القاضى حافظ الدين محمد بن تاج الدين إبراهيم القيصرىّ الحنفىّ قاضى قضاة الحنفية بحلب. وتوفى الأمير سيف الدين قرا دمرداش بن عبد الله الأحمدى اليلبغاوىّ مقتولا فى محبسه بقلعة الجبل «3» فى ذى الحجة، وهو أيضا من أعيان المماليك اليلبغاويّة، وكان من جملة أمراء الألوف بالديار المصرية، وأمير سلاح فى سلطنة الظاهر الأولى، فلمّا انتصر الناصرىّ على عسكر الملك الظاهر برقوق بدمشق، وقبض الناصرىّ على الأتابك «4» أيتمش البجاسىّ، خلع الملك الظاهر على قرا دمرداش هذا باستقراره عوضه أتابك العساكر بالديار المصرية، وأنعم عليه بثلاثين ألف دينار، فأخذها وعصى من ليلته، وتوجّه إلى الناصرىّ، وصار من جملة عساكره، فلمّا ملك الناصرىّ، الديار المصرية استقرّ به أمير مجلس إلى أن أمسك منطاشا مع من

ما وقع من الحوادث سنة 795

أمسك من حواشى الناصرىّ، وحبسه إلى أن أطلقه الملك الظاهر برقوق، وولّاه نيابة طرابلس، ثم نقله إلى نيابة حلب وندبه لقتال منطاش فدأم على نيابة حلب إلى أن عزله عنها الملك الظاهر، بعد أن أمسك الناصرىّ وأنعم عليه بتقدمة ألف بديار مصر، ثم قبض عليه بمصر وحبسه ثم قتله. وتوفّى الشيخ المحدّث المسند بدر الدين محمد بن محمد بن مجير المعروف بابن الصائغ وابن المشارف فى ثالث شهر ربيع الآخر. - أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبعة أذرع وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعا واثنتا عشرة إصبعا. [ما وقع من الحوادث سنة 795] السنة الرابعة من ولاية «1» الملك الظاهر برقوق الثانية على مصر وهى سنة خمس وتسعين وسبعمائة. وفيها توفى الأديب الشاعر زين الدين أبو بكر بن عثمان بن العجمىّ فى سادس عشر ذى الحجّة، وكان عنده فضيلة، وله شعر جيّد من ذلك قوله: [البسيط] قد عاود الحبّ قلبى بعد سلوته ... واستعذب الضّيم والتعذيب والنّصبا وكان أقسم لا يصبو لظبى نقا ... فما رأى فى هوى غزلانه وصبا وتوفّى الأمير زين الدين أبو يزيد بن مراد الخازن، دوادار السلطان الملك الظاهر برقوق، وأحد أمراء الطبلخاناه فى رابع جمادى الآخرة، وحضر السلطان الصلاة عليه، وأبو يزيد هذا هو الذي كان أخفى الملك الظاهر برقوقا عنده

فى نوبة الناصرى ومنطاش، وأخذ من داره، وكان الظاهر توجّه إليه واختفى عنده من غير مواعدة، فعرف له الملك الظاهر ذلك، فلما عاد الملك الظاهر إلى ملكه ثانيا أنعم عليه بإمرة طبلخاناه ثم استقرّ به دوادارا كبيرا بعد توجّه بطا لنيابة الشام، فدام على ذلك حتى مات فى التاريخ المذكور، ودفن بتربته «1» التى أنشأها عند دار الضيافة بالقرب من قلعة الجبل، وكان أميرا فاضلا عارفا ذكيّا له يد فى فتون، وكان يعرف بالتّركى والعجمىّ والأرمنىّ، على أنه كان فصيحا باللغة العربية. قلت: هكذا يكون الدوادار، لا كمن لا يعرف اسمه من اسم الحمار، وكان يميل إلى مذهب الصوفية، وكان الملك الظاهر يثق إليه، ويشاوره فى أموره. وتوفّى الوزير الصاحب شمس الدين أبو الفرج عبد الله المقسىّ، فى رابع شعبان ودفن بجامعه «2» الذي جدّده على الخليج الناصرىّ «3» بالقرب من باب البحر، وكان معدودا من رؤساء الأقباط. وتوفّى الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير علاء «4» الدين آقبغا آص، قال المقريزى رحمه الله: كان أولا من جملة أمراء الملك الأشرف شعبان الطبلخانات، ثم نزعها منه لمّا سخط على والده، وتعطّل مدّة وعقّ أباه، وحكى عنه

أمور شنيعة فى عقوقه لوالده، وسافر إلى اليمن وعاد إلى القاهرة وتنقّلت به الأيام إلى أن ولى شد الدواوين بإمرة عشرة مدّة، ثم أمسك وصودر وعوقب عقوبة شديدة، وكان سيّئ السيرة، من أشرّ خلق الله المتجاهرين بالمعاصى، إلى أن توفى فى يوم الأربعاء ثامن عشرين شوّال» . انتهى كلام المقريزى. وتوفّى الأمير الطواشى مقبل بن عبد الله الشهابى شيخ الخدّام بالحرم النبوىّ، وكان أصله من خدّام الملك الصالح إسماعيل ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون وتنقّل فى الخدم إلى أن اختص بالأمير شيخون العمرى، ثم خدم السلطان حسنا [ابن قلاوون] ، ثم ولى مشيخة الخدّام بالحرم النبوى بعد وفاة الطواشى افتخار الدين ياقوت الرسولى الخازندار الناصرى، وكان مقبل ينوب عنه فى الحرم، فلمّا مات ولى مكانه. وتوفى قاضى القضاة ناصر الدين أبو الفتح نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبى الفتح بن هاشم بن إسماعيل بن إبراهيم الكنانى العسقلانىّ الحنبلى، قاضى قضاة الديار المصرية بها فى ليلة الأربعاء حادى عشرين شعبان، وكان مشكور السيرة محبّا للناس. وتوفى الشيخ نجم الدين محمد بن جماعة الشافعى خطيب القدس فى يوم الأربعاء تاسع ذى القعدة [بالقاهرة ودفن خارج باب النصر «1» ] . وتوفى الأمير صارم الدين إبراهيم ابن الأمير الكبير طشتمر الدوادار فى شهر رمضان بثغر الإسكندرية، وكان من جملة أمراء الطبلخاناه بالديار المصرية.

ما وقع من الحوادث سنة 796

وتوفى الشيخ علاء الدين أبو الحسن على بن محمد الأقفهسى «1» الفقيه الشافعىّ فى ثامن عشرين شوّال، وكان معدودا من فقهاء الشافعية. وتوفى علاء الدين «2» قطلوبغا بن عبد الله الأسنقجاوى، والمعروف بأبى درقة الكاشف «3» ، ولى الكشف بجهات كثيرة، ووقع له أمور مع العربان، وقتل منهم جماعة كبيرة حتى مهّد البلاد القبلية. وتوفى الشيخ صلاح الدين محمد بن الأعمى الحنبلى، مدرس مدرسة الملك الظاهر «4» برقوق فى شهر ربيع الآخر. وتوفى القاضى شهاب الدين أبو العباس أحمد بن الضياء المناوى الشافعى، شيخ المدرسة الجاولية بالكبش «5» ، وأحد نواب الحكم بالقاهرة فى شهر ربيع الآخر. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستة أذرع وأربعة عشر إصبعا. مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وعشرون إصبعا. والله تعالى أعلم. [ما وقع من الحوادث سنة 796] السنة الخامسة من سلطنة الملك الظاهر برقوق الثانية على مصر وهى سنة ست وتسعين وسبعمائة. وفيها توفى الأمير سيف الدين أبرك بن عبد الله المحمودى الظاهرى شادّ الشراب خاناه السلطانية، وهو مجرّد بدمشق، وبها دفن وكان خصيصا عند أستاذه الملك الظاهر برقوق.

وفيها توفّى الصاحب الوزير موفّق الدين أبو الفرج الأسلمى تحت العقوبة فى يوم الاثنين [حادى «1» ] عشرين شهر ربيع الآخر، وكان أسوأ الوزراء سيرة، لأنه كان أكره على الإسلام حتى قال: كلمة الإيمان غصبا ولبس العمامة البيضاء وهو باق على دين النّصرانية، فكان «2» على الناس بذنوبهم، ولما كان على دين النصرانية وهو يباشر الحوائج خاناه كان مشكور السيرة، حتى أكره على الإسلام، فبلغ من المسلمين مبلغا عظيما من الظلم والجور، وولى فى بعض الأحيان نظر الجيش بديار مصر أيضا. قلت: لا ألومه على ما فعله وما الذنب إلا لمولّيه: لم لا أقتدى بمن كان قبله من الملوك السالفة ووزرائهم! مثل القاضى الفاضل عبد الرحيم، وابن بنت الأعز وبنى حنّاء وغيرهم- رحمهم الله تعالى. وتوفى الشيخ المعتقد الصالح رشيد التّكرورى الأسود فى البيمارستان المنصورى «3» فى يوم السبت ثالث عشرين جمادى الآخرة، وكان يقيم بجامع راشدة «4» خارج مدينة مصر القديمة، وهو آخر من سكنه وهو يقصد للزيارة وللناس فيه اعتقاد حسن. وتوفى الأمير سلّام «5» (بتشديد اللام) ابن محمد سليمان بن فايد، المعروف بابن التركية أمير خفاجة «6» من الصعيد فى سابع شهر ربيع الآخر، وكان من أجلّ أمراء العرب.

وتوفّى الرئيس علاء الدين على بن عبد الواحد بن صغير رئيس الأطباء، وهو بمدينة حلب «1» فى التجريدة صحبة السلطان فى يوم الجمعة عاشر ذى الحجة ودفن بها، ثم نقل بعد مدّة إلى القاهرة، وكان من الأفراد فى علم الطب والملاطفة ماهرا فى صناعته، كان من عظم اطلاعه فى علم الطب يصف للموسر بأربعين ألفا ويصف الدواء فى ذلك الداء بعينه للمعسر بفلس واحد. قال المقريزى: «وكنت عنده فدخل عليه شيخ وشكا شدة السّعال، فقال له: إياك تنام بغير سراويل، فقال الشيخ: إى والله، فقال له: فلا تفعل، ثم بسراويلك! قال: فصدفت ذلك الشيخ بعد أيام فسألته، فقال لى: عملت ما قال فبرئت، قال: وكان لنا جار حدث لابنه رعاف حتى أفرط فانحلت قوى الصغير، فجاء به إلى ابن صغير هذا وشكا من كثرة الرّعاف، فقال له: شرّط أذنه، فتعجّب وتوقف فقال له ثانيا: توكّل على الله وافعل، ففعل ذلك فبرئ الصغير وذكر له أشياء كثيرة من هذا النموذج يطول شرحها. وتوفى القاضى بدر الدين محمد ابن القاضى علاء الدين على ابن القاضى محيى الدين يحيى بن فضل الله بن مجلّى بن دعجان بن خلف بن تصر بن منصور بن عبد الله بن على ابن محمد بن أبى بكر عبد الله بن [عبد الله «2» بن] عمر بن الخطاب العدوى القرشى العمرى المصرى الشافعى كاتب سر الديار المصرية ورئيسها بدمشق فى يوم الثلاثاء العشرين من شوّال مجردا صحبة السلطان الملك الظاهر برقوق ودفن بتربتهم بدمشق، وولى كتابة السر من بعده القاضى بدر الدين محمود [السّيرامىّ «3» ] الكلستانى.

وتوفى أخوه حمزة بن على بن فضل الله بعده بشهر، فقال فى موتهما بعض شعراء العصر: [الوافر] . قضى البدر بن فضل الله نحبا ... ومات أخوه حمزة بعد شهر فلا تعجب لذى الأجلين يوما ... فحمزة مات حقا بعد بدر وكان القاضى بدر الدين المذكور إماما رئيسا فاضلا فى الإنشاء والأدب وله مشاركة جيدة فى الفقه وغيره، وكان محمود السيرة مشكور الطريقة، باشر كتابة سرّ مصر نحو سبع وعشرين سنة، على أنه انفصل فيها أولى وثانية، فالأولى بأوحد الدين عبد الواحد، والثانية بعلاء الدين الكركى وهو ثالث واحد سمّى بدر الدين من بنى فضل الله كتّاب سر دمشق، وآخر من ولى كتابة سر مصر وغيرها من بنى فضل الله، وبموته خرجت كتابه السر عن بنى فضل الله- رحمه الله تعالى- وتوفى القاضى تاج الدين محمد بن محمد بن محمد المليجى «1» المعروف بصائم الدهر محتسب القاهرة، وناظر الأحباس وخطيب مدرسة «2» السلطان حسن فى تاسع عشر صفر عن سبعين سنة وكان خيّرا دينا مشكور السيرة- رحمه الله- وتوفى الأمير منكلى بغا بن عبد الله الشمسى الطرخانى، أحد الأمراء بديار مصر ثم نائب الكرك فى ليلة عاشوراء، وكان من أكابر أمراء مصر ولديه حشمة ورياسة. وتوفى الأمير زين الدين عبد الرحمن بن الأتابك منكلى بغا الشمسى وابن أخت الملك الأشرف شعبان بن حسين، وصهر الملك الظاهر برقوق وأحد أمراء الطبلخانات بديار مصر بها فى عاشر شعبان.

وتوفى الشيخ ناصر الدين محمد بن مقبل الجندى الفقيه الظاهرىّ المذهب فى يوم الأربعاء ثالث عشر جمادى الآخرة، وكان فاضلا وله مشاركة جيّدة فى فنون، وكان لا يتكتّم الاقتداء بمذهب أهل الظاهر ويحفّ شاربه ويرفع يديه فى كلّ خفض ورفع فى الصلاة. وتوفّى الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير شرف الدين موسى بن [سيف الدين «1» أرقطاى بن] الأمير جمال الدين يوسف أحد أمراء العشرات بالديار المصرية فى ليلة الأربعاء سادس عشرين ذى القعدة، وكان أبوه وجدّه من أمراء الألوف بالقاهرة، وكان يحبّ علم الحديث، ويواظب سماعه، وله مشاركة فى المذهب. وتوفّيت الشيخة الصالحة المعتقدة المعروفة بالبغدادية، صاحبة الرّباط «2» بالقاهرة فى يوم السبت ثانى عشرين جمادى الآخرة، وكانت على قدم هائل من الصلاة والعبادة، وللناس فيها اعتقاد، وتقصد للزيارة. وتوفّى السلطان أبو العباس أحمد بن محمد بن أبى بكر بن يحيى بن إبراهيم «3» ؛ فى ليلة الخميس رابع شعبان بمحلّ ملكه مدينة تونس «4» من بلاد المغرب، بعد أن حكمها أربعا وعشرين سنة وثلاثة أشهر ونصفا، وقام من بعده على ملك تونس ابنه السلطان أبو فارس عبد العزيز وكان من أجلّ ملوك الغرب، وطالت أيام ولده عبد العزيز فى الملك حسب ما يأتى ذكره فى محلّه، إن شاء الله تعالى.

ما وقع من الحوادث سنة 797

وتوفّى أيضا صاحب مملكة فاس «1» من بلاد الغرب- السلطان أبو العباس أحمد «2» بن أبى سالم بن إبراهيم بن أبى الحسن المرينى ملك الغرب فى المحرّم، وأقيم بعده ابنه أبو فارس عبد العزيز. قلت: وهو يشارك المقدّم ذكره فى الاسم والكنية واسم الأب والجدّ. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستة أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وأحد عشر إصبعا. والله تعالى أعلم. [ما وقع من الحوادث سنة 797] السنة السادسة من سلطنة الملك الظاهر برقوق الثانية على مصر وهى سنة سبع وتسعين وسبعمائة. فيها توفّى «3» الشيخ برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم الآمدى الدّمشقى الفقيه الحنبلى أحد أصحاب ابن تيميّة. وتوفى الأمير علاء الدين ألطنبغا بن عبد الله الحلبى الأشرفى، وهو مسجون بقلعة حلب، وكان من أعيان المماليك الأشرفية؛ وأحد أكابر الأمراء بديار مصر. وتوفّى الشيخ المعتقد المجذوب أبو بكر البجائى «4» المغربى، أحد من أوصى السلطان الملك الظاهر برقوقا أن يدفن تحت رجليه فى يوم السبت خامس جمادى

الآخرة، ودفن خارج باب النصر حيث هى التربة الظاهرية «1» الآن، وكانت جنازته مشهودة، وأخرجه السلطان وجهّزه على يد الأمير يلبغا السالمى «2» ؛ وكان للناس فيه اعتقاد لا سيّما الظاهر برقوق فإنه كان له فيه اعتقاد. وتوفّى العلّامة صدر الدين «3» بديع بن نفيس التّبريزى رئيس الأطباء بالديار المصرية فى سادس عشر شهر ربيع الأول، وهو عمّ القاضى فتح الدين فتح الله كاتب السّر الآتى ذكره، وهو الذي كفله بعد موت جدّه نفيس؛ وكان مات والد فتح الدين معتصم بن نفيس، وفتح الله طفل صغير؛ وكان بديعا ماهرا فى علم الطبّ كثير الحفظ لمتونه، وهو صاحب التصانيف المشهورة. وتوفّى الشريف أبو الحسن على «4» بن عجلان بن رميثة، واسم رميثة منجد بن أبى نمىّ بن أبى سعد حسن بن على بن قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم ابن عيسى بن عيسى بن حسين بن سليمان بن على بن عبد الله بن محمد بن موسى ابن عبد الله المحض بن موسى بن الحسن السّبط بن الحسن بن على بن أبى طالب المكى الحسنى، أمير مكة المشرفة، وليها ثمانى سنين ونحو ثلاثة أشهر مستقلّا بالإمارة؛ غير سنتين أو نحوهما؛ فإنه كان فيهما شريكا لعنان «5» بن مغامس بن رميثة؛ ووقع له أمور بمكة مع الأشراف ووقائع؛ وآخر الأمر توجّه أخوه الشريف حسن «6» بن عجلان إلى القاهرة يريد إمرة مكة؛ فقبض عليه السلطان

وحبسه؛ وبعث إلى علىّ هذا باستمراره على إمرة مكة، فاستمرّ على إمرتها إلى ان وقع بينه وبين بعض القواد، وخرج إليهم علىّ هذا، فبدره بعضهم وسايره، وهو راكب على راحلته، والشريف علىّ هذا على فرس فرمى القائد بنفسه على الشريف علىّ المذكور وضربه بجنبيّة «1» كانت معه، فوقعا جميعا على الأرض، فوثب عليه علىّ وضربه بالسيف ضربة كاد منها يهلك، وولّى علىّ راجعا إلى الحلّة، فأغرى به شخص يقال له أبو نمىّ غلام لصهره حازم بن عبد الكريم جنديا، وعتبة وحمزة وقاسما «2» ، فوثبوا عليه وقتلوه وقطّعوه وبعثوا به إلى مكة، فدفن بالمعلاة على أبيه عجلان، وكان قتله فى يوم الأربعاء سابع شوّال «3» ، وولى إمرة مكة بعده أخوه حسن بن عجلان. وتوفّى الأمير ناصر الدين محمد «4» بن السلطان الملك الظاهر برقوق فى يوم السبت ثالث عشرين ذى الحجة، ومولده فى مستهل شهر ربيع الأوّل سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة، وأمّه خوند الكبرى أرد «5» ، صاحبة قاعة العواميد «6» ، ومات بعد أن أعيا الأطباء داؤه الذي كان برجليه من أرياح الشّوكة. وبه مات، وكان إقطاعه الديوان المفرد الآن، فإنه لما مات جعله السلطان إقطاعه لمماليكه المشتروات

وأفرده فسمى المفرد من يومئذ، وجعل كاتبه الهيصم، وكان محمد هذا أكبر أولاد السلطان وأعظمهم، ووجد السلطان عليه وجدا عظيما. وتوفّى قاضى القضاة ناصر الدين محمد «1» بن عبد الرحمن بن عبد الدائم بن محمد المعروف بابن بنت ميلق الشاذلى الصوفى، قاضى قضاة الديار المصرية، وهو معزول فى ليلة الاثنين تاسع عشرين شهر ربيع الأوّل. وكان أصله من أشموم «2» الرمان، ولد قبل سنة ثلاثين وسبعمائة، وسمع الحديث وطلب العلم وتفقّه ووعظ دهرا، وقال الشعر، وأنشأ عدّة خطب بليغة، وجمع عدّة أجزاء فى عدّة فنون، وكان يتزيّا بزىّ الفقراء ويتصدى لعمل المواعيد، واعتقده الناس وتبرّكوا به، وخطب بعدّة جوامع وصار له أتباع وشهرة كبيرة، إلى أن طلبه الملك الظاهر برقوق للقضاء بعد عزل القاضى بدر الدين محمد بن أبى البقاء، فامتنع ثم أجاب فألبسه الملك الظاهر تشريف القضاء بيده، وأخذ طيلسانه يتبرّك به. قال المقريزى: فداخل الناس بولايته خوف ووهم، وظنوا أنه يحمل الناس على محض الحق، وأنه يسير على طريق السلف من القضاة، لما ألفوه من تشدّقه فى وعظه، وتفخّمه فى منطقه، وإعلانه بالتبكير على الكافّة، ووقيعته فى القضاة، واشتماله على لبس الخشن المتوسط من الثياب، ومعيبه على أهل التّرف، فكان أوّل

ما بدأ به أن عزل قضاة مصر جميعهم من العريش «1» إلى أسوان «2» ، وبعد يومين تكلم معه الحاجّ مفلح مولى القاضى بدر الدين «3» بن فضل الله كاتم السرّ فى إعادة بعض من عزله من القضاة فأعاده، فانحل ما كان معقودا بالقلوب من مهابته، ثم قلع زيّه الذي كان يلبسه، ولبس الشاش الكبير الغالى الثمن ونحوه من الثياب، وترفّع فى مقاله وفعاله، حتى كاد يصعد الجو، وشح فى العطاء ولاذبه جماعة غير محبّبين إلى الناس. فانطلقت ألسنة الكافّة بالوقيعة فى عرضه، واختلقوا عليه ما ليس فيه، فلما قدم الأمير يلبغا الناصرىّ إلى الديار المصرية، وغلب برقوقا على المملكة وبعثه إلى سجن الكرك كان هو قاضيا يومئذ فوقّع فى حقّ الظاهر، وأساء القول فيه، فبلغه ذلك قبل ذهابه إلى الكرك فأسرّها فى نفسه، فلمّا ثار منطاش على الناصرى صرف ابن ميلق هذا عن القضاء بالصدر المساوى، بعد ما كان أخذ خطّه فى الفتاوى المكتتبة فى حقّ برقوق، فلمّا عاد برقوق إلى الملك لهج «4» بدمه فتنبّهت أعين العدا لابن ميلق هذا وحسنوا للبيد فى أحمد أمين الحكم أن يقف للسلطان ويشكو ابن ميلق المذكور بسبب ما أخذه من أموال الأيتام، وكان نحو الثلاثين ألف درهم فضة، عنها قريب من ألف وخمسمائة مثقال من الذهب، فرفع فيه قصة إلى السلطان فطلبه فجاءوا به وقد حضر القضاة فأوقف مع النقباء تحت مقعد السلطان فى الميدان فحالما مثل قائما سقط مغشيا عليه، وصار على التّراب بحضرة

ذلك الجمع العظيم، فتقدّم بعض من كان يلوذ به ليصلح من شأنه، فصرخ فيه السلطان وترك طويلا حتى أفاق، وادّعى عليه البيد فى فلم يلحن بحجة، وألزمه القضاة بغرامة ذلك، والقيام به للأيتام من ماله، ولم يكن المال المذكور فى ذمته، وإنما كان اقترضه وصرّه للحرمين، فلزمه غصبا ورسم عليه وسجن بالمدرسة «1» الشريفية، ليدفع المال وما زال يورده حتى أتى ذلك على غالب موجوده، ثم لزم داره وذهبت عينه، وتخلّى عنه أحبابه إلى أن مات، ودفن حارج باب النصر بتربة الصوفية، فلقد كان قبل ولايته حسنة من حسنات الدهر، ما رأيت قبله أحسن صلاة منه ولا أكثر خشوعا مع حسن منطق، وفصاحة ألفاظ، وعذوبة كلام، وبهجة زىّ، وصدع فى وعظه إذا قصّ أو خطب، إلّا أنه امتحن بالقضاء، وابتلى بما أرجو أن يكون كفارة له. انتهى كلام المقريزى باختصار. وتوفّى الشيخ شمس الدين محمد بن على بن صلاح الحريرى أحد نوّاب القضاة الحنفية، ومشايخ القرّاء بالديار المصرية، فى يوم الجمعة رابع عشرين شهر رجب. وكان فقيها مقرئا، أقرأ ودرّس وناب فى الحكم سنين. وتوفّى القاضى شمس الدين محمد بن عمر القليجى الحنفى مفتى دار العدل «2» ، وأحد نواب القضاة بالديار المصرية، فى ليلة الثلاثاء العشرين من شهر رجب وقد بلغ من الرياسة مبلغا عظيما، وكانت لديه فضيلة تامّة.

وتوفّى العلّامة شمس الدين محمد الأقصرائى الحنفى شيخ المدرسة الأيتمشية «1» بباب الوزير «2» ، فى سابع عشر جمادى الأولى، وكان إماما عالما مدرسا فقيها ذكيا حافظا، كان يلقى الدرس عند الملك الظاهر أيام إمرته، وصدرا من سلطنته، وكان خصيصا عند السلطان وله وجاهة فى الدولة، وتولّى بعد موته مشيخة الأيتمشية الشيخ سراج الدين عمر القرمى. وتوفّى القاضى برهان الدين إبراهيم القلقشندىّ الشافعىّ موقّع الحكم، وأحد الفقهاء الشافعية فى ثالث عشرين شعبان. وتوفّى الأمير سيف الدين طوغان بن عبد الله الظاهرىّ أمير جاندار، فى سادس عشر صفر «3» ، وكان أحد أعيان المماليك الظاهرية برقوق خصيصا عند أستاذه. وتوفّى الشيخ نور الدين أبو الحسن على الهورينىّ الفقيه الشافعى شيخ القوصونية «4» فى شهر رجب وكان فقيها فاضلا بارعا. وتوفّى الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن أحمد السفرى الحلبى الحنفى فى يوم الجمعة خامس شهر ربيع الأوّل، وأصله من قرية خربتا من عمل عزاز «5» ، وكان فقيها بارعا، وله مشاركة فى فنون.

ما وقع من الحوادث سنة 798

وتوفّى القاضى جمال الدين أبو محمد عبد الله بن فرج النّويرى المالكى، أحد نواب الحكم المالكية بالديار المصرية، وكان معدودا من فضلاء المالكية. وتوفّى الأمير سيف الدين قرابغا بن عبد الله، والد الأمير جركتمر الخاصكى الأشرفىّ، فى ثانى شهر ربيع الأوّل وكان أحد أمراء العشرينات بالقاهرة، وكان مشكور السيرة خيّرا ديّنا. وتوفّى الشيخ المعتقد شمس الدين محمد المقسى «1» فى يوم الأحد أول شهر رمضان، وكان يسكن بجامع «2» المقسى على الخليج، وكان يقصد للزيارة. وتوفى الشيخ المعتقد محمد السّملوطى الصعيدى المالكى، فى ثانى عشر شهر رمضان، وكان فقيها خيّرا ديّنا، وللناس فيه اعتقاد ومحبة. وتوفّى الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن على بن عبد العزيز المعروف بابن المطرّز فى يوم الأحد سادس جمادى الآخرة. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وأربعة أصابع- مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وثمانية أصابع. [ما وقع من الحوادث سنة 798] السنة السابعة من سلطنة الملك الظاهر برقوق «الثانية على مصر» وهى سنة ثمان وتسعين وسبعمائة. فيها توفّى الشيخ المقرئ الفقيه شهاب الدين أحمد بن محمد بن بيبرس الجندىّ، المعروف بابن الركن البيبرسى «3» الحنفى، وكان إماما فاضلا.

وتوفّى الأمير سيف الدين بهادر بن عبد الله الأعسر «1» فى يوم عيد الفطر، وكان من أعيان الأمراء، وتنقّل فى عدّة ولايات. وتوفّى الأمير تمر بن عبد الله الشّهابى الحاجب أحد أمراء الطبلخانات بالديار المصرية، وكان فقيها فاضلا، وإماما بارعا فى الفقه وفروعه، معدودا من فقهاء الحنفيّة، وكان شجاعا مقداما خرج عليه العرب العصاة فقاتلهم فجرح فى المعركة، ومات من جراحه، رحمه الله. وتوفّى الأمير الجليل سودون بن عبد الله الفخرى الشيخونى، نائب السلطنة بالديار المصرية بها؛ فى يوم الثلاثاء خامس جمادى الآخرة «2» ، بعد ما شاخ، وكان أصله من مماليك الأمير الكبير شيخون العمرى الناصرىّ، ثم ترقّى فى الدول إلى أن ولى حجوبية الحجاب بالديار المصرية، فى دولة الملك الصالح حاجى، ثم نقله الملك الظاهر برقوق إلى نيابة السلطنة فى أوائل سلطنته، وطالت أيامه فى السعادة، وكان وقورا فى الدّول، معظّما عند الملوك، ولما كبر وشاخ أخذ يتبرّم من الإمرة والوظيفة ويستعفى، إلى أن أعفاه الملك الظاهر بعد قدومه من سفرته إلى البلاد الشامية، وكان سودون مقيما بالقاهرة، فلزم داره من صفر سنة سبع وتسعين وسبعمائة إلى أن مات فى التاريخ المقدّم ذكره، وكان أميرا خيّرا ديّنا وافر الحرمة، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، ومنذ مات تجاهر الملك الظاهر برقوق بالمنكرات التى لم تكن قبل تعرف منه، وكان محبا للعلماء والفقراء، كان يدور وينزل إلى بيوت الفقراء، ويتبرّك بهم ويبذل إليهم الأموال.

قال قاضى القضاة العينى- رحمه الله-: وكان حصل له شىء من التّغفّل والتساهى. قلت: كان فيه سلامة باطن مع دين وشفقة ولين جانب، حتى صار يحكى عنه أشياء فى حكوماته مختلقة عليه، كما يذكر الناس ذلك عن الخادم بهاء الدين قراقوش الصّلاحى الخصىّ وليس لذلك صحة. انتهى. وتوفّى الأمير سيف الدين قطلوبك بن عبد الله الطّشتمرى، أحد أمراء الألوف بالديار المصرية، وكان جليل القدر وقورا من الأمراء المشايخ. وتوفّى الأمير الوزير ناصر الدين محمد بن رجب بن كلبك «1» التّركمانى الأصل المصرى، فى يوم الجمعة سادس عشرين صفر، كان شابا جميلا حسن الهيئة، وهو ممن توفّى بغير نكبة، ولّاه الملك الظاهر برقوق أوّلا شادّ الدواوين بعد ابن آقبغا آص، ثم عزل بابن آقبغا آص، وعوّض عن شدّ الدواوين بشد الدواليب الخاصّ، عوضا عن خاله محمد بن الحسام، بحكم انتقال خاله إلى الوزارة، ثم بعد مدّة صودر، وحمّل مائة وسبعين ألف درهم، وقبل أن يغلقها أفرج عنه، ثم ولاه الملك الظاهر الوزارة عوضا عن الوزير موفّق الدين، فى يوم الاثنين رابع عشر شهر ربيع الآخر سنة ست وتسعين وسبعمائة، وأنعم السلطان عليه فى يوم ولايته للوزارة بإمرة مائة وتقدمة ألف بديار مصر، ثم خلع السلطان على جماعة من الوزراء البطّالين بوظائف تحت يده تعظيما له، وصار الجميع فى خدمته، فاستقرّ الوزير سعد الدين نصر الله ابن البقرىّ ناظر الدولة، واستقرّ الوزير كريم الدين بن الغنّام فى نظر البيوت، واستقرّ الوزير علم الدين سنّ إبرة فى استيفاء الدولة، شريكا للوزير تاج الدين عبد الرحيم

ابن أبى شاكر، ونزل الجميع فى خدمته، وباشروا بين يديه، كما كانوا بين يدى خاله الأمير الوزير ناصر الدين محمد بن الحسام الصّفوى، فسمّى بوزير الوزراء وباشر بحرمة وافرة إلى أن مات. وتوفّى السيد الشريف صدر الدين مرتضى بن الشريف غياث الدين إبراهيم ابن حمزة الحسنىّ العراقىّ، نقيب الأشراف فى ليلة [السبت «1» ] ثالث شهر ربيع الآخر، ودفن على أبيه بتربة الأتابك يلبغا العمرى بالصحراء خارج القاهرة، وكان ولى نظر وقف الأشراف مع نقابة الأشراف، ونظر القدس والخليل، وكان شكلا جميلا مهيبا «2» فصيحا بالألسن الثلاثة: العربية والعجمية والتركية، وكان ديّنا خيّرا، صاحب عبادة ونسك، وكان له نظم على طريق البغاددة- رحمه الله تعالى- وهو قوله: بحقّى عليكم بشوقى إليكم ... إذا اشتقت ليكم تعالوا ابصرونى وتوفّى ملك الغرب وصاحب فاس السلطان أبو فارس عبد العزيز بن السلطان أبى العباس أحمد بن أبى سالم بن إبراهيم «3» بن أبى الحسن المرينى، وأقيم بعده على سلطنة فاس أخوه أبو عامر عبد الله. وتوفّى الشيخ صلاح الدين محمد الشّطنوفى موقّع الحكم فى شهر رمضان، وكان إماما فى صناعته.

وتوفّى الشيخ نور الدين على بن عبد الله بن عبد العزيز [بن عمر بن عوض «1» ] الدّميرى المالكى شيخ القرّاء بخانقاه «2» شيخون، وأخو القاضى تاج الدين بهرام، فى ثانى عشرين شهر رمضان، وكان إماما فى القراءات مشاركا فى عدّة فنون. وتوفّى الأمير ناصر الدين محمد بن جمق بن الأمير الكبير أيتمش البجاسى فى يوم الجمعة خامس صفر، وحضر السلطان الصلاة عليه وكان أحد أمراء الطبلخانات. وتوفّى الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير جاركس الخليلى فى يوم الثلاثاء تاسع صفر، وكان محمد المذكور أيضا من أمراء الطبلخانات بالديار المصرية. وتوفّى القاضى شمس الدين محمد بن محمد بن موسى الشنشى «3» الحنفى المعروف بالرّخ، أحد نوّاب القضاة الحنفية بمصر فى [يوم الخميس سادس «4» ] جمادى الأولى. وتوفّى الشيخ زين الدين مقبل بن عبد الله الصّرغتمشى الفقيه الحنفى فى أول شهر رمضان بالقاهرة، وكان فقيها فاضلا مستحضرا لفروع مذهبه، وله مشاركة فى عدّة فنون. وتوفى الأمير سيف الدين تغرى بردى بن عبد الله القردمىّ قتيلا فى محبسه، وكان من أعيان الأمراء، ووقع له أمور فى واقعة الناصرى ومنطاش مع الملك الظاهر برقوق أوّلا، ثم كان من حزب الملك الظاهر على منطاش آخرا، ودام على

ما وقع من الحوادث سنة 799

ذلك إلى أن قبض عليه وحبس، ثم قتل فى التاريخ المذكور- رحمه الله- وكان شجاعا مقداما. وتوفّى الشيخ الخطيب برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن الشيخ المعتقد الصالح عبد الله المنوفى الفقيه المالكى فى شهر رجب، وكان أحد الفقهاء المالكية، أقرأ ودرّس وخطب بجامع «1» الأمير شرف الدين أمير حسين بن جندر سنين، وهو ابن العبد الصالح المشهور عبد الله المنوفى. أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستة أذرع واثنا عشر إصبعا. مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعا وإصبعان. [ما وقع من الحوادث سنة 799] السنة الثامنة من سلطنة الملك الظاهر برقوق «الثانية على مصر» وهى سنة تسع وتسعين وسبعمائة. فيها توفّى الأمير سيف الدين إياس بن عبد الله الجرجاوى نائب طرابلس بالقاهرة بعد أن قبض عليه وألزم بحمل مال كبير، فأرسل خازنداره إلى حضور المال، فمات بعد يومين، فى يوم الجمعة ثامن عشرين صفر، وكان أولا من أمراء الألوف بالديار المصرية، ثم تنقل فى عدّة أعمال بالبلاد الشامية، حتى إنه ولى نيابة طرابلس ثلاث مرات آخرها فى سلطنة الملك الظاهر برقوق الثانية إلى أن عزله بالأمير دمرداش المحمدى الظاهرى، نائب حماة، وتوجّه إياس أتابكا بدمشق، فأقام بها يسيرا وطلب إلى القاهرة وصودر وأهين إلى أن مات بعد يومين حسب

ما تقدّم ذكره، وقيل: إنه لما أهين كان فى يده خاتم سمّ فمصّه فمات من وقته، وقيل غير ذلك، وكان بشع المنظر ظالما غشوما حدّ المزاج كرية المعاشرة، يرمى بعظائم، قيل: إنه قال له رجل مرة: يا وجه القمر؛ بعد أن دعا له كما هى عادة العوامّ، فضرب الرجل ضربا مؤلما، وقال: أنا أعرف بنفسى منك، وكانت بعض حظاياه ملكها الوالد «1» من بعده واستولدها، فكانت تحكى عنه عظائم من سوء خلقه وخلقه. وتوفّى الأمير أبو بكر بن [محمد بن واضل «2» ] المعروف بابن الأحدب أمير العربان ببلاد الصعيد قتيلا. وتوفّى الأمير ركن الدين بيبرس بن عبد الله التمان تمرى الأمير آخور الثانى، وأحد أمراء الطبلخانات بالديار المصرية، فى رابع عشر جمادى الآخرة، وكان من قدماء الأمراء، وهو من أوّل الأمر إلى آخره كان من حزب الملك الظاهر برقوق، وكان الملك الظاهر ينادمه ويمازحه ويعجبه كلامه، وأنا أتعجّب غاية العجب من الملك الظاهر برقوق فى عدم ترقّيه، ولعلّه كان راضيا بما هو فيه- والله أعلم- وهو والد صاحبنا الناصرى محمد بن بيبرس- رحمهما الله تعالى-. وتوفّى الأمير عمر بن عبد العزيز أمير عرب هوّارة «3» ببلاد الصعيد. قلت: وعمر هذا هو والد بنى عمر أمراء العربان ببلاد الصعيد فى زماننا هذا، ولعله يكون أوّل من ولى منهم الإمرة.

وتوفّى الشيخ المسند المعمّر المعتقد زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد ابن المبارك بن حماد المغربى المعروف بابن الشيخة «1» ، ومولده فى سنة خمس وعشرين وسبعمائة، ومات فى تاسع عشرين شهر ربيع الآخر، ودفن خارج القاهرة بعد أن حدّث سنين وصار رحلة فى زمانه. وتوفّى الشيخ نور الدين أبو الحسن على بن أحمد بن عبد العزيز العقيلىّ (بفتح العين المهملة) المالكى إمام المالكية بالمسجد الحرام بمكة المشرفة، وأخو القاضى أبى الفضل، وكان يعرف بالفقيه علىّ النّويرىّ، فى ثانى جمادى الأولى بمكة المشرفة، وكان سمع الكثير وحدّث سنين. وتوفى الشيخ الإمام محبّ الدين محمد بن الشيخ الإمام العلّامة جمال الدين عبد الله بن يوسف بن هشام النحوىّ، فى ليلة الاثنين رابع عشرين شهر رجب بعد أن تصدّى لإقراء النحو سنين، وانتفع به جماعة الطلبة، وكان له مشاركة جيّدة فى الفقه وغيره، وكان خيّرا ديّنا. وتوفّى قاضى القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبى بكر الطرابلسى الحنفىّ، قاضى قضاة الديار المصرية، فى يوم السبت ثامن عشرين ذى الحجة، وكان عفيفا دينا مشكور السّيرة، وتولى القضاء من بعده قاضى القضاة جمال الدين يوسف بن موسى بن محمد الملطىّ، بعد أن خرج البريد بطلبه، وشغر منصب القضاء بالقاهرة، مائة يوم وأحد عشر يوما، حتى حضر وولى قضاء الحنفية بديار مصر.

قلت: هكذا تكون ولاية قضاة الشرع الشريف بعزّة وطلب واحترام، لا كمن يسعى فيها من بيت المال والأمير الكبير إلى بيت والى القاهرة، حتى يلى بالمال والبذل من غير تستّر فى ذلك حتى إنه يعرف ولايته بالبرّطيل، كلّ أحد من المسلمين حتى النصارى واليهود، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلىّ العظيم. وتوفّى الشيخ الإمام العالم زين الدين ميكائيل بن حسن بن إسرائيل التّركمانى، الفقيه الحنفىّ فى ذى الحجة عن نيّف وسبعين سنة، كان فقيها فاضلا بارعا مشاركا فى فنون كثيرة من العلوم، وكان مستحضرا لمذهبه مناظرا طلق اللسان فصيحا وأقرأ ودرّس سنين. وتوفّى القاضى جمال الدين محمود بن أحمد، وسماه بعضهم محمودا بن محمد بن على ابن عبد الله القيصري العجمىّ الحنفى، قاضى قضاة الحنفية بالديار المصرية، وناظر الجيوش المنصورة بها، وشيخ شيوخ خانقاه «1» شيخون، فى ليلة الأحد سابع شهر ربيع الأول، بعد أن جمع بين هذه الوظائف الثلاث التى لم تجمع لغيره، وكان من رجال الدهر حزما وعزما، ومعرفة وعقلا وفضلا، وكان قدم إلى القاهرة فى عنفوان شبيبته فقيرا مملقا، وترك بالمدرسة الصّرغتمشية «2» مدّة يخدم الفقهاء، فرأى فى منامه أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول له: أنت شاهنشاه، ففسّر المنام على الشّنشى «3» ، وكان من جملة الصوفية بالصرغتمشية، وتنقّلت به الأحوال إلى أن

صار يقرئ المماليك بالأطباق من القلعة، وقتل الملك الأشرف شعبان وصار مخدومه طشتمر اللّفاف أتابك العساكر، فتكلّم له فى حسبة القاهرة دفعة واحدة فوليها، ونزل عند شخص فى داره حتى تعيّن له دار يسكنها، وبعث له قاضى القضاة صدر الدين المناوى بثوب حتى لبسه، لعجزه عن شراء ثوب، وهذا كان أوّل مبدأ أمره، ثم تنقّل فى الوظائف حتى كان من أمره ما كان، ولما مات خلّف موجودا كبيرا وكتبا حسنة، وخلّف ثمانية أولاد من الذكور والإناث، منهم العلّامة صدر الدين أحمد بن العجمى الآتى ذكره فى وفيات ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وتولّى قضاء الحنفيّة من بعده القاضى شمس الدين محمد الطرابلسى، ومات فى السنة حسب ما تقدّم، وولى الجيش بعده شرف الدين بن الدّمامينى «1» . وتوفّى الأمير جمال الدين محمود بن على بن أصفر عينه الأستادار، فى يوم الأحد تاسع شهر رجب بخزانة «2» شمائل، بعد ما نكب وعوقب وصودر ودفن بمدرسته خارج بابى زويلة المعروفة به، وجملة ما أخذه الملك الظاهر منه من المال فى ايام مصادرته ألف ألف دينار، وأربعمائة ألف دينار، وألف ألف درهم فضة، وبضائع وغلال، وغير ذلك بما ينيف على ألف ألف درهم فضة، وتلف له بأيدى من عاقبه وحواشيه جملة كبيرة، واخفى هو أيضا أشياء كثيرة «3» يترجّى البقاء، ومن عطم ما ظهر له من المال، قالت العامة: ألان الله الحديد لداود، والذهب لمحمود، وكان أصل محمود هذا أنه كان فى مبدأ أمره فقيرا يتعانى الشدّ فى إقطاعات الجند،

ثم حدم عند بعض الأمراء، فصلحت حاله، وحصّل وسعى، حتى ولى شدّ الدواوين بالقاهرة، فظهر منه نجابة ويقظة، وترقّى حتى ولى الأستادارية فى دولة الملك الظاهر برقوق الأولى، وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف، ونكبه الناصرى لمّا ملك مصر، وحبسه إلى أن خرج من السجن فى توبة بطا وأصحابه من الجبّ، وأعاده الملك الظاهر إلى وظيفة الأستادارية، بعد مدة فإنه كان أولا لما قدم إلى مصر ولّاه مشيرا، ثم أعاده إلى الأستادارية، ودام بها إلى أن قبض عليه الظاهر، بسعى كاتبه سعد الدين إبراهيم «1» بن غراب، وأجرى عليه العقوبة إلى أن مات. وتوفّى الوزير الصاحب سعد الدين نصر الله القبطى الأسلمى، المعروف بابن البقرى، فى ليلة الاثنين رابع جمادى الآخرة مخنوقا بعد عقوبة شديدة ومصادرة. وتوفّى قاضى القضاة سرىّ الدين [أبو الخطاب «2» محمد] بن محمد قاضى قضاة الشافعية بدمشق، المعروف بابن المسلّاتى الشافعى، بالقاهرة فى يوم الخميس سابع عشرين شهر رجب، وكان فقيها عالما أفتى ودرّس وولى قضاء دمشق، وكان معدودا من علماء الشافعية. وتوفى قاضى القضاة نجم الدين أبو العباس أحمد بن قاضى القضاه عماد الدين إسماعيل بن محمد بن عبد العزيز بن صالح بن أبى العزّ «3» وهيب بن عطاء بن جبير ابن جابر بن وهيب الحنفى الدمشقى، المعروف بابن أبى العز، وبابن الكشك قتيلا

ما وقع من الحوادث سنة 800

بدمشق، فى مستهل ذى الحجة بعد أن لزم داره مدة، وكان إماما فقيها بارعا عالما مفتنّا، ولى قضاء دمشق استقلالا غير مرة، وحسنت سيرته، وأشخص فى سنة سبع وسبعين وسبعمائة إلى الديار المصرية، وولى بها قضاء الحنفية بعد قاضى القضاة صدر الدين محمد بن عبد الله التركمانى بعد موته، فلم تطل مدته واستعفى، وألحّ فى ذلك حتى أعفاه السلطان، وولّاه قضاء الحنفية بدمشق على عادته، فدام بها سنين، ثم صرف عنها، ولزم داره حتى مات قتيلا بدمشق- رحمه الله تعالى- أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعا واثنا عشر إصبعا والله أعلم. [ما وقع من الحوادث سنة 800] السنة التاسعة من سلطنة الملك الظاهر برقوق «الثانية على مصر» وهى سنة ثمانمائة. وفيها توفّى الأمير سيف الدين تنبك «1» بن عبد الله اليحياوىّ الظاهرىّ، الأمير آخور الكبير فى ليلة الخميس رابع عشر شهر ربيع الآخر، ونزل السلطان إلى الإسطبل ومشى فى جنازته حتى حضر الصلاة عليه بمصلّاة المؤمنى «2» ، ثم ركب وتوجّه أمام جنازته حتى شاهد دفنه، وأقام القرّاء على قبره أسبوعا، ووجد السلطان عليه كثيرا وبكى عند دفنه، وكان من عظماء المماليك الظاهرية، أنعم عليه السلطان بإمرة عشرة فى أوائل واقعة الناصرىّ ومنطاش، ثم رقّاه حتى ولّاه الأمير آخورية بعد الأمير

بكلمش العلائى، لمّا نقل إلى إمرة سلاح، فدام فى وظيفة الأمير آخورية إلى أن توفى، وتولّى الأمير آخورية بعد موته الأمير نوروز الحافظى الظاهرىّ رأس نوبة النوب. وتوفّى السيد الشريف جمال الدين عبد الله بن عبد الكافى بن على بن عبد الله الطّباطبى نقيب الأشراف فى ليلة رابع عشرين ذى القعدة. وتوفّى القاضى العلّامة تاج الدين أبو محمد عبد الله بن على بن عمر السّنجارى الحنفى المعروف بقاضى صور (بفتح الصاد المهملة) وصور: بليدة بين حصن كيفا «1» ، وبين ماردين «2» من ديار بكر «3» بن وائل، وكان إماما عالما مفتنّا بارعا فى الفقه والأصلين، والعربية واللغة، وأفتى ودرّس سنين بدمشق ومصر، وكان فى ابتداء أمره لما قدم القاهرة اجتاز بدمشق واستوطنها مدّة، وأخذ بها عن العلّامة علاء الدين القونوى «4» الحنفىّ، ثم قدم إلى القاهرة فأخذ عن العلّامة شمس الدين محمد الأصبهانى وغيره، حتى برع فى عدّة فنون، وأفتى ودرّس وصنّف وأشغل، ومن تآليفه كتاب «البحر الحاوى فى الفتاوى» ونظم كتاب «المختار فى الفقه» ونظم «السراجية فى الفرائض»

ونظم كتاب «سلوان المطاع لابن ظفر» وناب فى الحكم بالقاهرة، وولى وكالة بيت المال بدمشق، وكان من محاسن الدنيا دينا وعلما وخيرا وكرما. وتوفّى الأمير سيف الدين قلمطاى بن عبد الله العثمانى الظاهرى الدوادار الكبير بالديار المصرية فى ليلة السبت ثالث عشر جمادى الأولى، وحضر السلطان الملك الظاهر الصلاة عليه بمصلّاة المؤمنى، وحضر دفنه أيضا بتربته التى أنشأها عند الصّوّة بالقرب من باب الوزير، وبكى السلطان عليه بكاء كثيرا، وأقام القرّاء على قبره أسبوعا، وتولّى الدوادارية من بعده الأمير بيبرس ابن أخت السلطان، وكان قلمطاى من أجلّ المماليك الظاهرية، باشر الدوادارية بحرمة وافرة، ونالته السعادة وعظم فى الدولة، وهو صاحب الحاصل بالقرب من البندقيين بالقاهرة، وخلّف مالا كثيرا، وهو أيضا ممن نشّأه أستاذه الملك الظاهر برقوق فى سلطنته الثانية، رحمه الله تعالى. وتوفّى أمين الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن على الأنصارى الحمصى الحنفى كاتب سرّ دمشق بها فى ثانى عشر ذى الحجة، ومولده فى يوم الاثنين ثانى عشر شهر ربيع الأوّل سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وتفقه بدمشق، وبرع فى الفقه والعربية، وشارك فى عدّة فنون مشاركة جيّدة، ومهر فى الأدب والترسّل والنظم، وتولى كتابة سرّ دمشق وباشرها بحرمة وافرة، ونالته السعادة فى مباشرته، وكان ذا شكالة حسنة، وعبارة فصيحة، وفضل وإفضال، وكان له يد فى علم الموسيقى وتأديته، وعنده ميل إلى اللهو والطرب مع حشمة ودين وكرم، ومن شعره لمّا عاد

من تجريدة أرزنكان «1» صحبة الأمير تنم الحسنى «2» نائب الشام، وقد ضلّ غالب العسكر فى بعض الليالى عن الماء، فنزل هو على ماء فى بعض الطريق، وقال فى ذلك: (البسيط) . ضلّوا عن الماء لمّا أن سروا سحرا ... قومى فظلوا حيارى يلهثون ظما والله أكرمنى بالورد دونهم ... فقلت «يا ليت قومى يعلمون بما» وله أيضا- سامحه الله تعالى- (الوافر) . جفون من تأرّقها «3» دوامى ... مدامعها تفيض على الدوام فديت عيون من حرمت عيونى ... مناها من لقا طيب المنام وراشت «4» من لواحظها نبالا ... مراشقها شفين من السقام إذا لاحظننى فتصيب قلبى ... على اللّحظات موفور السهام «5» لها شفتان قد شفتا فؤادى ... ولا شفتاه إلّا للغرام وثغر من يعيش به ارتواء ... يموت من الصّبابة وهو ظام أدامت لى مدامته ارتشافا ... فوا سكراه من ذاك المدام ولمّا رام بدر الأفق فخرا ... وتشبيها بما تحت اللّثام بدت تختال عجبا عن عقود ... وتبسم عن جمان بانتظام

فأزرى ثغرها بالدر نقصا ... وأخجل وجهها بدر التمام بعيشك يا كريم الخيم «1» كن لى ... معينا إن مررت على الخيام وقل صبّ توصّل فى أوان ... له قلب تقطّع بالأوام «2» ولبّ هام بالذكرى ودمع ... كوبل عطاء فخر الدين هامى «3» وتوفّى القاضى نجم الدين محمد بن عمر الطّمبدى وكيل بيت المال ومحتسب القاهرة فى رابع عشرين شهر ربيع الأوّل. قال المقريزى: «وكان غاية فى الجهل» وتوفّى الشيخ الصالح المعتقد أبو عبد الله محمد بن سلامة النّويرىّ المغربىّ المعروف بالكركى لطول إقامته بمدينة الكرك فى خامس عشرين شهر ربيع الأوّل، وكان عند الملك الظاهر برقوق بمنزلة مكينة جدّا، كان يجلسه فوق قضاة القضاة، ولم يغيّر لبس العباءة، ولا أخذ من الملك الظاهر شيئا من المال، وكان الناس فيه على قسمين ما بين مفرط فى مدحه، وما بين مفرط فى الحطّ عليه. وتولّى الأمير يلبغا السالمى تجهيزه، وبعث السلطان مائتى دينار للقراءة على قبره مدّة أسبوع. وتوفّى الأمير سيف الدين آق بلاط بن عبد الله الأحمدى الظاهرى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة فى شهر ربيع الآخر، وكان تركىّ الجنس شجاعا. وتوفّى الأمير سيف الدين طوغاى بن عبد الله العمرى أحد أمراء العشرات بالديار المصرية، ونقيب الفقراء السّطوحيّة فى أوّل شهر ربيع الأوّل، وكان ديّنا خيّرا يحب الفقراء، ويتردّد لزيارة الصالحين.

وتوفّى الشيخ برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد البعلبكّى الدمشقى الضرير المعروف بالبرهان الشامى فى ثامن جمادى الأولى، وكان فاضلا أديبا فقيها. وتوفّى الأمير سولى «1» بن قراجا بن دلغادر التّركمانى، صاحب أبلستين «2» ، قتل غيلة على فراشه، وكان غير مشكور السيرة، كثير الشرور والفتن. وتوفّى الأمير شرف الدين موسى بن قمارى أمير شكار فى ثانى عشر شهر رجب وكان من جملة أمراء العشرات. وتوفّى الشيخ الأديب المادح أبو الفتح محمد بن الشيخ العارف على البديوىّ فى ثامن عشر جمادى الآخرة بالنّحريرية «3» ، وكان أكثر شعره مدائح.

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع واثنا عشر إصبعا- مبلغ الزيادة. تسعة عشر ذراعا وسبعة أصابع والله تعالى أعلم.

ما وقع من الحوادث سنة 801

[ما وقع من الحوادث سنة 801] ذكر سلطنة الملك الناصر فرج بن برقوق الأولى على مصر السلطان الملك الناصر زين الدين أبو السعادات فرج بن السلطان الملك الظاهر أبى سعيد برقوق بن الأمير آنص، الجاركسى الأصل، المصرىّ المولد والمنشأ، سلطان الديار المصرية، والبلاد الشامية، والأقطار الحجازية، وهو السلطان السادس والعشرون من ملوك الترك بالديار المصرية، والثانى من الجراكسة، وأمّه أم ولد رومية تسمّى شيرين، ماتت فى سلطنته. مولده فى سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، قبل خلع أبيه الملك الظاهر برقوق من السلطنة، وحبسه بالكرك «1» ، فأراد أن يسمّيه «بلغاك» يعنى «تخبيط» باللغة التركية، فسمّى «فرجا» . جلس على تخت الملك بقلعة «2» الجبل صبيحة موت أبيه يوم الجمعة النصف من شوّال سنة إحدى وثمانمائة بعهد من أبيه إليه حسب ما تقدّم ذكره، فى أواخر ترجمة أبيه، وحسب ما نذكره أيضا. وفى سلطنته يقول الأديب المقرئ شهاب الدين أحمد بن عبد الله بن حسن الأوحدى «3» : [الطويل] مضى الظاهر السلطان أكرم مالك ... إلى ربّه يرقى إلى الخلد فى الدرج وقالوا ستأتى شدّة بعد موته ... فأكرمهم ربّى وما جا سوى (فرج)

ذكر جلوسه على تخت الملك

ذكر جلوسه على تخت الملك قال الشيخ تقىّ الدين المقريزى- رحمه الله تعالى-: ولمّا كان صبيحة يوم الجمعة اجتمع بالقلعة الأمير الكبير أيتمش، والأمير تغرى بردى أمير سلاح، وسائر أمراء الدولة، واستدعى الخليفة وقضاة القضاة، وشيخ الإسلام البلقينى «1» ، فلما تكاملوا «2» بالإسطبل «3» السلطانى، أحضر فرج بن السلطان الملك الظاهر برقوق، وخطب الخليفة وبايعه بالسلطنة وقلّده أمور المسلمين، وأحضرت خلعة سوداء فأفيضت على فرج المذكور، ونعت بالملك الناصر، وركب بشعار السلطنة، وطلع حتى جلس على تخت الملك بالقصر السلطانى، وقبّل الأمراء كلّهم الأرض بين يديه على العادة، ولبس الخليفة تشريفا جليلا، ثم أخذ الأمراء فى تجهيز السلطان الملك الظاهر برقوق. انتهى كلام المقريزى. قلت: ونذكر الآن فى ابتداء دولة الملك الناصر فرج اسم خليفة الوقت ولقبه، وقضاة القضاة، وأرباب الوظائف من الأمراء وغيرهم من النوّاب، بالبلاد الشامية، ليكون ذلك مقدّمة لما يأتى من تغيير الوظائف وتقلّبات الدّول. انتهى.

فخليفة الوقت: أمير المؤمنين المتوكّل على الله أبو عبد الله محمد العباسىّ، والقاضى الشافعى صدر الدين محمد المناوى «1» ، والقاضى الحنفى جمال الدين يوسف «2» الملطى، والقاضى المالكىّ ولىّ الدين عبد الرحمن بن خلدون «3» ، والقاضى الحنبلى برهان الدين إبراهيم «4» بن نصر الله العسقلانى، والأمير الكبير أتابك العساكر أيتمش البجاسىّ، وأمير سلاح تغرى بردى من يشبغا الظاهرىّ (أعنى الوالد) ، وأمير مجلس أرغون شاه البيدمرى الظاهرى، والأمير آخور الكبير سيّدى سودون قريب الملك الظاهر برقوق، وحاجب الحجاب فارس الأعرج الظاهرى، ورأس نوبة النّوب أرسطاى، والدوادار الكبير بيبرس ابن أخت السلطان الملك الظاهر، والخازندار يشبك الشعبانى الظاهرىّ، وهو أمير مائة ومقدّم ألف، وشادّ الشراب خاناه سودون الماردانىّ، والأستادار الأمير يلبغا الأحمدى الظاهرى المجنون، وكاتب

السرّ فتح الدين فتح الله التّبريزىّ، والوزير تاج الدين عبد الرزّاق بن أبى الفرج، وناظر الجيش والخاصّ معا سعد الدين إبراهيم بن غراب، ومحتسب القاهرة الشيخ تقىّ الدين أحمد المقريزىّ، ووالى القاهرة شهاب الدين أحمد بن الزين، بالبلاد الحجازية والشامية، وأمير مكة الشريف حسن بن عجلان الحسنىّ، وأمير المدينة النبوية الشريف ثابت بن نعير الحسينىّ، ونائب الشام الأمير تنبك الحسنى المعروف بتنم الظاهرى، ونائب حلب آقبغا الجمالى الظاهرى، المعروف بالأطروش ونائب طرابلس يونس بلطا الظاهرى، ونائب حماة دمرداش المحمدى الظاهرى، ونائب صفد ألطنبغا العثمانى الظاهرى، ونائب غزّة ألطنبغا الحاجب الظاهرى، ونائب الكرك سودون الشمسىّ الظاهرى المعروف بالظريف، وعدّة نوّاب أخر بقلاع الساحل وغيرها يطول الشرح فى ذكرهم. ولمّا تم أمر الملك الناصر فرج فى الملك، بعد أن دفن والده، وصار الأتابك أيتمش مدبّر ملكه، أراد أيتمش أن يطلع إلى باب السلسلة «1» ويسكن بالإسطبل السلطانىّ، فمنعه من ذلك الأمير سودون الأمير آخور الكبير، قريب الملك الظاهر، وردّ ما بعته الأمير الكبير أيتمش من القماش، فاستدعى سودون إلى حضرة السلطان فامتنع، فأمسك أيتمش عن الكلام فى ذلك، وتكلّم فيما يعود نفعه، فأمر فكتب إلى سائر الأقطار بالعزاء فى الملك الظاهر برقوق، والهناء بسلطنة ولده الملك الناصر فرج، وكتب تقليد الشريف حسن بن عجلان بإمرة مكّة، وكان بالقاهرة، وكتب إلى مكّة وبها الأمير بيسق الشيخى والى المدينة النبوية، وتوجّه بذلك بعض الخاصكية، وكتب إلى الأمير نعير بن حيّار بإمرة آل فضل على عادته،

وعزل الأمير شمس الدين محمد بن عنقاء بن مهنّا، وعرف بموت الملك الظاهر، وبسلطنة الملك الناصر فرج؛ وحمل إليه التشريف والتقليد على يد الأمير أسنبغا الدوادار، وعيّن الأمير سودون الطّيار الأمير آخور بالكتب والخلع إلى نائب الشام الأمير تنم الحسنى، وعيّن يلبغا الناصرى رأس نوبة إلى الأمير آقبغا الجمالى نائب حلب، وعيّن الأمير تغرى بردى قرا إلى الأمير يونس بلطا نائب طرابلس، وعيّن الأمير يشبك إلى الأمير ألطنبغا العثمانى نائب صفد، وعيّن الأمير شاهين كنك إلى الأمير سودون الظريف نائب الكرك، وعلى يد كل من هؤلاء كتاب يتضمّن العزاء والهناء، وأن يحلّف كلّ نائب أمراء بلده للملك الناصر فرج على العادة، وقرر الأمير الكبير أيتمش مع أرباب الدولة إبقاء الأمور على ما هى عليه. ثم كلّم الوزير والأستادار فى الكفّ عن الظلم وتجهيز الجامكيّة «1» والعليق برسم لمماليك السلطانية. وفى يوم الاثنين ثامن عشر شوّال خرج ركب المحمل إلى البركة «2» صحبة أمير الحج الأمير شيخ المحمودىّ الظاهرىّ، «أعنى الملك المؤيد» ، وأمير الركب الأوّل الأمير الطواشى بهادر مقدّم المماليك السلطانية. وفى اليوم المذكور اجتمع الأمراء بالقلعة فى الخدمة السلطانية على عادتهم، وطلبوا الأمير سودون أمير آخور، فامتنع عن الحضور، فبعث الأمراء إليه ثانيا فامتنع، فكرروا الإرسال إليه ثلاث مرات إلى أن حضر فكلّموه فى النزول من

الإسطبل فلم يجبهم إلى ذلك، فتخيّلوا منه واتّهموه بأنه يريد إثارة فتنة، فقبضوا عليه وعلى الأمير علىّ بن إينال اليوسفى، وأخرجوا ما كان له بالإسطبل من خيول وقماش ونحو ذلك، وسكن الأتابك أيتمش مكانه بالإسطبل من باب السلسلة، وأنزل سودون وعلى بن إينال فى الحديد إلى الحرّاقة «1» وجهزا إلى سجن «2» الاسكندرية ثم نودى بالقاهرة ومصر بخروج طائفة العجم من الديار المصرية، وهدّد من تأخّر بعد ثلاثة أيام بالقتل. ثم خلع على الأمير يشبك الشعبانى الخازندار باستقراره (لا لا) السلطان الملك الناصر فرج، ومعه الأمير قطلوبغا الكركى (لا لا) أيضا. ولمّا كان يوم حادى عشرين شوّال جلس السلطان الملك الناصر فرج بدار العدل، «أعنى بالإيوان من قلعة الجبل» على عادة الملوك، وخلع على الأمير الكبير أيتمش، وعلى الوالد الأمير تغرى بردى وهو أمير سلاح، وعلى أرغون شاه البيدمرى أمير مجلس؛ وعلى بيبرس الدوادار، وأرسطاى رأس نوبة النّوب، وفارس حاجب الحجّاب، وتمربغا المنجكى الحاجب الثانى، وأحد مقدّمى الألوف، وعلى يلبغا المجنون الأستادار، وعلى جميع أرباب الدولة. ثم قام السلطان من دار العدل ودخل إلى القصر، وجلس القضاة بجامع القلعة حتى يخلع عليهم، فعند ما تكامل الأمراء وأرباب الدولة بالقصر، أغلق الأمراء الخاصكية باب القصر، وكان رئيسهم يوم ذاك سودون طاز، وسودون من زادة،

وآقباى «1» رأس نوبة، وجاركس القاسمى المصارع، ثم سلّوا سيوفهم بمن معهم، وهجموا على الأمراء وقبضوا على أرسطاى رأس نوبة النّوب، وتمراز وتمربغا المنجكى، وطغنجى وبلاط السعدى، وطولو رأس نوبة، وفارس الحاجب، وفرّ مبارك شاه وطبج، فأدركا، وقبض عليهما أيضا، وبلغ ذلك يلبغا المجنون الأستادار وكان خارج القصر، فخلع خلعته وسلّ سيفه، ونزل من القلعة إلى داره. ثم أحضر الخاصكيّة الأمراء المقبوض عليهم إلى عند «2» الأمير الكبير أيتمش وقد بهت وأسكت، وقيّدوا أرسطاى رأس نوبة النّوب، وتمراز وتمربغا المنجكى؛ وطغنجى أحد أمراء الطبلخانات، وأطلقوا من عداهم، واستدعوا يلبغا المجنون الأستادار، فلمّا حضر قبض عليه أيضا وقيّد وأضيف إلى الأمراء المقبوض عليهم وأنزل الجميع من يومهم إلى الحرّاقة، وتوجّهوا إلى سجن الإسكندرية، ما خلا يلبغا المجنون فإنه فى يوم السبت ثالث عشرينه عصر يلبغا المجنون ليحضر المال، ثم أسلموه لسعد الدين إبراهيم بن غراب ناظر الجيش والخاصّ ليحاسبه، فنزل به إلى داره، وسألوا يلبغا السالمىّ بوظيفته الأستادارية فامتنع، فعرضوها على ناصر الدين محمد بن سقر وابن قطينة فلم يوافقا، فخلع على الأمير مبارك شاه باستقراره أستادارا عوضا عن يلبغا المجنون. وفيه أنفق على المماليك السلطانية نفقة سلطنة الملك الناصر، وتولّى الإنفاق عليهم يلبغا السالمى، وفرّقت بحضرة السلطان والأمراء، فأعطى كلّ مملوك من

من أرباب الخدم الجوانية والمشتروات ستين دينارا؛ صرف كل دينار ثلاثون درهما. وفى يوم الاثنين خامس عشرينه، تأخّر سائر أمراء الألوف عن طلوع الخدمة السلطانية خوفا من الخاصكيّة، فإن الأمور صارت معذوقة «1» بهم، فبعث الخاصكية إلى الأمراء بالحضور فأبوا ذلك، فنزل الخاصكيّة إلى الإسطبل فى خدمة الأمير الكبير أيتمش، واستدعوا الأمراء من منازلهم فحضروا، وكثر الكلام بينهم حتى اتفقوا جميعا، وتحالفوا على طاعة الأمير الكبير أيتمش، والملك الناصر، وحلف لهم أيضا أيتمش، ثم حلف سائر المماليك والخاصكيّة، وتولّى تحليفهم يلبغا السالمىّ، وخلع على سودون الماردانى باستقراره رأس نوبة النّوب عوضا عن أرسطاى المقبوض عليه قبل تاريخه، وعلى قطلوبغا الحسنىّ الكركى باستقراره شادّ الشراب خاناه، عوضا عن سودون الماردانى، وأنعم على الأمير قراكسك بإمرة مائة، وتقدمة ألف كانت مؤخّرة. ثم فى يوم الثلاثاء سادس عشرين شوّال خلع على الوزير تاج الدين عبد الرزاق ابن أبى الفرج باستقراره فى وظيفة الأستادارية مضافا للوزر عوضا عن مبارك شاه بحكم استعفاء مبارك شاه. وفيه كتب مرسوم سلطانىّ باستقرار قرا يوسف بن قرا محمد صاحب تبريز «2» فى نيابة الرّهاء «3» على عادته، وباستقرار دمشق خجا فى نيابة جعبر «4» .

وفيه ورد الخبر بأن أبا يزيد بن عثمان ملك الروم تحرّك للمشى على البلاد الشامية، وفى ثامن عشرين شوّال، ورد الخبر بأن الأمير تنم الحسنى نائب الشام أخذ قلعة دمشق، وكان خبر أخذه لقلعة دمشق أنّ تنم كان بالمرج من غوطة دمشق، فقدم عليه الخبر بموت الملك الظاهر برقوق، فركب وقصد دمشق ولم يشعر به الناس، فى ليلة الأربعاء العشرين من شوّال، حتى حضر إلى دار السعادة «1» ثلث الليل، فلما أصبح استدعى الأمير جمال الدين يوسف الهيدبانىّ نائب قلعة دمشق، بحجة أن الملك الظاهر برقوقا طلبه إلى الديار المصرية، فعندما نزل إليه أمسكه وبعث من تسلّم قلعة دمشق، فلم يعلم أحد ما قصده تم المذكور إلى أذان الظهر، فوصل فارس دوادار تنم من مصر، وأخبر بموت الملك الظاهر، وسلطنة ولده الملك الناصر فرج، وأخبر أيضا بأن سودون الطيّار قادم بالخلعه إلى الأمير تنم، فخرج الأمير تنم إلى لقائه، ولبس الخلعة، وباس الأرض خارج مدينة دمشق، ثم عاد إلى دار السعادة وقد اجتمع بها القضاة والأعيان، وقرئ عليهم كتاب السلطان الملك الناصر فرج، فأجابوا بالسمع والطاعة، ونودى بدمشق بالأمان والزينة، فزيّنت البلد، ودقّت البشائر، وسرّ الناس بذلك، وأخذ الأمير تنم يقول بأنّ السلطان صغير، وكلّ ما يصدر ليس هو عنه، وإنما هو عن الأمراء، وأنا وصىّ السلطان لا يعمل أحد شيئا إلا بمراجعتى ونحو هذا، فاضطرب الناس بدمشق، وبلغ ذلك نائب حمص، فأخذ قلعتها، وأخذ أيضا نائب حماة قلعة حماة، كلّ ذلك قبل تكملة خمسة عشر يوما من سلطنة الملك الناصر فرج.

ثم فى أوّل ذى القعدة ركب الأمير طغاى تمر مقدّم البريدية من مصر على البريد إلى البلاد الشامية، ومعه ملطّفات لأمراء الورسق «1» والأمراء الأوجقيّة «2» ، ومطلق لنواب الممالك والقلاع، ومثال لأحمد بن رمضان نائب أذنة «3» ولأمراء التّركمان، ولنائب حلب، ولنائب سيس وصحبته أقبية مطرّزة بفرو؛ خمس عشرة قطعة، وفوقانيات حرير بطرز زركش؛ أربع وعشرون قطعة، وتشاريف عدّة كبيرة. وفى ثالث ذى القعدة فرغ تحليف المماليك السلطانية للملك الناصر فرج. وفيه أنعم على الأمير إينال باى من قجماس بإمرة مائة وتقدمة ألف، وهو خبز أرسطاى رأس نوبة النّوب، وعلى سودون من على بك المعروف بطاز، بتقدمة الأمير سودون أمير آخور المقبوض عليه، وعلى آقباى من حسين شاه، بتقدمة ألف أيضا عوضا عن تمربغا المنجكىّ، وأنعم على الأمير يعقوب شاه الخازندار بإمرة طبلخاناه زيادة على طبلخاناته، فصارت تقدمته بثمانين فارسا «أعنى إمرة ثمانين» ، وأنعم على كل من قرابغا الأسنبغاوى وينتمر المحمدى وآقباى الإينالى بإمرة طبلخاناه، وعلى جرباش الشيخى بإقطاع يلبغا المجنون، إمرة خمسين فارسا وعلى آقبغا المحمودى بإمرة طبلخاناه أيضا وعلى كلّ من تمر الساقى وجركس القاسمىّ المصارع، وإينال حطب، وكمشبغا الجمالى، وألطنبغا الخليلىّ، وكزل العجمىّ البجمقدار، وقانى باى العلائى، وجكم من عوض، وصوماى الحسنى بإمرة عشرة.

وفى سابعه خلع على سودون الماردانى باستقراره رأس نوبة النّوب، وكانت عيّنت له قبل ذلك، غير أنه كان متوعّكا، وعلى يعقوب شاه الظاهرى باستقراره حاجبا ثانيا، عوضا عن تمربغا المنجكى بإمرة ثمانين، وعلى كلّ من سودون من زاده، وتنكزبغا الحططىّ، وبشباى وجكم من عوض، وآقبغا المحمودى الأشقر واستقروا رءوس نوب صغارا. وفى تاسعه خلع على قرابغا الأسنبغاوى ومقبل الظاهرى، واستقروا حجّابا، فصارت الحجّاب ستة بالديار المصرية، ورءوس نوب نحو العشرة، وهذا شىء لم يكن قبل ذلك. ثم حضر الأمير دقماق المحمّدى معزولا عن نيابة ملطية بتقادم كثيرة. وفى ثانى عشره خلع على الأمير جرباش الشيخى وتمان تمر، باستقرارهما رءوس نوب أيضا، فزادت عدّة رءوس النّوب على العشرة، وخلع على كزل المحمدى العجمى البجمقدار باستقراره أستادار الصحبة، عوضا عن قرابغا الأسنبغاوى، المنتقل إلى الحجوبية، وخلع على كل من الطواشيين: شاهين الحسنى الأشرفى، وعبد اللطيف الأشرفى باستقرارهما (لالا) السلطان. وفى سابع عشره استدعى الأمير الكبير الشيخ سراج الدين عمر البلقينىّ والقضاة وأعيان الفقهاء من كل مذهب، فحضر الجميع عند الأمير الكبير بالإسطبل، وقد حضر الأمراء والخاصكيّة بسبب الأموال التى خلّفها السلطان الملك الظاهر برقوق، هل تقسّم فى ورثته؟ أو يكون ذلك فى بيت مال المسلمين؟ فوقع كلام كثير آخره أن تفرّق فى ورثته من السدس، وما بقى فلبيت المال. وفيه استقرّ الأمير أرغون شاه البيدمرى أمير مجلس فى نظر خانقاه شيخون عوضا عن يلبغا السالمى.

وفى حادى عشرين ذى القعدة، استقر الأمير سودون الطيّار أمير آخورا كبيرا، عوضا عن سودون قريب السلطان، بعد أن شغرت عدّة أيام. وفى ثالث عشرينه خلع على أستادار الوالد؛ شهاب الدين أحمد بن عمر المعروف بابن قطينة باستقراره وزيرا، عوضا عن تاج الدين بن أبى الفرج. [وخلع أيضا على يلبغا السالمى الظاهرى باستقراره أستادارا عوضا عن ابن أبى الفرج «1» ] المذكور، وقبض على تاج الدين بن أبى الفرج وصودر، فلم تطل مدة ابن قطينة فى الوزر، وعزل بفخر الدين ماجد بن غراب فى رابع ذى الحجة وعاد إلى أستادارية الوالد على عادته. ثم قدم الخبر فى ثامن عشر ذى الحجة بأن ابن عثمان أخذ الأبلستين «2» وملطية «3» ، وعزم على المسير إلى البلاد الشامية، فعمل الأمراء مشورة فى أمره، واتفق الحال على المسير إلى قتاله، وتفرّقوا فأنكر المماليك السلطانية ذلك، وقالوا هذه حيلة علينا حتى نخرج من القاهرة، وعيّنوا سودون الطيّار الأمير آخور لكشف هذا الخبر، وحضر البريد من دمشق بأن علاء الدين بن الطبلاوى ترك لبس الأمراء، وتزيّا بزىّ الفقراء، وامتنع من الحضور إلى مصر، وكان طلب إليها، وأن تنم نائب الشام قال: هذا رجل فقير قد قنع بالفقر، اتركوه.

ما وقع من الحوادث سنة 802

وفى يوم ثامن عشر المذكور خرج سودون الطيّار لكشف الأخبار، فدخل دمشق فى العشرين منه، وهذا شىء من وراء العقل، كونه يصل من مصر إلى الشام فى يومين. وفى أواخر ذى الحجة قدم الخبر بأن تنم نائب الشام خرج عن الطاعة، وقبض جانبك اليحياوى الظاهرى، الذي كان ولى نيابة قلعة دمشق، ولم تسلّم له قلعة دمشق، وأنه أرسل إلى نائب الصّبيبة «1» . فأفرج عن آقبغا اللكّاش، وألجيبغا الحاجب، وخضر الكريمى، واستدعاهم إلى دمشق، فقدموا عليه، فلم يتحرّك بسبب ذلك ساكن بمصر لاختلاف الكلمة. [ما وقع من الحوادث سنة 802] ثم فى يوم الثلاثاء حادى عشرين المحرم سنة اثنتين وثمانمائة، ركب السلطان الملك الناصر من قلعة الجبل، ومعه الأمير الكبير أيتمش البجاسى، والوالد أمير سلاح، وسائر الأمراء، ونزل إلى تربة أبيه «2» بالصحراء وزاره، ثم عاد بعد أن شقّ القاهرة، وطلع إلى القلعة، وهذا أوّل ركوب الملك الناصر. ثم فى هذه الأيام تزايد الاختلاف بين أكابر الأمراء، وبين الأمراء الخاصّكية واشتدّت الوحشة بين الطائفتين، واتّفق سودون طاز، وسودون من زاده، وجركس القاسمى المصارع، وآقباى من حسين شاه، وبشباى وغيرهم، وانضموا على الأمير يشبك الشعبانى الخازندار، وصاروا فى عصبة قوية وشوكة شديدة، واستمالوا جماعة كبيرة من خجداشيّتهم «3» الظاهرية، الذين بالأطباق من القلعة،

وتأكّدت الفتنة، وشرعت كلّ من الطائفتين تدبّر على الأخرى، فأخذ الأمراء الخاصكيّة يتخوّفون من تنم نائب الشام، فأرسلوا بتفويض أمور البلاد الشامية إليه، فلما وصل ذلك إلى تنم على يد مملوكه سونجبغا، فى ثالث عشر المحرم، وقرئ المرسوم الشريف الذي على يده بدار السعادة، وفيه أنه يعزل من شاء، ويولّى من شاء، ويطلق من شاء من المسجونين، فأرسل أطلق الأمير جلبان الكمشبغاوى الظاهرى المعروف بقراسقل المعزول عن نيابة حلب، ثم عن أتابكيّة دمشق، من سجن قلعة دمشق فى ليلة الجمعة رابع عشرين المحرم، وأطلق أيضا الأمير أزدمر أخا إينال اليوسفى، ومحمد بن إينال اليوسفى، من سجن طرابلس وأحضرهما إلى دمشق، ثم بعث إلى نوّاب البلاد الشامية يدعوهم إلى طاعته، وإلى القيام معه فأجابه الأمير آقبغا الجمالى الأطروش نائب حلب، والأمير يونس بلطبا نائب طرابلس، والأمير ألطنبغا العثمانى الظاهرى نائب صفد، وامتنع من إجابته الأمير دمرداش المحمدى الظاهرى، نائب حماة، ثم بعث تنم إلى طرابلس بتجهيز شينى «1» فى البحر إلى ثغردمياط، ليحمل فيه الأمير نوروز الحافظى، وغيره من الأمراء الذين بثغردمياط، فبادر ناصر الدين محمد بن بهادر المؤمنى، فتسلم برج الأمير أيتمش بطرابلس، وركب البحر إلى دمياط، وقدم إلى القاهرة، وأعلم القوم بما قصده تنم، فكتب على يده عدّة ملطّفات إلى الأمير قرمش حاجب حجّاب طرابلس، وإلى القضاة والأعيان بأن قرمش يركب على يونس بلطا نائب طرابلس ويقتله، ويلى نيابة طرابلس عوضه، فاتفق أنّ يونس المذكور قبض على قرمش الحاجب وقتله قبل وصول ابن بهادر إلى طرابلس، ثم إن تنم استدعى الأمير علاء الدين علىّ بن الطبلاوى المقدّم ذكره فى ترجمة الملك الظاهر برقوق لمّا

صودر وحبس بخزانة «1» شمائل، ثم نفى وخلع عليه، وأقامه متحدّثا فى أمور الدولة: كما كان فى ديار مصر، فأخذ ابن الطبلاوى هذا فى الإفحاش فى أمر الشاميّين، وطرح عليهم السّكّر الواصل من الغور «2» ، بحيث إنه طرح ذلك على الناس، حتى على الفقهاء ونقباء القضاة، فتنكّرت القلوب عليه، وقدم الخبر بهذا كلّه إلى الديار المصرية، فتحقّق عند ذلك أعيان الدولة عصيان تنم وصرّح الأمراء الخاصكية بأن الأمير الكبير أيتمش، والوالد وجماعة من أكابر الأمراء بالديار المصرية، قد وافقوا تنم على ذلك، وكاتبوه بالخروج، ولم يكن لذلك صحّة، فأخذ الأمراء الخاصّكية وكبيرهم يشبك الشعبانىّ الخازندار، فى التدبير على أيتمش ورفقته، واتفقوا على أمر يكون فيه زوال أيتمش وأصحابه، وعلّموا السلطان الملك الناصر فرجا يقول يقوله إلى أيتمش. فلمّا كان يوم الخميس سادس شهر ربيع الأول من سنة اثنتين وثمانمائة وجميع الأمراء بالخدمة السلطانية، ابتدأ السلطان الملك الناصر بالكلام مع الأمير الكبير أيتمش، وقال له: يا عمّ أنا قد أدركت وبلغت الحلم، وأريد أن أرشد فقال له أيتمش: السمع والطاعة، واتّفق مع الأمراء الخاصكيّة على ترشيد السلطان وصوّب ذلك جميع الأمراء؛ إلّا الوالد وفارس الحاجب، وخالفا الجميع، فأخذ الأتابك أيتمش يحسّن ذلك للوالد ولفارس، حتى أذعنا على رغمها لترشيد السلطان وأنهم يمتثلون بعد ترشيده سائر ما يرسم به، وطلب فى الحال الخليفة والقضاة والسراج البلقينىّ ومفتى دار العدل فحضروا، وقام سعد الدين إبراهيم بن غراب ناظر الجيش والخاصّ، وادّعى على الأمير الكبير أيتمش، بأن السلطان قد بلغ رشده

وشهد عدّة من الأمراء الخاصكيّة بذلك، ولم يكن لذلك صحّة فحكم القضاة بعد البيّنة برشد السلطان، وخلع على الخليفة وقضاة القضاة وعلى الأمير الكبير أيتمش وانفضّ الموكب، ونزل الأمير الكبير إلى داره التى كان يسكن بها بالقرب من باب الوزير «1» ومعه جميع الأمراء، فلما سار أيتمش حتى صار تحت الطبلخاناه السلطانية، وطلب أن يسلّم على الأمراء، والتفت برأس فرسه، وقد وقف له جميع الأمراء لردّ سلامه، وقبل أن يسلّم عليهم، قال له الوالد: إلى أين يتوجّه الأمير الكبير من هنا؟ قال الأمير أيتمش: إلى بيتى! أو ما علمت بما وقع عليه الاتفاق من ترشيد السلطان، وأنه يستبدّ بالأمور، وأنزل أنا من باب السّلسلة إلى دارى! فقال الوالد: نعم، وقع ذلك، غير أنه بنزولك تسكن الفتنة، اطلع إلى باب السلسلة، وامكث به اليوم، وخذ فى نقل قماشك شيئا بعد شىء إلى الليل حتى نبرم أمرا نفعله فى هذه الليلة، فإذا أصبحت فانزل إلى دارك، فقال أيتمش: يا ولدى! ليس ذلك مصلحة ويقيم- من له غرض فى إثارة الفتنة- الحجّة علينا، فألح عليه الوالد حتى سمع كلامه كلّ أحد، وأيتمش لا يذعن إليه، وأبى إلّا النزول إلى داره، ثم سلّم عليهم، والتفت برأس فرسه، فقال الوالد: أخربت بيتك وبيوتنا بسوء تدبيرك، وعاد الوالد إلى جهة داره، بخط الصليبة «2» عند حمام «3» الفارقانى، ومعه سائر الأمراء،

ذكر الواقعة بين الأتابك أيتمش وبين يشبك وغيره

فكلّمهم فى الطريق وقال: هؤلاء الأجلاب لابدّ لهم معنا من رأس، فإن كان ولابد يكون ذلك فى الإسطبل السلطانى معنا، وندب الأمراء إلى أن يتوجّهوا إلى أيتمش فى ذلك، فقالوا: قد فات الأمر، ونزل إلى داره، ثم توجّه كلّ واحد إلى منزله، وفى الحال دقّت البشائر لترشيد السلطان، وزيّنت القاهرة، وافترق العسكر فرقتين: فرقة مع الأمير الكبير أيتمش البجاسى، وهم جميع أكابر الأمراء والمماليك القرانيص، وفرقة مع الأمير يشبك الشعبانى الخازندار، وهم الأمراء الخاصّكية ومماليك الأطباق، وقويت شوكة الأمير يشبك بعجز أيتمش وعدم أهليته فى القيام بتدبير الأمور من يوم مات الملك الظاهر برقوق، واستمر ذلك إلى ليلة عاشر شهر ربيع الأول المذكور، وقد ندم الأمير الكبير أيتمش على نزوله من باب السلسلة، حيث لا ينفعه الندم، ولم يجد بدّا من الركوب، واتّفق مع الأمراء على الركوب ذكر الواقعة بين الأتابك أيتمش وبين يشبك وغيره ولما كان ليلة الاثنين عاشر شهر وبيع الأول، اتفق الأمراء الأكابر مع الأمير الكبير أيتمش، ولبسوا الجميع آلة الحرب، واجتمعوا على الأتابك أيتمش بداره بخط باب الوزير، بعد نزول أيتمش من باب السلسلة بثلاثة أيام، وأخذ بعض رفقته من أكابر الأمراء يلومه على نزوله من الإسطبل السلطانى، وعلى عدم ميله لكلام الأمير تغرى بردى (أعنى الوالد) فى النزول، فقال: هكذا قدّر، وكان سبب ركوب أيتمش بعد نزوله من الإسطبل أنه لمّا وقع ترشيد السلطان، واتفقوا معه على أن ينزل إلى داره ظنّ أيتمش أن بنزوله تسكن الفتنة، وتطمئن الخواطر، ويصير هو على عادته رأس مشورة، ولا يعمل شىء إلّا بعد مشاورته،

فتمشى الأحوال بذلك على أحسن وجه؛ ولم يدر أن القصد كان بنزوله من باب السلسلة حتى يضعف أمره؛ وتصير القلعة بأسرها فى أيدى الجماعة؛ ويستبدّوا بالأمر من غير مشارك؛ ثم يقبضوا على واحد واحد، حتى يصفو لهم الوقت؛ وفطن الوالد لذلك فعرّف أيتمش بالمقصود وقال له: إنّه لا بدّ لهؤلاء الجماعة من إثارة فتنة فإن كان ولا بدّ فيكون ذلك ونحن ملّاك باب السلسلة؛ وهى شطر القلعة، فأبى إلّا ما أراد الله تعالى، ونزل إلى داره وأقام يومه، ثم أصبح وقد تحقّق ما قاله الوالد وغيره، وعلم أنه متى ظفروا به وبالأمراء رفقته قبضوا عليهم، فلم يجد بدّا من الركوب وركب إلى الوالد فى ظهر نهاره وترضاه، حتى وافقه، فعند ذلك وافقه الجميع، واتّفق رأيهم على الركوب فى ليلة الاثنين المذكورة، فركبوا بعد صلاة العشاء الأخيرة، وهم جماعة كثيرة من أمراء الألوف والطبلخانات والعشرات والمماليك السلطانية القرانيص، فالذى كان معه من مقدمى الألوف: الأمير تغرى بردى من يشبغا أمير سلاح (أغنى عن الوالد) ، والأمير أرغون شاه البيدمرى أمير مجلس، وفارس حاجب الحجاب، ويعقوب شاه الحاجب الثانى، ومن أمراء الطبلخانات ألطنبغا شادى، وشادى خجا العثمانى، وتغرى بردى الجلبانى، وبكتمر الناصرىّ المعروف بجلّق، وتنكزبغا الحططى، وآقبغا المحمودى الأشقر، وعيسى فلان والى القاهرة، ومن العشرينات أسندمر الإسعردىّ، ومنكلى العثمانى، ويلبغا من خجا الظريف، ومن العشرات خضر بن عمر بن بكتمر الساقى، وخليل بن قرطاى شادّ العمائر، وعلى بلاط الفخرى، وبيرم العلائى، وأسنبغا المحمودى، ومحمد بن يونس النّوروزى، وألجيبغا السلطانى وتمان تمر الإشقتمرى، وتغرى بردى البيدمرى، وأرغون السّيفىّ، ويلبغا المحمودى، وباى خجا الحسنىّ، وأحمد بن أرغون شاه الأشرفى، ومقبل الحاجب، ومحمد بن على بن كلبك نقيب الجيش وخير بك من

حسن شاه: وجلبّان العثمانى، وكزل العلائى ويدى «1» شاه العثمانى، وكمشبغا الجمالى، وألطنبغا الخليلى، وألطنبغا الحسنى، ونحو الألف مملوك من أعيان المماليك السلطانية، وخرج أيتمش إلى داره ملبسا هو ومماليكه، وكانوا نحو الألف مملوك، وصحبته الأمراء المذكورون، وعبّى عساكره، وأوقف طلبه «2» ومماليكه بمن انضاف إليهم من أمراء الطبلخانات والعشرات، والمماليك السلطانية بالصّوّة «3» ، تجاه باب المدرّج أحد أبواب قلعة الجبل، وأصعد جماعة أخر من حواشيه إلى سطح المدرسة الأشرفية التى مكانها الآن بيمارستان الملك المؤيد شيخ» ، ليرموا على من بالطبلخاناة السلطانية ويحموا ظهور مماليكه، ولم يخرج هو من بيته وكان الذي رتب العساكر الوالد، ووقف الأمير فارس حاجب الحجّاب ومعه جماعة من أمراء الطبلخانات والعشرات، فى رأس الشارع الملاصق لمدرسة السلطان «5» حسن، المتوصّل منه إلى سوق القبو، ليقاتل من يخرج من باب السلسلة من السلطانية، ووقف الوالد ومعه الأمير أرغون شاه أمير مجلس، برأس سويقة منعم من خط الصليبة، تجاه القصر السلطانى وتفرقت الأمراء والمماليك ثلاث فرق: كل فرقة إلى جهة من الأمراء المذكورين مع من انضاف إليهم من المماليك البطالة والزّعر وغيرهم، وأخذ كلّ واحد من هؤلاء الأمراء يعبّئ طلبه وعساكره، على حسب ما يختار، كلّ ذلك فى الليل.

وأمّا أهل القلعة فإن الأمير يشبك الشعبانىّ الخازندار لمّا سمع بذلك ركب إلى القلعة هو وبيبرس الدّوادار وطلعا إلى السلطان، وقد اجتمع غالب الأمراء والخاصكيّة من الظاهرية عند السلطان، وطلب يشبك فى الحال مماليك الأطباق، وأمرهم يلبس السلاح ولبس هو وجميع الأمراء، وحرّضهم على قتال أيتمش ورفقته، وخوّفهم عاقبة الأمر، وقال لهم: هؤلاء وإن كانوا خشداشيتّنا، فقد صاروا الآن أجانب، وتركوا خبز الملك الظاهر برقوق، وخرجوا على ولده، وأرادوا يسلطتون أيتمش ونحن نقاتل مع ابن أستاذنا حتى نموت، فأجابه جميع المماليك الجلبان وظنوا أن مقالته حقيقية، وفى الحال دقّت الكوسات الحربية بالقلعة ولبس سائر الأمراء الذين بالقلعة، وهم: بيبرس الدوادار ابن أخت الملك الظاهر برقوق، ويشبك الشعبانى الخازندار المقدّم ذكره، وسودون الماردانى رأس نوبة النّوب، وسودون من على بك طاز، وإينال باى بن قجماس، ويلبغا الناصرى. وبكتمر الرّكنى ودقماق المحمدى المعزول عن نيابة ملطية، وشيخ المحمودى (أعنى المؤيّد) وآقبغا الطرنطائى والجميع ألوف، وجماعة أخر من الطبلخانات والعشرات، وأما المماليك السلطانية فمعظمهم، ونزل السلطان الملك الناصر فرج من القصر إلى الإسطبل السلطانى، ووقع القتال بين الطائفتين من وقت عشاء الأخيرة إلى باكر النهار ومعظم قتال أهل القلعة مع الذين كانوا برأس سويقة منعم، وتصادموا غير مرّة، وبينما القتال يشتدّ أمر الأتابك أيتمش البجاسى فنودى من قبض على مملوك جركسىّ وأحضره إلى الأمير الكبير أيتمش فله كيت وكيت، فلمّا سمعت الجراكسة الذين كانوا من حزب أيتمش ذلك حنقوا منه وتوجّه أكثرهم إلى السلطان، مع أن أيتمش كان من أعظم الجراكسة؛ غير أن زوال النعم شئ آخر، فعند ذلك كثر جمع السلطانية وقوى أمرهم، وحملوا على الوالد، وبمن معه وهو برأس سويقة

منعم، فكسروه، فمرّ بمن معه من الأمراء ومماليكه حتى اجتاز بداره، وهى دار طاز بالشارع «1» الأعظم تجاه حمّام الفارقانى «2» ، والقوم فى أثره، فحمى ظهره مماليكه الجلبان الذين بالأطباق بالرمى على السلطانية، حتى تركوه وعادوا، ومرّ الوالد حتى لحق بالأمير أيتمش بالصّوّة. وأما السلطانية فإنهم لمّا كسروا الوالد، وكان الأهم عادوا لقتال فارس الحاجب، وكان فارس من الفرسان المعدودة الأقشية، فثبت لهم فارس المذكور ثباتا عظيما، لولا ما كادوه من أخذ مدرسة السلطان حسن، والرمى عليه من أعلاها إلى أن هزموه أيضا، وانحاز بطائفته إلى أيتمش بالصوّة، فكرر أيتمش المناداة على المماليك الجراكسة- خذلان من الله-، فذهب من كان بقى عنده منهم، وعند ذلك صدمته السلطانية صدمة هائلة كسروه فيها، وانهزم من بقى معه من الأمراء المذكورين والمماليك وقت الظهر من يوم الاثنين عاشر شهر ربيع الأوّل من سنة اثنتين وثمانمائة، ومرّوا قاصدين إلى جهة الشأم حتى نزلوا بسرياقوس «3» ، فأخذوا من الخيول السلطانية التى كانت بها من جيادها نحو المائة فرس، ثم ساروا إلى نحو البلاد الشامية، وندب السلطان خلف أيتمش ورفقته من المنهزمين جماعة من أمراء الألوف وغيرهم، فالذى كان منهم من أمراء الألوف بكتمر الرّكنى المعروف

ببكتمر باطيا، ويلبغا الناصرى، وآقبغا الطرنطائى، ومن أمراء الطبلخانات أسنبغا الدوادار وبشباى من باكى، وصوماى الحسنى فى جماعة كثيرة من أمراء العشرات، والمماليك السلطانية، وهم نحو خمسمائة مملوك فلم يقفوا لهم على خبر، وعادوا من قريب. وامتدّت الأيدى إلى بيوت الأمراء المنهزمين بالنهب، فنهبوا جميع ما كان فيها حتى نهبت الزّعر مدرسة أيتمش «1» وأحذوا جميع ما كان فيها حتى حفروا قبر ولده الذي كان بها، وأحرقوا الرّبع المجاور لها من خارج باب الوزير، ونهبوا جامع «2» آق سنقر المجاور لدار أيتمش، واستهانوا حرمة المصاحف بها، ثم نهبوا مدرسة السلطان حسن، وانتهبوا بيوتا كثيرة من بيوت المنهزمين، فكان الذي أخذ من بيت الوالد فقط من الخيل والقماش والسلاح وغير ذلك ما تزيد قيمته على عشرين ألف دينار. ثم كسرت الزّعر حبس «3» الديلم وحبس «4» الرحية، وأخرجوا من كان بهما من أرباب الجرائم، وصارت القاهرة فى ذلك اليوم غوغاء، من غلب على شىء صار له، وقتل فى هذه الواقعة من الطائفتين جماعة كبيرة من المماليك وغيرهم، فكان الذي قتل من الأمراء قجماس المحمدى شادّ السلاح خاناه، وقرابغا الأسنبغاوى، وينتمر

المحمدى، واختفى بالقاهرة ممن كان مع الأتابك أيتمش، مقبل الرومى الطويل أمير جاندار، وكمشبغا الخضرى وجماعة أخر يأتى ذكرهم، وتوجّه بقية أصحابه الجميع صحبته إلى دمشق، وقصد أيتمش الأمير تنم الحسنى نائب الشام. وأما تنم نائب الشام فإنه لما عظم أمره بدمشق وتمّ له ما قصده، وجّه الأمير آقبغا الطولوتمرى اللّكّاش فى عدّة من الأمراء والعساكر إلى غزّة فساروا من دمشق فى أوّل شهر ربيع الأوّل المذكور. ثم ندب جماعة أخر من كبار الأمراء إلى البلاد الحلبية، وخرجوا من دمشق فى ثالث شهر ربيع الأوّل، وعليهم الأمير جلبان الكمشبغاوى الظاهرى، المعروف بقراسقل المعزول عن نيابة حلب قديما، ومعه الأمير أحمد بن الشيخ على نائب صفد كان، والأمير بيخجا المعروف بطيفور نائب غزّة كان، وهو يومئذ حاجب دمشق والأمير يلبغا الإشقتمرى، والأمير صرق الظاهرى، وساروا إلى حلب لتمهيد أمورها. ثم قبض الأمير تنم على الأمير بتخاص وعيسى التركمانى وحبسهما بالبرج من قلعة دمشق، ثم خرج تنم فيمن بقى معه من عساكره فى سادسه يريد حلب، وجعل الأمير أزدمر أخا إينال اليوسفى نائب الغيبة بدمشق، وسار حتى قدم حمّص والستولى عليها، وولّى عليها من يثق به من أصحابه، ثم توجّه إلى حماة، فوافاه الأمير يونس بلطا نائب طرابلس ومعه عسكر طرابلس، ونزلوا على مدينة حماة، فامتنع نائبها الأمير دمرداش المحمدى بها، وقاتل تنم قتالا شديدا، وقتل من أصحاب تنم نحو الأربعة أنفس ولم يقدر عليه تنم، وبينما تنم فى ذلك ورد عليه الخبر بقيام أهل طرابلس على من بها من أصحابه. وخبر ذلك أنه لما قرب محمد بن بهادر المؤمنى من طرابلس، بعث ما كان معه من الملطّفات من الديار المصرية لأهل طرابلس، فوصلت إليهم قبل قدومه،

ثم وصل هو بمن معه فى البحر، فظنه نائب غيبة يونس بلطا من الفرنج، فخرج إليه فى نحو ثلاثمائة فارس من أجناد طرابلس، فتبيّن له أنه من المسلمين، فطلبه نائب الغيبة بمن معه فلم يأته، وقاتلهم على ساحل البحر فانهزم إلى برج أيتمش، وكان تحت حكم ابن المؤمنى المذكور، فأصبح الذين أتتهم الملطّفات من مصر، ونادوا فى العامّة بجهاد نائب الغيبة، وخطب خطيب البلد بذلك، فشرعت العامّة فى قتال نائب الغيبة حتى هزموه ونهبوا ما كان معه توجه إلى حماة، فأرسل تنم الأمير الأمير صرق على عسكر كبير لقتال أهل طرابلس، فتوجه صرق إليهم، وقاتلهم قتالا شديدا مدّة تسعة أيام، وبينما تنم فى ذلك ورد عليه الخبر بواقعة الأمير أيتمش مع المصريين، وأنه نزل بمن معه فى دار النيابة بغزّة، وأنه سار بمن معه يريد دمشق، فسرّ تنم بذلك وأذن لنائب غيبته بدمشق وهو الأمير أزدمر بدخول أيتمش، ومن معه إلى دمشق وبالقيام فى خدمتهم حتى يحضر إليهم، تم لما بلغه عجز صرق عن أهل طرابلس، جهّز إليها نائبها الأمير يونس بلطا فى طائفة كبيرة من العساكر، فسار إليها يونس ودخلها بعد أن هزم ابن المؤمنى، وركب البحر ومعه القاضى شرف الدين مسعود قاضى القضاة الشافعية بطرابلس، يريدان القاهرة بمن معهما، ونهب يونس أموال الناس كافّة بطرابلس، وفعل فى طرابلس وأهلها ما لا تفعله الكفرة، وقتل نحو العشرين رجلا من أعيان طرابلس وقضاتها وعلمائها منهم: الشيخ العالم المفتى جمال الدين بن النابلسى الشافعى. والخطيب شرف الدين محمود، والقاضى المحدّث شهاب الدين أحمد الأذرعى المالكىّ، وقاضى القضاة شهاب الدين الحنفىّ، والقاضى موفّق الدين الحنبلى، وقتل من عامة طرابلس ما يقارب الألف، وصادر الناس مصادرات كثيرة، وأخذ أموالهم وسى حريمهم،

فكانت هذه الكائنة من أقبح الحوادث، وكانت فى الخامس عشر من شهر ربيع الأوّل المذكور. وأمّا أمر الديار المصرية فإنه لمّا كان بعد الواقعة من الغد خلع السلطان على الأمير قرابغا مغرق «1» الظاهرى باستقراره فى ولاية القاهرة عوضا عن عيسى فلان بحكم عصيانه مع أيتمش، فمات من الغد من جرح كان أصابه فى الواقعة، واستقرّ فى ولاية القاهرة عوضه بلبان أحد المماليك الظاهريّة، فنزل بلبان المذكور بالخلعة إلى القاهرة فمرّ من باب زويلة يريد باب الفتوح، وعبر راكبا من باب الجامع الحاكى «2» وهو ينادى بالأمان، وإذا بالأمير شهاب الدين أحمد بن عمر بن الزين قد جاء من جهة باب النصر، وهو أيضا ينادى بين يديه باستقراره فى ولاية القاهرة، فتحيّرت المقدّمون والجبلية بينهما، وبينما هم فى ذلك وقد التقى بلبان مع ابن الزين فقال بلبان أنا ولّانى فلان، وقال ابن الزّين أنا ولّانى فلان، وإذا بالطواشى شاهين الحسنى قدم ومعه خلعة ابن الزين بولايته القاهرة، فبطل أمر بلبان، وتصرّف ابن الزين فى أمور الولاية ونادى بالكف عن النهب، وهدّد من ظفر به من النّهابة. ثم فى سادس عشره عرض السلطان المماليك السلطانية، ففقد منهم مائة وثلاثون نفر قد انهزموا مع الأتابك أيتمش. ثم قبض السلطان على الأمير بكتمر جلّق أحد أمراء الطبلخانات، وتنكزبغا الحططىّ أحد أمراء الطبلخانات أيضا ورأس نوبة، وقرمان المنجكى وكمشبغا الخضرى، وخضر بن عمر بن بكتمر الساقى، وعلى بن بلاط الفخرى، ومحمد بن

يونس النوروزى وألجيبغا السلطانى وأرغون السيفى وأحمد بن أرغون شاه، والجميع من أصحاب أيتمش. ثم رسم السلطان فكتب بإحضار الأمير سودون أمير أخور المعروف بسيدى سودون، والأمير تمراز الناصرى من سجن الإسكندرية، والأمير نوروز الحافظى الأمير أخور الكبير كان، من ثغردمياط وسارت القصّاد لإحضارهم، فوصلوا فى العشرين منه وقبّلوا الأرض بين يدى السلطان ونزلوا إلى دورهم. وفى أوّل شهر ربيع الآخر استقرّ الأمير آقباى من حسين شاه الطّرنطائىّ حاجب الحجّاب عوضا عن الأمير فارس الأعرج، واستقرّ الأمير دقماق المحمدى المعزول عن نيابة ملطية باستقراره حاجبا ثانيا عوضا عن يعقوب شاه بحكم عصيانهما مع أيتمش. ثم فى ثالثه خلع السلطان على كلّ من الأمير أسنبغا العلائى الدوادار والأمير قمارى الأسنبغاوى والى باب القلعة «1» ومنكلى بغا الصلاحى الدوادار وسودون المأمورى باستقرارهم حجّابا، واستقر تمربغا المحمدى نائب القلعة «2» . وأما الأمير تنم فإنه لما جاءه خبر أيتمش ترك حصار حماة وعاد إلى دمشق ثم خرج إلى لقاء أيتمش وأصحابه فى خامس شهر ربيع الآخر إلى ظاهر دمشق. فلمّا عاينهم ترجّل عن فرسه وسلّم عليهم وبالغ فى إكرامهم، وعاد بهم إلى دمشق وقدّم إليهم تقام جليلة، لاسيّما الوالد فإن تنم قام بخدمته زيادة عن الجميع، حتى يزول ما كان عنده حسب ما تقدّم ذكره وسببه أنه كان وعّر خاطر أستاذه الملك الظاهر برقوق عليه حتى عزله عن نيابة حلب، فأخذ تنم يعتذر إليه، ويتلطّف

به حتى زال ما كان عنده من الكمائن القديمة، وصار من أعظم أصحابه، وحلّفه على موافقته وحلف له، ووعده بأمور كثيرة يستحيا من ذكرها. ثم كتب الوالد إلى الأمير دمرداش المحمدى نائب حماة بالدخول فى طاعة تنم حسب ما يأتى ذكره. ثم قدم على الأمير تنم كتاب الملك الناصر فرج يأمره بمسك الأتابك أيتمش وبمسك الوالد ومن قدم معهما، فأخذ تنم الكتاب وأتى به إلى أيتمش ورفقته، وقرأه عليهم بالقصر الأبلق «1» من الميدان، فضحك الوالد وقال له: امتثل مرسوم السلطان وافعل ما أمرك به فتبسّم تنم وقال له: بالله عليك زوّل ما عندك وطيّب قلبك، وقام وعانقه، ثم تكلّم تنم مع الأمراء فيما يفعله فى أمر دمرداش نائب حماة، فأشار الوالد بأنه يتوجّه إليه صحبة الأمير الكبير أيتمش، ثم يتوجّهان أيضا إلى نائب حلب يدعوانه إلى طاعة تنم وموافقته، فقال: هذا الذي كان خاطرى، فإن دمرداش لا يسمع لأحد غيرك، وخرجا بعد أيام إلى جهة حماة، فأجاب دمرداش بالسمع والطاعة، ودخل تحت طاعة تنم ووعد بالقيام بنصرته، ثم عاد الوالد وأيتمش إلى دمشق فسرّ تنم بذلك غاية السرور. ثم قدم دمرداش بعد ذلك بأيام إلى دمشق، فخلع عليه تنم باستمراره على نيابة حماة، وأنعم عليه بأشياء كثيرة وتوجّه إلى حماة ثم أخذ الجميع فى التأهّب إلى قتال المصريين. وأمّا ما وقع بالديار المصرية من الولايات والعزل، فإنه لمّا كان العشر الأخير من شهر ربيع الاخر، خلع السلطان على الأمير بيبرس الدوادار باستقراره أتابك

العساكر بالديار المصرية عوضا عن الأمير أيتمش البجاسىّ، وأنعم عليه بإقطاعه إلا النّحريرية «1» ومنية بدران «2» وطوخ «3» الجبل، فغضب بيبرس بسبب ذلك فلم يلتفت إلى غضبه، وأنعم بإقطاع الوالد ووظيفته على نوروز الحافظى، وأنعم على تمراز الناصرىّ بإقطاع أرغون شاه أمير مجلس، وأنعم على سودون أمير آخور بإقطاع يعقوب شاه الحاجب، وأنعم بإقطاع بيبرس على بكتمر الرّكنى، وبإقطاع بكتمر على دقماق المحمدى نائب ملطية كان، وبإقطاع دقماق على جركس القاسمىّ المصارع، واستقرّ أمير طبلخاناه، وأنعم على كلّ من كزل الناصرى، وقمارى الأسنبغاوى، وشاهين من شيخ الإسلام، وشيخ السليمانىّ، وبشباى من باكى، وتمربغا الظاهرى، وجكم من عوض، وصوماى، وتمر الساقى، وإينال حطب، وقانى باى العلائىّ، وسودون المأمورىّ، وألطنبغا الخليلىّ ومجترك القاسمىّ، وكزل المحمدى، وبيغان الإينالى بإمرة عشرين، وأنعم على كلّ من أزبك الرمضانىّ وأسندمر العمرىّ وقرقماس السيفىّ ومنكلى بغا الصلاحى وآقبغا الجوجرى وطيبغا الطولوتمرى وقانى باى من باشاه ودمرداش الأحمدى وآقباى السلطانى وأرغون شاه الصلاحىّ ويونس العلائى وجمق ونكباى الأزدمرى وقانى بك الحسامى وبا يزيد من بابا وآقبغا المحمدى وسودون الشمسىّ وسودون البجاسىّ وتمراز من باكى وسودون النوروزىّ وأسنبغا المسافرى وقطلوبغا الحسنى وقطلقتمر المحمدىّ وسودون الحمصىّ وسودون القاسمىّ وأرزمك وأسنباى بإمرة عشرة، وحلفوا الجميع على طاعة السلطان، والسفر معه لقتال تنم.

ولمّا بلغ المماليك السلطانية سفر السلطان إلى الشام امتنعوا وهدّدوا الامراء وأكثروا لهم من الوعيد، فخاف سودون طاز وتأخّر عن الخدمة السلطانية، ثم اتفقت المماليك المذكورة، وتوجّهوا إلى الأمير يشبك وهو متوعّك وحدّثوه فى أمر السفر، فاعتذر لهم بما هو فيه من الضعف، ثم وقع الخلف بين الأمير سودون قريب الملك الظاهر المعروف بسيّدى سودون وبين الأمير سودون طاز، وتسابا بسبب سكنى الإسطبل السلطانى بالحرّاقة، وعلى وظيفة الأمير أخورية وكادا يقتتلان، لولا فرق بينهما الأمير نوروز الحافظى. ثم وقع أيضا بين الأمير سودون طاز المذكور وبين الأمير جركس القاسمى المصارع تنافس، وتقابضا بالأطواق، ولم يبق إلّا أن تثور الفتنة، حتى فرّق الأمراء بينهما، وصارت المملكة بأيدى هؤلاء الأمراء، وكلّ من أراد شيئا فعله، فصار الرجل يلى الوظيفة من سعى فلان، وينزل إلى داره فيعزل فى الحال بأمر غيره، وكلّ أحد يتعصّب لواحد، وكل منهم يروم الرتب العلية. هذا ومثل تنم وأيتمش ورفقتهما فى طلبهم وفى القصد إلى الديار المصرية، ثم أخذ نوروز يسكّنهم عن إثارة الفتنة، ويخوّفهم عاقبة تنم، حتى عملوا مشورة بين يدى السلطان بسبب قتال تنم وغيره، فحضر جميع الأمراء ورتّبوا أمورا: منها إقامة نائب بالديار المصرية، وعيّنوا عدّة تشاريف. فلمّا كان يوم الخميس ثانى عشر شهر ربيع الآخر خلع السلطان على الأمير سودون طاز باستقراره أمير أخورا كبيرا، عوضا عن سودون الطّيار، لتأخّره بدمشق عند تنم، وخلع على الأمير مبارك شاه باستقراره حاجبا ثالثا بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، وهذا بخلاف العادة.

ثم خلع على بعض الأمراء واستقرّ حاجبا ثامنا، وهذا أيضا بخلاف العادة، لأن فى القديم كان بمصر ثلاثة حجّاب (أعنى بالقديم فى دولة الملك الناصر محمد ابن قلاوون) ثم لا زال الملك الظاهر برقوق يزيد الحجّاب حتى صار عدّتهم ستة، وذلك فى أواخر دولته، والآن صاروا ثمانية، وكان هذا أيضا مما عابه الأمير تنم على أمراء مصر فيما فعلوه. قلت: والسّكات أجمل، فإنّ تلك الحجّاب الثمانية كان فيهم ثلاثة أمراء ألوف وثلاثة طبلخاناه، وأمّا يومنا هذا ففيه بمصر أزيد من عشرين حاجبا، ما فيهم أمير خمسة، بل الجميع أجناد، وفيهم من جنديّته غير كاملة، والحاجب الثانى أمير عشرة، فسبحان الحكيم الستّار. ثم بعد أيام خلع السلطان على الأمير نوروز الحافظى باستقراره رأس نوبة الأمراء، وعلى الأمير تمراز باستقراره أمير مجلس، وعلى الأمير سيدى سودون باستقراره دوادارا كبيرا عوضا عن بيبرس، وكانت شاغرة منذ انتقل بيبرس عنها إلى الأتابكية. وهذا كله بعد أن ورد الخبر على الملك الناصر بخروج الأمير تنم من دمشق يريد القاهرة، فعندئذ أمر السلطان بأن يخرج ثمانية أمراء من مقدّمى الألوف بألف وخمسمائة مملوك من المشتروات، وخمسمائة مملوك من مماليك الخدمة، وأن يخرجوا فى أول جمادى الآخرة، فمنهم من أجاب، ومنهم من قال: لا بدّ من سفر السلطان واختلف الرأى وانفضوا على غير شىء، ونفوسهم متغيّرة من بعضهم على بعض، كلّ ذلك والأمراء تكذّب خروج تنم من دمشق حتى علّق جاليش «1» السفر على

الطبلخاناه السلطانية، ووقع الشروع فى النفقة للأمراء، فحمل إلى كل من الأمراء الأكابر مائة ألف درهم، ولمن دونهم كل واحد على قدر رتبته، وأنفق على ثلاثة آلاف مملوك وستمائة مملوك لكل واحد مائة دينار، فبلغت جميع النفقة نحو خمسمائة ألف دينار. ثم خرجت مدوّرة «1» السلطان وخيامه، ونصبوا خارج القاهرة تجاه مسجد التبن «2» . ثم خلع السلطان على الأمير بكتمر الركنى باستقراره أمير سلاح عوضا عن الوالد، وكانت شاغرة عنه منذ توجه مع أيتمش إلى الشام، وبينما السلطان فى ذلك قدم علاء الدين على بن المكلّلة والى منفلوط، وأخبر أن ألطنبغا نائب الوجه القبلى خرج هو ومحمد بن عمر بن عبد العزيز الهوّارى عن الطاعة، وكبسا عثمان بن الأحدب، ففرّ ابن الأحدب إلى جهة منفلوط وتبعاه إليها وأخرباها، فرسم السلطان لكل من الأمير الكبير بيبرس والأمير إينال باى من قجماس وآقباى بن حسين شاه حاجب الحجّاب وسودون من زادة وإينال حطب رأس نوبة، وبيسق الشيخىّ الأمير أخور الثانى، وبهادر فطيس الأمير أخور الثالث أن يتوجّهوا إلى بلاد الصعيد لقتال ألطنبغا وابن عمر الهوّارى فلم يوافقوا على ذلك ولا سار أحد.

ثم قدم الخبر على السلطان بأنّ الأمير دمرداش المحمدى نائب حماة قدم على الأمير تنم بدمشق بعساكر حماة، وأن لأمير آقبغا الجمالى الأطروش نائب حلب لمّا برز هو أيضا من حلب يريد المسير إلى دمشق ثار عليه جماعة من أمراء حلب وقاتلوه فكسّرهم، وقبض على جماعة منهم، ثم سار إلى دمشق فسرّ بقدومه تنم وأكرمه غاية الإكرام، وأنه قد خرج من دمشق من أصحاب تنم الأمير أرغون شاه البيدمرى أمير مجلس، والأمير يعقوب شاه، وفارس حاجب الحجّاب، وصرق وفرج بن منجك إلى غزّة، فعند ذلك خلع السلطان على الأمير عمر بن الطحّان حاجب غزّة باستقراره فى نيابة غزّة، وعلى سودون حاجبها الصغير باستقراره حاجب حجّاب غزّة عوضا عن ابن الطحان المذكور. ثم قدم الخبر على السلطان بأن عساكر تنم خرجوا من دمشق فى يوم خامس عشرين جمادى الآخرة، فأمر السلطان الأمير سودون المأمورىّ الحاجب بالتوجّه إلى دمياط لينقل منها الأمير يلبغا الأحمدى المجنون الأستادار كان، والأمير تمربغا المنجكى، وطغنجى وبلاط السعدىّ، وقراكسك إلى سجن الإسكندرية. هذا وقد تجهّزت العساكر المصرية للسفر صحبة السلطان لقتال تنم وتهيأ الجميع. فلمّا كان يوم الاثنين رابع شهر رجب نزل السلطان الملك الناصر من القلعة إلى الرّيدانية «1» خارج القاهرة، وأصبح من الغد خلع على الأمير الكبير بيبرس باستقراره فى نظر البيمارستان المنصورى، وبنيابة الغيبة بالديار المصرية، وخلع على الأمير نوروز الحافظىّ رأس نوبة الأمراء باستقراره فى نظر الخانقاه الشيخونية، ثم أصبح من الغد سادس الشهر خلع السلطان على الأمير نوروز المذكور بتقدمة

العساكر، ثم أنفق السلطان على جماعة من المماليك السلطانية بنحو خمسة وعشرين ألف دينار إنعاما. وفى اليوم المذكور رحل جاليش «1» السلطان من الرّيدانيّة، وفيه من الأمراء نوروز الحافظىّ مقدّم العساكر وبكتمر الركنى المعروف بباطيا أمير سلاح، وتمراز الناصرى أمير مجلس، ويلبغا الناصرى، وسودون الدوادار المعروف بسيدى سودون، وشيخ المحمودى هو المؤيّد، ودقماق المحمدى الحاجب الثانى، والجميع مقدّمو ألوف. ثم رحل السلطان بعدهم فى يوم الجمعة ثامنه ببقيّة العساكر، وعدّة ما سافر أوّلا وثانيا سبعة آلاف فارس، وهذا سوى من أقام بالقاهرة، وهم أيضا عدّة كبيرة من الأمراء والمماليك، فأمّا الأمراء فكان بالقاهرة بيبرس، وآقباى حاجب الحجّاب، وأقام بقلعة الجبل الأمير إينال باى من قجماس أحد مقدّمى الألوف، وإينال حطب رأس نوبة، وأقام بالإسطبل السلطانى «2» سودون من زادة، وبهادر؟؟؟ طيس وبيسق الشيخى أمير أخور ثانى، وأقام عند هؤلاء جماعة كبيرة من المماليك السلطانية. وأما تنم فكان من خبره أنه قدم جماعة من أمرائه وعساكره إلى مدينة غزّة حسب ما ذكرناه، وهم: الأمير أرغون شاه البيدمرى أمير مجلس، وفارس حاجب

الحجاب، ويعقوب شاه وصرق، والأمير فرج من منجك فتوجّهوا أمامه بعساكر كثيرة. ثم قدم على تنم الأمير يونس بلطا نائب طرابلس بعساكرها وغيرهم، ومعه الأمير حمد بن يلبغا أمير مجلس كان، وكان قدم على تنم قبله نائب حلب الأمير آقبغا الجمالى الأطروش، ونائب حماة الأمير دمرداش المحمدى، فخرج هؤلاء النوّاب أيضا أمام تم إلى جهة غزة، ثم تبعهم الأمير تنم ومعه الأتابك أيتمش والوالد وبقية عساكره، بعد أن جعل الأمير جركس المعروف بأبى تنم نائب الغيبة بدمشق، وعنده جماعة أخر من أعيان الأمراء، ثم خرج بعد الأمير تنم الأمير يونس بلطا نائب طرابلس، وسار تنم فى عساكر عظيمة إلى الغاية، وكان قبل سفره بدمشق منذ قدم عليه أمراء مصر يعمل كلّ يوم موكبا أعظم من الآخر، حتى قيل: إن موكبه كان يضاهى موكب أستاذه الملك الظاهر برقوق بل أعظم، وكان يركب بالدّفّ والشبّابة «1» والشعراء والجاويشية، ويركب فى خدمته من الأتابك أيتمش إلى من دونه من أمراء الألوف، وهم نحو خمسة وعشرين أميرا من أمراء الألوف، سوى أمراء الطبلخانات والعشرات، وذلك خارج عن التركمان والأعراب والعشير «2» ، وكانوا أيضا جمعا كبيرا إلى الغاية، وآخر موكب عمله بدمشق كان فيه عساكر دمشق بتمامها وكمالها، وعساكر حلب وطرابلس وحماة، وجماعة كبيرة من عظماء أمراء الديار المصرية (أعنى أيتمش ورفقته) ، وكان الجميع قد أذعنوا لتنم بالطاعة، حتى إنه لم يشكّ أحد فى سلطنته، حتى ولا أمراء مصر أخصامه، فإنهم كتبوا له فى الصلح غير مرة، وفى المستقبل أيضا حسب ما يأتى ذكره، وأنفق تنم فى العساكر من الأموال ما لا يحصى.

وأمّا أمراء الديار المصرية فإنه لما سافر السلطان إلى جهة تنم بعساكره فى ثامن الشهر، قدم الخبر فى صبيحته على الأمير بيبرس وهو يوم السبت من البحيرة، بأن الأمير سودون المأمورىّ الحاجب أخذ الأمراء من ثغردمياط، وسار بهم نحو الإسكندرية، فلمّا وصل بهم إلى ديروط «1» لقيه الشيخ المعتقد عبد الرحمن ابن نفيس الدّيروطىّ وأضافه، فعندما قعد الأمير سودون المأمورىّ هو والأمراء للأكل قام يلبغا المجنون ووثب هو ورفقته من الأمراء على سودون المأمورىّ، وقبضوا عليه وعلى مماليكه وقيّدوهم بقيودهم، وبينما هم فى ذلك قدمت حرّاقة من القاهرة فيها الأمير كمشبغا المحضرى وإياس الكمشبغاوى وجقمق البجمقدار، وأمير آخر، والأربعة فى القيود، فدخلت الحرّاقة بهم إلى شاطئ ديروط ليقضوا حاجة لهم، فأحاط بهم يلبغا المجنون، وخلّص منهم الأربعة المقيّدين، وأخذهم إلى أصحابه. ثم كتب يلبغا إلى نائب البحيرة بالحضور إليه، وأخذ خيول الطواحين، وركب هو ورفقته من الأمراء وسار بهم إلى مدينة دمنهور وطرقها بغتة، وقبض على متولّيها، وأتته العربان من كل فجّ حتى صار فى عدد كبير. ثم نادى بإقليم البحيرة بحطّ الخراج عن أهلها عدّة سنين، وأخذ مال السلطان الذي استخرج من تروجة «2» وغيرها، وبعث يستدعى بالمال من النواحى، فراعاه الناس، فإنه كان ولى وظيفة الأستادارية سنين كثيرة، فكتب بيبرس بذلك يعرّف السلطان والأمراء، فوردت كتبهم إلى نائب الإسكندرية بالاحتراز على مدينة

إسكندرية وعلى من عنده من الأمراء المسجونين، وكتب السلطان أيضا إلى أكابر العربان بالبحيرة بالإنكار عليهم، وبإمساك يلبغا المجنون ورفقته، وكتب السلطان أيضا للأمير بيبرس أن يتجرد هو وآقباى الحاجب وإينال باى بن قجماس ويسق أمير أخور، وإينال حطب رأس نوبة، وأربعمائة مملوك من المماليك السلطانية لقتال يلبغا المجنون، وكتب السلطان مثالا «1» إلى عربان البحيرة بحطّ الخراج عنهم مدّة ثلاث سنين. وأما يلبغا المجنون فإنه عدّى من البحيرة إلى الغربيّة خوفا من عرب البحيرة، ودخل المحلّة «2» ، ونهب دار الكاشف، ودار إبراهيم بن بدوى كبيرها، وقبض عليه وأخذ منه ثلاثمائة ففّة فلوس، ثم عدّى بعد أيّام سمنّود إلى برّ أشموم طناح، وسار إلى الشرقيّة، ونزل على مشتول الطواحين «3» ، وسار منها إلى العبّاسة «4» ، فارتجّت القاهرة، وبعث الأمير بيبرس إلى برّ الجيزة حيث الخيول مربوطة به على الربيع، فأحضروها إلى القاهرة خوفا من يلبغا، لئلّا يطرقهم على حين غفلة، وبينما بيبرس فى ذلك ورد عليه الخبر بمخامرة كاشف الوجه القبلى مع العرب، فاضطرب بيبرس وخاف على القاهرة، وكان فيه لين جانب وانعكاف على اللهو والطرب، فشرع بيبرس فى استخدام الأجناد، وأراد بيبرس الخروج إلى يلبغا المجنون، فمنع، وخرج إليه الأمير آقباى الحاجب ويلبغا السالمى، وبيسق أمير أخور، ومحمد بن سنقر فى ثلاثمائة مملوك من المماليك السلطانية كما سنذكره.

وأما السلطان الملك الناصر فإنه لما سار بعساكره من الريدانية، واستقل بالمسير من يومه حتى نزل على منزلة تل العجول «1» خارج مدينة غزة فى ثامن عشر رجب، وأقام به يومه، فلم يلبث إلا وجاليش الأمير تنم طرقه، ومقدّم العسكر المذكور الولد، وصحبته من أكابر الأمراء والنوّاب: آقبغا الجمالى نائب حلب ودمرداش المحمدى نائب حماة، وألطنبغا العثمانى نائب صفد وجقمق الصفوى نائب ملطية، وجماعة أخرى من أكابر الأمراء وهم: أرغون شاه أمير مجلس وفارس الحاجب، وآقبغا الطولوتمرى اللّكّاش، ويعقوب شاه، وجماعة كبيرة من الأمراء والعساكر، فركبت العساكر المصرية فى الحال، وقاتلوهم من بكرة النهار إلى قريب الظهر، وكل من الفريقين يبذل جهده فى القتال، والحرب تشتدّ بينهم إلى أن خرج من جاليش عسكر تنم دمرداش المحمدى نائب حماة بمماليكه وطلبه، ثم تبعه ألطنبغا العثمانى نائب صفد بطلبه وعساكره، ثم صراى تمر الناصرى أتابك حلب بمماليكه، ثم جقمق الصّفوى نائب ملطية بطلبه ومماليكه، ثم فرج بن منجك أحد أمراء الألوف بطلبه ومماليكه، ثم تبعهم عدّة أمراء أحر، فعند ذلك انهزم الوالد بمن بقى معه إلى نحو الأمير تنم، وملك السلطان الملك الناصر مدينة غزّة، ونزل على مصطبة السلطان. وأما تنم فإنه نزل بعساكره على مدينة الرّملة واجتمع عليه الوالد بها بمن بقى معه من العساكر الشامية، وقصّ عليه ما وقع من أمر القتال وهروب الأمراء من عسكره، فتأثّر تنم قليلا ثم أراد القبض على الأمير بتحاص، فمنعه بعض أصحابه من ذلك، ثم أخذ يتهيّأ لقتال المصريين، ولم يكترث بما وقع لجاليشه لكثرة عساكره، وقوّته بمن بقى معه من أكابر الأمراء وغيرهم.

وأمّا العسكر السلطانىّ المصرىّ فإنهم لمّا دخلوا إلى غزّة بلغهم أنّ تنم إلى الآن لم يصل إلى الرّملة بعساكره، وإنما الذي قاتلهم هو جاليش عسكره، فكثر عند ذلك تخوّفهم منه، وداخلهم الرّعب، وعملوا بسبب ذلك مشورة، فاتفق الرأى أن يتكلّموا معه فى الصلح، وأرسلوا إليه من غزّة قاضى القضاة صدر الدين المناوى الشافعىّ، ومعه المعلّم نصر الدين محمد الرّماح أمير أخور، وطغاى تمر مقدّم البريديّة، فخرجوا الجميع من غزّة فى يوم الثلاثاء تاسع عشر شهر رجب، وكتب لتنم صحبتهم أمان من السلطان، وأنه باق على كفالته بدمشق إن أراد ذلك، وإلّا فيكون أتابك العساكر بمصر، وإليه تدبير ملك ابن أستاذه الملك الناصر فرج لا يشاركه فى ذلك أحد. ثم كتب إليه أعيان الأمراء يقولون: أنت أبونا وأخونا وأستاذنا، فإن أردت الشام فهى لك، وإن أردت مصر كنّا مماليكك، وفى خدمتك، فصن دماء المسلمين ودع عساكر مصر فى قوّتها، فإنّ خلفنا مثل تيمورلنك، وأشياء كثيرة من أنواع التضرّع إليه، فسار إليه قاضى القضاة المذكور برفيقيه حتى وافاه بمدينة الرملة «1» وهو بمخيّمه على هيئة السلطان، والأتابك أيتمش عن يمينه والوالد عن يساره، وبقيّة الأمراء على منازلهم ميمنة وميسرة، فلمّا عاين تنم قاضى القضاة المذكور قام له واعتنقه، وأجلسه بجانبه فحدّثه قاضى القضاة المذكور فى الصلح، وأدّى له الأمان ووعظه، وحذّره الشّقاق والخروج عن الطاعة، ثم كلّمه ناصر الدين الرّماح وطغاى تمر بمثل ذلك، وترّفقا له عن لسان الأمراء، وأن السلطان هو ابن الملك الظاهر برقوق، ليس له من يقوم بنصرته غيرك، فقال تنم: أنا مالى مع السلطان كلام، ولكن يرسل إلى يشبك وسودون طاز وجركس المصارع، وعدّد جماعة أخر كثيرة،

ويعود الأمير الكبير أيتمش وجميع رفقته على ما كانوا عليه أوّلا، فإن فعلوا ذلك وإلّا فما بينى وبينهم إلا السيف، وصمّم على ذلك، فراجعه قاضى القضاة غير مرّة فيما يريده غير ذلك، فأبى إلّا ما قاله، فعند ذلك قام القاضى من عنده، فخرج معه تنم إلى ظاهر مخيّمه يوادعه، فلمّا قدم صدر الدين المناوى على الملك الناصر وأعاد عليه الجواب قال: السلطان: أنا ما أسلّم لالاتى لأحد (يعنى عن يشبك الشعبانى) ، وانفضّ الأمراء، وقد أجمعوا على قتاله، وركب تنم بعساكره من مدينة الرملة يريد جهة غزّة، وركب السلطان بعساكره من غزّة يريد الرملة. إلى أن أشرف على الجيتين «1» قريب الظهر، فعاين تنم وقد عبّأ عساكره، وهم نحو الخمسة آلاف فارس، ونحو ستة آلاف راجل، وصفّ الأطلاب فعبّأ أيضا الأمراء عسكر السلطان ميمنة وميسرة، وقلبا فى قلب فى قلب، ولكل جماعة «2» رديف، وكان ذلك تعبئة ناصر الدين المعلّم أخذت أنا هذه التعبئة عن الأتابك آقبغا التمرازى عنه، انتهى. ثم تقدّم العسكران وتصادما فلم يكن إلا أسرع وقت، وكانت الكسرة على تنم، وانهام غالب عسكره من غير قتال، خذلان من الله تعالى، لأنه تقنطر عن فرسه فى أوائل الحرب، فانكسرت عساكره لتقنطره فى الحال ولوقوعه فى الأسر، وقبض عليه وعلى جماعة كبيرة من أعيان أصحابه من أكابر الأمراء والنوّاب، ولقد سألت جماعة من أعيان مماليك تنم ممن كان معه فى الوقعة المذكورة عن سبب تقنطره، فإنه لم يطعنه أحد من العسكر السلطانىّ، فقالوا: كان فى فرسه الذي ركبه شؤم. إما شعر رسل «3» أو تحجيل «4» ، منتهى الوهم متى، قالوا: فكلّمناه فى ذلك ونهيناه عن ركوبه فأبى

إلا ركوبه، وقال: ما خبأته إلا لهذا اليوم، فحالما علا ظهره وحرّكه لينظر حال عسكره ووغل فى القوم تقنطر به، وقد كرّت عساكره إلى نحوه، ولم يلحقه أحد من مماليكه، فظفر به، ولما قبض على تنم قبض معه بعد هزيمة عسكره على الأمير آقبغا الجمالى نائب حلب، ويونس بلطا نائب طرابلس، وأحمد بن الشيخ على نائب صفد كان، وجلبان قراسقل نائب حلب كان، وفارس حاجب الحجاب، وبيغوت وبيرم رأس نوبة أيتمش، وشادى خجا، ومن الطبلخانات والعشرات من أمراء مصر والشام ما ينيف على مائة أمير، وفرّ الأتابك أيتمش والوالد، وأحمد بن يلبغا أمير مجلس كان، وأرغون شاه أمير مجلس، ويعقوب شاه وآقبغا اللّكّاش، وبيخجا المدعو طيغور نائب غزّة كان، وجماعة أخر فى نحو ثلاثة آلاف مملوك، وتوجّهوا إلى دمشق. ولمّا قبض على تنم أنزل فى خيمة وقيّد، ثم شكا العطش وطلب ماء ليشربه، فقام الأمير قطلوبغا الحسنى الكركى وهو يوم ذلك أحد أمراء الطبلخانات وشادّ الشراب خاناه السلطانية، وتناول الكوز وأخذ ششنة «1» على عادة الملوك، ثم سقاه لتنم، وكان لما أمسك تنم ادّعى مملوك من الظاهرية أنه قنطر تنم عن فرسه، وطلب إمرة عشرة، فلمّا بلغ ذلك تنم قال: اطلبوه إلى عندى، فأحضروه، فنظر إليه طويلا ثم قال له: أنت تستأهل إمرة عشرة وغيرها بدون ذلك، إلا أنّ الكذب قبيح، هذا قرقلى «2» إلى الآن علىّ، أين المكان الذي طعنتنى فيه برمحك، أنا ما رمانى إلا الله تعالى، ثم فرسى الأشقر.

وعندما أمسك تنم كتبت البشائر إلى الديار المصرية والبلاد الشاميّة بذلك، ودقّت البشائر، وسار أيتمش ورفقته إلى نحو دمشق حتى وصلوها، فأراد الوالد ويعقوب شاه وجماعة أن يتوجّهوا إلى بلاد التّركمان، حتى يأتيهم أمان من السلطان، وأشاروا على أيتمش بذلك، فامتنع أيتمش من ذلك، وأبى إلّا دخول دمشق، فحال دخولهم إليها وهم فى أشدّ ما يكون من النعب، وقد كلّت خيولهم، ثار عليهم أمراء دمشق، وقبضوا على أيتمش والوالد، وآقبغا اللّكّاش وأحمد بن يلبغا النابلسى، وحبسوا بدار السعادة، وفرّ من بقى، ثم أمسك بعد يومين أرغون شاه ويعقوب شاه، وتتبّع أمراء دمشق بقيّة أصحاب تنم من كلّ مكان حتى قبضوا على جماعة كبيرة منهم. وأمّا يلبغا المحنون فإنه لمّا خرج إليه العسكر من مصر مع آقباى الحاجب، سار آقباى إلى العبّاسة «1» فلم يقف ليلبغا المجنون على خبر، فقيل له إنه سار إلى قطيا «2» ، فنزل آقباى بالعساكر على الصالحية «3» فلم يروا له أثرا، فعادوا إلى القاهرة من غير حرب، وسار ابن سنقر وبيسق نحو بلاد السباخ فلم يجدا أحدا، فعادا إلى عيتا «4» فى يوم الجمعة وأقاما بها، فلم يشعرا إلّا ويلبغا المجنون قد طرقهما وقبض عليهما، وأخذ خطّهما بجملة من المال، فارتجّت القاهرة لذلك، ثم سار يلبغا بعد

أيام، حتى نزل البئر «1» البيضاء، فبعث له بيبرس أمانا، فقبض على من حضر من عند بيبرس وطوّقه من الحديد، فاستعدّ الناس تلك الليلة بالقاهرة لقتاله، وباتوا على أهبة اللقاء، وركب الأمراء بأسرهم من الغد إلى قبّة النصر «2» خارج القاهرة، وصفّوا عسكرهم من الغد، وبعد ساعة أقبل يلبغا المجنون بجموعه فواقعهم عند بساتين المطرية «3» ومعه نحو ثلاثمائة فارس، فيهم واحد من مماليك الوالد يسمى كزل بغا، وصدمهم بمن معه، وقصد القلب، وكان فيه سودون من زادة، وإينال حطب، ونحو ثلاثمائة مملوك من المماليك السلطانية، فأطبق عليه الأمير بيبرس من الميمنة، ومعه يلبغا السّالمىّ الأستادار، وساعدهما إينال باى من قجماس بمن معه من الميسرة، فنقنطر سودون من زادة، وخرق يلبغا المجنون القلب فى عشرين فارسا، وسار إلى الجبل الأحمر، وانكسر سائر من كان معه من الأمراء وغيرهم، فتبعهم العسكر وفى ظنّهم أن يلبغا المجنون فيهم، فأدركوا الأمير تمربغا المنجكى بالزيّات «4» ، وقبضوا عليه، وأخذ طلب يلبغا المجنون من عند خليج الزّعفران فوجدوا فيه ابن سنقر وبيسق الشيخى أمير آخور اللذين كان قبض عليهما يلبغا المجنون بالبئر البيضاء، فأطلقوهما، وعاد العسكر إلى تحت قلعة الجبل، وسار يلبغا المجنون فى عشرين فارسا مع ذيل الجبل إلى تجاه دار الضيافة، فلمّا رأى كثرة من اجتمع من العامّة خاف منهم أن

يرجموه، فقال لهم: أنتم ترجمونى بالحجارة وأنا أرجمكم بالذهب، فدعوا له وتركوه فسار من خلف القلعة ومضى إلى جهة الصعيد من غير أن يعرّف الأمراء، وتوجّه فى نحو المائة فارس، وأخذ خيل والى الفيّوم «1» ، وانضمّ عليه جماعة من العربان. وأمّا السلطان الملك الناصر فإنه لمّا كسر تنم وقبض عليه وعلى جماعة من أصحابه وقيّدهم، أرسل فى الحال سعد الدين إبراهيم بن غراب إلى الشام لتحصيل الإقامات «2» ، ثم ندب السلطان الأمير جكم من عوض رأس نوبة للتوجه إلى دمشق لتقييد الأمير أيتمش ورفقته وإيداعهم بسجن قلعة دمشق، ثم خلع السلطان على الأمير سودون الدوادار المعروف بسيّدى سودون، باستقراره فى نيابة دمشق عوضا عن الأمير تنم الحسنىّ، فسار جكم وفعل ما أمر به، ثم دخل بعده سودون نائب الشام إليها فى ليلة الاثنين ثانى شعبان ومعه الأمير تنم نائب الشام وعشرة أمراء فى القيود، فحبس الجميع بقلعة دمشق، ثم دخل السلطان الملك الناصر بعساكره وأمرائه إلى دمشق من الغد فى يوم الاثنين ثانى شعبان المذكور، فكان لدخوله يوم مشهود، وأوقع ابن غراب الحوطة على حواشى تنم، وعلى الأمير علاء الدين بن الطبلاوى. ثم أصبح السلطان من الغد وخلع على سيّدى سودون بنيابة الشام ثانيا، وعلى الأمير دمرداش المحمّدى نائب حماة باستقراره فى نيابة حلب عوضا عن آقبغا الجمالى الأطروش، وعلى الأمير شيخ المحمودى المؤيّد باستقراره فى نيابة طرابلس عوضا عن يونس «3» بلطا، وعلى الأمير دقماق المحمدى باستقراره

فى نيابة حماة عوضا عن دمرداش المحمدى، وعلى الأمير ألطنبغا العثمانى باستمراره على نيابة صفد، وعلى الأمير جنتمر التركمانى نائب حمص بنيابة بعلبك، وعلى الأمير بشباى من باكى باستقراره حاجب حجّاب دمشق عوضا عن بيخجا المدعوّ طيفور. واستمرّ السلطان بعساكره فى دمشق إلى ليلة الأحد رابع عشر شعبان، فاتّفقت الأمراء المصريون على قتل جماعة من المقبوض عليهم، فذبح فى الليلة المذكورة الأمير الكبير أيتمش البجاسىّ، وجلبان الكمشبغاوى المعروف بقراسقل نائب حلب كان، فى دولة أستاذه الملك الظاهر برقوق، وأرغون شاه البيدمرى الظاهرىّ أمير مجلس كان، وأحمد بن يلبغا العمرى أمير مجلس كان، وابن أستاذ الملك الظاهر برقوق، وآقبغا الطّولوتمرى الظاهرى اللّكّاش أحد أمراء الألوف بالديار المصرية وأمير مجلس، وفارس الأعرج حاجب الحجّاب بالديار المصرية، وكان من الشجعان، وفيه يقول الشيخ المقرئ الأديب شهاب الدين أحمد الأوحدى: [الرجز] يا دهر كم تفنى الكرام عامدا ... هل أنت سبع للورى ممارس أيتمش ربّ العلا صرعته ... ورحت للندب الهمام فارس والأمير يعقوب شاه الظاهرى الحاجب الثانى، وأحد مقدّمى الألوف بالديار المصرية، وبيخجا المدعو طيفور نائب غزّة كان، ثم حاجب حجّاب دمشق، والأمير بيغوت اليحياوى الظاهرى أحد أمراء الطبلخانات، والأمير مبارك المجنون والأمير بهادر العثمانى الظاهرى نائب البيرة، وجميع من قتل من هؤلاء المذكورين من عظماء مماليك الملك الظاهر برقوق، قتلتهم خجداشيّتهم بذنب واحد لأجل الرياسة، ولم يكن فيهم غير ظاهرىّ إلّا الأتابك أيتمش، وهو أيضا ممن أقامه الملك الظاهر برقوق وأنشأه، بل كان اشتراه أيضا فى سلطنته الأولى حسب ما ذكرناه، وكان عند الظاهر بمنزلة عظيمة لسلامة باطنه، ولين جانبه وشيخوخته، فإنه كان

بمعزل عن إثارة الفتن، ويكفيك أن منطاشا لمّا ملك الديار المصريّة بعد خلع الظاهر برقوق، والقبض على الناصرىّ قتل غالب حواشى الملك الظاهر برقوق، وكان أيتمش فى حبسه بقلعة دمشق وهو أتابك العساكر وعظيم دولة برقوق، فلم يتعرّض إليه بسوء، لكونه كان مكفوفا عن الشرور والفتن، إلا هؤلاء القوم، فإنهم لمّا ظفروا بتنم وأصحابه لم يرحموا كبيرا لكبره ولا صغيرا لصغره، ولهذا سلّط الله تعالى بعضهم على بعض، إلى أن تفانوا جميعا. ثم جهّزوا رأس الأتابك أيتمش المذكور، ورأس فارس الحاجب لا غير إلى الديار المصرية، فعلّقتا بباب قلعة الجبل، ثم بباب زويلة أيّاما ثم سلّمتا إلى أهلهما. ثم خلع السلطان الملك الناصر على الأمير يشبك الشعبانى الخازندار باستقراره دوادارا كبيرا عوضا عن سيّدى سودون المنتقل إلى نيابة الشام، واستمر السلطان بدمشق إلى ليلة الخميس رابع شهر رمضان، فقتل فى الليلة المذكورة الأمير تنم الحسنى نائب الشام بمحبسه بقلعة دمشق، وقتل معه الأمير يونس بلطا نائب طرابلس أيضا، خنقا بعد أن استصفيت أموالهما بالعقوبة، ثم سلّما إلى أهلهما، فدفن تنم بتربته التى أنشأها عند ميدان الحصى خارج دمشق، وكان تنم المذكور- رحمه الله- من محاسن الدنيا، وكانت مدة ولايته على دمشق سبع سنين وستة أشهر ونصفا. ولقد أخبرنى بعض مماليك الوالد- رحمه الله- قال: لما حصر تيمورلنك العساكر المصرية بدمشق، كان الوالد يوم ذلك متولّى ثيابة دمشق، وكان مقيما على بعض أبواب دمشق لحفظها، وكان نوروز الحافظىّ على باب آخر، فركب نوروز الحافظى فى بعض الأيام، وأتى الوالد ووقف يحادثه، فكان من جملة كلامه للوالد، يا فلان، انظر عساكر هذا اللعين ما أكثرها، والله لو عاش أستاذنا لما قدر عليه لكثرة عساكره، فتبسّم الوالد وخاشنه فى اللفظ يمازحه، وقال له:

والله لو كان تنم حيّا للقيه من الفرات وهزمه أقبح هزيمة، وإنما عساكرنا الآن مفلولة، وآراؤهم مختلفة، وليس فيهم من يرجع إلى كلامه، فلهذا كان ما ترى. انتهى. ثم دفن يونس بلطا بصالحية «1» دمشق، وكان أيضا ولى نيابة طرابلس نحو ست سنين، ثم قتل جميع من كان من أصحاب أيتمش وتنم، ولم يبق منهم إلا آقبغا الجمالى الأطروش نائب حلب، والوالد أبقى لشفاعة أخته خوند شيرين أم السلطان الملك الناصر فرج فيه، فإنها كانت ألزمت الأمير نوروز الحافظى والأمير يشبك الشعبانىّ بالوالد وحرّضتهما على بقائه، وكان لها يوم ذلك جاه كبير لسلطنة ولدها الملك الناصر، ثم أوصت ولدها الملك الناصر أيضا به، فزاد ذلك فسحة الأجل فأبقى، وأما آقبقا الأطروش فإنه بذل فى إبقائه مالا كبيرا للأمراء فأبقى. ثم خلع السلطان على الأمير بتخاص السّودونى باستقراره فى نيابة الكرك عوضا عن سودون الظريف. ثم خرج السلطان بعساكره وأمرائه من مدينة دمشق فى يوم رابع شهر رمضان صبيحة قتل تنم ويونس يريد الديار المصريّة، وسار حتى نزل غزّة فى ثانى عشر شهر رمضان المذكور، وقتل بغزّة علاء الدين على بن الطبلاوى أحد أصحاب تنم، ثم خرج من غزّة وسار يريد القاهرة حتى وصلها فى سادس عشرين رمضان من سنة اثنتين وثمانمائة، بعد أن زيّنت القاهرة، وفرشت له الشّقاق الحرير من تربة الأمير يونس الدوادار بالصحراء إلى قلعة الجبل، وكان يوم دخوله إلى مصر من الأيام المشهودة، وطلع إلى القلعة وكثرت التهانى بها لمجيئه.

ثم فى ثامن عشرينه أنعم السلطان على الأمير قصلوبغا الكركى الحسنى الظاهرى بإقطاع سيّدى سودون نائب الشام وأنعم على الأمير آقباى الكركى الخازندار بإقطاع شيخ المحمودى المنتقل إلى نيابة طرابلس، وأنعم على الأمير جركس القاسمى المصارع بإقطاع مبارك شاه، وأنعم على الأمير جكم من عوض بإقطاع دقماق المحمدى نائب حماة، والجميع تقادم ألوف، وأنعم السلطان على الأمير الطواشى مقبل الزمّام بإقطاع الطواشى بهادر الشّهابى «1» مقدّم المماليك بعد موته، وأنعم بإقطاع مقبل على الطواشى صواب السعدى المعروف بشنكل، وقد استقرّ مقدّم المماليك بعد موت بهادر المذكور، وأنعم بإقطاع صواب المذكور على الطواشى شاهين الألجائى نائب مقدّم المماليك. ثم قدم على السلطان مملوك الأمير يلبغا المجنون من بلاد الصعيد بكتاب يلبغا المجنون يسأل فى نيابة الوجه القبلى، فرسم السلطان أن يخرج إليه تجريدة من الأمراء وهم: الأمير نوروز الحافظىّ وهو مقدم العسكر المذكور، وبكتمر أمير سلاح، وآقباى الحاجب، وتمراز أمير مجلس، ويلبغا الناصرى، وإينال باى بن قجماس، وأسنبغا الدوادار، وتتمّة ثمانية عشر أميرا، وخرجوا من القاهرة فى ثالث عشر شوّال ومعهم نحو خمسمائة مملوك من المماليك السلطانية. وفى صبيحة يوم خروج العسكر، ورد الخبر على السلطان بأن الأمير محمد بن عمر ابن عبد العزيز الهوّارى حارب يلبغا المجنون، وأنه قبض على أمير على دواداره، وعلى نائب الوجه البحرى، وعلى الأمير إياس الكمشبغاوى الخاصكى، وعلى جماعة من أصحابه، وأن يلبغا المجنون فرّ بعد أن انهزم ونزل إلى البحر بفرسه فغرق، وأنه أخرج من النيل ميتا، فوجدوه قد أكل السمك لحم وجهه، فسر السلطان والأمراء بذلك، وخرج البريد فى الوقت بعود الأمراء المجرّدين إلى القاهرة.

ثم فى ثامن عشره خرج أمير حاج المحمل بيسق الشّيخى أمير آخور الثانى بالمحمل، وكان تكلم الناس بعدم سفر الحاج فى هذه السنة ولم يكن لذلك أصل. ثم ابتدأت الفتنة بين الأمير يشبك الشعبانى الدوادار وبين الأمير سودون من على بك المعروف بطاز الأمير آخور الكبير؛ ووقع بينهما أمور. فلما كان يوم ثامن عشرين شوّال المذكور منع جميع مباشرى الدولة بديار مصر من النزول إلى بيت الأمير يشبك الدوادار، وذلك أن المباشرين بأجمعهم الكبير منهم والصغير كانوا ينزلون فى خدمة يشبك منذ قدم السلطان من دمشق، فعظم ذلك على سودون طاز، وتفاوض معه فى مجلس السلطان فى كفّه عن ذلك، حتى أذعن يشبك فمنعوا، ثم نزلوا إليه على عادتهم، وصاروا جميعا يجلسون عنده من غير أن يقفوا، وكانوا من قبل يقفون على أقدامهم. ثم فى ثانى ذى القعدة ورد الخبر على السلطان من حلب بواقعة الامير دمرداش المحمدى نائب حلب مع السلطان أحمد بن أويس صاحب بغداد والعراق. وخبره أن القان غياث الدين أحمد بن أويس المذكور لما ملك بغداد بعد حضوره إلى الديار المصرية حسب ما تقدّم ذكره فى ترجمة الملك الظاهر برقوق الثانية، فأخذ السلطان أحمد المذكور يسير مع أمرائه ورعيته سيرة سيئة، فركبوا عليه وقاتلوه، وكاتبوا صاحب شيراز «1» فى القدوم عليهم لأخذ بغداد، وخرج ابن أويس منهزما إلى الأمير قرا يوسف يستنجده، فركب معه قرا يوسف وسار إلى بغداد، فخرج إليهما أهل بغداد، وقاتلوهما وكسروهما بعد حروب طويلة، فانهزما إلى شاطئ الفرات، وبعثا يسألان الأمير دمرداش نائب حلب فى نزولهما ببلاد الشام،

ففى الحال استدعى دمرداش دقماق نائب حماة بعساكره إلى حلب فقدم عليه، وخرجا معا فى عسكر كبير وكبسا ابن أويس وقرا يوسف، وهما فى نحو سبعة آلاف فارس، فاقتتلا قتالا شديدا فى يوم الجمعة رابع عشرين شوّال، قتل فيه الأمير جانيبك اليحياوى أتابك حلب، وأسر دقماق المحمدى نائب حماة، وانهزم دمرداش المحمدى نائب حلب، وفرّ فيمن بقى من عسكره إلى حلب، ثم لحقه دقماق بعد أن فدى نفسه بمائة ألف درهم، وحضر الوقعة الأمير سودون من زاده المتوجه بالبشارة إلى البلاد الشامية بسلامة السلطان، وقدم مع ذلك كتب ابن أويس وقرا يوسف على السلطان تتضمن: إنا لم نجئ محاربين، وإنما جئنا مستجيرين مستنجدين بسلطان مصر، على عوائد فضل أبيه الملك الظاهر- رحمه الله- فحاربنا هؤلاء بغتة، فدافعنا عن أنفسنا وإلا كنا هلكنا، فلم يلتفت أهل الدولة إلى كتبهما، وكتبوا إلى نائب الشام بمسيره بعساكر الشام وقتال ابن أويس وقرا يوسف والقبض عليهما وإرسالهما إلى مصر. هذا وخوند شيرين والدة الملك الناصر فرج مستمرّة السعى فى الإفراج عن الوالد من سجنه بقلعة دمشق، إلى أن أجاب الأمراء إلى ذلك وكتب بالإفراج عنه وعن الأمير آقبغا الجمالى الأطروش نائب حلب فى يوم عرفة من محبسهما بقلعة دمشق، وحملا إلى القدس بطالين بها. وبينما القوم فى انتظار ما يرد عليهم من أمر السلطان أحمد بن أويس وقرا يوسف، قدم عليهم الخبر من حلب بنزول تيمور لنك على مدينة سيواس «1» ، وأنه حارب سليمان بن أبى يزيد بن عثمان، فانهزم سليمان المذكور إلى أبيه بمدينة برصا «2» ، ومعه قرا يوسف، وأخذ تيمور سيواس وقتل من أهلها مقتلة عظيمة.

ثم وصلت بعد قليل رسل ابن عثمان إلى الديار المصرية وكتابه يتضمّن اجتماع الكلمة وأن يكون مع السلطان عونا على قتال هذه الطاغية تيمورلنك، ليستريح الإسلام والمسلمون منه، وأخذ يتخضّع ويلحّ فى كتابه على اجتماع الكلمة، فلم يلتفت أحد إلى كلامه، وقالت أمراء مصر يوم ذاك الآن صار صاحبنا، وعندما مات أستاذنا الملك الظاهر برقوق مشى على بلادنا، وأخذ ملطية من عملنا، فليس هو لنا بصاحب، يقاتل هو عن بلاده، ونحن نقاتل عن بلادنا ورعيتنا، وكتب له عن السلطان بمعنى هذا اللفظ، وكان ما قاله أبو يزيد بن عثمان من أكبر المصالح، فانه حدّثنى فيما بعد الأمير أسنباى الظاهرى الزردكاش «1» ، وكان أسره تيمور وحظى عنده وجعله زردكاشه، قال: قال لى تيمورلنك ما معناه: إنه لقى فى عمره عساكر كثيرة وحاربها، لم ينظر فيها مثل عسكرين: عسكر مصر وعسكر ابن عثمان المذكور، غير أن عسكر مصر كان عسكرا عظيما ليس له من يقوم بتدبيره لصغر سن الملك الناصر فرج، وعدم معرفة من كان حوله من الأمراء بالحروب، وعسكر ابن عثمان المذكور، غير أنه كان أبو يزيد صاحب رأى وتدبير وإقدام، لكنه لم يكن له من العساكر من يقوم بنصرته. قلت: ولهذا قلت إن المصلحة كانت تقتضى الصلح مع أبى يزيد بن عثمان المذكور، فإنه كان يصيّر للعساكر المصرية من يدبّرها، ويصيّر لابن عثمان المذكور عساكر مصر مع عساكره عونا، فكان تيمور لا يقوى [على] مدافعتهم، فإن كلا من العسكرين كان يقوى دفعه لولا ما ذكرناه، فما شاء الله كان. وبعد أن كتب لابن عثمان بذلك لم يتأهب أحد من المصريين لقتال تيمور، ولا التفت إلى ذلك، بل كان جل قصد كل أحد منهم ما يوصله إلى سلطنة مصر

ما وقع من الحوادث سنة 803

وإبعاد غيره عنها، ويدع الدنيا تنقلب ظهرا لبطن، فإنه مع ورود هذا الخبر المزعج بلغ السلطان والأمراء أن الأمير قانى باى العلائى الظاهرى أحد أمراء الطبلخانات ورأس نوبة يريد إثارة فتنه، فطلبه السلطان وأمره بلبس التشريف بنيابة غزة، فامتنع من لبسه، فأمر السلطان به فقبض عليه وسلم للأمير آقباى الحاجب، فأخذه ونزل إلى داره وأقام عنده إلى آخر النهار، فاجتمع عليه طائفة من المماليك السلطانية يريدون أخذه من آقباى الحاجب غصبا، فخاف آقباى وطلع به إلى القلعة، فطلب السلطان الأمراء وتشاوروا على قتله «1» ، فاتفقوا على إبقائه فى إمرته ووظيفته. [ما وقع من الحوادث سنة 803] ثم فى خامس عشرين المحرّم من سنة ثلاث وثمانمائة ورد البريد على السلطان من حلب بأخذ تيمور ملطية، ثم وصل من الغد البريد أيضا بوصول أوائل عسكر تيمور لنك إلى مدينة عينتاب، وفى الكتاب: أدركوا المسلمين وإلا هلكوا، فاستدعى السلطان بعد يومين الخليفة والقضاة والأمراء وأعيان الدولة، وعلموا أن تيمور لنك وصلت مقدّمته إلى مرعش وعينتاب، وكان القصد بهذا الجمع أخذ مال التجار إعانة على النفقة فى العساكر، فقال القضاة: أنتم أصحاب الأمر والنهى وليس لكم فيه معارض، وإن كان القصد الفتوى فى ذلك فلا يجوز أخذ مال أحد يخاف على العساكر من الدعاء، فقيل لهم نأخذ نصف الأوقاف من البلاد، نقطعها للأجناد البطّالين، فإن الأجناد «2» قلّت لكثرة الأوقاف، فقال القضاة: وما قدر ذلك؟ ومتى عمدتم على البطّالين فى الحرب، خيف أن يؤخذ الإسلام، وطال الكلام فى ذلك حتى استقر الرأى على إرسال الأمير أسنبغا الدوادار لكشف الأخبار، وتجهيز عساكر الشام إلى جهة تيمور لنك، وسار أسنبغا فى خامس صفر من سنة ثلاث المذكورة على البريد، ووقع التخذيل والتقاعد لاختلاف الكلمة وكثرة الآراء.

هذا وأهل البلاد الشامية فى أمر لا يعلمه إلا الله تعالى، مما داخلهم من الرعب والخوف، وقصد كل واحد أن يرحل من بلده، فمنعه من ذلك حاكم بلده، ووعده بحضور العساكر المصرية والدفع عنهم. ثم بعد أيام قدم البريد بكتاب نائب حلب الأمير دمرداش المحمدى، وصحبته أيضا كتاب أسنبغا الدوادار بأن تيمور نزل على قلعة بهسنا «1» ، بعد ما ملك مدينتها، وأنه مستمر على حصارها، وقد وصلت عساكره إلى عينتاب «2» ، ووصل هذا الخبر إلى مصر رابع عشرين صفر المذكور، فوقع الشروع عند ذلك فى حركة سفر السلطان، ثم علق جاليش السفر فى يوم ثالث شهر ربيع الأوّل، وكان من خبر أسنبغا الدوادار أنه وصل إلى دمشق فى سابع صفر، فقرأ كتاب السلطان فى الجامع «3» الأموى، وهو يتضمن تجهيز العساكر الشامية وخروجهم لقتال تيمور، وقدم فى تاسعه رسول تيمور إلى الشام وعلى يده مطالعات تيمور للمشايخ والقضاة والأمراء، بأنه قدم فى عام أول إلى العراق، يريد أخذ القصاص ممن قتل رسله بالرحبة «4» ، ثم عاد إلى الهند، فبلغه موت الملك الظاهر، فعاد وأوقع بالكرج «5»

ثم قصد الروم «1» لمّا بلغه قلّة أدب هذا الصبىّ سليمان بن أبى يزيد بن عثمان أن يعرك أذنه، فتوجه إليه وفعل بسيواس «2» وغيرها من بلاد الروم ما بلغكم، ثم قصد بلاد مصر ليضرب بها السكة، ويذكر اسمه فى الخطبة، ثم يرجع، وطلب فى الكتاب أن يرسل إليه أطلمش المقبوض عليه من أمرائه قبل تاريخه، فى دولة الملك الظاهر برقوق، وإن لم ترسلوه يصير دماء المسلمين فى ذمتكم، فلم يلتفت سودون نائب الشام إلى كلامه، وأمر بالرسول فوسّط. وتوجه أسنبغا إلى حلب فوجد الأخبار صحيحة؛ فكتب بما رآه وعلمه إلى الديار المصرية صحبة كتاب نائب حلب، فوصلت الكتب المذكورة إلى مصر فى ثالث شهر ربيع الأول؛ وكان ما تضمنته الكتب أن تيمور نزل على بزاعة «3» ظاهر حلب، وقد اجتمع بحلب سائر نوّاب البلاد الشامية، واستحثّ فى خروج السلطان بالعساكر من مصر إلى البلاد الشامية، وأن تيمور لما نزل على بزاعة خرج الأمير شيخ المحمودى نائب طرابلس هو الملك المؤيد وبرز إلى جاليش تيمور لنك فى سبعمائة فارس، والتتار فى نحو ثلاثة آلاف فارس، وترامى الجمعان بالنشاب ثم اقتتلوا ساعة، وأخذ شيخ من التتار أربعة، وعاد كل من الفريقين إلى موضعه، فوسّط الأربعة على أبواب مدينة حلب بحضرة من اجتمع بحلب من النواب، وكان الذي اجتمع بها الأمير سودون نائب الشام بعساكر دمشق وأجنادها وعشيرها،

ونائب طرابلس شيخ المحمودى المذكور بعساكر طرابلس وأجنادها ورجّالتها، ونائب حماة دقماق المحمدى بعساكر حماة وعربانها، ونائب صفد ألطنبغا العثمانى بعساكر صفد وعشيرها، ونائب غزة عمر بن الطحان بعساكرها، فاجتمع منهم بحلب عساكر عظيمة، غير أن الكلمة متفرّقة، والعزائم محلولة لعدم وجود السلطان. انتهى. وكان تيمور لما نزل على عينتاب أرسل رسوله إلى الأمير دمرداش المحمدى نائب حلب يعده باستمراره على نيابة حلب، ويأمره بمسك سودون نائب الشام، فإنه كان قتل رسوله الذي وجهه إلى دمشق قبل تاريخه، فأخذ دمرداش الرسول وأحضره إلى النواب، فأنكر الرسول مسك سودون نائب الشام، وقال لدمرداش: إن الأمير (يعنى تيمور) لم يأت البلاد إلا بمكاتباتك إليه، وأنت تستدعيه أن ينزل على حلب، وأعلمته أن البلاد ليس بها أحد يدفع عنها، فحنق منه دمرداش لمّا سمع منه هذا الكلام، وقام إليه وضربه، ثم أمر به، فضربت رقبته، ويقال: إن كلام هذا الرسول كان من تنميق تيمور لنك ودهائه ومكره ليفرّق بذلك بين العساكر، فعلم الأمراء ذلك، ولم يقع ما قصده، ومن الحليين جماعة يقولون إلى الآن: إنه كاتب تيمور وتقاعد عن القتال. والله أعلم بصحّة ذلك. ثم اجتمع الأمراء والنواب على قتال تيمور، وتهيّأ كل منهم للقائه بعد أن يئسوا من مجيء السلطان وعساكره، لعلمهم بعدم رأى مدبّرى مملكة مصر من الأمراء، ولصغر سن السلطان، وقد فات الأمر وهم فى قلة إلى الغاية بالنسبة إلى عساكر تيمور وجنوده وجموعه، وكان الاليق خروج السلطان من مصر بعساكره ووصوله إلى حلب قبل رحيل تيمور من سيواس، كما فعل الملك الظاهر برقوق- رحمه الله- فبما تقدّم ذكره.

وبينما النواب فى إصلاح شأنهم للقتال، نزل تيمور بعساكره على قرية جيلان «1» ، خارج حلب فى يوم الخميس تاسع شهر ربيع الأوّل وأحاط بمدينة حلب، وأصبح من الغد فى يوم الجمعة، زحف على مدينة حلب وأحاط بسورها، فكانت بين أهل حلب وبينه فى هذين اليومين حروب كثيرة، ومناوشات بالنشّاب والنّفوط والمكاحل، وركب اهل حلب أسوار المدينة وقاتلوه أشدّ قتال، فلما اشرقت الشمس يوم السبت حادى عشره خرج نوّاب الشام بجميع عساكرها، وعامة أهل حلب إلى ظاهر مدينة حلب، وعبأوا الأطلاب والعساكر لقتال تيمور، ووقف سيّدى سودون نائب دمشق بمماليكه، وعساكر دمشق فى الميمنة، ووقف دمرداش نائب حلب بمماليكه، وعساكر حلب فى الميسرة، ووقف بقية النواب فى القلب، وقدّموا أمامهم أهل حلب المشاة، فكانت هذه التعبئة من أيشم «2» التعابئ، هذا مع ادعاء دمرداش بالمعرفة لتعبئة العساكر، وحال وقوف الجميع فى منازلهم زحف تيمور بجيوش قد سدّت الفضاء، وصدم عساكر حلب صدمة هائلة فالتقاه النوّاب وثبتوا لصدمته أوّلا، ثم انكسرت الميسرة، وثبت سودون نائب الشام فى الميمنة، وأردفه شيخ نائب طرابلس وقاتلاه قتالا عظيما، وبرز الأمير عزّ الدين أزدمر أخو الأتابك إينال اليوسفى وولده يشبك بن أزدمر فى عدّة من الفرسان وقد بذلوا نفوسهم فى سبيل الله، وقاتلوا قتالا شديدا وأبلوا بلاء عظيما وظهر عن

أزدمر وولده يشبك من الشجاعة والإقدام ما لعلّه يذكر إلى يوم القيامة، ولم يزل أزدمر يقتحم القوم ويكرّ فيهم إلى أن قتل وفقد خبره فإنه لم يقتل إلّا وهو فى قلب العدوّ، وسقط ولده يشبك بين القتلى وقد أثخنت جراحاته، وصار فى رأسه فقط زيادة على ثلاثين ضربة بالسيف وغيره، سوى ما فى بدنه. ثم أخذ وحمل إلى بين يدى تيمور، فلمّا رأى تيمور ما به من الجراح تعجّب من إقدامه وثباته غاية العجب، وأمر بمداواته، فيما قيل؛ ولم تمض غير ساعة حتى ولّت العساكر الشامية منهزمة يريدون مدينة حلب، وركب أصحاب تيمور أقفيتهم، فهلك تحت حوافر الخيل من البشر ومن أهل حلب وغيرها من المشاة ما لا يدخل تحت حصر، فإن أهل حلب خرجوا منها لقتال تيمور، حتى النساء والصبيان، وازدحم الناس مع ذلك فى دخولهم إلى أبواب المدينة، وداس بعضهم بعضا، حتى صارت الرّمم طول قامة، والناس تمشى من فوقها، وقصد نوّاب المماليك الشامية قلعة «1» حلب وطلعوا إليها، فدخلها معهم خلائق من الحلبيين وكانوا قبل ذلك قد نقلوا إليها سائر أموال الناس بحلب. هذا وقد اقتحم عساكر تيمور مدينة حلب فى الحال، وأشعلوا فيها النّيران وأخذوا فى الأسر والنهب والقتل، فهرب سائر نساء البلد والأطفال إلى جامع «2» حلب وبقية المساجد، فمال أصحاب تيمور عليهن، وربطوهن بالحبال أسرى، ثم وضعوا السيف فى الأطفال، فقتلوهم بأسرهم، وشرعوا فى تلك الأفعال القبيحة على عادتهم، وصار الأبكار تفتضّ من غير تستّر، والمخدّرات يفسق فيهنّ من غير احتشام، بل

يأخذ التّترى الواحدة ويعلوها فى المسجد والجامع بحضرة الجمّ الغفير من أصحابه ومن أهل حلب، فيراها أبوها وأخوها وزوجها وولدها ولا يقدر أن يدفع عنها لقلّة مقدرته، ولشغله بنفسه بما هو فيه من العقوبة والعذاب، ثم ينزل عنها الواحد فيقوم لها آخر وهى مكشوفة العورة. ثم بذلوا السيف فى عامة حلب وأجنادها حتى امتلأت الجوامع والطرقات بالقتلى، وجافت حلب، واستمر هذا من ضحوة نهار السبت إلى أثناء يوم الثلاثاء رابع عشر ربيع الأوّل، هذا والقلعة فى أشدّ ما يكون من الحصار والقتال، وقد نقبها عسكر تيمور من عدّة أماكن، وردم خندقها ولم يبق إلا أن تؤخذ. فتشاور النوّاب والأعيان الذين بالقلعة، فأجمعوا على طلب الأمان، فأرسلوا لتيمور بذلك، فطلب تيمور نزول بعض النوّاب إليه، فنزل إليه دمرداش نائب حلب، فخلع عليه، ودفع إليه أمانا وخلعا إلى النوّاب، وأرسل معه عدّة وافرة من أصحابه إلى قلعة حلب، فطلعوا إليها وأخرجوا النوّاب منها بمن معهم من الأمراء والأعيان، وجعلوا كلّ اثنين فى قيد، وأحضروا الجميع إلى تيمور وأوقفوا بين يديه، فنظر إليهم طويلا وهم وقوف بين يديه ورئيسهم سودون نائب الشام. ثم أخذ يقرّعهم ويوبّخهم ويلوم سودون نائب الشام فى قتله لرسوله، ويكثر له من الوعيد. ثم دفع كلّ واحد منهم إلى من يحتفظ به. ثم سيقت إليه نساء حلب سبايا، وأحضرت إليه الأموال والجواهر والآلات الفاخرة، ففرّقها على أمرائه وأخصّائه، واستمرّ النهب والسبى والقتل بحلب فى كل يوم

مع قطع الأشجار وهدم البيوت وإحراق المساجد، وجافت حلب وظواهرها من القتلى، بحيث صارت الأرض منهم فراشا، لا يجد الشخص مكانا يمشى عليه إلّا وتحت رجليه رمّة قتيل. وعمل تيمور من رءوس المسلمين منائر «1» عدّة مرتفعة من الأرض نحو عشرة أذرع فى دور عشرين ذراعا، حسب ما فيها من رءوس بنى آدم فكان زيادة على عشرين ألف رأس، ولمّا بنيت جعلت الوجوه بارزة يراها من يمرّ بها. ثم رحل تيمور «2» من حلب «3» بعد أن أقام بها شهرا، وتركها خاوية على عروشها، خالية من سكّانها وأنيسها، قد خربت وتعطّلت من الأذان والصلوات، وأصبحت خرابا يبابا مظلمة بالحريق موحشة قفرا، لا يأويها إلّا البوم والرّخم. وسار تيمور قاصدا جهة دمشق، فمرّ بمدينة حماة، وكان أخذها ابنه ميران «4» شاه. وكان من خبرها أن ميران شاه بن تيمور نزل عليها بكرة يوم الثلاثاء رابع عشر شهر ربيع الأوّل المذكور، وأحاط بها بعساكره، بعد أن نهب خارج مدينة حماة، وسبى النساء والأطفال، وأسر الرجال، واستمرّت أيدى أصحابه يفعلون فى النساء

والأبكار تلك الأفعال القبيحة، وخرّبوا جميع ما خرج «1» عن سور المدينة. هذا وقد استعدّ أهل حماة للقتال، وركب الناس سور المدينة، وامتنعوا من تسليم المدينة، وباتوا على ذلك، فلما أصبحوا خادعهم ابن تيمور، ففتحوا له بابا من أبواب المدينة، ودخل ابن تيمور المذكور مدينة حماة ونادى بالأمان؛ فقدم الناس عليه، وقدّموا له أنواع المطاعم، فقبلها منهم، وعزم أن يقيم رجلا من أصحابه عليها، فقيل له: إن الأعيان قد خرجوا منها، فخرج إلى مخيّمه وبات به. ثم رحل يوم الخميس عنها ووعد الناس بخير؛ ومع ذلك فإن قلعة «2» حماة لم يتسلّمها، بل كانت امتنعت عليه. فلما كان ليلة الجمعة نزل أهل القلعة وقتلوا من أصحاب ابن تيمور رجلين كان أقرّهما بالمدينة، فلما بلغ ذلك ابن تيمور رجع إليها واقتحم البلد، وأشعل النار بها، وأخذ أصحابه يقتلون ويأسرون وينهبون حتى صارت كمدينة حلب، غير أنّه كان رفق بأهل حلب، فإنه كان سأل قضاة حلب لمّا صاروا فى أسره عن قتاله، ومن الشهيد [من العسكرين «3» ] ؟ فأجاب محبّ الدين محمد بن محمد بن الشّحنة الحنفىّ «4» بأن قال: سئل رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- عن هذا، فقال: «من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو الشهيد» ، فأعجبه ذلك وحادثهم، فطلبوا منه أن يعفو عن

أهل حلب، ولا يقتل أحدا؛ فأمّنهم جميعا وحلف لهم، فحصل بذلك بعض رفق بالنسبة إلى غيرهم. وأمّا أهل دمشق، فإنه لمّا قدم عليهم الخبر بأخذ حلب، نودى فى الناس بالرحيل من ظاهرها إلى داخل المدينة، والاستعداد لقتال العدوّ المخذول فأخذوا فى ذلك، فقدم عليهم المنهزمون من حماة، فعظم خوف أهلها وهمّوا بالجلاء، فمنعوا من ذلك، ونودى «من سافر نهب» ، فعاد إليها من كان خرج منها، وحصّنت دمشق، ونصبت المجانيق «1» على قلعة دمشق، ونصبت المكاحل «2» على أسوار المدينة، واستعدّوا للقتال استعدادا جيّدا إلى الغاية. ثم وصلت رسل تيمور إلى نائب «3» الغيبة بدمشق ليتسلّموا منه دمشق، فهمّ نائب الغيبة بالفرار، فردّه العامّة ردّا قبيحا، وصاح الناس وأجمعوا على الرحيل عنها، واستغاث النساء والصّبيان، وخرجت النساء حاسرات لا بعرفن أين يذهبن، حتى نادى نائب الغيبة بالاستعداد. وقدم الخبر فى أثناء ذلك بمجيء السلطان إلى البلاد الشاميّة، ففتر عزم الناس عن الخروج من دمشق ما لم يحضر السلطان.

وأمّا أمراء الديار المصريّة فإنه لمّا كان ثامن عشر شهر ربيع الأوّل وهو بعد أخذ تيمور لمدينة حلب بسبعة أيّام، فرقّت الجماكى «1» على المماليك السلطانيّة بسبب السفر. ثم فى عشرينه نودى على أجناد «2» الحلقة بالقاهرة أن يكونوا فى يوم الأربعاء ثانى عشرينه فى بيت الأمير يسك الشّعبانى الدّوادار «3» للعرض عليه. ثم فى خامس عشرينه ورد عليهم الخبر بأخذ تيمور مدينة حلب، وأنه يحاصر قلعتها، فكذّبوا ذلك، وأمسك المخبر وحبس حتى يعاقب بعد ذلك على افترائه، ووقع الشروع فى النفقة، فأخذ كلّ مملوك ثلاثة آلاف وأربعمائة درهم. ثم خرج الأمير سودون من زادة والأمير إينال حطب على الهجن فى ليلة الأربعاء تاسع عشرينه لكشف هذا الخبر. ثم ركب الشيخ سراج الدين عمر البلقينى وقضاة القضاة والأمير آقباى الحاجب «4» ، ونودى بين أيديهم: «5» «الجهاد فى سبيل الله تعالى لعدوّكم الأكبر تيمورلنك، فإنه أخذ البلاد ووصل إلى حلب وقتّل الأطفال على صدور الأمّهات، وأخرب الدّور والجوامع والمساجد، وجعلها إسطبلات للدوابّ، وأنّه قاصدكم، يخرّب

بلادكم، ويقتّل رجالكم؛ فاضطربت القاهرة لذلك، واشتدّ جزع الناس، وكثر بكاؤهم وصراخهم، وانطلقت الألسنة بالوقيعة فى أعيان الدولة. واستهلّ شهر ربيع الآخر «1» ، فلما كان ثالثه قدم الأمير أسنبغا الحاجب «2» وأخبر بأخذ تيمور مدينة حلب وقلعتها باتفاق دمرداش، وحكى ما نزل بأهل حلب من البلاء، وأنه قال لنائب الغيبة بدمشق «3» يخلّى بين الناس وبين الخروج من دمشق، فإن الأمر صعب، [وإن النائب لم يمكّن أحدا من السير «4» ] فخرج السلطان الملك الناصر من يومه من القاهرة ونزل بالرّيدانيّة بأمرائه وعساكره [والخليفة «5» ] والقضاة، وتعيّن الأمير تمراز الناصرىّ أمير مجلس لنيابة الغيبة بالديار المصريّة، وأقام بمصر من الأمراء الأمير جكم من عوض فى عدّة أخر، وأقام الأمير تمراز يعرض أجناد الحلقة، وفى تحصيل ألف فرس وألف جمل، وإرسال ذلك مع من يقع عليه الاختيار من أجناد الحلقة للسّفر. ثم رسم باستقرار الأمير أرسطاى من خجا على رأس نوبة النّوب كان فى نيابة الإسكندريّة «6» بعد موت نائبها فرج الحلبى.

وكان أرسطاى منذ أفرج عنه بطّالا بالإسكندريّة، فوردت عليه الولاية وهو بها، وأخذ الأمير تمراز فى عرض أجناد الحلقة، وتحصيل الخيول والجمال وطلب العربان من الوجه القبلىّ والبحرىّ لقتال تيمور، كلّ ذلك والسلطان بالرّيدانيّة. ثم خرج الجاليش فى بكرة يوم الجمعة ثامن شهر ربيع الآخر، وفيه من أكابر الأمراء مقدّمى الألوف: الأتابك بيبرس، والأمير نوروز الحافظى رأس نوبة الأمراء، والامير بكتمر الركنى أمير سلاح، وآقباى حاجب الحجّاب، ويلبغا الناصرى، وإينال باى بن قجماس، وعدّة أخر من أمراء الطبلخانات والعشرات. ثم رحل السلطان ببقيّة الأمراء والعساكر من الرّيّدانيّة يريد جهة الشام لقتال تيمور لنك، وسار حتى نزل بغزّة فى يوم عشرين من الشهر، واستدعى بالوالد وآقبغا

الجمالىّ الأطروش نائب حلب كان من القدس، وأخلع على الوالد باستقراره فى نيابة دمشق عوضا عن سودون قريب الملك الظاهر برقوق بحكم أسره مع تيمور، وهذه ولاية الوالد على دمشق الأولى. وخلع على الأمير آقبغا الجمالى الأطروش باستقراره فى نيابة طرابلس عوضا عن شيخ المحمودىّ بحكم أسره مع تيمور أيضا، وعلى الأمير تمربغا المنجكى باستقراره فى نيابة صفد عوضا عن ألطنبغا العثمانى بحكم أسره، وعلى طولو «1» من على باشاه باستقراره فى نيابة غزّة عوضا عن عمر بن الطحّان، وعلى صدقة بن الطويل باستقراره فى نيابة القدس، وبعث الجميع إلى ممالكهم. وأما الوالد فإنه قال للسلطان وللأمراء: عندى رأى أقوله، وفيه مصلحة للمسلمين وللسلطان، فقيل له: وما هو؟ فقال: الرأى أن السلطان لا يتحرّك هو ولا عساكره من مدينة غزّة، وأنا أتوجّه إلى دمشق وأحرّض أهلها على القتال، وأحصّنها- وهى بلدة عظيمة لم تنكب من قديم الزمان، وبها ما يكفى أهلها من الميرة «2» سنين، وقد داخل أهلها أيضا من الخوف ما لا مزيد عليه، فهم يقاتلون قتال الموت- وتيمور لا يقدر على أخذها منّى بسرعة، وهو فى عسكر كبير إلى الغاية لا يطيق لمكث بهم بمكان واحد مدّة طويلة، فإما أنه يدع دمشق ويتوجّه نحو السلطان إلى غرّة، فيتوغّل فى البلاد ويصير بين عسكرين، وأظنه لا يفعل ذلك، وإمّا أنه يعود إلى جهة بلاده كالمنهزم من عدم معرفة عساكره

بالبلاد الشامية، وقلّة ما فى طريقه من الميرة لخراب البلاد، ويركب السلطان بعساكره المصرية والشامية أقفية التّمرية إلى الفرات، فيظفر منهم بالغرض وزيادة» ، فاستصوب ذلك جميع الناس، حتى تيمور عند ما بلغه ذلك بعد أخذه دمشق، وما بقى إلا أن يرسم بذلك، تكلّم بعض جهّال الأمراء مع بعض فى السرّ ممّن عنده كمين من الوالد من واقعة أيتمش وتنم، وقال: تقتلوا رفقته وتسلّموه الشام، والله ما قصده إلّا أن يتوجّه إلى دمشق، ويتّفق مع تيمور ويعود يقاتلنا، حتى ياخذ منّا ثأر رفقته، وكان نوروز الحافظى بإزاء الوالد، فلمّا سمع ذلك استحيا أن يبديه للوالد، فأشار إليه بالسّكات والكفّ عن ذلك، وانفضّ المجلس، وخرج الوالد من الخدمة وأصلح شأنه، وتوجّه إلى دمشق، فوجد الأمير دمرداش نائب حلب قد هرب من تيمور وقدم إلى دمشق، وقد جفل أهل دمشق لمّا بلغهم قرب تيمور إلى دمشق فأخذ الوالد فى إصلاح أمر «2» دمشق، فوجد أهلها فى غاية الاستعداد، وعزمهم قتال تيمور إلى أن يفنوا جميعا، فتأسّف عند ذلك على عدم قبول السلطان لرأيه ولم يسعه إلّا السّكات. ثم رحل جاليش السلطان من غزّة فى رابع عشرين شهر ربيع الآخر، ثم رحل السلطان ببقيّة عسكره من غزّة فى سادس عشرينه، وسار الجميع حتى وافوا دمشق. وكان دخول السلطان دمشق فى يوم الخميس سادس جمادى الأولى، وكان لدخوله يوم مهول من كثرة صراخ الناس وبكائهم والابتهال إلى الله بنصرته، وطلع السلطان إلى قلعة دمشق وأقام بها إلى يوم السبت ثامنه، فنزل من قلعة دمشق

وخرج بعساكره إلى مخيّمه عند قبة «1» يلبغا ظاهر دمشق، وتهيّأ للقاء تيمور هو بعساكره وقد قصّرت المماليك الظاهريّة أرماحهم حتى يتمكّنوا من طعن التّمرية أولا بأوّل لازدرائهم عساكر تيمور. فلما كان وقت الظهر من اليوم المذكور وصل جاليش تيمور من جهة جبل الثّلج «2» فى نحو الألف فارس، فبرز إليهم مائة فارس من عسكر السلطان وصدموهم صدمة واحدة، بدّدوا شملهم وكسروهم أقبح كسرة، وقتلوا منهم جماعة كبيرة وعادوا. ثم حضر إلى طاعة السلطان جماعة من التمريّة وأخبروا بنزول تيمور على البقاع «3» العزيزى فلتكونوا على حذر، فإن تيمور كثير الحبل والمكر، فاحترز القوم منه غاية الاحتراز.

ثم قدم على السلطان خمسة أمراء من أمراء طرابلس بكتاب أسندمر نائب الغيبة بطرابلس يتضمّن أن الأمير أحمد بن رمضان أمير التركمان هو وابن صاحب الباز «1» وأولاد شهرى اتّفقوا وساروا إلى حلب وأخذوها من التمريّة، وقتلوا من أصحاب تيمور زيادة على ثلاثة آلاف فارس، وأن تيمور بعث عسكرا إلى طرابلس، فثار بهم أهل القرى وقتلوهم عن آخرهم بالحجارة لدخولهم بين جبلين، وأنه قد حضر من عسكر تيمور خمسة نفر، وأخبروا بأن نصف عسكر تيمور على نيّة المسير إلى طاعة السلطان. وكان ذلك من مكايد تيمور، ثم قال: وإن صاحب قبرص «2» وصاحب الماغوصة «3» وغيرهم وردت كتبهم بانتظار الإذن لهم فى تجهيز المراكب فى البحر لقتال تيمور معاونة للسلطان، فلم يلتفت أحد لهذا الكتاب، وداموا على ما هم فيه من اختلاف الكلمة. ثم فى يوم السبت نزّل تيمور بعساكره على قطنا «4» ، فملأت عساكره الأرض كثرة، وركب طائفة منهم لكشف الخبر، فوجدوا السلطان والأمراء قد تهيّئوا للقتال وصفّت العساكر السلطانيّة، فبرز إليهم التمريّة وصدموهم صدمة هائلة، وثبت كلّ من العسكرين ساعة، فكانت بينهم وقعة انكسر فيها ميسرة السلطان، وانهزم

العسكر الغزّاوىّ وغيرهم إلى ناحية حوران «1» ، وجرح جماعة، وحمل تيمور بنفسه حملة «2» شديدة ليأخذ فيها دمشق، فدفعته ميمنة السلطان بأسنان الرماح حتى أعادوه إلى موقفه. ونزل كلّ من العسكر بن بمعسكره، وبعث تيمور إلى السلطان فى طلب الصلح وإرسال أطلمش أحد أصحابه إليه، وأنه هو أيضا يبعث من عنده من الأمراء المقبوض عليهم فى وقعة حلب، فأشار الوالد ودمرداش وقطلوبغا الكركى فى قبول ذلك لما يعرفوا من اختلاف كلمتهم، لا لضعف عسكرهم، فلم يقبلوا وأبوا إلّا القتال. ثم أرسل تيمور رسولا آخر فى طلب الصّلح، وكرّر القول ثانيا، وظهر للأمراء ولجميع العساكر صدق مقالته، وأن ذلك على حقيقته، فأبى الأمراء ذلك، هذا «3» والقتال مستمرّ بين الفريقين فى كلّ يوم. فلما كان ثانى عشر جمادى الآخرة اختفى من أمراء مصر والمماليك السلطانيّة جماعة، منهم الأمير سودون الطيّار، وقانى باى العلائى رأس نوبة، وجمق، ومن الخاصكيّة يشبك العثمانى وقمش «4» الحافظى وبرسبغا الدوادار وطرباى فى جماعة أخر، فوقع الاختلاف عند ذلك بين الأمراء، وعادوا إلى ما كانوا عليه من التشاحن فى الوظائف والإقطاعات والتحكّم فى الدولة، وتركوا أمر تيمور كأنه لم يكن، وأخذوا فى الكلام فيما بينهم بسبب من اختفى من الأمراء وغيرهم.

هذا وتيمور فى غاية الاجتهاد فى أخذ دمشق وفى عمل الحيلة فى ذلك. ثم أعلم بما الأمراء فيه، فقوى أمره واجتهاده، بعد أن كان عزم على الرحيل، واستعدّ لذلك. ثم أشيع بدمشق أن الأمراء الذين اختفوا توجّهوا جميعا إلى مصر ليسلطنوا الشيخ لاچين الچركسى أحد الأجناد البرّانيّة؛ فعظم ذلك على مدبّرى المملكة لعدم رأيهم، وكان ذلك عندهم أهمّ من أمر تيمور، واتّفقوا فيما بينهم على أخذ السلطان الملك الناصر جريدة «1» ، وعوده إلى الديار المصرية فى الليل، ولم يعلموا بذلك إلّا جماعة يسيرة، ولم يكن أمر لاچين يستحقّ ذلك، بل كان تمراز نائب الغيبة بمصر يكفى السلطان أمرهم، وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا. فلما كان آخر ليلة الجمعة حادى عشرين جمادى الأولى «2» ركب الأمراء وأخذوا السلطان الملك الناصر فرج على حين غفلة، وساروا به من غير أن يعلم العسكر به من على عقبة «3» دمّر يريدون الديار المصرية، وتركوا العساكر والرعيّة من المسلمين غنما بلا راع، وجدّوا فى السير ليلا ونهارا حتى وصلوا إلى مدينة صفد، فاستدعوا نائبها الأمير تمربغا المنجكى وأخذوه معهم «4» ، وتلاحق بهم كثير من أرباب الدولة وأمرائها، وسار الجميع حتى أدركوا الأمراء الذين ساروا إلى مصر- عليهم

من الله ما يستحقّوه- بمدينة غزّة، فكلّموهم فيما فعلوه، فاعتذروا بعذر غير مقبول فى الدنيا والآخرة؛ فندم عند ذلك الأمراء على الخروج من دمشق حيث لا ينفع الندم، وقد تركوا دمشق أكلة لتيمور، وكانت يوم ذاك أحسن مدن الدنيا وأعمرها. وأما بقيّة أمراء مصر وأعيانها من القضاة وغيرهم لمّا علموا بخروج السلطان من دمشق خرجوا فى الحال فى إثره طوائف طوائف يريدون اللّحاق بالسلطان، فأخذ غالبهم العشير، وسلبوهم «1» ، وقتلوا منهم خلقا كثيرا. أخبرنى غير واحد من أعيان المماليك الظاهرية قالوا: لما بلغنا خروج السلطان ركبنا فى الحال، غير أنه لم يعقنا عن اللّحاق به إلا «2» كثرة السلاح الملقى على الأرض بالطريق ممارمتها المماليك السلطانيّة ليخفّ ذلك عن خيولهم، فمن كان فرسه ناهضا خرج، وإلّا لحقه أصحاب تيمور وأسروه، فممّن أسروه قاضى القضاة صدر الدين المناوىّ «3» ومات فى الأسر حسبما يأتى ذكره فى الوفيات «4» وتتابع دخول المنقطعين من المماليك السلطانيّة وغيرهم إلى القاهرة فى أسوإ حال من المشى

والعرى والجوع، فرسم السلطان لكلّ من المماليك السلطانية المذكورين بألف درهم وجامكيّة شهرين. وأمّا الأمراء فإنهم دخلوا إلى مصر وليس مع كلّ أمير سوى مملوك أو مملوكين، وقد تركوا أموالهم وخيولهم وأطلابهم وسائر ما معهم بدمشق؛ فإنهم خرجوا من دمشق بغتة بغير مواعدة لمّا بلغهم توجّه السلطان من دمشق، وأخذ كلّ واحد ينجو بنفسه. وأما العساكر الّذين خلّفوا بدمشق من أهل دمشق وغيرها، فإنه كان اجتمع بها خلائق كثيرة من الحلبيّين والحمويّين والحمصيّين وأهل القرى ممّن خرج جافلا من تيمور. ولمّا أصبحوا يوم الجمعة وقد فقدوا السلطان والأمراء والنائب غلّقوا أبواب دمشق، وركبوا أسوار البلد، ونادوا بالجهاد، فتهيّأ أهل دمشق للقتال، وزحف عليهم تيمور بعساكره، فقاتله الدمشقيون من أعلى السور أشدّ قتال، وردّوهم عن السور والخندق، وأسروا منهم جماعة ممن كان اقتحم باب دمشق، وأخذوا من خيولهم عدّة كبيرة، وقتلوا منهم نحو الألف، وأدخلوا رءوسهم إلى المدينة، وصار أمرهم فى زيادة فأعيا تيمور أمرهم، وعلم أن الأمر يطول عليه، فأخذ فى مخادعتهم، وعمل الحيلة فى أخذ دمشق منهم. وبينما أهل دمشق فى أشدّ ما يكون من القتال والاجتهاد فى تحصين بلدهم، قدم عليهم رجلان من أصحاب تيمور من تحت السور وصاحا من بعد: «الأمير يريد الصلح، فابعثوا رجلا عاقلا حتى يحدّثه الأمير فى ذلك» .

قلت: هذا الذي كان أشار إليه الوالد عند استقراره بغزّة فى نيابة دمشق، وقوله: إن أهل دمشق عندهم قوّة لدفع تيمور عن دمشق، وأن دمشق بلد كثيرة الميرة والرّزق، وهى فى الغاية من التحصين، وأنه يتوجّه إليها ويقاتل بها تيمور، فلم يسمع له أحد فى ذلك، فلعمرى لو رأى من لا أعجبه «1» كلام الوالد قتال أهل دمشق الآن وشدّة بأسهم وهم بغير نائب ولا مدبّر لأمرهم، فكيف ذاك لو كان عندهم متولّى أمرهم بمماليكه وأمراء دمشق وعساكرها بمن انضاف إليهم لكان يحق له الندم والاعتراف بالتقصير. انتهى. ولما سمع أهل دمشق كلام أصحاب تيمور فى الصلح وقع اختيارهم فى إرسال قاضى القضاة تقى الدّين إبراهيم بن [محمد بن «2» ] مفلح الحنبلى، فأرخى من سور دمشق إلى الأرض، وتوجّه إلى تيمور واجتمع به وعاد إلى دمشق، وقد خدعه تيمور بتنميق كلامه، وتلطّف معه فى القول، وترفق له فى الكلام، وقال له: هذه بلدة الأنبياء والصحابة، وقد أعتقتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة عنّى وعن أولادى، ولولا حنقى من سودون نائب دمشق عند قتله لرسولى ما أتيتها، وقد صار سودون المذكور فى قبضتى وفى أسرى، وقد كان الغرض فى مجيئى إلى هنا، ولم يبق لى الآن غرض إلا العود، ولكن لا بدّ من أخذ عادتى من التّقدمة من الطّقزات. وكانت هذه عادته إذا أخذ مدينة صلحا يخرج إليه [أهلها «3» ] من كل نوع من أنواع المأكول والمشروب والدوابّ والملابس والتّحف تسعة؛ يسمّون ذلك طقزات، والطّقز باللّغة التركيّة: تسعة، وهذه عادة ملوك التتار إلى يومنا هذا.

فلما صار ابن مفلح بدمشق شرع يخذّل الناس عن القتال ويثنى على تيمور ودينه وحسن اعتقاده ثناء عظيما، ويكفّ أهل دمشق عن قتاله، فمال معه طائفة من الناس، وخالفه طائفة أخرى وأبوا إلّا قتاله، وباتوا ليلة السبت على ذلك، وأصبحوا نهار السّبت وقد غلب رأى ابن مفلح على من خالفه، وعزم على إتمام الصلح، ونادى فى الناس: إنه من خالف ذلك قتل وهدر دمه؛ فكفّ الناس عن القتال. وفى الحال قدم رسول تيمور إلى مدينة دمشق فى طلب الطقزات المذكورة، فبادر ابن مفلح، واستدعى من القضاة والفقهاء والأعيان والتجار، حمل ذلك كلّ أحد بحسب حاله، فشرعوا فى ذلك حتى كمل، وساروا به إلى باب النصر «1» ليخرجوا به إلى تيمور، فمنعهم نائب قلعة دمشق من ذلك، وهدّدهم بحريق المدينة عليهم إن فعلوا ذلك، فلم يلتفتوا إلى قوله، وقالوا له: [أنت «2» ] احكم على قلعتك، ونحن نحكم على بلدنا، وتركوا باب النصر وتوجهوا، وأخرجوا الطقزات المذكورة من السور، وتدلّى ابن مفلح من السور أيضا ومعه كثير من أعيان دمشق وغيرهم وساروا إلى مخيّم تيمور، وباتوا به ليلة الأحد، وعادوا بكرة الأحد، وقد استقرّ تيمور بجماعة منهم فى عدّة وظائف: ما بين قضاة القصاة، والوزير، ومستخرج الأموال، ونحو ذلك، معهم فرمان من تيمور لهم، وهو ورقة فيها تسعة أسطر يتضمّن أمان أهل دمشق على أنفسهم

وأهليهم خاصّة؛ فقرئ الفرمان المذكور على منبر جامع بنى أمية بدمشق، وفتح من أبواب دمشق باب الصغير «1» فقط، وقدم أمير من أمراء تيمور، جلس فيه ليحفظ البلد ممّن يعبر إليها من عساكر تيمور، فمشى ذلك على الشاميّين وفرحوا به، وأكثر ابن مفلح ومن كان توجّه معه من أعيان دمشق الثّناء على تيمور وبثّ محاسنه وفضائله، ودعا العامّة لطاعته وموالاته، وحثّهم بأسرهم على جمع المال الّذى تقرّر لتيمور عليهم، وهو ألف ألف دينار، وفرض ذلك على الناس كلّهم، فقاموا به من غير مشقّة لكثرة أموالهم، فلمّا كمل المال حمله ابن مفلح إلى تيمور ووضعه بين يديه، فلمّا عاينه غضب غضبا شديدا، ولم يرض به، وأمر ابن مفلح ومن معه أن يخرجوا عنه، فأخرجوا من وجهه، ووكّل بهم جماعة حتى التزموا بحمل ألف تومان، والتومان عبارة عن عشرة آلاف دينار [من الذّهب «2» ] ، إلّا أنّ سعر الذهب عندهم يختلف، وعلى كلّ حال فيكون جملة ذلك عشرة آلاف ألف دينار، فالتزموا بها، وعادوا إلى البلد، وفرضوها ثانيا على الناس [كلّها «3» ] عن أجرة أملاكهم ثلاثة أشهر، وألزموا كلّ إنسان من ذكر وأنثى حرّ وعبد بعشرة دراهم، وألزم

مباشر كلّ وقف «1» بحمل مال له جرم، فنزل بالناس باستخراج هذا منهم ثانيا بلاء عظيم، وعوقب كثير منهم بالضّرب «2» ، فغلت الأسعار، وعزّ وجود الأفوات، وبلغ المدّ القمح- وهو أربعة أقداح- إلى أربعين درهما فضّة، وتعطّلت صلاة الجمعة» من دمشق فلم تقم بها جمعة إلّا مرتين حتى دعى بها على منابر دمشق للسلطان محمود ولولىّ عهده ابن الأمير «4» تيمور لنك، وكان السلطان محمود مع تيمور آلة، كون عادتهم لا يتسلطن عليهم إلّا من يكون من ذرّية الملوك. انتهى. ثم قدم شاه ملك أحد أمراء تيمور إلى مدينة دمشق على أنه نائبها من قبل تيمور. ثمّ بعد جمعتين منعوا من إقامة الجمعة بدمشق لكثرة غلبة أصحاب تيمور بدمشق، كلّ ذلك ونائب القلعة ممتنع بقلعة دمشق، وأعوان تيمور تحاصره أشدّ حصار، حتى سلّمها بعد تسعة وعشرين يوما، وقد رمى عليها بمدافع ومكاحل لا تدخل تحت حصر، يكفيك أن التمريّة من عظم ما أعياهم أمر قلعة دمشق بنوا تجاه القلعة قلعة من خشب، فعند فراغهم من بنائها وأرادوا طلوعها

ليقاتلوا من أعلاها من هو بالقلعة، رمى أهل قلعة دمشق نفطا فأحرقوها عن آخرها، فأنشئوا قلعة ثانية أعظم من الأولى «1» وطلعوا عليها وقاتلوا أهل القلعة. هذا وليس بالقلعة المذكورة من المقاتلة إلّا نفر يسير «2» دون الأربعين نفرا، وطال عليهم الأمر، ويئسوا من النّجدة، وطلبوا الأمان، وسلّموها بالأمان. قلت: لا شلّت يداهم! هؤلاء هم الرجال الشجعان. رحمهم الله تعالى. ولما تكامل حصول المال الذي هو ألف تومان، أخذه ابن مفلح وحمله إلى تيمور؛ فقال تيمور لابن مفلح وأصحابه: هذا المال بحسابنا إنما هو يسوى ثلاثة آلاف ألف دينار، وقد بقى عليكم سبعة آلاف ألف دينار، وظهر لى أنكم عجزتم. وكان تيمور لما اتفق أوّلا مع ابن مفلح على ألف ألف دينار يكون ذلك على أهل دمشق خاصة، والذي تركته العساكر المصرية من السلاح والأموال يكون لتيمور، فخرج إليه ابن مفلح بأموال اهل مصر جميعها «3» ، فلما صارت كلها إليه وعلم أنه استولى على أموال المصريين ألزمهم بإخراج أموال الذين فرّوا من دمشق، فسارعوا أيضا إلى حمل ذلك كله، وتدافعوا عنده حتى خلص المال جميعه، فلما

كمل ذلك ألزمهم أن يخرجوا إليه جميع ما فى البلد من السلاح جليلها وحقيرها، فتتبّعوا ذلك وأخرجوه له حتى لم يبق بها من السلاح شىء، فلمّا فرغ ذلك كلّه قبض على ابن مفلح ورفقته، وألزمهم أن يكتبوا له جميع خطط دمشق وحاراتها وسككها، فكتبوا ذلك ودفعوه إليه، ففرّقه على أمرائه، وقسم البلد بينهم، فساروا إليها بمماليكهم وحواشيهم، ونزل كلّ أمير فى قسمه وطلب من فيه، وطالبهم بالأموال، فحينئذ حلّ بأهل دمشق من البلاء ما لا يوصف، وأجرى عليهم أنواع العذاب من الضّرب والعصر والإحراق بالنار، والتعليق منكوسا، وغمّ «1» الأنف بخرقة فيها تراب ناعم كلّما تنفّس دخل فى أنفه حتى تكاد نفسه تزهق، فكان الرجل إذا أشرف على الهلاك يخلّى عنه حتى يستريح، ثم تعاد عليه العقوبة أنواعا، فكان المعاقب يحسد رفيقه الّذى هلك تحت العقوبة على الموت، ويقول: ليتنى أموت وأستريح مما أنا فيه، ومع هذا كلّه تؤخذ نساؤه وبناته وأولاده الذكور، وتقسم جميعهم على أصحاب ذلك الأمير، فيشاهد الرجل المعذّب امرأته أو بنته وهى توطأ، وولده وهو يلاط به، يصرخ «2» هو من ألم العذاب، والبنت والولد يصرخان من إزالة البكارة واللّواط، وكل ذلك من غير تستّر فى النهار بحضرة الملأ من الناس. ورأى أهل دمشق أنواعا من العذاب لم يسمع بمثلها؛ منها أنهم كانوا يأخذون الرجل فتشدّ رأسه بحبل ويلويه «3» حتى يغوص فى رأسه، ومنهم من كان يضع الحبل بكتفى الرجل ويلويه بعصاه حتى تنخلع الكتفان، ومنهم من كان يربط إبهام يدى المعذّب من وراء ظهره ثم يلقيه على ظهره ويذرّ فى منخريه

الرّماد مسحوقا، فيقرّ على «1» ما عنده شيئا بعد شىء، حتى إذا فرغ ما عنده لا يصدّقه صاحبه على ذلك، فلا يزال يكرّر عليه العذاب حتى يموت، ويعاقب ميّتا مخافة أن يتماوت. ومنهم من كان يعلّق المعذّب بإبهام يديه فى سقف الدار ويشعل النار تحته، ويطول تعليقه، فربمّا يسقط فيها، فيسحب من النار ويلقوه على الأرض حتى يفيق، ثم يعلّقه ثانيا. واستمرّ هذا البلاء والعذاب بأهل دمشق تسعة عشر يوما، آخرها يوم الثلاثاء ثامن عشرين شهر رجب من سنة ثلاث وثمانمائة، فهلك فى هذه المدّة بدمشق بالعقوبة والجوع خلق لا يعلم عددهم إلّا الله تعالى. فلما علمت أمراء تيمور أنه لم يبق بالمدينة شىء خرجوا إلى تيمور، فسألهم: هل بقى لكم تعلّق فى دمشق؟ فقالوا: لا؛ فأنعم عند ذلك بمدينة دمشق على أتباع الأمراء فدخلوها يوم الأربعاء آخر رجب، ومعهم سيوف مسلولة مشهورة وهم مشاة، فنهبوا ما قدروا عليه من آلات الدّور وغيرها، وسبوا نساء دمشق بأجمعهنّ، وساقوا الأولاد والرجال، وتركوا من الصغار من عمره خمس سنين فما دونها، وساقوا الجميع مربوطين فى الحبال. ثم طرحوا النار فى المنازل والدّور والمساجد، وكان يوم عاصف الريح، فعمّ الحريق جميع البلد حتى صار لهيب النار يكاد أن يرتفع إلى السحاب، وعملت النار فى البلد ثلاثة أيّام بلياليها آخرها يوم الجمعة. وكان تيمور- لعنه الله- سار من دمشق فى يوم السبت ثالث شهر شعبان «2» بعد ما أقام على دمشق ثمانين يوما، وقد احترقت كلّها وسقطت سقوف جامع بنى أميّة

من الحريق، وزالت أبوابه وتفطّر رخامه، ولم يبق غير جدره قائمة. وذهبت مساجد دمشق ودورها وقياسرها «1» وحمّاماتها وصارت أطلالا بالية ورسوما خالية، ولم يبق بها [دابة تدبّ «2» ] إلّا أطفال يتجاوز عددهم [آلاف «3» ] فيهم من مات، وفيهم من سيموت من الجوع. وأمّا السلطان [الملك الناصر «4» فرج] فإنّه أقام بغزّة ثلاثة أيام، وتوجّه إلى الدّيار المصريّة بعد ما قدم بين يديه آقبغا الفقيه أحد الدوادارية، فقدم إلى القاهرة فى يوم الاثنين ثانى جمادى الآخرة، وأعلم الأمير تمراز نائب الغيبة بوصول السلطان إلى غزّة، فارتجّت القاهرة، وكادت عقول الناس تزهق، وظنّ كلّ أحد أن السلطان قد انكسر من تيمور، وأنّ تيمور فى أثره، وأخذ كلّ أحد يبيع ما عنده ويستعدّ للهروب من مصر، وغلا أثمان ذوات الأربع حتى جاوز المثل أمثالا. فلما كان يوم الخميس خامس جمادى الآخرة المذكور قدم السلطان إلى قلعة الجبل ومعه الخليفة وأمراء الدولة ونوّاب البلاد الشامية، ونحو ألف مملوك من المماليك السلطانية، وقيل نحو الخمسمائة. ثم فى يوم السبت سابع جمادى الآخرة المذكور أنعم السلطان على الوالد بإمرة مائة، وتقدمة «5» ألف بالدّيار المصريّة كانت موفّرة فى الديوان السلطانىّ، بعد استعفائه

من نيابة دمشق، وعيّن السلطان لنيابة «1» دمشق آقبغا الجمالى الأطروش، ورسم للوالد أن يجلس رأس ميسرة «2» . ثم أذن السلطان للأمير يلبغا السالمىّ الأستادار «3» أن يتحدّث فى جميع ما يتعلّق بالمملكة، وأن يجهّز العسكر إلى دمشق لقتال تيمور، فشرع يلبغا السالمى المذكور فى تحصيل الأموال، وفرض على سائر أراضى مصر فرائض من إقطاعات الأمراء، وبلاد السلطان، وأخباز الأجناد «4» ، وبلاد الأوقاف عن عبرة كلّ ألف دينار خمسمائة درهم فضّة وفرس. ثم جبى من سائر أملاك القاهرة ومصر وظواهر هما أجرة شهر، حتى إنه كان يقوّم على الإنسان داره التى يسكنها، ويؤخذ منه أجرتها، وأخذ من الرزق، وهى الأراضى التى يأخذ مغلّها قوم على سبيل البرّ والصدقة عن كل فدّان عشرة دراهم، وكان يوم ذاك أجرة الفدّان من ثلاثين درهما إلى ما دونها. قلت: أخذ نصف خراجها بدورة دارها، وأخذ من الفدّان القصب أو القلقاس أو النّيلة من القنطار مائة درهم، وهى نحو أربعة دنانير، وجبى من البساتين عن كلّ فدان مائة درهم.

ثم استدعى أمناء «1» الحكم والتجّار وطلب منهم المال على سبيل القرض، وصار يكبس الفنادق والحواصل فى الليل، فمن وجده «2» حاضرا فتح مخزنه وأخذ نصف ما يجده فيه من النقد، وهى الذهب والفضّة والفلوس، وإذا لم يجد صاحب المال أخذ جميع ما يجده من النقود وهى الذهب والفضة والفلوس، وأخذ جميع ما وجد من حواصل الأوقاف، ومع ذلك فإن الصّيرفىّ يأخذ عن كل مائة درهم ثلاثة دراهم «3» ، ويأخذ الرسول الذي يحضر المطلوب ستة دراهم، وإن كان نقيبا أخذ عشرة دراهم؛ قاله الشيخ تقىّ الدين المقريزى رحمه الله، قال: فاشتدّ ما بالناس، وكثر دعاء الناس على السالمىّ. قلت: وبالجملة فهم أحسن حالا من أهل دمشق، وإن أخذ منهم نصف مالهم، وأيش «4» يعمل السالمىّ! مسكين، وقد ندبه السلطان لإخراج عسكر ثان من الديار المصرية لقتال تيمور. انتهى. ثمّ خلع السلطان على الأمير نوروز الحافظى وعلى الأمير يشبك الشعبانى، واستقرّا مشيرى الدّولة ومدبّرى أمورها. ثمّ فى ثالث عشره خلع على القاضى أمين الدين عبد الوهاب بن قاضى القضاة شمس الدين محمد الطرابلسى [قاضى العسكر باستقراره «5» ] قاضى قضاة الحنفية بالديار المصرية بعد موت قاضى القضاة جمال الدين يوسف الملطى، وعلى القاضى

جمال الدين عبد الله الأقفهسى «1» باستقراره قاضى قضاة المالكيّة بالديار المصرية عوضا عن القاضى نور الدين علىّ بن الجلال بحكم وفاته. وفيه قدم من الشام من المماليك المنقطعين ثلثمائة مملوك بأسوإ حال: من المشى والعرى والجوع. ثم فى حادى عشرينه حضر إلى القاهرة قاضى القضاة موفّق الدين أحمد بن نصر الله الحنبلىّ من دمشق بأسوإ حال، وقدم أيضا قاضى قضاة دمشق علاء الدين على بن أبى البقاء الشافعىّ، وحضر كتاب تيمور لنك للسلطان على يد بعض المماليك السلطانيّة يتضمّن طلب أطلمش «2» ، وأنه إذا قدم عليه أرسل من عنده من الأمراء والنوّاب وغيرهم، وقاضى القضاة صدر الدين المناوى الشافعى، ويرحل عن دمشق، فطلب أطلمش من البرج بالقلعة، وأطلق وأنعم عليه بخمسة آلاف درهم، وأنزل عند الأمير سودون طاز الأمير آخور الكبير، وعيّن للسفر معه قطلوبغا «3» العلائى، والأمير محمد بن سنقر. ثم خرج إلى تيمور الأمير بيسق الشيخى الأمير آخور رسولا من السلطان بالإفراج عن أطلمش وأشياء أخر، هذا ويلبغا السالمى يجدّ فى تحصيل الأموال، وأخذ فى عرض أجناد الحلقة، وألزم من كان منهم «4» قادرا على السفر بالخروج إلى الشام لقتال تيمور، وألزم العاجز عن السفر بحضور بديل، أو تحصيل نصف مغلّه

فى السّنة، وألزم أرباب الغلال المحضّرة للبيع فى المراكب بسواحل القاهرة أن يؤخذ منهم عن كلّ إردب درهم [وأن «1» يؤخذ من كلّ مركب من المراكب التى تسير «2» فيها الناس مائة درهم] . ثم «3» فى يوم الثلاثاء أوّل شهر رجب أمر السالمىّ أن تضرب دنانير «4» مازنة الدينار مائة مثقال ومثقال، ومنها ما زنته تسعون مثقالا ومثقال، ثم ما دون ذلك، إلى أن وصل منها دينار زنته عشرة مثاقيل، فضرب من ذلك جملة دنانير. ثم فى ثالثه خلع السلطان على علم الدين يحيى بن أسعد المعروف بأبى كمّ باستقراره وزيرا بديار مصر عوضا عن فخر الدين ماجد بن غراب. ثم ورد الخبر أن دمرداش المحمّدى نائب حلب تخلّص من تيمور، وجمع جموعا من التركمان، وأخذ حلب وقلعتها» من التمريّة، وقتل منهم جماعة كبيرة. ثم خلع السلطان على شاهين الحلبى نائب مقدّم المماليك باستقراره فى تقدمة المماليك السلطانية عوضا عن صواب المعروف بچنكل، واستقرّ الطواشى فيروز من جرجى مقدّم الرّفرف نائب المقدّم.

ثم حضر فى سابع شهر رجب من عربان البحيرة إلى خارج القاهرة ستّة آلاف فارس، وحضر من عربان الشرقيّة من عرب ابن بقر ألفان وخمسمائة فارس، ومن العيساويّة وبنى وائل ألف وخمسمائة فارس، فأنفق فيهم يلبغا السالمى الأموال ليتجهّزوا لحرب تيمور. ثم حضر فى ثامنه قاصد الأمير نعير، وذكر أنه جمع عربانا كثيرة ونزل بهم على تدمر «1» ، وأنّ تمرلنك رحل من ظاهر دمشق إلى القطيّفة «2» . هذا وقد التفت أهل الدولة إلى يلبغا السالمى والعمل فى زواله حتى تمّ لهم ذلك. فلما كان رابع عشر شهر رجب المذكور قبض على يلبغا السالمى وعلى شهاب الدين أحمد بن عمر بن قطينة أستادار الوالد الذي كان ولى الوزر قبل تاريخه، وسلّما لسعد الدين إبراهيم بن غراب ليحاسبهما على الأموال المأخوذة من الناس فى الجبايات.

قلت: فصار حاله كالمثل السائر «أفقرنى فيمن «1» أحبّ ولا استغنى» . ثم فى ثامن عشره استقرّ سعد الدين إبراهيم بن غراب المذكور أستادارا عوضا عن السالمى مضافا لما بيده من وظيفتى نظر الجيش والخاصّ. ثم فى خامس «2» شعبان برز الأمراء المعيّنون للسفر لقتال تيمور بمن عيّن معهم من المماليك السلطانيّة وأجناد الحلقة إلى ظاهر القاهرة، وهم الّذين كانوا بالقاهرة فى غيبة السلطان بدمشق، وتقدّم الجميع الأمير تمراز الناصرىّ الظاهرىّ أمير مجلس، والأمير آقباى من حسن شاه الظاهرى حاجب الحجّاب، ومن أمراء الطبلخانات: الأمير جرباش الشيخى، والأمير تمان تمر والأمير صوماى الحسنى، وامتنع الأمير جكم من السّفر. وفى اليوم «3» قدم الأمير شيخ المحمودىّ نائب طرابلس فارّا من أسر تيمور إلى الديار المصرية، وأخبر برحيل تيمور إلى بلاده، فرسم السلطان بإبطال السفر، ورجع كل أمير إلى داره من خارج القاهرة. ثم «4» فى الغد قدم دقماق المحمّدى نائب حماة فارّا أيضا من تيمور. وفيه طلب الوالد وخلع عليه باستقراره فى نيابة دمشق ثانيا على كره منه، وكانت شاغرة من يوم قدوم تيمور دمشق.

ثم أخلع على الأمير شيخ المحمودى باستقراره فى نيابة طرابلس على عادته، وعلى الأمير دقماق المحمّدى باستقراره فى نيابة حماة على عادته. ثم أخلع السلطان على الأمير تمربغا المنجكى باستقراره فى نيابة صفد وعلى الأمير تنكزبغا الحططى بنيابة بعلبكّ. ثم نودى بالقاهرة ألّا يقيم «1» بها أحد من الأعاجم، وأمهلوا ثلاثة أيّام، وهدّد من تخلّف منهم بالقاهرة، فلم يخرج أحد، وأكثر الناس من الكتابة فى الحيطان: «من نصرة الإسلام، قتل الأعجام» ، كل ذلك وأحوال مصر غير مستقيمة. وأما البلاد الشاميّة فحصل بها جراد عظيم بعد خروج اللّنك «2» منها، فزادت خرابا على خراب «3» . قلت: ولنذكر هنا نبذة يسيرة من أخبار تيمور لنك ونسبه وكثرة عساكره وعظم دهائه ومكره؛ ليكون الناظر فى «4» هذا الكتاب على علم من أخباره وأحواله، وإن كان فى ذلك نوع تطويل وخروج عن المقصود، فهو لا يخلو من فائدة.

فنقول: هو تمرلنك وقيل تيمور؛ كلاهما بمعنى واحد، والثانى أفصح. [وهو «1» ] باللغة التركية الحديد «2» بن أيتمش قنلغ بن زلكى بن سنيا بن طارم طربن طغريل بن قليج ابن سنقور بن كنجك بن طغر سبوقا «3» بن التاخان المغولىّ الأصل التركىّ من طائفة جغتاى الطاغية تيمور، كوركان، أعنى باللغة العجمية «4» صهر الملوك «5» . مولده سنة ثمان وعشرين وسبعمائة بقرية تسمّى خواجا أيلغار «6» من عمل كشّ «7» أحد مدائن ما وراء النهر، وبعد هذه البلدة عن مدينة سمرقند يوم واحد، ويقال:

إنه رؤى يوم «1» ولد كأن شيئا يشبه الخوذة تراءى طائرا فى جوّ السماء، ثم وقع إلى الأرض فى فضاء كبير، فتطاير منه جمر وشرر حتى ملأ الأرض. وقيل: إنه لما خرج من بطن أمّه وجدت كفّاه مملوءتين دما، فوجدوا أنه تسفك على يديه الدماء. قلت: وكذا وقع. وقيل: إن والده كان إسكافا. وقيل: بل كان أميرا عند السلطان حسين صاحب مدينة بلخ «2» ، وكان أحد أركان دولته، وإن أمه من ذريّة جنكزخان. وقيل: كان للسلطان حسين المذكور أربعة وزراء، فكان أبو تيمور أحدهم، وولى تيمور بعد موته مكانه عند السلطان حسين. وأصل تيمور من قبيلة برلاص. وقيل: إن أوّل ما عرف من حال تيمور أنه كان يتجرّم «3» ، فسرق فى بعض الليالى غنمة «4» وحملها ليهرب بها، فانتبه الراعى وضربه بسهم فأصاب كتفه، ثم ردفه بآخر فلم يصبه، ثم بآخر فأصاب فخذه وعمل فيه الجرح الثانى الذي فى فخذه حتى عرج منه؛ ولهذا سمى تمرلنك، لأن «لنك» باللغة العجميّة أعرج، وأما اسمه الحقيقىّ ف (تمر) بلا «لنك» ، فلما أعرج [تمر «5» ] أضيف إليه «لنك» . ولما تعافى أخذ فى التجرّم على عادته وقطع الطريق، وصحبه فى تجرّمه جماعة عدّتهم أربعون رجلا.

وكان تيمور لنك يقول لهم فى تلك الأيام: لا بد أن أملك الأرض وأقتل ملوك الدنيا؛ فيسخر منه بعضهم، ويصدّقه البعض، لما يرونه من شدّة حزمه وشجاعته. وقيل: إنه تاه فى بعض تجرّماته مدّة أيام إلى أن وقع على خيل السلطان حسين المقدّم ذكره، فأنزله الجشارىّ صاحب مرج الخيل «1» عنده، وعطف عليه وآواه وأتى إليه بما يحتاجه من طعام وشراب. وكان لتيمور معرفة تامّة فى جياد الخيل فأعجب الجشارىّ منه ذلك، فاستمرّ به عنده إلى أن أرسل معه بخيول إلى السلطان حسين وعرّفه به، فأنعم عليه وأعاده إلى الجشارى، فلم يزل عنده حتّى مات، فولّاه السلطان حسين عوضه على جشاره، ولا زال يترقّى بعد ذلك من وظيفة إلى أخرى حتى عظم وصار من جملة الأمراء. وتزوّج بأخت السلطان حسين، وأقام معها مدّة إلى أن وقع بينهما فى بعض الأيّام كلام، فعايرته بما كان عليه من سوء الحال، فقتلها وخرج هاربا، وأظهر العصيان على السلطان حسين، واستفحل أمره، واستولى على ما وراء النهر «2» ، وتزوّج ببنات ملوكها، فعند ذلك لقّب ب «بكوركان» ، وقد تقدم الكلام على اسم كوركان. ولا زال أمره ينمو وأعماله تتّسع إلى أن خافه السلطان حسين، وعزم على قتاله، وبلغه ذلك فخرج هاربا «3» .

ثم قوى أمره بعد سنة ستّين وسبعمائة، فلمّا كثر عسكره بعث إلى ولاة بلخشان «1» وكانا أخوين قد ملكا بعد موت أبيهما يدعوهما إلى طاعته؛ فأجاباه، وكانت المغل قد نهضت من جهة الشرق على السلطان حسين، وكان كبيرهم الخان قمر الدين فتوجّه السلطان حسين إليهم وقاتلهم، فأرسل تيمور يدعوهم إليه، فأجابوه ودخلوا تحت طاعته، فقويت بهم شوكته. ثم قصده «2» السلطان حسين ثانيا فى عسكر عظيم حتى وصل إلى ضاغلغا «3» ، وهو موضع ضيّق يسير الراكب فيه ساعة، وفى وسطه باب إذا أغلق وأحمى لا يقدر عليه أحد، وحوله جبال عالية، فملك العسكر فم هذا الدّربند من جهة سمرقند، ووقف تيمور بمن معه على الطريق الآخر، وفى ظن العسكر أنهم حصروه وضيقوا عليه، فتركهم ومضى فى طريق مجهولة، فسار ليلة فى أو عار مشقة حتى أدركهم فى السحر وقد شرعوا فى تحميل أثقالهم، على أن تيمور قد انهزم وهرب خوفا منهم، فأخذ تيمور يكيدهم بأن نزل هو ومن معه عن خيولهم [وتركوها ترعى فى تلك «4» المروج وناموا كأنهم من جملة العسكر فمرت بهم خيولهم] وهم يظنون أنهم منهم قد قصدوا الراحة، فلما تكامل مرور العسكر ركب تيمور بمن معه أقفيتهم، وهم يصيحون وأيديهم تدقهم دقا بالسيوف، فاختبط الناس وانهزم السلطان حسين بمن معه لا يلوى أحد على أحد، حتى وصل إلى بلخ فاحتاط تمر [لنك «5» ] على ما كان معه، ولمّ «6»

من بقى من العسكر عليه، فعظم جمعه، وكثر ماله، واستولى على الممالك «1» ، ولا زال حتى قبض على السلطان حسين بعد أن أمّنه وقتله، فهذا أوّل عظمته. والثانية واقعته مع تقتمش «2» خان ملك التتار، فإنه لما واقعه بأطراف تركستان «3» قريبا من نهر خجند «4» ، واشتد الحرب بينهما وكثرت القتلى فى عسكر تيمور حتى كادت تفنى، وعزم تيمور على الهزيمة، فإذا هو بالمعتقد السيد الشريف بركة قد أقبل على تيمور، فقال له تيمور وقد جهده البلاء: يا سيّدى جيشى انكسر، فقال له السيد الشريف بركة المذكور: لا تخف، ثم نزل عن فرسه وتناول كفّا من الحصى ثم ركب فرسه ورمى بها فى وجوه جيش تقتمش وصرخ قائلا بأعلى صوته «ياغى قجتى» . يعنى باللّغة التركية العدوّ هرب «5» ، فصرخ بها أيضا تيمور كمقالة الشريف بركة

فامتلأت آذان التمرية بصرختهما وأتوه بأجمعهم بعد ما كانوا ولّوا هاربين «1» ، فكّر بهم تيمور ثانيا فى عسكر تفتمش وما منهم أحد إلا وهو يصرخ «ياغى قجتى» ، فانهزم عند ذلك عسكر تقتمش خان وركبت التمرية أقفيتهم وغنموا منهم من الأموال ما لا يدخل تحت حصر، فاستولى على غالب بلاد تقتمش خان. والثالثة واقعته مع شيره «2» على صاحب مازندران «3» وكيلان «4» وبلاد الرىّ «5» والعراق وكسره وقبض عليه وقتله وملك جميع بلاده، ثم قصته مع شاه شجاع صاحب شيراز «6» وتزوّج «7» بنت شاه شجاع لابن تيمور، ومهادنة شاه شجاع له إلى أن مات شاه شجاع، واختلفت أولاده وقوى شاه منصور على اخوته فمشى عليه تيمور هذا، فلقيه شاه منصور فى ألفى فارس لا غير.

وشاه منصور هذا هو أفرس من قاتل تيمور من الملوك بلا مدافعة، فإنه برز إليه فى ألفى فارس وعساكر تيمور نحو المائة ألف. وعند ما برز له شاه منصور فر من عسكره أمير يقال له محمد بن أمين الدين «1» إلى تيمور بأكثر العساكر، فبقى شاه منصور فى أقل من ألف فارس، فقاتل بهم تيمور يومه إلى الليل. ثم مضى كل من الفريقين إلى معسكره، فركب شاه منصور فى الليل «2» وبيّت التمرية، فقتل منهم نحو العشرة آلاف فارس. ثم انتخب شاه منصور من فرسانه خمسمائة فارس، فأصبح وقاتل بهم من الغد وقصد بهم تيمور حتى أزاله عن موقفه، وهرب تيمور واختفى بين حرمه، فأحاط بهم التمرية مع كثرة عددهم وهو يقاتلهم حتى كلّت يداه وقتلت أبطاله، فانفرد عن أصحابه وألقى نفسه بين القتلى، فعرفه «3» بعض التمرية فقتله، وأتى برأسه إلى تيمور، فقتل تيمور قاتله أسفا عليه. واستولى تيمور أيضا على جميع ممالك العجم بأسرها بعد شاه منصور.

هذا وقد استوعبنا واقعة شاه منصور «1» بأوسع من ذلك فى تاريخنا (المنهل الصافى) . إذ هو كتاب تراجم. ثم أخذ تيمور فى الاستيلاء على مملكة بعد مملكة حتى ملك العراقين «2» ، وهرب منه السلطان أحمد بن أويس، وأخرب غالب العراق: مثل بغداد «3» والبصرة «4» والكوفة «5» وأعمالهم، ثم ملك غالب أقاليم ديار بكر «6» ، وأخرب بها أيضا عدّة بلاد. ثم قصد البلاد الشاميّة فى سنة ثمان وتسعين وسبعمائة، ثم رجع خائفا من الملك الظاهر برقوق إلى بلاده، فبلغه موت فيروز شاه ملك الهند عن غير ولد، وأن أمر الناس بمدينة دلّى «7» فى اختلاف، وأنه جلس على تخت الملك بدلّى وزير يقال له ملّو

فخالف عليه أخو فيروز شاه، واسمه سارنك خان متولّى مدينة مولتان «1» ، فلمّا سمع تيمور هذا الخبر اغتنم الفرصة وسار من سمرقند فى ذى الحجّة سنة ثمانمائة إلى مولتان وحاصر ملكها سارنك خان ستّة أشهر، وكان فى عسكر سارنك خان ثمانمائة فيل حتى ملكها. ثم سار تيمور إلى مدينة دلّى وهى تخت الملك، فخرج لقتاله صاحبها «2» ملّو المذكور وبين يديه عساكره ومعهم الفيلة، وقد جعل على كلّ فيل برجا فيه عدّة من المقاتلة، وقد ألبست تلك الفيلة العدد والبركستوانات «3» ، وعلّق عليها من الأجراس والقلاقل «4» ما يهول صوته ليجفل بذلك خيول الجغتاى، وشدّوا فى خراطيمها عدّة من السيوف المرهفة، وسارت عساكر الهند من وراء الفيلة لتنفّر هذه الفيلة خيول التمرية بما عليها، فكادهم تيمور وحسب حسابهم بأن عمل آلافا من الشوكات الحديد مثلّثة الأطراف، ونثرها فى مجالات الفيلة، وجعل على خمسمائة جمل أحمال قصب محشوّة بالفتائل المغموسة بالدّهن، وقدّمها أمام عسكره، فلمّا تراءى الجمعان وزحف الفريقان للحرب، أضرم تيمور فى تلك الأحمال النار وساقها على الفيلة. فركضت تلك الأباعر من شدّة حرارة النار، ثم نخسها سوّاقوها من خلف. هذا وقد كمن تيمور كمينا من عسكره.

ثم زحف بعساكره قليلا [قليلا «1» ] وقت السحر. فعندما تناوش القوم للقتال لوى تيمور رأس فرسه راجعا يوهم القوم أنه قد انهزم منهم ويكفّ عن طريق الفيلة كأنّ خيوله قد جفلت منها، وقصد المواضع التى نثر فيها تلك الشوكات الحديد التى صنعها، فمشت حيلته على الهنود، ومشوا بالفيلة وهم يسوقونها خلفه أشدّ السّوق حتى داست على تلك الشوكات الحديد، فلما وطئتها نكصت على أعقابها. ثم التف «2» تيمور بعساكره عليها بتلك الجمال، وقد عظم لهيبها على ظهورها، وتطاير شررها فى تلك الآفاق، وشنع زعاقها من شدّة النخس فى أدبارها. فلما رأت الفيلة ذلك جفلت وكرّت راجعة على العسكر الهندى، فأحست بخشونة الشوكات التى طرحها تيمور فى طريقها، فبركت وصارت فى الطريق كالجبال مطروحة على الأرض لا تستطيع الحركة، وسالت أنهار من دمائها؛ فخرج عند ذلك الكمين [من عسكر «3» تيمور] من جنبى عسكر الهنود، ثم حطم تيمور بمن معه فتراجعت الهنود وتراموا بالسهام. ثم إنهم تضايقوا وتقاتلوا بالرماح ثم بالسيوف والأطبار «4» ، وصبر كلّ من الفريقين زمانا طويلا، إلى أن كانت الكسرة على الهنود بعد ما قتل أعيانهم وأبطالهم، وانهزم باقيهم بعد أن ملّوا من القتال، فركب تيمور أقفيتهم حتى نزل [على «5» ] مدينة دلّى وحصرها [مدّة «6» حتى] أخذها [من جوانبها «7» ] بعد مدّة عنوة، واستولى على

تخت ملكها واستصفى ذخائرها «1» ، وفعلت عساكره فيها على عادتهم القبيحة من الأسر والسّبى والقتل والنّهب والتخريب. وبينما هم فى ذلك بلغ تيمور موت الملك الظاهر برقوق صاحب مصر، وموت القاضى برهان الدين أحمد صاحب سيواس من بلاد الروم، فرأى تيمور أنه بعد موتهما ظفر بمملكتيهما، وكان أن يطير بموتهما فرحا، فنجز أمره وولّى «2» مسرعا بعد أن استناب بالهند من يثق به من أمرائه، وسار حتى وصل سمرقند، ثم خرج منها عجلا فى أوائل سنة اثنتين وثمانمائة، فنزل خراسان «3» . ثم مضى منها إلى تبريز فاستخلف بها ابنه ميران «4» شاه، ثم سار حتى نزل قرا «5» باغ [فى سابع «6» عشر] شهر ربيع الأوّل، فقتل وسبى، ثم رحل منها ونزل تفليس «7» [فى يوم الخميس «8» ثانى] جمادى الآخرة وعبر بلاد الكرج، وأسرف فيها أيضا فى القتل والسبى، ثم قصد بغداد ففرّ منه [صاحبها «9» ] السلطان أحمد بن أويس [فى ثامن «10» عشر شهر رجب] إلى قرا يوسف «11» فعاد تيمور من بغداد وصيّف ببلاد التركمان ثم سار إلى [ماردين فعصى صاحبها عليه الملك الظاهر مجد الدين عيسى، فتركه تيمور ومضى إلى «12» ]

سواس وقد أخذها «1» الأمير سليمان بن أبى يزيد بن عثمان، فحصرها تيمور ثمانية عشر يوما حتى أخذها فى خامس المحرّم من سنة ثلاث وثمانمائة، وقبض على مقاتلتها وهم ثلاثة آلاف نفر، فحفر لهم سردابا «2» وألقاهم فيه وطمّهم بالتراب بعد ما كان حلف لهم ألّا يريق لهم دما وقال: أنا على يمينى ما أرقت لهم دما، ثم وضع السيف فى أهل البلد وأخربها حتى محا رسومها. ثم سار إلى بهسنا «3» فنهب ضواحيها وحصر قلعتها ثلاثة وعشرين يوما حتى أخذها، ومضى إلى ملطية فدكّها دكّا، وسار حتى نزل قلعة «4» الروم فلم يقدر عليها «5» ، فتركها وقصد عين «6» تاب، ففرّ منه نائبها الأمير أركماس الظاهرى، وهو غير أركماس الدّوادار فى الدولة الأشرفية. ثم قصد حلب ووقع له بها وبدمشق ما تقدّم ذكره إلى أن خرج من البلاد الشاميّة. وكان رحيله عن دمشق فى يوم السبت ثالث شعبان من سنة ثلاث وثمانمائة المذكورة، واجتاز على حلب وفعل بها ما قدر عليه ثانيا، ثم سار منها حتى نزل على ماردين «7» يوم الاثنين عاشر شهر رمضان من السنة، ووقع له بها أمور، ثم رحل عنها.

وأوهم أنه يريد سمرقند يورّى بذلك عن بغداد، وكان السلطان أحمد بن أويس قد استناب ببغداد أميرا يقال له فرج، وتوجّه هو وقرا يوسف نحو بلاد الروم، فندب تيمور على حين غفلة أمير زاده رستم ومعه عشرون ألفا لأخذ بغداد. ثم تبعه بمن بقى معه ونزل على بغداد، وحصرها حتى أخذها عنوة فى يوم عيد النحر من السنة، ووضع السيف فى أهل بغداد. حدّثنى الأمير أسنباى الزّردكاش الظاهرى برقوق- وكان أسر عند «1» تيمور وحظى عنده، وجعله زرد كاشه «2» عند أخذ بغداد وحصارها- بأشياء مهولة، منها أنه لمّا استولى على بغداد ألزم جميع من معه أن يأتيه كلّ واحد منهم برأسين من رءوس أهل بغداد، فوقع القتل فى أهل بغداد وأعمالها، حتى سالت الدماء أنهارا، حتى أتوه بما أراد، فبنى من هذه الرءوس مائة وعشرين مئذنة، فكانت عدّة من قتل فى هذا اليوم من أهل بغداد تقريبا مائة ألف «3» إنسان. وقال المقريزى: تسعين ألف إنسان، وهذا سوى من قتل فى أيّام الحصار، وسوى من قتل فى يوم دخول تيمور إلى بغداد، وسوى من ألقى نفسه فى الدّجلة «4» فغرق، وهو أكثر من ذلك. قال: وكان الرجل المرسوم له بإحضار رأسين إذا عجز عن رأس رجل قطع رأس امرأة من النساء وأزال شعرها وأحضرها، قال: وكان بعضهم يقف بالطرقات ويصطاد من مرّ به ويقطع رأسه.

ثم رحل تيمور من «1» بغداد وسار حتى نزل قراباغ بعد أن جعلها دكّا خرابا، ثم كتب إلى أبى يزيد «2» بن عثمان صاحب الروم أن يخرج السلطان أحمد بن أويس وقرا يوسف من ممالك الروم وإلّا قصده وأنزل به ما نزل بغيره، فردّ أبو يزيد جوابه بلفظ خشن إلى الغاية، فسار تيمور إلى نحوه، فجمع أبو يزيد بن عثمان عساكره من المسلمين والنصارى وطوائف التّتر. فلمّا تكامل جيشه سار لحربه، فأرسل تيمور قبل وصوله إلى التتار الذين مع أبى يزيد بن عثمان يقول لهم: نحن جنس واحد، وهؤلاء تركمان ندفعهم من بيننا، ويكون لكم الروم عوضهم، فانخدعوا له وواعدوه أنهم عند اللقاء يكونون معه. وسار أبو يزيد بن عثمان بعساكره على أنه يلقى تيمور خارج سيواس، ويردّه عن عبور أرض الروم «3» ، فسلك تيمور غير الطريق، ومشى فى أرض غير مسلوكة، ودخل بلاد ابن عثمان، ونزل بأرض مخصبة «4» وسيعة، فلم يشعر ابن عثمان إلّا وقد نهبت بلاده. فقامت قيامته وكرّ راجعا، وقد بلغ منه ومن عسكره التعب مبلغا أوهن قواهم، وكلّت خيولهم، ونزل على غير ماء، فكادت عساكره أن تهلك، فلمّا تدانوا للحرب كان أوّل بلاء نزل بابن عثمان مخامرة التتار بأسرها عليه، فضعف بذلك عسكره، لأنّهم كانوا معظم عسكره، ثم تلاهم ولده سليمان ورجع عن أبيه عائدا إلى مدينة برصا «5» بباقى عسكره، فلم يبق مع أبى يزيد إلا

نحو خمسة آلاف فارس، فثبت بهم حتى أحاطت به عساكر تيمور، وصدمهم صدمة هائلة بالسيوف والأطبار حتى أفنوا من التمرية أضعافهم، واستمرّ القتال بينهم من ضحى يوم الأربعاء إلى العصر، فكلّت عساكر ابن عثمان، وتكاثروا التمرية عليهم يضربونهم بالسيوف لقلّتهم وكثرة النّمرية، فكان الواحد من العثمانية يقاتله العشرة من التمرية، إلى أن صرع منهم أكثر أبطالهم، وأخذ أبو يزيد بن عثمان أسيرا قبضا باليد على نحو ميل من مدينة أنقرة «1» ، فى يوم الأربعاء سابع عشرين ذى الحجّة سنة أربع وثمانمائة بعد أن قتل غالب عسكره بالعطش، فإن الوقت كان ثامن عشرين أبيب بالقبطىّ وهو تموز بالرومىّ، وصار تيمور يوقف بين يديه فى كل يوم ابن عثمان ويسخر منه وينكيه بالكلام، وجلس تيمور مرّة لمعاقرة الخمر مع أصحابه وطلب ابن عثمان طلبا مزعجا، فحضر وهو يرسف «2» فى قيوده وهو يرجف، فأجلسه بين يديه وأخذ يحادثه «3» ، ثم [وقف تيمور «4» ] وسقاه من يد جواريه اللّائى «5» أسرهنّ تيمور، ثم أعاده إلى محبسه. ثم قدم على تيمور إسفنديار «6» أحد ملوك الروم بتقادم جليلة، فقبلها وأكرمه وردّه إلى مملكته [بقسطمونية «7» ] ، هذا وعساكر تيمور تفعل فى بلاد الروم وأهلها تلك الأفعال المقدّم ذكرها.

وأما أمر سليمان بن أبى يزيد بن عثمان، فإنه جمع المال الذي كان بمدينة برصا، وجميع ما كان فيها ورحل إلى أدرنة «1» وتلاحق به الناس، وصالح أهل إستانبول «2» ، فبعث تيمور فرقة كبيرة من عساكره صحبة الأمير شيخ نور الدين إلى برصا فأخذوا ما وجدوا بها، ثم تبعهم هو أيضا بعساكره. ثم أفرج تيمور عن محمد وعن أولاد ابن قرمان من حبس أبى يزيد بن عثمان، وخلع عليهما وولّاهما بلادهما، وألزم كلّ واحد منهما بإقامة الخطبة، وضرب السّكّة باسمه واسم السلطان محمود خان المدعو صرغتمش «3» . ثم شتا فى معاملة «4» منتشا وعمل الحيلة فى قتل التتار الّذين أتوه من عسكر ابن عثمان حتى أفناهم عن آخرهم. وأما أبو يزيد بن عثمان، فإنه استمر فى أسر تيمور من ذى الحجّة سنة أربع، إلى أن مات بكربته وقيوده، فى أيام من ذى القعدة سنة خمس وثمانمائة، بعد أن حكم ممالك الروم نحو تسع سنين. وكان من أجلّ الملوك حزما وعزما وشجاعة، رحمه الله تعالى. وهو المعروف بيلدرم بايزيد. ثم توجّه «5» تيمور من بلاد الروم وقد تعلّقت آماله بأخذ بلاد الصين، فأخذه الله قبل أن يصل، ولولا خشية الإطالة لذكرنا أمره وما وقع له بطريق الصين إلى

أن توفّى [لعنه الله «1» ] ولكن أضربنا عن ذلك خشية الإطالة، وأيضا قد ذكرناه فى ترجمته «2» فى (المنهل الصافى) مستوفاة، فلتنظر هناك «3» . وكانت وفاة تيمور فى يوم «4» الأربعاء سابع عشر شعبان سنة سبع وثمانمائة وهو نازل بالقرب من أترار «5» ، وأترار بالقرب من آهنگران، ومعنى آهنگران باللغة العربية الحدّادون «6» . ولما مات لبسوا عليه المسوخ، ولم يكن معه أحد من أولاده سوى حفيده سلطان خليل بن ميران شاه بن تيمور، فتسلطن موضع جدّه تيمور فى حياة والده ميران شاه المذكور، فاستولى خليل المذكور على خزائن جدّه وبذل الأموال، وتم أمره. انتهى ما أوردناه من قصة تيمور لنك على سبيل الاختصار. ولنعد إلى ما نحن بصدده من ترجمة السلطان الملك الناصر فرج بن برقوق [رحمه الله «7» ] . ولما كان يوم الأحد أوّل شوّال أفرج السلطان عن الأمير يلبغا السالمى وهو متضعّف بعد ما عصر وأهين إهانة بالغة.

وفى هذه الأيّام كثر احتراز الأمراء بعضهم من بعض، وتحدّث الناس بإثارة فتنة «1» . ثم فى سابع شوّال المذكور استقرّ الأمير طولو من على باشاه الظاهرى فى نيابة إسكندرية عوضا عن الأمير أرسطاى، واستقر الأمير بشباى «2» من باكى الظاهرى حاجبا ثانيا على خبز «3» سودون الطيّار، إمرة طبلخاناه، واستقر كلّ من سودون الطيار وألطنبغا من سيدى حجّابا بحلب لأمر اقتضى ذلك. ثم استدعى السلطان الأمراء بقلعة الجبل، وقال لهم: قد كتبنا مناشير جماعة من الخاصكية «4» بأمريّات ببلاد الشام من أوّل شهر رمضان، فلم لا يسافروا؟ وكلّ ذلك بتعليم يشبك الدوادار، فقال الأمير نوروز الحافظى ما فى هذا مصلحة، إذا أرسل السلطان هؤلاء من يبقى عنده من مماليك أبيه الأعيان؟ ووافق نوروز سودون الماردانى. فقال السلطان: من ردّ مرسومى فهو عدوّى، فسكت الأمراء وأمر السلطان بالمناشير أن تبعث إلى أربابها. فلما نزلت إليهم امتنعوا من السفر، ومنهم من ردّ منشوره، فغضب السلطان وأصبح الجماعة يوم الأحد، وقد اتفقوا مع الأمراء وساروا للأمير نوروز الحافظى

وتحدّثوا معه فى عدم سفرهم، فاعتذر إليهم، وبعثهم لسودون الماردانى رأس نوبة النوب «1» فحدّثوه فى ذلك، وما زالوا به حتى ركب للأمير يشبك الشعبانى الدوادار وحدّثه فى ألّا يسافروا، فأغلظ يشبك فى ردّ الجواب عليه، وهدّدهم بالتوسيط «2» إن امتنعوا من «3» السفر. ثم أمره أن يطلع إلى السلطان ويسأله فى [ذلك فطلع «4» سودون الماردانىّ إلى السلطان] ، وسأله فى إعفائهم من السفر، وأعلمه أنه قد اتفق منهم نحو الألف تحت القلعة، وهم مجتمعون، فبعث السلطان إليهم بعض الخاصكيّة يقول لهم: نحن ما خلّيناكم بلا رزق بل عملناكم أمراء، فما هو إلّا أن نزل إليهم وكلّمهم فى ذلك «5» ، ثاروا عليه وسبّوه ثم ضربوه حتى كاد يهلك، فبينما هم فى ضربه، وإذا بالأمير قطلوبغا الحسنى الكركى والأمير آقباى الكركى الخازندار نزلا من القلعة، فمال عليهم المماليك يضربونهم بالدّبابيس إلى أن سقط قطلوبغا الكركى، وتكاثر عليه مماليكه وحملوه إلى بيته، ونجا آقباى الكركى الخازندار والتجأ إلى بيت الأمير يشبك الدوادار، وماجت البلد وغلّقت الأسواق، فنودى بعد العصر من اليوم المذكور بطلوع الأمراء والمماليك السلطانيّة فى الغد إلى القلعة، ومن لم يطلع حلّ ماله ودمه للسلطان. ثم طلع الأمير يشبك، ونوروز الحافظى، وآقباى الكركى الخازندار، وقطلوبغا الكركى إلى القلعة بعد عشاء الآخرة، وباتوا بالقلعة إلّا نوروزا فإنّه أقام معهم ساعة عند السلطان.

ثم نزل إلى داره وطلع أيضا فى الليل غالب المماليك السلطانية. وأصبحوا يوم الاثنين تاسع شوال، فطلع جميع الأمراء والمماليك إلا الأمير جكم من عوض، وسودون الطيّار، وقانّى باى العلائى، وقرقماس الأينالى، وجمق وتمربغا المشطوب، فى عدّة من المماليك السلطانية الأعيان، منهم يشبك العثمانى، وقمج وبرسبغا وطرباى وبقية خمسمائة مملوك، والجميع لبسوا السلاح وآلة الحرب ووقفوا تحت القلعة حتى تضحّى النهار. ثم مضوا إلى بركة الحبش «1» ونزلوا عليها. وأما أهل القلعة، فإن يشبك بعث فى الحال نقيب «2» الجيش إلى الشيخ لاچين الجركسى أحد الأجناد، فقبض عليه وحمله إلى بيت آقباى حاجب الحجّاب، فوكّل به آقباى من أخرجه من القاهرة إلى بلبيس ليسافر إلى الشام. ثم قبض على سودون الفقيه، أحد دعاة الشيخ لاچين، وأخرج إلى الإسكندرية فسجن بها. واستمرّ الأمير جكم ورفقته ببركة الحبش إلى ليلة الأربعاء، فاستدعى الأمير يشبك سائر الأمراء، فلما صاروا بالقلعة وكّل بهم من يحفظهم، فاستمرّوا على ذلك حتى مضى جانب من الليل.

ثم نزل الطلب إلى الأمير سودون طاز الأمير آخور «1» الكبير من السلطان ليطلع إلى عند الأمراء، وفى عزمهم أنه إذا طلع قبضوا عليه، فمّ لسودون طاز بعض الخاصكية يسمّى قانى باى، وقال له: فز بنفسك؛ فلم يكذّب سودون طاز الخبر، وأخذ الخيول السلطانية التى بالإسطبل السلطانى، وركب بمماليكه، وسار حتى لحق بالأمير جكم ببركة الحبش، وبلغ السلطان ذلك، فارتجّ القصر السلطانىّ، وقام كلّ أمير ونزل إلى داره ولبس آلة الحرب بمماليكه، ودقّت الكوسات وطلعوا إلى القلعة. فلما أصبح نهار الأربعاء نزل السلطان من القصر إلى الإسطبل، وبعث إلى الأمير جكم من عوض بأن يتوجّه إلى صفد نائبا بها، فزدّ جكم الجواب «2» «نحن مماليك السلطان، وهو أستاذنا وابن أستاذنا، ولو أراد قتلنا ما خالفناه، غير أننا لنا غرماء يدعنا نحن وإيّاهم، ثم بعد ذلك مهما أراد السلطان يفعل فينا، فنحن بين يديه» . فلمّا عاد الرسول بذلك بكى الأمير يشبك الدوادار، وتكلم هو والأمير آقباى الكركى الخازندار وقطلوبغا الكركى مع السلطان، ودار بينهم كلام «3» كثير، حتى بعث السلطان بالأمير نوروز الحافظى والقاضى الشافعى «4» وناصر الدين المعلّم الرمّاح أمير آخور إلى الأمير جكم فى طلب الصلح، فنزلوا إليه وكلّموه فى ذلك، فامتنع جكم من الصلح هو ومن معه وقالوا: لابدّ لنا من غرمائنا، وأخذوا عندهم الأمير نوروز الحافظى، وعاد القاضى «5» الشافعى وناصر الدين الرمّاح بالجواب، فعند ذلك قال السلطان ليشبك: دونك وغرماءك؛ فطلب يشبك المساعدة من السلطان عليهم، فلم يفعل، فنزل يشبك إلى داره وقد اختلّ أمره.

ثم عاد إلى القلعة ليطلع إلى السلطان فلم يمكّن منها، وتخلّى عنه المماليك السلطانية؛ فلم تكن غير «1» ساعة حتى أقبل جكم وسودون طاز ونوروز فى عددهم وأصحابهم. وصاحب الموكب نوروز وجكم عن يساره، وسودون طاز عن يمينه، وساروا نحو يشبك، فنادى يشبك: «من قاتل معى من المماليك السلطانية فله عشرة آلاف درهم» فأتاه طائفة، وخرج من بيته وصفّ عساكره، فحمل عليه نوروز بمن معه، وصدمه صدمة واحدة كسره فيها؛ فانهزم إلى داره وقاتل بها ساعة، ثم هرب منها، فنهبت داره ودار قطلوبغا الكركىّ. وكان بيت يشبك دار منجك اليوسفى الملاصقة لمدرسة «2» [السلطان «3» ] حسن وهى الآن على ملك تمربغا الظاهرى الدوادار، ودار قطلوبغا [الكركى «4» ] البيت الذي تجاهه، وقبض على آقباى الكركى الخازندار، فشفع فيه السلطان، فترك فى داره إلى يوم الخميس ثانى عشره، فركب الأمير جكم إليه، وأخذه وطلع به إلى الإسطبل السلطانىّ وقيّده. ثم قبض على الأمير قطلوبغا الكركى الحسنى من بيت الأمير يلبغا «5» الناصرى وقيّده.

ثم قبض على جركس القاسمى المصارع من عند سودون الجلب، وقيّده وبعث الثلاثة إلى الإسكندرية، والثلاثة أمراء ألوف من أصحاب يشبك، وسافروا إلى الإسكندرية فى ليلة السبت رابع عشر شوّال المذكور من سنة ثلاث وثمانمائة، وكتب جكم بإحضار سودون الفقيه من الإسكندرية. وسودون الفقيه هذا هو حمو الملك الظاهر ططر، وجدّ الملك الصالح محمد ابن ططر الآتى ذكرهما. وطلب جكم الأمير يشبك الشعبانى الدوادار فلم يقدر عليه إلى ليلة الاثنين سادس عشره دلّ عليه أنه فى تربة «1» بالقرافة، فنزل إليه جكم فلمّا أحيط بيشبك [وهو «2» ] فى التربة المذكورة ألقى نفسه من مكان مرتفع، فشجّ جبينه، وقبض عليه الأمير جكم، وأحضره إلى بيت الأمير نوروز الحافظى، فقيّد وسيّر من ليلته إلى الإسكندرية فسجن بها. وفى يوم الاثنين خلع على سعد الدين إبراهيم بن غراب باستمراره [فى وظائفه «3» ] وهو أحد أصحاب يشبك بعد أن اجتهد غاية الاجتهاد فى رضا جكم عليه فلم يقدر.

ثم فى ثامن عشره أخلع السلطان على الأمير شيخ المحمودى نائب طرابلس باستمراره على نيابته، وهى خلعة السفر «1» ، وكان له من يوم قدم من أسر تيمور بالقاهرة فى عمل مصالحه، وكذلك الأمير دقماق نائب صفد خلع عليه خلعة السفر. وكان دقماق أولا نائب حماة، ثم صار الآن فى نيابة صفد، وأذن لهما بالسفر إلى محلّ كفالتهما «2» . وفى تاسع عشره خلع السلطان الملك الناصر على الأمير جكم باستقراره دوادارا كبيرا عوضا عن يشبك الشعبانى، بحكم حبسه بالإسكندرية، وعلى سودون من زاده باستقراره خازندارا، عوضا عن آقباى الكركى، وعلى أرغون «3» من يشبغا باستقراره شادّ الشراب «4» خاناه، عوضا عن قطلوبغا الكركى، وأخلع على بيسق الشيخى خلعة إمرة الحاج على العادة، ورسم له أن يقيم بعد انقضاء الحجّ بمكّة لعمارة «5» ما بقى من المسجد الحرام. ثم فى سادس عشرين شوّال أخلع السلطان على الأمير يونس الحافظى باستقراره فى نيابة حماة بعد عزل الأمير عمر بن الهيدبانى «6» ، وفى هذا اليوم أنعم على

الأمير جكم من عوض الدوادار بإقطاع يشبك الشعبانى الدوادار، وعلى سودون الطيّار بإقطاع الأمير جكم، وأنعم بإقطاع آقباى الكركىّ على قانى باى العلائى، وبإقطاع قطلوبغا الكركى على تمربغا من باشاه المعروف بالمشطوب، وبإقطاع جركس القاسمى المصارع على سودون من زاده بستّين فارسا. ثم فى أوّل ذى القعدة ألزم سعد الدين «1» بن غراب بتجهيز نفقة المماليك السلطانية، فالتزم أن يحمل منها مائة ألف دينار، وألزم الوزير ناصر الدين محمد بن سنقر، وتاج الدين عبد الرزاق بن أبى الفرج، ويلبغا السالمى بمائة ألف دينار، فشرع الجميع فى تجهيزها. ثم قبض على السالمى وصودر، وعذّب بأنواع العذاب، ثم أفرج عنه بعد مدّة، واستمرّ الحال على أن جكم صار متحدّثا فى المملكة. ثم فى رابع ذى الحجة اختفى سعد الدين بن غراب «2» ، وأخوه فخر الدين ماجد، ولم يعرف خبرهما. فاستقرّ ناصر الدين محمد بن سنقر فى الأستداريّة، عوضا عن سعد الدين بن غراب، مضافا لما معه من الذخيرة والأملاك. ثم استعفى سودون من زاده من وظيفة الخازندارية «3» ، وأخلع على الوزير علم الدين أبى كمّ باستقراره فى نظر «4» الخاصّ مضافا على الوزر عوضا عن

؟؟؟ الدين بن غراب، وأخلع على سعد الدين بن أبى الفرج بن بنت الملكى، صاحب ديوان «1» الجيش، واستقرّ فى نظر الجيش «2» عوضا عن ابن غراب. ثم فى تاسع ذى الحجة ورد كتاب مشايخ تروجة «3» يتضمن قدوم سعد بن غراب إليهم، ومعه مثال سلطانىّ باستخراج الأموال، ومسيرهم معه إلى الإسكندريّة لإخراج يشبك والأمراء من سجن الإسكندرية، وإحضارهم إلى القاهرة. فأخلع «4» السلطان على رسولهم، وكتب على يده مثالا سلطانيّا بالقبض على ابن غراب ومن معه، وإرسالهم إلى القاهرة. ثم قدم كتاب نائب الإسكندرية بأن سعد الدين ابن غراب طلب زعران الإسكندرية، فخرج إليه أبو بكر المعروف بعلام «5» الخدّام بالزّعر إلى تروجة، فأعطى لكل واحد منهم مبلغ خمسمائة درهم، وقرّر معهم قتل النائب، فبلغ ذلك النائب، فلما قدموا إلى الإسكندرية قبض على جماعة منهم وقتل بعضهم وقطع أيدى بعضهم، وضرب علّام الخدّام بالمقارع، وأنه أيضا ظفر بكتاب ابن غراب لبعض تجار الإسكندرية، وفيه أن يجتمع بالنائب ويؤكّد

عليه ألّا يقبل ما يرد عليه من أمراء مصر فى أمر يشبك الدوادار ومن معه من الأمراء، وأن يجعل باله لا يجرى عليه مثل ما جرى على ابن عرّام فى قتله الأمير بركة. ثم وردت كتب مشايخ تروجة بسؤال الأمان لابن غراب، فكتب له السلطان أمانا، وكتب «1» الأمراء ما خلا الأمير جكم، فإنه كتب إليه كتابا ولم يكتب إليه أمانا، فقدم إلى القاهرة فى حادى عشرينه فى الليل، ونزل عند صديقه جمال الدين يوسف أستادار بجاس، وهو يومئذ أستادار الأمير سودون طاز أمير آخور، فتحدّث له مع سودون طاز وأوصله إليه، فأكرمه وأنزله عنده يومى الثلاثاء والأربعاء، حتى استرضى له الأمراء، وأحضره فى يوم الخميس ثالث عشرينه إلى مجلس السلطان، وخلع عليه باستقراره فى وظائفه القديمة: الأستادارية، ونظر الجيش، والخاص. ونزل إلى بيت الأمير جكم الدوادار، فمنعه جكم من الدخول إليه وردّه وما زال يسعى ابن غراب حتى دخل إليه مع الأمير سودون من زادة، وقبّل يده فلم يكلّمه كلمة، وأعرض عنه، فلم يزل حتى أرضاه بعد ذلك، ثم فى يوم الخميس سلخ ذى الحجة أنفق ابن غراب تتمّة النفقة على المماليك السلطانية. فأعطى كل واحد ألف درهم، وعند ما نزل من القلعة أدركه عدّة من المماليك السلطانية ورجموه بالحجارة يريدون قتله، فبادر إلى بيت الأمير نوروز واستجار به حتى أجاره.

ما وقع من الحوادث سنة 804

[ما وقع من الحوادث سنة 804] ثم فى محرم سنة أربع وثمانمائة، كتب الأمراء بمصر لأمراء دمشق بالقبض على الوالد «1» ، فكتب للوالد بذلك بعض أعيان أمراء مصر، فسبق ذلك المثال السلطانى، فركب الوالد من دار السعادة «2» بدمشق فى نفر من مماليكه فى ليلة الجمعة ثانى عشرين المحرم وخرج إلى حلب، فتعين لنيابة «3» دمشق عوضا عن الوالد، الأمير آقبغا الجمالى الأطروش أتابك دمشق وكتب بانتقال دقماق نائب صفد إلى نيابة حلب، عوضا عن دمرداش المحمّدى بحكم عصيانه وانضمامه على الوالد لمّا قدم عليه من دمشق، واستقر الأمير تمربغا المنجكى فى نيابة صفد عوضا عن دقماق. وأما الوالد رحمه الله فإنه لمّا سار إلى حلب وجد الأمير دمرداش نائب حلب قد قبض على الأمير خليل بن قراجا بن دلغادر أمير التركمان «4» ، فأمره الوالد

بإطلاقه، فاطلقه، واتفق الجميع على الخروج عن طاعة السلطان بسبب من حوله من الأمراء، واجتمع عليهم خلائق من التركمان وغيرهم على ما سيأتى ذكره. ثم وقع بين أمراء مصر، وهو أن سودون الحمزاوى وقع بينه وبين أكابر الأمراء، مثل نوروز، وجكم، وسودون طاز، وتمربغا المشطوب، وقانى باى العلائى، فانقطعوا الجميع عن الخدمة السلطانية من أول صفر، وعزموا على إثارة فتنة، فلبس سودون الحمزاوى آلة الحرب فى داره، واجتمع عليه من يلوذ به. وكان الأمراء المذكورون، قد عيّنوا قبل ذلك للخروج من ديار مصر ثمانية انفس، وهم سودون الحمزاوى المذكور، وسودون بقجة وهما «1» من أمراء الطبلخانات ورءوس نوب، وأزبك الدوادار، وسودون بشتو وهما من أمراء العشرات، وقانى باى الخازندار، وبردبك وهما من الخاصكية، وآخرين «2» ، ولما لبس الحمزاوى مشت الرسل بينهم فى الصلح إلى «3» أن وقع الاتفاق على خروج سودون الحمزاوى إلى نيابة صفد، وإقامة الباقين بمصر من غير حضورهم إلى الخدمة السلطانية. ثم فى سابع عشرين صفر المذكور، أخلع على سودون الحمزاوى بنيابة صفد وبطل ولاية تمربغا المنجكى من صفد. وفى هذا الشهر، حضر الأمير ألطنبغا العثمانى نائب صفد كان «4» ، والأمير عمر ابن الطحّان نائب غزّة كان، من أسر تيمور لنك، وذكرا أنّهما فارقاه من أطراف بغداد.

ثم فى يوم الاثنين نصف شهر ربيع الأوّل من سنة أربع وثمانمائة، طلع الأمير نوروز الخدمة السلطانية، بعد ما انقطع عنها زيادة على شهر، فخلع عليه خلعة الرضا. ثم فى ثامن عشره، طلع الأمير جكم من عوض الدوادار الخدمة بعد ما انقطع عنها مدّة شهرين وخلع عليه أيضا، هذا ودقماق نائب حلب، وأقبغا الأطروش نائب الشأم فى الاستعداد وجمع التركمان والعشير لقتال الوالد ودمرداش. ثم خرج الوالد ودمرداش من حلب إلى ظاهرها لانتظار دقماق وقتاله. ثم إن السلطان فى شهر ربيع الآخر أخلع على جمق رأس نوبة باستقراره دوادارا ثانيا عوضا عن چركس المصارع، وكانت شاعرة من يوم مسك چركس المذكور، واستقرّ مبارك شاه الحاجب وزيرا عوضا عن علم الدين يحيى المعروف بأبى كمّ، وقبض على أبى كم وسلّم لشادّ الدواوين «1» للمصادرة. وفى العشر الأخير من هذا الشهر استقر جلال الدين عبد الرحمن بن شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقينى قاضى قضاة الديار المصرية بعد عزل القاضى ناصر الدين الصالحى، وهذه أول ولاية جلال الدين البلقينى. ثم فى ثامن جمادى الأولى استقر الأمير ألطنبغا العثمانى نائب صفد كان، فى نيابة غزّة عوضا عن الأمير صرق بعد عزله. ثم ابتدأت الفتنة بين الأمراء، وطال الأمر وانقطع جكم ونوروز عن الخدمة السلطانية أياما كثيرة.

ودخل شهر رمضان وانقضى، ولم يحضروا الهناء بالعيد، ولا صلّوا صلاة العيد مع السلطان. واستهلّ شوّال فقويت فيه القالة بين الأمراء، وأرجف بوقوع الحرب غير مرّة. فلما كان يوم الجمعة ثانى شوّال ركب الأمراء للحرب بالسلاح، ونزل الملك الناصر إلى الإسطبل السلطانىّ عند سودون طاز الأمير أخور، وركب الأمير نوروز وجكم وخصمهما سودون طاز، ووقع الحرب بينهم من بكرة النهار إلى العصر. فلما كان آخر النّهار بعث السلطان بالخليفة المتوكّل على الله والقضاة الأربعة إلى الأمير نوروز فى طلب الصّلح، فلم يجد نوروز بدّا من الصلح وترك القتال، وخلع عنه آلة الحرب، فكف الأمير جكم أيضا عن الحرب «1» ، وكان ذلك مكيدة من سودون طاز، فإنه خاف أن يغلب ويسلمه السلطان إلى أخصامه، فتمّت مكيدته بعد ما كاد أن يؤخذ، لقوّة نوروز وجكم بمن معهما من الأمراء والخاصكيّة، وسكنت الفتنة، وبات الناس فى أمن وسكون. فلما كان يوم السبت ركب الخليفة والقضاة، وحلّفوا الأمراء بالسمع والطاعة للسلطان، فطلع الأمير نوروز إلى الحدمة فى يوم الاثنين خامس شوّال، وخلع عليه السلطان، وأركبه فرسا بسرج ذهب وكنبوش زركش. ثم طلع الأمير جكم فى ثامنه وهو خائف ولم يطلع قانى باى ولا قرقماس، وطلبا فلم يوجدا فجهز إليهما خلعتان، على أن يكون قانى باى نائبا بحماه، وقرقماس حاجبا بدمشق، ونزل جكم بغير خلعة فكاد أن يهلك لكونه لم يخلع عليه.

وعند ما جلس بداره نزل إليه جرباش الشيخى رأس نوبة، وبشباى الحاجب الثانى يطلبان قانى باى منه ظنا أنه اختفى عنده، فأنكر أن يكون عنده وصرفهما بجواب ملفّق. ثم ركب من ليلته بمن معه من الأمراء والمماليك وأعيانهم قمش الخاصكى الخازندار، ويشبك الساقى، وهو الذي صار أتابكا فى دولة الأشرف برسباى، ويشبك العثمانى، وألطنبغا جاموس، وجانيباى الطيبى، وبرسبغا الدوادار، وطرباى الدوادار، وساروا الجميع إلى بركة الحبش خارج القاهرة، ولحق بهم فى الحال قانى باى، وقرقماس الرماح، وأرغز، وقبجق، ونحو الخمسمائة مملوك من المماليك السلطانية، وغيرهم وأقاموا جميعا ببركة الحبش إلى ليلة السبت عاشر شوال فأتاهم الأمير نوروز، وسودون من زاده رأس نوبة، وتمربغا المشطوب، فى نحو الألفين من المماليك السلطانية وغيرهم، وأقاموا جميعا ببركة الحبش إلى ليلة الأربعاء رابع عشر شوال، وأمرهم فى زيادة وقوّة، بمن يأتيهم أوّلا بأوّل من الأمراء والمماليك السلطانية. وفى الليلة المذكورة، دبّر سودون طاز أمره وطلع إلى السلطان، وأنزله إلى الإسطبل السلطانىّ وبات به. فلمّا أصبح بكرة يوم الأربعاء المذكور، ركب السلطان فيمن معه من الأمراء والخاصكية ونزل من القلعة، وسار نحو بركة الحبش من باب «1» القرافة، بعد ما نادى فى أمسه بالعرض، واجتمع إليه جميع عساكره، وقد صف سودون طاز عساكر

السلطان، فلما قارب بركة الحبش، ركب نوروز وجكم بمن معهما أيضا، من الأمراء والمماليك السلطانية، فصدمهم سودون طاز بالعسكر السلطانىّ صدمه كسرهم فيها، وأسر الأمير تمربغا المشطوب، وسودون من زاده، وعلى بن إينال وأرغز، وهرب نوروز وجكم فى عدّة كثيرة من الأمراء والمماليك إلى «1» بلاد الصعيد، وعاد السلطان ومعه الأمراء وسودون طاز مظفّرا منصورا، وقيّد سودون طاز الأمراء الممسوكين «2» ، وبعثهم إلى الإسكندرية فى ليلة السبت سابع عشره، وسار نوروز وجكم إلى أن وصلا إلى منية القائد «3» ، ثم عادوا إلى طموه «4» ونزلوا على ناحية منبابة «5» ، من برّ الجيزة تجاه بولاق، وطلب الأمير يشبك الشعبانى الدوادار من سجن الإسكندرية، فقدم يوم الاثنين تاسع عشره إلى قلعة الجبل، ومعه خلائق ممن خرج إلى لقائه، فقبّل الأرض ونزل إلى داره، كل ذلك والأمراء بالجيزة. فلما كان ليلة الثلاثاء عشرين شوّال ركب الأمير نوروز نصف الليل وعدّى النيل، وحصر إلى بيت الأمير الكبير بيبرس، وكان قد تحدّث هو وإينال باى من قجماس مع السلطان فى أمر نوروز حتى أمّنه ووعده بنيابة دمشق، وكان ذلك

أيضا من مكر سودون طاز، فمشى ذلك على نوروز وحضر، فاختلّ عند ذلك أمر جكم، وتفرّق منه من كان معه، وصار فريدا، فكتب إلى الأمير بيبرس الأتابك يسأله «1» فى الحضور، فبعث إليه الأمير أزبك الأشقر رأس نوبة، والأمير بشباى الحاجب، وقدما به ليلة الأربعاء حادى عشرين شوّال إلى باب السلسلة «2» من الإسطبل السلطانى؛ فتسلمه عدوّه الأمير سودون طاز، وأصبح وقد حضر الأمير يشبك وسائر الأمراء للسلام عليه، فلما كانت ليلة الخميس ثانى عشرينه، قيّد وحمل إلى الإسكندرية، فسجن بها فى البرج الذي كان سجن يشبك الدوادار فيه، وسكن يشبك مكانه وعلى إقطاعه بعد ما حبس بالإسكندرية نحوا من سنة، واستقرّ دوادارا على عادته عوضا عن جكم المذكور؛ على ما سيأتى ذكره. وأما أمر البلاد الشأميّة فإن دقماق جمع جموعه من العساكر والتركمان لقتال الوالد ودمرداش نائب حلب، وسار إلى جهة الوالد «3» ، فخرج إليه الوالد وعلى مقدّمته دمرداش، وصدموه صدمة واحدة انكسر فيها بجموعه وولّوا الأدبار، ونهب ما معهم. وعاد دقماق منهزما إلى دمشق، واستنجد بنائبها الأمير آقبغا الجمالى الأطروش، وكتب أيضا دقماق لجميع نوّاب البلاد الشامية بالحضور والقيام بنصرة السلطان، وجمع من التركمان والعربان جمعا كبيرا، وخرج معه غالب العساكر

الشأمية، وعاد إلى جهة حلب بعساكر عظيمة، والوالد ودمرداش فى مماليكهم لا غير؛ مع جدب البلاد الحلبية، وخراب قراها، فإنه عقيب توجه تيمور بسنة واحدة وأشهر. فلما قارب دقماق بعساكره حلب أشار دمرداش على الوالد بالتوجه إلى بلاد التركمان من غير قتال، فقال الوالد لا بدّ من قتالنا معه، فإن انتصرنا وإلا توجهنا إلى بلاد التركمان بحق، فتوجّها «1» لدقماق بمماليكهما، وقد صف دقماق عساكره واقتتلا قتالا شديدا، وثبت كل من الفريقين وقد أشرف دقماق على الهزيمة. وبينما هو فى ذلك خرج من عسكر الوالد ودمرداش جماعة إلى دقماق، فانكسرت عند ذلك الميمنة. ثم انهزم الجميع إلى نحو بلاد التركمان، فلم يتبعهم أحد من عساكر دقماق، وملك دقماق حلب، واستمرّ الوالد ودمرداش ببلاد التركمان؛ على ما سيأتى ذكره. وأما ما وقع بمصر فإنه لما حبس جكم من عوض بالإسكندرية، أخلع على نوروز الحافظى فى بيت بيبرس فى يوم الأربعاء بنيابة دمشق، وتوجه إلى داره. فلما كان من الغد فى يوم الخميس قبض عليه وحمل إلى باب السلسلة فقيد به وحمل من ليلته، وهى ليلة الجمعة ثالث عشرين شوال إلى الإسكندرية، فسجن بها، وغضب لذلك الأميران بيبرس الأتابك، وإينال باى من «2» قجماس، وتركا طلوع الخدمة السلطانية أياما. ثم أرضيا وطلعا إلى الخدمة، وراحت على نوروز، واختفى الأمير قانى باى العلائى وقرقماس الرمّاح، فلم يعرف خبرهما.

فلما كان يوم الاثنين ثالث ذى القعدة، أنعم السلطان بإقطاع الأمير نوروز على الأمير إينال العلائى المعروف بحطب رأس نوبة بعد أن أخرجوا منه النحريرية. وأنعم السلطان بإقطاع قانى باى العلائى على الأمير علّان جلّق، وبإقطاع تمربغا المشطوب على الأمير بشباى الحاجب الثانى، فلم يرض به، فاستقر باسم قطلوبغا الكركى، وكان إقطاعه قبل حبسه بالإسكندرية، وهو إلى الآن لم يحضر من سجن الإسكندرية. وبقى بشباى على طبلخانته. وأنعم بإقطاع جكم من عوض على الأمير يشبك الشعبانى الدوادار، وهو إقطاعه أيضا قبل حبسه بالإسكندرية. وأنعم على الأمير بيغوت بإمرة طبلخاناة، وعلى أسنبغا المصارع بإمرة طبلخاناة وعلى سودون بشتا «1» بإمرة طبلخاناة. ثم فى سادس ذى القعدة، قدم الأمراء من سجن الإسكندرية من أصحاب يشبك، وهم الأمير آقباى طاز الكركى الخازندار، وقطلوبغا الحسنى الكركى و چركس القاسمى المصارع، وصعدوا إلى القلعة، وقبّلوا الأرض بين يدى السلطان ثم نزلوا إلى بيوتهم، ثم رسم السلطان بانتقال الأمير شيخ المحمودى الساقى من نيابة طرابلس إلى نيابة دمشق، بعد عزل الأمير آقبغا الجمالى الأطروش، وتوجّهه إلى القدس بطّالا. ولما كان يوم الثلاثاء ثامن عشر ذى القعدة لعب الأمراء الكرة فى بيت الأتابك بيبرس، فاجتمع على باب بيبرس من المماليك السلطانية نحو الألف مملوك يريدون الفتك بسودون طاز.

ما وقع من الحوادث سنة 805

وعند ما خرج سودون طاز من بيت بيبرس هموا به، فتحاوطته أصحابه ومماليكه، وساق سودون حتى لحق بباب السلسلة، وامتنع بالإسطبل السلطانى حيث هو سكنه، ووقع كلام كثير. ثم خمدت الفتنة. فلما كان رابع عشرينه، خلع السلطان على الأمير يشبك الشعبانى باستقراره دوادارا على عادته، عوضا عن الأمير جكم من عوض بحكم حبسه. ثم فى يوم السبت رابع عشر ذى الحجة خلع السلطان على الأمير آقباى الكركى باستقراره خازندارا على عادته. ثم فى سلخ ذى الحجة استقر الأمير جمق الدوادار الثانى فى نيابة الكرك، واستقر الأمير علّان جلّق أحد مقدّمى الألوف بديار مصر فى نيابة حماة، بعد عزل يونس الحافظى، فشقّ ذلك على سودون طاز. ثم كتب للأمير دمرداش أمانا، وأنه يستقر فى نيابة طرابلس عوضا عن الأمير شيخ المحمودى المنتقل إلى نيابة دمشق، وكتب للأمير على بك بن دلغادر بنيابة عين تاب، وللأمير عمر بن الطحان بنيابة ملطية. وكانت الأخبار وردت بجمع التركمان ونزولهم مع دمرداش إلى حلب، وأن دقماق نائب حلب اجتمع معه نائب حماة والأمير نعير، وأن تيمور لنك نازل على مدينة سيواس، ولم يحجّ أحد فى هذه السنة من الشام ولا من العراق. [ما وقع من الحوادث سنة 805] وفى يوم ثالث «1» المحرم من سنة خمس وثمانمائة أنعم السلطان بإقطاع علان جلّق المستقر فى نيابة حماة على الأمير چركس القاسمى المصارع، وبإقطاع جمق المستقر فى نيابة الكرك على آقباى الكركىّ الخازندار، وزيد عليه قرية سمسطا «2» .

هذا والكلام يكثر بين الأمراء والمماليك، والناس فى تخوّف من وقوع فتنة. فلما كان سابع المحرم نزل الأمير سودون طاز الأمير آخور الكبير من الإسطبل السلطانى بأهله ومماليكه إلى داره، وعزل نفسه عن الأمير آخوريّة، وصار من جملة الأمراء. ثم فى هذا الشهر قدم الوالد إلى دمشق بأمان كان كتب له من قبل السلطان مع كتب جميع الأمراء. فلما وصل إلى دمشق خرج الأمير شيخ المحمودى إلى تلقّيه، حتى عاد معه إلى دمشق وأنزله بالقرمانية، وأكرمه غاية الإكرام بحيث إنه جاءه فى يوم واحد ثلاث مرات. ثم خرج الوالد بعد أيام من دمشق يريد الديار المصرية، فخرج الأمير شيخ أيضا لوداعه، وسار حتى وصل [إلى «1» ] مصر فى سلخ المحرم. بعد ما خرج الأمراء إلى لقائه، وطلع إلى القلعة، وقبّل الأرض بين يدى السلطان، فأخلع السلطان عليه كاملّية بمقلب سمّور، وأركبه فرسا بسرج ذهب وكنبوش زركش. ثم نزل إلى داره ومعه سائر الأمراء؛ وظهر الأمير قرقماس الرّماح، فشفع فيه الوالد، فإنه كان أنّبه «2» ، فقبل السلطان شفاعته. وأما أمر سودون طاز، فإنه أقام بداره إلى ليلة الاثنين ثالث عشر صفر من سنة خمس وثمانمائة المذكورة، خرج من القاهرة بمماليكه وحواشيه إلى المرج «3»

والزيات «1» بالقرب من خانقاه سرياقوس «2» ليقيم هناك حتى يأتيه من وافقه ويركب على أخصامه ويقهرهم ويعود إلى وظيفته. وكان خبر سودون طاز أنه لما وقع بينه وبين يشبك أولا وصار من حزب نوروز وجكم وقبضوا على يشبك وأصحابه من الأمراء وسجنوا بثغر الاسكندرية حسبما تقدم ذكره، صار تحكّم مصر له ويشاركه فى ذلك نوروز وجكم فثقلا عليه، وأراد أن يستبدّ بالأمر والنهى وحده، فدبّر فى إخراجهما حتى تم له ذلك، ظنا منه أنه ينفرد بالأمر بعدهما، فانتدب إليه يشبك الشعبانى الدوادار وأصحابه لما كان فى نفوسهم منه قديما بعد مجيئهم من حبس الاسكندرية، لأنه كان انحصر لخروجهم من الحبس. وكان الملك الناصر يميل إلى يشبك وقطلوبغا الكركى، لأنّ كل واحد منهما كان لالته «3» . وكان الأمير آقباى طاز الكركى الخازندار يعادى سودون طاز قديما ويقول «طاز واحد يكفى بمصر، فأنا طاز وهو طاز ما تحملنا مصر» واتفقوا الجميع عليه، وظاهرهم السلطان فى الباطن، فتلاشى أمر سودون طاز لذلك، وما زالوا فى التدبير عليه حتى نزل من الإسطبل السلطانى، خوفا على نفسه من كثرة جموع يشبك الدوادار، وجرأة آقباى الخازندار الكركى؛ فعندما نزل ظن أن السلطان يقوم بناصره، فلم يلتفت السلطان إليه، وأقام هذه المدّة من جملة الأمراء،

فشق عليه عدم تحكمه فى الدولة، وكفه عن الأمر والنهى، وكان اعتاد ذلك، فخرج لتأتيه المماليك السلطانية وغيرهم، فإنه كان له عليهم أياد وإحسان زائد عن الوصف- ليحارب بهم يشبك وطائفته، ويخرجهم من الديار المصرية، أو يقبض عليهم كما فعل أوّلا ويستبدّ بعدهم بالأمر، فجاء حساب الدهر غير حسابه، ولم يخرج إليه أحد غير أصحابه الذين خرجوا معه، وأخلع السلطان على الأمير إينال باى من قجماس باستقراره عوضه أمير آخورا كبيرا فى يوم الاثنين عشرين صفر، وبعث السلطان إلى سودون طاز بالأمير قطلوبغا الكركى يأمره بالعود على إقطاعه وإمرته من غير إقامة فتنة، وإن أراد البلاد الشأمية فله ما يختاره من النيابات بها، فامتنع من ذلك وقال: لا بدّ من إخراج آقباى طاز الكركى الخازندار أوّلا إلى بلاد الشام، فلم يوافق السلطان على إخراج آقباى، وبعث إليه ثانيا بالأمير بشباى الحاجب الثانى فلم يوافق، فبعث إليه مرة ثالثة فلم يرض، وأبى إلا ما قاله أوّلا من إخراج آقباى، فلما يئس السلطان منه ركب بالعساكر من قلعة الجبل «1» ، ونزل

جميع عساكره بالسلاح وآلة الحرب فى يوم الأربعاء سادس شهر ربيع الأوّل، فلم يثبت سودون طاز، ورحل بمن معه وهم نحو الخمسمائة من المماليك السلطانية ومماليكه، وقد ظهر الأمير قانى باى العلائى ولحق به من نحو عشرة أيام، وصار من حزبه، فتبعه السلطان بعساكره وهو يظن أنه توجه إلى بلبيس. وكان سودون عند ما وصل إلى سرياقوس نزل من الخليج ومضى إلى جهة القاهرة وعبر من باب «1» البحر بالمقس، وتوجّه إلى الميدان، وهجم قانى باى العلائى فى عدّة كبيرة على الرّميلة «2» تحت القلعة ليأخذ باب السلسلة، فلم يقدر على ذلك، ومر السلطان الملك الناصر وهو سائق على طريق بلبيس، وتفرّقت عنه العساكر وتاهوا فى عدّة طرق. وبينما السلطان فى ذلك بلغه أن سودون طاز توجه إلى نحو القاهرة وهو يحاصر قلعة الجبل، فرجع بأمرائه مسرعا يربد القلعة حتى وصل إليها بعد العصر، وقد بلغ منه ومن عساكره التعب مبلغا عظيما، ونزل السلطان بالمقعد المطلّ على الرّميلة من الإسطبل بباب السلسلة، وندب الأمراء والمماليك لقتال سودون طاز، فقاتلوه فى الأزقّة طعنا بالرّماح ساعة فلم يثبت، وانهزم بمن معه، وقد جرح من الفريقين جماعة كثيرة، وحال الليل بينهم، وتفرّق أصحاب سودون طاز عنه، وتوجّه كلّ واحد إلى داره، وبات السلطان ومن معه على تخوّف، وأصبح من الغد فلم يظهر لسودون طاز ولا قانى باى خبر، ودام ذلك إلى الليل، فلم يشعر الأمير يشبك وهو جالس بداره بعد عشاء الآخرة إلا وسودون طاز دخل عليه فى ثلاثة

أنفس، وترامى عليه، فقبله وزاد «1» فى إكرامه وأنزله عنده، وأصبح يوم الجمعة كتب سودون طاز وصيّته وأقام بدار يشبك إلى ليلة الأحد عاشره، فأنزل فى حرّاقة وتوجه إلى [ثغر «2» ] دمياط «3» بطّالا بغير قيد، ورتّب له بها ما يكفيه، بعد أن أنعم عليه الأمير يشبك بألف دينار مكافأة له على ما كان سعى فى أمره حتّى أخرجه من حبس الإسكندرية وعوّده إلى وظيفته وإبقائه فى قيد الحياة، فإن جكم الدوادار كان أراد قتله عند ما ظفر به، وحبسه بالإسكندرية لولا سودون طاز هذا. وأمّا قانى باى هذا «4» فإنه اختفى ثانيا فلم يعرف له خبر، وسكنت الفتنة. فلمّا كان خامس عشرين شهر ربيع الأوّل قدم الأمير سودون الحمزاوى نائب صفد إلى القاهرة باستدعاء من السلطان صحبة الطواشى عبد اللطيف اللّالا بسعى الأمير آقباى طاز الكركى الخازندار فى ذلك لصداقة كانت بينهما. واخلع السلطان على الأمير شيخ السليمانى شاد الشراب خاناه، واستقرّ فى نيابة صفد عوضا عن سودون الحمزاوى، وأنعم السلطان على سودون الحمزاوى بإمرة مائة وتقدمة ألف بالقاهرة.

ثم أنعم السلطان على الوالد بإمرة مائة وتقدمة [ألف «1» ] ، وأزيد مدينة أبيار «2» من الديوان المفرد، ورسم له أن يجلس رأس ميسرة. ثم أخرج «3» الأمير قرقماس الرمّاح إلى دمشق على إقطاع الأمير صرق. وأخلع «4» السلطان على سودون الحمزاوى المعزول عن نيابة صفد باستقراره شادّ الشراب خاناه عوضا عن شيخ السليمانى المسرطن المنتقل إلى نيابة صفد، فلم يقم سودون الحمزاوى فى المشدية إلا أياما، ومرض صديقه الأمير آقباى الكركى الخازندار ومات، فولّى الخازندارية عوضه فى يوم الاثنين سابع جمادى الآخرة. ثم فى ليلة الأربعاء ثالث عشرين [جمادى الآخرة «5» ] غمز على قانى باى العلائى فى دار فكبس عليها «6» ، وأخذ منها، وقيّد وحمل إلى الإسكندرية. وفى هذه الأيام ورد الخبر أن سودون طاز خرج من ثغر دمياط يوم الخميس رابع عشرين جمادى الآخرة فى طائفة، وأنه اجتمع عليه جماعة كبيرة من العربان والمماليك، فندب السلطان لقتاله الوالد والأمير تمراز الناصرى أمير مجلس وسودون الحمزاوى فى عدة أمراء أخر، وخرجوا من القاهرة، فبلغهم أنه عند الأمير [علم «7» الدين سليمان بن] بقر بالشرقية جاءه ليساعده على غرضه، فعند ما أتاه أرسل [ابن «8» ] بقر إلى الأمراء يعلمهم بأن سودون طاز عنده، فطرقه الأمراء وقبضوا عليه وأحضروه إلى القلعة فى يوم الأربعاء سلخ جمادى الآخرة.

ثم أصبح السلطان فى يوم الخميس أول شهر رجب، سمّر خمسة من المماليك السلطانية ممن كان مع [الأمير «1» ] سودون طاز، أحدهم سودون الجلب الآتى ذكره فى عدة أماكن، ثم جانبك القرمانى حاجب حجّاب زماننا هذا، فاجتمع المماليك السلطانية لإقامة الفتنة بسببهم: وتكلّم الأمراء مع السلطان فى ذلك، فخلّى عنهم، وقيّدوا وسجنوا بخزانة شمائل، ونفى سودون الجلب إلى قبرس بلاد الفرنج من الإسكندرية. ثم فى ثالث شهر رجب حمل سودون طاز مقيّدا إلى الإسكندرية، وسجن بها عند غريمه الأمير جكم من عوض الدوادار. وفى هذا الشهر ورد الخبر من دمشق أنه أقيمت الجمعة بالجامع الأموى وهو خراب، وكان بطّل منه صلاة الجمعة من بعد كائنة تيمور، وأن الأمير شيخا المحمودى نائب دمشق سكن بدار السعادة بعد أن عمرت، وكانت حرقت أيضا فى نوبة تيمور، وأن سعر الذهب زاد عن الحدّ، فأجيب: بأن الذهب [قد «2» ] زاد سعره بمصر أيضا، حتى صار سعر المثقال الهرجة «3» بخمسة وستين درهما، والدينار المشخّص «4» ، بستّين درهما. ثم عقد السلطان للأمير «5» سودون الحمزاوى على أخته خوند زينب بنت الملك الظاهر برقوق، وعمرها نحو الثمان سنين، فصارت أخوات السلطان الثلاث

كل واحدة مع أمير من أمرائه، فخوند سارّة زوجة الأمير نوروز الحافظى، وخوند بيرم زوجة الأمير إينال باى بن قجماس، وخوند زينب وهى أصغر هن مع سودون الحمزاوى هذا. ثم فى يوم الاثنين سادس عشرين شهر رجب أخلع السلطان على قاضى القضاة كمال الدين عمر بن العديم باستقراره فى قضاء الحنفية بالديار المصرية بعد أن عزل القاضى أمين الدين عبد الوهاب الطرابلسى بسفارة الوالد لصحبة كانت بينهما من حلب. ثم فى ليلة الثلاثاء سابع عشرين شهر رجب المذكور أرسل السلطان إلى الإسكندرية الأمير أقبردى والأمير تنبك من الأمراء العشرات فى ثلاثين مملوكا من المماليك السلطانية، فوصلوها فى تاسع شعبان، وأخرجوا الأمير نوروز الحافظى، وجكم من عوض، وسودون طاز، وقانى باى العلائى من سجن الإسكندرية وأنزلوهم فى البحر المالح، وساروا بهم إلى البلاد الشأمية، فحبس نوروز وقانى باى فى قلعة الصّبيبة «1» من عمل دمشق. وحبس جكم فى حصن الأكراد «2» من عمل طرابلس، وحبس سودون طاز فى قلعة المرقب «3» ، ولم يبق بسجن الإسكندرية من الأمراء غير سودون من زاده، وتمربغا المشطوب.

ثم حوّل جكم بعد مدّة إلى قلعة المرقب عند غريمه سودون طاز. ثم فى ثامن عشر شوّال خلع السلطان على الأمير بكتمر الرّكنى أمير سلاح باستقراره رأس نوبة الأمراء عوضا عن نوروز الحافظى، واستقرّ الأمير تمراز الناصرىّ أمير مجلس عوضه أمير سلاح، واستقرّ سودون الماردانى رأس نوبة النّوب أمير مجلس عوضا عن تمراز، واستقرّ سودون الحمزاوى رأس نوبة النوب عوضا عن سودون الماردانى، وأخلع السلطان على الأمير طوخ باستقراره خازندارا عوضا عن سودون الحمزاوى. ثم فى خامس عشرين ذى القعدة أفرج عن سعد الدين إبراهيم بن غراب وأخيه فخر الدين ماجد، وكان السلطان قبض عليهما من شهر رمضان، وولّى وظائفهما جماعة، واستمرّا فى المصادرة إلى يومنا هذا، وكان الإفراج عنهما بعد ما التزم سعد الدين بن غراب بحمل ألف ألف درهم [فضة «1» ] وفخر الدين بثلاثمائة ألف درهم، ونقلا إلى السالمىّ ليستخرج الأموال منهما ثم يقتلهما «2» . وكان ابن قايماز أهانهما وضرب فخر الدين وأهانه، فلم يعاملهما السالمىّ [بمكروه «3» ] ولم ينتقم منهما، وخاف سوء العاقبة، فعاملهما من الاحسان والإكرام بما لم يكن ببال أحد، وما زال يسعى فى أمرهما حتى نقلا من عنده لبيت شادّ الدّواوين ناصر الدين محمد بن جلبان الحاجب، وهذا بخلاف ما كانا فعلا مع السالمىّ، فكان هو المحسن وهم المسيئون. ثم أخلع السلطان على يلبغا السالمىّ باستقراره أستادارا، وعزل ابن قايماز، وهذه ولاية يلبغا السالمىّ الثانية.

ما وقع من الحوادث سنة 806

ثم فى سابع ذى الحجّة من سنة خمس أخرج السلطان الأمير أسنبغا المصارع، والأمير نكباى الأزدمرى وهما من أمراء الطبلخاناه بمصر إلى دمشق، وإينال المظفّرى وآخر. وهما من الأمراء العشرات، ورسم للاربعة بإقطاعات هناك، لأمر اقتضى ذلك، فساروا إلى «1» القلعة «2» . فلما كان يوم تاسع عشرين ذى الحجّة أغلق المماليك السلطانيّة باب القصر من قلعة الجبل على من حضر من الأمراء، وعوّقوهم بسبب تأخّر جوامكهم، فنزل الأمراء من باب السرّ «3» ، ولم يقع كبير أمر، وأمر السلطان ليلبغا السالمىّ أن ينفق عليهم فنفق عليهم. [ما وقع من الحوادث سنة 806] ثم فى يوم الثلاثاء رابع المحرّم من سنة ستّ وثمانمائة عزل يلبغا السالمى عن الأستادارية، وأعيد إليها ركن الدين عمر بن قايماز، وقبض على السالمى وسلّم إليه. ثم فى ثامنه أخلع السلطان على الصاحب علم الدين يحيى أبى كمّ واستقرّ فى الوزارة ونظر الخاصّ معا عوضا عن تاج الدين بن البقرى واستقر ابن البقرى على ما بيده من وظيفتى نظر الجيش ونظر ديوان المفرد «4» ، فلم يباشر أبو كمّ الوزر غير ثمانية أيام وهرب واختفى، فأعيد تاج الدين بن البقرى إليها، هذا والسالمىّ فى المصادرة.

وفى هذه السنة كان الشراقى العظيم «1» بمصر، وعقبه الغلاء المفرط ثم الوباء، وهذه السنة هى أوّل سنين الحوادث والمحن التى خرّب فيها معظم الديار المصرية وأعمالها، من الشراقى، واختلاف الكلمة، وتغيير الولاة بالأعمال وغيرها. ثم فى شهر ربيع الأول كتب بإحضار دقماق نائب حلب، وفيه اختفى الوزير تاج الدين بن البقرى، فخلع على سعد الدين بن غراب واستقر فى وظيفتى الأستادارية ونظر الجيش، وصرف ابن قايماز، وخلع على تاج الدين رزق الله وأعيد إلى الوزارة. وفى خامس صفر كتب باستقرار الأمير آقبغا الجمالى الأطروش فى نيابة حلب عوضا عن دقماق، فلما بلغ دقماق أنه طلب إلى مصر هرب من حلب. ثم قدم الخبر على السلطان بأنّ قرا يوسف بن قرا محمد قدم إلى دمشق. فأنزله الأمير شيخ المحمودى بدار السعادة وأكرمه. وكان من خبر قرا يوسف أنه حارب السلطان غياث الدين أحمد بن أويس وأخذ منه بغداد. فلما بلغ تيمور ذلك بعث إليه عسكرا، فكسرهم قرا يوسف، فجهّز إليه تيمور جيشا ثانيا فهزموه، ففرّ بأهله وخاصّته إلى الرّحبة، فلم يمكّن منها ونهبته العرب، فسار إلى دمشق، فوافى بها السلطان أحمد بن أويس وقد قدمها أيضا قبل

تاريخه، وأخبر الرسول أيضا أن قانى باى العلائى هرب من سجن الصّبيبة، فتأخر نوروز بالسجن ولم يعرف أين ذهب. ثم فى يوم الثلاثاء خلع السلطان على بدر الدين حسن بن نصر الله الفوّى «1» واستقرّ فى نظر الخاص عوضا عن ابن البقرى، وهذه أوّل ولاية الصاحب بدر الدين ابن نصر الله للوظائف الجليلة. ثم فى عاشره اختفى الوزير تاج الدين، وفى ثالث عشره أعيد ابن البقرى للوزر على عادته ونظر الخاص، وصرف ابن نصر الله، هذا والموت فاش بين الناس وأكثر من كان يموت الفقراء من الجوع. ثم فى آخر جمادى الآخرة رسم بالقبض على السلطان أحمد بن أويس، وقرا يوسف بدمشق، فقبض عليهما الأمير شيخ وسجنهما. ثم فى يوم الاثنين ثامن عشر شهر رجب قدم إلى القاهرة سيف الأمير آقبغا الجمالى الأطروش نائب حلب بعد موته، فرسم السلطان بانتقال الأمير دمرداش المحمدى نائب طرابلس إلى نيابة حلب، وحمل إليه التقليد «2» والتشريف الأمير سودون المحمدى المعروف تلى.

ما وقع من الحوادث سنة 807

وفى أثناء ذلك ورد الخبر بأن الأمير دقماق نزل على حلب ومعه جماعة من التركمان فيهم الأمير على بك بن دلغادر، وفرّ منه أمراء حلب، فملك دقماق حلب، ورسم السلطان بانتقال الأمير شيخ السليمانى المسرطن نائب صفد إلى نيابة طرابلس، وحمل إليه التقليد والتشريف الأمير أقبردى، ورسم باستقرار الأمير بكتمر جلّق أحد أمراء دمشق فى نيابة صفد «1» عوضا عن شيخ السليمانى المسرطن، وخرج الأمير إينال المأمور «2» بقتل الأمراء المسجونين بالبلاد الشامية، وقبل وصول إينال المذكور أفرج الأمير دمرداش نائب طرابلس عن الأمير جكم وعن سودون طاز، وكانا ببعض حصون طرابلس وسار بهما إلى حلب، وهذا أوّل أمر جكم وظهوره بالبلاد الشامية على ما سنذكره إن شاء الله تعالى. ثم فى يوم الخميس سابع عشر ذى الحجة قبض السلطان على الأمير بيبرس الدوادار الثانى، وعلى الأمير جانم من حسن شاه، وعلى الأمير سودون المحمدى تلى، وحملوا إلى سجن الإسكندرية، واستقر الأمير قرقماس أحد أمراء الطبلخانات دوادارا ثانيا عوضا عن بيبرس المذكور. [ما وقع من الحوادث سنة 807] ثم فى صفر من سنة سبع وثمانمائة، وقع بين الأمير يشبك الشعبانى وبين الأمير إينال باى بن قجماس الأمير آخور كبير وسبب ذلك: أن الأمير يشبك الشعبانى الدوادار صار هو مدبّر الدولة وبيده جميع أمورها من الولاية والعزل، فصار له بذلك عصبة كبيرة، فأحبوا عصبته عزل إينال باى من الأمير اخورية، لاختصاصه بالسلطان الملك الناصر لقرابته منه ثم لمصاهرته، فإنه كان تزوج بخوند

بيرم بنت الملك الظاهر برقوق، وسكن بالإسطبل السلطانى «1» على عادة الأمير اخورية، فصار السلطان ينزل عنده ويقيم ببيت أخته ويعاقره الشراب، فعظم أمر إينال باى لذلك، فخافه حواشى يشبك، وأحبوا أن يكون چركس القاسمى المصارع عوضه أمير اخورا، واتفقوا مع يشبك على ذلك، فانقطعوا عن حضور الخدمة السلطانية من جمادى الأولى، فاستوحش السلطان منهم. وتمادى الحال إلى يوم الجمعة، فأمر السلطان لإينال باى أن ينزل للأمراء المذكورين ويصالحهم، فمنع جماعة من المماليك السلطانية إينال باى أن ينزل، واشتد ما بينهم من الشر حتى خاف السلطان عاقبة ذلك، وباتوا مترقبين وقوع الحرب بينهما، وكان السلطان رسم للأمير يشبك أن يتحول من داره قبل تاريخه، فإنها مجاورة لمدرسة السلطان «2» حسن، فامتنع يشبك من ذلك

فساء ظن السلطان به، ثم استدعى السلطان القضاة فى يوم السبت ثانى صفر إلى بيت الأمير الكبير بيبرس ليصلحوا بين إينال باى وبين يشبك ورفقته، فلم يقع صلح بين الطائفتين، وتسوّر بعض أصحاب يشبك على مدرسة السلطان حسن، فتحقّق السلطان عند ذلك ما كان يظنّه بيشبك، ويحذّره منه إينال باى وغيره، وأخذ كلّ أحد من الطائفتين فى أهبة الحرب، والسلطان من جهة إينال باى، وأصبحوا جميعا يوم الأحد لابسين السلاح، وطلع أعيان الأمراء إلى السلطان، وهم الأتابك بيبرس، والوالد، وبكتمر رأس نوبة الأمراء، وسودون الماردانى أمير مجلس، وآقباى حاجب الحجّاب، وطوخ الخازندار فى آخرين من مقدّمى الألوف والطبلخانات والعشرات والمماليك السلطانيّة. وكان مع يشبك من أمراء الألوف سبعة «1» ، وهم الأمير تمراز الناصرى أمير سلاح، ويلبغا الناصرى، وإينال حطب العلائى، وقطلوبغا الكركى، وسودون الحمزاوى رأس نوبة النوب، وطولو، و چركس المصارع، وانضم معهم سعد الدين إبراهيم بن غراب الأستادار، ومحمد بن سنقر البكجرىّ، وناصر الدين محمد بن على ابن كلبك «2» ، فى جماعة من الأمراء والمماليك السلطانية، وتجهّز يشبك للحرب، وأعدّ بأعلى مدرسة السلطان حسن مدافع النفط والمكاحل والأسهم للرمى على الإسطبل السلطانىّ وعلى من يقف تحته من الرميلة، واجتمع عليه خلائق، ونزل السلطان أيضا من القصر إلى الإسطبل السلطانى، وجلس بالمقعد واجتمع عليه أكابر أمرائه وخاصّكيته، ووقع القتال بين الطائفتين والحصار والرمى بالمدافع من بكرة يوم الأحد إلى ليلة الخميس سابعه، وقد ظهر أصحاب السلطان على البشبكيّة، وحصروهم والقتال مستمرّ بينهم، وأمر يشبك فى إدبار، وحال السلطان فى استظهار، إلى أن

كانت ليلة الخميس المذكورة، فاتفق الأمير يشبك مع أصحابه، وركب نصف الليل، وخرج بمن معه من الأمراء من الرميلة على حميّة، ومرّوا من تحت الطبلخاناه إلى جهة الشام، فلم يتبعهم أحد من السلطانيّة، ونودى بالقاهرة فى آخر الليلة المذكورة بالأمان، ومنع أهل الفساد والزّعر من النّهب، ومرّ يشبك بمن معه من الأمراء والمماليك إلى قطيا، فتلقّاه مشايخ عربان العائذ «1» بالتقادم، وسار إلى العريش وقد بلغ خبره إلى غزّة، فتلقّاه نائب غزّة الأمير خير بك بعساكر غزّة، فدخلها يوم الأربعاء ثالث عشر صفر «2» ونزل بها. ثم بعث الأمير طولو إلى الأمير شيخ المحمودى نائب الشام يعلمه الخبر، وسار طولو يريد دمشق حتى قدم دمشق يوم الأحد ثامن عشره، فخرج الأمير شيخ إليه، وتلقّاه وأعلمه طولو الخبر، فشقّ ذلك عليه، ووعده بالقيام بنصرته ليشبك «3» . وكان فى ثامن عشر الشهر الخارج «4» قدم الأمير دقماق المحمّدى دمشق فأكرمه الأمير شيخ. وخبر دقماق وسبب قدومه إلى دمشق، أنه لمّا فرّ من حلب، وجمع التركمان وأخذ حلب، وقدم الأمير دمرداش المحمّدى نائب طرابلس عليه وقد ولى نيابة حلب بعد أن أطلق دمرداش وسودون طاز وجكم، وسار بهما من طرابلس إلى حلب لقتال التركمان، وواقع التركمان بعد أن قتل سودون طاز، فانكسر دمرداش، وملك جكم حلب منه بعد أمور صدرت يطول شرحها، فكتب السلطان إلى دقماق يخيّره فى أىّ بلد يقيم؟ فاختار الشام، فقدمها.

ولما بلغ الأمير شيخ ما وقع ليشبك بعث بالأمير ألطنبغا حاجب الحجّاب بدمشق والأمير شهاب الدين أحمد بن اليغمورىّ، وجماعة أخر من الأعيان إلى الأمير يشبك، ومعهم أربعة أحمال قماش ومال، وكتب شيخ على أيديهم مطالعات للأمير يشبك يرغّبه فى القدوم عليه، وأنه يقوم بنصرته ويوافقه على غرضه. فلمّا بلغ يشبك ذلك رحل من غزّة فى ليلة الاثنين خامس عشرينه، بعد ما أقام بها ثلاثة عشر يوما، وأخذ ما كان بها من حواصل الأمراء وعدّة خيول، وبعث إليه أهل الكرك «1» والشّوبك «2» بعدّة تقادم، بعد ما كان عرض من معه من المقاتلة فكانوا ألفا وثلاثمائة وخمسة «3» وعشرين فارسا، وتلقّاه بعد مسيره من غزّة بمشايخ بلاد الساحل «4» ، وحمل إليه الأمير بكتمر جلق نائب صفد عدّة تقادم- وقدم عليه ابن بشارة فى عدّة من مشايخ العشير. ثم جهز إليه الأمير شيخ نائب الشام جماعة لملاقاته طائفة بعد أخرى. ثم خرج إليه شيخ المذكور من دمشق حتى وافاه، فلمّا تقاربا ترجّل الأمير شيخ عن فرسه، فلمّا عاينه يشبك ترجّل هو وأصحابه وسلّم عليه، ثم سلّم على الأمراء وجلسا قليلا.

ثم ركبا، وسار يشبك المذكور وقد ألبسه شيخ هو وجميع من معه من الأمراء الخلع بالطّرز العريضة، وعدّتهم أحد وثلاثون أميرا من الطبلخانات والعشرات سوى من تقدّم ذكرهم من أمراء الألوف، ودخلوا [دمشق «1» ] يوم الثلاثاء رابع شهر رجب. ولمّا طال جلوسهم بدمشق سألهم الأمير شيخ عن خبرهم، فأعلموه بما كان وذكروا له أنهم مماليك السلطان وفى طاعته، لا يخرجون عنها أبدا، غير أنّ إينال باى نقل عنهم للسلطان ما لا يقع منهم، فتغيّر خاطر السلطان عليهم حتى وقع ما وقع وأنهم ما لم ينصفوا منه ويعودوا لما كانوا عليه وإلّا فأرض الله واسعة، فوعدهم بخير، وقام لهم بما يليق بهم، حتى قيل إنه بلغت نفقته عليهم نحو مائتى ألف دينار مصريّة. ثم كتب شيخ إلى السلطان يسأله فى أمرهم. وأمّا أمر السلطان الملك الناصر، فإنّه لما أصبح وقد انهزم يشبك بمن معه إلى جهة الشام، كتب بالإفراج عن الأمير سودون من زاده، وتمربغا المشطوب، وصرق وكتب [إلى الأمير نوروز «2» بالحضور إلى الديار المصرية ليستقرّ على عادته] وكتب للأمير جكم أمانا توجّه به طغاى تمر مقدّم البريديّة. ثم فى ثامن عشره خلع على عدّة من الأمراء بعدّة وظائف، فأخلع على سودون الماردانى «3» أمير مجلس باستقراره دوادارا عوضا عن يشبك الشعبانى المقدّم ذكره، وعلى الأمير سودون الطّيار الأمير آخور الثانى، واستقرّ أمير مجلس عوضا عن سودون الماردانى «4» ، وعلى آقباى حاجب الحجّاب باستقراره أمير سلاح عوضا

عن تمراز الناصرى، وخلع على أبى كمّ، واستقرّ فى وظيفة نظر الجيش عوضا عن ابن غراب، وعلى ركن الدين عمر بن قايماز، باستقراره أستادارا عوضا عن ابن غراب أيضا. ثم فى تاسع عشره، قدم سودون من زاده وتمربغا المشطوب وصرق من سجن الإسكندرية «1» وقبّلوا الأرض بين يدى السلطان ونزلوا إلى دورهم. وفى حادى عشرينه خلع السلطان على الأمير يشبك بن أزدمر باستقراره رأس نوبة النّوب «2» عوضا عن سودون الحمزاوى. ثم ألزم السلطان مباشرى الأمراء المتوجّهين إلى الشام بمال، فقرّر على موجود الأمير يشبك مائة ألف دينار، وعلى موجود تمراز مائة ألف دينار، وعلى موجود سودون الحمزاوى ثلاثين ألف دينار، وعلى موجود قطلوبغا الكركىّ عشرين ألف دينار، ورسم السلطان أن يكون الدينار بمائة درهم، ثم افتقد السلطان المماليك السلطانية ممن توجه مع الأمير يشبك فكانوا مائتى مملوك. ثم قدم الخبر على السلطان أنّ الأمير نوروز قدم إلى دمشق من قلعة الصّبيبة، فتلقّاه الأمير شيخ وأكرمه، وضربت البشائر لقدومه بدمشق، فعظم ذلك على السلطان. ثم فى يوم الثلاثاء رابع شهر رجب طلب السلطان جمال الدين يوسف البيرى أستادار بجاس وأخلع عليه باستقراره أستادارا عوضا عن ابن قايماز، بعد ما رسم على جمال الدين المذكور فى بيت شادّ الدواوين محمد بن الطبلاوى يوما وليلة، واستمرّ يتحدّث فى استادارية الأتابك بيبرس فإنه كان خدم عنده ليحميه من الوزر والأستادارية، فلم ينهض بيبرس بذلك.

ثم قدم الخبر بأن الأمير شيخا أفرج عن قرا يوسف. وأما خبر جكم مع دمرداش وكيف ملك منه حلب، وقد قدّمنا ذكر ذلك مجملا من غير تفصيل، فإن جكم لما أطلقه دمرداش وأخذه صحبته إلى حلب، وقاتل معه التركمان ووقع لهما أمور حاصلها أن جكم تخوّف من دمرداش وفرّ منه إلى جهة التركمان، وانضم عليه سودون الجلب بعد مجيئه من بلاد الأفرنج، والأمير حمق نائب الكرك كان وغيره من المخامرين. ثم وافقه ابن صاحب الباز أمير التركمان بتركمانه، فعاد جكم وقاتل دمرداش، ووقع بينهما أمور وحروب إلى أن ملك جكم طرابلس، وأرسل إليه الأمير شيخ نائب الشام، والأمير يشبك ورفقته يستميلونه ليقدم عليهم دمشق ويوافقهم على قتال المصريين، فأجابهم إلى ذلك، وخرج من طرابلس كأنه يريد التوجه إلى دمشق. فلما وصل حماة أخذ نائبها الأمير علان بمن انضم عليه وتوجه بهم إلى دمرداش وقاتله حتى هزمه وأخذ منه مدينة حلب، وفرّ دمرداش بجماعة من أمراء حلب إلى بلاد التركمان. ولما ملك جكم حلب أنعم بموجود دمرداش على علّان نائب حماة، وأقرّه على نيابة حماة على عادته، فصار مع جكم حلب وطرابلس وحماة، وأخذ يسير مع الرعية أحسن سيرة، فأحبه الناس وجرى على ألسنتهم «جكم حكم، وما ظلم» واستمرّ جكم بحلب إلى أن أرسل إليه الأمير شيخ نائب الشام الأمير سودون الحمزاوى، والأمير سودون الظريف، فتوجها إلى جكم على أنه بطرابلس. ثم أرسل الأمير شيخ الأمير شرف الدين موسى الهيدبانى «1» حاجب دمشق إلى حلب رسولا إلى دمرداش يستدعيه إلى موافقته هو ومن عنده من الأمراء.

وكان قد ورد كتاب دمرداش على شيخ ويشبك أنه معهما «1» ، ومتى دعواه حضر إليهما «2» ؛ فهذا ما كان من أمر جكم، وبقية خبر قدومه يأتى إن شاء الله تعالى فيما بعد. ثم إن الأمير شيخا نائب الشام عين جماعة من الأمراء ليتوجهوا لأخذ صفد، فخرج الأمير تمراز الناصرىّ أمير سلاح، والأمير چاركس القاسمى المصارع، والأمير سودون الظريف بعد عوده من طرابلس، وساروا بعسكرهم «3» لأخذ صفد من بكتمر جلّق، بحيلة أنهم يسيرون إلى جشار «4» الأمير بكتمر جلق كأنهم يأخذوه فإذا أقبل عليهم «5» بكتمر ليدفعهم عن جشاره قاطعوا عليه وأخذوا مدينة صفد منه، فتيقظ بكتمر لذلك وترك لهم الجشار، فساقوه من غير أن يتحرك بكتمر من المدينة وعادوا إلى دمشق وأخبروا الأمراء بذلك، فاستعد شيخ لأخذ صفد وعمل ثلاثين «6» مدفعا وعدّة مكاحل ومنجنيقين، وجمع الحجّارين والنقّابين وآلات الحصار، وخرج من دمشق يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان ومعه جمع كبير من عسكر مصر والشام من جملتهم قرا يوسف بجماعته، وجماعة السلطان أحمد بن أويس [متملك بغداد «7» ] وجماعة من التركمان الجشارية، وأحمد بن بشارة بعشرانه «8» وعيسى بن الكابولىّ بعشرانه، ونادى شيخ بدمشق قبل خروجه منها: من أراد النهب والكسب فعليه

بمصر «1» ، فاجتمع عليه خلائق، وسار معه مائة جمل تحمل مكاحل ومدافع وآلات الحصار، وولى الأمير ألطنبغا العثمانى نيابة صفد كما كان أولا، وسار شيخ بمن معه من العساكر حتى وافى مدينة صفد، فأرسل شيخ بالأمير علّان إلى بكتمر جلّق يكلّمه فى تسليم مدينة صفد، فلم يذعن إليه بكتمر وأبى إلا قتاله، وقال: ماله عندى إلا السيف؛ فحينئذ ركب شيخ ويشبك بمن معهما وأحاطا بقلعة صفد «2» ، وحصراها من جميع جهاتها، وقد حصنها بكتمر وشحنها بالرجال، وقام يقاتل شيخا أتم «3» قتال فاستمر الحرب بينهم أياما كثيرة خرح فيها من أصحاب شيخ نحو ثلاثمائة رجل، وقتل أزيد من خمسين نفسا. وبينما هم فى قتال صفد إذ ورد عليهم الخبر بقدوم جكم إلى دمشق، ففرحوا بذلك، ولم يمكنهم العود إلى دمشق إلا عن فيصل من أمر صفد. وكان خروج جكم من حلب فى حادى عشر شهر رمضان، وسار حتى قدم دمشق، وقد حضر إليه شاهين دوادار الأمير شيخ يستدعيه، فإن شيخا كان أرسله إليه قبل خروجه إلى صفد بعد عود سودون الحمزاوى وسودون الظريف من طرابلس، وقبل خروج جكم من حلب سلّم قلعتها إلى الأمير شرف الدين موسى ابن يلدق، وعمل حجّابا وأرباب وظائف، وعزم على أنه يتسلطن ويتلقب بالملك العادل.

ثم بدا له تأخير ذلك، وقدم دمشق لمرافقة شيخ ويشبك ومن معهما، ووصل إلى دمشق ومعه الأمير قانى باى وتغرى بردى القجقارى وجماعة كبيرة، فخرج من بدمشق من أمراء مصر والشام جميعهم إلى لقائه، وأنزل بالميدان، فسلم جكم على الأمراء سلام السلاطين على الأمراء، وأخذ يترفع عليهم ترفعا زائدا أوجب تنكرهم عليه فى الباطن، إلا أن الضرورة قادتهم إلى الانقياد إليه، فأكرموه على رغمهم، وأنزلوه وكلّموه فى القيام معهم، فأجاب، وأمرهم أن يكتبوا ليشبك وشيخ بقدومه إلى دمشق، فكتبوا إلى يشبك وشيخ بذلك، وأخذ جكم فى إظهار شعار السلطنة مع خدمه وأصحابه، فشق على الأمراء ذلك، وما زالوا به بالملاطفة حتى ترك ذلك إلى وقته، وأقام معهم بدمشق إلى ليلة الأحد سابع عشرين شهر رمضان من سنة سبع وثمانمائة المذكورة، فخرج من دمشق وتوجه مخفّا إلى طرابلس ليجمع عساكر طرابلس، وترك ثقله «1» بدمشق، وورد عليه الخبر أن دمرداش لما فر منه ركب البحر وتوجه إلى دمياط. ثم قدم إلى مصر فى رابع عشرين شهر رمضان المذكور فهدأ سرّجكم بذلك عن أمر حلب. وأما يشبك وشيخ بمن معهما من الأمراء والعساكر لما طال عليهم القتال على مدينة صفد، وعجزوا عن أخذها، تكلموا فى الصلح مع بكتمر حتى تم لهم ذلك، واصطلحوا وتحالفوا، ونزل إليهم بكتمر جلّق فى يوم الاثنين حادى عشرين شهر رمضان بعد أن كانت مدة القتال بينهم [على صفد «2» ] اثنين وعشرين يوما، وعاد شيخ إلى دمشق وهو مجروح، ويشبك الشعبانى وهو مجروح أيضا، و چاركس المصارع وهو مجروح.

وأما عساكرهم فغالبهم أثخنته الجراح، فعندما أقاموا بدمشق قدم عليهم الأمير جكم من طرابلس بعد أن أرسلوا يستحثونه على سرعة المجىء إليهم غير مرة فخرجوا لتلقّيه وسلّموا عليه، وعادوا به إلى دمشق وهما فى غاية الحنق من جكم، وهو أنه لما وافاهما جكم ترجّل إليه الأمير يشبك عن فرسه إلى الأرض، وسلّم عليه فلم يعبأ به جكم، ولا التفت إليه، لأنه كان غريمه فيما تقدّم ذكره، فشق ذلك على الأمير شيخ، ولام يشبك على ترجّله. ثم عتب شيخ جكم على ما وقع منه فى عدم إنصاف يشبك، ونزل «1» جكم بالميدان وجلس فى صدر المجلس، وجلس يشبك عن يمينه، وشيخ عن يساره، فكاد شيخ ويشبك أن يهلكا فى الباطن، ولم يسعهما إلا الإذعان لتمام أمرهما. ثم أمرهم جكم ألّا يفعلوا شيئا إلا بمشاورته، فاتفقوا على منع الدعاء للسطان الملك الناصر فرج بمنابر دمشق، فوقع ذلك للخطباء، وذكروا «2» اسم الخليفة فى الخطبة فقط. وكان الأمير شيخ قبل قدوم جكم إلى دمشق أفرج عن السلطان أحمد بن أويس صاحب بغداد من سجن دمشق، وأنعم عليه بمائة ألف درهم فضة وثلاثمائة فرس. وأنعم أيضا على قرا يوسف بمائة ألف وثلاثمائة «3» فرس، وأخرج عدة كبيرة من أمراء مصر إلى جهة غزة [بعد أن حمل إلى كل منهم مائة ألف درهم فضة «4» ] وهم: الأمير تمراز الناصرىّ، وابنه الأمير سودون بقجة «5» ، وسودون الحمزاوى،

ويلبغا الناصرى، وإينال حطب، و چاركس المصارع بعد أن حمل شيخ أيضا إلى كل منهم مائة ألف درهم فضة، ولم يتأخر بدمشق من أعيان الأمراء إلّا الأمير يشبك الدوادار والأمير شيخ نائب الشام، وأقاما فى انتظار الأمير جكم [حتى قدم عليهما جكم «1» ] حسبما تقدّم ذكره، وبعد قدوم جكم أجمعوا على المسير إلى جهة مصر، وبرزوا بالخيام إلى قبة يلبغا فى يوم رابع عشر ذى القعدة. ثم خرج الأمير شيخ والأمير يشبك وقرا يوسف من دمشق فى يوم عشرينه «2» وساروا إلى الخربة «3» فافترقوا منها. فتوجه يشبك وقرا يوسف إلى صفد لقتال نائبها بكتمر جلق ثانيا، فإنه بلغهم أنه مستمر على طاعة السلطان. وتوجه شيخ إلى قلعة الصّبيبة وبها ذخائره وحريمه. فلما بلغ بكتمر جلق مجىء العسكر لقتاله استعد هو أيضا لقتالهم، وقد قوى قلبه، فإنه بلغه أن علّان نائب حماة دخل فى طاعة السلطان وخالف الأمراء، وكذلك شيخ السليمانى المسرطن نائب طرابلس، فإنه دخل فى طاعة السلطان، واستولى على طرابلس واستفحل أمره، وأن الأمير شيخا السليمانى نائب طرابلس بعد أخذ طرابلس قدم عليه البريد بولاية «4» قانى باى على طرابلس، فخرج منها شيخ السليمانى إلى حماة، فأشار عليه علّان نائب حماة أنه لا يسلّم طرابلس لقانى باى حتى يراجع السلطان ويعلمه بما يترتب على عزله من الفساد، فعاد شيخ إلى طرابلس، فبهذه الأخبار ثبت بكتمر جلق على طاعة السلطان وقتال الأمراء.

ولما قارب يشبك، وقرا يوسف صفد أخرج بكتمر كشّافته «1» بين يديه، ونزل جسر يعقوب «2» ، فالتقى كشافته بأصحاب يشبك وقرا يوسف، فاقتتلوا قتالا شديدا ظهر فيه الصفديون «3» ، وأخذوا من الشاميين عشرة أفراس، فعاد يشبك وقرا يوسف إلى طبرية «4» ، ونزلوا بها حتى قدم عليهم الأمير شيخ نائب الشام. ثم ساروا جميعا إلى غزة، وقد تقدّمهم الأمير جكم ونزل على الرملة «5» . وأما أمراء الديار المصرية فإن السلطان الملك الناصر لما تحقق اتفاق الأمير شيخ المحمودى نائب الشام مع يشبك ورفقته، وبلغه أخبارهم مفصّلا، استشار الأمراء فى أمرهم فأجمعوا على خروج السلطان لقتالهم، فتجهّز السلطان، وعلّق جاليش السفر فى ثانى ذى القعدة «6» بالطبلخاناة السلطانية على العادة. ثم أنفق فى رابعه على المماليك السلطانية على كل مملوك خمسة آلاف درهم. وكان صرف الذهب يوم ذاك مائة درهم المثقال، فصرف لكل واحد منهم تسعة «7» وأربعين مثقالا، واحتاج السلطان فى النفقة المذكورة حتى اقترض من مال أيتام الأمير قلمطاى الدوادار عشرة آلاف مثقال، ورهن عندهم جوهرا، وجعل كسب ذلك ألف دينار ومائتى دينار، وأخذ منهم أيضا نحو ستة عشر ألف مثقال وباعهم بها بلدة من أعمال الجيزة تسمى البراجيل «8» ، وأخذ من [تركة «9» ] التاجر برهان

الدين المحلّى وغيره مالا كثيرا، ووزّع له قاضى القضاة شمس الدين الأخنائى الشافعى خمسمائة ألف درهم على تركات خارجة عن المودع، وكانت نفقة السلطان على خمسة آلاف مملوك. ثم عزل السلطان الأخنائى عن قضاء «1» الشافعية بقاضى القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقينى، وعزل ابن خلدون بقاضى القضاة جمال الدين يوسف البساطىّ المالكى. ثم قدم الخبر على السلطان بنزول الأمراء على مدينة غزة، وأخذهم الإقامات «2» المجهّزة للعساكر السلطانية. وكانت غزة قد غلابها الأسعار لقلّة الأمطار، وبلغت الويبة القمح مائة وعشرين درهما، فعند ذلك جد السلطان الملك الناصر فى حركة السفر، والاستعداد للحرب. وأما أمر الأمراء فإنه خرج جاليشهم من مدينة غزة إلى جهة الديار المصرية فى يوم الأحد ثانى ذى الحجة. ثم سار من الغد الأمير شيخ ويشبك وجكم ببقية عساكرهم، واستنابوا بغزة الأمير ألطنبغا العثمانى. ثم قدم الخبر على جناح الطير من بلبيس بنزول الأمراء على قطيا، فكثرت حركات العسكر بالقاهرة، وخرجت مدوّرة «3» السلطان إلى الرّيدانيّة خارج القاهرة، واختبط العسكر واضطرب لسرعة السفر.

ثم ركب السلطان من قلعة الجبل بأمرائه وعساكره فى يوم السبت ثامن ذى الحجة من سنة سبع وثمانمائة، وسار حتى نزل بالريدانية خارج القاهرة، وبات بها، وقد أقام من الأمراء بباب السلسلة بكتمر الركنى رأس نوبة الأمراء وجماعة أخر بالقاهرة. وبينما السلطان بالريدانية ورد عليه الخبر بنزول الأمراء بالصالحية فى يوم التّروية وأخذوا ما كان بها من الإقامات السلطانية، فرحل السلطان من الريدانية فى يوم الأحد تاسعه، ونزل العكرشة «1» ، ثم سار منها ليلا، وأصبح ببلبيس وضحّى بها، وأقام عليها يومى الاثنين والثلاثاء، ورحل من مدينة بلبيس بكرة نهار الأربعاء، ونزل على منزلة السعيدية «2» ، فأتاه كتب الأمراء الثلاثة، وهم: جكم، وشيخ، ويشبك بأن سبب حركتهم ما جرى بين الأمير يشبك وبين إينال باى بن قجماس، وطلبوا منه أن يخرج إينال باى المذكور ودمرداش المحمدى نائب حلب من مصر، وأن يعطى لكلّ من يشبك وجكم وشيخ ومن معهم بمصر والشام ما يليق بهم من النيابات والإقطاعات لتخمد هذه الفتنة باستمرارهم على الطاعة، ولحقن «3» الدماء ويعمر بذلك ملك السلطان، وإن لم يكن ذلك تلفت أرواح كثيرة، وخرّبت بيوت عديدة. وكانوا أرادوا هذه المكاتبة من الشام، ولكن خشوا أن يظنّ بهم العجز، فإنه ما منهم إلا من جعل الموت نصب عينيه، فلم يلتفت السلطان إلى ذلك، ولم يأمر

بكتابة جواب لهم، وكان ذلك مكيدة من الأمراء حتى كبسوا على السلطان فى ليلة الخميس وهم فى نحو ثلاثة آلاف فارس وأربعمائة تركمانى من أصحاب قرا يوسف. وبينما السلطان على منزلة السعيدية ورد الخبر على الوالد من بعض أصحابه ممن هو صحبة الأمراء، أن الأمراء اتفقوا على تبييت السلطان والكبس عليه فى هذه الليلة، فأعلم الوالد السلطان وحرّضه على الركوب بعساكره من وقته، فمال إليه السلطان، فأخذ الأمير بيغوت وغيره يستبعد ذلك، ولا زالوا بالسلطان حتى فتر عزمه عن الركوب، فعاد الوالد إلى وطاقه «1» ، وأمر جميع مماليكه بالركوب بآلة الحرب. وبينما هو فى ذلك إذ ثارث غبرة عظيمة وهجّة فى الناس، وقبل أن يسأل السلطان عن الخبر طرقه الأمراء على حين غفلة، فركب السلطان فى الليل بمن معه واقتتل الفريقان قتالا شديدا من بعد عشاء الآخرة إلى بعد نصف الليل، جرح فيه جماعة كثيرة من الطائفتين، وقتل الأمير صرق الظاهرى صبرا بين يدى الأمير شيخ المحمودى نائب الشام، لأن السلطان كان ولاه عوضه نائب الشام، وانهزم السلطان وركب وسار «2» عائدا على الهجن إلى جهة الديار المصرية، ومعه سودون الطيار وسودون الأشقر، وساقوا إلى أن وصلوا إلى القلعة، وتفرقت العساكر السلطانية وانهزموا وتركوا أثقالهم وخيامهم، وسائر أموالهم غنمها الشاميون، ووقع فى قبضة الأمراء من المصريين الخليفة والقضاة، والأمير شاهين الأفرم، والأمير خير بك نائب غزة، ونحو ثلاثمائة مملوك من المماليك السلطانية وغيرهم، وقدم المنهزمون من السلطانية إلى القاهرة فى يوم الخميس ثالث عشر ذى الحجة، ولم يحضر السلطان

ولا الأمراء الكبار، فكثر الإرجاف وماج الناس، وانتهبت عدة حوانيت حتى قدم السلطان قريب العصر ومعه الأمراء، وقد قاسى من [مرّ «1» ] العطش والتعب مالا يوصف، فسر الناس بقدومه، وطلع إليه الأمراء والعساكر وباتوا تلك الليلة، وأصبح السلطان يتهيأ للقاء الأمراء، وقبض على يلبغا السالمىّ وسلّمه لجمال الدين البيرىّ الأستادار، فعاقبه وصادره، وشرع أمر السلطان كل يوم فى زيادة لعدم قدوم العسكر الشامى إلى القاهرة. فلما كان آخر نهار الأحد نزلت الأمراء بالريدانية خارج القاهرة. ثم أصبحوا فى بكرة نهار الاثنين ركبوا وزحفوا على القاهرة، فأغلقت أبواب المدينة وتعطلت الأسواق عن المعايش، ومشوا حتى وصلوا قريبا من دار الضيافة «2» بالقرب من قلعة الجبل، فقاتلهم السلطانية من بكرة نهار الاثنين المذكور إلى بعد الظهر، فلما أذّن الظهر أقبل جماعة كثيرة من الأمراء إلى جهة السلطان طائعين: منهم الأمير يلبغا الناصرى، وآسنباى أمير ميسرة الشام المعروف بالتركمانى، وسودون اليوسفى، وإينال حطب، وجمق، فلما وقع ذلك اختل أمر الأمراء، وعزم جماعة منهم على العود إلى البلاد الشامية فحمل ما خف من أثقاله وعاد، وفعل ذلك جماعة كبيرة بعد أن أفرج شيخ عن الخليفة والقضاة وغيرهم، فتسلّل عند ذلك الأمير يشبك الشعبانى الدوادار، والأمير تمراز الناصرى أمير سلاح، والأمير جاركس القاسمى المصارع، والأمير قطلوبغا الكركى فى جماعة أخر، واختفوا بالقاهرة وظواهرها. فلما وقع ذلك ولى الأمير جكم والأمير شيخ والأمير طولو وقرا يوسف فى طائفة يسيرة، وقصدوا البلاد الشأمية، فلم يتبعهم أحد من عسكر السلطان.

ثم نادى السلطان بالأمان لكل أحد، فطلع إليه جماعة، فقبض عليهم وقيّدهم وبعث بهم إلى سجن الإسكندرية، وخمدت الفتنة، وانجلت «1» هذه الواقعة عن إتلاف مال كثير من العسكرين، ذهب فيها من الخيل والبغال والجمال والسلاح والثياب ما لا يدخل تحت حصر من غير فائدة. ثم أخذ الملك الناصر فى تمهيد أمور دولته وإصلاح الدولة والمفرد، فقبض على الصاحب تاج الدين بن البقرى، وسلّمه لجمال الدين الأستادار، واستقرّ عوضه فى الوزارة فخر الدين ماجد بن غراب. وكان أخوه سعد الدين إبراهيم بن غراب مع العسكر الشامى، فلما قدم معهم اختفى بالقاهرة، ثم ترامى على الأمير إينال باى بن قجماس، فجمع بينه وبين السلطان ليلا، ووعده بستين ألف دينار. وأصبح يوم الأربعاء تاسع عشر ذى الحجة طلع سعد الدين بن غراب إلى القلعة فخلع عليه السلطان وجعله مشيرا. ثم فى ثالث عشرينه خلع السلطان على الأمير نوروز الحافظى، وكان ممن قدم مع العسكر، باستقراره فى نيابة دمشق عوضا عن الأمير شيخ المحمودى، وعلى بكتمر جلّق باستقراره على نيابة صفد، وعلى سلامش حاجب غزّة بنيابة غزّة. وأما جكم وشيخ فإنهما قدما غزّة فى نحو خمسمائة فارس أكثرهم من التركمان أصحاب قرا يوسف، وقد غنموا شيئا كثيرا، وتفرّقت عساكر شيخ، وتلفت أمواله وخيوله، ومضى إلى دمشق، فخرج إليه الأمير بكتمر جلق والأمير شيخ السليمانى المسرطن نائب طرابلس، فهرب منهما، فتتبّعاه إلى عقبة «2» فيق، فنجا بنفسه

ما وقع من الحوادث سنة 808

فلم يدركاه، ودخل دمشق وهو فى أسوأ حال، فوجد السلطان أحمد بن أويس صاحب بغداد قد فرّ من دمشق إلى جهة بلاده فى ليلة الأحد سادس عشر ذى الحجة، وكان قد تأخر بدمشق ولم يتوجه إلى نحو الديار المصرية صحبة الأمراء. ثم إن شيخا أوقع الحوطة على بيوت الأمراء الذين خامروا عليه وتوجهوا إلى مصر، وأخذ فى إصلاح أمره ولمّ شعثه. وأما جكم فإنه لما فارق حلب كان «1» بها عدّة من أمرائها، ورفعوا سنجق «2» السلطان بقلعة حلب، فاجتمع إليهم العسكر، فحلف بعضهم لبعض على طاعة السلطان وقدم ابنا شهدى الحاجب ونائب القلعة من عند التركمان البياضية إلى حلب، وقام بتدبير أمور حلب الأمير يونس الحافظى، وامتدت أيدى عرب العجل ابن نعير وتراكمين ابن صاحب الباز إلى معاملة حلب، فقسموها، ولم يدعوا لأحد من الأمراء والأجناد شيئا، كل ذلك قبل قدوم جكم إليها من مصر. وأما السلطان فإنه رسم فى أواخر ذى الحجة بانتقال الأمير علّان اليحياوى نائب حماة إلى نيابة حلب عوضا عن جكم، وحمل إليه التقليد والتشريف الأمير إينال الخازندار، واستقرّ الأمير دقماق المحمدى فى نيابة حماة عوضا عن علّان المذكور، واستقرّ الأمير بكتمرجلق نائب صفد فى نيابة طرابلس عوضا عن شيخ السليمانى المسرطن، وتوجه بتقليده الأمير جرباش العمرى، واستقر عوضه فى نيابة صفد الأمير بكتمر الركنى رأس نوبة الأمراء درجة إلى أسفل. [ما وقع من الحوادث سنة 808] ثم فى ثالث المحرم سنة ثمان وثمانمائة قدم مبشر الحاج وأخبر بأنه كان أشيع بمكة المشرفة قدوم تيمور لنك إليها، فاستعد صاحب مكة لذلك، فلم يصحّ ما أشيع.

ثم قدم رسل الأمير شيخ نائب الشام إلى السلطان بديار مصر، وهم شهاب الدين أحمد بن حجّى أحد خلفاء الحكم بدمشق، والشريف ناصر الدين محمد بن على نقيب الأشراف، والشيخ المعتقد محمد بن قويدار، والأمير يلبغا المنجكى، ومعهم كتبه تتضمن الترقق والاعتذار عما وقع منه، وتسأل استقراره على عادته فى نيابة دمشق، فلم يلتفت السلطان إلى قوله، ومنع رسله من الاجتماع بأحد. ثم فى رابع عشرين المحرم سار الأمير نوروز الحافظى إلى نيابة دمشق وخرج الأمراء لوداعه، ونزل بالريدانية ومعه متسفرّه «1» الأمير برد بك الخازندار. ثم وقعت الوحشة بين السلطان وبين الأمير إينال باى بن قجماس الأمير آخور، فقبض السلطان فى يوم الاثنين سادس صفر على الأمير يشبك بن أزدمر رأس نوبة النوب، وعلى الأمير تمر، وعلى الأمير سودون، وهما من إخوة سودون طاز، فاختفى الأمير إينال باى أمير آخور ومعه الأمير سودون الجلب، وأحاط السلطان بدورهم، ثم قيّد الأمراء وأرسلهم إلى سجن الإسكندرية. وأما إينال باى فإنه دار على جماعة من الأمراء ليركبوا معه، فلم يؤهّله أحد لذلك، فاختفى إلى يوم الجمعة عاشره، فظهر، وطلع به الأتابك بيبرس إلى القلعة، فكثر الكلام بين الأمراء حتى آل الأمر إلى مسك إينال باى وإرساله إلى ثغر دمياط بطّالا. ثم فى خامس عشرين صفر فرّق السلطان إقطاعات الأمراء الممسوكين، فأنعم بإقطاع إينال باى على الوالد، وزاده إمرة طلبخاناه، وأنعم بإقطاع الوالد على الأمير دمرداش المحمدى نائب حلب كان، وبإقطاع دمرداش على الأمير أزبك الإبراهيمى.

وجميع هذه الإقطاعات تقادم ألوف، لكن شيئا أحسن من شىء فى كثرة المغلّ. وأنعم على الأمير بيبرس الصغير الدوادار بتقدمة ألف قبل أن تكمل لحيته، وعلى الأمير بشباى الحاجب بتقدمة ألف، وعلى الأمير علّان بتقدمة ألف، وعلى الأمير قراجا بإمرة عشرين، وأنعم بطبلخانات سودون الجلب على الأمير أيتمش الشعبانى. ثم أخلع على الأمير جرباش الشيخى رأس نوبة ثانى باستقراره أمير آخورا كبيرا عوضا عن إينال باى. وأما الأمير شيخ فإنه توجه صحبة الأمير جكم وقرا يوسف لحرب نعير. ثم اختلفوا، فمضى جكم إلى طرابلس، وتوجه قرا يوسف إلى جهة الشرق عائدا إلى بلاده، وعاد الأمير شيخ من البقاع ونزل سطح المزّة «1» ومعه خواصّه فقط. ثم توجه إلى الصّبيبة «2» هاربا من نوروز الحافظى، فدخل نوروز إلى دمشق فى يوم الثلاثاء ثانى عشرين صفر من غير مدافع لضعف الأمير شيخ عن مقاومته وقتاله. وأما السلطان، فإنه أخلع على الأمير بشباى الحاجب باستقراره رأس نوبة النوب عوضا عن يشبك بن أزدمر، وأخلع على الأمير أرسطاى باستقراره حاجب الحجّاب بعد بشباى.

ثم فى يوم الثلاثاء وقع بالديار المصرية فتنة، وكثر الكلام بين الأمراء إلى أن اتفق جماعة من المماليك الچركسية وسألوا السلطان القبض على الوالد وعلى الأمير دمرداش المحمدى، وعلى الأمير أرغون من بشبغا وجماعة أخر من كون السلطان اختص بهم، وتزوّج بكريمتى على كره من الوالد، وكونه أيضا أعرض عن الچراكسة وأمسك إينال باى، فخافوا أن تقوى شوكة هؤلاء عليهم، واتفقوا واجتمعوا على الأتابك بيبرس، وتأخروا عن الخدمة السلطانية، وكثر كلام القوم فى ذلك إلى أن طلب السلطان الأمراء واستشارهم فيما يفعل، فقال له دمرداش: المصلحة [تقتضى] قتالهم «1» ، وأنا كفء هؤلاء الچراكسة، والسلطان لا يتحرك من مجلسه فنهره الوالد وقال له ما معناه: نقاتل من؟ نقاتل خشداشيّتك «2» ، كلّنا مماليك السلطان ومماليك أبيه مهما شاء السلطان فعل «3» فينا وفيهم. هذا وقد ظهر الملل على السلطان من كثرة الفتن، ولحظ الوالد منه ذلك، فإنه قال فيما بعد: سمعته يقول فى ذلك اليوم: وددت لو كنت كما كنت ولا أكون سلطانا. ثم أمر السلطان الوالد أن يختفى حتى ينظر السلطان فى مصلحته، وأمر دمرداش أيضا بذلك، وانفض المجلس من غير إبرام أمر. ثم أصبح الناس يوم الأربعاء سابع شهر ربيع الأول من سنة ثمان المذكورة، وقد ظهر الأمير يشبك الشعبانى الدوادار، والأمير تمراز الناصرى أمير سلاح، والأمير جاركس القاسمى المصارع، والأمير قانى باى العلائى، وكانوا مختفين بالقاهرة من يوم واقعة السعيدية.

وخبر ظهورهم أن الأتابك بيبرس ركب إلى السلطان، وأخبره بمواضع الأمراء المذكورين، ووافقه على مصالحة الچراكسة وإحضار الأمراء من اختفائهم، والإفراج عن إينال باى وغيره، فرضى السلطان بذلك، وتقرر الحال على ذلك، وطلع الأمراء المذكورون من الغد فى يوم الخميس ثامن شهر ربيع الأوّل المذكور، فأخلع «1» السلطان على الأمير سودون المحمّدى باستقراره أمير آخورا كبيرا عوضا «2» عن جرباش الشيخى، وعوده إلى إقطاعه إمرة طبلخاناة ووظيفنه رأس نوبة. ثم فى عاشره طلع الأمير يشبك الدوادار والأمير تمراز الناصرى أمير سلاح والأمير جاركس القاسمى المصارع وجماعة أخر إلى القلعة، وقبّلوا الأرض بين يدى السلطان، فأخلع عليهم خلع الرضا، ونزل كل واحد إلى داره. ثم فى خامس عشرة قدم الأمير قطلوبغا الكركى، وإينال حطب، وسودون الحمزاوى، ويلبغا الناصرى، وأسندمر الناصرى، وتمر من سجن الإسكندرية، وهؤلاء الذين كان السلطان نادى لهم بالأمان بعد وقعة السعيدية، فلما طلعوا له قبض عليهم وسجنهم بالإسكندرية وهم رفقة يشبك وشيخ و چكم. ثم قدم الأمير إينال باى بن قجماس من ثغر دمياط ومعه تمان تمر الناصرى. ثم قدم الأمير يشبك بن أزدمر أيضا من سجن الإسكندرية. ثم أمسك السلطان القاضى فتح الدين فتح الله كاتب «3» السرّ، وولّى عوضه سعد الدين إبراهيم بن غراب، وألزم فتح الدين بحمل ألف ألف درهم. ثم ظهر الأمير دمرداش [نائب حلب «4» ] من اختفائه، فأخلع السلطان عليه نيابة غزّة، فسار فى يوم السبت رابع عشرينه، وخلع السلطان أيضا على يشبك بن

أزدمر بنيابة ملطيّة، فامتنع من ذلك، فأكره حتى لبس الخلعة «1» ، ووكّل به الأمير أرسطاى الحاجب والأمير محمد بن جلبان الحاجب حتى أخرجاه من فوره إلى ظاهر القاهرة. ثم بعث السلطان إلى الأمير أزبك الإبراهيمى الظاهرى المعروف بخاص خرجى «2» ،- وكان تأخّر عن طلوع الخدمة- بأن يستقرّ فى نيابة طرسوس «3» ، فأبى أن يقبل والتجأ إلى بيت الأمير إينال باى، فاجتمع طائفة من المماليك ومضوا إلى يشبك بن أزدمر، وردّوه فى ليلة الجمعة ثالث عشرين شهر ربيع الأوّل وقد وصل قريبا من سرياقوس، وضربوا الحاجب المرسّم عليه، وصار العسكر فرقتين، وأظهر المماليك الجراكسة الخلاف، ووقفوا تحت القلعة يمنعون من يقصد الطلوع إلى السلطان، وجلس الأتابك بيبرس بجماعة من الأمراء فى بيته، وصار السلطان بالقلعة وعنده عدّة أمراء، وتمادى الحال على ذلك يوم الخميس والجمعة والسبت والسقالة بينهم. فلما كان يوم السبت نزل السلطان من القلعة إلى باب السلسلة، واجتمع عنده بعض الأمراء لإصلاح الأمر، فلم يفد ذلك، وباتوا على ما هم عليه، وأصبحوا يوم الأحد خامس عشرينه وقد كثروا وطلبوا من السلطان الوالد أرغون من بشبغا. وكان الوالد قد ظهر من يوم أخرج دمرداش إلى نيابة غزة، فلم يستجر أحد يتكلم فى خروجه من القاهرة، واستمر على إمرته، فأبى الملك الناصر أن يرسله إليهم،

فقال الوالد: هذا أمر يطول، ولا بدّ من النزول، فنزل إليهم ومعه أرغون، وكلّم الأمراء فى سبب طلبهم إياه، وخشّن للأتابك بيبرس فى القول، فإنه كان مسفّر الوالد لما ولى نيابة حلب فى أيام الملك الظاهر برقوق، فلم يتكلّم بيبرس ولا غيره بكلمة واحدة، وسكت الجميع. فلما طال المجلس قال الوالد: ما تتكلموا، فعندها «1» تكلّم شخص من الخاصكية الظاهرية يقال له: قرمش الأعور، وهو الذي قطع رأسه فى دولة الملك الأشرف برسباى من أجل جانى بك الصوفى حسبما يأتى ذكره، وقال قرمش: ياخوند، المقصود أنك تخرج من الديار المصرية حتى تسكن هذه الفتنة، ثم تعود بعد أيام أو يعطيك السلطان ما تختار من البلاد. فقال الوالد: بسم الله حتى أشاور السلطان ثم أسافر، وخرج فلم يجرؤ أحد أن يقبضه ولا يرسّم عليه، وعاد إلى بيته ولم يطلع إلى السلطان. وكان سكنه بالبيت الذي بباب الرّميلة تجاه مصلّاة المؤمنىّ «2» ، وأقام به يومه وتجهّز وخرج فى الليل فى نحو مائة مملوك من خواصّه، فلم يقف له أحد على خبر، وسار من البرّية إلى القدس الشريف فى دون الخمسة أيام، ولم يجتز بقطيا خوفا من تسليط العربان عليه. وكان لما خرج من بيت بيبرس أرسل إليه السلطان يعلمه أنه أيضا يريد يختفى ويترك السلطنة، فلهذا جدّ الوالد فى السير لئلا يخرج القوم فى أثره ويقبضون عليه.

فلما كان وقت الظهر من يوم خروج الوالد من مصر وهو يوم الأحد خامس عشرين شهر ربيع الأوّل فقد السلطان الملك الناصر فرج بن برقوق من قلعة الجبل ولم يعرف له خبر. وسبب تركه السلطنة أنه كان فى يوم النوروز جلس السلطان مع جماعة من الأمراء والخاصكية من مماليك أبيه، وشرب معهم حتى سكر، ثم ألقى بنفسه إلى فسقيّة هناك، فألقى الجماعة أنفسهم معه، وقد غلب على السلطان السكر، وصار يسبح معهم فى الماء ويمازحهم، وترك الوقار، فجاء من خلفه الأمير أزبك الإبراهيمى المعروف بخاصّ خرجى، وقيل غيره، وأزبك الأشقر «1» ، وأغمّه فى الماء مرارا وهو يمرق من تحته كأنه يمازحه حتى قبض عليه وغرّقه فى الماء حتى كادت نفسه تزهق، ففطن به بعض مماليك أبيه من الأروام ممن كان معهم أيضا فى الفسقية، وخلّصه منه، وأفحش فى سبّ أزبك المذكور، وأراد قتله، فمنعه السلطان من ذلك، وقال: كان يلعب معى، وأسرّها فى نفسه. ثم طلع السلطان من الفسقيّة، وذهب كل واحد إلى حال سبيله، فذكر السلطان بعد ذلك للوالد ما وقع له مع أزبك المذكور، وأمره أن يكتم ذلك لوقته، فأخذ الوالد يزوّل عنه ذلك ويهوّنه عليه. ثم عرّف السلطان جماعة من أكابر أمراء الجراكسة بذلك، فلم يلتفتوا لقوله وقالوا: لم يرد بذلك إلّا مباسطة السلطان، فعند ذلك تحقّق السلطان أنهم يريدون قتله، وكان ذلك بعد خروج الأمراء من السجن وظهور يشبك ورفقته، وقد كثروا وعظم جمعهم، فلم يجد الملك الناصر بدّا من أن يفوز بنفسه ويترك لهم ملك مصر.

ولما أراد النزول من القلعة ليختفى بالقاهرة قام ومعه بكتمر مملوك القاضى سعد الدين بن غراب، ويوسف بن قطلوبك صهر ابن غراب، ونزلوا من باب السرّ الذي يلى القرافة، وساروا على بركة الحبش «1» ، ونزلوا منها فى مركب، وتركوا الخيل وتغيّبوا نهارهم كلّه فى البحر حتى دخل الليل، فساروا بالمركب إلى بيت سعد الدين ابن غراب وهو فيما بين الخليج «2» وبركة الفيل «3» بالقرب من قنطرة طقزدمر «4» ، فلم يجدوه فى داره، فمروا على أقدامهم حتى باتوا فى بيت بالقاهرة لبعض معارف بكتمر. ثم بعثوا لابن غراب بمجيء السلطان إلى عنده، فهيأ له سعد الدين مكانا من داره، وأنزله فيه من غير أن يعلم أحد به. وأما الأمراء، فإنه لمّا بلغهم ذهاب السلطان الملك الناصر [خرج المذكور «5» ] فى يوم الأحد خامس عشرين شهر ربيع الأوّل من سنة ثمان وثمانمائة، بادروا بالطلوع إلى القلعة، وهم طائفتان: الطائفة التى كانت خالفت السلطان الملك الناصر، وركبوا عليه وقاتلوه أياما، ثم توجهوا إلى الشام وعادوا إلى الديار المصرية وصحبتهم جكم وشيخ وقرا يوسف وواقعوه بالسعيدية «6» ، وكسروه. ثم اختفوا؛ ورأسهم يشبك الشعبانى الدوادار بمن كان معه من الأمراء وقد مر ذكرهم فى عدّة مواضع، والطائفة الأخرى كبيرهم بيبرس الأتابك، وسودون الماردانى الدوادار الكبير، وإينال باى وغيرهم. فلما طلعوا الجميع إلى القلعة، منعهم الأمير سودون تلى المحمدى الأمير آخور الكبير من الطلوع إلى القلعة، فصاروا يتضرّعون إليه من نصف النهار إلى بعد

غروب الشمس، حتى مكّنهم من العبور من باب السلسلة، فطلعوا ومعهم الخليفة المتوكل على الله والقضاة الأربعة، وتكلموا فيمن ينصّبوه سلطانا، حتى اتّفقوا على سلطنة الأمير عبد العزيز بن الملك الظاهر برقوق، فإنه ولى عهد أخيه فى السلطنة حسبما قرّره والده الملك الظاهر برقوق قبل وفاته، فطلبوه من الدّور السلطانية، فمنعته أمه خوند قنّق باى أوّلا، ثم دفعته لهم فأحضروه، وتم أمره، وتسلطن حسبما نذكره فى محلّه من ترجمته، وخلع الملك الناصر فرج من السلطنة وسنّه نحو سبع عشرة سنة تخمينا، فكانت مدّة تحكم الملك الناصر على مصر من يوم مات أبوه الملك الظاهر برقوق إلى يوم خلع ست سنين وخمسة أشهر وأحد عشر يوما [والله أعلم «1» ] . «انتهى الجزء الثانى عشر من النجوم الزاهرة، ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الثالث عشر، وأوّله: السنة الأولى من سلطنة الملك الناصر فرج بن الظاهر برقوق الأولى على مصر» . النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 13، ص: 1 [الجزء الثالث عشر] بسم الله الرّحمن الرّحيم تقديم كتاب النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة لأبى المحاسن يوسف بن تغرى بردى المتوفى فى أخريات سنة أربع وسبعين وثمانمائة هجرية من الكتب القلائل التى جعلت الأحداث فى مصر وما يدور فى فلكها من الأقاليم والأطراف مدار بحثها، إلا أنه ينفرد من بينها بأنه أجمعها وأسلسها لغة، وأبعدها عن الحشو، وأكثرها تنظيما، وأشدها اهتماما بألوان الحضارة المختلفة وتطورها على مدارج التاريخ فى الدولة العربية. ثم هو يعدّ فى أجزائه من الأوّل إلى الثانى عشر- وهى التى تعالج الحقبة التاريخية من سنة عشرين من الهجرة إلى سنة إحدى وثمانمائة- واسطة بين الكتب والموسوعات التاريخية التى اهتمت بمعالجة الأحداث فى تلك الحقبة، فهو وإن اعتمد عليها فى تأليف مادته فإنه تميز عليها فى كثير من المواطن بأحكامه الصادقة واستنباطاته السليمة. ثم هو فيما بعد ذلك إلى سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة من الهجرة يعتبر عمدة فى تاريخ مصر والأطراف إذا ما قورن بغيره من الكتب التى تعرضت لأحداث ما بعد السنة الحادية والثمانمائة من الهجرة. النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 13، ص: 2 ومن هنا لقى هذا الكتاب اهتماما بالغا من العلماء العرب والمستشرقين ابتداء من سنة 1855 م قشروا منه أجزاء تكاد تشمله كله. ومن قبل أمر السلطان سليم الأول العثمانى بترجمته إلى اللغة التركية. بل ترجم إلى اللغة اللاتينية وغيرها. وكان لاهتمام القسم الأدبى بدار الكتب بتحقيق أجزاء منه ونشرها فضل كبير فى تيسير الاستفادة به، ولقد بدأ فى نشره سنة 1929 م ثم توقف عن الاستمرار فى نشره بعد أن أخرج الجزء الثانى عشر سنة 1956 م. ثم أخذت المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر على عاتقها مسئولية تحقيق الأجزاء الأربعة الباقية منه والتى لم يسبق نشرها فى مصروفنا للمنهج الذي نهجه القسم الأدبى. وأسند تحقيق هذا الجزء الثالث عشر إلى العالم الجليل الأستاذ/ حسن عبد الوهاب ولكنه توفى إلى رحمة الله قبل أن يبدأ فى التحقيق، وتعثرت بقية الأجزاء أيضا فى مرحلة التحقيق لأسباب مختلفة. ولما توليت منصب رئيس مجلس إدارة المؤسسة، وأطل علينا عام الاحتفالات بالعيد الألفى لمدينة القاهرة وجهت اهتمامى إلى دفع الأجزاء الباقية فى مراحل التحقيق والنشر. فأسندت المؤسسة تحقيق هذا الجزء الثالث عشر إلى الأستاذ/ فهيم محمد شلتوت، وطلبت منه أن يفرغ جهده كله لتحقيقه وعمل فهارسه بحيث يكون بداية فى طبع الأجزاء الأربعة الباقية. وقد قام السيد/ المحقق بواجبه فى إخلاص وأمانة وأنجز التحقيق والفهارس على خير وجه. النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 13، ص: 3 والجزء الثالث عشر هذا يعالج حقبة من تاريخ العالم العربى والأطراف الدائرة فى فلكه، وهى حقبة سلطنة الملك الناصر فرج بن برقوق (801 هـ- 815 هـ) وما تخللها من سلطنة أخيه الملك المنصور عبد العزيز. ثم سلطنة الخليفة المستعين بالله العباس، وقد شهدت فيها مصر وما والاها أحداثا لم تشهد مثلها من قبل. شهدت فيها غزو تيمورلنك لسوريا (802- 803 هـ) وما كان من عجز السلطان وولاته عن دفع هذا الغزو، ثم ما كان من تلك المذابح التى تميز بها الغزو التترى المغولى والتى لم يسجل مثلها التاريخ بشاعة وقسوة. وشهدت هذه الحقبة أيضا أسوأ صورة للخلاف والصراع بين سلطان وكبار رجال دولته بحيث فنى كثير منهم تحت عقوبته وبحد سيفه. ومع ذلك استمروا فى صراعه حتى تغلبوا عليه وقتلوه بقلعة دمشق سنة 815 هـ. وشهدت فيها قيضاصور فن النيل (806- 807 هـ) مما أدى إلى الجدب العظيم الذي شمل البلاد وأصابها بسنة من السنين العجاف التى حلت بالدولة الإسلامية على مدارج التاريخ. وشهدت هذه الفترة أيضا انتشار الطاعون (808 هـ، 813 هـ) والموتان المنتشر بين السكان شرقا وغربا وشمالا وجنوبا. كما شهدت الغلاء الفاحش والفقر المدقع والجوع الشامل. وانعكس أثر ذلك كله فى الحياة السياسية والاقتصادية والعمرانية ففسدت الأحوال وتولى الأمور من لا يحسن أداءها، وتوصل كل طالب وظيفة إليها بالرشوة والبذل، ثم تسلط بعد ذلك على رقاب ذوى الحرف والتجار والزراع يفرض عليهم أنواع الضرائب والإتاوات، ولا يكف عن طلبها ولا يعف النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 13، ص: 4 فى تحصيلها، وابتلى أهل الريف خاصة بكثرة المغارم وتنوّع المظالم، فاختلت أحوالهم، وجلوا عن أوطانهم. وكما يقول تقي الدين المقريزى «1» : «فاقتضى الحال من أجل ذلك ثورة أهل الريف، وانتشار الزّعّار وقطاع الطريق ... وتزايدت غباوة أهل الدولة، وأعرضوا عن مصالح العباد ... ثم إن قوما ترقوا فى خدم الأمراء يتولّفون إليهم بما جبوا من الأموال ... فأحبوا مزيدا من القربة منهم- ولا وسيلة أقرب إليهم من المال- فتعدوا إلى الأراضى الجارية فى إقطاعات الأمراء، وأحضروا مستأجريها من الفلاحين وزادوا فى مقادير الأجر ... وجعلوا الزيادة ديدنهم فى كل عام حتى بلغ الفدان- لهذا العهد- نحوا من عشرة أمثاله قبل هذه الحوادث» . ولقد كان ذلك الخراب الذي نزل بالديار المصرية، وقضى على كثير من المنشآت العمرانية نتيجة للإهمال، ولاستحواز السلطان وبطانته على أوقافها وتوجيه أرياعها إلى مصارف أخرى، وأصبح الحديث عن سنة 806 هـ- فيما تلاها من الأزمان- يعطى صورة لأفدح ما أصيبت به الآثار العمرانية- التى وصلت إلى قمة الفن المعمارى للعصر المملوكى والأيوبى والفاطمى- من الهدم والخراب والاندثار. وإنى إذ أقدم هذا الجزء الثالث عشر للقارئ فإننى أرجو أن يجد بقية النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 13، ص: 5 الأجزاء الأربعة من الكتاب بين يديه تباعا بإذن الله، حيث إنه قد تم تحقيقها وأخذت طريقها إلى المطابع. ولعل نشر هذه الأجزاء من هذا الكتاب يكون بمثابة تحية من الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر للقاهرة فى عام أعيادها الألفية. والله ولى التوفيق. شوال سنة 1389 هـ. دكتورة ديسمبر سنة 1969 م. سهير القلماوى

الجزء الثالث عشر

تراثنا النّجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة تأليف جمال الدين أبى المحاسن يوسف بن تغرى بردى الاتابكى الجزء الثالث عشر تحقيق فهيم محمّد شلتوت الهيئة للمصرية العامة للتأليف والنشر 1389 هـ- 1970 م

ما وقع من الحوادث سنة 801

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم [ما وقع من الحوادث سنة 801] السنة الأولى من سلطنة الملك الناصر فرج ابن الظاهر برقوق- الأولى على مصر وهى سنة إحدى وثمانمائة، على أنّ والده الملك الظاهر برقوق حكم منها إلى نصف شوّال، ثمّ حكم فى باقيها الملك النّاصر هذا. فيها توفّى قاضى القضاة عماد الدين أحمد بن عيسى بن سليم بن جميل الأزرقىّ العامرىّ الكركىّ الشافعىّ، قاضى قضاة الكرك «1» ، ثم الدّيار المصرية بالقدس فى سادس شهر ربيع الأوّل، وكان فاضلا رئيسا نبيلا، وهو أحد من قام مع الملك الظّاهر برقوق عند خروجه من سجن الكرك، وخدمه فى أيّام حبسه بها- وقد تقدّم ذكر ذلك كلّه فى ترجمة الملك الظّاهر برقوق- ولمّا عاد الملك الظّاهر إلى ملكه عرف له ذلك، وطلبه إلى الدّيار المصريّة، وولّاه قضاء الشّافعيّة بالدّيار المصريّة، وولّى أخاه علاء الدين كاتب سرّ الكرك كتابة «2» سرّ مصر، ثم صرف القاضى

عماد الدين هذا عن القضاء برغبة منه، وولى مشيخة الصلاحية «1» بالقدس الشّريف إلى أن مات به. وتوفّى الأمير سيف الدين أرغون شاه بن عبد الله الإبراهيمىّ الظّاهرىّ- يرقوق- نائب حلب بها، فى ليلة خامس عشرين صفر، وكان من أخصّاء مماليك الملك الظّاهر برقوق؛ رقّاه إلى أن ولّاه نيابة صفد «2» ، ثم طرابلس، ثم تقله إلى نيابة حلب بعد عزل الوالد عنها فى سنة ثمانمائة، فدام بها إلى أن مات، وكان أميرا عاقلا ساكنا، مشكور السيرة، وتولّى بعده نيابة حلب الأمير آقبغا الجمالى الأطروش. وتوفّى الأمير زين الدين أمير حاج بن مغلطاى، أحد الأمراء بالدّيار المصريّة. فى شهر ربيع الأول، وكان له رياسة ووجاهة. وتوفّى الشيخ الإمام العلّامة قنبر بن محمد العجمىّ السّيرامىّ «3» الشافعى، العالم المشهور بالقاهرة، فى شعبان، وكان قدومه إليها من بلاد العجم فى حدود سنة سبع وثمانين وسبعمائة، ونزل بجامع الأزهر، وكان متفنّنا فى عدّة فنون من العلوم، درّس، واشتغل، وانتفع به الطلبة، وكان تاركا للدّنيا، متقشّفا فى ملبسه، قد قنع بجبّة من لبد «4» ، وطاقيّة من لبد- صيفا وشتاء- وقال العينىّ بعدما أثنى على علمه: وكان يميل إلى سماع المغانى واللهو والرقص، وكان يتّهم بالمسح على رجليه من غير خفّ «5» - انتهى.

وتوفّى الأمير سيف الدين بكلمش بن عبد الله العلائىّ. أمير سلاح» كان- بطّالا- بالقدس فى صفر، وأصله من مماليك الأمير طيبغا الحسنىّ الناصرىّ، المعروف بالطويل، وترقّى بعده حتى صار من جملة الأمراء، ثمّ أنعم عليه الملك الظاهر برقوق بإمرة طبلخاناة «2» قبل خلعه من الملك، ثمّ جعله فى سلطنته الثانية أمير آخورا كبيرا «3» مدّة سنين، ثمّ نقله- بعد أن أمسكه وحبسه- إلى إمرة سلاح، فدام على ذلك سنين إلى أن قبض عليه فى تاسع عشرين المحرم من سنة ثمانمائة، وقبض- معه أيضا- على الأمير الكبير كمشبغا الحموىّ، وحملا إلى سجن الإسكندرية، وتولّى الأمير آخورية بعده الأمير تنبك الظاهرى، فدام بكلمش هذا فى السجن إلى أن أفرج عنه، وبعثه إلى القدس بطّالا، فدام به إلى أن مات، وكان أميرا شجاعا مقداما، ذا كلمة نافذة فى الدولة، إلا أنه كان فيه كبر وجبروت، وخلق سيئ مع كرم وإنعام، وكان سبب القبض عليه أنّه ضرب موقّعه القاضى صفىّ الدين الدميرى وصادره، فشكا صفىّ الدين حاله إلى السلطان فى أبيات مدح السلطان فيها، وذمّ بكلمش المذكور، من جملتها قوله: يأكلنى ذئب وأنت ليث «4» فسمع بذلك بكلمش، فطلبه وضربه ثانيا بالمقارع، وكلما ضربه رشّ عليه الملح، فكان كلّما صاح يقول له بكلمش قل للّيث يخلّصك من الذئب، فأقام بعد

ذلك مدة، ومات من تلك العقوبة، وبلغ السلطان ذلك فأمهله مدة ثم قبض عليه. وفيها توفّى الأمير حسام الدين حسن الكجكنّىّ «1» نائب الكرك، ثم أحد مقدمى الألوف بالديار المصرية، وهو الذي أخرج الملك الظاهر يرقوق من سجن الكرك، ولما أرسل إليه منطاش الشهاب البريدىّ بقتله فقام حسام الدين هذا بنصرته، فلما عاد الملك الظاهر إلى ملكه كافأه وأنعم عليه بإمرة مائة «2» ، وتقدمة ألف بديار مصر، وصار من أعظم أمرائه إلى أن مات- رحمه الله- وكان عارفا، عاقلا، سيوسا، وعنده فضيلة، وفهم جيد ومذاكرة. وتوفّى الشيخ المعتقد خلف بن حسن بن حسين الطّوخى «3» ، فى ثانى عشرين شهر ربيع الأول، وكان للناس فيه اعتقاد ومحبّة. وتوفّى الشيخ المعتقد الصالح خليل بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد الجليل المغربىّ، ويعرف بابن المشيّب، فى سادس عشرين شهر ربيع الأول «4» . وتوفّى الشيخ الإمام العالم العامل شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبى بكر ابن محمد العبّادىّ الحنفىّ الفقيه المشهور، فى ليلة الأحد تاسع عشر شهر ربيع الآخر، وكان من فضلاء الحنفيّة، أفتى ودرّس فى عدة فنون. وتوفّى الشيخ الإمام الأديب البليغ علاء الدين أبو الحسن علىّ بن أيبك [التقصباوى الناصرى] «5» الدّمشقىّ الشاعر المشهور، فى ثالث عشر ربيع الأول بدمشق، وكان بارعا فى النّظم، وله شعر رائق، ذكرنا منه قطعة جيدة فى ترجمته فى

تاريخنا «المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى» ومولده فى سنة ثمان وعشرين وسبعمائة بدمشق، ومن شعره- رحمه الله- قوله: (الكامل) قم زفّ بنت الكرم ثمّ استجلها ... بكرا لها فى الكأس رأس أشمط فالطّير شاد والنّسيم مشبّب ... والغصن يرقص والغمام ينقّط وله أيضا: (الوافر) كأنّ الرّاح لمّا راح يسعى ... بها فى الرّاح ميّاس القوام سنا المرّيخ فى كفّ الثّريّا ... يحيّينا به بدر التّمام وله الموشح المشهور الذي أوله: يا من حكى خدّه الشّقائق ... وماله فى اليها «1» شقيق تركتنى بالدموع شارق ... لمّا بدا خدّك الشّريق سللت من ناظريك صارم ... للفتك يا شادن الصّريم وسرت يوم الفراق سالم ... وقد تركت الحشا سليم متى أراك الغداة قادم ... يا من حديثى به قديم شيّبت من أجلك المفارق ... وسرت مع جملة الفريق ما بين حاد حدا وسائق ... حملى بمن ساقه وسيق وهو أطول من ذلك. وتوفّى العارف بالله شمس الدين محمد بن أحمد بن علىّ، المعروف بابن نجم الصوفىّ بمكة المشرّفة، فى صفر بعد أن جاور بها عدة سنين.

وتوفّى الخليفة أمير المؤمنين المعتصم بالله زكريا بن إبراهيم بن محمد بن أحمد- وهو مخلوع من الخلافة- فى رابع عشرين جمادى الأولى، وقد تقدم ذكر ولايته للخلافة فى أيام أينبك البدرى «1» ، بعد قتل الملك الأشرف شعبان بن حسين فى سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، ثم خلع حتى ولاه الملك الظاهر برقوق ثانيا بعد موت أخيه الواثق، فلم تطل مدته أيضا، وخلعه الملك الظاهر من الخلافة فى أول جمادى الأولى من سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وأعاد المتوكل على الله، فاستمرّ المعتصم هذا معزولا طول عمره إلى أن مات فى هذه السنة، وخلافته الأولى والثانية لم تطل مدته فيهما- انتهى. وتوفّى الأمير سيف الدين شيخ بن عبد الله الصّفوىّ الخاصّكىّ «2» ، أمير مجلس، وهو مسجون بسجن المرقب «3» ، وكان ممن رقاه الملك الظّاهر برقوق إلى أن جعله أمير مائة ومقدّم ألف فى سلطنته الثانية، وجعله أمير مجلس، ثمّ قبض عليه فى سنة ثمانمائة، وأنعم بإقطاعه على الوالد بعد عزله عن نيابة حلب، وأخرجه الملك الظاهر إلى القدس بطّالا، فساءت سيرته بها، وكان مسرفا على نفسه منغمسا فى اللذات، فأمر الملك الظاهر به فنقل من القدس إلى حبس المرقب إلى أن مات به، قلت: وشيخ هذا هو أول أمير عظيم فى دولة الملك الظاهر برقوق ممن سمّى بهذا الاسم، ثم بعده شيخ المحمودىّ الساقىّ، أعنى الملك المؤيد، ثم بعده شيخ السّليمانىّ المسرطن نائب طرابلس، فهؤلاء الثلاثة هم أعظم من سمّى بهذا الاسم، ثم جاء بعدهم فى الدولة الأشرفيّة- برسباى- اثنان: شيخ الأمير آخور الثانى مملوك بيبرس الأتابك، وشيخ الحسنىّ الحسنىّ الظاهرىّ أمير عشرة ورأس نوبة، وهما كلا شىء بالنسبة إلى هؤلاء الثلاثة- انتهى.

وتوفّى العبد الصالح الأمير الطواشىّ الرّومىّ صندل بن عبد الله المنجكىّ «1» ، خازندار «2» الملك الظاهر برقوق، وعظيم دولته، وصاحب الطّبقة- بالقلعة- المعروفة بالصّندليّة، فى ثالث شهر رمضان، ووجد الملك الظاهر عليه وجدا عظيما، ومات ولم يخلّف من المال إلا النّزر اليسير إلى الغاية، هذا مع تمكّنه فى الدولة، وطول مدته فى وظيفة الخازنداريّة فى تلك الأيام، وأنياته «3» جماعة كبيرة من المماليك الظاهريّة، ومنهم جماعة فى قيد الحياة يحكون عن زهده وصلاحه وعبادته أشياء عظيمة إلى الغاية، وكان الشيخ تقىّ الدين المقريزىّ إذا حدّث عنه يقول: حدّثنى من لا أتّهمه العبد الصالح المنجكىّ- انتهى. وتوفّى الأمير الكبير- أتابك العساكر بالدّيار المصريّة، وعظيم المماليك اليلبغاويّة- كمشبغا بن عبد الله الحموىّ اليلبغاوىّ، بسجن الإسكندرية، فى العشرين من شهر رمضان، وهو أحد من قام بنصرة الملك الظّاهر برقوق عند خروجه من سجن الكرك، وكان كمشبغا يوم ذلك يلى نيابة حلب، وقد تقدم ذكر كمشبغا هذا فى مواطن كثيرة من أواخر دولة الملك الأشرف شعبان بن حسين إلى أن أمسك وحبس، ومات، وكان من أجلّ الملوك وأعظمها قدرا، قيل للوالد لما ولى الأتابكيّة بالديار المصرية: يا خوند امش على قاعدة الأمير كمشبغا، فقال الوالد:

أيش أنا حتى أمشى على طريق كمشبغا! كمشبغا فى مقام أستاذى، وكان بخدمة الوالد يومئذ أزيد من ثلاثمائة مملوك، ورأيت سماطه ومرتّباته تسعمائة رطل من اللحم فى كل يوم، وفى هذا كفاية فى التعريف بحال كمشبغا- رحمه الله. وتوفّى قاضى القضاة ناصر الدين أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عطاء الله ابن عواض بن نجا بن أبى الثّناء محمود بن نهار بن مؤنس بن حاتم بن نيلى ابن جابر بن هشام بن عروة بن الزّبير بن العوّام- رضى الله عنه- المعروف بابن التّنسىّ [السكندرى] «1» المالكىّ، قاضى قضاة الإسكندرية، ثم الديار المصرية- بها- وهو قاض، فى أول شهر رمضان، وكان مشكور السيرة- رحمه الله- وهو والد القاضى بدر الدين محمد بن التّنسىّ الآتى ذكره. وتوفّى الأمير سيف الدين قديد بن عبد الله القلمطاوىّ، أحد أمراء الطّبلخانات- بطّالا- بالقدس، فى شهر ربيع الأول، وكان من قدماء الأمراء، وولى نيابة الكرك فى بعض الأحيان. وتوفّى الشيخ المعتقد المجذوب العجمى، المعروف بالزهورىّ «2» فى أول صفر، وكان شيخا عجميّا، وللناس فيه اعتقاد كبير لا سيما الملك الظاهر برقوق؛ فإنه كان له فيه اعتقاد كبير إلى الغاية. أخبرنى بعض حواشى الملك الظاهر: أن الزهورىّ هذا كان إذا جلس عند الملك الظاهر برقوق وكلّمه يأخذ الملك الظاهر كلامه على سبيل المكاشفة، وكان يقيم عنده غالبا فى الدور السّلطانيّة عند الخوندات «3» ، ووقع له مع

الظاهر خوارق ومكاشفات، منها: أنه قال له يوما- وقد حان أجلهما- يا برقوق أنا آكل فراريج وأنت تأكل بعدى دجاجا ثم تروح، ففطن برقوق أنه يقيم بعد موت الزّهورىّ بمقدار ما يكبر فيه الفرّوج، ومرض الزهورىّ ومات، وضاق صدر برقوق حتى كلمه جماعة فى عدم ما ظنه، فلم يقم بعده الظاهر إلا ثمانية أشهر ومات. وتوفّى العلامة القاضى بدر الدين محمود بن عبد الله الكلستانىّ السّرّائىّ «1» الحنفىّ، كاتب السرّ الشريف بالديار المصرية، وأحد العلماء الأعيان فى عاشر جمادى الأولى بالقاهرة، وولى بعده كتابة السرّ فتح الدين فتح الله رئيس الأطباء- وقد تقدم ذكر ولاية الكلستانىّ هذا لوظيفة كتابة السرّ بعد موت بدر الدين بن فضل الله بدمشق فى ترجمة الملك الظاهر برقوق الثانية- وكان إماما بارعا مفتنّا فى علوم كثيرة، عارفا باللغة العربية والعجمية والتركية، وسمّى بالكلستانىّ لكثرة قراءته كتاب السعدىّ العجمىّ الشاعر، وكان الكتاب المذكور يسمى كلستان «2» . أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع وأربعة عشر أصبعا، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا وخمسة أصابع- والله أعلم.

ما وقع من الحوادث سنة 802

[ما وقع من الحوادث سنة 802] السنة الثانية من سلطنة الملك الناصر فرج ابن الظاهر برقوق- الأولى على مصر وهى سنة اثنتين وثمانمائة: فيها كانت وقعة أيتمش مع الملك الناصر، ثم وقعة تنم نائب الشام- وقد تقدم ذكرهما فى أول ترجمة الملك الناصر. وفيها توفّى خلائق من أعيان الأمراء بالسيف فى واقعة تنم: منهم الأمير الكبير أيتمش بن عبد الله الأسندمرى البجاسى الجرجاوى «1» ثم الظاهرى، أتابك «2» العساكر بالديار المصرية، ذبح فى سجنه بقلعة دمشق، فى ليلة رابع عشر شعبان، وكان أصله من مماليك أسندمر البجاسى الجرجاوى، وترقّى إلى أن صار من جملة أمراء الألوف بديار مصر، بسفارة الأتابك برقوق فى دولة الملك الصالح حاجى، وأمير آخورا، ولما تسلطن الملك الظاهر برقوق جعله رأس نوبة كبيرا، ثم اشتراه من ورثة الأمير جرجى لما بلغه أنه إلى الآن فى الرّقّ- وقد مر ذلك كله- ثم جعله أتابك العساكر بالديار المصرية، ثم ندبه فيمن ندب من الأمراء لقتال الناصرى ومنطاش، فقبض عليه هناك، وحبس بقلعة دمشق مدة طويلة إلى أن أطلق بعد عود الملك الظاهر للملك وقدم القاهرة، وكان الأمير إينال اليوسفى يوم ذاك أتابك العساكر بالديار المصرية، فأنعم الملك الظاهر على أيتمش بإقطاع يضاهى إقطاع الأتابكية، وولّاه رأس نوبة الأمراء وجعله أتابكا، فدام على ذلك سنين إلى أن قبض الملك الظاهر على الأتابك كمشبغا الحموى، وأعاده إلى الأتابكيّة من بعده على عادته أولا، ثم جعله فى مرض موته وصيّه المتحدّث فى تدبير مملكة ولده الملك الناصر فرج، فأخذ أيتمش يدبر ملك الناصر

بعد موت برقوق أحسن تدبير، فثار عليه الأمراء الأجلاب من مماليك برقوق، وقاتلوه وكسروه، وأخرجوه من مصر إلى الشام، فسار إلى دمشق، ووافق تنم نائبها على قتالهم هو ورفقته، مثل: الوالد، وأرغون شاه أمير مجلس، وغيرهم، فواقعوا الأمراء المذكورين بغزّة، وانكسروا ثانيا، وقبض على الجميع، وحبسوا بقلعة دمشق ثم قتلوا عن آخرهم، وكان كسر تنم وأيتمش هذا وقتلهما وتحكّم الأمراء الأجلاب أول وهن وقع بالديار المصرية، وكان أيتمش معظّما فى الدول، قليل الشّرّ كثير الخير، متجمّلا فى ملبسه ومركبه ومماليكه، هو وكمشبغا الحموى، كانا من عظماء الأتابكية فى الدولة التركية بعد يلبغا العمرى الخاصّكى، وشيخون العمرى. وتوفّى أيضا- قتيلا بقلعة دمشق فى التاريخ «1» المذكور مع الأتابك أيتمش- الأمير سيف الدين أرغون شاه البيدمرى الظاهرى «2» - أمير مجلس، وكان من خواص مماليك الملك الظاهر برقوق، وأكابر مماليكه وخيارهم. وتوفّى قتيلا- أيضا- الأمير سيف الدين فارس بن عبد الله القطلقجاوى «3» ، ثم الظاهرى، حاجب الحجّاب بالديار المصريّة- ذبحا- بقلعة دمشق، فى رابع عشر شعبان، وكان أصله من مماليك الأمير خليل بن عرام نائب الإسكندرية، اشتراه من شخص خباز بالإسكندريّة، وكان فارس هذا يبيع الخبز على حانوت أستاذه، فرآه ابن عرّام فأعجبه وابتاعه منه، ثم ملكه الملك الظاهر برقوق بعد ابن عرام، وما أعلم نسبته بالقطلقجاوى لأى قطلقجا، ولعله تاجره الذي جلبه من بلاده أولا- والله أعلم- وكان فارس يعرف أيضا بالأعرج، وكان من الشّجعان الفرسان الأقشيّة

المعدودة، الذين يضرب برميهم المثل، وقد تقدم من ذكره فى واقعة أيتمش ما يكتفى بذكره «1» . وتوفى- قتيلا أيضا فى رابع عشر شعبان بقلعة دمشق- الأمير شهاب الدين أحمد- أمير مجلس- ابن الأتابك يلبغا العمرى الخاصكى صاحب الكبش «2» ، وأستاذ برقوق وغيره من اليلبغاوية، ولد بالكبش، فى حياة والده الأتابك يلبغا، ثم نشأ بمصر، وصار من جملة الأمراء، فلما تسلطن الملك الظاهر برقوق ولّاه أمير مجلس، ثم ندبه لقتال الناصرى ومنطاش فيمن ندب من الأمراء، فلما وصل إلى دمشق عصى على برقوق، وانضم على الناصرى، وهو أيضا مملوك أبيه فأقرّه الناصرى على إمرته ووظيفته، إلى أن قبض عليه منطاش وحبسه مع الناصرى إلى أن أخرجهما الملك الظاهر برقوق فى سلطنته الثانية، وخلع عليه على عادته أمير مجلس، فدام على ذلك سنين عديدة إلى أن تنكّر عليه برقوق وحبسه، ثم أطلقه- بطّالا- بالبلاد الشامية إلى أن ثار الأمير تنم الحسنى نائب الشام، فقدم عليه أحمد هذا ووافقه، فقبض عليه مع من قبض عليه من الأمراء، وقتل، وكان مشهورا بالشّجاعة والإقدام. وتوفّى- قتيلا أيضا بقلعة دمشق فى رابع عشر شعبان- الأمير سيف الدين جلبان [بن عبد الله «3» ] الكمشبغاوىّ الظاهرىّ، المعروف بقرا سقل نائب حلب، ثم أتابك دمشق، كان من أكابر مماليك الملك الظاهر برقوق، وأول من نال منهم الرّتب السنية، صار أمير مائة، ومقدّم ألف فى أوائل سلطنة

الملك الظاهر برقوق الثانية، ثم رأس «1» نوبة النّوب، ثم ولى نيابة حلب بعد الأتابك قرا دمرداش الأحمدىّ، وهو الذي قام فى أمر منطاش حتى أخذه وتسلمه من نعير، ثم أمسكه الظاهر وحبسه، وولّى الوالد عوضه نيابة حلب، فحبس مدة ثم أطلق، واستقرّ أتابك دمشق، فدام على ذلك مدة، ثم قبض عليه برقوق ثانيا، وحبسه بقلعة دمشق إلى أن أطلقه الأمير تسنم بعد موت الظاهر برقوق، فدام من حزبه إلى أن أمسك وقتل مع من قتل، وكان جليل المقدار، عاقلا شجاعا، معدودا من رؤساء المماليك الظاهريّة. وتوفّى- قتيلا أيضا بقلعة دمشق فى التاريخ المذكور- سيف الدين يعقوب شاه [بن عبد الله] «2» الظاهرىّ الخازندار، ثم الحاجب «3» الثانى، وأحد مقدّمى الألوف بالديار المصرية، وكان أيضا من خواصّ الملك الظّاهر برقوق، وأجلّ مماليكه، وهو أيضا ممن انضم على أيتمش وتنم. وتوفّى- قتيلا أيضا بقلعة دمشق- الأمير سيف الدين آقبغا [بن عبد الله] «4» الطولوتمرىّ الظاهرى، المعروف باللكّاش، أمير مجلس، وكان من جملة أمراء الألوف فى دولة أستاذه الملك الظاهر برقوق، ثم صار أمير مجلس، فلما ركب على باى على الملك الظاهر اتّهم آقبغا هذا بممالأة على باى فى الباطن فأخرج إلى الشّام، ودام به حتى وافق تنم، وقتل مع من قتل من الأمراء، وكان شجاعا مقداما، من وجوه المماليك الظاهريّة. وتوفّى- قتيلا أيضا بقلعة دمشق- الأمير بى خجا الشّرفىّ المدعوّ

طيفور [بن عبد الله الظاهرى «1» ] نائب غزّة، ثم حاجب حجّاب دمشق، وهو أيضا من مماليك الظاهر برقوق، وممّن صار فى أيامه أمير طبلخاناة، وأمير آخور ثانيا. فهؤلاء قتلوا جميعا فى ليلة واحدة، ومعهم جماعة أخر مثل الأمير بيغوت اليحياوىّ الظاهرى، والأمير مبارك المجنون، والأمير بهادر العثمانى نائب ألبيرة «2» ، ولم يبق من أعيان من قتل فى هذه الواقعة- صبرا- إلّا تنم [الحسنى] «3» ويونس بلطا، أخّروهما حتى استصفوا أموالهما، ثم قتلوهما حسبما يأتى ذكره الآن. وتوفّى- أيضا قتيلا- الأمير تنبك الحسنىّ الظاهرىّ، المدعو تنم نائب الشام، وقد مر من ذكره فى واقعته مع الملك الناصر فرج ما فيه غنية عن التكرار، غير أننا نذكر مبادئ أمره وترقّيه إلى انتهائه على سبيل الاختصار، فنقول: هو من أعيان خاصّكية أستاذه الظاهر برقوق، ثم أمّره إمرة عشرة فى سلطنته الثانية، ثم أخرجه إلى دمشق، وجعله أتابكا بها بعد إياس الجرجاوى، ثم نقله بعد مدة يسيرة إلى نيابة دمشق، بعد موت الأمير كمشبغا الأشرفى الخاصكى، فدام على نيابة دمشق نحو سبع سنين، إلى أن مات الظاهر، وخرج عن الطاعة، وانضم عليه سائر نواب البلاد الشامية، ثم جاءه أيتمش والوالد، وغيرهما من أمراء مصر، وواقع الملك الناصر على غزة، وانكسر مع كثرة عساكره- خذلانا من الله- وأمسك، وحبس بقلعة دمشق، وعوقب على المال، ثم خنق فى ليلة الخميس رابع شهر رمضان، وخنق معه الأمير يونس [بن عبد الله] «4» الظاهرى المعروف ببلطا [وبالرماح] «5» نائب

طرابلس. وكان يونس أيضا من كبار المماليك الظاهرية وأمرائها. وقد ولى نيابة صفد وحماة وطرابلس. إلا أنه كان ظالما جبارا متكبرا، سفا كاللدماء، قتل بطرابلس من القضاة والعلماء والأعيان خلائق لا تدخل تحت حصر، وقد مر ذكر هذه الوقائع كلّها فى أوائل ترجمة الملك الناصر فرج الأولى، فلينظر هناك. وتوفّى قاضى القضاة مجد الدين إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن علىّ [بن موسى] «1» قاضى قضاة الحنفيّة بالديار المصريّة- وهو معزول- فى خامس جمادى الأولى، وكان فقيها مفتنّا فاضلا، أفتى ودرّس سنين بحلب وغيرها، إلى أن طلب إلى مصر، وولّى القضاء بها، إلى أن عزل لثقل بدنه من السّمن، وقلّة حركته؛ فإنّه كان إذا طلع للسلام على السلطان وجلس عنده لا يستطيع القيام إلّا بعد جهد من السّمن. وتوفّى قاضى القضاة برهان الدين إبراهيم ابن قاضى القضاة ناصر الدين نصر الله بن أحمد بن محمّد بن أبى الفتح الحنبلىّ «2» ، قاضى قضاة الديار المصريّة بها- وهو قاض- فى ثامن شهر ربيع الأوّل، وتولّى القضاء بعده أخوه موفّق الدين أحمد. وتوفّى المعلّم شهاب الدين أحمد بن محمّد الطولونىّ المهندس، بطريق مكّة فى صفر، وقد توّجه لعمارة المناهل «3» بطريق الحجاز. وتوفّى شيخ شيوخ خانقاة «4» سرياقوس جلال الدين أبو العبّاس أحمد ابن شيخ الشيوخ نظام الدين إسحاق بن عامر الأصبهانىّ الحنفىّ «5» ، بخانقاة سرياقوسن، فى خامس عشر شهر ربيع الآخر.

وتوفّى الأمير الطّواشى زين الدين بهادر الشهابىّ «1» ، مقدّم المماليك السلطانيّة، فى سابع عشر شهر رجب، وكان من عظماء الخدّام، وغالب أعيان مماليك الظاهر برقوق من أنياته. وتوفّى الشيخ المعتقد المجذوب سليم السّوّاق القرافىّ «2» بالقرافة، فى تاسع عشر شهر ربيع الأوّل، وكان للناس فيه اعتقاد، ويقصد للزيّارة. وتوفّى الأمير سيف الدين قجماس بن عبد الله المحمّدىّ الظاهرىّ، شادّ السّلاح خاناة- قتيلا-[فى ثامن شهر ربيع الأول] «3» فى الواقعة التى كانت بين الأتابك أيتمش وبين الأمراء الذين كانوا بالقلعة. وتوفّى أيضا الأمير سيف الدين قشتمر بن قجماس أخو إينال باى، الأمير آخور، فى ثامن شهر ربيع الأوّل- قتيلا- فى الواقعة. وتوفّى الأمير سيف الدين قطلوبغا بن عبد الله الحسامىّ المنجكىّ «4» بالينبع «5» بطريق الحجاز. وتوفّى الأمير سيف الدين قرابغا بن عبد الله الأسنبغاوىّ «6» أحد أمراء الطبلخانات، كان من قدماء الأمراء بديار مصر. وتوفّى الأمير جمال الدين عبد الله ابن الأمير بكتمر الحاجب «7» ، فى خامس عشرين شهر ربيع الآخر، بداره خارج باب النصر «8» من القاهرة.

وتوفّيت خوند شيرين [بنت عبد الله الرومية] «1» والدة الملك الناصر فرج بن برقوق، بعد مرض طويل، فى ليلة السبت أوّل ذى الحجّة، ودفنت بالمدرسة الظاهريّة البرقوقية «2» بين القصرين، وحضر ولدها الملك الناصر الصّلاة عليها، بباب القلّة «3» من القلعة، ومشى سائر أمراء الدولة وأعيانها أمام نعشها من القلعة إلى بين القصرين، وكانت أمّ ولد للملك الظّاهر برقوق، روميّة الجنس، وهى بنت عمّ الوالد، وكانت من خيار نساء عصرها حشمة ورياسة وعقلا. أمر النّيل فى هذه السنة: الماء القديم ثلاثة أذرع سواء، مبلغ الزّيادة ثمانية عشر ذراعا وأربعة عشر إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 803

[ما وقع من الحوادث سنة 803] السنة الثالثة من سلطنة الملك الناصر فرج ابن الظاهر برقوق- الأولى على مصر وهى سنة ثلاث وثمانمائة: فيها كان ورود تيمور لنك إلى البلاد الشّاميّة، ومات بسيفه ولقدومه خلائق لا يعلمها إلا الله تعالى كثرة، حسبما ذكرناه مفصّلا. وفيها تجرّد «1» السّلطان الملك النّاصر فرج إلى البلاد الشّامية بسبب تيمورلنك- وقد مرّ ذلك أيضا- وهى تجريدته الثانية إلى البلاد الشّامية. وفيها قتل الأمير سيف الدين سودون بن عبد الله الظاهرىّ، قريب الملك الظّاهر برقوق، المعروف بسيّدى سودون، نائب الشّام، فى أسر تيمور بظاهر دمشق، ودفن بقيوده من غير أن يتولّاه «2» ، واختلفت الأقوال فى موتته، فمن الناس من قال: ذبحا، ومنهم من قال: ألقاه تيمور إلى فيل كان معه فداسه برجله حتى مات، وكان ذلك فى أواخر شهر رجب، وتولّى نيابة دمشق بعده الوالد؛ وهى نيابته الأولى على دمشق، وكان سودون المذكور قدم من بلاد الجركس «3» صغيرا مع جدّته لأمّه أخت الملك الظاهر برقوق، ومع خالة أمّه أمّ الأتابك بيبرس، والجميع صحبة الأمير أنص والد الملك الظّاهر برقوق، فربّاه الظّاهر ورقّاه إلى أن جعله أمير آخور كبيرا بعد القبض على الأمير نوروز الحافظىّ، ثمّ وقع له

أمور، وقبض عليه بعد موت الملك الظّاهر برقوق، وسجن بالإسكندريّة إلى أن أخرج بعد واقعة الأتابك أيتمش، ثمّ ولى نيابة دمشق بعد مسك الأمير تنم الحسنىّ نائب الشّام، ودام بدمشق إلى أن ورد عليه قاصد تيمورلنك فوسّطه فكان ذلك أكبر الأسباب فى قتله، فإن تيمور لم يقتل أحدا من نوّاب البلاد الشّاميّة سواه. وتوفّى قاضى القضاة موفّق الدين أحمد ابن قاضى القضاة ناصر الدين نصر الله بن أحمد ابن محمد بن أبى الفتح العسقلانىّ الحنبلىّ، فى ثامن عشر شهر رمضان، وكان مشكور السيرة، ولم تطل مدّته فى القضاء، فإنه ولى القضاء بعد أخيه برهان الدين إبراهيم فى السنة الماضية. وتوفّى قاضى القضاة تقىّ الدين عبد الله بن يوسف [بن الحسين بن سليمان ابن فزارة بن بدر بن محمد بن يوسف] «1» الكفرىّ- بفتح الكاف- الحنفىّ الدمشقىّ، قاضى قضاة دمشق، فى العشرين من ذى القعدة فى أسر تيمور. وتوفّى قاضى القضاة شهاب الدين أحمد [بن عبد الله] «2» النّحريرىّ المالكىّ، قاضى قضاة الديار المصريّة، وهو معزول فى ثانى شهر رجب. وتوفّى الأمير شهاب الدين أحمد بن عمر بن الزّين «3» ، والى القاهرة فى ثانى عشر شهر ربيع الأوّل، بعد أن ولى شدّ الدّواوين، وولاية القاهرة غير مرّة، وكان من الظّلمة. وتوفّى الأمير سيف الدين أسنبغا بن عبد الله العلائىّ الدّوادار الظاهرىّ، فى سادس عشر جمادى الأولى، وكان من جملة الدّواداريّة الصّغار فى دولة الملك الظّاهر برقوق.

وتوفّى الأمير زين الدّين فرج الحلبىّ «1» نائب الإسكندريّة بها، فى آخر شهر ربيع الأوّل، وقد ولى شدّ الدّواوين «2» بالقاهرة، ثمّ صار من جملة الحجاب، ثمّ ولى أستادارية «3» الذخيرة والأملاك، ثم ولى نيابة الإسكندريّة، فدام بها إلى أن مات. وتوفّى الأمير زين الدين [وقيل سيف الدّين] » أبو بكر بن سنقر ابن أخى بهادر الجمالى، فى ثالث عشر جمادى الآخرة، وكان ولى الحجوبية الثانية بالدّيار المصرية بتقدمة ألف، وتوجّه أمير حاجّ المحمل، وتنقّل فى عدّة وظائف، وطالت أيامه فى السعادة، وهو من بيت رئاسة وإمرة. وتوفّى الأمير سيف الدين بجاس بن عبد الله النّوروزىّ [العثمانى اليلبغاوىّ] «5» أحد مقدّمى الألوف بالدّيار المصرية بها- بطّالا- بعد ما كبرت سنّه، فى ثانى عشر شهر رجب، وكان لمّا استعفى من الإمرة بعد موت الملك الظاهر برقوق، أنعم بإقطاعه على الأمير شيخ المحمودىّ: أعنى الملك المؤيد، فرعاه أستاداره جمال الدّين يوسف البيرى البجاسىّ، فعرف له ذلك الملك المؤيد شيخ لمّا تسلطن، وأحسن لذرّيته. وتوفّى الوزير كريم الدّين عبد الكريم بن عبد الرزّاق بن إبراهيم بن مكانس «6» القبطى المصرى، أخو الشّاعر فخر الدين، فى خامس عشر جمادى الآخرة، وهو معزول عن الوزر، وقد ولى الوزر بالديار المصرية، ونكب وصودر غير مرّة، وجمع فى

بعض الأحيان بين وظيفتى الوزر ونظر الخاص معا، وكان سيّىء السيرة، كثير الظلم والرّمايات، وولّى مشيرا «1» فى سلطنة الملك الظاهر برقوق، ثمّ نكب هو وإخوته، ومات- بعد خطوب قاساها- يوم الثلاثاء رابع عشرين جمادى الآخرة، وكان من أعاجيب الزّمان من الخفّة، والطيش، وسرعة الحركة، يقال إنه قال لبعض حواشيه- وهو نازل فى موكبه بخلعة الوزارة، لمّا أعيد إليها، والناس بين يديه: يا فلان ما هذه الركبة غالية بعلقة مقارع. وتوفّى قاضى قضاة الدّيار المصرية نور الدين على بن يوسف بن مكى الدميرى «2» المالكىّ المعروف بابن الجلال، باللجون «3» من طريق دمشق فى جمادى الأولى، وهو مجرّد صحبة السلطان. وتوفّى الشيخ الإمام الفقيه سيف الدين قطلوبغا بن عبد الله الحنفى، فى نصف جمادى الأولى، وكان فقيها فاضلا مستحضرا لمذهبه، معدودا من فقهاء الحنفية. وتوفّى قاضى القضاة بدر الدين محمد بن أبى البقاء الشافعى قاضى قضاة الدّيار المصرية، وهو معزول عن القضاء، فى سابع عشرين شهر ربيع الآخر. وتوفّى قاضى القضاة شرف الدّين محمد بن محمد الدّمامينى المالكى الإسكندرى، قاضى الإسكندرية، ثم ناظر الجيش والخاص بالدّيار المصرية، فى سابع عشرين المحرم، كان رئيسا فاضلا، ولى قضاء الإسكندرية، ثم وكالة بيت المال «4» ، ونظر الكسوة «5» ،

ثم نظر ديوان المفرد «1» ، ثم نظر الأسواق «2» ، وولى حسبة «3» القاهرة غير مرة، ثمّ ولى نظر «4» الجيش بالدّيار المصرية بعد موت القاضى جمال الدين محمود العجمى- مضافا إلى وكالة بيت المال فى سنة تسع وتسعين إلى أن صرف بسعد الدين إبراهيم بن غراب واستمر على وكالة بيت المال- ثم أعيد إلى نظر الجيش والخاصّ معا، فلم تطل مدته فيهما، وعزل وأعيد إليهما ابن غراب، وتولى قضاء الإسكندرية، فدام بها إلى أن مات فى التاريخ المذكور. وتوفّى قاضى القضاة جمال الدين يوسف بن موسى بن محمد الملطىّ الحنفى «5» ، قاضى قضاة الدّيار المصرية- وهو قاض- فى تاسع عشر شهر ربيع الآخر، وكان بارعا فى الفقه والأصول، والعربيّة، وعلمى المعانى والبيان، وكان تفقّه فى مبادئ أمره على العلّامة الشيخ قوام الدين الأترارىّ الحنفىّ شارح الهداية «6» ، ثم على العلامة أرشد الدين

السرائى «1» ، وغيرهما بالدّيار المصرية، ثم انتقل إلى حلب، واشتغل بها أيضا إلى أن برع وأفتى ودرّس، وتفقّه به جماعة كبيرة من العلماء إلى أن طلب إلى قضاء الديار المصرية بعد وفاة القاضى شمس الدين الطرابلسى سنة ثمانمائة، فدام قاضيا إلى أن مات، وقد ناهز الثمانين سنة. وتوفّى قاضى قضاة الحنابلة- بدمشق- تقي الدين إبراهيم ابن العلامة شمس الدين محمد بن مفلح «2» ، الحنبلىّ الدّمشقى بها، فى شعبان. وتوفّى قاضى القضاة صدر الدين أبو المعالى محمد بن إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم ابن عبد الرحمن السلمى المناوى «3» الشافعى، قاضى قضاة الديار المصرية، وهو فى أسر تيمور غريقا بنهر «4» الزّاب، بعد ما مرّت به محن وشدائد، بعد أن ولى قضاء الدّيار المصرية غير مرّة. وتوفّى قاضى القضاه الحنفية- بدمشق- بدر الدين محمد بن محمد بن مقلد «5» القدسىّ الحنفىّ، بمدينة غزّة، فى شهر ربيع الأوّل، فارّا من تيمورلنك إلى الديار المصرية، وكان فاضلا بارعا، أفتى ودرّس وناب فى الحكم، ثمّ استقلّ بالقضاء مدّة. وتوفّى السلطان الملك الأشرف إسماعيل ابن الملك الأفضل عباس ابن الملك المجاهد علىّ ابن الملك المؤيّد داود ابن الملك المظفّر يوسف ابن الملك المنصور عمر بن علىّ ابن رسول «6» ، صاحب اليمن، فى ليلة السبت ثامن عشر شهر ربيع الأول، بمدينة

تعز «1» من بلاد اليمن، عن سبع وثلاثين سنة، وكان ولى سلطنة اليمن بعد موت أبيه فى سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، فدام فى الملك إلى أن مات فى التاريخ المذكور فى هذه السنة، وكان ملكا جليلا سخيّا، مقبلا على أهل العلم، وصنّف تاريخا حسنا، وجمع كتبا كثيرة، وتولى مملكة اليمن من بعده ابنه الملك الناصر أحمد. وتوفّى السّلطان الأعظم ملك دلّى «2» من بلاد الهند فيروز شاه بن نصرة شاه، وكان من أجلّ الملوك، ومملكته متّسعة جدا، ذكر عنها القاضى شهاب الدين أحمد بن فضل الله أشياء عظيمة فى كتابه مسالك الأبصار فى ممالك الأمصار، من ذلك أن له ألف مغنّ، وألف نديم، وذكر عن سماطه أشياء خارجة عن الحد، وأظنّ أن فيروز شاه هو حفيد الملك الذي ترجمه القاضى شهاب الدين أحمد بن فضل الله، قلت ولما سمع تيمور لنك بموت فيروز شاه بادر وتوجه إلى الهند، واستولى على ممالكه حسبما تقدم ذكره فى ترجمة الملك الناصر فرج هذا، وقام بممالك الهند بعده ابنه محمد شاه، وجميع مملكته حنفيّة، بل غالب ممالك الهند. أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ثلاثة أذرع سواء، مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعا واثنا عشر إصبعا، وهى سنة تحويل «3» .

ما وقع من الحوادث سنة 804

[ما وقع من الحوادث سنة 804] السنة الرابعة من سلطنة الملك الناصر فرج بن برقوق- الأولى على مصر وهى سنة أربع وثمانمائة: فيها توفّى الأمير سيف الدين جنتمر بن عبد الله التّركمانىّ الطّرخانىّ، كاشف الوجه القبلى، فى صفر، كان له مع الأعراب أمور ووقائع، وكان شجاعا، أبادهم وأفنى منهم خلائق إلى أن مهد بلاد الصعيد وقراها. وتوفى الشيخ الإمام المقرئ فخر الدين عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان البلبيسىّ «1» الشافعى، الضرير، إمام جامع الأزهر، وشيخ القراءات، فى ثانى ذى القعدة. وتوفّى الشيخ سيف الدين لاجين بن عبد الله الچركسىّ «2» ، فى شهر ربيع الآخر، عن ثمانين سنة، وكان معظّما عند طائفة الجراكسة، يزعمون أنه يملك الديار المصرية، ويشيعون ذلك، ولأجله هرب جماعة من الأمراء من دمشق فى واقعة تيمور، وعادوا إلى الديار المصرية ليسلطنوه، فكان ما حصل على أهل الشّام من تيمور بسبب هذا المشؤوم الطلعة، وكان لاجين المذكور لا يكتم ذلك، بل كان يعد الناس أنه إذا ملك مصر يبطل الأوقاف التى على المساجد والجوامع، ويحرّق كتب الفقه، ويعاقب الفقهاء، ويولّى بمصر قاضيا واحدا من الحنفيّة، وهو من الأتراك لا من الفقهاء، فسلبه الله ما أمّله قبل أن يتأمّر عشرة، بل مات وهو على جنديّته، وكان يتمعقل ويدعى العرفان، مع جهل مفرط، وخفة عقل، وهو مع ذلك مقبول الكلام عند

الطائفة إلى الغاية، وببعض كلامه يتمثّل بعضهم إلى يومنا هذا، وممن أدركناه من أتباعه سودون الفقيه حمو الملك الظاهر ططر، وسودون الأعرج الظاهرىّ، وطرباى الأتابك نائب طرابلس، وكانوا يحكون عنه أمورا يقصدون بذلك تعظيمه؛ لو تأملوها لعلموا أنه رفع عنه وعنهم القلم. وتوفّى الشيخ المعتقد الصالح شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد بن الناصح «1» فى سابع عشر شهر رمضان، ودفن بالقرافة. أمر النيل فى هذه السنة؛ الماء القديم أربعة أذرع وأربعة عشر إصبعا، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وأحد وعشرون إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 805

[ما وقع من الحوادث سنة 805] السنة الخامسة من سلطنة الملك الناصر فرج بن برقوق- الأولى على مصر وهى سنة خمس وثمانمائة: فيها كانت وقعة تيمور لنك مع أبى يزيد بن عثمان متملّك بلاد الروم، وقد مرّ ذكر ذلك، وأسره تيمور ومات فى أسره. وفيها توفّى قاضى القضاة تاج الدين بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز الدميرىّ المالكىّ، فى يوم الاثنين سابع جمادى الآخرة، عن سبعين سنة، وقد انتهت إليه رئاسة السّادة المالكية فى زمانه. وتوفّى شيخ الإسلام سراج الدين أبو حفص عمر بن رسلان بن نصير بن صالح «1» - وصالح أول من سكن بلقينة «2» - بن شهاب بن عبد الخالق بن مسافر بن محمد البلقينىّ الكنانىّ الشافعى، فى يوم الجمعة، عاشر ذى القعدة، وصلى عليه بجامع الحاكم «3» ، ثم دفن بمدرسته التى أنشأها تجاه داره بحارة بهاء الدين قراقوش من القاهرة، ومولده ببلقينة، فى ليلة الجمعة ثانى عشر شعبان سنة أربع وعشرين وسبعمائة. وأجاز له من دمشق الحافظ أبو الحجاج «4» المزّى، والحافظ الذهبى «5» ، والمسند أحمد

ابن الجزرىّ «1» - فى آخرين- ثم حفظ المحرّر فى الفقه، والكافية لابن مالك فى النحو، ومختصر ابن الحاجب فى الأصول والشّاطبيّة فى القراءات، وأقدمه أبوه إلى القاهرة، وله اثنتا عشرة سنة، وطلب العلم واشتغل على علماء عصره، مثل: أثير الدين أبى حيّان «2» ، وأبى الثّناء «3» محمود الأصبهانىّ، وتفقّه بجماعة كثيرة، وبرع فى الفقه وأصوله، والعربية والتفسير، وغير ذلك، وأفتى ودرّس سنين، وانفرد فى أواخر عمره برئاسة مذهبه، وولى إفتاء دار العدل، ودرّس بزاوية الشافعى المعروفة بالخشّابيّة «4» من جامع عمرو بن العاص، وولى قضاء دمشق فى سنة سبع وتسعين وسبعمائة عوضا عن تاج الدين عبد الوهاب السّبكىّ، فباشر مدة يسيرة، ثم تركه وعاد إلى مصر، واستمر بمصر يقرئ ويشتغل ويفتى بقية عمره، وانتفع به عامة الطلبة إلى أن مات، وقد استوعبنا ترجمته فى المنهل الصافى بأوسع من هذا- فلينظر هناك. وتوفّى شيخ الشيوخ بدر الدين حسن بن على بن الآمدى خارج القاهرة، فى أول شعبان وكان يعتقد فيه الخير، ويقصد للزيارة. وتوفّى السيد الشريف عنان بن مغامس بن رميثة «5» المكىّ الحسنىّ بالقاهرة، فى أول شهر ربيع الأول.

وتوفّى الأمير سيف الدين آقباى بن عبد الله الكركىّ «1» الظاهرى، الخازندار، وأحد مقدمى الألوف، المعروف بالطّاز، فى ليلة السبت رابع عشر جمادى الأولى بعد مرض طويل، ودفن بالحوش «2» الظاهرى بالصحراء، وهو أحد المماليك الصغار الأربعة الذين توجهوا صحبة الملك الظاهر برقوق إلى سجن الكرك، ولذلك سمى بالكركىّ، وكان من الأشرار، كثير الفتن، وقد مرّ من ذكره نبذة كبيرة فى ترجمة الملك الناصر فرج، هذا وكان بينه وبين سودون طاز الأمير آخور الكبير عداوة، فكان يقول له: أنت طاز وأناطاز ما تسعنا مصر، فأراح الله الناس منهما فى مدة يسيرة. وتوفّى الأمير سيف الدين يلبغا [بن عبد الله] «3» السّودونىّ حاجب حجّاب دمشق، وتولى الحجوبيّة من بعده الأمير جركس المعروف بوالد تنم الحسنى، نقل إليها من حجوبيّة طرابلس. وتوفى الأمير سيف الدين قرقماس الإينالى الرّمّاح «4» - قتيلا بدمشق- فى أواخر شهر رمضان، بأمر السلطان، وكان أصله من مماليك الأتابك إينال اليوسفى، وصار من بعده أميرا بديار مصر من جملة الطّبلخانات، وكان رأسا فى لعب الرّمح، ووقع له أمور بديار مصر حتى أخرجه السلطان الملك الناصر منها إلى دمشق، على إقطاع الأمير صرق، فثار بدمشق أيضا وهرب منها، فقبض عليه عند مدينة بعلبكّ فقتل بها فى عدة مماليك أخر. وتوفّى خوند كار أبو يزيد بن مراد بك بن أورخان بن عثمان «5» ملك الروم.

وصاحب برصا «1» ، فى أسر تيمور- بعد أن واقعه- ومات فى ذى القعدة، وكان من أجلّ ملوك بنى عثمان حزما وعزما وجلالة وشجاعة وإقداما، وقد تقدم ذكر واقعته مع تيمور فى ضمن ترجمة الملك الناصر، هذا وكان أبو يزيد هذا يعرف بيلدرم بايزيد، [ويلدرم] «2» هو باللغة التركية اسم للبرق، وهو بكسر الياء آخر الحروف، وسكون اللام، وكسر الدال المهملة، والراء المهملة، وسكون الميم- انتهى. وتوفّى قاضى قضاة المالكيّة- بدمشق- علم الدين محمد القفصى «3» المالكى، فى حادى عشر المحرم، وكان من فضلاء المالكية. وتوفّى السلطان محمود خان، وكان يعرف بصر غتمش، الذي كان تيمور لنك يدبّر مملكته، وليس له من الأمر مع تيمور إلا مجرد الاسم فقط، وهو من ذرّية جنكز خان، ولهذا كان سلطنه تمر وصار مدبّر مملكته؛ لكون القاعدة عند التتار لا يتسلطن إلا من يكون من ذرية الملوك. وتوفّى الأمير شهاب الدين أحمد ابن الوزير ناصر الدين محمد بن رجب أحد أمراء العشرات «4» بديار مصر. وتوفى سيف الدين سودون بن عبد الله بن على بك الظّاهرى، الأمير آخور الكبير، المعروف بسودون طاز «5» ، أحد أعيان المماليك الذين مر ذكرهم فى عدة مواضع، لا سيما واقعته مع يشبك، ففيها ذكرنا أحواله مفصّلا، قتل فى سجن المرقب

بالبلاد الشامية بعد ما نقل إليها من سجن الإسكندرية، وكان سودون طاز رأسا فى لعب الرّمح، يضرب بقوّة طعنه، وشدة ثباته على فرسه المثل. وأما سرعة حركته، وحسن تسريحه لفرسه فى ميادين اللّعب بالرمح فإليه المنتهى فى ذلك، وكان أحد الأشرار الذين يثيرون الفتن والوقائع، وقد مرّ من ذكره ما فيه كفاية عن ذكره هنا ثانيا. أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ذراعان وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا سواء.

ما وقع من الحوادث سنة 806

[ما وقع من الحوادث سنة 806] السنة السادسة من سلطنة الملك الناصر فرج بن برقوق- الأولى على مصر وهى سنة ست وثمانمائة: فيها توفّى قاضى القضاة ناصر الدين محمد بن محمد بن عبد الرحمن الصالحى الشافعىّ، قاضى قضاة الشافعية بالديار المصرية- وهو قاض- فى يوم الأربعاء ثانى عشر المحرم بالقاهرة، وكان رئيسا نبيلا كريما كثير البرّ والإحسان، إلّا أنه كانت بضاعته مزجاة من العلم. وتوفّى شمس الدين محمد بن البجانسىّ الصعيدى، محتسب القاهرة، فى يوم الثلاثاء رابع جمادى الأولى، بعد أن ولى حسبة القاهرة غير مرّة بالسعى والبذل. وتوفّى الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن أبى بكر العراقىّ «1» الشافعىّ، شيخ الحديث بالدّيار المصرية، فى يوم الأربعاء ثامن شعبان بها، ومولده فى سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وسمع الكثير ورحل [فى] «2» البلاد، وكتب وألف وصنّف وأملى سنين كثيرة، وكان ولى قضاء المدينة النبويّة، وعدّة تداريس، وانتهت إليه رئاسة علم الحديث فى زمانه، ومن شعره فيمن كان يشبه النبي- صلى الله عليه وسلّم- أنشدنا حافظ العصر شهاب الدين أحمد بن حجر- إجازة- أنشدنا الحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقىّ رحمه الله تعالى- إجازة إن لم يكن سماعا. [البسيط] وسبعة شبّهوا بالمصطفى قسما ... لهم بذلك قدر قد زكا ونما

سبط النّبيّ، أبو سفيان، سائبهم ... وجعفر وابنه ذو الجود والقثما «1» وله بالسّند فى الصحابة العشرة المشهود لهم بالجنة فقال: [الطويل] وأفضل أصحاب النّبيّ مكانة ... ومنزلة من بشّروا بجنان سعيد زبير سعد عثمان عامر ... علىّ ابن عوف طلحة العمران وقد استوعبنا مسموعه ومصنفاته فى المنهل الصافى، حيث هو محلّ الإطناب. وتوفّى الأمير سيف الدين أزبك بن عبد الله الرمضانىّ الظاهرى، أحد أمراء الطبلخانات بديار مصر، فى ليلة الثلاثاء رابع عشر شهر ربيع الأول، وكان من أعيان المماليك الظاهرية. وتوفّى الأمير سيف الدين قطلوبك بن عبد الله، أستادار الأمير الكبير أيتمش البجاسىّ، فى يوم الأربعاء سابع شهر ربيع الآخر، كان ولى أستاداريّة السلطان فى بعض الأحيان مدة يسيرة، فلم ينجح أمره، وعزل وعاد إلى حاله أوّلا، وكان له ثروة ومال، غير أنه لم يعظم إلا بصهارته لسعد الدين بن غراب. وتوفّى التاجر برهان الدين إبراهيم بن عمر بن على المحلّى المصرىّ «2» التاجر المشهور بكثرة المال، فى يوم الأربعاء ثانى عشرين شهر ربيع الأول.

وتوفّى الأمير شهاب الدين أحمد ابن الأمير شيخ على، فى ذى القعدة بدمشق، بعد ما ولى نيابة صفد وغيرها، ثم صار أمير مائة، ومقدّم ألف بدمشق حتى مات، وكان من أعيان الأمراء. وتوفّى القاضى علاء الدين على بن خليل الحكرىّ الحنبلىّ «1» ، فى يوم السبت ثامن المحرم. وتوفّى الأمير سيف الدين آقبغا [بن عبد الله] «2» الجمالىّ الظاهرىّ، المعروف بالأطروش والهيدبانىّ «3» نائب حلب بها، فى ليلة الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة، وكان من أعيان المماليك الظاهريّة- برقوق- وممن صار فى دولة أستاذه حاجب حجّاب حلب، ثم ولى نيابة صفد، ثم ولى نيابة طرابلس بعد الأمير دمرداش المحمّدى، بحكم توجّه دمرداش أتابكا بحلب، ثم نقله الملك الظاهر إلى نيابة حلب بعد موت أرغون شاه الإبراهيمى، فى سنة إحدى وثمانمائة، ودام على نيابة حلب إلى أن خرج تنم نائب الشام عن طاعة الملك الناصر، فوافقه آقبغا هذا، وصار من حزبه، إلى أن قبض عليه مع من قبض عليه من الأمراء، وحبس مدّة ثم أطلق، وولى نيابة طرابلس ثانيا بعد الأمير شيخ المحمودى، بحكم أسره مع تيمور، فلم يتم أمره، وأعيد شيخ إلى نيابة طرابلس، واستقر آقبغا هذا أتابكا بدمشق مدّة، ثم ولى نيابة دمشق بعد الوالد؛ بحكم خروجه من دمشق إلى حلب، فلم تطل أيامه بدمشق، وعزل بالأمير شيخ المحمودى، وتوجّه- بطّالا- إلى القدس إلى أن أعيد إلى نيابة حلب بعد دقماق المحمدى، فتوجّه إليها، وأقام بها إلى أن مات فى التّاريخ المذكور. وتوفّى الأمير سيف الدين دمشق خجا بن سالم الدّوكارى «4» التركمانىّ، نائب

قلعة جعبر «1» - قتيلا بيد الأمير نعير بن حيّار- فى سابع عشر شهر رمضان. وتوفّى الشّيخ شمس الدّين محمد بن مبارك شيخ الرّباط النبوىّ- المعروف بالآثار- فى المحرم. وتوفّى الشيخ محمد المعروف بالحرفىّ «2» فى شوال من السنة، وكان عالما بعلم الحرف، وله مشاركة فى غيره. أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ثلاثة أذرع وعشرة أصابع، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وثلاثة عشر إصبعا، والوفاء خامس توت.

ما وقع من الحوادث سنة 807

[ما وقع من الحوادث سنة 807] السنة السابعة من سلطنة الملك الناصر فرج بن برقوق- الأولى على مصر وهى سنة سبع وثمانمائة: فيها كان الشراقى العظيم بالديار المصرية. وفيها كانت واقعة السعيديّة «1» بين الملك الناصر فرج صاحب الترجمة، وبين يشبك، وشيخ، وجكم، وقرا يوسف، حسبما تقدّم ذكره. وفيها توفّى الشيخ الإمام العالم عبيد الله الأردبيلىّ الحنفىّ، فى آخر شهر رمضان، وكان من الفضلاء، معدودا من فقهاء الحنفيّة. وتوفّى الوزير الصاحب بدر الدين محمد بن محمد الطوخىّ «2» ، وزير الديار المصرية، تنقّل فى الخدم الدّيوانية حتى ولى ناظر الدولة «3» ، ثم نقل إلى الوزر سنة تسع وتسعين بعد مسك ابن البقرىّ «4» ، وتولّى بعده نظر الدولة سعد الدين الهيصم، ثم باشر الوزر بعد ذلك غير مرّة، ووقع له أمور ومحن إلى أن مات- بطّالا- فى هذه السنة. وتوفّى الأمير سيف الدين قانى باى بن عبد الله الظاهرى، رأس نوبة، وأحد أمراء العشرات بديار مصر، فى يوم الخميس أول جمادى الآخرة، وكان من خاصكيّة الملك الظاهر برقوق الصّغار.

وتوفّى الشيخ الإمام العالم الفقيه عبد المنعم بن محمد بن داود «1» البغدادى الحنبلىّ، ثم المصرىّ بها، فى يوم السبت ثامن عشر شوال، وقد انتهت إليه رئاسة مذهب الإمام أحمد بن حنبل، بعد ما كتب على الفتوى، ودرّس عدة سنين، وكان لما قدم من بغداد إلى الدّيار المصرية تفقّه بقاضى الفضاة موفق الدين الحنبلى، وهو جدّ صاحبنا قاضى القضاة بدر الدين محمد بن محمد بن عبد المنعم- رحمه الله. وتوفّى القاضى ناصر الدين محمد ابن صلاح الدين صالح «2» الحلبىّ، الموقع الشافعى، المعروف بابن السّفّاح، موقّع الأمير يشبك الشّعبانىّ الدّوادار، فى يوم الثلاثاء ثانى عشرين المحرم. وتوفّى الشيخ نور الدين على ابن الشيخ الإمام سراج الدين عمر البلقينىّ» ، فى يوم الاثنين سلخ شعبان فجاءة بمدينة بلبيس، وحمل منها إلى القاهرة، ودفن بتربة «4» الصوفية، خارج باب النّصر عند أبيه، وكان مولده فى شوال سنة ثمان وستين وسبعمائة، وكان بارعا فى الفقه والعربية، ودرّس بعد موت أبيه بعدّة مدارس. وتوفّى القاضى شمس الدين محمد بن عباس بن محمد بن حسين بن محمود بن عباس الصّلتىّ، فى مستهل جمادى الأولى، بعد ما ولى القضاء بعدّة بلاد من معاملة دمشق وغيرها، ولى قضاء بعلبك، وحمص، وغزّة، وحماة، ثم عمل مالكيّا وولى قضاء المالكيّة بدمشق، ثم ترك ذلك بعد مدة وولى قضاء الشافعية بدمشق، ولم تحمد سيرته فى مباشرته القضاء، وكيف تحمد سيرته وهو ينتقل فى كلّ قليل إلى مذهب لأجل المناصب! فلو كان يرجع إلى دين ما فعل ذلك، ومن لم يحترز على دينه يفعل ما يشاء. قلت- والشيء بالشيء يذكر- وهو أننى اجتمعت مرة بالقاضى كمال الدين بن

البارزى، كاتب السر الشريف بالدّيار المصرية- رحمه الله تعالى- فدفع إلىّ كتابا من بعض أهل غزّة، ممن هو فى هذه المقولة، فوجدت الكتاب يتضمّن السعى فى بعض وظائف غزّة، وهو يقول فيه: يا مولانا، المملوك منذ عزل من الوظيفة الفلانية بغزّة خاطره مكسور، والمسؤول من صدقات المخدوم أن يوليه قضاء الشّافعية بغزّة، فإن لم يكن فقضاء الحنفيّة، فإن لم يكن فقضاء المالكية، وإلا فقضاء الحنابلة، فكتبت على حاشية الكتاب بخطى: فإن لم يكن، فمشاعلىّ «1» ملك الأمراء- انتهى. أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ذراع واحد وعشرة أصابع، مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعا وثلاثة أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 808

[ما وقع من الحوادث سنة 808] ذكر سلطنة الملك المنصور عبد العزيز على مصر السلطان الملك المنصور عز الدين عبد العزيز ابن السلطان الملك الظاهر سيف الدين أبى سعيد برقوق ابن الأمير أنص العثمانىّ، سلطان الديار المصرية، وهو السلطان السابع والعشرون من ملوك التّرك بالديار المصرية، والثالث من الجراكسة، تسلطن بعهد من أبيه له بعد أخيه الملك الناصر فرج، وباتفاق الأمراء من أعيان مماليك أبيه؛ بعد ما اختفى أخوه الملك الناصر فرج ابن الملك الظّاهر برقوق، بعد عشاء الآخرة من ليلة الاثنين سادس عشرين شهر ربيع الأول سنة ثمان وثمانمائة، وقد ناهز الاحتلام، بعد أن حضر الخليفة والقضاة والأعيان من الأمراء، وطلب عبد العزيز من الدور السلطانية إلى الإسطبل «1» السلطانى، وبويع بالسلطنة، وفوّض عليه الخلعة الخليفتية، وركب فرس النوبة فى الفوانيس والشموع، والأمراء مشاة بين يديه حتى طلع إلى القصر، وجلس على تخت الملك، وقبّلت الأمراء الأرض بين يديه، ولقّب بالملك المنصور أبى العز عبد العزيز، ودقت البشائر- على العادة- وأصبح نودى من الغد بالأمان والدعاء للسلطان الملك المنصور عبد العزيز. وأمّ الملك المنصور هذا أم ولد تترية، تسمّى قنّق باى، صارت خوند بسلطنة ولدها هذا، وعاشت إلى حدود سنة خمس وثلاثين وثمانمائة. ولما تسلطن الملك المنصور هذا فى الليلة المذكورة، أصبح الناس فى هدوء وأمان، وتحيّرت الناس فى أمر السلطان الملك الناصر فرج، ولم يشكّ أحد فى أن الوالد أخذه ومضى إلى البلاد الشامية؛ لأنه كان عقد على الأخت قبل تاريخه بمدة يسيرة ولم يدخل بها، فاطمأنّ بذلك قلب من هو من أصحاب الملك الناصر، وكان ممّن اختفى بعد خروج الوالد من مصر من أعيان الأمراء، دمرداش المحمّدىّ نائب حلب، والأمير

بيغوت، وهمّ كثير من حواشى الملك الناصر فرج باللحاق بهما إلى البلاد الشامية، لولا أن أشاع آخرون قتل الملك الناصر المذكور، ثمّ أشيع بعد ذلك أنه اختفى بالقاهرة، وأعرض أكابر الأمراء عن الفحص فى أخبار الملك الناصر، والتفتيش عليه. وقام بتدبير مملكة الملك المنصور، القاضى سعد الدين إبراهيم بن غراب، وهو يوم ذاك كاتب سرّ مصر، وصار الملك المنصور تحت كنف أمه، ليس له من السلطنة سوى مجرد الاسم فقط، وهى كثيرة التخوّف عليه من أخيه الملك الناصر فرج، وكانت امتنعت عن سلطنته، وحجبته عن الأمراء حين طلبوه للسلطنة، حتى أخذ منها بحيلة، دبّروها عليها، واستقرّ الأمير بيبرس الصغير لا لا «1» السلطان الملك المنصور. ثمّ فى يوم الخميس تاسع عشرين شهر ربيع الأوّل المذكور، عملت الخدمة بالإيوان من قلعة الجبل على العادة، وجلس الملك المنصور على تخت الملك، وحضر الأمراء، والقضاة، وسائر أعيان الدّولة، وخلع الملك المنصور على جماعة كبيرة من الأمراء باستمرارهم على وظائفهم، وبتجديد وظائف أخر، فخلع على بيبرس باستقراره أتابك العساكر على عادته، وعلى الأمير آقباى باستقراره أمير سلاح على عادته، وعلى سودون الطيّار باستقراره على عادته أمير مجلس، وعلى سودون تلى المحمّدىّ الأمير آخور باستمراره على عادته، وعلى بشباى رأس نوبة النوب على عادته، وعلى الأمير أرسطاى حاجب الحجّاب على عادته، وعلى سودون الماردانىّ الدّوادار الكبير على عادته، وعلى سعد الدّين بن غراب على عادته كاتب السرّ، وعلى أخيه فخر الدين ماجد وزيرا على عادته، وعلى فخر الدين ماجد بن المزوّق ناظر الجيش على عادته، وعلى جمال الدّين يوسف البيرىّ الأستادار على عادته، وأنعم بإقطاعات الأمراء المنهزمين، مثل الوالد وغيره، على الأمير إينال باى بن قجماس، ومن كان قدم من الحبوس.

وأخذ من هذا اليوم أمر يشبك الشّعبانىّ الدّوادار- كان- ورفقته يضعف، وأمر الأتابك بيبرس ورفقته يقوى، حتى صار يشبك والأمراء يطلعون إلى بيبرس ويأكلون على سماطه، وإذا كان لهم حاجة سألوا بيبرس فيها، ولم يعهدوا قبل ذلك لبيبرس فى الدولة كلاما، فعزّ ذلك على يشبك وحاشيته إلى الغاية، وندموا على ما وقع منهم فى حقّ الملك الناصر فرج، وتساعوا فى عوده، ولم يعرفوا للناصر خبرا، كلّ ذلك وسعد الدين بن غراب لا يعرّف أحدا بأمر الملك الناصر فرج، لكنه يدبّر فى إخراجه، وعوده إلى ملكه من حيث لا يعلم بذلك أحد، وأخذ يدبّر أيضا على قبض إينال باى بن قجماس فى الباطن، فلم يتمّ له ذلك؛ لكثرة حاشيته وعصبته، واضطراب الدولة، وعدم اجتماع الكلمة فى واحد بعينه. ثمّ فى يوم الأربعاء ثامن عشر شهر ربيع الآخر، أفرج عن فتح الدين فتح الله كاتب السرّ- كان- على أنه يحمل خمسمائة ألف درهم ثمنها يوم ذاك ثلاثة آلاف وثلاثة وثلاثون مثقالا ذهبا وثلث مثقال، كلّ ذلك والدولة غير مستقيمة، وأحوال الناس متوقفة؛ لترقّبهم وقوع فتنة، غير أنّ أخبار الناصر لا تظهر، مع علمهم أنه مختف بالقاهرة، لما يظهر من أمر بيبرس ورفقته من الاحتراز من الناصر، وإصلاح أمر الملك المنصور عبد العزيز فيما يثبّت به ملكه. ثم فى حادى عشر جمادى الأولى، توجه الطواشى شاهين الحسنىّ، رأس نوبة الجمداريّة، ولالا السلطان الملك المنصور، ومعه نحو عشرة أنفس، إلى البلاد الشامية لإحضار الأمير شيخ المحمودىّ الساقى نائب الشام- كان- إلى الديار المصرية، وكان يوم ذاك الأمير نوروز الحافظىّ ولى نيابة الشام عوضا عن شيخ المذكور، وخرج لقتال شيخ وكسره، وحصره بقلعة الصّبيبة «1» ، ولإحضار الأمير جكم من عوض نائب حلب، ثمّ ورد كتاب الأمير شيخ المذكور، وكتاب جكم

أيضا إلى الديار المصرية بعد ذلك بعشرة أيام، يخبران بأنهما حاربا الأمير نوروزا الحافظىّ وهزماه، وأنه لحق بطرابلس، وأنهما دخلا دمشق وأقاما بها أياما، ثم إن جكم خرج من دمشق لقتال نوروز الحافظى بطرابلس، وتبعه شيخ، فلما بلغ نوروزا ذلك خرج من طرابلس إلى حماة، ونزل جكم وشيخ على حمص، ثم سارا إلى طرابلس، ففرّ منها نائبها الأمير بكتمر جلّق، فوصل جكم وشيخ إلى طرابلس، وبلغ الأمير علّان جلق نائب حلب نزول نوروز وبكتمر جلّق إلى حماة، فخرج بعساكره من حلب، وقدم عليهما ووافقهما على قتال جكم وشيخ. ولما وصل هذا الخبر إلى الديار المصرية، عظم على الأتابك بيبرس وحاشيته انهزام نوروز من جكم وشيخ إلى الغاية، وسر بذلك يشبك وحاشيته فى الباطن، وكثر قلق يشبك وأصحابه من الأمراء على الملك الناصر فرج، لاسيما لما مرض الملك المنصور عبد العزيز فى يوم الثلاثاء أول جمادى الآخرة، فلما رأى سعد الدين إبراهيم ابن غراب أمر يشبك الشعبانىّ فى إدبار عزّ عليه ذلك، لأن يشبك المذكور كان هو الذي أقامه بعد موت الملك الظاهر برقوق، وقام بمساعدته أعظم قيام، حتى كان من أمر ابن غراب ما كان، فعند ذلك أعلمه ابن غراب بأمر الملك الناصر مفصلا، وأنه عنده مقيم من يوم تسحب من قلعة الجبل، وقال له: أى وقت تشتهى الاجتماع به فعلت لك ذلك، فسرّ يشبك بذلك غاية السرور، وأعلم إخوته وحواشيه بما وقع، وأخذ من يومه فى تدبير أمر الملك الناصر فرج، وظهوره وعوده إلى ملكه فى الباطن، حتى استحكم أمرهم، ووافق ذلك مرض الملك المنصور عبد العزيز، فقويت حركتهم، وكثرت القالة بين الناس فى أمر الملك الناصر وعوده إلى الملك، وتحقّق كلّ أحد أنه مقيم بالديار المصرية، وصارت أخباره تأتى يشبك وأصحابه مياومة ومساعاة، هذا بعد أن اجتمع عليه يشبك وغيره من الأمراء فى اللّيل غير مرة، وواعدوه، وتردّدوا إليه فى أماكن عديدة، كلّ ذلك وبيبرس ورفقته لا يعرفون ما الخبر، بل يتحقّقون أنه مقيم بالقاهرة لاغير، وأنّ له عصبية كبيرة من الأمراء، ومع ذلك

قلوبهم مطمئنة أنّ القلعة بيدهم والسلطان عندهم، وأن الناصر أمره تلاشى واضمحل. فلما كان يوم الجمعة رابع جمادى الآخرة من سنة ثمان وثمانمائة المذكورة، سعى المماليك بعضهم إلى بعض، وكثر هرجهم، وعادت خيول كثيرة من الربيع، وصاروا يركبون جمعا كبيرا ويتسارّون بالكلام، وبلغ ذلك بيبرس ورفقته، فأمرهم بيبرس وإينال باى بن قجماس بالفحص عن أخبارهم، فخرج جماعه كبيرة منهم وداخلوا المماليك المذكورة فى كلام الناصر، فلم يقفوا له على خبر، وعمّى عليهم جميع أحوال الملك الناصر، غير أنهم علموا أنّ الملك الناصر يريد الظهور والعود إلى الملك فاضطرب أمرهم، وحرّضوا بعضهم بعضا على قتاله إن خرج، وتهيئوا لذلك، وحصنوا القلعة، وطلبوا جماعة كبيرة من المماليك السلطانية، ووعدوهم بالأمريّات والإقطاعات والوظائف، وحذروهم من عود الملك الناصر إلى الملك؛ أنه لا يبقى على أحد منهم، وتواصوا على القيام مع الملك المنصور عبد العزيز وإتمام أمره، كلّ ذلك وأحوالهم مفلولة، لعدم أهلية بيبرس بتنفيذ الأمور، ومعرفة الحروب، والقيام بأعباء الملك؛ لانهماكه فى اللذات، ولانعكافه على اللهو والطرب عمره كلّه، لا يميل لغير ذلك، ومنذ مات خاله الملك الظاهر برقوق لم يدخل بنفسه فى أمر غير هذا المعنى المذكور، ولسان حاله ينشد ويقول: [موشح] خلّى الملوك تسطو بالملك والسلاح ... إنى قنعت منهم بالراح والملاح. قلت: وليته دام على ما كان عليه من لهوه وطربه، ولم يدخل بنفسه فى هذه المضايق التى ذهبت فيها روحه، وأما رفيقه إينال باى فإنه كان فيه طيش وخفة مع عدم تدبير ومعرفة، وأيضا لو علم ذلك كله، لم يكن أهلا إلى القيام بمثل هذا الأمر مع وجود من هو أعظم منه فى النفوس، وأكبر منه قدرا، وهم جماعة كبيرة، فلهذا كله لم ينتج أمرهم، وزال ملك الملك المنصور عبد العزيز بعد ما كان تمّ أمره، وقطع الناصر آماله من الملك.

واستمرّ الأمر على ذلك، وباتوا ليلة السبت المذكورة، والحال على ما هو عليه، إلى أن كان نصف الليل، فخرج الملك الناصر فرج بن برقوق من بيت القاضى سعد الدين إبراهيم بن غراب، كاتب السرّ، فى جماعة كبيرة، من غير تستّر، بل فى موكب عظيم سلطانىّ، ومضى بعساكره إلى بيت الأمير سودون الحمزاوىّ ونزل به، وأرسل استدعى الأمراء والمماليك السلطانية، وتسامعت به الناس، فأتوه من كلّ فج بالسلاح وآلة الحرب، ثم لبس الملك الناصر سلاحه وركب فى أمرائه وعساكره، وقصد قلعة الجبل، وقد استعدّ بيبرس وإينال، وغيرهما من الأمراء الذين بالقلعة لقتاله، وحصّنوا القلعة، فلما حضر إليها الملك الناصر فرج بعساكره ناوشوه بالقتال، ورموا عليه، وتقاتل الفريقان قتالا ليس بذاك، فلما رأى الملك الناصر أمر أهل القلعة مفلولا، توجّه إلى نحو باب القلعة، وكان به الأمير صوماى الحسنىّ الظاهرىّ- رأس نوبة-[و] قد وكّل بباب المدرّج «1» ، فعندما رأى صوماى الملك الناصر فتح له باب القلعة، فطلع منه الملك الناصر بأمرائه، وملك القلعة وجلس بالقصر السلطانى، هذا وبيبرس وإينال باى يقاتلان أمراء السلطان من باب «2» السلسلة من الإسطبل السلطانى. فبينما هم فى ذلك، وإذا بالرمى عليهم من القصر، فالتفتوا وإذا بالناصر جالس بالقصر السلطانى، فلم يثبت بيبرس عند ذلك ساعة واحدة، وانهزم من وقته، ونزل بمن معه فارّا إلى خارج القاهرة، فأرسل السلطان فى أثره الأمير سودون الطيّار- أمير مجلس- فى جماعة، فأدركه خارج القاهرة، فلم

يدفع عن نفسه، فقبض عليه سودون الطيّار، وأتى به إلى الملك الناصر، فقيّد فى الحال، وأرسل إلى الإسكندرية، فسجن بها، واختفى إينال باى، وسودون الماردانىّ، وطلب السلطان الملك الناصر فرج أخاه السلطان الملك المنصور عبد العزيز، وطيّب خاطره، وأرسله إلى أمه بالدّور السلطانيّة، وتم أمر الملك الناصر، وأعيد إلى ملكه بعد أن خلع من الملك هذه المدة، وزال ملك الملك المنصور كأنه لم يكن، فكانت مدّة سلطنة الملك المنصور عبد العزيز المذكور على مصر شهرين وعشرة أيام، ليس له فيها إلا مجرد الاسم لا غير، وأقام عند أمه بالدور السلطانية من قلعة الجبل إلى أن أخرجه أخوه الملك الناصر فرج إلى ثغر الإسكندرية، ومعه أخوه إبراهيم بن الملك الظاهر برقوق، صحبة الأمير قطلوبغا الحسنىّ الكركىّ، والأمير إينال حطب العلائىّ، فى حادى عشرين صفر من سنة تسع وثمانمائة المذكورة، فأقام الملك المنصور عبد العزيز المذكور وأخوه إبراهيم بالإسكندرية مدة يسيرة، ومرضا معا، فمات الملك المنصور هذا فى ليلة الاثنين سابع شهر ربيع الآخر من سنة تسع وثمانمائة المذكورة، بعد أن لزم الفراش واحدا وعشرين يوما، ومات أخوه إبراهيم بعده فى ليلته، فاتهم الملك الناصر أنه أمر باغتيالهما بالسّم قبل سفره إلى الشام- حسبما يأتى ذكره. قلت: لا يبعد ذلك من وجوه عديدة ليس لإبدائها محل- والله أعلم.

ما وقع من الحوادث سنة 809

[ما وقع من الحوادث سنة 809] ذكر سلطنة الملك الناصر فرج الثانية على مصر «1» ولما كان صبيحة يوم السبت خامس جمادى الآخرة، طلع الملك الناصر فرج إلى قلعة الجبل وملكها، وقبض على الأتابك بيبرس، ثم على من يأتى ذكره، ثم طلب الخليفة والقضاة فحضروا، وجدّدت له بيعة السّلطنة ثانيا، وثبت خلع الملك المنصور عبد العزيز، وتسلطن وعاد إلى ملك مصر، وخلع على الخليفة والقضاة، وتمّ أمره، وانفضّ الموكب، ونزل الجميع إلى دورهم، وسكن أمر الناس. فلما كان يوم الاثنين سابع جمادى الآخرة المذكورة، خلع السلطان على الأمير يشبك الشّعبانىّ الظاهرىّ الدّوادار- كان- باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية، عوضا عن بيبرس ابن أخت السّلطان الملك الظاهر برقوق، وخلع على الأمير سودون الحمزاوىّ الظاهرىّ باستقراره دوادارا كبيرا، عوضا عن سودون الماردانىّ، وعلى الأمير جركس القاسمىّ المصارع باستقراره أمير آخور كبيرا، عوضا عن سودون تلى «2» المحمدىّ، ثم أمسك السلطان الأمير جارقطلو- رأس نوبة- وقانى باى- أمير آخور- وآقبغا- رأس نوبة- والثلاثة أمراء عشروات، وأمسك بردبك وصمغار- رأس نوبة- أحد أمراء الطبلخانات- ثم خلع على القاضى سعد الدين إبراهيم ابن غراب، واستقر رأس «3» مشورة، وأنعم عليه بإمرة مائة، وتقدمة ألف بالدّيار

المصريّة، وصار أميرا بعدما كان مباشرا، ولبس الكلفتاة «1» ، وتقلّد بالسيف، وكان فى أمسه قد ركب مع السلطان الملك الناصر بقرقل «2» وعليه آلة الحرب- كاملا- وصار بعد من جملة المقاتلين، وتزيّا بزىّ الأتراك، وطلع إلى الخدمة من جملة الأمراء، ثمّ نزل إلى داره بقماش الموكب- على عادة الأمراء- فلم يركب بعدها، ولزم الفراش حتى مات، حسبما يأتى ذكره فى محله. وخلع السلطان على فخر الدين ماجد بن المزوّق- ناظر الجيش- باستقراره فى كتابة السرّ، عوضا عن سعد الدين بن غراب المذكور؛ بحكم انتقاله إلى إمرة مائة، وتقدمة ألف بالديار المصريّة، ثم أمر السلطان فكتب بتقليد الأمير شيخ المحمودىّ باستقراره فى نيابة دمشق على عادته، عوضا عن الأمير نوروز الحافظىّ، وأن يتوجّه نوروز المذكور إلى القدس بطّالا، وحمل التقليد والتّشريف إلى الأمير شيخ الأمير إينال المنقار شادّ «3» الشّراب خاناة، وكتب بتقليد الأمير جكم بنيابة حلب، عوضا عن علّان، وحمل إليه التقليد والتّشريف سودون السّاقى، وكتب للأمير دمرداش المحمدىّ نائب حلب- كان- بالحضور إلى مصر، ثم قبض السلطان الملك الناصر على سودون المحمدىّ المعروف بتلى الأمير آخور الكبير، وأخرج إلى دمشق على إقطاع الأمير سودون اليوسفىّ، ثمّ خلع السلطان على الأمير سودون من زادة باستقراره فى نيابة غزّة عوضا عن سلامش. ثمّ فى حادى عشرين جمادى الآخرة المذكورة، خلع السّلطان على الأمير تمراز الناصرىّ باستقراره نائب السّلطنة الشّريفة بالدّيار المصرية، وكانت شاغرة سنين

عديدة، من يوم تركها سودون الفخرىّ الشيخونىّ، فى دولة الملك الظاهر برقوق، وخلع على الأمير آقباى أمير سلاح، واستقر رأس نوبة الأمراء، واستقرّ سودون الطّيّار أمير سلاح عوضا عن آقباى المذكور، واستقرّ يلبغا الناصرىّ أمير مجلس عوضا عن سودون الطّيّار. وأما البلاد الشّاميّة، فإنه لمّا بلغ أعيان الأمراء بها عود الملك الناصر فرج إلى ملكه، وتولية شيخ ثانيا نيابة دمشق عوضا عن نوروز، فرحوا بذلك فرحا عظيما، ودقّت البشار لذلك أياما، وخرج نوروز الحافظىّ، وعلّان جلّق «1» من حماة، وتوجّها إلى حلب بمن معهما، وكان الأمير دمرداش المحمّدىّ قد فرّ منها، وتوجّه إلى بلاد التّركمان، فمضيا إليه، ثم فارقاه وعادا إلى جهة أخرى حسبما يأتى ذكره، وأقام بحلب الأمير دقماق المحمّدىّ، فلما قدم جكم إلى حلب امتنع دقماق بحلب، وقاتله وانكسر، وأخذ دقماق وقتل بين يدى جكم صبرا- على ما يأتى ذكره فى محلّه. وأما السّلطان الملك الناصر فرج، فإنه لمّا كان يوم الخميس رابع شهر رجب، قبض على الأمير أزبك الرّمضانىّ، وقيّده وبعثه إلى الإسكندرية فسجن بها، ثم ورد عليه الخبر بأنّ الأمير جكم سار إلى حلب ومعه الأمير شيخ نائب الشام، ونوروز بحلب، فلمّا وصلا إلى المعرّة كتب إليهما نوروز يعتذر بأنّه لم يعلم بولاية الأمير جكم لحلب، وخرج بمن معه منها إلى البرّيّة، فدخل جكم حلب من غير قتال، وعاد شيخ إلى الشّام، فلما بلغ السلطان ذلك كتب إلى الأمير جكم بنيابة طرابلس مضافا على ما بيده من نيابة حلب بمثال سلطانى من غير تقليد، وتوجّه بالمثال الأمير مغلباى، وكتب إلى نوروز بالحضور إلى القدس- بطّالا- كما كتب له أولا، وكتب إلى الأمير بكتمر جلّق نائب طرابلس بأن يكون أميرا كبيرا بدمشق. وأمّا جكم فإنّه لمّا استقرّ بحلب ما زال يكاتب نوروزا وعلّان [جلّق] «2»

حتى قدما عليه، فأكرمهما وصارا من جملة أصحابه، ثمّ وقع له مع شيخ وغيره أمور نذكرها فى محلّها. وفى يوم الاثنين أول شعبان، استدعى السّلطان الملك الناصر أبا الفضل العبّاس ولد الخليفة المتوكل على الله أبى عبد الله محمد، وبايعه بالخلافة بعد موت أبيه المذكور، ولبس التّشريف، ولقّب بالمستعين بالله، ونزل إلى داره. وكانت وفاة المتوكل على الله فى سابع عشرين شهر رجب، ثمّ كتب السّلطان باستقرار الأمير طولو من علىّ باشاه فى نيابة صفد عوضا عن بكتمر الرّكنىّ، المعروف بكتمر باطيا، وجهّز تشريف طولو على يد الأمير آقبردى رأس نوبة، وكتب باستقرار الأمير دمرداش المحمّدىّ فى نيابة حماة، ثم ورد الخبر بوصول الأمير علّان جلّق إلى دمشق مفارقا لجكم نائب حلب. ومات سعد الدين إبراهيم بن غراب فى يوم الخميس تاسع عشر شهر رمضان- كما سيأتى ذكره فى الوفيات- ثم أمسك السلطان الأمير إينال الأشقر وأرسله إلى سجن الإسكندرية لأمر بلغه عنه، ثمّ فى أواخر شهر رمضان قبض على الأمير سودون الماردانىّ من بيت بالقاهرة، فقيّد وحمل إلى سجن الإسكندرية، ثمّ كتب السلطان أمانا لكلّ من جمق، وأسنباى، وأرغز، وسودون اليوسفىّ، وبرسباى الدّقماقىّ، أعنى الملك الأشرف، وجهّزه إليهم بالشام، ثمّ قبض السلطان على الوزير فخر الدين ماجد بن غراب فى سابع ذى القعدة، وسلّمه إلى جمال الدين يوسف البيرىّ الأستادار، ثم كتب السلطان إلى الأمير نوروز لحافظىّ- وهو عند جكم بحلب- أنه قد قدّمت مكاتبة السلطان له أنّه يتوجّه إلى القدس بطّالا، وأنه أيضا ساعة وصول هذا المرسوم إليه يحضر إلى الدّيار المصريّة، فلم يلتفت جكم إلى مرسوم السلطان، ونهر القاصد، وخشّن له فى الكلام. ثمّ فى سابع من ذى الحجّة، خلع السلطان على القاضى فتح الدين فتح الله بإعادته إلى وظيفة كتابة السّر، بعد عزل فخر الدين بن المزوّق عنها، ثم أفرج السّلطان عن فخر الدين بن غراب، وخلع عليه، واستقرّ وزيرا ومشيرا وناظر الخاص- على عادته أوّلا- بعد أن حمل عشرين ألف دينار.

وكان فى هذه السّنة- أعنى سنة ثمان [وثمانمائة] «1» - الطاعون العظيم بصعيد مصر، حتى شمل الخراب غالب بلاد الصعيد، ثمّ بلغ السّلطان أنّ جكم من عوض نائب حلب قد عظم أمره، وأنه قد بدا منه أمور تدلّ على المخالفة، فكتب السّلطان بعزله عن نيابة حلب وطرابلس، وولاية الأمير دمرداش نيابة حلب عوضه، وتولية الأمير علّان اليحياوىّ [جلّق] «2» ، نيابة طرابلس عوضه، وتولية الأمير عمر الهيدبانىّ نيابة حماة، وتوجّه بتقاليدهم ألطنبغا شقل مملوك الأمير شيخ المحمودىّ نائب الشام، ولم يرسل السلطان إليهم أحدا من أمراء مصر لضعف حالهم وعدم موجودهم، وقبل أن يصل إليهم الخبر بذلك اقتتل الأمير شيخ مع الأمير جكم بأرض الرّستن «3» - فيما بين حماة وحمص- فى خامس من ذى الحجة قتالا عظيما، قتل فيه الأمير علّان اليحياوىّ جلّق، والأمير طولو من علىّ باشاه نائب صفد، وجماعة كبيرة فى الواقعة، وأما علّان وطولو فإنه قبض عليهما فقدّما بين يدى الأمير جكم؛ فأمر بضرب رقابهما، فضربت أعناقهما بين يديه، وضرب عنق طواشى كان فى خدمة الأمير شيخ معهما. قلت: وهذا ثالث أمير قتله الأمير جكم من أعيان الملوك من خشداشيّته فى هذه السنة- أعنى: دقماق المحمّدىّ نائب حلب، وعلّان هذا نائب حلب أيضا، وطولو نائب صفد- انتهى. وانهزم الأمير شيخ المحمودىّ نائب الشام ومعه الأمير دمرداش نائب حلب إلى دمشق، فلم يقدر شيخ على الإقامة بدمشق خوفا من نوروز الحافظىّ، وخرج من دمشق ومضى إلى الرّملة «4» يريد القدوم إلى القاهرة، ودخل نوروز إلى دمشق، وملك المدينة من جهة جكم بعساكره فى يوم الاثنين سابع عشرين

ذى الحجة المذكورة، ثمّ دخل جكم دمشق بعده فى يوم الخميس سلخ ذى الحجة، ونادى جكم فى دمشق بالأمان، وأنه لا يشوّش أحد على أحد، وكان جكم قد شنق رجلا من عسكره بحلب؛ كونه رعى فرسه زرعا، وشنق آخر على شىء وقع منه فى حقّ بعض الرعيّة، ثم لما قدم دمشق شنق بها أيضا جنديا بعد المناداة على شىء من ذلك، فخافته عساكره وانكفّوا عن مظالم الناس، وعن شرب الخمر، حتى لهجت النّاس بقولهم: جكم حكم وما ظلم، وعظم أمر جكم بالبلاد الشامية إلى الغاية. ولما بلغ خبر هذه الواقعة المصريين خارت قواهم وتخوّفوا من جكم، وخرج البريد من يومه يطلب الأمير تغرى بردى- أعنى الوالد- من برّيّة القدس، فحضر إلى القاهرة، وجلس رأس الميسرة، بعد أن بنى السلطان على ابنته- كريمة «1» مؤلف هذا الكتاب «2» - ثم جهّز السلطان تشريفا للأمير شيخ فى حادى عشر المحرم من سنة تسع وثمانمائة بنيابة الشام على عادته، وأمدّه بمال وسلاح، وقبل خروج القاصد إليه قدم الخبر بوصول شيخ المذكور إلى مدينة بلبيس، فخرج إليه المطبخ السّلطانىّ وتلقّته الأمراء. ثم قبض السلطان على الأمير كزل العجمىّ حاجب الحجاب- وكان أمير حاجّ المحمل- لما فعله مع الحجّاج فى هذه السّنة؛ فإنه أخذ من الحاج على كلّ جمل دينارا وباعهم الماء الذي يردونه، فصادره السلطان وأخذ منه نحو المائتى ألف درهم، ففر فى سلخه، فأخذ له حاصل كبير «3» أيضا. وأما جكم، فإنّه أقام بدمشق مدة وقرّر أمورها، وجعل على نيابتها الأمير نوروزا الحافظى، وكان الأمير سودون تلّى المحمّدى الأمير آخور- كان- فى سجن الأمير شيخ، ففرّ منه ولحق بالأمير نوروز الحافظىّ، ثم ورد الخبر من قضاة حماة أنه سمع طائر يقول:

«اللهمّ انصر جكم» وهذا من غريب الاتّفاق، وهذا والناس فى جهد وبلاء من غلوّ الأسعار بالديار المصرية، لا سيّما لحم الضأن والبقر وغيره، فإنه عزّ وجوده البتة، ثم خرج الأمير الكبير يشبك الشّعبانىّ وغالب الأمراء إلى ملاقاة شيخ، ودمرداش، ومعهما خير بك نائب غزّة، وألطنبغا العثمانى حاجب حجّاب دمشق، ويونس الحافظىّ نائب حماة- كان- وسودون الظريف نائب الكرك- كان- وتنكزبغا الحططىّ فى آخرين، وطلع الجميع إلى القلعة، وقبلّوا الأرض بين يدى السلطان، فأكرمهم السلطان غاية الإكرام، ثم نزلوا إلى القاهرة، وعقيب ذلك ورد الخبر بأخذ عسكر جكم مدينة صفد، والكرك، والصّبيبة وغيرها. ثمّ فى سادس صفر من سنة تسع وثمانمائة المذكورة، خلع السّلطان على الأمير شيخ المحمودىّ بنيابة الشام على عادته، وعلى الأمير دمرداش بنيابة حلب على عادته، وأخذ السّلطان فى تجهيز أمر السّفر إلى البلاد الشّامية. ثم فى حادى عشرين صفر من سنة تسع المذكورة، حمل السلطان الملك الناصر أخاه الملك المنصور عبد العزيز، وأخاه إبراهيم- ابنى الملك الظاهر برقوق- إلى سجن الإسكندرية صحبة الأمير قطلوبغا الكركىّ، والأمير إينال حطب العلائىّ، ورسم لهما أن يقيما باسكندريّة عندهما، وقد تقدّم ذكر ذلك فى أواخر ترجمة الملك المنصور عبد العزيز. ثمّ أنعم السّلطان على الأمير شيخ بأشياء كثيرة، فتجهّز شيخ المذكور وخرج من الديار المصرية فى يوم الاثنين أول شهر ربيع الأول، وخلع السلطان على الأمير دمرداش المحمّدى نائب حلب أيضا خلعة السّفر، وخرج صحبة الأمير شيخ، وتوجّها بجماعتهما ونزلا بالرّيدانيّة «1» ثم لحق بهما الأمير سودون الحمزاوىّ الدوادار الكبير،

والأمير سودون الطّيّار أمير سلاح بطلبهما «1» ومماليكهما وهؤلاء كالجاليش «2» . وأقام الجميع بالرّيدانيّة إلى أن رحلوا منها، وبعد رحيلهم نزل السّلطان بعساكره وأمرائه من قلعة الجبل، ونزل بمخّيمه من الرّيدانيّة خارج القاهرة، فى ثامن شهر ربيع الأول المذكور من سنة تسع وثمانمائة، وهذه تجريدة الملك النّاصر الثالثة إلى البلاد الشّاميّة، فإنّ الأولى كانت من سنة اثنتين لقتال تنم، والثانية فى سنة ثلاث لقتال تمر لنك، وهذه الثالثة. وأقام السلطان بالرّيدانيّة إلى يوم ثانى عشر شهر ربيع الأول، فرحل منها بعساكره إلى جهة الشّام، بعد أن خلع على الأمير تمراز الناصرىّ نائب السلطنة الشّريفة بالديار المصرية باستقراره أيضا فى نيابة الغيبة «3» بالقاهرة، وأنزل السلطان بقلعة الجبل جماعة أخرى من الأمراء ممن يثق بهم، وكذلك بالقاهرة. قال المقريزىّ- رحمه الله: ولم يحمد رحيل السّلطان الملك النّاصر من الرّيدانيّة فى يوم الجمعة، فقد نقل عن الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله- أنه قال: ما سافر أحد يوم الجمعة إلّا رأى ما يكره. وسار السلطان بعساكره حتى دخل دمشق فى يوم الاثنين سابع شهر ربيع الآخر من السنة بتجمّل عظيم، ونزل بدار السّعادة «4» بعد أن زيّنت له دمشق، فأقام بدمشق إلى يوم سابع عشره، فرحل من دمشق بعساكره يريد حلب، وسار حتى دخل حلب فى يوم سادس عشرينه، وقد فرّ منها جكم وعدّى الفرات خوفا من الملك النّاصر فرج، ومعه الأمير نوروز الحافظىّ وتمربغا المشطوب، فى جماعة أخر، فنزل السلطان

بالقلعة من حلب، وبعث بجماعة فى طلب جكم ورفقته، فتوجّهوا فى أثره، ثمّ عادوا بعد أيام بغير طائل، وخرج السّلطان من حلب عائدا إلى الدّيار المصريّة يريد الشّام فى أوّل جمادى الآخرة، بعد ما ولّى الأمير جركس القاسمىّ المصارع الأمير آخور الكبير نيابة حلب عوضا عن جكم من عوض، وولّى الأمير سودون بقجة نيابة طرابلس. وجدّ السلطان فى سيره بعد خروجه من حلب حتى قدم دمشق فى خامس جمادى الآخرة، وبعد خروج السلطان من حلب بيوم ثارت طائفة من المماليك ومعهم عامّة حلب على جركس المصارع، ثمّ قدم الأمير نوروز الحافظىّ إلى نحو حلب، ففرّ منها جركس المصارع يريد دمشق ونوروز فى أثره، فعثر نوروز بحلم «1» الملك النّاصر- وكان تخلّف عن السّلطان لسرعة سير السّلطان- فقطعه نوروز ووقع النهب فيه، ولحق الأمير جركس السلطان ودخل معه دمشق، فنزل السّلطان فى دار السعادة، ونادى بالإقامة فى دمشق شهرين، وكان الأتابك يشبك الشّعبانىّ قدم دمشق، وهو متمرّض فى أمسه، ومعه الأمير دمردش المحمّدىّ، وبشباى رأس نوبة النّوب، وورد الخبر على السّلطان بنزول نوروز على حماة، وبقدوم جكم إلى حلب. فلمّا بلغ السّلطان ذلك خرج من دمشق فى يوم الأحد سادس عشر جمادى الآخرة، بعد ما أمر العسكر أنّ من كان فرسه عاجزا فليتوجّه إلى القاهرة، وألّا يتبع السلطان إلّا من كان قويّا، فتسارع أكثر العسكر إلى العود لجهة الديار المصريّة، ولم يتبع السّلطان من عسكره إلا القليل، وسار الملك النّاصر حتى وصل إلى منزلة قارا «2» ، ثمّ عاد مجدّا فدخل دمشق وقد تمزّق عسكره، وتأخّر جماعة كبيرة من الأمراء مع شيخ نائب الشّام، ثم قدموا دمشق، ثم خرج الأمير شيخ فى ثالث عشرينه من دمشق ومعه دمرداش المحمّدىّ،

وألطنبغا العثمانىّ فى عدّة من الأمراء إلى جهة صفد، وسار السّلطان ويشبك، ومعهما جميع الأمراء إلى جهة مصر، فدخل السلطان إلى القدس، وقد تخلّف عنه الأمير سودون الحمزاوىّ الدّوادار الكبير بدمشق، ومعه عدّة من الأمراء مغاضبين للسّلطان لأمر اقتصى ذلك، ثمّ خرج الحمزاوىّ من دمشق يريد صفد، وأخذ كثيرا من الأثقال السّلطانيّة واستولى على صفد. وأما نوروز فإنه جهّز عسكرا عليهم الأمير سودون تلّى المحمّدىّ، وأزبك الدّوادار «1» فى آخرين، فساروا إلى جهة الرّملة، ثمّ قدم على الأمير نوروز الحافظىّ الأمير إينال باى بن قجماس والأمير يشبك بن أزدمر، وكانا مختفيين بالقاهرة من يوم خروج الملك النّاصر فرج وعوده إلى ملكه، واختفيا حتى خرجا صحبة السلطان إلى البلاد الشّامية، فلما عاد السّلطان إلى نحو الدّيار المصريّة توجّها إلى نوروز بدمشق، وتوجّه معهما الأمير سودون المحمّدىّ لصعف أصابه، فأكرمهما الأمير نوروز غاية الإكرام، وأنعم عليهما بأشياء كثيرة، وكتب للأمير جكم بقدومهما. وأمّا السلطان الملك النّاصر، فإنه سار من القدس حتى دخل إلى القاهرة فى حادى عشر شهر رجب بغير طائل، وقد تلف له ولعساكره مال كبير، وزيّنت القاهرة لقدومه، وخرج أعيان المصريّين لتقّيه، ثمّ بعد قدومه بسبعة أيام وصل دمرداش نائب حلب، وسودون من زادة نائب غزّة إلى القاهرة، واستمرّ سودون الحمزاوىّ وشيخ نائب الشّام بصفد، وأخذ [سودون] «2» الحمزاوىّ يسعى فى الصّلح بين شيخ ونوروز، ولا زال فى ذلك حتى أجاب نوروز، وكتب فى هذا المعنى إلى جكم، فبينما هم فى ذلك خرج سودون الحمزاوىّ يوما من صفد ليسير، فقام شيخ وركب واستولى على قلعة صفد، وأخذ جميع ما للحمزاوىّ، وبلغ ذلك الحمزاوىّ

فهرب ونجا بنفسه فى قليل من أصحابه، وتوجّه إلى دمشق فرحّب به نوروز، غير أنّ نوروزا كان مشغولا بعمارة قلعة دمشق، فلم ينهض بالخروج معه لقتال شيخ. وأمّا الملك النّاصر، فإنّه فى يوم الجمعة رابع شعبان، مسك الوزير فخر الدين ماجد بن غراب وسلّمه لجمال الدين الأستادار، ليصادره ويعاقبه، واستقرّ جمال الدين فى وظيفتى الوزير وناظر الخاصّ مضافا إلى الأستاداريّة، وهذا أوّل ابتداء تحكّم جمال الدين فى الناس، ثم قبض على الأمير خير بك نائب عزّة، وقدم به إلى القاهرة مقيّدا، ثمّ عيّن السلطان جماعة من الأمراء للتجريدة بالبلاد الشّامية ومقدّمهم الأمير تمراز النّاصرىّ النائب، وآقباى، وغيرهما، وخرجوا من القاهرة فى عاشر شهر رمضان، فورد الخبر بأن عسكرا من الشام أخذ غزّة، وأن يشبك بن أزدمر أخذ قطيا «1» ، وأخربها وعاد إلى غزّة، فأقام تمراز بمن معه على مدينة بلبيس أياما، ثم عاد هو وآقباى بمن معهما إلى القاهرة فى سابع شوّال. ثمّ قدم الخبر على الملك الناصر بأن الأمير جكم من عوض نائب حلب تسلطن بقلعة حلب فى يوم حادى عشر شوال من سنة تسع وثمانمائة المذكورة، وتلقّب بالملك العادل أبى الفتح عبد الله جكم، وخطب باسمه من الفرات إلى غزّة- ما عدا صفد- فإن بها الأمير شيخا المحمودىّ، وقد استولى عليها من سودون الحمزاوىّ حسبما تقدّم ذكره، وأنه لم يخطب باسم جكم، وأنه مستمرّ على طاعة السّلطان، وأن الأمير نوروزا نائب الشّام باس الأرض لجكم، وخلع على بكتمر جلّق بنيابة صفد بأمر الملك العادل جكم، ثمّ قدم بعد ذلك عدّة كتب من أمراء الشّام على السّلطان يرغّبون السّلطان فى الخروج إلى البلاد الشّامية، ثم قدمت عدّة كتب من جكم إلى عربان مصر وفلّاحيها بمنعهم من دفع الخراج إلى السلطان وأمرائه وأجناده، وتحذيرهم من ذلك حتى يقدم جكم إلى مصر، ثم ورد الخبر من البلاد الشّامية أنه فى ثامن عشر شوال وصل إلى دمشق

قاصد الملك العادل جكم، وعلى يده مرسوم جكم بأنّ الأمير سودون الحمزاوى يكون دوادارا بالدّيار المصرية على عادته، وأن الأمير إينال باى بن قجماس يكون أمير آخور كبيرا على عادته؛ وأن الأمير يشبك بن أزدمر يكون رأس نوبة النّوب على عادته، وأن الأمير نوروزا مستمرّ على نيابة دمشق، وجىء له بالخلعة فلبسها نوروز، وقبّل الأرض، ودقت البشائر لذلك- بدمشق- أياما، وزيّنت المدينة. فلما بلغ السّلطان ذلك أراد الخروج إلى البلاد الشّامية فكلمه أمراؤه فى تأخير السفر حتى يخفّ الطاعون من الدّيار المصريّة، فإنه كان فشا بها وكثر، فلم يلتفت السلطان لذلك، وشرع فى أوّل ذى الحجة فى الاهتمام إلى سفر الشّام هو وعساكره، ثم فى خامس عشرين ذى الحجة المذكورة علّق السلطان جاليش «1» السفر، وصرفت النّفقة للمماليك السّلطانية فى تاسع عشرين، لكل مملوك ثلاثون مثقالا وألف درهم فلوسا، فتجمّع المماليك تحت الطّبلخاناة السلطانيّة وامتنعوا من أخذها، فكلّمهم بعض الأمراء على لسان السّلطان فى ذلك، فرضوا، وبينما السلطان فى ذلك ورد عليه الخبر بقتل الأمير جكم بآمد «2» ، من ديار بكر بن وائل، فى سابع عشر ذى القعدة من سنة تسع وثمانمائة المذكورة. وسبب قتلة جكم المذكور أنه لما تسلطن بمدينة حلب، ووافقه وأطاعه غالب نوّاب البلاد الشّاميّة، وعظم أمره، وكثرت عساكره، وخافه كلّ أحد حتى أهل مصر، وتهيّأ الملك النّاصر إلى الخروج من مصر لقتاله، ابتدأ جكم بالبلاد الشّاميّة، واستعد لأخذها، على أن الدّيار المصريّة صارت فى قبضته، وأعرض عنها حتى ينتهى من بلاد الشرق، وجعل تلك الناحية هى الأهم، وخرج من مدينة حلب بعساكره إلى نحو الأمير عثمان بن طرعلىّ المعروف بقرايلك، صاحب آمد، وغيرها

من ديار بكر، وكان قرايلك المذكور يومئذ نازلا بآمد، فسار جكم حتّى نزل على البيرة، وحصرها وأخذها، وقتل نائبها الأمير كزل، فأتته بها رسل قرايلك يرغب إليه فى الطّاعة، ويسأله الرجوع عنه إلى حلب، وأنه يحمل إليه من الجمال والأغنام عدّة كبيرة، ويخطب له بديار بكر، فلم يقبل جكم ذلك، وسار حتى نزل قرب ماردين «1» ، فأقام هناك أياما حتى قدم عليه الملك الظّاهر مجد الدين عيسى الأرتقىّ صاحب ماردين، ومعه حاجبه فيّاض بعساكره، فاستصحبه جكم معه إلى نحو مدينة آمد، وقد تهيأ قرا يلك لقتال جكم المذكور، فعبّأ جكم عساكره، ومشى على آمد، فالتقاه قرايلك بظاهرها، وتقاتلا قتالا شديدا قاتل فيه جكم بنفسه، وقتل بيده إبراهيم بن قرايلك، ثمّ حمل على قرايلك بنفسه، فانهزم قرايلك بمن معه إلى مدينة آمد وامتنعوا بها، وغلّقوا أبوابها، فاقتحم جكم فى طائعة من عسكره القرايلكيّة، وساق خلفهم حتى صار فى وسط بساتين آمد، وكان قرايلك قد أرسل المياه على أراضى آمد حتى صارت ربوا، يدخل فيها الفارس بفرسه فلا يقدر على الخلاص، فلما وصل جكم إلى ذلك الموضع المذكور أخذه الرّحم هو ومن معه من كلّ جهة، وقد انحصروا من الماء الذي فاض على الأرض، وجعلها ربوا، فصاروا لا يمكنهم فيه الكرّ والفرّ، فصوّب عند ذلك بعض التّراكمين من القرايلكيّة على جكم، وهو لا يعرفه، ورماه بحجر فى مقلاع أصاب جبهته وشجّه، وسال الدّم على ذقنه ووجهه، وجكم يتجلّد ويمسح الدّم عن وجهه، فلم يتمالك نفسه وسقط عن فرسه مغشيّا عليه، وتكاثر التّركمان على رفقته فهزموهم بعد أن قتلوا منهم عدّة كبيرة، فنزل بعض التّراكمين وقطع رأس جكم، وجال العسكر واضطرب أمر جيش جكم ساعة، ثم انكسروا لفقد جكم، وقد عاينت أنا موضع قتل جكم بظاهر مدينة آمد لما نزل السّلطان

الملك الأشرف برسباى عليها فى سنة ستّ وثلاثين وثمانمائة، عرّفنى ذلك الأمير السّيفىّ صربغا أمير آخور الوالد، فإنه كان يوم ذاك صحبة جكم فى الواقعة المذكورة- انتهى. ثم أخذ التّركمان فى الأسر والقتل والنّهب فى عساكر جكم وعساكر ماردين حتى إنه لم ينج منهم إلّا القليل، فلما ذهب القوم نزل قرايلك وتطلّب جكم بين القتلى حتى ظفر به، فقطع «1» رأسه، وبعث به إلى السلطان الملك النّاصر إلى الدّيار المصريّة، وقتل فى هذه الواقعة مع الأمير جكم من الأعيان: الملك الظّاهر عيسى صاحب ماردين، وكان من أجلّ الملوك، والأمير ناصر الدين محمد بن شهرىّ حاجب حجّاب حلب، والأمير قمول نائب عين «2» تاب، وصارو سيّدى، وفرّ الأمير تمربغا المشطوب. وكمشبغا العيساوىّ، حتى لحقا بحلب فى عدّة يسيرة من المماليك، وكانت هذه الواقعة فى سابع عشر ذى القعدة من سنة تسع وثمانمائة- انتهى أمر جكم وقتلته. وأما أمر الأمير شيخ المحمودىّ نائب الشّام- كان- فإنه فى ذى القعدة أيضا ركب من صفد يريد الأمراء الذين من جهة نوروز وجكم. وقد وصلوا من دمشق إلى غزّة، وهم إينال باى بن قجماس، وسودون الحمزاوىّ، ويشبك ابن أزدمر، ويونس الحافظىّ نائب حماة- كان- وسودون قرناص فى آخرين، فسار شيخ بمن معه وطرقهم بغزّة على حين غفلة فى يوم الخميس رابع ذى الحجة، فركبوا وقاتلوه قتالا شديدا، قتل فيه إينال باى بن قجماس، ويونس الحافظىّ، وسودون قرناص، وقبض شيخ على سودون الحمزاوىّ، بعد ما قلعت عينه، وهرب يشبك بن أزدمر إلى دمشق، وقبض شيخ على

ما وقع من الحوادث سنة 810

عدّة مماليك من المماليك السّلطانيّة، فوسّط منهم تسعة، وغرّق أحد عشر، وأفرج عن مماليك الأمراء، ولم يتعرض لهم بسوء، وبعث بطائفة أخرى من المماليك السّلطانيّة إلى الملك النّاصر فرج، ثم عاد شيخ إلى صفد. [ما وقع من الحوادث سنة 810] ثمّ ورد الخبر بأن الأمير نوروزا نائب الشام عاد إلى طاعة السّلطان بعد قتل جكم، وأنّ تمربغا المشطوب تغلّب على حلب، وقاتلته التّراكمين حتى ملك قلعة حلب بعد أمور، وأنه أخذ ما كان لجكم بحلب واستخدم مماليك جكم، فعظم أمره لذلك، فأمر السلطان بتجهيز أموره للسفر إلى البلاد الشّاميّة، وتجهزت العساكر، فلمّا كان يوم الاثنين سادس المحرم من سنة عشرة وثمانمائة فرّق السلطان الجمال على المماليك السّلطانيّة؛ برسم السّفر إلى الشّام صحبة السّلطان. ثمّ فى يوم الجمعة عاشر المحرم قدم إلى القاهرة حاجب الأمير نعير برأس الأمير جكم، ورأس ابن شهرى، فخلع السلطان عليه، وطيف بالرأسين على رمحين، ونودى عليهما بالقاهرة، ثمّ علّقا على باب زويلة، ودقّت البشائر، وزيّنت القاهرة لذلك. ثمّ فى تاسع عشر المحرم، خرجت مدوّرة «1» السلطان إلى الرّيدانيّة خارج القاهرة، ثمّ فى يوم حادى عشرينه، برز الجاليش السّلطانى من الأمراء إلى الرّيدانيّة، وهم الأتابك يشبك، والوالد، وهو تغرى بردى البشبغاوىّ، والأمير بيغوت فى آخرين من الأمراء، ورحلوا فى خامس عشرينه من الرّيدانيّة، ونزل السّلطان من قلعة الجبل فى يوم الاثنين ثامن عشرينه إلى الرّيدانيّة ببقيّة أمرائه وعساكره. وهذه تجريدة الملك النّاصر الرابعة إلى البلاد الشّاميّة، غير واقعة السّعيدية. ثمّ رحل السلطان من الرّيدانيّة فى يوم ثانى صفر من سنة عشرة وثمانمائة، يريد البلاد الشاميّة. وأما البلاد الشّاميّة- فإنّ نوروزا الحافظىّ خرج من دمشق فى أوّل محرم من

هذه السنة لقتال شيخ، فضعف شيخ عن مقاومته، ولم يخرج من صفد، وأرسل يستحثّ السلطان على سرعة المجىء إلى البلاد الشّاميّة، فعاد نوروز إلى دمشق بعد أن حاصر شيخا أياما، وأرسل إلى السلطان يطلب أمانا، وأنه يمتثل ما يرسم به السّلطان، وأنه يوافق شيخا، ويرضى بما يولّيه السلطان من البلاد. ثمّ أرسل نوروز إلى شيخ بأن يكاتب السلطان بأن يكون نائب حلب ويكون شيخ نائب الشام على عادته، فلم يلتفت شيخ إلى كلامه، وانتهز الفرصة وقد قوى أمره بعد ما كان خائفا من نوروز؛ لقدوم السّلطان الملك النّاصر إلى البلاد الشّاميّة، وسار بمماليكه وحواشيه حتى نزل بالقرب من دمشق، ففرّ فى تلك الليلة من نوروز إلى شيخ جماعة من الأمراء، منهم: قمش، وجمق، ثمّ تحوّل نوروز من المزّة «1» إلى قبّة «2» يلبغا، فوصل إليه قاصد الأمير شيخ، بأنّ السلطان أرسل إليه تشريفا بنيابة دمشق، وأنه طلب من السلطان لنوروز نيابة حلب، فأبى السّلطان ذلك، وأن عسكر السّلطان وصل إلى مدينة غزّة، فتحول عند ذلك نوروز إلى برزة «3» ، ودخلت مماليك الأمير شيخ إلى الشام من غير قتال. وأمّا السّلطان الملك النّاصر فإنه لمّا رحل من الرّيدانيّة بعد أن عمل الأمير تمراز نائب السّلطنة نائب غيبته بديار مصر، وأنزله بباب السّلسلة، وأنزل الأمير آقباى بقلعة الجبل، وسكّن سودون الطيّار أمير سلاح بالرميلة «4» تجاه باب السّلسلة، وسار السّلطان حتى وصل إلى غزّة فى ثانى عشر صفر، فورد عليه الخبر بفرار نوروز، فلم يلتفت إلى ذلك، وسار حتى دخل إلى دمشق فى يوم ثانى عشرين صفر بعد

ما خرج الأمير شيخ إلى لقائه، وقبّل الأرض بين يديه، وسار معه حتى دخل دمشق فى خدمته من جملة الأمراء، ونزل السّلطان بدار السّعادة من دمشق، وصلّى الجمعة بجامع بنى أمية، ثم قبض على قضاة دمشق ووزيرها، وكاتب سرها، وأهانهم السّلطان وألزمهم بحمل مال كبير. ثم فى يوم الأحد خامس عشرين صفر، أمسك السّلطان الأمير شيخا المحمودىّ نائب دمشق، والأمير الكبير يشبك الشّعبانىّ الأتابكى، واعتقلهما بقلعة دمشق، وكان الأمير جركس القاسمىّ المصارع الأمير آخور قد تأخّر فى هذا اليوم عن الخدمة السلطانية بداره، فلما بلغه الخبر فرّ من وقته، فلم يدرك، وهرب جماعة كبيرة من الشّيخيّة واليشبكيّة. ثمّ فى سادس عشرين صفر خلع السلطان على الأمير بيغوت باستقراره فى نيابة دمشق عوضا عن شيخ المحمودىّ، بحكم حبسه بقلعة دمشق، وخلع على الأمير فارس دوادار تنم باستقراره حاجب حجّاب دمشق، وخلع على الأمير عمر الهيدبانىّ بنيابة حماة، وعلى صدر الدّين علىّ بن الأدمىّ باستقراره قاضى قصاة الحنفيّة بدمشق، ودام يشبك وشيخ بقلعة دمشق إلى أن استمالا نائب قلعتها الأمير منطوقا، حتى أفرج عنهما فى ليلة الاثنين ثالث شهر ربيع الأوّل من سنة عشرة وثمانمائة، وهو أن منطوقا تحيّل على من عنده من المماليك بأنّ السّلطان رسم له بأن ينقل الأميرين شيخا ويشبك، من حبس إلى آخر فصدّقوه، فأخرجهما على أنه ينقلهما، وفرّ بهما، ونزل من القلعة، فلم يبلغ السلطان الخبر حتى ذهبوا حيث شاءوا، وأصبح السلطان يوم الاثنين ندب الأمير بيغوت لطلبهم، فركب بيغوت من وقته بمماليكه، وسار فى طلبهم- غارة- وقد اختفى الأمير شيخ بدمشق ولم يخرج منها، وتوجّه يشبك فلم يدرك بيغوت سوى منطوق نائب قلعة دمشق الذي أطلقهما؛ لثقل جثّته؛ فإنه كان فى غاية من السّمن، ففرّ يشبك، وقاتل منطوق

بيغوت ساعة ثمّ انهزم، وقبض عليه [بيغوت] «1» وقطع رأسه، وحملها إلى الملك الناصر، ورفعت على رمح وطيف بها دمشق، ثمّ علّقت على سور دمشق، ثمّ قدم الخبر باجتماع الأتابك يشبك وشيخ وجركس، وأنّهم فى دون الألف فارس، وهم على حمص، وأنّهم اشتدّوا على النّاس فى طلب المال، فكتب السّلطان فى الحال للأمير نوروز الحافظىّ وهو بمدينة حلب، عند تمربغا المشطوب يستدعيه لمحاربة يشبك وشيخ، وأنه ولّاه نيابة الشّام وأمره أن يحمل إليه جماعة من الأمراء، ويبعث السلطان إليه التّقليد والتّشريف مع الأمير سلامش، ثم جهّز السلطان سلامش إلى نوروز، وعلى يده خلعته بنيابة دمشق، فلبس نوروز الخلعة، وقبّل الأرض وامتثل ما أمره السّلطان به من قتال الأمراء وغيره، وكتب يعتذر من عدم الحضور بما عنده من الحياء من السّلطان، والخوف لما وقع منه قبل تاريخه، وأنّه إذا سار السّلطان من دمشق نحو الدّيار المصرية قدمها وكفاه أمر هؤلاء. ثمّ أرسل نوروز بعد ذلك بأنّه قبض على جماعة من الأمراء الذين فرّوا من السلطان من دمشق، وهم: الأمير علّان، والأمير جانم من حسن شاه، والأمير إينال الجلالىّ المفقار، والأمير جقمق العلائى أخو جركس المصارع: أعنى الملك الظاهر جقمق، والأمير أسنباى التّركمانى، أحد أمراء الألوف بدمشق، والأمير اسنباى أمير آخور، والأمير جمق، نائب الكرك- كان- وبعث بهم الجميع ما خلا جانم، ثم أرسل إلى الدّيار المصريّة بالقبض على الأمير تمراز النّاصرىّ نائب السّلطنة بالدّيار المصريّة. ثمّ نائب الغيبة، فأذعن تمراز وسلّم نفسه، فمسك وقيّد وحبس بالبرج «2» من

قلعة الجبل، وسكن سودون الطيّار عوضه بباب السّلسلة من الإسطبل السّلطانى. ثمّ ركب السّلطان الملك الناصر فى يوم الأربعاء رابع شهر ربيع الآخر من دار سعادة دمشق، وتوجّه إلى الرّبوة «1» فتنزّه بها ثم عاد إلى دار السّعادة، ثمّ أصبح لعب الكرة بالميدان، وقدم عليه الأمير بكتمر جلّق بالأمراء الذين قبض عليهم الأمير نوروز، وهم المقدّم ذكرهم، فرسم السلطان بحبسهم، ثمّ فى اليوم المذكور خرج حريم السّلطان من دمشق إلى جهة الدّيار المصرية. ثمّ خرج السّلطان من دمشق فى يوم السّبت سابع شهر ربيع الآخر يريد الدّيار المصرية ومعه الأمراء المقبوض عليهم، وفيهم: الأمير سودون الحمزاوىّ وقد أحضر من سجن صفد، والأمير آقبردى رأس نوبة أحد أمراء الطبلخانات، وسودون الشّمسىّ أمير عشرة، وسودون البجاسىّ أمير عشرة، وسار السّلطان إلى مصر، وجعل بكتمر جلّق نائب الغيبة بدمشق حتى يحضر إليها نائبها الأمير نوروز، وكان بكتمر جلّق المذكور قد خلع عليه السّلطان باستقراره فى نيابة طرابلس قبل تاريخه، وأصبح شيخ لمّا بلغه خروج السّلطان من دمشق طرقها ومعه يشبك وجركس، وأخذها من بكتمر، وملكها بعد أن فرّ بكتمر منها، وقبض شيخ على جماعة من أمراء دمشق، وولّى وعزل، وأخذ خيول الناس، وصادر جماعة. ثم ورد الخبر على يشبك وشيخ بنزول بكتمر جلّق على بعلبك بأناس قليلة فخرج إليه يشبك الشّعبانىّ وجركس فى عسكر، ومضى بكتمر جلّق إلى حمص، وسار يشبك وجركس حتى وصلا إلى بعلبك، فوافاهما الأمير نوروز بعساكره

على كروم بعلبك، فبرز إليه يشبك وجركس بمن معهما، فقاتلهم نوروز حتى هزمهم، وقتل الأتابك يشبك الشّعبانىّ، وجركس القاسمى المصارع فى ليلة الجمعة ثالث عشر شهر ربيع المذكور، وقتل جماعة أخر، وقبض نوروز على جماعة، وفرّ من بقى، فلما بلغ ذلك شيخا خرج من وقته من دمشق على طريق جرود «1» ، ودخل الأمير نوروز فى يوم رابع عشره إلى دمشق وملكها من غير قتال، وبعث نوروز بهذا الخبر إلى السلطان، فوافاه المخبر بذلك على العريش، فسرّ السلطان بذلك سرورا كبيرا، وهان عليه أمر شيخ بعد ذلك. ثمّ سار السلطان الملك الناصر مجدّا حتى دخل إلى الديار المصرية ضحى نهار الثلاثاء، رابع عشرين شهر ربيع الآخر، وبين يديه ثمانية عشر أميرا فى الحديد، ورمّة الأمير إينال باى بن قجماس، وقد حملها الملك الناصر من غزة لأنه كان خصّيصا عند الملك الناصر، وقتل بغزّة فى واقعة شيخ بغير اختيار السلطان، وطلع السلطان إلى قلعة الجبل، وحبس الأمراء المذكورين بالبرج من قلعة الجبل إلى أن كان يوم سادس عشرينه، فاستدعى السلطان القضاة إلى بين يديه، وأثبت عندهم إراقة دم الأمير سودون الحمزاوىّ لقتله إنسانا ظلما، فحكموا بقتله، فقتل، وقتل معة تمربغا دواداره، والأمير آقبردى، وجمق، وأسنباى التركمانى، وأسنباى أمير آخور، وتأخر الأمير إينال المنقار، وسودون الشّمسىّ، وجقمق العلائى، وجماعة أخر، وسودون البجاسى فى البرج من قلعة الجبل. ثمّ فى يوم سابع عشرين شهر ربيع الآخر، أنعم السلطان على الوالد بإقطاع الأتابك يشبك الشّعبانىّ، وأنعم بإقطاع الوالد على الأمير قردم الخازندار، وأنعم على الأمير قراجا بإقطاع تمراز الناصرىّ المقبوض عليه فى غيبة السلطان بالقاهرة، واستقرّ قراجا المذكور شادّ الشّراب خاناة، وأنعم بإقطاع قراجا على الأمير أرغون من بشبغا، وأنعم بإقطاع أرغون المذكور على الأمير شاهين قصقا، وأنعم بإقطاع شاهين على الأمير طوغان الحسنىّ.

ثم فى يوم الخميس ثالث جمادى الأولى خلع السلطان على الوالد باستقراره أتابك العساكر بالدّيار المصرية عوضا عن يشبك الشّعبانىّ، وخلع على الأمير كمشبغا المزوّق الفيسىّ باستقراره أمير آخور كبيرا، عوضا عن جركس القاسمىّ المصارع. وفى اليوم المذكور قدم إلى القاهرة قاصد الأمير نوروز الحافظىّ برأس الأتابك يشبك، ورأس جركس المصارع، ورأس الأمير فارس التّنمىّ حاجب حجّاب دمشق. وفيه شاور جمال الدين الأستادار السّلطان أنه يعمّر للسلطان مدرسة بخط رحبة باب العيد «1» ، فأذن له السلطان فى ذلك، فشقّ جمال الدين أساسها فى هذا اليوم، وبدأ بعمارتها. ثم أرسل السلطان إينال المنقار، وعلّان، وبلبغا الناصرىّ إلى سجن الإسكندرية. ثم ركب الملك الناصر متخفّفا بثياب جلوسه ونزل إلى عيادة الأمير قراجا، فعاده، ثم سار إلى بيت جمال الدين الأستادار وأخذ تقدمته، ثم ركب وسار حتى نزل بالمدرسة الظاهرية ببين القصرين، وزار أمه وجده لأبيه الأمير أنص، وجعل ناحية منبابة «2» بالجيزة وقفا عليها. ثم ركب منها إلى دار الأمير بشباى- رأس نوبة النّوب- ونزل عنده، ثم ركب من عنده، وتوجّه إلى بيت الأمير كزل العجمىّ حاجب الحجّاب، ثم سار من عنده إلى قلعة الجبل. قال المقريزى: ولم نعهد ملكا من ملوك مصر ركب من القلعة بقماش جلوسه غيره، قلت: لعل المقريزى أراد بقماش جلوسه عدم لبس السّلطان الكلفتاة، وقماش الخدمة، وهذا كان مقصوده- والله أعلم.

ثم فى تاسع عشر جمادى الأولى المذكور، خلع السلطان على الأمير طوخ الخازندار باستقراره أمير مجلس عوضا عن يلبغا النّاصرى بحكم القبض عليه، والعامة تسمّى طوخ هذا طوق الخازندار، والصواب ما قلناه. وخلع على الأمير قردم باستقراره خازندارا عوضا عن طوخ المذكور. ثم فى سادس عشر جمادى الآخرة قبض السّلطان على الأمير سودون من زادة، وقيّده وحمله إلى الإسكندريّة، فسجن بها مع من بها من الأمراء. وأمّا الأمير نوروز الحافظىّ فإنّه منذ دخل دمشق كانت مكاتبات الأمير شيخ ترد عليه بطلب الصّلح، ويترقّق شيخ لنوروز، ويتخضّع إليه إلى أن أجاب نوروز إلى ذلك، وخرج من دمشق فى سادس عشرين شهر رجب، إلى جهة حلب، ليصالح الأمير شيحا، فتقدّم الأمير شيخ إليه والتقاه واصطلحا، ومسك نوروز بكتمر جلّق، بعد ما كان أعزّ أصحاب نوروز؛ مراعاة لخاطر شيخ. وحكى لى من أثق به من أعيان المماليك الظّاهريّة ممّن كان فى صحبتهم يوم ذاك قال: لمّا أراد شيخ الصّلح مع نوروز، طلب منه القبض على بكتمر، فبلغ بكتمر ذلك، فلم يصدّق أنّ نوروزا يقع فى مثل هذا لما كان بينهما من تأكّد الصّحبة، فلمّا اجتمع شيخ مع نوروز وأراد نوروز القبض على بكتمر، قال بلسان الجركسىّ: وبط «1» . قال بكتمر: يا جنس النّحس بلغنى ذلك من مدّة، ولكنّنى ما ظننت أنّها تخرج من فمك فى حقّى أبدا، ومسك بكتمر جلّق، وسجن بقلعة دمشق، ثمّ دخل الأمير شيخ ونوروز إلى دمشق، وقد استقرّت طرابلس للأمير شيخ، ودمشق للأمير نوروز، فأقام شيخ بدمشق عشرة أيّام، ثم خرج منها وسار إلى طرابلس، وكثرت المصادرات بدمشق وغيرها فى أيام هذه الفتن، وأخرجت الأوقاف عن أربابها، وخربت

بلاد كثيرة بمصر والشّام؛ لكثرة التّجاريد، وسرعة انتقال الأمراء من إقطاع إلى إقطاع. ولمّا بلغ الملك الناصر ذلك، وما وقع من نوروز فى حقّ شيخ من الإكرام شقّ عليه ذلك؛ لأن شيخا كان قد تلاشى أمره، ونفر عنه مماليكه وأصحابه؛ من كثرة الأسفار والانتقال من بلد إلى بلد، وافتقر وصار لا يجد بلدا يأوى إليه، حتّى صالحه نوروز، وأعطاه طرابلس، فعاد إليه مماليكه، ودار فيه الرّمق- انتهى. ثمّ فى حادى عشر شعبان أفرج السّلطان عن الأمير تمراز النّاصرىّ نائب السّلطنة- كان- من حبسه بالبرج من قلعة الجبل، ونزل إلى داره، ثمّ ورد الخبر على الملك النّاصر بأن بكتمر جلّق فرّ من سجن قلعة دمشق فى ليلة الأربعاء عاشر شهر رمضان من سنة عشر وثمانمائة، وأنّه توجّه إلى صفد، ثمّ نزل غزّة. ثمّ ورد على السّلطان كتاب الأمير شيخ يسأل السلطان الملك الناصر الرّضى عنه، وعن جماعته، فلم يقبل السّلطان ذلك، فلم تزل مكاتبات شيخ ترد على السّلطان فى ذلك حتّى رضى عنه. وكتب له بنيابة الشّام على عادته، وحمل إليه التّقليد الأمير ألطنبغا بشلاق صحبة مملوك شيخ ألطنبغا شقل، وقاضى القضاة نجم الدين عمر بن حجّىّ، وقاضى القضاة صدر الدين بن الأدمى، وقد تولّى كلّ منهما قاضيا بدمشق على مذهبه، وكانا هما وألطنبغا شقل قدموا فى إصلاح أمر شيخ مع أستاذه الملك النّاصر فرج. ثمّ كتب السّلطان باستقرار بكتمر جلّق فى نيابة طرابلس على عادته، وكتب السّلطان أيضا باستقرار يشبك بن أزدمر فى نيابة حماة، ووصلت رسل السّلطان إلى الأمير شيخ وغيره من الأمراء المذكورين من البحر المالح من عكّا، وساروا حتّى لقوا شيخا على المرقب، وقد تغيّر

ما وقع من الحوادث سنة 811

عن حاله، وأوصلوه التّقليد بنيابة الشّام، فقال: أنا لا أعادى نوروزا وقد أحسن إلىّ، وأقامنى ثانيا، وأيضا لم يكن لى قدرة على قتاله، وأخذ الخلعة منهم، وبعثها إلى الأمير نوروز، وأعلمه أنه باق على طاعته، فدقّت البشائر لذلك، وزيّنت دمشق. [ما وقع من الحوادث سنة 811] ثمّ فى أوّل المحرم من سنة إحدى عشرة وثمانمائة برز الأمير نوروز من دمشق، يريد قتال الأمير بكتمر جلّق، فتهيّأ بكتمر أيضا لقتاله، وتصاففا، واقتتلا قتالا شديدا، قتل بينهما أناس، وحرقت الزّروع، وخربت البلاد. ثمّ عاد نوروز إلى جهة الرّملة لحفظ مدينة غزّة. وكان الملك النّاصر لمّا بلغه أنّ سودون تلّى المحمّدى صار نائب غزّة، من قبل نوروز، ولّى الأمير ألطنبغا العثمانىّ نيابة غزّة وندبه لقتال سودون المحمّدىّ. وأرسل معه من الأمراء بشباى رأس نوبة النّوب، وسودون بقجة، وطوغان الحسنىّ، والجميع يتوجّهون لقتال سودون المحمّدى، ثمّ يمضون إلى صفد؛ نجدة لمن بها من السلطانيّة، وخرجوا من القاهرة، وساروا حتى وصلوا إلى العريش، فبلغهم أنّ الأمير بكستمر جلّق، والأمير جانم من حسن شاه، خرجا من صفد إلى غزّة، وملكاها من سودون المحمّدى؛ وفرّ سودون المحمّدى، ولحق بالأمير نوروز، فجهّزه نوروز فى الحال بعدّة مقاتلة لقتالهم، وأنّ نوروزا يكون فى أثره إلى غزّة. فلمّا بلغ بكتمر جلق، وجانم، مجىء سودون المحمّدى، ونوروز إلى غزّة، خرجا من غزّة وعادا إلى صفد، وبلغ هذا الخبر بشباى وهو بالعريش، فعاد هو وأصحابه إلى الدّيار المصرية؛ من كونه لا يقاوم نوروزا؛ لكثرة جموعه، فسكت السّلطان عن نوروز لما يأتى ذكره. ثمّ أفرج السلطان عن الأمير إينال المنقار، والأمير علّان، من سجن الإسكندريّة، وقدم الخبر على السلطان فى أثناء ذلك بوقوع الفتنة بين

شيخ ونوروز، وأنّ شيخا نزل القريتين «1» ، ونوروزا بالقرب منه، وتراسلا فى الكفّ عن القتال، فامتنع شيخ وقال: السلطان ولّانى نيابة دمشق، وباتا على القتال، فلمّا كان الليل سار شيخ بمن معه يريد دمشق، وأكثر فى منزلته من إشعال النّيران، يخدع بذلك نوروزا، فلم يفطن نوروز برحيله، حتىّ مضى أكثر الليل، فركب فى الحال نوروز فى أثر شيخ حتّى سبقه إلى دمشق، ودخلها، ولم يقدر شيخ على دخول دمشق وكان مع نوروز يشبك بن أزدمر نائب حماة، ووقع أمور إلى أن واقع نوروز شيخا بعساكره، وكان مع شيخ نفر يسير، وقد تعوّق عنه أصحابه، لكنه كان متولى دمشق من قبل السلطان، ومعه سنجق «2» الملك النّاصر، وأردفه بكتمر جلّق، وسيدى الكبير [الأمير قرقماس] «3» وغيرهما من الأمراء، فتواقعا بسعسع «4» ، فانهزم نوروز بمن معه، وقصد حلب، وركب شيخ أقفيتهم، فدخل نوروز دمشق، فى عدّة يسيرة من الأمراء من أصحابه، وبات بها ليلة واحدة، ثمّ خرج منها على وجهه إلى حلب، وبعد خروج نوروز من دمشق، دخل إليها الأمير بكتمر جلّق، والأمير قرقماس ابن أخى دمرداش، المعروف بسيدى الكبير، ونودى فى دمشق بالأمان، وأنّ شيخا نائب دمشق، ثمّ دخل شيخ بعدهم إلى دمشق، ونزل بدار السعادة، ثم خرج شيخ من دار السعادة ونزل بقبة يلبغا، ولبس التّشريف السلطانىّ المجهز إليه من مصر بنيابة الشام قبل تاريخه، وعاد إلى دار السعادة فى موكب جليل،

وقبض على الأمير نكباى حاجب دمشق، وعلى الأمير أرغز، وهما من أصحاب نوروز، وعلى جماعة أخر من النوروزية. ثمّ قدم عليه الأمير دمرداش المحمّدى، فأكرمه شيخ وأنزله بدمشق مدّة أيام، ثمّ ندبه هو والأمير بكتمر جلّق لقتال نوروز ومعهما عساكر دمشق، وورد الخبر على السلطان بذلك، فسرّ سرورا عظيما، وكتب للأمير شيخ بالشكر والثّناء على ما فعله مع نوروز؛ لأنّ الملك النّاصر كان حصل له من نوروز قهر عظيم، كونه كان ولّاه نيابة دمشق، ولم يلتفت إلى شيخ، فتركه نوروز، ووافق شيخا، فلم يقم شيخ على صلحه مع نوروز إلّا أياما يسيرة، وتركه وعاد إلى طاعة السّلطان، وحارب نوروزا، فعرف له السّلطان ذلك وولّاه نيابة دمشق عوضا عن نوروز، وسلّط بعضهم على بعض. ثمّ إنّ الملك النّاصر فى يوم الجمعة سابع جمادى الأولى من سنة إحدى عشرة وثمانمائة أمسك أعزّ أمرائه الأمير بيغوت، وأمسك معه الأمير سودون بقجة، والأمير أرنبغا أحد أمراء الطبلخانات، والأمير قرا يشبك، أحد أمراء العشرات، وقيد الجميع وأرسلهم إلى سجن الإسكندرية، وخلع على إينال المنقار، وعلّان، ويشبك الموساوىّ، وجعل كلّا منهم أمير مائة، ومقدّم ألف بالدّيار المصرية، ثمّ خلع السّلطان على الأمير أرغون من بشبغا، واستقرّ به أمير آخور كبيرا، عوضا عن كمشبغا الفيسىّ. وأمّا أمراء الشام فإنّ الأمير نوروزا الحافظى، لمّا خرج من دمشق لم يأمن على نفسه أن يكون بحلب عند تمربغا المشطوب، وكان أوّل ما قدمها قابله تمر بغا المذكور ووافقه، ثمّ بدا له أن يكون على طاعة السّلطان، ففطن نوروز بذلك؛ فخرج من حلب بعد أمور، وسار إلى ملطية واستقرّ بها، وآواه ابن صاحب الباز «1» التركمانىّ، ثمّ سلم تمربغا المشطوب حلب للامير قرقماس ابن

أخى دمرداش المعروف بسيدى الكبير، ونزل من قلعتها، ثمّ فرّ جماعة من الأمراء أصحاب نوروز إلى شيخ، وهم: الأمير سودون تلى المحمّدىّ، وسودون اليوسفىّ، وأخبروه أن نوروزا عزم على الفرار من أنطاكيّة، فسار شيخ بجموعه من العمق «1» يريد نوروزا بغتة، فأدرك أعقابه، وقبض على عدّة من أصحابه وعاد إلى العمق، وبعث العسكر فى طلبه، فقدم عليه الخبر أنّه أمسك هو ويشبك بن أزدمر فى جماعة أخر، فكتب شيخ فى الحال يعرّف السّلطان بذلك كلّه، فشكره السّلطان على ذلك وأرسل إليه بالخلع. ثمّ إنّ السّلطان فى هذه السّنة أضاف إمرة المدينة النّبوية، وإمرة الينبع، وخليص «2» ، والصّفراء «3» ، وأعمالهم، إلى الشّريف حسن بن عجلان أمير مكة، وكتب له بذلك توقيعا، وهذا شىء لم ينله أمير مكة قبله فى هذا الزّمان. ثمّ فى خامس عشرين جمادى الآخرة، أنعم السّلطان بإقطاع بشباى رأس نوبة النّوب- بعد وفاته- على الأمير إينال المحمّدى السّاقىّ المعروف إينال ضضع، وأنعم بإقطاع إينال المذكور على الأمير أرغون من بشبغا الأمير آخور الكبير، وأنعم بإقطاع أرغون المذكور على الأمير مقبل الرّومىّ، والجميع تقادم ألوف، لكن بينهم التّفاوت فى كثرة المغلّ والخراج، وأنعم بإقطاع مقبل الرّومىّ- وهو إمرة طبلخاناة- على الأمير بردبك، ثمّ خلع السّلطان على الامير إينال الساقىّ المذكور باستقراره رأس نوبة النّوب، عوضا عن بشباى المذكور بحكم موته. ثمّ قدم الخبر على السلطان من شيخ بأن التركمان الذين كانوا قبضوا على نوروز أطلقوه، وأنّ تمربغا المشطوب هرب من الأمير شيخ، وأن نوروزا توجّه

بعد خلاصه من يد التركمان إلى قلعة «1» الرّوم، وأنّه خرج من دمشق جماعة كبيرة من عند شيخ إلى نوروز، فركب شيخ فى أثرهم فلم يدركهم، فعاد إلى دمشق وقبض على الأمير يشبك العثمانىّ، ثمّ بعد مدّة يسيرة بلغ الأمير شيخا أنه قيل للسلطان عنه إنّه عاص، فطلب الأمير شيخ القضاة وأعيان أهل دمشق، وكتب محضرا بأنه باق على طاعة السلطان الملك النّاصر، وبعث به مع القاضى نجم الدين عمر بن حجّىّ، وقدم ابن حجّىّ بالمحضر، ومع المحضر المذكور كتاب الأمير شيخ يستعطف خاطر السّلطان عليه، ويعتذر عن تأخّره بإرسال من طلبه السّلطان من الأمراء النّوروزيّة، وكان السّلطان قد بعث إليه قبل ذلك يشبك الموساوىّ بطلب جماعة من الأمراء، فلم يرسلهم شيخ إليه، فلم يقبل السّلطان عذره، واشتدّ غضبه، وأظهر الاهتمام بالسّفر إلى الشّام، ثم كتب الجواب بتجهيز أمراء عيّنهم، وواعدهم على مدة ستة وعشرين يوما، ومتى مضت هذه المدّة ولم يجهّزهم، سار السّلطان لقتاله، وبعث السلطان بذلك على يد قاصد شيخ نجم الدين بن حجّىّ، فعاد ابن حجى إلى الأمير شيخ وأدّى الرّسالة، فأخذ شيخ فى تجهيز الأمراء الذين طلبهم السّلطان، وامتثل مرسومه بالسّمع والطّاعة. وبينما هو فى ذلك، بلغه أنّ تغرى برمش كاشف «2» الرّملة فرّ منها لقدوم كاشف ونائب القدس من قبل السّلطان، وأنّ السلطان قد عزم على المسير إلى الشّام، وأخرج الرّوايا والقرب على الجمال ومعهم الطّبول، نحو

ما وقع من الحوادث سنة 812

مائتى جمل إلى البركة «1» ، فعند ذلك رجع شيخ عن إرسال الأمراء، وعوّل على مصالحة نوروز، وبعث إليه الأمير جانم ليصلح بينهما، وجهز له شيخ ستّة آلاف دينار، فمال نوروز لمصالحته، فلما بلغ دمرداش نائب حلب الخبر اهتمّ لقتال نوروز، وجمع طوائف التّركمان والعربان، وسار إليه بكتمر جلّق نائب طرابلس، وحضر إليه أيضا نائب أنطاكيّة «2» وبعث دمرداش ابن أخيه تغرى بردى المعروف بسيّدى الصغير- وهو يومئذ أتابك حلب- إلى مرج «3» دابق ومعه جماعة كبيرة من التّركمان، ثم أتاه بكتمر جلّق، فرحلا من حلب بعساكرهما وقصدا نوروزا، وقد نزل نوروز بجموعه على عين تاب، فتقدّم إليه تغرى بردى سيّدى الصغير بالتركمان الكبكيّة» ، جاليش عمّه دمرداش، فرحل نوروز إلى مرعش «5» ، وتحاربت كشّافته مع كشّافة دمرداش محاربة قويّة، أسر فيها عدّة من النّوروزية، وانهزم نوروز، واستولى عسكر دمرداش على عين تاب، وعاد دمرداش إلى حلب، وكتب بذلك إلى السّلطان. [ما وقع من الحوادث سنة 812] فسرّ السلطان بذلك، وكتب الجواب: إنّى واصل عقيب ذلك إلى البلاد الشامية، وعظم اهتمام السلطان وعساكره للسّفر، إلى أن خرج جاليشه من الأمراء إلى الرّيدانيّة، فى يوم الأربعاء سابع المحرّم من سنة اثنتى عشرة

وثمانمائة، وهم: الوالد- وهو يومئذ أتابك العساكر بالدّيار المصرية- وآقباى الطّرنطائىّ رأس نوبة الأمراء، وطوخ أمير مجلس، وطوغان الحسنىّ، وإينال المنقار، وكمشبغا الفيسىّ المعزول عن الأمير آخورية، ويشبك الموساوىّ الأفقم، وعدّة أمراء أخر من الطّبلخانات والعشرات، ونزل الجميع بالريدانية. ثمّ فى يوم الاثنين حادى عشر المحرّم المذكور، ركب السّلطان الملك النّاصر ببقيّة أمرائه وعساكره من قلعة الجبل، ونزل بمخيّمه بالرّيدانيّة، وفى اليوم المذكور، رحل الوالد بمن معه من الأمراء وهو جاليش السّلطان، وسار بهم يريد دمشق. ثمّ خلع السّلطان على الأمير أرغون من بشبغا الأمير آخور الكبير باستقراره فى نيابة الغيبة، وأنه يقيم بسكنه بالإسطبل السلطانى، وخلع على مقبل الرومىّ، ورسم له أن يقيم بقلعة الجبل، وخلع على الأمير يلبغا النّاصرىّ باستقراره فى نيابة الغيبة، ويقيم بالقاهرة للحكم بين النّاس، وكذلك الأمير كزل العجمىّ حاجب الحجّاب، ثمّ رحل السلطان فى رابع عشر المحرّم من الرّيدانيّة، يريد البلاد الشّاميّة. وأما الأمير شيخ نائب الشّام، فإنه لما سمع بخروج السّلطان من مصر، أفرج عن الأمير سودون تلى المحمّدى، وعن سودون اليوسفى، وعن الأمير طوخ، وهم الذين كان السلطان أرسل إلى شيخ بطلبهم، وأظهر شيخ العصيان، وأخذ فى مصادرات أهل دمشق، وأفحش فى ذلك إلى الغاية، ثمّ سار الملك النّاصر إلى أن وصل إلى غزّة، وعزل عنها الأمير ألطنبغا العثمانىّ وولاه نيابة صفد، وخلع على الأمير إينال الصّصلانى الأمير آخور الثانى باستقراره عوضه فى نيابة غزّة، وكان الأمير شيخ قد أرسل قبل ذلك الأمير سودون المحمّدى ودواداره شاهين إلى غزّة، فلما وصل جاليش السلطان إليها انهزما من الرّملة إلى شيخ، وأخبراه بنزول السلطان على غزّة، وكان استعدّ

شيخ فى هذه المرة لقتال السّلطان، فلمّا تحقق قدومه، خارت طباعه، وتحوّل فى الوقت إلى داريّا «1» فقدم عليه الأمير قرقماس ابن أخى دمرداش فارّا من صفد، وشجّع الأمير شيخا على ملاقاة السلطان وقتاله، وعرّفه أن غالب عساكره قد تغير خاطرهم على السلطان، فلم يلتفت شيخ لذلك، وأبى إلا الهروب، ثم قدم عليه الأمير جانم نائب حماة بعسكره، وعرّفه قدوم نوروز عليه، وهو مع ذلك فى تجهيز الرّحيل من دمشق. وسار السّلطان من غزّة حتى نزل اللجون فى يوم السبت أوّل صفر من سنة اثنتى عشرة وثمانمائة، فكثر الكلام فى وطاق «2» السّلطان بتنكّر قلوب المماليك الظّاهريّة على السّلطان، وتحدّثوا فى بعضهم بإثارة فتنة؛ لتقديمه مماليكه «3» الجلب عليهم، وكثرة عطاياه لهم، فلما أصبح السلطان رحل من اللجون ونزل بيسان «4» وأقام بها نهاره إلى أن غربت الشمس، فماج العسكر، وهدّت الخيم، واشتد اضطراب الناس، وكثر قلق السّلطان طول ليلته إلى أن أصبح وجد الأمير تمراز النّاصرىّ النائب، وإنيّه وزوج بنته سودون بقجة، والأمير إينال المنقار، والأمير قرايشبك، والأمير سودون الحمصىّ، وعدة كبيرة من المماليك السلطانيّة قد فروا إلى الأمير شيخ، وكان سبب فرارهم فى هذه الليلة أنّ آقبغا الدّوادار اليشبكىّ عرّف السلطان بأنّ هؤلاء الجماعة يريدون إثارة فتنة، فطلب السّلطان كاتب سرّه فتح الله، وجمال الدين الأستادار، وعرّفهما ما بلغه عن الجماعة، فدار الأمر بينهم على أنّ السّلطان فى وقت المغرب يرسل خلفهم

ويقبض عليهم، وخرجوا على ذلك من عند السّلطان، فغدر جمال الدين الأستادار وأرسل- بعد خروجه من عند السّلطان- عرّف الأمراء بالأمر، وكان تمراز قدم من مصر فى محفّة، لرمد كان اعتراه، فأعلمهم جمال الدين بالخبر، وبعث إليهم بمال كبير لهم وللأمير شيخ نائب الشّام، فأخذوا حذرهم، وركبوا قبل أن يرسل السّلطان خلفهم، ولحقوا بالأمير شيخ، ولمّا خرجوا من الوطاق وساروا لم يكن حينئذ عند السلطان أحد من أكابر الأمراء؛ لتوجّههم فى الجاليش أمام السّلطان، فبعث السّلطان خلف فتح الله وجمال الدين الأستادار، ولا علم للسّلطان بما فعله جمال الدين المذكور، وكلّمهما فيما يفعل، واستشارهما، فأشار عليه فتح الله بالثّبات، وأشار عليه جمال الدين بالرّكوب ليلا وعوده إلى مصر، يريد بذلك إفساد حاله، فمال السّلطان إلى كلام فتح الله، وأقام بوطاقه، فلمّا طلع الفجر ركب وسار بعساكره نحو دمشق، فقدم عليه الخبر برحيل شيخ من دمشق إلى بصرى «1» ، فنزل السّلطان على الكسوة «2» ، ففرّ فى تلك الليلة الأمير علّان وجماعة من المماليك لشيخ، فركب السّلطان بكرة يوم الخميس سادس صفر، ودخل دمشق، ونزل بدار السّعادة، ثمّ قبض على شهاب الدين أحمد الحسبانىّ وسلّمه إلى الأمير ألطنبغا شقل؛ من أجل أنّه أفتى بقتاله، وطلب ابن التّبّانىّ فإذا هو سار مع شيخ، وكتب السلطان بالإفراج عن الأمير أرغز، وسودون الظّريف، وسلمان «3» ، من قلعة الصّبيبة، وخلع على الأمير زين الدين عمر الهيدبانىّ باستقراره حاجب حجّاب دمشق، وعلى ألطنبغا شقل حاجبا ثانيا، وخلع على الأمير بردبك باستقراره

فى نيابة حماة عوضا عن جانم، ثمّ كتب السّلطان للأمير نوروز تقليدا بنيابة حلب عوضا عن الأمير دمرداش المحمّدىّ. ثمّ قدم الأمير بكتمر جلّق نائب طرابلس إلى دمشق، وأخبر أنّ الطاعون فشا ببلاد حمص وطرابلس، ثمّ فى عشرينه قدم الأمير دمرداش المحمّدىّ نائب حلب فأكرمه السلطان وخلع عليه، ثمّ خلع السّلطان على الأمير بكتمر جلّق باستقراره فى نيابة دمشق عوضا عن شيخ المحمودىّ، وخلع على دمرداش المحمّدىّ باستقراره فى نيابة طرابلس عوضا عن بكتمر حلّق- مضافا لنيابة حلب. ثمّ وقع من جمال الدين الأستادار نكبة فى حقّ بعض أصحاب الأمير شيخ، وهو أنّه أمسك جمال الدين القاضى ناصر الدين ابن البارزىّ وضربه ضربا مبرّحا، لأجل معلوم تناوله لشمس الدين أخى جمال الدّين الأستادار، ثمّ فى ليلة السبت أيضا قتل جمال الدين الأستادار القاضى شرف الدين بن الشّهاب محمود الحلبىّ كاتب سرّ دمشق؛ لحقد كان فى نفس جمال الدين منه أيّام خموله بحلب، وكان شرف الدين أيضا من أصحاب الأمير شيخ، وكان عبد الباسط بن خليل فى خدمة شرف الدّين هذا، ومنه تعرّف بالأمير شيخ، وكان عبد الباسط فى أيّام سعادته بمصر ينقل فى غالب أفعاله عن أستاذه شرف الدين هذا. ثمّ فى يوم الاثنين ثانى شهر ربيع الأوّل، خرج أطلاب السّلطان والأمراء من دمشق، وتبعهم السّلطان بعساكره وهم بآلة الحرب والسلاح، ونزل بالكوة وأصبح راحلا إلى جهة الأمير شيخ ورفقته، فالتقى كشّافة السلطان مع كشّافة شيخ، واقتتلوا، وأسر من الشّيخيّة رجل، ثمّ انهزمت الشّيخيّة، ثمّ سار السّلطان بكرة يوم الأربعاء فنزل قرية الحراك «1» نصف النهار، وأقام بها قدر ما أكل السّماط، ثم ركب منها بعساكره وسار سيرا مرعجا، ونزل عند الغروب

بكرك البثنيّة «1» من حوران، وبات وأصبح وسار حتّى نزل مدينة بصرى، فتحقّق هناك خبر شيخ بأنّه فى عصر يوم الأربعاء الماضى بلغه أنّ السّلطان خرج من دمشق فى أثره، فرحل من بصرى بعساكره فزعا يريد صرخد بعد ما كلّمه الأمراء فى الثّبات، وقتال الملك الناصر؛ فلم يقبل، وركب من وقته، وترك غالب أصحابه بمدينة بصرى، ثم تبعته أصحابه مع كثرة عددهم إلى صرخد. ولما بلغ الملك الناصر فرار شيخ وأصحابه، تأوّه لذلك وقال لكاتب سرّه فتح الله ولجمال الدين الأستادار: ألم أقل لكما إن شيخا فظيع ليس له قلب ولو كان معه مائة ألف مقاتل لا يقدر أن يقابلنى بهم؛ لرعب سكن فى قلبه منى؟ ثم أقام السّلطان على بصرى إلى بكرة يوم السبت، فقدم عليه وهو ببصرى الأمير برسباى الدّقماقىّ الساقى: أعنى الملك الأشرف، والأمير سكب اليوسفىّ، فأكرمهما السلطان ووعدهما بكلّ خير، ثمّ ركب وسار- وهو ثمل- حتى نزل بقرية عيون تجاه صرخد، فتناوش العسكران بالقتال، فقتل من جماعة شيخ فارسان، وجرح جماعة من السلطانيّة، ثم فرّ جماعة أخر من السلطان إلى الأمير شيخ، وبات السّلطان وأصبح فى وقت الفجر نادى أن لا يهدّ أحد خيمته، ولا يحمّل جمل، وأن يركب العسكر خيولهم، ويجرّ كل فارس جنيبه مع غلامه من غير أن يأخذوا أثقالهم، فركبوا، وسار بهم على هذه الحالة حتى طرق شيخا وأصحابه على حين غفلة، بعد أن كان سار هو بنفسه أمام عسكره مسرعا، وأمراؤه يخذّلونه من انقطاع عساكره عنه، ويقولون له: بمن تلقى شيخا، وقد عظم جمعه وتخلفت عساكر السلطان منقطعة؟ والملك الناصر لا يلتفت إلى قولهم ويقول: لو بقى معى عشرة مماليك لقيت بهم شيخا ومن معه، [أنا] «2» أعرفهم حقّ المعرفة.

ودام على سيره حتى طرق شيخا على حين غفلة، وقد عبأ شيخ عساكره، فأوقف المصريين ناحية: أعنى الذين فرّوا إليه من الملك الناصر، وجعل عليهم الأمير تمراز النائب، ووقف هو فى ثقاته وخواصه، وهم نحو خمسمائة نفر، فتقدّم السلطان وصدم بعساكره الأمير تمراز بمن معه- وكانوا جمعا كبيرا- فانكسروا من أوّل وهلة، ثم مال على الأمير شيخ وأصحابه، وقد تقهقر شيخ وأصحابه إلى جهة القلعة، فكان بينهم معركة صدرا من النهار، وهو يتأخر إلى المدينة، وأصحابه تتسلّل منه، وصار القتال يجدران مدينة صرخد، ولا زال شيخ يتأخر بمن معه، والملك الناصر يتقدّم بمن معه، حتى ملك وطاق شيخ وانتهب جميع ما كان فيه من خيل وقماش وغيرها، ثمّ هرب شيخ إلى داخل جدران المدينة، واستولى السلطان على جامع صرخد، وأصعد أصحابه فرموا من أعلى المنارة بمكاحل «1» النفط والمدافع والأسهم الخطائية «2» على شيخ، وشيخ يلوم أصحابه ويوبّخهم على ما أشاروا عليه من قتال الملك النّاصر، ثمّ حمل السلطان عليه حملة منكرة بنفسه، فلم يثبت شيخ وانهزم والتجأ فى نحو العشرين من أصحابه إلى قلعة صرخد، وكانت خلف ظهره وقد أسند عليها، فتسارع إليه عدّة من أصحابه، وتمزّق باقيهم، وطلع شيخ إلى قلعة صرخد فى أسوإ حال، وأحاط السّلطان على المدينة، ونزل حول القلعة، وأتاه الأمراء فقبّلوا الأرض بين يديه، وهنّئوه بالظفر والنّصر، وامتدّت أيدى السلطانية إلى مدينة صرخد، فما تركوا بها لأهلها جليلا ولا حقيرا، وانطلقت ألسنة أهل صرخد بالوقيعة فى شيخ وأصحابه، وأكثروا له التوبيخ بكلام معناه أنه إذا لم يكن له قوّة ما باله يقاتل من لم يطق دفعه وقتاله، وسار الأمير تمراز، وسودون بقجة، وسودون الجلب،

وسودون المحمدىّ، وتمربغا المشطوب، وعلّان فى عدة كبيرة إلى دمشق، فقدموها يوم الاثنين تاسعه، فقاتلتهم العامّة ودفعوهم عنها، وأسمعوهم من المكروه أضعاف ما سمعه شيخ بصرخد، فولوا يريدون جهة الكرك وهم فى أحقر ما يكون من الأحوال، وساروا عن دمشق بعد ما قتل منهم جماعة، وجرح جماعة، وتأخّر كثير منهم بظواهر دمشق، ومضى منهم جماعة إلى حماة، والجميع فى أنحس حال، وأخذ منهم جماعة كثيرة بدمشق وغيرها. ولمّا دخلت الأمراء على السّلطان الملك الناصر للتّهنئة حسبما ذكرناه التفت السّلطان للوالد، وكان يسمّيه أطا: أعنى أب، وقال له: يا أطا، أنا ما قلت لك أنا أعرف شيخا، إذا كان معى عشرة مماليك قاتلته بهم، ثم تكلّم فى حقّ شيخ بما لا يليق ذكره، فقال له الوالد: يا مولانا السّلطان، هذا كلّه بسعد مولانا السّلطان، وعظم مهابته، وأمّا شيخ فإنّه إذا كان من حزب السّلطان وشمله نظر مولانا السّلطان من ذا يضاهيه فى الفروسيّة؟ غير أنّ للرّعب الذي فى قلبه من حرمة مولانا السّلطان، وغضبه عليه يقع فى مثل هذا أو أكثر. قلت: وأظهر الملك النّاصر من الشجاعة والإقدام ما سيذكر عنه إلى يوم القيامة، على أنّ غالب أمرائه ومماليكه الأكابر كانوا اتفقوا مع جمال الدين الأستادار أنهم يكبسون عليه ويقتلونه فى اللّيل، وبلغ الملك النّاصر ذلك من يوم خروجه من غزّة، فاحترز على نفسه، وأشار عليه كلّ من خواصّه أن يرجع عن قتال شيخ وأصحابه بحيلة يدبّرها، ويرجع إلى نحو الدّيار المصرية؛ مخافة أن تخذله عساكره، فلم يلتفت إلى كلام أحد، وأبى إلّا قتال شيخ، وهذا شىء مهول عظيم إلى الغاية، وإن كان هو يهول فى السّماع، فإذا تحقّقه الشخص يهوله إلى الغاية؛ من كون عسكر الملك يكون مختلفا عليه وهو يريد يقاتل ملوكا عديدة، كل واحد منهم مرشّح للسّلطنة، وما أظنّ أن بعد الملك الأشرف خليل بن قلاوون ولّى على مصر سلطان أشجع من الملك النّاصر هذا فى ملوك التّرك جميعها. ولقد أخبرنى جماعة كبيرة من أعيان المماليك

الظاهريّة الذين كانوا يوم ذاك مع الأمير شيخ المذكور. قالوا: لمّا قيل للأمير شيخ: إنّ السّلطان الملك الناصر قدم إلى جهة صرخد، تغيّر لونه واختلط فى كلامه، وأراد طلوع قلعد صرخد قبل أن يقاتل الملك الناصر، فلامه على ذلك بعض خواصّه، وقالوا له: قد انضمّ عليك فى هذه المرّة من الأمراء والعساكر ما لم يجتمع مثله لأحد قبلك، فإن كنت بهم لا تقاتل الملك الناصر فى هذه النّوبة فمتى تقاتله؟ وبعد هذا فلا ينضمّ عليك أحد، فقال شيخ: صدقت فيما قلت، غير أنّ جميع من تنظره الآن وهو يتنمّر على فرسه إذا وقع بصره على الملك النّاصر صار لا يستطيع الهروب، فكيف القتال؟! فقال له القائل: فالذى يعلم هذا لا يصلح له أن يعصى ويتطلّب السّلطنة، فقال شيخ: والله ما أريد السّلطنة، وإنّما غالب ما أفعله خوفا من شرّ هذا الرّجل، وقد بذلت له الطاعة غير مرّة، وتوجّهت إلى خدمته بمصر والشّام، وقاتلت أعداءه، والله أنا أهابه أكثر من أستاذى الملك الظاهر برقوق، غير أنّه لا يريد إلّا أخذ روحى، والرّوح والله لا تهون، فأيش يكون العمل؟ وشرع يتكلم فى هذا المعنى ويكثر حتى أمره تمراز النائب بالكفّ عن هذا الكلام فى مثل هذا الوقت، والعمل فيما يعود نفعه عليه وعلى رفقته، فكفّ شيخ عن ذلك، وأخذ فى تدبير أمره وتعبية عساكره، حتى وقع ما حكيناه- انتهى. ولمّا نزل السّلطان الملك الناصر على قلعة صرخد، أصر النّوّاب أن يتوجّه كلّ واحد منهم إلى محلّ كفالته، فسار الجميع إلّا الأمير دمرداش المحمّدىّ، فإنه أرسل ابن أخيه تغرى بردى المدعو سيّدى الصّغير إلى حلب؛ ليكون نائبا عنه بها، وأقام هو عند السّلطان على صرخد، وكذلك الأمير بكتمر جلّق نائب الشّام، فإنّه أيضا أقام عند السّلطان، وأخذ السّلطان فى حصار قلعة صرخد، وعزم على أنّه لا يبرح عن قتالها حتى يأخذها.

ثمّ قدم الخبر على السّلطان أنّ تركمان الطّاعة «1» قاتلوا نوروزا وكسروه كسرة قبيحة، فدقّت البشائر بصرخد لذلك، ثمّ أمر السّلطان دمرداش المحمّدىّ بالتوجّه إلى محل كفالته بحلب، هذا ونوّاب الغيبة بدمشق فى أمر كبير من مصادرات الشّيخيّة، وقبضوا على جماعة كبيرة من حواشيه، منهم: علم الدين داود، وصلاح الدين أخوه أبنا الكويز، قبض عليهما من بيت نصرانىّ بدمشق، فأهينا، وقبض أيضا على شهاب الدين أحمد الصّفدىّ موقّع الأمير شيخ، وتوجّه الطّواشى فيروز الخازندار فتسلّمهم من دمشق، هذا والملك الناصر مستمر على حصار قلعة صرخد، وأحرق جسر القلعة، فامتنع شيخ بمن معه داخلها، فأنزل السّلطان الأمراء حول القلعة، وألزم كلّ أمير أن يقاتل من جهته، والسّلطان فى لهوه وظربه لا يركب إلى جهة القلعة إلّا ثملا، ثمّ طلب السّلطان مكاحل النّفط، والمدافع من قلعة الصّبيبة وصفد ودمشق، ونصبها حول القلعة، وكان فيها ما يرمى بحجر زنته ستّون رطلا دمشقيّا، وتمادى الحصار ليلا ونهارا؛ حتى قدم المنجنيق «2» من دمشق على مائتى جمل، فلمّا تكامل نصبه ولم يبق إلّا أن يرمى بحجره، وزنة حجره تسعون رطلا بالدمشقىّ، فلمّا رأى شيخ ذلك خاف خوفا عظيما، وتحقّق أنّه متى ظفر به الملك الناصر على هذه الصّورة لا يبقيه، فترامى على الوالد، وعلى بقيّة الأمراء، وألقى إليهم الأوراق فى السّهام، وأخذ شيخ لا يقطع كتبه عن الوالد فى كلّ يوم وساعة، وهو يقول له فى الكتب: صن دماء المسلمين واجعلنا عتقاءك، وما لك فينا جميلة فإنّنا إنيّاتك «3» ، وخشداشيّتك، ولم يكن فى القوم من له علىّ أنا خاصّة شفقة وإحسان غيرك، وأنت أتابك العساكر وحمو السّلطان، وأعظم مماليك أبيه، فأنت عنده فى مقام برقوق، وكلمتك لا تردّ عنده، وشفاعتك مقبولة. وأشياء كثيرة من هذا الكلام وأشباهه، وكان الوالد يميل إلى الأمير

شيخ لما كان لشيخ عليه من الخدم بالقصر السّلطانىّ أيّام أستاذهما الملك الظّاهر برقوق من تلبيسه القماش، والقيام فى خدمته، ثمّ كاتب شيخ أيضا الأمير جمال الدين الأستادار، وفتح الله كاتب السرّ، وكان جمال الدين قد انحطّ قدره عند الملك النّاصر فى الباطن، واتّفق السّلطان مع الوالد على مسكه بدمشق، فمنعه الوالد من ذلك، ووعده أنه يكفيه أمره ويمسكه بالقرب من القاهرة، حتى لا يفرّ أحد من أقاربه وحواشيه. ثمّ أخذ الوالد مع السّلطان فى أمر شيخ ورفقته فى كلّ يوم وساعة، ولا زال يخذّل الملك الناصر عن قتالهم، ويحسّن له الرّضى عنهم حتى أذعن السّلطان، وشرط عليه شروطا، فعند ذلك ركب الوالد ومعه الخليفة المستعين بالله العبّاس، وفتح الله كاتب السّرّ، فى يوم السّبت ثانى عشرين شهر ربيع الأوّل من سنة اثنتى عشرة وثمانمائة المذكورة، وساروا حتى نزلوا على جانب الخندق، وخرج شيخ وجلس بداخل باب القلعة، فأخذ الوالد يوبخه على أفعاله، وما وقع للنّاس والبلاد بسببه، وهو ساكت لا يتكلّم، وقيل إنّ شيخا أراد الخروج إليهم فغمزه الوالد ألّا يخرج، ففطن شيخ بها، وجلس بداخل باب القلعة، ثمّ أخذ فتح الله أيضا يحذّره مخالفة السّلطان، ويخوّفه عواقب البغى، وفى كل ذلك يعتذر شيخ للوالد بأعذار مقبولة، ويستعفى من مقابلة السّلطان؛ خوفا من سوء ما اجترمه، والوالد يشتدّ عليه، ويلزمه بالخروج معه إلى السلطان فى الظاهر، وفى الباطن يشير عليه بعدم الخروج- هكذا حكى الملك المؤيد شيخ بعد سلطنته- وطال الكلام حتى قام الوالد، والخليفة، وفتح الله، وأعادوا بالجواب على السّلطان، فأبى السّلطان الرّضى عنه إلّا أن ينزل إليه، فكلّم الوالد السّلطان فى العفو عن ذلك، فلم يقبل، فكرّر عليه السّؤال مرّات، وقبّل يده والأرض غير مرّة، واعتذر عن عدم حضوره بأعذار مقبولة. ثمّ عاد الوالد وفتح الله فقط إلى شيخ، فخرج شيخ حينئذ للوالد فعانقه الوالد، فبكى شيخ، فقال له الوالد على سبيل المداعبة والمماجنة: ما متّ يا شيخ حتى مشينا

فى خدمتك، فقال شيخ: لم تزل الأكابر تمشى فى مصالح الأصاغر، كلّ ذلك فى حال الوقوف للسلام ثمّ جلسا، وعرّفه الوالد رضى السّلطان عليه، وعرّفه الشّروط فقبلها، وقام قائما وقبّل الأرض غير مرّة، وتقدّم فتح الله حلّفه على طاعة السّلطان، وأخذ منه الأمير كمشبغا الجمالىّ، وأسنبغا- وكانا فى حبس الأمير شيخ- بعد ما خلع عليهما شيخ وأدلاهما من سور قلعة صرخد، ثمّ أدلى الأمير شيخ أبنه إبراهيم ليتوجّه مع الوالد ويقبّل يد السّلطان، فلمّا تعلّق الصغير من أعلى السّور بالسّريّاقات «1» ، صاح وبكى من خوفه أن يقع، فرحمه الوالد وأمره بردّه إلى القلعة، فنشلوه ثانيا، وقال الوالد: أنا أكفيك هذا الأمر، ولا يحتاج إلى نزول الصّغير، ثمّ تصايح الفريقان من أعلى السّور ومن جمع خيم العسكر: الله ينصر السّلطان؛ فرحا بوقوع الصّلح، وفرح أهل القلعة من أصحاب شيخ فرحا عظيما؛ لأنهم كانوا قد أشرفوا على الهلاك، وأمّا فرح العسكر فإن غالب أمراء الملك الناصر كانوا غير نصحاء له، ولم يرد أحد منهم أن يظفر بشيخ، حتى ولا الوالد، خشية أن يتفرّغ السّلطان من شيخ لهم. ثمّ أصبحوا يوم الأحد، ركب الوالد وكاتب السرّ وجماعة من الأمراء، طلعوا إلى قلعة صرخد، وجلسوا على عادتهم، وخرج شيخ وجلس على باب القلعة، وأحلف فتح الله من بقى مع شيخ من الأمراء، وهم جانم من حسن شاه نائب حماة، وقرقماس ابن أخى دمرداش- وقد فارق عمّه دمرداش، وصار من حزب شيخ- وتمراز الأعور، وأفرج شيخ عن تجّار دمشق، الذين كان قبض عليهم لما خرج عن الطّاعة وصادرهم، ثمّ بعث شيخ بتقدمة إلى السلطان فيها عدّة مماليك. وتقرّر الحال على أنّ شيخا المذكور يكون نائب طرابلس، وأن يلبس التشريف

السلطانىّ إذا رحل السلطان. ثمّ قام الوالد ومن معه وسلم على شيخ، وعاد إلى السّلطان. فرحل السلطان من وقته، وسار حتى نزل زرع «1» وبات بها، ثمّ سار حتى قدم دمشق يوم الثلاثاء أوّل شهر ربيع الآخر، بعد أن جدّ فى السير، فنزل بدار السعادة على عادته. وأمّا شيخ فإنه نزل من قلعة صرخد بعد رحيل السّلطان، ولبس التّشريف السلطانىّ بنيابة طرابلس، وقبّل الأرض على العادة، ثمّ قبّل يد الوالد غير مرّة، ثمّ جهز شيخ ولده إبراهيم صحبة الوالد إلى السّلطان الملك الناصر، ورحل الوالد، ورحل معه سائر من تخلّف عنده من الأمراء، منهم: بكتمر جلّق نائب الشّام- وهو أعدى عدوّ للأمير شيخ- وساروا حتى وصلوا الجميع دمشق فى سابع شهر ربيع الآخر المذكور، وأحضر الوالد إبراهيم ابن الأمير شيخ إلى السلطان، فأكرمه السّلطان وخلع عليه، وأعاده إلى أبيه، ومعه خيول، وجمال، وثياب، ومال كبير. ثمّ خلع السلطان على الشّريف جمّاز بن هبة الله بإمرة المدينة النبويّة- على ساكنها أفضل الصّلاة والسلام- وشرط عليه إعادة ما أخذه من الحاصل بالمدينة. ثمّ فى رابع عشر شهر ربيع الآخر المذكور، خرج قضاة مصر الذين كانوا فى صحبة الملك الناصر من دمشق عائدين إلى الديار المصرية، هم وكثير من الأثقال، ونزلوا بداريّا خارج دمشق، ثمّ طلبت القضاة من يومهم فعادوا إلى مدينة دمشق؛ لعقد [عقد «2» ] ابنة السلطان على الأمير بكتمر جلّق نائب الشّام، ثمّ فى يوم الخميس سابع عشره حمل بكتمر جلّق المهر، وزفّته المغانى حتى دخل دار السّعادة إلى السّلطان، ثمّ عقد العقد بحضرة

السلطان والأمراء والقضاة، فتولى العقد السلطان بنفسه، وقبله عن الأمير بكتمر جلّق الوالد، ثمّ خرجت القضاة من الغد فى يوم الجمعة سائرين إلى مصر، ثمّ صلّى السلطان صلاة الجمعة بالجامع الأموىّ، وخرج منه وسار من دمشق بعساكره يريد القاهرة، ونزل بالكسوة، وخلع على الأمير نكباى باستقراره حاجب حجّاب دمشق، عوضا عن عمر بن الهيدبانىّ. ثم فى تاسع عشره أخلع السلطان على الأمير سودون الجلب باستقراره فى نيابة الكرك، ثم سار السّلطان فى ليلة الأحد من الكسوة، واستولى بكتمر جلّق على دمشق، ونزل بدار السّعادة، وسار السّلطان حتى نزل الرّملة فى رابع عشرينه، وركب منها وسار مخفّا يريد زيارة القدس، وبعث الأثقال إلى غزّة، ودخل القدس وزاره، وتصدّق بخمسة آلاف دينار، وعشرين ألف درهم فضّة، وبات ليلته فى القدس، وسار من الغد إلى الخليل عليه السلام فبات به، ثمّ توجه إلى غزة، فدخلها فى سابع عشرينه، وأقام بها إلى ثانى جمادى الأولى، فرحل منها. وأمّا دمشق، فإنه قدم إليها فى ثالث جمادى الأولى كتاب السّلطان إلى أعيان أهل دمشق بأنّه قد ولّى الأمير شيخا نيابة طرابلس، فإن قصد دمشق فدافعوه عنها وقاتلوه، وسببه أنّ الأمير شيخا كان قصد دخول دمشق، وكتب إلى الأمير بكتمر جلّق يستأذنه فى الحضور إليها ليقضى بها أشغاله ثمّ يرحل إلى طرابلس، وكان الذي قصده الأمير شيخ على حقيقته، وليس له غرض فى أخذ دمشق، فلم يأذن له بكتمر فى الحضور إليها وخاشنه بالكلام، فقال شيخ أنا أسير إلى جهة دمشق ولا أدخلها، وسار حتى نزل شيخ فى ليلة الجمعة عاشر جمادى الأولى على شقحب «1» ، وكان الأمير بكتمر قد خرج بعساكر دمشق إلى لقائه، ونزل

بقبّة يلبغا، ثمّ ركب ليلا يريد كبس الأمير شيخ، فصدف كشّافته عند خان ابن ذى النّون فواقعهم، فبلغ ذلك شيخا فركب وأتى بكتمر وصدمه بمن معه صدمة كسره فيها، وانهزم بكتمر بمن معه إلى جهة صفد، ومعه قريب من مائة فارس، وعدّة من الأمراء، وتخلّف عنه جميع عساكر دمشق، وسار شيخ حتّى أتى دمشق بكرة يوم الجمعة، ونزل بدار السّعادة من غير ممانع، وقد تلقّاه أعيان الدّماشقة فاعتذر إليهم، وحلف لهم أنّه لم يقصد سوى النّزول بالميدان خارج دمشق ليقضى أشغاله، وأنّه لم يكن له استعداد لقتال، وأنّه كتب يستأذن الأمير بكتمر فى ذلك، فأبى ثم خرج وقاتله فانهزم، وسأل جماعة من أعيان دمشق أن يكتبوا للسّلطان بذلك بعد أن كتب بهذا جميعه محضرا، وأراد إرساله إلى السّلطان فلم يجسر أحد من الشاميّين أن يمضى به إلى السّلطان الملك الناصر؛ خوفا من سطوته. ثمّ فى ثالث عشره ولّى الأمير شيخ شهاب الدّين أحمد بن الشّهيد نظر جيش دمشق، وولّى شمس الدين محمّد بن التّبّانىّ نظر الجامع الأموىّ، وولّى تغرى برمش أستاداره نيابة بعلبكّ، وولّى إياسا الكركىّ نيابة القدس، وولّى منكلى بغا كاشف القبليّة، وولى الشّريف محمّدا محتسب دمشق. وأمّا السّلطان فإنّه لمّا خرج من مدينة غزّة سار منها حتّى نزل قرية غيتا «1» خارج مدينة بلبيس فى يوم الخميس تاسع جمادى الأولى، ولمّا استقرّ السّلطان فى المنزلة المذكورة، وقد خرج الناس لتلقى العسكر، وخرج غالب أقارب جمال الدين الأستادار إلى تلقّيه، وفرشت له الدّور بالقاهرة، فركب الوالد بقماش جلوسه من مخيّمه من غير أن يجتمع بالسّلطان؛ لاتّفاق كان بينهما من دمشق فى القبض على جمال الدّين المذكور لأسباب نذكرها، وكان الوالد يكره جمال الدين بالطّبع، على أنّه باشر أيّام عظمته أستاداريّة الوالد، مضافا إلى أستاداريّة السّلطان، وصار

يجلس مع مباشريه وينفّذ الأمور، ومع ذلك لم يقبل عليه الوالد؛ لقلّة دينه وسفكه الدّماء، وعظم ظلمه، وسار الوالد من مخيّمه ومماليكه مشاة حوله يقصد وطاق جمال الدّين. حدّثنى القاضى شرف الدين أبو بكر بن العجمىّ، موقّع جمال الدين، وزوج بنت أخيه، قال: كنت جالسا بين يدى الأمير جمال الدين الأستادار فى وطاقه، وقد حضر إلى تلقّيه غالب أقاربة، فقيل له إنّ الأمير الكبير تغرى بردى قادم إلى جهتك، فلمّا سمع جمال الدّين ذلك تغيّر لونه وقال: هذا من دون عسكر السّلطان لا يعودنى فى مرضى، فما مجيئه فى هذا الوقت لخير. ونهض من وقته قبل أن نردّ عليه الجواب، وخرج من خامه ماشيا إلى جهة الوالد خطوات كثيرة غالبها هرولة حتى لقى الوالد- وهو راكب- فقبّل رجله فى الرّكاب، فمسكه الوالد من رأسه ثمّ أمر به فقيّد فى الحال، وقال لمن تولّى تقييده هذا الأمير جمال الدين عظيم الدّولة، أبصر له قيدا ثقيلا يصلح له، فبكى جمال الدين ودخل تحت ذيله. ثمّ أمر الوالد بالقبض على جميع أقاربه وحواشيه، فقبض على ابنه أحمد، وعلى ابنى أخته أحمد وحمزة، وكان الوالد ندب جماعة من مماليكه إلى القاهرة للحوطة على دور جمال الدين وأقاربه، ثمّ أخذهم الوالد «1» ، وأركبهم بالقيود، وسار بهم إلى جهة الدّيار المصريّة، كلّ ذلك والسّلطان لا يعلم بما وقع إلّا بعد سير الوالد إلى جهة القاهرة، وأخذ جمال الدين فى طريقه يترقّق للوالد ويعده ويسأله القيام فى أمره، كلّ ذلك والوالد لا يعتبه إلّا على قتل أستاداره عماد الدين إسماعيل وأخذ ماله. وكان خبر إسماعيل مع جمال الدين المذكور أن [عماد الدين] «2» إسماعيل كان أستادار الوالد، وكان له عزّ وثروة ومعرفة ورئاسة قبل أن يترأس جمال الدين، فكان يستخفّ بجمال الدين، ويطلق لسانه فى حقّه، وجمال الدين لا يصل إليه من انتمائه للوالد، فأخذ جمال الدين يسعى فى أستاداريّة الوالد مدّة طويلة

حتى ولّاه الوالد أستاداريته، بعد أن بذل جمال الدّين مالا كثيرا للوالد ولحواشيه، واستأذن الوالد أنّه يقبض على [عماد الدين] «1» إسماعيل ويؤدّبه ويظهر للوالد فى جهته جملة كبيرة من الأموال، وفى ظنّ الوالد أنّه يوبّخه بالكلام، أو يهينه ببعض الضرب ثمّ يطلقه، فأذن له الوالد فى ذلك، وكان [عماد الدين] «2» إسماعيل المذكور مسافرا، فلمّا قدم من السّفر ركب وأتى إلى الوالد، وكان الوالد تغيّر عليه قبل ذلك لسبب من الأسباب، فقبّل يد الوالد، وخرج من عنده فصدف جمال الدين عند مدرسة سودون من زادة، فقال له الأمير جمال الدين: بسم الله يا أمير عماد الدين، أين الهديّة؟ فعاد معه عماد الدين، وحال وصوله إلى بيته أجرى عليه العقوبة، وأخذ منه أربعين ألف دينار، ثمّ ذبحه من ليلته، فلمّا سمع الوالد بقتلته من الغد كاد عقله أن يذهب، وأراد الرّكوب فى الحال والطّلوع إلى السّلطان، فقال له حواشيه وخواصّه: يا خوند قد فات الأمر، وما عسى أن يصنع فيه الملك الناصر مع خصوصيّته عنده، فسكت الوالد على دغل «3» ، وأخذ فى توغير خاطر السّلطان عليه، ويعرّف السّلطان بأفعال جمال الدين، ولا زال به حتّى تغيّر عليه مع أمور أخر وقعت من جمال الدين، فكان ذلك أكبر أسباب ذهاب جمال الدين، وأراح الله المسلمين منه. ثمّ ركب السلطان من غيتا وسار حتى نزل بالخانقاه «4» ، ثمّ سار حتى طلع إلى قلعة الجبل فى يوم السّبت حادى عشر جمادى الأولى المذكور، بعد أن زيّنت له القاهرة ومصر، وخرج النّاس لتلقّيه، فكان لدخوله يوم عظيم، وحمل الوالد على رأسه القبّة والطّير «5» ، ولمّا استقرّ السّلطان بقلعة الجبل- وقد حبس بها جمال الدين-

ثمّ رسم السّلطان للوالد أن يتسلّم جمال الدين ويعاقبه، فقال الوالد: يا مولانا السلطان جمال الدين كلب لا يتسلّمه إلّا كلب مثله، فقال تاج الدّين عبد الرّزّاق «1» ابن الهيصم: يا خوند، أنا ذلك الكلب، فسلّمه السلطان له. وأمّا أسباب القبض على جمال الدين فكثيرة، منها: ما فعله ليلة بيان لمّا استشاره السلطان هو وفتح الله، وفرّ الأمراء، وكان جمال الدين لمّا خرج من عند السّلطان أرسل إلى الأمراء بذلك، وطلب جمال الدين صيرفيّه عبد الرحمن وأمره فصرّ للأمير شيخ المحمودىّ نائب الشّام بخمسة آلاف دينار يرسلها له صحبة الأمراء المتوجّهين فى الليل إليه، وإلى تمراز بثلاثة آلاف دينار، وهو رأس الأمراء الذين عزموا على الفرار، وعلى رفقته: سودون بقجة، وعلّان، وإينال، لكلّ واحد بألفى دينار، وبعث بالمبلغ إليهم، وأعلمهم بما عزم عليه «2» السلطان من القبض عليهم، فكان هذا من أكبر الأسباب فى هلاك جمال الدين، ولم يعلم السلطان ذلك إلّا بعد أيّام. ومنها أنّ السلطان الملك الناصر لم يكن معه فى هذه السّفرة من الذّهب إلّا النزر اليسير، فسأل جمال الدين فى مبلغ فقال جمال الدّين: ما معى إلّا مبلغا هيّنا، فندب السلطان فتح الله كاتب السرّ فى الفحص عن ذلك، فقال له فتح الله: قد رافق جمال الدين فى هذه السّفرة تاج الدين عبد الرزّاق بن الهيصم كاتب المماليك، وأخوه مجد الدين عبد الغنىّ مستوفى الديوان «3» المفرد فاسألهما «4» وتلطّف بهما تعلم ما مع جمال الدين من الذّهب، فطلبهما السلطان، وفعل ذلك، فأعلماه بليلة بيسان، وما فعله جمال الدين من إرسال الذّهب، وإعلام الأمراء بقصد السّلطان حتى فرّوا ولحقوا

بالأمير شيخ، فقال السلطان: من أين لكم هذا الخبر؟ فقالا: صيرفيّه عبد الرحمن ينزل عندنا وعند تقىّ الدين عبد الوهّاب بن أبى شاكر ناظر ديوان المفرد، وهو الحاكى، فصدّق السلطان مقالتهما وأسرّها فى نفسه، واستشار الوالد فى القبض على جمال الدين، فقال له الوالد: المصلحة تركه حتى يعود إلى جهة القاهرة، ويقبض عليه وعلى جميع أقاربه؛ حتى لا يفوت السّلطان منهم أحد، وتكون الحوطة على الجميع معا، فأعجب السّلطان ذلك، وسكت عن قبضه بالديار الشامية. ثمّ إن [تاج الدين عبد الرزّاق «1» ] بن الهيصم لا زال حتى أوصل عبد الرحمن الصّيرفىّ إلى السلطان، وحكى له الواقعة من لفظه فى مجلس شرابه، وشرب معه عبد الرحمن فى تلك الليلة. ومنها: أنّ القاضى محبى الدين أحمد المدنىّ كاتب سرّ دمشق لقى ابن هيازع عند باب الفراديس «2» بدمشق، فأعلمه ابن هيازع أن أصحابه وجدوا عند مدينة زرع ساعيا معه كتب، فقبضوا عليه وأخذوا منه الكتب وجاءوا بها إليه، وكان محيى الدين المذكور معزولا عن كتابة سرّ دمشق من مدّة، فأخذ الكتب ولم يدر ما فيها وسلّمها لفتح الله، فأخذ فتح الله الكتب ومحيى الدين إلى السّلطان وفتحت الكتب، وقرئت بحضرة السّلطان، فاذا هى من جمال الدين إلى الأمير شيخ، فزاد السلطان غضبا على غضبه، وأخفى ذلك كلّه عن جمال الدين لأمر سبق، وأخذ السلطان يغالط جمال الدين والتغيير يظهر من وجهه؛ لشبيبته وشدّة حقده عليه، فتقهقر جمال الدين قليلا، وأخذ يغالط السلطان، ويسأله أن يسلّم له ابن الهيصم وابن أبى شاكر، وألحّ فى ذلك والسّلطان لا يوافقه ويعده ويمنّيه، إلى أن نزل السلطان بمدينة غزّة، وأظهر لجمال الدين الجفاء، وأراد القبض عليه، فلم يمكّنه الوالد، فتركه السّلطان إلى أن نزل بلبيس ووقع ما حكيناه.

وأما أصل جمال الدين ونسبه فانّه يوسف بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن جعفر ابن قاسم البيرىّ الحلبىّ البجاسيّ، كان أبوه يتزيّا بزىّ الفقهاء، وكان يخطب بألبيرة، فتزوّج بأخت شمس الدين عبد الله بن سهلول، وقيل سحلول، المعروف بوزير حلب، فولدت له يوسف هذا، ولقّب بجمال الدين، وكنّى بأبى المحاسن هو وأخوته، ونشأ جمال الدين يوسف المذكور بألبيرة، ثمّ قدم البلاد الشّاميّة على فاقة عظيمة، وتزيّا بزىّ الجند، وخدم بلاصيّا «1» عند الشّيخ علىّ كاشف برّ دمشق، ثمّ عند غيره من الكشّاف، وطال خموله، وخالط «2» الفقر ألوانا إلى أن خدم عند الأمير بجاس- وهو أمير طبلخاناة- بعد أمور يطول شرحها، ثمّ جعله بجاس أستاداره وتموّل وعرف عند الناس بجمال الدين أستادار بجاس، وكثر ماله، وسكن بالقصر بين القصرين، وأتّهم أنّه وجد به من خبايا الفاطميّين خبيثة، ثمّ خدم بعد بجاس عند جماعة من الأمراء إلى أن عدّ من الأعيان، وصحب سعد الدين إبراهيم بن غراب، فنوّه ابن غراب بذكره إلى أن طلب أن يلى الوزر فامتنع من ذلك، وطلب الأستاداريّة، فخلع السلطان عليه باستقراره أستادارا عوضا عن سعد الدين بن غراب المذكور، بحكم توجّه ابن غراب مع يشبك الدّوادار إلى البلاد الشّاميّة، وذلك فى رابع شهر رجب سنة سبع وثمانمائة، ومن يومئذ أخذ أمره يظهر حتّى صار حاكم الدّولة ومدبّرها، بعد أن قتل خلائق من الأعيان لا تدخل تحت حصر من كلّ طائفة، بالعقوبة والذّبح والخنق وأنواع ذلك. قلت: لا جرم أنّ الله تعالى قاصصه فى الدنيا ببعض ما فعله؛ فعوقب أيّاما بالكسّارات وأنواع العذاب، ثمّ ذبح فى ليلة الثلاثاء حادى عشر جمادى الآخرة، وأراح الله الناس من سوء فعله وقبح منظره- انتهى.

ثمّ فى يوم الثلاثاء رابع عشر جمادى الأولى المذكور خلع السلطان على تاج الدين عبد الرزّاق بن الهيصم ناظر الإسطبل، وكاتب المماليك السلطانيّة، باستقراره أستادارا عوضا عن جمال الدين يوسف البيرىّ- بحكم القبض عليه- وترك لبس المباشرين ولبس الكلفتاة «1» ، وتقلّد بالسيف وتزيّا بزىّ الأمراء، وخلع على أخيه مجد الدين عبد الغنى بن الهيصم مستوفى ديوان المفرد، واستقر فى نظر الخاصّ، وخلع على سعد الدين إبراهيم بن البشرىّ ناظر الدّولة، واستقر فى الوزارة، وكل هذه الوظائف كانت مع جمال الدين الأستادار، وخلع على تقىّ الدين عبد الوهّاب بن أبى شاكر واستقرّ ناظر ديوان المفرد، وأضيف إليه أستادارية الأملاك والأوقاف السلطانيّة، عوضا عن أحمد ابن أخت جمال الدين، وخلع على تاج الدين فضل الله بن الرّملىّ واستقرّ ناظر الدّولة، وخلع على حسام الدين حسين الأحول- عدوّ جمال الدين- واستقر أمير جاندار. ثمّ قدم الخبر بأخذ شيخ لدمشق، وفرار بكتمر جلّق إلى صفد، وأرسل الأمير شيخ محضرا يتضمن أنه كان يريد التوجّه إلى طرابلس، فلما وصل شقحب قصده بكتمر جلّق وقاتله، فركب ودفع عن نفسه، وشهد له فى المحضر جماعة كبيرة من أهل دمشق وغيرها، وكان الأمر كما قاله شيخ- حسبما ذكرناه قبل تاريخه- وسكت الوالد، واحتار فى نفسه بين بكتمر وشيخ، فإنّه كان يميل إلى كل منهما. ثمّ قدم فى أثناء ذلك الأمير بكتمر جلّق إلى القاهرة فى سابع عشرين جمادى الأولى، بعد دخول السلطان إلى القاهرة بنحو ستّة عشر يوما، وقدم صحبة بكتمر المذكور الأمير بردبك نائب حماة، والأمير نكباى حاجب دمشق، والأمير ألطنبغا العثمانىّ، والأمير يشبك الموساوىّ الأفقم نائب غزّة، فخرج السلطان إلى لقائهم، ودخل بهم من باب النّصر، وشقّ القاهرة وخرج من باب زويلة، ونزل بدار الأمير طوخ

- أمير مجلس- يعوده فى مرضه، ثمّ طلع إلى القلعة، ولم يعتب السّلطان على الوالد فى أمر شيخ، ولا فاتحه الوالد فى أمره حتى قال الوالد لبعض مماليكه: كأن السلطان عذر الأمير شيخا فيما وقع منه- والله أعلم. وفى هذه الأيّام، تناولت جمال الدين وحواشيه العقوبات، وأخذوا له عدّة ذخائر من الأموال، وما استهلّ جمادى الآخرة حتى كان مجموع ما أخذ منه من الذّهب العين المصرىّ تسعمائة ألف دينار وأربعة وستّين ألف دينار، وهو إلى الآن تحت العقوبة والمصادرة. ثمّ ورد الخبر على السلطان من البلاد الشامية، من دمرداش نائب حلب، بأنّ الأمير نوروزا الحافظىّ قدم إلى حلب، ومعه يشبك بن أزدمر وغيره، وأنّ الأمير دمرداش المحمّدى نائب حلب تلقّاه وأكرمه وحلّفه للسلطان، ثمّ كتب يعلم السلطان بذلك، ويسأله أن يعيده إلى نيابة دمشق، وأن يولّى يشبك بن أزدمر نيابة طرابلس، وأن يولّى ابن أخيه [تغرى بردى] «1» المعروف بسيّدى الصغير نيابة حماة، فأجاب السّلطان إلى ذلك، وأرسل الأمير مقبلا الرّومىّ فى البحر إلى نوروز المذكور وعلى يده التّقليد والتّشريف بنيابة الشّام، فوصل إليه مقبل الرومىّ المذكور فى رابع شعبان، فلبس نوروز التشريف، وقبل الأرض، وجدّد اليمين للسّلطان بالطّاعة على كلّ حال، وعدم المخالفة، ولما بلغ شيخا ذلك فرّ منه جماعة من الأمراء وأتوا إلى الأمير نوروز، منهم: تمربغا العلائىّ المشطوب، وجانم من حسن شاه نائب حماة، وسودون الجلب. وجانبك القرمىّ وبردبك حاجب حلب، فلمّا وقع ذلك أرسل الأمير شيخ إلى السلطان الملك الناصر إمام الصّخرة «2»

وجنديّا آخر بكتابه، فقدما إلى القاهرة فى ثانى جمادى الآخرة المذكور وعلى يدهما أيضا محضر مكتوب، فغضب السلطان غضبا عظيما، ووسّط الجندىّ، وضرب إمام الصخرة ضربا مبرّحا وسجنه بخزانة شمائل «1» . ثمّ من الغد أنزل جمال الدين وابنه أحمد على قفصى حمّال إلى بيت تاج الدين بن الهيصم، ثمّ قبض السّلطان على الأمير بلاط أحد مقدّمى الألوف، وعلى الأمير كزل العجمىّ حاجب الحجّاب وقيدهما وأرسلهما إلى سجن الإسكندرية. ثمّ فى حادى عشر جمادى الآخرة نقل جمال الدين الأستادار- فى قفص حمال أيضا- من بيت ابن الهيصم، بعد ما قاسى محنا وشدائد، إلى بيت حسام الدين الأحول، فتنوّع حسام الدين فى عقوبته أنواعا؛ لما كان فى نفسه منه، وأخذ فى استصفاء أمواله، فاستحثه القوم فى قتله خشية أن يحدث فى أمره حادث، فقتله خنقا، ثمّ حزّ رأسه من الغد وحمله إلى السّلطان حتى رآه، ثمّ أعاده فدفن مع جثته بتربته بالصّحراء، وقد ذكرنا تاريخ موته عند القبض عليه. ثم أصبح السلطان خلع على الأمير يلبغا الناصرىّ باستقراره حاجب الحجاب- بالدّيار المصرية- بعد مسك كزل العجمىّ. ثم ورد الخبر بأن الأمير شيخا توجه لقتال نوروز بحماة، فتوجه وحصره بها، وأنّ الأمير يشبك الموساوىّ نائب غزة كان بينه وبين سودون المحمدى وعلّان واقعة قتل فيها جماعة، وفرّ يشبك الموساوى إلى جهة الديار المصرية، وأن علّان جرح فى وجهه فحمل إلى الرملة فمات بها.

قلت: وعلّان هذا هو خلاف علّان جلّق نائب حماة وحلب- الذي قتله جكم مع طولو نائب صفد فى سنة [ثمان و] «1» ثمانمائة- حسبما تقدّم ذكره، وأن سودون المحمدى بعث يسأل شيخا فى نيابة صفد فأجابه إلى ذلك، كل هذا ورد على السلطان فى يوم واحد. ولما طال حصار شيخ لنوروز على حماة، خرج دمرداش نائب حلب وقدم إلى حماة- نجدة لنوروز- ومعه عساكر حلب، فلمّا بلغ شيخا قدوم دمرداش، بادر بأن ركب وترك وطاقه وأثقاله وتوجه إلى ناحية العربان «2» فركب دمرداش بسكرة يوم الأحد، وأخذ وطاق شيخ واستولى عليه، فعاد شيخ وتقاتلا بمن معهما قتالا شديدا قتل فيه جماعة كبيرة، منهم: بايزيد- من إخوة نوروز الحافظىّ- وأسر عدّة كبيرة من أصحاب دمرداش، منهم: الأمير محمد بن قطبكى كبير التركمان الأوشرية «3» ، وفارس أمير آخور دمرداش، واستولى الأمير شيخ على طبلخاناة الأمير دمرداش، وكسر أعلامه، ثم ركب شيخ وسار يريد حمص. ثم إن الأمير شيخا بعد مدّة أرسل يخادع السلطان بكتاب يسترضيه ويقول فيه: إنه باق على طاعة السلطان، وحكى ما وقع له مع الأمير بكتمر جلّق نائب الشام، ثم ما وقع له مع الأمير نوروز، ثم مع الأمير دمرداش وأن كلّ ذلك ليس بإرادته ولا عن قصده، غير أنه يدافع عن نفسه خوفا من الهلاك، وأنّه تاب وأناب ورجع إلى طاعة السّلطان، وأرسل أيضا للوالد بكتاب مثل ذلك، فلم يتكلّم الوالد فى حقّه بكلمة، ثم أخذ شيخ يقول عن نوروز أشياء ويغرى السّلطان به؛ من ذلك أنّه يقول: إنّ نوروزا يريد الملك لنفسه، وهو حريص على ذلك من أيّام السّلطان السّعيد الشهيد الملك الظاهر

برقوق، وأنّه لا يطيع أبدا، وأنّه هو لا يريد إلّا الانتماء إلى السّلطان فقط، ورغبته فى عمل مصالح العباد والبلاد، ثمّ كرّر السؤال فى العفو والصّفح عنه فى هذه المرّة، فلم يمش ذلك على الملك الناصر ولم يلتفت إلى كتابه. وشرع السّلطان فى التّنزّه، وأكثر من الرّكوب إلى برّ الجيزة للصّيد فى كلّ قليل، ووقع منه ذلك فى الشهر غير مرة، ولمّا عاد فى بعض ركوبه فى يوم الخميس ثالث عشرين شوّال من سنة اثنتى عشرة وثمانمائة المذكورة، ووصل قريبا من قناطر السّباع «1» عند الميدان الكبير أمر السّلطان بالقبض على الأمير قردم الخازندار، وعلى الأمير إينال المحمّدى السّاقىّ- المعروف بضضع- أمير سلاح، فقبض فى الحال على قردم، وأما إينال ضضع المذكور فإنّه شهر سيفه وساق فرسه ومضى، فلم يلحقه غير الأمير قجق الشّعبانىّ، فأدركه وضربه بالسّيف على يده ضربة جرحته جرحا بالغا، ثم فاته ولم يقدر عليه، وطلع السلطان القلعة، كلّ ذلك وهو لا يملك نفسه على فرسه من شدّة السّكر، ونودى فى الحال بالقاهرة على الأمير إينال المحمّدىّ المذكور، فلم يظهر له خبر، وقيّد قردم وحمل إلى الإسكندريّة من يومه. وأمّا الأمير شيخ، فإنّه كمّل فى هذا الشهر- وهو ذو الحجّة من سنة اثنتى عشرة وثمانمائة- سبعة أشهر وهو يقاتل نوروزا ودمرداش، ويحاصرهما بحماة، ووقع بينهم فى هذه المدّة المذكورة حروب وخطوب يطول شرحها، وقتل بينهم خلائق لا تحصى، واشتدّ الأمر على نوروز وأصحابه بحماة، وقلّت عندهم الأزواد، وقاسوا شدائد حتّى وقع الصلح بينه وبين الأمير شيخ؛ وذلك عندما سمعوا بخروج الملك الناصر فرج إلى البلاد الشّاميّة، وخاف نوروز إن ظفر به

ما وقع من الحوادث سنة 813

الملك الناصر لا يبقيه؛ فاحتاج إلى الصّلح، وحلف كلّ من نوروز وشيخ لصاحبه، واتّفقا على أنّ نوروزا يمسك دمرداش نائب حلب، وأنّ شيخا يمسك ابن أخيه قرقماس- المدعوّ سيّدى الكبير- ففطن دمرداش بذلك، وأرسل أعلم ابن أخيه قرقماس المذكور مع بعض الأعوان، وهرب دمرداش من نوروز إلى العجل ابن نعير، وفرّ ابن أخيه قرقماس من عند شيخ إلى أنطاكيّة، والعجب أنّ قرقماس المذكور كان قد صار من حزب شيخ، وترك عمّه دمرداش وخالفه وصار يقاتل نوروزا وعمه هذه المدة الطويلة، وعمه دمرداش يرسل إليه فى الكفّ عن قتالهم، ويدعوه إلى طاعة نوروز ويوبخه بالكلام وهو لا يلتفت، ولا يبرح عن الأمير شيخ، حتى بلغه من عمّه أنّ شيخا يريد القبض عليه، فعند ذلك تركه وهرب، ثمّ إنّ الأمير نوروزا قصد حلب وأخذها واستولى عليها، وهرب مقبل الرومىّ، الذي كان حمل للأمير نوروز التّقليد بنيابة الشام، ولحق بالسّلطان على غزّة. [ما وقع من الحوادث سنة 813] وأمّا السلطان الملك الناصر، فإنه أخذ فى التّجهيز إلى السفر نحو البلاد الشّامية، وعظم الاهتمام فى أوّل محرم سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، وخلع فى عاشر المحرّم على الأمير قراجا شادّ الشراب خاناة باستقراره دوادارا كبيرا- دفعة واحدة- بعد موت الأمير قجاجق، وخلع على سودون الأشقر باستقراره شادّ الشّراب خاناة عوضا عن قراجا المذكور، ثمّ عمل السلطان فى هذا اليوم عرس الأمير بكتمر جلّق، وزفّت عليه ابنة السلطان الملك الناصر- التى كان عقد عليه عقدها بدمشق- وعمرها يوم ذلك نحو سبع سنين أو أقلّ، وبنى عليها بكتمر فى ليلة الجمعة حادى عشر المحرّم المذكور، وأخذ السّلطان فى أسباب السفر، وتهيأ وأنفق على المماليك السلطانيّة وغيرهم من الأمراء، ومن له عادة بالنّفقة، فأعطى لكلّ مملوك من المماليك السلطانية عشرين ألف درهم، وحمل إلى الأمراء مقدّمى الألوف لكلّ واحد ألفى دينار،

ما خلا الوالد وبكتمر فإنه حمل لكلّ منهما ثلاثة آلاف دينار، وأعطى لكل أمير من أمراء الطّبلخانات خمسمائة دينار، ولأمراء العشرات ثلاثمائة دينار. ثم خرج الأمير بكتمر جلّق جاليشا من القاهرة إلى الرّيدانيّة، وصحبته عدّة من أمراء الألوف وغيرهم، فى يوم الخميس ثالث عشرين صفر، فالذى كان معه من أمراء الألوف هم:- يلبغا الناصرى حاجب الحجّاب، وألطنبغا العثمانىّ، وطوغان الحسنىّ رأس نوبة النّوب، وسنقر الرّومى، وخيربك، وشاهين الأفرم، وعدة كبيرة من أمراء الطّبلخانات والعشرات، وسار بكتمر بعد أيام قبل خروج السلطان. ثمّ ركب السلطان من قلعة الجبل ببقيّة أمرائه وعساكره فى يوم الاثنين رابع شهر ربيع الأول من سنة ثلاث عشرة المذكورة، ونزل بالرّيدانية، وهذه تجريدة الملك الناصر السادسة إلى البلاد الشامية، غير سفرة السعيدية، وخلع على أرغون من بشبغا الأمير آخور الكبير بنيابة الغيبة على عادته، وأنه يستمر بسكنه بباب السلسلة، وأنزل الأمير كمشبغا الجمالى بقلعة الجبل، وجعل بظاهر القاهرة الأمير إينال الصصلانى الحاجب الثانى أحد مقدمى الألوف، ومعه عدّة أمراء أخر، والذي كان بقى مع السلطان- من أمراء الألوف وخرجوا صحبته- الوالد رحمه الله، وهو أتابك العساكر، وقجق الشعبانى، وسودون الأسندمرى، وسودون من عبد الرحمن، وسودون الأشقر شاد الشّراب خاناة، وكمشبغا الفيسى المعزول عن الأمير آخورية، وبردبك الخازندار. ثمّ ركب الملك الناصر من الغد فى يوم الثلاثاء خامس شهر ربيع الأوّل من الرّيدانية إلى التربة التى أنشأها على قبر أبيه بالصّحراء. قلت: وجماعة كبيرة من النّاس يظنّون أنّ هذه التربة العظيمة أنشأها الملك الظاهر برقوق قبل موته، ويسمونها الظاهريّة، وليس هو كذلك، وما عمرها إلّا الملك

الناصر فرج بعد موت أبيه بسنين، وهى أحسن تربة بنيت بالصّحراء- انتهى. وسار الملك النّاصر حتى نزل بالتّربة المذكورة، وقرّر فى مشيختها صدر الدين أحمد بن محمود العجمىّ «1» ، ورتّب عنده أربعين صوفيّا، وأجرى عليهم الخبز واللحم الضأن للطبوخ فى كلّ يوم، وفرشت السّجادة لصدر الدين المذكور بالمحراب، وجلس عليها. أخبرنى العلّامة علاء الدين علىّ القلقشندىّ «2» قال: حضرت جلوس صدر الدين المذكور فى ذلك اليوم مع من حضر من الفقهاء، وقد جلس السلطان بجانب صدر الدين فى المحراب، وعن يمينه الأمير تغرى بردى من بشبغا الأتابك- يعنى الوالد- وتحته بقيّة الأمراء، وجلس على يسار السلطان الشيخ برهان الدين إبراهيم بن زقّاعة «3» ، وتحته المعتقد الكركى «4» ، فجاء القضاة فلم يجسر قاضى القضاة جلال الدين البلقينى «5» الشافعىّ أن يجلس عن يمين السّلطان فوق الأمير الكبير، وتوجّه وجلس عن ميسرة السّلطان تحت ابن زقّاعة

والكركى، فإنهما كان لهما عادة بالجلوس فوق القضاة من أيّام الملك الظاهر برقوق- انتهى. قلت: والعادة القديمة من أيّام شيخون العمرىّ إلى ذلك اليوم، أنه لا يجلس أحد فوق الأمير الكبير من القضاة ولا غيرهم، حتى ولا ابن السّلطان، غير صاحب مكة المشرّفة؛ مراعاة لسلفه الطاهر- انتهى. ثمّ ركب السّلطان بأمرائه وخواصه وعاد إلى مخيّمه بالرّيدانية، وأقام به إلى أن رحل منه فى يوم السبت تاسع شهر ربيع الأوّل المذكور، يريد البلاد الشّامية. وأمّا الأمير شيخ، فإنه لمّا بلغه خروج السّلطان من الديّار المصرية، لم يثبت وداخله الخوف، وخرج من دمشق فى يوم الثلاثاء سادس عشرين شهر ربيع الأوّل المذكور بعساكره ومماليكه، وتبعه الأمير جانم نائب حماة. فدخل بكتمر جلّق إلى الشّام من الغد فى يوم سابع عشرينه- على حين غفلة- حتى يطرق شيخا، ففاته شيخ بيوم واحد، لكنّه أدرك أعقابه وأخذ منهم جماعة، ونهب بعض أثقال شيخ، ثمّ دخل السلطان الملك النّاصر إلى دمشق بعد عشاء الآخرة من ليلة الخميس ثامن عشرينه، وقد ركب من بحيرة طبريّة «1» فى عصر يوم الأربعاء على جرائد الخيل ليكبس شيخا، ففاته بيسير، وكان شيخ قد أتاه الخبر وهو جالس بدار السّعادة من دمشق، فركب من وقته وترك أصحابه، ونجا بنفسه بقماش جلوسه، فما وصل إلى سطح المزّة إلّا وبكتمر جلّق داخل دمشق، ومرّ شيخ على وجهه منفردا عن أصحابه، ومماليكه وحواشيه فى أثره، والجميع فى أسوإ ما يكون من الأحوال.

ولمّا دخل السّلطان إلى دمشق، أصبح نادى بدمشق بالأمان والاطمئنان لأهل الشّام، وألا ينزل أحد من العسكر فى بيت أحد من الشّاميّين، ولا يشوّش أحد منهم على أحد فى بيع ولا شراء، ونودى أن الأمير نوروزا الحافظىّ هو نائب الشّام. ثمّ فى ثانى شهر ربيع الآخرة قدم الأمير شاهين الزّردكاش «1» نائب صفد على السّلطان بدمشق، ثمّ فى ثالثه خلع السّلطان على الأمير يشبك الموساوىّ الأفقم باستقراره فى نيابة طرابلس، واستقرّ أبو بكر بن اليغمورىّ فى نيابة بعلبك، وأخوه شعبان فى نيابة القدس، ثمّ فى سادس شهر ربيع الآخر المذكور، خرج أطلاب السّلطان والأمراء من دمشق إلى برزة، وصلى السلطان الجمعة يجامع بنى أميّة، ثمّ ركب وتوجه بأمرائه وعساكره جميعا إلى أن نزل بمخّيمه ببرزة، وخلع السلطان على شاهين الزّردكاش نائب صفد باستقراره نائب الغيبة بدمشق، وسكن شاهين بدار السعادة، وتأخر بدمشق من أمراء السلطان الأمير قانى باى المحمّدىّ، لضعف كان اعتراه، وتخلّف بدمشق أيضا القضاة الأربعة، والوزير سعد الدين بن البشيرىّ، وناظر الخاص مجد الدين بن الهيصم، وسار السّلطان بعساكره إلى جهة حلب حتى وصلها، فى قصد شيخ ونوروز بمن معهما من الأمراء، ثمّ كتب السّلطان لنوروز وشيخ يخيّرهما، إما الخروج من مملكته، أو الوقوف لمحاربته، أو الرجوع إلى طاعته، يريد- بذلك- الملك الناصر الشفقة على الرعيّة من أهل البلاد الشّامية؛ لكثرة ما صار يحصل لهم من الغرامة والمصادرة، وخراب بلادهم من كثرة النّهّابة من جهة العصاة، ثمّ أخبرهما الملك الناصر أنه عزم على الإقامة بالبلاد الشّامية السنتين والثلاثة حتى ينال غرضه، فأجابه الأمير شيخ بأنه ليس بخارج عن طاعته، ويعتذر عن حضوره بما خامر قلبه من شدة

الخوف والهيبة عند ما قبض عليه السّلطان مع الأتابك يشبك الشعبانىّ فى سنة عشر وثمانمائة، وأنه قد حلف لا يحارب السلطان ما عاش، من يوم حلّفه الأمير الكبير تغرى بردى- أعنى الوالد- فى نوبة صرخد، وكرّر الاعتذار عن محاربته لبكتمر جلّق، حتى قال: وإن كان السلطان ما يسمح له بنيابة الشّام على عادته، فينعم عليه بنيابة أبلستين «1» ، وعلى الأمير نوروز بنيابة ملطية، وعلى يشبك بن أزدمر بنيابة عين تاب، وعلى غيرهم من الأمراء ببقية القلاع؛ فإنهم أحق من التركمان المفسدين فى الأرض، وكان ما ذكروه على حقيقته، فلم يرض السّلطان بذلك، وصمّم على الإقامة ببلاد الشام، وكتب يستدعى التركمان وغيرهم، كلّ ذلك والسلطان بأبلستين، وبيناهم فى ذلك فارق الأمير سودون الجلب شيخا ونوروزا، وتوجه إلى الكرك واستولى عليها بحيلة تحيّلها. ثمّ عاد السّلطان إلى حلب فى أوّل جمادى الآخرة، ولم يلق حربا، فقدم عليه بها قرقماس ابن أخى دمرداش- المدعو سيّدى الكبير- والأمير جانم من حسن شاه نائب حماة- كان- فأكرمهما السلطان وأنعم على قرقماس بنيابة صفد، وعلى جانم بنيابة طرابلس، واستقرّ الأمير جركس والد تنم حاجب حجّاب دمشق، ثمّ خلع على الأمير بكتمر جلّق باستقراره فى نيابة الشام ثانيا، وأنعم بإقطاعه على الأمير دمرداش المحمّدىّ نائب حلب، ثمّ بعد مدّة غيّر السلطان قرقماس سيّدى الكبير- من نيابة صفد إلى نيابة حلب، عوضا عن عمّه الأمير دمرداش المحمّدىّ، وأخلع على أخيه تغرى بردى- المدعو سيّدى الصّغير- باستقراره فى نيابة صفد. وبينما السلطان فى ذلك بحلب، ورد عليه الخبر بأنّ شيخا ونوروزا وصلا عين تاب، وسارا على البريّة إلى جهة الشّام، فركب السلطان مسرعا

من حلب على حين غفلة فى ثالث عشرين شهر رجب ببعض عساكره، وسار حتى دخل دمشق فى أربعة أيّام، ثمّ قدم فى أثره الوالد بغالب العساكر، ثمّ الأمير بكتمر جلّق نائب الشّام، ثمّ بقيّة الأمراء والعساكر، ثمّ فى ثالث شعبان قدم الأمير تمراز النّاصرى نائب السّلطنة- كان- إلى دمشق فى خمسين فارسا، داخلا فى طاعة السّلطان بعدما فارق شيخا ونوروزا، فركب السّلطان وتلقّاه وبالغ فى إكرامه، قلت، وتمراز هذا هو الذي كان فرّ من السّلطان فى ليلة بيسان ومعه عدّة أمراء- وقد تقدّم ذكر ذلك فى وقته- ثمّ فى الغد سمّر السّلطان ستة نفر من أصحاب شيخ ووسّطهم. وأما شيخ ونوروز، فإنّهما لمّا سار السّلطان عن أبلستين خرجا من قيساريّة «1» بمن معهم، وجاءوا إلى أبلستين فمنعهم أبناء دلغادر وقاتلوهم، فانكسروا منهم وفرّوا إلى عين تاب، فلمّا قربوا من تلّ باشر «2» تمزّقوا وأخذت كلّ طائفة جهة من الجهات، فلحق بحلب ودمشق منهم عدّة وافرة، واختفى منهم جماعة، ومرّ شيخ ونوروز بحواشيهما على البريّة إلى تدمر «3» فامتاروا منها، ومضوا مسرعين إلى صرخد وتوجهوا إلى البلقاء «4» ودخلوا بيت المقدس، ثمّ توجّهوا إلى غزّة بعد أن مات من أصحابهم الأمير

تمربغا المشطوب نائب حلب- كان- والأمير إينال المنقار، كلاهما بالطّاعون بمدينة حسبان «1» . ثمّ قدم عليهم سودون الجلب من الكرك، فتتّبعوا ما بغزّة من الخيول فأخذوها، وأقاموا بها حتى أخرج السّلطان إليهم بكتمر جلّق على عسكر كبير، فسار إلى زرع، ثمّ كتب للسّلطان يطلب نجدة، فأخرج إليه السّلطان من دمشق بعسكر هائل من الأمراء والمماليك السلطانيّة، ورأس الأمراء الأمير تمراز النّاصرىّ- الذي قدم على السّلطان طائعا بدمشق- ويشبك الموساوىّ الأفقم، وألطنبغا العثمانىّ، وأسنبغا الزّرد كاش وسودون الظّريف نائب الكرك- كان- والأمير طوغان الحسنىّ رأس نوبة النّوب، فخرجوا من دمشق مجدّين فى السّير إلى قاقون «2» - وبها الأمير بكتمر جلّق- فساروا جميعا إلى غزّة، فقدموها فى عصر يوم الثلاثاء من ثالث شهر رمضان، وقد رحل شيخ ونوروز بمن معهما بكرة النهار عند ما قدم عليهم سودون بقجة وشاهين الدّوادار من الرّملة، وأخبراهم بقدوم عسكر السلطان إليهم، فنهبوا غزّة وأخذوا منها خيولا كثيرة وغلالا، فتبعهم الأمير خير بك نائب غزّة إلى الزّعقة «3» ، وسارت كشّافته فى أثرهم إلى العريش، ثمّ عادوا إلى غزّة. فلمّا وصل بكتمر جلّق بمن معه من الأمراء إلى غزّة، وبلغه توجّه شيخ ونوروز إلى جهة مصر، أرسل بكتمر الأمير شاهين الزّردكاش والأمير أسنبغا الزّردكاش على البرّية إلى مصر ليخبرا من بقلعة الجبل بقدوم شيخ ونوروز إلى مصر، فسارا وسبقا شيخا ونوروزا، وعرّفا الأمير أرغون الأمير آخور

وغيره ممن هو من الأمراء بمصر، وردّ جواب أرغون على بكتمر بأنه حصّن قلعة الجبل، والإسطبل السلطانىّ، ومدرسة السلطان حسن، ومدرسة الملك الأشرف شعبان بن حسين- التى كانت تجاه الطبلخاناة عند الصّوة «1» - وأنه هو ومن معه قد استعدّوا للقاء شيخ ونوروز. وأمّا شيخ ونوروز ومن معهم فإنهم ساروا من مدينة غزّة إلى جهة الدّيار المصرية، فمات بالعريش شاهين دوادار الأمير شيخ- وكان عضد الأمير شيخ وأعظم مماليكه- ثمّ ساروا إلى قطيا «2» ونهبوها، ثم ساروا من قطيا إلى أن وصلوا إلى مصر فى يوم الأحد ثامن شهر رمضان من سنة ثلاث عشرة وثمانمائة المذكورة، ودخل شيخ ونوروز بمن معهما من أمراء الألوف، وهم: الأمير يشبك بن أزدمر، والأمير سودون بقجة، والأمير سودون المحمّدى تلّى، والأمير يشبك العثمانىّ، وغيرهم من أمراء الطّبلخانات مثل قمش وقوزى وغيرهما، ودخل معهم إلى القاهرة خلائق من الزّعر، وبنى وائل- من عرب الشّرقية- والأمير سعيد الكاشف- وهو معزول- فبلغهم تحصين القلعة والمدرستين «3» ، وأنّ الأمير أرغون ومن معه من الأمراء قبضوا على أربعين مملوكا من النّوروزيّة- أعنى ممن كان له ميل إلى نوروز من المماليك السلطانيّة- وسجنوهم بالبرج من قلعة الجبل خوفا من غدرهم، فساروا من جهة المطريّة خارج القاهرة إلى بولاق، ومضوا

إلى الميدان الكبير إلى الصّليبة «1» ، وخرجوا إلى الرّميلة «2» تحت قلعة الجبل، فرماهم المماليك السلطانية بالمدافع والنّشّاب، وبرز لهم الأمير إينال الصصلانىّ الحاجب الثانى بمن معه، ووقف تجاه باب السّلسلة، وقاتل الشيخية والنّوروزية ساعة، فتقنطر من القوم فارسان، ثمّ انهزم إينال الصّصلانىّ وعاد إلى بيته تجاه سبيل المؤمنىّ «3» - المعروف ببيت نوروز- وبات الأمراء تلك الليلة بالقاهرة، وأصبح الأمير شيخ أقام رجلا فى ولاية القاهرة فنادى بالأمان، ووعد الناس بترخيص الأسعار، وبإزالة المظالم، فمال إليه جمع من العامّة، وأقاموا ذلك اليوم، وملكوا مدرسة الملك الأشرف شعبان التى كانت بالصوّة تجاه الطّبلخاناة السلطانية، هذا والقتال مستمر بينهم وبين أهل القلعة، ثمّ ملك الأمراء مدرسة السلطان حسن، وهزموا من كان فيها من المقاتلة، بعد قتال شديد، وأقاموا بها جماعة رماة من أصحابهم، ورموا على قلعة الجبل يومهم وليلتهم، وطلع الأمير أرغون من بشبغا- الأمير آخور- من الإسطبل السّلطانىّ إلى أعلا القلعة عند الأمير جرباش وكمشبغا الجمالى، فأدخلاه القلعة بمفرده من غير أصحابه. فلمّا كانت ليلة الاثنين، كسرت خوخة أيدغمش «4» ، ودخلت طائفة من الشاميّين إلى القاهرة، ومعهم طوائف من العامة؛ ففتحوا باب زويلة، وكان والى القاهرة حسام الدين الأحول، وقد اجتهد فى تحصين المدينة، ثمّ كسروا باب خزانة شمائل، وأخرجوا من كان بها، وكسروا سجن

الدّيلم «1» أيضا، وسجن رحبة باب العيد «2» ، وانتشروا فى حارات القاهرة، ونهبوا بيت كمشبغا الجمالىّ، وتتبّعوا الخيول والبغال من الإسطبلات وغيرها، وأخذوا منها شيئا كثيرا، ثمّ فتحوا حاصل الديوان المفرد ببين القصرين وأخذوا منه مالا كثيرا، ثمّ ملك شيخ باب السلسلة، وجلس بالحرّاقة هو ورفقته، ثمّ طلبوا من الأمراء الذين بالقلعة فتح القلعة لهم فى بكرة يوم الثلاثاء، فاعتذر الأمراء لهم «3» بأنّ المفاتيح عند الزّمام «4» كافور، فاستدعوه فأتاهم، وكلّمهم من وراء الباب، فسلموا عليه من عند الأمير شيخ ومن عند أنفسهم، وكان الأمير نوروز من جملة من كان واقفا على الباب، وسألوه الفتح لهم، فقال: ما يمكن ذلك؛ فإنّ حريم السّلطان بالقلعة، فقالوا مالنا غرض فى النهب وإنما نريد أن نأخذ ابن أستاذنا، يعنون بابن أستاذنا: الامير فرج ابن السّلطان الملك الناصر فرج، وكان هذا الصبىّ سمى على اسم أبيه- وهو أكبر أولاد الملك الناصر- فقال كافور الزّمام: وأيش صاب السّلطان حتى تأخذوا ولده؟ فقالوا: لو كان السّلطان حيّا ما كنّا هاهنا- يعنون أنهم

قتلوا السلطان، وساروا إلى الديار المصرية لبسلطنوا ولده- فلم يمش ذلك على كافور ولا على غيره، وطال الكلام بينهم فى ذلك، فلم يلتفت كافور إلى كلامهم، فهدّدوه بإحراق الباب، فخاف وقال: إن كنتم ما تريدون إلا ابن أستاذكم فليحضر إلى باب السرّ اثنان منكم أو ثلاثة، وتحضر القضاة، ثمّ احلفوا أنكم لا تغدرون به ولا تمسّونه بسوء، وكان كافور يقصد بذلك التطويل، فإنه كان بلغه هو والأمراء الذين بالقلعة قرب مجىء العسكر السلطانىّ إلى القاهرة، فبعثوا لهم البطاقة من القلعة باستعجالهم، وأنهم فى أقوى ما يكون من الحصار، ومتى «1» لم يدركوا أخذوا، وأخذ كافور فى مدافعة الجماعة والتمويه عليهم- قلت: وعلى كل حال فهو أرجل من أرغون الأمير آخور، فإنّ أرغون مع كثرة من كان عنده من المماليك السلطانية ومماليكه لم يقدر على منع باب السّلسلة، وتركها وفرّ فى أقلّ من يومين، وكان يمكنه مدافعة القوم أشهرا- انتهى. وبينما [كافور] «2» الزّمام فى مدافعتهم لاحت طلائع العسكر السلطانىّ لمن كان شيخ أوقفه من أصحابه يرقبهم بالمآذن بقلعة الجبل، وقد ارتفع العجاج، واقبلوا سائقين سوقا عظيما جهدهم، فلما بلغ شيخا وأصحابه ذلك لم يثبتوا ساعة واحدة، وركبوا من فورهم ووقفوا قريبا من باب السّلسلة، فدهمهم العسكر السّلطانىّ فولوا هاربين نحو باب القرافة «3» والعسكر فى أثرهم، فكبا بالأمير شيخ فرسه عند سوق الخيم «4» بالقرب من باب

القرافة، فتقنطر من عليه، فلم يستطع النهوض ثانيا؛ لعظم روعه وسرعة حركته، فأركبه بعض أمراء آخوريته- يقال إنه الأمير جلبّان الأمير آخور، الذي كان ولى نيابة الشام فى دولة الملك الظاهر جقمق إلى أن مات فى دولة الملك الاشرف إينال فى سنة ثمان وخمسين وثمانمائة- وركب شيخ ولحق بأصحابه، فمرّوا على وجوههم على جرائد الخيل، وتركوا ما أخذوه من القاهرة، وأيضا ما كان معهم، وساروا على أقبح وجه بعد أن قبض عسكر السّلطان على جماعة من أصحاب شيخ، مثل الأمير قرايشبك- قريب نوروز- وبردبك رأس نوبة نوروز؛ لأنّ نوروزا ثبت قليلا بالرّميلة بعد فرار الأمير شيخ، وعلى برسباى الطّقطائىّ أمير جاندار، وثمانية وعشرين فارسا، وجرح جماعة كبيرة، منهم السيفىّ يشبك السّاقىّ الظاهرىّ- الذي ولّى فى الدولة الأشرفية [برسباى] «1» الأتابكية- ومن هذا الجرح صار أعرج بعد أن أشرف على الموت «2» . ودخل الأمير بكتمر جلّق بعساكره، وأرسل الامير سودون الحمصىّ فاعتقل جميع من أمسك من الشّاميين، وأخذ يتتبّع من بقى من الشّامية بالقاهرة، ثمّ نادى فى الوقت بالأمان، ثمّ أخذت عساكره يقتلون فى الشاميّين، ويأسرون وينهبون إلى طمّوه «3» ، وألزم بكتمر جلّق والى القاهرة بمسك الزّعر الذين قاموا مع الشّاميين، فأبادهم الوالى، وقطع أيدى جماعة كبيرة، وحبس جماعة أخر بعد ضربهم بالمقارع، وأخذ الامير بكتمر جلّق فى تمهيد أحوال الديار المصرية، وقدم عليه الخبر فى ليلة الأربعاء حادى عشر من شهر رمضان المذكور بأنّ شيخا

نزل إطفيح «1» ، وأنّ شعبان بن محمد بن عيسى العائذىّ توجه بهم إلى نحو الطور «2» ، فنودى بالقاهرة ومصر بتحصيل من اختفى من الشاميين بها، ثمّ قدم الخبر بوصولهم إلى السّويس، وأنهم أخذوا علفا كان هناك للتجّار، وزادا وجمالا، وسار بهم شعبان بن عيسى فى درب الحاج «3» إلى نخل «4» ، فأخذوا عدّة جمال للعربان، وأن شعبان المذكور أمدّهم بالشعير والزّاد، وأنهم افترقوا فرقتين، فرقة رأسها الأمير نوروز الحافظىّ ويشبك بن أزدمر وسودون بقجة، وفرقة رأسها الأمير شيخ المحمودىّ وسودون تلّى المحمدىّ وسودون قراصقل، وكلّ فرقة منهما معها طائفة كبيرة من الأمراء والمماليك، وأنهم لما وصلوا إلى الشّوبك «5» دفعهم أهلها عنها، فساروا إلى جهة الكرك وبها سودون الجلب، فتضرعوا له حتّى نزل إليهم من قلعة الكرك، وتلقّاهم وادخلهم مدينة الكرك، وأنهم استقرّوا بالكرك. وأما الأمير بكتمر جلّق بمن معه من الأمراء والعساكر السّلطانية، فإنهم أقاموا بالقاهرة نحو ستّة أيّام حتّى تحقّقوا توجّه القوم إلى جهة البلاد الشّامية، فخرجوا من القاهرة فى يوم سادس عشر من رمضان يريدون البلاد الشّاميّة إلى الملك الناصر وهو بدمشق، وتأخّر بالقاهرة من الأمراء من

أصحاب بكتمر جلق: طوغان الحسنىّ رأس نوبة النّوب- وقد استقرّ قبل تاريخه دوادارا كبيرا بعد موت الأمير قراجا بطريق دمشق، فى ذهاب الملك النّاصر إلى الشّام- ويشبك الموساوىّ الأفقم، وشاهين الزّرد كاش وأسنبغا الزّرد كاش، وسار بكتمر جلّق بمن بقى حتى وصل دمشق. وأما السّلطان الملك النّاصر، فإنه كان فى هذه الأيام بدمشق، وبلغه ما وقع بالدّيار المصرية مفصلا، لكن نقل إليه أنّ بكتمر جلّق وطوغان الحسنىّ قصّرا فى أخذ شيخ ونوروز، ولو قصدا أخذهما لأمكنهم ذلك، فأسرّها الملك الناصر فى نفسه، قلت: ولا يبعد ذلك؛ لما حكى لى غير واحد- ممّن حضر هذه الواقعة- من ضعف شيخ ونوروز، وتقاعد الأمراء عن المسير فى أثرهم. ولمّا بلغ الملك الناصر ذلك لم يسعه إلّا السكات، وعدم معاتبة الأمراء على ذلك. ثمّ إنّ السّلطان أمسك الأمير جانبك القرمىّ بدمشق فى يوم الاثنين أوّل شوّال، وضربه ضربا مبرّحا، وسجنه بقلعة دمشق، ثمّ أمر السّلطان الأمير قرقماس ابن أخى دمرداش- المعروف بسيّدى الكبير- بالمضىّ إلى محلّ كفالته بحلب، فسار من دمشق عائدا إلى حلب، واستمرّ السّلطان بدمشق إلى يوم سابع عشر ذى القعدة، وخرج منها إلى قبّة يلبغا، ورحل من الغد بأمرائه وعساكره يريد الكرك بعد ما تحقّق نزول الأمراء بالكرك، وخلع على بكتمر جلّق بنيابة الشام على عادته، وعاد بكتمر إلى دمشق. وأما شيخ ونوروز وجماعتهما، فإنهم أقاموا بالكرك أياما، واطمأنّوا بها، ثمّ أخذوا فى تحصينها، فلما كان بعض الأيام نزل الأمير شيخ ومعه الأمير سودون بقجة، وقانى باى المحمّدىّ فى طائفة يسيرة من قلعة الكرك إلى حمّام الكرك، فدخل جميع هؤلاء الحمام، وبلغ ذلك الأمير شهاب الدين أحمد حاجب الكرك، فبادر بأصحابه ومعه جمع كبير من أهل

البلد، واقتحموا الحمام المذكورة ليقتلوا بها الأمير شيخا وأصحابه، فسبقهم بعض المماليك وأعلم الأمير شيخا، فخرج من وقته من الحمام ولبس ثيابه ووقف فى مسلخ الحمام عند الباب، ومعه أصحابه الذين كانوا معه فى الحمام، فطرقهم القوم بالسلاح، فدافع كلّ واحد منهم عن نفسه، وقاتلوا قتال الموت، حتى أدركهم الأمير نوروز بجماعته، فقاتلوهم حتى هزموهم بعد ما قتل الأمير سودون بقجة، وأصاب الأمير شيخا سهم غار فى بدنه، فنزف منه دم كثير حتى أشرف على الموت، وحمل إلى قلعة الكرك فأقام ثلاثة أيام لا يعقل، ثمّ أفاق، ومن هذه الرّجفة حصل له مرض المفاصل الذي تكسّح منه بعد سلطنته، هكذا ذكر المؤيد لبعض أصحابه. وأمّا الأمير نوروز لمّا بلغه قتل سودون بقجة وهو يعارك القوم جدّ فى قتالهم حتى كسرهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة، ثمّ عاد إلى الكرك وقد جرح من أصحابه جماعة، وبلغ هذا الخبر السلطان الملك النّاصر فسرّ بقتل سودون بقجة سرورا عظيما؛ لكثرة ما كان أحسن إليه ورقّاه حتى ولّاه نيابة طرابلس، فتركه وتوجّه إلى الأمير شيخ ونوروز من غير أمر أوجب تسحبّه، بل لأجل خاطر أغاته «1» وحميّه الأمير تمراز النائب. ثمّ وقع بين الأمراء وبين سودون الجلب بالكرك، فنزل سودون الجلب من الكرك وتركها لهم، ومضى حتى عدّى الفرات. وأما السّلطان الملك النّاصر، فإنه سار من مدينة دمشق حتى نزل على مدينة الكرك فى يوم الجمعة رابع عشرين ذى القعدة، وأحاط بها ونصب عليها الآلات، وجدّ فى قتالها، وحصرها وبها شيخ ونوروز وأصحابهما، واشتدّ الحصار عليهم بالكرك، وأخذ الملك النّاصر يلازم قتالهم حتى أشرفوا على الهلاك والتّسليم، ثمّ أخذ شيخ ونوروز والأمراء يكاتبون

الوالد ويتضرّعون إليه، وهو يتبرّم من أمرهم والكلام فى حقهم، ويوبخهم بما فعله الأمير شيخ مع بكتمر جلّق بعد حلفه فى واقعة صرخد، فأخذ شيخ يعتذر ويحلف بالأيمان المغلظة أن بكتمر جلّق كان الباغى عليه والبادئ بالشرّ، وأنه هو دفع عن نفسه لا غير، وأنّه ما قصده فى الدّنيا سوى طاعة السّلطان، وأنت الأمير الكبير، وأكبر خشدا شيتنا، إن لم تتكلم بيننا فى الصلح «1» فمن يتكلم؟ ثمّ كاتبوا أيضا جماعة من الأمراء فى طلب العفو والصّلح، ولا زالوا حتى تكلم الوالد مع السّلطان فى أمرهم، فأبى السّلطان إلّا قتالهم وأخذهم، والوالد يمعن فى ذلك حتى ابترم الصّلح غير مرّة والسلطان يرجع عن ذلك. ثمّ تردّدت الرسل بينهم وبين السّلطان أياما حتى انعقد الصلح، على أن يكون الوالد نائب الشام، وأن يكون الأمير شيخ نائب حلب، وأن يكون الأمير نوروز نائب طرابلس، وكان ذلك بإرادة شيخ ونوروز؛ فإنهما قالا: لا نرضى أن يكون بكتمر جلّق أعلى منا رتبة بأن يكون نائب الشّام- ونحن أقدم منه عند السّلطان- فإن كان ولا بدّ، فيكون الأمير الكبير تغرى بردى فى نيابة الشّام، ونكون نحن تحت أوامره، ونسير فى المهمّات السّلطانية تحت سنجقه، وأمّا بكتمر ودمرداش فلا، وإن فعل السّلطان ذلك لا يقع منّا بعدها مخالفة أبدا. ولمّا بلغ الأمراء والعساكر هذا القول أعجبهم غاية الإعجاب، وقد ضجر القوم من الحصار، وملّوا من القتال، فلا زالوا بالسلطان حتى أذعن ومال إلى تولية الوالد نيابة الشّام، وكلّم الوالد فى ذلك، فأبى وامتنع غاية الامتناع، وكان السّلطان قد شرط على الأمراء شروطا كثيرة فقبلوها- على أن يكون الوالد نائب دمشق- وأخذ الملك الناصر يكلم الوالد فى ذلك

والوالد مصمم على عدم القبول، وأرمى سيفه غير مرّة بحضرة السّلطان، وأراد التوجّه إلى القدس بطّالا. وصار الوالد كلّما امتنع من الاستقرار وحنق يكفّ عنه السلطان، فإذا رضى كلّمه، ثمّ سلط عليه الأمراء فكلّموه من كلّ جهة [حتى قبل] «1» ، ثمّ قام إليه السّلطان واعتنقه، وطلب الخلعة فجىء بها فى الحال، وألبسها للوالد باستقراره فى نيابة دمشق عوضا عن بكتمر جلّق، واستقرّ الأمير شيخ فى نيابة حلب عوضا عن قرقماس سيّدى الكبير، والأمير نوروز فى نيابة طرابلس عوضا عن جانم من حسن شاه، واستقرّ جانم المذكور أمير مجلس بإمرة مائة وتقدمة ألف بالدّيار المصرية، واستقرّ تغرى بردى سيّدى الصّغير فى نيابة حماة على عادته، ورسم للأمير سودون من عبد الرحمن نائب صفد أن ينتقل من نيابة صفد إلى تقدمة ألف بالدّيار المصرية، وأن يكون الأمير يشبك بن أزدمر أتابك دمشق عند الوالد، فإنه كان من ألزامه، وعقد عقده بعد ذلك على إحدى بناته- ولها من العمر نحو ثلاث سنين- ويكون قانى باى المحمّدى أميرا بحلب عند الأمير شيخ، ثمّ شرط السّلطان على شيخ ونوروز ألا يخرجا إقطاعا، ولا إمرة، ولا وظيفة لأحد من النّاس إلا بمرسوم السّلطان، وأن يسلّما قلعة الكرك إلى السلطان، ويسلّم شيخ قلعد صهيون «2» وصرخد أيضا، فرضوا بذلك جميعه، وحلفوا على طاعة السّلطان، وخلع السلطان عليهم خلعا جليلة، ومدّ لهم سماطا أكلوا منه. ثمّ رحل السّلطان من الكرك بعساكره يريد القدس، فوصله وأقام به خمسة أيّام، ثمّ خرج منه وسار يريد القاهرة.

ما وقع من الحوادث سنة 814

[ما وقع من الحوادث سنة 814] وأمّا الوالد فإنه سار من الكرك إلى نحو دمشق حتى دخلها فى يوم سادس المحرّم من سنة أربع عشرة وثمانمائة، ونزل بدار السّعادة وقد خمدت الفتنة، وسكن هرج النّاس، ثمّ خرج الأمير شيخ والأمير نوروز من الكرك إلى محلّ كفالتهما، وقدما إلى دمشق بمن معهما من الأمراء والمماليك لعمل مصالحهما بدمشق، فلمّا بلغ الوالد قدومهما خرج لتلقّيهما بقماش جلوسه فى خواصّه لا غير، فلمّا وقع بصرهما على الوالد نزلا عن خيولهما، فأقسم عليهما الوالد فى عدم النزول، فنزلوا قبل أن يسمعوا القسم، فعند ذلك نزل لهم الوالد أيضا عن فرسه وسلّموا عليه، فحلف عليهم الوالد بالنزول فى دار. السّعادة، فامتنعوا من ذلك، فأنزلهم بالمزّة، ثمّ ركب إليهم الوالد وأخذهم من وطاقهم غصبا. وأنزل الأمير شيخا بالقرمانيّة، ونوروزا بدار الأمير فرج بن منجك، ونزل كلّ واحد من أصحابهما بمكان حتى عملت مصالحهم، وكثر تردادهم إلى الوالد بدار السّعادد فى تلك الأيام؛ فسرّ أهل الشّام بذلك غاية السّرور، وصار الأمير شيخ يتنزّه بدمشق، ويتوجّه إلى الأماكن ومعه قليل من مماليكه. حدّثنى بعض مماليك الوالد: أن الأمير شيخا كان يجيء فى تلك المدّة إلى الوالد فى دار السعادة ومعه شخص واحد من مماليكه، وينزل ويقيل بالبحرة «1» ، وينام بها نومة كبيرة إلى أن يطبخ له ما اقترحه من المآكل. ثمّ خرج الأمير شيخ والأمير نوروز كلّ منهما إلى محلّ كفالته

بعد أن أنعم الوالد فى يوم سفرهما على كلّ واحد بألف دينار، وقيّد له فرسا بسرج ذهب وكنبوش «1» زركش، وأشياء غير ذلك كثيرة. وأمّا أمر السّلطان الملك النّاصر، فإنّه سار من القدس حتّى نزل بتربة والده بالصّحراء خارج القاهرة فى يوم الأربعاء ثانى عشر المحرّم من سنة أربع عشرة وثمانمائة، وخلع على الخليفة المستعين بالله العبّاس، وعلى القضاة والأمراء، وسائر أرباب الدّولة، وخلع على الأمير دمرداش المحمدىّ باستقراره أتابك العساكر بالدّيار المصرية، عوضا عن الوالد؛ بحكم انتقاله إلى نيابة دمشق حسبما تقدّم ذكره، ثمّ ركب السّلطان من التربة المذكورة وطلع إلى القلعة بعد ما خرج الناس للفرجة عليه، فكان لطلوعه يوما مشهودا، وزيّنت القاهرة أياما لقدومه، ثمّ بعد قدوم السّلطان باثنى عشر يوما قدم الأمير بكتمر جلّق المعزول عن نيابة دمشق، فركب السّلطان وتلقّاه وألبسه تشريفا، وخلع على الأمير الكبير دمرداش بنظر البيمارستان المنصورىّ «2» ، ودخل السّلطان من باب النصر وشقّ القاهرة، ونزل بمدرسته التى أنشأها جمال الدين الأستادار له برحبة باب العيد المعروفة بالجمالية، وقد أثبت القضاة أنها له وسمّيت بالنّاصرية، ثمّ ركب السّلطان من المدرسة المذكورة، ونزل بمدرسة والده المعروفة بالبرقوقيّة «3» ببين القصرين، ثمّ ركب منها وأمر الأتابك دمرداش بعبور البيمارستان المنصورىّ، وتوجّه السّلطان إلى جهة القلعة.

ثمّ فى ثانى عشر صفر من سنة أربع عشرة وثمانمائة عيّن السّلطان اثنين وعشرين أميرا من الأمراء البطّالين ليتوجّهوا إلى الشّام على إقطاعات عيّنها السّلطان لهم، منهم: الأمير حزمان الحسنى، وتمان تمر النّاصرىّ، وسونجبغا، وشادى خجا، وألطنبغا، وقانى باى الأشقر، ومعهم مائتا مملوك؛ ليكونوا أعوانا للوالد بدمشق، وفى خدمته، وكان الوالد شفع فى هؤلاء المذكورين حتى أطلقهم السلطان- على عادتهم- من السجن، ثم أمر السّلطان بقتل جانبك القرمىّ، وأسندمر الحاجب، وسودون البجاسىّ، وقانى باى أخى بلاط، والجميع كانوا بسجن الإسكندرية. ثمّ فى حادى عشرين صفر خلع السلطان على تقىّ الدين عبد الوهّاب ابن الوزير فخر الدين ماجد بن أبى شاكر باستقراره فى وظيفة نظر الخاصّ- وكانت شاغرة منذ توفّى مجد الدين عبد الغنى بن الهيصم فى ليلة الأربعاء العشرين من شعبان من سنة ثلاث عشرة وثمانمائة- ثمّ أمسك السّلطان بثلاثة أمراء من أمراء الألوف، وهم: قانى باى المحمّدى، ويشبك الموساوى الأفقم، وكمشبغا الفيسىّ، وقبض على جماعة أخر من الطبلخانات والعشرات، وهم: الأمير منجك، والأمير قانى باى الصّغير العمرى ابن بنت أخت الملك الظاهر برقوق- وقانى باى هذا جد خوند بنت جرباش الكريمىّ وزوجة السلطان الملك الظاهر جقمق لأمّها- وكان أمير عشرة، وعلى الأمير شاهين، وخير بك، ومأمور، وخشكلدى، وحملوا الجميع إلى سجن الإسكندريّة فسجنوا بها. ثمّ رسم السّلطان للأمير تمراز الناصرىّ أن يكون طرخانا «1» لا يمشى

فى الخدمة، ويقيم بداره أو يتوجّه إلى دمياط، وتمراز هذا هو الذي كان فرّ من السّلطان وصحبته الأمراء من بيسان إلى الأمير شيخ. ثمّ خلع السّلطان على الأمير سنقر الرّومىّ باستقراره رأس نوبة النوب عوضا عن قانى باى المحمّدىّ المقبوض عليه قبل تاريخه. ثمّ أرسل الوالد إلى السّلطان يعلمه برفع الطّاعون من دمشق وغيرها، وأنّه أحصي من مات من أهل دمشق فقط فكانوا خمسين ألفا سوى من لم يعرف. وفى أوّل شهر ربيع الأوّل، قدم الأمير إينال المحمّدىّ السّاقىّ المعروف بضضع من سجن الإسكندريّة- بطلب من السّلطان- ورسم له أن يكون بطّالا بالقاهرة. ثمّ أخرج السّلطان إقطاع الأمير جرباش كبّاشة، ورسم له بأن يتوجّه إلى دمياط بطّالا. ثمّ بعده توجّه تمراز الناصرىّ المقدّم ذكره إلى دمياط أيضا بطّالا. ثمّ قبض السّلطان على جماعة من كبار المماليك الظاهريّة- برقوق- وحبسهم بالبرج من القلعة. ثمّ قدم الخبر على السّلطان بأنّ شيخا ونوروزا لم يمضيا حكم المناشير السّلطانيّة، وأنّهما أخرجا إقطاعات حلب وطرابلس لجماعتهما، وأنّ الأمير شيخا سيّر يشبك العثمانىّ لمحاصرة قلعة ألبيرة وقلعة الرّوم، وأنّ عزمهما العود لما كانا عليه من الخروج عن الطّاعة. فعلم السّلطان عند ذلك أنّ الذي يحرّك هؤلاء على الخروج عن الطّاعة والعصيان إنّما هم المماليك الظّاهريّة الذين هم فى خدمة السّلطان، ووافقه على ذلك أكابر أمرائه، وحسّنوا له القبض عليهم، وكان الوالد ينهاه عن مسكهم، ويحذّره من الوقوع فى ذلك، فلمّا استقرّ الوالد فى نيابة دمشق خلا له الجوّ، وفعل ما حدّثته نفسه ممّا كان فيه ذهاب روحه، فقبض الملك النّاصر على

جماعة كبيرة منهم، وحبسهم بالبرج من القلعة، ثمّ قتلهم بعد شهر، وكانوا جمعا كبيرا. ثمّ أمسك السّلطان الأمير خير بك نائب غزّة، وهو يومئذ من أمراء الألوف بالدّيار المصريّة. ثمّ ورد الخبر على السّلطان بحصار عسكر نوروز لحصن الأكراد «1» ، فاختبط السّلطان وكتب إلى شيخ ونوروز بالتّهديد والوعيد. ثمّ فى أوّل شهر ربيع الآخر خلع السّلطان على الأمير أسنبغا الزّردكاش- أحد أمراء الألوف وزوج أخته خوند بيرم بنت الملك الظّاهر برقوق- باستقراره شاد الشّراب خاناة عوضا عن الأمير سودون الأشقر. ثمّ فى ثالث عشره خلع السّلطان على فخر الدين عبد الغنىّ بن أبى الفرج كاشف الوجه البحرىّ باستقراره أستادارا عوضا عن تاج الدين عبد الرزّاق بن الهيصم؛ بحكم القبض عليه، وتسليمه وحواشيه إلى فخر الدين المذكور. ثمّ فى أوّل جمادى الأولى رسم السّلطان بهدم مدرسة الملك الأشرف شعبان ابن حسين، التى كانت بالصّوّة تجاه الطبلخاناة السّلطانيّة، ومكانها اليوم بيمارستان «2» الملك المؤيّد شيخ، فوقع الهدم فيها، وكانت من محاسن الدّنيا، ضاهى بها الملك الأشرف مدرسة عمّه السّلطان الملك الناصر حسن التى بالرّميلة تجاه قلعة الجبل. ثمّ رسم السّلطان بهدم البيوت التى هى ملاصقة للميدان من مصلّاة المؤمنىّ «3» إلى باب القرافة، فهدمت بأجمعها وصارت خرابا.

ثمّ أمر السّلطان بالقبض على أقارب جمال الدين يوسف الأستادار وعقوبتهم، فأمسكوا وعوقبوا عقوبات كثيرة. ثمّ خنق أحمد أبنه، وأحمد ابن أخته، وحمزة أخاه فى ليلة الأحد سادس عشر جمادى الأولى. ثمّ كتب السّلطان ثانيا إلى الأمير شيخ يخوّفه ويحذّره، ويأمره أن يجهّز إليه الأمير يشبك العثمانىّ، وبردبك، وقانى باى الخازندار، ويرسل سودون الجلب إلى دمشق؛ ليكون من جملة أمرائها. ثمّ بعد إرسال الكتاب تواترت الأخبار باتّفاق شيخ ونوروز على الخروج عن الطّاعة، وعزما على أخذ حماة، فوقع الشّروع والاهتمام لسفر السّلطان إلى البلاد الشّامية، وكتب إليها بتجهيز الإقامات. ثمّ تكلّم الأستادار فخر الدين بن أبى الفرج مع السّلطان وحسّن له القبض على الوزير ابن البشيرىّ «1» ، وعلى ناظر الخاصّ ابن أبى شاكر «2» ، فلمّا بلغهما ذلك بادرا واتّفقا مع السّلطان على مال يقومان به للسّلطان إن قبض على فخر الدين ابن أبى الفرج المذكور، فمال السّلطان إلى كلامهما وأمسك فخر الدين المذكور فى سلخ جمادى الآخرة، وسلّمه للوزير ابن البشيرىّ، فلم يدع ابن البشيرىّ نوعا من العقوبات حتى عاقب ابن أبى الفرج المذكور بها، فلم يعترف بشىء غير أنّه وجد له ستّة آلاف دينار، وجرار كثيرة قد ملئت خمرا، واستمرّ ابن أبى الفرج فى العقوبة أيّاما كثيرة. ثمّ فى شهر رجب نزل السّلطان من القلعة إلى الصيّد، فبات ليلة وعزم على مبيت ليلة أخرى بسرياقوس، فبلغه أنّ طائفة من الأمراء والمماليك اتّفقوا

على قتله، فعاد إلى القاهرة مسرعا، وأخذ يتتبّع ما قيل حتّى ظفر بمملوكين عندهما الخبر؛ فعاقبهما فى ثامن عشر شهر رجب المذكور، فأظهرا ورقة فيها خطوط جماعة كبيرة، كبيرهم الأمير جانم من حسن شاه نائب طرابلس- كان- وهو يوم ذاك أمير مجلس. وكان جانم المذكور قد سافر قبل تاريخه إلى منية ابن سلسيل «1» ، وهى من جملة إقطاعه، فندب السّلطان الأمير بكتمر جلّق، والأمير طوغان الحسنىّ الدّوادار؛ لإحضار جانم المذكور، وخرجا فى يوم السّبت عشرين شهر رجب، على أنّ بكتمر جلّق يسير فى البرّ ويمسك عليه الطّريق، وطوغان يتوجّه إليه فى البحر، ويمسكه ويحضره إلى السّلطان، فساروا. ومسك السّلطان بعد خروجهما جماعة كبيرة من الأمراء والمماليك الظّاهريّة، منهم: الأمير عاقل، والأمير سودون الأبويزيديّ. وأمّا طوغان الدّوادار فإنّه سار فى البحر حتى وافى الأمير جانم، واقتتلا فى البرّ، ثمّ فى المراكب حتى تعيّن «2» طوغان على جانم، فألقى جانم نفسه فى الماء لينجو فرماه أصحاب طوغان بالنّشّاب حتى هلك، وأخذ وقطع رأسه فى ثانى عشرينه، وقدم طوغان على السّلطان فى رابع عشرينه. وكان السّلطان قد مسك فى يوم ثانى عشرينه فى القاهرة الأمير إينال الصّصلانىّ الحاجب، والأمير أرغز، والأمير سودون الظّريف، وجماعة من المماليك الظّاهريّة. ثمّ قبض السّلطان فى يوم ثالث عشرينه أيضا على الأمير سودون الأسندمريّ أحد أمراء الألوف وأمير آخور ثانى، وعلى الأمير جرباش العمرىّ رأس نوبة، وأحد أمراء الألوف أيضا.

ثمّ فى خامس عشرينه قبض السّلطان على جماعة من أكابر المماليك الظاهريّة، ووسّط منهم خمسة؛ فنفرت القلوب منه، ووجد شيخ ونوروز للوثوب عليه سبيلا لكمين كان فى نفسهما منه. ثمّ خلع السّلطان على منكلى أستادار الخليلىّ باستقراره أستادارا عوضا عن فخر الدين بن أبى الفرج. ثمّ كتب السّلطان للوالد بالقبض على الأمير يشبك بن أزدمر أتابك دمشق، وعلى إينال الخازندار، وعلى بردبك الخازندار، وعلى بردبك أخى طولو، وعلى سودون من إخوة الأتابك يشبك، وعلى تنبك من إخوة يشبك أيضا، والفحص عن نكباى الحاجب؛ فإن وجده من جملة المنافقين فليقبض عليه، ويعتقلهم، وسار البريد للوالد بذلك، وبعد خروج البريد بذلك، ذبح السلطان فى ليلة الأربعاء- مستهل شعبان- عشرين مملوكا ممّن قبض عليهم. ثمّ وسّط من الأمراء فى يوم الأربعاء ثامنه عشرة أخر تحت القلعة، منهم: الأمير حزمان نائب القدس، والأمير عاقل، وأرغز أحد أمراء الألوف بدمشق، والأمير سودون الظّريف، والأمير مغلباى، والأمير محمّد بن قجماس. وفى ليلة الأربعاء المذكورة قتل السّلطان أيضا بالقلعة من المماليك الظّاهريّة زيادة على مائة مملوك من الجراكسة من مماليك أبيه. ثمّ ركب سحر يوم الخميس إلى الصّيد بناحية بهتيت «1» - من ضواحى القاهرة- وأمر والى القاهرة أن يقتل عشرة من المماليك الظّاهريّة لتخلّفهم عن الرّكوب معه، فقتلوا. وعاد السّلطان من الصّيد بثياب جلوسه، وشقّ القاهرة وهو سكران لا يكاد

يثبت على فرسه من شدّة سكره، ومرّ فى أقلّ من مائة فارس، وسار على ذلك حتى طلع القلعة نصف النّهار. وفى شعبان هذا، ابتدأ بالوالد مرض موته، ولزم الفراش بدار السّعادة، وقد لهجت الناس أنّ الملك النّاصر قد اغتاله بالسّمّ؛ فإن كان ما قيل حقيقة فقد التقيا بين يدى حاكم لا يحتاج إلى بيّنة، وسبب ذلك- على ما قيل- عدم مسك الوالد للأمير شيخ ونوروز لمّا دخلا عليه بدار السّعادة بدمشق، وأيضا أنّه لمّا أمره بمسك من تقدّم ذكرهم فأمسك منهم جماعة، وأعلم يشبك بن أزدمر بالخبر ففرّ إلى جهة شيخ ونوروز، وأشياء غير ذلك. ولكن حدّثنى كريمتى خوند فاطمة زوجة الملك الناصر المذكور بخلاف ذلك، وهو أنّه لمّا قدم عليه الخبر بمرضه صار يتأسّف ويقول: إن مات أبوك تخربت مملكتى، وبقى كلّما ورد عليه الخبر بعافيته يظهر السّرور، وكلّما بلغه أنّه انتكس يظهر الكآبة، وأنّه ما أخذها صحبته فى التجريدة إلى الشّام إلّا حتى تعوده فى مرضه، وأشياء من ذلك. ثمّ إنّ السّلطان نادى فى أوّل شهر رمضان من سنة أربع عشرة وثمانمائة بالقلعة بالأمان، وأنّهم عتقاء شهر رمضان. ثمّ تتبّعهم «1» بعد الأمان وأمسك منهم جماعة كبيرة؛ حتى إنّه لم يخرج شهر رمضان حتى أمسك منهم أزيد من أربعمائة نفر وسجنهم بالبرج من القلعة. وفى رابع شهر رمضان المذكور أفاق الوالد من مرضه، وزيّنت دمشق ودقّت البشائر بسائر البلاد الشّاميّة حتى حلب وطرابلس، وأرسل الأمير شيخ ونوروز إليه بالتّهنئة، فعظم ذلك أيضا على الملك الناصر. وفى هذا الشهر تأكّد عند السّلطان خروج شيخ ونوروز عن طاعته، وبلغه أنّ نوروزا قتل آق سنقر الحاجب، فتحقّق السّلطان عصيان المذكورين.

ثمّ ذبح السّلطان فى ليلة ثالث شوّال أزيد من مائة نفس من المماليك السّلطانية الظّاهريّة المحبوسين بالبرج، ثمّ ألقوا من سور القلعة إلى الأرض، ورموا فى جبّ ممّا يلى القرافة، واستمرّ الذبح فيهم. ثمّ فى يوم الاثنين عاشر شوّال عدّى السلطان النيل إلى ناحية وسيم «1» للرّبيع «2» وبات به، ورحل فى السّحر بعساكره يريد مدينة إسكندريّة، بعد ما نودى فى القاهرة بألّا يتأخّر أحد من المماليك السلطانيّة بالقاهرة، وأن يعدّوا إلى برّ الجيزة فعدّوا بأجمعهم، فمنهم من أمره السلطان بالسّفر، ومنهم من أمره بالإقامة. ثمّ بعث السلطان الأمير طوغان الحسنىّ الدّوادار، والأمير جانبك الصّوفىّ، وسودون الأشقر، ويلبغا النّاصرىّ، وجماعة من المماليك إلى عدّة جهات من أراضى مصر؛ لأخذ الأغنام والخيول والجمال حيث وجدت لكائن من كان، فسار الأمراء وشنّوا الغارات فما عفّوا ولا كفّوا. ثمّ سار السلطان ببقيّة أمرائه وعساكره إلى الإسكندريّة، فدخلها فى يوم الثلاثاء ثامن عشر شوّال من سنة أربع عشرة المذكورة، فقدم بها على السلطان مشايخ البحيرة بتقادمهم، فخلع عليهم ثمّ أمسكهم وساقهم فى الحديد، واحتاط على أموالهم، ففرّ باقيهم إلى جهة برقاء، ثم قدم الأمراء وقد ساقوا ألوفا من الأغنام التى انتهبوها من النواحى، وقد مات أكثرها، فسيقت إلى القاهرة مع الأموال والجاموس والخيول. ثمّ رسم السلطان أن يؤخذ من تجار المغاربة العشر، وكان يؤخذ منهم قبل ذلك الثّلث، فشكر النّاس له ذلك. ثمّ خرج من الإسكندرية عائدا إلى القاهرة، وسار حتى نزل على وسيم فى يوم السبت تاسع عشرينه.

وقد مات بسجن الإسكندريّة الأمير خيربك نائب غزّة، فانّهم السلطان أنّه اغتاله بالسّم، والصحيح أنّه مات حتف أنفه. ثمّ قدم كتاب الأمير نوروز الحافظىّ على السلطان على يد فقيه يقال له سعد الدّين، ومملوك آخر، ومعهما محضر شهد فيه ثلاثة وثلاثون رجلا من أهل طرابلس- ما بين قاض وفقيه وتاجر- بأنه لم يظهر منه بطرابلس منذ قدم إليها إلا الإحسان للرعيّة، والتمسك بطاعة السلطان، وامتثال مراسيمه، وأنّ أهل طرابلس كانوا قد خرجوا منها فى أيّام جانم لما نزل بهم من الضرر والظلم، فعادوا إليها أيّام نوروز المذكور، وأنّه كلّما ورد عليه مثال سلطانىّ يتكرّر منه تقبيل الأرض، وأنّه حلف- بحضرة من وضع خطّه- بالأيمان المغلّظة الجامعة لمعانى الحلف أنه مقيم على طاعة السّلطان، متمسّك بالعهد واليمين، فلم يغترّ السلطان بالمحضر ولا التفت إليه؛ لما ثبت عنده من عصيانهما «1» . قلت: ولهذه الأيمان الحانثة ذهب الجميع على السيف فى أسرع مدّة، حتى إننى لا أعلم أن أحدا من هؤلاء «2» الأمراء مات على فراشه، بل غالبهم تفانوا قتلا على أنواع مختلفة لتجرّئهم على الله تعالى، وكان يمكنهم الخروج على الملك النّاصر المذكور لسوء سيرته فيهم ثمّ يعودون إلى طاعته من غير أن يتعرّضوا للأيمان والعهود، والتلاعب بذلك فى كلّ قليل، وصار ذلك دأبا لهم إلى أن سلط الله بعضهم على بعض، فذهبوا كأنهم لم يكونوا- مع قوّتهم، وشدّة بأسهم، وفرط شجاعتهم- وملك بعدهم من لم يكن فى رتبتهم ولا يدانيهم فى معنى من المعانى، ودانت له البلاد، وأطاعته العباد، وصفا له الوقت من غير معاند ولا مدافع.

«وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ» «1» . ثمّ إنّ السّلطان الملك الناصر بعد حضور هذا المحضر أخذ فى الاهتمام للسّفر. ثمّ نزل من القلعة وعدّى النيل فى يوم الاثنين ثانى ذى القعدة، وتوجّه إلى الربيع، وعاد من يومه إلى القلعة وهو فى أناس قليلة، ثمّ بعد عوده رسم بقتل الأمير جرباش العمرىّ، والأمير خشكلدى بثغر الإسكندريّة، فقتلا بها ودفنا بالثّغر المذكور. ثمّ فى رابع عشر من ذى القعدة، أنفق السّلطان على المماليك السّلطانية نفقة السفر؛ فأعطى لكلّ نفر سبعين دينارا ناصريّا، وبعث للأمير الكبير دمرداش المحمّدىّ ثلاثة آلاف دينار، ولكلّ من أمراء الألوف بألفى دينار، ولامراء الطّبلخانات ما بين سبعمائة دينار إلى خمسمائة دينار. ثم فى ليلة الخميس رابع عشرين ذى القعدة، طلب السّلطان الأمير شهاب الدين أحمد بن محمد بن الطّبلاوىّ؛ فلما حضر إلى عنده ضرب عنقه بيده، بعد أن قتل مطلّقته بنت صرق بيده تهبيرا بالسّيف عند كريمتى بقاعة العواميد «2» ، فإنها كانت يوم ذاك صاحبة القاعة. وخبر ذلك: أن السّلطان الملك الناصر كان قد طلّق خوند بنت صرق المذكورة، ونزلت إلى دارها، وكان له إليها ميل، فوشى بها أنّ

ابن الطّبلاوىّ المذكور وقع بينه وبينها اجتماع، وظهر له قرائن تدلّ على ذلك، منها أنّه وجد لها خاتم عنده. فأرسل السّلطان خلفها، فلبست أفخر ثيابها ظنّا منها أنّ السّلطان يريد يعيدها لعصمته. قالت أختى خوند فاطمة: وكان السّلطان جالسا عندى بالقاعة، فلمّا قيل له جاءت خوند بنت صرق نهض من وقته وخرج إلى الدّهليز، وجلس به على مسطبة. قالت: فخرجت خلفه ولا علم لى بقصده، فجاءت بنت صرق وقبّلت يده، فقال لها: يا قحبة، مراكيب الملوك تركبها البلّاصية؟! وقبل أن تتكلم ضربها بالنّمجاة «1» قطع أصابعها- وكانت مقمعة بالحناء- فصاحت وهربت، فقام خلفها وضربها ضربة ثانية قطع من كتفها قطعة، وصارت تجرى وهو خلفها- وقد اجتمع جميع الخوندات عندى بالقاعة للسّلام على بنت صرق المذكورة- ولا زال يضربها بالنّمجاة وهى تجرى إلى أن دخلت المستراح، فتمّم قتلها فى صحن المستراح، ثمّ قطع رأسها وأخذها بدبّوقتها «2» - وفى آذانها الحلق البلخش «3» الهائلة- وخرج إلى قاعة الدّهيشة «4» ، ووضعها بين يديه وغطّاها بفوطة، ثمّ طلب ابن الطبلاوىّ المقدّم ذكره وأجلسه وكشف له عن الفوطة، وقال له: تعرف هذه الرأس؟ فأطرق.

فضربه بالنّمجاة طيّر رقبته. ولفهما معا فى لحاف وأمر بدفنهما فى قبر واحد. قالت أختى [خوند فاطمة] «1» : وصار دم بنت صرق فى حيطان القاعة ودهليزها. وقالت: فوالله لمّا دخل الفداويّة «2» بقلعة دمشق على الملك الناصر ليقتلوه- وكان استصحبنى معه لأعود الوالد فى مرضه- فصارت الفداويّة تضربه بالسكاكين، وهو يفرّ من بين أيديهم كما كانت تفرّ بنت صرق أمامه وهو يضربها بالنّمجاة. وبقى دمه بحيطان البرج شبه دم بنت صرق بحيطان القاعة. قلت: فانظروا إلى هذا الجزاء الذي من جنس العمل- انتهى. ثمّ أصبح السلطان أمر بخروج الجاليش من الأمراء إلى البلاد الشّامية، فخرجوا بتجمّل عظيم- وعليهم آلة الحرب هم ومماليكهم- وعرضوا على السّلطان وهم مارّون من تحت القلعة والسّلطان ينظر إليهم من أعلى القصر السلطانىّ. وساروا حتى نزلوا بالرّيدانيّة خارج القاهرة فى يوم الخميس رابع عشرين ذى القعدة من سنة أربع عشرة وثمانمائة. وهم: الأمير بكتمر جلّق رأس نوبة الأمراء وصهر السلطان زوج ابنته، وشاهين الأفرم أمير سلاح، وطوغان الحسنىّ الدّوادار الكبير، وشاهين الزّردكاش، بمضافيهم. وكان السّلطان قبل خروج الأمراء المذكورين- من عظم غضبه وحنقه على الأمير نوروز الحافظىّ- جمع القضاة، وطلّق أخته خوند سارة بنت الملك الظاهر

برقوق من زوجها الأمير نوروز، وزوّجها للأمير مقبل الرّومىّ- على كره منها، بعد أن هدّدها بالقتل- بعقد ملفق من قضاة الجاه والشوكة. فعظم ذلك على الأمير نوروز إلى الغاية، ولم يحسن ذلك ببال أحد- انتهى. ودام الأمراء بالرّيدانيّة إلى يوم السّبت خامس ذى الحجّة فرحلوا منها يريدون الشّام. ثمّ ركب السلطان فى يوم الثلاثاء ثامن ذى الحجّة ونزل من قلعة الجبل ببقيّة أمرائه وعساكره- والجميع عليهم آلة السّلاح- بزىّ لم ير أحسن منه، بطلب هائل جرّفيه ثلاثمائة جنيب من خواصّ الخيل بالسّروج الذّهب التى بعضها مرصّع بالفصوص المجوهرة المثمّنة «1» ، ومياثرها «2» المخمل المطرّز بالزركش، وعلى أكفالها العبى «3» الحرير المثمنة، وفيها العبى المزركشة بالذهب، وفيها بالكنابيش «4» الزّركش، والكنابيش المثلّثة بالزّركش والرّيش واللؤلؤ، وكلّها باللّجم المسقّطة «5» بالذّهب والفضّة، والبذلات المينة «6» ، والبذلات الذّهب الثّقيلة، ومن وراء الجنائب المذكورة ثلاثة آلاف

فرس ساقها جشارا «1» ثمّ عدد كبير من العجل التى تجرّها الأبقار وعليها آلات الحصار؛ من مكاحل النّفط الكبار ومدافع النّفط المهولة، والمناجيق «2» العظيمة ونحو ذلك، ثمّ خرجت خرانة السّلاح- أعنى الزّردخاناة- على أكثر من ألف جمل تحمل القرقلات «3» ، والخوذ، والزّرديّات، والجواشن «4» ، والنّشّاب، والرّماح، والسّيوف وغير ذلك. ثمّ خرجت خزانة المال فى الصّناديق المغطّاة بالحرير الملوّن، وفيها زيادة على أربعمائة ألف دينار، وجميع الطّبّال والزّمّار- مماليكه مشتراواته- بالكلفتات، وعليهم ططريّات «5» صفر، وغالبهم قد ناهز الحلم، بأشكال بديعة من الحسن، وقد تعلموا صناعة ضرب الطبل والزّمر وأتقنوه إلى الغاية، وهذا شىء لم يفعله ملك قبله. ثمّ خرج حريم السّلطان فى سبع محفّات «6» قد غشّيت بالحرير المخمّل الملوّن، ما خلا محفّة الأخت فإنها غشّيت بالزّركش؛ كونها كانت خوند الكبرى صاحبة القاعة، ومن ورائهم نحو الثلاثين حملا من المحاير» المغشّاة بالحرير والجوخ. ثمّ خرج المطبخ السّلطانىّ، وقد ساق الرّعيان برسمه ثمانية وعشرين

ألف رأس من الغنم الضّأن، وكثيرا من البقر والجاموس لحلب ألبانها، فبلغت عدّة الجمال التى صحبة السّلطان إلى ثلاثة وعشرين ألف جمل، وهذا شىء كثير إلى الغاية. ثمّ سار السلطان من القاهرة حتى نزل بمخيّمه من الرّيدانيّة تجاه مسجد التّبن «1» وهذه تجريدة السلطان الملك النّاصر السّابعة إلى البلاد الشّاميّة، وهى التى قتل فيها حسبما يأتى ذكره، وهذه التّجاريد خلاف تجريدة السّعيديّة التى انكسر فيها الملك النّاصر من الأمراء وعاد إلى الدّيار المصرية، ولم يصل إلى قطيا، على أنّه تكلّف فيها إلى جمل مستكثرة، وذهب له من الأثقال والقماش والسّلاح أضعاف ما تكلّفه فى النّفقة وغيرها. وكانت تجريدته الأولى إلى قتال الأمير تنم الحسنىّ الظّاهرىّ نائب الشّام فى سنة اثنتين وثمانمائة. وتجريدته الثانية لقتال تيمورلنك فى سنة ثلاث وثمانمائة. والثالثة لقتال جكم من عوض فى سنة تسع وثمانمائة بعد واقعة السّعيدية. والرابعة فى سنة عشر وثمانمائة، التى مسك فيها الأمير شيخا المحمودىّ نائب الشّام والأتابك يشبك الشّعبانىّ، وحبسهما بقلعة دمشق، وأطلقهما منطوق نائب قلعة دمشق. والخامسة فى محرّم سنة اثنتى عشرة وثمانمائة، وهى التى حصر فيها شيخا ونوروزا بصرخد. والسادسة سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، وهى التى حصر فيها أيضا شيخا ونوروزا بقلعة الكرك. والتجريدة السابعة هذه. فجملة تجاريده ثمانى سفرات بواقعة السعيدية- انتهى.

ثمّ خرج الخليفة المستعين بالله أبو الفضل العبّاس، والقضاة الأربعة، وهم: قاضى القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقينىّ الشّافعىّ، وقاضى القضاة ناصر الدين محمّد بن العديم الحنفىّ، وقاضى القضاة المالكىّ «1» ، وقاضى القضاة الحنبلىّ «2» ، ونزل الجميع بالرّيدانيّة، وتردّد السّلطان فى مدّة إقامته بالرّيدانيّة إلى التّربة التى أنشأها على قبر أبيه بالصّحراء خارج باب النّصر، وبات بها ليالى، ونحر بها ضحاياه، وجعل الأمير يلبغا الناصرىّ نائب الغيبة بالقاهرة، وجعل فى باب السّلسلة الأمير ألطنبغا العثمانىّ، وبقلعة الجبل الأمير أسنبغا الزّردكاش شادّ الشّراب خاناة، وزوج أخته خوند بيرم، وولّى نيابة القلعة للأمير شاهين الرّومىّ عوضا عن كمشبغا الجمالىّ، وبعث كمشبغا الجمالىّ صحبة حريمه، وقدّمهم بين يديه بمرحلة. ثمّ رحل السّلطان من تربة أبيه قبيل الغروب من يوم الجمعة ثانى عشر ذى الحجّة من سنة أربع عشرة وثمانمائة، لطالع اختاره له الشيخ برهان الدين إبراهيم بن زقاعة، وقد حزر ابن زقاعة وقت ركوبه، وعوّق السّلطان عن الركوب- والعساكر واقفة- حتى دخل الوقت الذي اختاره له، فأمره فيه بالرّكوب، فركب السّلطان وسار يريد البلاد الشّاميّة، ونزل بمخيّمه من الرّيدانيّة، وفى ظنّه أنّه منصور على أعدائه؛ لعظم عساكره، ولطالع اختاره له ابن زقاعة، فكانت عليه أيشم «3» السّفرات، فلعمرى هل رجع الشيخ برهان الدين بن زقاعة المذكور بعد ذلك عن معرفة هذا العلم أم استمرّ على دعواه؟!. وأنا أتعجّب من وقاحة أرباب هذا الشّأن حيث يقع لهم مثل هذا الغلط الفاحش وأمثاله، ثم يعودون إلى الكلام فيه والعمل به- انتهى.

ثمّ استقلّ السّلطان بالمسير فى سحر يوم السبت ثالث عشر ذى الحجّة. وفى هذا الشّهر انتكس الوالد ثالث مرّة، ولزم الفراش إلى أن مات «1» حسبما يأتى ذكره. وأمّا السّلطان الملك الناصر فإنّه قبل المسير حذّر عسكره من الرّحيل قبل النّفير، فبلغه وهو بالرّيدانيّة أنّ طائفة رجلت، فركب بنفسه وقبض على واحد ووسّطه، ونصب مشنقة، فما وصل إلى غزّة حتى قتل عدّة من الغلمان؛ من أجل الرّحيل قبل النّفير، فتشاءم الناس بهذه السّفرة. ثمّ سار حتى نزل مدينة غزّة، فوسّط بها تسعة عشر نفرا من المماليك الظاهريّة وهو لا يعقل من شدّة السّكر، وعقيب ذلك بلغه أنّ الأمراء الذين بالجاليش توجّهوا بأجمعهم إلى شيخ ونوروز، وكان من خبرهم أنّهم لمّا وصلوا إلى دمشق دخلوا إلى الوالد وقد ثقل فى الضّعف وسلّموا عليه، وأخبره بكتمر جلّق وطوغان أنهما بمن معهما يريدون التّوجّه إلى شيخ ونوروز، فرجّعهم الوالد عن ذلك، فذكروا له أعذارا فسكت عنهم، فقاموا عنه وخرجوا بأجمعهم وتوجّهوا إلى شيخ ونوروز- ما خلا شاهين الزّردكاش- فإنّه لم يوافقهم على الذّهاب، فمسكوه وذهبوا به إلى شيخ ونوروز. ولمّا بلغ الملك الناصر ذلك، ركب وسار من غزّة مجدّا فى طلبهم، وقد نفرت منه القلوب، حتى نزل بالكسوة فى يوم الثلاثاء سلخ ذى الحجّة، فألبس من معه من العساكر السّلاح ورتبهم بنفسه. ثمّ سار بهم قاصدا دمشق حتى دخلها من يومه وقت الزّوال، وقد خرج أعيان دمشق وعوامّها لتلقّيه وللفرجة عليه، وزيّنت لقدومه دمشق، ونزل بالقلعة

ما وقع من الحوادث سنة 815

بعد أن نزل عند الوالد بدار السّعادة وسلّم عليه، وأمر زوجته خوند [فاطمة «1» ] بالإقامة عند الوالد. [ما وقع من الحوادث سنة 815] ثمّ أصبح يوم الأربعاء أوّل محرّم سنة خمس عشرة وثمانمائة خلع على القاضى شهاب الدين أحمد بن الكشك وأعاده إلى قضاء الحنفيّة بدمشق. ثمّ شفع الوالد فى القاضى ناصر الدين محمّد بن البارزىّ، فطلبه السّلطان بدار السّعادة وأطلقه من سجنه بقلعة دمشق. ثمّ أفرج السّلطان أيضا عن الأمير نكباى الحاجب، وكان الوالد قبض عليه وحبسه. ثمّ دخل السّلطان للوالد واستشاره فى الملأ من النّاس فيما يفعل مع هؤلاء الأمراء العصاة، فقال له الوالد: يا خوند تذبح فى سنتك خمسمائة نفس، وتتجرّد فى سنتك؟! فرسك الذي تحتك عاص عليك، فقال له الملك الناصر: الكلام فى الفائت فائت، أيش تشير علىّ الآن؟ فقال: عندى رأى أقوله، إن فعله السّلطان انصلح به حاله، قال: وما هو؟ قال: ترجع من هنا إلى مصر، فمن كان له إليك ميل عاد صحبتك، ومن كان قد داخله الرّعب منك فهو يفارقك من هنا ويتوجّه إلى القوم، فإذا دخلت إلى مصر ناد بالأمان، وكفّ عن قتل مماليك أبيك وغيرهم، وأغدق عليهم بالإحسان، وأكثر إليهم من الاعتذار فيما وقع منك فى حقّ غيرهم، واسلك معهم قرائن تدلّ على صفو النّيّة، فبهذا تطمئنّ قلوب رعيتّك، ويعودون لطاعتك، فإذا صار معك منهم ألف مملوك قهرت بهم جميع أعدائك؛ لما شاع من إقدامك وشجاعتك، ولعظم ما فى قلب أعدائك من الرّعب منك، وأيضا فإنّ هؤلاء الأمراء العصاة قد كثروا إلى الغاية، فالبلاد الشّاميّة لا تقوم بأمرهم، فإمّا أن يقع بينهم الخلف على البلاد فيفترقوا، وإمّا أن يتّفقوا ويجتمعوا على قتالك ويأتوك إلى مصر، فاخرج إليهم

والقهم برأس الرّمل، فإن انتصرت عليهم فافعل ما بدالك، وإن كانت الأخرى فاخرج إلى البلاد؛ فمن قرا يوسف صاحب العراق إلى والى قطيا فى طاعتك، فما عندى غير هذا. فاستحسن جميع عسكره هذا الرأى إلّا هو؛ فإنّه لم يعجبه، وسكت طويلا، ثمّ رفع رأسه وقال: يا أطا «1» ، أنا قتلت هذه الخلائق لتعظّم حرمتى، فإذا رجعت من هنا أيش يبقى لى حرمة، وأنا أعرف بحال هؤلاء من غيرى، والله ما صفتهم قدّامى إلّا كالصّيد المجروح، والله إذا بقى معى عشرة مماليك قاتلتهم بهم، ولا أطلب إلّا أن يثبتوا ويقفوا، ويقاتلونى حتى أنتصف منهم، فقال له الوالد: اعلم أنّهم الآن يقاتلونك. ثمّ طلبنا الملك النّاصر [أنا وإخوتى] «2» فأحضرونا بين يديه، وكنّا ستّة ذكور، فقبّلنا يده- وأنا أصغر الجميع- فسأل عن. سمائنا، فقيل له ذلك، ثمّ تكلّم الأتابك دمرداش المحمّدىّ عن لسان الوالد بالوصيّة علينا، فقال [السّلطان] «3» : هؤلاء أولادى وأصهارى وإخوتى، ما هذه الوصيّة فى حقّهم؟ كلّ ذلك والوالد ساكت قد أسنده مماليكه لا يتكلّم، فلمّا قام الملك النّاصر قال الوالد: أودعت أولادى إلى الله تعالى، واستعنت به فى أمرهم، فنفعنا ذلك غاية النّفع- ولله الحمد- مع ما أخذ لنا من الأموال التى لا تدخل تحت حصر عند هزيمة الملك النّاصر من الأمراء، ودخوله إلى دمشق. ثمّ خرج السّلطان الملك الناصر من دمشق بعساكره فى يوم الاثنين سادس المحرّم، ونزل برزة، ثمّ رحل منها يريد محاربة الأمراء، ونزل حسيا بالقرب من حمص، فبلغه رحيل القوم من قارا إلى جهة بعلبك، فترك أثقاله بحسيا وساق فى أثرهم إلى بعلبك، فوجدهم قد توجّهوا إلى البقاع «4» فقصدهم، فمضوا نحو الصّبيبة

فتبعهم حتى نزلوا باللّجّون، فساق خلفهم وهو سكران لا يعقل، فما وصل إلى اللّجّون حتى تقطّعت عساكره عنه من شدّة السّوق، ولم يبق معه غير من ثبت على سوقه، وهم أقلّ ممّن تأخّر. وكان قد وصل وقت العصر من يوم الاثنين ثالث عشر المحرّم من سنة خمس عشرة وثمانمائة، فوجد الأمراء قد نزلوا باللّجّون وأراحوا، وفى ظنّهم أنّه يتمهّل ليلته ويلقاهم من الغد، فإذا جنّهم الليل ساروا بأجمعهم من وادى عارة «1» إلى جهة الرّملة، وسلكوا البرّيّة عائدين إلى حلب، وليس فى عزمهم أن يقاتلوه أبدا، لا سيّما الأمير شيخ فإنّه لا يريد ملاقاته بوجه من الوجوه، فحال وصول الملك النّاصر إلى اللّجّون أشار عليه الأتابك دمرداش المحمدىّ أن يريح خيله وعساكره تلك اللّيلة، ويقاتلهم من الغد، فأجابه السّلطان بأنّهم يفرّون اللّيلة، فقال له دمرداش المذكور: إلى أين «بقوا» يتوجّهوا يا مولانا السّلطان بعد وقوع العين فى العين؟ يا مولانا السّلطان مماليكك فى جهد وتعب من السّوق، والخيول كلّت، والعساكر منقطعة، فلم يلتفت إلى كلامه، وحرّك فرسه ودقّ بزخمته على طبله، وسار نحو القوم، وحمل عليهم بنفسه من فوره حال وصوله، فارتضمت «2» طائفة من مماليكه فى وحل كان هناك. ثمّ قبل اللّقاء خرج الأمير قجق أحد أمراء الألوف بطلبه من مماليكه وعسكره، وذهب إلى الأمراء، وتداول ذلك من المماليك الظّاهرية واحدا بعد واحد، والملك الناصر لا يلتفت إليهم، ويشجّع من بقى معه حتى التقاهم وصدمهم صدمة هائلة، قتل فيها من عسكره الأمير مقبل الرّومىّ أحد أمراء الألوف، الذي زوّجه الملك النّاصر بأخته- زوجة الأمير نوروز-

ثمّ قتل أحد خواصّه من الأمراء [وهو] الأمير ألطنبغا شقل، وتقهقر عسكره مع قلّتهم، فانهزم السّلطان عند ذلك، بعد أن قاتل بنفسه، وساق يريد دمشق- وكان الرّأى توجّهه إلى مصر- وتبعه سودون الجلب، وقرقماس ابن أخى دمرداش، ففاتهما الملك النّاصر ومضى إلى دمشق، وأحاط القوم بالخليفة المستعين بالله، وفتح الدّين فتح الله كاتب السّر، وناظر الجيش بدر الدين حسن بن نصر الله، وناظر الخاصّ ابن أبى شاكر، واستولوا على جميع أثقال الملك النّاصر وأمرائه. وامتدّت أيدى أصحاب الأمراء إلى النهب والأسر فى أصحاب الملك النّاصر، وما غربت الشمس حتى انتصر الأمراء وقوى أمرهم، وأذّن المغرب فتقدّم إمام الأمير شيخ، شهاب الدين أحمد الأذرعىّ، وصلى بهم المغرب، وقرأ فى الرّكعة الأولى بعد الفاتحة: «وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» «1» . فوقعت هذه الآية الموقع الحسن، كونهم كانوا فى خوف وجزع وصاروا إلى الأمن والتّحكم، وباتوا تلك اللّيلة بمخيّماتهم- وهى ليلة الثلاثاء- وأصبح الأمراء وليس فيهم من يرجع إليه، بل كلّ واحد منهم يقول: أنا رئيس القوم وكبيرهم، فنادى شيخ بأنّه الأمير الكبير، ورسم بما شاء، ونادى نوروز أيضا بأنه الأمير الكبير، ورسم بما أراد، ونادى سودون المحمّدىّ بأنه الأمير الكبير، وقد استولى على الإسطبل السّلطانىّ بما فيه لنفسه، ونادى بكتمر جلّق بأنه الأمير الكبير.

قال الشيخ تقىّ الدين المقريزىّ- رحمه الله: حدّثنى فتح الله كاتب السرّ قال: بعث إلىّ الأمير شيخ ونوروز، قالا لى: أكتب بما جرى إلى الدّيار المصريّة، وأعلم الأمراء به، فقال لهما: من السّلطان الذي أكتب عنه؟ ... فأطرق كلّ منهما ساعة ثم قالا: ابن أستاذنا ما هو هنا حتى نسلطنه- يريدان الأمير فرج ابن الملك النّاصر فرج. فلمّا رأى انقطاعهما قال: الرأى أن يتقدّم كلّ منكما إلى موقّعه بأن يكتب عنه إلى الأمراء بمصر كتابا بصورة الحال، ويأمرهم بحفظ القلعة والمدينة، ويعدهم بالخير، ثمّ يكتب الخليفة كذلك. فوقع هذا منهما الموقع الحسن، وكتب كلّ منهما كتابا، وندب قجقار القردمىّ لحمل الكتب، وجهّز إلى مصر، فمضى من يومه، ونودى بالرّحيل فى يوم الأربعاء خامس عشره، وليس عندهم خبر عن الملك النّاصر ولا أين ذهب- انتهى. قلت: وأما الملك النّاصر، فإنه لمّا انكسر سار نحو دمشق حتى دخلها ليلة الأربعاء فى ثلاثة نفر، ونزل بالقلعد وسأل عن الوالد فقيل له محتضر. ومات الوالد فى يوم الخميس سادس عشر المحرّم، ودفن من يومه بتربة الأمير تنم الحسنىّ نائب الشّام، خارج دمشق بميدان الحصى «1» . وأمّا الملك الناصر فإنه أصبح يوم الأربعاء استدعى القضاة والأعيان ووعدهم بكلّ خير، وحثّهم على نصرته والقيام معه، فانقادوا له، فأخذ فى تدبير أموره، وتلاحقت به عساكره شيئا بعد شىء.

ثمّ قدم عليه الأتابك دمرداش، فأصبح خلع عليه فى عصر يوم الخميس سادس عشر المحرّم بولايته نيابة دمشق- بعد موت الوالد- رحمه الله. وأخذ السلطان فى الاستعداد، وأخرج الأموال، ثمّ استولى على جميع ما للوالد من خيل وجمال وقماش وزردخاناة ومال؛ من كونه وصيّا، وأيضا وكيل زوجته، فكان من جملة ما أخذه نحو الألف فرس ما بين مراكيب وجشار «1» ، واستخدم جميع مماليك الوالد المشتروات ومماليك الخدمه، وكانوا أيضا نحو الألف مملوك، وخلع على طوغان دوادار الوالد باستقراره على تقدمة ألف بدمشق على عادته، وعلى أرغون شاه شادّ شراب خاناته باستقراره على إمرة طبلخاناة وكذلك رأس نوبة، فكلّموه فيما أخذ للوالد من الخيول والقماش، فوعدهم برد ما أخذ وأضعافه. ثمّ أحضر السّلطان الأموال وصبّها بين يديه، فأشار عليه دمرداش بالخروج إلى حلب فلم يوافقه، وأبى إلا الإقامة فى دمشق، فأشار عليه ثانيا بالعود إلى الدّيار المصرية فلم يرض، وأقام بدمشق، وكان رأى دمرداش فيه غاية الجودة، فإنّ جميع أمراء التركمان كانت مع الملك الناصر مثل قرايلك، وابن قرمان، وبنى دلغادر وغيرهم، فحبّب إليه الإقامة بدمشق لأمر سبق فى القدم، ولما أخرج السلطان الأموال أتاه الناس من كلّ فجّ من التّركمان والعربان والعشير «2» وغيرهم، فكتب أسماءهم وأنفق عليهم وقوّاهم بالسلاح، وأنزل كلّ طائفة منهم بموضع يحفظه، فكان عدّة من استخدمه من المشاة زيادة على ألف رجل، وحصّن القلعة بالمناجيق

والمدافع الكبار؛ وجعل بين كلّ شرفتين من شرفات «1» سور المدينة جنويّة «2» ؛ ومن ورائها الرّماة بالسّهام الخلنج «3» ، والأسهم الخطائية، ونصب على كلّ برج من أبراج السور شيطانيا «4» يرمى به الحجارة. وأتقن تحصين القلعة بحيث إنه لم يبق سبيل للتوصّل إليها بوجه من الوجوه. ثمّ خلع على نكباى الحاجب بنيابة حماة، ثمّ ركب قاضى القضاة جلال الدين البلقينى، ومعه بقيّة قضاة مصر ودمشق؛ وجماعة من أرباب الدّولة، ونودى بين أيديهم عن لسان السلطان أنه قد أبطل المكوس، وأزال المظالم فادعوا له؛ فعظم ميل الشّاميّين إليه وتعصبوا له، وصار غالبهم من حزبه، وغنّوا عن لسانه: أنا سلطان ابن سلطان وأنت يا شيخ أمير وأكثروا من الدّعاء له والوقيعة فى شيخ ونوروز، ووعدوه القتال معه حتى الممات. واستمرّ ذلك إلى بكرة يوم السّبت ثامن عشر المحرّم، فنزل الأمراء على قبة يلبغا خارج دمشق، فندب السّلطان عسكرا فتوجّهوا إلى القبيبات «5»

فبرز لهم سودون المحمّدى، وسودون الجلب، واقتتلوا حتّى تقهقر السّلطانيّة منهم مرّتين، ثمّ انصرف الفريقان. وفى يوم الأحد تاسع عشر المحرّم ارتحل الأمراء عن قبّة يلبغا، ونزلوا غربىّ دمشق من جهة الميدان، ووقفوا من جهة القلعة إلى خارج البلد، فتراموا بالنّشّاب نهارهم وبالنّفط، فاحترق ما عند باب الفراديس من الأسواق، فلمّا كان الغد من يوم الاثنين عشرين المحرّم اجتمع الأمراء للحصار، فوقفوا شرقىّ البلد وقبليّة، ثمّ كرّوا راجعين ونزلوا ناحية القنوات «1» إلى يوم الأربعاء ثانى عشرينه، ووقع القتال من شرقىّ البلد، ونزل الأمير نوروز بدار الطعم «2» ، وامتدّت أصحابه إلى العقيبة «3» ، ونزل طائفة بالصالحيّة والمزّة، ونزل شيخ بدار غرس الدين خليل أستادار الوالد تجاه جامع كريم الدّين الذي بطرف القبيبات ومعه الخليفة وكاتب السرّ فتح الله، ونزل بكتمر جلّق وقرقماس- سيّدى الكبير- فى جماعة من جهة بساتين معين الدّين «4» ومنعوا الميرة عن الملك النّاصر، وقطعوا نهر دمشق؛ فقد الماء من البلد، وتعطّلت الحمّامات وغلّقت الأسواق. واشتدّ الأمر على أهل دمشق، واقتتلوا قتالا شديدا، وتراموا بالسّهام والنّفوط، فاحترق عدّة حوانيت بدمشق. وكثرت الجراحات فى أصحاب

الأمراء من الشّاميّين، وأنكاهم السلطانية بالرّمى من أعلى السّور، وعظم الأمر، وكلّوا من القتال. تمّ إن الأمير شيخا أرسل إلى شهاب الدّين الحسبانىّ «1» ، والباعونى «2» ، وقاضى القضاة ناصر الدين بن العديم الحنفىّ قاضى قضاة الدّيار المصرية- وكان قد انقطع بالشّبلية «3» لمرض به- فأحضر شيخ الثلاثة وأنزلهم عنده، ثم لحق ناصر الدّين بن البارزىّ، وصدر الدّين الأدمىّ الحنفى قاضى قضاة دمشق بالأمير شيخ. ولمّا بلغ الملك الناصر توجّه ابن العديم إلى شيخ أرسل خلف محبّ الدّين ابن الشّحنة قاضى حلب وولّاه قضاء الحنفيّة بالدّيار المصرية عوضه. ثمّ فى يوم الجمعة رابع عشرينه أحضر الأمير شيخ الأمير بلاط الأعرج شادّ الشّراب خاناة- وكان ممّن قبض عليه بعد انهزام الملك النّاصر- ووسّطه، ثمّ أحضر أيضا الأمير بلاط أمير علم- وكان ممّن قبض عليه أيضا يوم الواقعة؛ من أجل أنّه كان يتولّى ذبح خشداشيّته من المماليك الظّاهريّة- فلما حمل للتّوسيط صاح: يا ظاهريّة الجيرة، أنا خشداشكم، قالوا له: الآن أنت خشداشنا، وأيّام الذبح كنت عدوّنا!! فلم يقم إليه أحد. وفى يوم السّبت خامس عشرين المحرّم، خلع الخليفة المستعين بالله الملك النّاصر فرج من السّلطنة، واتّفق الأمراء على إقامة الخليفة المستعين بالله المذكور فى

السّلطنة لتستقيم بسلطنته الأحوال، وتنفذ الكلمة، وتجتمع النّاس على سلطان، وثبت خلع الملك النّاصر على القضاة، وأجمعوا على إقامة الخليفة سلطانا، فامتنع الخليفة من ذلك غاية الامتناع، وخاف ألّا يتمّ له ذلك فيهلك، وصمّ على الامتناع، وخاف من الملك النّاصر خوفا شديدا، فلمّا عجز عنه الأمراء دبّروا عليه حيلة، وطلبوا الأمير ناصر الدّين محمّد بن مبارك شاه الطّازىّ- وهو أخو الخليفة المستعين بالله لأمه- وندبوه بأن يركب ومعه ورقة تتضمّن مثالب الملك النّاصر ومعايبه، وأن الخليفة قد خلعه من الملك وعزله من السّلطنة، ولا يحلّ لأحد معاونته ولا مساعدته. فلمّا بلغ الخليفة ذلك لام أخاه ناصر الدين بن مبارك شاه المذكور على ذلك، وأيس الخليفة عند ذلك من الصلاح الملك النّاصر له، فأذعن لهم حينئذ بأن يتسلطن، فبايعوه بأجمعهم، وحلفوا له بالأيمان المغلّظة والعهود على الوفاء له وعلى القيام بنصرته ولزوم طاعته. وتمّ أمره على ما يأتى ذكره فى أوائل ترجمته من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. وأمّا الملك النّاصر، فإنّه لمّا تسلطن الخليفة، وخلع هو من الملك، نفر النّاس عنه، وصاروا حزبين: حزبا يرى أنّ مخالفة الخليفة كفر، والنّاصر قد عزل من الملك، فمن قاتل معه فقد عصى الله ورسوله، وحزبا يرى أنّ القتال مع الملك الناصر واجب، وأنه باق على سلطنته، ومن قاتله إنما هو باغ عليه وخارج عن طاعته. ومن حينئذ أخذ أمر الملك النّاصر فى إدبار، إلى أن قتل فى ليلة السبت سادس عشر صفر من سنة خمس عشرة وثمانمائة بالبرج من قلعة دمشق بعد ما حوصر أياما، كما سيأتى ذكره مفصلا فى ترجمة المستعين بالله، إلى أن حبس بقلعة دمشق. وخبره: أنه لمّا حبس بقلعة دمشق- بعد أمور يأتى ذكرها فى سلطنة المستعين

وأقام محبوسا بالبرج إلى ليلة السبت سادس عشر صفر المذكور- دخل عليه ثلاثة نفر [هم] «1» الأمير ناصر الدين محمد بن مبارك شاه الطازىّ أخو الخليفة المستعين بالله لأمّه، وآخر من ثقات شيخ، وآخر من أصحاب نوروز، ومعهم رجلان من المشاعلية «2» ، فعند ما رآهم الملك النّاصر فرج قام إليهم فزعا، وعرف فيما جاءوا ودافع عن نفسه، وضرب أحد الرّجلين بالمدوّرة صرعه، ثمّ قام الرجل هو ورفيقه ومشوا عليه وبأيديهم السكاكين، ولا زالوا يضربونه بالسكاكين المذكورة وهو يعاركهم بيديه وليس عنده ما يدفع عن نفسه به حتى صرعاه بعد ما أثخنا جراحه فى خمس مواضع من بدنه، وتقدّم إليه بعض صبيان المشاعلية فخنقه وقام عنه، فتحرّك الملك الناصر، فعاد إليه وخنقه ثانيا حتى قوى عنده أنه مات، فتحرّك، فعاد إليه ثالثا وخنقه، وفرى أو داجه بخنجر كان معه، وسلبه ما عليه من الثياب، ثمّ سحب برجليه حتى ألقى على مزبلة مرتفعة من الأرض تحت السّماء، وهو عارى البدن، يستر عورته وبعض فخذيه سراويله، وعيناه مفتوحتان، والنّاس تمرّ به ما بين أمير وفقير ومملوك وحر. قد صرف الله قلوبهم عن دفنه ومواراته. وبقيت الغلمان والعبيد والأوباش تعبث بلحيته وبدنه. واستمرّ على المزبلة المذكورة طول نهار السبت المذكور، فلما كان الليل من ليلة الأحد حمله بعض أهل دمشق وغسّله وكفّنه. ودفنه بمقبرة باب الفراديس» احتسابا لله تعالى. بموضع يعرف بمرج الدحداح، ولم تكن جنازته مشهودة، ولا عرف من تولّى غسله ومواراته.

قلت: وما وقع للملك النّاصر من قتله وإلقائه على المزبلة ممّا يدلّ على قلة مروءة القوم، وعدم حفظهم ومراعاتهم لسوابق نعمه عليهم، ولحقوق تربية والده الملك الظاهر برقوق عليهم، ونفرض أنّه أساء لهم وأراد قتلهم، وكان مجازاته عن ذلك بالقتل، وهو غاية المجاراة، فكان الأليق بعد قتله إخفاء أمره ومواراته، كما فعل غيرهم بمن تقدّم من الملوك، فإنّه قد حصل مقصودهم بقتله وزيادة. حتىّ إنّ الذي- والعياذ بالله تعالى- يقع فى الكفر تضرب عنقه ثمّ يؤخذ ويدفن، وأيضا فمراعاة السّلطنة وناموس الملك مطلوب من كلّ واحد، والملوك لهم غيرة على الملوك ولو كان بينهم العداوة والخصومة، وقد رأيت فى تاريخ الإسلام فى ترجمة الخليفة محمد المهدىّ بن الرّشيد هارون العبّاسىّ أنه سأل بعض جلسائه عن أحوال الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان الأموىّ، فقال له بعض من حضر: وما السّؤال عنه يا أمير المؤمنين؟! كان رجلا فاسقا زنديقا. فلمّا سمع الخليفة المهدىّ كلامه نهره وقال له: صه، خلافة الله أجلّ أن يجعلها فى زنديق، وأقامه من مجلسه. وكان الوليد كما قال الرّجل، غير أنّ المهدىّ غار على منصب الخلافة فقال ذلك مع علمه بحال الوليد، فلعمرى أين فعل هؤلاء من قول المهدىّ؟! ... مع أنّ خلفاء بنى العبّاس كانوا أشدّ بغضا لخلفاء بنى أميّة من بغض هؤلاء للملك النّاصر، غير أنّ العقول تتفاوت وتتفاضل، والأفعال تدلّ على شيم الفاعل- انتهى. ومات الملك الناصر وله من العمر أربع وعشرون سنة وثمانية أشهر وأيام،

فكانت مدّة ملكه من يوم مات أبوه الملك الظاهر برقوق إلى أن خلع بأخيه الملك المنصور عبد العزيز- حسبما تقدم ذكره- ستّ سنين وخمسة أشهر وأحد عشر يوما، وخلع من السّلطنة بأخيه المذكور سبعين يوما، ومن يوم أعيد إلى السّلطنة بعد خلع أخيه المذكور فى يوم السّبت خامس جمادى الآخرة من سنة ثمان وثمانمائة إلى يوم خلعه المستعين بالله من السلطنة فى يوم السبت خامس عشرين المحرّم من سنة خمس عشرة وثمانمائة ستّ سنين وعشرة أشهر سواء. فجميع مدة سلطنته الأولى والثانية- سوى أيّام خلعه- ثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر وأحد عشر يوما. وكان الملك النّاصر من أشجع الملوك وأفرسها وأكرمها، وأكثرها احتمالا وأصبرها على العصاة من أمرائه. حدّثنى بعض أعيان المماليك الظاهريّة: أنه ما قتل أحدا من الظاهريّة ولا غيرهم حتى ركب عليه وآذاه غير مرّة وهو يعفو عنه، وتصديق ذلك أنّه لمّا قبض على الأمير شيخ، والأتابك يشبك الشّعبانىّ بدمشق فى سنة عشر [وثمانمائة] «1» وحبسهما بقلعة دمشق كان يمكنه قتلهما؛ فإنّ ذلك كان بعد ما حارباه فى واقعة السّعيدية وكسراه أقبح كسرة، وأمّا شيخ فإنه كان تكرّر عصيانه عليه قبل ذلك غير مرّة. وقد رأينا من جاء بعده من الملوك إذا ركب عليه أحد مرّة واحدة وظفر به لم يبقه، والكلام فى بيان ذلك من وجوه عديدة يطول الشّرح فيه وليس تحت ذلك فائدة. ولم أرد بما قلته التعصّب للملك الناصر المذكور؛ فإنه أخذ مالنا وجميع موجود الوالد وتركنا فقراء- يعلم ذلك كلّ أحد- غير أن الحقّ يقال على أى وجه كان.

وكان صفته شابّا معتدل القامة، أشقر، له لثغة فى لسانه بالسّين، غير أنّه كان أفرس ملوك التّرك بعد الملك الأشرف خليل بن قلاون بلا مدافعة. قلت: ولنذكر هنا من مقالة الشيخ تقىّ الدين المقريزى فى حقّه من المساوى نبذة برمتها، وللنّاظر فيها التّأمل قال: «وكان النّاصر أشأم ملوك الإسلام؛ فإنّه خرّب بسوء تدبيره جميع أراضى مصر وبلاد الشّام من حيث يصبّ النّيل إلى مجرى الفرات، وطرق الطاغية تيمور بلاد الشّام فى سنة ثلاث وثمانمائة، وخرّب حلب وحماة وبعلبكّ ودمشق، حتىّ صارت دمشق كوما ليس بها دار. وقتل من أهل الشام مالا يحصى عدده، وطرق ديار مصر الغلاء من سنة ست وثمانمائة، فبذل أمراء دولته جهدهم فى ارتفاع الأسعار؛ بخزنهم الغلال وبيعهم لها بالسّعر الكثير، ثم زيادة أطيان أراضى مصر حتى عظمت كلفته، وأفسدوا مع ذلك النّقود بإبطال السكّة الإسلامية من الذّهب، والمعاملة بالدّنانير المشخّصة التى هى ضرب النّصارى، ورفعوا سعر الذّهب حتى بلغ إلى مائتين وأربعين [درهما] «1» كلّ مثقال، بعد ما كان بعشرين درهما، ومكّسوا كل شىء، وأهمل عمل الجسور بأراضى مصر، وألزم النّاس أن يقوموا عنها بالأموال التى تجبى منهم، وأكثر وزراؤه من رمى البضائع على التجّار ونحوهم بأغلى الأثمان، وكلّ ذلك من سعد الدين بن غراب، وجمال الدين يوسف الأستادار وغيرهما؛ فكانا يأخذان الحقّ والباطل ويأتيان له به لئلا يعزلهم من وظائفهم، ثمّ ماتوا، فتمّ هو على ذلك يطلب المال من المباشرين فيسدون بالظلم، فخربت البلاد لذلك، وفشا أخذ أموال النّاس. هذا مع

تواتر الفتن واستمرارها بالشّام ومصر، وتكرار سفره إلى البلاد الشّامية، فما من سفرة سافر إليها إلا وينفق فيها أموالا عظيمة؛ زيادة على ألف ألف دينار، يجبيها من دماء أهل مصر ومهجهم «1» ، ثمّ يتقدّم إلى الشام فيخرّب الدّيار ويستأصل الأموال ويدمّر القرى. ثمّ يعود وقد تأكّدت أسباب الفتنة، وعادت أعظم ما كانت، فخربت الإسكندرية، وبلاد البحيرة، وأكثر الشرقيّة، ومعظم الغربية، وتدمّرت بلاد الفيّوم، وعمّ الخراب بلاد الصعيد بحيث بطل منها زيادة على أربعين خطبة «2» ، ودثر ثغر أسوان وكان من أعظم ثغور المسلمين، وخرب من القاهرة وأملاكها وظواهرها زيادة عن نصفها، ومات من أهل مصر فى الغلاء والوباء نحو ثلثى النّاس، وقتل فى الفتن بمصر مدّة أيّامه خلائق لا تدخل تحت حصر. مع مجاهرته بالفسوق، من شرب الخمر، وإتيان الفواحش، والتجرّؤ العظيم على الله جلت قدرته. ومن العجيب أنّه لمّا ولد كان قد أقبل يلبغا الناصرىّ بعساكر الشّام لينزع أباه الملك الظاهر برقوق من الملك- وهو فى غاية الاضطراب من ذلك- فعند ما بشر به قيل له: ما تسميه؟ ... قال: بلغاق «3» - يعنى فتنة- وهى كلمة تركيّة، فقبض على أبيه الملك الظّاهر وسجن بالكرك- كما تقدّم ذكره. فلمّا عاد إلى الملك عرض عليه فسمّاه فرجا، ولم يسمّه أحد لذلك اليوم إلّا بلغاق، وهو فى الحقيقة ما كان إلّا فتنة، أقامه الله- سبحانه وتعالى- نقمة على النّاس ليذيقهم بعض الذي عملوا.

ومن عجيب الاتّفاق أنّ حروف اسمه «ف ر ج» عددها ثلاثة وثمانون ومائتين وهى عدد جركس «1» ، وكان فناء طائفة الجركس على يديه. فإن حروفها تفنى إذا أسقطت بحروف اسمه» . قلت «2» : كيف كان فناء الجركس على يديه، وهم إلى الآن ملوك زماننا وسلاطينها؟!. فهذا هو الخباط «3» بعينه!. وإن كان يعنى الذين قتلهم، فهو قتل من كلّ طائفة- انتهى. قال «4» : وكانت وفاته عن أربع وعشرين سنة وثمانية أشهر وأيّام، وكل هذه الأمور من سوء تدبير مماليك أبيه معه والفتنة فى بعضهم البعض، وهم الذين جسّروه على المظالم، وعلى قتل بعضهم، فاستمرّ على الظلم والقتل إلى أن كان من أمره ما كان- انتهى كلام المقريزى بتمامه وكماله. قلت: وكان يمكننى أن أجيب عن كلّ ما ذكره المقريزىّ- غير إسرافه على نفسه- غير أنى أضربت عن ذلك خشية الإطالة والملل، على أنى موافقه على أنّ الزّمان يصلح ويفسد بسلطانه وأرباب دولته، ولكن البلاء قديم وحديث- انتهى. وخلّف الملك الناصر عشرة أولاد- فيما أظنّ- ثلاثة ذكور وسبع إناث، فالذكور: فرج، ومحمد، وخليل، والإناث: ستيته التى زوّجها لبكتمر جلّق، وعائشة، وآسية، وزينب، وشقراء، وهاجر، ورحب، والجميع أمّهاتهم أمّ أولاد مولّدات. ما عدا عائشة وشقراء- والله أعلم.

ما وقع من الحوادث سنة 808

[ما وقع من الحوادث سنة 808] السنة الأولى من سلطنة الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية على مصر وهى سنة ثمان وثمانمائة، على أنّ أخاه الملك المنصور عبد العزيز حكم منها سبعين يوما. فيها أمسك السلطان الملك الناصر الأتابك بيبرس ابن عمّته، والأمير سودون الماردانىّ الدّوادار الكبير بعد عوده إلى الملك- حسبما تقدّم ذكره. وفيها توفّى الشيخ علاء الدين علىّ بن محمد بن علىّ بن عصفور «1» المالكى، شيخ الكتّاب بالدّيار المصرية فى يوم الاثنين رابع عشرين شهر رجب، كان أحد موقعى الدّست بالقاهرة، وكان يجيد الخطّ المنسوب «2» بسائر الأقلام، وكان ابن عصفور هذا هو الذي كتب عهد الملك المنصور عبد العزيز بالسلطنة، ومات بعد مدّة يسيرة، قال فيه بعض الأدباء. [السريع] قد نسخ الكتاب من بعده ... عصفور لما طار للخلد مذ كتب العهد قضى نحبه ... وكان منه آخر العهد وتوفى الخليفة أمير المؤمنين المتوكل على الله أبو عبد الله محمّد ابن الخليفة المعتصم بالله أبى بكر ابن الخليفة المستكفى بالله سليمان ابن الحاكم بأمر الله أحمد ابن الحسن بن أبى بكر بن علىّ بن الحسين ابن الخليفة الرّاشد بالله منصور ابن المسترشد بالله الفضل ابن المستظهر بالله أحمد ابن المقتدى بالله عبد الله ابن الأمير ذخيرة الدين محمد ابن الخليفة القائم بأمر الله عبد الله ابن القادر بالله أحمد ابن المقتفى بالله إبراهيم ابن المقتدر بالله جعفر ابن المعتضد بالله أحمد ابن الأمير

الموفّق طلحة ابن الخليفة المتوكل على الله جعفر ابن المعتصم بالله محمد ابن الرشد بالله هارون ابن المهدى محمد ابن الخليفة أبى جعفر عبد الله المنصور بن محمّد ابن علىّ بن عبد الله بن عباس الهاشمىّ العباسىّ المصرىّ، يوم الثلاثاء ثامن شهر رجب، ودفن بالمشهد النّفيسى خارج القاهرة. بويع المتوكل بالخلافة بعد موت أبيه بعهد منه إليه، فى يوم سابع جمادى الآخرة سنة ثلاث وستّين وسبعمائة، وتمّ أمره، إلى أن خلعه أينبك البدرى «1» فى ثالث صفر سنة تسع وسبعين وسبعمائة بزكريّا بن إبراهيم. ثمّ أعيد فى عشرين شهر ربيع الأول منها، فاستمرّ إلى أن خلعه الملك الظاهر برقوق فى أوّل شهر رجب سنة خمس وثمانين وسبعمائة بعمر ابن إبراهيم، ولقّب بالواثق. ثم أعاده فى عشرين شهر ربيع الأوّل سنة إحدى وتسعين وسبعمائة. فاستمرّ فى الخلافة إلى أن مات، وتولىّ الخلافة بعده ابنه المستعين بالله العبّاس. قلت: ولا نعلم خليفة، تخلّف من أولاده لصلبه خمسة غير المتوكل هذا، وهم: المستعين العبّاس، ثمّ المعتضد داود، ثمّ المستكفى سليمان- وهما أشقّاء- ثمّ القائم بأمر الله حمزة- وهو شقيق المستعين بالله المتقدم ذكره- ثمّ المستنجد بالله يوسف، خليفة زماننا هذا، عامله الله باللطف. وتوفّى قاضى القضاة ولىّ الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد ابن الحسن بن محمد بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بابن خلدون «2» الحضرمىّ الإشبيلىّ المالكىّ قاضى قضاة الدّيار المصرية بها،

فى يوم الأربعاء خامس عشرين شهر رمضان فجاءة، وقد ولى القضاء غير مرّة، ومولده فى يوم الأربعاء أوّل شهر رمضان سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، بمدينة تونس، وكان إماما عالما بارعا فى فنون من العلوم، وله نظم ونثر، وقد استوعبنا ترجمته فى «المنهل الصّافى» ، وذكرنا قدومه إلى القاهرة، ومشايخه وغير ذلك، ومن شعره من قصيدة [الكامل] . أسرفن فى هجرى وتعذيبى ... وأطلن «1» موقف عبرتى ونحيبى وأبين يوم البين وقفة ساعة ... لوداع مشغوف الفؤاد كئيب وتوفّى القاضى الأمير سعد الدين إبراهيم بن عبد الرزّاق بن غراب «2» فى ليلة الخميس تاسع عشر شهر رمضان- ولم يبلغ من العمر ثلاثين سنة- بعد مرض طويل، وكان ولى نظر الخاصّ فى دولة الملك الظاهر برقوق، ثمّ الوزر، ونظر الجيش، وكتابة السّر، والاستاداريّة فى دولة الملك النّاصر فرج الأولى. ثمّ صار فى سلطنته الثّانية أمير مائة ومقدّم ألف بالدّيار المصريّة، وأمير مجلس، ولبس الكلفتاة وتقلد بالسيف، وحضر الخدمة السّلطانيّة مرّة واحدة، ونزل إلى داره فلزم الفراش إلى أن مات، وكان له مكارم وأفضال وهمّة عالية، لم يسمع بمثلها فى عصره، مع عدم ظلمه بالنّسبة إلى غيره من أبناء جنسه. وأمّا سفك الدّماء فلم يدخل فيه البتّة، وقد اقتدى جمال الدين يوسف البيرىّ طريقه فى المكارم والتّحشّم، غير أنّه أمعن فى سفك الدّماء حتى تجاوز الحدّ

- عليه من الله ما يستحقّه- وكان أصل سعد الدين هذا من أولاد الكتبة الأقباط بالإسكندرية، ثمّ اتصل بخدمة الأمير محمود بن علىّ الأستادار «1» ، واختصّ به حتى صار عارفا بجميع أحواله، ثمّ بسفارته ولى نظر الخاص عوضا عن سعد الدّين بن أبى الفرج ابن تاج الدّين موسى، فى يوم الخميس تاسع عشر ذى الحجة سنة ثمان وتسعين وسبعمائة، وعمره إذ ذاك دون العشرين سنة، ولما استفحل أمره أخذ فى المرافعة فى أستاذه محمود المذكور فى الباطن، ولا زال يسعى فى ذلك حتى كان زوال نعمة محمود المذكور على يديه. ثمّ ترقّى بعد ذلك حتى كان من أمره ما كان، فلم يعدّ له من المساوئ غير مرافعته فى محمود المذكور لا غير. وتوفّى الشيخ الإمام الأديب زين الدين طاهر بن الشيخ بدر الدين حسن بن حبيب «2» الحلبىّ الموقّع الكاتب، فى ليلة سادس عشر ذى القعدة، وكان أديبا شاعرا مكثرا، ومن شعره: [دو بيت] أفدى رشا ما مرّ بى أو خطرا ... كالغصن رشيق إلّا لقيت «3» فى هواه خطرا ... باللّحظ رشيق والسّالف والوجه حكى «4» قمرا ... آس وشقيق مذ أسفر وجهه يحاكى قمرا ... للبدر شقيق

وله أيضا فى الملك الظاهر لمّا أمسك منطاشا «1» . [السريع] الملك الظاهر فى عزّه ... أذلّ من ضلّ ومن طاشا وردّ فى قبضته طائعا ... نعيرا العاصى ومنطاشا وتوفّى الوزير الصاحب تاج الدين عبد الله ابن الوزير الصاحب سعد الدين ابن البقريّ القبطى المصرى تحت العقوبة، فى ليلة الاثنين ثامن عشرين ذى القعدة. وتوفّى الأمير سيف الدين قانى باى بن عبد الله العلائى الظاهرى، أحد أمراء الألوف بالدّيار المصريّة بها، فى ليلة الأحد حادى عشرين شوّال، بعد مرض طويل، وكان يعرف بالغطاس لكثرة هروبه واختفائه، وكان من شرار القوم، كثير الفتن. وهو أحد من كان سببا لأخذ تيمور لنك مدينة دمشق؛ لأنه اتّفق مع جماعة من الأمراء والخاصّكية، وعاد الجميع إلى مصر ليسلطنوا الشيخ لاجين الجندى الجركسىّ، فخاف من بقى من الأمراء أن يتمّ لهم ذلك، وأخذوا السلطان الملك الناصر فرجا وخرجوا من دمشق على حين غفلة، وساروا فى أثرهم حتى أدركوهم بمدينة غزة، وتركوا دمشق مأكلة لتيمور. قلت: الدّالّ على الخير كفاعله، فهو شريك لتيمور فيما اقتحمه من سفك الدّماء وغيره. وتوفّى الأمير سيف الدّين بلاط بن عبد الله السعدى، أحد أمراء الطبلخانات بالديار المصرية- بطالا بها- فى رابع عشرين جمادى الأولى، وكان ساكنا عاقلا.

وتوفّى الأمير سيف الدّين جقمق بن عبد الله الصفوى «1» ، حاجب حجاب دمشق- قتيلا- فى حادى عشر شهر ربيع الآخر، ضرب الأمير شيخ المحمودى عنقه، وكان من قدماء الأمراء، ولى حجوبيّة حلب فى دولة الملك الظاهر برقوق، ثمّ ولى نيابة ملطية، ثمّ تنقل فى عدة ولايات، إلى أن ولى حجوبيّة دمشق، ووقع بينه وبين الأمير شيخ وحشة، حتى كان من أمره ما كان. وتوفّى الأمير سيف الدين شيخ بن عبد الله السّليمانىّ الظاهرىّ المعروف بالمسرطن «2» ، فى حادى عشر شهر ربيع الآخر حارج دمشق، بعد أن صار أمير مائة ومقدّم ألف بديار مصر، ثمّ نائب صفد، ثمّ نائب طرابلس، ووقع له أمور. وشيخ هذا، هو ثانى من سمّى بهذا الاسم واشتهر، والأوّل شيخ الصّفوىّ الخاصكىّ المقدم ذكره، والثالث هو شيخ المحمودىّ الملك المؤيد- انتهى. وتوفّى الوزير الصاحب تاج الدين عبد الرزّاق بن أبى الفرج بن نقولا الأرمنىّ الملكىّ فى رابع شهر ربيع الآخر، بعد ما ولى عدّة وظائف. كان أوّلا صيرفيّا بقطيا، ثمّ صار كاتبا بها، ثم ولى نظرها، ثمّ استقرّ وزيرا بالدّيار المصرية، ثم أستادارا، ثمّ ولى كشف الوجه البحرى. قال المقريزى: كان أولا يسمى بالمعلم، ثمّ سمّى بالقاضى، ثمّ نعت بالصاحب، ثمّ

بالأمير، ثمّ بملك الأمراء، كلّ ذلك فى مدّة يسيرة من السنين- انتهى. وتوفّى الطاغية تيمورلنك كور كان، وقد تقدّم نسبه فى ترجمة الملك الناصر فرج الأولى «1» ، على اختلاف كبير فى نسبه. مات فى ليلة الأربعاء تاسع عشر شعبان فى هذه السنة- وقيل فى الماضية- وهو نازل بضواحى أترار «2» بالقرب من آهنگران، ومعنى «آهنگران» باللغة العربية «الحدّادون» و «آهنگر» : الحداد، و «كوركان» معناه صهر الملوك، و «لنك» هو الأعرج باللغة العجميّة- انتهى. وكان سبب موته أنّه خرج من بلاده لأخذ بلاد الصّين- وقد انقضى فصل الصيف ودخل الخريف، وكتب إلى عساكره أن يأخذوا الأهبة لمدة أربع سنين، فاستعدوا لذلك وأتوه من كلّ جهة، وصنع له خمسمائة عجلة لحمل أثقاله. ثمّ خرج من سمرقند «3» فى شهر رجب وقد اشتد البرد، ونزل على سيحون وهو جامد، فعبره ومرّ سائرا، فأرسل الله عليه من عذابه جبالا من الثلج التى لم يعهد بمثلها مع فوّة البرد الشديد، فلم يبق أحد من عساكره حتى امتلأت آذانهم وعيونهم وخياشيمهم، وآذان دوابهم وأعينها من الثلج، إلى أن كادت أرواحهم تذهب. ثمّ اشتدت تلك الرّياح، وملأ الثلج جميع الأرض- مع سعتها- فهلكت بهائمهم. وجمد كثير من النّاس، وتساقطوا عن خيولهم موتا.

وجاء بعقب هذا الثّلج والرّيح أمطار كالبحار، وتيمور مع ذلك لا يرقّ لأحد، ولا يبالى بما نزل بالناس، بل يجدّ فى السّير، فما أن وصل تيمور إلى مدينة أترار حتى هلك خلق كثير من قوّة سيره. ثمّ أمر تيمور أن يستقطر له الخمر حتى يستعمله بأدوية حارّة وأفاويه لدفع البرد وتقوية الحرارة، فعمل له ما أراد من ذلك. فشرع تيمور يستعمله ولا يسأل عن أخبار عساكره وما هم فيه، إلى أن أثّرت حرارة ذلك وأخذت فى إحراق كبده وأمعائه، فالتهب مزاجه حتى ضعف بدنه، وهو يتجلد ويسير السّير السّريع، وأطبّاؤه يعالجونه بتدبير مزاجه إلى أن صاروا يضعون الثلج على بطنه؛ لعظم ما به من التلهب وهو مطروح مدة ثلاثة أيام، فتلفت كبده، وصار يضطرب ولونه يحمرّ، ونساؤه وخواصّه فى صراخ، إلى أن هلك إلى لعنة الله وسخطه، فلبسوا عليه المسوح، ومات ولم يكن معه أحد من أولاده سوى حفيده سلطان خليل ابن ميران شاه بن تيمور وسلطان حسين ابن أخته، فأرادا كتمان موته فلم يخف ذلك على الناس، فتسلطن خليل المذكور بعد جده تيمور، وبذل الأموال، وعاد إلى سمرقند برمّة جده تيمور. فخرج النّاس إلى لقائه لابسين المسوح بأسرهم، وهم يبكون وبصرخون، ودخل ورمّة تيمور بين يديه فى تابوت أبنوس «1» ، والملوك والأمراء وكافة النّاس مشاة بين يديه، وقد كشفوا رءوسهم وعليهم المسوح، إلى أن دفنوه على حفيده محمد سلطان بمدرسته وأقيم عليه العزاء

أيّاما، وقرئت عنده الختمات، وفرّقت الصّدقات، ومدّت الحلاوات والأسمطة بتلك الهمم العظيمة، ونشرت أقمشته على قبره، وعلّقوا سلاحه وأمتعته على الحيطان حوالى قبره، وكلّها ما بين مرصع ومكلل ومزركش، فى تلك القبّة العظيمة، وعلّقت بالقبّة المذكورة قناديل الذّهب والفضّة، من جملتها قنديل من ذهب زنته أربعة آلاف مثقال- وهو رطل بالسّمرقندىّ، وعشرة أرطال بالدّمشقىّ، وأربعون رطلا بالمصرىّ- وفرشت المدرسة بالبسط الحرير والدّيباج. ثمّ نقلت رمّته إلى تابوت من فولاذ عمل بشيراز «1» ، وهو على قبره إلى الآن، وتحمل إليه النّذورة «2» من الأعمال البعيدة، ويقصد قبره للزّيارة والتّبرّك به، ويأتى قبره من له حاجة ويدعو عنده. وإذا مرّ على هذه المدرسة أمير أو جليل خضع ونزل عن فرسه إجلالا لقبره، لما له فى صدورهم من الهيبة. وكان تيمور طويل القامة، كبير الجبهة، عظيم الهامة، شديد القوّة أبيض اللّون مشربا بحمرة، عريض الأكتاف، غليظ الأصابع، مسترسل اللّحية، أشلّ اليد، أعرج اليمنى، تتوقّد عيناه، جهير الصّوت، لا يهاب الموت، قد بلغ الثمانين، وهو متمتّع بحواسه وقوّته.

وكان يكره المزّاح ويبغض الكذّاب، قليل الميل إلى اللهو، على أنّه كان يعجبه الصوت الحسن، وكان نقش خاتمه «رستى. رستى» ومعناه: صدقت نجوت، وكان له فراسات. عجيبة، وسعد عظيم، وحظ زائد فى رعيته، وكان له عزم ثابت، وفهم دقيق، محجاجا سريع الإدراك، متيقّظا يفهم الرّمز ويدرك اللّمحة، ولا يخفى عليه تلبيس ملبّس، وكان إذا عزم على شىء لا ينثنى عنه؛ لثلّا ينسب إلى قلة الثبات، وكان يقال له صاحب قران الأقاليم السبعة، وقهرمان «1» الماء والطين، وقاهر الملوك والسّلاطين، وكان مغرما بسماع التّاريخ وقصص الأنبياء عليهم السّلام ليلا ونهارا، حتى صار- لكثرة سماعه للتّاريخ- يردّ على القارى إذا غلطّ فيها، وكان يحبّ العلم والعلماء، ويقرّب السّادة الأشراف، ويدنى أرباب الفنون والصّنائع. وكان انبساطه بهيبة ووقار، وكان يباحث أهل العلم وينصف فى بحثه، ويبغض الشّعراء والمضحكين، ويعتمد على أقوال الأطبّاء والمنجمين، حتى إنّه كان لا يتحرّك بحركة إلا باختيار فلكىّ. وكان يلازم لعب الشّطرنج- وقد خرجنا عن المقصود فى التّطويل فى ترجمة تيمور المذكور، استطرادا لكثرة الفائدة، وقد استوعبنا أحواله مستوفاة فى «المنهل الصّافى» فلينظر هناك- انتهى. أمر النّيل فى هذه السّنة: الماء القديم ذراعان سواء، مبلغ الزّيادة ثمانية عشر ذراعا وثلاثة وعشرون إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 809

[ما وقع من الحوادث سنة 809] السنة الثانية من ولاية الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية على مصر وهى سنة تسع وثمانمائة. فيها توفّى الشّريف بدر الدّين حسن بن محمد بن حسن الحسنىّ العلوىّ «1» النّسابة شيخ خانقاة بيبرس، فى ليلة السّبت سادس عشر شوال عن سبع وثمانين سنة. وتوفّى الشيخ الإمام العالم بدر الدّين أحمد بن محمد الطّنبذىّ «2» الشافعىّ، فى حادى عشرين شهر ربيع الأول، وكان من أعيان الفقهاء الشافعية، معدودا من العلماء الأذكياء، غير أنّه كان مسرفا على نفسه، يميل إلى اللذّات التى تهواها النفوس، والتّهتكات. قلت: وهو من النوادر على قول الحافظ الذهبىّ؛ فإنه قال: النوادر ثلاثة: شريف سنى، ومحدّث صوفى، وعالم متهتّك. وتوفّى الشيخ الإمام العالم العلامة زادة الخرزبانىّ «3» العجمىّ الحنفىّ، شيخ الشيوخ بخانقاة شيخون فى يوم الأحد آخر ذى القعدة، ودفن من يومه بخانقاة شيخون، وكان من أعيان السّادة الحنفيّة، وله اليد الطولى فى العلوم العقلية والأدبيّات، علّامة زمانه فى ذلك، استدعاه الملك الظّاهر برقوق من بغداد إلى الديّار المصرية لعظم صيته،

وقدم القاهرة وتصدّى للإقراء والتّدريس سنين عديدة، وانتفع به عامّة الطلبة من كلّ مذهب- رحمه الله تعالى- وهو غير زادة والد الشيخ محبّ الدين الإمام ابن مولانا زادة، وقد تقدّم ذكر ذلك فى حدود سنة تسعين وسبعمائة، واسمه أحمد، وشهرته زادة، أمّا زادة هذا فإنّ اسمه زادة لا غير. وتوفّى الأمير ركن الدين عمر بن قايماز «1» الأستادار، فى يوم الاثنين أوّل شهر رجب، وقد تنقّل فى عدّة وظائف [هى] : شدّ الدّواوين، والوزر، والأستاداريّة- غير مرّة- وهو صاحب السّبيل خارج الحسينيّة، الذي جدّده زين الدين يحيى الأستادار فى زماننا هذا. وتوفّى ملك العرب سيف الدّين نعير بن حيّار بن «2» مهنّا، قتله الأمير جكم من عوض نائب حلب بقلعة حلب، بعد أن أمسكه وسجنه، وكان من أجلّ ملوك العرب، وقد تقدّم ذكره فى عدّة مواضع من هذا التاريخ. وتوفّى الأمير ناصر الدّين محمد بن سنقر البكجرىّ أستادار السّلطان فى جمادى الآخرة بحلب، وبيت ابن سنقر بيت معروف بالرياسة والتّحشم. وتوفّى قاضى القضاة علاء الدّين على ابن قاضى القضاة بهاء الدّين أبى البقاء محمد بن عبد البر السبكى «3» الشافعىّ، قاضى قضاة دمشق، فى ليلة الأحد ثانى عشر شهر ربيع الآخر بدمشق.

وتوفّى الشيخ شهاب الدين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن الجواشنىّ «1» ، الحنفىّ بدمشق، فى ليلة الأحد سادس عشر جمادى الآخرة. وتوفّى الشيخ محمد بن أحمد بن محمد المعروف بابن فهيد «2» المغربىّ، فى يوم الاثنين رابع عشرين جمادى الآخرة، وكان للناس فيه اعتقاد، وكان له تنسّك وعبادة، وصحب الشيخ عبد الله اليافعىّ «3» وخدمه مدّة بمكة، ثمّ قدم القاهرة، وصحب الأمير طشتمر العلائىّ الدّوادار فى أيّام الأشرف شعبان، فنوّه طشتمر بذكره حتى صار يعدّ من الأعيان الأغنياء إلى أن مات. وتوفّى قاضى القضاة زين الدين أبو هريرة عبد الرحمن بن يوسف بن أحمد بن الحسن بن سليمان بن فزارة بن بدر بن محمد بن يوسف الكفرى «4» - بفتح الكاف- الحنفىّ قاضى قضاة دمشق ثمّ الدّيار المصريّة، فى ثالث شهر ربيع الآخر، ومولده فى سنة خمسين وسبعمائة، وأحضر على محمد بن إسماعيل بن الخباز، وسمع على بشر بن إبراهيم بن محمود البعلبكىّ، وتفقّه بعلماء عصره حتى برع فى الفقه والأصلين والعربية وشارك فى عدّة فنون، وأفتى ودرّس، وتولّى قضاء دمشق هو وأبوه وأخوه وجدّه، ثم قدم القاهرة فى سنة ثلاث وثمانمائة أو بعدها بيسير، وولى قضاء الدّيار المصرية، وحمدت سيرته إلى أن مات- رحمه الله تعالى. أمر النّيل فى هذه السّنة: الماء القديم ذراعان ونصف، مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعا ونصف.

ما وقع من الحوادث سنة 810

[ما وقع من الحوادث سنة 810] السنة الثالثة من ولاية الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية على مصر وهى سنة عشر وثمانمائة. فيها تجرّد السلطان إلى البلاد الشامية سفرته الرّابعة التى أمسك فيها الأمير شيخا المحمودىّ، والأتابك يشبك الشّعبانىّ، ثم فرّا من سجن قلعة دمشق حسبما تقدم. وفيها توفّى الأمير سيف الدين سودون بن عبد الله الظاهرىّ «1» المعروف بالطّيار، أمير سلاح، فى ليلة الثلاثاء ثامن عشرين شوّال، وحضر السّلطان الملك النّاصر الصلاة عليه بمصلاة المؤمنى، وكان مشكور السيرة، شجاعا، يندب للمهمّات، وله محبة فى أهل العلم والصلاح، وسمّى بالطيّار لأنه خرج من ديار مصر فى ليلة موكب ووصل إلى دمشق، ثمّ عاد إلى مصر فى ليلة موكب آخر على خيل البريد، ومعه دواداره الأمير أسنبغا الطّيارى، وهذا السّير لم يسمع بمثله فيما مضى من الأعصار من أنه يقطع ثمانين بريدا فى نحو أربعة أيّام. وهذا الخبر مستفاض بين النّاس يعرفه كل أحد، غير أننى لم أسأل عن ذلك من الأمير أسنبغا الطّيارىّ المذكور تهاونا حتى مات، غير أنّ ولده الشهابى أحمد أخبرنى بذلك هو وغيره- انتهى.

وتوفّى الشيخ الإمام العالم العلّامة فريد عصره سيف الدين يوسف ابن محمد بن عيسى السيرامىّ «1» العجمىّ الحنفىّ شيخ الشيوخ بالمدرسة الظاهرية البرقوقيّة ببين القصرين، فى ليلة السبت حادى عشرين شهر ربيع الأوّل بالقاهرة، وكان منشؤه بتبريز «2» ، وأقام بها حتى طرقها تيمورلنك، فخرج منها وسار إلى حلب وأقام بها إلى أن استدعاه الملك الظّاهر برقوق، وقرّره فى مشيخة مدرسة البرقوقية ببين القصرين بعد وفاة العلّامة علاء الدين السيرامىّ [فى جمادى الأولى] «3» فى سنة تسعين وسبعمائة، فدام بها إلى أن مات فى هذه السّنة، وتولى المشيخة بعده ولده العلّامة نظام الدين يحيى، الآتى ذكر وفاته فى سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة. وتوفّى الأمير سيف الدين شاهين بن عبد الله الظاهرىّ، أحد مقدمى الألوف بالديار المصريّة- المعروف بقصقا بن قصير- فى ليلة الجمعة ثامن ذى القعدة، وكان من أشرار القوم القائمين فى الفتن، وفرح السلطان بموته. وتوفّى الأمير الطواشىّ زين الدين مقبل بن عبد الله [الظّاهرى المعروف] «4» بالرومىّ، زمام الدّار السلطانىّ، فى يوم السبت أوّل ذى الحجة، وترك مالا كثيرا، وهو صاحب المدرسة بخط البندقيّين من القاهرة، ويقام بها خطبة وجمعة. وتوفّى شمس الدّين محمد الشّاذلىّ الإسكندرىّ محتسب القاهرة ومصر فى يوم الجمعة ثانى صفر. قال الشيخ تقي الدين المقريزىّ: وكان عاريا من العلوم، كان

خرد فوشيّا «1» بالإسكندرية فترّقى بالبذل والبرطيل- انتهى. وتوفّى الأمير ناصر الدين محمد ابن الأمير جمال الدين محمود الأستادار- فتيلا- بالقاهرة، وكان من جملة أمراء الطبلخانات فى حياة والده، وولى نيابة الإسكندريّة، ثمّ نكب مع والده، وصودر، وأطلق بعد مدّة إلى أن اختفى بعد واقعة على باى لأمر أوجب ذلك، وهرب إلى الشّام، وأقام به مدّة، ثمّ قدم إلى القاهرة متنكّرا، فدلّ عليه فأخذ وقتل، وكان غير مشكور السّيرة. وتوفّى الأمير سيف الدين سودون بن عبد الله الحمزاوى «2» الظاهرى الدّوادار الكبير بسيف الشّرع بالقاهرة، وكان أصله من مماليك الملك الظّاهر برقوق وخاصكيته، ثمّ ترّقى بعد موته إلى أن ولى نيابة صفد بعد أمور وقعت له بمصر، فدام بصفد مدّة إلى أن طلب إلى مصر. واستقرّ خازندارا، ثمّ شادّ الشراب خاناة، ثمّ صار دوادارا كبيرا بعد خروج الملك النّاصر فرج من بيته وعوده إلى الملك، عوضا عن سودون الماردانى، ودام على ذلك إلى أن خرج الملك الناصر إلى البلاد الشّامية وعاد، فتخلف عنه سودون الحمزاوى هذا مغاضبا له. ودام بالبلاد الشّاميّة إلى أن قدم غزّة هو وجماعة من الأمراء وطرقهم الأمير شيخ المحمودىّ فواقعوه فقتل إينال باى بن قجماس وغيره

من الأمراء، وقبض على سودون هذا بعد أن قلعت عينه، وسجنه شيخ إلى أن تجرّد الملك النّاصر إلى الشّام أخذه وعاد به إلى مصر، وطلب القضاة وأثبت عندهم إراقة دمه لقتله إنسانا ظلما. فقتل فى شهر ربيع الآخر، وقتل معه دواداره بربغا، وسودون الحمزاوى هذا هو أستاذ الأمير قانى باى الحمزاوى نائب دمشق الآن. ثمّ قتل السلطان جماعة من الأمراء ممن كان قبض عليهم وهم: الأمير آقبردى، والأمير جمق، والأمير أسنباى التركمانى، والأمير أسنباى أمير آخور، وقد تقدّم ذكر قتل الجميع فى ترجمة الملك الناصر غير أنّنا نذكرهم هنا ثانيا كون هذا المحل مظنّة الكشف عن ذلك. وتوفّى الأمير سيف الدين منطوق نائب قلعة دمشق- قتيلا- وسبب قتله أنّ الملك الناصر لمّا أمسك شيخا ويشبك وحبسهما عنده بقلعة دمشق أطلقهما ونزل الجميع إلى مدينة دمشق؛ فاختفى شيخ بالمدينة وخرج منطوق هذا ويشبك، فندب إليهم الملك الناصر الأمير بيغوت، فلحق بيغوت منطوقا هذا لثقل بدنه، وفر يشبك، فقطع بيغوت رأسه وحمله إلى الملك الناصر. وفيها أيضا قتل الأتابك يشبك الشّعبانىّ، والأمير جركس القاسمىّ المصارع، قتلهما الأمير نوروز الحافظىّ على بعلبكّ فى شهر ربيع الآخر، وقد مرّ كيفيّة قتلهما مفصّلا فى ترجمة الملك النّاصر فلا حاجة للتكرار هنا ثانيا، وكلّ منهما قد مرّ ذكره فى ترجمة الملك النّاصر فى غير موضع، وأيضا ففى شهرتهما ما يغنى عن ذكرهما- انتهى. أمر النّيل فى هذه السنة: الماء القديم ثلاثة أذرع ونصف، مبلغ الزّيادة تسعة عشر ذراعا وعشرة أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 811

[ما وقع من الحوادث سنة 811] السنة الرابعة من ولاية الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية على مصر وهى سنة إحدى عشرة وثمانمائة. فيها توفّى قاضى القضاة كمال الدين أبو حفص عمر بن إبراهيم بن محمد [بن عمر ابن عبد العزيز] «1» الحلبىّ الحنفى ابن أبى جرادة، المعروف بابن العديم، قاضى قضاة حلب ثمّ الدّيار المصريّة بها- وهو قاض- فى ليلة السبت ثانى عشر جمادى الآخرة، ومولده بحلب فى سنة إحدى «2» وسبعين وسبعمائة، ودفن بالحوش المجاور لتربة طشتمر حمّص أخضر بالصّحراء. وتولّى القضاء من بعده ابنه قاضى القضاة ناصر الدين محمد بسفارة الوالد؛ لكونه كان متزوّجا بإحدى أخواتى، وكان القاضى كمال الدّين المذكور رئيسا عالما فاضلا حشما، وجيها عند الملوك وقورا، وله مكارم وأفضال، وقد ثلبه الشيخ تقىّ الدّين المقريزىّ بأمور هو برىء عنها؛ لأمر كان بينهما- عفى الله عنهما. وتوفّى الأمير سيف «3» الدّين يلبغا بن عبد الله السّالمىّ الظّاهرىّ الأستادار- خنقا- بعد عصر يوم الجمعة بسجن الإسكندريّة. قال المقريزىّ: «وكان مخلّطا خلط العمل الصّالح بعمل سيّئ» وساق حكاياته فى عدّة أسطر، وقد ذكرنا معنى كلامه وأزيد فى حقّ السّالمىّ فى ترجمة الملك الظّاهر برقوق، ثمّ فى ترجمة الملك النّاصر مفصّلا إلى يوم وفاته، وفى ذلك كفاية عن الإعادة.

وهو ممّن قتله جمال الدّين الأستادار، وكان يلبغا المذكور له همّة عالية، ومعرفة تامّة، وعقل وتدبير مع دين وعبادة هائلة، وعفّة عن المنكرات والفروج، وقد ولى الأستاداريّة غير مرّة، ونفذ الأمور على أعظم وجه وأتمّ حرمة حسبما تقدّم ذكره. وتوفّى الأمير سيف الدّين بشباى بن عبد الله من باكى الظّاهرىّ «1» رأس نوبة النّوب فى ليلة الأربعاء رابع عشرين جمادى الآخرة، ودفن بالقرافة، وهو أحد أعيان المماليك الظّاهريّة الخاصّكيّة، وترقّى من بعده إلى أن صار حاجبا بدمشق، ثمّ حاجبا ثانيا بمصر، ثمّ ولى حجوبيّة الحجّاب بها، ثمّ نقل إلى رأس نوبة النّوب، وكان من أعيان الأمراء وأكابر المماليك الظّاهرية، غير أنّ المقريزىّ لمّا ذكر وفاته قال: وكان ظالما غشوما غير مشكور السّيرة- انتهى. وتوفّى الأمير سيف الدين أرسطاى بن عبد الله [الظاهرى] «2» رأس نوبة النّوب- كان- ثمّ نائب إسكندريّة بها، فى نصف شهر ربيع الآخر، وكان جليل القدر، عاقلا سيوسا، طالت أيّامه فى السعادة إلّا أنه كان يرتفع ثمّ ينحطّ، وقع له ذلك غير مرّة. وتوفّى الأمير الكبير ركن الدين بيبرس بن عبد الله «3» ، وابن أخت الملك الظّاهر برقوق- قتيلا- بسجن الإسكندريّة، وقتل معه الأمير سودون الماردانىّ الدّوادار الكبير، والأمير بيغوت نائب الشّام- كان- وقد مرّ من ذكر هؤلاء الثّلاثة نبذة كبيرة تعرف منها أحوالهم لا سيّما عند خلع الملك النّاصر فرج وسلطنة أخيه المنصور عبد العزيز.

وتوفّى الشّريف ثابت بن نعير بن منصور بن جمّاز بن شيحة الحسينىّ «1» ، أمير المدينة النبويّة- على ساكنها أفضل الصّلاة والسلام- فى صفر، وتولّى إمرة المدينة من بعده أخوه عجلان «2» بن نعير. وتوفّى الوزير الصّاحب فخر الدّين ماجد- ويسمّى أيضا محمد- بن عبد الرّزّاق «3» ابن غراب فى عشر ذى الحجّة- مقتولا- بيد جمال الدين الأستادار. وكان فخر الدّين هذا أسنّ من سعد الدين أخيه، غير أنّ سعد الدين كان نوعا وهذا نوع آخر، كان فيه حدّة مزاج، وشراسة خلق، بضدّ ما كان فى أخيه سعد الدين، وكان يلثغ بالجيم، يجعلها زايا، فكان إذا طلب أحدا يقول: «جبّوا» إلىّ ويكرّرها، وهو يبدّل الجيم بالزّاى فتضحك الناس من ذلك أوقاتا، وقد تنقّل فى عدّة وظائف كالوزر، ونظر الجيش، والخاصّ فيما أظنّ. وتوفّى الأديب شمس الدين محمد بن إبراهيم بن بركة العبدلىّ الدّمشقىّ الشّهير بالمزيّن [صنعته] «4» الشاعر المشهور، فى شعبان، ومولده فى سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة بدمشق. قال لى غير واحد من أصحابه: كان شيخا ظريفا فاضلا أديبا، معاشرا للأكابر والأعيان، ورأى الشّيخ جمال الدين محمد بن نباتة «5» ، وابن الوردىّ «6» ،

والصّفدىّ «1» وغيرهم، وكان له شعر رائق، من ذلك أنشدنا الشيخ جمال الدين عبد الله الدّمشقىّ قال: أنشدنى الأديب شمس الدين المزيّن من لفظه لنفسه [الوافر] تقول مخدّتى لمّا اضطجعنا ... ووسدّنى حبيب القلب زنده قصدتم عند طيب الوصل هجرى ... خذونى تحت رأسكم مخدّه وله فى دواة: [السريع] أنا دواة يضحك الجود من ... بكا يراعى جلّ من قد براه دلّوا على جودى من مسّه ... داء من الفقر فإنّى دواه قلت: وهذا يشبه قول القائل، ولم أدر من السّابق لهذا المعنى: هذى دواة للعطا والسّخا ... ومنبع الخير وبحر الحياه قد فتحت فاها وقالت لنا ... من مسّه الفقر فإنّى دواه أمر النّيل فى هذه السنة: الماء القديم أربعة أذرع سواء، مبلغ الزّيادة سبعة عشر ذراعا وإصبع واحد.

ما وقع من الحوادث سنة 812

[ما وقع من الحوادث سنة 812] السنة الخامسة من ولاية الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية على مصر وهى سنة اثنتى عشرة وثمانمائة. فيها تجرّد الملك النّاصر إلى البلاد الشامية تجريدته الخامسة التى حصر فيها الأمير شيخا ورفقته بصرخد. وفيها كانت قتلة جمال الدين يوسف بن أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن قاسم البيرىّ البجاسىّ «1» الأستادار، فى ليلة الثلاثاء حادى عشر جمادى الآخرة، بعدما أخذ منه نيّف على ألف ألف دينار فى أيّام مصادرته، وهو تحت العقوبة على نقذات «2» متفرّقة. وقد تقدم ذكر مسكه فى ترجمة الملك الناصر فرج عند قدومه من الشّام بمدينة بلبيس، وكان ظالما جبّارا سفّاكا الدّماء مقداما، وكان أعور قصيرا دميما كره المنظر. وكان أوّلا يتزيّا بزىّ الفقهاء، ثمّ تزيّا بزىّ الجند، وخدم بلاصيّا [عند الشيخ على كاشف، ثمّ عند غيره] «3» ولا زال يترقّى حتى كان من أمره ما كان، وهو أحد من كان سببا لخراب البلاد؛ من كثرة ما قتل من مشايخ العربان وأرباب الأدراك، واستولى على أموالهم، وأمّا من قتله من الكتّاب والأعيان فلا يحصى ذلك كثرة، وحسابه على الله تعالى. وتوفّى الشيخ الإمام العالم العلّامة نصر الله بن أحمد بن محمد بن عمر الشّشترى

البغدادىّ «1» الحنبلىّ مدرس المدرسة الظاهرية- برقوق- بالقاهرة فى حادى عشرين صفر. وكان إماما عالما فقيها محدّثا، أفتى ودرّس سنين ببغداد، ثمّ بالقاهرة، وهو والد قاضى القضاة عالم زماننا محبّ الدين أحمد بن نصر الله الآتى ذكره فى محله إن شاء الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين آقباى بن عبد الله الطّرنطائىّ الظاهرى رأس نوبة الأمراء، المعروف بآقباى الحاجب- لطول مكثه فى الحجوبيّة- فى ليلة الأربعاء سابع عشر جمادى الآخرة. ونزل السّلطان الملك النّاصر إلى داره، ثمّ تقدّم راكبا إلى مصلّاة المؤمنىّ فصلّى عليه، ثمّ شهد دفنه، وترك آقباى مالا كثيرا، أخذ الملك النّاصر غالبه، وكان آقباى المذكور عاقلا، سيوسا عفيفا عن المنكرات إلّا أنّه كان بخيلا شرها فى جمع المال. وتوفّى الأمير سيف الدين طوخ بن عبد الله [الظاهرى] «2» الخازندار، وهو أمير مجلس، فى آخر جمادى الآخرة بالقاهرة، والعامّة تسمّى طوخ هذا «طوق الخازندار» وكان من أعيان الأمراء، وله الكلمة فى الدّولة. وتوفّى الأمير سيف الدين بلاط بن عبد الله، أحد مقدّمى الألوف بالدّيار المصريّة- مقتولا بالإسكندرية- لم أقف له على ترجمة ولم أعرف من حاله شيئا غير ما ذكرت. وتوفّى السّيّد الشّريف جمّاز بن هبة الله بن جمّاز بن منصور الحسينىّ أمير المدينة النّبويّة- مقتولا- فى جمادى الآخرة بالفلاة، وهو فى عشر السّتين، وكان ولى إمرة المدينة ثلاث مرار، آخرها فى سنة خمس وثمانمائة.

وتوفّى الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الله بن أبى بكر القليوبىّ الشّافعىّ شيخ شيوخ خانقاة سرياقوس- بها- فى يوم الخميس ثانى عشرين جمادى الأولى، وكان فقيها فاضلا، وله مشاركة فى فنون. وتوفّى السيّد الشّريف أحمد بن ثقبة بن رميثة بن أبى نمىّ الحسنىّ المكّىّ بمكة فى المحرم. وكان الشريف عنان بن مغامس فى ولايته الأولى على مكة أشركه معه، ثمّ وقع له أمور حتى مات وهو مكحول، وكان ابن أخته الشريف محمد بن عجلان، وكبيش بن عجلان قد خافا منه فأكحلاه، وقتل ابن أخته المذكور بعد ثلاثة أشهر، وكبيش المذكور بعد ستة أشهر. وتوفّى أمير زة محمد بن أمير زة عمر شيخ ابن الطاغية تيمور لنك فى المحرّم- مقتولا- على يد بعض وزرائه، وكان مشكور السّيرة، وقام من بعده بمملكة جغتاى أخوه أمير زة إسكندر شاه بن عمر شيخ بن تيمور لنك. ومن غريب الاتّفاق أنّ إسكندر شاه المذكور، لمّا ملك بعد قتل أخيه محمد المقدّم ذكره أحضر من كان عمل على قتله، ووبخه فى الملأ، فأجابه الرجل بأن قال: وما عملت معك إلّا خيرا، لولا قتلته ما نابك الملك، فأسرع إسكندر شاه بقتله خوفا من أن يتّهمه أحد بقتل أخيه المذكور فى الباطن. أمر النّيل فى هذه السنة: الماء القديم خمسة أذرع سواء، مبلغ الزّيادة عشرون ذراعا سواء.

ما وقع من الحوادث سنة 713

[ما وقع من الحوادث سنة 713] السنة السادسة من ولاية الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية على مصر وهى سنة ثلاث عشرة وثمانمائة. فيها كان الطاعون بالديار المصريّة، ومات منه عدة كبيرة من الناس. وفيها تجرّد السّلطان الملك الناصر إلى البلاد الشّامية تجريدته السادسة، وحاصر شيخا ونوروزا بالكرك بعد أن وصل فيها إلى أبلستين وعاد. وفيها استقرّ الوالد فى نيابة الشّام ثالث مرّة، واستقرّ شيخ فى نيابة حلب، ونوروز فى نيابة طرابلس. وفيها توفّى الرئيس مجد الدين عبد الغنى بن الهيصم «1» ناظر الخواصّ الشريفة بالدّيار المصرية فى ليلة الأربعاء العشرين من شعبان بعد قدومه من دمشق بأيّام، وهو والد الصّاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيضم، وأخو الصّاحب تاج الدّين عبد الرّزّاق الآتى ذكرهما فى محلهما. وتوفّى الأمير سيف الدين قجاجق بن عبد الله [الظاهرى] «2» الدّوادار الكبير فى سادس المحرم، ودفن بتربته التى أنشأها بالصّحراء، وكان من أصاغر خاصّكيّة الملك الظاهر برقوق ومماليكه، وترقّى فى الدولة الناصرية حتى ولى الدّواداريّة الكبرى بعد الأمير سودون الحمزاوىّ، وكان مليح الشكل، لم يشهر بشجاعة ولا إقدام، ولهذا المعنى، ولعدم شرّه رقّاه الملك الناصر واختصّ به. حضر مرّة عند جمال الدين البيرىّ الأستادار، وكان بينهما صحبة أكيدة، وكان بإحدى عينى جمال الدين خلل، فجلس قجاجق بعد أن سلّم على جمال الدين من

جهة عينه الذّاهبة، واشتغل جمال الدين بمباشرته بسرعة لأجل قجاجق المذكور، وأخذ يكتب على القصص ويرميها لينهى أمره، فأخذ قجاجق قصّة منها ورمّل عليها، فعرف أصحاب جمال الدين ما فعله قجاجق المذكور فقام إليه وأهوى على يده ليقبّلها ثمّ قدّم له تقدمة هائلة. وتكلّم الناس بهذه الحكاية، فصار من هو أجنبي عن الرياسة ومداخلة الملوك، وعديم المعرفة برتب أرباب الوظائف يقول: كان قجاجق يرمّل على جمال الدين، وكيف ذلك والدّوادار الكبير لا يرمّل على السّلطان وإنما يرمّل على كتابة السلطان رأس نوبة النّوب؟! وفى هذا كفاية. وبالجملة فإنّ هذه الحكاية تدلّ على أنّ قجاجق كان ساقط المروءة لأنّ قردم الخازندار كان أنزل رتبة من قجاجق ولم يدخل إلى جمال الدين ولم يسأله حاجة فى عمره، وعجز جمال الدين فى ترضّيه فلم يرض ولم يدخل إليه، فأين هذا من ذاك؟! - انتهى. وتوفّى قاضى القضاة تقىّ الدين عبد الرحمن ابن تاج الرّياسة محمد بن عبد الناصر المحلّىّ الدّميرىّ الزّبيرىّ «1» الشافعىّ فى يوم الأحد أوّل شهر رمضان، ومولده فى سنة أربع وثلاثين وسبعمائة. ولى قضاء الديار المصرية بعد الصّدر المناوىّ نحو ثلاث سنين، وحسنت سيرته لمعرفته بالشروط والأحكام، ولعفّته أيضا عن كلّ قبيح. وكان نشأ ببلده بالزّبيريّات من قرى الغربية من أعمال القاهرة، وسلك النواحى، وطلب العلم، وسمع على أبى الفتح الميدومىّ وغيره، وقرأ على أبيه القراءات وغيره، وتفقّه بجماعة.

ثمّ قدم القاهرة، وتزوّج بابنة قاضى القضاة موفّق الدين عبد الله الحنبلىّ، وباشر توقيع الحكم مدّة طويلة. ثمّ ناب فى الحكم عن القضاة بالقاهرة دهرا، وعلا سنّه، وعرف بالديانة والصّيانة، إلى أن طلبه الملك الظاهر برقوق فى يوم الخميس ثالث عشرين جمادى الأولى سنة تسع وتسعين وسبعمائه على حين غفلة، وفوّض إليه قضاء القضاة الشافعية عوضا عن المناوىّ بحكم عزله. ودام فى القضاء حتى صرف أيضا بالمناوىّ فى شهر رجب سنة إحدى وثمانمائة، فلزم المذكور داره، وترك ركوب البغلة وصار يمشى فى الطّرقات، وطرح الاحتشام إلى أن مات- رحمه الله- ودفن بتربة الصّوفيّة خارج القاهرة. وتوفّى ملك الروم سليمان بن أبى يزيد بن عثمان «1» - مقتولا- وملك بعده أخوه موسى الجزيرة الرّومية وأعمالها؛ وملك محمد بن عثمان العزبة «2» الخضراء وأعمالها، ويقال لها بالرّومية برصا. وتوفّى الأمير زين الدين قراجا بن عبد الله الظاهرىّ «3» الدوادار الكبير بمنزلة الصالحية- متوجّها مع السّلطان الملك الناصر إلى دمشق- فى يوم الأربعاء ثالث عشر شهر ربيع الآخر، ودفن بها، وكان أصله من خاصّكيّة الملك الظاهر برقوق، ثمّ صار بجمقدارا «4» ، وعرف بقراجا البجمقدار. ثمّ تأمّر فى الدولة الناصرية- فرج- وترقّى حتى صار شاد الشّراب خاناة.

ثمّ ولى الدوادارية الكبرى بعد موت قجاجق، فلم تطل مدّته فيها، ولزم الفراش إلى أن خرج صحبة السّلطان فى محفّة ومات بالصالحية، وكان أميرا عاقلا ساكنا مشكور السيرة. وتوفّى شمس الدين محمد بن عبد الخالق المناوىّ «1» ، المعروف ببدنة وبالطّويل أيضا فى شهر رجب بعد ما ولى حسبة القاهرة، ووكالة بيت المال، ونظر الكسوة، ونظر الأوقاف؛ الجميع بالسّعى والبذل، وكان عاريا من العلم. وتوفّى الأمير سيف الدين قراتنبك بن عبد الله الظاهرىّ الحاجب، أحد أمراء الطّبلخانات بالديار المصرية- بها- فى أوّل شوّال، وكان ممّن ترقّى فى الدولة الناصرية فى أيام الفتن. وتوفّى القان غياث الدين أحمد ابن الشيخ أويس ابن الشيخ حسن ابن الشيخ حسين بن آقبغا بن إيلكان «2» ، صاحب بغداد والعراق- مقتولا- فى ليلة الأحد آخر شهر ربيع الآخر. وكان أول سلطنته بعد وفاة أبيه فى صفر سنة أربع وثمانين وسبعمائة، وقد نكب فى ملكه غير مرّة، وقدم القاهرة فى دولة الملك الظّاهر برقوق وقد تقدّم ذكر قدومه إلى القاهرة، وتلقى الملك الظّاهر له، وأيضا ذكر خروجه وسفر السّلطان معه إلى البلاد الشّامية، كلّ ذلك فى ترجمة الملك الظّاهر برقوق الثانية، فلينظر هناك «3» فإن فيه ملحا. ثمّ إنّ السّلطان أحمد هذا قدم إلى دمشق ثانيا فى الدّولة النّاصريّة- فرج- فقبض عليه الأمير شيخ المحمودىّ نائب الشّام وحبسه بقلعة دمشق مدّة إلى أن أطلقه وعاد إلى بلاده.

ووقع له أمور حكيناها فى ترجمته فى تاريخنا «المنهل الصّافى والمستوفى بعد الوافى» مفصلا إلى أن مات. وكان القان أحمد هذا ملكا جليلا شجاعا كريما، فصيحا باللّغات الثلاث: العربية والعجمية والتركية، وينظم فيها الشعر الحسن، وكان يحبّ اللهو والطّرب، ويحسن تأدّى الموسيقى إلى الغاية، وله فيه أيضا التصانيف اللطيفة، غير أنّه كان مسرفا على نفسه جدا، سفّاكا للدّماء، منعكفا على المعاصى- سامحه الله تعالى- ومما ينسب إليه من الشّعر باللغة العربية قوله- رحمه الله- فى محموم: [الكامل] حمّك ما قربت حماك لعلّة ... إلّا تروم وتشتهى ما أشتهى لو لم تكن مشغوفة بك فى الهوى ... ما عانقتك وقبّلت فاك الشهى أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم سبعة أذرع سواء، مبلغ الزّيادة تسعة عشر ذراعا وأحد وعشرون إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 714

[ما وقع من الحوادث سنة 714] السنة السابعة من ولاية الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية على مصر وهى سنة أربع عشرة وثمانمائة. فيها تجرد السّلطان إلى البلاد الشّامية تجريدته السّابعة، وهى التى قتل فيها فى أوائل سنة خمس عشرة وثمانمائة- حسبما تقدّم ذكره. وفيها قتل الأمير سيف الدين تمراز بن عبد الله النّاصرىّ «1» الظاهرىّ نائب السّلطنة بالدّيار المصرية بسجنه بثغر الإسكندريّة، وكان من أجلّ الأمراء، كان تركى الجنس اشتراه الملك الظاهر برقوق وهو أتابك، ورقّاه بعد سلطنته حتى جعله أمير مائة ومقدّم ألف بالدّيار المصرية. ثمّ حبس بعد عزله بثغر الإسكندرية مدّة ثمّ أطلق، وصار على عادته أمير مائة ومقدّم ألف، وولى نيابة الغيبة لما خرج السلطان لقتال تيمور. ثمّ استقرّ بعد ذلك أمير مجلس، وانضمّ على الأتابك يشبك الشعبانى، وحبس معه ثانيا. ثمّ أطلق واستقر أمير سلاح، ثم خرج مع يشبك أيضا إلى البلاد الشاميّة وواقع السّلطان بالسعيدية، ثمّ أعيد إلى رتبته أيضا بمصر مدّة، ثمّ استقرّ فى نيابة السلطنة بالديار المصرية مدّة طويلة، ثمّ فرّ من السّلطان فى ليلة بيسان وتوجّه إلى الأمير شيخ ونوروز فدام عندهما مدة. ثمّ عاد إلى طاعة الملك الناصر بعد أمور حكيناها فى ترجمة الملك الناصر، فأكرمه الملك الناصر وأعاده إلى رتبته مدّة، ثمّ قبض عليه وحبسه بثغر الإسكندريّة إلى أن أراد السلطان السفر إلى البلاد الشامية فأمر بقتله،

فقتل بالإسكندريّة، وكان تمراز رأسا فى لعب الرّمح، ونسبته بالنّاصرى لتاجره الذي جلبه الخواجا ناصر الدين، وقيل إنّ الملك المؤيد شيخا قال يوما: إن كان الملك الناصر فرج يدخل الجنة فيدخلها بقتل تمراز، فقيل له: وكيف ذلك؟ قال: لأن تمراز عصى على الملك النّاصر غير مرّة وهو يقابله بالإحسان ويترضيه بكل ما يمكن حتى خلع عليه باستقراره فى نيابة السّلطنة بالدّيار المصرية؛ كل ذلك حتى يثبت على طاعته، فلم يثبت تمراز بعد ذلك إلا نحو السنة أو أكثر، وفرّ من الملك الناصر فى ليلة بيسان، وقدم علينا ووافقنا على الخروج على السّلطان، فقلت فى نفسى: وما عسى أن أفعل معه وقد ترك نيابة السّلطنة لأجلى؟ فلم أجد بدّا من أن أجلسه مكانى وأكون فى خدمته، ففعلت ذلك فأبى وأقسم إلا أن يكون من جملة أصحابى، ودام معنا مدّة طويلة، ثمّ تركنا وعاد إلى طاعة الملك النّاصر، فتلقّاه الملك الناصر وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف، وقد تفكّر فى نفسه أنّه كان ولّاه نيابة السلطنة فما قنع بذلك فبماذا يرضيه الآن؟ فلم يجد بدّا من القبض عليه وقتله، فكان هذا جزاءه- انتهى. وفيها قتل أيضا الأمير سيف الدّين خيربك بن عبد الله الظّاهرى نائب غزّة، ثمّ أحد مقدّمى الألوف بالدّيار المصرية بثغر الإسكندرية فى تاسع شوّال، وقد مرّ من ذكره ما يعرف به أحواله، على أنّه كان من أوساط الأمراء الظّاهريّة. وفيها أيضا قتل الأمير سيف الدين جانم [بن عبد الله] «1» من حسن شاه الظاهرىّ نائب طرابلس، ثمّ أمير مجلس- على سمنود، قتله الأمير طوغان الحسنى الدّوادار

بأمر الملك الناصر حسبما تقدم ذكره مفصلا فى ترجمة الملك الناصر، وكان شجاعا مقداما كريما، معدودا من أعيان الأمراء- رحمه الله تعالى. وفيها قتل الأمير سيف الدين يشبك بن عبد الله الموساوىّ الظاهرى، [المعروف ب] «1» الأفقم، أحد مقدّمى الألوف بالديار المصرية، بعد أن ولى عدّة أعمال، وكان كثير الشّرور، محبّا لإثارة الفتن، لا يثبت على حالة مع الظلم والعسف. وفيها قتل الأمير سيف الدّين قردم «2» بن عبد الله الخازندار الظاهرىّ أحد مقدّمى الألوف بالدّيار المصرية، والخازندار الكبير بثغر الإسكندرية، وهو صاحب النربة بباب القرافة. وفيها قتل الأمير سيف الدين قانى بك بن عبد الله الظاهرىّ «3» ، رأس نوبة النّوب بثغر الإسكندرية، وكان من أصاغر المماليك الظّاهرية، رقّاه الملك الناصر، فلم يسلم من شرّه، فقبض عليه وحبسه مدّة ثمّ قتله، وكان من سيّئات الزّمان جهلا وظلما وفسقا. وفيها قتل أيضا بسيف الملك الناصر فرج بن برقوق- صاحب الترجمة- من المماليك الظاهرية وغيرهم ستمائة وثلاثون رجلا- قاله المقريزىّ. وفيها توفّى الأمير علاء الدين آقبغا بن عبد الله القديدىّ دوادار الأتابك يشبك، ثمّ دوادار السّلطان، فى ليلة ثالث عشر شوّال، وكان خصيصا عند السّلطان الملك الناصر، وتزوّج الملك الناصر بابنته، وكان لديه معرفة وعقل بحسب الحال.

وتوفّى الأمير الشريف علاء الدين علىّ محمد البغدادىّ «1» ، ثمّ الإخميمىّ، ولى نيابة ثغر دمياط، ثمّ الوزر بالدّيار المصريّة. وتوفّى الطّواشىّ زين الدّين فيروز بن عبد الله الرّومىّ «2» فى يوم الأربعاء تاسع شهر رجب، وكان فيروز المذكور خصيصا عند أستاذه الملك النّاصر. وكان شرع فيروز قبل موته فى بناء مدرسته يخط الغرابليين «3» داخل بابى زويلة، ووقف عليها عدّة أوقاف، فمات قبل فراغها، فدفنه السّلطان بحوش التربة الظاهرية، وأخذ الملك النّاصر ما وقفه من المصارف على الفقهاء والأيتام وغيرهم، وأقرّه على التربة الظاهرية المذكورة بالصحراء. ثمّ أنعم السلطان بالمدرسة المذكورة على الأمير الكبير دمرداش المحمدى فهدمها دمرداش وشرع فى بنائها قيساريّة، وقبل أن تكمل خرج دمرداش فى صحبة السلطان إلى التّجريدة. فقتل الملك الناصر، ثمّ قتل دمرداش المذكور أيضا بعد مدّة، فاستولى عبد الباسط بن خليل الدّمشقىّ ناظر الخزانة على القيساريّه المذكورة وكملها وجعل بأعلاها ربعا، وهى سوق الباسطية «4» الآن. قلت: وهى إلى الآن مدرسة على نيّة فيروز وله أجرها، وقيساريّة على زعم من جعلها قيساريّة وعليه وزرها.

وتوفّى الأديب الفاضل البارع المفتن أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن أبى الوفاء «1» الشاذلىّ المالكىّ- غريقا ببحر النّيل بين الروضة ومصر- فى يوم تاسوعاء، وغرق معه جمال الدّين [ابن قاضى القضاة ناصر الدّين أحمد] «2» ابن التّنسىّ المالكىّ، ومات أبو الفضل المذكور وهو فى عنفوان شبيبته، وكان شاعرا بارعا بليغا، وهو أشعر بنى الوفاء بلا مدافعة، وله ديوان شعر، وشعره فى غاية الحسن. ومن شعره، وهو من اختراعاته البديعة- رحمه الله تعالى وعفا عنه: على وجنتيه جنّة ذات بهجة ... ترى لعيون النّاس فيها تزاحما حمى ورد خدّيه حماة عذاره ... فيا حسن ريحان الخدود حمى حمى وله مضمّنا: [الوافر] وخلّ سمته صفعا بمال ... فقال توازعوه يا صحابى إذا الحمل الثّقيل توازعته ... أكفّ القوم هان على الرّقاب وله فى مزيّن [المجتثّ] حبّى المزيّن وافى ... بعد البعاد بنشطه وفشّ دمّل قلبى ... بكاس راح وبطّه وله، وهو فى غاية الحسن والظرف [الرمل] عبدك الصّبّ المعنّى ... عرف الفقر وذاقه فلكم فاخر محتا ... جاشكى فقرا وفاقه

وله أيضا [الكامل] فى ليل شعر أو بصبح جبين ... ما زال حين يضلّنى يهدينى هو بى خبير مثل ما أنّى به ... فسلوه عنّى أو فعنه سلونى لا تملك العذّال منّى فى الهوى ... من سلوة عنه ولا تلوينى يا دولة الأشواق خلّى دينهم ... لهم وفى حكم الهوى لى دينى أشكو فيشكو ما شكاه حنينه ... فيفى حنينهما ببعض حنينى لمّا جننت عليه سلسلنى الهوى ... لا تعجبوا لتسلسل المجنون بحواجب وسوالف وضفائر ... كالياء أو كالواو أو كالسين طالبت مرشفه الملىّ فقال قم ... واستوف ذا المكتوب فوق جبينى حاربت يا جيش المحاسن مهجتى ... وكسرت قلبى عنوة بكمين وقد ذكرنا من مقطّعاته نبذة غير ذلك فى ترجمته فى «المنهل الصافى» - رحمه الله تعالى. أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ستّة أذرع وثمانية أصابع، مبلغ الزّيادة ثمانية عشر ذراعا واثنان وعشرون إصبعا- والله أعلم.

ما وقع من الحوادث سنة 815

[ما وقع من الحوادث سنة 815] ذكر سلطنة الخليفة المستعين بالله العباس على مصر السّلطان أمير المؤمنين المستعين بالله أبو الفضل العباس ابن الخليفة المتوكل على الله أبى عبد الله محمد ابن الخليفة المعتصم بالله أبى بكر ابن الخليفة المستكفى بالله أبى الرّبيع سليمان ابن الخليفة الحاكم بأمر الله أبى العبّاس أحمد بن الحسن بن أبى بكر بن على بن الحسين- وهؤلاء غير خلفاء- ابن الخليفة الراشد بالله منصور ابن الخليفة المسترشد بالله الفضل ابن الخليفة المستظهر بالله أحمد ابن الخليفة المقتدى بالله. عبد الله ابن الأمير ذخيرة الدين محمد ابن الخليفة القائم بأمر الله عبد الله ابن الخليفة القادر بالله أحمد ابن الخليفة المقتفى بالله إبراهيم ابن الخليفة المقتدر بالله جعفر ابن الخليفة المعتضد بالله أبى العبّاس أحمد ابن الأمير الموثّق طلحة ابن الخليفة المتوكل على الله جعفر ابن الخليفة المعتصم بالله محمد ابن الخليفة الرشيد بالله هارون ابن الخليفة المهدىّ بالله محمد ابن الخليفة أبى جعفر عبد الله المنصور ابن الإمام محمد ابن الإمام علىّ بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، العباسىّ الهاشمىّ المصرىّ الخليفة، ثم سّلطان الدّيار المصريّة، ولى الخلافة بعد موت أبيه فى يوم الاثنين مستهلّ شعبان سنة ثمان وثمانمائة، وذلك بعد وفاة أبيه المتوكل بأربعة أيّام، واستمرّ فى الخلافة إلى أن تجرّد صحبة الملك الناصر فرج إلى البلاد الشّامية فى أواخر سنة أربع عشرة وثمانمائة، ووقع المصافّ بين الملك الناصر المذكور وبين الأمراء: الأمير شيخ المحمودىّ، والأمير نوروز الحافظىّ بمن معهم، وانكسر الناصر وانحاز إلى دمشق، واستولى الأمراء على الخليفة هذا

واستفحل أمرهم، وقدموا إلى دمشق وحصروا الناصر بها، بعد أمور ذكرناها مفصّلة فى أواخر ترجمة الملك النّاصر المذكور. ثمّ اتفق الأمراء على إقامة الخليفة هذا فى السلطنة، عوضا عن الملك الناصر فرج المذكور؛ لتجتمع الكلمة فى رجل واحد، ويجدوا بذلك سبيلا لقتال الملك الناصر وانفلال الناس عنه، وأرسلوا إليه فتح الله كاتب السرّ فكلّمه فى ذلك وهو على ظاهر دمشق، والملك الناصر داخلها، فأبى الخليفة المذكور أن يقبل ذلك، وصمّم على عدم القبول، فألحّ عليه فتح الله فى ذلك وتلطّف به، فلم يزدد إلا تمنّعا، كل ذلك خوفا من الملك الناصر، فلما رأى فتح الله شدّة تمنّعه، وعدم موافقته، رجع إلى الأمراء وأعلمهم بذلك وقال لهم: لا يمكن قبوله أبدا ممّا رأيت من تمنّعه، فاعملوا عليه حيلة حتى يقبل، فدبّروا عليه حيلة من أنهم أرسلوا خلف أخيه لأمه الأمير ناصر الدين محمد بن مبارك شاء الطازىّ، وأعطوه ورقة تتضمن القدح فى الملك الناصر وفى تعداد أفعاله وماوئه، وندبوا ناصر الدين المذكور بعد أن أوعدوه بإمرة طبلخاناة، ودوادارية السّلطان حتى ركب فرسا من غير علم الخليفة، ونودى أمامه: إن الخليفة قد خلع السلطان الملك الناصر من السلطنة، ولا يحلّ لأحد متابعته ولا القيام بنصرته، وقرئت الورقة على الناس. وبلغ الخليفة المستعين بالله ذلك، فقامت قيامته، وعظم عليه ذلك إلى الغاية، وتحقّق عند ذلك أنّ الملك الناصر إذا ظفر به لا يبقيه، ودخل عليه فتح الله بعد ذلك ثانيا وكلّمه فى السّلطنة، فقبل على شروط عديدة شرطها على الأمراء، فقبلوا جميع الشروط، وفرح الأمراء بذلك وبايعوه بأجمعهم، وقبّلوا يده، وحلفوا له- على الطّاعة والوفاء- بالأيمان المغلّظة التى لا يمكن التّورية فيها.

ثمّ نصبوا له كرسيّا خارج باب الدار تجاه جامع كريم الدين «1» ، وجلس فوقه وعليه خلعة سوداء خليفتيّة، أخذوها من الجامع المذكور من ثياب الخطيب، ووقفوا بين يديه على مراتبهم، الجميع ما عدا الأمير نوروز الحافظىّ، فإنّه لم يقدر على الحضور لاشتغاله بحفظ الجهة التى هو فيها لحصار الملك النّاصر فرج، غير أنّه يعلم بالخبر، وعنده من السّرور لذلك مالا مزيد عليه. ثمّ قبّلت الأمراء الأرض بين يديه على العادة، وكان ذلك فى آخر الساعة الخامسة من نهار السبت الخامس والعشرين من محرّم سنة خمس عشرة وثمانمائة، والطّالع برج الأسد. وفى الحال، عند تمام أمره تقدّم الأمير بكتمر جلّق فخلع عليه بنيابة دمشق عوضا عن دمرداش المحمّدىّ، فإنه كان الملك الناصر قد ولّاه نيابة دمشق- بعد كسرته- عوضا عن الوالد- رحمه الله- بحكم وفاته. وخلع على سيّدى الكبير قرقماس- ابن أخى دمرداش المذكور- باستقراره فى نيابة حلب، عوضا عن الأمير شيخ المحمودىّ. وخلع على سودون الجلب باستقراره فى نيابة طرابلس عوضا عن الأمير نوروز الحافظىّ. ثمّ ركب أمير المؤمنين وهو السّلطان، وبين يديه جميع الأمراء، ونادى مناد: إن الملك الناصر فرج بن برقوق خلع من السّلطنة بالخليفة أمير المؤمنين المستعين بالله، ولا يحلّ لأحد بعد ذلك مساعدته ولا القيام بنصرته، ومن حضر إلى الخليفة من جماعته فهو آمن على نفسه وماله، وقد أمهلكم أمير المؤمنين فى المجىء إليه إلى يوم الخميس.

وسار أمير المؤمنين بعساكره إلى قريب المصلّي «1» ، ثمّ عاد ونزل بمكانه. ثمّ أمر فنودى بذلك أيضا فى الناحية الشّرقية من دمشق، وعند سماع هذه المناداة انحلّت أهل دمشق عن الملك الناصر، وخافوا عاقبة مخالفة أمير المؤمنين فى الدنيا والآخرة. ثمّ كتب أمير المؤمنين إلى أمراء مصر باجتماع الكلمة على طاعته، وأنّه خلع الملك الناصر من الملك وتسلطن عوضه، وأنّه أبطل المكوس والمظالم من سائر أعماله، وبعث بذلك على يد الأمير كزل العجمىّ. ثمّ مات الأمير سكب الدّوادار الثانى من سهم أصابه، وكان ممّن خامر على الملك الناصر وأتى الأمراء فى واقعة اللجّون. ثمّ خلع أمير المؤمنين على القاضى شهاب الدين أحمد الباعونىّ، واستقرّ به قاضى قضاة الشّافعية بالدّيار المصرية عوضا عن قاضى القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقينىّ؛ بحكم تخلّفه بمدينة دمشق عند الملك الناصر فرج، هذا كلّه والقتال عمّال فى كل يوم، والجراحات فاشية فى عسكر الأمراء من عظم الرّمى عليهم من أسوار المدينة من الناصريّة. ومات الأمير يشبك [بن عبد الله] العثمانىّ [الظاهرى] «2» أيضا خارج دمشق من سهم أصابه فى يوم الجمعة أوّل صفر، وصلّى عليه الأمير شيخ المحمودى. وأمّا الملك الناصر، فهو مع هذا كلّه يفرّق الأموال، ويستدعى المقاتلة ويستحثّهم على نصرته. وخلع على فخر الدين ماجد بن المزوّق ناظر الإسطبل باستقراره فى كتابة سرّ مصر عوضا عن فتح الله.

ثم ولّى الوزير سعد الدين إبراهيم بن البشيرىّ نظر الخاصّ عوضا عن بدر الدين حسن بن نصر الله الفوّىّ، وبينما هو فى ذلك وصلت إلى الملك الناصر أمراء التّركمان: قرايلك وغيره من نوّاب القلاع بسبب النّجدة، فنودى بعسكر أمير المؤمنين باستعداد العوام لقتال المذكورين، فإنّهم مقدّمة تمر لنك وجاليشه. واجتمع الأمراء والمماليك، وحلفوا بأجمعهم يمينا مغلظّا لأمير المؤمنين بأنّهم يلزمون طاعته، ويأتمرون بأمره، وأنّهم رضوا بأنّه الحاكم عليهم، وأنّه يستبدّ بالأمور من غير مراجعة أحد، وأنهم لا يسلطنون أحدا غيره طول حياته. ثمّ قبّل الجميع الأرض بين يديه، وصار الجميع طوعا لأمير المؤمنين المستعين بالله، فمشى بذلك حالهم على قتال الملك الناصر، ولولا الخليفة ما انتظم لهم أمر؛ لعظم ميل التّركمان والعامّة للملك الناصر. ثمّ توجّه فتح الله للأمير نوروز بدار الطّعم- حيث هو نازل- فحلفه على ذلك، وقبّل الأرض لأمير المؤمنين، وأظهر من الفرح والسرور مالا مزيد عليه باستبداد الخليفة بالأمر، وقال: حينئذ استقام الأمر، وسأل نوروز فتح الله المذكور أن يقبّل الأرض بين يدى أمير المؤمنين نيابة عنه، وسأله فى أن ينفرد بالتّدبير ولا يشاركه فيه الأمير شيخ، ولا هو ولا غيره، يريد بذلك كفّ الأمير شيخ عن التّحكّم. هذا والقتال عمّال فى كلّ يوم، وقراءة المحضر الذي أثبتوه على الملك النّاصر على الشّاميّين، وفيه قوادح فى الدين توجب إراقة دمه، وشهد فى المحضر نحو خمسمائة نفس، وثبت ذلك على قاضى القضاة ناصر الدين بن العديم الحنفىّ، وحكم بإراقة دمه. ثمّ بلغ شيخا أنّ الملك الناصر عزم على إحراق ناحية قصر حجّاج «1» حتى يصير

فضاء، ثمّ يركب بنفسه ويواقع القوم هناك بمن يأتيه من التّركمان وبمن عنده، فبادر شيخ وركب بعد صلاة الجمعة بأمير المؤمنين ومعه العساكر، وسار من طريق القبيبات ونزل بأرض النابتية «1» ، وقاتل الملك الناصر فى ذلك اليوم أشدّ قتال إلى أن مضى من الليل جانب، وكثر من الشّاميّين الرّمى بالنّفط عليهم، فاحترق سوق خان «2» السّلطان وما حوله. وحملت السّلطانيّة على الشّيخيّة حملة عظيمة هزموهم فيها، وتفرّقوا فرقا، وثبت شيخ فى جماعة قليلة بعد ما كان انهزم هو أيضا إلى قريب الشّويكة «3» . ثمّ تكاثر الشّيخيّة وانضمّ عليهم جماعة من الأمراء، فحمل شيخ بنفسه بهم حملة واحدة أخذ فيها القنوات، ففرّ من كان هناك من التّركمان والرّماة وغيرهم. وكان الأتابك دمرداش المحمّدىّ نازلا عند باب الميدان تجاه القلعة، فلمّا بلغه ذلك ركب وتوجّه إلى الملك الناصر وهو جالس تحت القبّة فوق باب النّصر «4» ، وسأله أن يندب معه طائفة كبيرة من المماليك السّلطانيّة؛ ليتوجّه بهم إلى قتال شيخ فإنّه قد وصل إلى طرف القنوات، وسهّل أخذه على السّلطان، فنادى الملك الناصر لمن هناك من المماليك وغيرهم بالتّوجه مع دمرداش، فلم يجبه منهم أحد. ثمّ كرّر السّلطان عليهم الأمر غير مرّة حتى أجابه بعضهم جوابا فيه جفاء

وخشونة ألفاظ، معناه أنّهم ملّوا من طول القتال، وضجروا من شدّة الحصار. وبينما هم فى ذلك، إذ اختبط العسكر السّلطانىّ وكثر الصّراخ فيهم بأنّ الأمير نوروزا قد كبسهم، فسارعوا بأجمعهم وعبروا من باب النّصر إلى داخل مدينة دمشق، وتفرّقوا فى خرائبها بحيث إنّه لم يبق بين يدى السّلطان أحد، فولّى دمرداش عائدا إلى موضعه، وقد ملك شيخ وأصحابه الميدان والإسطبل. فبعث دمرداش إلى السّلطان مع بعض ثقاته بأنّ الأمر قد فات، وأنّ أمر العدوّ قوىّ، وأمر السّلطان أخذ فى إدبار، والرأى أن يلحق السّلطان بحلب ما دام فى الأمر نفس. فلمّا سمع الملك الناصر ذلك قام من مجلسه وترك الشّمعة تقد حتى لا يقع الطّمع فيه بأنّه ولّى، ويوهم الناس أنّه ثابت مقيم على القتال. ثمّ دخل إلى حرمه وجهّز ماله، وأطال فى تعبئة ماله وقماشه، فلم يخرج حتى مضى أكثر الليل، والأتابك دمرداش واقف ينتظره، فلمّا رأى دمرداش أنّ الملك الناصر لا يوافقه على الخروج إلى حلب، خرج هو بخواصّه ونجا بنفسه، وسار إلى حلب وترك السّلطان. ثمّ خامر الأمير سنقر الرّومىّ على الملك الناصر، وأتى أمير المؤمنين وبطّل طبول السّلطان والرّماة. ثمّ خرج الملك الناصر من حرمه بماله، وأمر غلمانه فحملت الأموال على البغال ليسير بهم إلى حلب، فعارضه الأمير أرغون من بشبغا الأمير آخور الكبير وغيره، ورغّبوه فى الإقامة بدمشق، وقالوا له: الجماعة مماليك أبيك لا يوصّلون إليك سوءا أبدا، ولا زالوا به حتى طلع الفجر، فعند ذلك ركب الملك الناصر بهم، ودار على سور المدينة فلم يجد أحدا ممّن كان أعدّه للرّمى، فعاد ووقف على فرسه

ساعة، ثمّ طلع إلى القلعة والتجأ بها بمن معه- وقد أشحنها- وترك مدينة دمشق، وبلغ أمير المؤمنين والأمراء ذلك، فركب شيخ بمن معه إلى باب النصر، وركب نوروز بمن معه إلى نحو باب توما «1» ، ونصب شيخ السّلالم حتى طلع بعض أصحابه، ونزل إلى مدينة دمشق وفتح باب النصر، وأحرق باب الجابية «2» ، ودخل شيخ من باب النصر، وأخذ مدينة دمشق، ونزل بدار السّعادة، وذلك فى يوم السبت تاسع صفر، بعد ما قاتل الملك الناصر نحو العشرين يوما، قتل فيها من الطائفتين خلائق لا تحصى، ووقع النّهب فى أموال السّلطان وعساكره، وامتدّت أيدى الشّيخيّة وغيرهم إلى النّهب، فما عفّوا ولا كفّوا. وركب أمير المؤمنين ونزل بدار فى طرف ظواهر دمشق، وتحوّل شيخ إلى الإسطبل، وأنزل الأمير بكتمر جلّق بدار السّعادة، كونه قد ولّى نيابة دمشق قبل تاريخه. هذا والسّلطانيّة ترمى عليهم من أعلى القلعة بالسّهام والنّفوط يومهم كلّه، وباتوا ليلة الأحد على ذلك، فلمّا كان يوم الأحد عاشر صفر المذكور بعث الملك النّاصر بالأمير أسندمر أمير آخور فى الصلح، وتردّد بينهم غير مرّة حتى انعقد الصلح بينهم، وحلف الأمراء جميعهم وكتبت نسخة اليمين، ووضعوا خطوطهم فى النّسخة المذكورة، وكتب أمير المؤمنين أيضا خطه فيها، وصعد بها أسندمر المذكور إلى القلعة ومعه الأمير ناصر الدين محمد بن مبارك شاه

الطّازىّ- أخو الخليفة المستعين بالله لأمه- ودخلا على الملك النّاصر وكلّماه فى ذلك، وطال الكلام بينهم فلم يعجب الملك النّاصر ذلك. وتردّدت الرّسل بينهم غير مرّة بغير طائل، وأمر الملك النّاصر أصحابه بالرّمى عليهم، فعاد الرّمى من أعلى القلعة بالمدافع والسّهام، وركب الأمراء واحتاطوا بالقلعة، فأرسل الملك النّاصر يسأل بالكفّ عنه، فضايقوا القلعة خشية أن يفرّ السّلطان منها إلى جهة حلب، ومشت الرسل أيضا بينهم ثانيا، وأضرّ الملك النّاصر التّضييق والغلبة إلى أن أذعن إلى الصلح، وحلفوا له ألّا يوصّلوا إليه مكروها، ويؤمّنوه على نفسه، وأن يستمرّ الخليفة سلطانا، وقيل غير ذلك: إنّه ينزل إليهم ويتشاور الأمراء فيمن يكون سلطانا، فإن طلبه المماليك فهو سلطان على حاله، وإن لم يطلبوه فيكون الخليفة، ويكون هو مخلوعا يسكن بعض الثغور محتفظا به. ومحصول الحكاية أنّه نزل إليهم فى ليلة الاثنين حادى عشر صفر، ومعه أولاده يحملهم ويحملون معه، وهو ماش من باب القلعة إلى الإسطبل والنّاس تنظره، وكان الأمير شيخ نازلا بالإسطبل المذكور، فعند ما عاينه شيخ قام إليه وتلقّاه وقبل الأرض بين يديه، وأجلسه بصدر المجلس، وجلس بالبعد عنه وسكّن روعه، ثمّ تركه بعد ساعة وانصرف عنه، فأقام الملك النّاصر بمكانه إلى يوم الثلاثاء ثانى صفر. فجمع الأمراء والفقهاء والعلماء المصريّون والشّاميّون بدار السعادة بين يدى أمير المؤمنين- وقد تحوّل إليها وسكنها- وتكلموا فى أمر الملك النّاصر

والمحضر المكتّب «1» فى حقه، فأفتوا بإراقة دمه شرعا. فأخذ فى ليلة الأربعاء من الإسطبل، وطلع به إلى قلعة دمشق، وحبسوه بها فى موضع وحده، وقد ضيّق عليه وأفرد من خدمه، فأقام على ذلك إلى ليلة السّبت سادس عشر صفر، وقتل حسبما ذكرناه فى أواخر ترجمته مفصلا، بعد اختلاف كبير وقع فى أمره بين الأمراء. فكان رأى شيخ إبقاءه محبوسا بثغر الإسكندرية، وإرساله إليها مع الأمير طوغان الحسنىّ الدّوادار، وكان رأى نوروز قتله، وقام نوروز وبكتمر جلّق فى قتله قياما بذلا فيه جهدهما. وكان الأمير يشبك بن أزدمر أيضا ممن امتنع من قتله، وشنّع ذلك على نوروز، وأشار عليه ببقائه، واحتجّ بالأيمان التى حلفت له، واختلف القوم فى ذلك، فقوى أمر نوروز وبكتمر بالخليفة المستعين بالله، فإنه كان أيضا اجتهد هو وفتح الله كاتب السرّ فى قتله، وحملا القضاة والفقهاء على الكتابة بإراقة دمه بعد أن توقّفوا عن ذلك، حتى تجرّد قاضى القضاة ناصر الدين محمد بن العديم الحنفىّ لذلك، وكافح من خالفه من الفقهاء بعدم قتله بقوّة الخليفة ونوروز وبكتمر وفتح الله، ثمّ أشهد على نفسه أنه حكم بقتله شرعا، فأمضى قوله وقتل. وكان قصد شيخ إبقاءه يخوّف به نوروزا إن حصل مخالفة، وأيضا وقف على يمينه وخاف سوء عاقبة الأيمان والعهود، وأيضا لما سبق لوالده عليه من الحقوق السّالفة، وقال: هو- يعنى الملك النّاصر- قد ظفر بنا وأبقانا غير مرّة. ونحن مماليكه، فكيف نحن نظفر به مرّة واحدة نقتله فيها، ويشاع ذلك عند ملوك الأقطار، فيقبّح ذلك علينا إلى الغاية!

قلت: ولذلك ملّكه الله على المسلمين. وحكمه فيمن خالفه فى ذلك حتى أقفاهم على السيف فى أسرع وقت وأقل مدة وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ «1» - انتهى. وبعد أن قتل الملك الناصر، مشت الأحوال، وأمن الناس، ونودى فيهم بالأمان. واتّفق الحال على أنّ الأمير شيخا ونوروزا يسيران إلى مصر صحبة أمير المؤمنين المستعين بالله، ويكونان فى خدمته، وأن يكون الأمير شيخ أميرا كبيرا أتابك العساكر بالديار المصرية، ويكون نوروز أتابك رأس نوبة الأمراء، ويكون إقطاعهم بالسّويّة، وأن يسكن شيخ باب السّلسلة، ويسكن نوروز بيت قوصون تجاه باب السّلسلة بالرّميلة. وكتب نوروز إلى القاهرة بتجديد عمارة البيت المذكور، وأن يضرب عليه رنك «2» نوروز. وصار نوروز يركب من داره إلى تحت قلعة دمشق، فيركب شيخ أيضا من الإسطبل حيث هو نازل ويخرج إليه، ويسيران تحت قلعة دمشق بموكبهما ومعهما سائر الأمراء، ثمّ يدخلان إلى دار السّعادة إلى خدمة أمير المؤمنين، فيجلس شيخ عن يمينه ويجلس نوروز عن يساره، ويقف طوغان الحسنىّ الدّوادار على عادته، ويقعد الأمراء بمنازلهم يمينا وشمالا على عادة الموكب السّلطانىّ ويقف [ناظر] «3»

الجيش، ثمّ يقرأ كاتب السّرّ القصص ويمدّ السّماط، ثمّ ينفضّ الموكب. كلّ ذلك وشيخ ونوروز قلوبهما متنافرة بعضها من بعض، والناس يترقّبون وقوع فتنة بينهما، إلى أن خدع شيخ نوروزا بأن قال له: أنا قصدى أن أكون بدمشق، ويضاف إلىّ من العريش إلى الفرات، وأنت تتوجّه مع الخليفة أتابكا بالديار المصرية ومعك الأمير بكتمر جلّق وغيره من الأمراء. ولم يكن لقوله حقيقة، غير أنّه قصد بذلك حيلة على نوروز، فيقول نوروز أنت تتوجّه إلى مصر، وأنا أكون نائب الشّام، وكان ذلك على ما سنذكره. فاستشار نوروز أصحابه فى ذلك فقالوا له بأجمعهم: الرأى والمصلحة توجّهك إلى الديار المصرية ولو كنت من جملة مقدّمى الألوف بها، لا سيّما تكون أتابك العساكر ومالك زمام مصر، فقال لهم: إن أقام شيخ بالبلاد الشّامية- مع سعة تحكّمه فى البلاد- يصير له شوكة عظيمة ويتعبنى فيما بعد، ولو كان فى مصر خير ما تركها هو وأراد نيابة الشام، والمصلحة توجّهه إلى مصر وأكون أنا حاكم البلاد الشامية من العريش إلى الفرات، فراجعوه فى ذلك فأبى إلّا ما أراد. وأصبح لمّا حضر الخدمة بين يدى الخليفة على العادة فى يوم الاثنين خامس عشرين صفر من سنة خمس عشرة وثمانمائة فاتحه الأمير شيخ فى ذلك، فبادره الأمير نوروز: أنت تتوجّه إلى مصر، وأنا أكون نائبا بدمشق. فخلع عليه أمير المؤمنين فى الحال باستقراره فى نيابة الشام كلّه، وأن يولّى بجميع البلاد من شاء من أصحابه. وانفضّ الموكب وقد نال الأمير شيخ غرضه، وانفرد بتدبير المملكة وحده من غير شريك، وكان ظنّ الأمير نوروز أنّ شيخا لا يستقيم له أمر مع

بكتمر جلّق، ويلبغا الناصرىّ نائب الغيبة بمصر، وطوغان الحسنىّ الدّوادار، وسيّدى الكبير قرقماس، وأنّ الذي يبقى معه من الأمراء بالبلاد الشامية جميعهم فى طاعته، مثل يشبك بن أزدمر، وطوخ، وقمش وغيرهم، فجاء حساب الدّهر بخلاف ما ظنّ. ثمّ فوّض أمير المؤمنين إلى الأمير نوروز كفالة الشّام جميعه: دمشق، وحلب، وطرابلس، وحماة، وصفد، وغزّة، وجعل له أن يعيّن الأمريّات والإقطاعات لمن يريده ويختاره، وأن يولّى نوّاب القلاع الشّاميّة والسّواحل وغيرها لمن أراد من غير مراجعة فى ذلك، غير أنه يطالع الخليفة بمن يستقرّ به فى شىء من ذلك ليجهّز إليه تشريفا. وعزل بكتمر جلّق عن نيابة دمشق بعد أن حكمها نحو الشّهرين عن الخليفة، ورسم له أن يتوجّه أمير مائة ومقدّم ألف بالديار المصرية على أحسن الإقطاعات. ثمّ خلع الخليفة على موقّع الأمير نوروز ناصر الدين محمد بن محمد البصروىّ باستقراره كاتب سرّ دمشق، عوضا عن صدر الدين علىّ بن الأدمىّ. ثمّ خلع الخليفة على قاضى القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقينىّ بإعادته إلى قضاء الشّافعية بالديار المصرية، عوضا عن الباعونىّ الذي كان ولّاه الملك الناصر، فكانت ولاية الباعونىّ نحو الشهرين، ولم يدخل فيها القاهرة. ثمّ كتب الخليفة إلى البلاد الشامية وغيرها من التركمان والعربان والعشير، وجعل افتتاح الكتب «من عبد الله ووليّه، الإمام المستعين بالله، وخليفة ربّ العالمين، وابن عمّ سيد المرسلين، المفترض طاعته على الخلق أجمعين، أعزّ الله ببقائه الدين» . ثمّ كتب الخليفة إلى الديار المصرية بإطلاق الأمراء المسجونين بالإسكندرية،

وأنّ الأمير أسنبغا الزّرد كاش يسلّم قلعة الجبل إلى الأمير يلبغا الناصرىّ، ففعل أسنبغا الزّرد كاش ذلك، وقدم الأمراء من سجن الإسكندرية إلى القاهرة وهم: إينال الصّصلانى، وسودون الأسندمرىّ الأمير آخور الثانى، وكمشبغا الفيسىّ، وجانبك الصّوفىّ، وتاج الدين عبد الرزّاق بن الهيصم الأستادار. ثمّ تهيّأ أمير المؤمنين وخرج معه الأمير شيخ وجميع العساكر من دمشق، فى يوم السبت ثامن شهر ربيع الأوّل، نحو الديار المصرية. ثمّ خرج بعدهم نوروز فى سادس عشره إلى حلب ليمهّد أمورها. ثمّ رسم الأمير نوروز أن يضرب بدمشق دراهم نصفها فضّة ونصفها نحاس، فضربت وتعامل الناس بها. وسار أمير المؤمنين بعساكره حتّى دخل إلى الدّيار المصريّة فى يوم الثلاثاء ثانى شهر ربيع الآخر، وطلع إلى القلعة بعد ما شق القاهرة، وخرج من باب زويلة إلى الصليبة إلى القلعة، وقد زيّنت القاهرة أحسن زينة، فنزل الخليفة بالقصر من قلعة الجبل على عادة السّلاطين، ونزل الأمير شيخ بباب السلسلة من الإسطبل السّلطانىّ، ولم يخلع الخليفة على أحد على جارى العوائد، وكان الأمير شيخ يظنّ أنّ الخليفة يتوجّه إلى داره بالقرب من المشهد النفيسىّ على عادته أوّلا، فلما طلع إلى القلعة، تحقق الأمير شيخ منه أنّه يريد أن يسير على طريق السلاطين ويترك طريق الخلفاء، فأخذ شيخ يكيده بأشياء، منها: أنّه صار يبطّل المواكب السّلطانيّة ويعمل الموكب عنده، ويعتذر عن ذلك بأنّ القوم عقيب سفر وتعب ليس لهم طاقة على لزوم المواكب الآن إلى أن يجدوا فى نفوسهم قوة ونشاطا، وصار ترداد جميع أرباب الدّولة إلى باب الأمير شيخ، فاتّضع أمر الخليفة.

ثمّ أمسك الأمير شيخ الأمير أسنبغا الزّردكاش، واستفتى فى قتله؛ لقتله الأمير قانى باى فى غيبة الملك النّاصر، فأفتوا بقتله وحكموا به، ثمّ أمسك الأمير شيخ حطط البكلمشى، وصرغتمش القلمطاوىّ، وهما من أمراء العشرات من خواصّ الملك الناصر، ثمّ قبض على الأمير أرغون من بشبغا الأمير آخور الكبير، وعلى الأمير سودون الأسندمرىّ، وعلى كمشبغا الفيسىّ، وكانا قدما من سجن الإسكندرية بمدّة أيام- حسبما تقدّم ذكره- ونفى كمشبغا الفيسىّ إلى دمياط. ثمّ خلع الأمير شيخ على الأمير خليل التّبريزىّ الدّشارىّ باستقراره فى نيابة الإسكندرية عوضا عن قطلوبغا الخليلىّ بعد موته. ثمّ فى ثامن شهر ربيع الآخر، عمل الأمير شيخ الموكب عند الخليفة بالقصر السّلطانىّ على العادة، وحضر شيخ هو وسائر الأمراء الموكب، وخلع الخليفة على الأمير شيخ باستقراره أتابك العساكر بالدّيار المصريّة، وكانت شاغرة منذ قبض على الملك الناصر، وفرّ الأتابك دمرداش المحمّدىّ إلى حلب، ثمّ فوّض الخليفة إلى شيخ جميع الأمور، وأنه يولّى ويعزل من غير مراجعة، وأشهد عليه بذلك بعد أن توقّف الخليفة عن ذلك أياما حتى أذعن على رغمه. ثمّ خلع الخليفة على الأمير شاهين الأفرم على عادته أمير سلاح، وعلى يلبغا الناصرىّ باستقراره أمير مجلس، وعلى الأمير إينال الصصلانى باستقراره حاجب الحجّاب عوضا عن يلبغا الناصرىّ، وعلى سودون الأشقر باستقراره رأس نوبة النّوب عوضا عن سنقر الرّومىّ، وعلى الأمير ألطنبغا العثمانىّ بنيابة غزّة عوضا عن سودون من عبد الرحمن، ونزل الجميع فى خدمة الأمير شيخ، ثمّ توجهوا إلى دورهم. ثم فى تاسعه عرض الأمير شيخ المماليك السّلطانيّة، وفرّق عليهم الإقطاعات الشّاغرة عن الناصرية بحسب ما يختاره، وأنعم على جماعة من مماليكه بإمريّات: ما بين طبلخانات وعشرات.

ثمّ خلع الأمير شيخ على دواداره جقمق الأرغون شاوىّ واستقرّ به دوادار الخليفة؛ حتى لا يتمكن الخليفة من شىء يعمله، وكان دواداره قبل ذلك أخوه ناصر الدين محمد بن مبارك شاه الطازىّ بإمرة طبلخاناة، فصار جقمق كالدّوادار الثانى له، وفى الحقيقة ترسيما عليه، فعند ذلك صار للخليفة الاسم فى السّلطنة لا غير، وما عدا ذلك متعلق بالأمير شيخ، وصار الخليفة مستوحشا بعياله فى تلك القصور الواسعة بقلعة الجبل، وضاق صدره من عدم ترداد الناس إليه، وندم على دخوله فى هذا الأمر حيث لا ينفعه النّدم، وصار لا يمكنه الكلام لعدم من يقوم بنصرته من الأمراء وغيرهم، فسكت على مضض. ثم إنّ الأمير شيخا خلع على الأمير قانى باى المحمّدى، وعلى الأمير سودون من عبد الرحمن- المعزول عن نيابة غزّة- خلع الرّضى من غير وظيفة، ثمّ خلع على سعد الدين إبراهيم بن البشيرىّ باستقراره وزيرا على عادته، وخلع على بدر الدين حسن بن نصر الله الفوّى باستقراره فى نظر الجيش على عادته، وخلع على تقىّ الدين عبد الوهاب بن أبى شاكر باستقراره ناظر الخاصّ على عادته، ثمّ خلع على التّاج بن سيفا الشّوبكىّ القازانىّ باستقراره والى القاهرة عوضا عن أرسلان، فعدّ ذلك من أوّل سيئات الأمير شيخ، وعظم ذلك على أعيان الدّولة لعدم أهليّة التّاج المذكور لذلك، ثمّ فى ثامن شهر ربيع الآخر المذكور أخرج الأمير شيخ عدة بلاد من أوقاف الملك النّاصر فرج الموقوفة المحبسة، منها قرية منبابة بالجيزة تجاه بولاق، وكان أوتفها الملك الناصر على التربة الظّاهريّة، وناحية دنديل «1» ، وكانت أيضا [موقوفة «2» ] على التّربة المذكورة، وأخرج عدة رزق كثيرة، [وهى] «3» التى كان الناصر أخرجها وأوقفها فى سلطنته.

ثمّ فى تاسع عشره خلع الأتابك شيخ على القضاة الأربعة باستمرارهم، وخلع على بدر الدين حسن بن محبّ الدين الطّرابلسىّ أستادار الأمير شيخ باستقراره أستادار العالية، فنزل ابن محبّ الدين إلى داره وجميع أرباب الدولة فى خدمته. ثمّ فى ثانى عشرينه استقرّ شهاب الدين أحمد الصّفدىّ موقّع الأمير شيخ فى نظر البيمارستان المنصورىّ عوضا عن كاتب السرّ فتح الله، ومعها نظر الأحباس عوضا عن تاج الدين عبد الوهاب بن نصر الله، وخلع على القاضى ناصر الدين محمّد ابن البارزىّ باستقراره موقّع الأمير الكبير شيخ عوضا عن الشّهاب الصّفدىّ المقدّم ذكره. وأما الأمير نوروز الحافظىّ، فإنه استولى على حلب، وهرب منها الأمير دمرداش المحمّدىّ، وخلع على يشبك بن أردمر بنيابتها، وخلع على الأمير طوخ بنيابة طرابلس، وفرّق الإقطاعات والإمريّات على أصحابه ومماليكه كيف يختار من غير معاند، غير أنه ندم على قعاده بالبلاد الشامية غاية الندم فى الباطن لا سيما لمّا بلغه من أمر شيخ وعظمته بمصر ما بلغه. ثم فى يوم الخميس سادس عشر جمادى الأولى، قرىء تقليد الأمير الكبير شيخ نظام الملك بأن الخليفة فوّض إليه ما وراء سرير الخلافة، فعند ذلك جلس الأتابك شيخ بالحرّاقة من الإسطبل السلطانىّ وبين يديه القضاة وأرباب الدولة من أعيان الأمراء والمباشرين وغيرهم، وقرأ كاتب السّرّ عليه القصص كما يقرؤها بين يدى السّلطان، وتلاشى أمر الخليفة حتى صار كعادته أيام خلافته، غير أنه فى التّرسيم محجوب عمّا يريده. ثمّ فى رابع عشرين جمادى الأولى المذكورة استقرّ القاضى صدر الدين علىّ ابن الأدمىّ قاضى قضاة الحنفيّة بالديار المصرية بعد عزل قاضى القضاة ناصر الدين محمد ابن العديم عنها، ثم أرسل الأتابك شيخ دواداره الأمير جقمق الأرغون شاوىّ إلى

البلاد الشّاميّة ومعه تقاليد النّوّاب الخليفتيّة باستمرارهم على عادتهم بما قرر الأمير نوروز برضاه. ثم فى يوم الخميس ثامن جمادى الآخرة، مات الأمير بكتمر جلّق من مرض تمادى به نحو الشهرين؛ أصله من عقرب لسعته وهو قادم صحبة الخليفة والعساكر إلى الدّيار المصرية بالرّمل، فاشتد ألمه منها وأخذته الحمّى، ثم خرج من سيّئ إلى سيّئ إلى أن مات، فنزل الأتابك شيخ راكبا وجميع الأمراء الخاصّكيّة مشاة حتى صلّى عليه بمصلّاة المؤمنى من تحت القلعة، وعاد إلى باب السلسلة من غير أن يشهد دفنه، وهو فى غاية السّرور، وقد صفا له الوقت بموت بكتمر المذكور، فإنّه كان عليه أشد من نوروز، وصرّح شيخ بعد موته بما كان يستكتمه من الوثوب على الأمراء، وخلاله الجوّ، ولمّا بلغ نوروزا موته كاد أن يهلك، وعلم بما سيكون من أمر شيخ. ثم استقر القاضى ناصر الدين بن البارزىّ موقّع الأتابك شيخ بقراءة القصص على مخدومه الأتابك شيخ، فانحطّ بذلك قدر فتح الدين فتح الله كاتب السر، وصار فى وظيفته كالمعزول عنها، وقلّ ترداد الناس إليه، وكثر تردادهم إلى باب القاضى ناصر الدين بن البارزىّ لقضاء حوائجهم. ولما عظم أمر الأتابك شيخ بعد موت بكتمر، ورأى أن الجوّ قد خلاله وما ثمّ مانع من سلطنته طلب الأمراء وكلّمهم فى ذلك، فأجاب الجميع بالسّمع والطّاعة- طوعا وكرها- واتفقوا على سلطنته. فلما كان يوم الاثنين مستهل شعبان، وعمل الموكب عنده على عادته بالإسطبل السلطانىّ، واجتمع القضاة الأربعة قام فتح الله كاتب السر على قدميه فى الملأ وقال لمن حضر: إن الأحوال ضائقة ولم يعهد أهل نواحى مصر اسم خليفة، ولا تستقيم الأمور إلا بأن يقوم سلطان على العادة، ودعاهم إلى الأتابك شيخ المحمودىّ، فقال شيخ المذكور: هذا لا يتمّ إلا برضاء الجماعة، فقال من حضر بلسان واحد: نحن راضون بالأمير الكبير، فمدّ قاضى القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقينىّ يده

وبايعه، فلم يختلف عليه اثنان، وخلع الخليفة المستعين بالله العبّاس من السلطنة بغير رضاه. وبعد سلطنة الملك المؤيد شيخ وجلوسه على كرسى الملك- حسبما يأتى ذكره بعد أن نذكر بقية ترجمة العباس هذا- بعث إليه القضاة ليسلّموا عليه، ويشهدوا عليه أنه فوّض إلى الأمير شيخ السلطانة على العادة، فدخلوا إليه وكلّموه فى ذلك، فتوقّف فى الإشهاد عليه بتفويض السلطنة توقّفا كبيرا، ثمّ اشترط فى أن يؤذن له فى النّزول من القلعة إلى داره، وأن يحلف له السلطان بأنّه يناصحه سرّا وجهرا، ويكون سلما لمن سالمه وحربا لمن حاربه، فعاد القضاة إلى السلطان وردّوا الخبر عليه، وحسّنوا له العبارة فى القول، فأجاب: يمهّل علينا أياما فى النزول إلى داره ثم يرسم له بالنزول، فأعادوا عليه الجواب بذلك وشهدوا عليه، وتوجهوا إلى حال سبيلهم. وأقام الخليفة بقلعة الجبل محتفظا به على عادته أوّلا خليفة إلى ما يأتى ذكره. فكانت مدّة سلطنته من يوم جلس سلطانا خارج دمشق إلى يوم خلعه يوم الاثنين أوّل شعبان، سبعة أشهر وخمسة أيام، وأقام المستعين بقلعة الجبل إلى أن خلع من الخلافة أيضا بأخيه المعتضد داود بغير رضاه، كما وقع فى خلعه من السلطنة، وكان ذلك فى ذى الحجة سنة ست عشرة وثمانمائة، ودام مخلوعا بقلعة الجبل فى دار بالقلعة مدّة، ثم نقل إلى برج بالقلعة إلى يوم عيد النّحر من سنة تسع عشرة وثمانمائة، فأنزل من القلعة نهارا إلى ساحل النيل على فرس، وصحبته أولاد الملك الناصر فرج وهم: فرج، ومحمد، وخليل، وتوّجه معهم الأمير كزل الأرغون شاوىّ، فدام الخليفة المستعين هذا مسجونا بإسكندرية إلى أن نقله الملك الأشرف برسباى إلى قاعة بثغر الإسكندرية، فدام بها إلى أن توفّى بالطّاعون فى يوم الأربعاء لعشرين

بقين من جمادى الأولى سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، ولم يبلغ الأربعين سنة من العمر ومات وهو فى زعمه أنه مستمر على الخلافة، وأنه لم يخلع بطريق شرعى، وعهد من بعده بالخلافة لولده يحيى، فلمّا مات المعتضد داود فى يوم الأحد رابع شهر ربيع الأول من سنة خمس وأربعين وثمانمائة، تكلّم يحيى المذكور فى الخلافة، وسعى سعيا عظيما، فلم يتمّ له ذلك، والله أعلم، والحمد لله على كلّ حال.

فهرس الجزء الثالث عشر من كتاب النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة

فهرس الجزء الثالث عشر من كتاب النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة

فهرس الملوك والسلاطين الذين تولوا مصر من سنة 801 - 815 هـ

فهرس الملوك والسلاطين الذين تولوا مصر من سنة 801- 815 هـ 1- السلطان الملك الناصر فرج بن برقوق (سلطنته الأولى على مصر) . من ص 3- 40 2- السلطان الملك المنصور عبد العزيز بن برقوق. من ص 41- 47 3- السلطان الملك الناصر فرج بن برقوق (سلطنته الثانية على مصر) . من ص 48- 188 4- السلطان الخليفة المستعين بالله العباس. من ص 189- 207

فهرس الأعلام

فهرس الأعلام اآسية بنت فرج بن برقوق 153: 18 آقباى- أمير سلاح 42: 14- 50: 2، 3- 58: 9، 11- 63: 16 آقباى بن عبد الله الطرنطائى الظاهرى رأس نوبة الأمراء، المعروف بآقباى الحاجب. 77: 1- 176: 6، 7، 10، 11 آقباى بن عبد الله الكركى الظاهرى- سيف الدين المعروف بالطاز 31: 1 آقباى الحاجب آقباى بن عبد الله الطرنطائى الظاهرى. آقبردى- رأس نوبة 51: 8- 66: 11- 67: 15- 170: 7 آقبغا- رأس نوبة 48: 15 آقبغا بن عبد الله الجمالى الظاهرى، المعروف بالأطروش والهيدبانى- سيف الدين 4: 7- 36: 6، 12، 15 آقبغا بن عبد الله الطولو تمرى الظاهرى، المعروف باللكاش- سيف الدين 15: 12، 13، 15 آقبغا بن عبد الله القديدى دوادار الأتابك يشبك- علاء الدين 78: 16- 185: 16 آقبغا الدوادار اليشبكى آقبغا بن عبد الله القديدى. آق سنقر الحاجب 127: 22 إبراهيم بن البشيرى- سعد الدين 96: 6- 124: 12، 15- 193: 1- 204: 11 إبراهيم بن زقاعة- الشيخ برهان الدين 103: 11، 13، 20- 136: 11، 12، 15، 16 إبراهيم بن شيخ المحمودى 87: 6- 88: 8، 12 إبراهيم بن الظاهر برقوق 47: 9، 12، 14- 54: 13 إبراهيم بن عبد الرزاق بن غراب- سعد الدين 24: 3، 5- 35: 12- 42: 18- 43: 6- 44: 11، 14- 46: 3- 48: 16- 49: 7- 51: 10- 95: 11، 12، 13، 14- 151: 18- 156: 8- 157: 1- 173: 6، 7 إبراهيم بن عمر بن على المحلى المصرى- التاجر برهان الدين. 35: 13 إبراهيم بن قرايلك 60: 9 إبراهيم بن العلامة شمس الدين محمد بن مفلح الحنبلى الدمشقى- تقي الدين 25: 5 إبراهيم بن قاضى القضاة ناصر الدين نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبى الفتح الحنبلى- قاضى قضاة الديار المصرية- برهان الدين. 17: 10- 21: 8 إبراهيم بن الهيصم- الصاحب أمين الدين. 178: 11 إبراهيم طرخان- الدكتور 26: 23 ابن أبى شاكر (تقي الدين عبد الوهاب ابن الوزير فخر الدين عبد الله ابن الوزير تاج الدين أحمد ابن شرف الدولة إبراهيم ابن الشيخ سعيد الدولة. 124: 12، 23- 141: 6 ابن البقرى (الصاحب سعد الدين نصر الله) . 38: 11، 21 ابن التبانى محمد بن التبانى- القاضى شمس الدين. ابن التنسى أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عطاء الله ابن عواض- ناصر الدين.

ابن الجلال على بن يوسف بن مكى الدميرى. ابن حجر العسقلانى (أحمد بن على بن محمد الكنانى العسقلانى- شهاب الدين) 24: 26- 30: 17، 21- 34: 15 ابن خلدون (عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن الحسن ... الحضرمى الإشبيلى المالكي- ولى الدين أبو زيد) 155: 18 ابن رسته (أبو على أحمد بن عمر بن رستة) 35: 15 ابن زقاعة إبراهيم بن زقاعة- الشيخ برهان الدين. ابن الزين أحمد بن عمر بن الزين- شهاب الدين. ابن السفاح محمد بن صلاح الدين صالح الحلبى- القاضى ناصر الدين. ابن السكيت (يعقوب بن إسحاق- أبو يوسف بن السكيت) 35: 15 ابن شداد (محمد بن على بن إبراهيم أبو عبد الله عز الدين ابن شداد الأنصارى الحلبى) 142: 24- 145: 23- 191: 21- 192: 22- 194: 24. ابن شهرى محمد بن شهرى- ناصر الدين. ابن صاحب الباز التركمانى 73: 20، 22 ابن الطبلاوى (أحمد بن محمد بن الطبلاوى- شهاب الدين) 130: 1، 15- 131: 1، 15 ابن العجمى أحمد بن محمود بن محمد بن عبد الله العجمى. ابن عرام خليل بن عرام. ابن العديم (عمر بن إبراهيم بن محمد بن عمر بن عبد العزيز ابن أبى جرادة) 171: 4، 10 ابن عصفور (على بن محمد بن على بن عصفور- علاء الدين) 154: 7، 10 ابن عوف (عبد الرحمن بن عثمان بن عوف بن عبد الحارث ابن زهرة بن كلاب بن مرة) 35: 4 ابن غراب إبراهيم بن غراب- سعد الدين. ابن الفارس إياس ابن صاحب الباز التركمانى. ابن فهيد المغربى محمد بن أحمد بن محمد المعروف بابن فهيد المغربى. ابن قرمان 143: 16 ابن الكلبى (هشام بن محمد بن أبى النصر بن السائب الكلبى- أبو المنذر) 35: 16 ابن الكويز علم الدين داود بن الكويز. ابن مالك (محمد بن عبد الله بن مالك الطائى الجيانى أبو عبد الله جمال الدين) 30: 1 ابن المشيب خليل بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد الجليل المغربى- المعتقد الصالح. ابن نباتة (محمد بن محمد بن محمد بن الحسن الجذامى للفارقى المصرى- أبو بكر جمال الدين بن نباته) 173: 15، 20 ابن مقلة المقدسى 25: 24 ابن هيازع 94: 10، 11 ابن الوردى (الشيخ الأديب الفقيه زين الدين عمر بن المظفر ابن عمر بن محمد بن أبى الفوارس المصرى) 173: 15، 23 ابن واصل (جمال الدين محمد بن سالم بن واصل) 114: 20 أبو بكر بن سنقر- زين الدين وقيل سيف الدين. 22: 4 أبو بكر بن العجمى- القاضى شرف الدين 91: 3 أبو بكر اليغمورى 115: 7 أبو الحجاج المزى (جمال الدين أبو الحجاج يوسف ابن الزكى عبد الرحمن بن يوسف بن على بن عبد الله أبى الزهر القضاعى الكلبى المزى- الحافظ المزى) 29: 14، 20 أبو سفيان (المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب) 35: 1

أبو الفتح الميدومى 179: 19 أبو الفضائل (المفضل بن أبى الفضائل القبطى المصرى) 26: 22 أبو المحاسن يوسف البيرى جمال الدين الأستادار: أبو النصر الفارابى (محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ الفارابى) . 160: 22 أبو يزيد عثمان- متملك بلاد الروم. 29: 4- 32: 3 أثير الدين أبو حيان (محمد بن يوسف بن على بن يوسف ابن حيان الغرناطى المالكى ثم الشافعى) 30: 3، 18 أحمد بن أبى بكر بن محمد بن محمد العبادى الحنفى- الشيخ شهاب الدين أبو العباس 6: 12 أحمد ابن أخت جمال لدين الأستادار. 91: 13- 96: 9- 124: 3 أحمد بن إسماعيل بن خليفة الدمشقى- شهاب الدين أبو العباس الحسبانى. 79: 14- 146: 3، 18 أحمد بن أسنبغا الطيارى الشهابى 167: 17 أحمد بن الشيخ أويس بن الشيخ حسن بن الشيخ حسين ابن آقبغا بن إيلكان- القان غياث الدين صاحب بغداد 181: 10، 18- 182: 3 أحمد بن ثقبة بن رميثة بن أبى نمى الحسنى المكى- السيد الشريف 177: 4 أحمد بن الجزرى (أحمد بن على بن الحسين بن داود الجزرى- المسند أبو العباس الهكارى) . 29: 14- 30: 18 أحمد بن جمال الدين يوسف الأستادار 91: 12- 98: 4- 124: 3 أحمد بن حنبل- الإمام 39: 3- 55: 12 أحمد بن الشهيد- شهاب الدين 90: 12 أحمد ابن شيخ الشيوخ نظام الدين إسحاق بن عامر الأصبهانى الحنفى- جلال الدين أبو العباس 17: 15 أحمد بن شيخ على- الأمير شهاب الدين 36: 1 أحمد بن عبد الله النحريرى المالكى- قاضى القضاة شهاب الدين 21: 13 أحمد بن عمر بن الزين- الأمير شهاب الدين 21: 15، 23 أحمد بن عيسى بن سليم بن جميل الأزرقى العامرى الكركى الشافعى- قاضى القضاة عماد الدين. 3: 7- 4: 1- 133: 26 أحمد بن فضل الله العمرى- القاضى شهاب الدين. 26: 6، 9 أحمد بن الكشك- القاضى شهاب الدين. 138: 4 أحمد بن محمد بن الجواشى- شهاب الدين أبو العباس. 166: 1 أحمد بن محمد الطنبذى الشافعى- بدر الدين 164: 7 أحمد بن محمد الطولونى- المهندس شهاب الدين 17: 13 أحمد بن محمد بن محمد بن عطاء الله بن عواض بن نجا بن أبى الثناء محمود بن نهار بن مؤنس بن حاتم بن نيلى بن جابر ابن هشام بن عروة بن الزبير بن العوام، المعروف بابن التنسى- ناصر الدين 10: 4 أحمد بن محمد بن محمد بن الناصح- الشيخ المعتقد شهاب الدين 28: 5 أحمد بن محمود العجمى (صدر الدين أحمد بن محمود ابن عبد الله القشيرى الأصل القاهرى الحنفى) . 103: 4، 6، 7، 8، 14

أحمد بن ناصر بن فرج بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن الناصرى الباعونى- شهاب الدين أبو العباس الباعونى. 146: 3، 20- 192: 10- 201: 15 أحمد ابن قاضى القضاة ناصر الدين نصر الله بن أحمد ابن محمد بن أبى الفتح العسقلانى الحنبلى- موفق الدين. 17: 12- 21: 6 أحمد بن الوزير ناصر الدين محمد بن رجب- شهاب الدين. 32: 12 أحمد بن نصر الله- محب الدين 176: 4 أحمد بن يلبغا العمرى الخاصكى- شهاب الدين. 14: 4، 13 أحمد الأذرعى- شهاب الدين إمام الأمير شيخ المحمودى 141: 10 أحمد زادة- والد الشيخ محب الدين الإمام بن مولانا زادة 165: 3، 4 أحمد الصفدى- شهاب الدين 85: 6- 205: 4، 7 أحمد المدينى- القاضى محيى الدين. 94: 10، 13، 14 الأخطل (غياث بن غوث بن الصلط بن طارفة بن عمرو من بنى تغلب) 140: 21 أرسطاى- حاجب الحجاب 42: 17 أرسطاى بن عبد الله الظاهرى رأس نوبة- سيف الدين 172: 11 أرسلان- والى القاهرة 204: 15 أرشد الدين السرائى 24: 10 أرغز- الأمير 51: 14- 73: 1- 79: 16، 24- 125: 17- 126: 13 أرغون من بشبغا- الأمير آخور الكبير. 67: 21، 22- 73: 15- 74: 13، 14- 77: 9- 102: 12- 108: 20- 109: 1، 14- 110: 13- 112: 10- 195: 18- 203: 4 أرغون شاه بن عبد الله الإبراهيمى الظاهرى نائب حلب- سيف الدين 4: 3- 36: 11 أرغون شاه البيدمرى الظاهرى أمير مجلس- سيف الدين 13: 3، 10 أرغون شاه شد شراب خاناة تغرى بردى 143: 9 أرنبغا- الأمير 73: 12 أزبك بن عبد الله الرمضانى الظاهرى- سيف الدين. 35: 6- 50: 13 أزبك الدوادار 57: 7 إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن على بن موسى- مجد الدين قاضى قضاة الحنفية بالديار المصرية. 17: 5 إسماعيل ابن الملك الأفضل عباس ابن الملك المجاهد على ابن الملك المؤيد داود ابن الملك المظفر يوسف ابن الملك المنصور عمر بن على بن رسول- الملك الأشرف. 25: 15، 17 أسنباى أمير آخور 51: 14- 65: 17- 67: 15- 170: 8 أسنباى التركمانى. 65: 16- 67: 15- 170: 7 أسنبغا بن عبد الله العلائى الظاهرى الدوادار- سيف الدين 21: 18 أسنبغا الزردكاش 108: 8، 19- 115: 4- 123: 7- 136: 7- 202: 1، 2- 203: 1 أسنبغا الطيارى- دوادار الأمير سيف الدين سودون ابن عبد الله الظاهرى. 167: 12، 16 أسندمر- الأمير آخور 196: 14، 17

أسندمر البجاسى الجرجاوى 12: 9 أسندمر الحاجب 121: 7 الأعرج فارس بن عبد الله القطلقجاوى- سيف الدين. الأفقم يشبك بن عبد الله الموساوى الظاهرى- سيف الدين. ألطنبغا شقل 52: 6- 70: 16، 18- 79: 15- 141: 1 ألطنبغا العثمانى 54: 4- 57: 1- 71: 10- 77: 19- 96: 20- 102: 6- 108: 8- 121: 4- 136: 7- 203: 18 أمير حاج بن مغلطاى- زين الدين 4: 9 أميرزة إسكندر شاه بن عمر شيخ بن تيمور لنك 177: 12، 13، 15 أميرزة محمد بن أميرزة عمر شيخ بن تيمورلنك 177: 10، 13 أنص والد الملك الظاهر برقوق 20: 15- 68: 12 إياس الجرجاوى 16: 12 إياس الكركى 90: 14 أيتمش بن عبد الله الأسندمرى البجاسى الجرجاوى ثم الظاهرى 12: 4، 7، 16، 19- 13: 5، 6، 9- 14: 1، 19- 15: 11- 16: 15- 18: 8- 21: 2- 35: 9 إينال الأشقر 51: 11 إينال باى بن قجماس 18: 9- 42: 21- 43: 8- 45: 5، 19- 46: 14- 47: 2- 57: 8- 59: 2- 61: 15، 18- 67: 10- 93: 9- 169: 17 إينال حطب العلائى 47: 10- 54: 14. إينال الخازندار 126: 7 إينال الصصلانى 77: 20- 102: 14- 110: 2، 4- 125: 16- 202: 3 إينال المحمدى الساقى المعروف بإينال ضضع 74: 12، 13، 16- 100: 8، 9، 13- 122: 7 إينال الجلالى المنقار. 49: 10- 65: 15- 67: 16- 68: 9- 71: 22- 73: 13- 77: 2- 78: 14- 108: 1 إينال اليوسفى 12: 15- 31: 13 أينبك البدرى 8: 3- 155: 6 ب الباز العرينى السيد الباز العرينى- الدكتور. الباعونى أحمد بن ناصر بن فرج بن عبد الله بن يحيى ابن عبد الرحمن الناصرى. بايزيد من إخوة نوروز الحافظى 99: 9 بجاس بن عبد الله النيروزى العثمانى اليلبغاوى- سيف الدين. 22: 8 بجاس أمير طبلخاناة 95: 8، 9، 10 بدر الجمالى 18: 25 البدر العينى (أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى العينتابى- قاضى القضاة) . 4: 15- 24: 19- 86: 26- 99: 25- 136: 21 بدر الدين بن فضل الله (القاضى بدر الدين محمد بن محيى الدين ابن فضل الله) 11: 9 بربغا دوادار سودون الحمزاوى 170: 4

بردبك أخو طولو 126: 7 بردبك أمير طبلخاناة ثم نائب حماة 48: 15- 74: 16- 79: 18- 96: 19 بردبك حاجب حلب 97: 19 بردبك الخازندار 102: 18- 124: 6- 126: 7 بردبك رأس نوبة نوروز 113: 8 برسباى الدقماقى العلائى (الملك الأشرف برسباى) 8: 18- 51: 15- 81: 10 برسباى الطقطائى 113: 9 البستانى (فؤاد أفرام) 142: 24 بشباى بن عبد الله من باكى الظاهرى- سيف الدين 42: 16- 56: 13- 68: 14- 71: 11، 19- 74: 11، 17- 172: 5 بشر بن إبراهيم بن محمود البعلبكى 166: 12 بكتمر بن عبد الله المؤمنى- سيف الدين 110: 22- 123: 24 بكتمر جلق 44: 5، 6- 50: 20- 58: 18- 66: 5، 13، 14، 17، 19، 20- 69: 10، 14، 16، 18، 24- 70: 10، 20- 71: 6؛ 14، 18- 72: 10، 14- 73: 3- 76: 4، 7- 80: 3، 5، 7- 84: 20- 88: 10، 20، 21- 89: 2، 7، 17، 19، 21- 90: 2، 3- 96: 12، 14، 16، 17، 19- 99: 14- 101: 18، 20- 102: 1، 3، 8- 104: 12، 19- 106: 4، 16- 107: 3- 108: 4، 11، 17، 18- 109: 1، 113: 13، 16، 18- 114: 12- 115: 1، 4، 6، 18- 117: 2، 3، 13، 16-- 118: 6- 120: 11- 125: 6، 8- 132: 15- 137: 11- 141: 21- 145: 11- 153: 17- 191: 9- 196: 10- 198: 7، 11، 15- 200: 5- 201: 1، 10- 206: 3، 8، 15 بكتمر الركنى المعروف ببكتمر باطيا. 51: 7 بكلمش بن عبد الله العلائى- سيف الدين. 5: 1، 9، 13، 15، 16 بلاط بن عبد الله- سيف الدين أحد مقدمى الألوف 98: 5- 176: 16 بلاط بن عبد الله السعدى- سيف الدين 158: 18 بلاط الأعرج شاد الشراب خاناة 146: 10 بلاط أمير علم 46: 12 بلطا يونس بن عبد الله الظاهرى. بلغاق (الملك الناصر فرج) 152: 15، 19، 23 بلغاك بلغاق. البهاء بن عقيل 103: 27 بهاء الدين قراقوش 29: 12 بهادر الجمالى 22: 4 بهادر الشهابى- الطواشى زين الدين 18: 1 بهادر العثمانى 16: 5 بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز الدميرى المالكى- قاضى القضاة تاج الدين. 29: 6 بوبر وليم بوبر بيبرس بن عبد الله الأتابك- ركن الدين ابن أخت الملك

الظاهر برقوق 8: 19- 20: 14- 42: 8، 13- 43: 2، 3، 4، 14- 44: 8، 22- 45: 4، 5، 12- 46: 14، 16- 48: 4، 11- 154: 5- 172: 15 بى خجا الشرفى- المدعو طيفور بن عبد الله الظاهرى الأشرفى 15: 18- 16: 1 بيدمر الخوارزمى نائب الشام 13: 20 بيغوت نائب الشام 42: 1- 62: 16- 64: 10، 20، 22- 65: 1- 73: 11- 170: 13، 14- 172: 17 بيغوت اليحياوى الظاهرى 16: 4 ت التاج بن سيفا الشوبكى القازانى- والى القاهرة. 204: 14، 16 تبر- الأمير. 135: 24 تغرى بردى بن بشبغا- الأتابك نائب الشام ووالد المؤلف 53: 8- 62: 16- 91: 5- 103: 9- 106: 3- 117: 15 تغرى بردى- سيدى الصغير. 76: 6، 9- 84: 19- 97: 12- 106: 19- 118: 10 تغرى برمش. 75: 16- 90: 13 تمان تمر 121: 3 تمراز الأعور 87: 18 تمراز بن عبد الله الناصرى الظاهرى نائب السلطنة- سيف الدين 49: 17- 55: 8- 58: 8، 11- 63: 15- 65: 19، 20- 67: 20- 70: 8- 78: 13- 79: 2- 82: 3، 4، 21- 84: 14- 93: 8- 107: 4، 6- 108: 7- 116: 15- 121: 20- 122: 1، 12- 183: 6- 184: 1، 3، 4، 6 تمرباى الحسنى 112: 22 تمربغا- دوادار سودون الحمزاوى 67: 14 تمر بغا بن عبد الله الأفضلى- سيف الدين منطاش 6: 4- 12: 13- 14: 7، 9- 15: 2- 158: 1، 3، 21 تمر بغا العلائى المشطوب 55: 18- 61: 10- 62: 5- 65: 5- 73: 18، 19، 21- 74: 20- 83: 1- 97: 18- 108: 1 تمرلنك تيمور لنك. تنبك أخو يشبك بن أزدمر 126: 8 تنبك الظاهرى- الأمير آخور 5: 8 تنكز بغا الحططى 54: 5 تنم الحسنى الظاهرى نائب الشام (تنبك الحسنى الظاهرى) 12: 4، 6- 13: 2، 5- 14: 12- 15: 5، 11، 16- 16: 6، 8، 22، 23- 21: 2- 31: 10- 36: 12- 55: 5- 64: 12- 135: 10- 142: 17 توما الرومى 196: 18 تيمور لنك كوركان 20: 5، 6، 9، 11- 21: 3، 4، 12- 24: 9، 12- 26: 10- 27: 12، 13- 29: 4، 5- 32: 1، 3، 8، 9، 10- 36: 14- 55: 5- 135: 12- 151: 7- 158: 11، 15، 16- 160: 3، 19- 161: 1، 3، 4، 6، 15، 18- 162: 13- 163: 16- 168: 4- 183: 11- 193: 4

ث ثابت بن نعير بن منصور بن جماز بن شيحة الحسينى- الشريف أمير المدينة النبوية) 173: 1 ج جارقطلو 48: 14 جانبك الصوفى 128: 9- 202: 4 جانبك القرمى 97: 19- 115: 12- 121: 7 جان سوفاجيه 194: 19 جانم بن عبد الله من حسن شاه الظاهرى- سيف الدين 65: 14، 18- 71: 15، 18- 76: 2- 78: 5- 80: 1- 87: 16- 97: 18- 104: 11- 106: 13، 15- 118: 8، 9- 125: 3، 5، 7، 12، 13- 184: 19 جرباش العمرى 110: 14- 125: 19- 130: 7 جرباش كباشة 122: 10 جرجى (جرجى بن عبد الله الإدريسى. سيف الدين الأمير آخور) 12: 12 جركس القاسمى المصارع 48: 13- 56: 3، 7، 8، 11- 64: 7- 65: 3، 15- 66: 16، 20، 21- 67: 1، 2- 68: 3، 5- 170: 15 جركس المعروف بوالد تنم الحسنى 31: 10- 106: 15 جعفر بن عبد الله بن المهلهل الهاشمى 35: 15 جعبر القشيرى- سابق الدين 37: 8 جعفر بن أبى طالب 35: 1 جقمق بن عبد الله الصفوى- سيف الدين 159: 1 جقمق الأرغون شاوى الدوادار 204: 1، 3- 205: 22 جقمق العلائى أخو جركس المصارع 65: 15، 16- 67: 16 جكم من عوض 38: 6- 43: 21- 44: 2، 4، 5، 7، 9- 49: 11- 50: 10، 11، 14، 16، 17، 21- 51: 10، 17، 19- 52: 2، 8، 10، 14، 19- 53: 1، 2، 6، 7، 18- 54: 1، 7- 55: 17- 56: 1، 4، 14- 57: 12، 20- 62: 12- 99: 2- 135: 13- 165: 12 جلال الدين البلقينى عبد الرحمن بن عمر بن رسلان ابن نصير بن صالح- قاضى القضاة جلال الدين. الجلال السيوطى 24: 26 جلبان بن عبد الله البشبغاوى الظاهرى- سيف الدين المعروف بقراسقل. 14: 16- 113: 2 جماز بن هبة الله بن جماز بن منصور الحسينى- الشريف أمير المدينة النبوية 88: 14- 176: 19 جمال الدين ابن قاضى القضاة ناصر الدين أحمد بن التنسى 187: 3 جمال الدين الأستادار (يوسف بن أحمد بن محمد بن أحمد ابن جعفر بن قاسم البيرى البجاسى) 8: 5، 6- 22: 11- 42: 20- 51: 16- 68: 6، 7، 11- 78: 17- 79: 1، 3، 7، 8، 9- 80: 8، 9، 10، 11، 12- 81: 7- 83: 15- 86: 2، 3- 90: 1، 18، 21- 91: 2، 3، 4، 6، 10، 11، 14، 16، 18، 20، 21- 92: 1، 6، 7، 13، 14، 15، 19- 93: 1، 2، 4، 5، 6، 11، 13، 14، 16، 18- 94: 4، 15، 16،

17، 18، 20- 95: 1، 4، 5، 9- 96: 3، 7، 9، 11- 97: 4- 98: 4، 8- 111: 20- 120: 14- 124: 1- 151: 18- 156: 16- 172: 1- 173: 5- 175: 6- 178: 18، 19- 179: 1، 3، 6، 10، 11 جمق نائب الكرك. 51: 14- 63: 9- 65: 17- 67: 15- 170: 7 جنتمر بن عبد الله التركمانى الطرخانى- سيف الدين 27: 4 جنكزخان 32: 10 ح الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن الحسن بن أبى بكر ابن على بن الحسين- الخليفة العباسى 189: 5 الحاكم بأمر الله الفاطمى- الخليفة 29: 18 حجاج بن عبد الملك بن مروان 193: 20، 21 حزمان الحسنى- نائب القدس 121: 3- 126: 13 حسام الدين الأحوال 98: 9، 10- 110: 18 حسام الدين لاجين ابن ست الشام 146: 24 حسن بن عجلان- الشريف أمير مكة 74: 9 حسن بن على بن الآمدى- شيخ الشيوخ بدر الدين 30: 12 الحسن بن على بن أبى طالب 35: 19 حسن بن محب الدين الطرابلسى- بدر الدين أستادار الأمير شيخ 205: 2، 3 حسن بن محمد بن حسن الحسنى العلوى- الشريف بدر الدين 164: 4 حسن بن نصر الله الفوى- بدر الدين ناظر الجيش 141: 6- 193: 2- 204: 12 حسن الباشا- الدكتور 23: 17 حسن الكجكنى- حسام الدين نائب الكرك 6: 2، 4 حسين الأحول- حسام الدين 96: 11 حطط البكلمشى 203: 3 حمزة ابن أخت جمال الدين الأستادار 91: 13- 124: 3 خ خالد بن الوليد 107: 22 خشكلدى- الأمير 121: 18- 130: 7 خلف بن حسن بن حسين الطوخى- الشيخ المعتقد. 6: 8 خليل بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد الجليل المغربى المعروف بابن المشيب- الشيخ المعتقد 6: 10 خليل بن عرام 13: 14، 16 خليل بن عز الدين أيبك بن عبد الله الألبكى الصفدى- صلاح الدين أبو الفضائل. 174: 1 خليل بن فرج بن برقوق 153: 17- 207: 18 خليل التبريزى الدشارى 203: 7 خواجا سالم 171: 22

الخواجا ناصر الدين 184: 2 خوند بنت جرباش الكريمى- زوجة الملك الظاهر جقمق العلائى 121: 16 خوند بنت صرق- مطلقة الناصر فرج بن برقوق 130: 16، 18- 131: 5، 7، 12- 132: 2، 6، 8 خوند بيرم بنت الملك الظاهر برقوق 123: 8- 136: 8 خوند تتر الحجازية بنت الناصر محمد بن قلاوون. 111: 18 خوند سارة بنت الملك الظاهر برقوق 132: 19 خوند فاطمة بنت الأمير تغرى بردى بن بشبغا- أخت المؤلف، وزوج الملك الناصر فرج بن برقوق 53: 22- 127: 9- 131: 4- 132: 2- 138: 1 خوند كار أبو يزيد بن مراد بك بن أورخان بن عثمان- ملك الروم 31: 18 خيربك بن عبد الله الظاهرى- سيف الدين نائب غزة 54: 4- 58: 7- 102: 7- 108: 15- 121: 18- 123: 3- 129: 1- 184: 15 د داود بن الكويز- علم الدين. 85: 4 دقماق المحمدى 36: 18- 50: 10، 11- 52: 15 دمرداش المحمدى 36: 9، 10- 41: 21- 49: 12- 50: 8- 51: 8- 52: 4، 17- 54: 3، 10، 19- 56: 13، 21- 57: 17- 72: 14- 73: 2- 74: 1- 76: 3، 5، 10، 11، 12- 78: 2- 80: 2، 4، 6- 84: 18- 85: 2- 87: 17- 97: 8، 10- 99: 5، 6، 7، 12، 15- 100: 16- 101: 2، 3، 4، 6، 7- 106: 13، 17، 19- 115: 14- 117: 16- 120: 6، 13، 17- 130: 11- 139: 11- 140: 8، 11- 141: 4- 143: 1، 12- 186: 9، 10، 11- 191: 10، 12- 194: 10، 14- 195: 5، 6، 12- 203: 11، 12- 205: 9 دمشق خجا بن سالم الدوكارى التركمانى- سيف الدين. 36: 19 ذ الذهبى (محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبى- الحافظ شمس الدين أبو عبد الله) . 29: 14، 23- 164: 11 ر الراشد بالله منصور- الخليفة العباسى. 189: 7 رحب بنت الناصر فرج بن برقوق 153: 18 الرشيد بالله هارون- الخليفة العباسى. 189: 12 الرماح يونس بن عبد الله الظاهرى. ريدان الصقلى 54: 21 ز زادة الخرزبانى العجمى الحنفى- شيخ الشيوخ. 124: 14- 165: 4 زبير (أبو عبد الله الزبير بن العوام بن خويلد بن أسعد ابن عبد العزى بن قصى) . 35: 4 الزهورى محمد بن عبد الله الزهورى العجمى. زيادة- الدكتور محمد مصطفى زيادة- الدكتور.

زينب بنت الناصر فرج بن برقوق 153: 18 س سالم بن أحمد- مجد الدين- قاضى قضاة الحنابلة. 136: 22 السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف 35: 1، 23 السبكى (تاج الدين عبد الوهاب السبكى- قاضى القضاة) . 22: 19 ست الشام (بنت أيوب) 146: 24 ستيتة بنت الناصر فرج بن برقوق 153: 17 السخاوى (محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبى بكر ابن عثمان- شمس الدين أبو الخير) 4: 18- 9: 21- 10: 20- 11: 15- 13: 22- 20: 20- 36: 24- 37: 10- 38: 20- 48: 19- 55: 25- 57: 22- 93: 21- 103: 15، 18، 21، 27- 105: 23- 113: 21- 136: 21- 146: 22- 156: 18- 166: 19، 20، 22- 186: 16 السراج البلقينى عمر بن رسلان بن نصير بن صالح البلقينى- شيخ الإسلام. سعد الدين بن غراب إبراهيم بن عبد الرزاق بن غراب. سعد بن مالك بن أبى وقاص بن وهب بن عبد مناف بن زهرة ابن كلاب بن مرة. 35: 4 سعد الدين بن أبى الفرج بن تاج الدين موسى 157: 4 سعد الدين بن البشيرى 105: 14 سعد الدين بن الهيصم 38: 11 سعد الدين (فقيه أرسل الأمير نوروز على يده استعطافا للملك الناصر فرج) 129: 4 السعدى العجمى الشاعر (سعدى بن عبد الله الشيرازى) 11: 12 سعيد (بن يزيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح ابن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدى بن كعب بن لؤى) 35: 4 سعيد الكاشف 109: 13 سكب اليوسفى- الدوادار الثانى 81: 11- 192: 8 السلطان (ورد اللفظ مجردا ولكنه يعنى الملك الناصر فرج ابن برقوق) 5: 12- 6: 1- 23: 9- 31- 13- 45: 1- 46: 14- 48: 9- 49: 6، 20- 51: 6، 11، 14، 15، 17، 18، 20، 21، 22- 52: 2، 3، 7- 53: 10، 14، 16- 54: 6، 9، 11، 17، 18- 55: 2، 7، 10، 13، 18- 56: 2، 5، 6، 10، 11، 14، 15، 17، 18- 57: 1، 2، 4، 10- 58: 8، 17، 19، 21- 59: 6، 8، 9، 12- 62: 4، 7، 9، 10، 12، 14، 17، 20، 23- 63: 2، 3، 4، 5، 10، 11، 12، 17- 64: 2، 3، 5، 10، 17، 19- 65: 4، 7، 8، 9، 11، 14- 66: 6، 7، 9، 13، 15، 16- 67: 6، 11، 13، 18، 20- 68: 1، 6، 7، 9، 18- 69: 1، 4- 70: 8، 13، 14، 15، 20، 21، 22- 71: 21، 22- 72: 2، 9- 73: 4، 7، 14، 19- 74: 6، 7، 8، 11، 16، 19- 75: 7، 8، 12، 14، 16- 76: 13، 14، 15- 77: 7، 9، 15، 17، 22- 78: 1، 3، 4، 7، 8، 9، 10، 12، 16،

17، 18- 79: 1، 2، 5، 6، 7، 10، 12، 13، 16- 80: 1، 5، 16، 17، 18، 20- 81: 2، 9، 11، 14- 82: 4، 10، 13، 16- 83: 8، 10، 11، 12، 13- 84: 20، 21- 85: 1، 2، 9، 10- 86: 4، 7، 8، 15، 16، 17، 19، 20- 87: 2، 4، 6، 10، 13، 20- 88: 1، 2، 3، 6، 8، 12، 14، 20، 22- 89: 1، 3، 6، 7، 8، 14- 90: 9، 10، 16، 17، 20، 22- 91: 7، 15- 92: 13، 16، 19- 93: 1، 3، 5، 6، 10، 11، 13، 17، 18- 94: 1، 3، 5، 6، 8، 14، 15، 16، 17، 18، 19، 20، 21- 95: 13- 96: 1، 18، 21- 97: 1، 3، 8، 10، 11، 13، 16، 20- 98: 2، 4، 5، 12، 13، 14، 15، 17، 19، 20- 100: 1، 4، 7، 11- 101: 12، 17- 102: 8، 9، 15- 103: 8، 10، 12، 13- 104: 5، 6، 9- 105: 1، 6، 9، 10، 11، 13، 15، 16- 106: 1، 2، 3، 4، 8، 9، 11، 13، 16، 21، 22- 107: 5، 6، 7، 8، 10- 108: 4، 5، 6، 7، 14- 111: 10، 13، 14- 112: 1- 113: 7- 115: 12- 117: 5، 7، 8، 9، 10، 14، 19، 21- 118: 3، 5، 15، 16، 17، 18، 20- 120: 9، 11، 13، 14، 16، 18- 121: 1، 3، 6، 7، 9، 12، 17، 20- 122: 3، 5، 8، 10، 13، 15، 19، 20- 123: 3، 5، 6، 7، 10، 13، 17- 124: 1، 5، 9، 11، 13، 14، 19- 125: 6، 10، 16، 18- 126: 1، 4، 6، 10، 15، 20- 127: 14، 21، 22- 128: 1، 4، 7، 9، 13، 15، 19- 167: 4- 168: 11- 176: 6، 10- 179: 7- 18: 14- 181: 2، 16- 185: 18 سلامش- نائب غزة 49: 16- 65: 8 سلطان حسين ابن أخت تيمور لنك 161: 13 سلطان خليل بن ميران شاه بن تيمور لنك 161: 12، 14 السلطان صلاح الدين الأيوبى 4: 19- 63: 25- 112: 21- 114: 20 السلطان محمود خان المعروف بصرغتمش 32: 8 سلمان 79: 16، 23 سليم السواق القرافى- الشيخ المعتقد المجذوب 18: 4 سليمان بن عبد الملك 52: 24 سنقر الرومى 102: 7- 122: 3- 195: 15- 203: 18 سودون الأبويزيدي 125: 11 سودون أخو الأتابك يشبك بن أزدمر 126: 8 سودون الأسندمرى الأمير آخور الثانى 102: 17- 125: 18- 202: 3- 203: 5 سودون الأشقر- رأس نوبة النوب 101: 16- 102: 17- 123: 9- 128: 10- 203: 17 سودون الأعرج الظاهرى 28: 2 سودون البجاسى 66: 12- 67: 17- 121: 7 سودون بقجة 56: 5- 71: 11- 73: 11- 78: 13- 82: 21- 93: 9- 108: 13- 109: 10- 114: 6- 115: 21- 116: 6، 10

سودون بن عبد الله الظاهرى- سيف الدين المعروف بالطيار 20: 8، 9، 13- 42: 19- 47: 1- 50: 3، 4- 55: 1- 63: 16- 66: 1- 167: 7، 8، 10 سودون بن عبد الله بن على بك الظاهرى- سيف الدين المعروف بسودون طاز 31: 6- 32: 14، 15- 33: 1 سودون بن عبد الله الحمزاوى الظاهرى- الدوار الكبير- سيف الدين. 46: 5- 48: 12- 54: 20- 57: 3، 4، 17، 18، 20، 21- 58: 16- 59: 1- 61: 15، 19- 66: 11- 67: 14- 169: 8، 15- 170: 1، 4- 178: 16 سودون تلى المحمدى 42: 15- 48: 13- 49: 14- 53: 19- 57: 6، 11- 71: 9، 10، 12، 15، 16، 18- 74: 2- 77: 16، 22- 83: 1- 98: 18- 99: 3- 109: 10- 114: 7- 141: 20- 145: 1 سودون الجلب 82: 21- 89: 6- 97: 19- 106: 10- 108: 3- 114: 9- 116: 16- 124: 6- 141: 3- 145: 1- 191: 14 سودون الحمصى 78: 14- 113: 13 سودون الساقى 49: 12 سودون الشمسى 66: 12- 67: 16 سودون الظريف 54: 5- 79: 16، 24- 108: 9- 125: 17- 126: 14 سودون الفخرى الشيخونى 50: 1 سودون الفقيه 28: 2 سودون قراصقل 114: 7 سودون قرناص 61: 16، 19 سودون الماردانى- الدوادار الكبير. 42: 17- 47: 2- 48: 12- 51: 13- 154: 5- 169: 13- 172: 16 سودون من زادة 49: 15- 57: 17- 69: 5- 92: 7 سودون من عبد الرحمن 102: 17- 118: 10- 203: 19- 204: 9 سودون اليوسفى 49: 15- 51: 14- 74: 2 سونجبغا 121: 4 السيد الباز العرينى- الدكتور 78: 24 سيدى سودون سودون بن عبد الله الظاهرى. سيدى الصغير تغرى بردى سيدى الصغير. سيدى الكبير قرقماس بن أخى دمرداش المحمدى. ش شادى خجا 121: 4 شاهين الأفرم 102: 7- 132: 16- 203: 15 شاهين بن عبد الله الظاهرى، المعروف بقصقا بن قصير- سيف الدين. 67: 22، 23- 168: 9 شاهين الحسنى- الطواشى رأس نوبة الجمدارية 43: 16 شاهين دوادار شيخ المحمودى 77: 22- 108: 13- 109: 6- 121: 12 شاهين الرومى 136: 8

شاهين الزردكاش 105: 5، 11، 12، 23- 108: 18- 115: 3- 132: 17- 137: 14 شبل الدولة كافور الرومى 146: 23 شرف الدين بن الشهاب محمود الحلبى كاتب سردمشق. 80: 11، 13، 15 شعبان بن محمد بن عيسى العائذى 114: 1، 4، 5 شعبان بن اليغمورى 105: 8 شقراء بنت الناصر فرج بن برقوق 153: 18، 19 شمس الدين أخو جمال الدين يوسف الأستادار 80: 10 شمس الدين الطرابلسى 25: 3 شهاب الدين أحمد حاجب الكرك 115: 23 الشهاب البريدى 6: 4 شهاب الدين أبو العباس الباعونى أحمد بن ناصر بن فرج بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن الناصرى الباعونى. شهاب الدين أبو العباس الحسبانى أحمد بن إسماعيل بن خليفة الدمشقى. شيخ- الأمير آخور الثانى مملوك بيبرس الأتابك 8: 18 شيخ بن عبد الله الصفوى الخاصكى- سيف الدين 8: 9، 15- 159: 11 شيخ الحسنى الظاهرى- أمير عشرة ورأس نوبة 8: 19 شيخ السليمانى المسرطن- نائب طرابلس 8: 16- 159: 1، 7 شيخ المحمودى (بن عبد الله الساقى- الأمير ثم الملك المؤيد شيخ) 8: 15- 9: 24، 25، 26- 22: 1، 5، 6، 8، 9، 10، 11، 12، 14، 16، 19- 36: 14، 16- 38: 6- 43: 18، 19، 20، 21- 44: 3، 4، 5، 7، 9- 48: 19- 49: 8، 10- 50: 6، 14، 17- 51: 1- 52: 6، 8، 13، 16، 17- 53: 10، 12، 20- 54: 3، 10، 17، 19- 56: 20، 21- 57: 18، 19، 20- 58: 3، 16- 61: 13، 17، 19، 20- 62: 3- 63: 1، 3، 4، 5، 6، 10، 13- 64: 1، 5، 11، 14، 17، 21- 65: 3، 6- 66: 16، 17، 19- 67: 4، 7، 11- 69: 7، 8، 9، 10، 11، 13، 15، 18، 19، 20- 70: 3، 4، 13، 14، 16، 22- 72: 1، 2، 3، 6، 8، 11، 15، 16- 73: 3، 5، 6، 7- 74: 2، 3، 6- 75: 2، 3، 7، 9، 13، 14- 76: 1، 2- 77: 15، 17، 21، 23- 78: 1، 3، 4، 15- 79: 4، 5، 11، 13، 16- 80: 6، 9، 13، 14، 18، 19- 81: 2، 6، 7، 13، 14، 17، 19، 21- 83: 3، 9، 11، 17، 19- 84: 1، 2، 6، 10، 15- 85: 6، 8، 14، 16- 86: 1، 2، 7، 12، 13، 14، 16، 18، 23، 24- 87: 1، 4، 5، 10، 12، 13، 15، 16، 18، 19، 21- 88: 1، 6، 11، 12- 89: 15، 16، 18، 19، 20- 90: 1، 2، 4، 12- 93: 7- 94: 1، 16- 96: 12، 13، 15، 16- 97: 2، 3، 17، 20- 98: 17- 99: 3، 5، 6، 8، 11، 12، 13، 18- 100: 15، 19- 101: 1، 2، 5، 6، 9- 104: 9، 13، 14، 16، 17، 19- 105: 16، 17، 21- 106: 10، 21- 107: 5، 8، 10، 14- 108: 12، 17، 19، 20- 109: 4، 5، 6، 9- 110: 6- 111: 4، 8- 112: 14، 15، 18- 113: 3، 7، 9، 19- 114: 6- 115: 7، 9، 19، 20- 116: 1، 6،

14، 20، 22- 117: 2، 3، 11، 12- 118: 7، 14، 15- 119: 3، 11، 14، 15، 19- 122: 2، 15، 16- 123، 6- 124 5، 8- 126: 2- 127: 6، 8، 19، 21- 135: 14، 18، 19- 137: 10، 12، 14، 15- 140: 8- 141: 10، 18- 142: 2- 144: 11، 12- 145: 9- 146: 3، 5، 7، 8، 10- 148: 3- 150: 14، 16- 159: 3، 5، 12- 167: 5- 169: 17- 170: 1، 11، 12- 175: 5- 178: 6، 7- 181: 19- 183: 17- 189: 19- 191: 13- 193: 2، 15، 16- 194: 2، 7، 8، 12- 195: 5- 196: 2، 3، 4، 9- 197: 15، 16- 198: 6، 17- 199: 5، 6، 8، 12، 15- 200: 2، 3، 10، 15، 19، 20- 202: 5، 13، 15، 16، 17، 20- 203: 1، 3، 7، 9، 10، 11، 20- 204: 1، 5، 9، 15، 17- 205: 1، 2، 4، 7، 14، 16، 22- 206: 6، 9، 10، 11، 12، 15، 21، 22 الشيخ المعتقد المجذوب العجمى محمد بن عبد الله الزهورى العجمى. شيخون العمرى 13: 8- 104: 3 شيرين بنت عبد الله الرومية- والدة الملك الناصر فرج ابن برقوق 19: 1 ص صارو سيدى 61: 9 صدر الدين بن الأدمى (قاضى القضاة على بن الأدمى) 70: 12- 146: 6- 179: 16 صربغا (الأمير السيفى أمير آخور تغرى بردى بن بشبغا) 61: 2 صرغتمش- السلطان محمود خان. صرغتمش القلمطاوى 203: 3 صرق- الأمير 31: 16 صفى الدين الدميرى- القاضى 5: 12 صلاح الدين بن الكويز 85: 5 صمغار- رأس نوبة المنصور عبد العزيز 48: 16 صندل بن عبد الله المنجكى- العبد الصالح الأمير الطواشى 9: 1، 7، 21، 22 صوماى الحسنى الظاهرى 46: 11، 12 ض ضضع إينال المحمدى الساقى. ط طاهر بن الشيخ بدر الدين حسن بن حبيب الحلبى- زين الدين 157: 10 طبارى- أحد ملوك الروم 104: 22 طرباى الأتابك نائب طرابلس 28: 2 طشتمر حمص أخضر 171: 8 طشتمر العلائى الدوادار. 166: 6، 7 طلحة (بن عبد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد ابن تيم بن مرة، ويكنى بأبى محمد) 35: 4 طوخ بن عبد الله الظاهرى- الخازندار ثم أمير مجلس 69: 1، 3، 4- 77: 1، 17- 96: 22- 176: 13، 14- 201: 3- 205: 10 طوغان الحسنى 67: 23- 71: 12- 77: 2- 102: 6- 108: 9- 115: 1، 6- 125: 6، 8، 12، 13، 14، 15- 128: 9- 132: 16- 137: 12- 198: 7- 199: 15- 201: 1

طوغان- دوادار تغرى بردى 143: 8 طوق طوخ بن عبد الله الظاهرى الخازندار- سيف الدين. طولو من على باشا- نائب صفد 51: 6، 8- 52: 10، 11، 16- 99: 2- 126: 7 الطويل طيبغا الحسنى الناصرى. الطيار- سودون بن عبد الله الظاهرى. طيبغا الحسنى الناصرى المعروف بالطويل 5: 2 طيفور بن عبد الله الظاهرى (بى خجا الأشرفى) . 16: 1 ع عائشة بنت الناصر فرج بن برقوق. 153: 18، 19 العادل سيف الدين أبو بكر بن أيوب 192: 21 عاقل (من الأمراء الظاهرية برقوق) 125: 11- 126: 13 عامر (أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن منبه بن الحارث) 35: 4 عباس بن عبد المطلب بن هاشم 189: 14 عبد الباسط بن خليل بن إبراهيم الدمشقى- ناظر الخزانة. 80: 13، 14- 186: 12، 21 عبد الرحمن بن أحمد بن أبى الوفاء الشاذلى المالكى- أبو الفضل. 187: 1، 4 عبد الرحمن ابن تاج الرياسة محمد بن عبد الناصر المحلى الدميرى الزبيرى الشافعى- قاضى القضاة تقي الدين 179: 13 عبد الرحمن بن عمر بن رسلان بن نصير بن صالح- جلال الدين البلقينى- قاضى القضاة. 103: 12، 26- 136: 2- 144: 7- 192: 11- 201: 14- 206: 23 عبد الرحمن بن عوف 35: 4 عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن محمد ابن جابر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بابن خلدون الحضرمى الإشبيلى المالكى- ولى الدين- ابن خلدون. عبد الرحمن بن يوسف بن أحمد بن الحسن بن سليمان ابن فزارة بن بدر بن محمد بن يوسف الكفرى الحنفى زين الدين أبو هريرة- قاضى القضاة. 166: 8 عبد الرحمن- صيرفى جمال الدين الأستادار. 93: 6- 94: 1، 7، 9 عبد الرحمن فهمى محمد- الدكتور. 169: 20 عبد الرحيم بن الحسين بن أبى بكر العراقى الشافعى- الحافظ زين الدين. 34: 10، 16 عبد الرزاق بن أبى الفرج بن تقولا الأرمنى الملكى- الوزير الصاحب تاج الدين. 159: 14 عبد الرزاق بن الميصم (تاج الدين عبد الرزاق بن إبراهيم ابن سعد الدين القبطى المصرى) . 93: 2، 15، 19- 94: 7، 18- 96: 2- 98: 5، 9- 123: 11- 178: 11- 202: 4 العبد الصالح المنجكى صندل بن عبد الله المنجكى- الأمير الطواشى. عبد الغنى بن أبى الفرج- فخر الدين 123: 10، 12- 124: 11، 13، 14، 16، 17- 126: 5 عبد الغنى بن الهيصم- مجد الدين 93: 16- 96: 5- 105: 15- 121: 11- 178: 9، 20 عبد الكريم بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن مكانس القبطى المصرى- الوزير كريم الدين 22: 13

عبد الله بن بكتمر الحاجب- جمال الدين 18: 15 عبد الله بن سحلول عبد الله بن سهلول- شمس الدين. عبد الله بن سهلول- شمس الدين 95: 3 عبد الله ابن الصاحب سعد الدين بن البقرى- الوزير الصاحب تاج الدين. 158: 4 عبد الله بن عباس بن عبد المطلب 189: 14 عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب بن عبد الله بن أسعد العفيف ابن الجمال بن الناج بن العفيف اليافعى المكى. 166: 5، 21 عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب 35: 21 عبد الله بن يوسف بن الحسين بن سليمان بن فزارة بن بدر ابن محمد بن يوسف الكفرى- قاضى القضاة تقي الدين. 21: 10 عبد الله الحنبلى- قاضى القضاة موفق الدين. 180: 1 عبد الله الدمشقى- جمال الدين. 174: 2 عبد المنعم بن محمد بن داود البغدادى الحنبلى. 39: 1 عبد الوهاب بن أبى شاكر- تقي الدين. 94: 2، 19- 96: 8- 121: 9- 204: 13- 205: 6 عبد الوهاب السبكى- تاج الدين 30: 8 عبيد الله الأردبيلى الحنفى 38: 7 عثمان بن طرعلى قرايلك 59: 20 عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان البلبيسى الشافعى الضرير- فخر الدين 27: 7 عثمان بن عفان بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف 35: 4 العجل بن نعير 101: 4 عجلان بن نعير 173: 3 العزيز بالله الفاطمى. 29: 18- 54: 21- 76: 18 علاء الدين بن عيسى الكركى- كاتب السر. 3: 13 علاء الدين السيرامى 168: 6 علان (أمير مائة ومقدم ألف وهو غير علان جلق) 65: 14- 68: 9- 71: 22- 73: 13- 79: 12- 83: 1- 93: 9- 98: 19، 20- 99: 1 علان اليحياوى جلق 44: 5- 50: 7، 21- 51: 9- 52: 5، 9، 11، 15- 99: 1 علم الدين شمائل- والى القاهرة 98: 21 على باى 15: 14، 15 على بن أبى طالب بن عبد المطلب 35: 4- 173: 15 على بن الأدمى- قاضى القضاة صدر الدين. 64: 13- 201: 13- 205: 21 على بن أيبك النقصباوى الناصرى الدمشقى- علاء الدين أبو الحسن. 6: 15 على بن خليل الحكرى الحنبلى- علاء الدين. 36: 4 على بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب 189: 13 على بن الشيخ سراج الدين عمر البلقينى- نور الدين 39: 9

على بن محمد بن عبد البر السبكى الشافعى- قاضى القضاة علاء الدين 165: 17 على بن محمد البغدادى ثم الإخميمى- الشريف علاء الدين. 186: 1 على بن محمد بن على بن عصفور- علاء الدين ابن عصفور. على بن يوسف بن مكى الدميرى المالكى- نور الدين 23: 7 على القلقشندي- علاء الدين 103: 7، 17 على- كاشف بر دمشق (الشيخ على) . 95: 6- 175: 12 على مبارك 68: 21- 90: 23- 112: 25- 126: 21- 186: 19 عماد الدين أحمد بن عيسى أحمد بن عيسى بن جميل الأزرقى العامرى الكركى. عماد الدين إسماعيل- أستادار الأمير تغرى بردى 91: 17، 18- 92: 2، 4، 8 العمران (أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضى الله عنهما) 35: 4 عمر بن إبراهيم بن محمد بن عمر بن عبد العزيز الحلبى الحنفى ابن أبى جرادة المعروف بابن العديم- كمال الدين أبو حفص- ابن العديم. عمر بن قايماز الأستادار- ركن الدين 165: 6، 20 عمر بن حجى- قاضى القضاة نجم الدين 70: 17- 75: 6، 13 عمر بن الخطاب- رضى الله عنه. 97: 22- 162: 18 عمر بن رسلان بن نصير بن صالح بن شهاب بن عبد الخالق ابن مسافر بن محمد البلقينى الكنانى الشافعى- شيخ الإسلام سراج الدين أبو حفص 29: 9- 30: 25 عمر بن المظفر بن عمر بن عمر بن محمد بن أبى الفوارس ابن على المصرى ابن الوردى. عمر الهيدبانى- زين الدين 52: 5- 64: 12- 79: 17- 89: 5 عمرو بن العاص 30: 6، 7 عنان بن مغامس بن رميثة المكى الحسنى- السيد الشريف 30: 14- 177: 6 العينى البدر العينى أبو محمد محمود بن سليمان- قاضى القضاة. غ غرس الدين خليل- أستادار تغرى بردى 145: 10 غرس الدين (خليل بن شاهين الظاهرى- غرس الدين) 199: 22 الغطاس- قانى باى بن عبد الله العلائى الظاهرى- سيف الدين. ف فارس بن عبد الله القطلجاوى الظاهرى- سيف الدين 13: 12، 15، 18 فارس- أمير آخور دمرداش 99: 11 فارس التنمى- دوادار تنم 64: 12- 68: 5 فتح الدين فتح الله بن معتصم بن نفيس الدوادارى التبريزى- رئيس الأطباء وكاتب السر. 11: 8- 43: 10- 51: 21- 78: 17- 79: 7، 8، 10- 81: 7- 86: 3، 10، 19، 23- 87: 3، 14، 16- 93: 5، 14- 94: 14- 141: 5- 142: 1- 145: 11- 190: 5، 7، 9، 18- 192: 40- 193: 11، 13- 198: 12، 15- 205: 5- 206: 12، 19

فتح الله كاتب السر فتح الدين فتح الله بن معتصم بن نفيس. فخر الدين بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن مكانس- الشاعر أخو الوزير كريم الدين بن مكانس. 22: 14 فرج بن الناصر فرج بن برقوق 111: 11- 142: 5- 152: 18- 153: 17- 207: 18 فرج بن منجك 119: 11 فرج الحلبى- زين الدين 22: 1 فضل الله بن الرملى- تاج الدين 96: 10 فهيم محمد شلتوت 24: 19- 76: 26 فياض- حاجب الملك الظاهر مجد الدين عيسى الأرتقى 60: 6 فيروز بن عبد الله الرومى- الطواشى زين الدين 85: 7- 186: 3، 4، 14 فيروز شاه بن نصرة شاه 26: 5، 8، 10 ق القائم بأمر الله حمزة- الخليفة 155: 16 القائم بأمر الله عبد الله ابن القادر بالله أحمد- الخليفة. 189: 9 القادر بالله أحمد ابن المقتفى بالله إبراهيم- الخليفة 189: 9 قانى باى بن عبد الله الظاهرى- سيف الدين المتوفى سنة 807 هـ 38: 13 قانى باى بن عبد الله العلائى الظاهرى- سيف الدين المتوفى سنة 808 هـ 158: 7، 9 قانى باى أخو بلاط 121: 8 قانى باى الأشقر 121: 4 قانى باى- أمير آخور 48: 14 قانى باى الحمراوى 170: 4. قانى باى الخازندار 124: 6 قانى باى الصغير العمرى- ابن بنت أخت الظاهرى برقوق. 121: 15، 16 قانى باى المحمدى 105: 13- 115: 21- 118: 14- 121: 13- 122: 4- 203: 2- 204: 9 قثم بن العباس بن عبد المطلب 35: 1، 17 قجاجق بن عبد الله الظاهرى- سيف الدين 101: 16- 178: 13، 19- 179: 1، 2، 3، 6، 9- 181: 1 قجقار القردمى 142: 9 قجق الشعبانى 100: 10- 102: 16- 140: 16 قجماس بن عبد الله المحمدى الظاهرى- سيف الدين 18: 6 قديد بن عبد الله القلمطاوى- سيف الدين 10: 10 قرابغا بن عبد الله الأسنبغاوى- سيف الدين 18: 13 قراتنبك بن عبد الله الظاهرى- سيف الدين 181: 7 قراجا بن عبد الله الظاهرى- سيف الدين 181: 7 قراجا بن عبد الله الظاهرى- زين الدين 67: 20، 21- 68: 10- 101: 15، 17- 115: 2- 180: 13، 16

قراجا البجمقدار قراجا بن عبد الله الظاهرى- زين الدين. قرادمرداش المحمدى 15: 2- 133: 15 قراصقل جلبان بن عبد الله الكمشبغاوى الظاهرى- سيف الدين. قراقوش- بهاء الدين الطواشى الرومى 29: 12 قرايشبك- قريب نوروز 73: 12- 78: 14- 113: 7 قرايلك (عيان بن طر على صاحب آمد) 59: 20- 60: 1، 2، 7، 8، 9، 11- 61: 5، 22- 143: 16 قرايلك- من نواب القلاع 193: 3 قرايوسف- صاحب العراق 38: 6- 39: 2 قردم بن عبد الله الخازندار- سيف الدين 67: 19- 69: 4- 100: 7، 9، 13- 179: 9- 185: 7 قرقماس الإينالى الرماح- سيف الدين 31: 12 قرقماس- المعروف بسيدى الكبير- ابن أخى دمرداش المحمدى 72: 10، 14- 73: 21- 78: 2- 87: 17- 101: 3، 6- 106: 13، 14، 18- 115: 14- 118: 7- 141: 4- 145: 11- 191: 12- 201: 2 قشتمر بن قجماس- سيف الدين 18: 9 قصقا بن قصير شاهين بن عبد الله الظاهرى- سيف الدين. قطلوبغا بن عبد الله الحسامى المنجكى- سيف الدين 18: 11، 20 قطلوبغا بن عبد الله الحنفى- الشيخ الإمام الفقيه 23: 10 قطلوبغا الحسنى الكركى 47: 10- 54: 14 قطلوبغا الخليلى 203: 8 قطلوبك بن عبد الله- سيف الدين 35: 9 القلقشندى (أبو العباس أحمد بن على) 3: 16، 19- 5: 18، 21، 22- 6: 21- 8: 23- 9: 18- 12: 21- 15: 20، 24- 17: 22- 20: 24- 22: 21- 23: 21، 23- 24: 12، 21- 26: 16، 18- 32: 18، 23- 46: 22- 48: 23- 49: 24- 55: 25- 66: 22- 72: 22- 75: 23- 81: 22- 82: 24- 97: 24- 104: 24- 108: 24- 111: 26- 114: 22- 118: 25- 119: 12- 132: 23- 145: 18، 21- 180: 22- 199: 20 قمش- أمير طبلخاناة 63: 9- 109: 11- 201: 3 قمول- نائب عينتاب 61: 9 قنبر بن محمد العجمى السيرامى الشافعى- الشيخ الإمام 4: 11 قنق باى- أم المنصور عز الدين عبد العزيز ابن الظاهر برقوق. 41: 15 قوام الدين الأترارى الحنفى 24: 10، 23 قوزى- أمير طبلخاناة 109: 11 ك كافور- الزمام 111: 7، 13- 112: 2، 5، 9، 14 كبيش بن عجلان 177: 8، 9 الكرخى 25: 23 كرد على محمد كرد على. كريم الدين الخلاطى 191: 1، 21

كزل الأرغون شاوى 207: 18 كزل العجمى 53: 14- 60: 2- 68: 15- 77: 13- 98: 6، 16- 192: 7 الكلستانى محمود بن عبد الله الكلستانى السرائى الحنفى. كمال الدين بن البارزى- كاتب السر 39: 19 كمشبغا بن عبد الله الحموى اليلبغاوى 5: 7- 9: 10، 12، 13- 10: 1، 3- 12: 16- 13: 7 كمشبغا الأشرفى الخاصكى 16: 13 كمشبغا الجمالى 87: 4- 102: 13- 110: 14- 111: 2- 136: 8، 9 كمشبغا العيساوى 61: 10 كمشبغا المزوق الفيسى 68: 2- 73: 16- 77: 3- 102: 18- 121: 14- 202: 3- 203: 5، 6 ل لاجين بن عبد الله الجركسى- سيف الدين 27: 10، 14- 158: 12 لسترنج (كى لسترنج) 59: 24- 160: 23- 162: 20 اللكاش آقبغا بن عبد الله الطولو تمرى الظاهرى- سيف الدين. م ماجد بن غراب- فخر الدين 42: 18- 51: 16، 23- 58: 4- 73: 4، 6 ماجد بن المزوق- فخر الدين 42: 19- 49: 6- 51: 22- 192: 19 مأمور 121: 18 ماير (ل- ا- مايو) 133: 17- 134: 21 مبارك المجنون 16: 5 المتوكل على الله أبو عبد الله محمد- الخليفة 8: 6- 51: 4، 5- 154: 14- 155: 5، 14- 189: 3، 11، 16 مجد الدين عيسى الأرتقى الملك الظاهر مجد الدين عيسى صاحب ماردين. المجد عيسى بن الخشاب 30: 24 محب الدين بن الشحنة 146: 8 محمد (رسول الله صلى الله عليه وسلم) 34: 14، 17- 35: 4، 16، 19، 24 محمد بن إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن السلمى المناوى- قاضى القضاة صدر الدين أبو المعالى. 25: 7- 180: 6، 7 محمد بن إبراهيم بن بركة العبدلى الشهير بالمزين- شمس الدين 173: 11 محمد بن أبى البقاء الشافعى- قاضى القضاة بدر الدين 23: 12 محمد بن التبانى (محمد بن جلال الدين بن سولا بن يوسف التركمانى الحنفى) 79: 15- 90: 13 محمد بن أحمد بن محمد التنسى- القاضى بدر الدين 10: 9 محمد بن أحمد بن على المعروف بابن نجم الصوفى- العارف بالله شمس الدين 7: 17 محمد بن أحمد بن محمد المعروف بابن فهيد المغربى 166: 3 محمد بن إسماعيل الخباز 166: 12

محمد بن البارزى- ناصر الدين 80: 9- 138: 5- 146: 6- 205: 6، 7- 206: 11، 14 محمد بن البجانسى الصعيدى- شمس الدين 34: 8 محمد بن جعفر بن أبى طالب 35: 20 محمد بن جمال الدين محمود الأستادار- ناصر الدين 169: 2 محمد بن سلامة النويرى المغربى- أبو عبد الله المعتقد الكركي 103: 11، 23 محمد بن سنقر البكجرى- ناصر الدين 165: 15 محمد بن شهرى- ناصر الدين 61: 8- 62: 12 محمد بن صلاح الدين صالح الحلبى- القاضى ناصر الدين المعروف بابن السفاح 39: 6 محمد بن عباس بن محمد بن حسين بن محمود بن عباس الصلّى- القاضى شمس الدين 39: 13 محمد بن عبد الخالق المناوى المعروف ببدنة- شمس الدين 181: 4 محمد بن عبد الرزاق بن غراب ماجد بن غراب- فخر الدين. محمد بن عبد الله بن أبى بكر القليوبى- شيخ شيوخ خانقاة سرياقوس 177: 1 محمد بن عبد الله الزهورى العجمى 10: 13، 16، 20- 11: 3 محمد بن عثمان- ملك بورصا 180: 11 محمد بن عجلان- الشريف 177: 7 محمد بن على بن عبد الله الشمس الحرفى 37: 4، 10 محمد بن على بن عبد الله بن عباس 89: 13 محمد بن العديم (قاضى القضاة ناصر الدين محمد بن عمر ابن إبراهيم) 136: 2- 146: 4، 8- 171: 9- 193: 19- 198: 14- 205: 21 محمد بن على بن معبد القدسى المدنى- قاضى القضاة شمس الدين 136: 20 محمد بن الناصر فرج بن برقوق 153: 17- 207: 18 محمد بن القائم بأمر الله عبد الله- الأمير ذخيرة الدين 189: 8 محمد بن قجماس 126: 14 محمد بن قطلبكى 99: 10 محمد بن مبارك، شيخ الرباط النبوى- شمس الدين 36: 2 محمد بن مبارك شاه الطازى- ناصر الدين 147: 5، 9- 148: 12- 190: 12، 13- 196: 17- 204: 3 محمد بن محمد البصروى- ناصر الدين 201: 12 محمد بن محمد بن عبد الرحمن الصالحى الشافعى- قاضى القضاة ناصر الدين 34: 4 محمد بن محمد بن عبد المنعم- قاضى القضاة بدر الدين 39: 5 محمد بن محمد بن مقلد القدسى الحنفى- بدر الدين 25: 11، 24 محمد بن محمد الدمامينى المالكى الإسكندرى- قاضى القضاة شرف الدين 23: 14 محمد بن محمد الطوخى- الوزير الصاحب بدر الدين 38: 9 محمد بن نباتة جمال الدين- ابن نباتة.

محمد الثقفى- القائد الإسلامى فى فتوحات الهند 162: 18 محمد رمزى 125: 22 محمد سلطان حفيد تيمورلنك 161: 20 محمد الشاذلى الإسكندرى- شمس الدين 168: 15 محمد شاه بن فيروز شاه 26: 11 محمد القفصى المالكى (محمد بن محمد بن محمد- القاضى علم الدين) 32: 6، 20 محمد كرد على 4: 20- 66: 24- 72: 25- 73: 22- 145: 19 محمد مصطفى زيادة- الدكتور 20: 19- 22: 19- 78: 22- 87: 22- 92: 24- 93: 24- 96: 23- 120: 19- 131: 21- 134: 25- 139: 24- 154: 21 محمود بن عبد الله الكلستانى السرائى- القاضى بدر الدين 11: 6، 9، 11 محمود بن على الأستادار (محمود بن على بن أصفر عينه) 157: 2، 7، 9، 17 محمود بن قطلو شاه السرائى الحنفى- أرشد الدين أبو الثناء 25: 1، 18 محمود الأصبهانى- شمس الدين أبو الثناء 30: 4، 20 محمود العجمى- القاضى جمال الدين 24: 2 م. س. ديماند- الدكتور 133: 26 المسترشد بالله الفضل ابن المستظهر بالله أحمد- الخليفة 189: 7 المستظهر بالله أحمد- الخليفة 189: 7 المستعين بالله أبو الفضل العباس ابن المتوكل على الله أبى عبد الله- الخليفة والسلطان 51: 3، 5- 86: 9، 19- 120: 5- 136: 1- 141: 5- 142: 8- 146: 2، 3، 6، 7، 9، 10، 15، 16، 17، 22، 23- 148: 3- 150: 5- 155: 12، 15، 16- 189: 1، 3- 190: 17- 191: 17- 193: 8- 197: 1- 198: 11- 199: 6- 201: 18- 207: 1، 4، 13، 19 المستكفى بالله أبو الربيع سليمان- الخليفة 155: 15- 189: 4 المستنجد بالله يوسف- الخليفة 155: 17 المسرطن شيخ بن عبد الله السليمانى الظاهرى- سيف الدين. مسلم بن معتب بن أبى لهب 35: 22 المصطفى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. المعتصم بالله زكريا بن إبراهيم- الخليفة 8: 1، 6- 155: 7 المعتصم بالله أبو بكر ابن المستكفى بالله أبى الربيع- الخليفة 189: 4 المعتصم بالله محمد بن هارون الرشيد- الخليفة 189: 12 المعتضد بالله أبو العباس أحمد- الخليفة 189: 10 المعتضد بالله داود- الخليفة 155: 15- 207: 14- 208: 3 المعتقد الكركى محمد بن سلامة النويرى المغربى أبو عبد الله. المعز لدين الله الفاطمى 120: 22- 186: 18 معين الدين أنر بن عبد الله الطغتكى. 145: 12، 23 مغلباى 50: 19- 126: 14 مقبل بن عبد الله الظاهرى الرومى- الطواشى زين الدين 74: 14، 15- 77: 11- 97: 14، 15- 101: 11- 133: 1- 140: 19- 168: 12 المقتدر بالله جعفر- الخليفة 189: 10

المقتدى بالله عبد الله- الخليفة 189: 8 المقتفى بالله إبراهيم- الخليفة 189: 10 المقريزى (تقي الدين أحمد بن على بن عبد القادر) 9: 7- 19: 13- 20: 19- 22: 19- 29: 19- 55: 11- 56: 22- 68: 17، 18، 21- 76: 17، 19- 78: 23- 87: 22- 92: 24- 93: 25- 96: 24- 111: 15- 120: 20- 121: 21- 128: 24- 131: 21- 134: 25- 139: 25- 142: 1- 144: 18- 151: 3- 153: 11، 12، 24- 154: 22- 159: 18- 168: 17- 171: 11، 16- 172: 9- 185: 15- 186: 22 المقوقس 93: 19- 178: 21 الملك الأشرف إينال 113: 4 الملك الأشرف برسباى 61: 1- 81: 10- 113: 11- 207: 19 الملك الأشرف خليل بن قلاوون 83: 22- 151: 2 الملك الأشرف شعبان بن حسين 8: 3- 9: 13- 109: 3- 110: 9- 123: 13، 15، 22 ملكتمر الحجازى 111: 20 الملك الصالح حاجى 12: 10 الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن محمد بن قلاوون 131: 12 الملك الصالح نجم الدين أيوب 120: 21 الملك الظاهر برقوق 3: 5، 6، 10، 11- 4: 4، 5- 5: 4- 6: 3، 5- 8: 4، 5، 10، 12، 14، 15- 9: 2، 3، 11، 22، 23، 26- 10: 14، 16، 17- 11: 1، 2، 4، 10- 12: 10، 11، 14، 16، 17- 13: 1، 11، 16- 14: 5، 6، 8، 10، 11، 17- 15: 1، 3، 4، 5، 10، 14، 15- 16: 2، 14- 18: 2- 19: 5، 10- 20: 9، 15، 23- 21: 1، 14، 20- 22: 10- 23: 2- 31: 4- 36: 8، 10- 38: 15- 44: 13- 45: 15- 48: 11- 50: 1- 54: 13- 84: 12- 85: 20- 86: 1- 99: 20- 100: 6- 102: 21- 103: 24- 104: 2- 120: 24- 121: 16- 122: 13- 123: 8- 133: 1، 15- 149: 3- 150: 1- 152: 14، 16- 155: 9- 156: 10- 158: 1- 159: 4- 164: 18- 168: 5- 169: 10- 171: 18- 172: 16- 178: 15- 180: 4، 15- 181: 14، 15، 17- 183: 8 الملك الظاهر بيبرس البندقدارى 19: 12- 100: 21 الملك الظاهر جقمق 113: 3- 121: 17 الملك الظاهر ططر 28: 2 الملك الظاهر مجد الدين عيسى الأرنقى- صاحب ماردين 60: 5- 61: 8 الملك العادل أبو بكر بن أيوب 114: 19 الملك العادل أبو الفتح جكم من عوض 58: 13، 15، 17، 18، 20، 22- 59: 1، 13، 15، 17- 60: 1، 4، 7، 8، 10، 13، 16، 17، 20، 21- 61: 2، 4، 5، 7، 12، 14، 22- 62: 5، 6، 7 الملك قسطنطين- ملك الروم 97: 23 الملك الكامل ابن العادل أبى بكر بن أيوب 98: 21 الملك المنصور عز الدين عبد العزيز ابن الظاهر برقوق 41: 1، 3، 9، 13، 14، 16- 42: 4،

5، 9، 11، 12- 43: 15، 17- 44: 11، 18- 45: 12، 22- 47: 3، 6، 11، 12- 48: 6- 54: 13، 16- 150: 2- 154: 3، 10- 172: 19 الملك المنصور قلاوون 120: 21 الملك المؤيد شيخ 22: 11، 12- 86: 13- 98: 22- 116: 9- 123: 15، 22- 129: 12- 183: 2- 186: 22- 207: 3، 5 الملك الناصر أحمد- ملك اليمن 26: 4 الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون 109: 2- 110: 20- 123: 16 الملك الناصر فرج بن برقوق 3: 3، 4، 6- 12: 1، 4، 5، 19- 16: 9، 15- 17: 4- 19: 1، 3- 20: 1، 6- 26: 11- 27: 1- 29: 1- 31: 6، 15- 32: 3- 34: 2- 36: 12- 38: 2، 5- 41: 6، 7، 18، 20- 42: 1، 2، 3، 6- 43: 5، 6، 7، 13، 14- 44: 10، 14، 17، 19- 45: 1، 6، 7، 11، 23- 46: 2، 6، 9، 10، 12، 13، 16- 47: 1، 3، 5، 8، 15- 48: 1، 3، 18- 49: 2، 13- 50: 5، 12- 51: 3- 54: 12- 55: 4، 11، 17- 56: 9، 19- 57: 9، 14- 58: 4، 13- 59: 17- 61: 6- 62: 3، 19- 63: 7، 14- 65: 2- 66: 3- 67: 8، 10، 11- 68: 10- 70: 3، 10، 13، 19- 71: 9- 72: 9- 73: 5، 10- 75: 5- 77: 5، 19- 81: 4، 6، 20- 82: 2، 8، 13- 83: 7، 14، 16، 22- 84: 2، 3، 5، 8، 17- 85: 7، 15- 86: 4، 8- 87: 12- 88: 9، 18- 90: 10- 92: 12- 93: 12- 97: 20- 100: 3، 20- 101: 1، 13، 18- 102: 11، 19- 103: 1، 3- 104: 14- 105: 18، 20- 111: 13، 19، 20- 114: 15- 115: 3، 5، 8، 10- 116: 12، 18، 21- 117: 22- 120: 3- 122: 23- 127: 4، 9، 20، 23- 129: 16- 130: 3، 18- 132: 4- 135: 5، 7- 137: 4، 16- 138: 11- 139: 9، 13، 16، 17- 140: 8، 11، 13، 18، 20- 141: 4، 7، 8- 142: 5، 18- 143: 15- 145: 13- 146: 8، 11، 16- 147: 2، 4، 7، 10، 15، 16، 18، 20- 148: 4، 9- 149: 1، 18، 20- 150: 10، 20- 151: 5- 153: 16- 154: 1، 5- 156: 11- 158: 14- 160: 3- 164: 1- 167: 1، 9، 13، 14- 170: 2، 8، 11، 13، 14، 17، 18- 171: 1، 18- 172: 18- 175: 1، 4، 9- 178: 1، 5، 17- 180: 17- 183: 1، 3، 4، 7، 11، 18، 19- 185: 1، 12، 14- 186: 4، 7، 11- 189: 17، 18، 20- 190: 1، 2، 4، 5، 6، 8، 11، 12، 15، 18- 191: 4، 10، 17- 192: 3، 6، 9، 12، 17- 193: 2، 9، 10، 17، 20- 194: 3، 11، 13، 23- 195: 6، 13، 15، 17، 20- 196: 6، 14- 197: 1، 2، 3، 7، 18، 20- 198: 19- 199: 4- 201: 15، 16- 203: 2، 12- 204: 20- 207: 18 الملك الناصر محمد بن قلاوون 17: 23 الملكة هيلانة 97: 23 المناوى محمد بن إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن السلمى المناوى- قاضى القضاة صدر الدين أبو المعالى. منجك 121: 15 المنصور أبو جعفر عبد الله- الخليفة 189: 13 منطاش تمر بغا بن عبد الله الأفضلى المعروف بمنطاش.

منطوق نائب قلعة دمشق- سيف الدين 64: 15، 16، 22، 23- 135: 16- 170: 10، 12، 13 منكلى أستادار الخليلى 126: 4 منكلى بغا 90: 14 المهدى محمد بن هارون الرشيد- الخليفة 149: 9، 13، 15، 16 موفق الدين الحنبلى- قاضى القضاة 39: 4 الموفق طلحة بن المتوكل على الله جعفر- الأمير 189: 11 موسى أخو سليمان بن أبى يزيد عثمان 180: 11 الميدومى أبو الفتح الميدومى. ن ناصر الدين بن البارزى محمد بن البارزى- ناصر الدين. ناصر الدين بن العديم محمد بن العديم- قاضى القضاة ناصر الدين. ناصر الدين بن مبارك شاه محمد بن مبارك شاه الطازى- ناصر الدين. الناصرى يلبغا الناصرى. النبي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. نصر الله بن أحمد بن محمد بن عمر الششترى البغدادى الحنبلى- الشيخ الإمام. 175: 16 النعمان بن محمد 4: 20 نعير بن حيار بن مهنا- سيف الدين ملك العرب 15: 2- 37: 1- 62: 11- 165: 11، 22 نكباى حاجب دمشق 73: 1- 89: 4- 96: 20- 126: 9- 138: 7- 144: 6 نور الدين الشهيد 66: 23 نوروز الحافظى 20: 16- 43: 19- 44: 1، 3، 6، 9- 49: 9- 50: 6، 7، 15، 19، 21- 51: 17- 52: 17، 19- 53: 18، 20- 55: 18- 56: 8، 9، 10، 14- 57: 6، 7، 11، 12، 19- 58: 1، 2، 17- 59: 4- 61: 14- 62: 4، 22- 63: 2، 5، 7، 8، 9، 11، 12، 17- 65: 5، 8، 9، 13- 66: 6، 14، 21- 67: 1، 3، 5، 6- 68: 4- 69: 8، 10، 11، 13، 14، 15، 18، 19- 70: 3، 6- 71: 1، 3، 5، 8، 10، 16، 17، 18، 20، 21- 72: 1، 4، 5، 7، 8، 11، 12، 13- 73: 1، 3، 5، 6، 7، 8، 9، 17، 19، 24- 74: 2، 3، 4، 20- 76: 2، 3، 4، 8، 10، 12- 78: 5- 80: 1- 85: 1- 97: 9، 14، 16، 18- 98: 17- 99: 5، 6، 9، 15، 19- 100: 16، 18، 20- 101: 1، 2، 4، 7، 8، 10، 11- 105: 3، 16- 106: 5، 10، 21- 107: 5، 10، 14- 108: 12، 18، 19، 20- 109: 4، 5، 9، 16- 111: 8- 113: 8- 114: 6- 115: 7، 9، 19- 116: 5، 10، 14، 20، 22- 118: 8، 15- 119: 3، 11، 19- 122: 15- 123: 5، 6- 124: 8- 126: 2- 127: 6، 8، 19، 21، 22- 129: 3، 8- 132: 19- 133: 1، 3- 135: 18، 20- 137: 10، 12، 14، 15- 140: 20- 141: 19- 142: 2- 144: 12- 145: 8- 148: 3- 170: 16- 178: 6، 8- 183: 17- 189: 19- 191: 3، 15- 193: 11، 13- 195: 3- 196: 3- 198: 7، 10، 15، 17- 199: 2، 3، 5، 6، 7، 8، 10، 11، 12، 15، 20- 200: 16- 201: 5، 12- 202: 7، 8- 205: 9- 206: 2، 9، 10

هـ هاجر بنت الناصر فرج بن برقوق 153: 18 والواثق بالله عمر بن إبراهيم- الخليفة 8: 5- 155: 9 الوالد (ورد اللفظ مجردا ويعنى الأمير تغرى بردى بن بشبغا والد المؤلف) . 9: 15- 16: 15- 19: 5- 20: 12- 22: 21، 22- 36: 15- 41: 18، 21- 42: 21- 53: 8- 62: 16- 67: 18، 19- 68: 1- 77: 1- 83: 8، 10- 85: 15، 16، 21- 86: 4، 9، 12، 14، 15، 16، 19، 20، 23- 87: 2، 6، 7، 8، 13، 14- 88: 1، 8، 9- 89: 2- 90: 19، 21- 91: 1، 2، 8، 9، 11، 12، 13، 14، 15، 16، 18، 20- 92: 2، 3، 4، 5، 6، 9، 12- 93: 1- 94: 4، 21- 97: 2- 98: 18- 106: 3- 107: 1- 117: 1، 7، 8، 11، 20، 22- 118: 1، 3، 6، 12- 119: 1، 6، 7، 8، 9، 10، 13، 15، 16- 120: 1، 7- 121: 5- 126: 6، 10- 127: 18- 150: 21- 178: 7 وزير حلب عبد الله بن سهلول- شمس الدين. الوليد بن عبد الملك- الخليفة 97: 24 الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان- الخليفة 149: 10، 15، 16 وليم پوپر 9: 23- 91: 23- 131: 19 ى ياقوت بن عبد الله الحموى. 18: 22- 23: 19- 37: 9- 63: 23- 67: 24- 72: 19- 74: 22- 75: 20- 78: 19، 25- 79: 19- 88: 23- 106: 23- 107: 18، 24- 114: 19- 125: 21- 128: 23- 140: 23- 145: 22- 193: 22- 204: 21 يحيى الأستادار- زين الدين 165: 9 يحيى بن الخليفة المستعين بالله العباس 208: 3، 4 يحيى بن علاء الدين السيرامى- نظام الدين 168: 8 يشبك بن أزدمر 57: 8- 58: 10- 59: 3- 61: 15، 20- 70: 21- 72: 7- 74: 6- 97: 9، 12- 106: 6- 109: 10- 114: 6- 118: 12- 126: 6، 8- 127: 7- 198: 9- 201: 3- 205: 10 يشبك الساقى الظاهرى 113: 10، 21 يشبك الشعبانى 32: 16- 38: 6- 39: 7- 43: 1، 2، 4- 44: 9، 10، 12، 16، 20، 21- 48: 10- 54: 3- 56: 12- 57: 1- 62: 16- 64: 6، 14، 17، 22، 23- 65: 3، 6- 66: 16، 19، 20، 21- 67: 1، 2، 19- 68: 2، 5- 95: 14- 106: 1- 135: 15- 150: 14- 167: 5- 170: 11، 12، 14، 15- 183: 12، 14 يشبك العثمانى (بن عبد الله الظاهرى) 75: 3- 109: 11- 122: 17- 124: 6- 192: 15

يشبك الموساوى الأفقم (بن عبد الله الظاهرى- سيف الدين) . 73: 14- 75: 9- 77: 3- 96: 20- 98: 18، 19- 105: 6، 8- 115: 3- 121: 23- 185: 3، 4 يعقوب شاه بن عبد الله الظاهرى- سيف الدين 15: 8 يلبغا بن عبد الله السالمى الظاهرى- سيف الدين 171: 13- 172: 1 يلبغا بن عبد الله السودونى- سيف الدين 31: 9 يلبغا العمرى الخاصكى 13: 8- 14: 4، 6 يلبغا الناصرى 12: 13- 14: 7، 8، 9- 50: 3- 68: 9- 69: 2- 77: 11- 98: 15- 102: 6- 128: 10- 136: 6- 152: 13- 201: 1- 202: 1- 203: 15، 17 يلبغا اليحياوى 63: 21 يلدرم بايزيد (أبو يزيد بن عثمان) 32: 3، 4 يوسف بن تغرى بردى- أبو المحاسن- مؤلف الكتاب 53: 22 يوسف بن محمد بن عيسى السيرامى العجمى الحنفى- شيخ الشيوخ 168: 1 يوسف بن موسى بن محمد الملطى الحنفى- قاضى القضاة جمال الدين 24: 7 يوسف البيرى البجاسى جمال الدين الأستادار. يونس بن عبد الله الظاهرى المعروف ببلطا 16: 6، 18- 17: 1 يونس الحافظى 54: 4- 61: 16، 19

فهرس الأمم والقبائل والبطون والعشائر والأرهاط والطوائف والجماعات

فهرس الأمم والقبائل والبطون والعشائر والأرهاط والطوائف والجماعات اأبناء دلغادر:- 107: 11 الأتراك:- 27: 16- 49: 3 أرباب الأدراك:- 175: 14 أرباب السيوف:- 75: 21 الأعيان:- 175: 15 الأعيان الدماشقة:- 90: 6 أعيان دمشق:- 90: 8 أعيان المماليك الظاهرية:- 83: 23 أفشار (قبيلة تركمانية) 99: 24 الأكراد:- 123: 19 الأمراء الأجلاب:- 13: 1، 5 أمراء التركمان:- 193: 2 أمراء الشام:- 73: 17 أمراء الظاهرية:- 184: 17 أمراء مصر:- 16: 15- 192: 5 أمراء الملك الناصر:- 87: 12 أمة الخطا:- 82: 24 أمة الصين:- 82: 24 أوشار أفشار. أولاد عثمان جق:- 32: 17 ب بنو أبى طالب:- 35: 19 بنو أبى لهب بن عبد المطلب:- 35: 22 بنو أمية:- 64: 3 بنو الحارث بن عبد المطلب:- 35: 20 بنو دلغادر:- 143: 16 بنو سلجوق:- 107: 18 بنو الصفار:- 162: 19 بنو العباس بن عبد المطلب:- 35: 16 بنو عثمان ملوك الروم:- 32: 2 بنو مروان:- 76: 23

بنو المطلب بن عبد مناف:- 35: 22 بنو وائل (من عرب الشرقية) 109: 12 ت التتار:- 32: 11 تجار دمشق:- 87: 18 التراكمين (أى التركمان) 60: 16، 19- 61: 21- 62: 5 التركمان:- 61: 4- 74: 19- 75: 1- 76: 4، 7، 9، 26- 99: 23- 106: 7، 9- 143: 15، 18- 193: 2- 194: 1، 9- 201: 17 التركمان الأوشرية:- 99: 11، 24 التركمان الجراكسة:- 76: 25 تركمان الطاعة:- 85: 1 التركمان الكبكية:- 76: 9، 25 ج الجراكسة:- 27: 11- 41: 5- 126: 16 الجركس: 20: 23- 153: 2، 4 ح الحنفية:- 27: 16 خ خلفاء بنى أمية:- 149: 17 خلفاء بنى العباس:- 149: 17 ر الروم:- 31: 18- 94: 24- 97: 23- 104: 22- 106: 23- 122: 17 س السادة المالكية:- 209: 8 السلطانية (مماليك السلطان الملك الناصر فرج) : 81: 13- 82: 18- 145: 1- 194: 6، 12 ش الشامية:- 113: 14 الشاميون:- 90: 10- 105: 2- 110: 17- 113: 14، 15، 17- 114: 2- 144: 9- 146: 1- 193: 18- 194: 4 الشيخية (نسبة إلى شيخ المحمودى) : 80: 19- 85: 4- 110: 3- 194: 6، 8 الشيعة الإسماعيلية:- 132: 21 ص الصحابة العشرة المشهود لهم بالجنة:- 35: 2 ع العجم:- 4: 12 العربان:- 76: 4- 99: 7، 22- 114: 4- 143: 18- 201: 17 عربان مصر:- 58: 20

العساكر السلطانية:- 114: 12 عسكر السلطان:- 113: 6 العشير (الجند المرتزقة) 143: 18، 23- 201: 17 ف الفاطميون:- 95: 10 فرسان الصليبيين:- 123: 19 الفرنج: 114: 18 فقهاء الحنفية:- 23: 11- 38: 8 ق القرايلكية:- 60: 11 قضاة الشافعية:- 39: 16 قضاة المالكية:- 39: 15 قضاة مصر:- 88: 17 ك الكتاب:- 175: 15 م المالكية:- 32: 7 المباشرون:- 96: 4 مشايخ البحيرة:- 128: 15 مشايخ العربان:- 175: 14 المصريون (يراد بهم الأمراء الذين فروا من السلطان إلى شيخ المحمودى) 82: 2 المغاربة:- 128: 19 ملوك الإسلام:- 151: 5 ملوك بنى عثمان:- 32: 2 ملوك الترك:- 41: 5- 83: 23- 151: 2 ملوك مصر:- 68: 17 مماليك الأتابك إينال اليوسفى:- 31: 13 مماليك أسندمر البجاسى الجرجاوى:- 12: 9 مماليك الأمير خليل بن عرام:- 13: 4 مماليك الأمير شيخ:- 63: 13 مماليك الأمير طيبغا الحسنى الناصرى:- 5: 2 المماليك الجلب:- 78: 9، 22 مماليك السلطان:- 15: 19- 24: 11 المماليك السلطانية:- 18: 1- 78: 15- 96: 2- 101: 21، 22- 108: 6- 109: 16- 110: 2- 112: 10 المماليك السلطانية الظاهرية المماليك الظاهرية. مماليك الظاهر برقوق المماليك الظاهرية. المماليك الظاهرية برقوق المماليك الظاهرية.

المماليك الظاهرية:- 4: 5- 9: 5، 23- 13: 1- 14: 17- 15: 7، 17- 16: 2- 17: 1- 18: 2- 45: 9- 46: 5- 59: 10- 62: 1، 3، 9- 69: 12- 78: 5، 9- 96: 2- 101: 21، 22- 108: 6- 109: 16- 110: 2- 112: 10- 122: 13، 20- 125: 10، 17- 126: 1، 15، 18- 127: 23- 128: 6- 130: 9- 137: 8- 140: 17- 146: 13- 182: 1- 185: 15 المماليك اليلبغارية:- 9: 9 ن نواب البلاد الشامية:- 16: 14 النوروزية (نسبة إلى الأمير نوروز الحافظى) 73: 2- 109: 15- 110: 4 ى اليلبغارية:- 14: 5

فهرس البلاد والأماكن والأنهار والجبال وغير ذلك

فهرس البلاد والأماكن والأنهار والجبال وغير ذلك اآسيا الصغرى:- 107: 18 آمد:- 59: 13، 20، 23- 60: 1، 8، 10، 11، 12، 21 آهنگران:- 160: 6 أبلستين:- 106: 5، 9- 107: 10، 11- 178: 6 أترار:- 160: 4، 22- 161: 3 إدارة دمغ المصوغات:- 111: 21 أذرعات:- 81: 22 أراضى زبيد باليمن:- 26: 15 الأردن (المملكة الأردنية) :- 23: 19- 107: 24- 114: 26 أرض النابتية:- 194: 3، 16 إستنبول:- 48: 18- 50: 23- 152: 21- 185: 21 الإسطبل السلطانى:- 41: 10، 22- 46: 15- 66: 1- 77: 10- 109: 2- 110: 13- 141: 21- 196: 10- 197: 14، 15- 198: 2- 199: 13- 206: 18 الإسكندرية:- 5: 8- 10: 7- 13: 14، 15- 21: 1- 22: 1، 2- 23: 15، 16- 24: 5- 33: 1- 47: 2، 9، 11- 50: 13- 51: 12، 13- 54: 14، 15- 68: 9- 69: 6- 71: 23- 73: 13- 98: 7- 100: 13- 121: 8، 19- 122: 8- 128: 5، 13، 21- 129: 1- 130: 7- 152: 6- 157: 2- 169: 1، 5- 171: 15- 172: 12، 16- 176: 17- 183: 7، 10، 19، 20- 184: 1، 16- 185: 8، 11- 198: 6- 201: 21- 202: 2- 203: 6، 8- 207: 19، 20 أسوان:- 152: 8 أصبهان:- 30: 21 إطفيح:- 114: 1، 16 أعزار:-. 76: 23 أعمال الدقهلية:- 125: 21 أفغانستان:- 131: 20 إقليم المنوفية:- 164: 21 ألبيرة:- 16: 5، 20- 60: 1- 75: 19- 95: 2، 5- 122: 17 ألينبع:- 18: 11، 21- 74: 8، 24

إمبابة:- 68: 24- 128: 23 أمبوبة:- 68: 22، 23 أنطاكية:- 61: 23- 74: 3- 76: 5، 21- 101: 5 أوسيم وسيم أيلة:- 3: 15 الإيوان:- 42: 10 ب باب الإسطبل- بقلعة الجبل:- 46: 23 باب الإنكشارية- بقلعة الجبل:- 46: 23 باب توما:- 196: 3، 18 باب الجابية (من أبواب دمشق) 196: 4، 20. باب الجنان باب النصر بدمشق. باب زويلة:- 62: 13- 96: 22- 98: 23- 110: 17- 157: 19- 186: 6، 19- 202: 11 باب السر بقلعة الجبل:- 112: 4 باب السلسلة- بقلعة الجبل:- 46: 14، 23- 63: 15، 16- 66: 1- 102: 13- 110: 3- 111: 4- 112: 11، 16- 136: 6- 199: 8، 9- 202: 13- 206: 7 باب السرايا باب النصر بدمشق. باب السعادة باب النصر بدمشق. باب السيدة عائشة:- 112: 22 باب العزب- بقلعة الجبل:- 46: 24 باب الفراديس:- 94: 11، 23- 145: 5- 148: 16، 21 باب القرافة:- 112: 17، 21- 123: 18 باب القلعة الأعظم:- 46: 20 باب القلة- بقلعة الجبل:- 19: 3، 12 باب المدرج:- 46: 12، 20 باب الميدان:- 194: 10 باب النصر (بدمشق) :- 194: 11، 22- 195: 3- 196: 2، 4، 5 باب النصر (بالقاهرة) :- 18: 16، 25- 39: 11- 68: 21- 96: 22- 120: 13- 136: 5 بادية الشام:- 107: 21 باراب:- 160: 22 باريس:- 53: 23، 24- 199: 22 الباسطية:- 186: 13، 21 باعون:- 146: 21 البثنية:- 81: 1، 22 البحر- (النيل) 125: 9، 12 البحر الأحمر:- 17: 21- 114: 21

بحر القلزم:- 3: 15 البحر المالح (البحر الأبيض المتوسط) :- 70: 23 بحر نيطش:- 20: 23 البحرة (بدمشق) 119: 17، 20 البحيرة- محافظة البحيرة- 128: 15 بحيرة بانياس:- 104: 23 بحيرة طبرية:- 104: 16، 22 بد خشان:- 131: 2 البرج (بقلعة الجبل) 65: 20، 21- 67: 12، 17- 70: 9- 109: 16- 122: 14- 123: 1- 127: 17- 128: 2- 147: 21- 148: 1 بردى (نهر بدمشق) :- 119: 21 برزة:- 63: 12، 23- 105: 9، 11- 139: 13 برصا:- 32: 1، 17- 180: 12 برصا العزبة الخضراء برقاء:- 128: 16 البرقوقية: (المدرسة البرقوقية) :- 120: 17، 24 البركة:- 76: 1، 17 بركة الحاج البركة. بركة الجب البركة. برية القدس:- 53: 8 بساتين معين الدين (بدمشق) 145: 12 بصرى:- 79: 12، 19- 81: 1، 3، 5، 9، 10 بعلبك:- 31: 17- 39: 15- 66: 19، 21- 67: 1- 90: 14- 105: 8- 139: 20، 24- 151: 7- 170: 16 بغداد:- 39: 4- 160: 23- 164: 18- 176: 3، 22- 181: 11 البقاع:- 139: 20، 24 بلاد التركمان:- 50: 8 بلاد الجركس:- 20: 13، 23 بلاد الروم:- 29: 4- 32: 17- 76: 7- 106: 23 البلاد الشامية:- 14: 12- 16: 15- 20: 4، 6، 7- 21: 5- 33: 1- 41: 19- 42: 1- 43: 17- 50: 8، 20، 22- 59: 6، 16، 17- 62: 7، 19، 21، 22- 63: 2، 7- 76: 14- 77: 14- 95: 5، 14- 97: 7- 100: 20- 101: 13- 102: 11- 104: 8- 105: 13، 21- 106: 8- 114: 12، 13- 124: 10- 127: 19- 132: 10- 135: 5- 136: 14- 138: 21- 151: 6، 7- 167: 4- 169: 14، 16- 175: 4- 178: 5- 181: 16- 183: 4، 14، 20- 189: 17- 200: 10، 12- 201: 2، 17- 205: 12- 206: 1

بلاد البحيرة (محافظة البحيرة) :- 152: 6 بلاد الشرق:- 59: 19 بلاد الصعيد:- 27: 6- 52: 2- 152: 7 بلاد الصين:- 160: 9 بلاد العجم:- 24: 12- 132: 22 البلاد المصرية:- 114: 16 بلاد الهند:- 26: 5 بلاد اليمن:- 26: 1 البلاص (إحدى قرى صعيد مصر) :- 95: 23 بلبيس:- 27: 19- 39: 10- 53: 12- 58: 11- 90: 17، 23- 94: 21- 175: 10 البلقاء:- 3: 15- 107: 15، 24- 108: 21 بلقينة:- 29: 10، 13 بنا أبو صير:- 29: 16 بهتيت:- 126: 17، 21 بهتيم بهتيت. بهتين بهتيت. البوب: 29: 16 بولاق 109: 17- 204: 18 بيت الأمير سودون الحمزاوى:- 46: 4، 5 بيت القاضى- بالقاهرة:- 111: 22 بيت قوصون:- 199: 8 بيت المال:- 111: 21 بيت المقدس (القدس) :- 3: 15- 107: 16 بيت نوروز:- 110: 5 بيروت:- 18: 22- 67: 24- 144: 23- 204: 21 بيسان:- 78: 11، 24- 93: 4، 17- 107: 7- 122: 2 بين القصرين- بالقاهرة:- 19: 3، 4- 68: 12- 95: 10- 111: 4- 120: 17- 168: 3، 5 البيمارستان المنصورى:- 120: 13، 18، 21 بيمارستان الملك المؤيد شيخ: 123: 14، 22 ت تبريز:- 168: 4 تدمر:- 107: 15، 21 تربة الأمير الحسنى نائب الشام بدمشق (دفن فيها والد المؤلف) 142: 17 تربة سيف الدين قجاجق بن عبد الله الظاهرى بالصحراء:- 178: 14 تربة الصوفية: خارج القاهرة:- 39: 10، 23- 180: 9 تربة طشتمر حمص أخضر بالصحراء:- 171: 6

تربة الظاهر برقوق (الحوش الظاهرى) 31: 20 التربة (تربة الملك الناصر- المسماة بالظاهرية برقوق) 102: 20، 21- 103: 3- 136: 4- 186: 7، 8- 204: 18 ترعة السعيدية:- 38: 16 تعز:- 26: 1، 14 تركيا:- 37: 8- 60: 23 تل باشر:- 107: 12، 19 تل شقحب:- 89: 22 التهائم (باليمن) :- 26: 15 تونس:- 156: 3 ج الجابية:- 196: 20 جامع الأزهر:- 4: 13- 27: 8- 112: 24 الجامع الأموى:- 89: 3- 90: 13 جامع الأنور (جامع الحاكم) :- 29: 18 جامع بنى أمية (المسجد الأموى بدمشق) :- 64: 2- 105: 10 جامع الحاكم:- 29: 11 جامع دمشق (الجامع الأموى) :- 94: 23 جامع صرخد:- 82: 10 جامع عمرو بن العاص:- 30: 7 جامع القلعة (أنشأه السلطان الناصر محمد بن قلاوون) :- 131: 23 جامع كريم الدين (بدمشق) :- 145: 10- 191: 1، 21 جامع المصلى المصلى بدمشق. جبال أذربيجان:- 25: 23 جبال عاملة:- 4: 21 جبانة باب النصر:- 39: 23 جبانة الخفير:- 31: 21 جبانة العباسية الجديدة (جبانة الخفير) 31: 20 جبانة المماليك:- 31: 20 جبل حوران:- 145: 19 جبل قاسيون:- 146: 23 جرود:- 67: 4، 24 الجزيرة الرومية 180: 11 الجزيرة الفراتية:- 60: 22 جعبر:- 37: 1 الجمالية (مدرسة أنشأها جمال الدين الأستادار ثم سميت بالناصرية) :- 120: 15 جنوة:- 144: 19

الجيزة:- 68: 13، 24- 100: 4- 128: 8، 23- 204: 18 ح حارة بهاء الدين قراقوش بالقاهرة:- 29: 12 حارة الديلم- بالقاهرة:- 111: 16 حارة الروم بالقاهرة:- 110: 24- 186: 18 حاصل الديوان المفرد (ببين القصرين) 111: 3 الحجاز:- 17: 14- 18: 12- 107: 24- الحراقة- بقلعة الجبل:- 111: 5 الحراك:- 80: 20، 22 حسبان:- 108: 2، 21 حسيا:- 139: 19 الحسينية (من القاهرة) :- 165: 9 حصن الأكراد:- 123: 5، 19 حطين:- 114: 17 الحكر:- 36: 20 حلب:- 4: 4، 6، 7- 8: 12- 9: 12- 14: 17- 15: 1، 3- 16: 20- 17: 7- 25: 1- 29: 21- 36: 7، 9، 10، 11، 16، 17- 41: 21- 43: 21- 44: 6- 49: 11، 13- 50: 8، 9، 10، 14، 15، 16، 18، 21- 51: 10، 18- 52: 3، 4، 15، 17- 53: 3- 54: 10، 19- 55: 16- 56: 1، 2، 4، 6، 7، 8، 14- 57: 17- 58: 13، 14- 59: 15، 19- 60: 3، 24- 61: 9، 11، 23- 62: 5، 6- 63: 5، 11- 65: 5- 69: 9- 72: 11، 13- 73: 18، 20، 21- 74: 21- 76: 3، 6، 8، 12، 23- 80: 1، 5، 7، 12- 84: 19- 85: 3- 95: 3- 97: 8، 9، 10، 19- 99: 1، 5، 6- 101: 2، 10- 105: 15- 106: 12، 17، 18، 21- 107: 1، 13، 21- 108: 1- 115: 15- 117: 11- 118: 7، 14- 122: 16- 127: 19- 140: 7- 143: 13- 146: 9- 151: 7- 159: 3- 165: 12، 16- 168: 4- 171: 6، 7، 21- 178: 7- 191: 13- 195: 7، 13، 14، 18- 197: 6- 201: 5- 202: 7- 203: 12- 205: 9 حماة:- 17: 2- 39: 15- 44: 4، 6- 50: 7- 51: 9- 52: 6، 8- 53: 20- 54: 5- 56: 14- 61: 16- 64: 13- 70: 21- 72: 7- 78: 5- 80: 1- 83: 5- 87: 17- 96: 19- 97: 13، 19- 98: 17- 99: 1، 6، 22- 100: 17، 18- 104: 11- 118: 10- 124: 9- 144: 6- 151: 7- 201: 6 حمص:- 4: 21- 39: 15- 44: 4- 52: 9، 22- 56: 23- 65: 4- 66: 20- 72: 19- 80: 4- 99: 12- 139: 24 حوارين:- 72: 19 حوران:- 79: 19- 81: 1- 88: 23- 145: 19- 146: 22

الحوش الظاهرى:- 31: 3 خ خان ابن ذى النون:- 9: 2 خانقاة بيبرس:- 164: 5 خانقاة سرياقوس:- 17: 15، 16- 92: 16، 22- 177: 2 خانقاة شيخون:- 164: 15، 16 خزانة شمائل:- 98: 3، 21- 110: 19- 157: 18 الخشابية: (زاوية الشافعى بجامع عمرو بن العاص) 30: 7، 23 خط البندقيين:- 168: 14 خط رحبة باب العيد:- 68: 6، 20 خط الغرابليين:- 186: 5، 18 الخليج المصرى:- 100: 22 خليص:- 74: 9، 22 الخليل (قبر الخليل عليه السلام بمدينة الخليل) 89: 11 خواجا إيلغار (البلدة التى ولد فيها تيمورلنك) 160: 16 خوخة أيدغمش:- 110: 16، 24 د دارا:- 60: 22 دار الأمير فرج بن منجك- بدمشق:- 119: 11 دار السعادة:- 55: 15، 26- 56: 11- 64: 2- 66: 4، 5- 72: 16، 17، 18- 79: 14- 88: 5، 22- 89: 8- 90: 5- 104: 17- 105: 12- 119: 2، 9، 13، 16- 126: 3- 127: 2- 138: 1، 5- 196: 5، 10- 197: 19- 199: 14 دار الطعم:- 145: 8، 20- 193: 11 دار العدل:- 3: 18- 23: 21- 30: 6 دار غرس الدين خليل- بدمشق:- 145: 9 دار الكتب:- 4: 21- 8: 21، 24- 10: 24- 14: 19، 21- 17: 25- 19: 11، 23- 24: 25- 25: 19- 26: 18- 29: 17، 19، 22- 30: 19- 31: 21- 38: 17، 22- 39: 24- 41: 23- 42: 22- 43: 23- 46: 24- 49: 22- 52: 25- 54: 23- 55: 20، 23، 26- 56: 24- 58: 24- 60: 23- 61: 24- 62: 23- 63: 20، 22، 25- 65: 23- 68: 24- 74: 23، 24- 76: 22، 24، 27- 78: 21- 79: 22- 82: 22- 85: 23- 89: 23- 94: 25- 98: 24- 99: 23- 100: 24- 103: 25- 107: 20، 23- 108: 21، 22- 109: 18، 21- 110: 20، 23، 25- 111: 18، 22- 112: 23- 113: 23- 114: 17، 25، 26- 120: 23، 24- 123: 19، 23، 25- 130: 22- 131: 24- 134: 23- 135: 25- 136: 23- 143: 23- 144: 23، 25- 146: 21، 24- 148: 21- 152: 23- 155: 21- 157: 19- 158: 22- 160: 21، 24- 168: 19- 173: 22، 25- 174: 15- 181: 23- 194: 24- 196: 19، 21

دار المعارف:- 4: 25- 133: 26 دار النيابة بالقلعة:- 46: 22 داريا:- 78: 2، 19- 88: 19 دجلة:- 25: 22- 59: 23 درب الحاج:- 114: 4، 21 الدركاة- المكان الذي ينتظر فيه الأمراء بقلعة الجبل:- 46: 21 دلى:- 26: 5، 16 دمشق:- 7: 2- 11: 10- 12: 8، 14- 13: 2، 4، 9، 13- 14: 3، 8، 15، 17- 15: 4، 5، 8، 12، 18- 16: 1، 12، 13، 17- 20: 10، 12، 13، 20- 21: 2، 3، 21- 23: 8- 25: 5، 11- 27: 12- 29: 14، 21، 24- 30: 7- 31: 10، 12، 16- 32: 6- 36: 1، 2، 15، 16، 19- 39: 14، 16- 43: 22- 44: 2، 3- 49: 9، 14- 50: 6، 20- 51: 9- 52: 17، 18، 19- 53: 1، 2، 4، 18- 54: 4- 55: 14، 15، 16- 56: 6، 9، 11، 12، 15، 19، 21، 23- 57: 3، 11- 58: 1، 2، 22- 59: 5- 61: 15، 20- 62: 22- 63: 2، 8، 11، 18، 19، 21، 23- 64: 1، 2، 3، 6، 11، 12، 14، 21، 22- 65: 2، 3، 8، 14، 17- 66: 4، 7، 9، 14، 16، 18، 22، 23- 67: 4، 24- 68: 5- 69: 7، 9، 18، 19، 20، 21- 70: 11، 18- 71: 4، 6- 72: 3، 6، 9، 12، 14، 15، 16- 73: 1، 3، 6، 9، 17- 75: 1، 2، 4- 77: 8، 18- 78: 6، 19- 79: 11، 14، 18، 19، 21- 80: 3، 6، 12، 17- 81: 3، 22- 83: 1، 4، 5، 6- 85: 3، 5، 7، 11، 13- 86: 4- 87: 18- 88: 4، 11، 18، 19، 20- 89: 3، 5، 8، 14، 15، 16، 18، 20، 21، 22- 90: 4، 5، 7، 8، 13، 15، 20- 94: 10، 11، 13، 23- 95: 6- 96: 12، 15، 20- 97: 10- 101: 19- 104: 10، 15، 17، 19- 105: 1، 6، 9، 12- 106: 16- 107: 2، 4، 13- 108: 6، 8، 10- 114: 15- 115: 2، 4، 5، 12، 13، 15، 16، 18- 116: 18- 117: 22- 118: 6، 12- 119: 1، 4، 5، 14، 20- 120: 8، 11- 122: 5، 6، 22- 124: 7- 126: 6، 13- 127: 6، 18- 132: 4- 135: 15، 16- 137: 10، 19، 20- 138: 4، 6- 139: 16، 17، 24- 141: 3، 4- 142: 13، 17، 21، 22، 24- 143: 2، 9، 13، 14، 16- 144: 7، 15، 25- 145: 4، 13، 15، 16، 17، 20، 22، 23- 146: 7، 19، 23- 147: 21، 22، 23- 148: 16، 21- 150: 14، 15- 151: 8- 158: 11، 14، 15- 159: 2، 5، 8- 165: 18، 19، 23- 166: 2، 10، 14- 167: 6، 11- 170: 5، 10، 11، 12- 172: 8- 178: 10- 180: 14- 181: 18، 19- 189: 20- 190: 1- 191: 10، 22- 192: 2، 3، 16، 21، 23- 194: 23- 195: 3، 19- 196: 1، 4، 5، 9، 11، 18، 20- 198: 2- 199: 12، 13- 200: 4، 16- 201: 5، 10، 13- 202: 5، 8- 207: 12 دمياط:- 122: 1، 11، 12- 186: 2- 203: 6 دنديل:- 204: 18، 19، 21

دنيسر:- 60: 22 دهلى دلى. 26: 18 الدور السلطانية:- 19: 12- 41: 9- 47: 4، 8 ديار بكر بن وائل:- 37: 8- 59: 13- 60: 1، 4 الديار الشامية:- 94: 6 ديار مصر:- 6: 6- 18: 14- 31: 14، 15- 32: 13- 35: 7- 38: 14- 63: 15 الديار المصرية:- 3: 8، 11- 4: 9- 6: 3- 9: 9، 15- 10: 7- 11: 7- 12: 8، 13، 15- 13: 60، 13- 15: 10- 17: 6، 11- 21: 24- 22: 9، 15- 23: 7، 12، 15- 124: 2، 8- 25: 1، 2، 8، 10- 27: 11، 13- 34: 5، 11- 38: 4، 9- 39: 4- 40: 1- 41: 4، 5- 43: 18- 44: 1، 8، 20- 48: 10، 17- 49: 8، 18- 51: 19- 54: 2، 18- 55: 9- 56: 2، 18- 57: 10- 59: 2، 7، 18- 61: 7- 65: 12، 18، 19- 66: 8، 10- 67: 8- 68: 2- 71: 20- 73: 14- 77: 1- 83: 13- 88: 18- 91: 15- 98: 16، 19- 104: 9- 109: 5- 112: 1- 113: 18- 115: 6- 118: 9، 11- 120: 7- 123: 4- 135: 8- 142: 3- 143: 14- 145: 20- 146: 4، 9- 151: 9- 154: 8- 155: 20- 156: 12- 158: 8، 19- 159: 9، 17- 164: 18- 166: 10، 15- 167: 11- 168: 10- 171: 23- 176: 16- 178: 4، 10- 179: 16- 181: 8- 183: 7، 9، 16- 184: 5، 16- 185: 4، 8- 186: 2- 189: 15- 192: 11- 199: 7- 200: 5، 9- 201: 11، 15، 21- 202: 6، 10- 203: 11- 205: 21- 206: 5 ر رأس الرمل:- 139: 1 الرباط النبوى (مسجد الآثار النبوية) 37: 2 الربوة:- 66: 4، 22 رحبة باب العيد:- 120: 14 الرستن:- 52: 8، 22 رفح:- 108: 24 الرملة:- 52: 18- 57: 7- 71: 8- 75: 16- 77: 23- 89: 8- 98: 20- 108: 13- 140: 7، 23 الرميلة:- 63: 16، 24- 110: 1، 23- 113: 8- 123: 16، 25- 199: 9 الرها:- 60: 23 الروضة:- 187: 2 ريتوزا القديمة:- 52: 23. الريدانية:- 54: 20، 21- 55: 2، 3، 7، 12- 62: 14، 15، 17، 18، 20- 63: 14- 76: 16- 77: 4، 6، 14- 102: 3، 10، 20-- 104: 6- 132: 13- 133: 5- 135: 4-- 136: 4، 14- 137: 5

ز الزاب الصغير (نهر) 25: 22 الزاب الكبير (نهر) 25: 22 زاوية الشافعى المعروفة بالخشابية:- 30: 6 زاوية الشيخ التبرى (مسجد التين) 135: 25 زبير:- 26: 15 الزبيرات (من قرى الغربية) 179: 18 زرع:- 88: 3، 23- 94: 12- 108: 5 زره زرع. الزعقة:- 108: 15، 24 الزقازيق:- 38: 17 زقاق السباعى:- 111: 17 س ساحل النيل:- 207: 17 سبيل المؤمنى:- 110: 5، 22- 123: 25 سجن الإسكندرية:- 5: 8- 9: 10- 21: 8- 33: 1- 51: 12، 13- 54: 14- 68: 9- 71: 22- 73: 13- 98: 7- 121: 18- 122: 8- 129: 1- 172: 16- 202: 2- 203: 5، 6 سجن الديلم:- 111: 1، 15 سجن رحبة باب العيد 111: 1، 19 سجن قلعة دمشق:- 167: 5 سجن الكرك:- 3: 10- 6: 3- 9: 12- 31: 4 سجن المرقب:- 8: 10، 14- 32: 16 سرياقوس:- 17: 15، 16، 23- 124: 20- 177: 2 سمسع:- 72: 11، 25 السعيدية:- 38: 5، 16- 62: 19- 102: 11- 135: 7، 13، 22- 150: 16- 183: 15 سكة المحجر- بالقاهرة:- 109: 19 السكرية:- 186: 18 سمرقند:- 160: 13، 24- 161: 15- 171: 23 سمنود:- 184: 20 سميساط:- 16: 20- 75: 19 سوريا:- 76: 21- 107: 19 سوق الباسطية:- 186: 13، 21 سوق الحميدية- بدمشق:- 194: 23 سوق خان السلطان- بدمشق:- 194: 5، 18 سوق الخراطين- بالقاهرة:- 112: 24 سوق الخيم- بالقاهرة:- 112: 18، 24

السويس:- 114: 3، 19 سيجون (نهر) :- 160: 14، 22 سيناء:- 17: 21- 114: 14، 21 ش شارع بيت المال بالقاهرة:- 111: 22 الشام:- 3: 15- 12: 4- 13: 2، 21- 14: 12- 15: 15- 16: 9- 20: 9- 24: 20- 27: 13- 36: 12- 43: 18، 19- 47: 15- 50: 14، 17- 51: 15- 52: 16- 55: 8- 56: 3، 20- 57: 18- 58: 10، 18، 19، 23- 59: 8- 61: 13- 62: 4، 9- 63: 6، 13- 70: 1، 15- 72: 18- 73: 23- 75: 10، 18- 76: 18، 27- 84: 11، 21-- 88: 10، 21- 93: 7- 97: 15- 99: 15- 101: 12- 104: 12- 105: 2، 4- 106: 5، 8، 16، 22- 107: 3، 24- 109: 20- 113: 3- 115: 3، 18- 117: 11، 14، 15، 20- 119: 13- 121: 2- 127: 12- 133: 6- 135: 11، 15- 142: 17- 151: 9- 152: 1، 3، 13- 169: 5- 170: 2- 172: 17- 175: 10- 178: 7- 181: 19- 194: 20- 200: 7، 12، 17- 201: 5 شارع خان جعفر بالقاهرة:- 111: 22 شارع خوشقدم:- 111: 18 شارع الدرديرى:- 111: 18 شارع السكة الجديدة:- 112: 25 شارع الصنادقية:- 112: 25 شارع الكومى:- 100: 23 شارع المعز لدين الله الفاطمى:- 120: 22 الشبلية (مدرسة بدمشق) :- 146: 5، 23 شرطة قسم الخليفة- بالقاهرة:- 111: 21 الشرقية (محافظة) :- 152: 6 شقحب:- 89: 21، 22- 96: 13 الشوبك:- 114: 8، 26- 194: 7، 20 شيراز:- 162: 8، 17 ص الصالحية (بدمشق) :- 145: 9 الصالحية (منزلة فى الطريق إلى الشام) :- 180: 14- 181: 2 الصبيبة:- 79: 25- 139: 20 الصخرة (مسجد الصخرة) :- 97: 20، 22 صرخد:- 9: 24- 81: 3، 5، 12- 83: 3- 84: 2، 3، 17، 20، 21- 85: 2، 8- 87: 5، 15- 88: 6- 106: 3- 107: 15- 117: 2- 118: 17- 135: 18- 175: 5 صعيد مصر:- 52: 1- 164: 21

صفد:- 4: 5- 17: 1- 36: 2، 9- 51: 7- 52: 10، 16- 54: 7- 57: 1، 4، 5، 18، 20، 21- 58: 15، 18- 61: 14- 62: 3- 63: 1- 66: 11- 70: 12- 71: 13، 15، 19- 72: 25- 77: 20- 78: 2- 85: 11- 90: 3- 96: 12- 99: 2، 3- 105: 6، 11- 106: 15، 18، 20- 118: 11- 159: 9- 169: 10، 11- 201: 6 الصفراء:- 74: 9، 24 الصلاحية- بالقدس:- 4: 1، 19 الصليبة:- 110: 1، 20- 202: 22 الصندلية (طبقة بقلعة الجبل) :- 9: 3 صهيون:- 118: 17، 23 الصوة:- 109: 3، 18- 110: 9- 123: 14 ط طبرية:- 23: 19- 104: 16، 22- 114: 18 الطبقة (المعروفة بالصندلية بقلعة الجبل) :- 9: 2 الطبلخاناة السلطانية (بقلعة الجبل) :- 59: 11- 109: 3- 110: 9- 123: 14، 22 طرابلس:- 4: 5- 8: 17- 17: 1، 2- 28: 3- 31: 11- 36: 9، 13، 15- 44: 2، 3، 4، 5- 50: 17، 20- 52: 4، 5- 56: 5- 66: 15- 69: 19، 20- 70: 6، 20- 76: 5- 80: 3، 4، 7- 87: 21- 88: 7- 89: 15، 17- 96: 13- 97: 12- 105: 7- 106: 15- 116: 14- 117: 12- 118: 8- 122: 16- 125: 3- 127: 19- 129: 5، 6، 7- 159: 9- 178: 8- 184: 20- 191: 14- 201: 6- 205: 11 طنبذة:- 164: 20 طموة:- 113: 16، 22 الطور:- 114: 1، 18 طول كرم:- 108: 22 ع عارة:- 140: 6، 21 العباسة:- 38: 17 العباسية:- 54: 22 عجلون:- 146: 22 العراق:- 139: 2- 181: 11 عرعرة عارة. 140: 21 عرفة:- 140: 22 العريش:- 67: 6- 71: 14، 19- 108: 16، 24- 109: 6، 21- 200: 4، 13 عزبة الشيخ قطر حنفى:- 38: 16 العزبة الخضراء:- 180: 11 عطفة التومى:- 111: 17

العقيبة:- 145: 9، 22 عكا:- 70: 23- 114: 18 العمق:- 74: 4، 5، 21 عين تاب:- 61: 9، 23- 76: 9، 12- 106: 6، 22- 107: 12، 19 عين جالوت:- 78: 24 عيون (قزية تجاه صرخد) 81: 12 غ غباغب:- 89: 22 الغرابليين:- 186: 5 الغربية (محافظة) :- 152: 6- 179: 18 غزة:- 13: 4- 16: 1، 16- 25: 12- 39: 15- 40: 2، 3، 4- 49: 16- 54: 4- 57: 17- 58: 7، 10، 11، 15- 61: 15، 17- 63: 12، 17- 67: 10، 11- 70: 12- 71: 8، 9، 10، 15، 17، 18، 19- 77: 19، 22، 23- 78: 7- 89: 9، 12- 90: 16- 94: 20- 96: 21- 98: 18- 101: 12- 107: 16- 108: 3، 11، 14، 15، 16، 17- 109: 5- 123: 3- 129: 1- 137: 6، 8، 16- 158: 15- 169: 16- 184: 16- 201: 6- 204: 10 غور الأردن:- 104: 22 غوطة دمشق:- 63: 19، 23- 66: 22- 78: 19- 119: 20 غيتا:- 90: 16، 23- 92: 16 ف فاراب:- 160: 22 الفرات:- 37: 8- 55: 17- 58: 15- 75: 19- 116: 17- 151: 6- 200: 4، 13 الفراديس:- 94: 23 الفرما:- 58: 23- 109: 20 الفسطاط:- 112: 21 فلسطين:- 52: 24- 78: 24- 108: 22 الفيوم:- 152: 7 ق قارا:- 56: 19، 23 القاعة قاعة العواميد. قاعة الدهيشة:- 131: 14، 22 قاعة العواميد:- 130: 17، 21- 131: 5، 11- 132: 3، 8- 134: 13 القاعة الكبرى قاعة العواميد. قاقون:- 108: 10، 22 القاهرة:- 4: 12- 11: 8- 12: 15- 18: 16، 25- 21: 15، 16- 22: 2- 24: 1- 29: 13، 24- 30: 3، 12، 14، 21- 34: 8، 9- 36: 20- 39: 10- 42: 2- 43: 14- 44: 13- 46: 18، 19- 51: 13- 52: 18- 53: 9-

54: 7- 55: 3، 9، 10- 56: 17- 57: 8، 14، 16، 17- 58: 7، 9، 12- 62: 11، 13، 14- 63: 24- 67: 20- 68: 4- 71: 13- 76: 18- 77: 12- 86: 5- 89: 4- 90: 19- 91: 13، 16- 92: 17- 93: 20- 94: 4- 96: 17، 18، 22- 98: 1، 21- 100: 12- 102: 3، 14- 109: 12، 17- 110: 6، 7، 17، 18، 25- 112: 7، 21- 113: 6، 15- 114: 2، 12، 14، 15- 118: 21- 120: 4، 10، 14- 122: 9- 125: 1، 16- 126: 18، 20، 21- 128: 6، 18، 21- 132: 13- 135: 4- 136: 6- 152: 9- 154: 9- 155: 4- 156: 4- 165: 1، 20- 166: 6، 14- 168: 3، 14، 15- 169: 3، 6، 9، 20، 21- 176: 1، 3، 14- 179: 18- 180: 1، 3، 9- 181: 5، 14، 15- 199: 10- 201: 16- 202: 2، 11، 12- 204: 14 قبة يلبغا:- 63: 10، 21- 72: 17- 90: 1- 115: 16- 144: 15- 145: 3 القبيبات:- 142: 23- 144: 15، 25- 145: 10- 194: 3 القدس:- 3: 8- 4: 1، 18، 19- 5: 2، 9- 8: 13، 14- 10: 11- 36: 17- 49: 10- 50: 19- 51: 18- 53: 8- 57: 2، 14، 22- 75: 17- 89: 9، 10، 11- 90: 14- 97: 22- 105: 8- 118: 2، 20- 120: 3- 126: 13 القرافة:- 18: 4- 28: 6- 113: 1- 128: 3 القريتين:- 72: 1، 19 القرمانية (بدمشق) :- 119: 11 قسم الدرب الأحمر (شرطة الدرب الأحمر بالقاهرة) :- 111: 18 قصر حجاج- بدمشق:- 193: 20، 21 القصر السلطانى- بقلعة الجبل بالقاهرة:- 46: 14، 15، 17- 132: 13- 203: 9 قطيا:- 58: 10، 23- 109: 7، 20- 135: 7- 139: 2- 159: 16 قلعة ألبيرة:- 122: 17 قلعة بانياس:- 43: 22 القلعة- قلعة الجبل بالقاهرة:- 9: 2- 19: 4- 18: 8- 19: 4، 12- 41: 22- 42: 11- 44: 15- 45: 1، 9- 46: 7، 8، 10، 11، 13- 47: 8- 48: 4- 54: 66- 55: 3، 10- 62: 18- 63: 16، 24- 65: 22- 66: 1- 67: 12، 17- 68: 16، 17- 70: 9- 77: 6، 11- 92: 17، 19- 67: 1- 100: 11- 102: 9، 13- 108: 19- 109: 2، 14، 16، 18، 24- 110: 1، 11، 12، 14- 111: 5، 6، 10- 112: 6، 12، 14، 21- 120: 9، 18- 122: 14- 123: 1، 16، 21- 124: 19- 126: 12، 15- 127: 2، 14، 17- 128: 2- 130: 5، 6، 21- 132: 12- 133: 7- 136: 7- 142: 8- 202: 1، 11، 12، 13، 16- 204: 6- 206: 7- 207: 7، 11، 13، 15، 16، 17 قلعة جعبر:- 37: 1، 8 قلعة حلب:- 58: 14- 62: 6- 165: 12

القلعة- قلعة دمشق:- 12: 8، 14- 13: 4، 9، 13- 14: 3، 15- 15: 4، 8، 12، 13، 18- 16: 16- 58: 2- 64: 6، 11، 14، 22- 69: 18- 70: 11- 79: 19- 132: 4- 135: 15، 16- 137: 20- 142: 14- 143: 20- 144: 4- 145: 4- 147: 21، 22، 23- 150: 15- 167: 5- 170: 10، 11- 194: 10- 196: 1، 12، 17- 197: 4، 5، 14- 198: 2- 199: 12 قلعة الروضة:- 120: 21 قلعة الروم:- 75: 1، 19- 122: 17 قلعة الصبيبة:- 43: 20، 22- 79: 17- 85: 11 القلعة- قلعة صرخد:- 82: 6، 14، 16، 17- 84: 3، 17، 21- 85: 8، 9، 10، 11- 86: 12، 14- 87: 5، 15- 88: 6 قلعة صفد:- 57: 21 قلعة صهيون:- 118: 17 قلعة الكرك:- 114: 10- 115: 21- 116: 7- 118: 16- 135: 20 قلعة المسلمين:- 75: 20 قناطر السباع:- 100: 6، 21، 22 قنسرين:- 118: 24 القنطرة:- 109: 21 القنوات- نهر، وحى بدمشق:- 145: 7، 17، 18- 194: 9، 13 قيسارية الباسطية:- 186: 21 قيسارية دمرداش المحمدى:- 186: 10، 13 قيساره الروم:- 107: 11، 17 ك كاليفورنيا:- 79: 23- 91: 23- 103: 22- 124: 12- 131: 19- 146: 19- 152: 21- 169: 18 الكبش (حى يطل على بركة الفيل وصببة ابن طولون) :- 14: 5، 20 الكسوة:- 79: 12، 21- 80: 71- 89: 4، 7- 137: 17 كش:- 160: 19 الكرك:- 3: 8، 10، 13، 14- 6: 2، 4- 9: 12- 10: 12- 31: 4- 54: 5- 65: 17- 83: 3- 89: 7- 103: 24- 106: 10- 108: 3- 114: 9، 10، 11، 26- 115: 17، 19، 22، 23- 116: 7، 11، 16، 17، 19، 21- 118: 16، 20- 119: 1، 4- 135: 20- 152: 16- 178: 6 الكرك حصن الأكراد. ككدار (نهر) :- 32: 18 كورة البوصيرية:- 204: 21

ل اللاذقية:- 118: 25 اللجون:- 23: 8، 19- 78: 7، 10- 140: 1، 5، 9، 23 م ماردين:- 60: 5، 6، 22- 61: 4، 8 ما وراء النهر:- 160: 20 محافظة الشرقية:- 17: 23- 90: 23 محطة حمامات القبة:- 135: 25 المحلة- مركز بمحافظة الغربية:- 29: 16 محلة الزبير:- 179: 21 محلة قصر حجاج بدمشق:- 142: 23- 194: 18 محلة القنوات بدمشق:- 194: 18 محلة ميدان الحصا:- 192: 21 المدرستان (مدرسة الأشرف شعبان والسلطان حسن) :- 109: 14 مدرسة الأشرف شعبان بن حسين:- 109: 2، 23- 110: 8- 123: 13، 21 مدرسة السلطان حسن بن محمد بن قلاوون:- 109: 2، 23- 110: 10 مدرسة سودون من زادة:- 92: 7 المدرسة الظاهرية البرقوقية:- 19: 2- 68: 11- 168: 2، 5 مدفن تمر باى الحسنى:- 112: 22 المدينة النبوية- المدينة المنورة:- 18: 22- 34: 13- 74: 8، 22، 24- 88: 14، 16- 173: 2، 3- 176: 20، 21 مرج دابق:- 76: 7، 23 مرج الدحداح:- 148: 17 مرعش:- 76: 10، 27 المرقب:- 8: 10، 14- 32: 16- 70: 23 مركز الجيزة:- 113: 22 مركز الصف:- 114: 16 المزة:- 63: 9، 19- 104: 19- 119: 9- 145: 9 مسجد التبن:- 135: 5، 23 مسجد الجميز (مسجد التبن) :- 135: 23 مسجد الرفاعى- بالقاهرة:- 109: 18 مسجد الصخرة:- 97: 22 المسجد العمرى (مسجد عمرو بن العاص بالفسطاط) :- 30: 23 مسجد القدم- بدمشق:- 63: 21 المشهد النفيسى:- 155: 4- 202: 15 مصر:- 3: 4، 13- 13: 2- 16: 15- 17: 7- 20: 2، 23- 24: 12، 20- 27: 2، 15، 16-

29: 2- 30: 9- 31: 7، 14، 15- 34: 2- 41: 21- 42: 5- 47: 7- 48: 1، 6- 49: 13- 52: 1، 7- 57: 2- 58: 20، 22، 23- 59: 17- 66: 13- 68: 17- 70: 1- 72: 18- 77: 15- 79: 9، 21- 80: 15- 83: 22- 84: 11- 89: 2- 92: 18، 23- 95: 23- 108: 18، 19- 109: 1، 8، 20، 21- 114: 2- 128: 11- 138: 13، 15، 22- 141: 3- 142: 7، 10- 144: 7- 151: 6، 11، 16- 152: 1، 3، 10، 21- 154: 2- 158: 12- 164: 2، 20- 167: 2- 168: 15- 169: 11- 170: 2- 172: 8- 175: 2- 178: 2- 183: 2، 15- 187: 2- 192: 5، 20- 199: 5- 200: 7، 10، 12، 16- 201: 1- 204: 21- 206: 20 مصر الجديدة:- 54: 22 مصلاة المؤمنى:- 123: 17، 24- 167: 9- 176: 6- 206: 7 المصلى- بدمشق:- 192: 1، 21 المعرة:- 50: 15 معلولا:- 67: 24 المعهد الفرنسى للدراسات العربة بدمشق:- 191: 22- 192: 22 مقبرة باب الفراديس بدمشق:- 148: 16 مكة المشرفة:- 7: 18- 17: 13- 18: 22- 74: 9، 10، 22- 104: 5- 166: 5، 22- 177: 5، 6 ملطية:- 73: 20- 106: 6- 159: 4 ممالك الهند:- 26: 11، 12 المملكة الأردنية:- 3: 15 مملكة أولاد عثمان جق:- 32: 17 مملكة جغتاى:- 177: 12 المناخلية:- 186: 18 المناهل:- 17: 14 منبابة:- 68: 12- 204: 17 منرباشى (نهر) :- 32: 18 المنشية بالقاهرة:- 63: 24 منية ابن سلسيل:- 125: 5، 21 منية بدر بن سلسيل منية ابن سلسيل. ميت النصارى:- 68: 22، 23 الميدان الأخضر- بدمشق:- 142: 21 ميدان الحصى. بدمشق:- 142: 17، 21، 22- 192: 21 ميدان السيدة زينب بالقاهرة:- 100: 23 ميدان صلاح الدين- بالقاهرة:- 46: 23- 93: 25 الميدان الكبير:- 110: 1، 7

ن نابلس:- 78: 24 الناصرية (مدرسة أنشأها جمال الدين الأستادار وانتفلت ملكيتها للناصر فرج فسميت بالناصرية) :- 120: 15 نخل:- 114: 4، 23 نصيبين:- 60: 20 نهر بانياس:- 145: 17 نهر بردى:- 145: 17 نهر دمشق:- 145: 13 نهر الزاب:- 25: 9، 22 نهر الساجور:- 107: 19 نهر الشريعة:- 104: 22 نهر العاصى:- 52: 22- 76: 21 نهر قراصو:- 107: 17 نهر قزل إرمك:- 107: 17 النبل:- 11: 12- 19: 7- 26: 13- 28: 7، 8- 33: 6- 37: 5، 6- 40: 7- 114: 16- 128: 4- 130: 5- 151: 6- 163: 19- 166: 17- 170: 20- 174: 11- 177: 17- 182: 11- 187: 2- 188: 13- 207: 17 هـ الهند:- 26: 10، 11، 12 الهندستان:- 26: 18 ووادى عارة:- 140: 6، 21 وراق الحضر:- 68: 22، 23 وسيم:- 128: 4، 21، 23 ى اليمن:- 25: 17- 26: 1، 4، 14 ينبع ألنبع.

فهرس الألفاظ الاصطلاحية وأسماء الوظائف والرتب والألقاب التى كانت مستعملة فى عصر المؤلف

فهرس الألفاظ الاصطلاحية وأسماء الوظائف والرتب والألقاب التى كانت مستعملة فى عصر المؤلف االأتابك: 8: 19- 12: 10، 17، 21- 13: 9- 14: 4، 6، 17- 15: 1- 16: 12- 31: 13- 36: 10، 15- 43: 2- 44: 8- 48: 4- 62: 16- 65: 3- 67: 2، 19- 68: 4- 103: 9- 106: 1- 120: 17- 126: 8- 135: 15- 139: 11- 140: 8- 143: 1- 154: 5- 176: 5- 170: 15 أتابك حلب: 76: 6 أتابك دمشق: 15: 4- 118: 12- 126: 6 أتابك العساكر بالديار المصرية: 9: 9- 12: 7، 12، 15- 42: 13- 48: 10- 68: 2- 77: 1- 85: 19- 102: 16- 120: 7- 199: 7- 200: 4، 9- 203: 11 الأتابكية: 9: 15- 12: 16، 18- 13: 8- 113: 11 الأثقال السلطانية: 57: 5- 81: 16- 88: 19- 89: 9- 99: 7- 104: 14- 135: 9- 141: 7 أخصاء: 4: 4 الأخفاف المثمنة:- 133: 17 أرباب الدولة: 120: 6- 144: 7 أرباب السيوف: 75: 21 أستادار: 35: 9- 42: 20- 51: 17- 68: 6- 78: 17- 83: 15- 86: 3- 90: 14، 19- 91: 4، 17- 95: 8، 9- 96: 3، 7- 98: 8- 120: 14- 123: 11- 124: 11- 126: 4- 145: 10- 151: 18- 157: 2- 159: 17- 171: 15- 172: 1- 175: 7- 178: 18- 202: 4 أستادار الأمير شيخ: 205: 2 أستادار الأمير الكبير: 35: 9 أستادار السلطان: 165: 15 أستادار العالية: 205: 3 الأستادارية: 35: 10- 58: 6- 90: 22- 91: 21- 92: 1- 93: 20- 95: 13- 156: 11- 165: 8- 172: 3 أستادارية الأملاك والأوقاف السلطانية: 96: 9 أستادارية الذخيرة والأملاك: 22: 3، 21 أستادارية السلطان: 35: 1 استصفاء الأموال: 98: 11 الإسطبل السلطانى: 205: 16

الأسمطة: 162: 2 الأسهم الخطائية: 82: 11، 23- 144: 2 أصحاب الدعوة الهادية (الفداوية) 132: 22 أصاغر المماليك الظاهرية: 185: 11 أطا: 83: 8- 139: 4، 21 أطابك أتابك. الأطباء: 8: 22 أطلاب (جمع طلب، وهو الفرقة من الجيش) 80: 16- 105: 9 الأعيان: 95: 11، 16 أعيان الأمراء: 12: 6- 36: 3- 41: 21- 50: 5- 185: 2- 205: 16 أعيان خاصكية الظاهر برقوق:- 16: 11 أعيان الدماشقة: 90: 6 أعيان دمشق: 90: 8 أعيان السادة الحنفية: 164: 16 أعيان الدولة: 42: 12 أعيان المصريين: 57: 16 أعيان الملوك: 52: 14 أعيان المماليك 32: 15 أعيان مماليك الظاهر برقوق: 18: 2- 35: 7- 83: 23- 150: 12 أغا: 116: 15، 23 إفتاء دار العدل: 30: 6 الإفامات: 124: 10 إقطاع: 31: 16- 49: 14- 67: 18، 19، 20، 21، 22- 70: 1، 2- 74: 11، 13، 14، 15- 106: 17- 118: 15- 125: 6 إقطاعات: 42: 20- 45: 10- 121: 2- 122: 16- 201: 6- 205: 11 إقطاع الأتابكية: 12: 16 أكابر أرباب الوظائف: 6: 21 ألقى إليهم الأوراق فى السهام (رسائل ترسل بواسطة السهام من قلعة محاصرة أو ما أشبه) 85: 16 إمام جامع الأزهر: 27: 8 إمام الصخرة: 97: 20- 98: 3 أمان (كتبة السلطان لبعض الأمراء) 51: 12 أمان (طلبة نوروز من السلطان) 63: 7 الأمان (نادى به الأمير جكم فى دمشق) 53: 2 أمراء آخورية: 113: 2

أمراء الألوف: 12: 9- 15: 13- 65: 16- 102: 5، 6، 15- 109: 9- 121: 13- 123: 3، 8- 125: 19، 20- 126: 13- 130: 11- 140: 16، 20- 158: 8 الأمراء الأجلاب: 13: 1، 5 الأمراء البطالون: 121: 2 الأمراء الخاصكية: 206: 6 أمراء الدولة: 19: 4 أمراء الشام: 58: 19 أمراء الطبلخانات: 10: 10- 18: 13- 35: 6- 48: 16- 66: 12- 73: 12- 102: 2، 8- 109: 11- 130: 12- 158: 18- 169: 3- 181: 7- 190: 14 أمراء العشرات: 32: 12، 21، 22- 38: 13- 48: 15- 73: 12- 102: 2، 8- 145: 20- 203: 3 أمراء المشورة: 48: 21 أمراء مصر: 16: 15 الأمراء المقدمون: 5: 18- 12: 21 إمرة: 118: 15 إمرة ألينبع: 74: 8 إمرة سلاح: 5: 6 إمرة طبلخاناة: 5: 4- 74: 16- 143: 10 إمرة الشام: 73: 17 إمرة عشرة: 16: 11 إمرة مائة: 6: 5- 48: 17- 49: 7 إمرة مائة ومقدمة ألف: 118: 9 إمرة المدينة المنورة: 74: 8- 88: 14 الأمريات: 45: 10- 201: 6- 203: 21- 205: 11 أمير آخور: 12: 10- 18: 9- 42: 15- 48: 15- 53: 19- 56: 4- 61: 2- 64: 7- 99: 11- 108: 20- 110: 13- 113: 2- 170: 8 أمير آخورثانى: 16: 2- 77: 20- 125: 19 أمير آخور كبير: 5: 5- 20: 16- 31: 6- 32: 14- 48: 13- 49: 14- 59: 2- 68: 3- 73: 15- 74: 13- 77: 9- 102: 12 الأمير آخورية: 5: 8- 77: 3- 102: 18 أمير جاندار: 96: 11- 113: 9 أمير حاج المحمل: 22: 6- 53: 14 أمير سلاح: 5: 1- 42: 14- 50: 2، 3- 55: 1- 68: 16- 100: 8- 132: 16- 167: 8- 183: 14 أمير طبلخاناة: 16: 2- 95: 8 أمير عشرة: 8: 19- 66: 12، 13- 121: 17 الأمير الكبير: 50: 20- 103: 13- 104: 4- 106: 3-

141: 18، 19، 20، 21- 199: 6- 206: 23 أمير المائة: 6: 20- 8: 11- 14: 8- 36: 2- 73: 14- 183: 9، 11- 184: 12- 201: 11 أمير مائة ومقدم ألف: 156: 12- 159: 9 أمير مجلس: 8: 9، 11- 13: 3، 10- 14: 4، 7، 10- 15: 13، 14- 42: 15- 46: 15- 50: 3- 69: 2- 77: 2- 97: 1- 118: 9- 125: 4- 156: 12- 176: 14- 183: 12- 184: 20 أمير مكة: 74: 9، 10 أنى (الزميل الصغير فى خدمة السلطان أو الأمير) : 78: 13 أنيات: 9: 5، 23، 26- 18: 3- 85: 18 الأوباش: 148: 14 أوتاق وطاق. أوساط الأمراء الظاهرية: 184: 17 أوقاف الملك الناصر فرج: 204: 17، 18 ب البجمقدار: 180: 16، 21 البذل (الرشوة) : 169: 1 البذلات الذهب الثقيلة: 133: 14 البذلات المينة: 133: 13، 23 البرطيل: (الرشوة) 169: 1 البريد: 53: 8 البشائر: 41: 13- 50: 7- 59: 5- 62: 13 البشمقدار (البجمقدار) : 180: 21 البطاقة: 112: 7 بطالا: (أى بدون وظيفة) 5: 2، 9- 8: 13- 10: 11- 14: 12- 22: 9- 36: 17- 38: 12- 49: 10- 50: 19- 51: 18- 118: 2- 122: 9- 125: 11، 12- 158: 19 البلاصى: 95: 6، 21 البلاصية: 131: 8 البلخش (نوع من الياقوت) 131: 14، 20 بيعة السلطنة: 48: 5 ت تابوت أبنوس 161: 17 تابوت من فولاذ: 162: 8 تجاريد (جمع تجريدة) 135: 6، 22 تجرد: (سافر على الخيل مخفا دون أثقال) 167: 4- 170: 2 تجريدة: 20: 17- 55: 4- 58: 8- 62: 18- 102: 11- 127: 12- 135: 5، 7، 10، 12، 21

تخت الملك: 41: 12- 42: 11 تخلف من أولاده (أى صاروا خلفاء) : 155: 14 تداريس: 34: 13 الترسيم: (الوضع تحت الحوطية والمراقبة) 204: 4- 205: 18 تركمان الطاعة: 185: 1 تسلطن (أى صار سلطانا) 147: 15 التشريف: 49: 10، 12- 51: 5، 8- 53: 10- 63: 10- 65: 7- 97: 14، 16- 120: 12 التشريف السلطانى:- 72: 17- 87: 21- 88: 7 تقادم الألوف: 74: 14 تقاليد النواب الخليفتية: 206: 1 تقدمة: 68: 11- 87: 20 تقدمة ألف: 6: 5- 22: 6- 48: 17- 49: 7- 118: 11- 143: 9- 184: 12 التقليد: 49: 8، 10، 11، 12- 50: 18- 65: 7- 70: 16- 71: 1- 80: 1- 97: 14- 101: 11 تلبيس القماش (كان الأمير شيخ المحمودى يقوم به للأمير تغرى بردى فى عهد أستاذ هما برقوق) 9: 26 التوقيع: 74: 10 التوسيط: (شق الرجل من وسطه) 146: 14 ث الثغور الرومية: 16: 20 ثغور المسلمين: 152: 8 ثياب الجلوس: 126: 20 ج الجاليش (مقدمة الجيش) 55: 1، 21- 62: 15- 76: 10، 15- 77: 7، 22- 79: 6- 102: 3- 132: 10- 137: 9- 193: 4 الجاليش (علم من الأعلام التى كانت تحملها جيوش المماليك) 55: 21- 59: 9، 21 جامكيات (المرتبات) 24: 12 جبة من لبد: 4: 15 الجراكسة: 27: 11 جرائد الخيل: 104: 16- 113: 5 الجسور: 151: 15 جشار: (الخيل التى لم تدرب، أى التى تساق من المرعى مباشرة) 143: 7، 21- 134: 1، 16 الجنائب- من الخيل: 133: 14 جنوية (المتاريس) : 144: 2، 18، 19 الجنيب (الجمع جنائب) من الخيول: 81: 16- 133: 9 الجواشن- جمع جوشن 134: 5، 19:

ح الحاجب: 125: 17- 126: 9- 127: 22- 172: 7، 8 حاجب الأمير نعير: 62: 11 الحاجب الثانى: 15: 9- 79: 18- 102: 14- 110: 3 حاجب الحجاب: 13: 13- 36: 9- 42: 17- 53: 14- 61: 9- 64: 12- 68: 15- 77: 13- 98: 6، 15- 102: 6- 106: 15 حاجب حجاب دمشق: 16: 1- 31: 9- 54: 4- 68: 5- 79: 17- 89: 5- 159: 1 حاجب حلب: 97: 19 حاجب دمشق: 73: 1- 96: 20 الحاصل: (المتحصل من الغلال وغيرها) 53: 17- 88: 16 الحافظ: 29: 14- 34: 10، 15 حافظ العصر: 34: 15 حاكم الدونة: 95: 15 الحبوس: 42: 21 الحجاج: 22: 2 الحجوبية: 22: 5- 31: 1- 176: 7 حجوبية الحجاب: 172: 8 حجوبية حلب: 159: 3 حجوبية دمشق: 159: 5 حجوبية طرابلس: 31: 11 الحرير المخمل الملون: 134: 11 حساب الجمل: 153: 19 حسبة القاهرة: 24: 1، 15- 34: 9- 181: 5 الحلق البلخش أو البدخش: 131: 14 الحنفية: (علماء المذهب الحنفى) 6: 14- 27: 6 حواشى الملك الظاهر برقوق: 10: 16 حواشى الملك الناصر فرج: 42: 1 خ الخازندار: 9: 1- 15: 9- 31: 2- 67: 19- 69: 2، 4- 85: 7- 100: 7- 102: 18- 124: 6- 126: 7- 169: 12- 176: 13- 179: 10 الخازندار الكبير: 185: 8 الخازندارية: 9: 5 الخاص (ديوان الخاص) 173: 10 الخاصكية: 16: 11- 38: 14- 158: 12- 169: 10- 172: 7 خاصكية الملك الظاهر: 178: 14- 180: 15 خام: 56: 9

خبايا الفاطميين (جمع خبيئة) 95: 10 الختمات: 162: 1 الخدام، جمع خادم: 18: 2 الخدم (الأعمال والوظائف) 93: 20 خدم بلاصيا: 175: 12 الخدم الديوانية: 38: 10 الخدم بالقصر السلطانى: 86: 1 الخدمة: 42: 10- 49: 3، 24 الخدمة بالإيوان: 42: 10 الخدمة السلطانية: 64: 8- 156: 13 الخراج: 26: 22- 74: 15 خردفوشى (تاجر الخردة وهى بقطع الرخام الصغيرة المصنعة على أشكال هندسية) : 169: 1، 19 خزانة الخاص: 23: 22 خزانة السلاح 134: 3 خزانة الكسوة: 23: 22 خزانة المال: 134: 6 خشداش: 117: 5- 146: 14 خشداشية: 9: 26- 52: 14- 85: 17- 146: 13 الخط المنسوب: 154: 9، 21 خف: 4: 17 الخلافة: 149: 15- 195: 5، 12 الخلافة الفاطمية: 92: 23 الخلع: 74: 7- 118: 18 الخلعة: 65: 8، 9- 71: 3- 118: 5 الخلعة الخليفتية: 41: 10 خلعة السفر: 54: 19 خلعة الوزارة: 23: 5 خلفاء بنى أمية: 149: 17 خلفاء بنى العباس: 149: 17 الخلنج: 144: 2، 26 الخواص الشريفة: 178: 9 خواص الملك الناصر: 203: 4 خواص مماليك الملك الظاهر: 13: 11 الخوذ- جمع خوذة: 134: 4 خوند: 10: 22- 19: 1- 41: 5- 53: 22- 92: 11- 93: 3- 138: 10 الخوندات: 10: 8، 22- 131: 11

خوند الكبرى صاحبة القاعة: 134: 12 خيل البريد: 167: 12 خيم العسكر: 87: 9 د الدبوقة (الضفيرة) 131: 13، 19 دقت البشائر: 71: 3- 85: 2- 127: 18 الدنانير المشخصة: 151: 13 الدهليز: 131: 6- 132: 3 الدوادار: 3: 19- 39: 7- 43: 1- 48: 10، 12- 57: 7، 22- 59: 2- 64: 12- 67: 15- 95: 14- 108: 13- 125: 7، 12- 128: 9- 143: 8- 166: 6- 167: 12 الدوادار الثانى: 204: 3 دوادار السلطان: 185: 17 الدوادار الكبير: 42: 17- 54: 20- 57: 3- 101: 15- 115: 2- 132: 16- 154: 6- 169: 9، 12- 172: 17- 178: 13- 179: 7- 180: 13 دوادارية السلطان: 190: 14 الدوادارية الصغار: 21: 19 الدوادارية الكبرى: 178: 15- 181: 1 الدولة الإخشيدية: 135: 23 الدولة الأشرفية برسباى: 8: 18- 113: 10 الدولة التركية العلية: 13: 8- 65: 22- 111: 17 دولة الملك الأشرف إينال: 113: 4 دولة الملك الظاهر جقمق: 113: 3 الديوان المفرد: 93: 16، 23، 24- 94: 2- 96: 5، 8- 111: 3 ر رأس الأمراء: 93: 8- 108: 7 رأس المشورة: 48: 17، 21 رأس الميسرة: 53: 9 رأس نوبة: 8: 19- 38: 13- 46: 11- 48: 14، 15، 16- 51: 8- 66: 11- 125: 19- 143: 10 رأس نوبة الأمراء: 12: 6- 50: 2- 77: 2- 132: 15- 176: 6- 199: 7 رأس نوبة الجدارية: 43: 16 رأس نوبة كبير: 12: 11 رأس نوبة النوب: 15: 1- 42: 6- 56: 13- 59: 3- 68. 14- 71: 11- 74: 11، 17- 102: 7- 108: 9- 115: 1- 122: 3- 172: 6، 8، 11- 179: 8- 185: 11 الربيع: مكان رعى خبول السلطان أو الأمراء: 128: 5، 24- 130: 6

الرتب السنية: 14: 18 رسم السلطان (أصدر مرسوما) 93: 1 رسوم الخلافة: 92: 23 الرماح (جمع رمح) 134: 5 رمى البضائع على التجار (إلزامهم بشرائها) : 151: 17 رنك نوروز: 199: 11، 18، 19 رؤساء النوب: 15: 19 رئاسة السادة المالكية: 29: 8 رئاسة علم الحديث (رئاسة علم الحديث انتهت إلى الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقى فى زمانه) 34: 11 رئاسة مذهب الإمام أحمد (انتهت إلى الشيخ الإمام عبد المنعم بن محمد بن داود البغدادى ثم المصرى فى زمانه) 39: 2 رئيس الأطهاء: 11: 8 ز الزخمة: 140: 13 الزردخاناة: 134: 4- 143: 5 الزرديات: 134: 5 الزعر: 109: 12 الزمار (جمع زمار) 134: 7 الزمام: 111: 7، 25 الزنان- الزمام. زى الأمراء: 96: 4 زى الجند: 95: 6 زى الفقهاء: 95: 2 س السادة المالكية: 29: 8 سراويل: 148: 12 سرج ذهب: 120: 2 السروج الذهب: 133: 9 السرياقات: 87: 7، 22 سرير الخلافة: 205: 15 السعى والبذل (الوساطة والرشوة) : 34: 8 السفرة (واحدة السفر) : 137: 7 السكة الإسلامية: 151: 12 السلاح خاناة: 5: 18 السلاح دارية: 5: 17 السلطانية (مماليك السلطان الملك الناصر فرج) 81: 13- 82: 18- 145: 1- 146: 1

السلطنة: 147: 8، 23- 149: 7- 150: 3، 4، 5، 8- 154: 1، 10- 156: 12 سلطنة اليمن: 26: 1 السماط: 10: 2- 26: 8- 43: 3- 80: 21- 118: 19 سماع المغانى (كان الشيخ قنبر بن محمد العجمى السيرامى يميل إليه) 4: 16 سمر (ثبته فى الحائط أو ألواح الخشب بالمسامير) 107: 8 سنجق: 117: 16 سنجق الملك: 72: 9، 21 السند: 35: 2 سنة تحويل: 26: 15، 20 السهام: 145: 15 السهام الخلنج: 144: 2 سيف الشرع: 169: 9 السيفى: 113: 9 ش شاد الدواوين: 23: 17 شاد السلاح خاناة: 18: 6 شاد الشراب خاناة: 49: 11، 23- 67: 21- 101: 15، 17- 102: 17- 123: 9- 136: 7- 143: 9- 169: 12- 180: 17 الشافعية: 4: 19 الشاميون: 9: 10- 146: 11 شد الدواوين: 21: 11- 22: 2، 17- 165: 8 الشراب خاناة: 101: 15، 17- 102: 17 الشراقى (الجفاف) : 38: 4 شرفات: جمع شرفة: 144: 1، 16 الشطرنج: 163: 15 شيخ الإسلام: 29: 9 شيخ الحديث بالديار المصرية: 34: 11 شيخ الرباط النبوى المعروف بمسجد آثار النبي: 37: 2 شيخ الشيوخ: 30: 12- 168: 2 شيخ شيوخ خانقاة سرياقوس: 17: 15 شيخ القراءات: 27: 8 الشيخية: أتباع الأمير شيخ المحمودى: 64: 9- 80: 19- 85: 4- 110: 3 الشيطانى: أى منجنيق شيطانى: 144: 3، 24 الشيعة الإسماعيلية: 132: 21 الشيعة الفاطمية: 4: 24

ص الصاحب: 38: 9 صاحب قران الأقاليم السبعة: 163: 6 صاحب الكبش: 14: 4 صيرفى: 94: 1، 8- 159: 16 ض الضوئى المشاعلى. ط طاقية من لبد: 4: 15 الطبال (جمع طبال) 134: 7 طبقة الأمراء أرباب السيوف: 32: 23 الطبقة (الرتبة) 32: 23 طبلخاناة: 5: 4- 49: 24- 99: 12 الطبلخانات: أمراء الطبلخاناة: 31: 14- 77: 4- 121: 14، 20، 21 الطشت خاناة: 23: 23 ططريات (جمع ططرية لباس كالقفطان) 134: 8، 20 الطلب (الفرقة من الجيش) 55: 1، 19- 133: 9- 140: 16 الطواشى: 43: 16- 52: 12- 85: 7- 168: 12 ف الفاطميون: 95: 10 الفداوية: 132: 4، 5، 21 الفرسان الأقشية: 13: 18 فرسان الصليبيين: 123: 19 فرسان النوبة: 41: 11 فقهاء الحنفية: 38: 8 الفوانيس والشموع- من دعائم موكب السلطان: 41: 11 ع العبى الحرير المثمنة: 133: 11 العبى المزركشة بالذهب: 133: 11 العساكر السلطانية: 114: 12 العسكر السلطانى: 112: 7، 13، 17- 113: 6 العشرات (أمراء العشرات) : 77: 4- 121: 15 العشير (الجند المرتزقة) : 143: 18، 23 علم الحرف: 37: 4 عليق: (ما يعلف به الخيل والدواب) : 24: 12 ق القاصد (من يحمل مراسيم السلطان) : 51: 20- 53: 11 قاصد الأمير شيخ: 63: 10

قاصد الملك: 59: 1 قاضى الإسكندرية: 23: 15 قاضى حلب: 146: 9 قاضى القضاة: 3: 7- 10: 4- 23: 14- 24: 7- 25: 7- 29: 6- 34: 4- 39: 4، 5- 180: 1 قاضى قضاة الإسكندرية: 10: 7 قاضى قضاة حلب: 171: 5 قاضى قضاة الحنابلة: 25: 5 قاضى قضاة الحنفية: 25: 11 قاضى قضاة الحنفية بدمشق: 64: 13 قاضى قضاة الحنفية بالديار المصرية: 17: 6- 205: 21 قاضى قضاة دمشق: 21: 12- 146: 6، 19- 165: 18 قاضى قضاة الديار المصرية: 17: 11- 21: 14- 23: 7، 12- 24: 8- 25: 8- 146: 4- 155: 20 قاضى قضاة الشافعية: 34: 5- 192: 11 قاضى قضاة الكرك: 3: 8 قاضى قضاة المالكية: 32: 6 القبة والطير (المظلة) 92: 19، 23 القرايلكية: (أى عسكر قرايلك) 60: 11، 16 قرقل: 49: 2، 20 القرقلات: 134: 4، 18 القضاء: 3: 19- 4: 1- 39: 4- 156: 1 قضاء الإسكندرية: 23: 16- 24: 5 قضاء بعلبك: 39: 15 قضاء الحنابلة: 40: 5 قضاء الحنفية: 40: 5- 138: 4- 146: 9 قضاء دمشق: 30: 7- 166: 4 قضاء الديار المصرية: 25: 1، 2- 166: 15 قضاء الشافعية: 3: 12- 39: 16- 40: 4- 201: 15 قضاء الشافعية بدمشق 39: 16 قضاء القضاة الشافعية: 180: 5 قضاء المالكية: 39: 15- 40: 5 قضاء المدينة النبوية: 34: 8، 13 القضاة: 205: 16- 207: 4، 8 القضاة الأربعة: 136: 1- 205: 1- 206: 19 قضاة حماة: 53: 20

قضاة الجاه والشوكة (الذين يخضعون لجاه السلطان وشوكته) 133: 2 قضاة دمشق: 64: 3 القماش: 135: 9- 143: 5، 11 قماش الجلوس: 68: 17- 90: 19- 104: 18- 119: 6 قماش الخدمة: 68: 19 قماش الموكب: 49: 4 قناديل الذهب والفضة: 162: 5 قنديل من ذهب: 162: 6 قهرمان: 163: 7، 21 قهرمان الماء والطين: 163: 7 ك كاتب السر: 3: 13- 42: 18- 43: 11- 46: 3- 64: 3- 78: 17- 81: 6- 86: 3، 10- 93: 14- 141: 5- 142: 1- 145: 11- 190: 5- 198: 12- 200: 1- 205: 5، 17- 206: 12 كاتب سر دمشق: 80: 12- 94: 10- 201: 13 كاتب السر الشريف: 11: 7- 40: 1 كاتب سر الكرك: 3: 13 كاتب المماليك: 93: 15- 96: 2 الكاشف: 75: 21 كاشف بر دمشق: 95: 6 كاشف الرملة: 75: 16 كاشف القبلية: 90: 15 كاشف الوجه البحرى: 123: 10 كاشف الوجه القبلى: 27: 5 كتابة السر: 11: 8، 9- 49: 6- 51: 22- 156: 11 كتابة سر دمشق: 94: 13 كتابة سر مصر: 3: 13- 192: 19 الكحالون: 8: 22 الكسارات (من أدوات التذيب) 95: 19 كسوة: 21: 12 الكشاف: جمع كاشف: 95: 7 كشافة: 76: 10، 11- 80: 18- 90: 1- 108: 15 كشف الوجه البحرى (وظيفة) 159: 17 كفالة الشام: 201: 5 الكلفتاة: 49: 1، 19- 68: 18- 96: 4، 23- 156: 13

الكلفتات: جمع كلفته وكلفتاة: 134: 8 الكلوتة: 49: 19- 96: 23 الكنابيش الزركش: 133: 12: 21 الكتابيش المثلثة بالزركش والريش واللؤلؤ: 133: 12 كنبوش زركش: 120: 2، 19 كورة: 29: 16 ل لالا (المربى) 42: 8، 22- 43: 17 لبس المباشرين: 96: 4 لعب الرمح (كان الأميران قرقماس الأينالى وسودون طاز رأسا فيه) : 31: 15- 33: 2، 3 اللجم المسقطة بالذهب والفضة: 133: 13 اللهو والرقص (كان الشيخ قنبر بن محمد العجمى السيرامى يميل إليهما) 4: 16 اللهو والطرب (كان الأمير بيبرس الأتابك منعكفا عليهما عمره كله) : 45: 14 م المالكية: 32: 7 المباشر: 49: 1 مباشرة القضاء: 39: 16 المباشرون: 91: 1- 96: 4- 151: 20- 205: 17 مثال سلطانى: 5: 18- 129: 9 مثقال: 162: 5 مجلس السلطان: 48: 22 المحاير المغشاة بالحرير والجوخ (جمع محارة وهى تشبه الهودج) : 134: 13 محتسب دمشق: 90: 15 محتسب القاهرة: 168: 15 المحضر: 98: 2- 129: 4، 12- 130: 3 محفة: 79: 3- 134: 12، 22 محفات: جمع محفة وهى الهودج المغطى بالقماش: 134: 11، 22 المحمل المطرز بالزركش: 133: 10 مخيم: 55: 1- 90: 2، 20- 105: 11- 135: 4- 36: 14 مخيمات: 141: 16 المدافع: 82: 11، 22- 85: 11- 110: 2- 144: 1 مدافع النفط: 134: 2 مدبر الدولة: 95: 15 المدورة (مائدة) 148: 5

مدورة السلطان (خيمة كبيرة مستديرة) : 62: 14، 23 المراسيم: 3: 18- 129: 7 المرافعة: (الحط عليه واتهامه) : 157: 6 المراكيب: 143: 7 المرسوم: 51: 19- 59: 1 مرسوم السلطان: 118: 16 الموكب: 206: 18 مستوفى الديوان المفرد: 93: 16، 23- 96: 5 المسح على الرجلين من غير خف (كان الشيخ قنبر بن محمد العجمى السيرامى يتهم بذلك- وهو مذهب الشيعة الباطنية) 4: 16، 24 مسلخ الحمام: 116: 3 المسند: 29: 14 المسوح: 161: 12، 16، 20 المشاة: (طائفة من الجند) 143: 20 المشاعلى: 4: 6، 9 المشاعلية: 148: 4، 8، 20 مشد: 145: 20 مشد الدواوين: 22: 17 المشير: 23: 2، 17- 51: 23 مشيخة الصلاحية: 4: 1 المصادرات: 77: 18- 85: 4- 105: 19 المظالم: 144: 9- 192: 6 المظلة: 92: 23 معاملة دمشق: 39: 4 المغانى (المغنيات) 88: 22 مغن: 66: 8 المقارع (السياط) : 5: 15- 113: 18 مقدم ألف: 6: 20- 8: 11- 14: 18- 36: 2- 73: 14- 183: 9، 11- 201: 11 مقدم المماليك السلطانية: 18: 1 مقدمو الألوف: 9: 17- 15: 9- 31: 2- 98: 5- 101: 24- 102: 14- 168: 9- 200: 9 مقدمو الألوف بالديار المصرية: 6: 3- 92: 9- 176: 16- 184: 16- 185: 4 مقدمو الحلقة: 145: 21 مقلاع: 60: 16 مقمعة بالحناء: مخضبة بالحناء: 131: 9

مكاتبة السلطان: 51: 18 مكاحل النفط: 82: 11، 12- 85: 10- 134: 2 المكاشفة (كان الملك الظاهر يأخذ كلام المعتقد المجذوب الزهورى على سبيلها) : 10: 17 مكسوا كل شىء (فرضوا عليه ضرائب) : 151: 15 المكوس: 144: 8- 192: 6 ملوك الإسلام: 151: 5 ملوك الأمراء: 40: 6- 160: 1 ملوك بنى عثمان: 32: 2 ملوك الترك: 41: 5- 83: 23- 151: 2 ممالك الهند: 26: 11، 12 المماليك: 31: 4، 17- 45: 3، 6- 56: 7- 61: 11- 64: 16 مماليك الأمراء: 62: 2 المماليك الجلب: 78: 9، 22 مماليك السلطان: 15: 9 المماليك الظاهرية (مماليك السلطان الظاهر برقوق) : 5: 17- 9: 5، 23- 15: 7، 17- 17: 1- 35: 8- 36: 9- 45: 9- 46: 5- 59: 10- 62: 1، 3، 9- 69: 2- 78: 5، 9- 96: 2- 101: 21، 22- 108: 6- 109: 16- 110: 2- 112: 10- 122: 13، 20- 125: 10- 126: 1، 15، 18- 127: 23- 128: 1، 6- 130: 9- 137: 8- 140: 17- 146: 13- 150: 12- 171: 7- 172: 9- 185: 15 المماليك اليلبغاوية: 9: 9 المناجيق: 134: 3، 17- 143: 20 المناشير السلطانية: 122: 15 المنجنيق: 85: 12، 23 المهمات السلطانية: 117: 16- 167: 10 الموقع: 5: 11- 39: 6، 7- 85: 6- 91: 3- 124: 6- 157: 11 موقع الأتابك شيخ: 206: 11 موقع الأمير الكبير شيخ: 205: 7 موقع الأمير نوروز: 201: 12 موقعو الدست: 154: 9 الموكب: 48: 7- 167: 11، 12 موكب عظيم سلطانى: 46: 4 المياثر: 133: 10، 18 مياومة ومساعاة: أى كل يوم وكل ساعة: 44: 20 ن ناظر الإسطبل: 96: 2- 192: 19

ناظر الجيش: 42: 19- 49: 6- 141: 6- 199: 16، 22 ناظر الجيش والخاص: 23: 15 ناظر الخاص: 9: 18- 51: 23- 58: 6- 105: 14- 124: 12- 141: 6- 204: 13 ناظر الخزانة: 186: 12، 21 ناظر الخواص الشريفة: 178: 9 ناظر الدولة: 96: 6، 10 ناظر ديوان المفرد: 94: 2- 96: 8 نائب الإسكندرية: 13: 14- 22: 1- 172: 12 نائب ألبيرة: 16: 5 نائب أنطاكية: 76: 5 نائب حلب: 4: 4- 14: 7- 36: 7- 41: 21- 43: 21- 44: 16- 51: 10- 52: 2، 15، 17- 54: 19- 57: 17- 58: 13- 76: 3- 80: 4- 97: 8، 10- 99: 5- 101: 2- 106: 17- 108: 1- 117: 11 نائب حماة: 54: 5- 61: 16- 72: 7- 87: 17- 96: 19- 97: 19- 104: 11- 106: 14 نائب دمشق: 64: 6- 72: 15- 117: 22- 145: 20 170: 5- 200: 16 نائب السلطنة: 63: 15- 70: 9- 107: 4 نائب السلطنة بالديار المصرية: 65: 19- 183: 7 نائب السلطنة الشريفة: 49: 18- 55: 8 نائب الشام: 12: 4- 13: 21- 14: 12- 16: 8- 20: 9- 21: 3- 36: 12- 43: 18- 50: 14- 52: 6، 16- 56: 20- 57: 18- 58: 17- 61: 13- 62: 4- 63: 6- 77: 15- 79: 4- 84: 21- 88: 10، 21- 93: 7- 99: 15- 105: 4- 107: 3- 117: 11، 13- 135: 11، 15- 142: 17- 172: 17- 181: 19- 200: 7 نائب صفد: 52: 10، 16- 99: 2- 105: 5، 11- 118: 11- 159: 9 نائب طرابلس: 8: 17- 16: 8- 28: 3- 50: 20- 71: 5- 80: 3- 87: 21- 117: 12- 125: 3- 159: 9- 184: 20 نائب غزة: 16: 1- 54: 4- 57: 11- 58: 7- 71: 9- 96: 21- 98: 18- 108: 15- 123: 3- 129: 1- 184: 15 نائب الغيبة: 46: 22- 55: 24- 63: 15- 65: 19- 66: 13- 105: 12- 136: 6- 201: 1 نائب القدس: 126: 13 نائب قلعة جعبر: 36: 19 نائب قلعة دمشق: 135: 16- 170: 10

نائب الكرك: 6: 2- 65: 17- 108: 9 النائب الكافل: 12: 21- 55: 24 نديم: 26: 8 النشاب: 110: 2- 125: 14- 134: 5- 145: 5 نظر الأحباس: 205: 5 نظر الأسواق: 24: 1، 13 نظر الأوقاف: 181: 6 نظر البيمارستان المنصورى: 120: 13- 205: 5 نظر الجامع الأموى: 90: 13 نظر الجيش: 24: 2، 4- 156: 11- 163: 10- 204: 12 نظر جيش دمشق: 90: 12 نظر الخاص: 23: 1- 24: 4- 96: 5- 121: 10- 156: 10- 157: 3- 194: 1 نظر الدولة: 38: 10 نظر ديوان المفرد: 24: 1، 11 نظر الكسوة: 23: 16، 22- 181: 5 النفط: 145: 5 النفقة: 135: 10 نفقة السفر: 130: 10 النفوط: 145: 16 النمجاة: 131: 9، 12، 17- 132: 1 النهاية: 105: 20 النواب: 6: 21- 84: 12 نواب البلاد الشامية: 16: 14- 59: 16 نواب الغيبة: 85: 3 نواب القلاع: 193: 3 نواب القلاع الشامية: 201: 7 النوروزية (نسبة للأمير نوروز الحافظى) : 73: 2- 75: 8- 76: 11- 110: 4- 109: 15 نيابة أبلستين: 106: 5 نيابة الإسكندرية: 22: 3- 169: 4- 203: 7 نيابة بعلبك: 90: 14- 105: 8 نيابة حلب: 4: 6، 7- 8: 12- 9: 12- 15: 1، 3- 36: 10، 11، 17- 49: 11- 50: 18- 52: 4- 54: 10- 56: 4- 63: 11- 80: 1، 7- 106: 18- 118: 7- 178: 7- 191: 13 نيابة حماة: 51: 9- 52: 6- 64: 13- 70: 21- 80: 1- 97: 13- 118: 10- 144: 6

نيابة دمشق: 16: 13- 20: 12- 21: 2- 36: 15- 49: 9- 50: 6- 63: 10- 64: 10- 65: 8- 72: 2- 73: 6، 9- 80: 6- 97: 10- 118: 6- 120: 8، 11- 122: 22- 143: 2- 191: 9- 196: 10- 201: 10 نيابة دمياط: 186: 1 نيابة السلطنة بالديار المصرية: 183: 16- 184: 5، 8، 12 نيابة الشام: 43: 19- 54: 10- 65: 6- 70: 15- 71: 1- 72: 18- 97: 15- 101: 12- 106: 4، 16- 113: 3- 115: 17- 117: 15، 20- 178: 7- 200: 12، 17 نيابة صفد: 4: 5- 17: 1- 36: 2، 6- 51: 7- 58: 18- 77: 20- 99: 3- 106: 14، 18، 20- 118: 11- 169: 10 نيابة طرابلس: 36: 9، 13، 15- 52: 5- 56: 5- 66: 15- 70: 20- 80: 7- 88: 7- 89: 15- 97: 12- 105: 7- 106: 15- 116: 14- 118: 8- 178: 8- 191: 14- 205: 11 نيابة عين تاب: 106: 6 نيابة غزة: 49: 16- 71: 10- 77: 21- 204: 10 نيابة الغيبة: 55: 9- 77: 10، 12- 102: 12- 183: 11 نيابة القدس: 90: 14- 105: 8 نيابة القلعة: 136: 8 نيابة الكرك: 10: 11- 89: 7 نيابة ملطية: 106: 5- 159: 4 ووالى القاهرة: 98: 21- 110: 18- 126: 18- 204: 14 والى الولاة: 75: 23 الوزارة: 96: 7 الوزر: 23: 1- 38: 10، 11- 156: 10- 165: 8- 173: 10- 186: 2- 193: 1 الوزير: 38: 9، 19- 51: 16، 23- 58: 4، 6- 105: 14- 124: 12- 129: 16 وزير حلب: 95: 3 وزير الديار المصرية: 38: 9 وسط: (شقه نصفين) 98: 2- 107: 9- 126: 2، 12- 137: 6، 8- 146: 11 وطاق: 78: 8، 20- 79: 5، 10- 82: 9- 91: 2، 4- 99: 7، 8 وكالة بيت المال: 23: 16، 20- 24: 3، 4- 181: 5 ولاية القاهرة: 110: 6 ى يتأمر عشرة (يصير أمير عشرة) 27: 17 اليشبكية: (أتباع الأمير يشبك الشعبانى) 64: 9 اليلبغاوية: 14: 5

فهرس وفاء النيل من سنه 801 - 814 هـ

فهرس وفاء النيل من سنه 801- 814 هـ صفحة سطر وفاء النيل فى سنة 801 هـ/ 11/13 وفاء النيل فى سنة 802 هـ/ 19/7 وفاء النيل فى سنة 803 هـ/ 26/13 وفاء النيل فى سنة 804 هـ/ 28/7 وفاء النيل فى سنة 805 هـ/ 33/6 وفاء النيل فى سنة 806 هـ/ 37/6 وفاء النيل فى سنة 807 هـ/ 40/7 وفاء النيل فى سنة 808 هـ/ 163/17 وفاء النيل فى سنة 809 هـ/ 166/17 وفاء النيل فى سنة 810 هـ/ 170/20 وفاء النيل فى سنة 811 هـ/ 174/11 وفاء النيل فى سنة 812 هـ/ 177/17 وفاء النيل فى سنة 813 هـ/ 182/11 وفاء النيل فى سنة 814 هـ/ 188/13

فهرس أسماء الكتب الواردة بالمتن والهوامش

فهرس أسماء الكتب الواردة بالمتن والهوامش االأعلاق الحظيرة (لابن شداد) : 142: 24- 145: 24- 191: 21- 192: 22- 194: 24 الأعلاق النفيسة (لأبن رستة) 35: 15 الأغانى: 144: 23 الألقاب الإسلامية 23: 17 ب بلدان الخلافة الشرقية 59: 24- 160: 23- 162: 20 ت تاج العروس: : 23 تأويل الدعائم: 4: 25 ح الحاوى فى الفقه: 173: 24 حسن المحاضرة للسيوطى 24: 26 خ الخطط (المواعظ والاعتبار) 17: 25- 19: 13- 29: 19- 68: 21- 76: 19- 111: 15 الخطط التوفيقية: 68: 21- 90: 23- 112: 25- 126: 22- 186: 20، 22 4- 275: 20- 283: 14، 16، 17، خطط الشام: 4: 20- 66: 24- 72: 25- 73: 22- 145: 19 د الدرر الكامنة 24: 27- 30: 17، 22 دمشق الشام (لجان سوفاجيه) 142: 24- 194: 19 دوزى- القاموس 40: 11- 49: 20 ذ الذيل على رفع الإصر 30: 25 ز زبدة كشف الممالك 199: 22 س السلوك: 20: 19- 22: 19- 36: 22- 56: 22- 78: 23- 87: 22- 92: 24- 93: 24- 96: 24- 120: 19- 121: 22- 128: 24- 131: 21- 134: 25- 139: 25- 144: 18- 154: 22 السيف المهند (فى سيرة الملك المؤيد) 24: 19- 76: 25- 99: 25- 136: 21 ش الشاطبية: 30: 2 شذرات الذهب: 164: 20، 22- 166: 23 1، 3- 178: 19- 192: 5- 240:

شرح الأخسكتي: 24: 24 شرح البزدرى: 24: 25 الشرق الأوسط والحروب الصليبية: 78: 25 ص صبح الأعشى فى صناعة الإنشاء 3: 16، 19- 5: 19، 21، 23- 6: 21- 8: 23- 9: 18- 12: 21- 15: 20، 24- 17: 22- 20: 24- 22: 22- 23- 21، 23- 24: 12، 21- 26: 16، 18- 32: 18، 24- 38: 20- 46: 22- 48: 23- 49: 24- 55: 25- 66: 22- 72: 22- 75: 23- 81: 22- 82: 24- 97: 24- 104: 24- 108: 24- 111: 26- 114: 22- 118: 25- 119: 22- 132: 23- 145: 18، 21- 180: 23- 199: 19، 20، 21 ض الضوء اللامع: 4: 18- 9: 21- 10: 20- 11: 15- 13: 22- 20: 20- 36: 24- 37: 10- 48: 19- 57: 22- 93: 21- 103: 15، 18، 21، 27- 105: 23- 113: 21- 136: 21- 146: 21- 156: 18- 166: 19، 20، 22- 186: 16 غ غاية البيان ونادرة الزمان فى آخر الأوان: 24: 24 ف الفنون الإسلامية: 133: 26 فوات الوفيات: 29: 25 ق قاموس تركى: 139: 21 القاموس الجغرافى: 125: 22 ك الكافية (فى النحو) 30: 1 كلستان (حديقة الورد) 11: 12، 17 ل لسان العرب: 134: 16- 144: 23- 153: 21 م المحرر (فى الفقه) : 30: 1 محيط المحيط: 4: 23- 134: 19- 140: 24 مختصر ابن الحاجب: 30: 2 مسالك الأبصار: 26: 7 المسالك والممالك: 25: 23 المشترك: 125: 21 معجم البلدان: 3: 16- 18: 22- 23: 19- 37: 9- 63: 23- 67: 24- 72: 19- 74: 22- 75: 20- 78: 19، 25- 79: 19- 88: 23- 106: 23- 107: 18، 25- 114: 19- 128: 23- 140: 22- 145: 22- 193: 22 معجم الوسيط: 133: 18- 163: 21- 175: 18

معيد النعم ومبيد النقم: 22: 2 مفرج الكروب فى دولة بنى أيوب: 114: 20 الملابس المملوكية (ل. ا. ماير) 133: 16- 134: 21 المنجد وأعلام الشرق والغرب: 25: 23- 52: 23- 60: 24- 95: 24- 107: 22- 144: 17- 161: 22 المنهل الصافى: 4: 22- 5: 24- 6: 18، 22، 23، 24- 7: 1، 19- 9: 16- 10: 19- 11: 15- 12: 20- 13: 20، 22- 14: 21، 23- 15: 21، 25- 16: 19، 22، 24- 17: 18: 19: 26- 18: 17، 18، 19، 20، 23، 24- 19: 9- 20: 22- 21: 21، 22، 23- 22: 16، 23، 24، 25- 23: 18- 24: 22، 26- 25: 20، 21، 24، 25- 27: 19، 20- 28: 9- 29: 15- 30: 10، 26- 31: 19، 22، 23، 24- 32: 20، 25- 34: 18- 35: 5، 25- 36: 20، 21، 22- 38: 18- 39: 20، 21، 22- 122: 1- 154: 20- 155: 22- 156: 4، 19- 157: 17- 159: 20، 21- 160: 20- 163: 17- 164: 19، 22- 165: 21، 22، 23- 167: 18- 168: 18، 20، 21- 169: 22- 171: 20، 22- 172: 20، 21، 22- 173: 16، 17، 18، 19- 175: 17- 176: 22، 23- 178: 20، 21- 179: 21- 180: 18، 20- 181: 21، 22- 183: 21- 184: 21- 185: 19، 22- 186: 17- 187: 20- 188: 11- 192: 24 ن نزهة الأنام فى محاسن الشام: 194: 20، 21 النظم الإقطاعية فى الشرق الأوسط فى العصور الوسطى: 26: 23 النهج السديد: 26: 22 هـ الهداية: 24: 10

فهرس الموضوعات

فهرس الموضوعات صفحة السنة الأولى من سلطنة الملك الناصر فرج بن برقوق الأولى على مصر، وهى سنة 801 هـ 3 أشهر من سمى بشيخ من الأمراء 8 السنة الثانية من سلطنة الملك الناصر فرج بن برقوق الأولى على مصر، وهى سنة 802 هـ 12 السنة الثالثة من سلطنة الملك الناصر فرج بن برقوق الأولى على مصر، وهى سنة 803 هـ 20 السنة الرابعة من سلطنة الملك الناصر فرج بن برقوق الأولى على مصر، وهى سنة 804 هـ 27 السنة الخامسة من سلطنة الملك الناصر فرج بن برقوق الأولى على مصر، وهى سنة 805 هـ 29 السنة السادسة من سلطنة الملك الناصر فرج بن برقوق الأولى على مصر، وهى سنة 806 هـ 34 السنة السابعة من سلطنة الملك الناصر فرج بن برقوق الأولى على مصر، وهى سنة 807 هـ 38 ذكر سلطنة الملك المنصور عبد العزيز بن برقوق على مصر بعد اختفاء الملك الناصر فرج 41 أرباب الوظائف فى عهده 42 أنصار الملك الناصر فرج يجتمعون به فى مخبئه ويعملون على إعادته للسلطنة 44 ظهور الملك الناصر فرج بن برقوق بعد اختفائه وطلوعه إلى القلعة فى موكب من أنصاره 46

الملك الناصر فرج بن برقوق يرحل أخويه الملك المنصور عبد العزيز والأمير إبراهيم إلى الإسكندرية ويحبسهما بها. وفاة المذكورين 47 ذكر سلطنة الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية على مصر 48 مبايعة أبى الفضل العباس ابن الخليفة المتوكل على الله أبى عبد الله بالخلافة وتلقيبه بالمستعين بالله 51 الأمير جكم يقتل ثلاثة من أعيان الأمراء من خشداشيته 52 خروج الملك الناصر فرج إلى الشام لحرب الأمير جكم من عوض ورفقته 55 عود الملك الناصر فرج إلى مصر 57 الأمير جكم يتسلطن بقلعة حلب، ويتلقب بالملك العادل أبى الفتح عبد الله جكم 58 ذكر الحوادث التى وقعت لجكم وانتهت بقتله 59 خروج الملك الناصر فرج إلى الشام فى تجريدته الرابعة 62 فرار الأمير شيخ المحمودى والأمير يشبك من سجن قلعة دمشق ومقتل مخلصهما الأمير منطوق. اجتماع الأمراء شيخ ويشبك وجركس. ندب الأمير نوروز الحافظى لقتالهم وتوليته نيابة دمشق. القبض على بعض الأمراء 64 خروج الملك الناصر فرج من دمشق يريد الديار المصرية ومعه الأمراء المقبوض عليهم 66 استيلاء الأمير شيخ وأصحابه على دمشق. فرار بكتمر جلق. هزيمة شيخ أمام نوروز ومقتل بعض أصحابه 66 قتل بعض الأمراء المقبوض عليهم وتولية غيرهم فى وظائفهم 67 وقوع الصلح بين الأمير شيخ والأمير نوروز 69 السلطان يرضى عن الأمير شيخ ويوليه نيابة الشام 70 الملك الناصر يخرج إلى الشام بعد علمه بعصيان شيخ. بعض نواب الشام ينضمون لشيخ وبعض أمراء السلطان يفارقونه على غزة متجهين إلى شيخ. جمال الدين الأستادار بخامر على السلطان الملك الناصر، ويبعث للأمراء المنشقين وللأمير شيخ

بمال كثير، ويخذل السلطان ويشير عليه بالعود إلى مصر والسلطان لا يستجيب 77 الطاعون يتفشى فى بلاد حمص وطرابلس 80 الملك الناصر فرج يتعقب الأمراء المنشقين فى البلاد الشامية ويحاصر الأمير شيخا فى قلعة صرخد. الأمير تغرى بردى والد المؤلف يتوسط فى الصلح بين السلطان والأمير شيخ على أن يتولى شيخ نيابة طرابلس 80 عود الملك الناصر فرج إلى مصر 89 الأمير شيخ يدخل دمشق ويستولى عليها بعد فرار بكتمر جلق إلى مصر 89 القبض على جمال الدين يوسف الأستادار وأقاربه وحواشيه وأسباب ذلك 90 الملك الناصر فرج يرضى عن الأمير نوروز الحافظى ويوليه نيابة دمشق 97 الأمير شيخ المحمودى يسترضى السلطان الملك الناصر فرج والسلطان لا يلتفت إليه 97 قتل جمال الدين يوسف الأستادار 98 الأمير شيخ يقاتل الأمير نوروز الحافظى، ويهزم الأمير دمرداش المحمدى على حماة، ثم يكاتب السلطان مرة أخرى يسترضيه ويوقع بينه وبين الأمير نوروز 98 وقوع الصلح بين الأميرين شيخ المحمودى ونوروز الحافظى واتفاقهما على الوقوف فى وجه السلطان 100 السلطان الملك الناصر يتجهز للسفر إلى البلاد الشامية فى أول سنة 813 هـ وينفق فى الأمراء والمماليك نفقة السفر 101 الأمراء الذين سافروا مع السلطان إلى البلاد الشامية 102 سفر السلطان الملك الناصر فرج إلى البلاد الشامية 104 السلطان الملك الناصر فرج يكتب للأميرين شيخ ونوروز بالخروج من مملكته أو الصمود لحربه أو الرجوع إلى طاعته. الأمير شيخ يجيب بأنه باق فى طاعة السلطان 105 الأميران شيخ ونوروز يتوجهان بأتباعهما إلى مصر 106 الأميران يصلان إلى مصر فى ثامن رمضان سنة 813 هـ ويستوليان على مدرسة

السلطان حسن ومدرسة السلطان الأشرف شعبان، ويحاصران القلعة 109 عسكر السلطان يصل إلى مصر ويهزم الأميرين شيخ ونوروز فيتجهان بمن معهما إلى الكرك 112 محاولة اغتيال الأمير شيخ المحمودى وإصابته بسهم غائر 115 السلطان الملك الناصر يغادر دمشق إلى الكرك ويحاصر بها الأمير شيخاو الأمير نوروز 116 عقد صلح بين السلطان والأميرين شيخ ونوروز 117 تولية الأمير تغرى بردى والد المؤلف نيابة الشام 118 رحيل السلطان الملك الناصر إلى البلاد المصرية 118 توجه كل من الأمير شيخ والأمير نوروز إلى محل كفالتهما 119 رفع الطاعون من دمشق وغيرها 122 الأميران شيخ ونوروز يخرجان من طاعة السلطان 122 السلطان الملك الناصر فرج يأمر بهدم مدرسة الملك الأشرف شعبان 123 القبض على فخر الدين بن أبى الفرج ووضعه تحت العقوبة 124 اكتشاف مؤامرة لاغتيال السلطان الملك الناصر 124 السلطان الملك الناصر فرج يتابع القبض على الأمراء مماليك أبيه وقتلهم 125 ابتداء مرض الموت بالأمير تغرى بردى والد المؤلف 127 السلطان يسافر إلى الإسكندرية ويقبض على مشايخ البحيرة غدرا 128 الأمير نوروز الحافظى يكتب إلى السلطان الملك الناصر بأنه فى طاعته ويشهد على ذلك أهل طرابلس 129 السلطان يتجهز للسفر إلى البلاد الشامية، وينفق فى المماليك نفقة السفر 130 السلطان يقتل بيده مطلقته خوند بنت صرق والأمير شهاب الدين أحمد ابن محمد ابن الطبلاوى 130 السلطان يطلق أخته خوند سارة من زوجها الأمير نوروز ويزوجها للأمير مقبل

الرومى على كره منها 132 السلطان يغادر قلعة الجبل ببقية امرائه قاصدا البلاد الشامية فى استعداد لم يسبق له مثيل 133 تجاريد السلطان الملك الناصر فرج إلى البلاد الشامية 135 بعض أمراء السلطان ينضمون إلى الأمير شيخ المحمودى والأمير نوروز الحافظى 137 السلطان الملك الناصر فرج يستشير الأمير تغرى بردى والد المولف فيما يفعله مع الأمراء العصاة 138 السلطان الملك الناصر فرج يلاحق الأمراء المنشقين فى بلاد الشام 139 معركة اللجون وانتصار الأمراء المنشقين على السلطان، وتحوطهم على الخليفة المستعين بالله العباس 140 السلطان الملك الناصر فرج يتجه بعد هزيمته إلى دمشق 142 وفاة الأمير تغرى بردى نائب الشام ووالد المؤلف 142 السلطان الملك الناصر يستعد للقاء الأمراء فى دمشق، ويوزع الأموال ويحصن أسوار المدينة 143 الأمراء يحاصرون دمشق ويضيقون الخناق على الملك الناصر 145 الخليفة المستعين بالله العباس يعلن خلع السلطان الملك الناصر 146 الأمراء ينصبون الخليفة المستعين بالله العباس سلطانا على البلاد 147 مقتل السلطان الملك الناصر فرج بن برقوق- أولاده من البنين والبنات- رأى المؤلف فيه- رأى المؤرخ تقي الدين المقريزى فيه 147 السنة الأولى من سلطنة الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية على مصر، وهى سنة 808 هـ 154 ترجمة تيمور لنك بمناسبة وفاته فى هذه السنة 160

السنة الثانية من ولاية الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية على مصر، وهى سنة 809 هـ 164 السنة الثالثة من ولاية الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية على مصر، وهى سنة 810 هـ 167 السنة الرابعة من ولاية الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية على مصر، وهى سنة 811 هـ 171 السنة الخامسة من ولاية الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية على مصر، وهى سنة 812 هـ 175 السنة السادسة من ولاية الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية على مصر، وهى سنة 813 هـ 178 السنة السابعة من ولاية الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية على مصر، وهى سنة 814 هـ 183 ذكر سلطنة الخليفة المستعين بالله العباس على مصر- نسب الخليفة- كيف تمت سلطنته- تولية الأمير نوروز نيابة الشام- تولية الأمير شيخ أتابكية العساكر بالديار المصرية 189 الأمير شيخ المحمودى يعمل للاستقلال بالسلطة- السلطان يفوض إليه ما وراء سرير الخلافة 203 خلع الخليفة المستعين بالله العباس من السلطنة وتولية الأمير شيخ المحمودى السلطنة مكانه وتلقبه بالملك المؤيد 206 النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 14، ص: 1 [الجزء الرابع عشر] تراثنا النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة تأليف جمال الدين أبى المحاسن يوسف بن تغرى بردى الأتابكى الجزء الرابع عشر تحقيق الدكتور جمال محمد محرز الأستاذ فهيم محمد شلتوت الناشر الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر 1391 هـ- 1971 م النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 14، ص: 2 بسم الله الرّحمن الرّحيم تقديم هذا هو الجزء الرابع عشر من كتاب النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة لجمال الدين أبى المحاسن يوسف بن تغرى بردى. وهذا الجزء يؤرخ للحقبة التى حكم فيها السلطان الملك المؤيد أبو النصر شيخ المحمودى وابنه السلطان الملك المظفر أحمد، ثم السلطان الملك الظاهر ططر وابنه السلطان الملك الصالح محمد بن ططر، ثم السلطان الملك الأشرف برسباى. وإذا كان الجزء الثالث عشر قد أرخ للعالم العربى والأطراف الدائرة فى فلكه فى فترة غمرتها أحداث لم تشهد مصر وما والاها مثلها من قبل، كغزو تيمور لنك لسوريا سنة (802- 803 هـ) ، والصراع المحتدم بين السلطان الملك الناصر فرج بن برقوق وكبار أمراء دولته، ذلك الصراع الذي انتهى بمقتل كثير من أمراء الدولة ثم مقتل السلطان نفسه، إلى الجدب العظيم الذي أصيبت به البلاد نتيجة لقصور فيضان النيل، إلى انتشار الطاعون فى البلاد، وانعكاس أثر ذلك كله على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعمرانية. إذا كان هذا هو موضوع الجزء الثالث عشر فإن الجزء الرابع عشر يؤرخ لفترة من الاستقرار النسبى سادت البلاد العربية فانتعشت أحوالها وتفرغ بعض السلاطين إلى إقرار الأمور فى الأطراف، فجال المؤيد شيخ المحمودى فى بلاد الشام وما جاورها من بلاد الروم، وأدب عصاة التركمان، ومهد قلاع الثغور الإسلامية، وأكد ولاءها للدولة. النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 14، ص: 3 كذلك أرسل ابنه المقام الصارمى إبراهيم على رأس حملة مهدت الأمور فى القلاع الرومية، وقضى على العصاة من التركمان، ونشر هيبة الدولة فى الأقطار المجاورة. كذلك فعل السلطان ططر- على قصر فترة حكمه- وأيضا فعل السلطان برسباى. وخلفت هذه الفترة كثيرا من الآثار الشامخة التى تدل على استتباب أمور الدولة وتفرغ السلطان وكبار رجاله إلى التعمير والتشييد؛ من ذلك مسجد ومدرسة السلطان الملك المؤيد داخل باب زويلة الذي يقول المؤلف عنه: لم يبن فى الإسلام أكثر زخرفة منه بعد الجامع الأموى بدمشق، وكذلك مدرسة ومسجد الأشرف برسباى، وغيرهما من الآثار الشامخة التى أخنى عليها الدهر. مثل قبة البحرة بقلعة الجبل، وبيمارستان المؤيد شيخ، ومنظرة «الخمس وجوه» ومسجد جزيرة الروضة. ولولا خروج بعض الأمراء من حكام البلاد الشامية والحلبية عن الطاعة، واضطرار السلطان لقتالهم، ولولا الطاعون العظيم الذي انتشر فى البلاد العربية وغيرها من الأقطار الإفريقية والأقطار الأوربية (سنة 833 هـ) والذي لم يشهد العالم مثله فى تلك الحقب، ولولا ما اتسم به عهد برسباى من تذمر المماليك السلطانية أو المماليك الأجلاب كما يطلق عليهم، وخروجهم عن الطاعة فى كل قليل وكثير، واعتدائهم على كبار رجال الدولة لكانت الفترة التى يؤرخ لها هذا الجزء من كتاب النجوم الزاهرة من أحسن الفترات التى مرت بالدولة الإسلامية. وتتميز هذه الفترة بالانتصارات المتتابعة للدولة على الفرنج الذين دأبوا على مهاجمة الثغور الإسلامية، والاستيلاء على مراكب المسلمين وقوافل تجارتهم البحرية مما اضطر الملك الأشرف برسباى أن يعد الحملة تلو الحملة لتأديب قراصنة الفرنج، ثم يعد حملة كبيرة تشترك فيها الجيوش النظامية والمطوعة من المجاهدين إلى قبرس سنة 829 هـ فتنتصر انتصارا ساحقا على جيوش قبرس وجيوش الفرنج المساندة لها، وتعود بالغنائم والأسرى ومن بينهم ملك قبرس نفسه. وقد أفرد المؤلف فصلا لغزوة قبرس حكى فيه أخبارها، وكيف تم انتصار الجيوش النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 14، ص: 4 الإسلامية فيها وكيف أسر الملك، ثم عودة الجيوش واستقبال الشعب العربى فى القاهرة لها، ومراسيم الدولة فى هذا الاستقبال، وحال ملك قبرس فى حضرة السلطان، وما انتهى إليه أمر الملك من الإفراج عنه ودخوله فى طاعة الدولة وتقرير خراج سنوى يدفع للسلطان. ولقد كانت هذه الغزوة بمثابة فرض سلطة الدولة الإسلامية على جزر البحر المتوسط، ولذلك نرى ملك رودس يسارع فيطلب الأمان من السلطان ويطلب إعفاء بلاده من الغزو، ويتعهد بالقيام بكل ما يطلب منه. وتترك هذه الانتصارات أثرها المرير بين أعداء الدولة الإسلامية، ليس لدى الفرنج وحدهم كما تعودنا ولكن لدى الحطى ملك الحبشة أيضا، مما يجعله يمهد لمؤامرة على الدولة الإسلامية فيرسل رسوله إلى ملوك الفرنج يستشيرهم ويؤلبهم على الدولة، ويرسم معهم خطة مهاجمتها من الشمال ومن الجنوب برا وبحرا، ولكن يقظة الدولة توقع برأس العمالة الذي يتمتع بنسبته للدولة الإسلامية، وتقدمه للمحاكمة ثم تعدمه جزاء غدره وخيانته «1» . ويؤرخ هذا الجزء أيضا للأحداث التى وقعت فى اليمن سنة 832 هـ، وكذلك للأحداث التى وقعت فى المشرق (شمالى العراقين) والتى انتصرت فيها الحملة المصرية الشامية واستولت على الرها وغيرها من البلاد. كذلك يؤرخ للحروب التى وقعت بين شاه رخ بن تيمور لنك، وبين إسكندر ابن قرايلك والتى انتهت بهزيمة إسكندر وفناء جيوشه وتشتته فى البلاد. ومؤرخنا فى هذا الجزء يصف عن مشاهدة ويتحدث عن خبرة حديث القريب من الأحداث اللصيق بها؛ فهو مثلا يتحدث عن موقف طريف له فى طفولته مع السلطان الملك المؤيد شيخ فيقول «2» : النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 14، ص: 5 دخلت إليه مرة- وأنا فى الخامسة- فعلمنى- قبل دخولى إليه- بعض من كان معى أن أطلب منه خبزا، فلما جلست عنده وكلمنى سألته فى ذلك، فغمز من كان واقفا بين يديه- وأنا لا أدرى- فأتاه برغيف كبير من الخبز السلطانى، فأخذه بيده وناولنيه وقال: خذ هذا خبز كبير مليح، فأخذته من يده وألقيته إلى الأرض، وقلت: أعط هذا للفقراء، أنا ما أريد إلا خبزا بفلاحين يأتوننى بالغنم والأوز والدجاج. فضحك حتى كاد أن يغشى عليه، وأعجبه منى ذلك إلى الغاية، وأمر لى بثلاثمائة دينار ووعدنى بما طلبته وزيادة. وعلاقة مؤرخنا بسلاطين الدولة فى هذه الحقبة واتصاله بهم ومعيشته فى بلاطهم- حتى عد فى بعض الأوقات من ندمائهم- أتاحت له أن يطلع على كثير من الأمور وأن يعيش بعضهما وأن يسجلها فى تاريخه هذا وفى غيره، وأن يكون حديثه عنها وثيقة تاريخية لها قيمتها فى تحليل أحداث هذه الحقبة وتقويمها. وتناوله لبعض آراء مؤرخى عصره، ومناقشته لهم، تبين إلى أى مدى كانت أحكامه صادقة وآراؤه سليمة. فهو حين يناقش مؤرخ العصر الشيخ تقي الدين المقريزى حول رأيه فى الملك المؤيد شيخ وتقويمه له، يقول «1» : وكان يمكننى الرد على جميع ما قاله بحق غير أننى لست مندوبا إلى ذلك، فلهذا أضربت عن تسويد الورق وتضييع الزمان، والذي أعرفه أنا من حاله أنه كان سلطانا جليلا مهابا شجاعا عاقلا نقادا ... الخ. وحين يناقشه أيضا فى ترجمته للسلطان الملك الظاهر ططر يقول «2» : هذا القول لا يقوله إلا من ليس له خبرة بقواعد السلاطين، ولا يعرف ما الملوك عليه بالكلية، ولولا أن المقريزى ذكر هذه المقالة فى عدة كتب من مصنفاته ما كنت أتعرض إلى جواب ذلك؛ فإن هذا شىء لا يشك فيه أحد، ولم يختلف فيه اثنان غير أنى أعذره النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 14، ص: 6 فيما نقل، فإنه كان بمعزل عن الدّولة، وينقل أخبار الأتراك عن الآحاد، فكان يقع له من هذا وأشباهه أوهام كثيرة نبّهته على كثير منها فأصلحها معتمدا على قولى، وها هى مصلوحة بخطه فى مظنات الأتراك وأسمائهم ووقائعهم. وهو يناقش حافظ العصر شهاب الدين بن حجر فى نسبة السلطان الملك الأشرف برسباى بالدقماقى فيقول «1» : وسبب سياقنا لهذه الحكاية أن قاضى القضاة شهاب الدين ابن حجر- رحمه الله- نسبه أنه عتيق دقماق، وليس الأمر على ما نقله، وهو معذور فيما نقله لبعده عن معرفة اللغة التركية ومداخلة الأتراك، وقد اشتهر أيضا بالدقماقى فطن أنه عتيق دقماق، ولم يعلم نسبته بالدقماقى كما أن نسبة الوالد- رحمه الله بالبشبغاوى والمؤيد بالمحمودى ونوروز بالحافظى..... وقد وقفت على هذه المقالة فى حياته على خطه ولم أعلم أن الخط خطه فإنه كان (أى ابن حجر) رحمه الله يكتب ألوانا، وكتبت على حاشية الكتاب وبيّنت خطأه، وأنا أظن أن الخط خط ابن قاضى شهبة، وعاد الكتاب إلى أن وقع فى يد قاضى القضاة المذكور، فنظر إلى خطّى وعرفه واعترف بأنه وهم فى ذلك ... قلت: وعلى كل حال إن هذا الوهم هو أقرب للعقل من مقالة المقريزى فى الملك الظاهر ططر «إن الملك الناصر فرجا أعتقه بعد سنة ثمان فى سلطنته الثانية» . وأيضا أحسن مما قاله المقريزى فى حق الملك الأشرف برسباى هذا بعد وفاته فى تاريخه «السلوك» فى وفيات سنة إحدى وأربعين وثمانمائة ... الخ.. ومن هنا تجىء أهمية هذا الجزء وما يليه، ويأخذ مكانه الصحيح بين الكتب التى أرخت لهذه الحقبة. هذا وقد تم تحقيق هذا الجزء على نسق الأجزاء السابقة منه والتى اضطلع بتحقيقها القسم الأدبى بدار الكتب، ورجع فى تحقيق الأحداث وتراجم الأعلام إلى المصادر النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 14، ص: 7 المعتمدة والمطروقة فى هذا الميدان، وقوبل الجزء على مصورة مخطوطة «أيا صوفيا» المحفوظة بدار الكتب المصرية برقم 1343 تاريخ، وكذلك على طبعة كاليفورنيا التى حققها المستشرق وليم پوپر، وتركت لغة المؤلف وما فيها من تعبيرات عامية على حالها لتعطى صورة عن لغة العصر. وإنا لنرجو أن نكون قد وفقنا، وأن يكون الجهد الذي بذلناه موضع القبول. والله ولى التوفيق. 20 من شوال سنة 1391 7 من ديسمبر سنة 1971 المحققان د جمال محمد محرز. فهيم محمد شلتوت

ما وقع من الحوادث سنة 815

بسم الله الرحمن الرحيم [ما وقع من الحوادث سنة 815] ذكر سلطنة الملك المؤيد شيخ المحمودى «1» على مصر السلطان الملك المؤيّد أبو النصر سيف الدين شيخ بن عبد الله المحمودىّ الظّاهرىّ، وهو السلطان الثّامن والعشرون من ملوك التّرك بالدّيار المصريّة، والرابع من الچراكسة وأولادهم، أصله من مماليك الملك الظّاهر برقوق، اشتراه من أستاذه الخواجا محمود شاه البرزىّ فى سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة، وبرقوق يوم ذاك أتابك «2» العساكر بالديار المصريّة قبل سلطنته بنحو السنتين، وكان عمر شيخ المذكور يوم اشتراه الملك الظاهر نحو اثنتى عشرة «3» سنة تخمينا، وجعله برقوق من جملة مماليكه، ثم أعتقه بعد سلطنته، ورقّاه إلى أن جعله خاصّكيّا «4» ثم ساقيا «5» فى سلطنته الثانية، وغضب عليه الملك الظاهر برقوق غير مرّة، وضربه ضربا مبرّحا؛ لانهما كه فى السّكر وعزّره وهو لا يرجع عمّا هو فيه، كلّ ذلك وهو فى رتبته وخصوصيّته عند أستاذه إلى أن أنعم عليه

الجزء الرابع عشر

الملك الظاهر بإمرة عشرة «1» ، ثم نقله إلى طبلخاناه «2» ، ثم خلع عليه باستقراره أمير حاج المحمل فى سنة إحدى وثمانمائة، فسار بالحج وعاد وقد مات أستاذه الملك الظاهر برقوق، فأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف «3» بالديار المصريّة عوضا عن الأمير بجاس النّوروزىّ بحكم لزوم بجاس داره لكبر سنّه، ثم استقرّ بعد وقعة تنم الحسنى «4» فى سنة اثنتين وثمانمائة فى نيابة طرابلس عوضا عن يونس بلطا بحكم القبض عليه، فدام على نيابة طرابلس إلى أن أسر فى واقعة تيمور «5» مع من أسر من النوّاب، ثم أطلق وعاد إلى الدّيار المصريّة، وأقام بها مدّة ثم أعيد إلى نيابة طرابلس ثانيا، ثم نقل بعد مدّة إلى نيابة دمشق، ثم وقعت تلك الفتن وثارت الحروب بين الأمراء الظاهريّة، ثم بينهم وبين ابن أستاذهم الملك الناصر فرج، وقد مرّ ذكر ذلك كلّه مستوفيا فى ترجمة الملك الناصر وليس لذكره ههنا ثانيا محلّ، ولا زال شيخ المذكور يدبّر والأقدار تساعده إلى أن استولى على الملك بعد القبض على الملك الناصر فرج «6» وقتله. وقدم إلى الديار المصرية وسكن الحرّاقة من باب السلسلة «7» ، وصار الخليفة

المستعين بالله فى قبضته وتحت أوامره جتى أجمع الناس قاطبة على سلطنته، وأجمعوا على توليته. فلمّا حان يوم الاثنين مستهلّ شعبان حضر القضاة وأعيان الأمراء وجميع العساكر وطلعوا إلى باب السّلسلة، وتقدّم قاضى القضاة جلال الدين البلقينىّ وبايعه بالسّلطنة، ثم قام الأمير شيخ من مجلسه ودخل مبيت الحرّاقة بباب السّلسلة، وخرج وعليه خلعة السّلطنة السوداء الخليفتى «1» على العادة، وركب فرس النّوبة بشعار السّلطنة، والأمراء وأرباب الدّولة مشاة بين يديه، والقبّة والطير «2» على رأسه حتى طلع إلى القلعة ونزل ودخل إلى القصر السّلطانى، وجلس على تخت الملك، وقبّلت الأمراء الأرض بين يديه، ودقت البشائر، ثم نودى بالقاهرة ومصر باسمه وسلطنته، وخلع «3» على القضاة والأمراء ومن له عادة فى ذلك اليوم، وتمّ أمره إلى يوم الاثنين ثامن شعبان جلس السّلطان الملك المؤيّد بدار العدل «4» وعمل الموكب على العادة، وخلع على الأمير يلبغا النّاصرىّ أمير مجلس «5» باستقراره أتابك العساكر بديار مصر عوضا عن الملك المؤيّد شيخ المذكور، ثم خلع على الأمير شاهين الأفرم باستمراره أمير سلاح «6» على عادته، وعلى الأمير قانى باى المحمدى باستقراره أمير

آخور كبيرا «1» ، وكانت شاغرة من يوم أمسك الأمير أرغون من «2» بشبغا، وعلى الأمير طوغان الحسنىّ الدّوادار «3» الكبير باستمراره على عادته، وعلى الأمير سودون الأشقر رأس نوبة النّوب «4» باستمراره على عادته، وعلى الأمير إينال الصّصلانى حاجب الحجاب «5» باستمراره على وظيفته، ثم خلع على القضاة وعلى جميع أرباب الوظائف بأسرها. ثم خلع على الأمير طرباى الظاهرىّ بتوجهه إلى البلاذ الشامية «6» مبشّرا بسلطنته، فتوجّه إلى دمشق، وقبل وصوله إليها كان بلغ الأمير نوروز الحافظىّ الخبر، وأمسك جقمق الأرغون شاوىّ الدّوادار بعد قدومه من طرابلس إلى دمشق، فلما قدم طرباى على نوروز المذكور، وعرّفه بسلطنة الملك المؤيّد أنكر ذلك ولم يقبله ولا تحرّك من مجلسه ولا مسّ المرسوم الشّريف بيده، وأطلق لسانه فى حقّ الملك المؤيّد، وردّ الأمير طرباى إلى الديار المصرية بجواب خشن إلى الغاية، خاطب فيه الملك المؤيّد كما كان يخاطبه أوّلا قبل سلطنته من غير أن يعترف له بالسلطنة، وكان حضور طرباى إلى القاهرة عائدا إليها من دمشق فى يوم

الثلاثاء أوّل شهر رمضان من سنة خمس عشرة وثمانمائة، وكان الذي قدم صحبة طرباى من عند الأمير نوروز إلى القاهرة الأمير بكتمر السّيفىّ تغرى بردى، أعنى أحد مماليك الوالد، وكان من جملة أمراء الطّبلخانات بدمشق، وكان قبل خروجه من دمشق أوصاه الأمير نوروز أنه لا يقبّل الأرض بين يدى الملك المؤيّد، فلما وصل إلى الديار المصريّة وحضر بين يدى السّلطان أمره أرباب الدّولة بتقبيل الأرض فأبى «1» وقال: مرسلى أمرنى بعدم تقبيل الأرض، فاستشاط الملك المؤيّد غضبا وكاد أن يأمر بضرب رقبته حتى شفع فيه من حضر من الأمراء، ثم قبّل الأرض. ثمّ فى سابع عشر شهر رمضان المذكور أرسل الملك المؤيّد الشيخ شرف الدين ابن التّبّانى الحنفىّ رسولا إلى الأمير نوروز ليترضّاه، ويكلّمه فى الطّاعة له وعدم المخالفة، وسافر ابن التّبّانىّ إلى جهة الشام. ثم فى تاسع شوّال أمسك السلطان الملك المؤيد شيخ الأمير سودون المحمدى المعروف بتلّى «2» أى مجنون، وقيّده وأرسله إلى سجن الإسكندرية، ثم أمسك فتح الله كاتب السّرّ «3» ، واحتاط على موجوده وصادره، فضرب فتح الله المذكور وعوقب أشدّ عقوبة حتى تقرّر عليه خمسون ألف دينار. ثم فى ثالث عشر شوّال استقرّ القاضى ناصر الدين بن البارزىّ فى كتابه السّرّ الشريف بالديار المصرية عوضا عن فتح الله المذكور. هذا، والأمير نوروز قد استدعى جميع النّوّاب بالبلاد الشاميّة فحضر إليه الأمير

ما وقع من الحوادث سنة 816

يشبك بن أزدمر نائب حلب، والأمير طوخ نائب طرابلس، والأمير قمش نائب حماة، وابن دلغادر، وتغرى بردى ابن أخى دمرداش «1» المدعو سيّدى الصّغير، فخرج الأمير نوروز إلى ملاقاتهم، والتقاهم وأكرمهم، وعاد بهم إلى دمشق، وجمع القضاة والأعيان، واستفتاهم فى سلطنة الملك المؤيّد وحبسه للخليفة وما أشبه ذلك، فلم يتكلّم أحد بشىء، وانفضّ المجلس بغير طائل. وأنعم نوروز على النّوّاب المذكورين فى يوم واحد بأربعين ألف دينار، ثم رسم لهم بالتوجّه إلى محل ولاياتهم إلى أن يبعث يطلبهم. وقدم عليه ابن التّبّاتى فمنعه من الاجتماع مع الناس، واحتفظ به بعد أن كلّمه فلم يؤثّر فيه الكلام، وأخذ الأمير نوروز فى تقوية أموره واستعداده لقتال الملك المؤيّد شيخ، وطلب التّركمان، وأكثر من استخدام المماليك وما أشبه ذلك. وبلغ الملك المؤيّد شيخا ذلك فخلع فى ثالث ذى الحجة من السنة على الأمير قرقماس ابن أخى دمرداش المدعو سيّدى الكبير «2» باستقراره فى نيابة دمشق عوضا عن الأمير نوروز الحافظىّ، وعند خروجه قدم الخبر بمفارقة أخيه الأمير تغرى بردى سيّدى الصغير لنوروز وقدومه إلى صفد «3» داخلا فى طاعة الملك المؤيّد شيخ، وكانت صفد فى حكم الملك المؤيّد، فدقّت البشائر بالديار المصريّة لذلك. وبينما الملك المؤيّد فى الاستعداد لقتال نوروز ثار عليه مرض المفاصل حتى لزم الفراش منه عدّة أيام وتعطّل فيها عن المواكب السلطانية. [ما وقع من الحوادث سنة 816] وأما قرقماس سيّدى الكبير فإنه وصل إلى غزّة وسار منها فى تاسع صفر وتوجّه

إلى صفد واجتمع بأخيه تغرى بردى سيّدى الصغير، وخرج فى أثرهما الأمير ألطنبغا العثمانى نائب غزّة، والجميع متوجّهون لقتال الأمير نوروز- وقد خرج نوروز إلى جهة حلب- ليأخذوا دمشق فى غيبة الأمير نوروز، فبلغهم عود نوروز من حلب إلى دمشق، فأقاموا بالرّملة «1» . ثمّ قدم على السلطان آقبغا بجواب الأمير دمرداش المحمدى ونوّاب القلاع بطاعتهم أجمعين للسلطان الملك المؤيّد، وصحبته أيضا قاصد الأمير عثمان بن طرعلى المعروف بقرايلك، فخلع السلطان عليهما، وكتب جوابهما بالشكر والثناء. ثم فى أوّل شهر ربيع الآخر قبض السلطان على الأمير قصروه من تمراز الظاهرىّ، وقيّده وأرسله إلى سجن الإسكندرية، وشرع الأمير نوروز كلما أرسل إلى الملك المؤيّد كتابا يخاطبه فيه بمولانا، ويفتتحه بالإمامى المستعين، فيعظم ذلك على الملك المؤيّد إلى الغاية. ولما بلغ نوروز قدوم قرقماس بمن معه إلى الرّملة سار لحربه، وخرج من دمشق بعساكره، فلما بلغ قرقماس وأخاه ذلك عادا بمن معهما إلى جهة الدّيار المصرية عجزا عن مقاومته حتى نزلا بالصالحية «2» . وأما الملك المؤيّد فإنه لما كان رابع جمادى الأولى أوفى النيل ستة عشر ذراعا فركب الملك المؤيّد من قلعة الجبل، ونزل فى موكب عظيم حتى عدّى النيل وخلّق المقياس على العادة، وركب الحرّاقة «3» لفتح خليج السّد، فأنشده شاعره وأحد ندمائه الشيخ تقي الدين أبو بكر بن حجّة الحموى الحنفى يخاطبه: [الطويل]

أيا ملكا بالله أضحى مؤيّدا ... ومنتصبا فى ملكه نصب تمييز كسرت بمسرى سدّ مصر وتنقضى ... - وحقّك- يوم الكسر أيّام نوروز «1» فحسن ذلك ببال السلطان الملك المؤيّد إلى الغاية، ثم ركب الملك المؤيّد وعاد إلى القلعة، وأصبح أمسك الوزير ابن البشيرى، وناظر الخاص «2» ابن أبى شاكر، وخلع على الصاحب تاج الدين عبد الرزاق بن الهيصم باستقراره وزيرا عوضا عن [ابن] «3» البشيرى، فعاد تاج الدين إلى لبس الكتّاب، فإنه كان تزيّا بزىّ الجند لمّا استقرّ أستادارا «4» بعد مسك جمال الدين فى الدولة الناصرية، وتسلّم ابن البشيرىّ، وخلع على الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله ناظر الجيش باستقراره فى نظر الخاص عوضا عن ابن أبى شاكر، وخلع على علم الدين داود بن الكويز باستقراره ناظر الجيش «5» عوضا عن ابن نصر الله المذكور، ثم خلع السلطان على الأمير سودون الأشقر رأس نوبة النّوب باستقراره أمير مجلس، وكانت شاغرة عن الأمير يلبغا الناصرى، وخلع على الأمير جانى بك الصّوفىّ باستقراره رأس نوبة النّوب عوضا عن سودون الأشقر، وكان جانى بك الصّوفى قدم هو والأمير ألطنبغا العثمانى نائب

غزّة، وتغرى بردى سيّدى الصغير، وأخوه قرقماس سيدى الكبير المتولّى نيابة دمشق، فأقام الأخوان- أعنى قرقماس وتغرى بردى- على قطيا «1» ، ودخل جانى بك الصّوفى و [ألطنبغا] «2» العثمانى إلى القاهرة. ثم فى سادس عشر جمادى الأولى المذكور أشيع «3» بالقاهرة ركوب الأمير طوغان الحسنى الدوادار على السّلطان ومعه عدّة من الأمراء والمماليك السّلطانيّة، وكان طوغان قد اتّفق مع جماعة على ذلك، ولمّا كان اللّيل انتظر طوغان أن أحدا يأتيه ممّن اتّفق معه فلم يأته أحد حتى قرب الفجر وقد لبس السّلاح وألبس مماليكه، فعند ذلك قام وتسحّب فى مملوكين واختفى، وأصبح الناس يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الأولى والأسواق مغلقة والناس تترقّب وقوع فتنة، فنادى السلطان بالأمان، وأنّ من أحضر طوغان المذكور فله ما عليه مع خبز «4» فى الحلقة، ودام ذلك إلى ليلة الجمعة عشرينه فوجد «5» طوغان بمدينه مصر فأخذ وحمل إلى القلعة، وقيّد وأرسل إلى الإسكندرية صحبة الأمير طوغان أمير آخور الملك المؤيد. ثم أصبح السلطان من الغد أمسك الأمير سودون الأشقر أمير مجلس والأمير كمشبغا العيساوىّ أمير شكار «6» ، وأحد مقدّمى الألوف، وقيّدا وحملا إلى

الإسكندرية صحبة الأمير برسباى الدّقماقى، أعنى الملك الأشرف الآتى ذكره فى محله إن شاء الله تعالى. ثم بعد يومين وسّط «1» السلطان أربعة، أحدهم الأمير مغلباى نائب القدس من جهة الأمير نوروز، وكان قرقماس سيّدى الكبير قد قبض عليه وأرسله مع اثنين أخر إلى السلطان، فوسّط السلطان الثلاثة وآخر من جهة طوغان الدّوادار. ثم فى يوم الاثنين ثامن عشرينه أنعم السلطان بإقطاع «2» طوغان على الأمير إينال الصّصلانى، وأنعم بإقطاع سودون الأشقر على الأمير تنبك البجاسىّ نائب الكرك «3» - كان- ثم خلع على الصّصلانى باستقراره أمير مجلس عوضا عن سودون الأشقر أيضا وخلع على الأمير قجق أيضا باستقراره حاجب الحجّاب عوضا عن الصّصلانى، وخلع على شاهين الأفرم أمير سلاح خلعة الرّضى؛ لأنه كان اتّهم بممالأة طوغان، ثم خلع السلطان على مملوكه الأمير جانى بك الدّوادار الثانى وأحد أمراء الطّبلخانات باستقراره دوادارا كبيرا عوضا عن طوغان الحسنى، وخلع على الأمير جرباش كبّاشة باستقراره أمير جاندار «4» . ثم فى يوم الاثنين سلخ جمادى الأولى خلع السلطان على فخر الدين عبد الغنى ابن الوزير تاج الدين عبد الرزاق بن أبى الفرج كاشف «5» الشرقية والغربية باستقراره أستادارا

عوضا عن بدر الدين بن محب الدين، وخلع على بدر الدين المذكور باستقراره مشير الدولة «1» . ثم فى يوم الأربعاء سادس شهر رجب قدم الأمير جار قطلو أتابك دمشق إلى الديار المصريّة» فارّا من نوروز وداخلا فى طاعة الملك المؤيّد، فخلع عليه السلطان وأكرمه. وفى ثامن شهر رجب كان مهمّ «3» الأمير صارم الدين إبراهيم ابن السلطان الملك المؤيد على بنت السلطان الملك الناصر فرج، وهى التى كان تزوّجها بكتمر جلّق فى حياة والدها. ثم قدم الأمير ألطنبغا القرمشىّ الظاهرى نائب صفد إلى القاهرة فى ثامن عشر شهر رجب باستدعاء، وقد استقرّ عوضه فى نيابة صفد الأمير قرقماس «4» ابن أخى دمرداش، وعزل عن نيابة الشّام؛ كونه لم يتمكن من دحول دمشق لأجل الأمير نوروز الحافظىّ، وكان قرقماس المذكور من يوم ولى نيابة دمشق، وخرج من القاهرة ليتوجّه إلى الشام، صار يتردّد بين غزّة والرّملة، فلما طال عليه الأمر ولّاه الملك المؤيّد نيابة صفد، واستقرّ أخوه تغرى بردى سيدى الصغير فى نيابة غزّة عوضا عن ألطنبغا العثمانى، وعند ما دخل قرقماس إلى صفد قصده الأمير نوروز، فأراد قرقماس أن يطلع إلى قلعة صفد مع أخيه تغرى بردى فلم يتمكن منها هو ولا أخوه، فعاد إلى الرّملة، ولا زال قرقماس بالرّملة إلى أن طال عليه الأمر قصد القاهرة حتى دخلها فى يوم ثامن عشر شعبان، فأكرمه السلطان وأنعم عليه، وأقام أخوه

تغرى بردى على قطيا، وهذا كان دأبهم أنهم الثلاثة لا تجتمع عند ملك: أعنى دمرداش وأولاد أخيه قرقماس وتغرى بردى، فدام قرقماس بديار مصر وهو آمن على نفسه كون عمه الأمير دمرداش المحمدى فى البلاد الحلبيّة. وأما أمر دمرداش المذكور فإنه لما أخذ حلب قصده الأمير نوروز فى أوّل صفر وسار من دمشق بعساكره حتى نزل حماة فى تاسع صفر، فلما بلغ دمرداش ذلك خرج من حلب فى حادى عشر صفر ومعه الأمير بردبك أتابك حلب والأمير شاهين الأيد كارى حاجب حجّاب حلب، والأمير أردبغا الرشيدى، والأمير جربغا، وغيرهم من عساكر حلب، ونزل دمرداش بهم على العمق «1» ، فحضر إليه الأمير كردى بن كندر «2» وأخوه عمر وأولاد أوزر، ودخل الأمير نوروز إلى حلب فى ثالث عشر صفر بعد ما تلقّاه الأمير آقبغا چركس نائب القلعة بالمفاتيح. فولّى نوروز الأمير طوخا نيابة حلب عوضا عن يشبك بن أزدمر برغبة يشبك عنها لأمر اقتضى ذلك، وولّى الأمير يشبك الساقى الأعرج نيابة قلعة حلب، وولّى عمر بن الهيدبانى حجوبيّة حلب، وولّى الأمير قمش «3» نيابة طرابلس. ثم خرج نوروز من حلب فى تاسع عشر صفر عائدا إلى نحو دمشق، ومعه الأمير يشبك بن أزدمر، فقدم دمشق فى سادس عشرين صفر المذكور، وبعد خروج نوروز من حلب قصدها الأمير دمرداش المقدم ذكره حتى نزل على بانقوسا «4» فى يوم سادس عشرين صفر أيضا، فخرج إليه

طوخ بمن معه من أصحاب نوروز وقاتلوه قتالا شديدا إلى ليلة ثامن عشرين صفر قدم عليه الخبر بأن الأمير عجل بن نعير قد أقبل لمحاربته نصرة للأمير نوروز فلم يثبت دمرداش لعجزه عن مقاومته، ورحل بمن معه من ليلته إلى العمق، ثم سار إلى أعزاز «1» فأقام بها. فلما كان عاشر شهر ربيع الأوّل بعث طوخ نائب حلب عسكرا إلى سرمين «2» وبها آقبلاط دوادار دمرداش المذكور فكبسوه، فثار عليهم هو وشاهين الأيد كارى ومن معهما من التّراكمين وقاتلوهم وأسروا منهم جماعة كثيرة وبعثوا بهم إلى الأمير دمرداش، فسجن دمرداش أعيانهم فى قلعة بغراس «3» وجدع أنا فى أكثرهم، وأطلقهم عراة، وقتل بعضهم. فلما بلغ طوخ الخبر ركب من حلب ومعه الأمير قمش نائب طرابلس وسار إلى تلّ باشر «4» وقد نزل عليه العجل بن نعير «5» ، فسأله طوخ أن يسير معهما لحرب دمرداش، فأنعم «6» بذلك ثم تأخر عنهما قليلا، فبلغهما أنّه اتّفق مع دمرداش على مسكهما، فاستعدّا له وترقّباه حتى ركب إليهما فى نفر قليل ونزل عندهما ودعاهما إلى ضيافته وألحّ عليهما فى ذلك، فثارا به ومعهم جماعة من أصحابهما فقتلوه بسيوفهم فى رابع عشرين شهر ربيع الأول، ودخلا من فورهما عائدين إلى حلب، وكتبا بالخبر

إلى «1» نوروز وطلبا منه نجدة؛ فإن حسين بن «2» نعير قد جمع العرب ونزل على دمرداش فسار به دمرداش إلى حلب وحصرها، وصعد طوخ وقمش إلى قلعة حلب واشتدّ القتال بينهم إلى أن انهزم دمرداش وعاد إلى جهة العمق، وشاور أصحابه فيما يفعل وتحيّر فى أمره بين أن ينتمى إلى نوروز ويصير معه على رأيه- وكان قد بعث إليه بألف دينار ودعاه إليه- وبين أن يقدم على السلطان الملك المؤيّد شيخ، فأشار عليه جلّ أصحابه بالانتماء إلى نوروز إلا آق بلاط دواداره فإنه أشار عليه بالقدوم على السلطان، فسأله دمرداش عن ابن أخيه قرقماس وعن تغرى بردى فقال: قرقماس فى صفد وتغرى بردى فى غزّة، وكان ذلك بدسيسة دسّها الملك المؤيد لآق بلاط المذكور، فمال عند ذلك دمرداش إلى كلامه، وركب البحر حتى خرج من الطينة «3» وقدم إلى القاهرة «4» فى أوّل شهر رمضان، فأكرمه السلطان وخلع عليه. ولما قدم دمرداش إلى القاهرة وجد قرقماس بها وتغرى بردى بالصّالحية، فندم على قدومه وقال لابن أخيه قرقماس: ما هذه العملة؟ أنت تقول إنك بصفد فألقاك بمصر، فقال قرقماس: ومن أيش تتخوف ياعم؟ هذا يمكنه القبض علينا ومثل نوروز يخاصمه؟! إذا أمسكنا بمن يلقى نوروز ويقاتله؟ والله ما أظنك إلّا قد كبرت ولم يبق فيك بقيّة إلّا لتعبئة العساكر لاغير، فقال له دمرداش: سوف ننظر، واستمرّ دمرداش وقرقماس بالقاهرة إلى يوم سابع شهر رمضان المذكور عيّن السلطان جماعة من الأمراء لكبس عربان الشّرقيّة، وهم: سودون القاضى، وقجقار القردمىّ، وآقبردى المنقار المؤيّدى رأس نوبة، ويشبك المؤيّدى شادّ الشّراب خاناه «5» ، وأسرّ إليهم

السلطان فى الباطن بالتوجّه إلى تغرى بردى المدعو سيّدى الصغير ابن أخى دمرداش، والقبض عليه، وحمله مقيّدا إلى القاهرة، وكان تغرى بردى المذكور نازلا بالصّالحية، فساروا فى ليلة السبت ثامنه، وأصبح السلطان فى آخر يوم السبت المذكور استدعى الأمراء للفطر عنده، ومدّ لهم سماطا عظيما، فأكلوا منه وتباسطوا، فلمّا رفع السّماط قام السلطان من مجلسه إلى داخل، وأمر بالقبض على دمرداش المحمدى وعلى ابن أخيه قرقماس وقيّدهما «1» وبعثهما من ليلته إلى الإسكندرية فسجنا بها، وبعد يوم حضر الأمراء ومعهم تغرى بردى سيّدى الصغير مقيّدا «2» ، وكان الملك يكرهه؛ فإنه لم يزل فى أيام عصيانه مباينا له، فحبسه بالبرج بقلعة الجبل، ثم سجد المؤيد لله شكرا الذي ظفّره بهؤلاء الثلاثة الذين كان الملك الناصر [فرج «3» ] عجز عنهم، ثم قال: الآن بقيت سلطانا. وبقى تغرى بردى المذكور مسجونا بالبرج إلى أن قتل ذبحا فى ليلة عيد الفطر، وقطعت رأسه وعلّقت على الميدان. ثم خلع السلطان على الأمير قانى باى المحمدى الأمير آخور باستقراره فى نيابة دمشق عوضا عن نوروز الحافظىّ، وخلع على الأمير ألطنبغا القرمشىّ المعزول عن نيابة صفد باستقراره أمير آخور كبيرا عوضا عن قانى باى المذكور، وخلع على الأمير إينال الصّصلانى أمير مجلس باستقراره فى نيابة حلب، وخلع على الأمير سودون قراصقل باستقراره فى نيابة غزّة عوضا عن تغرى بردى سيّدى الصغير. ثم خلع السلطان على قاضى القضاة ناصر الدين محمد بن العديم الحنفى بعوده إلى قضاء القضاة بالديار المصريّة بعد موت قاضى القضاة صدر الدين على بن الأدمىّ الدّمشقى.

ثم فى ثامن شوال خلع السلطان على بدر الدين بن محب الدين المشير باستقراره فى نيابة الإسكندرية بعد عزل خليل التّبريزىّ «1» الدّشارىّ. ثم عدّى السلطان- فى يوم الخميس ثالث ذى القعدة- إلى برّ الجيزة إلى وسيم «2» حيث مربط خيوله، وأقام به إلى يوم الاثنين حادى عشرينه، وطلع إلى القلعة ونصب جاليش «3» السفر «4» على الطّبلخاناه السلطانية؛ ليتوجّه السلطان لقتال نوروز، وأخذ السلطان فى الاستعداد هو وأمراؤه وعساكره حتى خرج فى آخر ذى القعدة الأمير إينال الصّصلانى نائب حلب وسودون قراصقل «5» نائب غزّة إلى الرّيدانيّة «6» خارج القاهرة، ثم خرج الأمير قانى باى المحمدى نائب الشام فى يوم الخميس سادس عشر ذى الحجّة ونزل أيضا بالرّيدانيّة. وفى يوم الخميس المذكور خلع المستعين بالله العباس من الخلافة واستقرّ فيها أخوه المعتضد داود، وقد تقدّم ذكر ذلك فى ترجمة المستعين المذكور «7» . ثم شرع السلطان فى النّفقة على المماليك السلطانية لكل واحد مائة دينار ناصرية «8» ، ثم رحل قانى باى نائب الشام من الرّيدانيّة.

ما وقع من الحوادث سنة 817

وفى ثامن عشرينه غضب السلطان على الوزير تاج الدين عبد الرّزّاق بن الهيصم، وضربه وبالغ فى إهانته، ثم رضى عنه وخلع عليه خلعة الرّضى. ثم فى سابع عشرينه نصب خام «1» السلطان بالرّيدانية. قال المقريزى رحمه الله: وفى هذا الشهر قدم الأمير فخر الدين بن أبى الفرج من بلاد الصعيد فى ثالث عشرينه، بخيل وجمال وأبقار وأغنام كثيرة جدا، وقد جمع المال من الذّهب وحلىّ النّساء وغير ذلك من العبيد والإماء والحرائر اللاتى استرقّهن، ثم وهب منهنّ وباع باقيهنّ؛ وذلك أنه عمل فى بلاد الصعيد كما يعمل رءوس المناسر «2» إذا هم هجموا ليلا على القرية؛ فإنه كان ينزل ليلا بالبلد فينهب جميع ما فيها من غلال وحيوان، وسلب النساء حليّهن وكسوتهن بحيث لا يسير عنها لغيرها حتى يتركها عريانة، فخربت- بهذا الفعل- بلاد الصّعيد تخريبا يخشى من سوء عاقبته، فلمّا قدم إلى القاهرة شرع فى رمى «3» الأصناف المذكورة على الناس من أهل المدينة وسكّان الرّيف وذلك بأغلى الأثمان، ويحتاج من ابتلى بشىء من ذلك أن يتكلف لأعوانه من الرّسل ونحوهم شيئا كثيرا- انتهى كلام المقريزى. [ما وقع من الحوادث سنة 817] ثم إن السلطان الملك للؤيّد لما كان يوم الاثنين رابع محرم سنة سبع عشرة وثمانمائة ركب من قلعة الجبل بأمرائه وعساكره بعد طلوع الفجر، وسار حتى نزل بمخيّمه من الرّيدانيّة خارج القاهرة من غير تطليب «4» . ثم خرجت الأطلاب والعساكر فى أثناء النهار بعد أن خلع على الأمير ألطنبغا العثمانى بنيابة الغيبة «5» ، وأنزله بباب

السّلسلة، وجعل بقلعة الجبل بردبك قصقا، وجعل بباب السّتارة «1» من قلعة الجبل الأمير صوماى الحسنىّ، وجعل الحكم بين الناس للأمير قجق الشّعبانىّ حاجب الحجّاب. ثم رحل الأمير يلبغا النّاصرىّ أتابك العساكر جاليشا «2» بمن معه من الأمراء فى يوم الجمعة ثامنه، ثم استقلّ السلطان ببقيّة عساكره من الرّيدانيّة فى يوم السبت تاسعه، وسار حتى نزل بغزّة فى يوم الثلاثاء تاسع عشر المحرّم، وأقام بها أيّاما إلى أن رحل منها فى تاسع عشرينه، وسار على هينته «3» حتى نزل على قبّة يلبغا «4» خارج دمشق فى يوم الأحد ثامن صفر من سنة سبع عشرة المذكورة، ولم يخرج نوروز لقتاله، فحمد الله- المؤيد- على ذلك، وعلم ضعف أمره؛ فإنّه لو كان فيه قوة كان التقاه من أثناء طريقه. وكان سير الملك المؤيّد على هينته حتى يبلغ نوروز خبره ويطلع إليه فيلقاه فى الفلا، فلما تأخر نوروز عن الطلوع اطمأنّ الملك المؤيد لذلك وقوى بأسه، غير أن نوروز حصّن مدينة دمشق وقلعتها وتهيّأ لقتاله، فأقام السلطان بقبّة يلبغا أيّاما، ثم رحل منها ونزل بطرف القبيبات «5» ، وكان السلطان فى طول طريقه إلى دمشق يطلب موقّعى «6» أكابر أمرائه خفية ويأمرهم أن يكتبوا على لسان مخاديمهم إلى نوروز أنّنا بأجمعنا معك، وغرضنا كلّه عندك، ويكثر من الوقيعة فى الملك المؤيد ثم يقول فى الكتاب وإنّك لا تخرج من دمشق وأقم مكانك فإننا جميعا نفرّ من المؤيد ونأتيك

ثم يضع من نفسه ويرفع أمر نوروز ويعد محاسنه ويذكر مساوئ نفسه، فمشى ذلك على نوروز وانخدع له، مع ما كان حسّن له أيضا بعض أصحابه فى عدم الخروج والقتال، أرادوا بذلك ضجر الملك المؤيد وعوده إلى الديار المصرية بغير طائل حتى يستفحل أمرهم بعوده، فكان مراد الله غير ما أرادوا. ثم أرسل السلطان الملك المؤيد قاضى القضاة مجد الدين سالم الحنبلى إلى الأمير نوروز فى طلب الصّلح فامتنع نوروز من ذلك وأبى إلّا الحرب والقتال، وكان ذلك أيضا خديعة من الملك المؤيد، وعندما نزل الملك المؤيّد بطرف القبيبات خرج إليه عساكر نوروز فندب إليهم السلطان جماعة كبيرة من عسكره فخرجوا إليهم وقاتلوهم قتالا شديدا، فانكسر عسكر نوروز وعاد إلى دمشق، فركب نوروز فى الحال وطلع «1» إلى قلعة دمشق وامتنع بها، فركب الملك المؤيد فى سادس عشرينه ونزّل بالميدان يحاصر قلعة دمشق. ولما قيل للمؤيد إن نوروز طلع إلى قلعة دمشق لم يحمل الناقل له على الصّدق، وأرسل من يثق به فعاد عليه الخبر بطلوعه إليها، فعند ذلك تعجّب غاية العجب، فسأله بعض خواصّه عن ذلك فقال: ما كنت أظن أن نوروز يطلع القلعة وينحصر فيها أبدا؛ لما سمعته منه لمّا دخل الملك الناصر إلى قلعة دمشق، وهو أنه لمّا بلغنا أن الناصر دخل إلى قلعة دمشق قال نوروز: ظفرنا به وعزّة الله، فقلت: وكيف ذلك؟ فقال: الشخص لا يدخل القلعة ويمتنع بها إلا إذا كان خلفه نجدة، أو أخصامه لا يمكنهم محاصرته إلا مدّة يسيرة ثم يرحلون عنه، وهذا ليس له نجدة، ونحن لو أقمنا على حصاره سنين لا نذهب إلا به فهو مأخوذ لا محالة، فبقى هذا الكلام فى ذهنى، وتحققت أنه متى حصل له خلل توجّه إلى بلاد التّركمان ويتعبنى أمره لعلمى به أنه لا يدخل إلى القلعة- بعد ما سمعت منه ذلك- أبدا، فأتاه ما قاله فى حقّ الناصر، وحسن بباله الامتناع بالقلعة حتى طلعها، فلهذا تعجّبت.

وأخذ المؤيد فى محاصرته، واستدام الحرب بينهم أيّاما كثيرة فى كل يوم حتى قتل من الطائفتين خلائق، فلمّا طال الأمر فى القتال أخذ أمر الأمير نوروز فى إدبار، وصار أمر الملك المؤيد فى استظهار. فلمّا وقع ذلك وطال القتال على النّوروزيّة سئموا من القتال وشرعوا يسمعون نوروز الكلام الخشن، وهدمت المؤيديّة طارمة «1» دمشق، كلّ ذلك والقتال عمّال فى كل يوم ليلا ونهارا والرّمى مستدام من القلعة بالمناجيق ومكاحل النّفط، وطال الأمر على الأمير نوروز حتى أرسل الأمير قمش إلى الملك المؤيد فى طلب الصّلح، وتردّدت الرسل بينهم غير مرّة حتى أنبرم الصّلح بينهم بعد أن حلف الملك المؤيّد لنوروز بالأيمان المغلّظة، وكان الذي تولى تحليف الملك المؤيد كاتب سرّه القاضى ناصر الدين محمد بن البارزىّ. حكى لى القاضى كمال الدين ابن القاضى ناصر الدين محمد بن البارزىّ كاتب السّرّ الشّريف من لفظه- رحمه الله- قال: قال الوالد لمّا أخذت فى تحليف الملك المؤيد بحضرة رسل الأمير نوروز والقضاة قد حضروا أيضا، فشرعت ألحن فى اليمين عامدا فى عدّة كلمات حتى خرج معنى اليمين عن مقصود نوروز فالتفت القاضى ناصر الدين محمد بن العديم الحنفىّ- وكان فيه خفّة- وقال للقاضى الشافعى: كأنّ القاضى ناصر الدين بن البارزىّ ليس له ممارسة بالعربية والنّحو فإنّه يلحن لحنّا فاحشا، فسكّته البلقينىّ لوقته. قلت: وكان هذا اليمين بحضرة جماعة من فقهاء التّرك من أصحاب نوروز فلم يفطن أحد منهم لذلك لعدم ممارستهم لهذه العلوم، وإنّما جلّ مقصود الواحد منهم [أن] «2» يقرأ مقدمة فى الفقه ويحلّها على شيخ من الفقهاء أهل الفروع، فعند ذلك يقول: أنا

صرت فقيها، وليته يسكت بعد ذلك، ولكنه يعيب أيضا على ما عدا الفقه من العلوم، فهذا هو الجهل بعينه- انتهى. ثم عادت رسل نوروز إليه بصورة الحلف، فقرأه عليه بعض من عنده من الفقهاء من تلك المقولة، وعرّفه أن هذا اليمين ما بعده شىء، فاطمأنّ لذلك، ونزل من قلعة دمشق بمن معه من الأمراء والأعيان فى يوم حادى عشرين ربيع الآخر بعد ما قاتل الملك المؤيّد نحوا من خمسة وعشرين يوما أو أزيد، ومشى حتّى دخل على الملك المؤيد، فلما رآه المؤيد قام له، فعند ذلك قبّل نوروز الأرض وأراد أن يقبّل يده فمنعه الملك المؤيد من ذلك، وقعد الأمير نوروز بإزائه، وتحته أصحابه من الأمراء، وهم: الأمير يشبك بن أزدمر، وطوخ، وقمش، وبرسبغا، وإينال الرّجبىّ وغيرهم، والمجلس مشحون بالقضاة «1» والفقهاء والعساكر السلطانية، فقال القضاة: والله هذا يوم مبارك بالصّلح وبحقن الدّماء بين المسلمين، فقال القاضى ناصر الدين بن البارزىّ كاتب السّرّ: نهار مبارك لو تمّ ذلك، فقال الملك المؤيّد: وكيف «2» لا يتمّ وقد حلفنا له وحلف لنا؟ فقال القاضى ناصر الدين للقضاة: يا قضاة، هل صحّ يمين السلطان؟ فقال قاضى القضاة جلال الدين البلقينى: لا والله لم يصادف غرض المحلف، فعند ذلك أمر الملك المؤيد بالقبض على الأمير نوروز ورفقته، فقبض فى الحال على الجميع، وقيّدوا وسجنوا بمكان من الإسطبل إلى أن قتل الأمير نوروز من ليلته، وحملت رأسه إلى الديار المصرية على يد الأمير جرباش، فوصلت القاهرة فى يوم الخميس مستهلّ جمادى الأولى، وعلّقت على باب زويلة، ودقّت البشائر، وزيّنت القاهرة لذلك. ثم أخذ الملك المؤيّد فى إصلاح أمر مدينة دمشق، ومهدّ أحوالها، ثم خرج منها فى ثامن جمادى الأولى يريد حلب حتى قدمها بعساكره، وأقام بها إلى آخر الشهر

المذكور، ثم سار منها فى أول جمادى الآخرة إلى أبلستين «1» ، ودخل إلى ملطية «2» واستناب بها الأمير كزل، ثم عاد إلى حلب، وخلع على نائبها الأمير إينال الصّصلانى باستمراره، ثم خلع على الأمير تنبك البجاسىّ باستقراره فى نيابة حماة، وعلى الأمير سودون من عبد الرحمن باستقراره فى نيابة طرابلس، وعلى الأمير جانى بك الحمزاوى بنيابة قلعة الرّوم «3» بعد ما قتل نائبها الأمير طوغان. ثم خرج السلطان من حلب، وعاد إلى دمشق، فقدمها فى ثالث شهر رجب، وخلع على نائبها الأمير قانى باى المحمدى باستمراره، ثم خرج السلطان من دمشق بأمرائه وعساكره فى أول شعبان بعد ما مهدّ أمور البلاد الشاميّة، ووطّن «4» التّركمان والعربان وخلع عليهم، وسار حتى دخل القدس فى ثانى عشر شعبان فزاره، ثم خرج منه وتوجّه إلى غزّة حتى قدمها، وخلع على الأمير طرباى الظّاهرى بنيابة غزّة، ثم خرج منها عائدا إلى الدّيار المصرية حتى نزل على خانقاه سرياقوس «5» يوم الخميس رابع عشرين شعبان، فأقام هناك بقيّة الشهر، وعمل بها أوقاتا طيّبة، وأنعم فيها على الفقهاء والصّوفية بمال جزيل، وكان يحضر السّماع بنفسه، وتقوم الصّوفيّة تتراقص وتتواجد بين يديه، والقوّال يقول وهو يسمعه ويكرّر منه ما يعجبه من الأشعار الرقيقة، ودخل حمّام الخانقاه المذكورة غير مرّة، وخرج الناس لتلقّيه إلى خانقاه سرياقوس المذكورة حتى صار طريقها فى تلك الأيام كالشّارع الأعظم «6» ؛ لممرّ الناس فيه ليلا ونهارا.

ودام السلطان هناك إلى يوم سلخ شعبان ركب من الخانقاه بخواصّه، وسار حتى نزل بالرّيدانية تجاه مسجد التّبن «1» ، وبات حتى أصبح فى يوم الخميس أول شهر رمضان ركب وسار إلى القلعة حتى طلع إليها، فكان لقدومه القاهرة يوما مشهودا، ودقت البشائر لوصوله. وعندما استقرّ به الجلوس انتقض عليه ألم رجليه من ضربان المفاصل، ولزم الفراش وانقطع بداخل الدّور السلطانية من القلعة، ثم أخرج السلطان فى ثامن شهر رمضان الأمير جرباش كبّشة بطّالا إلى القدس الشريف، ورسم أيضا بإخراج الأمير أرغون من بشبغا أمير آخور- كان- فى الدولة الناصرية إلى القدس بطالا، ثم خلع السلطان على الأمير ألطنبغا العثمانى باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية بعد موت الأمير يلبغا الناصرى. ثم نصل السلطان من مرضه، وركب من قلعة الجبل يوم عاشر شهر رمضان، وشقّ القاهرة، ثم عاد إلى القلعة، ورسم بهدم الزّينة- وكان ركوبه لرؤيتها- فهدمت. ثم فى ثانى عشرة أمسك الأمير قجق الشّعبانى حاجب الحجاب، والأمير بيبغا المظفّرى، والأمير تمان تمر أرق، وقيّدوا وحملوا إلى ثغر الإسكندرية فحبسوا بها، والثلاثة جنسهم تتر، ومسفّرهم الأمير صوماى الحسنىّ، وبعد أن توجّه بهم صوماى المذكور إلى الإسكندرية كتب باستقراره فى نيابتها، وعزل بدر الدين بن محب الدين عنها. ثم خلع السلطان على سودون القاضى باستقراره حاجب الحجّاب بديار مصر عوضا

عن قجق الشعبانى، وعلى الأمير قجقار القردمىّ باستقراره أمير مجلس عوضا عن بيبغا المظفّرى، وعلى الأمير جانى بك الصّوفى رأس نوبة النّوب باستقراره أمير سلاح بعد موت شاهين الأفرم، وخلع على الأمير كزل العجمى حاجب الحجاب- كان- فى دولة الملك الناصر باستقراره أمير جاندار عوضا عن الأمير جرباش كبّاشة، ثم خلع على الأمير تنبك العلائى الظاهرى المعروف ميق باستقراره رأس نوبة النّوب عوضا عن جانى بك الصوفى، وخلع على الأمير آقباى المؤيدى الخازندار باستقراره دوادارا كبيرا بعد موت الأمير جانى بك المؤيدى. ثم أعيد ابن محب الدين المعزول عن نيابة الإسكندرية إلى وظيفة الأستادارية فى يوم الاثنين سادس عشرين شهر رمضان بعد فرار فخر الدين عبد الغنى بن أبى الفرج إلى بغداد. وخبر فخر الدين المذكور أنه لما خرج من الديار المصرية إلى البلاد الشامية صحبة السّلطان، ووصل إلى حماة داخله الخوف من السلطان فهرب فى أوائل شهر رجب إلى جهة بغداد، فسدّ ناظر ديوان المفرد «1» تقىّ الدين عبد الوهاب بن أبى شاكر الأستادارية فى هذه المدّة إلى أن ولى ابن محبّ الدين. وفى شهر رمضان المذكور أفرج السلطان عن الأمير كمشبغا العيساوىّ من سجن الإسكندرية، وقدم القاهرة، ونقل الأمير سودون الأسندمرىّ والأمير قصروه من تمزاز، والأمير شاهين الزّرد كاش والأمير كمشبغا الفيسىّ إلى ثغر دمياط. وفى أواخر ذى الحجّة قدم مبشّر الحاج وأخبر بأن الأمير جقمق «2» الأرغون شاوىّ الدّوادار الثانى أمير الحاج وقع بينه وبين أشراف مكّة وقعة فى خامس ذى الحجة، وخبر ذلك أن جقمق المذكور ضرب أحد عبيد مكة وحبسه؛ لكون أنه حمل السلاح

ما وقع من الحوادث سنة 818

فى الحرم الشريف، وكان قد منع من ذلك، فثارت بسبب ذلك فتنة انتهك فيها حرمة المسجد الحرام، ودخلت الخيل إليه عليها المقاتلة من قوّاد مكة لحرب الأمير جقمق، وأدخل جقمق أيضا خيله إلى المسجد [الحرام] «1» فباتت به وأوقدت مشاعله بالحرم، وأمر بتسمير أبواب الحرم فسمّرت كلّها إلا ثلاثة أبواب ليمتنع من يأتيه، فمشت الناس بينهم فى الصّلح، وأطلق جقمق المضروب فسكتت الفتنة من الغد بعد ما قتل جماعة، ولم يحج أكثر أهل مكة فى هذه السنة من الخوف. ثم قدم الخبر أيضا على الملك المؤيد فى هذا الشهر بأن الأمير يغمور بن بهادر الدكرىّ مات هو وولده فى يوم واحد بالطاعون فى أول ذى القعدة، وأن قرا يوسف ابن قرا محمد صاحب العراق انعقد بينه وبين القان شاه رخّ بن تمرلنك «2» صلح، وتصاهرا، فشقّ ذلك على الملك المؤيد. [ما وقع من الحوادث سنة 818] وفى أثناء ذلك قدم عليه الخبر بأن الأمير محمد بن عثمان صاحب الرّوم كانت بينه وبين محمد بك بن قرمان وقعة عظيمة انهزم فيها ابن قرمان ونجا بنفسه، كل ذلك والسلطان فى سرحة البحيرة بترّوجة «3» إلى أن قدم إلى الديار المصرية فى يوم الخميس ثانى المحرم من سنة ثمانى عشرة وثمانمائة بعد ما قرّر على من قابله من مشايخ البحيرة أربعين ألف دينار، وكانت مدّة غيبة السلطان بالبحيرة ستّين يوما. ثم فى عاشر المحرم أفرج السلطان عن الأمير بيبغا المظفرى أمير مجلس، وتمان تمر أرق اليوسفى من سجن الإسكندرية. ثم قدم كتاب فخر الدين بن أبى الفرج من بغداد أن يقيم بالمدرسة المستنصرية، وسأل

العفو عنه فأجيب إلى ذلك، وكتب له أمان، ثم أمر السلطان بقتل الأمراء الذين بسجن الإسكندرية، فقتلوا بأجمعهم فى يوم السبت ثامن عشر المحرم، وهم: الأتابك دمرداش المحمدى بعد أن قتل ابن أخيه قرقماس بمدّة، والأمير طوغان الحسنى الدّوادار، والأمير سودون تلّى المحمدى، والأمير أسنبغا الزّردكاش والجميع معدودة من الملوك، وأقيم عزاؤهم بالقاهرة فى يوم خامس عشرين، فكان ذلك اليوم من الأيام المهولة من مرور الجوارى المسبيّات الحاسرات بشوارع القاهرة، ومعهم الملاهى والدّفوف. هذا وقد ابتدأ الطاعون بالقاهرة. ثم فى ثامن صفر ركب السلطان من قلعة الجبل وسار إلى نحو منية مطر المعروفة الآن بالمطرية خارج القاهرة، وعاد إلى القاهرة من باب النّصر، ونزل بالمدرسة الناصرية المعروفة الآن بالجمالية «1» برحبة باب العيد «2» ، ثم ركب منها وعبر إلى بيت الأستادار بدر الدين بن محب الدين فأكل عنده السّماط، ومضى إلى قلعة الجبل. وفى ثامن عشر «3» صفر خلع على القاضى علاء الدين على بن محمود بن أبى بكر بن مغلى الحنبلى الحموىّ باستقراره قاضى قضاة الحنابلة بالديار المصرية، بعد عزل قاضى القضاة مجد الدين سالم. وفى يوم السبت عاشر صفر المذكور ابتدأ السلطان بعمل السد بين الجامع الجديد «4»

الناصرى وبين جزيرة الرّوضة، وندب لحفره الأمير كزل العجمى الأجرود أمير جاندار، فنزل كزل المذكور وعلّق مائة وخمسين رأسا من البقر لتجرف الرمال وعملت أيّاما، ثم ندب السلطان الأمير سودون القاضى حاجب الحجاب لهذا العمل، فنزل هو أيضا واهتم غاية الاهتمام، ودام العمل بقيّة صفر وشهر ربيع الأول. وفيه أمر السلطان بمسك شاهين الأيد كارىّ حاجب حلب، فأمسك وسجن بقلعة حلب، وفيه خلع السلطان على الأمير طوغان أمير آخور الملك المؤيد أيّام إمرته باستقراره فى نيابة صفد، وحمل له التشريف بنيابة صفد يشبك الخاصّكىّ. وفيه قدم كتاب الأمير إينال الصّصلانى نائب حلب يخبر أن أحمد بن رمضان أخذ مدينة طرسوس «1» غنوة فى ثالث عشر المحرم من هذه السنة بعد أن حاصرها سبعة أشهر، وأنّه سلّمها إلى ابنه إبراهيم بعد ما نهبها وسبى أهلها، وقد كانت طرسوس من نحو اثنتى عشرة سنة يخطب بها لتيمور، فأعاد ابن رمضان الخطبة بها باسم السلطان. وأما الحفير فإنّه مستمرّ، وسودون القاضى يستحثّ العمال فيه إلى أن كان أوّل شهر ربيع الآخر فركب السلطان الملك المؤيّد من قلعة الجبل فى أمرائه وسائر خواصّه، وسار إلى حيث العمل، فنزل هناك فى خيمة نصبت له بين الرّوضة ومصر، ونودى بخروج النّاس للعمل فى الحفير المذكور، وكتبت حوانيت الأسواق، فخرج الناس طوائف طوائف مع كل طائفة الطبول والزّمور، وأقبلوا إلى العمل، ونقلوا التّراب والرّمل من غير أن يكلّف أحد منهم فوق طاقته، ثم رسم السلطان لجميع العساكر من الأمراء والخاصّكيّة ولجميع أرباب الدولة وأتباعهم [أن] «2» يعملوا، ثم ركب السلطان بعد عصر اليوم المذكور ووقف حتى فرض على كلّ من الأمراء حفر قطعة

عيّنها له، ثم عاد إلى القلعة بعد أن مدّ هناك أسمطة جليلة وحلوات وفواكه كثيرة، واستمرّ العمل والنداء فى كل يوم لأهل الأسواق وغيرهم للعمل فى الحفر، ثم ركب الأمير ألطنبغا القرمشى الأمير آخور الكبير ومعه جميع مماليكه وعامّة أهل الإسطبل السّلطانىّ وصوفية المدرسة الظاهرية البرقوقيّة «1» وأرباب وظائفها؛ لكونهم تجت نظره، ومضوا بأجمعهم إلى العمل فى الحفر المذكور فعملوا فيه، وقد اجتمع هناك خلائق لا تحصى- للفرجة «2» - من الرجال والنساء والصبيان، وتولىّ ألطنبغا القرمشىّ القيام بما فرض عليه حفره بنفسه، فدام فى العمل طول نهاره. ثم فى عاشره جمع الأمير الكبير ألطنبغا العثمانى جميع مماليكه ومن يلوذ به وألزم كلّ من هو ساكن فى البيوت والد كاكين الجارية فى وقف البيمارستان «3» المنصورى بأن يخرجوا معه؛ من أنهم تحت نظره، وأخرج معه أيضا جميع أرباب وظائف البيمارستان المذكور، ثم أخرج سكان جزيرة الفيل «4» ؛ فإنها فى وقف البيمارستان، وتوجّه بهم الجميع إلى العمل فى الحفير، وعمل نهاره فيما فرض عليه حفره، ثم وقع ذلك لجميع الأمراء واحدا بعد واحد، وتتابعوا فى العمل وكل أمير يأخذ معه جميع جيرانه ومن يقرب سكنه من داره، فلم يبق أحد من العوامّ إلّا وخرج لهذا العمل. ثم خرج علم الدين داود بن الكويز ناظر الجيش، والصاحب بدر الدين حسن بن

نصر الله ناظر الخاص، وبدر الدين حسن بن محبّ الدين الأستادار، ومع كل منهم طائفة من أهل القاهرة وجميع غلمانه وأتباعه ومن يلوذ به وينتسب إليه، ثم أخرج والى القاهرة جميع اليهود والنصارى، وكثر النداء فى كل يوم بالقاهرة على أصناف الناس بخروجهم للعمل، ثم خرج القاضى ناصر الدين محمد بن البارزىّ كاتب السّرّ الشريف ومعه جميع مماليكه وحواشيه وغلمانه، وأخرج معه البريديّة والموقّعين بأتباعهم، فعملوا نهارهم، هذا والمنادى فى كل يوم [ينادى] «1» على العامة بالعمل، فخرجوا وخلت أسواق القاهرة وظواهرها من الباعة، وغلّقت القياسر، والمنادى فى كل يوم [ينادى] «2» بالتهديد لمن تأخّر عن الحفر حتى إنه نودى فى بعض الأيام: من فتح دكّانا شنق، فتوقّفت أحوال الناس. وفى هذه الأيّام خلع السلطان على الأمير بيبغا المظفرى باستقراره أتابك دمشق، وخلع على جرباش كبّاشة باستقراره حاجب حجّاب حلب، وكلاهما كان قدم من سجن الإسكندرية قبل تاريخه. وفيه أيضا نقل الأمير طوغان أمير آخور [المؤيد] «3» من نيابة صفد إلى حجوبية دمشق عوضا عن الأمير خليل التّبريزىّ الدّشارى، ونقل خليل المذكور إلى نيابة صفد عوضا عن طوغان المذكور، وحمل له التقليد والتّشريف الأمير إينال الشّيخى الأرغزى «4» . واستهلّ جمادى الأولى والناس فى جهد وبلاء من العمل فى الحفر حتى إنّ المقام الصّارمىّ إبراهيم ابن السلطان الملك المؤيّد نزل من القلعة فى يوم سابعه ومعه جميع

مماليكه وحواشيه وأتباعه، وتوجّه حتى عمل فى الحفر بنفسه، وصنّفت العامة فى هذا الحفير غناء كثيرا وعدّة بلاليق «1» . وبينما الناس فى العمل أدركتهم زيادة النّيل، وكان هذا الحفير وعمل الجسر ليمنع الماء من المرور تحت الجزيرة الوسطى «2» ، ويجرى من تحت المنشية من على موردة الجبس «3» بحرىّ جزيرة الوسطى كما كان قديما فى الزّمان الماضى، فأبى الله سبحانه وتعالى إلا ما أراده على ما سنذكره فى محلّه. ثم فى اليوم المذكور أعنى سابع جمادى الأولى خلع السلطان على الأمير الكبير ألطنبغا العثمانى باستقراره فى نيابة دمشق عوضا عن قانى باى المحمدى، وكان بلغ السلطان عن جميع النّوّاب بالبلاد الشاميّة أنهم فى عزم الخروج عن الطاعة، فلم يظهر ذلك «4» ، وأرسل الأمير جلبّان أمير آخور بطلب قانى باى المذكور من دمشق ليستقرّ أتابكا بالدّيار المصرية عوضا عن ألطنبغا العثمانى، وانتظر السلطان ما يأتى به الجواب. ثم خلع السلطان على الأمير آقبردى المؤيّدى المنقار باستقراره فى نيابة الإسكندرية عوضا عن صوماى الحسنى. ثم فى جمادى الآخرة من هذه السنة حفر أساس الجامع المؤيّدى داخل باب زويلة، وكان أصل موضع الجامع المذكور- أعنى موضع باب الجامع والشبّابيك وموضع

المحراب- قيسارية الأمير سنقر الأشقر «1» المقدم ذكره فى ترجمة الملك المنصور قلاوون، وكانت مقابلة لقيسارية الفاضل «2» وحمّامه، فاستبدلها الملك الملك المؤيّد وأخذها، ثم أخذ خزانة شمائل «3» ودورا وحارات وقاعات كثيرة تخرج عن الحدّ، حتى أضرّ ذلك بحال جماعة كثيرة، وشرع فى هدم الجميع من شهر ربيع الأوّل إلى يوم تاريخه حتى رمى الأساس، وشرعوا فى بنائها. وتهيّأ الأمير ألطنبغا العثمانى للسّفر حتى خرج من القاهرة قاصدا محلّ كفالته بدمشق فى سادس جمادى الآخرة، ونزل بالرّيدانيّة خارج القاهرة، فقدم الخبر على السلطان بخروج قانى باى «4» نائب الشّام عن الطاعة، وأنه سوّف برسول السلطان من يوم إلى يوم إلى أن تهيّا وركب وقاتل أمراء دمشق وهزمهم إلى صفد، وملك دمشق حسبما نذكره بعد ذكر عصيان النّوّاب، فعظم ذلك على الملك المؤيّد. ثم فى أثناء ذلك ورد الخبر بخروج الأمير طرباى نائب غزّة عن الطّاعة وتوجّهه إلى الأمير قانى باى المحمدى نائب دمشق، فعند ذلك ندب السلطان الأمير يشبك المؤيدىّ المشدّ «5» ومعه مائة مملوك من المماليك السلطانيّة، وبعثه نجدة للأمير ألطنبغا العثمانى، ثم ورد الخبر ثالثا بعصيان الأمير تنبك البجاسىّ نائب حماة وموافقته لقانى باى المذكور، وكذلك الأمير إينال الصّصلانى نائب حلب ومعه جماعة من أعيان

أمراء حلب، والأمير جانى بك الحمزاوىّ نائب قلعة الرّوم، ثم ورد الخبر أيضا بعصيان الأمير سودون من عبد الرحمن نائب طرابلس. ولما بلغ الملك المؤيّد هذا الخبر استعدّ للخروج إلى قتالهم بنفسه. وأما أمر الحفر والجسر الذي عمل [فإنه] «1» لمّا قوى زيادة النيل وتراكمت عليه الأمواج خرق منه جانبا ثم أتى على جميعه وأخذه كأنه لم يكن، وراح تعب النّاس، وما فعلوه من غير طائل «2» . وأما ما وعدنا بذكره من أمر قانى باى المحمدى نائب دمشق: فإنه لما توجّه إليه الأمير جلبّان أمير آخور بطلبه أظهر الامتثال وأخذ ينقل حريمه إلى بيت أستاداره غرس الدين خليل، ثم طلع بنفسه إلى البيت المذكور وهو بطرف القبيبات على أنه متوجّه إلى مصر. فلما كان فى سادس جمادى الآخرة ركب الأمير بيبغا المظفرى أتابك دمشق، وناصر الدين محمد بن إبراهيم بن منجك، وجلبّان الأمير آخور المقدّم ذكره وأرغون شاه، ويشبك الأيتمشىّ فى جماعة أخر من أمراء دمشق «3» يسيرون بسوق خيل دمشق، فبلغهم أن يلبغا كماج كاشف القبلية حضر فى عسكر إلى قريب داريّا «4» ، وأن خلفه من جماعته طائفة كبيرة، وأن قانى باى خرج إليه وتحالفا على العصيان، ثم عاد قانى باى إلى بيت غرس الدين المذكور، فاستعد المذكورون ولبسوا آلة الحرب، ونادوا لأجناد دمشق وأمرائها بالحضور، وزحفوا إلى نحو قانى باى، فخرج إليهم قانى باى بمماليكه وبمن انضمّ معه من أصاغر الأمراء وقاتلهم من بكرة النهار إلى العصر حتى هزمهم، ومرّوا على وجوههم إلى جهة صفد، ودخل قانى باى

وملك مدينة دمشق، ونزل بدار العدل من باب الجابية «1» ، ورمى على القلعة بالمدافع، وأحرق جملون دار السعادة، فرماه أيضا من بالقلعة بالمناجيق والمدافع، فانتقل إلى خان السلطان وبات بمخيّمه وهو يحاصر القلعة، ثم أتاه النواب المقدم ذكرهم، فنزل تنبك البجاسىّ نائب حماة على باب الفرج «2» ، ونزل طرباى نائب غزّة على باب آخر، ونزل على باب الجديد «3» تنبك دوادار قانى باى، وداموا على ذلك مدّة، وهو يستعد وقد ترك أمر القلعة إلى أن بلغه وصول العسكر سار هو والأمراء من دمشق، وكان الأمير ألطنبغا العثمانى بمن معه من أمراء دمشق والعشير «4» والعربان ونائب صفد قد توجّه من بلاد المرج إلى جرود «5» ، فجدّ العسكر فى السير حتى وافوا الأمير قانى باى قد رحل من برزة «6» ، فنزلوا هم برزة، فتقدّم منهم طائفة فأخذوا من ساقته أغناما وغيرها، وتقاتلوا مع أطراف قانى باى، فجرح الأمير أحمد ابن تنم [صهر الملك المؤيد] «7» فى يده بنشّابة أصابته، وجرح معه جماعة أخر، ثم عادوا إلى ألطنبغا العثمانى، وسار قانى باى حتى نزل بسلمية «8» فى سلخه، ثم رحل إلى حماة، ثم رحل منها واجتمع بالأمير إينال الصّصلانى نائب حلب، واتّفقوا جميعا على التوجّه إلى جهة العمق لما بلغهم قدوم السلطان الملك المؤيّد لقتالهم،

وسيّروا أثقالهم، فنادى نائب قلعة حلب بالنّفير العام، فأتاه جلّ أهل حلب، ونزل هو بمن عنده من العسكر الحلبى وقاتل إينال وعساكره فلم يثبتوا، وخرج قانى باى وإينال إلى خان طومان «1» ، وتخطّف العامّة بعض أثقالهم، وأقاموا هناك إلى أن قاتلوا الملك المؤيّد حسبما يأتى ذكره. وأما السلطان الملك المؤيّد فإنه لمّا كان ثانى عشرين جمادى الآخرة خلع على الأمير مشترك القاسمىّ الظاهرىّ باستقراره فى نيابة غزّة عوضا عن طرباى، ثم فى سابع عشرين خلع على الأمير ألطنبغا القرمشىّ الأمير آخور باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية عوضا عن ألطنبغا العثمانى نائب دمشق. ثم فى سلخه خلع على الأمير تنبك العلائىّ الظاهرى المعروف بميق رأس نوبة النّوب باستقراره أمير آخور عوضا عن ألطنبغا القرمشى. ثم فى رابع شهر رجب خلع السلطان على سودون القاضى حاجب الحجّاب باستقراره رأس نوبة النّوب عوضا عن تنبك ميق، وخلع على سودون قراصقل واستقرّ حاجب الحجاب عوضا عن سودون القاضى. وفى حادى عشره سار الأمير آقباى المؤيّدى الدّوادار على مائتى مملوك نجدة ثانية لنائب الشّام ألطنبغا العثمانى. وفى ذلك اليوم دار المحمل على العادة فى كل سنة. ثم فى يوم ثالث عشر شهر رجب المذكور قدم الأمير ناصر الدين محمد بن إبراهيم ابن منجك من دمشق فارّا من قانى باى نائب الشام، فارتجت القاهرة بسفر السّلطان إلى البلاد الشّاميّة، وعظم الاهتمام للسفر. ثم فى رابع عشره أمسك السلطان الأمير جانى بك الصّوفى «2» أمير سلاح وقيّده

وسجنه بالبرج بقلعة الجبل، ثم رسم السلطان للأمراء بالتأهّب للسفر، وأخذ فى عرض المماليك السلطانية وتعيين من يختاره للسّفر، فعيّن من المماليك السلطانية مقدار النّصف منهم فإنه أراد السفر مخفّا، لأن الوقت كان فصل الشتاء والديار المصرية مغلية الأسعار إلى الغاية. ثم فى ثامن عشره أنفق السلطان نفقات السفر، وأعطى كلّ مملوك ثلاثين دينارا إفرنتيّة «1» ، وتسعين نصفا فضة مؤيّدية، وفرّق عليهم الجمال. ثم فى تاسع عشره أمسك الوزير تاج الدين عبد الرّزّاق بن الهيصم وضربه بالمقارع، وأحيط بحاشيته وأتباعه وألزمه بحمل مال كثير. ثم فى حادى عشرينه خلع السلطان على علم الدين أبى كم باستقراره فى وظيفة نظر الدّولة ليسد مهمّات الدّولة مدّة غيبة السلطان. ثم فى يوم الجمعة ثانى عشرين شهر رجب المذكور ركب السلطان بعد صلاة الجمعة [من قلعة الجبل] » بأمرائه وعساكره المعيّنين صحبته للسفر حتى نزل بمخيّمه بالرّيدانية خارج القاهرة، وخلع على الأمير ططر واستقرّ به نائب الغيبة بديار مصر وأنزله بباب السّلسلة، وخلع على الأمير سودون قراصقل حاجب الحجاب وجعله مقيما بالقاهرة للحكم بين الناس، وخلع على الأمير قطلو بغا التّنمىّ وأنزله بقلعة الجبل، وبات السلطان تلك الليلة بالرّيدانية، وسافر من الغد يريد البلاد الشاميّة، ومعه الخليفة وقاضى القضاة ناصر الدين محمد بن العديم الحنفى لاغير. وسار السلطان حتى وصل إلى غزة فى تاسع عشرين شهر رجب المذكور، وسار منها فى نهاره، وكان قد خرج الأمير قانى باى من دمشق فى سابع عشرينه حسبما ذكرناه، ودخل الأمير ألطنبغا العثمانى إلى دمشق فى ثانى شعبان، وقرىء تقليده،

وكان لدخوله دمشق يوما مشهودا، وسار السلطان مجدّا من غزّة حتى دخل دمشق فى يوم الجمعة سادس شعبان، ثم خرج من دمشق بعد يومين فى أثر القوم، وقدّم بين يديه الأمير آقباى الدّوادار فى عسكر من الأمراء وغيرهم كالجاليش، فسار آقباى المذكور أمام السلطان والسلطان خلفه إلى أن وصل آقباى قريبا من تلّ السلطان «1» ، ونزل السلطان على سرمين وقد أجهدهم التّعب من قوّة السّير، وشدّة البرد، فلما بلغ قانى باى وإينال الصصلانى وغيرهما من الأمراء مجىء آقباى خرجوا إليه بمن معهم من العساكر ولقوا آقباى بمن معه من الأمراء والعساكر وقاتلوه فثبت لهم ساعة ثم انهزم أقبح هزيمة، وقبضوا عليه وعلى الأمير برسباى الدّقماقى «2» : أعنى الملك الأشرف الآتى ذكره، وعلى الأمير طوغان دوادار الوالد، وهو أحد مقدّمى الألوف بدمشق، وعلى جماعة كبيرة، وتمزقت عساكرهم وانتهبت، وأتى خبر كسرة الأمير آقباى للسلطان فتخوّف وهمّ بالرّجوع إلى دمشق وجبن عن ملاقاتهم؛ لقلّة عساكره حتى شجّعه بعض الأمراء وأرباب الدولة، وهوّنوا عليه أمر القوم، فركب بعساكره من سرمين وأدركهم وقد استفحل أمرهم، فعند ما سمعوا بمجيء السلطان أنهزموا «3» ولم يثبتوا وولّوا الأدبار من غير قنال خذلانا من الله تعالى لأمر سبق، فعند ذلك اقتحم السلطانيّة عساكر قانى باى وقبض على الأمير إينال الصّصلانى نائب حلب وعلى الأمير تمان تمر اليوسفى المعروف بأرق أتابك حلب، وعلى الأمير جرباش كبّاشة حاجب حجّاب حلب، وفرّقانى باى واختفى. أما سودون من عبد الرحمن نائب طرابلس، وتنبك البجاسىّ نائب حماة، وطرباى نائب غزّة، وجانى بك الحمزاوىّ نائب قلعة الرّوم، والأمير موسى

الكركرىّ أتابك طرابلس وغيرهم [فقد] «1» ساروا على حميّة إلى جهة الشّرق قاصدين قرا يوسف صاحب بغداد وتبريز «2» . ثم ركب الملك المؤيّد ودخل إلى حلب فى يوم الخميس رابع عشر شهر رجب وظفر بقانى باى «3» فى اليوم الثالث من الوقعة، فقيّده ثم طلبهم الجميع، فلما مثلوا بين يدى السلطان قال لهم السلطان: قد وقع ما وقع فالآن أصدقونى، من كان اتّفق معكم من الأمراء؟ فشرع قانى باى يعدّ جماعة، قهره إينال الصّصلانى وقال: يكذب يا مولانا السلطان، أنا أكبر أصحابه فلم يذكر لى واحدا من هؤلاء فى مدّة هذه الأيّام، وكان يمكنه أنّه يكذب علىّ وعلى غيرى بأن معه جماعة من المصريّين ليقوّى بذلك قلوب أصحابه فلم يذكر لنا شيئا من ذلك، فكل ما قاله فى حقّ الأمراء زور وبهتان، ثم التفت إينال إلى قانى باى وقال له: بتنميق كذبك تريد تخلص من السيف، هيهات ليس هذا ممّن يعفو عن الذّنب، ثم تكلّم إينال المذكور بكلام طويل مع السّلطان معناه أننا خرجنا عليك نريد قتلك فافعل الآن ما بدا لك، فعند ذلك أمر بهم الملك المؤيّد فردّوا إلى أماكنهم وقتلوا- من يومهم- الأربعة: قانى باى، وإينال وتمان تمر أرق، وجرباش كبّاشه، وحملت رءوسهم إلى الديار المصرية على يد الأمير يشبك «4» شاد الشّرابخاناه، فرفعوا على الرّماح ونودى عليهم بالقاهرة: هذا جزاء من خامر على السلطان، وأطاع الشيطان وعصى الرحمن، ثم علّقوا على باب زويلة أيّاما ثم حملوا إلى الإسكندرية فطيف بهم أيضا هناك، ثم أعيدت الرّءوس إلى القاهرة وسلّمت إلى أهاليها. ثم خلع السلطان على الأمير آقباى المؤيّدى «5» الدّوادار بنيابة حلب عوضا عن

إينال الصّصلانى، وعلى الأمير يشبك شادّ الشّرابخاناه بنيابة طرابلس عوضا عن سودون من عبد الرحمن، وعلى الأمير جارقطلو بنيابة حماة عوضا عن إنّيّه «1» تنبك البجاسى. وأخذ السلطان فى تمهيد أمور حلب مدّة، ثم خرج منها عائدا إلى جهة الشام حتى نزل بحماة، وعزم على الإقامة بها حتى ينفصل فصل الشتاء، فأقام بها أيّاما حتى بلغه عن القاهرة غلوّ الأسعار واضطراب الناس بالديار المصرية لغيبة السلطان، وفتنة العربان، فخرج من حماة وعاد حتى قدم إلى دمشق وأمسك بها سودون القاضى رأس نوبة النّوب، وخلع على الأمير بردبك قصقا واستقرّ به عوضه رأس نوبة النّوب، وسجن سودون القاضى بدمشق. ثم خرج السلطان منها يريد الديار المصرية إلى أن قاربها فنزل المقام الصارمى إبراهيم ابن السلطان من قلعة الجبل، وسار إلى لقاء والده ومعه الأمير كزل العجمى أمير جاندار «2» ، وسودون قراصقل حاجب الحجاب فى عدّة من المماليك السلطانية حتى التقاه، وعاد صحبته حتى نزل السلطان على السّماسم «3» شمالى خانقاه سرياقوس فى يوم الخميس رابع عشر ذى الحجة من سنة ثمانى عشرة وثمانمائة. وركب فى الليلة المذكورة إلى أن نزل بخانقاه سرياقوس، وعمل بها مجتمعا بالقراء والصّوفية، وجمع فيه نحو عشر جوق من أعيان القرّاء، وعدّة من المنشدين أصحاب الأصوات الطيّبة، ومدّ لهم أسمطة جليلة ثم بعد فراغ القرّاء والمنشدين أقيم السماع فى طول الليل، ورقصت أكابر الفقراء الظّرفاء وجماعة من أعيان ندمائه بين يديه الليل كله نوبة، وهو جالس معهم كأحدهم، هذا وأنواع الأطعمة والحلاوات تمدّ شيئا

بعد شىء بكثرة، والسّقاة تطوف على الحاضرين بالمشروب من السّكّر المذاب، فكانت ليلة تعدّ من الليالى الملوكية لم يعمل بعدها مثلها. ثم أنعم على القرّاء والمنشدين بمائة ألف درهم، وركب بكرة يوم السبت سادس عشر ذى الحجة المذكورة من الخانقاه حتى نزل بطرف الرّيدانيّة، فأقام بها ساعة ثم ركب وشقّ القاهرة حتى طلع إلى القلعة من يومه، وقد زيّنت له القاهرة أحسن زينة، فكان لقدومه إلى الديار المصرية يوما من الأيّام المشهودة. وبعد طلوعه إلى القلعة أصبح من الغد نادى بالقاهرة بالأمان، وأن الأسعار بيد الله تعالى، فلا يتزاحم أحد على الأفران، ثم تصدّى السلطان بنفسه للنظر فى الأسعار. وعمل معدّل القمح، وقد بلغ سعر الإردب منه أزيد من ستمائة درهم إن وجد، والإردب الشعير إلى أربعمائة درهم، فانحطّ السّعر لذلك قليلا، وسكن روع الناس؛ لكون السلطان ينظر فى مصالحهم، فلهذا وأبيك العمل «1» ، ولعل الله سبحانه وتعالى أن يغفر للمؤيّد ذنوبه بهذه الفعلة؛ فإن ذلك هو المطلوب من الملوك، وهو حسن النظر فى أحوال رعيتهم- انتهى. ثم فى يوم الاثنين خامس عشرينه خلع السلطان على الأمير جقمق الأرغون شاوىّ الدّوادار الثانى باستقراره دوادارا كبيرا «2» عوضا عن الأمير آقباى المؤيّدى المنقول إلى نيابة حلب، وخلع على الأمير يشبك الجكمىّ باستقرارة دوادارا ثانيا عوضا عن جقمق. قلت: وكان الدّوادار الثانى يوم ذاك لا يحكم بين الناس «3» ، وليس على بابه نقباء، وكذلك الرّأس نوبة الثانى، وأوّل من حكم ممن ولى هذه الوظيفة قرقماس الشّعبانى، وممن ولى رأس نوبة ثانى آقبردى المنقار- انتهى.

ما وقع من الحوادث سنة 819

ثم أمر السلطان الملك المؤيد بالنداء بمنع المعاملة بالدنانير الناصرية، وقد تزايد سعر الذّهب حتى بلغ المثقال الذهب إلى مائتين وستين درهما والناصرى إلى مائتين وعشرة، فرسم السلطان بأن يكون سعر المثقال الذهب بمائتين وخمسين والإفرنتى بمائتين وثلاثين، وأن تنقص الناصرية ويدفع فيها من حساب مائة وثمانين درهما الدينار. [ما وقع من الحوادث سنة 819] ثم فى أوّل محرم سنة تسع عشرة وثمانمائة دفع السلطان للطّواشىّ فارس الخازندار مبلغا كبيرا وأمره أن ينزل إلى القاهرة ويفرّقه فى الجوامع والمدارس والخوانق «1» ، فتوسّع الناس بذلك، وكثر الدعاء له، ثم فرّق مبلغا كبيرا أيضا على الفقراء والمساكين فأقلّ ما ناب الواحد من المساكين خمسة مؤيدية فضة عنها خمسة وأربعون درهما، فشمل برّه عدّة طوائف من الفقراء والضّعفاء والأرامل وغيرهم، فكان جملة ما فرّقه فى هذه النوبة الأخيرة أربعة آلاف دينار «2» ، فوقع تفرقة هذا المال من الفقراء موقعا عظيما. هذا والغلاء يتزايد بالقاهرة وضواحيها، والسلطان مجتهد فى إصلاح الأمر لا يفتر عن ذلك، وأرسل الطواشىّ مرجان الهندىّ الخازندار إلى الوجه القبلى بمال كثير ليشترى منه القمح ويرسله إلى القاهرة توسعة على الناس، ثم أخذ السلطان [فى] «3» النظر فى أحوال الرّعيّة بنفسه وماله حتى إنه لم يدع لمحتسب القاهرة فى ذلك أمرا، فمشى الحال بذلك، وردّ رمق الناس- سامحه الله تعالى وأسكنه الجنة. ثم فى أوّل صفر من سنة تسع عشرة المذكورة أمر السلطان بعزل جميع نوّاب القضاة الأربعة، وكان عدتهم يومئذ مائة وستة وثمانين قاضيا بالقاهرة سوى من بالنواحى، وصمّم السلطان على أنّ كل قاض يكون له ثلاثة نوّاب لا غير، هؤلاء كفاية للقاهرة وزيادة «4» . قلت: وما كان أحسن هذا لو دام أو استمرّ، وقد تضاعف هذا البلاء

فى زماننا حتى خرج عن الحدّ، وصار لكل قاض عدّة كبيرة من النّوّاب- انتهى. ثم فشا الطاعون فى هذا الشهر بالقاهرة، ووقع الاهتمام فى عمارة الجامع المؤيّدىّ بالقرب من باب زويلة، وكان قبل ذلك عمله على التراخى، ثم تكلّم أرباب الدولة مع السلطان فى عود نوّاب القضاة، وأمعنوا فى ذلك، وقد وعدوا بمال كثير، فرسم السلطان بجمع القضاة الثلاثة، وكان قاضى القضاة علاء الدين بن مغلى الحنبلىّ مسافرا بحماة، وتكلّم معهم فيما رسم به، وصمّم على ذلك- رحمه الله. وأرباب وظائفه الظّلمة البلاصيّة «1» تمعن فى الكلام معه [فى ذلك] «2» ، ولا زالوا به بعد أن خوّفوه بوقوف حال الناس من قلّة النوّاب، وأشياء غير ذلك إلى أن استقرّ الحال على أن يكون نوّاب القاضى الشافعى عشرة، ونوّاب القاضى الحنفى خمسة، ونوّاب القاضى المالكى أربعة، وانفضّ المجلس على هذا بعد أن عجز مباشر والدّولة فى أن يسمح بأكثر من ذلك، وبعد خروج القضاة من المجلس ضمن لهم بعض أعيان الدّولة من المباشرين الظّلمة العواتية- عليه من الله ما يستحقّه- بردّ جماعة أخر بعد حين. هذا والناس فى غاية السّرور [بما حصل] «3» ، من منع القضاة للحكم بين الناس. ثم خلع السلطان على الأمير قطلوبغا باستقراره فى نيابة الإسكندرية عوضا عن آقبردى المنقار بحكم عزله، وكان قطلوبغا هذا ممن أنعم عليه الأمير تمربغا الأفضلى المدعو منطاش بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية.

ثم أخرج الملك الظاهر برقوق إقطاعه وجعله بطّالا سنين طويلة حتى افتقر وطال خموله، واحتاج إلى السؤال، إلى أن طلبه الملك المؤيّد من داره وولّاه نيابة الإسكندرية من غير سؤال. قلت: وهذه كانت عادة ملوك السّلف أن يقيموا من حطّه الدهر، وينتشلوا ذوى البيوتات من الرّؤساء وأرباب الكمالات. وقد ذهب ذلك كلّه وصار لا يترقىّ فى الدّول إلا من يبذل المال، ولو كان من أوباش السّوقة لشره الملوك فى جمع الأموال- ولله درّ المتنبى حيث يقول: [الطويل] ومن ينفق الساعات فى جمع ماله ... مخافة فقر فالذى فعل الفقر حدّثنى بعض من حضر قطلوبغا المذكور لمّا طلبه المؤيّد ليستقرّ به فى نيابة الإسكندرية. فعند حضوره قال له السلطان: أولّيك نيابة الإسكندرية، فمسك قطلوبغا المذكور لحيته البيضاء وقال: يا مولانا السلطان أنا لا أصلح لذلك، وإنما أريد شبع بطنى وبطن عيالى. يظن أن السلطان يهزأ به، فقال له السلطان: لا والله إنما قولى «1» على حقيقته، ثم طلب له التّشريف وأفاضه عليه، وأمدّه بالخيل والقماش- انتهى. ثم فى ثانى عشر شهر ربيع الأوّل أمسك السلطان الأستادار بدر الدين حسن بن محب الدين بعد أن أوسعه سبّا، وعوّقه نهاره بقلعة الجبل حتى شفع فيه الأمير جقمق الدّوادار على أن يحمل ثلاثمائة ألف دينار، فأخذه جقمق ونزل به إلى داره

ثم أرسل السلطان تشريفا إلى فخر الدين عبد الغنى بن أبى الفرج وهو كاشف الوجه البحرى باستقراره أستادارا عوضا عن ابن محب الدين المقدّم ذكره، ثم تقرّر الحال على ابن محب الدين أنه يحمل مائة ألف دينار وخمسين ألف دينار بعد ما عوقب وعصر فى بيت الأمير جقمق عصرا شديدا، ثم نقل من بيت جقمق إلى بيت فخر الدين بن أبى الفرج، فتسلمه فخر الدين المذكور عند ما حضر إلى القاهرة. هذا وقد ارتفع الطاعون بالديار المصرية، وظهر بالبلاد الشاميّة. ثم فى سابع جمادى الآخرة من سنة تسع عشرة المقدّم ذكرها أمر السلطان أن الخطباء إذا أرادوا الدّعاء للسلطان على المنبر فى يوم الجمعة [أن] «1» ينزلوا درجة ثم يدعوا للسلطان حتى لا يكون ذكر السلطان فى الموضع الذي يذكر فيه اسم الله عزّ وجلّ واسم نبيّه صلى الله عليه وسلم؛ تواضعا لله تعالى، ففعل الخطباء «2» ذلك، وحسن هذا ببال الناس إلى الغاية، وعدّت هذه الفعلة من حسناته- رحمه الله. تم تكرّرت صدقات السلطان فى هذه السنة مرارا عديدة على نقدات متفرقة. هذا وقد ألزم السلطان مباشرى الدّوله بالرّخام الجيّد لأجل جامعه، فطلب الرّخام من كل جهة، حتى أخذ من البيوت والقاعات والأماكن التى بالمفترجات، ومن يومئذ عزّ الرخام بالديار المصرية لكثرة ما احتاجه الجامع المذكور من الرّخام؛ لكبره وسعته، وهو أحسن جامع بنى بالقاهرة فى الزّخرفة والرّخام لا فى خشونة العمل والإمكان، وقد اشتمل ذلك جميعه فى مدرسة السلطان حسن بالرّميلة، ثم فى مدرسة الملك الظاهر برقوق ببين القصرين، ولم يعب على الملك المؤيد فى شىء من بناء هذا الجامع إلا أخذه باب مدرسة السّلطان حسن والتّنّور الذي كان به، وكان اشتراهما السلطان حسن بخمسمائة دينار، وكان يمكن الملك المؤيد أن يصنع أحسن منهما لعلوّ همّته؛ فإن فى ذلك نقص مروءة وقلة أدب من جهات عديدة.

ما وقع من الحوادث سنة 820

وكان وعدنى بعض أعيان المماليك المؤيديّة أنه إن طالت يده فى التحكّم أن يصنع بابا وتنورا للجامع المؤيّدى المذكور أحسن منهما، ثم يردهما إلى مكانهما من مدرسة السلطان حسن، فقبضه الله قبل ذلك- رحمه الله تعالى. وكان نقل هذا الباب والتّنور من مدرسة السلطان حسن إلى مدرسة الملك المؤيد فى يوم الخميس سابع عشرين شوال من السنة المذكورة. [ما وقع من الحوادث سنة 820] ثم بدا للسلطان الملك المؤيد السفر إلى البلاد الشاميّة؛ لما اقتضاه رأيه، وعلّق جاليش السّفر «1» فى يوم الاثنين خامس المحرّم من سنة عشرين وثمانمائة، وهذه سفرة الملك المؤيد شيخ الثالثة إلى البلاد الشامية من يوم تسلطن؛ فالأولى فى سنة سبع عشرة وثمائمائة لقتال الأمير نوروز الحافظىّ نائب الشام، والثانية فى سنة ثمانى عشرة [وثمانمائة] «2» لقتال الأمير قانى باى المحمدى نائب الشام، وهذه سفرته الثالثة. وتجهّز السلطان للسفر وأمر أمراءه وعساكره بالتّجهيز، فلما كان خامس عشر المحرم جلس السلطان لتفرقة النّفقات، فحمل إلى كل من أمراء الألوف ألفى دينار، وأعطى لكلّ مملوك من المماليك السلطانية ثمانية وأربعين دينارا صرفها يوم ذاك عشرة آلاف درهم «3» . وبينما السلطان يتهيّأ للسفر قدم عليه الخبر فى ثالث عشرين المحرّم بوصول الأمير آقباى المؤيدى نائب حلب إلى قطيا فى ثمانى هجن، فكثرت الأقوال فى مجيئه على هذه الهيئة، ورسم السلطان بتلقّيه، فسار إليه الأمراء وأرباب الدولة إلى خانقاه سرياقوس، وجهّز له السلطان فرسا بسرج ذهب وكنبوش «4» زركش،

وكامليّة «1» مخمل بفرو سمّور بمقلب سمّور، وقدم آقباى المذكور من الغد فى يوم السبت رابع عشرين المحرم، فلامه السلطان ووبّخه وعنّفه على حضوره إلى القاهرة فى هذه المدّة اليسيرة على هذا الوجه من غير أمر يستحقّ ذلك، فإنه سار من حلب إلى مصر فى أقل من عشرة أيام، فاعتذر آقباى، إنما أحوجه لذلك ما أشيع عنه فى عزم الخروج عن الطاعة، تم استغفر ممّا وقع منه فخلع عليه السلطان باستقراره فى نيابة دمشق عوضا عن الأمير ألطنبغا العثمانى، ورسم السلطان للأمير آقبغا التّمرازىّ أمير آخور ثانى بالتوجّه إلى الشام ليقبض على [ألطنبغا] «2» العثمانى ويودعه بسجن قلعة دمشق، والحوطة على موجوده ثم خلع السلطان على الأمير قجقار القردامىّ أمير سلاح باستقراره فى نيابة حلب عوضا عن آقباى المذكور، وأنعم السلطان بإقطاع قجقار على الأمير بيبغا المظفرى أمير مجلس. ثم خرجت مدوّرة «3» السلطان إلى الرّيدانية خارج القاهرة، ودخل المحمل فى ذلك اليوم إلى القاهرة صحبة أمير حاج المحمل الأمير أزدمر من على جان المعروف بأزدمر شايا. ثم فى خامس عشرين المحرم المذكور ركب السلطان من قلعة الجبل بأمرائه وعساكره ونزل بمخيّمه بالرّيدانية «4» خارج القاهرة تجاه مسجد التّبن، وخلع على الشيخ شمس الدين محمد بن يعقوب التّبّانى باستقراره فى حسبه القاهرة «5» ، وعزل عنها منكلى بغا العجمى الحاجب ثم فى سابع عشرينه خلع السلطان على الأمير آقباى نائب الشام خلعة السفر وسافر من يومه جريدة «6» على الخيل، ثم خلع السلطان على الأمير طوغان أمير آخور السلطان

قديما باستقراره فى نيابة الغيبة، وعلى الأمير أزدمر من على جان المعروف شايا المقدم ذكره بنيابة قلعة الجبل، وأقرّ عدّة أمراء أخر بالديار المصرية، ثم خلع السلطان على الأمير قجقار القردمىّ نائب حلب خلعة السفر، وسار أيضا من يومه، ثم تقدّم جاليش السلطان أمامه فيه جماعة من الأمراء، ومقدّم الجميع ولده المقام الصّارمىّ إبراهيم. ثم سار السلطان ببقية عساكره من الرّيدانيّة فى يوم الثلاثاء رابع صفر يريد البلاد الشّامية، وصحبته الخليفة والقضاة الأربعة، ومعه أيضا من ورد عليه من القصّاد فى السنة الخالية، وهم جماعة: قاصد قرا يوسف صاحب بغداد وغيرها من العراق، وقاصد سليمان ابن عثمان صاحب الرّوم، وقاصد بير عمر صاحب أرزنكان، وقاصد بن رمضان. وتأخر بالقاهرة الأستادار فخر الدين بن أبى الفرج، والصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله ناظر الخواص. ورسم طوغان نائب الغيبة بأمر السلطان بهدم البيوت التى فوق البرج المجاورة لباب الفتوح «1» من القاهرة ليعمل ذلك سجنا لأرباب الجرائم عوضا عن خزانة شمائل التى كانت موضع المدرسة المؤيّدية، وسمى هذا السجن بالمقشرة «2» . وأما السلطان فإنه سار حتى دخل دمشق فى أوّل شهر ربيع الأول بعد أن مات الأمير آقبردى المؤيدى المنقار أحد مقدّمى الألوف بطريق دمشق، وكان خرج من القاهرة مريضا فى محفّة، وأنعم السلطان بإقطاعه على الأمير سودون القاضى بعد أن أخرجه من السجن. ثم كتب الأمير طوغان نائب الغيبة يعرّف السلطان بموت فرج ابن الملك الناصر فرج فى يوم الجمعة سادس عشرين شهر ربيع الأول مسجونا بثغر الإسكندرية، وقد

ناهز الاحتلام، وبموته انكسرت حدّة المماليك الظاهرية والناصرية، وكان فى كل قليل يكثر الكلام بأن المماليك الظاهرية يثورون وينصّبونه فى السلطنة، وكانوا لا يزالون يتربّصون الدوائر لأجل ذلك، فبطل عزمهم بموته. وأقام السلطان بدمشق أيّاما، ثم خرج منها يريد حلب، وسار حتى وصل تلّ السلطان، فتقدّم وصفّ الأطلاب بنفسه- وكان إماما فى هذا الشأن، ومعرفة التعبئة للعساكر- فرتّب أطلاب الأمراء أوّلا كل واحد فى منزلته، وليس ذلك بمنزلته فى الجلوس بين يدى السلطان، وإنما بحسب وظيفته؛ فإنّ لكل صاحب وظيفة منزلة يمشى طلبه فيها أمام طلب السلطان- أخذت أنا هذا العلم عن آقبغا التّمرازىّ وعن السّيفى طرنطاى الظاهرىّ شادّ القصر السلطانى- انتهى. ثم سار السلطان أمام طلبه فى يوم السبت حادى عشرين شهر ربيع الأوّل عند انشقاق الفجر، ومرّ بطلبه من ظاهر حلب ومعهم جميع الأمراء بأطلابهم حتى نزل بالمسطبة الظاهرية فى المخيّم، ومرّ من داخل مدينة حلب نائب الشام ونائب طرابلس، ونائب حماة، ونائب صفد، ونائب غزّة وعدّة كبيرة من التّركمان والعربان حتى خرجوا من الباب الآخر، فهال الناس هذه الرّؤية الغريبة؛ من كثرة العساكر التى قدمت حلب من ظاهرها وباطنها، وأقام السلطان بمخيّمه بالمسطبة أيّاما ينتظر عود القصّاد الذين وجّههم للأطراف. ثم فى يوم الاثنين ثالث عشرين شهر ربيع الأوّل جلس السلطان بالميدان وعمل به الموكب السّلطانى، وحضره نوّاب البلاد الشّاميّة والعساكر المصرية، فجلس عن يمين السلطان الأتابك ألطنبغا القرمشىّ، وتحته آقباى المؤيّدى نائب الشام، ثم بيبغا المظفرى أمير مجلس، ثم يشبك المؤيّدى نائب طرابلس، ثم جماعة كلّ واحد فى رتبته، وجلس عن يسار السلطان ولده المقام الصّارمىّ إبراهيم، ثم قجقار القردمىّ نائب حلب، ثم تنبك العلائى ميق الأمير آخور الكبير، ثم جارقطلو

نائب حماة، ثم بردبك قصقا رأس نوبة النّوب، ثم الأمير ططر، ثم جماعة أخر كلّ واحد فى منزلته. ثم عيّن السلطان الأمير آقباى نائب الشام والأمير جار قطلو نائب حماة ومعهما خمسمائة ماش من التّركمان الأوشرية «1» والإيناليّة «2» وفرقة من عرب آل موسى ليتوجّه الجميع إلى جهة ملطية لإخراج حسين بن كبك منها، ثم إلى كختا «3» وكركر «4» ، ثم قدّم السلطان الجاليش بين يديه؛ وفيه الأتابك ألطنبغا القرمشى؛ ويشبك اليوسفىّ المؤيدى نائب طرابلس؛ وخليل الدّشارى التّبريزىّ نائب صفد فى عدة أخر من أمراء مصر، فصاروا إلى جهة العمق، ثم ركب السلطان ودخل مدينة حلب وأقام بها إلى أن ركب منها فى بكرة يوم الاثنين ثانى شهر ربيع الآخر وسار إلى جهة العمق على درب الأتارب «5» ، فقدم عليه بالمنزلة المذكورة قاصد الأمير ناصر الدين بك بن قرمان بهديّة وكتاب يتضمن أنه ضرب السّكّة المؤيدية ودعا للسلطان فى الخطبة بجميع معاملته، وبعث من جملة الهدية طبقا فيه جملة دراهم بالسّكة المؤيدية، فعنّف السلطان رسوله ووبّخه وعدّد له خطأ مرسله من تقصيره فى الخدمة، وذكر له ذنوبا كثيرة، فاعتذر الرسول عن ذلك كلّه، وسأل السلطان الصفح عنه، فقال السلطان: إنى ما سرت وتكلفت هذه الكلفة العظيمة إلا لأجل

طرسوس لا غير، ثم فرّق الدراهم على الحاضرين، وصرف الرسول إلى جهة نزل فيها. وعمل السلطان الخدمة فى يوم السبت سابع شهر ربيع الآخر بالعمق، وحلف التّركمان على طاعته، وأنفق فيهم الأموال، وخلع عليهم نحو مائتى خلعة، وألبس إبراهيم بن رمضان الكلفتة «1» ، وخلع عليه. ثم تقرّر الحال على أن قجقار القردمىّ نائب حلب يتوجّه بمن معه إلى مدينة طرسوس، ويسير السلطان على مدينة مرعش إلى أبلستين ويتوجّه رسول ابن قرمان بجوابه ويعود إلى السلطان فى مستهلّ جمادى الأولى بتسليم طرسوس، فإن لم يحضر مشى السلطان على بلاده، فسار الرسول صحبة نائب حلب إلى طرسوس، وسار السلطان إلى أبلستين فنزل بالنهر الأبيض فى حادى عشره، فقدم عليه كتاب قجقار القردمىّ نائب حلب بأنه لما نزل بغراس قدم عليه خليفة الأرمن وأكابر الأرمن وعلى يدهم مفاتيح قلعة سيس «2» ، وأنه جهّزهم إلى السلطان، فلما مثلوا بين يدى السلطان خلع عليهم وأعادهم إلى القلعة بعد أن ولّى نيابة سيس للشيخ أحمد أحد أمراء العشرات بحلب، ثم رحل السلطان حتى نزل بمنزلة كوخيك «3» ، فقدم عليه بها كتاب آقباى نائب الشام بأن حسين بن كبك أحرق ملطية، وأخذ أهلها وفرّ منها فى سابع عشر شهر ربيع الأوّل، وأنه نزل بملطية وشاهد ما بها من الحريق، وأنّه لم يتأخّر بها إلا الضعيف العاجز، وأن فلّاحى بلادها نزحوا بأجمعهم عنها، وأن ابن كبك نزل عند مدينة دوركى «4» ، فندبه السلطان أن يسير خلفه حيث سار، ثم أمر السلطان ولده المقام

الصّارمى إبراهيم ليتوجّه إلى أبلستين ومعه الأمير جقمق الأرغون شاوى الدّوادار، وجماعة من الأمراء لكبس الأمير ناصر الدين محمد بن دلغادر، فساروا مجدّين فصابحوا أبلستين وقد فرّ منها ابن دلغادر، وأجلى البلاد من سكانها، فجدّوا فى السّير خلفه ليلا ونهارا حتى نزلوا بمكان يقال له كل ولى «1» فى يوم خامس عشره وأوقعوا بمن فيه من التّركمان، وأخذوا بيوتهم وأحرقوها، ثم مضوا إلى خان السلطان «2» ، فأوقعوا أيضا بمن كان هناك وأحرقوا بيوتهم وأخذوا من مواشيهم شيئا كثيرا، ثم ساروا إلى مكان يقال له صاروس «3» ففعلوا بهم كذلك، وباتوا هناك، ثم توجهوا يوم سادس عشره فأدركوا ناصر الدين بك بن دلغادر وهو سائر بأثقاله وحريمه فتتبّعوه وأخذوا أثقاله وجميع ما كان معه، ونجا ابن دلغادر بنفسه على جرائد الخيل، ووقع فى قبضتهم عدة من أصحابه، ثم عادوا إلى السلطان بالغنائم، ومن جملتها مائة جمل بختىّ «4» وخمسمائة جمل نفر «5» ، ومائة فرس، هذا سوى ما نهب وأخذه العسكر من الأقمشة الحرير، والأوانى الفضية ما بين بلّور وفضّيّات وبسط وفرش، وأشياء كثيرة لا تدخل تحت حصر، فسرّ السلطان بذلك، وصار السلطان يتنقّل فى مراعى أبلستين حتى قدم عليه آقباى نائب الشام بعد أن سار فى أثر حسين ابن كبك إلى أن بلغه أنه دخل إلى بلاد الروم، وبعد أن قرّر أمر ملطية بعود أهلها إليها، وبعد أن جهّز الأمير جارقطلو نائب حماة، ومعه نائب ألبيرة «6» ، ونائب قلعة

الرّوم، ونائب عينتاب «1» فى عدّة من الأمراء إلى كختا وكركر، فنازلوا القلعتين، وقد أحرق نائب كختا أسواقها وتحصّن بقلعتها، فبعث السلطان إليهم نجدة فيها ألف ومائتا ماش، ثم قدم كتاب ناصر الدين بك بن دلغادر على السلطان يسأل العفو «2» عنه على أن يسلّم قلعة درندة «3» فأجيب إلى ذلك. وأما قجقار القردمىّ نائب حلب فإنه لما توجّه إلى طرسوس قدّم بين يديه إليها الأمير شاهين الأيد كارى متولّيها من قبل السلطان، فوجد ابن قرمان قد بعث «4» نجدة إلى نائبه بها، وهو الأمير مقبل، فلما بلغ مقبلا المذكور مجىء العساكر السلطانية إليه امتنع بقلعتها، فنزل شاهين الأيدكارى وقجقار القردمىّ عليها. وكتب قجقار إلى السلطان بذلك، فأجابهم السلطان بالاهتمام فى حصارها، وحرّضهم على ذلك، فلا زالوا على حصارها حتى أخذوها بالأمان فى يوم الجمعة ثامن عشر شهر ربيع الأوّل، وسجنوا مقبلا وأصحابه. ثم انتقل السلطان إلى منزلة سلطان قشّى «5» ، فقدم عليه بها قاصد الأمير على بك بن دلغادر بهديّة، ثم قدم ناصر الدين بك بن دلغادر مع ولده وصحبته كواهى «6» ومفاتيح قلعة درندة، فأضاف السلطان نيابة أبلستين إلى على بك بن دلغادر مع ما بيده من نيابة مرعش، ثم ركب السلطان ليرى درندة، وسار إليها على جرائد الخيل حتى نزل عليها وبات بظاهرها فامتنعت عليه، صبح فرتّب الأمير آقباى

نائب الشام فى إقامته عليها، وأردفه بآلات الحصار والصّنّاع من الزّردخاناه السلطانية، وعاد السلطان إلى مخيّمه فوصل إليه فى تلك الليلة مفاتيح قلعة خندروس من مضافات درندة، ثم ركب السلطان من الغد وبات على سطح العقبة المطلّة على درندة، فلما أصبح ركب بعساكره وعليهم السلاح، ونزل بمخيّمه على قلعة درندة وهى فى شدّة من قوة الحصار، فلما رأى من بها أن السلطان نزل عليهم طلبوا الأمان فأمّنهم ونزلوا بكرة يوم الجمعة، وفيهم داود ابن الأمير محمد بن قرمان، فألبسه السلطان تشريفا، وأركبه فرسا بقماش ذهب، وخلع على جماعته، واستولى السلطان على القلعة، وخلع على الأمير ألطنبغا الجكمىّ أحد رءوس النّوب باستقراره فى نيابة درندة، وأنعم عليه بأربعة آلاف دينار غير السلاح، وخلع على الأمير منكلى بغا الأرغون شاوى أحد أمراء الطّبلخانات بالديار المصرية بنيابة ملطية ودوركى، وأنعم عليه بخمسة آلاف دينار، ثم طلع السلطان إلى قلعة درندة وأحاط بها علما، ثم أرتحل عنها بعد أن مهّد البلاد التى استولى عليها، وعمل مصالحها، وسار حتى نزل على النّهر من غربى أبلستين بنحو مرحلة، فأقام هناك أربعة أيام ليمكّن كلّ من ولى نيابة على عمله ورجوع أهل بلده إليه، ثم رحل ونزل على أبلستين يريد التوجّه إلى بهسنا وكختا وكركر، وأعاد من هناك حمزة بن على بك بن دلغادر إلى أبيه، وجهّز له راية حمراء من الكمخا «1» الإسكندرانى، ونفقة وطبلخاناه. وكان الأمير آقباى سار إلى بهسنا فقدم الخبر على السلطان من الأمير آقباى بأنه كتب إلى الأمير طغرق بن داود بن إبراهيم بن دلغادر المقيم بقلعة بهسنا يرغّبه فى الطاعة، ويدعوه إلى الحضور إلى الحضرة الشريفة، فاعتذر من حضوره بخوفه على نفسه، فما زال به حتى سلّم القلعة وحضر إليه، فلما كان سادس عشر جمادى الآخرة

قدم الأمير آقباى ومعه الأمير طغرق ومن كان معه بالقلعة، وقد قارب السلطان فى مسيره حصن منصور «1» ، فخلع السلطان على طغرق ومن معه، وأنعم عليهم، وأنزل طغرق بخام ضرب له، ونزل السلطان بحصن منصور فورد عليه الخبر بنزول قجقار القردمى على كركر وكختا، وقدم أيضا قاصد قرايلك صاحب آمد «2» من ديار بكر «3» بهدية فقبلها السلطان، وخلع عليه. ثم قدم فيه أيضا رسول الملك العادل صاحب حصن كيفا «4» بهدية فقبلها السلطان أيضا، فلما كان الغد رحل السلطان ونزل شمالى حصن منصور قريبا من كختاوكركر، وأردف نائب حلب بالأمير جارقطلو نائب حماة وبجماعة من أمراء مصر والشام. وبعث الأمير يشبك اليوسفى نائب طرابلس لمنازلة كختا، وخلع على الأمير منكلى خجا الأرغون شاوى بنيابة قلعة الرّوم عوضا عن الأمير أبى بكر بن بهادر البابيرى الجعبرى، وخلع على الأمير كمشبغا الرّكنى بنيابة بهسنا عوضا عن الأمير طغرق بن دلغادر، ثم قدم جواب الأمير قرا يوسف، وقرا محمد صحبة القاضى حميد الدين قاضى عسكره، وكتاب شاه أحمد بن قرا يوسف صاحب بغداد من قبل أبيه، وكتاب ببر عمر صاحب أرزنكان «5» بهدية جليلة من قرا يوسف، فأنزل حميد الدين المذكور بمخيّمه، وأجرى عليه ما يليق به. ثم رحل السلطان حتى نزل على كختا وحصر قلعتها وقد نزح أهل كختا

ومعامليها عنها، فنصب المدافع للرّمى على القلعة ورمى عليها، وبينهما هو فى ذلك ورد الخبر على السلطان بقرب قرا يوسف قاصدا قرايلك، فبادر قرايلك وجهّز ابنه حمزة صحبة نائبه شمس الدين أميرزة بهدية من خيل وشعير وسأل الاعتناء به، فأكرم السلطان ولده ونائبه، وقدم أيضا قاصد طرعلى نائب الرّها «1» ، وقاصد الأمير محمد بن دولت شاه صاحب آكل من ديار بكر ومعه مفاتيح قلعتها، فقبلها السلطان، ثم أعادها إليه ومعها تشريف له بنيابتها. ولما اشتد الحصار على قلعة كختا وفرغ النقّابون من النقب ولم يبق إلا إلقاء النار فيها طلب قرقماس نائبها شمس الدين أميرزة نائب قرايلك فبعثه السلطان إليه، وتردّد المذكور بينه وبين السلطان غير مرّة إلى أن بعث قرقماس ولده رهنا على أنّه بعد رحيل السلطان عنه ينزل ويسلّمها «2» لهم، فأمره السلطان بتسليمها، ورحل السلطان إلى جهة كركر وترك الأمير جقمق الدوادار على كختا، وسارت أثقال السلطان إلى عينتاب فنازل السلطان كركر. ونصب عليها منجنيقا يرمى بحجر زنته ما بين الستين والسبعين رطلا بالدمشقى، وكان ذلك فى يوم الجمعة تاسع عشرين من جمادى الآخرة. فلما كان أوّل شهر رجب قدم الخبر على السلطان من الأمير جقمق بنزول قرقماس من قلعة كختا ومعه حريمه وتسلّمها نوّاب السلطان، وأنه توجّه ومعه قرقماس المذكور إلى حلب، ثم قدم الخبر على السلطان من الأمير منكلى بغا نائب ملطية بأن طائفة من عسكر قرا يوسف نزلوا تحت قلعة منشار «3» ، ونهبوا بيوت «4» الأكراد، وعدّى الفرات منهم نحو ثلاثمائة فارس، وأنه ركب عليهم وقاتلهم وقتل منهم نحو العشرين

وغرق فى الفرات نحو ذلك، وأسر اثنى عشر نفرا، فكتب له السلطان بالشكر والثناء، ثم خلع السلطان على الأمير شاهين حاجب صفد باستقراره فى نيابة كركر، وعلى الأمير كزل بغا أحد أمراء حماة بنيابة كختا، فمضى كزل بغا المذكور إليها من يومه، ورحل السلطان من الغد وهو يوم الثلاثاء رابع شهر رجب، وقد عاوده ألم رجله الذي يعتريه فى بعض الأحيان، فركب المحفّة عجزا عن ركوب الفرس، وعاد إلى جهة البلاد الحلبيّة، إلى أن وصل إلى بلد يقال له كيلك «1» فنزل فى الفرات فى زوارق وصحبته جماعة وسار إلى أن وصل قلعة الرّوم فى عشيّة يوم الخميس سادسه، وبات بها، ونزل من الغد بعد ما رتّب أحوال القلعة، وأنعم على نائبها بخمسمائة دينار، فقدم عليه فى يوم الجمعة سابعه الخبر بأن الأمير قجقار القردمىّ نائب حلب يخبر بهزيمة قرايلك من قرا يوسف وأن الذين معه من العسكر المقيم على كركر خافوا من قرا يوسف وعزموا على الرّحيل، وبينما كتاب قجقار يقرأ قدم كتاب آقباى نائب الشام بأن الأمير قجقار نائب حلب رحل عن كركر بمن معه من غير أن يعلمه، وأنّه عزم على محاصرتها، فكتب إليه السلطان بأن يستمرّ على حصارها. ثم فى بكرة يوم السبت ثامن شهر رجب انحدر السلطان من قلعة الرّوم، ونزل على ألبيرة فطلع من المراكب إليها وقرّر أمورها، فقدم عليه الخبر من الغد بقرب قرا يوسف، وأن الأمير آقباى نائب الشام صالح الأمير خليلا نائب كركر ورحل عنها بمن معه، فحنق السلطان من ذلك واشتدّ غضبه على الأمير قجقار القردمىّ، ثم رحل من ألبيرة يريد حلب حتى دخلها بكرة يوم الخميس ثالث عشر شهر رجب بأبهة الملك، وقد تلقّاه أهل حلب وفرحوا بقدومه، لكثرة إرجافهم بقدوم قرا يوسف إليها، فاطمأنوا، وطلع السلطان إلى قلعة حلب، ونادى بالأمان، وفرّق على الفقراء والفقهاء مالا جزيلا، وأمر ببناء القصر الذي كان الأمير جكم شرع فى عمارته. ثم فى سابع عشره قدم الأمير آقباى والأمير قجقار القردمىّ والأمير جارقطلو،

فأغلظ السلطان على الأمير قجقار القردمى ووبّخه، فأجابه قجقار بدالّة ولم يراع الأدب معه، فأمر به فقبض عليه، وحبسه بقلعة حلب، ثم أفرج عنه فى يومه بشفاعة الأمراء، وبعثه إلى دمشق بطّالا، وخلع على الأمير يشبك المؤيدى اليوسفى نائب طرابلس باستقراره عوضه بنيابة حلب، وخلع على الأمير بردبك رأس نوبة النّوب باستقراره فى نيابة طرابلس عوضا عن يشبك المذكور. ثم فى يوم الخميس العشرين من شهر رجب خلع على الأمير ططر باستقراره رأس نوبة كبيرا عوضا عن بردبك المذكور، وخلع على الأمير نكباى باستقراره فى نيابة حماة عوضا عن جارقطلو بحكم عزله، وخلع على جارقطلو المذكور باستقراره نائب «1» صفد عوضا عن خليل التّبريزى الدّشارى، واستقرّ خليل المذكور حاجب الحجّاب بطرابلس فاستعفى خليل من حجوبية طرابلس فأعفى. وخلع السلطان على الأمير سودون قراسقل حاجب الحجاب بالديار المصرية باستقراره فى حجوبيّة طرابلس. قلت: درجات إلى أسفل. وخلع على الأمير شاهين الأرغون شاوى باستقراره فى نيابة قلعة دمشق عوضا عن ألطنبغا المؤيدى المرقبى بحكم انتقال المرقبى إلى تقدمة ألف بالديار المصرية. ثم فى رابع عشرينه رسم السلطان للنوّاب بالتوجه إلى محلّ كفالتهم بعد أن خلع عليهم خلع السفر. ثم فى سادس عشرينه استدعى السلطان مقبلا القرمانى ورفاقه فضربه ضربا مبرّحا ثم صلبه هو ومن معه. ثم فى يوم الاثنين أول شعبان قدم قاصد كردى بك ومعه الأمير سودون اليوسفى أحد الأمراء المتسحّبين من وقعة قانى باى نائب الشام وقد قبض عليه، فسمّره الملك المؤيد من الغد تحت قلعة حلب، ثم وسّطه، فعيب ذلك على السلطان كون سودون

المذكور كان من جملة أمراء الألوف ثم من أعيان المماليك الظاهرية ووسّط مثل قطّاع الطريق. ثم خلع السلطان على تمراز باستقراره فى حجوبية حلب عوضا عن آقبلاط الدّمرداشىّ، وكان السلطان خلع على الأمير يشبك الجكمى الدّوادار الثانى باستقراره أمير حاج المحمل، وسيّره إلى القاهرة، فوصلها فى شعبان المذكور فوجد القاهرة مضطربة والناس فى هرج كونهم أمسكوا بالقاهرة نصرانيا وقد خلا بامرأة مسلمة فاعترفا بالزّنا «1» فرجما خارج باب الشعرية «2» ظاهر القاهرة عند قنطرة الحاجب «3» ، وأحرق العامة النّصرانىّ، ودفنت المرأة، فكان يوما عظيما. ثم عزل السلطان تمراز المذكور عن حجوبيّة الحجاب «4» واستقر عوضه بالأمير عمر سبط ابن شهرى. ثم خرج السلطان فى ثامن عشر شعبان المذكور من حلب ونزل بعين مباركه «5» واستقلّ بالمسير منها فى عشرينه يريد جهة دمشق، ونزل قنّسرين «6» وأعاد منها الأمير يشبك نائب حلب إليها، وسار عشيّة يوم الجمعة سادس عشرينه حتى قدم دمشق فى بكرة يوم الخميس ثالث شهر رمضان ونزل بقلعتها، فكان لقدومه دمشق يوما مشهودا، وأخذ فى إصلاح أمر البلاد الشاميّة إلى يوم الاثنين سابع شهر رمضان فأمسك الأمير آقباى المؤيدى نائب الشام، وقيّده وسجنه بقلعة دمشق.

وسبب القبض على آقباى المذكور أنّ السلطان الملك المؤيّد كان اشتراه فى أيام إمرته صغيرا بألفى درهم من دراهم لعب الكنجفة «1» ، وهو أنّ الملك المؤيّد كان قاعدا يلاعب بعض أصحابه بالكنجفة وقد قمر ذلك الرجل بدراهم كبيرة، فأدخل عليه آقباى المذكور مع تاجره فأعجبه واشتراه، وطلب خازنداره ليقبض التّاجر ثمن آقباى المذكور فلم يجده، فوزن له المؤيد ثمنه من تلك الدّراهم التى قمرها، ثم رباه وأعتقه وجعله خازنداره، ثم رقّاه أيام سلطنته إلى أن جعله من جملة أمراء الألوف، ثم دوادارا كبيرا بعد موت جانى بك المؤيدى، ثم ولّاه نيابة حلب. وكان آقباى شجاعا مقداما مجبولا على طبيعة الكبر، تحدّثه نفسه كلّما انتهى إلى منزلة عليّة إلى أعلى منها، فلمّا ولى نيابة حلب استخدم جماعة من مماليك قانى باى المحمدى نائب الشّام بعد قتله، وأنعم عليهم بالعطاياهم وغيرهم، وبلغ ذلك المؤيد فلم يحرّك ساكنا حتى أشيع عنه الخروج عن الطاعة، وتواترت على المؤيد الأخبار بذلك لاسيّما الأمير ألطنبغا المرقبىّ نائب قلعة حلب فإنه بالغ إلى الغاية، فلما تحقّق الملك المؤيد أمره بادر إلى السّفر إلى جهة بلاد الشام، واحتج بأمر من الأمور، وبلغ آقباى أنّ السلطان بلغه أمره وعزم على السّفر إلى البلاد الشّاميّة لأجله، ورأى أنّ أمره لم يستقم إلى الآن مع معرفته بصولة أستاذه الملك المؤيد فخاف أن يقع له كما وقع لقانى باى ونوروز وغيرهم، وهم هم، فركب من حلب على حين غفلة فى ثمانى هجن كما تقدّم ذكره، وقدم القاهرة بغتة يخادع بذلك السلطان، فانخدع له الملك المؤيد فى الظاهر، وفى الباطن غير ذلك، وقد تجهّز للسفر فلم يمكنه الرّجوع عن السّفر لما أشيع بسفره فى الأقطار، ويقال فى الأمثال: الشّروع ملزم. فخلغ عليه بنيابة الشّام عوضا عن ألطنبغا العثمانى وفى النفس ما فيها، ووقع ما حكيناه من أمر سفر السّلطان ورجوعه إلى دمشق، فلما قدم إلى دمشق وشى بآقباى إلى السلطان دواداره الأمير شاهين الأرغون شاوىّ فى جماعة من أمراء دمشق أن آقباى المذكور يترقّب مرض

السلطان إذا عاوده ألم رجله، وأنه استخدم جماعة من أعداء السلطان، وأنّ حركاته كلّها تدل على الوثوب، فعند ذلك تحرّك ما عند السلطان من الكوامن وقبض عليه، وولى مكانه نائب دمشق الأمير تنبك العلائى ميق «1» الأمير آخور الكبير بعد تمنّع كبير من تنبك إلى أن أذعن ولبس التّشريف «2» ، فطلب السلطان الأمير قجقار القردمى نائب حلب- كان- وهو بطّال بدمشق، وأنعم عليه بإقطاع الأمير تنبك ميق المذكور، ثم أفرج السلطان عن الأمير ألطنبغا العثمانى نائب الشّام- كان- ورسم له بالتوجه إلى القدس بطّالا، وأقام السلطان بدمشق إلى يوم الاثنين رابع عشر شهر رمضان من سنة عشرين وثمانمائة فخرج من دمشق يريد الدّيار المصرية، ونزل بقبّة يلبغا، ثم سار من قبّة يلبغا وأعاد الأمير تنبك ميق إلى محل كفالته بدمشق [وسار] «3» إلى أن قدم القدس فى بكرة يوم الجمعة خامس عشرينه فزاره وفرّق به أموالا جزيلة وصلى الجمعة، وجلس بالمسجد الأقصى وقرىء صحيح البخارى من ربعة فرّقت بين يديه على الفقهاء القادمين إلى لقائه من القاهرة، ومن كان بالقدس من أهله، ثم قام المدّاح بعد فراغهم، وخلع السلطان عليهم، فكان يوما مشهودا. ثم سار السلطان من الغد إلى الخليل- عليه السلام- فزاره وتصدق فيه أيضا بجملة، وخرج منه وسار يريد غزّة، فلقيه أستاداره فخر الدين عبد الغنى بن أبى الفرج فى قرية السّكرية «4» ، وقبّل الأرض بين يديه، وناوله قائمة فيها ما أعده له من الخيول والأموال وغيرها، فسّر السلطان بذلك على ما سنذكره فيما بعد. وسار حتى نزل مدينة غزّة فى يوم الاثنين ثامن عشرين شهر رمضان، وأقام بها

إلى أن خرج منها فى آخر يوم السبت أول شوال بعد ما صلى صلاة العيد على المصطبة المستجدة ظاهر غزّة، وصلى به وخطب شيخ الإسلام قاضى القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقينى. وسار السلطان حتى نزل بخانقاه سرياقوس فى يوم الجمعة تاسع شوال، فأقام بالخانقاه المذكورة من يوم الجمعة إلى يوم الأربعاء رابع عشره، وركب منها بعد أن عمل بها أوقاتا طيّبه ودخل حمّامها غير مرة، وسار حتى نزل خارج القاهرة عند مسجد التّبن، وبات هناك، ثم ركب من الغد فى يوم الخميس خامس عشر شوال من الريدانية بأبهة السلطنة وشعار الملك، وعساكره وأمراؤه بين يديه، ودخل القاهرة من باب النصر «1» وولده المقام الصارمى إبراهيم يحمل القبة والطير على رأسه، وترجّل المماليك من داخل باب النّصر ومشوا بين يديه، وسارت الأمراء على بعد ركّابا وعليهم وعلى القضاة والخليفة التشاريف، وكذلك سائر أرباب الدّولة، ومرّ السلطان على ذلك إلى أن نزل بجامعه الذي أنشأه بالقرب من باب زويله، وقد زيّنت القاهرة لقدومه، وأشعلت حوانيتها الشّموع والقناديل، وقعدت المغانى صفوفا على الدكاكين تدق «2» بالدفوف، ولما نزل بالجامع المذكور مدّله الأستادار سماطا عظيما به، فأكل السلطان هو وعساكره، ثم ركب من باب المؤيدية، وخرج من باب زويلة بتلك الهيئة المذكورة، وسار إلى أن طلع إلى قلعة الجبل من باب السّرّ «3» راكبا بشعار الملك حتى دخل من باب السّتارة وهو على فرسه إلى قاعة العواميد «4» من الدور السّلطانية، فنزل عن فرسه بحافة «5»

الإيوان، وقد تلقاه حرمه بالتهانى والزّعفران، فكان لقدومه يوما مشهودا لم يسمع بمثله إلا نادرا. ثم فى يوم الاثنين تاسع عشر شوال خلع السلطان على الأمير قجقار القردمىّ المعزول عن نيابة حلب باستقراره أمير سلاح على عادته قبل نيابة حلب، وخلع على الأمير طوغان أمير آخور باستقراره أمير آخور كبيرا عوضا عن تنبك ميق بحكم توليته نيابة دمشق، وخلع على الأمير ألطنبغا المرقبىّ المعزول عن نيابة قلعة حلب باستقراره حاجب الحجّاب بالديار المصرية عوضا عن سودون قراسقل بحكم استقرار سودون المذكور فى حجوبيّة طرابلس، وخلع على فخر الدين بن أبى الفرج خلعة الاستمرار على وظيفة الأستادارية. ثم فى يوم الثلاثاء عشرينه خرج محمل الحاج إلى الرّيدانية خارج القاهرة وأمير حاج المحمل الأمير يشبك الجكمىّ المقدّم ذكره. ثم فى يوم الخميس ثانى عشرينه ركب السلطان ونزل من القلعة بأمرائه وخاصّكيّته وسرح إلى برّ الجيزة لصيد الكراكى «1» وغيرها، وعاد فى آخره من باب القنطرة «2» ومرّ من بين السّورين «3» ، ونزل فى بيت فخر الدين بن أبى الفرج الأستادار فقدّم له فخر الدين المذكور عشرة آلاف دينار، ثم ركب السلطان من بيت فخر الدين وسار حتى شاهد الميضأة التى بنيت للجامع المؤيدى، ثم صعد إلى القلعة، ثم ركب من الغد وسرح أيضا وعاد فى يوم الأحد خامس عشرينه.

وفى يوم الاثنين سادس عشرينه خلع على أرغون شاه النّوروزىّ الأعور باستقراره وزيرا عوضا عن فخر الدين بن أبى الفرج، وخلع على فخر الدين المذكور خلعة الاستمرار على وظيفة الأستادارية فقط، وأن يكون مشير الدّولة. وأما هدية «1» فخر الدين بن أبى الفرج المذكور التى وعدنا بذكرها «2» عندما قدم السلطان إلى الديار المصرية بلغت أربعمائة ألف دينار عينا، وثمانية عشر ألف أردب غلّة وما وفّره من ديوان المفرد ثمانين ألف دينار، وما جباه من النواحى- قبليا وبحريا- مائتى ألف دينار، ومن إقطاعه ثلاثين ألف دينار، وذلك سوى مائتى ألف دينار حملها إلى السلطان وهو بالبلاد الشّاميّة. ولما كان يوم الأربعاء سادس ذى القعدة قدم على السلطان الخبر من الأمير تنبك العلائى ميق نائب الشام بأنه فى ليلة السبت رابع عشرين شوّال خرج الأمير آقباى نائب الشام- كان- من سجنه بقلعة دمشق وأفرج عمن كان بها من المسجونين، وهجم بهم آقباى على نائب قلعة دمشق فهرب نائب القلعة، ونزل إلى المدينة، وخرج آقباى فى أثره إلى باب الجديد بمن معه فسمع الأمير تنبك الضّجّة فركب بمماليكه، وأدرك نائب القلعة، وركبت عساكر دمشق فى الحال، فأغلق آقباى باب قلعة دمشق، وامتنع بها بمن معه، وأن تنبك مقيم على حصار القلعة، فتشوّش السلطان لذلك، وكتب إلى تنبك المذكور بالجدّ فى أخذه، فقدم من الغد أيضا كتاب الأمير تنبك ميق بأن آقباى استمرّ بالقلعة إلى ليلة الاثنين سادس عشرين شوّال، ثم نزل منها بقرب باب الجديد ومشى فى نهر بردى «3» إلى طاحون بباب الفرج فاختفى به، فقبض عليه «4» هناك وعلى طائفة معه، وتسحّب طائفة، فكتب جواب تنبك بأن يعاقب

آقباى حتى يقرّ على الأموال ثم يقتل، ورسم بأن يستقرّ الأمير شاهين مقدّم التركمان والحاجب الثانى بدمشق فى نيابة قلعة دمشق ويستقرّ عوضه حاجبا ثانيا كمشبغا طولو، وفى تقدمة التركمان الأمير شعبان بن اليغمورى أستادار السلطان بدمشق. ثم فى يوم الجمعة ثامن ذى القعدة خرج المقام الصارمىّ إبراهيم بن السلطان فى عدة من الأمراء إلى الوجه القبلى لأخذ تقادم العربان وولاة الأعمال. وفى يوم الاثنين حادى عشر ذى القعدة عدّى السلطان النيل إلى البرّ الغربى، وسرح إلى الطّرّانة «1» بالبحيرة، وعاد فى يوم الاثنين حادى عشر منه بعد أن وصل إلى العطايا «2» ولم يعدّ النيل بل نزل بالقصر الذي أنشأه القاضى ناصر الدين بن البارزى كاتب السرّ ببرّ منبابة» تجاه بولاق، وكان قد شرع فى أساسه قبل سرحه السلطان، ففرغ منه بعد أربعة أيام، واستمرّ به السلطان ثلاثة أيام، ثم ركب البحر وتصيّد بناحية سرياقوس وركب وعاد إلى القلعة. ثم فى سادس عشر ذى الحجة ركب السلطان من القلعة ونزل بالجامع المؤيدى ومعه خواصّه لا غير، ثم توجّه منه إلى بيت ناصر الدين بن البارزى كاتب السرّ بسويقة «4» المسعودى، فقدّم له كاتب السرّ تقدمة فأخذها، ثم ركب إلى القلعة. ثم فى يوم السبت عشرين ذى الحجة قدم الصارمى إبراهيم من سفره بعد أن وصل إلى جرجا «5» .

ما وقع من الحوادث سنة 821

[ما وقع من الحوادث سنة 821] ثم فى سادس عشر المحرم من سنة إحدى وعشرين وثمانمائة ورد الخبر على السلطان من الحجاز بأن الأمير يشبك الجكمى الدّوادار الثانى أمير حاج المحمل لمّا قدم المدينة النبوية بعد انقضاء الحج أظهر أنه يسير إلى الركب العراقى يبتاع منه جمالا، ومضى فى نفر يسير وتسحّب صحبة الركب العراقى خوفا أن يصيبه من السلطان ما أصاب الأمير آقباى نائب الشام، وكان يشبك المذكور صديقا لآقباى، وأشيع أنه كان اتّفق معه فى الباطن فى الوثوب على السلطان، وسار يشبك المذكور حتى دخل العراق، وقدم على الأمير قرا يوسف فأكرمه قرا يوسف وأجرى عليه الرّواتب، ودام عنده إلى أن مات قرا يوسف، ثم مات الملك المؤيد، وقدم على الأمير ططر بدمشق فولّاه الأمير آخوريّة الكبرى حسبما يأتى ذكر ذلك كله فى محله. وفى ليلة الخميس رابع عشرين المحرم كان الوقيد ببرّ منبابة بين يدى السلطان بعد أن عاد السلطان من وسيم حيث مربط خيوله على الربيع «1» ، ونزل بالقصر المذكور بحرى منبابة. وألزم السلطان الأمراء بحمل الزّيت والنّفط، فجمع من ذلك شىء كثير، وأخذ من قشر البيض وقشر النارنج ومن المسارج الفخار وجعل فيها الفتايل والزّيت، ثم أرسلت فى النيل بعد غروب الشمس بنحو ساعة، وأطلقت النّفوط وقد امتلأ البرّان بالخلائق للفرجة على ذلك، فكان لهذا الوقيد منظر بهج، وانحدر فى النيل إلى أن فرغ زيت بعضها وأطفأ الهوى البعض. ثم فى يوم السبت سادس عشرين المحرّم أمسك السلطان الأمير بيبغا المظفّرى «2» الظاهرى أمير مجلس، وحمل مقيّدا إلى الإسكندرية، ثم نودى بالقاهرة وظواهرها أن كل غريب يخرج من القاهرة ويعود إلى وطنه.

ثم فى يوم السبت رابع صفر وسّط السلطان قرقماس الذي كان متولى كختا، ووسّط معه أيضا خمسة عشر رجلا من أصحابه خارج باب النصر، وكانوا فيمن أحضرهم السلطان معه من البلاد الشامية- لما قدم من السّفر- فى الحديد. ثم فى سادس صفر المذكور ركب السلطان متخفّفا ومعه ولده الصّارمى إبراهيم فى نفر يسير ونزل بجامعه عند باب زويلة، ثم توجّه منه إلى بيت فخر الدين بن أبى الفرج الأستادار فأكل عنده السّماط، ثم قدّم له فخر الدين خمسة آلاف دينار، ثم ركب من بيت فخر الدين المذكور وتوجه إلى بيت الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله ناظر الخاص ونزل عنده، فقدّم له ثلاثة آلاف دينار، وعرض عليه خزانة الخاصّ، فأنعم منها السلطان على ولده إبراهيم وعلى من معه من الأمراء بعدّة ثياب حرير وفرو سمّور، ثم ركب السلطان وعاد إلى القلعة. ثم فى ثانى عشرينة ركب السلطان ونزل من القلعة لعيادة الأمير الكبير ألطنبغا القرمشىّ من وعك كان حصل له، ثم ركب من عنده وتوجّه إلى بيت الأمير جقمق الدّوادار، فنزل عنده «1» وأقام يومه كله، وعاد من آخر النهار إلى القلعة على حالة «2» غير مرضية من شدّة السّكر. ثم فى ثامن عشرين شهر ربيع الأول قدم الأمير بردبك الخليلى نائب طرابلس إلى القاهرة بطلب لشكوى أهل طرابلس عليه لسوء سيرته. وعاود السلطان ألم رجله، وانقطع عن الخدمة ولزم الفراش، وقبض على الأمير الوزير أرغون شاه النّوروزىّ الأعور، وعلى الأمير آقبغا شيطان والى القاهرة وسلّمها إلى فخر الدين بن أبى الفرج ليصادرهما، ثم خلع السلطان على الأمير بردبك نائب طرابلس باستقراره فى نيابة صفد، واستقر عوضه فى نيابة طرابلس الأمير

برسباى الدّقماقّى «1» أحد أمراء الألوف بالديار المصرية بعد أن طلب من الغربية، وكان توجّه برسباى لعمل جسورها كاشف الوجه الغربى، وبرسباى هذا هو الملك الأشرف الآتى ذكره فى محله، ثم خلع السلطان على الوزير أرغون شاه باستقراره أمير التّركمان بثلاثين ألف دينار، ونقل الأمير سنقر نائب المرقب «2» إلى نيابة قلعة دمشق عوضا عن شاهين، واستقر ألطنبغا الجاموس فى نيابة المرقب، واستقر سودون الأسندمرى الأمير آخور الثانى- كان- فى دولة الملك الناصر فرج فى أتابكيّة طرابلس، وكان الملك المؤيد أفرج عنه من سجن الإسكندرية قبل ذلك بمدة يسيرة، وأنعم السلطان بإقطاع الأمير برسباى الدّقماقى المنتقل إلى نيابة طرابلس على [الأمير] «3» فخر الدين [بن أبى الفرج] «4» الأستادار، وبإقطاع فخر الدين على بدر الدين بن محبّ الدين، وقد استقرّ وزيرا عوضا عن أرغون شاه. ثم فى أول جمادى الأولى تحرك عزم السلطان إلى سفر الحجاز «5» ، وكتب إلى أمراء الحجاز بذلك، وعرض السلطان المماليك وعيّن عدة منهم للسّفر معه إلى الحجاز، وأخرج الهجن وجهّز الغلال فى البحر، ثم رسم السلطان باستقرار شاهين الزّردكاش «6» حاجب حجّاب دمشق فى نيابة حماة عوضا عن الأمير نكباى، وأن يستقرّ نكباى فى حجوبيّة دمشق. ثم فى ثامن جمادى الأولى عزل السلطان جلال الدين البلقينى عن القضاء، وخلع على شمس الدين محمد الهروى باستقراره قاضى قضاة الشافعيّة بالديار المصرية عوضا عن البلقينى. ثم فى ثامن عشر شهر رجب خلع السلطان على الأمير قرامراد خجا أحد مقدمى

الألاف بالديار المصرية باستقراره فى نيابة صفد، وأنعم بإقطاعه على الأمير جلبّان رأس نوبة ابن السلطان. ثم فى يوم الاثنين خامس عشرين رجب «1» المذكور ركب السلطان من قلعة الجبل إلى ظاهر القاهرة وعبر من باب النّصر ومرّ فى شوارع المدينة إلى القلعة وبين يديه الهجن التى عيّنت للسّفر معه إلى الحجاز وعليها الأكواز الذهب والفضة والكنابيش الزّركش، فكان يوما عظيما، فتحقّق كلّ أحد سفر السلطان إلى الحج، وسار السلطان حتى طلع إلى القلعة، فما هو أن استقرّ به الجلوس إلا ووصل الأمير بردبك الحمزاوىّ «2» أحد أمراء الألوف بحلب ومعه نائب كختا الأمير منكلى بغا بكتاب نائب حلب وكتاب الأمير عثمان بن طر على المدعو قرايلك بأن قرايلك صاحب العراق قصده ليكبس عليه، وقبل أن يركب قرايلك هجمت عليه فرقة من عسكر قرا يوسف فركب وسار منهزما إلى أن وصل إلى مرج دابق «3» ، ثم دخل حلب فى نحو ألف فارس بإذن الأمير يشبك اليوسفىّ نائب حلب له، فجفل من كان خارج مدينة حلب بأجمعهم، واضطرب من بداخل سور حلب وألقوا أنفسهم من السّور، ورحل أجناد الحلقة ومماليك النائب المستخدمين بحريمهم وأولادهم حتى ركب نائب حلب وسكّن روع الناس، وعرّفهم أن قرايلك لم يقدم إلى حلب إلا بإذنه، وأنه مستجير بالسلطان. وبينما هو فى ذلك رحل قرايلك من ليلته وعاد إلى جهة الشرق خوفا من يشبك نائب حلب أن يقبض عليه. فلما بلغ السلطان قرب قرا يوسف من بلاده انثنى عزمه عن السفر للحجاز فى

هذه «1» السنة، وكتب فى الحال إلى العساكر الشاميّة بالمسير إلى حلب والأخذ فى تهيئة الإقامات السلطانية. وأصبح السلطان فى يوم الثلاثاء سادس عشرين شعبان جمع القضاة والخليفة وطلب شيخ الإسلام جلال الدين البلقينى، وقصّ عليهم خبر قرا يوسف وما حصل لأهل حلب من الخوف والفزع وجفلتهم هم وأهل حماة، وأن الحمار بلغ ثمنه عندهم خمسمائة درهم فضّة، والإكديش «2» إلى خمسين دينارا، وأن قرا يوسف فى عصمته أربعون امرأة، وأنه لا يدين بدين الإسلام، وكتبت صورة فتوى فى المجلس فيها كثير من قبائحه، وأنه قد هجم على ثغور المسلمين، ونحو هذا من الكلام، فكتب البلقينى والقضاة بجواز قتاله «3» ، وكتب الخليفة خطّه بها أيضا وانصرفوا ومعهم الأمير مقبل الدّوادار، فنادوا فى الناس بالقاهرة بين يدى الخليفة والقضاة بأن قرا يوسف يستحلّ الدماء ويسبى الحريم، فعليكم بجهاده كلكم بأموالكم وأنفسكم، فدهى الناس عند سماعهم ذلك واشتد قلقهم. ثم كتب إلى ممالك الشام أن ينادى بمثل ذلك فى كل مدينة، وأنّ السلطان واصل إليهم بنفسه. ثم فى يوم الأربعاء سابع عشرين شعبان المذكور نودى بالقاهرة فى أجناد «4» الحلقة بتجهيز أمرهم بالسّفر إلى الشام، ومن تأخّر منهم حلّ به كذا وكذا من الوعيد. ثم فى أوّل شهر رمضان قدم الخبر من حلب برحيل قرايلك منها كما تقدّم

ذكره، وأن يشبك نائب حلب مقيم بالميدان وعنده نحو مائة وأربعين فارسا، وقد خلت حلب من أهلها إلا من التجأ لقلعتها، وأن يشبك بينما هو فى الميدان جاءه الخبر أن عسكر قرا يوسف قد أدركه فركب قبيل الفجر من الميدان وإذا بمقدّمتهم على وطاة بابلّة «1» فواقعهم يشبك بمن معه حتى هزمهم وقتل وأسر جماعة، فأخبروه أنهم جاءوا للكشف لخبر قرايلك، وأن قرا يوسف بعين تاب، فعاد يشبك وتوجّه إلى سرمين، فلمّا بلغ قرا يوسف هزيمة عسكره كتب إلى يشبك نائب حلب يعتذر عن نزوله بعين تاب، وأنّه ما قصد إلا قرايلك، فبعث إليه يشبك صاروخان مهمندار «2» حلب، فلقيه على جانب الفرات وقد جازت عساكره الفرات، وهو على نيّة الجواز، فأكرمه قرا يوسف واعتذر إليه ثانيا عن وصوله إلى عين تاب، وحلف له أنه لم يقصد دخول الشّام، وأعاده بهدية للنائب، فهدأ ما بالناس بحلب، وسرّ السلطان أيضا بهذا الخبر. وكان سبب حركة قرا يوسف أن قرا يلك المذكور فى أوائل شعبان هذا نزل على مدينة ماردين «3» - وهى داخلة فى حكم قرا يوسف- فأوقع بأهلها وأسرف فى قتلهم وسبى أولادهم ونسائهم، وباع الأولاد كلّ صغير بدرهمين، وحرق المدينة ونهبها، ثم رجع إلى آمد، فلما بلغ قرا يوسف الخبر غضب من ذلك وسار ومعه الأمراء الذين تسحّبوا من واقعة قانى باى مثل الأمير سودون من عبد الرحمن، وطرباى، وتنبك البجاسىّ، ويشبك الجكمى وغيرهم، يريدون أخذ الثأر من قرايلك حتى نزل آمد ثم رحل عنها يريد قرايلك، فسار قرايلك إلى جهة البلاد الحلبيّة، فسار خلفه قرا يوسف حتى قطع الفرات ووقع ما حكيناه. ثم فى خامس شهر رمضان المذكور نودى فى أجناد الحلقة بالعرض على السلطان

فعرضوا عليه فى يوم الجمعة سادسه، وابتدأ بعرض من هو فى خدمة الأمراء، فخيّرهم بين الاستمرار فى جملة أجناد الحلقة وترك خدمة الأمراء أو الإقامة فى خدمة الأمراء وترك أخباز الحلقة، فاختار بعضهم خدمة الأمراء وترك خبزه الذي بالحلقة، واختار بعضهم ضدّ ذلك، فأخرج السلطان إقطاع من اختار خدمة الأمراء، وصرف من خدمة الأمراء من أراد الإقامة على إقطاعه بالحلقة، وشكا إليه بعضهم قلّة متحصّل إقطاعه فزاده، وعدّ هذا من جودة تدبير الملك المؤيّد وسيره على القاعدة القديمة؛ فإن العادة كانت فى هذه الدّولة التركيّة أن يكون عسكر مصر على ثلاثة أقسام: قسم يقال لهم أجناد الحلقة، وموضوعهم أن يكونوا فى خدمة السلطان، ولكل منهم إقطاع فى أعمال مصر، وكل ألف منهم مضافة إلى أمير «1» مائة ومقدّم ألف «2» ، ولهذا المعنى سمّى الأمير بمصر أمير مائة، أعنى صاحب مائة مملوك فى خدمته ومقدم ألف من هؤلاء أجناد الحلقة، ويضاف أيضا لكل مقدّم ألف أمير طبلخاناه وأمير عشرين وأمير عشرة ومقدّم الحلقة، فإذا عيّن السلطان أميرا إلى جهة من الجهات نزل ذلك الأمير فى الوقت وتهيّأ بعد أن أعلم مضافيه، فيخرج الجميع فى الحال- انتهى. وكان نظير هؤلاء أيام الخلفاء أهل العطاء وأهل الدّيوان. والقسم الثانى [يقال لهم] «3» مماليك السلطان، ولهم جوامك «4» ورواتب مقرّرة على ديوان السلطان فى كل شهر وكسوة فى السنة. والقسم الثالث يقال لهم مماليك الأمراء يخدمون الأمراء، وكل من هؤلاء لا يدخل مع آخر فيما هو فيه، فلذلك كانت عدّة عساكر مصر أضعاف ما هى الآن، وهؤلاء غير

الأمراء، ثم تغيّر ذلك كلّه فى أيام الملك الظاهر برقوق لمّا وثب على الملك، فصارت الأمراء يشترون إقطاعات الحلقة أو يأخذونها من السلطان باسم مماليكهم أو طواشيتهم ثم لا يكفهم ذلك حتى ينزلونهم أيضا فى بيت السلطان بجامكيّة، فيصير الواحد من مماليك الأمراء جندىّ حلقة ومملوك سلطان وفى خدمة أمير، فيصير رزق ثلاثة أنفس إلى رجل واحد، فكثر متحصّل قوم وقلّ متحصّل آخرين، فضعف عسكر مصر لذلك، فعلى هذا الحساب يكون العسكر الآن بثلث ما كان أوّلا، هذا غير ما خرج من الإقطاعات فى وجه الرّزق والأملاك وغير ذلك، وهو شىء كثير جدا يخرج عن الحدّ، فمن تأمّل ما ذكرناه علم ما كان عدّة عسكر مصر أوّلا، وما عدته الآن. هذا مع ما خرّب من النواحى من كثرة المغارم والظّلم المترادف، وقلّة نظر الحكّام فى أحوال البلاد، ولولا ذلك لكان عسكر مصر لا يقاومه عدوّ ولا يدانيه عسكر- انتهى. ثم فى سابع شهر رمضان هذا أفرج السلطان عن الأمير كمشبغا الفيسىّ أمير آخور- كان- فى الدولة الناصرية، وعن الأمير قصروه من تمراز وكانا بسجن الإسكندرية، وعن الأمير كزل العجمى الأجرود حاجب الحجاب- كان- فى الدولة الناصرية من حبس صفد، وعن الأمير شاهين نائب الكرك، وكان بقلعة دمشق. ثم فى تاسعه ورد الخبر من حلب بأن قرا يوسف أحرق أسواق عين تاب ونهبها فصالحه أهلها على مائة ألف درهم وأربعين فرسا، فرحل عنها بعد أربعة أيام إلى جهة ألبيرة، وعدّى معظم جيشه إلى البرّ الشرقى فى يوم الاثنين سابع عشر شعبان، وعدّى قرا يوسف من الغد ونزل ببساتين ألبيرة وحصرها، فقاتله أهلها يومين وقتلوا منه جماعة فدخل البلد ونهبها وأحرق أسواقها، وقد امتنع الناس منها ومعهم حريمهم بالقلعة، ثم رحل فى تاسع عشر شعبان إلى بلاده بعد ما أحرق ونهب جميع نواحى ألبيرة ومعاملتها. ولما بلغ السلطان رجوع قرا يوسف إلى بلاده فرح بذلك وسكت عن السّفر إلى

البلاد الشاميّة، وبينما السلطان فى ذلك قدم عليه الخبر أن ابن قرمان مشى على طرسوس «1» وحارب أهلها فقتل من الفريقين خلق كثير، ودام القتال بينهم إلى أن رحل عنها فى سابع شعبان من ألم اشتدّ بباطنه، فجلس السلطان فى ثالث عشر شهر رمضان لعرض أجناد الحلقة، فعرض عليه منهم زيادة على أربعمائة نفس ما بين كبير وصغير وسعيد وفقير، فمن كان إقطاعه قليل المتحصّل أشرك معه غيره، ومثال ذلك أن جنديّا يكون متحصل إقطاعه فى السنة سبعة آلاف درهم فلوسا وآخر متحصله ثلاثة آلاف، فألزم الذي إقطاعه يعمل ثلاثة آلاف أن يعطى الذي إقطاعه يعمل سبعة آلاف مبلغ ثلاثة آلاف ليسافر صاحب السبعة آلاف، ويقيم صاحب الثلاثة آلاف، فهذا نوع. ثم أفرد السلطان جماعة ممّن متحصل إقطاعاتهم قليلة، وجعل كل أربعة منهم مقام رجل واحد يختارون منهم واحدا يسافر ويقوم الثلاثة الأخر بكلفه. ورسم السلطان أنّ المال المجتمع من أجناد الحلقة يكون تحت يد قاضى القضاة شمس الدين الهروىّ الشافعى، واستمر العرض بعد ذلك فى كل يوم سبت وثلاثاء إلى ما يأتى ذكره إن شاء الله تعالى. وفى الغد وهو يوم رابع عشر شهر رمضان ورد الخبر على السلطان من طرابلس بنزول التّركمان الإيناليّة والأوشريّة على صافيتا «2» من عمل طرابلس جافلين من قرا يوسف، وأنهم نهبوا بلادها وأحرقوا منها جانبا، وأن الأمير برسباى الدّقماقى «3» نائب طرابلس رجّعهم عن ذلك فلم يرجعوا وأمرهم بالعود إلى بلادهم بعد رجوع قرا يوسف فأجابوا بالسّمع والطّاعة، وقبل رحيلهم ركب عليهم الأمير برسباى الدّقماقى المذكور بعسكر طرابلس وقاتلهم فى يوم الثلاثاء سادس عشرين شعبان، فقتل بين

الطائفتين خلق كثير منهم الأمير سودون الأسندمرىّ أتابك طرابلس وثلاثة عشرة نفسا من عسكر طرابلس، ثم انهزم الأمير برسباى المذكور بمن بقى معه من عسكر طرابلس عراة على أقبح وجه إلى طرابلس وحصل عليهم من الخوف مالا مزيد عليه. فلما بلغ الملك المؤيد هذا الخبر غضب غضبا شديدا ورسم فى الحال بعزل برسباى المذكور عن نيابة طرابلس واعتقاله بقلعة المرقب، وكتب بإحضار الأمير سودون القاضى نائب الوجه القبلى من أعمال مصر ليستقرّ فى نيابة طرابلس عوضا عن برسباى هذا، وبرسباى المذكور هو الملك الأشرف الآتى ذكره فى محله، وخلع على الملطىّ واستقرّ فى نيابة الوجه القبلى عوضا عن سودون القاضى، وقدم سودون القاضى من الوجه القبلى فى يوم الاثنين ثامن شوال وقبّل الأرض بين يدى السلطان وهو بمخيّمه بسرحة سرياقوس، وبعد عوده من سرحة سرياقوس وغيرها خلع على سودون القاضى بنيابة طرابلس فى خامس عشر شوال، وخلع على الأمير كمشبغا الفيسى أحد الأمراء البطّالين بالقاهرة باستقراره أتابك طرابلس بعد قتل سودون الأسندمرىّ. ثم ركب السلطان أيضا إلى الصّيد وعاد وقد عاوده ألم رجله ولزم الفراش. وخلع فى سادس عشره على سيف الدين أبى بكر بن قطلوبك المعروف بابن المزوّق دوادار ابن أبى الفرج باستقراره أستادارا عوضا عن فخر الدين بن أبى الفرج بعد موته، ورسم السلطان بالحوطة على موجود «1» ابن أبى الفرج وضبطها، فاشتملت تركته على ثلاثمائة ألف دينار، وثلاث مساطير «2» بسبعين ألف دينار، وغلال وفرو وقماش بنحو مائة ألف دينار، وأخذ السلطان جميع ذلك. ثم فى حادى عشرينه خرج محمل الحاج صحبة أمير الحاج الأمير جلبّان أمير آخور

ثان، وقد صار أمير مائة ومقدّم ألف، ورحل من البركة «1» فى يوم رابع عشرينه. ثم فى يوم الخميس ثالث ذى القعدة أمسك السلطان الوزير بدر الدين بن محبّ الدين الطرابلسى وسلّمه إلى الأمير أبى بكر الأستادار بعد إخراق السلطان به ومبالغته فى سبّه لسوء سيرته، وتتبّعت حواشيه. وخلع السلطان على بدر الدين حسن بن نصر الله الفوّى ناظر الخاص باستقراره وزيرا مضافا إلى نظر الخاص، وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف. ثم كتب السلطان بالقبض على قرمش الأعور أتابك حلب وحبسه بقلعتها. وفى خامس ذى القعدة ركب السلطان من قلعة الجبل فى محفّة من ألم رجله ونزل إلى السّرحة وعاد فى يومه. ثم فى عاشره ركب السلطان أيضا ونزل إلى بيت كاتب السرّ ناصر الدين بن البارزىّ ببولاق المطل على النيل، وعدّت العساكر إلى برّ الجيزة، وبات السلطان هناك ليلته، ثم ركب من الغد فى يوم الجمعة إلى سرحة بركة الحاج، وعاد من يومه وغالب عساكره بالجيزة. ثم ركب من الغد فى النيل يريد سرحة البحيرة، ونزل بالبر الغربى، ثم سار إلى أن انتهى إلى مريوط «2» فأقام بها أربعة أيام، ورسم بعمارة بستان السلطان بها، وكان تهدّم، ثم استأجر السلطان مريوط من مباشرى وقف الملك المظفر بيبرس الجاشنكير على الجامع الحاكمى، ورسم بعمارة سواقيه، ومعاهد «3» الملك الظاهر بيبرس البندقدارى به، وعاد ولم يدخل إلى الإسكندرية إلى أن نزل وردان «4» فى يوم عيد الأضحى وصلّى

به صلاة العيد، وخطب القاضى ناصر الدين بن البارزىّ كاتب السرّ، ثم ركب من الغد وسار حتى قدم برّ منبابة وعدّى النيل، ونزل فى بيت كاتب السرّ ببولاق، وأقام به إلى الغد وهو يوم الثلاثاء ثالث عشر ذى الحجة، وركب وطلع إلى القامة، كل ذلك وألم رجله يلازمه. وبعد طلوعه إلى القلعة رسم للأمراء بالتجهيز إلى سفر الشّام صحبة ولده المقام الصّارمى إبراهيم «1» ، كل ذلك والعرض لأجناد الحلقة مستمر، وعيّن منهم للسفر جماعة كبيرة، وألزم من يقيم منهم بالمال. ثم قدمت إلى الديار المصرية الخاتون أم إبراهيم بن رمضان التّركمانى من بلاد الشرق، وقبّلت الأرض بين يدى السلطان فرسم بتعويقها فعوّقت. ثم تكرر من الملك المؤيد التوجّه إلى الصّيد فى هذا الشهر غير مرة. وفى هذه السنة هدمت المئذنة المؤيدية، وغلق باب زويلة ثلاثين يوما، وعظم ذلك على السلطان إلى الغاية، وكانت المئذنة المذكورة عمّرت على أساس البرج الذي كان على باب زويلة، وعملت الشعراء فى ذلك أبياتا كثيرة، وكان القاضى بهاء الدين [محمد بن] «2» البرجى محتسب القاهرة متولى نظر عمارة الجامع المذكور، فقال بعض الشعراء فى ذلك:-[الطويل] عتبنا على ميل المنار زويلة ... وقلنا تركت الناس بالميل فى هرج فقالت قرينى برج نحس أمالها ... فلا بارك الرحمن فى ذلك البرج قلت صح للشاعر ما قصده من التّورية فى البرج الذي عمّرت عليه، وفى بهاء الدين البرجى. وقال الحافظ شهاب الدين بن حجر وقصد بالتّورية بدر الدين العينى. [الطويل]

ما وقع من الحوادث سنة 822

لجامع مولانا المؤيد رونق ... منارته بالحسن تزهو والزّين «1» تقول وقد مالت عن الوضع امهلوا «2» ... فليس على حسنى أضر من العينى فأجاب العينى:-[البسيط] منارة كعروس الحسن قد جليت ... وهدمها بقضاء الله والقدر قالوا أصيبت بعين قلت ذا خطأ ... ما أوجب الهدم إلا خسّة الحجر «3» قلت: ساعده قوله خسّة الحجر ما كان وقع بسبب هدم المنارة المذكورة فإنه كان بنى أساسها بحجر صغير، ثم عمّروا أعلاها بالحجر الكبير فأوجب ذلك ميلها وهدمها بعد فراغها. وقال الشيخ تقي الدين أبو بكر بن حجة فى المعنى:-[الطويل] على البرج من بابى زويلة أنشئت ... منارة بيت الله والمنهل المزجى فأخنى بها البرج اللعين أمالها ... ألا صرّحوا يا قوم باللعن للبرجى وقيل إن ذلك كان فى السنة الماضية- انتهى. [ما وقع من الحوادث سنة 822] وأخذ السلطان فى تجهيز ولده الصارمى إبراهيم إلى أن تهيّأ أمره، وأنفق على الأمراء المتوجّهين صحبته. فلما كان بكرة يوم الاثنين ثامن عشر المحرم من سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة ركب المقام الصارمى إبراهيم بن السلطان من قلعة الجبل فى أمراء الدولة، ومعه عدة من أمراء الألوف المعينة صحبته إلى السفر، ونزل بمخيّمه من الرّيدانية خارج القاهرة. ثم خرجت أطلاب الأمراء المتوجّهة صحبته وهم: الأمير قجقار القردمى أمير سلاح، والأمير ططر أمير مجلس، وجقمق الأرغون شاوى الدّوادار الكبير،

وإينال الأرغزى، وجلبّان أمير آخور، وأركماس الجلبّانى، وهؤلاء من أمراء الألوف، وثلاثة من أمراء الطبلخانات، وخمسة عشر أميرا من العشرات، ومائتى مملوك من المماليك السلطانية، وأقام الصارمى إبراهيم بمخيّمه إلى أن ركب السلطان من قلعة الجبل ونزل إليه بالرّيدانية فى عشرينه وبات عنده بالرّيدانية، ثم ودعه من الغد وركب إلى القلعة. ثم رحل المقام الصارمى إبراهيم من الرّيدانية بمن معه من العساكر فى يوم الجمعة ثانى عشرينه وسار إلى البلاد الشامية. ثمّ شرع السلطان فى بناء القبّة بالحوش «1» السّلطانىّ من قلعة الجبل المعروفة الآن بالبحرة المطلّة على القرافة، وجاءت فى غاية الحسن. وأما الصارمىّ إبراهيم فإنّه سار إلى أن وصل دمشق فى يوم الاثنين سادس عشر صفر بعد أن خرج إلى تلقّيه النواب والعساكر، وأقام بدمشق أيّاما وخرج منها يريد البلاد الحلبيّة إلى أن نزل على تلّ السلطان فى يوم الثلاثاء أوّل شهر ربيع الأوّل، فخرج إليه نائب حلب الأمير يشبك اليوسفى المؤيّدى بعساكر حلب، وتلقّاه ونزل بظاهر حلب. ثم بدأ الطاعون بالدّيار المصريّة. هذا والعرض لأجناد الحلقة مستمر، فتارة يعرضهم السلطان وتارة الأمير مقبل الحسامى الدّوادار الثانى «2» ، وناظر الجيش علم الدين داود بن الكويز. ثمّ فى يوم الخميس سابع عشر ربيع الأوّل نزل السلطان من القلعة إلى جامعه بالقرب من باب زويلة واستدعى به قاضى القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقينى وخلع عليه خلعة القضاء بعد عزل القاضى شمس الدين الهروى، ونزل البلقينى بالخلعة من

باب الجامع الذي من تحت الربع «1» ، وشقّ القاهرة وكان له مشهد عظيم. هذا والطّاعون قد فشا بالديار المصرية وتزايد بها وبأعمالها. فلما كان يوم الخميس ثامن شهر ربيع الآخر من سنة اثنتين وعشرين المذكورة نودى فى الناس من قبل المحتسب الشيخ صدر الدين بن العجمى أن يصوموا ثلاثة «2» أيّام آخرها يوم الخميس خامس عشره ليخرجوا فى ذلك اليوم مع السلطان الملك المؤيّد إلى الصحراء فيدعو الله فى رفع الطاعون عنهم، ثم أعيد النداء فى ثانى عشره أن يصوموا من الغد، فتناقص عدد الأموات فيه، فأصبح كثير من الناس صياما، فصاموا يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس. فلمّا كان يوم الخميس المذكور نودى فى الناس بالخروج إلى الصّحراء من الغد، وأن يخرج العلماء والفقهاء ومشايخ الخوانق وصوفيّتها وعامّة الناس، ونزل الوزير بدر الدين حسن بن نصر الله، والتاج الشّوبكى أستادار الصحبة إلى تربة الملك الظاهر برقوق فنصبوا المطابخ بالحوش القبلى منها وأحضروا الأغنام والأبقار، وباتوا هناك فى تهيئة الأطعمة والأخباز، ثم ركب السلطان بعد صلاة الصبح ونزل من قلعة الجبل بغير أبّهة الملك بل عليه ملوطة «3» صوف أبيض بغير شدّ فى وسطه، وعلى كتفيه مئزر صوف مستدل «4» كهيئة الصّوفيّة، وعلى رأسه عمامة صغيرة ولها عذبة مرخاة من بين لحيته وكتفه الأيسر وهو بتخشّع وانكسار، ويكثر من التلاوة والتسبيح، وهو راكب فرسا بقماش ساذج ليس فيه ذهب ولا فضة ولا حرير. هذا وقد أقبل الناس إلى الصحراء أفواجا، وسار شيخ الإسلام قاضى القضاة جلال

الدين عبد الرحمن البلقينى الشّافعى من منزله بحارة بهاء الدين «1» ما شيا إلى الصحراء فى عالم كثير. ثم سار غالب أعيان مصر إلى الصحراء ما بين راكب وماش حتى وافوا السلطان بالصحراء قريبا من قبة النصر ومعهم الأعلام والمصاحف، ولهم بذكر الله تعالى أصوات مرتفعة من التهليل والتكبير. فلما وصل السلطان إلى مكان الجمع بالصحراء ونزل عن فرسه وقام على قدميه وعن يمينه وشماله الخليفة والقضاة وأهل العلم، ومن بين يديه وخلفه طوائف من الصّوفيّه ومشايخ الزّوايا وغيرهم لا يحصيهم إلا الله تعالى، فبسط السلطان يديه ودعا الله سبحانه وتعالى وهو يبكى وينتحب والجمّ الغفير يراه ويؤمّن على دعائه، وطال قيامه فى الدّعاء وكلّ أحد يدعو الله تعالى ويتضرّع إلى أن أستتمّ الدّعاء، وركب يريد الحوش «2» الظاهرى حيث مدّ الطعام والناس فى ركابه وبين يديه من غير أن يمنعهم من ذلك مانع، وسار حتى نزل بالحوش المذكور من التربة الظاهريّة، وقدّم له الأسمطة فأكل منها وأكل الناس معه. ثم ذبح بيده قربانا- قرّبه إلى الله تعالى- نحو مائة وخمسين كبشا سمينا من أثمان خمسة دنانير الواحد. ثم ذبح عشر بقرات سمان وجاموستين وجملين كل ذلك وهو يبكى ودموعه تنحدر على لحيته بحضرة الملأ من الناس. ثم ترك القرابين على مضاجعها كما هى للناس وركب إلى القلعة، فتولّى الوزير التاج تفرقتها صحاحا على أهل الجوامع المشهورة والخوانق وقبّة الإمام الشافعى والإمام

الليث بن سعد والمشهد النّفيسى وعدة أخر من الزّوايا حملت إليها صحاحا، وقطع منها عدّة بالحوش فرّقت لحما على الفقراء، وفرّق من الخبز النقى فى اليوم المذكور عدّه ثمانية وعشرين ألف رغيف وعدّة قدور كبار مملوءة بالطعام الكثير، وأخذ الطعام الكثير، وأخذ الطاعون من يومئذ فى النقص بالتدريج. ثم قدم على السلطان الخبر فى ثانى عشرين شهر ربع الآخر برحيل المقام الصّارمى إبراهيم من مدينة حلب بعساكره والعساكر الشّاميّة، وأنه دخل إلى مدينة قيساريّة «1» فحضر إليه أكابر البلد من القضاة والمشايخ والصّوفيّة فتلقّوه فألبسهم الخلع، وطلع قلعتها يوم الجمعة، وخطب فى جوامعها للسلطان، وضربت السّكة باسمه وأنّ شيخ جلبى نائب قيسارية تسحب منها قبل وصول العساكر إليها، وأن ابن السلطان خلع على محمد بك بن قرمان وأقرّه فى نيابة السلطنة بقيسارية، فدقت البشائر بقلعة الجبل لذلك، وفرح السلطان بأخذ قيسارية فرحا عظيما فإن هذا شىء لم يتّفق لملك من ملوك التّرك بالديار المصرية سوى الملك الظاهر بيبرس، ثم انتقض الصلح بينه وبين أهلها حسبما ذكرناه فى ترجمته من هذا الكتاب- انتهى. ولمّا استهل جمادى الأولى تناقص فيه الطّاعون «2» حتى كان الذي ورد اسمه فى أوله من الأموات سبعة وسبعين نفرا. قال الشيخ تقىّ الدين المقريزى: وكان عدّة من مات بالقاهرة وورد اسمه الديوان- من العشرين من صفر وإلى سلخ شهر ربيع الآخر- سبعة آلاف وستمائة واثنتين وخمسين نفسا: الرجال [ألف] «3» وخمسة وستون رجلا، والنساء ستمائة وتسع وستون امرأة، والصغار ثلاثة آلاف وتسعمائة وتسعة وستون، والعبيد خمسمائة وأربعة وأربعون،

والإماء ألف وثلاثمائة وتسع وستون، والنصارى تسعة وستون، واليهود اثنان وثلاثون، وذلك سوى البيمارستان، وسوى ديوان مصر، وسوى من لا يرد اسمه الدّواوين، ولا يقصر ذلك عن تتمّة عشرة آلاف، ومات بقرى الشرقية والغربية مثل ذلك. قلت: وقول الشيخ تقي الدين «ولا يقصر ذلك عن تتمّة عشرة آلاف» فقد مات فى طاعون سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة فى يوم واحد بالقاهرة وظواهرها نحو عشرة آلاف إنسان، واستمرّ ذلك أياما ما بين ثمانية آلاف وتسعة آلاف وعشرة آلاف حسبما يأتى ذكره إن شاء الله فى محله فى ترجمة الملك الأشرف برسباى الدّقماقى- انتهى. وفى يوم الأحد ثانى جمادى الأولى المذكور ولد للسلطان الملك المؤيد ولده الملك المظفّر أحمد «1» من زوجته خوند سعادات بنت الأمير صرغتمش. ثم فى سابع جمادى الأولى استدعى السلطان بطرك النصارى وقد اجتمع القضاة ومشايخ العلم عند السلطان، فأوقف البطرك على قدميه ووبّخ وقرّع، وأنكر عليه السلطان ما بالمسلمين من الذّلّ فى بلاد الحبشة تحت حكم الحطّى «2» متملكها، وهدّد بالقتل، فانتدب له الشيخ صدر الدين أحمد بن العجمى محتسب القاهرة فأسمعه المكروه من أجل تهاون النّصارى فيما أمروا به فى ملبسهم وهيئاتهم، وطال كلام العلماء مع السلطان فى ذلك إلى أن استقرّ الحال بأن لا يباشر أحد منهم فى ديوان السلطان «3» ولا عند أحد من الأمراء، ولا يخرج أحد منهم عما ألزموا به من الصّغار، ثم طلب السلطان الأكرم فضائل النّصرانىّ كاتب الوزير- وكان قد سجن من أيام- فضربه السلطان بالمقارع «4» وشهّره بالقاهرة عريانا بين يدى المحتسب وهو ينادى عليه: هذا جزاء من

يباشر من النصارى فى ديوان السلطان، ثم سجن أيضا بعد إشهاره، وصمّم السلطان فى ذلك حتى انكفّ النصارى عن المباشرة فى سائر دواوين الدّيار المصرية، ولزموا بيوتهم، وصغّروا عمائمهم وضيّقوا أكمامهم، والتزم اليهود مثل ذلك، وامتنعوا جميعهم من ركوب الحمير، بحيث إنّ العامة صارت إذا رأوا نصرانيا على حمار ضربوه وأخذوا حماره وما عليه، فصاروا لا يركبون الحمار إلا بخارج القاهرة، وبذل النصارى جهدهم فى السّعى إلى عودهم إلى المباشرة وأوعدوا بمال كبير، وساعدتهم كتّاب الأقباط، فلم يلتفت السلطان إلى قولهم، وأبى إلا ما رسم به من المنع. قلت: ولعلّ الله أن يسامح الملك المؤيّد بهذه الفعلة عن جميع ذنوبه، فإنها من أعظم الأمور فى نصرة الإسلام، ومباشرة هؤلاء النصارى فى دواوين الديار المصرية من أعظم المساوئ الذي نوّل منه التعظيم إلى دين النصرانية؛ لأن غالب الناس من المسلمين يحتاج إلى التّردّد إلى أبواب أرباب الدّولة لقضاء حوائجهم، فمهما كان لهم من الحوائج المتعلقه بديوان ذلك الرئيس فقد احتاجوا إلى التواضع والترقق إلى من بيده أمر الديوان المذكور، نصرانيا كان أو يهوديا أو سامريا «1» ، وقد قيل فى الأمثال «صاحب الحاجة أعمى لا يريد إلا قضاءها» فمنهم من يقوم بين يدى ذلك النّصرانى على قدميه والنصرانى جالس ساعات كثيرة حتى يقضى حاجته بعد أن يدعو له ويتأدب معه تأدبا لا يفعله مع مشايخ العلم، ومنهم من يقبّل كتفه ويمشى فى ركابه إلى بيته إلى أن تقضى حاجته، وأما فلاحو القرى فإنه ربما النّصرانىّ المباشر يضرب الرجل منهم ويهينه ويجعله فى الزّنجير «2» ، ويزعم بذلك خلاص مال أستاذه، وليس الأمر كذلك وإنما يقصد التحكّم فى المسلمين لا غير، فهذا هو الذي يقع للأسير من المسلمين فى بلاد الفرنج بعينه لا زيادة على ذلك غير أنه يملك رقّه.

وقد حدثنى بعض الثقات من أهل صعيد مصر قال: كان غالب مزارعى بلدنا أشرافا علويّة، والعامل بالبلد نصرانيا، فإذا قدم العامل إلى البلد خرجت الفلاحون لتلقيّه، فمنهم من يسلّم عليه السّلام المعتاد، ومنهم من يفشى السلام عليه ويمعن فى ذلك، ومنهم من يمشى فى ركابه إلى حيث ينزل من البلد، ومنهم من يقبّل يده- وهو الفقير المحتاج أو الخائف من صاحب البلد- ويسأله إصلاح شأنه فيما هو مقرّر عليه من وزن الخراج حتى يسمح له بذلك، فلما منع الملك المؤيد هؤلاء النّصارى عن المباشرة بطل ذلك كلّه؛ فيكون الملك المؤيد على هذا الحكم فتح مصر فتحا ثانيا، وأعلى كلمة الإسلام وأخذل كلمة الكفر، ولا شىء عند الله أفضل من ذلك. ولما لم يجب النصارى إلى عودهم إلى ما كانوا عليه من المباشرات بالديار المصرية وأعياهم أمر السلطان وثباته، وانقطع عنهم ما ألفوه من التحكّم فى المسلمين- ويقال: إنّ العادة طبع خامس- شقّ عليهم ذلك، فتتابع عدّة منهم فى إظهار دين الإسلام وتلفظوا بالشهادتين فى الظاهر والله سبحانه وتعالى متولى السرائر. قال المقريزى- بعد أن ذكر نوعا مما قلناه بغير هذه العبارة- قال: فصاروا من ركوب الحمير إلى ركوب الخيل والتعاظم على أعيان أهل الإسلام والانتقام منهم بإذلالهم وتعويق تعاملهم ورواتبهم حتى يخضعوا لهم ويتردّدوا إلى دورهم ويلحّوا فى السّؤال- فلا قوة إلا بالله- انتهى كلام المقريزى باختصار. قلت: ويمكن إصلاح هذا الشّأن الثانى أيضا- إن صلح الراعى ونظر فى أحوال الرّعيّة وانتصر لدينه- بسهولة، هو أنه يكفّ من كان قريب عهد منهم من دين النصرانيّة عن المباشرة- انتهى. ثم قدم الخبر على السّلطان بتوجه ابن السلطان من مدينة قيساريّة إلى مدينة قونيّة «1» فى خامس عشر شهر ربيع الآخر بعد ما مهّد أمور قيسارية ونقش اسم

السلطان على بابها، وأن الأمير تنبك ميق نائب الشّام لمّا وصل إلى العمق حضر إليه الأمير حمزة بن رمضان بجماعة من التّركمان وتوجّه معه هو وابن أوزر إلى قريب مصيصه «1» وأخذ أدنة «2» وطرسوس فسرّ السلطان بذلك سرورا عظيما. ثم نادى محتسب القاهرة على النّصارى واليهود بتشديد ما أمرهم به من الملبس والعمائم وشدّد عليهم فى ذلك، فلما اشتدّ الأمر عليهم سعوا فى إبطال ذلك سعيا كبيرا فلم ينالوا غرضا. ثم قدم الخبر على السلطان بأن ابن السلطان وصل إلى نكدة «3» فى ثامن عشر شهر ربيع الآخر فتلقّاه أهلها وقد عصت عليه قلعتها، فنزل عليها وحاصرها وركب عليها المنجنيق، وعمل النّقّابون فيها، وأن محمد بن قرمان تسحّب من نكدة فى مائة وعشرين فارسا هو وولده مصطفى. كلّ ذلك والسلطان ملازم الفراش من ألم رجله، والأسعار مرتفعة. ثم فى ثانى عشر جمادى الآخرة ورد الخبر بأن ابن السلطان حاصر قلعة نكدة سبعة وعشرين يوما إلى أن أخذها عنوة فى رابع عشر جمادى الأولى، وقبض على من كان فيها وقيّدهم، وهم مائة وثلاثة عشر رجلا. ثم توجّه فى سادس عشر جمادى الأولى إلى مدينة لارندة «4» . ثم فى سابع عشرين جمادى الأولى ركب السلطان من القلعة وأراد النّزول بدار ابن

البارزىّ على النيل ببولاق فلم يطق ركوب الفرس وحركته؛ لما به من ألم رجله، فركب فى محفّة إلى البحر، وحمل منها إلى الدّار المذكورة وصارت الطبلخاناة تدقّ هناك، وتمدّ الأسمطة وتعمل الخدمة على ما جرت به العادة بقلعة الجبل، ونزل الأمراء فى الدّور التى حول بيت [ابن] «1» البارزىّ وغيرها، واستمرّ السلطان فى بولاق إلى أن استهلّ شهر رجب الفرد فى بيت ابن البارزىّ وهو يتنقّل منه- وهو محمول على الأعناق- تارة إلى الحمّام التى بالحكر وتارة يوضع فى الحرّاقة وتسير به على ظهر النيل، فيسير فيها إلى رباط الآثار «2» . ثم يحمل من الحرّاقة إلى [رباط] «3» الآثار المذكور، ثم يعود إلى بيت ابن البارزىّ، وتارة يسير فيها إلى القصر ببرّ الجيزة بحرىّ ممبابة، وتارة يقيم بالحرّاقة وهو بوسط النيل نهاره كلّه. وقدم عليه الخبر فى ثانى عشر شهر رجب المذكور أن ابن السلطان لما تسلّم نكدة استناب بها على بك بن قرمان. ثم توجّه بالعساكر إلى مدينة أركلى «4» فوصلها ثم رحل منها إلى مدينة لارندة فقدمها فى ثانى عشرين جمادى الآخرة، وبعث بالأمير يشبك اليوسفىّ نائب حلب فأوقع بطائفة من التّركمان، وأخذ أغنامهم وجمالهم وخيولهم وموجودهم، وعاد فبعث الأمير ططر والأمير سودون القاضى نائب طرابلس، والأمير شاهين الزّردكاش نائب حماة، والأمير مراد خجا نائب صفد، والأمير إينال الأرغزى، والأمير جلبّان رأس نوبة

سيدى [المقام الصارمى إبراهيم] «1» وجماعته من التّركمان، فكبسوا على محمد بن قرمان «2» بجبال لارندة فى ليلة الجمعة سادس جمادى الآخرة، ففرّ محمد بن قرمان منهم فأخذ جميع ما كان فى وطاقه «3» من خيل وجمال وأغنام وأثقال وقماش وأوانى فضة وبلّور، وعاد الأمراء بتلك الغنائم، فاقتضى عند ذلك رأى ابن السلطان ومن معه الرجوع إلى حلب «4» ، فعادوا فى تاسع شهر رجب، فجّهز السلطان إلى ولده بحلب ستة آلاف دينار ليفرقها على الأمراء، ورسم له بأن يقيم بحلب لعمارة سورها، وسار البريد بذلك. ثم ركب السلطان فى رابع عشر شهر رجب من بيت ابن البارزىّ ببولاق بالحرّاقة إلى بيت التاجر نور الدين الخروبى ببرّ الجيزة تجاه المقياس، وكان فى مدّة إقامته فى بيت ابن البارزىّ قد أحضر الحراريق من ساحل مصر «5» إلى ساحل بولاق «6» وزيّنت بأفخر زينة وأحسنها، وصار السلطان يركب فى الحرّاقة الذّهبيّة وبقية الحراريق سائرة معه مقلعة ومنحدرة، وتلعب بين يديه، كما كانت العادة فى تلك الأيام عند وفاء النيل، ودوران المحمل فى نصف شهر رجب. ولما كان أيّام دوران المحمل على العادة فى كل سنة رسم السلطان إلى معلّم الرّمّاحة «7» أن يسوقوا المحمل بساحل بولاق، وكان ساحل بولاق يوم ذاك برّا وسيعا ينظر الجالس فى بيت ابن البارزىّ مدد عينه من جهة فم الخور، «8»

فتوجّه المعلّم بالرّمّاحة هناك فى يوم المحمل، وساقوا بين يديه كما يسوقون فى بركة الحبش «1» أيّام أزمانهم وبالرّميلة «2» فى يوم المحمل، وتفرّجت الناس على المحمل فى بولاق، ولم يقع مثل ذلك فى سالف الأعصار، فصار الشخص يجلس بطاقته فيتفرّج على المحمل وعلى البحر معا، فلمّا كان قريب الوفاء ركب فى الحرّاقة الذهبيّة والحراريق بين يديه بعد أن أقاموا بالزّينة أيّاما والناس تتفرّج عليهم، وسار حتى نزل بالخرّوبيّة فأرست الحراريق المزينّة على ساحل مصر بدار النّحاس «3» ، كما هى عادتها فى السنين الماضية إلى أن كان يوم الوفاء وهو يوم سادس عشر رجب ركب السلطان من الخرّوبيّة فى الحرّاقة، وسار إلى المقياس ومعه الأمراء وأرباب الدّولة حتى خلّق المقياس على العادة. ثم سار فى خليج السّدّ حتى فتحه، وركب فرسه فى عساكره وعاد إلى القلعة، فكانت غيبته عن القلعة فى نزهته ثلاثين يوما بعد ما انقضى للناس بساحل بولاق فى تلك الأيّام من الاجتماعات والفرج أوقات طيّبة إلى الغاية لم يسمع بمثلها، ولم يكن فيها- بحمد الله- شىء مما ينكر كالخمور وغيرها، وذلك لإعراض السلطان عنها من منذ لازمه وجع رجله. ثم قدم الخبر على السّلطان بوصول ولده المقام الصارمى بعساكره إلى حلب فى ثالث شهر رجب، وأن الأمير تنبك العلائى ميق نائب الشام واقع مصطفى وأباه محمد ابن قرمان وإبراهيم بن رمضان على أدنة فانهزموا منه أقبح هزيمة. ثم فى عشرين شعبان تزايد ألم السلطان ولم يحمل إلى القصر السلطانى، ولزم

الفراش، واشتد به المرض، وخلع على التاج ابن سيفه باستقراره أمير حاج المحمل، ثم نصل السلطان من مرضه قليلا فركب فى يوم سابع عشرين شعبان من القلعة ونزل للفرجة على سباق الخيل، فسار بعساكره سحرا ووقف بهم تحت قبّة النّصر «1» وقد أعدّ للسباق أربعين فرسا فأطلق أعنتها من بركة الحاج فأجريت منها حتى أتته ضحى النهار، فحصل له برؤيتها النّشاط، ورجع من موقفه إلى تربة الملك الظّاهر برقوق، ووقف قريبا منها دون الساعة، ثم بعث المماليك والجنائب والشطفة «2» إلى القلعة وتوجّه إلى خليج الزّعفران «3» ، فنزل بخاصته وأقام به إلى آخر النهار، وركب إلى القلعة. ثم فى سلخ شعبان ركب السلطان أيضا من قلعة الجبل إلى بركة الحبش وسابق بالهجن، ثم عاد إلى القلعة. ثم فى يوم الخميس أوّل شهر رمضان قدم الخبر أن ابن السلطان رحل من حلب فى رابع عشرين «4» شعبان، وأنّ محمد بن قرمان وولده مصطفى وإبراهيم بن رمضان وصلوا إلى قيساريّة فى سادس عشرين «5» شعبان وحصروا بها الأمير ناصر الدين محمد ابن دلغادر نائبها فقاتلهم حتى كسرهم «6» ونهب ما كان معهم، وقتل مصطفى وحملت رأسه، وقبض على أبيه محمد بن قرمان- فسجن بها، ثم قدم رأس مصطفى ابن محمد بن على بك بن قرمان إلى القاهرة فى يوم الجمعة سادس عشر شهر رمضان، فطيف به بشوارع القاهرة على رمح ثم علّق على باب النّصر أحد أبواب القاهرة، وقدم

الخبر أيضا بمسير ابن السلطان من حلب وقدومه إلى دمشق فى خامس شهر رمضان، فأرسل السلطان الإقامات إلى ولده إلى أن كان يوم سابع عشرين شهر رمضان المذكور من سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة فركب السلطان من قلعة الجبل ونزل إلى لقاء ولده المقام الصّارمى «1» إبراهيم وقد وصل إلى قطيا، فسار السلطان إلى بركة الحاج، واصطاد بها، ثم ركب ومضى إلى جهة بلبيس فقدم عليه الخبر بنزول ابن السلطان الصالحيّة- فتقدّم الأمراء عند ذلك وأرباب الدّولة حتى وافوه بمنزلة الخطّارة «2» ، فلما عاينته الأمراء ترجّلوا عن خيولهم وسلّموا عليه واحدا بعد واحد حتى قدم عليه القاضى ناصر الدين بن البارزىّ كاتب السّرّ نزل له المقام الصّارمىّ عن فرسه ولم ينزل لأحد قبله؛ لما يعلمه من تمكّنه وخصوصيته عند أبيه الملك المؤيّد، وركب الجميع فى خدمته وعادوا بين يديه إلى العكرشة «3» والسلطان واقف بها على فرسه، فنزل الأمراء المسافرون وقبّلوا الأرض بين يدى السلطان، ثم قبّلوا يده واحدا بعد واحد إلى أن انتهى سلامهم نزل المقام الصارمى عن فرسه وقبّل الأرض، ثم قام ومشى حتى قبّل الرّكاب السّلطانى، فبكى السلطان من فرحه بسلامة ولده، وبكى الناس لبكائه، فكانت ساعة عظيمة. ثم سارا بموكبيهما الشامى والمصرى إلى سرياقوس وباتا بها ليلة الخميس تاسع عشرين شهر رمضان المذكور، وتقدّمت الأثقال والأطلاب ودخلوا القاهرة، وركب السلطان آخر الليل ورمى الطّير بالبركة، فقدم عليه الخبر بكرة يوم الخميس بوصول الأمير تنبك ميق نائب الشام، وكان قد طلب، فوافى ضحى، وركب فى الموكب السلطانى، ودخل السلطان من باب النصر فشقّ القاهرة- وقد زينت لقدوم ولده- والأمراء عليها

التشاريف، وعلى المقام الصارمى أيضا تشريف عظيم إلى الغاية وخلفه الأسراء الذين أخذوا من قلعة نكدة وغيرها فى الأغلال والقيود، وهم نحو المائتين كلهم مشاة إلا أربعة فإنهم على خيول، منهم نائب نكدة وثلاثة من أمراء ابن قرمان، وكلهم فى الحديد، فسار الموكب إلى أن وصل السلطان وولده إلى القلعة «1» ، فكان يوما مشهودا إلى الغاية لم ينله أحد من ملوك مصر، فلهجت الناس بأن الملك المؤيّد قد تمّ سعده، كل ذلك والسلطان لا يستطيع المشى من ألم رجله. وأصبح يوم السبت أوّل شوال صلّى صلاة العيد بالقصر لعجزه عن المضىّ إلى الجامع؛ لشدة ألم رجله وامتناعه من النهوض على قدميه. ثم فى ثالث شوال خلع على الأمير جقمق الأرغون شاوىّ الدّوادار الكبير باستقراره فى نيابة الشام عوضا عن تنبك العلائى ميق [بحكم عزله] «2» ، وخلع على الأمير مقبل الحسامىّ الدّوادار الثانى باستقراره دوادارا كبيرا على إمرة طبلخاناه «3» ، وأنعم السلطان بإقطاع جقمق الدّوادار على الأمير تنبك ميق. ثم فى رابع شوال المذكور خلع السلطان أيضا على الأمير قطلوبغا التّنمىّ أحد مقدّمى الألوف بالديار المصرية واستقرّ فى نيابة صفد عوضا عن الأمير قرامراد خجا، ورسم بتوجّه قرامراد خجا إلى القدس بطّالا، وأنعم بإقطاع قطلوبغا التّنمىّ على الأمير جلبّان الأمير آخور الثانى، وأنعم بإقطاع جلبّان ووظيفته على الأمير آقبغا التّمرازىّ، فتجهّز جقمق بسرعة وخرج فى يوم سابع عشره من القاهرة متوجّها إلى محلّ كفالته بدمشق. ثم فى يوم الجمعة حادى عشرينه نزل السلطان إلى جامعه بالقرب من باب زويلة وقد هيّئت به المطاعم والمشارب فمدّ بين يديه سماط عظيم فأكل السلطان منه والأمراء

والقضاة والعسكر، وملئت الفسقيّة التى بصحن الجامع سكّرا مذابا، فشرب الناس منه، ثم أحضرت الحلاوات؛ كل ذلك لفراغ الجامع المذكور ولإجلاس قاضى القضاة شمس الدين محمد بن الدّيرى الحنفى فى مشيخة الصّوفيّة وتدريس الحنفية، وفرشت السّجادة لابن الدّيرى فى المحراب، وقرّر خطابة الجامع المذكور للقاضى ناصر الدين محمد بن البارزىّ كاتب السرّ، ثم عرض السلطان الفقهاء وقرّر منهم من اختاره فى الوظائف والتصوّف، ثم استدعى قاضى القضاة شمس الدين بن الديرى وألبسه خلعة باستقراره فى المشيخة، وجلس بالمحراب والسّلطان وولده الصّارمى إبراهيم عن يساره، والقضاة عن يمينه، ويليهم مشايخ العلم وأمراء الدولة، فألقى ابن الديرى درسا عظيما وقع فيه أبحاث ومناظرات [بين الفقهاء] «1» والملك المؤيد يصغى لهم ويعجبه الصواب من قولهم، ويسأل عما لا يفهمه حتى يفهمه. قلت: هذا هو المطلوب من الملوك، الفهم والذّوق لينال كلّ ذى رتبة رتبته، وينصف أرباب الكمالات- بين يديه- من كلّ فن، فوا أسفاه على ذلك الزمان وأهله. واستمرّ البحث بين الفقهاء إلى أن قرب وقت الصلاة ثم انفضّوا، واستمر السلطان جالسا بمكانه إلى أن حان وقت الصلاة، وتهيأ السلطان وكلّ أحد للصلاة، فخرج القاضى ناصر الدين بن البارزىّ من بيت الخطابة وصعد المنبر وخطب خطبة بليغة فصيحة من إنشائه، ثم نزل وصلّى بالناس صلاة الجمعة، فلما انقضت الصلاة خلع السلطان عليه باستقراره فى خطابة الجامع المذكور ووظيفة خازن الكتب. ثم ركب السلطان من الجامع المذكور وعدّى النيل إلى برّ الجيزة فأقام به إلى يوم الأحد ثالث عشرينه، وعاد إلى القلعة، ثم ركب من القلعة فى يوم الأحد أول ذى القعدة للصيد وعاد من يومه. وفى يوم ثالثه سار الأمير الكبير ألطنبغا القرمشى والأمير طوغان الأمير آخور الكبير للحج على الرّواحل من غير ثقل.

ما وقع من الحوادث سنة 823

ثم فى يوم الجمعة سادس ذى القعدة خلع السلطان على القاضى زين الدين عبد الرحمن ابن على بن عبد الرحمن التّفهنى الحنفى باستقراره قاضى قضاة الحنفيّة عوضا عن قاضى القضاة شمس الدين محمد بن الديرى المستقرّ فى مشيخة الجامع المؤيدى برغبة ابن الديرى؛ فإنه كان من حادى عشرين شوال قد انجمع عن الحكم بين الناس ونوّابه تقضى. وفيه أيضا عدى السلطان النيل يريد سرحة البحيرة، وجعل نائب الغيبة الأمير إينال الأرغزى، وسار السلطان حتى وصل مريوط وعاد فأدركه عيد الأضحى بمنزلة الطّرّانة، فصلى بها العيد، وخطب كاتب سرّه القاضى ناصر الدين بن البارزى. قلت: هكذا يكون كتّاب سرّ الملوك أصحاب علم «1» وفضل ونظم ونثر وخطب وإنشاء، لا مثل جمال الدين الكركى وشهاب الدين بن السفّاح. ثم ارتحل السلطان من الغد وسار حتى نزل على برّ منبابة بكرة يوم الأحد ثالث عشر ذى الحجة، وعدّى النيل من الغد ونزل ببيت كاتب السرّ ابن البارزىّ، وبات به، ودخل الحمام التى أنشأها كاتب السرّ بجانب داره، ثم عاد السلطان فى يوم الاثنين رابع عشر ذى الحجة إلى القلعة، وخلع على الأمراء والمباشرين على العادة، ثم نزل السلطان فى يوم الجمعة ثامن عشره إلى الجامع المؤيدى، وصلى به الجمعة، وخطب به كاتب السرّ ابن البارزى، ثم حضر من الغد الأمير محمد بك بن على بك بن قرمان صاحب قيساريّة وقونية ونكدة ولا رندة وغيرها من البلاد وهو مقيد محتفظ به، فأنزل فى دار الأمير مقبل الدّوادار ووكّل به إلى ما سيأتى ذكره «2» . [ما وقع من الحوادث سنة 823] ثم فى يوم الجمعة ثالث المحرم وصل الأمير الكبير ألطنبغا القرمشى والأمير طوغان أمير آخور من الحجاز، فكانت غيبتهما عن مصر تسعه وخمسين يوما، وفيه استقرّ الأمير شاهين الزّرد كاش نائب حماة فى نيابة طرابلس عوضا عن سودون القاضى، واستقرّ فى نيابة حماة عوضا عن شاهين المذكور الأمير إينال الأرغزى

النّوروزى نائب غزّة، واستقر عوضه فى نيابة غزّة الأمير أركماس الجلبّانى أحد مقدمى الألوف بالديار المصرية، ثم أفرج السلطان عن الأمير نكباى حاجب دمشق من سجنه بقلعة دمشق واستقر فى نيابة طرسوس، وأحضر نائبها الأمير تنبك أميرا إلى حلب، واستقر الأمير خليل الدّشارى أحد أمراء الألوف بدمشق فى حجوبية الحجاب بدمشق وكانت شاغرة منذ أمسك نكباى، واستقر الأمير سنقر نائب قلعة دمشق، واستقر الأمير آفبغا الأسندمرى الذي كان ولى نيابة سيس ثم حمص حاجبا بحماة عوضا عن الأمير سودون السّيفى علّان بحكم عزله واعتقاله، وكان بطلا بالقدس. ثم فى سادس عشر المحرم نقل الشيخ عز الدين عبد العزيز البغدادى من تدريس الحنابلة بالجامع المؤيدى إلى قضاء الحنابلة بدمشق، واستقر عوضه فى التدريس بالجامع المذكور العلامة محب الدين أحمد بن نصر الله البغدادى. ثم فى يوم الاثنين خامس صفر ركب السلطان من القلعة وعدّى النيل ونزل بناحية وسيم على العادة فى كل سنة، وأقام بها إلى عشرين صفر، فركب وعاد من وسيم إلى أن عدى النيل ونزل ببيت كاتب السروبات به، وعمل الوقيد فى ثانى عشرينه، ثم ركب من الغد إلى الغد إلى القلعة. ثم فى سادس عشرينه نزل السلطان من القلعة إلى بيت الأمير أبى بكر الأستادار وعاده فى مرضه، فقدّم له أبو بكر تقدمة هائلة، واستمرّ أبو بكر مريضا إلى أن مات وتولّى الأستادارية بعده الأمير يشبك المؤيدى المعروف بأنالى- أى له أمّ- فى يوم الخميس ثالث عشر شهر ربيع الأوّل. ثم فى هذا الشهر تحرّك عزم السلطان على السّفر إلى بلاد الشّرق لقتال قرا يوسف، وأخذ فى الأهبة لذلك وأمر الأمراء بعمل مصالح السّفر، فشرعوا فى ذلك، هذا وهو لا يستطيع الرّكوب ولا النّهوض من شدّة ما به من الألم الذي تمادى برجله وكسّحه، ولا ينتقل من مكان إلى آخر إلا على أعناق المماليك، وهو مع ذلك له حرمة ومهابة فى

القلوب لا يستطيع أخصّاؤه النظر إلى وجهه إلا بعد أن يتلطّف بهم ويباسطهم حتى يسكن روعهم منه. ثم فى أوّل شهر ربيع الآخر وقع الشروع فى بناء منظرة الخمس وجوه «1» بجوار التّاج «2» الخراب خارج القاهرة بالقرب من كوم الرّيش» لينشئ السلطان حوله بستانا جليلا ودورا، ويجعل ذلك عوضا عن قصور سرياقوس، ويسرح إليها كما كانت الملوك نسرح إلى سرياقوس منذ أنشأها الملك الناصر محمد بن قلاوون. ثم فى ثالث عشر شهر ربيع الآخر المذكور ابتدأ بالسّلطان ألم تجدّد عليه من حبسة الإراقة «4» ، مع ما يعتريه من ألم رجله، واشتدّ به وتزايد ألم رجله. فلما كان يوم الأربعاء رابع عشرين الشّهر المذكور نادى السلطان بإبطال مكس الفاكهة البلدية والمجلوبة، وهو فى كل سنة نحو ستة آلاف دينار سوى ما يأخذه الكتبة والأعوان، فبطل ونقش ذلك على باب الجامع المؤيدى. ثم فى يوم الخميس ثانى جمادى الأولى ابتدأ بالمقام الصارمى إبراهيم ابن السلطان الملك المؤيد مرض موته، ولزم الفراش بالقلعة إلى يوم الثلاثاء رابع عشره ركب من القلعة فى محفّة لعجزه عن ركوب الفرس ونزل إلى بيت القاضى زين الدين عبد الباسط ابن خليل ناظر الخزانة ببولاق، وأقام به، ثم ركب من الغد فى النّيل وعدّى إلى الخرّوبيّة ببرّ الجيزة، وأقام بها وقد تزايد مرضه.

وأما السلطان فإنه ركب من القلعة فى يوم ثانى عشر جمادى الأولى المذكور وتوجّه إلى منظرة الخمس وجوه وشاهد ما عمل هناك، ورتب ما اقتضاه نظره من ترتيب البناء، وعاد إلى بيت صلاح الدين خليل بن الكويز ناظر الدّيوان المفرد المطلّ على بركة الرّطلى، فأقام فيه نهاره وعاد من آخره إلى القلعة. ثم فى يوم السبت خامس عشرينه خلع السلطان على الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان البساطىّ المالكى شيخ الخانقاه الناصرية فرج باستقراره قاضى قضاة المالكية بعد وفاة القاضى جمال الدين عبد الله بن مقداد الأقفهسى. ثم فى يوم الأربعاء تاسع عشرينه نزل السلطان من القلعة وتوجّه إلى الميدان الكبير الناصرى بمردة الجبس، وكان قد خرب وأهمل أمره منذ أبطل الملك الظاهر برقوق الرّكوب إليه، ولعب الكرة فيه، وتشعثت قصوره وجدرانه، وصار منزلا لركب الحاج من المغاربة، فرسم السلطان فى أوّل هذا الشهر للصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله بعمارته، فلما انتهى نزل السلطان إليه فى هذا اليوم وشاهد ما عمّر به فأعجبه، ومضى منه إلى بيت ابن البارزىّ ببولاق وقد تحوّل المقام الصارمى إبراهيم من الخرّوبية «1» إلى قاعة الحجازية «2» فزاره السلطان غير مرّة بالحجازية، وأنزل بالحريم السلطانىّ إلى بيت ابن البارزىّ فأقاموا عنده. فلما كان يوم الجمعة أوّل جمادى الآخرة صلّى السلطان صلاة الجمعة بالجامع الذي جدّده ابن البارزى تجاه بيته، وكان هذا الجامع يعرف قديما بجامع

الأسيوطى «1» ، وخظب به وصلى قاضى القضاة جلال الدين البلقينىّ. ثم ركب السلطان من الغد فى يوم السبت ثانى جمادى الآخرة إلى الميدان المقدم ذكره وعمل به الخدمة السلطانية، ثم توجه إلى القلعة وأقام بها إلى يوم الأربعاء سادسه فركب منها ونزل إلى بيت ابن البارزى وأقام به أياما، ثم عاد إلى القلعة. ثم فى يوم الأربعاء ثالث عشره حمل المقام الصارمى إبراهيم من الحجازية إلى القلعة على الأكتاف لعجزه عن ركوب المحفّة، فمات ليلة الجمعة خامس عشره «2» فارتجّت القاهرة لموته، فجهّز من الغد وصلّى عليه ودفن بالجامع المؤيّدى، وشهد السلطان الصلاة عليه ودفنه، مع عدم نهضته للقيام من شدّة مرضه وللوجد الذي حصل له على ولده، وأقام السلطان بالجامع المؤيّدى إلى أن صلى به الجمعة، وخطب القاضى

ناصر الدين بن البارزى على العادة، وخطب خطبة بليغة من إنشائه، وسبك فى الخطبة الحديث الذي ذكره النّبيّ- صلّى الله عليه وسلم- عند موت ولده إبراهيم «إنّ العين لتدمع وإنّ القلب ليخشع وإنّا لمحزنون على فراقك يا إبراهيم ... الخ» فلما ذكر ذلك ابن البارزى على المنبر بكى السلطان وبكى الناس لبكائه فكانت ساعة عظيمة، ثم ركب السلطان بعد الصلاة من الجامع المؤيّدى وعاد إلى القلعة، وأقام القرّاء يقرءون القرآن على قبره سبع ليال. وفى هذه الأيام توقّف النيل عن الزّيادة، وغلا سعر الغلال، ونودى بالقاهرة بالصّيام ثلاثة أيام، ثم بالخروج إلى الصحراء للاستسقاء «1» ، فصام أكثر الناس وصام السلطان، فنودى بزيادة إصبع ممّا نقصه، ثم نودى فى يوم الأحد رابع عشرينه بالخروج من الغد للصحراء خارج القاهرة، فلما كان الغد يوم الاثنين خرج شيخ الإسلام قاضى القضاة جلال الدين البلقينى وسار حتى جلس فى فم الوادى قريبا من قبّة النّصر- وقد نصب هناك منبر- فقرأ سورة الأنعام، وأقبل الناس أفواجا من كل جهة حتى كثر الجمع ومضى من شروق الشمس نحو الساعتين أقبل السلطان بمفرده على فرس وقد تزيّا بزىّ أهل التّصوّف، واعتمّ على رأسه بمئزر صوف لطيف، ولبس على بدنه ثوب صوف أبيض، وعلى عنقه مئزر صوف [بعذبة] «2» مرخاة على بعض ظهره، وليس فى سرجه ولا شىء من قماش فرسه ذهب ولا حرير، فأنزل عن الفرس وجلس على الأرض من غير بساط ولا سجّادة مما يلى يسار المنبر، فصلّى قاضى القضاة ركعتين كهيئة صلاة العيد والناس وراءه يصلّون بصلاته، ثم رقى المنبر فخطب خطبتين حثّ الناس فيهما على التّوبة والاستغفار وأعمال البرّ وحذّرهم ونهاهم، وتحوّل فوق المنبر واستقبل القبلة ودعا فأطال الدعاء، والسلطان فى ذلك كلّه يبكى وينتحب وقد باشر فى سجوده التّراب بجبهته، فلما انقضت الخطبة ركب السلطان فرسه مع عدم قدرته على القيام،

وإنما يحمل على الأكتاف حتى يركب، ثم يحمل حتى ينزل، وسار إلى جهة القلعة والعامة محيطة به يدعون له، فكان هذا اليوم من الأيام المشهودة، ومن أحسن ما نقل عنه فى هذه الرّكبة أن بعض العامة دعا له حالة الاستسقاء أنّ الله ينصره، فقال لهم الملك المؤيد: اسألوا الله فيما نحن بصدده، وإنما أنا واحد منكم- لله درّه فيما قال. ثم فى غده نودى على النيل بزيادة اثنى عشر إصبعا بعد ما ردّ النقص، وهو قريب سبعة وعشرين إصبعا، فتباشر الناس باستجابة دعائهم. ثم قدم الخبر على السلطان بنزول قرا يوسف على بغداد وقد عصاه ولده شاه محمد «1» بها، فحاصره ثلاثة أيام حتى خرج إليه، فأمسكه أبوه قرا يوسف واستصفى أمواله وولّى عوضه على بغداد ابنه أميرزة أصبهان، ثم عاد قرا يوسف إلى مدينة تبريز لحركة شاه رخّ بن تيمور لنك عليه. ثم فى يوم الاثنين سابع عشر شهر رجب ركب السلطان من قلعة الجبل ونزل إلى بيت كاتب السرّ ابن البارزىّ على عادته ليقيم به ونزل الأمراء بالدّور من حوله، وصارت الخدمة تعمل هناك، وكان السلطان قد انقطع عن النزول إليه من يوم مات ابنه. ثم فى يوم الأربعاء تاسع عشره جمع السلطان خاصّته ونزل إلى البحر وسبح فيه «2» ، وعام من بيت كاتب السرّ إلى منية الشّيرج ثم عاد فى الحرّاقة، وكثر تعجّب الناس من قوّة سبحه مع زمانة رجله وعجزه عن الحركة والقيام، ولمّا أراد أن ينزل للسّباحة أقعد فى تخت من خشب كهيئة مقعد المحفّة، وأرخى من أعلى الدار بجبال وبكر إلى الماء، فلمّا عاد فى الحرّاقة رفع فى التخت المذكور من الحرّاقة إلى أعلى الدّار حتى جلس على مرتبته، فنودى من الغد على النّيل بزيادة ثلاثين إصبعا، ولم يزد فى هذه السنة مثلها، فتيامن الناس بعوم السلطان فى النيل، وعدّوا ذلك من جملة سعادته، وقالت العامة: الزيادة ببركته.

ثم فى يوم الجمعة حادى عشرين «1» شهر رجب المذكور ركب السلطان من بيت ابن البارزىّ فى الحرّاقة وتنزّه على ظهر النيل، وتوجّه إلى [رباط] «2» الآثار النبوية فزاره، وبرّ من هناك من الفقراء والخدام وغيرهم، ثم عاد إلى المقياس بجزيرة الرّوضة فصلّى الجمعة بجامع المقياس، ورسم بهدمه وبنائه «3» ثانيا وتوسعته، ففعل ذلك، ورسم أيضا بترميم بلاط [رباط] «4» الآثار النبوية، ثم عاد إلى الجزيرة الوسطى وركب منها إلى الميدان الناصرى «5» وبات به، وركب من الغد فى يوم السبت إلى القلعة. ثم فى سابع عشرين شهر رجب المذكور من سنة ثلاث وعشرين قدم الخبر على السلطان من الأمير عثمان بن طرعلى المدعو قرايلك «6» صاحب آمد أنه كبس على بير عمر حاكم أرزنكان «7» من قبل قرا يوسف وأمسكه وقيّده هو وأربعة وعشرين نفسا من أهله وأولاده، وأنه قتل من أعوانه ستين رجلا وغنم شيئا كثيرا، فسرّ السلطان بذلك، ثم إنه قتل بير عمر المذكور، وأرسل برأسه إلى السلطان، فوصل الرأس إلى القاهرة فى يوم الاثنين أول شعبان. وكان السلطان قد كتب محاضر بكفر قرا يوسف وولده حاكم بغداد، فأفتى مشايخ العلم بوجوب قتاله، ورسم السلطان للأمراء بالتّجهيز للسفر «8» ، وحملت إليهم النّفقات، فوقع التّجهيز فى أمور السفر، ونودى فى رابع شعبان المذكور بالقاهرة بين يدى

الخليفة والقضاة الأربعة بجميع نوّابهم وبين يديهم القاضى بدر الدين حسن البردينى أحد نوّاب الحكم الشافعية، وهو راكب على بغلته وبيده ورقة يقرأ منها استنفار الناس لقتال قرا يوسف وتعداد قبائحه ومساوئه. قلت: هو كما قالوه وزيادة، عليه وعلى ذرّيته اللعنة، فإنهم كانوا سببا لخراب بغداد وأعمالها، وكانت بغداد منبع العلم ومأوى الصالحين حتى ملكها هؤلاء التّركمان رعاة الأغنام فساءوا السّيرة، وسلبوا الناس أموالهم، وأخربوا البلاد، وأبادوا العباد من الظلم والجور والعسف- ألا لعنة الله على الظالمين. ثم فى يوم الاثنين ثامن شعبان- ويوافقه خامس عشرين مسرى أحد شهور القبط- أو فى النيل فركب السلطان إلى المقياس حتّى خلّقه على العادة، ثم ركب الحرّاقة حتى فتح خليج السّدّ على العادة. ثمّ فى يوم الجمعة عقد السلطان عقد الأمير الكبير ألطنبغا القرمشى على ابنته «1» بصداق مبلغه «2» خمسة عشر ألف دينار هرجه «3» بالجامع المؤيّدى بحضرة القضاة والأمراء والأعيان، هذا وقد تهيّأ القرمشىّ للسّفر إلى البلاد الشّاميّة مقدّم العساكر، وأصبح من الغد فى يوم السبت ثالث عشر شعبان المذكور برّز الأمير الكبير ألطنبغا القرمشى طلبه من القاهرة إلى الرّيدانيّة خارج القاهرة، ومعه من الأمراء مقدّمى الألوف جماعة: الأمير ألطنبغا من عبد الواحد المعروف بالصّغير رأس نوبة النّوب، والأمير طوغان الأمير آخور الكبير، والأمير ألطنبغا المرقبىّ حاجب الحجّاب، والأمير جلبّان أمير آخور- كان- والأمير جرباش الكريمىّ قاشق، والأمير آقبلاط السّيفى دمرداش، والأمير أزدمر الناصرى، وندبهم السلطان للتوجّه إلى حلب خشية من حركة قرا يوسف.

وفيه نزل السلطان من القلعة إلى بيت ابن البارزىّ وأقام به إلى يوم الثلاثاء سادس عشر شعبان، فتوجّه إلى الميدان لعرض المماليك الرّماحة، فتوجّه إليه وجلس ولعبت مماليك السلطان بالرّمح بين يديه مخاصمة، ولعّب حتى المعلمين، جعل لكلّ معلّم خصما مثله ولعبّهما بين يديه، فوقع بين الرّمّاحة أمور ومخاصمات، وأبدوا غرائب فى فنونهم، كل ذلك لمعرفة الملك بهذا الشّأن ومحبّته لأرباب الكمالات من كلّ فنّ، فلمّا انتهى لعبهم والإنعام عليهم- كل واحد بحسب ما يليق به- ركب آخر النهار من الميدان المذكور على ظهر النيل فى الحرّاقة الى بيت [ابن] «1» البارزىّ ببولاق، وأقام به وعمل الخدمة به إلى أن ركب منه إلى الميدان ثانيا فى نهار السبت العشرين من شعبان، ولعبت الرّمّاحة بين يديه، وهم غير من تقدم ذكرهم؛ فإنه رسم أنّ فى كل يوم من يومى السبت والثلاثاء يلعب معلّمان هما وصبيانهما- لا غير- مخاصمة. قلت: وهذه عادة الملوك، لمّا تعرض المماليك بين يديهم، لا يخاصم فى كل يوم غير صبيان معلّم مع صبيان معلّم آخر، لكن زاد الملك المؤيّد بأن لعّب المعلمين أيضا، فصار المعلّم يقف يمينا [ويقف] «2» صبيانه صفا واحدا تحته، ويقف تجاهه معلّم آخر آخر وصبيانه تحته، فيخرج المعلّم للمعلّم ويتخاصمان إلى أن ينجزا أمرهما، ثم يخرج النائب للنائب الذي يقابله من ذلك المعلّم، ثم يخرج كلّ واحد لمن هو مقابله إلى أن يستتم العرض بين الظّهر والعصر أو قبل الظهر أو بعده بحسب قلّة الصّبيان وكثرتهم، ولمّا تمّ العرض فى نهار السّبت المذكور بالميدان لم يتحرّك السلطان من الميدان وبات به، وأصبح يوم الأحد ركب الحرّاقة وتوجّه فى النيل إلى [رباط] «3» الآثار النبويّة وزاره وتصدق به، ثم عاد إلى المقياس بالرّوضة، وكشف عمارة جامع المقياس بالرّوضة، ثم عاد فى الحرّاقة الى الميدان، فبات به وعرض فى يوم الاثنين أيضا، أراد بذلك انجاز أمرهم

فى العرض، ولما انتهى العرض فى ذلك اليوم ركب الحرّاقة وتوجّه إلى [رباط] «1» الآثار ثانيا وزاره، ثم عاد إلى جزيرة أروى المعروفة بالجزيرة الوسطانية، ونزل بها فى مخيمه، فأقام بها يومه وعاد إلى الميدان وبات به ليلتين، ثم رجع فى النيل إلى بيت كاتب السّرّ ببولاق فى يوم الخميس فبات به وصلّى الجمعة بجامع كاتب السّرّ، وخطب وصلّى به قاضى القضاة جلال الدين البلقينىّ، ثم ركب الحرّاقة بعد الصّلاة وتوجّه إلى الميدان وبات به وركب إلى القلعة بكرة يوم السبت سابع عشرين شعبان، كل ذلك والسلطان صائم فى شهر رجب وشعبان لم يفطر فيهما إلا نحو عشرة أيّام عندما يتناول الأدوية بسبب ألم رجله، هذا مع شدّة الحرّ فإنّ الوقت كان فى فصل الصّيف وزيادة النّيل. ولما استهلّ شهر رمضان بيوم الثلاثاء انتقض على السلطان ألم رجله ولزم الفراش وصارت الخدمة السلطانية تعمل بالدّور السلطانية من قلعة الجبل لقلّة حركة السلطان مما به من الألم، وهو مع ذلك صائم لا يفطر إلا يوم يتناول فيه الدّواء. ثم فى رابع عشر شهر رمضان المذكور خلع السلطان على الصاحب تاج الدين عبد الرّزاق بن الهيصم باستقراره ناظر ديوان المفرد بعد موت صلاح الدين خليل بن الكويز. ثم فى هذا الشهر أيضا ابتدأ مرض القاضى ناصر الدين بن البارزى «2» كاتب السّر الذي مات به، واستمرّ السلطان ضعيفا شهر رمضان كله، فلما كان يوم الأربعاء أوّل شوال صلى السلطان صلاة العيد بالقصر الكبير من قلعة الجبل عجزا عن المضى إلى الجامع. ثم فى رابعه ركب السلطان المحفّة من قلعة الجبل ونزل إلى جهة «منظرة الخمس وجوه» التى استجدها بالقرب من التّاج وقد كملت، والعامة تسميها «التاج والسبع وجوه» وليس

هو كذلك، وإنما هى ذات «خمس وجوه» ، وأما التاج فإنه خراب، وقد أنشأ به عظيم الدّولة الصاحب جمال الدين بن يوسف ناظر الجيش والخاص عمائر «1» هائلة وسبيلا ومكتبا وبستانا وغير ذلك- انتهى. ولمّا توجّه السلطان إلى «الخمس وجوه» أقام به نهاره ثم عاد إلى القلعة، وأقام بها إلى يوم الأربعاء خامس عشر شوال فغضب على الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله ناظر الخواص وضربه بين يديه ضربا مبرّحا، ثم أمر به فنزل إلى داره على وظائفه من غير عزل، كل ذلك والسلطان مريض ملازم للفراش، غير أنه يتنقّل من مكان إلى مكان محمولا على الأكتاف. فلما كان يوم الاثنين عشرين شوال أشيع بالقاهرة موت السلطان، فاضطرب الناس، ثم أفاق السلطان فسكنوا، فطلع أمير حاج المحمل الأمير تمرباى المشدّ وقبّل الأرض وخرج بالمحمل إلى بركة الحاج من يومه، وسافر الحاج وهو على تخوّف من النّهب بسبب الإشاعات بموت السلطان. ثم فى يوم الاثنين المذكور طلب السلطان الخليفة والقضاة الأربعة والأمراء والأعيان وعهد إلى ولده الأمير أحمد «2» بالسلطنة من بعده، وعمره سنة واحدة ونحو خمسة أشهر وخمسة أيام؛ فإن مولده فى جمادى الأولى من السنة الخالية، وجعل الأمير الكبير ألطنبغا القرمشى القائم بتدبير ملكه إلى أن يبلغ الحلم، وأن يقوم بتدبير الدّولة مدّة غيبة الأتابك ألطنبغا القرمشى إلى أن يحضر الأمراء الثلاثة وهم: قجقار القردمىّ أمير سلاح، وتنبك العلائى ميق المعزول عن نيابة الشام، والأمير ططر أمير مجلس، وحلّف السلطان الأمراء على العادة، وأخذ عليهم الأيمان والعهود بالقيام فى طاعة ولده وطاعة مدبّر مملكته، ثم حلّف المماليك من الغد، ثم أفاق السلطان وحضرت الأمراء الخدمة على العادة.

وخلع فى يوم السبت خامس عشرينه على القاضى كمال الدين محمد بن البارزى «1» باستقراره كاتب السّر الشريف بالديار المصرية بعد وفاة والده القاضى ناصر الدين محمد ابن البارزى، ونزل إلى بيته فى موكب جليل، وبعد يومين خلع السلطان على القاضى بدر الدين محمد بن محمد بن أحمد الدّمشقى المعروف بابن مزهر ناظر الإسطبل باستقراره فى نيابة كتابة السر عوضا عن كمال الدين بن البارزى المذكور. ثم فى تاسع عشرين شوّال المذكور نصل السلطان من مرضه، ونقص ما كان به من الألم، ودخل الحمّام، وتخلّق الناس بالزّعفران وتداولت التهانى بالقلعة وغيرها، ونودى بزينة القاهرة ومصر، وفرّق السلطان مالا كثيرا فى الفقراء والفقهاء والناس، وخلع على الأطبّاء وأصحاب الوظائف. وكان السلطان لمّا مات القاضى ناصر الدين بن البارزى طلب الذي خلّفه من المال فلم يجد ولده شيئا، فظنّ السلطان أنه أخفى ذلك، فحلّفه ثم خلع عليه، ونزل على أن يقوم للسلطان من ماله بأربعين ألف دينار، فلما كان يوم [الخميس] «2» سلخ شوال حضر إلى [القاضى «3» ] كمال الدين المذكور شخص من الموقعين يعرف بشهاب الدين أبى درّابة وقال له: أنا أعرف لوالدك ذخيرة «4» فى المكان الفلانى، فلما سمع القاضى كمال الدين كلامه أخذه فى الحال وطلع به إلى السلطان وعرّفه مقالة شهاب الدين المذكور، فأرسل السلطان فى الحال الطواشى مرجان الهندى الخازندار وصحبته جماعة، ومعهم شهاب الدين المذكور إلى بيت القاضى كمال الدين المذكور، فدخلوا إلى المكان وفتحوه فوجدوا فيه سبعين ألف دينار فأخذوها وطلعوا إلى السلطان، وقد سألت أنا القاضى كمال الدين المذكور عن هذه الذخيرة، وقلت له: كان لك بها علم؟ فقال: لا والله، ولا أعرف مكانها، فإنى لم أحضرها حين جعلها الوالد بهذا المكان، ولا عند

أخذها أيضا، ولا عرّفنى بها قبل موته، غير أنه أوصى شهاب الدين المذكور وشخصا بحماة «1» أنه إذا مات يعرفانى بها، فلما عرّفنى شهاب الدين بها لم أجد بدّا من إعلام السلطان بها للأيمان التى كان حلّفنى أننى مهما وجدته من مال الوالد أعرّفه به. قلت: لله درّه من كمال الدين، ما كان أعلى همته وأحشمه وأسمحه. ثم فى يوم الاثنين رابع ذى القعدة ركب السلطان من قلعة الجبل وشقّ القاهرة من باب زويلة وخرج من باب القنطرة، وتوجه إلى «الخمس وجوه» وأقام بها إلى يوم الأربعاء سابع ذى القعدة، فركب منها وشقّ القاهرة من باب القنطرة إلى أن خرج من باب زويلة وطلع إلى القلعة بعد ما انقضى له ب «الخمس وجوه» أوقات طيبة، وعمل بها الخدمة، وتردّدت الناس إليه بها لقضاء حوائجهم وللفرجة أيضا. ولما طلع السلطان إلى القلعة أقام بها يوم الأربعاء والخميس والجمعة، ثم نزل إليها ثانيا فى يوم السبت تاسع ذى القعدة بخواصّه وبات بها. ثم ركب من الغد فى يوم الأحد، وتصيّد ببرّ الجيزة وأقام هناك، وأمر بأخذ خزانة الخاص من عند ناظر الخاص الصّاحب بدر الدين بن نصر الله، فنزل إليه زين الدين عبد الباسط بن خليل الدّمشقى ناظر الخزانة والطواشى مرجان الهندى الخازندار، وأخذا منه خزانة الخاص وهو ملازم للفراش من يوم ضرب، وسلّمت للطواشى مرجان المذكور، فتحدّث مرجان فى وظيفة نظر الخاص عن السلطان من غير أن يخلع عليه، وأنفق كسوة المماليك السلطانية نحو ثمانية آلاف دينار، وأقام السلطان بمنظرة «الخمس وجوه» إلى يوم الثلاثاء ثانى عشر ذى القعدة فعاد إلى القلعة فى محفّة، فأقام بالقلعة إلى يوم الجمعة خامس عشره وركب أيضا وتوجّه إلى منظرة «الخمس وجوه» فأقام بها إلى سابع عشر، وعاد إلى القلعة بعد أن ألزم أعيان الدّولة أن يعمّروا لهم بيوتا بالقرب من «الخمس وجوه» المذكورة لينزلوا فيها إذا توجّهوا فى

ركاب السلطان، فشرع بعضهم فى رمى الأساس، واختط بعضهم أرضا، ثم ركب السلطان من القلعة بثياب جلوسه وشقّ القاهرة، وعبر من باب زويلة، وخرج من باب القنطرة، وتوجّه إلى منظرة «الخمس وجوه» وأقام بها بخواصّه إلى يوم الجمعة ثانى عشرين ذى القعدة فركب منها وعدى النيل إلى الجيزة، يريد سرحة البحيرة على العادة فى كل سنة، وقد تهيأ الناس لذلك وخرجوا على عادتهم. وقبل أن يعدّى السلطان النيل نزل بدار على شاطىء نيل مصر، ودخل الحمام التى بجوار الجامع الجديد، واغتسل طهر الجمعة، ثم خرج إلى الجامع الجديد وصلى به الجمعة، ثم عدّى النيل وهو فى كل ذلك يحمل على الأكتاف، والذي يتولى حمله من خاصّكيته جماعه منهم: خجا سودون «1» السّيفى بلاط الأعرج، وتنبك من سيدى بك الناصرى البجمقدار المصارع، ثم جانى بك من سيدى بك المؤيّدى. وأقام السلطان يومه بالجيزة ثم ركب المحفة وسار بأمرائه وعساكره إلى أن وصل إلى الطّرّانة اشتدّ به المرض فتجلّد اليوم الأوّل والثانى، فأفرط به الإسهال حتى أرجف بموته، وكادت تكون فتنة من كثرة كلام الناس واختلاف أقوالهم، إلى أن ركب السلطان من الطّرّانة فى النيل عجزا عن ركوب المحفّة، وعاد إلى جهة القاهرة حتى نزل برّ منبابة، فأقام بها حتى نحر قليلا من ضحاياه، ثم ركب النيل فى الحرّاقة وعدّى إلى بولاق فى آخر نهار العيد، ونزل فى بيت كاتب السرّ ابن البارزىّ على عادته، وبات فى تلك الليلة، وأصبح من الغد ركب فى المحفة وطلع إلى قلعة الجبل فى يوم الثلاثاء حادى عشر ذى الحجة، وهو شديد المرض من الإسهال والزحير «2» والحصاة والحمّى والصداع والمفاصل، وهذه آخر ركبة ركبها الملك المؤيد، ثم لزم الفراش إلى أن مات حسبما نذكره.

ما وقع من الحوادث سنة 824

ولما كان ثامن عشر ذى الحجة قدم كتاب الملك العادل سليمان الأيّوبى صاحب حصن كيفا من ديار بكر على السلطان يتضمّن موت الأمير قرا يوسف «1» بن قرا محمد صاحب تبريز والعراق فى رابع عشر ذى القعدة مسموما فيما بين السّلطانيّة وتبريز، وهو متوجّه لقتال القان معين الدين شاه رخّ بن تيمورلنك، فلم يتمّ سرور السلطان بموته لشغله بنفسه. ثم فى ثامن عشرين ذى الحجة وصل مبشّر الحاج فطلبه السلطان وسأله عن أمور الحجاز، كل ذلك والسلطان صحيح العقل بل ربما دبّر أمور مملكته فى بعض الأحيان. ثم فى يوم السبت تاسع عشرينه أرجف فى باكر النهار بموت السلطان، وكان أغمى عليه، فلما أفاق قيل له إن بعض الناس يقول: سيّدى أحمد ولد السلطان صغير صغرا لا تصحّ سلطنته، وشاوروه فى إثبات عهده فرسم لهم بذلك، فأثبت عهده على قاضى القضاة زين الدين عبد الرحمن التّفهنى الحنفى بالسلطنة، ثم نفّذ العهد على بقيّة القضاة، فكثر عند ذلك اضطراب الناس بالقاهرة واختلفت الأقوال فى ضعف السلطان وأمره، وتوقّعوا فتنة، واشتد خوف خواصّ السلطان، ونقلوا ما فى دورهم من القماش المثمّن وغير ذلك. [ما وقع من الحوادث سنة 824] واستهلّ المحرّم من سنة أربع وعشرين وثمانمائة والسلطان ملازم للفراش، وقد أفرط به الإسهال الدّموىّ مع تنوّع الأسقام وتزايد الآلام، بحيث إنه لم يبق مرض من الأمراض حتى اعثراه فى هذه الضّعفة، غير أنه صحيح العقل والفهم طلق اللسان. فلما كان يوم الخميس خامس المحرّم سنة أربع وعشرين المذكورة طلع الأمراء والأعيان إلى قلعة الجبل وجلسوا على باب السّتارة، فخرج إليهم بعض الخدّام واعتذر لهم عن دخولهم بشدة ضعف السلطان، فانصرفوا، وكانوا على هذا مدّة أيام، يطلعون فى كل يوم موكب، ويجلسون بباب الدور، ثم ينزلون من غير أن يجتمعوا بالسلطان. هذا وقد افترقت الأمراء والعساكر فرقا: فرقة من أعيان المؤيديّة وكبيرهم الأمير

ططر وقد خدعهم بتنميق كلامه وكثرة دهائه من أنه يقوم بنصرة ابن أستاذهم، ويكون مدبّر ملكه، وهو كواحد منهم والأمر كله إليهم، وهو معهم كيف ما شاءوا، ثم خوّفهم من وثوب قجقار القردمى وركوبه لما فى نفسه من الملك، فمالوا إليه وانخذعوا له، وصاروا من حزبه لا يخفون عنه أمرا من الأمور، هذا مع ما استمال ططر أيضا جماعة كبيرة من خشداشيّته الظاهريّة فى الباطن. وفرقة من أعيان الأمراء والمماليك السلطانية من جنس التّتر والسّيفيّة وكبيرهم قجقار القردمى، وهو ظنين «1» بنفسه مع ما اشتمل عليه من سلامة الباطن- كما هى عادة جنس التّتر- والجهل المفرط، مع انهما كه فى اللذات ليلا ونهارا. وفرقة صارت بمعزل عن الفريقين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وهم الظاهرية مماليك برقوق وكبيرهم الأمير تنبك ميق، على أن ميلهم فى الباطن مع خشداشهم ططر، غير أنهم يخافون عواقب الأمور- لعدم أهلية ططر لذلك- لكونه خلقه مثل الأتابك ألطنبغا القرمشى مع من معه من الأمراء وعظمته فى النفوس، ومثل جقمق الأرغون شاوىّ الدوادار نائب الشام، ومثل يشبك اليوسفى المؤيدى نائب حلب، وأيضا مثل قجقار القردمى أمير سلاح، هذا مع كثرة المماليك المؤيدية وشدّة بأسهم حتى لو أن ططر كفى همّ الجميع من الأمراء لا يستطيع الوثوب على الأمراء من هؤلاء المؤيدية، فلذلك كفّ عن موافقته كثير من خشداشيّته فى مبادئ الأمر، فلم يلتفت ططر إلى كلام متكلم، وأخذ فيما هو فيه من إبرام أمره، ولسان حاله يقول: «إما إكديش أو نشّابة للريش» فإنه كان فى بحبوحة «2» من الفقر والإفلاس والخوف من الملك المؤيد، فلما وجد المقال قال، وانتهز الفرصة إمّا بها أو عليها، ولما عظم اضطراب الناس بالقاهرة أجمع الأمراء على تولية التّاج بن سيفة الشّوبكى أستادار الصحبة ولاية القاهرة على عادته أولا، فخلع عليه بحضرة الأمراء فى بعض دور القلعة باستقراره فى ولاية القاهرة بعد عزل ابن فرّى، فنزل التاج إلى القاهرة بخلعته، وشق الشوارع وأبرق

وأرعد، وأكثر من الوعيد لأرباب الفساد، فلم يلتفت أحد إلى كلامه، ومضى إلى بيته. هذا وقد اشتدّ الأمر بالسلطان الملك المؤيّد من الآلام والأرجاف تتواتر بموته، والناس فى هرج إلى أن توفّى «1» قبيل الظّهر من يوم الاثنين تاسع المحرّم من سنة أربع المقدم ذكرها، فارتجّ الناس لموته ساعة ثم سكنوا، وطلع الأمراء القلعة وطلبوا الخليفة المعتضد بالله داود والقضاة والأعيان لإقامة الأمير أحمد بن السلطان فى السلطنة، فخلع عليه وتسلطن، وتمّ أمره حسبما سنذكره فى محلّه من هذا الكتاب فى حينه إن شاء الله تعالى. ثم أخذوا فى تجهيز السّلطان الملك المؤيّد وتغسيله [وتكفينه] «2» . قال الشيخ تقىّ الدين المقريزى: وأخذ فى جهاز المؤيّد «3» وصلّى عليه خارج باب القلعة، وحمل إلى الجامع المؤيّدى فدفن بالقبة قبيل العصر، ولم يشهد دفنه كثير أحد من الأمراء والمماليك لتأخّرهم بالقلعة، واتفق فى أمر المؤيّد موعظة فيها أعظم عبرة؛ وهو أنه لما غسّل لم توجد له منشفة ينشّف فيها، فنشّف بمنديل بعض من حضر غسله، ولا وجد له مئزر تستر به عورته حتى أخذ له مئزر صوف صعيدىّ من فوق رأس بعض جوار به فستر به، ولا وجد له طاسة يصبّ بها عليه الماء وهو يغسّل مع كثرة ما خلّفه من الأموال، ومات وقد أناف على الخمسين. وكانت مدّة ملكه ثمانى سنين وخمسة أشهر وثمانية أيام، وكان شجاعا مقداما يحبّ أهل العلم ويجالسهم، ويجلّ الشّرع النبوىّ ويذعن له، ولا ينكر على طلب من إذا تحاكم إليه أن يمضى من بين يديه إلى قضاة الشّرع، بل يعجبه ذلك، وينكر على أمرائه معارضة القضاة فى أحكامهم، وكان غير مائل إلى شىء من البدع، وله قيام

فى الليل إلى التهجد أحيانا، إلا أنه كان بخيلا مسّيكا يشحّ حتى بالأكل، لحوحا غضوبا نكدا حسودا معيانا، يتظاهر بأنواع المنكرات، فحّاشا سبّابا، شديد المهابة، حافظا لأصحابه غير مفرّط فيهم ولا مطيع لهم. وهو أكبر أسباب خراب مصر والشّام؛ لكثرة ما كان يثيره من الشّرور والفتن أيّام نيابته بطرابلس ودمشق، ثم ما أفسده فى أيّام ملكه من كثرة المظالم ونهب البلاد وتسليط أتباعه على الناس يسومونهم الذّلّة، ويأخذون ما قدروا عليه بغير وازع من عقل ولا ناه من دين- انتهى كلام المقريزى برمته بعد تخبيط كثير. قلت: وكان يمكننى الرّدّ عليه فى جميع ما قاله بحق غير أننى لست مندوبا إلى ذلك، فلهذا أضربت عن تسويد الورق وتضييع الزمان، والذي أعرفه أنا من حاله أنه كان سلطانا جليلا مهابا شجاعا مقداما عاقلا نقّادا. حدثنى الأمير أرنبغا اليونسىّ «1» الناصرى- رحمه الله- قال: كان المؤيد ينظر إلى الرّجل وينقده بعينيه فيعرف من حاله ما يكتفى به عن السؤال عنه، ثم يعطيه من الرّزق والإقطاعات ما يليق بشأنه كما يصف الطبيب الحاذق إلى المريض من الدواء، فإن كان الرجل أعجبه رقّاه فى أقلّ مدّة إلى أعلى المراتب، وإن كان غير ذلك شحّ عليه حتى بالإقطاع الذي يعمل عشرة آلاف درهم فى السنة- انتهى كلام أرنبغا. قلت: هذا هو المطلوب من الملوك وإلّا يضيع الصّالح بالطّالح. وكان المؤيّد عالى الهمة، كثير الحركات والأسفار، جيّد التدبير، حسن السياسة، يباشر الأحكام بنفسه، مع معرفة تامة وحذق وفطنة وجودة حدس فى أموره، عظيم السّطوة على مماليكه وأمرائه، هيّنا مع جلسائه وندمائه، طروبا يميل إلى سماع الشعر والأصوات الطيّبة، على أنه كان يحسن أيضا أداء الموسيقى ويقوله فى مجالس أنسه، وكان يميل إلى الدّقّة الأدبيّة ويفهمها بسرعة. قيل: أنه نظر مرّة إلى اسمه وهو

مكتوب على بعض الحيطان، وقد كتب الدّهّان الشّين من اسم شيخ بجرّة واحدة، فلما نظره المؤيّد قال: مسكين شيخ بلا سنينات، وله أشياء كثيرة من ذلك. وكان يشارك الفقهاء فى أبحاثهم ويتصوّر أقوالهم ويطرح عليهم المسائل المشكلة، هذا مع ميله لأرباب الكمالات من كل علم وفنّ، وتعجبه المداعبة اللطيفة. حدثنى القاضى كمال الدين بن البارزىّ كاتب السرّ الشريف بالديار المصرية- رحمه الله- قال: كان المؤيّد جالسا بالبارزيّة «1» على المقعد المطلّ على النيل، ومحمود بن الأمير قلمطاى الدّوادار واقفا بجانبه، ووالدى من جهة أخرى وهو يقرأ القصص على السّلطان، وكان فى جملة القصص قصة الشيخ عاشق محمود العجمى أحد ندماء السلطان، فلما قرأ الوالد قصة عاشق محمود قال: المملوك، وأشار بيده إلى نفسه، ثم قال: عاشق محمود، وأشار بإصبعه إلى محمود بن قلمطاى- وكان من أجمل الناس صورة- فلم يفطن لذلك أحد غير السلطان، فضحك وقال: تموت بهذه الحسرة. وحدّثنى بعض أعيان المؤيدية قال: كان الأمير طوغان الأمير آخور أرسل إلى جانى بك الساقى أحد خواصّ الملك المؤيد ألف دينار ليزوره، فعرّف جانى بك المذكور السلطان بذلك، فاشتدّ غضب السلطان وأرسل فى الحال خلف طوغان المذكور، فلما تمثّل بين يديه سأله السلطان عن ذلك، فقال طوغان: نعم أرسلت إليه ألف دينار، وو الله العظيم لو لم يكن مملوكك لكنت ترسل أنت إليه عشرة آلاف دينار، فتلومنى أن أرسلت إليه ألف دينار؟! - يقول ذلك وهو فى غاية الحنق- فزال غضب الملك المؤيّد وضحك حتى استلقى على قفاه، كل ذلك وهو محتفظ على ناموس الملك والسّير على ترتيب من تقدّمه من الملوك فى سائر أموره وحركاته. وقد تسلطن وأحوال المملكة غير مستقيمة مما جدّده الملك الناصر فرج من الوظائف والاستكثار من الخاصّكيّة، حتى إن خاصّكيّته زادت عدّتهم على ألف نفر.

فلا زال المؤيّد بهم حتى جعلهم ثمانين خاصّكيّا كما كانت أيام «1» أستاذه الملك الظاهر برقوق، وكانت الدّوادارية نحو ثمانين دوادارا، فلا زال حتى جعلهم ستّة، وكذلك الخازندارية والبجمقدارية والحجّاب، وكان يتأمّر الشخص فى أيامه ويقيم سنين ولم يسمح له بلبس تخفيفة «2» على رأسه، كل ذلك مراعاة لأفعال السّلف، وكان عارفا بأنواع الملاعيب، رأسا فى لعب الرّمح وسوق البرجاس «3» ، قويا فى ضرب السّيف والرّمى بالنّشّاب، ماهرا فى فنون كثيرة جدّ وهزل، لا يعجبة إلا الكامل فى فنه. دخلت إليه مرّة وأنا فى الخامسة فعلّمنى- قبل دخولى إليه- بعض من كان معى أن أطلب منه خبزا، فلما جلست عنده وكلّمنى سألته فى ذلك، فغمز من كان واقفا بين يديه وأنا لا أدرى، فأتاه برغيف كبير من الخبز السلطانى، فأخذه بيده وناولنيه وقال: خذ هذا خبز كبير مليح، فأخذته من يده وألقيته إلى الأرض، وقلت: أعط هذا للفقراء، أنا ما أريد إلا خبزا بفلّاحين يأتوننى بالغنم والأوز والدّجاج، فضحك حتى كاد أن يغشى عليه، وأعجبه منى ذلك إلى الغابة، وأمر لى بثلاثمائة دينار، ووعدنى بما طلبته وزيادة- انتهى. وكان يحسن تربية مماليكه إلى الغاية، ولا يرقّيهم إلا بعد مدّة طويلة، ولذلك لم يخمل منهم أحد بعد موته- فيما أعلم. وكان يميل إلى جنس التّرك ويقدّمهم، حتى إن غالب أمرائه كانوا أتراكا، وكان يكثر من استخدام السّيفيّة ويقول: هؤلاء قاسوا خطوب الدّهر، وتأدبوا؛ وما رسوا الأمور والوقائع، وكان عارفا بتعبئة العساكر فى القتال ثبّاتا فى الحروب،

محجاجا فى الأجوبة، قيل له: إن الناس تقول عنك إنك قتلت من أعيان الملوك نحو ثمانين نفسا، فقال: ما قتلت واحدا منهم إلا وقد استحقّ القتل قبل ذلك، والسلطان له أن يقتل من اختار قتله، وشنّع عنه هذه المقالة من لا يعرف معناها من الأتراك الذين يقصر فهمهم عن إدراك المعانى. وأما فعله من وجوه البرّ فكثير، وله مآثر مشهورة به، وعمائر كثيرة، أعظمها: الجامع المؤيّدى الذي لم يبن فى الإسلام أكثر زخرفة منه بعد الجامع الأموى بدمشق، ثم تجديده لجامع المقياس، ثم لمدرسة الخرّوبية بالجيزة، وأشياء غير ذلك كثيرة. وأما ما خلّفه من الأموال والخيول والجمال والسلاح فكثير جدا لم أقف على تحرير قدره. وخلّف من الأولاد ستة- فيما أعلم- ذكرين أحدهما الملك المظفر أحمد، وأربع بنات، الجميع دون البلوغ- انتهى والله سبحانه أعلم.

ما وقع من الحوادث سنة 815

[ما وقع من الحوادث سنة 815] السنة الأولى من سلطنة الملك المؤيد شيخ على مصر وهى سنة خمس عشرة وثمانمائة، على أن السلطان الملك الناصر فرجا حكم منها إلى يوم السبت خامس عشرين المحرّم «1» ، ثم حكم من يومئذ الخليفة المستعين العباس «2» إلى أن خلع من السّلطنة بالملك المؤيّد هذا فى يوم الاثنين مستهلّ شعبان، فحكم المؤيّد من مستهلّ شعبان إلى آخرها، فهى على هذا التقدير أوّل سنة حكمها من سلطنته. فيها: أعنى سنة خمس عشرة وثمانمائة توفّى قاضى قضاة دمشق شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن إسماعيل بن خليفة الدمشقى الشافعى، المعروف بابن الحسبانى «3» ، فى يوم الأربعاء عاشر شهر ربيع الأوّل «4» بها، عن خمس وسبعين سنة وأشهر، وكان معدودا من فقهاء الشّافعيّة، أفتى ودرّس سنين وتولى قضاء دمشق وقدم القاهرة غير مرّة. وتوفّى قاضى القضاة محبّ الدين محمد بن محمد بن محمد الحلبى الحنفى، المعروف بابن الشّحنة «5» ، فى يوم الجمعة ثانى عشر شهر ربيع الآخر بحلب عن ست وستين سنة، وكان إماما عالما بارعا، أفتى ودرّس بحلب ودمشق والقاهرة، وولى القضاء بحلب ثم بدمشق، ثم ولّاه الملك الناصر [فرج «6» ] قضاء الديار المصرية لمّا حوصر بدمشق، فى يوم الخميس

ثالث عشرين المحرّم من هذه السّنة، عوضا عن ناصر الدّين بن العديم، بحكم توجّهه إلى شيخ ونوروز، فلم تطل مدّته، وعزل من قبل المستعين، وأعيد ابن العديم. وتوفّى الوالد «1» - وهو على نيابة دمشق بها- فى يوم الخميس سادس عشر المحرم، ونذكر التعريف به: فهو تغرى بردئ بن عبد الله من خواجا بشبغا، كان رومىّ الجنس، اشتراه الملك الظّاهر برقوق فى أوائل سلطنته، وأعتقه، وجعله فى يوم عتقه خاصّكيّا، ثم جعله ساقيا، وأنعم عليه بحصّة من شيبين القصر «2» ، ثم جعله رأس نوبة الجمداريّة إلى أن نكب الملك الظاهر [برقوق] «3» وخلع وحبس بسجن الكرك «4» ، فحبس الوالد بدمشق؛ فإنه كان قد توجّه مع من توجّه من عسكر السلطان لقتال الناصرىّ «5» ومنطاش «6» ، فقبض عليه هناك، وسجن، ودام فى سجن دمشق إلى أن أخرجه الأمير بزلار العمرى نائب دمشق، وجعله بخدمته هو ودمرداش المحمدى ودقماق المحمدى. واستمر الوالد بدمشق إلى أن خرج الملك الظّاهر برقوق من سجن الكرك، فبادر الوالد بالتّوجّه إليه قبل أن يستفحل أمره، وحضر معه الوقعة المشهورة التى كانت بينه وبين منطاش، وحمل الوالد فى الوقعة المذكورة على شخص من أمراء منطاش يسمّى آقبغا اليلبغاوىّ، فقنطره عن فرسه، فسأل برقوق عنه، فقيل له تغرى بردى، فتفاءل برقوق باسمه، لأنّ معناه: الله أعطى، وأنعم عليه بإقطاع امرة طبلخاناه. دفعة واحدة، مع أنه كان أنعم عليه قبل خروجه للسفر بإمرة عشرة، غير أنه لم يباشر ذلك.

ثم أرسله الملك الظاهر [برقوق] «1» إلى مصر يبشّر من بها بسلطنته ونصرته على منطاش، ودخل الظّاهر فى أثره إلى مصر، وبعد قليل أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالدّيار المصرية، ثم جعله رأس نوبة النّوب، ثم ولّاه نيابة حلب بعد جلبّان قراسقل «2» ، ثم عزله، وأنعم عليه بتقدمة ألف بمصر على خبز شيخ الصّفوىّ الخاصّكىّ أمير مجلس، وقبل أن يخلع عليه بإمرة مجلس نقله إلى إمرة سلاح عوضا عن بكلمش العلائى بحكم مسكه، واستمر على ذلك إلى أن كانت وقعة الأتابك أيتمش «3» مع الملك الناصر [فرج] «4» فى سنة اثنتين وثمانمائة. وكان الوالد قد انضم على أيتمش هو وجماعة من الأمراء- حسبما ذكرناه فى ترجمة الملك الناصر فرج- وانهزم الجميع بعد الوقعة، وخرجوا من مصر إلى الأمير تنم «5» نائب الشّام، وعادوا صحبته، فانكسر تنم أيضا، وقبض على الجميع، وقتلوا بقلعة دمشق إلّا الوالد لشفاعة أم الملك الناصر «6» فيه وآقبغا الأطروش «7» ، وقتل من عداهما، ودام الوالد بسجن قلعة دمشق إلى أن أطلق، وتوجّه إلى القدس بطّالا بسفارة أم الملك النّاصر أيضا، فدام بالقدس إلى أن طلبه الملك الناصر بغزّة وخلع عليه بنيابة دمشق،

عوضا عن سودون «1» قريب الملك الظّاهر برقوق، بحكم أسره مع تيمور. فحكم الوالد دمشق مدّة، ثم انهزم مع الملك الناصر [فرج] «2» إلى الديار المصرية، واستولى تيمور على دمشق، وأنعم [الملك الناصر فرج] «3» على الوالد بتقدمة ألف بالقاهرة، فدام مدّة يسيرة، وخلع عليه [أيضا] «4» بإعادته لنيابة دمشق، بعد خروج تيمور منها، كل ذلك فى سنة ثلاث وثمانمائة، فتوجّه [الوالد] «5» إليها، وأقام بها إلى أن بلغه [خبر] «6» القبض عليه، ففرّ منها وتوجّه إلى دمرداش نائب حلب، وعصيا معا، ووقع لهما أمور وحروب إلى أن انهزما. وتوجّه الوالد إلى بلاد التّركمان، فأقام بها مدّة إلى أن طلب إلى الدّيار المصريّة، وأنعم عليه بتقدمة ألف، وأجلس رأس الميسرة أتابكا، واستمرّ على ذلك إلى أن اختفى الملك الناصر [فرج] «7» وخلع بأخيه المنصور عبد العزيز «8» ، فخرج الوالد من الديار المصريّة على البريّة بجماعة من مماليكه إلى أن توجّه إلى القدس، فدام فى برّية القدس إلى أن عاد الملك الناصر [فرج] «9» إلى السّلطنة ودخل على الأخت، وكان الناصر عقد عقده عليها قبل خلعه بحضرة الوالد، فلما تسلطن ثانيا دخل بها فى غيبة الوالد. ثم أرسل [الناصر فرج] «10» بطلب الوالد، فخضر الوالد على حاله أوّلا إلى أن خلع عليه الملك الناصر باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية عوضا عن يشبك الشّعبانى فى سنة عشر

وثمانمائة، فدام على ذلك إلى أن نقل إلى نيابة دمشق فى أواخر سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، على كره منه بعد واقعة الكرك. وقد ذكرنا سبب ولايته فى ترجمة الملك الناصر، لما كان على حصار الكرك، فدام على نيابة دمشق إلى أن مات فى ولايته هذه، وهى الثالثة لنيابة دمشق، ودفن بتربة الأمير تنم «1» معه فى فسقية واحدة، ولا أعلم من أخباره شيئا لصغر سنّى فى حياته؛ فإن كان مشكور السّيرة فالله تعالى ينفعه بفعله، وإن كان غير ذلك فالله [تعالى] «2» يرحمه بفضله. وخلّف الوالد عشرة أولاد، ستة ذكور وأربع إناث، أسنّ الجميع خوند «3» فاطمة توفّيت سنة ستّ وأربعين، ثم الزّينى قاسم فى قيد الحياة، ومولده قبل القرن، ثم الشّرفىّ حمزة توفّى سنة تسع وأربعين بالطاعون، ثم بيرم ماتت فى سنة ستّ وعشرين، ثم هاجر توفّيت سنة خمس وأربعين، ثم إبراهيم توفّى سنة ست وعشرين، ثم محمد [مات] «4» سنة تسع عشرة وثمانمائة، ثم إسماعيل مات سنة ثلاث وثلاثين بالطاعون، ثم شقراء فى قيد الحياة، ثم كاتبه «5» عفا الله [تعالى] «6» عنه، وأنا أصغر الجميع ومولدى بعد سنة إحدى عشرة وثمانمائة تخمينا. وخلف الوالد من الأموال والسلاح والخيول والجمال شيئا كثيرا إلى الغاية، استولى على ذلك كلّه الملك النّاصر فرج لما عاد إلى دمشق منهزما من الأمير شيخ ونوروز، ثم قتل الملك النّاصر بعد أيّام، وتركنا فقراء من فقراء المسلمين، فلم يضيّعنا الله سبحانه وتعالى، وأنشأنا على أجمل وجه من غير مال ولا عقار، ولله الحمد.

وتوفّى الأمير سيف الدين بكتمر بن عبد الله الظّاهرىّ المعروف بجلّق بالقاهرة فى ثامن جمادى الآخرة من مرض تمادى به نحو الشهرين، وأصل ضعفه أن عقربا لسعته بطريق دمشق فى عوده إلى القاهرة صحبة الخليفة المستعين بالله، وبموته خلا الجو للملك المؤيد [شيخ] «1» حتى تسلطن، فإنه كان أمرّ عليه من نوروز الحافظىّ، وكان بكتمر أميرا جليلا شجاعا مهابا كريما متجمّلا فى مماليكه ومركبه ومأكله، وقد ولى نيابة صفد ثم نيابة طرابلس ثم نيابة دمشق غير مرّة، ووقع له حروب مع الملك المؤيّد شيخ أيّام إمرته حسبما ذكرنا ذلك كله مفصلا فى ترجمة الملك الناصر فرج- رحمه الله. وقتل فى هذه السّنة جماعة كبيرة فى واقعة الملك الناصر مع الأمراء فى اللّجّون «2» وغيره، وممن قتل فى هذه الوقعة الأمير سيف الدين مقبل بن عبد الله الرّومى الظاهرىّ أحد مقدمى الألوف بالدّيار المصرية، وهو الذي كان زوّجه السلطان الملك الناصر بأخته خوند سارة زوجة «3» الأمير نوروز الحافظىّ، والأمير سيف الدين ألطنبغا بن عبد الله المعروف بشقل «4» ، والأمير سيف الدين بلاط بن عبد الله الناصرى الأعرج شاد الشراب خاناه، وكان ممّن قبض عليه فى وقعة اللّجّون ووسّطه الأمير شيخ المحمودى بعد أيام، وكان بلاط المذكور من مساوئ الدّهر، فاسقا متهتّكا زنديقا يرمى بعظائم فى دينه، قيل إنّه كان يقول للملك الناصر فرج: أنت أستاذى وأبى وربّى ونبيّى، أنا لا أعرف أحدا غيرك، وكان يسخر ممّن يصلّى، ويضحك عليه، وعدّ قتله من حسنات الملك المؤيّد [شيخ] «5» انتهى.

والأمير بلاط الظاهرىّ أمير علم «1» ، وكان أيضا ممن يباشر قتل خشداشيّته المماليك الظاهريّة، فوسّطه أيضا المؤيد، كل ذلك قبل سلطنته والملك الناصر محصور بدمشق. وتوفّى الأمير سيف الدين سودون بن عبد الله الظاهرىّ المعروف بسودون الجلب «2» ، بعد أن ولى نيابة طرابلس ولم يدخلها، ثم ولى نيابة حلب، فتوجّه إليها وهو مريض من جرح أصابه فى حصار الملك الناصر فرج، فمات منه فى شهر ربيع الآخر. وكان من الشّجعان، يحكى عنه أعاجيب من خفّته وشجاعته وسرعة حركته، وقد تقدّم ذكره فى عدة مواطن، وهو أستاذ الأمير الكبير يشبك السّودونى المشدّ أتابك العساكر بديار مصرفى دولة الملك الظاهر جقمق. وتوفّى الأمير سيف الدين يشبك بن عبد الله العثمانى الظاهرى، أحد مقدّمى الألوف بالديار المصرية فى يوم الجمعة أول صفر، من جرح أصابه فى أمسه عند حصار دمشق، وكان من أعيان المماليك الظاهرية، وممّن انضمّ مع الملك المؤيد شيخ أيّام تلك الفتن. وتوفّى السلطان ملك الهند صاحب بنجالة «3» ، غياث الدين أبو المظفر ابن السلطان إسكندر شاه، وكان من أجلّ ملوك الهند، وممالكه متسعة جدا. وتوفّى الأمير سيف الدين قطلوبغا بن عبد الله الخليلى، نائب إسكندرية بها فى هذه السنة.

وتوفّى الشيخ جمال الدين عبد الله بن محمد بن طيمان «1» ، المعروف بالطّيمانى الشافعى، قتل بدمشق فى الفتنة ليلة الجمعة ثامن صفر، وكان من الفضلاء، انتقل من القاهرة إلى دمشق وسكنها. وتوفّى الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عماد بن على بن الهائم «2» المصرىّ الشافعىّ بالقدس، وكان فقيها بارعا فى الحساب والفرائض، وله مشاركة فى فنون. أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ثلاثة أذرع سواء، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا وثمانية عشر إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 816

[ما وقع من الحوادث سنة 816] السنة الثانية من سلطنة الملك المؤيد شيخ على مصر وهى سنة ست عشرة وثمانمائة. فيها توفّى الشيخ الإمام فخر الدين عثمان بن إبراهيم بن أحمد البرماوىّ «1» الشافعىّ، شيخ القراء بمدرسة الملك الظاهر برقوق، فى يوم الاثنين تاسع عشر شعبان فجأة بعد خروجه من الحمّام، وكان بارعا فى الفقه والحديث والقراءات والعربية وغير ذلك، وتصدّى للإقراء سنين. وتوفّى قاضى القضاة صدر الدين على ابن أمين الدين محمد بن محمد الدمشقى الحنفى المعروف بابن الأدمىّ «2» ، قاضى قضاة دمشق، وكاتب سرّها، ثم قاضى [القضاة] «3» بالديار المصرية، فى يوم السبت ثامن شهر رمضان بالقاهرة وهو قاض، ومولده بدمشق فى سنة سبع وستين وسبعمائة، وكان إماما بارعا أديبا فصيحا ذكيّا، ولى نظر جيش دمشق، ثم كتابة سرّها، ثم قضاءها، ثم نقله الملك المؤيد إلى الدّيار المصرية، وولّاه قضاءها بعد عزل قاضى القضاة ناصر الدين بن العديم «4» ، ثم جمع له بين القضاء وحسبة القاهرة، إلى أن مات، ولما ولى كتابة السرّ بدمشق بعد عزل الشريف علاء الدين قال فيه العلامة شهاب الدين أحمد بن حجى: [الطويل] تهن بصدر الدّين يا منصبا سما ... وقل لعلاء الدّين أن يتأدبا له شرف عال وبيت ومنصب ... ولكن رأينا السّرّ للصّدر أنسبا

وفيه يقول الشيخ شمس الدين محمد بن إبراهيم المزيّن» الدمشقى: [الطويل] ولاية صدر الدّين للسرّ كاتبا ... لها فى النّفوس المطمئنّة موقع فإن يضعوا الأشيا إذا فى محلّها ... فلم يك غير السّر للصّدر موضع قلت: وهجاه أيضا بعضهم فقال: [الرجز] كتابة السّرّ غدت ... وجودها كالعدم وأصبحت بين الورى ... مصفوعة بالأدم ومن شعر قاضى القضاة صدر الدين المذكور أنشدنى الشيخ شمس الدين محمد النّفيسى قال: أنشدنى قاضى القضاة صدر الدين بن الأدمى من لفظه لنفسه، وهو مما يقرأ على قافيتين: [السريع] يا متهمى بالسّقم «2» كن مسعفى ... ولا تطل رفضى فإنّى على ل أنت خليلى فبحقّ الهوى ... كن لشجونى راحما يا خلى ل وله: [السريع] قد نمّق العاذل يا منيتى ... كلامه بالزّور عند الملام وما درى جهلا بأنّى فتى ... لم يرع سمعى عاذلا فيك لام وله القصيدة الطنّانة التى أولها: [الطويل] عدمت غداة البين قلبى وناظرى ... فيامقلتى حاكى السّحاب وناظرى - انتهى. وتوفّى الشيخ الإمام العالم شهاب الدين أحمد بن علاء الدين حجّى بن موسى

السّعدى، الحسبانى «1» الأصل، الدّمشقى الشافعى بدمشق، وكان فقيها بارعا، أفتى ودرس سنين، وخطب بجامع دمشق، وقدم القاهرة فى دولة الملك الناصر [فرج] «2» فى الرّسلية عن الأمير شيخ، أعنى الملك المؤيد، وكان معدودا من فقهاء دمشق وأعيانها. وتوفّى قاضى القضاة شهاب الدين أحمد بن ناصر بن خليفة الباعونى «3» ، الشافعى الدمشقى، بدمشق فى رابع المحرم، ومولده بقرية باعونة من قرى عجلون «4» فى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة تخمينا، ونشأ بدمشق وطلب العلم، وتولى قضاء دمشق وخطابة بيت المقدس، ودرّس وأفتى، وقال الشّعر، ولما ولى قضاء دمشق هجاه بعضهم بقوله: [مجزوء الوافر «5» ] قضاء الشّام أنشدنى ... بدينى «6» لا تبيعونى صفعت بكلّ مصفعة ... وبعد الكلّ باعونى وهجاه آخر عند توليته خطابة القدس بكلام مزعج، الإضراب عنه أليق. وتوفّى قاضى القضاة شهاب الدين أحمد الحمصى الشّافعى، المعروف بابن

الشّنبلىّ «1» ، فى هذه السنة، وكان فقيها بارعا عالما، إلّا أنه لما ولى قضاء دمشق لم تحمد سيرته. وتوفّى قاضى القضاة شمس الدين محمد بن محمد بن عثمان الدّمشقىّ، الشافعى المعروف بابن الإخنائىّ «2» ، بدمشق فى نصف شهر رجب عن نحو ستين سنة، بعد أن أفتى ودرّس، وولى قضاء غزّة وحلب ودمشق وديار مصر عدّة سنين، وكان معدودا من رؤساء دمشق وأعيانها، وله مكارم وأفضال- رحمه الله. وتوفّى الأمير الوزير سيف الدين مبارك شاه بن عبد الله المظفّرىّ الظّاهرىّ، فى شهر رمضان، كان يخدم الملك الظاهر [برقوق «3» ] أيام جنديته تبعا، فلما تسلطن رقّاه وأمّره، ثم جعله من جملة الحجّاب، ثم ولى الوزارة، ثم الأستادارية، وأقام بعد عزله سنين إلى أن مات. وتوفّى قاضى المدينة النبويّة زين الدين أبو بكر بن حسين بن عمر بن عبد الرحمن العثمانى المراغى الشافعى المعروف بابن الحسين «4» فى سادس عشر ذى الحجة، وكان من الفقهاء الفضلاء. وتوفّى الشيخ الإمام المفنّن العلّامة، برهان الدين إبراهيم بن محمد بن بهادر بن أحمد القرشىّ الغزى «5» النّوفلىّ الشّافعى، المعروف بابن زقّاعة، فى ثانى عشر

ذى الحجّة بالقاهرة، عن اثنتين وتسعين سنة، وزقّاعه «1» - بضم الزاى المعجمة وفتح القاف وتشديدها وبعد الألف عين مهملة مفتوحة وهاء ساكنة- وكان إماما عارفا بفنون كثيرة، لا سيّما علم النجوم، والأعشاب، وله نظم كثير، وكانت له وجاهة عند الملوك، بحيث إنه كان يجلس فوق القضاة، ومن شعره أنشدنا قاضى القضاة جمال الدين محمد أبو السعادات بن ظهيرة قاضى مكّة من لفظه قال: أنشدنى الإمام العلّامة برهان الدين إبراهيم بن زقّاعة من لفظه لنفسه: [الوافر] رأى عقلى ولبّى فيه حارا ... فأضرم فى صميم القلب نارا وخلّانى أبيت اللّيل ملقى ... على الأعتاب أحسبه نهارا إذا لام العواذل فيه جهلا ... أصفه لهم فينقلبوا حيارى وإن ذكروا السّلوّ يقول قلبى ... تصامم عن أباطيل النّصارى وما علم العواذل أنّ صبرى ... وسلوانى قد ارتحلا وسارا فيا لله من وجد تولّى ... على قلبى فأعدمه القرارا ومن حبّ تقادم فيه عهدى ... فأورثنى عناء وانكسارا قضيت هواكمو عشرين عاما ... وعشرينا ترادفها استتارا فنمّ الدّمع من عينى فأبدى ... سرائر سرّ ما أخفى جهارا إذا ما نسمة البانات مرّت ... على نجد وصافحت العرارا وصافحت الخزام وعنظوانا ... وشيحا ثمّ قبّلت الجدارا «2»

جدار ديار من أهوى قديما ... رعى الرّحمن هاتيك الدّيارا ألا يا لائمى دعنى فإنّى ... رأيت الموت حجّا واعتمارا فأهل الحبّ قد سكروا ولكن ... صحا «1» كلّ وفرقتنا سكارى ومن شعره أيضا فى فنّ التصوّف: [الوافر] سألتك بالحواميم «2» العظيمه ... وبالسّبع المطوّلة «3» القديمه وباللامين والفرد المبدّا ... به قبل الحروف المستقيمه وبالقطب الكبير وصاحبيه ... وبالأرض المقدّسة الكريمه وبالغصن الذي عكفت عليه ... طيور قلوب أصحاب العزيمه وبالمسطور فى رقّ المعانى ... وبالمنشور فى يوم «4» الوليمه وبالكهف الذي قد حل فيه ... أبو فتيانها ورأى رقيمه وبالمعمور من زمن النصارى ... بأحجار بحجرتها مقيمه ففجّر فى فؤادى عين حبّ ... تروّى من مشاربها صميمه قلت: وبعض تلامذته من الصّوفيه يزعمون أن هذه الأبيات فيها الاسم الأعظم. أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم خمسة أذرع سواء، مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعا وعشرون إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 817

[ما وقع من الحوادث سنة 817] السنة الثالثة من سلطنة الملك المؤيد شيخ على مصر وهى سنة سبع عشرة وثمانمائة فى محرمها تجرد الملك المؤيد [شيخ] «1» إلى البلاد الشامية، لقتال الأمير نوروز الحافظى «2» ومن معه من الأمراء وظفر به، وقتله حسبما نذكره. وفيها قتل الأمير سيف الدين نوروز بن عبد الله الحافظى بدمشق، فى ليلة ثامن عشرين شهر ربيع الآخر، وحملت رأسه إلى الدّيار المصرية، وطيف بها ثم علّقت على باب زويلة، وكان أصل نوروز المذكور من مماليك الملك الظاهر برقوق، ومن أعيان خاصّكيته، ثم رقّاه إلى أن جعله أمير مائة ومقدّم ألف [بالقاهرة] «3» ، ثم ولّاه رأس نوبة النّوب بعد الوالد لما ولى نيابة حلب، ثم جعله أمير آخور كبيرا بعد الأمير تنبك اليحياوى فى سنة ثمانمائة، ثم أمسكه بعد فتنة على باى لأمر حكيناه فى وقته فى ترجمة الملك الظاهر برقوق، وحبسه بالإسكندرية، إلى أن أطلقه الملك الناصر [فرج] «4» وولاه رأس نوبة الأمراء، وصار نوروز هو المشار إليه فى المملكة وذلك بعد خروج أيتمش والأمراء من مصر، ثم وقع له أمور إلى أن ولى نيابة الشام، ومن حينئذ ظهر أمر نوروز وانضمّ عليه شيخ، فصار تارة يقاتل شيخا، وتارة يصطلحان، وقد تقدّم ذكر ذلك كله فى ترجمة الملك الناصر [فرج] «5» إلى أن واقعا الملك الناصر بمن معهما فى أوائل المحرّم سنة خمس عشرة «6» ، وانكسر الناصر،

وحوصر بدمشق إلى أن أخذ وقتل، وتقاسم شيخ ونوروز الممالك والخليفة المستعين هو السّلطان، فأخذ شيخ الديار المصرية وصار أتابكا بها، وأخذ نوروز البلاد الشاميّة، وصار نائب الشام، فلما تسلطن الملك المؤيد [شيخ] «1» خرج نوروز عن طاعته، ووقعت أمور حكيت فى أوّل ترجمة الملك المؤيد، إلى أن خرج الملك المؤيد لقتاله، فظفر به وقتله. وكان نوروز ملكا جليلا، كريما شجاعا، مقداما عارفا عاقلا مدبّرا، وجيها فى الدّول، وهو أحد أعيان مماليك الظّاهر برقوق، معدودا من الملوك، طالت أيّامه فى الرياسة، وعظمت شهرته، وبعد صيته فى الأقطار، وكان متجمّلا فى مماليكه وحشمه، بلغت عدّة مماليكه زيادة على ألف مملوك، وكانت جامكيّة مماليكه بالشّام من مائة دينار إلى عشرة دنانير، ومات عن مماليك كثيرة، وترقّوا بعده إلى المراتب السّنيّة، حتى إنّ كلّ من ذكرناه من بعده، ونسبناه بالنّورزىّ فهو مملوكه وعتيقه، وفى هذا كفاية. وقتل معه جماعة من أعيان الأمراء حسبما نذكرهم أوّلا بأوّل. وفيها قتل من أصحاب نوروز الأمير سيف الدين يشبك بن أزدمر الظاهرى «2» ، رأس نوبة النّوب، ثم نائب حلب، وكان ممّن انضم مع نوروز بعد وفاة الوالد، فإنّ الوالد كان أخذه عنده. بدمشق لمّا ولى نيابتها، وجعله الملك النّاصر أتابكا بها، وعقد الوالد عقده على ابنته، وسنّها نحو أربع سنين لئلا يصل إليه من الملك النّاصر سوء. ودام مع نوروز إلى أن قبض عليه وقتل بدمشق حسبما تقدّم ذكره، وكان رأسا فى الشجاعة والإقدام، شديد القوّة فى الرّمى بالنّشّاب، إليه المنتهى فيه.

وفيها قتل الأمير سيف الدين طوخ بن عبد الله الظّاهرى «1» المعروف بطوخ بطّيخ نائب حلب «2» ، وهو أحد أصحاب نوروز، ذبح بدمشق مع نوروز وغيره. وفيها قتل الأمير سيف الدين قمش بن عبد الله الظّاهرىّ «3» نائب طرابلس، وهو أيضا من أصحاب نوروز. والجميع قتلوا فى ليلة ثانى عشرين شهر ربيع الآخر، حسبما تقدم ذكره. وفيها توفّى «4» الأمير الكبير سيف الدين يلبغا النّاصرىّ الظّاهرى «5» أتابك العساكر بالدّيار المصرّية، فى ليلة الجمعة ثانى شهر رمضان بالقاهرة، بعد عوده من الشام صحبة السلطان وهو أيضا من أصحاب نوروز، ومن أعيان خاصّكيّة الملك الظاهر برقوق، وأحد مماليكه، وترقّى فى الدولة الناصرية إلى أن صار أمير مائة ومقدّم ألف بالديار المصرّية، وقد مرّ من ذكره نبذة كبيرة فى دولة الناصر، ثم المؤيّد، وهو ثالث من ولى الأتابكيّة بديار مصر، ونعت بيلبغا الناصرى فى الدّولة التركيّة، فالأوّل منهم يلبغا العمرى الناصرى صاحب الكبش «6» ، وأستاذ برقوق، والثانى الأتابك يلبغا النّاصرى اليلبغاوىّ صاحب الوقعة مع الملك الظاهر برقوق، ونسبته بالناصرى إلى تاجره خواجا ناصر الدين، وهو مملوك يلبغا السابق ذكره- انتهى. والثالث يلبغا الناصرى هذا، وهو من مماليك برقوق. ونسبته بالناصرى إلى

تاجره خواجا ناصر الدين، وقد ذكرنا هؤلاء الثلاثة فى تاريخنا المنهل الصافى، فى محل واحد فى حرف الياء؛ كون الاسم والشهرة واحدة. وتوفّى «1» الأمير سيف الدين شاهين بن عبد الله الظاهرى الأفرم أمير سلاح، برملة لدّ «2» ، وهو عائد إلى مصر صحبة السلطان إلى حلب من جرح أصابه، وكان أميرا شهما شجاعا، رأسا فى ركوب الخيل وفنّ الفروسيّة، وقد تقدّم أن الفروسيّة نوع آخر غير الشجاعة والإقدام، فالشّجاع هو الذي يلقى غريمه بقوّة جنان، وفارس الخيل هو الرجل الذي يحسن تسريح الفرس فى كرّه وفرّه، ويدرى ما يلزمه من أمور فرسه وسلاحه، وتدبير ذلك كلّه، بحيث إنه يسير فى ذلك على القوانين المقررة المعروفة بين أرباب هذا الشأن. قلت: نادرة أخرى، وشاهين هذا هو أيضا ثالث أفرم من أعيان الملوك فى دولة التركيّة. فالأول منهم: الأفرم الكبير، صاحب الرّباط «3» فى بركة الحبش والأملاك الكثيرة، وهو الأمير عز الدين أيبك أمير جاندار الظاهر بيبرس، والمنصور قلاوون «4» . والثانى آقوش الدّوادارىّ المنصورى الأمير جمال الدين نائب الشام «5» ، والثالث شاهين هذا. فهؤلاء من الملوك، وأما غير الملوك فكثير لا يعتدّ بذكرهم.

وتوفّى «1» الأمير سيف الدين جانى بك بن عبد الله المؤيدى الدّوادار بمدينة حمص، وهو متوجّه صحبة السلطان إلى حلب من جرح أصابه فى محاربة نوروز، وكان من أعيان مماليك المؤيد أيّام إمرته، فلما تسلطن رقّاه وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه، وجعله دوادارا ثانيا، ثم ولّاه الدّواداريّة الكبرى بعد مسك طوغان الحسنى، فلم تطل مدّته، وخرج إلى التّجريدة وجرح ومات، وكان عنده شجاعة وإقدام مع تيه وشمم وتكبر، وتولّى خشداشه الأمير آقباى المؤيدى الخازندار عوضه الدّواداريّة الكبرى. وتوفّى قاضى مكّة، ومفتيها، وخطيبها، جمال الدين أبو حامد محمد ابن عفيف الدين عبد الله بن ظهيرة «2» القرشىّ المخزومى المكىّ الشافعىّ بمكّة فى ليلة سابع عشرين شهر رمضان عن نحو سبع وستين سنة، ومات ولم يخلف بعده بالحجاز مثله. وتوفّى قاضى الحنفيّة بالمدينة النّبويّة الشيخ زين الدين عبد الرحمن ابن نور الدين على المدنىّ الحنفى «3» بها، وقد أناف على سبعين سنة، بعد أن ولى قضاء المدينة ثلاثا وثلاثين سنة مع حسبتها، وشكرت سيرته. وتوفّى بالقاهرة الشريف سليمان بن هبة الله بن جمّاز بن منصور الحسينى المدنى، أمير المدينة النبويّة، وهو معزول بسجن قلعة الجبل، وقد ناهز الأربعين سنة من العمر. وتوفّى العلامة فريد عصره قاضى قضاة زبيد «4» ، مجد الدين أبو طاهر محمد بن

يعقوب بن محمد بن إبراهيم بن عمر الفيروزابادى «1» الشيرازى الشافعىّ، اللّغوىّ النّحوى، صاحب كتاب «القاموس» فى اللغة، فى ليلة العشرين من شوال عن ثمان وثمانين سنة وأشهر، وهو متمتّع بحواسّه، وكان إماما بارعا نحويّا لغويّا مصنّفا، طاف البلاد، ورأى المشايخ، وأخذ عن العلماء، وقدم مصر وأقرأ بها، ثم توجّه إلى اليمن، وولى قضاء زبيد نحو عشرين سنة حتى مات. أنشدنا الشيخ أبو الخير المكىّ من لفظه قال: أنشدنى الأديب الفاضل على بن محمد بن حسين بن عليّف المكى العكىّ العدنانى من لفظه لنفسه فى كتاب الشيخ مجد الدين [المسمى بالقاموس] «2» [الكامل] مذ مدّ مجد الدّين فى أيّامه ... من بعض أبحر علمه القاموسا ذهبت صحاح الجوهرىّ كأنّها ... سحر المدائن يوم ألقى موسى وقد استوعبنا مصنّفاته فى تاريخنا المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى «3» ، إذ هو محل الإطناب فى التراجم. وأمّا ما أثبت له من الشعر: أنشدنا الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر إجازة، قال أنشدنا العلّامة مجد الدين الفيروزابادى لنفسه إجازة إن لم يكن سماعا: [الوافر] أحبّتنا الأماجد إن رحلتم ... ولم ترعوا لنا عهدا وإلّا نودّعكم ونودعكم قلوبا ... لعلّ الله يجمعنا وإلّا أعترض عليه فى «وإلا» الثانية فإنها من غير توطئة- انتهى. أخبرنى الشيخ تقىّ الدين المقريزى رحمه الله قال: أخبرنى الشيخ الإمام مجد الدين محمد بن يعقوب الشّيرازىّ الفيروزابادىّ من لفظه بمكة فى ذى الحجّة سنة تسعين وسبعمائة

أنّه حضر بستانا بدمشق وقد جمع فيه الإمام العلّامة جمال الدين أحمد بن محمد الشّريشىّ الشّافعى وجماعة من أعيان دمشق لمأدبة فى يوم الثلاثاء العشرين من شعبان سنة ثلاث وستين وسبعمائة، وكان ممن حضر المجلس العلّامة بدر الدين محمد ابن الشيخ جمال الدين الشّريشى المذكور، ومعه ما ينيف على أربعين سفرا من كتب اللغة منها صحاح الجوهرى، فأخذ كلّ من الحاضرين- وهم: الشيخ عماد الدين بن كثير، والشيخ صلاح الدين الصّفدى، وشمس الدين الموصلىّ، وصدر الدين بن العزّ، وجماعة أخر- فى يده سفرا من تلك الأسفار، وامتحن البدر بن الشّريشى فى السؤال عن الأبيات المستشهد بها، فأنشد كلّ ما وقع فى تلك الكتب، وتكلّم على الموادّ اللغوية من غير أن يشذّ عنه شىء منها، وتكلم عليها بكلام مفيد متقن، فجزم الحاضرون أنه يحفظ جميع شواهد اللغة، وكتبوا له أجائز بذلك، ومن جملة من كتب له الشيخ مجد الدين هذا- انتهى. أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم سبعة أذرع سواء، مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعا وخمسة أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 818

[ما وقع من الحوادث سنة 818] السنة الرابعة من سلطنة الملك المؤيد شيخ على مصر وهى سنة ثمانى عشرة وثمانمائة. فيها فى شهر رجب تجرّد السلطان الملك المؤيد [شيخ] «1» إلى البلاد الشامية لقتال الأمير قانى باى نائب الشام ومن معه «2» حسبما تقدّم ذكره من قتاله لهم، وقتله إياهم- يأتى ذكر الجميع فى هذه السنة- وأول من قتله منهم الأمير قانى باى المحمدىّ الظاهرىّ نائب الشام فى العشر الأوسط من شعبان بحلب، وحملت رأسه إلى القاهرة، وطيف بها ثم علّقت أياما، وكان أصل قانى باى هذا من مماليك الملك الظاهر برقوق وأعيان خاصّكيته، ثم تأمّر فى الدّولة الناصرية [فرج] «3» إمرة مائة وتقدمة ألف، ثم صار فى دولة الملك المؤيد شيخ رأس نوبة النّوب، ثمّ أمير آخور كبيرا، وسكن باب السّلسلة على العادة وعمّر مدرسته برأس سويقة «4» منعم من الصّليبة بالشارع الأعظم، ثم ولى نيابة دمشق بعد الأمير نوروز الحافظىّ بعد خروجه عن الطاعة، فباشر نيابة دمشق إلى أن أشيع عنه الخروج عن الطاعة «5» وطلبه الملك المؤيد شيخ إلى القاهرة ليستقرّ أتابكا بها، وولّى عوضه نيابة دمشق الأتابك ألطنبغا العثمانى، فلما بلغ قانى باى ذلك خرج عن الطاعة «6» بعد أيام، وقاتل أمراء دمشق، وملك دمشق، ووافقه الأمير إينال الصّصلانىّ نائب حلب، والأمير سودون من عبد الرحمن نائب طرابلس، والأمير تنبك البجاسى نائب حماة، والأمير طرباى نائب غزّة، وخرج إليه الملك المؤيد مخفا، وقاتله بظواهر حلب، حسبما ذكرنا ذلك كلّه فى أصل ترجمة الملك المؤيد من هذا الكتاب، فظفر به بعد أيام وقتله، وكان من

أجلّ خاصّكيّة الملك الظاهر برقوق، وعنده رياسة وحشمة وتجمّل، ومات وسنّة دون الأربعين. وفيها قتل الأمير سيف الدين إينال بن عبد الله الصّصلانى «1» الظاهرىّ نائب حلب أحد أصحاب قانى باى المقدّم ذكره، فى العشر الأوسط من شعبان، وكان أصله أيضا من أعيان خاصّكيّة الملك الظاهر برقوق ومماليكه، وتأمّر أيضا فى دولة الملك الناصر فرج إلى أن صار أمير مائة ومقدّم ألف، وحاجب الحجّاب، ثم صار فى دولة المؤيد أمير مجلس، ثم نقل إلى نيابة حلب بعد قتل نوروز الحافظىّ، إلى أن خرج قانى باى نائب الشّام عن الطاعة، ووافقه إينال هذا إلى أن كان من أمرهم ما كان، وقتل وحملت رأسه أيضا إلى القاهرة مع رأس قانى باى، وكان إينال المذكور أميرا شجاعا، مقداما كريما، عاقلا سيوسا، معدودا من الفرسان- رحمه الله تعالى. وفيها قتل الأمير سيف الدين ثمان تمر اليوسفيّ الظاهرىّ، أتابك حلب- المعروف بأرق- معهما فى التاريخ المقدّم ذكره، وحملت رأسه أيضا إلى مصر، وكان تمان تمر أيضا من أعيان المماليك الظاهرية، وترقّى بعد موت الملك الظاهر حتى ولى إمرة مائة وتقدمة ألف بديار مصر، ثم صار أمير جاندار، إلى أن قبض عليه الملك المؤيّد شيخ وحبسه مدّة، ثم أطلقه وولّاه أتابكيّة حلب، فلما خرج قانى باى وإينال نائب حلب وافقهما مع من وافقهما من الأمراء والنوّاب، حتى قبض عليهم، ووقع من أمرهم ما وقع، وكان أيضا من الشجعان، وكان تركىّ الجنس. وفيها قتل أيضا الأمير سيف الدين جرباش بن عبد الله الظاهرىّ المعروف بكبّاشة حاجب حجّاب حلب، وحملت رأسه إلى القاهرة، وكان أيضا من المماليك الظاهرية، [برقوق] «2» وتأمّر فى الدولة الناصرية [فرج] «3» ، والمؤيّدية [شيخ] «4» إلى أن أخرجه الملك المؤيد منفيّا إلى القدس، ثم استقرّ به فى حجوبيّة حلب، إلى أن كان

من أمر قانى باى وإينال ما كان، فقتل معهما، وقتل غير هؤلاء أيضا خلائق فى الوقعة وغيرها. وفيها توفّى قاضى القضاة شمس الدين محمد ابن العلّامة جلال الدين رسولا بن يوسف التّركماني الحنفى، المعروف بابن التّبانىّ «1» ، قاضى قضاة دمشق بها، فى يوم الأحد ثامن عشرين شهر رمضان، وكان إماما عالما فاضلا، معدودا من فقهاء الحنفية. وتوفّى الوزير الصّاحب سعد الدين إبراهيم بن بركة المعروف بابن البشيرىّ «2» بالقاهرة فى يوم الأربعاء رابع عشر صفر، ومولده فى ليلة السبت سابع ذى القعدة سنة ستّ وستين وسبعمائة بالقاهرة، وكان معدودا من رؤساء الأقباط، تنقّل فى عدّة وظائف إلى أن ولى الوزر غير مرة، ونظر الخاص. وتوفّى الشيخ زين الدين حاجى الرّومى «3» الحنفى شيخ التّربة الناصرية التى أنشأها الملك الناصر [فرج] «4» على قبر أبيه الملك الظّاهر برقوق بالصحراء «5» ، فى ليلة الخميس رابع شوال، واستقر عوضه فى مشيختها الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد البساطى المالكى، بعناية الأمير ططر نائب الغيبة. وتوفّى الشيخ المعتقد الصالح، محمد الدّيلمىّ فى رابع ذى الحجة، ودفن بالقرافة، وكان للناس فيه اعتقاد، ويقصد للزيارة للتبرك به. وتوفّى الملك أميرزة إسكندر ابن أميرزة عمر شيخ بن تيمور لنك، صاحب بلاد فارس، وكان ملكها بعد قتل أخيه أميرزة محمد، ودام إسكندر على ملك فارس سنين إلى أن بدا له مخالفة عمّه شاه رخّ بن تيمور لنك، فسار إليه شاه رخّ المذكور،

وقاتله وأسره وسمل «1» عينيه بعد أمور وحروب، وأقام شاه رخّ عوضه أخاه رستم ابن أميرزة عمر شيخ، فجمع إسكندر المذكور جمعا ليس بذلك، وقدّم عليهم ابنه، وجهّزهم إلى أخيه رستم، فخرج إليهم رستم المذكور وقاتلهم وهزمهم، وأخذ إسكندر هذا أسيرا، ثم قتله بأمر عمّه شاه رخّ، وكان إسكندر المذكور ملكا فاضلا ذكيا فطنا، يكتب المنسوب «2» إلى الغاية فى الحسن، وبخطه ربعة عظيمة بمكة المشرفة، وكان حافظا للشعر ويقوله باللغة العجمية والتركية، وكانت لديه فضيلة ومشاركة فى فنون. وفيها قتل الأمير الكبير سيف الدين دمرداش بن عبد الله المحمّدىّ الظاهرىّ بسجن الإسكندرية فى يوم السبت ثامن عشر المحرّم. وكان دمرداش هذا من أعيان مماليك الظاهر برقوق، وترقّى فى أيّام أستاذه إلى أن ولى أتابكيّة دمشق، ثم نيابة حماة، ثم نيابة طرابلس، ثم أمسكه وحبسه ساعة، وأطلقه بسفارة الوالد لمّا ولى نيابة حلب، فجعله الظاهر أتابك العساكر بحلب، ثم نقله ثانيا إلى نيابة حماة، ثم نقله إلى نيابة حلب بعد واقعة تنم الحسنى نائب الشّام، وقدم تيمور لنك البلاد الشاميّة فى نيابته، ثم خرج عن الطاعة مع الوالد، ووقع له بعد ذلك أمور وحروب وخطوب- تقدّم ذكرها فى ترجمة الملك الناصر فرج، ثم فى ترجمة الملك المؤيد شيخ- ومحصول هذا كله، أنه ولى أتابكيّة العساكر بالديار المصرية بعد الوالد، ثم ولى نيابة الشّام بعده أيضا بحكم وفاته، ثم فرّ من الملك الناصر [فرج] «3» لمّا حوصر بدمشق إلى البلاد الحلبيّة، ودام بها، إلى أن كانت فتنة نوروز، وتولّى ابن أخيه قرقماس سيدى الكبير نيابة الشّام عوضا نوروز، وطلبه الملك

المؤيّد فقدم عليه من البحر، وقد عاد قرقماس إلى مصر، فقبض الملك المؤيّد عليهما، وأرسل قبض على ابن أخيه تغرى بردى سيدى الصغير من صالحية بلبيس، وقال: هؤلاء أهمّ من الأمير نوروز، وقتل تغرى بردى سيدى الصغير فى يوم عيد الفطر سنة ستّ عشرة، ثمّ قتل أخاه قرقماس سيدى الكبير بسجن الإسكندرية، وأبقى عمّهما دمرداش هذا إلى هذا اليوم فقتله، وقد تقدم من ذكر دمرداش ما فيه غنية عن ذكره هنا ثانيا. وفيها قتل الأمير سيف الدين سودون بن عبد الله المحمدىّ الظاهرىّ المعروف بسودون تلّى- أى مجنون- فى يوم السبت ثامن عشر المحرّم بسجن الإسكندرية، مع الأمير دمرداش المقدّم ذكره، وكان سودون أيضا من أعيان المماليك الظاهريّة [برقوق] «1» ، وترقّى فى دولة الملك الناصر فرج إلى أن صار أمير آخور كبيرا، ثم خرج عن طاعة الملك الناصر، ووقع له أمور، وانضم على الأميرين شيخ ونوروز، ودام معهما سنين إلى أن انكسر الملك الناصر وقتل، فقدم القاهرة- صحبة الأمير الكبير شيخ فى خدمة الخليفة- على أعظم إقطاعات مصر، وكان يميل إلى نوروز أكثر من شيخ، غير أن نوروز أرسله مع الأمير شيخ هو والأمير بكتمر جلّق صفة التّرسيم ليمنعاه «2» من الوثوب على السّلطنة، فمات بكتمر بعد أشهر، فتلاشى أمر سودون المذكور، فأخذ الملك المؤيد يخادعه إلى أن استفحل أمره، فقبض عليه وحبسه بالإسكندرية إلى أن قتله فى التاريخ المذكور. وفيها أيضا قتل الأمير سيف الدين أسنبغا الزّرد كاش أحد المماليك الظاهريّة [برقوق] «3» أيضا، بسجن الإسكندرية مع دمرداش وسودون المحمدى، وكان ممّن صار أمير مائة ومقدّم ألف بالديار المصرية فى دولة الملك الناصر فرج، وجعله بديار مصر

فى سفرته التى قتل فيها، ودام بمصر إلى أن قبض عليه الملك المؤيد وحبسه بالإسكندرية ثمّ قتله فى التاريخ المقدم ذكره. أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع ونصف، مبلغ الزيادة عشرون ذراعا سواء.

ما وقع من الحوادث سنة 819

[ما وقع من الحوادث سنة 819] السنة الخامسة من سلطنة الملك المؤيد على مصر وهى سنة تسع عشرة وثمانمائة. فيها توفّى الأمير سيف الدين تنبك بن عبد الله المؤيّدى، شاد الشراب خاناه، وأحد أمراء الطّبلخانات، فى سادس عشرين صفر، وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلّاة المؤمنى «1» ، وكان من أكابر المماليك المؤيّدية، خصيصا عند السلطان، مشكور السّيرة. وتوفّى أستادار الوالد الأمير الوزير شهاب الدين أحمد ابن الحاج عمر بن قطينة، فى يوم الأحد ثانى عشرين المحرّم، وكان يباشر فى بيوت الأمراء، واتصل بخدمة الوالد سنين، ثم ولى الوزارة فى الدّولة الناصرية دون الأسبوع فى سنة اثنتين وثمانمائة، وعزل وعاد إلى أستادارية الوالد، وتصرّف مع ذلك فى عدة أعمال، وكان معدودا من أعيان المصريين. وتوفّى الشيخ الإمام نجم الدين [بن فتح الدين] «2» ، أبو الفتح محمد بن محمد بن عبد الدايم الحنبلى، فى هذه السنة، وكان من أعيان فقهاء الحنابلة. وتوفّى الشيخ الإمام العلّامة همام الدين محمد بن محمد الخوارزمىّ «3» ، الشّافعى، شيخ المدرسة الناصرية المعروفة بالجمالية، برحبة باب العيد بالقاهرة، وكان عالما فى عدة فنون.

وتوفّى القاضى شهاب الدين أحمد الصّفدى «1» ناظر البيمارستان المنصورى بالقاهرة وناظر الأحباس، فى ثانى عشر شهر ربيع الأوّل، وكان أولا يباشر التّوقيع بخدمة الملك المؤيّد شيخ فى أيام إمرته، فلما رشح للسلطنة خلع عليه بنظر البيمارستان، واستقرّ القاضى ناصر الدين ابن البارزىّ عوضه فى توقيع الأمير شيخ، فوصل بذلك إلى وظيفة كتابة السّرّ. وتوفّى قاضى القضاة أمين الدين عبد الوهاب ابن قاضى القضاة شمس الدين محمد بن أبى بكر الطرابلسىّ «2» الحنفى، قاضى قضاة الدّيار المصرية، فى ليلة السبت سادس عشرين شهر ربيع الأول، وقد تجاوز أربعين سنة، وكان مشكور السّيرة قليل البضاعة. وتوفّى الأمير سيف الدين قمارى «3» بن عبد الله، شادّ السلاح خاناه «4» ، وأمير الرّكب الأوّل من الحاج، فى رابع عشرين شوّال، فى وادى القباب «5» ، وهو متوجّه إلى الحج. وتوفّى الشيخ الإمام المحدّث تقىّ الدين أبو بكر بن عثمان بن محمد الجيتى «6» ، الحنفى قاضى العسكر بالدّيار المصرية بها، وكان من الفضلاء، معدودا من فقهاء الحنفية ونحاتهم، وكان وجيها فى الدّولة المؤيدية [شيخ] «7» إلى الغاية.

وتوفّى الأمير سيف الدين أرغون بن عبد الله من بشبغا «1» الظاهرى، الأمير آخور- كان- فى الدولة الناصرية فرج بالقدس بطالا فى يوم الجمعة ثالث ذى القعدة، وكان ديّنا خيرا، عفيفا عن المنكرات والفروج، وهو أحد أعيان المماليك الظاهريّة وخشداش الوالد، كلاهما جلبه خواجا بشبغا، وقد تقدّم من ذكره نبذة كبيرة فى ترجمة الملك الناصر فرج. وتوفّى الطواشى زين الدين مقبل بن عبد الله الأشقتمرىّ «2» رأس نوبة الجمدارية فى ليلة الاثنين رابع عشر شهر ربيع الآخر، ودفن بمدرسته التى بخط التّبانة، وكان رومى الجنس، ولديه فضيلة. وتوفّى قاضى القضاة ناصر الدين محمد ابن قاضى القضاة كمال الدين عمر بن إبراهيم بن محمد المعروف بابن أبى جرادة، وابن العديم «3» الحلبى الحنفى قاضى قضاة الدّيار المصرية بها، بعد مرض طويل، فى ليلة السبت تاسع شهر ربيع الآخر، عن سبع وعشرين سنة، بعد ما ولى القضاء نحو ثمانى سنين، على أنه صرف منها مدّة، وكان عالما ذكيّا فطنا، مع طيش وخفّة، ومهابة وحرمة، وثروة وحشم، وقد ثلمه الشيخ تقي الدين المقريزى بقوادح ليست فيه، والإنصاف فى ترجمته ما ذكرناه، وأنا أعرف بحاله من الشيخ تقي الدين وغيره؛ لكونه كان زوج كريمتى، ومات عنها، وتولى القضاء بعده الشيخ شمس الدين محمد الدّيرىّ [الحنفى] «4» القدسى بعد أشهر. وتوفّى الشيخ الإمام العالم العلامة عزّ الدين محمد ابن شرف الدين أبى بكر ابن قاضى القضاة عز الدين عبد العزيز ابن قاضى القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن

جماعة «1» - مطعونا- فى يوم الأربعاء العشرين من شهر ربيع الأول، ومولده بمدينة الينبع «2» بأرض الحجاز سنة تسع وخمسين وسبعمائة، وكان بارعا، مفنّنا، إماما فى العلوم العقليّة، مشاركا فى عدّة فنون، وبه تخرج غالب علماء عصرنا، وكان احترز على نفسه من الطاعون، واحتمى عن المغلّظات، وسلك طريق الحكماء، واستعمل الأشياء الدافعة للطاعون والخمّ، وأكثر من ذلك إلى أن طعن وهو أعظم ما يكون من الاحتراز، فما شاء الله كان. وتوفّى الصاحب الوزير تقي الدين عبد الوهاب ابن الوزير الصاحب فخر الدين عبد الله ابن الوزير الصاحب تاج الدين موسى ابن علم الدين أبى شاكر ابن تاج الدين أحمد ابن شرف الدولة إبراهيم ابن الشيخ سعيد الدّولة بالقاهرة فى يوم الخميس حادى عشر ذى القعدة، وكان مشكور السيرة، يتنصّل من صحبة الأقباط أبناء جنسه، ويتديّن ويصحب الصّلحاء من المسلمين، ولا يدخل فى بيته أحدا من نسوة النصارى البتّة- رحمه الله تعالى. وتوفّيت خوند أخت الملك الظاهر برقوق، بنت الأمير آنص الجاركسية، أم الأتابك بيبرس، فى ليلة الأحد رابع عشر ذى القعدة، بعد سن عال، وهى الصّغرى من أخوة برقوق. وتوفّى الشيخ زين الدين أبو هريرة عبد الرحمن ابن الشيخ شمس الدين أبى أمامة محمد ابن على بن عبد الواحد بن يوسف بن عبد الرحيم الدّكالىّ الشّافعىّ، المعروف بابن النّقاش «3» ،

خطيب جامع أحمد بن طولون، فى يوم عيد النحر، وكان يعظ، ولكلامه موقع فى القلوب، مع فضيلة تامّة، ودين متين، وقيام فى ذات الله [تعالى] «1» . وتوفّى قاضى القضاة شمس الدّين محمد بن على بن معبد المقدسىّ، المعروف بالمدنى «2» المالكى، فى يوم الجمعة عاشر شهر ربيع الأوّل عن سبعين سنة، وكان مشكور السّيرة فى ولايته بالعفة، على أن بضاعته من العلم كانت مزجاة. وتوفّيت «3» خوند بنت الملك الناصر فرج، زوجة المقام الصّارمى إبراهيم ابن الملك المؤيدى شيخ، فى شهر ربيع الأوّل، وهى أكبر أولاد الناصر، وهى التى كان تزوّجها بكتمر جلّق فى حياة والدها، وسنها دون عشر سنين. وفيها كان الطاعون والغلاء بالديار المصرية حسبما تقدم ذكره: أمر النيل فى هذه السنه: الماء القديم سبعة أذرع ونصف، مبلغ الزيادة عشرون ذراعا سواء كالعام الماضى.

ما وقع من الحوادث سنة 820

[ما وقع من الحوادث سنة 820] السنة السادسة من سلطنة الملك المؤيد شيخ على مصر وهى سنة عشرين وثمانمائة. فيها تجرّد السلطان الملك المؤيد المذكور إلى البلاد الشامية، وفتح عدّة قلاع ببلاد الروم مثل كختا وكركر وبهسنا وغيرها، وهى تجريدته الثالثة، وأيضا آخر سفراته إلى الشام. وفيها توفّى الأمير زين الدين فرج ابن السلطان الملك الناصر فرج ابن السلطان الملك الظاهر برقوق ابن الأمير آنص الجاركسىّ بسجن الإسكندرية فى ليلة الجمعة سادس عشرين [شهر] «1» ربيع الأوّل، ودفن بالإسكندرية، ثم نقلت جثته إلى القاهرة، ودفنت بتربة والده التى بناها الملك الناصر على قبر أبيه الملك الظاهر [برقوق] «2» بالصحراء خارج القاهرة، ومات ولم يبلغ الحلم، وهو أكبر أولاد الملك الناصر فرج من الذكور، وبموته خمدت نفوس الظاهرية. وتوفّى الأمير سيف الدين آقبردى بن عبد الله المؤيدى المنقار، أحد أمراء الألوف بالديار المصرية، فى ليلة الخميس سابع عشرين صفر بدمشق، وكان توجه إليها صحبة أستاذه الملك المؤيد، وهو أحد أعيان مماليك [الملك] «3» المؤيد شيخ، اشتراه أيام إمرته وقاسى معه تلك الحروب والفتن والتشتت فى البلاد، فلما تسلطن أمّره عشرة، ثم نقله إلى إمرة طبلخاناه، وجعله رأس نوبة ثانيا، وهو أول من حكم ممّن ولى هذه الوظيفة، وقعدت النّقباء على بابه، ثم أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بديار مصر، ثم ولى نيابة إسكندرية مدّة، ثم عزله وأقرّه على إقطاعه، وأخذه صحبته إلى التجريدة وهو مريض فى محفّة فمات بالبلاد الشاميّة، وكان شجاعا مقداما كريما، مع جهل

وظلم وجبروت، وخلق سيّئ، وبطش وحدّة مزاج، وقبح منظر. قلت: وعلى كل حال مساوئه أكثر من محاسنه. وتوفّى القاضى تاج الدين عبد الوهاب بن نصر الله بن حسن الفوى الحنفى «1» . أخو الصاحب بدر الدين بن نصر الله، كان وكيل بيت المال، وناظر الكسوة، وأحد نواب الحكم الحنفيّة، وهو والد صاحبنا القاضى تقي الدين بن نصر الله، فى ليلة السبت ثالث عشر جمادى الآخرة بالقاهرة، وكان مولده فى سنة ستين وسبعمائة، ومات فى حياة والده، وكان من أعيان الديار المصرية ورؤسائها. وتوفّى الشيخ الإمام العالم الزاهد الورع شرف الدين موسى بن على المناوىّ «2» المالكى الفقيه العابد، بمكة المشرفة فى ثانى شهر رمضان، وكان من الأبدال، جاور بمكة والمدينة سنين، وكان أوّلا بالقاهرة فى طلب العلم، وحفظ الموطّأ حفظا جيّدا، وبرع فى الفقه والعربيّة، وشارك فى فنون، ثم تزهد فى الدنيا، وترك ما كان بيده من الوظائف من غير عوض يعوّضه فى ذلك، وانفرد بالصحراء مدّة، ثم خرج إلى مكّة فى سنة تسع وتسعين وسبعمائة، وأقبل على العبادة متخلّيا من كلّ شىء من أمور الدّنيا، معرضا عن جميع الناس حتى صار أكثر إقامته بمكّة فى الجبال، لا يدخلها إلّا فى يوم الجمعة، أو فى النّادر، وكان يقصد للزّيارة والتّبرّك به، وكان ممّن لا يريد الشّهرة. وتوفّى الأمير سيف الدين آقباى «3» بن عبد الله المؤيّدى نائب الشّام بها فى قلعة

دمشق [فى ذى القعدة] «1» ، وقد مرّ من ذكره ما فيه كفاية عن ذكره ثانيا عند خروجه من قلعة دمشق والقبض عليه، كلّ ذلك فى ترجمة أستاذه الملك المؤيد [شيخ] «2» وهو أحد أعيان مماليك المؤيد، وأحد الأربعة المعدودة بالشّهامة والشجاعة. وهم: الأمير جانى بك المؤيدى الدّوادار، والأمير آقباى الخازندار ثم الدّوادار هذا، والأمير يشبك اليوسفىّ المؤيدى المشدّ ثم نائب حلب الآتى ذكره، والأمير آقبردى المؤيّدى المنقار المقدم ذكره فى هذه السنة، فهؤلاء الأربعة كانوا من الشجعان «3» [ضاهوا أعيان مماليك الملك الظاهر برقوق، بل بالغ بعض خشداشيّتهم بأنّهم أعظم وأشهم، وفى ذلك نظر] «4» . وتوفّى الشيخ شمس الدين محمد بن على بن جعفر البلالى «5» الشافعى، شيخ خانقاه سعيد السعداء «6» بها، فى يوم الجمعة رابع عشر شهر رمضان، وكان فقيها فاضلا معتقدا، وله شهرة كبيرة، وكان الوالد يحبّه، ويبرّه بالأموال والغلال، وغير ذلك. وتوفّى الأمير ناصر الدين محمد السّلاخورىّ، نائب دمياط، قتيلا فى رابع عشر ذى الحجّة، بعد ما ولى عدّة وظائف بالبذل والسّعى. أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع سواء، مبلغ الزّيادة تسعة عشر ذراعا وثمانية أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 821

[ما وقع من الحوادث سنة 821] السنة السابعة من سلطنة الملك المؤيد شيخ على مصر وهى سنة إحدى وعشرين وثمانمائة. فيها كان الطاعون بالديار المصرية، ومات جماعة من الأعيان وغيرهم، ووقع الطاعون بها أيضا فى التى تليها حسبما يأتى ذكره. وفيها توفّى الأمير سيف الدين مشترك بن عبد الله القاسمى الظاهرىّ نائب غزّة- كان- ثم أحد مقدّمى الألوف بدمشق بها، فى سادس عشر جمادى الأولى، وهو أحد المماليك لظاهرية برقوق، وتأمّر فى دولة الملك الناصر فرج، ثم ولّاه الملك المؤيد نيابة غزّة، ثم نقله إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، إلى أن مات. وتوفّى الشريف النقيب شرف الدين أبو الحسن على ابن الشريف النقيب فخر الدين أحمد ابن الشريف النقيب شرف الدين محمد بن على بن الحسين بن محمد ابن الحسين بن محمد بن الحسين بن محمد بن زيد بن الحسين بن مظفّر بن على بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب- رضى الله عنه- الأرموىّ الحسينىّ، نقيب الأشراف بالديار المصرية، فى يوم الاثنين تاسع عشر شهر ربيع الأوّل، وكان رئيسا نبيلا، عاريا عن العلوم والفضائل، منهمكا فى اللّذات، وله مكارم وأفضال- عفا الله [تعالى] «1» عنه. وتوفّى الأمير [سيف الدين] «2» حسين بن كبك التّركمانى أحد أمراء التّركمان قتيلا فى ثالث جمادى الأولى. وتوفّى القاضى شهاب الدين أحمد بن عبد الله القلقشندى «3» الشّافعى فى ليلة السّبت عاشر جمادى الآخرة عن خمس وستين سنة، بعد أن كتب فى الإنشاء «4» سنين، وبرع

فى العربيّة، وشارك فى الفقه، وناب فى الحكم بالقاهرة، وعرف الفرائض، ونظم ونثر، وصنّف كتاب صبح الأعشى فى صناعة الإنشاء، جمع فيه جمعا كبيرا مفيدا، وكتب فى الفقه وغيره. وتوفّى الأمير سيف الدين بيسق بن عبد الله الشّيخىّ الظاهرىّ، أحد أمراء الطّبلخانات، وأمير آخور ثانى، فى جمادى الآخرة بالقدس بطّالا، بعد أن ولى إمرة الحاجّ فى أيّام أستاذه الملك الظاهر برقوق، وأيّام ابن أستاذه الملك الناصر فرج غير مرّة، وولى عمارة المسجد الحرام بمكّة لمّا اخترق فى سنة ثلاث وثمانمائة، ثم تنكّر عليه الملك الناصر، وأخرجه منفيّا إلى صهره الأمير إسفنديار ملك الرّوم، فأقام بها حتى تسلطن الملك المؤيد شيخ، فقدم عليه، فلم يقبل عليه الملك المؤيّد شيخ لأنّه كان من حواشى الأمير نوروز الحافظى، وأقام بداره مدّة، ثم أخرجه المؤيد إلى القدس بطّالا، فمات به، وكان أميرا عاقلا، عارفا بالأمور، متعصبا للفقهاء الحنفيّة، وفيه برّ وصدقة، مع شراسة خلق وحدّة مزاج، وقد ترجمه الشيخ تقىّ الدين الفاسى «1» قاضى مكّة ومؤرّخها، ونعته بالأمير الكبير، على أنّ بيسق، لم يعط إمرة مائة ولا تقدمة ألف البتّة، وإنما أعظم ما وصل إليه الأمير آخورية الثانية، وإمرة طبلخاناه لا غير، فبينه وبين المقدّم درجات، وبين المقدم والأمير الكبير درجات، فترجمه الفاسى بالأمير الكبير دفعة واحدة، وكذا وقع له فى جماعة كبيرة من أعيان المصريين، فكلّ ذلك لعدم ممارسته لهذا الشأن، وإن كان الرجل حافظا ثقة، عارفا بفن الحديث ورجاله، إماما فى معرفة أهل بلده، وأحوال المسجد الحرام، وقد أجاد فيما صنّفه من تاريخ مكّة المشرّفة إلى الغاية بخلاف تأريخه التّراجم، فإنه قصّر فيه إلى الغاية، وأقلب ملوك الأقطار وأعيانها- ما عدا أهل مكة- ظهرا لبطن، وأعظم من رأيناه فى هذا الشأن الشيخ تقي الدين المقريزىّ، وقاضى القضاة بدر الدين العينى، وما عداهما فمن مقولة الشيخ تقي الدين الفاسى، ولم أرد بذلك الحطّ على أحد،

وإنما الحقّ يقال على أى وجه كان، وها [هى] «1» مصنّفات الجميع باقية، فمن لم يرض بحكمى فليتأمّلها، ويقتدى بنفسه- انتهى. وتوفّى الأمير علاء الدين «2» آقبغا بن عبد الله المعروف بالشّيطان- مقتولا- فى ليلة الخميس سادس شعبان، وأصله من صغار مماليك الملك الظاهر برقوق، وعظم فى الدّولة المؤيّدية، حتى إنه جمع بين ولاية القاهرة وحسبتها وشدّ الدّواوين بها فى وقت واحد، وكان عارفا حاذقا فطنا، عفيفا عن المنكرات، مع معرفة بالمباشرة، غير أنه كان فيه ظلم وعسف. وتوفّى الأمير سيف الدين بردبك بن عبد الله الخليلى الظاهرىّ، المعروف بقصقا، نائب صفد بها، فى ليلة الخميس نصف شهر رجب، وكان أصله من خاصّكيّة الملك الظاهر برقوق ومماليكه، وترقّى بعد موته إلى أن صار أمير مائة ومقدّم ألف، ثم رأس نوبة النّوب فى دولة الملك المؤيّد شيخ، ثم نقل إلى نيابة طرابلس، فساءت سيرته بها، فعزل عنها ونقل إلى نيانة صفد فدام بها إلى أن توفى، وكان غير مشكور السّيرة. وتوفّى الأمير [سيف الدين] «3» سودون بن عبد الله الأسندمرىّ الظاهرىّ، أتابك طرابلس قتيلا- فى الوقعة التى كانت بين الأمير برسباى الدقماقى نائب طرابلس وبين التّركمان خارج طرابلس- فى يوم الأربعاء سابع عشرين شعبان، وكان ولى الأمير آخوريّة الثانية فى الدولة الناصرية، ثم أمسكه الملك الناصر وحبسه بسجن الإسكندرية، إلى أن أطلقه الملك المؤيد، وأنعم عليه بعد مدّة بأتابكيّة طرابلس، فدام بها إلى أن قتل. وتوفّى الأستاذ إبراهيم بن باباى الرّومى العوّاد، أحد ندماء الملك الناصر فرج،

ثم الملك المؤيد شيخ، ببستانه بجزيرة الفيل المعروف ببستان الحلّى فى ليلة الجمعة مستهلّ شهر ربيع الأوّل، وقد انتهت إليه الرياسة فى الضّرب بالعود، وخلّف مالا جزيلا، وكان فيه تكبّر وشمم، وكان حظيّا عند الملوك، نالته السعادة بسبب آلته وغنائه، ومات وهو فى عشر السبعين، ولم يخلف بعده مثله إلى يومنا هذا، ومع قوته فى العود ومعرفته بالموسيقى لم يصنّف شيئا فى الموسيقى، كما كانت عادة من قبله من الأستاذين- انتهى. وتوفى الأمير الوزير فخر الدين عبد الغنى ابن الوزير تاج الدين عبد الرزّاق بن أبى الفرج بن نقولا «1» الأرمنىّ الملكى أستادار العالية، فى يوم الاثنين النّصف من شوال، بداره بين السورين من القاهرة، ودفن بجامعه «2» الذي أنشأه تجاه داره المذكورة، وتولى الأستادارية من بعده الزّينى أبو بكر بن قطلوبك، المعروف بابن المزوّق، وكان مولد فخر الدين المذكور فى شوال سنة أربع وثمانين وسبعمائة، ونشأ فى كنف والده، ولما ولى أبوه الوزارة من ولاية قطيا فى الأيام الظاهرية برقوق، ولّاه موضعه بقطيا، ثم ولى كشف الوجه الشّرقىّ فى سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، ووضع السيف فى العرب الصالح والطالح، وأسرف فى سفك الدّماء وأخذ الأموال، حتى تجاوز عن الحد فى الظّلم والعسف، ثم طلب الزيادة فى الظلم والفساد، وبذل للملك الناصر أربعين ألف دينار، وولى الأستادارية عوضا عن تاج الدين عبد الرزّاق بن الهيصم فى سنة أربع عشرة المذكورة. قال المقريزى فوضع يده فى الناس يأخذ أموالهم بغير شبهة من شبه الظلمة حتى داخل الرّعب كلّ برىء، وكثرت الشناعة عليه، وساءت القالة فيه، فصرف فى ذى الحجة من السّنة، وسرّ الناس بعزله سرورا كبيرا، وعوقب عقوبة لم يعهد مثلها فى الكثرة، حتى أيس منه كلّ أحد، ورقّ له أعداؤه، وهو فى ذلك يظهر قوّة النفس،

وشدّة الجلد، مالا يوصف، ثم خلّى عنه، وعاد إلى ولاية قطيا، ثم صرف عنها، وخرج مع الناصر إلى دمشق من غير وظيفة. فلما قتل الناصر تعلّق بحواشى الأمير شيخ، وأعيد إلى كشف الوجه البحرى،- انتهى كلام المقريزى باختصار. قلت: ثمّ ولى الأستادارية ثانيا بعد ابن محب الدين فى سنة تسع عشرة وثمانمائة، وسلّم إليه ابن محبّ الدين، فعاقبه وأخذ منه أموالا كثيرة، ثم أضيف إليه الوزر، وتقدّم عند الملك المؤيّد، ثم تغيّر عليه المؤيّد، ففرّ منه فخر الدين المذكور من على حماة إلى بغداد، وغاب هناك إلى أن قدم بأمان من الملك المؤيد وعاد إلى وظيفة الأستادارية، واستمرّ على وظيفته إلى أن مات فى التاريخ المقدم ذكره. قال المقريزى رحمه الله: وكان جبّارا قاسيا شديدا، جلدا عبوسا بعيدا عن الترف، قتل من عباد الله ما لا يحصى، وخرّب إقليم مصر بكماله، وأفقر أهله ظلما وعتوّا وفسادا فى الأرض؛ ليرضى سلطانه، فأخذه الله أخذا وبيلا- انتهى كلام المقريزى [باختصار] «1» . قلت: لا ينكر عليه ما كان يفعله من الظّلم والجور، فإنه كان من بيت ظلم وعسف، كان عنده جبروت الأرمن، ودهاء النّصارى، وشيطنة الأقباط، وظلم المكسة، فإن أصله من الأرمن، وربّى مع النصارى، وتدرّب بالأقباط، ونشأ مع المكسة بقطيا، فاجتمع فيه من قلّة الدين، وخصائل السّوء ما لم يجتمع فى غيره، ولعمرى لهو أحقّ بقول القائل: [الوافر] مساوىء لو قسمن على الغوانى ... لما أقهرن إلّا بالطّلاق قيل إنه لما دفن بقبره بالقبّة من مدرسته سمعه جماعة من الصّوفيّة وغيرهم وهو يصيح فى قبره، وتداول هذا الخبر على أفواه الناس، قلت: وما خفاهم أعظم «2» ، غير أنى

أحمد الله تعالى على هلاك هذا الظّالم فى عنفوان شبيبته، ولو طال عمره لملأ ظلمه وجوره الأرض، وقد استوعبنا ترجمته فى تاريخنا المنهل الصّافى «1» بأطول من هذا، وذكرنا من اقتدى به من أقاربه فى الظّلم والجور وسوء السّيرة، ألا لعنة الله على الظّالمين. قلت: وأعجب من ظلمهم إنشاؤهم المدارس والرّبط، من هذا المال القبيح، الذي هو من دماء المسلمين [وأموالهم] «2» . وأما مدرسة فخر الدين هذا، ومدرسة جمال الدين البيرىّ الأستادار «3» ، ومدرسة أخرى، بالقرب من باب سعادة، فهذه «4» المدارس الثلاث فى غاية ما يكون من الحسن، والعمل المتقن من الزّخرفة، والرّخام الهائل، ومع هذا أرى أن القلوب ترتاح إلى بلاط دهليز خانقاه سعيد السّعداء، وبياضها الشّعث أكثر من زخرفة هؤلاء ورخامهم، وليس يخفى هذا على أرباب القلوب النيّرة، والأفكار الجليلة- انتهى. وتوفّى الأمير الطّواشى بدر الدين لؤلؤ العزّى الرّومىّ، كاشف الوجه القبلى، فى يوم الأربعاء رابع عشرين شوّال، وكان يلى الأعمال، فصودر وعوقب غير مرّة، وكان من الظّلمة الفتّاكين، وكانت أعيان الخدّام تكره منه دخوله فى هذا الباب، وتلومه على ذلك. وتوفّى الأمير الكبير علاء الدين ألطنبغا بن عبد الله العثمانى [الظاهرى] «5» أتابك العساكر بالدّيار المصرية، ثمّ نائب الشام بطالا بالقدس، فى يوم الاثنين ثانى عشرين شوّال، وكان أعظم مماليك الملك الظاهر برقوق فى زمانه، وأجلّهم قدرا، وأرفعهم منزلة، فإنه ولى نيابة صفد فى دولة أستاذه الملك الظاهر برقوق، والملك المؤيد

يوم ذاك من جملة أمراء العشرات، ثم لا زال ينتقل من الأعمال والوظائف إلى أن ولّاه الملك المؤيد شيخ أتابك العساكر بالديار المصرية، بعد وفاة الأتابك يلبغا الناصرى، ثم نقله إلى نيابة دمشق بعد خروج قانى باى المحمدى، ثمّ أمسكه وسجنه بقلعة دمشق مدّة أيام، ثم أطلقه ورسم له بالتوجّه إلى القدس بطالا، فتوجّه إليه ودام به إلى أن مات، وكان أميرا جليلا عاقلا ساكنا متواضعا وقورا وجيها فى الدّولة، طالت أيامه فى السعادة- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير علاء الدين قطلوبغا نائب الإسكندرية بها فى يوم الخميس خامس عشر ذى الحجة، وكان ولى الحجوبيّة فى دولة الملك المنصور حاجى «1» بتقدمة ألف بالقاهرة، فلمّا عاد الظاهر برقوق إلى الملك أخرج عنه إقطاعه، وطال خموله، وحطّه الدّهر وافتقر، إلى أن طلبه المؤيد وولّاه نيابة الإسكندرية، وهو لا يملك القوت اليومىّ. وقد تقدّم ذكر ذلك فى أصل ترجمة الملك المؤيد من هذا الكتاب. وتوفّى المسند المعمّر المحدّث شرف الدين محمد ابن عز الدين أبى اليمن محمد بن عبد اللطيف بن أحمد بن محمود بن أبى الفتح الشهير بابن الكويك «2» الرّبعى الإسكندرى الشافعى، فى يوم السبت سادس عشرين ذى القعدة، ومولده فى ذى القعدة سنة سبع وثلاثين وسبعمائة بالقاهرة، وكان تفرّد بأشياء عالية، وتصدّى للإسماع عدّة سنين، وأخّر قبل موته، وكان خيّرا ساكنا، كافّا عن الشّرّ، من بيت رياسة وفضل، وأول سماعة- حضورا- سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، ولم يشتهر بعلم.

وتوفّى الأمير أبو الفتح موسى ابن السلطان الملك المؤيد شيخ، فى يوم الأحد تاسع عشرين شهر رمضان، وهو فى الشهر الخامس من العمر، ودفن بالجامع المؤيدى، وأمّه أمّ ولد جاركسيّة تسمّى قطلباى، تزوّجها الأمير إينال الجكمىّ بعد موت الملك المؤيد. أمر النّيل فى هذه السنة: الماء القديم أربعة أذرع وثمانية أصابع مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا وعشرة أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 822

[ما وقع من الحوادث سنة 822] السنة الثامنة من سلطنة الملك المؤيد شيخ «1» على مصر وهى سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة. فيها توجّه المقام الصارمى إبراهيم ابن السلطان الملك المؤيد شيخ إلى البلاد الشاميّة، وسار إلى الرّوم ومعه عدّة من أعيان الأمراء والعساكر، وسلك بلاد ابن قرمان وأباده، وقد تقدّم ذكر ذلك كلّه فى أصل ترجمة الملك المؤيد من هذا الكتاب. وفيها كان الطاعون أيضا بالديار المصرية، ولكنه كان أخف من السنة الخالية. وفيها توفّى الأمير شرف الدين يحيى بن بركة بن محمد بن لاقى، أحد ندماء السلطان الملك المؤيد، فى يوم الأربعاء حادى عشر صفر، قريبا من غزّة، فحمل ودفن بغزّة فى يوم الجمعة، وكان أوّلا من أمراء دمشق، ثم قدم مع المؤيد شيخ إلى مصر، وصار من أعيان الدّولة، واستقرّ مهمندارا وأستادار الجلال، ثم انحطّ قدره، ونفى إلى البلاد الشاميّة، فمات فى الطريق، وكان سبب نفيه تنكّر الأمير جقمق الأرغون شاوىّ الدّوادار عليه، بسبب كلام نقله عنه للسلطان، فتبيّن الأمر بخلاف ما نقله، فرسم السّلطان بنفيه من القاهرة على حمار. وتوفّى الأمير سيف الدين كزل بن عبد الله الأرغون شاوىّ، أحد أمراء الطّبلخانات بديار مصر، ثمّ نائب الكرك بعد عزله عن نيابة الكرك، وتوجهه إلى الشّام على إمرة طبلخاناه، بحكم طول مرضه، فمات بعد أيّام فى خامس عشرين المحرّم، وكان أصله من مماليك الأمير أرغون شاه، أمير مجلس أيّام الملك الظاهر برقوق، وترقّى إلى أن كان من أمره ما ذكرناه، وكان عاقلا ساكنا. وتوفّى الأديب الفاضل مجد الدين فضل الله ابن الوزير الأديب فخر الدين

عبد الرحمن بن عبد الرزّاق بن إبراهيم بن مكانس المصرى القبطى الحنفى، الشّاعر المشهور، فى يوم الأحد خامس عشرين شهر ربيع الآخر، ومولده فى شعبان سنة تسع وستين وسبعمائة، ونشأ تحت كنف والده، وعنه أخذ الأدب وتفقّه على مذهب أبى حنيفة- رضى الله عنه- وقرأ النحو واللّغة، وبرع فى الأدب، وكتب فى الإنشاء مدّة، وكانت له ترسّلات بديعة ونظم رائق، وفيه يقول أبوه فخر الدين رحمه الله تعالى: [الطويل] أرى ولدى قد زاده الله بهجة ... وكمّله فى الخلق والخلق مذ نشا سأشكر ربّى حيث أوتيت مثله ... وذلك فضل الله يؤتيه من يشا ومن شعر مجد الدين صاحب الترجمة قوله: [الوافر] بحقّ الله دع ظلم المعنّى ... ومتّعه كما يهوى بأنسك وكيف الصّدّ يا مولاى عمّن ... بيومك رحت تهجره وأمسك وله أيضا: [الطويل] جزى الله شيبى كلّ خير فإنه ... دعانى لما يرضى الإله وحرّضا فأقلعت عن ذنبى وأخلصت تائبا ... وأمسكت لمّا لاح لى الخيط أبيضا وله أيضا: [الوافر] تساومنا شذا أزهار روض ... تحيّر ناظرى فيه وفكرى فقلت نبيعك الأرواح حقا ... بعرف طيّب منه ونشرى وتوفّى الأمير سيف الدين سودون بن عبد الله القاضى الظاهرى، نائب طرابلس بها، فى رابع عشر ذى القعدة، وكان أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق، وترقّى بعد موته إلى أن ولى فى الدّولة المؤيّديّة حجوبيّة الحجّاب، ثم رأس نوبة النّوب، ثم قبض عليه، وحبس مدّة، ثم أطلقه الملك المؤيّد، وولّاه كشف الوجه القبلى، ثم نقله إلى نيابة طرابلس بعد مسك الأمير برسباى

الدّقماقىّ، أعنى الأشرف، فدام على نيابة طرابلس إلى أن مات، وكان سبب تسميته بالقاضى لأنّه كان إنّيّا «1» للأمير تنبك القاضى، فسمّى على اسم أغاته، والعجب أنه صار رأس نوبة النّوب وأغاته تنبك المذكور من جملة رءوس النّوب العشرات، يمشى فى خدمة إنيه. وتوفّى القاضى عزّ الدين عبد العزيز بن أبى بكر بن مظفر بن نصير البلقينىّ الشافعى، أحد فقهاء الشافعيّة وخلفاء الحكم بالديار المصريّة، فى يوم الجمعة ثالث عشر جمادى الأولى، وكان فقيها شافعيّا، عارفا بالفقه والأصول والعربية، رضىّ الخلق، ناب فى الحكم من سنة إحدى وتسعين وسبعمائة. وتوفّى الأمير شهاب الدّين أحمد ابن القاضى ناصر الدين محمد بن البارزىّ الجهنىّ الحموى- فى حياة والده- بداره على النّيل بساحل بولاق، فى يوم الاثنين تاسع عشر شهر ربيع الآخر، وحضر السلطان الملك المؤيد الصلاة، ووجد عليه أبوه كثيرا. وتوفّى الأمير أبو المعالى محمد ابن السلطان الملك المؤيد شيخ فى عاشر ذى الحجّة، ودفن بالجامع المؤيدى وعمره أيضا دون السّنة. وتوفى الشيخ برهان الدين إبراهيم ابن غرس الدين خليل بن علوة الإسكندرى، رئيس الأطباء، وابن رئيسها، فى يوم الاثنين آخر صفر، وكان حاذقا فى صناعته، عارفا بالطبّ والعلاج. أمر النّيل فى هذه السّنة: الماء القديم ثلاثة أذرع وستة وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا وأربعة عشر إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 823

[ما وقع من الحوادث سنة 823] السنة التاسعة من سلطنة «1» الملك المؤيد شيخ على مصر وهى سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة. فيها جرّد السلطان الملك المؤيد الأتابك ألطنبغا القرمشى إلى البلاد الشامية، وصحبته عدة من أمراء الألوف قد ذكرنا أسماءهم فى أصل الترجمة عند خروجهم من القاهرة. وفيها توفّى قاضى القضاة جمال الدين عبد الله بن مقداد بن إسماعيل الأقفهسىّ «2» المالكى، قاضى قضاة الدّيار المصرية فى رابع عشر جمادى الأولى عن نحو ثمانين سنة، وهو قاض فى ولايته الثانية، وكان إماما بارعا مفتنا مدرسا، ومات والمعوّل على فتواه بمصر. وتوفّى القاضى شمس الدين محمد بن محمد بن حسين البرقى «3» الحنفى، أحد نوّاب الحكم الحنفيّة فى سابع جمادى الآخرة. وتوفّى الشيخ على كهنبوش «4» ، صاحب الزّاوية التى عمّرها له سودون الفخرى الشّيخونى النّائب، خارج قبة النّصر، بالقرب من الجبل الأحمر، والزاوية معروفة به إلى يومنا هذا، وكان مشكور السّيرة، محمود الطريقة، يشهر بصلاح ودين، وقيل إنه چاركسى الجنس، هكذا ذكر لى بعض المماليك الچاركسية، والمشهور أنه كان من فقراء الرّوم- انتهى.

وتوفّى الرئيس صلاح الدين خليل ابن زين الدين عبد الرّحمن بن الكويز «1» ناظر ديوان المفرد فى عاشر شهر رمضان، وكان ممّن قدم إلى مصر صحبة الأمير شيخ، وتولى نظر ديوان المفرد، وعظم فى الدولة، وأظنه كان أسنّ من أخيه علم الدين داود ناظر الجيش، والله أعلم. وتوفّى العلامة القاضى ناصر الدين أبو المعالى محمد ابن القاضى كمال الدين محمد بن عز الدين بن عثمان ابن كمال الدين محمد بن عبد الرحيم بن هبة الله الجهنى «2» الحموى الشافعى، المعروف بابن البارزى، كاتب السّرّ الشريف بالديار المصرية، وعظيم الدولة المؤيدية، فى يوم الأربعاء ثامن شوال، ودفن على ولده الشهابى أحمد المقدم ذكره فى السنة الخالية، تجاه شباك الإمام الشافعى- رضى الله عنه- ومولده بحماة فى يوم الاثنين رابع شوّال سنة تسع وستين وسبعمائة، ومات أبوه فى سنة ست وسبعين، ونشأ تحت كنف أخواله، وحفظ القرآن الكريم، وكتاب الحاوى فى الفقه، وطلب العلم، وتفقّه بجماعة، وبرع فى الفقه والعربية والأدب والإنشاء، وتولى قضاء حماة، ثم ولى كتابة سرّها، ثم صحب الملك المؤيّد فى أيام نيابته بدمشق، ولازم خدمته، وتولّى قضاء حلب فى نيابة المؤيد عليها، ثم قبض عليه الملك الناصر، وحبسه ببرج الخيالة بقلعة دمشق، ونظم وهو فى السجن المذكور قصيدته المشهورة التى أولها: [البسيط] هو الزمان فلا تلقاه بالرهب ... سلامة المرء فيه غاية العجب أنشدنى القصيدة المذكورة ولده العلّامة كمال الدين بن البارزى من لفظه، وقد سمعها من لفظ أبيه غير مرّة، وأثبت القصيدة بتمامها فى ترجمته فى تاريخنا «المنهل

الصافى» إذ هو محلّ التطويل فى التراجم، ومن شعره أيضا- وهو مما أنشدنى ولده القاضى كمال الدين المقدّم ذكره عن أبيه: [الكامل] طاب افتضاحى فى هواه محاربا ... فلهوت عن علمى وعن آدابى وبذكره عند الصّلاة وباسمه ... أشد وفواطر باه فى المحراب ولا زال بالحبس بقلعه دمشق إلى أن قدمها الملك الناصر فرج، وأراد قتله، فشفع فيه الوالد وأطلقه والسلطان عنده على باب دار السعادة بدمشق، وتوجّه إلى حماة، ثم عاد إلى الملك المؤيد ثانيا، ولا زال معه حتى قتل الملك الناصر، وقدم صحبته إلى مصر وتولى توقيعه عوضا عن شهاب الدين الصفدى وهو أتابك، فلما تسلطن خلع عليه فى شوّال من سنة خمس عشرة وثمانمائة باستقراره كاتب السّر الشريف بالديار المصرية، عوضا عن [فتح الدين] «1» فتح الله بعد عزله ومصادرته، فباشر الوظيفه بحرمة وافرة، ومهابة زائدة، وعظم وضخم ونالته السّعادة، وصار هو صاحب الحل والعقد فى المملكة، وكان يبيت عند الملك المؤيد فى ليالى البطالة، وينادمه ويجاريه فى كل فنّ من الجدّ والهزل، لا يدانيه أحد من جلساء الملك المؤيد فى ذلك، هذا مع الفضل الغزير، وطلاقة اللسان، وحفظ الشّعر، وحسن المحاضرة، والإقدام والتجرى على الملوك، والمراجعة لهم فيما لا يعجبه، وهو مع ذلك قريب من خواطرهم لحسن تأدّيه ما يختاره، وبالجملة فهو أعظم من رأيناه ممّن ولى هذه الوظيفة، ثم بعده ابنه القاضى كمال الدّين الآتى ذكره فى محلّه، بل كان ولده المذكور أرجح فى أمور يأتى بيانها فى محلّها. وتوفّى الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن أبى شاكر بن عبد الله بن الغنام فى سابع عشرين شوال، وقد أناف على المائة سنة وحواسّه سليمة، بعد أن وزر

مرّتين، وأنشأ مدرسة بالقرب من الجامع الأزهر «1» معروفة به، وكان من بيت رياسة وكتابة. وتوفّى ملك الغرب وصاحب فاس- قتيلا- السلطان أبو سعيد عثمان ابن السلطان أبى العبّاس أحمد ابن السلطان أبى سالم إبراهيم ابن السلطان أبى الحسن على ابن عثمان بن يعقوب بن عبد الحقّ المرينى الفاسى، فى ليلة ثالث عشر شوال، قتله وزيره عبد العزيز اللبانى «2» ، وأقام عوضه ابنه أبا عبد الله محمدا، وكانت مدّته ثلاثا وعشرين سنة وثلاثة أشهر- رحمه الله. وتوفّى متملّك بغداد وتبريز والعراق «3» الأمير قرا يوسف ابن الأمير قرا محمد بن بيرم خجا التّركمانى، فى رابع عشر ذى القعدة، وملك بعده ابنه شاه محمد ابن قرا يوسف، وأوّل من ظهر من آبائه بيرم خجا بعد سنة ستّين وسبعمائة، وتغلّب بيرم خجا على الموصل حتّى أخذها، ثم أخذها منه أويس ثانيا، وصار بيرم خجاله كالعامل إلى أن مات، فملك بعده ابنه قرا محمد، حتى مات فى سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، فملك بعده ابنه قرا يوسف، فحاربه القآن غياث الدين أحمد بن أويس صاحب بغداد على الموصل، ووقع لهما بسبب ذلك حروب إلى أن اصطلحا، وانتمى قرا يوسف إلى السلطان أحمد، وصار ينجده فى حروبه، وقد مرّ دخول قرا يوسف إلى الشّام وقدومه صحبة الأمير شيخ المحمودى إلى جهة القاهرة فى وقعة السّعيديّة «4» مع الملك الناصر وعوده إلى بلاده، وفى عدّة مواضع أخر، وآخر الحال أنه وقع بين قرا يوسف وبين السلطان أحمد وتحاربا، وغلب قرا يوسف

السّلطان [أحمد] «1» وأخذ بغداد منه، ودام بها إلى أن أخرجه منها حفيد تيمور لنك أميرزة أبو بكر بن ميران شاة بن تيمور، وفرّ قرا يوسف إلى دمشق، وقدمها فى شهر ربيع الآخر سنة ستّ وثمانمائة، فقبض عليه الأمير شيخ المحمودىّ نائب دمشق: أعنى المؤيّد، وأمسك معه أيضا السلطان أحمد، وحبسهما بقلعة دمشق، وهذه أوّل عداوة وقعت بين المؤيّد وقرا يوسف، وداما فى السّجن إلى أن أفرج عنهما فى سابع شهر رجب سنة سبع وثمانمائة، وخلع على قرا يوسف هذا، وأنعم عليه، وأخذه معه إلى جهة مصر، وحضر وقعة السّعيديّة المقدم ذكرها، ووصل قرا يوسف فى هذه الحركة إلى دار الضّيافة «2» بالقرب من قلعة الجبل، ولم يدخل القاهرة، ثم عاد إلى بلاده، ثمّ وقع بينه وبين السلطان أحمد أيضا حروب إلى أن ظفر قرا يوسف بالسلطان أحمد المذكور وقتله فى سنة ثلاث عشرة وثمانمائة واستولى من حينئذ على العراقين، وبعث ابنه شاه محمد إلى بغداد فحصل بين شاه محمد [المذكور] «3» وبين أهل بغداد حروب، ووقع لهم معه أمور يطول شرحها. ومن يوم قدمها هذا الكعب الشّؤم نمت الحروب ببغداد إلى أن خربت بغداد والعراق بأجمعه من كثرة الفتن التى كانت فى أيّام قرا يوسف هذا، ثم فى أيّام أولاده من بعده، واستمرّ قرا يوسف بتلك الممالك إلى أن مات فى التاريخ المقدم ذكره، وملك بعده [بغداد] «4» ابنه شاه محمد، وتنصّر ودعا الناس إلى دين النّصرانيّة، وأباد العلماء والمسلمين، ثم ملك بعده إسكندر وكان على ما كان عليه شاه محمد وزيادة، ثم أخوهما أصبهان، فكان زنديقا لا يتديّن بدين، فقرا يوسف وذرّيته هم كانوا سببا لخراب بغداد التى كانت كرسىّ الإسلام، ومنبع العلوم، ومدفن الأئمّة الأعلام، وقد بقى الآن من أولاده لصلبه جهان شاه متملّك العراقين وأذربيجان، والى أطراف العجم، والناس منه على وجل، لعلهم أنه من

هذه السّلالة الخبيثة النجسة، فالله تعالى يلحقه بمن سلف من آبائه وإخوته الكفرة الزنادقة- فإنهم شرّ عصابة وأقبح الناس سيرة- قريبا غير بعيد. وتوفّى شرف الدين محمد بن على بن الحيرىّ محتسب القاهرة فى ثانى عشر شهر ربيع الأوّل. قال المقريزىّ: وقد ولى حسبة القاهرة ومصر غير مرّة، بعد ما كان من شرار العامّة، ويشهر بقبائح من السّخف والمجون وسوء السّيرة. وتوفّى الأمير ناصر الدين محمد ابن الأمير مبارك شاه الطّازىّ أخو الخليفة المستعين بالله فى هذه السّنة، وقد تقدّم من ذكره نبذة يعرف منها حاله عند خلع الملك الناصر فرج من الملك، وتولية الخليفة المستعين بالله السّلطنة، ولما تولّى أخوه المستعين بالله العباس السّلطنة أنعم على ابن الطّازىّ هذا بإمرة طبلخاناه وصار دوادار المستعين، ودام ذلك إلى أن قدم المستعين إلى القاهرة استفحل أمر الأمير شيخ وانحطّ أمر المستعين إلى أن خلع من السّلطنة، ثم من الخلافة، فأخرج الملك المؤيد إقطاع ابن الطّازىّ هذا وأبعده ومقته إلى أن مات. وكان ابن الطازىّ هذا رأسا فى لعب الرّمح، أستاذا فى فنّ الفروسيّة، أخذ عنه فنّ الرمح وغيره الأمير آقبغا التّمرازى، والأمير كزل السّودونى المعلّم، وبه تخرّج كزل المذكور، والأمير قجق المعلّم رأس نوبة وغيرهم، وكان من عجائب الله [تعالى] «1» فى فنّه، نظرته غير أننى لم آخذ عنه شيئا لصغر سنّى يوم ذاك، وأنا أتعجّب من أمر ابن الطازىّ هذا مع الملك المؤيد؛ فإن المؤيد كان صاحب فنون ويقرّب أرباب الكمالات من كل فنّ ويجلّ مقدارهم، كيف حطّ قدر ابن الطازى هذا؟! ولعل ابن الطازى أطلق لسانه فى حقّ الملك المؤيد لمّا أراد خلع الخليفة من السّلطنة، فأثّر ذلك عند المؤيد، وكان ذلك سببا لإبعاده [والله تعالى أعلم] «2» . وتوفّى المقام الصارمىّ إبراهيم «3» ابن السلطان الملك المؤيد شيخ فى ليلة الجمعة خامس

عشر جمادى الآخرة بقلعة الجبل، وحضر الصلاة عليه السلطان، ودفنه بالجامع المؤيدى فى صبيحة يوم الجمعة، وكثر أسف الناس عليه، وكان لموته يوم عظيم بالقاهرة، ومات وسنّة زيادة على عشرين سنة، وأمّه أم ولد، وكان مولده بالبلاد الشاميّة فى أوائل القرن تخمينا، فإنه لما تسلطن والده كان سنّة يوم ذاك دون البلوغ، وكان نبيلا حاذقا، فأنعم عليه أبوه بإمرة مائة وتقدمة ألف، وتجرّد صحبة والده إلى البلاد الشامية، ثم عاد معه، ثم لمّا كبر وترعرع سفّره أبوه إلى البلاد الشمالية مقدّم العساكر، فسار إلى بلاد ابن قرمان وغيره، وأظهر فى هذه السّفرة من الشجاعة والإقدام، والكرم والحشمة ما أذهل الناس، هذا مع حسن الشّكالة، وطلاقة المحيّا، والإحسان الزائد لمن يقصده ويتردّد إليه؛ ولعمرى إنه كان خليقا للسلطنة، لائقا للملك- فما شاء الله كان «1» [وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلى العظيم] «2» . أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ثلاثة أذرع سواء، مبلغ الزّيادة ثمانية عشر ذراعا وثلاثة أصابع- انتهى.

ما وقع من الحوادث سنة 824

[ما وقع من الحوادث سنة 824] ذكر سلطنة الملك المظفر أحمد على مصر «1» السلطان الملك المظفّر أبو السعادات أحمد ابن السلطان الملك المؤيد أبى النّصر شيخ المحمودى الظاهرى الچاركسى الجنس، تسلطن يوم مات أبوه الملك المؤيد شيخ، على مضىّ خمس درج من نصف نهار الاثنين تاسع المحرم سنة أربع وعشرين وثمانمائة، وعمره يوم بويع بالملك وجلس على سرير السلطنة سنة واحدة وثمانية أشهر وسبعة أيام، وهو السّلطان التّاسع والعشرون من ملوك التّرك وأولادهم، والخامس من الچراكسة، وأمّه خوند سعادات بنت الأمير صرغتمش، أحد أمراء دمشق، وهى إلى الآن فى قيد الحياة. ولمّا مات أبوه السلطان الملك المؤيد طلب الملك المظفر [أحمد] «2» هذا من الحريم بالدّور السّلطانيّة، فأخرج إليهم، فبايعوه بالسّلطنة بعهد من أبيه إليه بالملك قبل تاريخه، وألبسوه خلعة السلطنة، وركب فرس النّوبة بأبّهة السلطنة، وشعار الملك من باب السّتارة بقلعة الجبل، ومشت الأمراء بين يديه وهو يبكى من صغر سنّة، مما أذهله من عظم الغوغاء، وقوّة الحركة، وصار من حوله من الأمراء وغيرهم يشغله بالكلام، ويتلطّف به، ويسكّن روعه، ويناوله من التّحف ما يشغله به عن البكاء، حتى وصل إلى القصر السّلطانى من القلعة، فأنزل من على فرسه، وحمل حتى أجلس على سرير الملك وهو يبكى، وقبّل الأمراء الأرض بين يديه بسرعة، ولقبّوه بالملك المظفّر بحضرة الخليفة المعتضد بالله أبى الفتح داود، والقضاة الأربعة، ونودى فى الحال بالقاهرة ومصر باسمه وسلطنته. ثم أخذ الأمراء فى تجهيز السّلطان الملك المؤيد، وتغسيله ودفنه، حسبما تقدّم ذكره فى ترجمته.

وقبل أن يدفن الملك المؤيد أبرم الأمير ططر أمير مجلس أمره مع الأمراء، وقبض على الأمير قجقار «1» القردمىّ أمير سلاح، وأمسكه بمعاونة أكابر المماليك المؤيدية، وأيضا بمعاونة خشداشيته من المماليك الظاهريّة برقوق، فارتجّت القاهرة وماجت الناس ساعة وتخوّفوا من وقوع فتنة، فلم يقع شىء؛ وذلك لعدم حاشية قجقار القردمى، فإنه أحد مماليك الأمراء ليس له شوكة ولاخشداشين، وسكن الأمر، ونبل ططر فى أعين الناس من يومئذ، وتفتّحت العيون إليه. ثم لما كان يوم الثلاثاء عاشر المحرّم- وهو صبيحة يوم وفاة [الملك] «2» المؤيّد- عملت الخدمة بالقصر السّلطانى من القلعة، وأجلس الملك المظفر [أحمد] «3» على مرتبة السّلطنة، وكانت وظيفة ططر أمير مجلس، ومنزلة جلوسه فى الميمنة تحت الأمير الكبير، وكان الأمير الكبير ألطنبغا القرمشى قد توجّه إلى البلاد الشاميّة قبل ذلك بأشهر، فصار ططر يجلس رأس الميمنة لغيبة الأمير الكبير، ومنزلة جلوس الأمير تنبك العلائى ميق المعزول عن نيابة الشام رأس الميسرة فوق أمير سلاح- كل ذلك فى حياة الملك المؤيد- فلما تسلطن الملك المظفر هذا، وعملت الخدمة بعد مسك قجقار القردمى، وكان الملك المؤيد جعل التّحدّث فى تدبير مملكة ولده الملك المظفر لهؤلاء الثلاثة، أعنى تنبك ميق، وقجقار القردمى أمير سلاح، وططر أمير مجلس، فصار التحدّث الآن إلى تنبك ميق وإلى ططر فقط. فلما دخل الأمراء الخدمة على العادة، وقبل الجلوس أومأ الأمير ططر إلى الأمير تنبك ميق أن يتوجّه إلى ميمنة السلطان ويجلس بها على أنه يكون مكان الأمير الكبير، ويجلس هو [على] «4» ميسرة السّلطان، فامتنع تنبك من ذلك، فألحّ عليه ططر فى ذلك واحتشم معه، وتأدّب إلى الغاية، فحلف تنبك بالأيمان المغلّظة أنه لا يفعل، وأنه لا يجلس إلا مكانه أوّلا

فى الميسرة، وأن ططر يجلس فى الميمنة، وإن لم يفعل [ططر] «1» ذلك ترك تنبك الإمرة وتوجّه إلى الجامع الأزهر بطالا، فجلس عند ذلك ططر على الميمنة، وعند ما استقر بهم الجلوس، وقرىء الجيش على السلطان [ «2» فلم يتكلم أحد من الأمراء فى أمر الذي قرأه ناظر الجيش «2» ] فسكت ناظر الجيش عن قراءة القصص لعدم من يجيبه، فعند ذلك عرض الأمير ططر أيضا التكلّم على الأمير تنبك ميق، وقال له: أنت أغاتنا، وأكبر منا سنّا وقدرا، والأليق أن تكون أنت مدبّر المملكة ونحن فى طاعتك، نمتثل أوامرك، وما ترسم به، فامتنع الأمير تنبك أيضا من التكلّم وتدبير المملكة أشدّ امتناع، وأشار إلى الأمير ططر بأن يكون هو مدبّر المملكة، والقائم بأمورها، وأنه يكون هو تحت طاعته، فاستصوب من حضر من الأمراء هذا القول، فامتنع ططر من ذلك قليلا حتى ألحّ عليه الأمراء، وكلّمه أكابر الأمراء المؤيدية فى القبول، فعند ذلك قبل وتكلّم فى المملكة، وقرىء الجيش، وحضرت العلامة، ثم مدّ السّماط على العادة، فعند ما نجز السّماط أحضرت خلعة جليلة للأمير ططر، فلبسها باستقراره لالا «3» السلطان الملك المظفر [أحمد] «4» وكافل المملكة ومدبرها، ثم أحضرت خلعة أخرى للأمير تنبك ميق فلبسها، وهى خلعة الرضى والاستمرار على حاله، وانفضّت الخدمة بعد أن أوصل الأمراء السلطان إلى الدّور السّلطانية، وأعيد الملك المظفر إلى أمه بالحريم السلطانى. هذا وقد استقرّ سكن الأمير ططر بطبقة الأشرفية من قلعة الجبل، فجلس ططر بطبقة الأشرفية، بعد أن فرشت له، ووقف الأمراء ومباشر والدّولة والأعيان بين يديه، فأخذ وأعطى، ونفّذ الأمور على أحسن وجه، وأجمل صورة، فهابته النّاس، وعلموا أنه سيكون من أمره ما يكون من أوّل جلوسه فى هذا اليوم، ثم رسم بكتابة

الخبر بموت الملك المؤيد، وسلطنة ولده الملك المظفر إلى الأقطار، وأوعد المماليك السلطانية بالنّفقة فيهم على العادة، فكثر الدّعاء له، والفرح بتكلّمه فى السلطنة. ثم فى يوم الأربعاء حادى عشر المحرم رسم الأمير ططر نظام الملك بالقبض على الأمير جلبّان رأس نوبة سيدى، وعلى الأمير شاهين الفارسى، وهما من مقدمى الألوف بالديار المصرية، فمسكا وقيّدا وحبسا، ثم طلب الأمير ططر القضاة ودخل معهم إلى الخزانة السّلطانية، وختم بحضورهم على خزانة المال بعد أن أخرج منها أربعمائة ألف دينار برسم نققة المماليك السّلطانية، ثم نزل القضاة. فلما كان الليل اضطرب الناس، ووقعت هجّة بالقاهرة، ولم يدر أحد ما الخبر حتى طلع الفجر، فأسفرت القضيّة على أن الأمير مقبلا الحسامىّ الدّوادار الكبير ركب بمماليكه وعليهم السلاح فى الليل، وخرج من القاهرة ومعه السّيفى يلخجا من مامش «1» السّاقى الناصرى، وسار إلى جهة الشام خوفا من القبض عليه. فلما كان الغد من يوم الخميس، اجتمع الأمراء عند الأمير ططر بالقلعة وعرّفوه أمر مقبل المذكور، وسألوه أن يرسل أحدا منهم فى أثره فلم يلتفت إلى ذلك، وأخذ فيما هو فيه من أمر نفقة الماليك السّلطانية، ونفق فيهم لكلّ واحد منهم مائة دينار مصرية، فشكر المماليك له ذلك، ثم أمر فنودى بالقاهرة بإبطال المغارم «2» التى أحدثت «3» على الجراريف فى عمل الجسور بأعمال مصر، فوقع ذلك من الناس الموقع الحسن. وأما أمر مقبل الدّوادار، فإنه لما خرج من بيته بمن معه اجتاز بظاهر خانقاه سرقوياس «4» ، وقصد الطينة بمن معه، ففطن بهم العربان أرباب الأدراك فاجتمعوا وقصدوه وحاربوه، هو ومن معه، فلا زال يقاتلهم وهو سائر إلى أن وصل إلى الطينة،

فوجد بها غرابا «1» مهيئا للسفر فركب فيه بمن معه، ونهبت الأعراب جميع خيولهم وأثقالهم وما كان معهم، وسافر مقبل فى الغراب المذكور إلى الشام، ولحق بالأمير جقمق الأرغون شاوى الدوادار نائب الشام، وانضمّ عليه وصار من حزبه، ودام معه إلى أن انهزم جقمق من القرمشى إلى الصّبيبة وقبض عليه، فأمسك مقبل هذا أيضا، وحبس كما سيأتى ذكره فى محله إن شاء الله تعالى- انتهى. ثم أمر الأمير ططر فنودى «2» بالقاهرة لأجناد الحلقة بالحضور إليه ليردّ إليهم ما كان أخذه منهم الملك المؤيد فى سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة من المال برسم السفر، وكان الذي تحصّل منهم تحت يد السّيفى أقطوه الموساوى الدوادار، فلما حضروا أمر ططر أقطوه أن يدفع لكلّ واحد منهم ما أخذ منه، فضج الناس له بالدعاء، وصاحت الألسن بالشكر له والثناء عليه، ثم أخذ الأمير ططر وهو جالس فى الموكب بإزاء السلطان بيد السلطان الملك المظفر وفيها قلم العلامة حتى علمّ على المناشير ونحوها، بحضور الأمراء وأرباب الدولة، واستمر ذلك فى بعض المواكب، والغالب لا يعلّم إلا الأمير ططر. ثم فى يوم الجمعة ثالث عشر المحرم حمل الأمير قجقار القردمى، والأمير جلبّان، والأمير شاهين الفارسى فى القيود إلى سجن الإسكندرية. ثم فى يوم السّبت رابع عشره خلع الأمير ططر على الصاحب بدر الدين حسن ابن نصر الله وأعيد إلى نظر الخاص، ومنع الطواشى مرجان الخازندار من التكلّم فيها. وفيه أيضا خلع على القاضى صدر الدين أحمد بن العجمى وأعيد إلى حسبه القاهرة عوضا عن صارم الدين إبراهيم بن الحسام، وأنعم عليه الأمير ططر بثمانين دينارا، ورتّب له على ديوان الجوالى بالقاهرة فى كل يوم دينارا.

وفى هذا اليوم استتمّت نفقة المماليك السلطانية. ثم فى يوم الاثنين سادس عشر المحرم خلع السلطان على الأمير ططر باستقراره نظام الملك، وخلع على الأمير تنبك ميق باستقراره أمير مجلس عوضا عن الأمير ططر، وخلع على الأمير جانى بك الصوفى باستقراره أمير سلاح عوضا عن قجقار القردمى، وأنعم عليه بخبز آق بلاط الدمرداش أحد الأمراء المجردين صحبة الأمير الكبير ألطنبغا القرمشى، وخلع على الأمير تغرى بردى المؤيّدى المعروف بأخى قصروه أحد أمراء الطبلخانات ورأس نوبة باستقراره أمير مائة ومقدّم ألف وأمير آخور كبيرا دفعة واحدة عوضا عن الأمير طوغان الأمير آخور بحكم سفره صحبة الأتابك ألطنبغا القرمشى، وخلع على الأمير «1» إينال الجكمى أحد أمراء الطبلخانات وشادّ الشراب خاناه [واستقر] «2» رأس نوبة النّوب عوضا عن الأمير ألطنبغا من عبد الواحد المعروف بالصغير، بحكم سفره أيضا مع القرمشى، وخلع على الأمير على باى المؤيدى «3» أحد أمراء العشرات ورأس نوبة باستقراره دوادارا كبيرا عوضا عن مقبل الحسامى المتوجّه إلى البلاد الشاميّة، وأنعم على الأمير آق خجا الأحمدى أحد أمراء الطبلخانات واستقرّ أمير مائة ومقدّم ألف وخلع على الأمير قشتم المؤيدى أحد أمراء العشرات باستقراره أمير مائة ومقدّم ألف ونائب الإسكندرية عوضا عن الأمير ناصر الدين محمد بن العطار، وخلع على الأمير يشبك أنالى المؤيدى الأستادار خلعة الاستمرار على وظيفته، وخلع على التاج بن سيفة الشوبكى خلعة الاستمرار بولاية القاهرة، وأن يكون حاجبا «4» ، فاستغرب الناس ذلك؛ من أن الحجوبية تضاف إلى ولاية القاهرة. ثم فى يوم الثلاثاء سابع عشره توجّهت القصّاد بتشاريف نوّاب البلاد الشّاميّة،

وتقاليدهم المظفّريّة [أحمد] «1» باستمرارهم على عادتهم فى كفالاتهم، وكتب الأمير ططر نظام الملك العلامة على الأمثلة ونحوها كما يكتب السلطان. «2» ثم فى يوم الأربعاء ثامن عشر المحرم ابتدأ الأمير أقطوه بردّ مال أجناد الحلقة إليهم، وتولّى ذلك فى أوّل يوم الأمير ططر بنفسه. ثم فى يوم الخميس تاسع عشره خلع نظام الملك على القضاة الأربعة وبقيّة أرباب الدّولة من المتعمّمين على عادتهم، وخلع على القاضى شرف الدين محمد ابن تاج الدين عبد الوهاب بن نصر الله موقّع الأمير ططر باستقراره فى نظر أوقاف الأشراف، وكان يليه الأمير ططر من يوم مات القاضى ناصر الدين محمد بن البارزىّ كاتب السّرّ. وفيه استعفى القاضى علم الدين داود بن الكويز من وظيفة نظر الجيش، فأعفى وخلع عليه كاملية [بسمّور] «3» ، ونزل إلى داره، كل ذلك حيلة لتوصّله لوظيفة كتابة السّر- وهى بيد صهره القاضى كمال الدين بن البارزىّ- حتى وليها حسبما يأتى ذكره. ثم فى يوم الجمعة نودى بأن الأمير الكبير ططر يجلس للحكم بين الناس، فلما انقضت الصلاة توجّه الأمير الكبير ططر فجلس بالمقعد من الإسطبل السلطانى كما كان الملك المؤيّد يجلس للحكم به، إلا أنه قعد على يسار الكرسىّ ولم يجلس فوقه، وحضر أمراء الدّولة على العادة، وقعد كاتب السّرّ القاضى كمال الدين بن البارزىّ على الدّكة وقرأ عليه القصص، ووقف نقيب الجيش ووالى القاهرة والحجّاب بين يديه، وحكم بين الرّعيّة، وردّ المظالم، وساس النّاس أحسن سياسة؛ فإنه كانت لديه فضيلة وعنده يقظة وفطنة ومشاركة جيدة فى الفقه وغيره، وله محبّة فى طلب العلم لا سيّما [مذهب] «4» السادة الحنفية، فإنهم كانوا عنده فى محلّ عظيم من الإكرام. ثم انفضّ الموكب، وطلع إلى طبقة الأشرفية، وجميع الأمراء بين يديه فى خدمته إلى أن أكل السّماط، ونفّذ الأمور، ونزل كلّ أحد إلى منزله.

وأصبح يوم السبت حادى عشرين المحرّم غضب على الصاحب تاج الدين عبد الرزّاق بن الهيصم، وعزله عن نظر ديوان المفرد. ثم فى يوم الاثنين ثالث عشرينه قدم أمير حاج المحمل بالمحمل. وفيه طلب الأمير ططر تاج الدين عبد الرّزّاق ابن شمس الدين عبد الوهاب، المعروف بابن كاتب المناخ، مستوفى ديوان المفرد، وخلع عليه باستقراره ناظر ديوان المفرد، عوضا عن الصاحب تاج الدين عبد الرّزّاق بن الهيصم، وخرج من بين يدى الأمير الكبير وعليه الخلعة حتى جاوز دهليز القصر، فطلبه الأمير ططر ثانيا، ونزع الخلعة من عليه، وخلع عليه تشريف الوزارة، فلبسها على كره منه، عوضا عن الصاحب بدر الدين بن نصر الله برغبته عنها، وطلب الصاحب تاج الدين عبد الرّزّاق بن الهيصم، وخلع عليه بإعادته إلى نظر الدّيوان المفرد، وخلع على الصاحب بدر الدين بن نصر الله باستمراره فى وظيفته نظر الخاصّ، وخلع على الأمير يشبك أنا لى المؤيّدىّ الأستادار باستقراره كاشف الكشّاف بالوجه القبلى والبحرى. ثم فى يوم الخميس سادس عشرينه خلع على القاضى كمال الدين محمد بن البارزىّ كاتب السّرّ باستقراره فى وظيفة نظر الجيش عوضا عن علم الدين بن الكويز. ثم حكم الأمير ططر فى يوم الجمعة أيضا بعد الصلاة بالإسطبل السلطانى كما حكم به أوّلا. ثم فى يوم الاثنين سلخ المحرّم خلع الأمير الكبير ططر على علم الدين بن الكويز باستقراره فى وظيفة كاتب السّرّ، عوضا عن صهره القاضى كمال الدين ابن البارزىّ. قال المقريزى: فتسلّم القوس غير باريها، ووسّدت الأمور إلى غير أهليها. قلت: ومعنى قول المقريزى لهذا الكلام لم يرد الحطّ على ابن الكويز، غير أن وظيفة كتابة السّرّ وظيفة جليلة، يكون متولّيها له اليد الطّولى فى الفقه والنحو،

والنّظم والنّثر والتّرسّل والمكاتبات، والباع الواسع فى التاريخ وأيام الناس وأفعال السلف، كما وقع للملك الظّاهر برقوق لمّا ورد عليه كتاب من بعض ملوك العجم فلم يقدر القاضى بدر الدين بن فضل الله على حلّه- وهو [كاتب سره] «1» - فاحتاج السلطان إلى أن طلب من أثناء طريق دمشق الشيخ بدر الدين محمود الكلستانى، وهو من جملة صوفية خانقاه شيخون «2» ، حتى حلّ له ألفاظه، وصادف ذلك قرب أجل ابن فضل الله فسعى فى وظيفة كتابة السر جماعة [كبيرة] «3» من الأعيان بمال له صورة، فلم يلتفت برقوق إليهم، وأرسل أحضر الكلستانى، ولم يكن عليه ملّوطة يتجمل بها، وخلع عليه باستقراره فى كتابة السر، وقد تقدّم ذكر ذلك كله فى ترجمة الملك الظاهر برقوق الثانية، فصار الكلستانى على طريق أذهل فيها الملك الظاهر برقوق ونبّهه على أشياء لم يكن سمعها من غيره، ثم لم يل هذه الوظيفة بعد الكلستانى أمثل من القاضى ناصر الدين بن البارزىّ، ثم ولده كمال الدين هذا، فإنهما كانا أهلا لها وزيادة، فعند ما عزل واستقرّ عوضه علم الدين هذا شقّ ذلك على أهل العلم والذّوق، وصادف ذلك بأنه لما جلس علم الدين على الدكّة، وقرأ القصص على الأمير الكبير ططر صحّف اسم ابن جمّاز بابن الحمار، وقال ابن الحمّار، فردّ عليه نقيب الجيش فى الملأ ابن جمّاز ابن جمّاز، وكرّر ذلك حتى ضحك الناس، وطلع الأمير ططر إلى الأشرفية، ووعد فى تلك الليلة الشيخ بدر الدين بن الأقصرائى سرّا بوظيفة كتابة السّر إن تمّ أمره، وأمره أن يكتم ذلك إلى وقته. ثم قدم الخبر من الشام بأن الأمير «4» جقمق الأرغون شاوى نائب الشام امتنع من الدخول فى طاعة الأمير ططر، وأنه أخذ قلعة دمشق واستولى عليها، وعلى ما فيها

من الأموال والسّلاح وغير ذلك، وكان بها نحو المائة ألف دينار، فاضطرب أهل الدّولة إلا الأمير ططر فإنه لم يتحرّك لذلك وطلع إليه حموه الأمير سودون الفقيه الظاهرى، وكان له عنده مكانة عظيمة، فجاراه سودون فى أمر جقمق، فقال له ططر: يا أبى الأهم ألطنبغا القرمشى الظاهرى، وأما جقمق فإنه رجل غريب مملوك أمير ليس له من يقوم بنصرته، ولا من يعينه على ما يرومه، غير أنه يلعب فى ذهاب مهجته، فقال له سودون الفقيه: وإن يكن فافعل الأحوط، وأشار عليه بما يفعله. فلما كان يوم الخميس عاشر صفر «1» جمع الأمير الكبير القضاة عنده بطبقة الأشرفية من القلعة، وسائر أمراء الدّولة ومباشريها وكثيرا من المماليك السّلطانية، وأعلمهم بأن نوّاب الشام والأمير الكبير ألطنبغا القرمشى ومن معه من الأمراء المجردين لم يرضوا بما عمله الأمير ططر بعد موت السّلطان الملك المؤيّد، ثم قال: ولا بد للناس من حاكم يتولى أمر تدبير أمورهم، وأن يعينوا رجلا يرضونه ليقوم بأعباء المملكة، ويستبدّ بالأمور، فقال جميع من حضر بلسان واحد قد رضينا بك، وكان الخليفة حاضرا فيهم، فأشهد الأمير ططر عليه أنه فوّض جميع أمور الرّعيّة إلى الأمير الكبير ططر، وجعل إليه عزل من يريد عزله، وولاية من يريد ولايته من سائر الناس، وأن يعطى من يختار، ويمنع من شاء من العطايا، ما عدا اللّقب السلطانى، والدّعاء على المنابر وضرب الاسم على الدّينار والدّرهم، فإن هذه الثلاثة باقية على ما هى عليه باسم السلطان الملك المظفّر أحمد، وأثبت قاضى القضاة زين الدين عبد الرحمن التّفهنى الحنفى هذا الإشهاد، وحكم بصحته ونفّذ حكمه قضاة القضاة الثلاثة، ثم حلف الأمراء جميعهم للأمير الكبير ططر يمينهم المعهود [بالطاعة له] «2» فى كل قليل. وكان سبب هذا أن بعض أعيان الفقهاء الحنفية ذكر للأمير ططر نقلا «3» أخرجه إليه من فروع المذهب أن السلطان إذا كان صغيرا، وأجمع أهل الشوكة على إقامة رجل

للتحدّث عنه فى أمور الرّعيّة حتى يبلغ رشده، نفذت أحكامه، فوضع هذا القول فى محله، وقوى قلوب حواشى الأمير ططر بذلك، وقالوا: نحن على الحق ومن خالفنا على الباطل. وبينما الأمير ططر فى ذلك، ورد عليه «1» الخبر بسيف الأمير يشبك اليوسفىّ نائب حلب، وقد قتل فى وقعة كانت بينه وبين الأمير الكبير ألطنبغا القرمشىّ فى يوم الثلاثاء ثالث عشرين المحرم. قال المقريزى: وكان يشبك من شرار خلق الله تعالى؛ لما هو عليه من الفجور، والجرأة على الفسوق، والتهوّن فى سفك الدّماء، وأخذ الأموال، وكان الملك المؤيّد قد استوحش منه لما يبلغه من أخذه فى أسباب الخروج عليه، وأسرّ للأمير ألطنبغا القرمشىّ فى إعمال الحيلة فى القبض عليه، فأتاه الله من حيث لم يحتسب، وأخذه أخذا وبيلا- ولله الحمد- انتهى كلام المقريزى. قلت: وكان من خبر يشبك هذا مع الأمير الكبير ألطنبغا القرمشىّ، أنه لمّا خرج من الديار المصرية إلى البلاد الشاميه وصحبته الأمراء، وهم: الأمير طوغان أمير آخور، وألطنبغا من عبد الواحد الصغير رأس نوبة النّوب، وأزدمر الناصرى، وآق بلاط الدّمرداش، وسودون اللّكاّش، وجلبّان أمير آخور الذي تولّى نيابة دمشق فى دولة الملك الظاهر جقمق، وقبل خروج القرمشىّ من القاهرة أسرّ إليه الملك المؤيد بالقبض على الأمير الكبير يشبك اليوسفىّ نائب حلب إن أمكنه ذلك، فسار القرمشىّ إلى البلاد الشامية مقدّما للعساكر، ثم توجّه إلى البلاد الحلبية، ثم ساروا من حلب هو ورفقته إلى حيث ندبهم إليه الملك المؤيد، وعادوا إلى حلب فى أوّل سنة أربع وعشرين وأقاموا بها، فاستوحش الأمير يشبك نائب حلب منهم، ولم يجسر القرمشى على مسكه، وبينماهم فى ذلك طرقهم الخبر بموت السلطان الملك المؤيد، فاضطرب الأمراء المجرّدون، وعزم الأمير الكبير ألطنبغا القرمشىّ على العود إلى الدّيار

المصرية، ووافقه على ذلك رفقته من الأمراء، وبرز بمن معه إلى ظاهر حلب، وخرجوا من باب المقام، وبلغ ذلك الأمير يشبك نائب حلب وكان لم يخرج لتوديعهم، فعزم على أن يركب ويقاتلهم، وبلغ ذلك القرمشى فى الحال، فأرسل إليه دواداره السّيفى خشكلدى القرمشى. حدّثنى خشكلدى المذكور من لفظه قال: ندبنى أستاذى الأمير ألطنبغا القرمشى أن أتوجّه إلى الأمير يشبك؛ وأذكر له مقالة القرمشى له، فتوجّهت إليه، فإذا به قد طلع إلى منارة جامع حلب، فطلعت إليه بها، وسلّمت عليه فردّ علىّ السلام، وقال: هات ما معك. فقلت: قد تعبت من طلوع السّلّم، أمهل علىّ ساعة فإنى جئت من ملك إلى ملك، فأمهلنى ساعة فبدأته بأن قلت: الأمير الكبير يسلم عليك، ويقول لك بلغه أنّك تريد قتاله بمن معه من الأمراء، وهو يسألك ما القصد فى قتاله، وقد استولى ططر على الدّيار المصرية، وجقمق على البلاد الشاميّة؟ فاقصدهما فإنهما هما الأهمّ، فإن أجليتهما عمّا ملكاه فنحن فى قبضتك، وإن كانت الأخرى فما بالك بالتشويش علينا لغيرك، ونحن ناس سفّار غرباء البلاد، قال: فلما سمع كلامى سكت ساعة، وقال: يسافروا، من وقف فى طريقهم؟ ومن هو الذي يقاتلهم؟ أو معنى هذا الكلام، قال: فبست يده وعدت بالجواب إلى الأمير الكبير، وقبل أن أبلغه الرّسالة إذا يشبك المذكور نزل من المنارة، ولبس آلة الحرب هو ومماليكه فى الحال، وقصد الأمراء وهم بالسّعدى، فلما رآه الأمراء المصريون ركبوا، ورجعوا إليه وحملوا عليه حملة واحدة انكسر فيها، وتقنطر عن فرسه، وقطعت رأسه فى الوقت، فعاد الأمير الكبير ألطنبغا القرمشى بمن معه من الأمراء إلى حلب، ونزل بدار السعادة، ومن غريب ما اتّفق أن الأمير يشبك المذكور كان قد استوى سماطه، فأخّره إلى أن يقبض على الأمراء، ويعود يأكله، فقتل فى الحال ودخل القرمشى بمن معه ومدّ السّماط بين أيديهم فأكلوه، وكانوا فى حاجة إلى الأكل، واستمرّ القرمشى بحلب مدّة إلى أن ولّى نيابة حلب الأمير ألطنبغا

من عبد الواحد الصّغير رأس نوبة، وعاد إلى دمشق، واتفق مع الأمير جقمق نائب الشام على قتال المصريين لمخالفتهم لما أوصى به الملك المؤيد [شيخ] «1» قبل موته، وكانت وصيّة الملك المؤيد أن يكون ابنه سلطانا، وأن يكون ألطنبغا القرمشى هو المتحدث فى تدبير مملكته، فخالف ذلك الأمير ططر، وصار هو المتحدّث، وأخرج إقطاعات الأمراء المجرّدين صحبته. وبينما هم فى ذلك بلغهم أن الأمير ططر عزم على الخروج من الدّيار المصرية ومعه السلطان الملك المظفر [أحمد] «2» إلى البلاد الشامية، فتهيّئوا لقتاله، ثمّ بعد مدّة يسيره وقع بينهما وحشة وتقاتلا، فانهزم جقمق إلى الصبيبة، وملك القرمشىّ دمشق حسبما يأتى ذكره. هذا ما كان من أمر القرمشى مع يشبك، وأما الأمير ططر فإنه لما بلغه قتل يشبك سرّ بذلك سرورا عظيما، وقال فى نفسه: قد كفيت أمر بعض أعدائى، بل كان يشبك أشدّ عليه من جميع من خالفه- انتهى. ثم فى يوم الخميس سابع عشر صفر قدم الأمير قجق العيساوىّ حاجب الحجّاب- كان- فى الدولة الناصرية، والأمير بيبغا المظفّرىّ أمير مجلس- كان- من سجن الإسكندرية بأمر الأمير ططر، وقبّلا الأرض بين يدى السلطان، ثم يد الأمير ططر، ثم قدم الأمير يشبك الساقى [الظّاهرى] «3» الأعرج، وكان الملك المؤيد قد نفاه من دمشق إلى مكّة، لمّا حضر إليه من قلعة حلب فى حصاره الأمير نوروز الحافظى بدمشق، بحيلة دبّرها الملك المؤيد على يشبك المذكور حتى استنزله من قلعة حلب، فإنه كان نائبها من قبل الأمير نوروز، ولما ظفر به المؤيد [شيخ] «4» أراد قتله فيمن قتله من أصحاب نوروز من الأمراء الظاهرية [برقوق] «5» ، فشفع فيه الأمير ططر، فأخرجه الملك المؤيد [شيخ] «6» إلى مكة فأقام بها سنين، ثم نقله إلى القدس، فلم تطل

مدّته به حتى مات الملك المؤيد، وتحكّم ططر، فكتب بحضوره إلى القاهرة، وكان له منذ خرج من الدّيار المصرية نحو العشرين سنة، فإنّه جرح فى نوبة بركة الحبش من سنة أربع وثمانمائة «1» الجرح الذي كان سببا لعرجه، وخرج من القاهرة، ودام بالبلاد الشاميّة إلى يوم تاريخه. قلت: ويشبك هذا هو الذي صار أتابكا بالديار المصرية فى دولة الملك الأشرف برسباى، وهو الذي حسّن للملك الأشرف [برسباى] «2» الاستيلاء على بندر جدّة «3» حتى وقع ذلك، وكان يشبك من رجال الدهر عقلا وحزما ورأيا وتدبيرا، لم تر عينى مثله فى أبناء جنسه، ويأتى ذكره فى محلّه إن شاء الله تعالى- انتهى. ثم قدم أيضا سودون الأعرج الظاهرىّ من قوص «4» ، وكان الملك المؤيّد أيضا قد نفاه إليها من سنين عديدة، وكان سودون أيضا من أعيان المماليك الظاهرية برقوق، وفى ظنّه أنه من مقولة الأمير يشبك الأعرج، والأمر بخلاف ذلك، والفرق بينهما ظاهر. ثم أفرج الأمير ططر نظام الملك عن الأمير ناصر الدين بك بن على بك بن قرمان، وخلع عليه، ورسم بتجهيزه ليعود إلى مملكته، فتجهّز وسار فى النّيل يوم السبت سادس عشرين صفر إلى ناحية رشيد «5» ليركب منها إلى البحر الملح ويتوجّه إلى جهة بلاده. ثم فى يوم الأربعاء أوّل شهر ربيع الأول قدم الخبر على الأمير ططر على يد بعض الشاميّين ومعه كتاب الأمير الكبير ألطنبغا القرمشى من حلب، وهو يتضمّن: أنه لما قتل الأمير يشبك نائب حلب ولّى عوضه الأمير ألطنبغا من عبد الواحد

الصّغير رأس نوبة النوب فإنه عندما ورد عليه الخبر بموت السلطان [الملك] «1» المؤيد [شيخ] «2» بعدما عهد بالسّلطنة من بعده لابنه الملك المظفّر أحمد، وأن يكون القائم بتدبير الدّولة ألطنبغا القرمشىّ، وأنه قد أقيم فى السلطنة الملك المظفّر كما عهد الملك المؤيد، أخذ هو ومن معه من الأمراء فى الرّحيل من حلب إلى جهة الديار المصرية كما رسم له به، وكان من أمر يشبك ما كان فاشتغل بذلك عن المسير، ثم ورد عليه الخبر باستقرار نوّاب الممالك الشاميّة على عوائدهم، وتحليفهم للسلطان الملك المظفر أحمد، وللأمير الكبير ططر، فحمل الأمر فى ذلك على أنه غلط من الكاتب، وسأل أن يفصح له عن ذلك، وأبرق وأرعد. ولم يعلم بأن الأمر انقضى وفاته ما أراد، وقد انتهز الأمير ططر الفرصة، وتمثل لسان حاله بقول القائل: [الوافر] إذا هبّت رياحك فاغتنمها ... فإنّ لكلّ خافقة سكونا ثم أمر الأمير ططر بكتابة جوابه، فأجيب بكلام متحصّله: أنه لما عهد الملك المؤيد [شيخ] «3» لابنه بالملك، وأقيم فى السلطنة، طلب الأمراء والخاصّكيّة والمماليك السلطانيّة أن يكون المتحدّث فى أمور الدّولة الأمير ططر، ورغبوا إليه فى ذلك، ففوّض إليه الخليفة جميع أمور المملكة بأسرها، فليحضر الأمير بمن معه إلى الديار المصرية ليكونوا على إمريّاتهم وإقطاعاتهم على عادتهم، ثم أنكر عليه استقرار ألطنبغا الصغير فى نيابة حلب من غير استئذانه. ثم قدم الخبر أيضا على الأمير ططر بأن على بن بشارة قاتل الأمير قطلوبغا التنمىّ نائب صفد وكسره، فانحصر بمدينة صفد إلى أن فرّ منها إلى دمشق، وانضم على نائبها الأمير جقمق، وأن جقمق قد استعدّ بدمشق، واستخدم جماعة كبيرة من المماليك، وسكن قلعة دمشق، فتحقّق الأمير ططر عند ذلك خروج جقمق عن طاعته، وكذلك الأمير الكبير ألطنبغا القرمشى وأخذ فى إبرام أمره. فلما كان يوم الخميس تاسع شهر ربيع الأول [المذكور] «4» خلع على الأمير تنبك

ميق العلائى باستقراره أتابك العساكر بالديار المصريّة عوضا عن ألطنبغا القرمشىّ، وأنعم عليه بإقطاعه، وأنعم بإقطاع تنبك ميق على الأمير إينال السّيفى شيخ الصّفوى «1» المعروف بالأرغزىّ، وأنعم بإقطاع إينال الأرغزى المذكور على الأمير قجق العيساوىّ القادم من سجن الإسكندرية قبل تاريخه، وأنعم بإقطاع الأمير طوغان أمير آخور أحد الأمراء المجرّدين على الأمير تغرى بردى من آقبغا المؤيدى المعروف بأخى قصروه المقدم ذكره، وأنعم بإقطاع الأمير ألطنبغا الصغير رأس نوبة النّوب المستقرّ فى نيابة حلب على سودون العلائى، وأنعم بإقطاع سودون العلائى على الأمير قطج من تمراز الظاهرىّ، وأنعم بإقطاع الأمير أزدمر الناصرىّ أحد مقدّمى الألوف المجرّدين على الأمير بيبغا المظفرى الظاهرى الذي قدم قبل تاريخه من سجن الإسكندرية. وأنعم بإقطاع الأمير جرباش الكريمىّ المعروف بقاشق أحد المقدّمين المجرّدين على الأمير تمرباى من قرمش المؤيّدى شادّ الشراب خاناه، وأنعم بإقطاع الأمير تمرباى المذكور وهو إمرة طبلخاناه على الأمير أركماس اليوسفىّ، وبإقطاع الأمير أركماس المذكور على سودون النّوروزىّ الحموىّ، وبإقطاع سودون الحموىّ على شاهين الحسنىّ وتغرى بردى المحمدى- قسّم بينهما- وأنعم بإقطاع الأمير جلبّان الأمير آخور- كان- أحد المقدّمين المتجرّدين على الأمير على باى من علم شيخ المؤيّدى الدوادار الكبير، وأنعم بإقطاع على باى المذكور على الدّيوان المفرد «2» . وأنعم بإقطاع الأمير مقبل الحسامىّ الدّوادار الكبير الذي تسحّب قبل تاريخه من القاهرة إلى الشّام على الأمير جقمق العلائى الخازندار، وهو الملك الظاهر جقمق، وأنعم بإقطاع الأمير ألطنبغا المرقبىّ حاجب الحجّاب أحد المجرّدين على الأمير قصروه من تمراز الظّاهرىّ، وأنعم بإقطاع قصروه على مغلباى البوبكرى المؤيّدى السّاقى،

ثم أنعم على الأمير قانباى الحمزاوىّ ثانى رأس نوبة بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية. ثم فى يوم الأربعاء ثانى عشرين شهر ربيع الأوّل المذكور فرّق الأمير ططر على الأمراء والمماليك- فى دفعة واحدة- أربعمائة فرس برسم السّفر إلى الشّام، وقد عزم على المسير إلى البلاد الشّاميّة صحبة السلطان الملك المظفر أحمد، بعد أن رسم للأمراء والمماليك بالتجهيز إلى السفر. ثم قدم قصّاد الأمراء المجردين إلى مصر بطلب جمالهم وأموالهم، فمنعوا من ذلك، وكتب للأمير ألطنبغا القرمشىّ بأن الجمال فرّقها السلطان، وقد عزم على السّفر، وأنت مخيّر بين أن تحضر على ما كنت عليه، وبين أن تستقرّ فى نيابة الشّام عوضا عن جقمق الأرغون شاوىّ. ثم أخذ الأمير ططر فى التهيؤ والاهتمام إلى السفر. ثم فى يوم الاثنين سابع عشرينه خلع الأمير ططر على الأمير صلاح الدين محمد ابن الصّاحب بدر الدين حسن بن نصر الله ناظر الخواصّ «1» باستقراره أستادار العالية «2» عوضا عن الأمير يشبك المؤيّدى المعروف بأنالى بعد عزله، وأنعم على صلاح الدين المذكور بإمرة مائة وتقدمة ألف. وفى هذا اليوم والذي قبله نودى بالقاهرة وظواهرها بأن لا يسافر أحد إلى البلاد الشّاميّة «3» ، وهدّد من وجد مسافرا إليها بالقتل، وكان القصد بهذه القضيّة تعمية أخبار مصر وأحوالها عن الأمراء بالبلاد الشّامية والمخالفين عليه.

قلت: ولهذه الفعلة وأشباهها كان يعجبنى أفعال الأمير ططر، فإنه كان يسير على طريق ملوك السّلف فى غالب حركاته، لكثرة اطّلاعه لأخبارهم وأمورهم، ومن تعمية الأخبار على العدو، والتّورّى فى الأسفار من أن يقصد مكانا فيورى بآخر، ومن مخادعة أعدائه والترقّق لهم؛ فإنه بلغه- لمّا استفحل أمره- عن الأمير على باى المؤيّدى الدّوادار، أنه يقول لخچداشيته المؤيّديّة: لا تكترثوا بأمره أنا كفاية له، إن استقام فهو على حاله، وإن تعوّج أخذته بيدى وألقيته من أعلى القصر إلى الأرض، وأيش هو ططر؟ فلمّا سمع ذلك أمر القائل له بالكتمان، وأخذ فى الإلمام على على باى [المذكور] «1» وإظهاره على سرّه، وهو مع ذلك فى قلبه منه أمور وحزازات، وأيضا لمّا وصل إلى الشّام حسبما نذكره. وقدم عليه خچداشيته «2» من عند قرا يوسف على أقبح حال من الفقر: أعنى عن الأمراء الذين هربوا من الملك المؤيّد فى وقعة قانى باى نائب الشّام، وهم سودون من عبد الرحمن نائب طرابلس، وتنبك البجاسىّ نائب حماة، وطرباى نائب غزّة، وجانى بك الحمزاوىّ، ويشبك الجكمىّ الدوادار الثانى الذي كان فر من الحجاز إلى العراق، وغيرهم، فلمّا وصلوا إلى دمشق وتمثلوا بين يدى ططر ورءاهم على باى الدوادار المذكور، وتغرى بردى المؤيّدى أمير آخور كبير قالا للأمير ططر- لمّا أتوا-: هؤلاء يريدون العود إلى ما كانوا عليه، وهم أعداء أستاذنا، فقال لهما ططر: أعوذ بالله، هؤلاء ما بقى فيهم بقيّة لطلب ما ذكرتموه ممّا قاسوه من الغربة والتّشتّت، وإنما قصد كلّ واحد منهم ما يقوم بأوده، مثل إقطاع حلقة «3» ويقيم بالقدس، أو مرتّب ويقيم بدمياط، أو شىء على الجوالى «4» ، وأنتم تعرفون

أنهم خشداشيّتنا لا يمكننا إلّا النّظر فى أحوالهم بنحو ما ذكرناه، فلمّا سمع المؤيدية ذلك قالوا: هذا ما نقول فيه شيئا، وأما غير ذلك فلا، فقال لهم ططر: وما تمّ غير ما قلته، فانخدعوا وسكتوا على ما سنذكره من أمرهم عند قدومهم على الأمير ططر بدمشق- انتهى. ثم أخذ الأمير ططر- بعد المناداة- فى تجهيز أمره وأمر السلطان إلى السّفر. فلمّا كان يوم الاثنين رابع شهر ربيع الآخر ركب الأمير ططر نظام الملك من قلعة الجبل ومعه الأمراء والخاصّكيّة والمماليك السلطانيّة، وسار إلى جهة قبّة النصر «1» ثم عاد ودخل القاهرة من باب النّصر، وخرج من باب زويلة إلى أن طلع إلى القلعة فى موكب سلطانى لم يفقد فيه إلا الجاويشيّة والعصابة السلطانيّة «2» ، وهذا أوّل موكب ركبه الأمير ططر من يوم تحكّمه فى الديار المصريّة، وهو من يوم موت [الملك] «3» المؤيد شيخ. ثم فى سادسه نودى فى المماليك السلطانيّة بالطلوع إلى القلعة لأخذ نفقة السّفر فى يوم الخميس، فلما كان يوم الخميس المذكور جلس الأمير ططر نظام الملك بقلعة الجبل، وأنفق فى الماليك السلطانية نفقة السّفر، لكل واحد مائة دينار إفرنتيّة، ثم فى تاسعه أنفق على الأمراء والمماليك أيضا، فحمل للأمير الكبير تنبك ميق خمسة آلاف دينار، ولمن عداه أربعة آلاف دينار وثلاثة آلاف دينار. وفى عاشره أخرج الأمير ططر ولدى الملك الناصر فرج من قلعة الجبل، ووجّههما إلى سجن الإسكندرية كما كانا أوّلا به، وكان سبب قدومهما من الإسكندرية إلى مصر أن عمتهما خوند زينب بنت السلطان الملك الظاهر برقوق وزوجة الملك المؤيّد

شيخ كانت سألت زوجها الملك المؤيّد فى قدومهما بسبب ختانهما، فقدما إلى القلعة وختنا، وهما محمد وخليل، فأقاما عند عمّتهما إلى أن مات الملك المؤيّد، فلما عزم ططر على التوجّه إلى البلاد الشاميّة أمر بعودتهما إلى الإسكندرية وسجنهما بها كما كانا أوّلا. ثم فى رابع عشر شهر ربيع الآخر خرجت مدوّرة السلطان إلى الرّيدانيّة خارج القاهرة، فقدم الخبر على الأمير ططر بأن عساكر دمشق برزت منها إلى اللّجّون، فركب الأمير ططر فى يوم الثلاثاء تاسع عشره من قلعة الجبل ومعه السلطان الملك المظفر أحمد والأمراء وسائر أرباب الدولة، ونزل من قلعة الجبل إلى الريدانيّة بمخيّمه، وسافرت أمّ السلطان الملك المظفّر أحمد خوند سعادات فى محفّة «1» صحبة ولدها، وأصبح من الغد فى يوم الأربعاء رحل الأمير الكبير تنبك ميق من الرّيدانيّة ومعه عدّة أمراء جاليشا. ثم استقلّ الأمير ططر بالسّفر ومعه السلطان والخليفة والقضاة الأربعة وبقيّة العساكر فى يوم الجمعة ثانى عشرين شهر ربيع الآخر المذكور، والموكب جميعه لططر بعد أن جعل الأمير قانى باى الحمزاوىّ نائب الغيبة «2» بالديار المصريّة، وهو يومئذ غائب ببلاد الصّعيد، وأن ينوب عنه فى نيابة الغيبة الأمير جقمق العلائى أخو چاركس المصارع إلى أن يحضر قانى باى، وجعل معهما أيضا فى القاهرة من الأمراء المقدّمين الأمير آقبغا التّمرازىّ، والأمير قرامراد خجا الشّعبانى. وسار الأمير ططر من الرّيدانيّة بالسلطان إلى أن وصل مدينة غزّة فى يوم الاثنين ثانى جمادى الأولى.

وفى مدّة إقامته بغزّة قدم عليه جماعة من الأمراء ممن خرج من عسكر دمشق، منهم الأمير جلبّان أمير آخور وكان أحد الأمراء المجرّدين إلى حلب فى أيام الملك المؤيّد، والأمير إينال النّوروزىّ نائب حماة، وغيرهما، فسرّ الأمير ططر بهما، وفرّ منهم- ممن كان خرج معهم من دمشق- الأمير مقبل الحسامى الدّوادار- كان- فى طائفة يريد دمشق إلى الأمير جقمق. ثم سار الأمير ططر من غزّة بالسلطان والعساكر يريد دمشق حتى وصل إلى بيسان «1» فى يوم الثلاثاء عاشر جمادى الأولى فورد عليه الخبر من دمشق بأن الأمير مقبلا الدوادار لما وصل إلى دمشق، وأخبر الأمراء بدخول الأمير جلبّان والأمير إينال النوروزى فى طاعة الأمير ططر شقّ ذلك على الأمير جقمق الأرغون شاوى نائب الشّام، وعلى الأمير الكبير ألطنبغا القرمشى ومن معه من الأمراء المصريين، واضطرب أمرهم وتكلّموا فى المصلحة، فلم ينتظم لهم أمر واختلفا: أعنى القرمشى وجقمق نائب الشام، فاقتضى رأى ألطنبغا القرمشى ومن معه الدّخول فى طاعة الأمير ططر، والتسليم له فيما يفعل، وامتنع جقمق نائب الشّام من ذلك وأبى إلا قتال ططر، وافترقا من يومئذ، وصارا فى تباين، إلى أن كان يوم الثلاثاء ثالث جمادى الأولى المذكورة بلغ الأمير ألطنبغا القرمشى عن جقمق أنه يريد القبض عليه، وعلى من معه من الأمراء، فطلب أصحابه وشاورهم فيما يفعل، فاقتضى رأيهم محاربته، فبادر القرمشى إلى محاربة جقمق، وركب بمماليكه وأصحابه بآلة الحرب وعليهم السّلاح، ووقف بهم تجاه قلعة دمشق، وقد رفع الصّنجق السلطانى «2» ، وأعلن بطاعة السلطان، فأتاه جماعة كبيرة من أمراء دمشق وغيرها راغبين فى الطّاعة. وبلغ جقمق ذلك، فتهيّأ لقتاله، ولبس السلاح، ونزل بمماليكه وأصحابه، وصدم

بهم الأمير ألطنبغا القرمشى ومن معه، وقاتلهم، فكان بينه وبينهم وقعة هائلة طول النهار، إلى أن انكسر الأمير جقمق، وتوجّه هو والأمير طوغان أمير آخور، والأمير مقبل الحسامى الدّوادار فى نحو الخمسين فارسا إلى جهة صرخد «1» ، وأن الأمير ألطنبغا القرمشى استولى على مدينة دمشق، وتقدّم إلى القضاة والأعيان أن يتوجّهوا إلى ملاقاة السلطان والأمير ططر، فسرّ الأمير ططر بذلك غاية السرور، وعلم أن الأمر قدهان، وتحقق كل أحد ثبات أمره، وأنه سيصير أمره إلى ما سنذكره. وكان الذي قدم عليه بهذا الخبر الأمير أزدمر الناصرى، أحد مقدمى الألوف بالديار المصرية، ممن كان صحبة القرمشى بالبلاد الحلبية، ثم قدم على الأمير ططر أيضا الأمير قطلوبغا التنمى نائب صفد، وخلع عليه الأمير ططر باستقراره على نيابة صفد. ثم ركب الأمير ططر ومعه السلطان والعساكر إلى نحو دمشق حتى دخلها من غير ممانع بكرة الأحد خامس عشر جمادى الأولى المذكورة بعد أن تلقاه الأمير الكبير ألطنبغا القرمشى ومعه الأمير ألطنبغا المرقبى حاجب الحجّاب بالديار المصرية، والأمير جرباش الكريمى المعروف بقاشق أحد مقدّمى الألوف بديار مصر والأمير سودون اللكاشى أحد مقدّمى الألوف أيضا، والأمير آق بلاط الدمرداش أحد مقدّمى الألوف أيضا. ولما دخل «2» القرمشى على السلطان الملك المظفر [أحمد] «3» نزل وقبّل الأرض له بمن معه، وسلّم عل الأمير ططر، ثم ركب وسار فى خدمة السّلطان فتأدّب معه الأمير ططر نظام الملك بأن يسير فى ميمنة السلطان الملك المظفر، فامتنع من ذلك، وألحّ

عليه فأبى إلا سيره فى ميسرة السلطان، كل ذلك بعد أن خلع السلطان على القرمشى، وسار السلطان إلى أن طلع إلى قلعة دمشق ومعه الأمير ططر. فأوّل ما بدأ به الأمير ططر أن قبض على الأمير الكبير ألطنبغا القرمشى، وعلى الأمير جرباش الكريمى، وعلى الأمير ألطنبغا المرقبى، وعلى الأمير أردبغا من أمراء الألوف بدمشق، وعلى الأمير بدر الدين حسن بن محب الدين الطرابلسى أستادارا المؤيّد [شيخ] «1» وعلى جماعة أخر. وأصبح يوم الاثنين سادس عشره جلس للخدمة بقلعة دمشق، وخلع على الأمير تنبك ميق العلائى باستقراره فى نيابة دمشق عوضا عن جقمق الأرغون شاوى الدوادار، وخلع على الأمير إينال الجكمى «2» رأس نوبة النوب واستقر به فى نيابة حلب، عوضا عن الأمير ألطنبغا من عبد الواحد المعروف بالصغير، وعلى الأمير يونس الرّكنى الأعور أتابك دمشق باستقراره فى نيابة غزة عوضا عن أركماس الجلبّانى. ثم خلع على الأمير جانى بك الصّوفى أمير سلاح باستقراره أتابك العساكر بالدّيار المصرية عوضا عن تنبك ميق «3» . ثم أخذ الأمير ططر فى العمل على مسك جقمق الدّوادار، فبعث إليه الأمير بيبغا المظفّرى أمير مجلس، والأمير إينال الشّيخى الأرغزى، والأمير يشبك أنالى المعزول عن الأستادارية، والأمير سودون اللّكّاشىّ، ومعهم مائتا مملوك من المماليك السلطانية فساروا إلى صرخد. وأرسل الأمير ططر المبشّر إلى الديار المصرية بقدوم السلطان إلى دمشق وبالقبض على الأمير ألطنبغا القرمشى، فدقت البشائر بقلعة الجبل لذلك ثلاثة أيام، وزينت القاهرة عشرة أيام.

ثم تزوّج الأمير الكبير ططر بأم السلطان «1» الملك المظفّر أحمد، صاحب التّرجمة وهى خوند سعادات بنت الأمير صرغتمش، وبنى بها، فصار عمّ السلطان زوج أمّه ونظام ملكه مع ما تمهد له [من الأمر] «2» من مسك الأمير ألطنبغا القرمشى ورفقته، ومن ورود الخبر عليه بمجيء خچداشيّته الأمراء الذين كانوا فرّوا من الملك المؤيّد فى وقعة الأمير قانى باى المحمدى نائب الشام المقدّم ذكرهم. فلمّا كان يوم الثلاثاء ثامن جمادى الآخرة، قدم الأمراء المقدّم ذكرهم من عند قرا يوسف بعد موته، وكانوا عند قرا يوسف من يوم فروا من وقعة الأمير قانى باى، وهم الأمير سودون من عبد الرّحمن نائب طرابلس كان، والأمير تنبك البجاسىّ نائب حماة كان، والأمير طرباى الظّاهرىّ نائب غزّة كان، والأمير يشبك الجكمىّ الدّوادار الثانى كان، وهو الذي فرّ من المدينة الشّريفة لما كان أمير الحاجّ [وتوجّه] «3» إلى العراق فى سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، والأمير جانى بك الحمزاوىّ، والأمير موسى الكركرى بمن كان معهم، فخلع عليهم الأمير ططر وأنعم عليهم بالمال والخيل والسلاح، غير أنه لم يعط أحدا منهم إقطاعا ولا إمرة خوفا من المماليك المؤيديّة، وكذلك الأمير برسباى الدّقماقى نائب طرابلس «4» كان، أعنى الملك الأشرف لمّا أطلقه من سجن قلعة دمشق لم ينعم عليه بإقطاع، وكان من خبره أنّ الملك المؤيّد جعله بعد إطلاقه من سجن المرقب أمير مائة ومقدّم ألف بدمشق، فقبض عليه الأمير جقمق وحبسه إلى أن أطلقه ططر- انتهى. ثم أمر الأمير ططر بابن محب الدين الأستادار- كان- فصودر وعوقب أشدّ عقوبة، وأجرى عليه العذاب، وأخذ منه جملا مستكثرة ولا زال فى العقوبة إلى أن مات فى سابع عشرين جمادى الآخرة، كل ذلك بعد قتل الأمير ألطنبغا القرمشىّ.

وخبره أن الأمير ططر لمّا طلع إلى قلعة دمشق وقبض عليه فى الحال ارتجّ العسكر لمسكه، وعظم ذلك على جماعة كبيرة من المماليك السلطانية الظاهريّة، وطلبوا من الأمير ططر إبقاءه، فرأى ططر أنّه لا يتمّ له أمر مع بقائه، وأرسل القرمشىّ أيضا يترقّق له، فلم يلتفت ططر إلى هذا كله، وتمثل لسان حاله بقول المتنبى: [الكامل] لا يخدعنّك من عدوّك دمعه ... وارحم شبابك من عدوّ ترحم لا يسلم الشّرف الرّفيع من الأذى ... حتّى يراق على جوانبه الدّم وجسر عليه وقتله بعد أيّام، فلم ينتطح فى ذلك عنزان. وكان الأمير ألطنبغا القرمشىّ حسنة من حسنات الدهر عقلا وحشمة ورياسة وسؤددا وكرما، مع اللّين والأدب والتواضع، كما سيأتى ذكره فى حوادث سنة أربع وعشرين وثمانمائة إن شاء الله تعالى. ولما أن مهّد الأمير ططر أمور دمشق، وقوى جانبه بخشداشيته وأصحابه، عزم على التوجّه إلى حلب. فلما كان يوم الجمعة خامس عشرين جمادى الآخرة المذكور ركب الأمير ططر من قلعة دمشق ومعه السلطان الملك المظفّر وجميع عساكره، وتوجّه إلى جهة البلاد الحلبيّه، وسار حتى وصلها فى العشر الأول من شهر رجب، بعد أن فرّ منها الأمير ألطنبغا الصّغير قبل قدومه بمدّة، وملكها الأمير إينال الجكمىّ، وسكن بدار السّعادة على عادة النّوّاب، وأقام الأمير ططر بحلب، وأخذ فى إصلاح أمرها، وخلع على أمراء التّركمان والعربان، وبعث رسله إلى البلاد، وبينما هو فى ذلك قدم عليه الأمير مقبل الحسامىّ الدّوادار- كان- أحد أصحاب جقمق طائعا، وقد فارق الأمير جقمق من صرخد بعد أن حوصر جقمق من الأمير بيبغا المظفّرىّ المقدم ذكره ورفقته أيّاما، فخلع الأمير ططر على الأمير مقبل المذكور وعفا عنه- وفى النفس من ذلك شىء- ثم خلع الأمير ططر على الأمير تغرى بردى من آقبغا المؤيّدىّ

الأمير آخور الكبير المعروف بأخى قصروه، باستقراره فى نيابة حلب عوضا عن الأمير إينال الجكمىّ، وخلع على الأمير إينال الجكمىّ باستقراره أمير سلاح «1» عوضا عن جانى بك الصّوفى بحكم انتقاله إلى أتابكيّة العساكر بديار مصر، وخلع على الأمير تمرباى اليوسفىّ المؤيّدى المشد باستقراره أمير حاج المحمل، فخرج من حلب وسار إلى الديار المصريّة ليتجهّز إلى سفر الحجاز. ثم أبطأ على الأمير ططر أمر جقمق بصرخد، فندب له الأمير برسباى الدّقماقى نائب طرابلس- كان- ومعه القاضى بدر الدين محمد بن مزهر ناظر الإسطبل ونائب كاتب السّرّ، وأرسل معه أمانا لجقمق المذكور ولمن معه، وحلف له أنه لا يمسّه بسوء إن سلّم إليه صرخد وقدم إلى طاعته، فركب برسباى وتوجّه إلى صرخد، وما زال بالأمير جقمق ومن عنده حتّى أذعنوا لطاعة الأمير ططر، ونزلوا من قلعة صرخد، وتوجّهوا صحبة الأمير برسباى الدّقماقىّ إلى دمشق، وهم: الأمير جقمق نائب الشّام، والأمير طوغان أمير آخور الملك المؤيّد وغيرهم، فلمّا قدموا إلى دمشق قبض عليهم الأمير تنبك ميق نائب الشّام، ولم يلتفت إلى كلام الأمير برسباى الدّقماقى، وحبس «2» الأمير جقمق والأمير طوغان أمير آخور بقلعة دمشق، وقال: إذا جاء الأمير الكبير ططر إن شاء يطلقهما وإن شاء يقتلهما، فاحتدّ الأمير برسباى لذلك قليلا ثم سكن ما به لمّا علم المصلحة فى قبضهما، وقيل إن الأمير برسباى لما قدم بهما إلى دمشق قال للأمير تنبك ميق: أنا قد حلفت لهما فاقبض عليهما أنت، ففعل تنبك ذلك، والصّواب عندى هو القول الثانى. وأما الأمير ططر فإنه أقام بحلب هو والسلطان والعساكر إلى يوم الاثنين حادى عشر شعبان، فبرز فيه من مدينة حلب يريد مدينة دمشق، بعد أن مهّد أمور البلاد الحلبيّة، وخلع على مملوكه- ورأس نوبة- الأمير باك، باستقراره فى نيابة قلعة حلب، وكان الأمير باك من أخصّاء الأمير ططر وأعيان مماليكه.

وسار الأمير ططر إلى أن دخل دمشق هو والسلطان الملك المظفر أحمد فى يوم السبت ثالث عشرين شعبان، فارتجت دمشق لدخوله، وعبر دمشق وجميع الأمراء بين يديه، والسلطان معه كالآلة على عادته، وطلع إلى قلعة دمشق، وشكر الأمير تنبك ميق على قبضه على جقمق، ثم أمر بجقمق فعوقب على المال «1» ، ثم قتل بقلعة دمشق. ثم أخرج الأمير طوغان الأمير آخور من حبس قلعة دمشق، وأرسله إلى القدس بطّالا، فخفّ الأمر كثيرا على الأمير ططر بقتل الأمير الكبير ألطنبغا القرمشىّ، ثم بقتل الأمير جقمق نائب الشّام، ولم يبق عليه إلا الأمراء المؤيديّة- وكانت لهم شوكة وسطوة بخشداشيّتهم المماليك المؤيدية- فأخذ الأمير ططر عند ذلك يدبّر على قبضهم وجبن عن ذلك، وتكلم مع خشداشيّته المماليك الظاهريّة [برقوق] «2» فى ذلك، فاختلفت آراؤهم فى القبض عليهم، فمنهم من رأى أن القبض عليهم بالبلاد الشّامية أصلح، ومنهم من قال المصلحة أن الأمير الكبير ططر يعود إلى مصر، ثم يفعل ما بدا له بعد أن يصير بقلعة الجبل، فمال ططر إلى القول الثانى من أنه يعود إلى مصر، ثم يقبض عليهم، ثم يتسلطن، فلم يرض الأمير قصروه من تمراز بذلك، وقام فى القبض عليهم، وبالغ فى ذلك، وهوّن أمر المؤيديّة [شيخ] «3» على الأمير ططر إلى الغاية، حتى قال له: لا تتكلّم أنت فى أمرهم، وأنا والأمير بيبغا المظفّرى نكفيك أمر هؤلاء الأجلاب، كل ذلك لما كان فى نفس قصروه من أستاذهم الملك المؤيد؛ فإنه حدثنى بعض أعيان المماليك الظاهريّة قال: لمّا أخرج الملك المؤيّد قصروه من السّجن وأنعم عليه بإمرة عشرة صادفته فى بعض الأيام عند باب زويلة، فسلمت عليه ورجعت معه، فقال لى: يا أخى فلان، فقلت له: نعم، قال «تنظر ما بيفعل [بنا] «4» هذا الرجل وبخشداشيّتنا؟ قلت: [نعم] «5» نظرت، قال «6» : الله لا يميتنى حتى أفعل

بمماليكه ما فعل بخشداشيّتنا من الحبس والقتل والتشتت. فقلت له: هل قلت هذا الكلام لأحد غيرى؟ قال: لا. فقلت له عند ذلك: أمسك ما معك، لأن غريمك صعب، ومتى ما سمع بعض هذا الكلام عنك لا يبقيك ساعة واحدة. فقال: أعرف هذا، فاكتم أنت أيضا ما سمعته منى، وتفارقنا، فلم يكن إلا بعد مدّة يسيرة ومات الملك المؤيّد، ووقع ما وقع من أمر الأمير ططر، إلى أن قام قصروه فى مسك المؤيّديّة، ومسكوا عن آخرهم، فلمّا كان بعد أيّام رآنى وقال: أخى فلان، فقلت: نعم، [قال] «1» : هل وفّيت بما قلت أم لا؟ فقلت: نعم وفّيت وزيادة- انتهى. وقد خرجنا عن المقصود، ولنعد لما كنّا فيه. ولما سمع الأمير ططر كلام قصروه، هان عليه أمر المؤيديّة، ووافق قصروه الأمير تغرى بردى المحمودى الناصرىّ، والأمير بيبغا المظفّرى أمير مجلس، والأمير يشبك الجكمىّ، القادم من عند قرا يوسف، والأمير أزدمر شايا، والأمير أيتمش الخضرىّ، ولا زالوا بالأمير ططر حتى وافقهم على القبض عليهم، بعد أن قال لهم: اصبروا حتى نكتب بقتل الأمير قجقار القردمى أمير سلاح، وكتب إلى مصر، ثم إلى نائب إسكندرية الأمير قشتم المؤيدى بقتله، فقتل فى شعبان المذكور. وصار ططر يتردّد فى القبض على المؤيّديّة، إلى أن كان يوم الخميس ثامن عشرين شعبان من سنة أربع وعشرين المذكورة، وحضر الأمراء الخدمة على العادة، وقرىء الجيش، وفرغت العلامة «2» . وقبل أن يحضر السماط، مدّت الأمراء الظاهرية أيديهم فقبضوا على الأمراء المؤيدية فى الحال، الذين حضروا الخدمة والذين تأخّروا عن

الخدمة، فكان ممن قبض عليه منهم سبعة من مقدّمى الألوف «1» من مشتروات الملك المؤيد، وممن أنشأه، وهم:- الأمير إينال الجكمى أمير سلاح- أصله من مماليك جكم من عوض نائب حلب إلّا أن المؤيد هو الذي أنشأه ورقّاه. والأمير إينال الشّيخى الأرغزىّ حاجب الحجّاب، وكان أصله من مماليك الأمير شيخ الصّفوىّ، أمير مجلس فى دولة الملك الظاهر برقوق، غير أنه خدم الملك المؤيد قديما، واختصّ به أيام [تلك] «2» الفتن، فلما تسلطن رقّاه وقرّبه إلى الغاية. والأمير سودون اللّكّاش [الظاهرى] «3» أحد الأمراء المجرّدين [إلى حلب] «4» صحبة الأمير ألطنبغا القرمشى، وكان أصله من مماليك الأمير آقبغا اللكّاش الظاهرى، وخدم الملك المؤيد قديما، فلما ملك مصر أنعم عليه ورقاه حتى جعله أمير مائة ومقدّم ألف بديار مصر. والأمير جلبّان أمير آخور كان، وهو أيضا من جملة من كان مجرّدا صحبة القرمشىّ، وفى معتقه أقوال كثيرة، وأصله من مماليك الأمير تنبك أمير آخور اليحياوىّ الظاهرى، ثم أخذه بعده إينال حطب، ثم چاركس المصارع، ثم اتصل بخدمة الملك المؤيد [شيخ] «5» ، وصار أمير آخور قبل سلطنته، فلما تسلطن رقاه حتى صار من جملة أمراء الألوف بالقاهرة. ثم على الأمير أزدمر الناصرى، وكان من جملة الأمراء المجرّدين مع ألطنبغا القرمشى، وأصله من مماليك الملك الظاهر برقوق، ونسبته بالناصرى إلى تاجره خواجا ناصر الدين، وهو ممّن أنشأه الملك المؤيد من خشداشيّته ورقاه، وكان رأسا فى لعب الرّمح.

وعلى الأمير يشبك أنالى المؤيدى رأس نوبة النّواب، الذي كان ولى الأستادارية فى دولة أستاذه المؤيد، وهو «1» من أكابر المماليك المؤيدية، ونسبته أنالى أى له أم. وعلى الأمير على باى من علم شيخ المؤيدى الدّوادار، وهو أعظم مماليك المؤيد يوم ذاك، وهؤلاء من أمراء الألوف. وأما الذين قبض عليهم من أمراء الطبلخانات والعشرات فكثير، منهم: الأمير مغلباى الأبوبكرى السّاقى، وعلى الأمير مبارك شاه الرّماح، وعلى الأمير مامش المؤيدى رأس نوبة، وعلى جماعة أخر، ثم قبض على الطّواشى مرجان المسلمى الهندى الخازندار، ثم أطلقه. وبعد مسك هؤلاء الأمراء خلا الجوّ للأمير ططر، وعلم أنه لم يبق له منازع فيما يرومه، فإنه كان فى قلق كبير من على باى الدّوادار وخشداشيته، وفى تخوّف عظيم، بحيث إنه كان فى غالب سفره منذ خرج من الديار المصرية لا يفارق لبس الزّردية «2» من تحت ثيابه حتى أورث له ذلك مرضا فى باطنه من شدّة برد الزّردية، وتسلسل فيه ذلك من شىء إلى شىء حتى مات حسبما نذكره. فلما قبض على هؤلاء عزم على خلع السلطان الملك المظفّر [أحمد] «3» من السّلطنة ووافقه على ذلك جميع الأمراء والخاصّكيّة، هذا وقد صار ططر يأخذ بخاطر من بقى من صغار المماليك المؤيدية ويقرّبهم ويدنيهم، ويسكّن روعهم، على أن كل واحد منهم انتمى لشخص من حواشى ططر، كما هى عادة العساكر المفلولة «4» ممّن زالت دولتهم، وذهبت شوكتهم، وتخلّف منهم جماعة بالبلاد الشاميّة، وانحطّ

قدرهم وخدموا الأمراء سنين إلى أن أعيدوا فى دولة الملك الظاهر جقمق إلى بيت السلطان. ولمّا كان يوم تاسع عشرين شعبان من سنة أربع وعشرين وثمانمائة خلع السلطان الملك المظفر أحمد بن المؤيد بالسلطان الملك الظاهر ططر، وأدخل المظفر إلى أمّه خوند سعادات، وكان ططر قد تزوّجها حسبما ذكرناه، فمن يوم خلع ابنها المظفر لم يدخل إليها ططر، ثم طلّقها بعد ذلك. وكانت مدّه سلطنة الملك المظفر من يوم جلوسه على تخت الملك- وهو يوم موت أبيه الملك المؤيد شيخ- إلى أن خلع فى هذا اليوم، سبعة أشهر وعشرين يوما، وعاد صحبة الملك الظاهر ططر إلى الدّيار المصرية، وأقام بقلعة الجبل مدّة، ثم أخرج هو وأخوه إبراهيم ابن الملك المؤيد إلى سجن الإسكندرية، فسجنا بها إلى أن مات الملك المظفر أحمد هذا فى الثّغر المذكور بالطاعون فى ليلة الخميس آخر جمادى الأولى سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، فى سلطنة الملك الأشرف برسباى، ومات أخوه إبراهيم بعده بمدة يسيرة بالطاعون أيضا، ودفنا بالإسكندرية، ثم نقلا إلى القاهرة ودفنا بالقبة من الجامع المؤيدى داخل باب زويلة، ولم يكن للملك المظفر أمر فى السلطنة لتشكر أفعاله أو تذمّ لعدم تحكّمه فى الدّولة، وأيضا لصغر سنه، فإنه مات بعد خلعه بسنين وهو لم يبلغ الحلم، وأما أخوه إبراهيم فإنه كان أصغر منه، وكانت أمه أم ولد چركسيّة تسمّى قطلباى، تزوّجها الأمير إينال الجكمى بعد موت الملك المؤيد وماتت عنده. انتهى والله أعلم.

ذكر سلطنة الملك الظاهر ططر على مصر

ذكر سلطنة الملك الظاهر ططر على مصر «1» السلطان الملك الظّاهر سيف الدين أبو الفتح ططر، تسلطن بعد خلع السلطان الملك المظفّر أحمد ابن الملك المؤيد شيخ فى يوم الجمعة تاسع عشرين شعبان سنة أربع وعشرين وثمانمائة، بقلعة دمشق، وكان الموافق لهذا اليوم يوم نوروز القبط بمصر. ولبس خلعة السّلطنة من قصر قلعة دمشق، وركب بشعار السّلطنة وأبّهة الملك، ولقّب بالملك الظاهر ططر، وذلك بعد أن ثبت خلع الملك المظفّر، وحضر الخليفة المعتضد بالله داود والقضاة بقلعة دمشق، وبايعوه بالسلطنة بحضرة الملأ من الأمراء والخاصّكيّة، بعد أن سألهم الخليفة فى قيامه فى السلطنة، فقالوا الجميع: نحن راضون بالأمير الكبير ططر، وتمّ أمره فى السّلطنة، وقبّلت الأمراء الأرض بين يديه، وحملت القبّة والطّير على رأسه، وخطب له على منابر دمشق من يومه. والملك الظاهر هذا هو السلطان الثلاثون من ملوك الترك بالديار المصرية، والسادس من الچراكسة وأولادهم. قال المقريزى رحمه الله: كان چاركسى الجنس، يعنى عن الملك الظاهر ططر، ربّاه بعض التّجّار، وعلّمه شيئا من القرآن وفقه الحنفيّة، وقدم به إلى القاهرة فى سنة إحدى وثمانمائة وهو صبىّ، فدلّ عليه الأمير قانى باى- لقرابته به- وسأل السلطان الملك الظاهر فيه، حتى أخذه من تاجره، ومات السلطان قبل أن يصرف ثمنه، فوزن الأمير الكبير أيتمش ثمنه اثنى عشر ألف درهم، ونزّله فى جملة مماليك الملك الظاهر فى الطّباق ونشأ بينهم، وكان الملك الناصر أعتقه، فلم يزل فى جملة مماليك الطّباق حتى عاد السلطان الملك الناصر فرج إلى الملك بعد أخيه المنصور عبد العزيز، فأخرج له الخيل وأعطاه إقطاعا فى الحلقة، فانضمّ على الأمير نوروز الحافظى، وتقلب معه فى تلك الفتن- انتهى كلام المقريزى باختصار.

قلت: هذا هو الخباط «1» بعينه، ولم أقف على هذا النقل إلا من خطّه بعد موته، ولم أسمه من لفظه، فإن هذا القول يستحيا من ذكره؛ فأما قوله «اشتراه الملك الظاهر برقوق من تاجره» فمسلّم غير أنه قبل سنة إحدى وثمانمائة، وأنه لم يعط ثمنه فيمكن، وأما قوله «وأعتقه الملك الناصر فرج» فهذا القول لم يقله أحد غيره، وبإجماع المماليك الظاهرية إن الملك الظاهر برقوق أعتقه، وأخرج له الخيل والقماش فى عدّة كبيرة من المماليك، منهم جماعة [كبيرة] «2» فى قيد الحياة إلى يومنا هذا، ثم أخرج الملك الظاهر خرجا آخر من المماليك بعد ذلك قبل موته، من جملتهم الملك الأشرف برسباى الدّقماقى، والملك الظاهر جقمق العلائى وغيره، وكانت عادة برقوق، أنه لا يخرج لمماليكه الجلبان خيلا، إلا بعد إقامتهم فى الأطباق مدّة سنين، وأنّه لا يخرج فى سنة واحدة خرجين، وإنّما كان يخرج فى كل مدّة طويلة خرجا من مماليكه، ثم يتبعه بعد ذلك بمدّة طويلة بخرج آخر، وهذه كانت عادة ملوك السّلف، فعلى هذا يكون مشترى ططر هذا قبل سنة إحدى وثمانمائة بسنين. ولما أراد الملك الظاهر عتق ططر المذكور، عرضه فى جملة من عرض من مماليك الطّباق الكتابيّة، وكان ططر قصير القامة، فاعتقد الظاهر أنه صغير، فردّه إلى الطّبقة فيمن ردّ من صغار المماليك، وكان الأمير جرباش الشّيخىّ الظاهرىّ «3» رأس نوبة واقفا، فمسك ططر من كتفه وقال: يا مولانا السلطان، هذا فقيه طالب علم، قرناص «4» يستأهل الخير، فأمر له الملك الظّاهر بالخيل وكتب عتاقته أمام السلطان الملك الظاهر سويدان المقرى، فكان ططر فى أيّام إمرته، وبعد سلطنته، كلّما رأى الناصر محمد

ابن جرباش الشيخى يترحّم على والده ويقول، لم يعتقنى الملك الظاهر برقوق إلا بسفارة الأمير جرباش الشيخى- رحمه الله- وأحسن إلى ولده المذكور. وأما قوله «وأقام ططر فى الطبقة حتى عاد الملك الناصر إلى ملكه بعد أخيه المنصور عبد العزيز» فهذا يكون فى سنة ثمان وثمانمائة، فهذه مجازفة لا يدرى معناها، فإنّ ططر كان يوم ذاك من رءوس الفتن، مرشّحا للإمرة وولاية الأعمال، بل كان قبل ذلك فى واقعة تيمور لنك فى سنة ثلاث وثمانمائة من أعيان القوم الذين أرادوا سلطنة الشيخ لاجين الچاركسىّ بالقاهرة، وعادوا إلى مصر، وهو يوم ذاك يخشى شرّه، وأيضا إنه فى سنة ثمان المذكورة كان برسباى الدقماقىّ- أعنى الملك الأشرف- صار من جملة الخاصكيّة السّقاة الخاص «1» الأعيان، وكان من جملة أصحاب ططر الصّغار ممّن ينتمى إليه، وبسفارته اتّصل إلى ما ذكرناه من الوظيفة وغيرها، ولا زال على ذلك إلى أن شفع فيه ططر- بعد أن حبسه الملك المؤيد بالمرقب- وأخرجه إلى دمشق، كل ذلك وططر مقدّم عليه وعلى غيره من أعيان الظاهرية، ويسمّونه أغاة «2» من تلك الأيام، فلو كان كما قاله المقريزى «إن الملك الناصر فرج أعتقه فى سنة ثمان» كان ططر من أصاغر المماليك الناصرية؛ فإن الذين أعتقهم الملك الناصر ممّن ورثهم من أبيه- وهم أول خرج أخرجه- جماعة كبيرة مثل الملك الأشرف إينال العلائى سلطان زماننا، والأمير طوخ من تمراز أمير مجلس زماننا، والأمير يونس العلائى أحد مقدّمى الألوف فى زماننا، فيكون هؤلاء بالنسبة إلى ططر قرانيص وأكابر، وقدماء هجرة، فهذا القول لا يقوله إلّا من ليس له خبرة بقواعد السّلاطين، ولا يعرف ما الملوك عليه بالكلّيّة، ولولا أن المقريزى ذكر هذه المقالة فى عدّة كتب من مصنّفاته ما كنت أتعرّض إلى جواب ذلك، فإن هذا شىء لا يشكّ فيه أحد، ولم يختلف فيه اثنان غير أنى أعذره فيما نقل؛ فإنه كان بمعزل عن الدولة، وينقل أخبار الأتراك عن

الآحاد، فكان يقع له من هذا وأشباهه أوهام كثيرة نبّهته على كثير منها فأصلحها معتمدا على قولى، وها هى مصلوحة بخطه فى مظنّات الأتراك وأسمائهم ووقائعهم- انتهى. واستمرّ الملك الظاهر ططر بقلعة دمشق، وعمل الخدمة السّلطانيّة بها فى يوم الاثنين ثالث شهر رمضان، وخلع على الخليفة والقضاة باستمرارهم، وعلى أعيان الأمراء على عادتهم، ثم خلع على الأمير طرباى الظّاهرىّ نائب غزّة- كان- فى دولة الملك المؤيّد بعد قدومه من عند قرا يوسف باستقراره حاجب الحجاب بالديار المصريّة عوضا عن إينال الأرغزىّ المقدّم ذكره، وعلى الأمير برسباى الدّقماقى نائب طرابلس- كان، وكان بطّالا بدمشق- باستقراره دوادارا كبيرا، عوضا عن الأمير على باى المؤيّدى بحكم القبض عليه، و [أنعم] «1» على الأمير يشبك الجكمىّ الدّوادار الثانى- كان، وهو أيضا ممّن قدم من بلاد الشّرق- باستقراره أمير آخور كبيرا، عوضا عن تغرى بردى المؤيّدى المنتقل إلى نيابة حلب، ثم خلع بعد ذلك على الأمير بيبغا المظفرى الظاهرىّ أمير مجلس باستقراره أمير سلاح، عوضا عن الأمير إينال الجكمىّ بحكم القبض عليه، [وأنعم] «2» على الأمير قجق العيساوىّ الظاهرىّ حاجب الحجاب- كان فى الدولة المؤيديّة- باستقراره أمير مجلس، عوضا عن بيبغا المظفرى، وخلع على الأمير قصروه من تمراز الظاهرى باستقراره رأس نوبة النّوب، عوضا عن يشبك أنالى المؤيّدى بحكم القبض عليه أيضا، ثم أنعم على جماعة كبيرة بتقادم ألوف بالديار المصرية، مثل الأمير أزبك المحمدى الظاهرى إنىّ برسبغا الدوادار، ومثل الأمير تغرى بردى المحمودى الناصرى، ومثل الأمير قرمش الأعور الظاهرى، وغيرهم، وأنعم على جماعة من مماليكه وحواشيه بإمرة طبلخانات وعشرات، منهم: صهره البدرى حسن بن سودون الفقيه، أنعم عليه بإمرة طبلخاناه عوضا عن مغلباى السّاقى المؤيّدى بحكم القبض عليه، و [أنعم] «3»

على الأمير قرقماس الشّعبانى الناصرى بإمرة طبلخاناه، واستقرّ به دوادارا ثانيا، وعلى الأمير قانصوه النّوروزى أيضا بإمرة طبلخاناه، وجعله من جملة رءوس النّوب، وعلى رأس نوبته الثانى قانى باى الأبوبكرى الناصرىّ البهلوان بإمرة طبلخاناه، وجعله أيضا من جملة رءوس النّوب، وعلى فارس دواداره [الثانى] «1» بإمرة طبلخاناه، وأنعم على مشدّه يشبك السّودونى باستقراره شاد الشراب خاناه، وعلى أمير آخوره بردبك السيفى يشبك بن أزدمر باستقراره أمير آخور ثانيا، وعلى جماعة أخر من حواشيه ومماليكه، وجعل جميع مماليكه الذين كانوا بخدمته قبل سلطنته خاصّكيّة، وأنعم على بعضهم بعدة وظائف. ثم أمر السلطان الملك الظاهر فكتب بسلطنته إلى مصر وأعمالها، وإلى البلاد الحلبيّة والسواحل والثغور، وإلى نواب الأقطار، وحملت إليهم التشاريف والتقاليد بولايتهم على عادتهم، وهم: الأمير تغرى بردى المؤيّدى المعروف بأخى قصروه نائب حلب، والأمير تنبك البجاسىّ نائب طرابلس، والأمير جارقطلو الظاهرى نائب حماة، والأمير قطلوبغا التنمىّ نائب صفد، والأمير يونس الرّكنى نائب غزة. ثم خلع على الأمير تنبك ميق نائب الشام باستمراره على كفالته، وعلى الأمير برسباى الحمزاوىّ الناصرى باستقراره حاجب حجاب دمشق، وعلى الأمير أركماس الظاهرى باستقراره نائب قلعة دمشق، وعلى الأمير كمشبغا طولو باستقراره حاجبا ثانيا. ثم أخذ الملك الظاهر فى تمهيد أمور دمشق والبلاد الشّاميّة إلى أن تمّ له ذلك، فبرز من دمشق بأمرائه وعساكره فى يوم الاثنين سابع عشر شهر رمضان من سنة أربع وعشرين وثمانمائة يريد الديار المصرية. هذا ما كان من أمر الملك الظاهر ططر بالبلاد الشّاميّة. وأما أخبار الديار المصرية فى غيبته فإنه لمّا سافر الأمير ططر بالسّلطان الملك

المظفر وعساكره من الرّيدانيّة استقلّ بالحكم بين الناس الأمير جقمق العلائى إلى أن حضر الأمير قانى باى الحمزاوى من بلاد الصّعيد فى يوم السبت حادى عشرين جمادى الأولى، وحكم فى نيابة الغيبة، وأرسل إلى الأمير جقمق بالكفّ عن الحكم بين الناس وخاشنه فى الكلام، فانكفّت يد الأمير جقمق أخى چاركس المصارع عن الحكم، وكانت سيرته جيّدة فى أحكامه. ثم قدم الخبر على الأمير قانى باى الحمزاوىّ بدخول السلطان الملك المظفر إلى دمشق وقبضه على القرمشى وغيره، فدقت البشائر لذلك بالقاهرة ثلاثة أيام وزينت عشرة أيام. ثم فى يوم الأربعاء خامس شهر رمضان خلع الأمير قانى باى الحمزاوىّ على القاضى جمال الدين يوسف البساطى باستقراره فى حسبة القاهرة عوضا عن القاضى صدر الدين بن العجمى، وكان سبب ولايته أنه طالت عطلته سنين، فتذكّر الأمير ططر صحبته، فكتب لقانى باى الحمزاوىّ بولايته. ثم فى ثامن شهر رمضان قدم الخبر إلى الديار المصرية بخلع الملك المظفّر وسلطنة الملك الظاهر ططر. وأما السلطان الملك الظاهر ططر فإنه سار بعساكره إلى جهة الدّيار المصرية إلى أن نزل بمنزلة الصّالحيّة فى يوم الاثنين أوّل شوال، فخرج الناس إلى لقائه وقد تزايد سرور الناس بقدومه، ثم ركب من الصالحيّة وسار إلى أن طلع إلى قلعة الجبل فى يوم الخميس رابع شوال، وحملت القبة والطّير على رأسه- حملها الأمير [جانى بك] «1» الصّوفى أتابك العساكر، ولما طلع إلى القلعة أنزل الملك الظاهر [ططر] «2» الملك المظفر [أحمد] «3» وأمّه بالقاعة المعلقة من دور القلعة. ثم فى يوم خامس شوال خلع السلطان الملك الظاهر [ططر] «4» على الطواشى

مرجان الهندى الخازندار باستقراره زمّاما «1» ، عوضا عن الطواشى كافور الرّومى الشّبلى الصّرغتمشى بحكم عزله. ثم فى يوم الاثنين ثامن شوّال ابتدأ السلطان بعرض مماليك الطباق، وأنزل منهم جماعة كثيرة إلى إصطبلاتهم من القاهرة. ثم فى يوم الاثنين «2» استدعى السلطان الشيخ ولىّ الدين أحمد ابن الحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقىّ الشافعى وخلع عليه باستقراره قاضى قضاة الشافعيّة بالديار المصرية، بعد موت قاضى القضاة جلال الدين [عبد الرحمن] «3» البلقينى، فنزل العراقىّ إلى داره فى موكب جليل بعد أن اشترط على السلطان أنه لا يقبل شفاعة أمير فى حكم، فسرّ الناس بولايته. وفى يوم الاثنين ثانى عشرين شوال ابتدأ بالسلطان الملك الظاهر ططر مرض موته، وأصبح ملازما للفراش واستمرّ فى مرضه والخدمة تعمل بالدّور السلطانية، ويجلس السلطان وينفّذ الأمور ويعلّم على المناشير وغيرها. وأنعم فى هذه الأيام على الأمير كزل العجمى الأجرود، الذي كان ولى حجوبية الحجّاب فى الدّولة الناصرية، وعلى الأمير سودون الأشقر الذي كان ولى فى دولة المؤيّد رأس نوبة النّوّب ثم أمير مجلس، وكانا منفيّين بقرية الميمون من الوجه القبلى؛ بحكم أنه يكون كل واحد منهم أمير عشرين فارسا، فدحلا إلى الخدمة السلطانية بعد ذلك فى كل يوم، وصارا يقفان من جملة أمراء الطبلخانات والعشرات، ومقدمو الألوف جلوس بين يدى السلطان. واستمر السلطان على فراشه إلى يوم الثلاثاء أوّل ذى القعدة فنصل السلطان من

مرضه ودخل الحمّام، وخلع على الأطباء وأنعم عليهم، ودقّت البشائر لذلك، وتخلّقت الناس بالزّعفران. ثم فى ثالث ذى القعدة خلع السلطان على دواداره الأمير فارس باستقراره فى نيابة الإسكندرية عوضا عن الأمير قشتم المؤيدى بحكم عزله، وقد حضر قشتم المذكور إلى القاهرة، وطلع إلى الخدمة، ثم أمر السلطان فقبض على الأمير قشتم المذكور، وعلى الأمير قانى باى الحمزاوى نائب الغيبة «1» وقيّدا فى الحال وحملا إلى ثغر الإسكندرية فسجنا بها. ثم فى يوم الاثنين سابع ذى القعدة خلع السلطان على عبد الباسط بن خليل بن إبراهيم الدّمشقى ناظر الخزانة باستقراره ناظر الجيوش «2» المنصورة بعد عزل القاضى كمال الدين بن البارزى ولزومه داره، وخلع السلطان أيضا على موقّعه القاضى شرف الدين محمد ابن القاضى تاج الدين عبد الوهاب بن نصر الله باستقراره فى نظر أوقاف الأشراف ونظر الكسوة «3» ونظر الخزانة عوضا عن عبد الباسط المذكور، وكان الملك الظاهر أراد تولية شرف الدين المذكور وظيفة نظر الجيش فسعى عبد الباسط فيها سعيا زائدا حتى وليها. ودخل السلطان فى هذه الأيام إلى القصر السلطانى وعمل الخدمة به، ثم انتكس السلطان فى يوم الخميس عاشر ذى القعدة ولزم الفراش ثانيا، وانقطع بالدّور السلطانية، وعملت الخدمة غير مرّة. فلما كان يوم الجمعة خامس عشرينه عزل القاضى ولىّ الدين العراقىّ نفسه عن القضاء لمعارضة يعض الأمراء له فى ولاية القضاء بالأعمال. ثم فى سادس عشرين ذى القعدة رسم السلطان بالإفراج عن أمير المؤمنين المستعين بالله العباس من سجنه بثغر الإسكندرية، وأن يسكن بقاعة فى الثغر المذكور،

ويخرج لصلاة الجمعة بالجامع الذي بالثّغر، ويركب حيث يشاء، وأرسل إليه فرسا بسرج ذهب وكنبوش زركش وبقجة «1» قماش، ورتّب له على الثّغر فى كل يوم ثمانمائة درهم لمصارف نفقته، فوقع ذلك من الناس الموقع الحسن. واستهل ذو الحجة يوم الخميس والسلطان فى زيادة [ألم] «2» من مرضه ونموّه، والأقوال مختلفة فى أمره، والإرجاف بمرضه يقوى. فلمّا كان يوم الجمعة ثانى ذى الحجة استدعى السلطان الخليفة والقضاة والأمراء وأعيان الدّولة إلى القلعة- وقد اجتمع بها غالب المماليك السلطانيّة- فلما اجتمعوا عند السلطان كلم الخليفة والأمراء فى إقامة أبنه فى السلطنة بعده، فأجابوه إلى ذلك، فعهد إلى ابنه محمد بالملك، وأن يكون الأمير جانى بك الصّوفىّ هو القائم بأمره ومديّر مملكته، وأن يكون الأمير برسباى الدّقماقىّ لالا السلطان والمتكفّل بتربيته، وحلف الأمراء على ذلك كما حلفوا لابن الملك المؤيّد شيخ. ثم أذن السلطان لقاضى القضاة ولىّ الدين العراقى أن يحكم، وأعيد إلى القضاء، وانفض الموكب ونزل الناس إلى دورهم، وقد كثر الكلام بسبب ضعف السلطان، وأخذ الناس وأعيان الدّولة فى توزيع أمتعتهم وقماشهم من دورهم، خوفا من وقوع فتنة. وثقل السلطان فى الضّعف، وأخذ من أواخر يوم السّبت ثالثه فى بوادر النّزع إلى أن توفّى ضحوة «3» نهار الأحد رابع ذى الحجّة من سنة أربع وعشرين وثمانمائة، فأضطرب الناس ساعة ثم سكنوا عند ما تسلطن ولده الملك الصالح محمد- حسبما يأتى ذكره- ثم أخذ الأمراء فى تجهيز الملك الظّاهر ططر، فغسّل وكفّن وصلّى عليه، وأخرج من باب السّلسلة، وليس معه إلا نحو عشرين رجلا لشغل الناس بسلطنة ولده، وساروا به حتى دفن بالقرافة من يومه بجوار الإمام اللّيث بن سعد رضى الله عنه،

ومات وهو فى مبادئ الكهولية، وكانت مدّة تحكّمه منذ مات الملك المؤيّد شيخ إلى أن مات أحد عشر شهرا تنقص خمسة أيام، منها مدّة سلطنته أربعة وتسعون يوما، وباقى ذلك أيام أتابكيّته. قال المقريزى فى تاريخه عن الملك الظاهر ططر: وكان يميل إلى تديّن، وفيه لين وإغضاء وكرم مع طيش وخفّة، وكان شديد التعصّب لمذهب الحنفية، يريد أن لا يدع من الفقهاء غير الحنفية، وأتلف فى مدته- مع قلّتها- أموالا عظيمة، وحمّل الدولة كلفا كثيرة، أتعب بها من بعده، ولم تطل أيّامه لتشكر أفعاله أو تذمّ- انتهى كلام المقريزى. قلت: ولعل الصّواب فى حقّ الملك الظّاهر ططر بخلاف ما قاله المقريزى مما سنذكره مع عدم التعصّب له، فإنه كان يغضّ من الوالد كونه قبض على بعض أقاربه وخشداشيّته بأمر الملك الناصر فرج فى ولايته على دمشق الثالثة، غير أن الحقّ يقال على أى وجه كان. كان ططر ملكا [عظيما] «1» جليلا كريما، عالى الهمة، جيّد الحدس، حسن التّدبير، سيوسا، توثّب على الأمور مع من كان أكبر منه قدرا وسنا، ومع عظم شوكة المماليك المؤيّدية [شيخ] «2» ، وقوة بأسهم، مع فقر كان به وإملاق، فلا زال يحسن سياسته، ويدبّر أموره، ويخادع أعداءه إلى أن استفحل أمره، وثبت قدمه، وأقلب دولة بدولة غيرها فى أيسر مدّة وأهون طريقة. كان تارة يملق هذا، وتارة يغدق على هذا، وتارة يقرّب هذا ويظهره على أسراره الخفيّة، كل ذلك وهو فى إصلاح شأنه فى الباطن مع من لا يقرّ به فى الظاهر، فكان حاله مع من يخافه كالطبيب الحاذق الذي يلاطف عدّة مرضى قد اختلف داؤهم، فينظر كل واحد ممن يخشى شرّه، فإن كان شهما رقّاه إلى المراتب العلية وأوعده بأضعاف ذلك، وإن كان طماعا أبذل إليه الأموال وأشبعه، حتى إنه دفع لبعض المماليك المؤيديّة الأجناد فى دفعات متفرّقة فى مدّة يسيرة

نحو عشرة آلاف دينار، وإن كان شهما رغبته الأمر والنهى ولّاه أعظم الوظائف، كما فعل بالأمير على باى المؤيّدى والأمير تغرى بردى المؤيّدى المعروف بأخى قصروه؛ ولّى كلّا منهما أجلّ وظيفة بديار مصر، فأقر على باى فى الدّواداريّة الكبرى دفعة واحدة من إمرة عشرة، وأقرّ تغرى بردى فى الأمير آخوريّة الكبرى دفعة واحدة، ومع هذا لم يتجنّ عليهما أبدا بل صار معهما فيما أراداه، يعطى من أحبّا ويمنع من أبغضا حتى إن تغرى بردى المذكور وسّط الأمير راشد بن أحمد ابن بقر خارج باب النصر «1» ظلما لما كان فى نفسه منه، فلم يسأله ططر عن ذنبه. كل ذلك لكثرة دهائه وعظيم احتماله، ولم يكن فعله هذا مع على باى وتغرى بردى فقط، بل «2» مع غالب أشرار المؤيّديّة. هذا وهو يقرب خشداشيته الظاهرية [برقوق] «3» واحدا بعد واحد، يقصد بذلك تقوية أمره فى الباطن، فأطلق مثل جانبك الصّوفى، ومثل بيبغا المظفّرىّ، ومثل قجق العيساوى. كل ذلك وهو مستمرّ فى بذل الأموال والإقطاعات لمن تقدّم ذكرهم، حتى إنه كلّمه بعض أصحابه سرّا بعد عوده من دمشق فيما أتلفه من الأموال، فقال: «يا فلان أتظن أن الذي فرقته راح من حاصلى؟ جميعه فى قبضتى أسترجعه فى أيسر مدّة، إلّا ما أعطيته للفقهاء والصّلحاء» فمن يكن فيه طيش وخفّة لا يطيق هذا الصّبر ولو تلفت روحه. وكان مقداما جريئا على الأمور بعد ما يحسب عواقبها، شهما يحب التجمّل؛ كانت مماليكه أيام إمرته مع فاقته أجلّ من جميع مماليك رفقته من الأمراء، فيهم الناصرية والجكميّة والنّوروزية وغيرهم. ولما حصل له ما أراه وصفا له الوقت ووثب على ملك مصر أقام له شوكة وحاشية من خشداشيته ومماليكه فى هذه الأيام القليلة، لم ينهض بمثلها من جاء قبله ولا بعده أن ينشئ مثلها فى طول مملكته؛ وهو أنه أعطى لصهره البدرى حسن بن سودون الفقيه

إمرة طبلخاناه، ثم نقله إلى تقدمة ألف بالديار المصرية، ولم يكن قبلها من جملة مماليك السلطان ولا من أولاد الملوك، فإن والده سودون الفقيه مات بعد سنة ثلاثين جنديّا، وكذا فعل مع فارس داواداره، أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف ونيابة الإسكندرية، ومع جماعة أخر قد تقدم ذكرهم؛ فهذا مما يدلّ على قوّة جنانه وإقدامه وشجاعته، فإنه أنشأ هذا كلّه فى مدّة سلطنته، وهى ثلاثة أشهر وأربعة أيام. وأنا أقول: إن مدّة سلطنته كانت ثمانية عشر يوما، وهى مدّة إقامته بمصر، وباقى ذلك مضى فى سفره ومرض موته، وكان يحبّ مجالسة العلماء والفقهاء وأرباب الفضائل من كل فن، وله اطلاع جيّد ونظر فى فروع مذهبه، ويسأل فى مجالسه الأسئلة المفحمة المشكلة، مع الإنصاف والتواضع ولين الجانب مع جلسائه وأعوانه وخدمه، وكان يحب إنشاد الشعر بين يديه لا سيما الشعر الذي باللغة التركية؛ فإنه كان حافظا له ولنظامه، ويميل إلى الصوت الحسن، ولسماع الوتر، مع عفته عن سائر المنكرات- قديما وحديثا- من المشارب. وأما الفروج فإنه كان يرمى بمحبة الشبّاب على ما قيل- والله أعلم بحاله. ومع قصر مدّته انتفع بسلطنته سائر أصحابه وحواشيه ومماليكه، فإن أول ما طالت يده رقّاهم وأنعم عليهم بالأموال والإقطاعات والوظائف والرّواتب؛ قيل إنه أعطى الشيخ شمس الدين محمدا الحنفىّ فى دفعة واحدة عشرة آلاف دينار، وأوقف على زاويته «1» إقطاعا هائلا، وتنوّعت عطاياه لأصحابه على أنواع كثيرة، وأحبه غالب الناس لبشاشته وكرمه. وأظنّه لو طالت مدّته أظهر فى أيامه محاسن، ودام ملكه سنين كثيرة لكثرة عطائه. فإنه يقال فى الأمثال وهو من الجناس الملفق [المتقارب] إذا ملك لم يكن ذاهبة ... فدعه فدولته ذاهبة

قلت: وهو ثانى سلطان ملك الديار المصرية ممن له ذوق فى العلوم والفنون والآداب ومعاشرة الفضلاء والأدباء والظرفاء من المماليك الذين مسّهم الرّق: الأول الملك المؤيد شيخ، والثانى ططر هذا، غير أن الملك المؤيد طالت مدّته فعلم حاله الناس أجمعون و [الملك الظاهر «1» ] هذا قصرت مدته فخفى أمره على آخرين- انتهت [ترجمة الظاهر رحمه الله] «2» .

ذكر سلطنة الملك الصالح محمد بن ططر

ذكر سلطنة الملك الصالح محمد بن ططر «1» على مصر السلطان الملك الصالح ناصر الدين محمد ابن السلطان الملك الظاهر سيف الدين أبى الفتح ططر بن عبد الله الظاهرىّ، تسلطن بعد موت أبيه- بعهد منه إليه «2» - فى يوم الأحد رابع ذى الحجة سنة أربع وعشرين وثمانمائة، وهو أنه لما مات أبوه حضر الخليفة المعتضد بالله أبو الفتح داود والقضاة والأمراء وجلسوا بباب السّتارة من القلعة، وطلبوا محمدا هذا من الدّور السلطانية، فحضر إليهم، فلما رآه الخليفة قام له وأجلسه بجانبه، وبايعه بالسلطنة، ثم ألبسوه خلعة السلطنة الجبّة السّوداء الخليفتيّة من مجلسه بباب السّتارة، وركب فرس النّوبة بشعار الملك وأبهة السلطنة، وسار إلى القصر السلطانى، والأمراء وجميع أرباب الدّولة مشاة بين يديه حتى دخل إلى القصر السلطانى بقلعة الجبل، وجلس على تخت الملك، وقبّل الأمراء الأرض بين يديه على العادة، وخلع على الخليفة وعلى الأمير الكبير جانى بك الصوفى، كونه حمل القبّة والطير على رأسه، ولقّب بالملك الصالح، وفى الحال دقّت البشائر، ونودى بالقاهرة ومصر بسلطنته، وسنّه يوم تسلطن نحو العشر سنين تخمينا، وأمّه خوند بنت سودون الفقيه الظاهرى، وهى إلى الآن فى قيد الحياة، وهى من الصالحات الخيّرات، لم تتزوّج بعد الملك الظاهر ططر. والملك الصالح [محمد] «3» هذا هو السلطان الحادى والثلاثون من ملوك الترك، والسابع من الجراكسة وأولادهم، وتمّ أمره فى السلطنة، واستقرّ الأتابك جانى بك الصوفى مدبر مملكته، وسكن بالحرّاقة من الإسطبل السلطانى بباب السلسلة، وانضمّ عليه معظم الأمراء والمماليك السلطانية، وأقام الأمير برسباى الدّقماقى الدّوادار واللّالا

أيضا بطبقة الأشرفية فى عدّة أيضا من الأمراء المقدّمين، أعظمهم الأمير طرباى حاجب الحجّاب، والأمير قصروه من تمراز رأس نوبة النوب، والأمير جقمق العلائى نائب قلعة الجبل وأحد مقدّمى الألوف المعروف بأخى چركس المصارع، والأمير تغرى بردى المحمودى، وأما الأمير بيبغا المظفّرى أمير سلاح، والأمير قجق أمير مجلس، والأمير سودون من عبد الرحمن وغيرهم من الأمراء صاروا حزبا وتشاوروا إلى من يذهبون، إلى أن تكلم الأمير سودون من عبد الرحمن مع الأتابك جانى بك الصّوفى، فردّ عليه الجواب بما لا يرضى، فعند ذلك تحوّل سودون من عبد الرحمن ورفقته وصاروا من حزب برسباى وطرباى على ما سنذكر مقالتهما فيما بعد، وباتوا الجميع بالقلعة وباب السّلسلة مستعدّين للقتال، فلم يتحرك ساكن، وأصبحوا يوم الاثنين خامس ذى الحجة وقد تجمّع المماليك بسوق الخيل «1» يطلبون النّفقة عليهم- على العادة- والأضحية، وأغلظوا فى القول، وأفحشوا فى الكلام حتى كادت الفتنة أن تقوم، فلا زال الأمراء بهم يترضّونهم- وقد اجتمع الجميع عند السلطان الملك الصالح- حتى رضوا، وتفرّق جمعهم. ولما كانت الخدمة بتّ الأتابك جانى بك الصّوفى بعض الأمور، وقرىء الجيش، وخلع على جماعة، وهو كالخائف الوجل من رفقته الأمير برسباى والأمير طرباى وغيرهما. وظهر فى اليوم المذكور أن الأمر لا يسكن إلا بوقوع فتنة، وبذهاب بعض الطائفتين؛ لاختلاف الآراء واضطراب الدّولة، وعدم اجتماع الناس على واحد بعينه، يكون الأمر متوقّفا على ما يرسم به، وعلى ما يفعله، على أن الأمير برسباى جلس فى اليوم المذكور بين يدى جانى بك الصّوفى وامتثل أوامره فى وقت قراءة الجيش. ثم بعد انتهاء قراءة الجيش والعلامة قام بين يديه على قدميه، وشاوره فى قضاء أشغال النّاس على عادة ما يفعله الدّوادار مع السّلطان، غير أن القلوب متنافرة،

والبواطن مشغولة لما سيكون، ثم انفض الموكب وبات كلّ أحد على أهبة القتال. وأصبحوا يوم الثلاثاء سادسه فى تفرقة الأضاحى، فأخذ كلّ مملوك رأسين من الضأن. ثم تجمعوا أيضا تحت القلعة لطلب النّفقة، وأفحشوا فى الكلام على عادتهم، وتردّدت الرسل بينهم وبين الأتابك جانى بك الصّوفى، وطال النّزاع بينهم، حتى تراضوا [على] «1» أن ينفق فيهم بعد عشرة أيّام من غير أن يعيّن لهم مقدار ما ينفقه فيهم، فانفضّوا على ذلك، وسكن الأمر من جهة المماليك السّلطانية، وانفضّ الموكب من عند الأتابك جانى بك الصّوفى، وطلع الأمير برسباى الدّقماقىّ الدّوادار واللالا إلى طبقة الأشرفيّة هو والأمير طرباى والأمير قصروه، وبعد طلوعهم تكلّم [بعض] «2» أصحاب جانى بك الصّوفى معه- لمّا رأوا أمره قد عظم- فى نزول الأمراء من القلعة إلى دورهم حتى يتمّ أمره، وتنفذ كلمته، وحسّنوا له ذلك. وقالوا له: إن لم يقع ذلك وإلا فأمرك غير منتظم؛ فمال الأتابك جانى بك الصّوفى إلى كلامهم- وكان فيه طيش وخفّة- فبعث فى الحال إلى الأمير برسباى الدقماقى أن ينزل من القلعة هو والأمير طرباى حاجب الحجّاب والأمير قصروه رأس نوبة النّوب، وأن يسكنوا بدورهم من القاهرة، ويقيم الأمير جقمق العلائى عند السلطان لا غير، فلما بلغ الأمراء ذلك أراد الأمير برسباى الإفحاش فى الجواب فنهره الأمير طرباى وأسكته، وأجاب بالسّمع والطاعة، وأنّهم ينزلون بعد ثلاثة أيّام، وعاد الرسول إلى الأتابك جانى بك الصّوفى بذلك، فسكت ولم تسكت حواشيه عن ذلك، وهم الأمير يشبك الجكمىّ الأمير آخور الكبير، والأمير قرمش الأعور الظاهرىّ وغيرهما، وعرّفوه أنهم يريدون بذلك إبرام أمره، وألحوا عليه فى أن يرسل إليهم بنزولهم فى اليوم المذكور قبل أن يستفحل أمرهم، فلم يسمع لكون أن الأمير

طرباى نزل فى الحال من القلعة مظهرا أنه فى طاعة الأمير الكبير جانى بك الصّوفى، وأن برسباى وقصروه وغيرهما فى تجهيز أمرهم بعده إلى النزول، فمشى عليه ذلك. وكان أمر الامير طرباى فى الباطن بخلاف ما ظنه جانى بك الصوفى؛ فإنه أخذ فى تدبير أمره، وإحكام الأمر للأمير برسباى الدّقماقى ولنفسه، واستمال فى ذلك اليوم كثيرا من الأمراء والمماليك السلطانية، وساعده فى ذلك قلّة سعد جانى بك الصّوفى من نفور الأمراء عنه، وهو ما وعدنا بذكره من أمر سودون من عبد الرحمن مع جانى بك الصّوفى. وقد تقدّم أن سودون من عبد الرحمن وغيره ممن تقدّم ذكرهم صاروا حزبا يحضر كلّ واحد منهم الخدمة، ثم ينزل إلى داره ليرى ما يكون بعد ذلك، ثم بدا لهم أن يكونوا من حزب جانى بك الصّوفى؛ كونه أتابك العساكر ومرشحا إلى السلطنة، بعد أن يكلّموه فى أمر، فإن قبله كانوا من حزبه، وإن لم يفعل مالوا إلى برسباى وطرباى؛ والذي يكلّموه بسببه هو الأمير يشبك الجكمىّ الأمير آخور؛ فإنهم لمّا كانوا عند قرا يوسف بالشرق ثم جاءهم أمير يشبك المذكور أيضا فارا من الحجاز خوفا من الملك المؤيّد، أكرمه قرا يوسف زيادة على هؤلاء- تعطفا من الله- والذين كانوا قبله عند قرا يوسف، هم سودون من عبد الرحمن وطرباى وتنبك البجاسىّ وجانى بك الحمزاوى، وموسى الكركرى وغيرهم. وكل منهم ينظر يشبك المذكور فى مقام مملوكه، كونه مملوك خشداشهم جكم، فشقّ عليهم خصوصيته عند قرا يوسف وانفراده عنهم، ووقعت المباينة بينهم، ولم يسعهم يوم ذاك إلا السكات لوقته. فلمّا مات قرا يوسف- وبعده بقليل توفى الملك المؤيّد- قدموا الجميع على

ططروهم فى أسوا حال، فقرّبهم ططر وأكرمهم، واختص أيضا بيشبك المذكور اختصاصا عظيما بحيث إنه ولّاه الأمير آخورية الكبرى، وعقد عقده على ابنته خوند فاطمة التى تزوّجها الملك الأشرف برسباى، فلم يسعهم أيضا إلا السكات، لعظم ميل ططر إليه. فلما مات ططر انضم يشبك المذكور على جانى بك الصّوفى وصار له كالعضد، فعند ذلك وجد الأمراء المقال فقالوا، وركب الأمير سودون من عبد الرحمن والأمير قرمش الأعور- وهو من أصحاب جانى بك الصّوفى- وواحد «1» آخر، وأظنّه بيبغا المظفرى، ودخلوا على جانى بك الصّوفى بالحرّاقة من باب السّلسلة، ومرّوا فى دخولهم على يشبك الأمير آخور وهو فى أمره ونهيه بباب السّلسلة، فقام إليهم فلم يسلّم عليه سودون من عبد الرحمن، وسلّم عليه قرمش والآخر، وعند ما دخلوا على الأتابك جانى بك الصّوفى وسلّموا عليه وجلسوا كان متكلم القوم سودون من عبد الرحمن، فبدأ بأن قال: أنا، والأمراء نسلم عليك، ونقول لك أنت كبيرنا [ورأسنا] «2» وأغاتنا، ونحن راضون بك فيما تفعل وتريد، غير أن هذا الصبى يشبك مملوك خشداشنا جكم ليس هو منا، وقد وقع عنه قلة أدب فى حقنا ببلاد الشّرق عند قرا يوسف، ثم هو الآن أمير آخور كبير منزلته أكبر من منازلنا، ونحن لا نرضى بذلك، ثم إننا لا نريد من الأمير الكبير مسكه ولا حبسه لكونه انتمى إليه، غير أننا نريد إبعاده عنّا فيوليه الأمير الكبير بعض الأعمال بالبلاد الشاميّة، ثم نكون بعد ذلك جميعا تحت طاعة الأمير الكبير، ونقول قد عاش الملك الظاهر برقوق «3» ونحن فى خدمته، لأنّنا قد مللنا من الشتات والغربة والحروب فيطمئن كل أحد على نفسه وماله ووطنه.

فلما سمع جانى بك الصوفى كلام سودون من عبد الرحمن وفهمه، حنق منه واشتدّ عضبه، وأغلظ فى الجواب بكلام متحصله: رجل ملك ركن إلىّ وانضم علىّ كيف يمكننى إبعاده لأجل خواطركم؟ ثم أخذ فى الحط على خشداشيته الظاهرية [برقوق] «1» ومجيئهم لإثارة الفتن والشرور، فسكت عند ذلك سودون، وأخذ قرمش يراجعه فى ذلك ويحذّره المخالفة غير مرّة، مدلّا عليه كونه من حواشيه وهو لا يلتفت إلى كلامه، فلما أعياه أمره سكت، فأراد الآخر [أن] «2» يتكلم فأشار عليه سودون من عبد الرحمن بالسكات، فأمسك عن الكلام. فتكلم سودون عند ذلك بباطن بأن قال: يا خوند نحن ما قلنا هذا الكلام إلا نظن أن الأمير الكبير ليس له ميل إليه، فلما تحققنا أنه من ألزام الأمير الكبير وأخصّائه فنسكت عن ذلك ونأخذ فى إصلاح الأمر بينه وبين الأمراء لتكون الكلمة واحدة، بحيث إننا نصير فى خدمته كما نكون فى خدمة الأمير الكبير، فانخدع جانى بك لكلامه وظنه [أنه] «3» على جليّته، وقال: نعم، أما هذا فيكون. وقاموا عنه ورجع قرمش إلى حال سبيله، وعاد سودون من عبد الرحمن إلى رفقته الأمراء، وذكر لهم الحكاية برمتها، وعظم عليهم الأمر إلى أن قال لهم: تيقنوا جميعكم بأنكم تكونون فى خدمة يشبك الجكمىّ إن أطعتم جانى بك الصّوفى، فإنّ يشبك عنده مقام روحه، وربما إن تمّ له الأمر يعهد بالملك إليه من بعده، فلما سمع الأمراء ذلك قامت قيامتهم، ومالوا بأجمعهم إلى الأمير برسباى الدقماقى الدوادار الكبير والأمير طرباى حاجب الحجّاب، وقالوا: هذا تركنا ونحن خشداشيته لأجل يشبك فما عساه يفعل معنا إن صار الأمر إليه؟ لا والله لا نطيعه ولو ذهبت أرواحنا. وأخذ الجميع فى التدبير عليه فى الباطن، ولقد سمعت هذا القول من الأمير سودون من عبد الرحمن وهو يقول لى فى ضمنه: كان جانى بك الصّوفى مجنونا، أقول له: نحن بأجمعنا فى طاعتك،

وقد مات الملك المؤيد بحسرة أن نكون فى طاعته، فيتركنا ويميل إلى يشبك الجكمىّ وهو رجل غريب ليس له شوكة ولا حاشية- انتهى. ولما خرج سودون من عبد الرحمن من عند جانى بك الصّوفى طلب جانى بك الصّوفى يشبك الأمير آخور المذكور، وعرّفه قول سودون من عبد الرحمن، واستشاره فيما يفعل معهم- وقد بلغه أن الأمراء تغيّروا عليه- فاتفق رأيهما على أنه يتمارض، فإذا نزل الأمراء لعيادته قبض عليهم، وافترقوا على ذلك. وباتوا تلك الليلة وقد عظم جمع طرباى وبرسباى من الأمراء والمماليك السلطانية، ولم ينضم على جانى بك الصّوفى غير جماعة من المماليك المؤيدية الصغار أعظمهم دولات باى المحمودى السّاقى. ولما أصبح يوم الأربعاء ثامن ذى الحجة أشيع أن الأمير الكبير جانى بك الصّوفى متوعك، فتكلم الناس فى الحال أنها مكيدة حتى ينزل إليه الأمير برسباى فيقبض عليه، فلم ينزل إليه برسباى وتمادى الحال إلى يوم الجمعة عاشره وهو يوم عيد النحر. فلما أصبح نهار الجمعة انتظر الأمير برسباى طلوع الأمير الكبير لصلاة العيد، فلم يحضر ولم يطلع، فتقدم الأمير برسباى وأخرج السلطان من الحريم وتوجّه به إلى الجامع ومعه سائر الأمراء والمماليك، فصلّى بهم قاضى القضاة الشافعى صلاة العيد، وخطب على العادة، ثم مضى الأميران برسباى وطرباى بالسلطان إلى باب السّتارة فنحر السلطان هناك ضحاياه من الغنم، وذبح الأمير برسباى ما هناك من البقر نيابة عن السلطان، ثم انفض الموكب، ونزل الأمير طرباى إلى بيته هو وجميع الأمراء وذبحوا ضحاياهم، وتوجه الأمير برسباى إلى طبقة الأشرفية، وبينما هو ينحر ضحاياه بلغه أن الأمير الكبير جانى بك الصّوفى لبس السلاح وألبس مماليكه، ولبس معه جماعة كبيرة من المؤيدية، وغيرهم، فاضطرب الناس، وأغلق باب القلعة ودقت الكؤوسات حربيا. وكان من خبر جانى بك الصّوفى أنه لمّا تمارض لم يأت إليه أحد ممن كان أراد مسكه، فأجمع رأيه حينئذ على الركوب، وجمع له الأمير يشبك جماعة من إنياته من الماليك المؤيدية ومن أصحابهم.

حدثنى السّيفى جانى بك من سيدى بك البجمقدار المؤيدى، وهو أعظم إنيات يشبك الجكمى المذكور قال: لبسنا ودخلنا على الأتابك جانى بك الصّوفىّ وعنده الأمير يشبك أمير آخور وكلّمناه فى أنّه يقوم يصلّى العيد، ثم يلبس السلاح بعد الصلاة، فقال: صلاة العيد ما هى فرض علينا نتركها ونركب الآن قبل أن يبدءونا بالقتال، قال فقلت فى نفسى: بعيد أن ينجح «1» أمر هذا، قلت وقد وافق رأى جانى بك البجمقدار فى هذا القول قول من قال: «صلّ واركب ما تنكب» على أنه كان غتميّا لا يعرف ما قلته، فوقع لجانى بك الصّوفى أنه لم يصلّ وركب فنكب، ولما بلغ الأمير برسباى ركوب جانى بك الصّوفى لبس الأمير برسباى وحاشيته آلة الحرب، وتوجّه إلى القصر السّلطانى، وترامت الطائفتان بالنّشّاب ساعة فلم يكن غير قليل حتى خرج الأمير طرباى من داره فى عسكر كبير من الأمراء، وعليهم السلاح، ووقفوا تجاه باب السّلسلة، فلم يجدوا بباب السّلسلة ما يهولهم من كثرة العساكر، فأوقف الأمير طرباى بقيّة الأمراء، وسار هو والأمير قجق أمير مجلس، وطلعوا إلى باب السّلسله إلى الأمير الكبير جانى بك الصّوفى- على أنّ طرباى فى طاعته- ودخلا عليه وهو لابس، وعنده الأمير يشبك الأمير آخور، فأخذ طرباى يلومه على تأخّره عن صلاة العيد مع السّلطان، وما فعله من لبس السّلاح، وأنه يقاتل من؟! «2» [فإنّ الجميع فى طاعة السلطان و] «3» طاعة الأمير الكبير، فشكا الأمير الكبير جانى بك من الأمير برسباى الدّقماقىّ من عدم تأدّبه معه فى أمور المملكة، وأنه لا يمكن اجتماعنا أبدا فى بلد واحد، فقال له طرباى: السمع والطاعة، كلّم الأمراء فى ذلك فإنّهم فى طاعتك، فقال: وأين الأمراء، فقال ها هم وقوف تجاه باب السّلسلة، انزل أنت والأمير يشبك إلى بيت الأمير بيبغا المظفّرى أمير السلاح، واجلس به، واطلب الأمراء إلى عندك وكلمهم فيما تختار، فأخذ يشبك يقول له: كيف تنزل من باب السّلسلة إلى بيت من ليس هو معنا؟ فنهره الأمير طرباى فانقمع، ولا زال يخادع الأمير جانى بك الصّوفى حتى

انخدع له وقام معه هو والأمير يشبك المذكور، وركبا ونزلا من باب السّلسلة، وسارا إلى بيت الأمير بيبغا المظفّرى- وهو تجاه مصلاة المؤمنىّ- المعرف ببيت الأمير نوروز، وبه الآن جكم خال الملك العزيز، فمشى وقد تحاوطه القوم. قلت: ما يفعل الأعداء فى جاهل ما يفعل الجاهل فى نفسه. فلمّا وصل الأمير جانى بك الصّوفىّ «1» إلى باب الدّار المذكورة ودخله بفرسه صاح الأمير أزبك المحمّدى الظاهرىّ: هذا غريم السّلطان قد دخل إلى عندكم أحترصوا عليه، وقبل أن يتكامل دخولهم أغلق الباب على جانى بك الصّوفى ومن معه فعند ذلك زاغ بصر جانى بك الصوفى، وشرع يترقّق لهم، ويقول: المروءة افعلوا معنا ما أنتم أهله، ودخلوا إلى الدّار المذكورة، وإذا بالأمير بيبغا المظفّرى عليه قميص أبيض ورأسه مكشوف، وقد أخرج يده اليمنى من طوق قميصه وهو جالس على دكّة صغيرة عند بوائك الخيل، وبين يديه منقل نار عليه أسياخ من اللّحم تشوى، وبكل «2» فيها بوزا «3» ، وعلى ركبته قوس تترى وعدّة سهام، فعند ما رأى الأمراء قام إليهم على هيئته، وقبل أن يصلوا إلى عنده ركس الأمير أزدمر شايا ثانى رأس نوبة، وأخذ خوذة الأمير يشبك الأمير آخور من على رأسه، فدمعت عينا يشبك، فشقّ ذلك على الأمير بيبغا وأخذ قوسه بيده، واستوفى عليه بفردة نشّاب ليقتله، فهرب أزدمر ودخل إلى بوائك الخيل بعد أن أوسعه بيبغا المذكور من السّب والتوبيخ، ويقول: الملك إذا نكب تروح حرمته ولو مات حرمته باقية، حتى سكن غضبه. وأنزل جانى بك الصّوفىّ ويشبك الأمير آخور، فتقدّم الأمراء وقيّدوهما فى الحال «4» وأخذا أسيرين إلى القلعة وملك الأمير برسباى باب السلسلة من غير قتال ولا مانع، فإن الأمير الكبير جانى بك

الصّوفىّ تركه ونزل من غير [أمر] «1» أوجب نزوله، على أنه لما ركب وأراد النزول مع طرباى قال له بعض مماليكه أو حواشيه: يا خوند، هذا باب السّلسلة الذي تروح عليه الأرواح، أين تنزل وتخليه؟ فقال له: لمصلحة نراها، فقال له: فاتتك المصلحة بنزولك، والله لا تعود إليه أبدا، فلم يلتفت إليه جانى بك وتمادى فى غيّه لقلة سعادته، ولأمر سبق، ولمقاساة نالته بعد هروبه من سجن الإسكندرية ونالت أيضا خلائق بسبب هروبه [من سجن الإسكندرية «2» ] على ما يأتى ذكر ذلك فى ترجمة الملك الأشرف برسباى- إن شاء الله تعالى. ولمّا ملك الأمير برسباى والأمير طرباى باب السّلسلة [فى الحال] «3» نودى بالقاهرة بنفقة المماليك السلطانية، فلما سمع المماليك هذه المناداة سكنوا بإذن الله، وذهب كلّ واحد إلى داره، وفتحت الأسواق، وشرع الناس فى بيعهم وشرائهم، بعد ما كان فى ظنّ الناس أن الفتنة تطول بين هؤلاء أيّاما كثيرة؛ لأن كل [واحد] «4» منهم مالك جهة من جهات القلعة، ومع كل طائفة خلائق لا تحصى، فجاء الأمر بخلاف ما كان فى ظنهم، ويأبى الله إلّا ما أراد. واستبدّ من يومئذ الأمير برسباى بالأمر، وبتدبير المملكة مع مشاركة الأمير طرباى له فى ذلك. فلما كان يوم السبت حادى عشر ذى الحجة استدعى الأمير أرغون شاه النّوروزىّ الأعور وخلع عليه باستقراره أستادارا بعد عزل الأمير صلاح الدين محمد بن نصر الله، وكان أرغون شاه المذكور قد قدم إلى القاهرة صحبة الملك الظاهر ططر من دمشق. وفيه رسم بحمل الأميرين جانى بك الصّوفىّ ويشبك الجكمىّ الأمير آخور إلى ثغر الإسكندرية، وسجنا بها.

ثم فى يوم الاثنين ثالث عشر ذى الحجة خلع على الأمير آق خجا الحاجب الثانى باستقراره فى كشف الوجه القبلى، ثم عملت الخدمه السلطانية فى يوم الخميس سادس عشره بالقصر السلطانى، وحضر الخليفة والقضاة الموكب، فخلع على الأمير برسباى الدّقماقىّ الدّوادار الكبير واللالا باستقراره نظام الملك ومدبّر المملكة، كما كان الملك الظاهر ططر فى دولة الملك المظفر أحمد بن [المؤيد] «1» شيخ عوضا عن جانى بك الصوفى، وخلع على الأمير طرباى حاجب الحجاب باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية عوضا عن جانى بك الصوفى أيضا، وخلع على الأمير سودون من عبد الرحمن باستقراره دوادارا كبيرا عوضا عن برسباى الدّقماقى، وخلع على الأمير قصروه من تمراز رأس نوبة النّوب باستقراره أمير آخور كبيرا عوضا عن يشبك الجكمى، وخلع على الأمير جقمق العلائى «2» نائب القلعة باستقراره حاجب الحجاب عوضا عن طرباى، وعلى الأمير أزبك المحمدىّ باستقراره رأس نوبة النّوب عوضا عن قصروه. ثم فوض الخليفة المعتضد بالله للأمير برسباى الدّقماقىّ نظام الملك أمور الدولة بأسرها، ليقوم بتدبير ذلك عن السلطان الصالح محمد إلى أن يبلغ رشده، وحكم بصحة ذلك قاضى القضاة زين الدين عبد الرحمن التّفهنى الحنفىّ؛ ومع هذا كله تقرر الحال على أن يكون تدبير الدولة وسائر أمور المملكة بين الأمير برسباى وبين الأمير طرباى، وأن يسكن الأمير برسباى بطبقة الأشرفية على عادته، ويسكن الأمير طرباى الأتابك بداره تجاه باب السّلسلة، وهو بيت قوصون «3» ، وأنّ طرباى يحضر الخدمة عند الأمير برسباى بالأشرفية، وانفض الموكب، وخرج جميع الأمراء وسائر أرباب الدّولة من الخدمة السلطانية بالقصر مشاة فى خدمة الأمير برسباى نظام الملك حتى دخل الأشرفيّة التى صارت سكنه من يوم مات الملك الظاهر ططر، وعملت بها الخدمة ثانيا بين يديه، وصرّف أمور الدولة على حسب اختياره ومقتضى رأيه،

واستمر على هذا، فعند ذلك كثر تردد الناس إلى بابه لقضاء حوائجهم، وعظم وضخم. ولما كان يوم ثامن عشر ذى الحجة [المذكورة] «1» ورد الخبر بأن الأمير تغرى بردى المؤيّدىّ نائب حلب خرج عن طاعة السلطان، وقبض على الأمراء الحلبيّين، واستدعى التّركمان والعربان، وأكثر من استخدام المماليك. وسبب خروجه عن الطاعة أنّه بلغه أن الملك الظّاهر ططر عزله، وأقرّ عوضه فى نيابة حلب الأمير تنبك البجاسىّ نائب طرابلس، فلما تحقّق ذلك خرج عن الطّاعة وفعل ما فعل، فشاور الأمير برسباى الأمراء فى أمره، فوقع الاتفاق على أن يكتب للأمير تنبك البجاسىّ بالتوجّه إليه وصحبته العساكر وقتاله، وأخذ مدينة حلب منه، وباستقراره فى نيابتها كما كان الملك الظّاهر ططر أقرّه، وكتب له بذلك. ثم فى يوم ثالث عشرين ذى الحجّة: خلع الأمير برسباى على القاضى صدر الدين أحمد بن العجمى باستقراره فى حسبة القاهرة على عادته، بعد عزل قاضى القضاة جمال الدين يوسف البساطى. ثم فى يوم سابع عشرينه ابتدأ الأمير برسباى نظام الملك فى نفقة المماليك السلطانية، وهو والأمراء على تخوّف من المماليك السّلطانية أن يمتنعوا من أخذها؛ وذلك أنّهم وعدوا المماليك فى نوبة الأمير الكبير جانى بك الصّوفى لكل واحد بمائة دينار، فلم يصرّ لكل واحد سوى خمسين دينارا من أجل قلّة المال؛ فإن الملك الظاهر ططر فرّق الأموال التى خلّفها الملك المؤيد [شيخ] «2» جميعها، حتى إنه لم يبق منها بالخزانة السّلطانية غير ستين ألف دينار، ومع ما فرّقه من الأموال زاد فى جوامك المماليك بالدّيوان المفرد فى كل شهر ما ينيف على عشرة آلاف دينار، ولذلك استعفى صلاح الدين بن نصر الله من وظيفة الأستاداريّة، بعد أن قام هو وأبوه الصاحب بدر الدين

حسن بن نصر الله ناظر الخواصّ الشريفة بعشرة آلاف دينار فى ثمن الأضحية، وبعشرين ألف دينار مساعدة فى نفقة المماليك السلطانية، ثم تقرّر على كلّ من مباشرى الدّولة شىء من الذّهب حتى تجمع من ذلك كلة نفقة المماليك. ولما جلس السلطان والأمراء لنفقة المماليك أخذ الأمير برسباى نظام الملك الصّرّة من النفقة بيده، وكلّم المماليك السلطانية بما معناه: إن الملك الظاهر ططر لم يدع فى بيت المال من الذّهب سوى ما هو كيت وكيب، وأنّهم عجزوا فى تحصيل المال لتكملة النفقة، ولم يقدروا إلا على هذا الذي تحصّل معهم، ثم وعدهم بكلّ خير، وأمر كاتب المماليك فاستدعى اسم أوّل من هو بطبقة الرّفرف «1» ، وكانت المماليك قبل أن يدخلوا الحوش السّلطانى اتفقوا على أنه إذا استدعى كاتب المماليك اسم أحد فلا يخرج إليه، ولا يأخذ النفقة إلا إن كانت مائة دينار، وتوعّدوا من أخذ ذلك بالقتل والإخراق، فلمّا استدعى كاتب المماليك اسم ذلك الرجل خرج بعد أن سمع كلام الأمير [برسباى] «2» نظام الملك من العذر الذي أبداه، وقال: إن أعطانا السلطان كفّ تراب أخذناه، فشكره نظام الملك على ذلك، ورمى له الصّرّة فأخذها، وقبّل الأرض وخرج، ولم يجسر أحد على أن يكلّمه الكلمة الواحدة بعد ذلك التهديد والوعيد، ثم صاح كاتب المماليك باسم غيره فخرج وأخذ، وتداول ذلك منه وكل من استدعى «3» اسمه خرج وأخذ إلى آخرهم، فأخذ الجميع النفقة، وانفضّوا بغير شرّ. قلت: وهذه عادة المماليك يطلعون من ألف وينزلون إلى درهم، وكان الذي أخذ النفقة فى هذه النّوبة ثلاثة آلاف ومائتى مملوك، والمبلغ مائة وستّين ألف دينار.

ثم فى يوم الخميس تاسع عشرين ذى الحجة قدم مبشّر الحاج، وأخبر بسلامة الحاج، وأن الوقفة كانت يوم الجمعة. ثم فى يوم الأحد ثالث المحرّم من سنة خمس وعشرين وثمانمائة ورد الخبر إلى الدّيار المصريّة بفرار الأمير تغرى بردى المؤيّدى المعروف بأخى قصروه نائب حلب منها، بعد وقعة كانت بينه وبين تنبك البجاسىّ المنتقل عوضه إلى نيابة حلب، فدقّت البشائر لذلك. وكان من خبر تنبك البجاسىّ المذكور أنه لمّا قدم على الملك الظاهر ططر من بلاد الشّرق مع من قدم من الأمراء- وقد تقدّم ذكرهم فى عدّة مواضع- ولّاه نيابة حماة كما كان أوّلا فى دولة المؤيد [شيخ] «1» ، ثم خرج الملك الظاهر ططر من دمشق يريد الديار المصريّة بعد ما رسم بانتقاله من نيابة حماة إلى نيابة طرابلس، فلما بلغ تنبك البجاسىّ ذلك وهو بحماة ركب الهجن من وقته، وساق خلف الملك الظاهر ططر إلى أن أدركه بالغور، فنزل وقبّل الأرض بين يديه، ولبس التّشريف بنيابة طرابلس عوضا عن الأمير أركماس الجلبّانىّ، ثم خرج وسار إلى جهة ولايته، وقبل أن يسافر الأمير تنبك المذكور أسرّ له الأمير برسباى الدّقماقىّ الدّوادار الكبير بأن الملك الظاهر [ططر «2» ] يريد توليته نيابة حلب عوضا عن تغرى بردى المؤيّدى- وكان بينهما صداقة؛ أعنى بين برسباى الدّقماقى وبين تنبك البجاسىّ، ثم أمره برسباى أن يكتم ذلك لوقته، وكان ذلك فى شهر رمضان، فاستمرّ تنبك فى نيابة طرابلس إلى يوم عرفة من السّنة فورد عليه مرسوم شريف من الملك الظّاهر [ططر] «3» بنيابة حلب عوضا عن تغرى بردى المؤيّدى المعروف بأخى قصروه بحكم عصيانه، وبالتوجّه لقتال تغرى بردى المذكور، فخرج تنبك

من طرابلس بالعساكر فى رابع عشر ذى الحجة من سنة أربع وعشرين [وثمانمائة] «1» إلى ظاهر طرابلس، وأقام يتجهز بالمكان المذكور إلى سادس عشر ذى الحجة، وبينما هو فى ذلك ورد عليه الخبر بموت الملك الظاهر ططر، فأمسك عند ذلك الأمير تنبك [البجاسىّ] «2» عن المسير إلى حلب حتى ورد عليه مرسوم الملك الصالح محمد ابن الملك الظاهر ططر باستمراره على نيابة حلب، وصحبة المرسوم الخلعة والتشريف بنيابة حلب، وبالمسير إلى حلب، فسار إليها لإخراج تغرى بردى منها، وعند مسيره إلى جهة حلب وافاه الأمير إينال النّوروزىّ نائب صفد بعسكرها، وتوجّه الجميع إلى حلب، فلما سمع تغرى بردى بقدومهم فرّ من حلب قبل أن يقاتلهم، وتوجّه نحو بلاد الرّوم، وقيل قاتلهم وانكسر، وسار الأمير تنبك البجاسىّ خلفه من ظاهر حلب إلى الباب «3» فلم يدركه، ورجع إلى حلب وأقام بها إلى ما يأتى ذكره. وفى رابع عشرين المحرّم قدم أمير حاج المحمل بالمجمل، وهو الأمير تمرباى اليوسفىّ المؤيدى المشدّ كان، وهو يومئذ من جملة أمراء الألوف بالديار المصرية، وقد كثر ثناء الناس عليه بحسن سيرته فيهم، فخلع عليه ونزل إلى داره، فلما كان يوم الخميس ثامن عشرين المحرم طلع المذكور إلى الخدمة السلطانية، فقبض عليه وعلى الأمير قرمش الأعور الظاهرىّ برقوق أحد مقدمى الألوف، وكان قرمش أحد أعيان أصحاب جانى بك الصوفىّ، وأخرج هو وتمرباى إلى ثغر دمياط، وأنعم على الأمير يشبك الساقى الظاهرى الأعرج بإمرته دفعة واحدة من الجندية. وكان من خبر قرمش هذا مع الأمير برسباى الدّقماقى أن الأمير الكبير جانى بك الصوفى، لما صار أمر المملكة إليه بعد موت الملك الظاهر ططر أمره بالجلوس بباب السّتارة ليكون عينا على الأمير برسباى الدّقماقى، فأخذ الأمير برسباى [الدّقماقى] «4»

يستميله بكل ما وصلت القدرة إليه، فلم يقدر يحوّله عن جانى بك الصوفى، واعتذر بأنه ربّاه فى بلاد الچركس، وأنه كان يحمل جانى بك الصوفى على كتفه، فكيف يمكنه مفارقته؟ فلمّا وقع من أمر جانى بك الصوفى ما وقع، وتمّ أمر الأمير برسباى الدقماقى التفت إلى قرمش، وأخرج إقطاعه، ونفاه إلى دمياط لما كان فى نفسه منه. ثم فى يوم الاثنين ثانى صفر أمسك الأمير الكبير برسباى الأمير أيتمش الخضرى الظاهرى أحد أمراء العشرات، ونفاه إلى القدس بطّالا «1» . ثم فى يوم الأربعاء ثامن عشر صفر جمع الأمير الكبير برسباى الدقماقى الصّيارف بالإصطبل السلطانى للنظر فى الدّراهم المؤيدية، فإنه كثر هرش الدراهم منها، ومعنى الهرش أن يبرد من الدّرهم الذي زنته نصف درهم حتى يخفّ ويصير وزنه ربع درهم، فأضرّ ذلك بحال الناس، فأمر الأمير الكبير بإبطال المعاملة بالعدد، واستقرت المعاملة بها وزنا لا عددا، ورسم بأن يكون وزن الدرهم منها بعشرين درهما فلوسا، وأن يكون الدينار الإفرنتىّ بمائتين وعشرين درهما فلوسا، وبأحد عشر درهما من الفضة الموازنة، فشقّ ذلك على الناس كونهم كانوا يتعاملون بالفضة معاددة فصارت الآن بالميزان، واحتاج كل بائع أن يأخذ عنده ميزانا وتشكّوا من ذلك، فلم يلتفت الأمير برسباى إلى كلامهم وهدّدهم، فمشى الحال. وفى هذا الشهر ابتدأت الوحشة بين الأمير برسباى الدقماقى نظام الملك وبين الأمير الكبير طرباى أتابك العساكر، وتنكر الحال بينهما فى الباطن، وسببه أن الأمير طرباى شقّ عليه استبداد الأمير برسباى الدقماقى بأمور المملكة وحدة، وتردّد الناس إلى بابه، وخاف إن دام ذلك ربما يصير من أمر برسباى ما أشاعه الناس، وكان طرباى يقول فى نفسه: إنه هو الذي مهّد الديار المصرية، ودبّر على قبض جانى بك الصوفى حتى كان من أمره ما كان، ولولاه لم يقدر برسباى على جانى بك الصوفى ولا غيره، وكان الاتفاق بينهما أن يكون أمر المملكة بينهما نصفين بالسّويّة لا يختص أحدهما عن الآخر بأمر

من الأمور، وكان الأمير طرباى فى الأصل من يوم مات الملك الظاهر برقوق «1» متميّزا على برسباى، ويرى أنه هو الأكبر والأعظم فى النّفوس، وأنه هو الذي أقام برسباى فى هذه المنزلة من كونه استمال المماليك السلطانيّة إليه، ونفّرهم عن الأمير الكبير جانى بك الصوفى حتى تمّ له ذلك، وأنه هو الذي خدع جانى بك الصوفى حتى أنزله من باب السلسلة، وقام مع الأمير برسباى إلى أن رضيه الناس بأن يكون مدبّر المملكة، كل ذلك ليكون برسباى تحت أوامره، ولا يفعل شيئا إلا بمشاورته؛ فلما رأى طرباى أن الأمر بخلاف ما أمّله ندم على ما كان من أمره فى حقّ جانى بك الصوفى حيث لا ينفعه النّدم، وتكلّم مع حواشيه فيما يفعله مع الأمير برسباى، وكان له شوكة كبيرة من خشداشيته المماليك الظاهرية [برقوق] «2» وغيرهم، فأشاروا عليه أن ينقطع عن طلوع الخدمة أياما لينظروا فيما يفعلونه، وكان طرباى مطاعا فى خشداشيته ولهم فيه «3» محبة زائدة، وتعصّب عظيم له على برسباى، فاغترّ طرباى بكلامهم، وعدى بمماليكه إلى برّ الجيزة حيث هو مربط خيوله على الرّبيع كالمتنزّه، وأقام به بقيّة صفر. وأما الأمير برسباى لما علم أن الأمير طرباى توغّر خاطره منه، وعلم أنه لا يتم له أمر مع وجوده، أخذ يدبر عليه فيما يفعله معه حتى يمكنه القبض عليه، ثم يفعل ما بدا له، هذا وقد انضم عليه جماعة كبيرة من أمراء الألوف، أعظمهم الأمير سودون من عبد الرحمن الدّوادار الكبير، والأمير قصروه من تمراز رأس نوبة النّوب، والأمير يشبك الساقى الأعرج- وكان أعظمهم دهاء ومعرفة، وله دربة بالأمور- والأمير تغرى بردى المحمودى الناصرى وغيرهم، وباقى الأمراء هم أيضا فى خدمة الأمير برسباى فى الظاهر، غير أنهم فى الباطن جميعهم مع طرباى، ولكنهم حيثما ما أمكنهم الكلام مع برسباى أو طرباى قالوا له: أنت خشداشنا وأغاتنا؛ لأن كليهما من مماليك برقوق، بهذا المقتضى صار الأمير برسباى لا يعرف من هو معه من خشداشيته الظاهرية،

ولا من هو عليه غير من ذكرنا من الأمراء؛ فإنهم باينوا طرباى، وانضموا على برسباى ظاهرا وباطنا. فلما علم برسباى أن هؤلاء الأمراء معه حقيقة قوى قلبه بهم، وألقى مقاليد أمر طرباى فى رقبة الأمير يشبك السّاقى الأعرج أن ينزل إليه، ويعمل جهده فى طلوعه إلى الخدمة السلطانية، ثم سلّط أيضا جماعة أخر على الأمير طرباى يحسّنون له الحضور من الربيع، هذا مع ما يقوى جأشه الأمير تغرى بردى المحمودى فى الإقدام على طرباى ويهوّن عليه أمره، والأمير برسباى يجبن عن ذلك حتى استهل شهر ربيع الأوّل. فلما كان يوم الثلاثاء ثانية قدم الأمير الكبير طرباى من الربيع، ونزل بداره تجاه باب السلسلة، وتردّد إليه الأمير يشبك الساقى الأعرج، وحسّن له الطلوع بأن قال له: إن كل خشداشيته من الظاهرية [برقوق] «1» معه، وأنهم لا يؤثرون عليه أحدا، وأنه بطلوعه يستفحل أمره، وبعدم طلوعه ربما يجبّن ويضمحلّ أمره؛ فإن الناس مع القائم، وإذا حضرت أنت تلاشى أمر برسباى، وهوّن عليه أمر برسباى، ولا زال به حتى انخدع له وأذعن بالطلوع. فلما أصبح يوم الأربعاء ثالثه أمسك الأمير برسباى الأمير سودون الحموىّ أحد أمراء الطلبخانات، والأمير قانصوه النّوروزىّ أحد أمراء الطبلخانات أيضا، وكانا من [جملة] «2» أصحاب طرباى، فعظم ذلك على طرباى، وقامت قيامة أصحابه وحذّروه عن الطلوع فى غده- فإنه كان قرّر مع الأمير يشبك الأعرج الطلوع إلى الخدمه فى يوم الخميس رابعه- فلما وقع مسك هؤلاء نهاه أصحابه عن الطلوع، فأبى إلّا الطلوع ليتكلّم مع الأمير برسباى بسبب مسكه لهؤلاء ويطلقهما منه، فألحوا عليه فى عدم الطلوع، وأكثروا من ذلك، وهو لا يصغى إلى قولهم، وفى ظنه أن

الأمير برسباى لا ينهض بأمر يفعله فى حقه، وأيضا لا يقابله بسوء لماله عليه من الإيادي قديما وحديثا. فلما أصبح نهار الخميس رابع شهر ربيع الأوّل ركب الأمير الكبير طرباى من داره ومعه جماعة كبيرة من حواشيه، وطلع إلى القلعة، وكان لقلة سعده غالب من هو معه من خشداشيته رءوس نوب، ليس فى أوساطهم سيوف، فما هو إلا أن دخل فى «1» الخدمة، واستقرّ به الجلوس فى منزلته وقرىء الجيش «2» على السّلطان، وانتهت العلامة «3» ، وأحضر السّماط وقام الجميع على أقدامهم، أبتدأ الأمير [الكبير] «4» برسباى الدّقماقى نظام الملك بأن قال: الحال ضائع، والكلمة متفرّقة، وأحوال الناس متوقّفة لعدم اجتماع الناس على كبير يرجع إليه فيما يرسم به، ولابدّ للناس من كبير يرجع إليه فى أمور الرّعية، فأجابه فى الحال- قبل أن يتكلّم طرباى- الأمير قصروه رأس نوبة النّوب، وقال: أنت كبيرنا ومع وجودك من يكون خلافك؟ افعل ما شئت، فقال الأمير برسباى عند ذلك: اقبضوا على هذا وعنى الأمير الكبير طرباى، فلما سمع طرباى ذلك جذب سيفه ليدفع عن نفسه، وأراد القيام فسبقه الأمير برسباى نظام الملك، وضربه بالسيف ضربة جاءت فى يده كادت تبينها- وهى على ظاهر كفه حيث كان قابضا بها على سيفه- ثم بادره الأمير قصروه وأعاقه عن تمام القيام، وتقدّم إليه الأمير تغرى بردى المحمودىّ وقبض عليه من خلفه كالمعانق له، وحمل من وقته إلى أعلى القصر، وقيّد فى الحال، وقد تضمّخ بدمه، ووقعت الهجّة بالقصر، وتسللت

السيوف من حواشى طرباى بعد أن فات الأمر وقد خطف الأمير برسباى التّرس الفولاذ من يد السلطان الملك الصالح محمد وتترّس به، وأعطى ظهره إلى الشّباك وسيفه مسلول بيده فلم يجسر أحد على التقدّم إليه لكثرة حاشيته، ولقوة شوكته، ثم سكتت الهجّة فى الحال، وردّ كلّ واحد من أصحاب طرباى سيفه إلى غمده عندما رأوا أن الأمر فاتهم، وقالوا: نحن من أصحاب برسباى، فعرف برسباى الجميع ولم يؤاخذ أحدا منهم بعد ذلك، وتكسّر بعض صينىّ مما كان فيه الطعام للسّماط السلطانى لضيق المكان، فإن الحركة المذكورة كانت بالقصر الصغير السلطانى «1» حيث فيه الشرابخاناه، وطلب الأمير برسباى فى الحال المزيّن وأرسله إلى طرباى فخاط جراحه بعد ما قيّده، ثم أصبح من الغد حمله إلى الإسكندرية فسجن بها، إلى أن أطلقه فى أيّام سلطنته حسبما نذكره فى محلّه فى ترجمد الملك الأشرف برسباى إن شاء الله تعالى. وخلا الجوّ للأمير برسباى بمسك الأمير طرباى هذا. قلت: وكان فى أمر الأمير طرباى هذا عبرة لمن اعتبر، وهو أن طرباى لا زال بجانى بك الصّوفىّ حتى خدعه وغدر به عند ما أنزله من الحرّاقة بباب السّلسلة وتحيّل عليه حتى قبضه وحمله مقيّدا إلى سجن الإسكندرية وسجن بها، وقد ظنّ أن الأمر صفا له وأنه لا يعدل عنه إلى غيره لاستخفافه بالأمير برسباى فأتاه الله من حيث لم يحتسب، وعمل عليه الأمير برسباى حتى خدعه وأطلعه إلى القلعة، وصار فى يده بعد ما امتنع ببرّ الجيزة أيّاما، والناس تترقّب حركته ليكونوا فى خدمته، وفى قتال عدوّه، إلى أن عدّى من برّ الجيزة ومشى لحتفه بقدميه، فكان حاله فى ذلك كقول الإمام أبى الفتح البستىّ حيث قال [رحمه الله تعالى] «2» . أرى قدمى أراق دمى وإن كان طرباى لم يهلك- فى هذه- الموتة المكتوبة فقد مات معنى، وحمل

إلى الإسكندرية، فأدخل به عند أخصامه الأمير الكبير جانى بك الصّوفىّ وغيره. قلت: لتجزى كلّ نفس بما كسبت. ولما تمّ أمر الأمير برسباى فيما أراد من القبض على الأمير طرباى والاستبداد بالأمر أخرج الأمير سودون الحموىّ منفيا إلى ثغر دمياط، ثم أخذ فى إبرام أمره ليترقّى إلى أعلى المراتب، فلم يلق فى طريقه من يمنعه من ذلك، وساعده فى ذلك موت الأمير حسن بن سودون الفقيه خال الملك الصالح محمد هذا فى يوم الجمعة ثالث عشر صفر؛ فإنه كان أحد مقدمى الألوف وخال السلطان الملك الصالح، وسكناه بقلعة الجبل، وكان جميع حواشى الملك الظاهر ططر يميلون إليه فكفى الأمير برسباى همّه أيضا بموته، فلما رأى برسباى أنه ما ثمّ عنده مانع يمنعه من بلوغ غرضه بالديار المصرية، خشى عاقبة الأمير تنبك ميق نائب الشّام، وقال لا بدّ من حضوره ومشورته فيما نريد نفعله، فندب لإحضاره الأمير ناصر الدين محمدا بن الأمير إبراهيم ابن الأمير منجك اليوسفىّ فحضر، فخرج المذكور مسرعا من الديار المصرية إلى دمشق لإحضار [الأمير] «1» تنبك المذكور، وأخذ الأمير برسباى فيما هو فيه من عمل مصالح الناس وتنفيذ الأمور، فرسم بإحضار الأمير أيتمش الخضرى من القدس «2» . ثم فى يوم الاثنين ثانى عشرين شهر ربيع الأوّل أمسك الأمير الطواشىّ مرجان الهندى الزّمّام المعروف بالخازندار، وسلمه للأمير أرغون شاه النّوروزىّ الأعور الأستادار ليصادره، ويستخلص منه الأموال، وطلب الأمير الطواشىّ كافور الرومىّ الصّرغتمشىّ وخلع عليه باستقراره زمّاما على عادته أوّلا، ثم قدم أيتمش الخضرى إلى القاهرة «3» فرسم له الأمير برسباى بلزوم داره بطّالا، واستمر مرجان عند الأمير أرغون شاه المذكور إلى أن قرّر عليه حمل عشرين ألف دينار فحملها، وضمنه جماعة أخر فى حمل عشرة آلاف دينار أخرى، وأطلق فى يوم الأربعاء ثامن عشر شهر ربيع الآخر.

ثم فى سادس عشر [شهر] «1» ربيع الآخر المذكور قدم الأمير تنبك ميق نائب الشام إلى الديار المصرية، بعد أن تلقّاه جميع أعيان الدولة، وطلع إلى القلعة، فخرج الأمير الكبير برسباى لتلقّيه خارج باب القصر السلطانى، ونثر على رأسه خفايف الذّهب والفضة، وعاد معه إلى داخل القصر بعد أن اعتذر له عن عدم نزوله إلى تلقّيه مخافة من المماليك الأجلاب، فقبل الأمير تنبك عذره، ثم قدّمت خلعة جليلة فلبسها الأمير تنبك [نائب الشام «2» ] المذكور وهى خلعة الاستمرار له على نيابة دمشق على عادته، ثم خلا به الأمير برسباى وتكلّم معه واستشاره فيمن يكون سلطانا؛ لأن الديار المصرية لابد لها من سلطان تجتمع الناس على طاعته، ثم قال له: وإن كان ولابد فيكون أنت، فإنك أغاتنا وكبيرنا وأقدمنا هجرة، فاستعاذ الأمير تنبك من ذلك وقام فى الحال، وقبّل الأرض بين يديه وقال: ليس لها غيرك، فشكر له الأمير برسباى على ذلك، ثم اتّفق جميع الأمراء على سلطنته، وخلع الملك الصالح محمد من السّلطنة، فوقع ذلك فى يوم الأربعاء ثامن شهر ربيع الآخر [من] » سنة خمس وعشرين وثمانمائة حسبما يأتى ذكره فى أوّل ترجمة الملك الأشرف برسباى. قلت: وكما تدين تدان جوزى الملك الظاهر ططر فى ولده كما فعل [هو] «4» بابن الملك المؤيد [شيخ] «5» الملك المظفر أحمد، غير أن الأمير ططر كانت له مندوحة بصغر ابن الملك المؤيد [شيخ] «6» من أنه كان [بقى] «7» لبلوغه الحلم سنين طويلة، وأما الملك الصالح هذا فكان مراهقا، غير أنهم احتجوا أيضا بأنه كان فى عقله شىء شبه الخلل. قلت: وإن توقّف الأمر على أنّ كلّ واحد من هؤلاء يخلع بأمر من الأمور، ويكون ذلك حجّة لمن خلعه، فيلزم الخالع من ذلك أمور كثيرة لا يطيق التخلّص منها أبدا، ليس لإبدائها هنا محلّ، وقد دار هذا الدّور على أناس أخر بعدهما، والكأس ممزوج لمن

يشربه من يد ساقيه، كما جرت به العادة؛ والعادة لها حكم، وهى تثبت عند الشافعية بمرّة واحدة- انتهى. ولمّا خلع الملك الصالح من السلطنة أدخل إلى أمّه خوند بنت سودون الفقيه ببعض الدّور السلطانية، ودام بها سنين عديدة من غير ترسيم ولا حرج حتى إنه بعد سنين صار يركب وينزل صحبة الناصرى محمد ابن السلطان الملك الأشرف برسباى إلى القاهرة من غير أن يحتفظ به أحد، وحضر معه مرّة مأتم والدته خوند زوجة الملك الأشرف بالمدرسة الأشرفية بخط العنبريّين «1» ، وجلسا فى الملأ بصدر المدرسة، فتعجّب الناس من ذلك غاية العجب؛ كون الملك الصالح المذكور كان سلطانا ثمّ خلع من الملك وبعد مدّة يسيرة صار يركب وينزل إلى القاهرة، ودام الملك الصالح [محمد] «2» بقلعة الجبل سنين حتى بلغ الحلم، وزوّجه الملك الاشرف [برسباى] «3» بابنة الأتابك يشبك السّاقى الأعرج، ودامت معه حتى مات عنها فى الطاعون بقلعة الجبل فى ليلة الخميس ثامن عشرين جمادى الآخرة من سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وهو فى حدود العشرين سنة من العمر تخمينا، وكان أهوج وعنده بعض بله وسذاجة، مع خفّة وسرعة حركة، وسلامة باطن، وعدم تجمّل فى ملبسه، ولم يكن عنده شىء من الكبر والتّرفّع ولم يتأسّف على الملك أبدا، وكان غالب حواشى الملك الأشرف [برسباى] «4» يسمّونه فى وجهه سيدى محمد، ويصيحون له بذلك، ومما ينسب إليه من السّذاجة أنّه ركب مرة فرسا ثم طلبه ثانيا فقال: هاتوا فرسى الأبيض، فنهره بعض حواشيه وقال [له] «5» : لم لا تقول فرسى البوز، ثم أتى بعد ذلك بمشروب من السّكّر فقال: ما أشرب إلّا فى سلطانيتى البوز، فنهره ذلك الرّجل بعينه وقال [له] «6» : لم لا تقول سلطانيّتى البيضاء،

فقال: والله تحيرّت بينكم، تارة تقولون لا تقل أبيض وقل بوز، وتارة تقولون بالعكس، كيف يكون عملى معكم؟ وله أشياء من ذلك كثيرة، على أنه كان يحفظ القرآن، ويعرف بلسان الچاركسى، ولبلوهيّته حلاوة وطلاوة مع خفّة روح- انتهى والله تعالى أعلم.

السنة التى حكم فيها أربعة سلاطين

السنة التى حكم فيها أربعة سلاطين وهى سنة أربع وعشرين وثمانمائة. حكم فى أوّلها إلى يوم الاثنين ثامن المحرّم الملك المؤيدّ شيخ، ثم ابنه الملك المظفّر أحمد إلى تاسع عشرين شعبان، ثمّ الملك الظاهر ططر إلى رابع ذى الحجة، ثمّ ابنه الملك الصالح محمد إلى آخرها وإلى [شهر ربيع الآخر] «1» من سنة خمس وعشرين وثمانمائة. وفيها- أعنى سنة أربع وعشرين وثمانمائة- توفّى الأمير زين الدين فرج ابن الأمير شكر باى الطاهرىّ أحد أمراء العشرات وخواصّ الملك المؤيدّ شيخ فى رابع صفر بعد مرض طويل، وكان شابّا مليح الشكل، بهىّ المنظر، متجمّلا فى ملبسه ومركبه، ولم يبلغ من العمر خمسا وعشرين سنة- فيما أظنّ- وكان الملك المؤيدّ [شيخ] «2» ربّاه واختصّ به، فلما تسلطن رقّاه وأمّره. وتوفّى القاضى بهاء الدين محمد ابن بدر الدين حسن بن عبد الله المعروف بالبرجىّ «3» فى يوم الخميس عاشر صفر عن ثلاث وسبعين سنة، بعد أن ولى حسبة القاهرة غير مرّة، ووكالة بيت المال ونظر الكسوة، وباشر عمارة الجامع المؤيّدىّ، وكان من أصحاب الملك الظاهر ططر. وتوفّى علم الدين سليمان بن جنيبة رئيس الأطبّاء فى سادس عشرين صفر، وقد أناف على ثمانين سنة، وكان أبوه يهوديّا ثم أسلم، ونشأ سليمان هذا مسلما. وفيها قتل الأمير يشبك بن عبد الله اليوسفىّ المؤيّدىّ نائب حلب فى واقعة كانت بينه وبين الأمير ألطنبغا القرمشىّ الأتابك بظاهر حلب فى يوم الثلاثاء ثالث عشرين المحرّم.

قال المقريزى: وكان غير مشكور السّيرة ظالما عسوفا مع كبر وجبروت، فأراح الله منه. وفيها قتل الأمير الكبير سيف الدين «1» ألطنبغا بن عبد الله القرمشىّ الظاهرىّ أتابك العساكر بالديار المصريّة فى خامس عشر «2» جمادى الأولى بقلعة دمشق بسيف الأمير ططر حسبما تقدّم ذكر القبض عليه، وكان القرمشىّ من محاسن الدنيا لما اشتمل عليه من السؤدد، وكان أصله من مماليك الظاهر برقوق، وترقى فى الدّولة الناصرية [فرج] «3» إلى أن صار من جملة أمراء البلاد الشاميّة، ثمّ انضم على الأمير شيخ ولم يبرح عنه فى السّرّاء «4» والضراء إلى أن ملك الديار المصريّة، فولاه نيابة صفد، ثم الأمير آخوريّة الكبرى، ثم نقله إلى الأتابكية بديار مصر بعد انتقال ألطنبغا العثمانى إلى نيابة دمشق بعد خروج قانى باى المحمدى عن الطاعة، فدام على ذلك إلى أن جرّده الملك المؤيّد [شيخ] «5» إلى البلاد الشاميّة وصحبته جماعة من مقدّمى الألوف تقدّم ذكرهم فى عدّة مواضع من ترجمة الملك المظفّر [أحمد] «6» والملك الظاهر ططر، ولمّا أشرف الملك المؤيّد [شيخ] «7» على الموت عهد لولده أحمد بالملك وجعل القرمشىّ هذا أتابكه لثقته به من أنّه كان يفعل مع ولده كما فعل الأتابك يلبغا العمرىّ مع أولاد السلاطين، ولم يتسلطن أبدا؛ فإنه كان من جنس يلبغا- أعنى أنه كان تركىّ الجنس- فوثب الأمير ططر على الأمر حسبما حكيناه، وخرج بالملك المظفّر أحمد إلى دمشق، فأطاعه القرمشىّ المذكور وقد قنع بأن يكون فى نيابة دمشق فلم يكذّب ططر الخبر وقبض عليه من وقته وحبسه بقلعة دمشق ثم قتله. قلت: أمّا القبض عليه فيمكن ططر الاعتذار عنه، وأما قتله فلا أقبل له فيه عذرا؛

فإنه كان يمكنه حبسه إلى الأبد كما فعل ذلك بعدّة من الملوك، فإنه كان عاقلا ساكنا عديم الشّر ليّن الجانب متواضعا كريما حشيما، ولم يكن فيه ما يعاب، غير أنه كان من غير جنس القوم لا غير. وتوفّى الأمير الوزير المشير بدر الدين حسن ابن محبّ الدين عبد الله الطرابلسىّ تحت العقوبة- فى سابع عشر جماد الآخر بدمشق- بأمر الأمير الكبير ططر، وكان أبو بدر الدين هذا من مسالمة نصارى طرابلس وبها ولد بدر الدين هذا ونشأ، وتعانى قلم الدّيونة «1» ، وتولى شدّ الدواوين بها، ثم غير زيّه، وولى كتابة سرّ طرابلس، ثمّ تعلّق بخدمة الملك المؤيّد شيخ المحمودى لمّا ولى نيابة طرابلس وعمل أستاداره، وغيّر زيّه ولبس زىّ الأمراء، ودام فى خدمته إلى أن تسلطن وولاه الأستادارية ثم الوزر، ثم نيابة الإسكندرية، ثم الكشف بالوجه القبلى، ثم أعيد إلى الأستادارية، ثم أمسكه وصادره وعاقبه. قال المقريزى: وكان يكتب الخطّ المنسوب، ويتظاهر بالمعاصى، وينوّع الظلم فى أخذ الأموال، فعاقبه الله بيد ناصره الملك المؤيد شيخ أشدّ عقوبة، ثم قبض عليه ططر وصادره وعاقبه حتى هلك تحت الضّرب، وعاقبه ميّتا، فأراح الله منه عباده. وتوفّى قاضى القضاة شيخ الإسلام جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن ابن شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان بن نصير بن صالح البلقينىّ «2» الشافعى قاضى الديار المصريّة وعالمها، فى ليلة الخميس حادى عشر شوّال عن ثلاث وستين سنة، بعد مرض طويل تمادى به فى دمشق لمّا كان مسافرا صحبة السّلطان إلى مصر، وصلّى عليه بالجامع الحاكمى، وأعيد إلى حارة بهاء الدين، ودفن على أبيه بمدرسته «3» التى أنشأها تجاه داره- وهو صهرى زوج كريمتى والذي تولّى تربيتى- رحمه الله تعالى، ومات ولم يخلف بعده مثله فى كثرة علومه وعفته عما يرمى به قضاة السّوء، وكان مولده بالقاهرة فى جمادى

الأولى سنة اثنتين وستين وسبعمائة، هكذا سمعته من لفظه غير مرّة؛ وأمّه بنت قاضى القضاة بهاء الدين بن عقيل الشافعى النحوى، ونشأ بالقاهرة، وحفظ القرآن العزيز وعدّة متون، وتفقّه بوالده وبغيره إلى أن برع فى الفقه والأصول والعربيّة والتفسير وعلمى المعانى والبيان، وأفتى ودرّس فى حياة والده، وولى قضاء العسكر بالديار المصرية، ثم ولى قضاء القضاة بها فى إحدى الجمادتين من سنة أربع وثمانمائة فى حياة والده عوضا عن قاضى القضاة ناصر الدين محمد الصّالحىّ، وذلك أوّل ولايته، وعزل ثم ولّى غير مرة- حرّرنا ذلك فى تاريخنا المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى- وكانت جنازته مشهورة إلى الغاية، وحمل نعشه على رءوس الأصابع، وكان ذكيّا مستحضرا، عارفا بالفقه ودقائقه، مستقيم الذّهن، جيّد التصور، حافظا فصيحا بليغا جهورىّ الصّوت، مليح الشكل، للطول أقرب، أبيض مشربا بحمرة، صغير اللحية مدوّرها، منوّر الشّيبة، جميلا وسيما، ديّنا عفيفا مهابا جليلا، معظّما عند الملوك والسلاطين، حلو المحاضرة، رقيق القلب سريع الدّمعة، على أنّه كان فيه بادرة وحدّة مزاج، غير أنها كانت تزول عنه بسرعة، ويأتى يعد ذلك من محاسنه ما ينسى معه كل شىء، وكان محبّبا للرّعية، متجملا فى ملبسه ومركبه، ومدحه خلائق من العلماء والشعراء، أنشدنى قاضى القضاة جلال الدين أبو السعادات محمد بن ظهيرة قاضى مكة وعالمها، من لفظه لنفسه بمكة المشرفة مديحا فى قاضى القضاة جلال الدين المذكور فى سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة [قال رحمه الله] «1» [الطويل] هنيئا لكم يا أهل مصر جلالكم ... عزيز فكم من شبهة قدّ جلالكم ولولا اتّقاء الله جلّ جلاله ... لقلت لفرط الحبّ جلّ جلالكم وتوفّى السلطان غياث الدين محمد «2» المعروف بكر شجى بن بايزيد بن مراد بن أرخان بن عثمان متملّك بلاد الرّوم فى شهر رجب، وملك بعده ابنه مراد بك صاحب

الفتوحات والغزوات المشهورة الآتى ذكره فى محله، وتفسير كرشجى أى صاحب الوتر؛ لأن كرش باللغة التركية هو الوتر الذي يوتر به القوس وكان قبل سلطنته خنق بوتر ثم أطلق فسمى بذلك، وهو بكسر الكاف والراء المهملة وسكون الشين المعجمة وكسر الجيم. وفيها قتل الأمير علاء الدين ألطنبغا «1» من عبد الواحد الظّاهرى المعروف بالصّغير رأس نوبة النّوب، ثم نائب حلب بعد انهزامه من حلب فى واقعة كانت بينه وبين التّركمان فى تاسع عشرين شعبان «2» ، وكان أصله من مماليك الظّاهر برقوق، وصار خاصّكيّا فى دولة الناصر فرج، ثم ترقى فى الدّولة المؤيّدية [شيخ] «3» إلى أن صار أمير مائة ومقدّم ألف، ثم رأس نوبة النّوب، ثم أخرجه الملك المؤيد [شيخ] «4» إلى البلاد الشاميّة مجرّدا لصحبة الأمير الكبير ألطنبغا القرمشىّ، فلما قتل يشبك نائب حلب المقدّم ذكره ولّاه القرمشىّ نيابة حلب، فدام بها إلى أن قبض الأمير ططر على القرمشىّ فخرج هو عن الطاعة، ووقع له ما حكيناه إلى أن قتل، وكان أميرا جليلا، مليح الشّكل ليّن الجانب، كريما شجاعا محبّبا للناس- رحمه الله تعالى. وفيها قتل الأمير سيف الدين قجقار «5» بن عبد الله القردمىّ أمير سلاح بثغر الإسكندرية فى سادس عشرين شعبان بأمر الأمير ططر، وكان أصله من مماليك الأمير قردم الحسنى رأس نوبة النّوب فى دولة الملك الظاهر برقوق، ثم انضمّ على الملك المؤيد [شيخ] «6» وهو من جملة أمراء العشرات، ولا زال معه إلى أن تسلطن، فعند ذلك رقّاه الملك المؤيد إلى أن ولّاه إمرة سلاح، ثم نيابة حلب مدّة يسيرة، ثم عزله وأعاده إلى وظيفته إلى أن مات المؤيّد وجعله من جملة أوصيائه على ولده، فقبض عليه

الأمير ططرّ وحبسه بثغر الإسكندرية إلى أن قتله بها، وكان تركىّ الجنس، قصيرا بطينا، له شعرات بحنكه، كبير الوجه، مشهورا بالشّجاعة والإقدام مع الكرم والتجمّل فى مركبه ومماليكه وسماطه، وكان منهمكا فى اللّذّات مسرفا على نفسه، فكان فى غالب اللّيالى يسكر إلى الصّباح ويغلب عليه النّوم فينام عن الخدمة السلطانية، فلما يقوم من نومه يتأسّف على عدم طلوعه إلى الخدمة، فيجعل نفسه متوعّكا فينزل إليه وجوه الدّولة لعيادته، فيجدونه مخمورا لا يكاد يتكلّم، فلما تكرّر منه ذلك علم السلطان والناس حاله، فصار أمره مثلا، يقول بعضهم للآخر كيف حال فلان فيقول مريض، فيقول لا يكون مثل مرض قجقار القردمى، وتداول ذلك بين الناس. وفيها قتل الأمير سيف الدين جقمق بن عبد الله» الأرغون شاوىّ الدّوادار ثم نائب الشام بعد عقوبة شديدة لأجل المال فى ليلة الأربعاء سادس عشرين شعبان بعد عود الأمير ططر من حلب، وكان أصل جقمق هذا چاركسيّا، أخذ من بلاده مع والدته وهو ابن ثلاث سنين، وجلبا إلى مصر فاشتراهما بعض أمراء مصر، فأقاما عنده مدّة يسيرة وقبض على الأمير المذكور، فاشتراهما أمير آخر، ثمّ انتقلا من ملكه إلى ملك الأمير ألطنبغا الرّجبىّ، ثم ابتاعهما من ألطنبغا الرّجبىّ [المذكور] «2» الأمير قردم الحسنىّ رأس نوبة النّوب، وأنعم بوالدته على زوجته وأنعم بولدها جقمق هذا على ابنه صاحبنا العلائى على بن قردم، فاستمرّا عندهما إلى أن توفّى الأمير قردم، وبعده بمدّة انتقل جقمق هذا إلى ملك الأمير أرغون شاه الظّاهرىّ أمير مجلس، فأعتقه أرغون شاه وجعله بخدمته إلى أن قتل فى سنة اثنتين وثمانمائة، فاتصل بعده بخدمة الملك المؤيد شيخ، وهو من جملة الأمراء، وصار عنده رأس نوبة الجمداريّة، ثم جعله دوادارا ثانيا، إلى أن تسلطن الملك المؤيّد شيخ فأنعم عليه بإمرة عشرة، وأرسله إلى الأمير نوروز الحافظىّ فى الرّسليّة، فقبض عليه نوروز وحبسه، إلى أن ظفر المؤيّد بنوروز، وأطلق جقمق هذا

من قلعة دمشق وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه، وجعله دوادارا ثانيا، ثم نقله إلى الدّواداريّة الكبرى بعد سنين بحكم انتقال آقباى المؤيّدى إلى نيابة حلب فباشر الدّواداريّة بحرمة وافرة، ونالته السعادة، إلى أن ولى نيابة دمشق بعد عزل الأمير تنبك ميق فى سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة، فدام بدمشق إلى أن مات الملك المؤيد [شيخ] «1» فخرج عن طاعة الأمير ططر واتفق مع الأمير الكبير ألطنبغا القرمشىّ، ثم وقع بينهما [خلاف] «2» وتحاربا فهزم جقمق وتوجّه إلى صرخد، ولا زال به حتى استقدمه ططر منها بالأمان، وقبض عليه وقتله، ودفن بمدرسته التى بناها بدمشق، وكان أميرا عارفا بأمور دنياه، عاريا عن العلوم والفضيلة وفنون الفروسية، وكان فصيحا باللغة العربية، وعنده مكر وشيطنة وخديعة، وانهماك فى اللّذات، وإسراف على نفسه مع بادرة وحدّة وسفه ووقاحة، ورأيته غير مرّة، كان للقصر أقرب، وعنده سمن، مدوّر اللحية أسودها، وعنده فصاحة فى حديثه على طريق عوام مصر لا على طريق الفقهاء- انتهى. أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم أربعة أذرع وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعا وإصبع واحد- والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

ما وقع من الحوادث سنة 825

[ما وقع من الحوادث سنة 825] ذكر سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر السلطان الملك الأشرف سيف الدين أبو النصر برسباى الدّقماقى الظاهرىّ «1» سلطان الديار المصريّة، جلس على تخت الملك يوم خلع الملك الصالح محمد ابن الملك الظاهر ططر فى يوم الأربعاء ثامن شهر ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وثمانمائة، بعد أن حضر الخليفة والقضاة وجميع الأمراء والأمير تنبك ميق نائب الشام، وبويع بالسلطنة، ولبس الخلعة الخليفتيّة السّوداء، وركب من طبقة الأشرفية بقلعة الجبل والأمراء مشاة بين يديه إلى أن نزل على باب القصر، ودخل وجلس على تخت الملك، وقبّلت الأمراء الأرض بين يديه، وخلع على الخليفة المعتضد بالله داود، وعلى من له عادة بالخلع فى مثل هذا اليوم، وتمّ أمره ونودى باسمه وسلطنته بالقاهرة ومصر، من غير أن يأمر للمماليك السلطانية بنفقة كما هى عادة الملوك، وهذا كان من أوائل سعد ناله [فإننا] «2» لم نعلم أحدا من الملوك التركية تسلطن ولم ينفق إلا برسباى هذا- انتهى. قلت: والأشرف هذا هو السلطان الثانى والثلاثون من ملوك التّرك وأولادهم بالدّيار المصريّة، والثامن من الچراكسة وأولادهم، وأصل الملك الأشرف هذا چاركسى الجنس، وجلب من البلاد فاشتراه الأمير دقماق المحمدى الظاهرىّ نائب ملطية، وأقام عنده مدّة. ثم قدّمه إلى الملك الظاهر برقوق فى عدّة مماليك أخر، ولتقدمته سبب، وهو أن الأمير تنبك اليحياوىّ الأمير آخور الكبير بلغه أن الأمير دقماق اشترى أخاه من بعض التّجّار، وكان أخوه يسمّى طيبرس، فوقف الأمير تنبك إلى الملك الظّاهر

برقوق وطلب منه أن يرسل يطلب أخاه من دقماق، فرسم السلطان بذلك، وكتب لدقماق مرسوما شريفا «1» بإحضار طيبرس المذكور، وقبل أن يخرج القاصد إلى دقماق وقف الأمير على باى الظاهرىّ الخازندار صاحب الوقعة أيضا، إلى السلطان وذكر له أن أخته أيضا عند الأمير دقماق، فكتب السلطان بإحضارها أيضا، وسار البريدىّ من مصر إلى دقماق بذلك، فامتثل دقماق المرسوم الشّريف، وأراد إرسال طيبرس المذكور، فقال له دواداره: «2» [ما تريد تفعل؟ فقال: أرسل المملوك الذي طلبه أستاذى إليه، فقال دواداره] «3» : لا يمكن إرساله وحده، جهّز معه عدّة مماليك وتقدمة هائلة، وأبعث بالمطلوب فى ضمنها، فأعجب دقماق ذلك وجهّز نحو ثمانية عشر مملوكا صحبة طيبرس المذكور من جملتهم برسباى هذا وتمراز القرمشىّ أمير سلاح، وأشياء أخر من أنواع الفزو والقماش والخيل والجمال، ثمّ اعتذر دقماق عن إرسال الجارية أنها حامل منه، والجارية هى السّت أردباى أمّ ولد دقماق، وزوجة الأمير تمراز القرمشىّ أمير سلاح فى دولة الملك الظّاهر جقمق المتوفى سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، وتوفّيت هى أيضا بعده بأيّام، وكلاهما بالطّاعون. فسار البريدىّ بالمماليك والتقدمة من ملطية إلى الديار المصرية، فوصلها بعد موت الأمير تنبك اليحياوىّ المذكور، وقد استقرّ عوضه فى الأمير آخوريّة الأمير نوروز الحافظىّ، فقبل الملك الظاهر [برقوق] «4» التقدمة، وفرّق المماليك على الأطباق، فوقع برسباى هذا بطبقة الزّمّاميّة إنيا للأمير چاركس القاسمىّ المصارع، وتمراز القرمشى إنيا ليلبغا النّاصرىّ، فدام برسباى بالطبقة مدّة يسيرة وأعتقه السلطان، وأخرج له خيلا فى عدّة كبيرة من المماليك السلطانية. وسبب سياقنا لهذه الحكاية أن قاضى القضاة شهاب الدين بن حجر رحمه الله نسبه أنه عتيق دقماق، وليس الأمر على ما نقله، وهو معذور فيما نقله لبعده عن معرفة اللغة

التركية ومداخلة الأتراك، وقد اشتهر أيضا بالدّقماقىّ فظنّ أنه عتيق دقماق، ولم يعلم أن نسبته بالدّقماقىّ كما أن نسبة الوالد [رحمه الله] «1» بالبشبغاوىّ، والملك المؤيد شيخ بالمحمودىّ، ونوروز بالحافظىّ، وجكم نائب حلب بالعوضىّ، ودمرداش بالمحمدىّ وغيرهم، وقد وقفت على هذه المقالة فى حياته على خطّه، ولم أعلم أن الخط خطه فإنه كان رحمه الله يكتب ألوانا، وكتبت على حاشية الكتاب وبيّنت خطأه، وأنا أظن أن الخط خطّ ابن قاضى شهبة، وعاد الكتاب إلى أن وقع فى يد قاضى القضاة المذكور «2» فنظر إلى خطى وعرفه، واعترف بأنه وهم فى ذلك، وكان صاحبنا الحافظ قطب الدين محمد الخيضرى حاضرا، فذكر لى ما وقع، فركبت فى الحال وهو معى وتوجّهنا إلى السّيفىّ طوغان الدّقماقى، وهو من أكابر مماليك دقماق، وسألته عن الملك الأشرف سؤال استفهام، فقال: هو عتيق الملك الظاهر برقوق وقدّمه أستاذنا إليه، ثم حكى له ما حكيته من سبب إرساله، ثم عدنا وأرسلت أيضا خلف جماعة من مماليك دقماق، لأن غالبهم كان خدم عند الوالد بعد موت دقماق، فالجميع قالوا مثل قول طوغان الدّقماقى، فتوجّه قطب الدين المذكور، وعرفه هذا كله، فأنصف غاية الإنصاف، وأصلح ما عنده ثم ذاكرت أنا قاضى القضاة المذكور فيما بعد، وعرفته أن دقماق قدّمه فى أوائل أمره، وأن برسباى صار ساقيا فى دولة الملك المنصور عبد العزيز، معدودا من أعيان الدولة، يتقاضى حوائج دقماق بالديار المصرية، ثم خرج برسباى عن طاعة الملك الناصر [فرج] «3» مع الأمير إينال باى بن قجماس إلى البلاد الشامية وبقى من أعيان القوم، كل ذلك ودقماق فى قيد الحياة بعد سنة ثمان وثمانمائة، وكان لمّا قدم دقماق إلى مصر نزل عند برسباى هذا وبرسباى المذكور يخاطبه تارة يا خوند وتارة يا أغاة، ثم عرّفته بأن ولد دقماق الناصرى محمدا من جملة أصحابى، وأن والدته الست أردباى زوجة الأمير تمراز القرمشىّ أمير سلاح.

قلت: وعلى كل حال إن هذا الوهم هو أقرب للعقل من مقالة المقريزىّ فى الملك الظّاهر ططر «إن الملك الناصر فرجا أعتقه بعد سنه ثمان فى سلطنته الثّانية» وأيضا أحسن ممّا قاله المقريزىّ فى حقّ الملك الأشرف [برسباى] «1» هذا بعد وفاته فى تاريخه «السلوك» فى وفيات سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وقد رأيت أنّ السّكات عن ذكر ما قاله فى حقّه أليق والإضراب عنه أجمل لما وصفه به من الألفاظ الشّنيعة القبيحة التى يستحى من ذكرها فى حقّ كائن من كان- انتهى. وقد خرجنا عن المقصود، ولنعد إلى ما نحن بصدده من ذكر الملك الأشرف [برسباى] «2» فنقول: واستمرّ الملك الأشرف من جملة المماليك السلطانيّة إلى أن صار خاصّكيّا ثم صار ساقيا فى سلطنة الملك المنصور عبد العزيز ابن الملك الظاهر برقوق. ثم خرج مع الأمير إينال باى بن قجماس من الدّيار المصريّة- مباينا للملك الناصر فرج- إلى البلاد الشاميّة، ثم انضمّ مع الأميرين شيخ ونوروز وتقلّب معهما فى أيّام تلك الفتن ولا زال معهما إلى أن قتل الملك الناصر فرج، وقدم إلى القاهرة صحبة الأمير الكبير شيخ المحمودىّ، فأنعم عليه الأمير شيخ المذكور بإمرة عشرة، ثم نقله إلى إمرة طبلخاناه بعد سلطنته، فدام على ذلك سنين إلى أن نقله إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بالدّيار المصريّة، ثم ولّاه كشف التّراب بالغربيّة من أعمال القاهرة، إلى أن طلبه الملك المؤيّد شيخ وولّاه نيابة طرابلس بعد عزل الأمير بردبك قصقا الخليلىّ عنها، وذلك فى يوم الاثنين ثالث عشرين شهر ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، ولمّا ولى نيابة طرابلس كان فى خدمته جماعة من مماليك الوالد [رحمه الله] «3» من جملتهم شخص يسمّى سودون، فطلبه أن يتوجّه معه إلى طرابلس، فقال سودون: أنا ما أخلّى جامع طولون وأتوجّه إلى طرابلس، فتوجّه معه خشداشاه أزدمر

وجرباش، فلما تسلطن الأشرف- بعد أمور نذكرها- جعل أزدمر المذكور ساقيا، وندم سودون على مفارقته- انتهى. وتوجّه برسباى المذكور إلى نيابة طرابلس، ومعه سودون الأسندمرى وقد استقر أتابك طرابلس، وأقام بطرابلس مدّة إلى أن واقع التّركمان الإينالية «1» والبياضية «2» والأوشرية «3» على صافيتا من عمل طرابلس، وكانوا حضروا إلى النّاحية المذكورة جافلين من قرا يوسف، وأفسدوا بالبلاد، فنهاهم الأمير برسباى المذكور فلم ينتهوا، فركب عليهم وقاتلهم فى يوم الثلاثاء سادس عشرين شعبان من سنة إحدى وعشرين المذكورة، فقتل بينهم خلق كبير، منهم: الأمير سودون الأسندمرى أتابك طرابلس، وانهزم باقيهم عراة، فغضب الملك المؤيد، ورسم بعزله عن نيابة طرابلس واعتقاله بقلعة المرقب، وولّى سودون القاضى نيابة طرابلس عوضه، فدام فى سجن المرقب مدّة إلى أن كتب الملك المؤيد بالإفراج عنه فى العشرين من المحرم سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة، وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، كل ذلك بسعى الأمير ططر فى أمره، فاعتمرّ بدمشق إلى أن مات الملك المؤيّد، وخرج جقمق عن طاعة ططر، وقبض على برسباى المذكور، وسجنه بقلعة دمشق إلى أن أطلقه الأتابك ألطنبغا القرمشىّ، وخرج إلى ملاقاة الأمير ططر لما قدم دمشق، وانضم عليه إلى أن خلع عليه ططر باستقراره دوادارا كبيرا بعد الأمير على باى المؤيدىّ، فلم تطل أيّامه فى الدّواداريّة، ومات ططر بعد أن جعله لالا لولده الملك الصالح محمّد، وجعل جانى بك الصّوفىّ الأتابك مدبر مملكة ولده الصالح المذكور، ووقع ما حكيناه فى ترجمة الملك الصالح من واقعته مع جانى بك الصّوفى، ثم مع طرباى، ثم من خلعه الملك الصالح وسلطنته.

ولما تمّ أمر الملك الأشرف برسباى هذا فى السّلطنة، وأصبح يوم الخميس تاسع شهر ربيع الآخر خلع على الأمير بيبغا المظفرىّ أمير سلاح «1» باستقراره أتابك العساكر بالدّيار المصريّة عوضا عن الأمير طرباى وكانت شاغرة من يوم أمسك طرباى، وخلع على الأمير قجق العيساوىّ أمير مجلس باستقراره أمير سلاح عوضا عن بيبغا المظفّرىّ، وخلع على الأمير آقبغا التّمرازىّ باستقراره أمير مجلس عوضا عن الأمير قجق. وأوّل ما بدأ به الأشرف فى سلطنته أنّه منع الناس كافّة من تقبيل الأرض بين يديه، فامتنعوا من ذلك، وكانت هذه العادة- أعنى عن تقبيل الأرض- جرت بالديار المصريّة من أيّام المعزّ معدّ أوّل خلفاء بنى عبيد بمصر المقدّم ذكره فى هذا الكتاب، وبقيت إلى يوم تاريخه، وكان لا يعفى أحدا عن تقبيل الأرض. والكلّ يقبل الأرض: الوزير والأمير والمملوك وصاحب القلم ورسل ملوك الأقطار، إلّا قضاة الشّرع وأهل العلم وأشراف الحجاز، حتى لو ورد مرسوم السلطان على ملك من نوّاب السّلطان قام على قدميه وخرّ إلى الأرض وقبلها قبل أن يقرأ المرسوم، فأبطل الملك الأشرف ذلك وجعل بدله تقبيل اليد، فمشى ذلك أيّاما ثم بطل، وعاد تقبيل الأرض لكن بطريق أحسن من الأولى؛ فإن الأولى كان الشخص يخر إلى الأرض حتى يقبلها «2» كالسّاجد، والآن صار الرجل ينحنى كالرّاكع ويضع أطراف أصابع يده على الأرض كالمقبّل لها ثمّ يقوم ولا يقبّل الأرض بفمه أبدا بل ولا يصل بوجهه إلى قريب الأرض، فهذا على كلّ حال أحسن مما كان أوّلا بلا مدافعة، فعدّ ذلك من حسنات الملك الأشرف برسباى. ثم فى يوم الثلاثاء رابع عشر شهر ربيع الآخر المذكور خلع السلطان الملك الأشرف على الأمير تنبك العلائى ميق نائب الشام خلعة السّفر، وتوجّه إلى محلّ كفالته.

ومن خرق العادات أيضا فى سلطنة الملك «1» الأشرف أنه لما تسلطن لم ينفق على المماليك السّلطانية، وأعجب من ذلك أنه ما طولب بها، وهذا أغرب وأعجب. ثم رسم السلطان الملك الأشرف- فى يوم الخميس ثامن جمادى الأولى، ونودى بذلك فى القاهرة- بأن لا يستخدم أحد من اليهود ولا من النصارى فى ديوان من دواوين السّلطان والأمراء، وصمّم الأشرف على ذلك، فلم يسلم من بعض عظماء الأقباط من مباشرى الدّولة فلم يتمّ ذلك. ثم قدم الخبر على السلطان بكثرة الوباء ببلاد حلب وحماة وحمص فى رابع عشر جمادى الآخرة، ورسم السلطان فنودى بسفر الناس إلى مكّة فى شهر رجب، فكثرت المسرّات، بذلك لبعد العهد بسفر الرجبيّة. ثم جلس السلطان للحكم بين الناس كما كان الملك المؤيّد ومن قبله، وصار يحكم فى يومى السبت والثلاثاء بالمقعد من الإسطبل السلطانى، ثم كتب السلطان إلى الأمير تنبك البجاسىّ نائب حلب أن يتوجّه إلى بهسنا «2» لحصار تغرى بردى المؤيّدى المعزول عن نيابة حلب. ثم ورد الخبر على السلطان بخروج الأمير إينال نائب صفد عن الطاعة، وكان سبب خروجه عن الطّاعة أنه كان من جملة مماليك الملك الظّاهر ططر، ربّاه صغبرا ثم ولاه نيابة قلعة صفد بعد سلطنته، فلما قام الملك الأشرف بعد الملك الظاهر ططر بالأمر ولّى إينال المذكور نيابة صفد، وبلغه خلع ابن أستاذه الملك الصالح محمد من السلطنة، فشقّ عليه ذلك، وأخذ فى تدبير أمره، واتّفق مع جماعة على العصيان، وخرج عن الطّاعة، وأفرج عمّن كان محبوسا بقلعة صفد، وهم: الأمير يشبك أنالى المؤيّدى

الأستادار ثم رأس نوبة النّوب، والأمير إينال الجكمى أمير سلاح ثم نائب حلب، والأمير جلبّان أمير آخور أحد مقدّمى الألوف، وقبض على من خالفه من أمراء صفد وأعيانها، ففى الحال كتب السلطان الملك الأشرف للأمير مقبل الحسامى الدّوادار حاجب حجّاب دمشق باستقراره فى نيابة صفد «1» ، وأن يستمرّ إقطاع الحجوبيّة بيده حتى يتسلّم صفد، ثم كتب إلى الأمير تنبك ميق نائب الشّام أن يخرج بعسكر دمشق لقتال إينال المذكور، وبينما السلطان فى ذلك ورد عليه الخبر بوقعة كانت بين الأمير يونس الرّكنىّ نائب غزّة وبين عرب جرم، وان يونس المذكور انهزم وقتل عدّة من عسكره، ثم وردت الأخبار بكثرة الفتن فى بلاد الصّعيد، ثم ورد على السلطان كتاب الأمير تنبك ميق نائب الشّام بمجيء الأمير إينال الجكمى، ويشبك أنالى، وجلبّان أمير آخور إليه من صفد طائعين للسلطان، فدقّت البشائر لذلك. وفى سابع عشرين شهر رجب قدم الأمير فارس نائب الإسكندرية إلى القاهرة بطلب، وخلع عليه باستمراره على إمرته وإقطاعه بمصر، وهى تقدمه ألف بالدّيار المصرية، وخلع على الأمير أسندمر النورىّ الظاهرىّ برقوق أحد أمراء الألوف باستقراره فى نيابة الإسكندرية عوضا عن فارس المذكور. ولما كان يوم الخميس رابع شعبان- الموافق لتاسع عشرين أبيب «2» - أوفى النيل ستّة عشر ذراعا، وهذا من النّوادر من الوفاء قبل مسرى بيومين، فتباشر الناس بكعب الملك الأشرف [برسباى] «3» . ثم فى يوم الثلاثاء سادس عشر شعبان المذكور أخرج الملك المظفّر أحمد ابن الملك المؤيّد شيخ وأخوه من قلعة الجبل نهارا وحملا فى النّيل إلى الإسكندرية. وفى هذا الشهر كثر عبث الإفرنج بسواحل المسلمين، وأخذوا مركبا للتجّار

من ميناء الإسكندرية فيها بضائع بنحو مائة ألف دينار، فشقّ ذلك على الملك الأشرف إلى الغاية مع شغله بنائب صفد. ثم فى حادى عشرين شهر رمضان خلع السلطان على الأمير أيتمش الخضرى الظّاهرىّ باستقراره أستادارا عوضا عن أرغون شاه النّوروزىّ الأعور، وقدم عليه الخبر بتوجّه عسكر الشام مع الأمير مقبل إلى جهة صفد، وأنه مستمرّ على حصار صفد، فسرّ السلطان بذلك، وكتب إلى نائب الشام بالقبض على الأمير إينال الجكمى ويشبك أنالى وجلبّان وحبسهم بقلعة دمشق. ثم فى سابع عشرين شوّال قدم الخبر على السلطان بأخذ صفد، وقدم من صفد ثلاثون رجلا فى الحديد ممّن أسر من أصحاب إينال نائب صفد، فرسم السلطان بقطع أيديهم فقطعوا الجميع إلا واحدا منهم فإنه وسط، وأخرج الذين قطعت أيديهم من القاهرة من يومهم إلى البلاد الشامية، فمات عدّة منهم بالرمل، ولم يشكر الملك الأشرف على ما فعله من قطع أيدى هؤلاء. وكان من خبر هؤلاء وإينال نائب صفد أنه لما قدم عليه الأمير مقبل الدّوادار بعساكر دمشق انهزم منهم إلى قلعة صفد، فلم يزل مقبل على حصار قلعة صفد، إلى يوم الاثنين رابع شوال فنزل إليه إينال بمن معه بعد أن تردّدت الرسل بينهم أيّاما كثيرة، فتسلم أعوان السلطان قلعة صفد فى الحال، وعندما نزل إينال أمر الأمير مقبل أن تفاض عليه خلعة السلطان ليتوجّه أميرا بطرابلس، وكان قد وعد بذلك لما تردّدت الرسل بينهم وبينه مرارا حتى استقرّ الأمر على أن يكون إينال المذكور من جملة أمراء طرابلس، وكتب له السلطان أمانا ونسخة يمين فانخدع الخمول ونزل من القلعة، فما هو إلا أن قام بلبس الخلعة وإذا هم أحاطوا به وقيّدوه وعاقبوه أشدّ عقوبة على إظهار المال، ثم قتلوه وقتلوا معه مائة رجل ممن كان معه بالقلعة، وعلّقوهم بأعلاها، ثم أرسلوا بهذه الثلاثين الذين قطعت أيديهم. ثم بعد ذلك بأيام ورد الخبر بأن الأمير تغرى بردى المؤيدى سلم قلعة بهسنا ونزل

ما وقع من الحوادث سنة 826

بالأمان فأخذه تنبك البجاسى، وقيده وحمله إلى قلعة حلب فسجنه بها، وزال ما كان بالملك الأشرف من جهة صفد وبهسنا، وهدأ سره واطمأن خاطره. ثم فى يوم الاثنين ثانى ذى القعدة ركب السلطان من قلعة الجبل إلى مطعم الطّيور بالريدانية خارج القاهرة ولبس به قماش الصوف برسم الشتاء على عادة الملوك، ثم عاد إلى القاهرة من باب النّصر، ورأى عمارته بالركن المخلق «1» ، وخرج من باب زويلة إلى القلعة، ونثر عليه الدنانير والدراهم، وهذه أوّل ركبة ركبها من يوم تسلطن. ثم فى يوم الخميس خامس ذى القعدة عزل السلطان أيتمش الخضرى «2» عن الأستادارية وأعيد إليها أرغون شاه النوروزى، ولم تشكر سيرة أيتمش لشدة ظلمه مع عجزه عن القيام بالكف السلطانية. ثم فى يوم الخميس رابع ذى الحجّة اختفى الوزير تاج الدين عبد الرزّاق بن كاتب المناخ فخلع السلطان على أرغون شاه الأستادار وأضيف إليه الوزر «3» فى يوم الاثنين ثامن ذى الحجّة. ثم خلع السلطان على القاضى علم الدين صالح ابن الشيخ سراج الدين عمر البلقينى باستقراره قاضى قضاة الشافعية بالديار المصرية عوضا عن ولىّ الدين أبى زرعة العراقى بحكم عزله. [ما وقع من الحوادث سنة 826] ثم فى المحرم أنعم السلطان على مملوكه جانبك الخازندار بإمرة طبلخاناه من جملة إقطاع الأمير فارس المعزول عن نيابة الإسكندريّة بعد موته. ثم رسم السلطان بطلب الأمير إينال النوروزى نائب طرابلس فحضر إلى القاهرة

فى يوم الاثنين سادس عشرين صفر من سنة ست وعشرين وثمانمائة، وطلع إلى القلعة فأكرمه السلطان. وخلع على الأمير قصروه من تمراز الأمير آخور الكبير باستقراره فى نيابة طرابلس عوضا عن إينال النوروزى المقدّم ذكره، وأنعم على الأمير إينال المذكور بإقطاع الأمير قصروه، وإينال المذكور هو صهرى زوج كريمتى، وأخذ الأمير قصروه فى إصلاح شأنه إلى أن خلع السلطان عليه خلعة السّفر فى يوم ثانى عشر صفر، وخرج من يومه ولم يستقر أحد فى الأمير آخورية الكبرى. ثم فى يوم الثلاثاء خامس عشرين شهر ربيع الأول سنة ست وعشرين ثارت ريح مريسية «1» طول النهار، فلما كان قبل الغروب بنحو ساعة ظهر فى السماء صفرة من عند غروب الشمس كست الجو والجدران والأرض بالصفرة، ثم أظلم الجو حتى صار النهار مثل وقت العتمة، فما بقى أحد إلا واشتد فزعه، ولهجت العامة بأن القيامة تقوم. فلمّا كان بعد ساعة وهو وقت الغروب أخذ الظلام ينجلى قليلا قليلا ويعقبه ريح عاصف [حتى] «2» كادت المبانى تتساقط منه، وتمادى ذلك طول ليلة الأربعاء، فرأى الناس أمرا مهولا مزعجا من شدّة هبوب الرّياح والظّلمة التى كانت فى النهار، وعمّت هذه الظلمة أرض مصر حتى وصلت دمياط والإسكندرية وجميع الوجه البحرى وبعض بلاد الصّعيد، ورأى بعض من يظنّ به الخير والصلاح فى منامه كأن قائلا يقول له: لولا شفاعة رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- لأهل مصر لأهلكت هذه الريح الناس، لكنه شفع فيهم فحصل اللطف. قلت: لم أر قبلها مثلها ولا بعدها [مثلها] «3» ، وكان هذا اليوم من الأيام المهولة التى لم يدركها أحد من الطاعنين فى السّن- انتهى.

ثمّ فى يوم الاثنين ثانى شهر ربيع الآخر ركب السلطان من قلعة الجبل وعدّى النيل إلى برّ الجيزة، وأقام بناحية وسيم- حيث مربط الخيول على الرّبيع- بأمرائه ومماليكه يتنزه، وأقام به سبعة أيّام والخدمة تعمل هناك إلى أن عاد فى تاسعه، وأقام بالقلعة إلى يوم الخميس سادس عشرين [شهر] «1» ربيع الآخر المذكور فوصل فيه الأمير تنبك البجاسىّ «2» نائب حلب إلى القاهرة وطلع إلى السلطان، وقبّل الأرض بين يديه على ما قرّره الملك الأشرف فى أوّل سلطنته، ثم خلع السلطان عليه خلعة الاستمرار وأنزله بمكان ورتّب له ما يليق به، وأقام تنبك إلى يوم الخميس ثالث جمادى الأولى، وخلع السلطان عليه خلعة السّفر، وخرج من يومه إلى محلّ كفالته بحلب. ثم فى يوم الاثنين رابع عشر جمادى الأولى المذكورة خلع السلطان على الأمير جقمق «3» العلائى حاجب الحجّاب باستقراره أمير آخور [كبيرا] «4» عوضا عن قصروه المنتقل إلى نيابة طرابلس، وكانت شاغرة من يوم ولى قصروه نيابة طرابلس إلى يومنا هذا. ثم ورد الخبر فى جمادى الآخرة بعظم الوباء بدمشق، وأنه وصل إلى غزّة، واستمرّ السلطان ولم يكن عنده ما يشوّش عليه فى جميع أشيائه إلى أن كان يوم الجمعة سابع شعبان ورد الخبر على السلطان بأنّ الأمير الكبير جانى بك الصّوفى فرّ «5» من الإسكندرية من البرج الذي كان مسجونا به، وخرج من الثّغر المذكور ولم يفطن به أحد، فلمّا سمع السلطان هذا الخبر كادت نفسه أن تزهق، وقامت قيامته، ومن يومئذ حلّ بالناس من البلاء والعقوبات والهجم على البيوت ما سنذكره فى طول سلطنته،

وتنغّص عيش الأشرف من يوم بلغه الخبر، واستوحش من جماعة كبيرة من أمرائه، وأمسكهم ونفى منهم آخرين- حسبما نذكر ذلك كلّه فى وقته. ثم فى يوم الخميس العشرين من شعبان خلع السلطان على الأمير جرباش الكريمىّ المعروف بقاشق باستقراره حاجب الحجّاب بالدّيار المصرية عوضا عن جقمق العلائى بحكم انتقال جقمق أمير آخور كبيرا، وكانت الحجوبيّة شاغرة عن جقمق من يوم ولى الأمير آخورية. وفيه رسم السلطان بانتقال الأمير تنبك البجاسىّ نائب حلب إلى نيابة دمشق «1» عوضا عن الأمير تنبك ميق بحكم وفاته، واستقر الأمير جار قطلو الظاهرىّ نائب حماة «2» فى نيابة حلب عوضا عن تنبك البجاسىّ، وكان جار قطلو أيضا ولى نيابة حماة عن تنبك البجاسىّ كما تقدّم ذكره؛ وكذا وقع أيضا فى الدّولة المؤيّدية أنه بعد عصيان تنبك البجاسىّ مع قانى باى نائب الشّام وتوجّهه إلى بلاد الشّرق ولى جار قطلو نيابة حماة بعده أيضا، والعجب أن جارقطلو كان أغاة تنبك البجاسىّ، فكانا إذا اجتمعا فى مهمّ سلطانى لا يجلس تنبك البجاسى من ناحية جار قطلو لئلا يجلس فوقه حياء منه- انتهى. وتولى الأمير جلبّان أمير آخور المؤيّد- وهو يوم ذاك أحد مقدّمى الألوف بدمشق- نيابة حماة عوضا عن جارقطلو، وتوجّه الأمير جانى بك الخازندار الأشرفىّ «3» فى ثامن عشرين شعبان المذكور بتقاليد المذكورين وتشاريفهم الجميع، وكان هذا الأمر يتوجه فيه ثلاثة من أعيان الأمراء، فأضاف الأشرف جميع ذلك لجانى بك، كونه كان خصّيصا عنده ربّاه من أيام إمرته، فعاد إلى مصر ومعه من الأموال جملة مستكثرة.

ثم فى يوم الاثنين ثانى شهر رمضان- الموافق لسادس عشر مسرى- أو فى النيل ستة عشر ذراعا فنزل المقام الناصرى محمد بن السلطان فى وجوه الأمراء وأعيان الدولة حتى خلّق المقياس، وفتح خليج السّدّ على العادة، وهو أوّل نزوله إلى ذلك، وكان فى العام الماضى تولّى ذلك الأمير الكبير بيبغا المظفّرى. وفيه أخرج السلطان الأمير سودون الأشقر الظاهرىّ «1» رأس نوبة النّوب- كان- فى دولة الملك الناصر، ثم أمير مجلس فى دولة الملك المؤيّد، وهو يومئذ أمير عشرين بمصر، منفيّا إلى القدس، ثم شفع فيه فأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، وأنعم بإمرته على شريكه الأمير كزل العجمىّ الأجرود الذي كان حاجب الحجّاب فى الدّولة الناصريّة فرج، فصار من جملة الطبلخانات، والإقطاع المذكور هو ناحية ميمون بالوجه القبلى. وفيه ندب السلطان عدّة أمراء إلى السّواحل لورود الخبر بحركة الفرنج، فتكامل خروجهم فى ثامن عشرين شهر رمضان المذكور، وكان الذي توجّه منهم من مقدّمى الألوف إلى ثغر الإسكندرية الأمير آقبغا التّمرازىّ أمير مجلس. ثم فى يوم الخميس عاشر شوّال خلع السلطان على جمال الدين يوسف بن الصّفّىّ «2» الكركىّ، واستقرّ كاتب السّرّ الشّريف بالديار المصرية بعد موت علم الدين داود ابن الكويز. قال الشيخ تقىّ الدين المقريزى- رحمه الله تعالى: فأذكرتنى ولايته بعد ابن الكويز قول أبى القاسم خلف الألبيرى المعروف بالسميسر وقد هلك وزير يهودىّ لباديس بن حبوس الحميرى أمير غرناطة من بلاد الأندلس فاستوزر بعد اليهودى وزيرا نصرانيا فقال: [الخفيف] كلّ يوم إلى ورا ... بدّل البول بالخرا

فزمانا تهوّدا ... وزمانا تنصّرا وسيصبو إلى المجو ... س إذا الشّيخ عمرا قال وقد كان أبو الجمال هذا من نصارى الكرك، وتظاهر بالإسلام فى واقعة كانت للنّصارى هو وأبو علم الدين داود بن الكويز، وخدم كاتبا عند قاضى الكرك عماد الدين أحمد المقيرى، فلما قدم عماد الدين إلى القاهرة وصل أبو جمال الدين هذا فى خدمته، وأقام ببابه حتى مات وهو بائس فقير، لم يزل دنس الثياب مغتم الشكل، وابنه جمال الدين هذا معه فى مثل حاله، ثم خدم جمال الدين هذا بعد موت القاضى عماد الدين عند التّاجر برهان الدين إبراهيم المحلى كاتبا لدخله وخرجه، فحسنت حاله وركب الحمار، ثم سار بعد المحلى إلى بلاد الشّام وخدم بالكتابة هناك، حتى كانت أيّام [الملك] «1» المؤيّد شيخ فولّاه علم الدين بن الكويز نظر الجيش بطرابلس، فكثر ماله بها، ثم قدم فى آخر أيّام ابن الكويز إلى القاهرة، فلما مات ابن الكويز وعد بمال كبير حتى ولى كتابة السّرّ بالديار المصرية، فكانت ولايته من أقبح حادثه رأيناها- انتهى كلام المقريزى برمته. قلت: وعدّ ولاية هذا الجاهل لمثل هذه الوظيفة العظيمة من غلطات الملك الأشرف وقبح جهله، فإنه لو كان عند الملك الأشرف معرفة وفضيلة [لا نتظر] «2» حتى يرد عليه كتاب من بعض ملوك الأقطار يشتمل على نثر ونظم وفصاحة وبلاغة، وأراد الأشرف من كاتب سرّه أن يجيب عن ذلك بأحسن منه أو بمثله- كما كان يفعله الملك الناصر محمد بن قلاوون وغيره من عظماء الملوك- لعلم تقصير من ولّاه لهذه الوظيفة، ولاحتاج لعزله فى الحال ولولاية غيره ممن يصلح؛ لئلا يظهر فى ملكه بعض تقصير ووهن؛ لأنه يقال فى الأمثال «تعرف شهامة الملك وعظمته من ثلاث: كتابه، ورسله، وهديته» فهذا شأن من يكون له شهامة وعلوّ همّة من الملوك [وأما

الذي بخلاف ذلك فسدّ بمن شئت وول من كان- بالبذل- ولو كان حارس مقات] «1» ولهذا المقتضى ذهبت الفنون، واضمحلّت الفضائل، وسعى الناس فى جمع المال حيث علموا أن الرّتب صارت معذوقة بالباذل «2» لا بالفاضل، وهذا على مذهب من قال:-[الكامل] المال يستر كلّ عيب فى الفتى ... والمال برفع كلّ وغد ساقط فعليك بالأموال فاقصد جمعها ... واضرب بكتب الفضل بطن الحائط - انتهى. ثم كتب السلطان باستقرار الأمير آقبغا التّمرازى أمير مجلس فى نيابة الإسكندرية «3» عوضا عن الأمير أسندمر النّورىّ الظاهرى برقوق، وقدم أسندمر [المذكور] «4» من الإسكندرية إلى القاهرة فى رابع عشر شوال وقبّل الأرض، ونزل إلى داره، وكان بيده إمرة مائة وتقدمة [ألف] «5» زيادة على نيابة الإسكندرية، وبعد نزوله أرسل السلطان خلف السّيفى يلخجا من مامش السّاقى الناصرىّ وأمره أن يأخذ الأمير أسندمر هذا ويتوجّه به إلى ثغر دمياط بطّالا، وكان ذنب أسندمر المذكور تفريطه فى أمر جانى بك الصّوفى حتى فرّ من سجنه، ولولا أن أسندمر المذكور كان من أغوات الملك الأشرف المذكور ومن أكابر إنّيّات الأمير چاركس القاسمىّ المصارع لكان له معه شأن آخر. ثم فى تاسع عشر شوّال خرج محمل الحاج صحبة أمير الحاج الطّواشى افتخار الدين ياقوت الأرغون شاوىّ الحبشى مقدم المماليك السلطانيّة، وهذه ثانى سفرة سافرها

بالمحمل، وكان أمير حاج الأوّل الأمير إينال الشّشمانىّ الناصرى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، وحججت أنا أيضا فى هذه السنة. ثم فى سابع عشرين شوّال أمسك السلطان الأمير أرغون شاه النّوروزى الأستادار والوزير لعجزه عن القيام بجوامك المماليك السلطانية مع ظلمه وعسفه. ثم أصبح السلطان فى يوم الاثنين ثامن عشرينه خلع على ناصر الدين محمد ابن شمس الدين محمد بن موسى المعروف بابن المرداوى والمعروف بابن بولى، والعامة تسميه ابن أبى والى باستقراره أستادارا عوضا عن أرغون شاه المذكور، وعوقب أرغون شاه يين يدى السلطان. وخبر ابن بولى هذا وأصله أنه كان أبوه من حجة ومردة من أعمال الشّام، وسكن القدس وصار من جملة التّجّار، وولد له ابنه هذا فتزيّا بزىّ الجند وخدم من جملة الأجناد البلاصيّة «1» عند الأمير أرغون شاه المذكور أيام أستاداريته لنوروز، ثم تنقّل إلى أن صار أستادار الأمير جقمق الدّوادار وصادره جقمق وصرفه بعد أن كثر ماله، ثم خدم بعد ذلك فى عدّة جهات إلى أن طلب إلى مصر، وألزم بحمل عشرين ألف دينار، فوعد أنه يحمل منها ثلاثة آلاف دينار ويمهل فيما بقى عدّة أيام، فلمّا قبض السلطان على أرغون شاه المذكور سوّلت له نفسه وزيّن له شيطانه أن يكون أستادارا ويسدّ المبلغ الذي ألزم بحمله من وظيفة الأستادارية، فكان خلاف ما أمّل، ونزل بالخلعة إلى بيت أرغون شاه المذكور وعليه قماشه، ثم تسلّم أرغون شاه وأدخله إلى داره المذكورة وهو فى الحديد، فرأى أرغون شاه من كان من جملة غلمانه قد جلس على مقعده وفى بيته وتحكّم فيه وأخذ يعاقبه بحضرة من كان يخدمه بها، فلما رأى ما حلّ به دمعت عيناه وبكى، فكان فى هذا الأمر عبرة لمن اعتبر. وفى هذا اليوم المذكور خلع السلطان عن الأمير إينال النّوروزىّ المعزول عن نيابة طرابلس قبل تاريخه باستقراره أمير مجلس عوضا عن آقبغا التّمرازى، وكلاهما

صهرى وزوج إحدى أخواتى. وفيه أيضا خلع السلطان على كريم الدين عبد الكريم ابن الوزير تاج الدين عبد الرزاق بن كاتب المناخ باستقراره وزيرا وذلك فى حياة والده، حكى الصاحب كريم الدين قال: دخلت بخلعة الوزارة على والدى فقال لى: يا عبد الكريم أنا ولّيت هذه الوظيفة ومعى خمسون ألف دينار ذهبت فيها ولم أسد، تسد أنت من أين؟ قال فقلت: من أضلاع المسلمين، فضحك وحوّل وجهه عنى. ثم فى يوم الخميس أوّل ذى القعدة قدم إلى القاهرة جماعة من إخوة السلطان وأقاربه من بلاد الچاركس بعد أن خرج الأمراء إلى لقائهم، وكبير القوم يشبك أخو السلطان الملك الأشرف. وفيه خرج من القاهرة الأمير قجق العيساوىّ أمير سلاح، والأمير أركماس الظاهرى أحد مقدّمى الألوف، وزين الدين عبد الباسط بن خليل ناظر الجيش إلى مكة «1» على الرّواحل حاجّين. ثم فى سادس عشر ذى القعدة [المذكورة] «2» قدم الأمير جانى بك الأشرفىّ الخازندار من الشّام بعد تقليد نائبها الأمير تنبك البجاسىّ فخلع السلطان عليه باستقراره دوادارا «3» ثانيا عوضا عن الأمير قرقماس الشّعبانى النّاصرى فرج بحكم استقراره أمير مائة ومقدّم ألف وتوجّهه أمير مكّة، ومن يومئذ عظم أمر جانى بك المذكور فى الدّولة حتى صار هو صاحب عقدها وحلّها، ونال من السعادة والوجاهة والحرمة فى الدّولة ما لم ينله دوادار فى عصره ولا من بعده إلى يومنا هذا. وفى هذه الأيام اشتدّ طلب السلطان على جانى بك الصّوفىّ، وقبض على بعض المماليك بسببه، وعوقب بعضهم حتى هلك، ثم أمسك السلطان أصهار جانى بك الصّوفى

ما وقع من الحوادث سنة 827

أولاد قطلوبك الأستادار، وعاقب بعض حواشيهم، هذا بعد الهجم على بيوت جماعة كبيرة ممن يغمز عليهم بعض أعدائهم، فيحل على صاحب البيت المذكور من البلاء والرجيف مالا مزيد عليه، وتداول ذلك سنين وهذا أوله حسبما يأتى ذكره. ثم فى ثامن عشرين ذى الحجة قدم مبشّر الحاج وأخبر بالأمن والرّخاء وكثرة الأمطار، غير أن الشريف حسن بن عجلان لم يقابل أمير الحاج ونزح عن مكّة لما أشيع أن السلطان يريد القبض عليه، فغضب السلطان لذلك ورسم فنودى على المماليك البطّالين ليجهزوا إلى التجريدة لقتال أشراف مكّة. ثم اشتغل السلطان عن ذلك بأمر جانى بك الصّوفى، وأخذ فيما هو فيه من كبس البيوت وإرداع الناس، وأيضا لما ورد عليه أن متملك الحبشة وهو أبرم ويقال إسحاق ابن داود «1» بن سيف أرعد قد غضب بسبب غلق كنيسة قمامة «2» بالقدس، وقتل عامّة من كان فى بلاده من رجال المسلمين، واسترقّ نساءهم وأولادهم، وعذّبهم عذابا شديدا، وهدم ما فى مملكته من المساجد، وركب إلى بلاد جبرت، فقاتلهم حتى هزمهم، وقتل عامّة من كان بها، وسبى نساءهم، وهدم مساجدهم، فكانت فى المسلمين ملحمة عظيمة فى هذه السّنة لا يحصى فيها من قتل من المسلمين، فاشتاط السلطان غضبا، وأراد قتل بطرك النّصارى وجميع ما فى مملكته من النّصارى ثم رجع عن ذلك. [ما وقع من الحوادث سنة 827] ثم فى يوم الاثنين ثانى المحرم من سنة سبع وعشرين وثمانمائة قدم الأمير مقبل الحسامى الدّوادار نائب صفد إلى القاهرة، وقبّل الأرض بين يدى السلطان، فخلع عليه باستقراره على عمله «3» . وفى ثامن المحرم قدم الأمير قجق، وأركماس الظاهرى وعبد الباسط من الحج،

وتأخّر الأمير قرقماس الشّعبانى بالينبع، وأرسل يطلب عسكرا ليقاتل به الشّريف حسن بن عجلان صاحب مكّة ويستقرّ عوضه فى إمرة مكّة، فنودى على المماليك البطّالة وعيّن منهم جماعة مع حسين الكردى الكاشف ليتوجّه بهم إلى مكة. هذا وقد اشتغل سر السلطان «1» بما أشيع من عصيان الأمير تنبك البجاسىّ نائب دمشق، وصار خبر الإشاعة عنده هو الأهمّ، وأخذ يدبّر فى القبض عليه قبل أن يستفحل أمره، وكتب عدّة ملطّفات لأمراء دمشق بالقبض عليه، هذا وقد قوى عند الملك الأشرف خروجه عن الطاعة، وبادر وخلع على الأمير «2» سودون من عبد الرحمن الدّوادار فى يوم الاثنين ثالث عشرين المحرّم باستقراره فى نيابة دمشق عوضا عن تنبك البجاسىّ، فلبس سودون من عبد الرحمن الخلعة ونزل من القلعة سائرا إلى دمشق على جرائد الخيل، ولم يدخل إلى داره، وسار سودون من عبد الرحمن إلى جهة دمشق وقد تقدّمته الملطّفات بمسك تنبك المذكور، فلما وقف أمراء دمشق على الملطّفات، اتّفقوا الجميع وركبوا بمن معهم وأتوادار السّعادة فى ليلة الجمعة رابع صفر، واستدعوا الأمير تنبك البجاسى المذكور ليقرأ كتاب السلطان، فعلم بما هو القصد وخرج من باب السّرّ- وعليه السلاح- فى جميع مماليكه وحواشيه، فأقبلوا عليه الأمراء وقاتلوه حتى مضى صدر من نهار الجمعة المذكور، ثم انهزموا منه أقبح هزيمة وتشتت شملهم، فتحصّن منهم طائفة بقلعة دمشق، ومضى منهم آخرون إلى الأمير سودون من عبد الرحمن، فوافوه وهو نازل على صفد، واستولى تنبك المذكور على دمشق وقوى بأسه، وكان انضمّ عليه من أمراء دمشق الأمير قرمش الأعور المقدّم ذكره من أصحاب جانى بك الصّوفىّ، والأمير تمراز المؤيّدى الخازندار وغيرهما من أمراء دمشق، ثم تجهّز تنبك البجاسىّ هو وأصحابه لمّا بلغهم قدوم سودون من عبد الرحمن، وخرج من دمشق بجموعه فى أسرع وقت، وسار حتى وافى الأمير

سودون من عبد الرحمن وهو نازل على جسر يعقوب «1» فى يوم الجمعة حادى عشر صفر وقد قطع سودون من عبد الرحمن الجسر لئلا يصل إليه تنبك المذكور، وكان سودون لما خرج من مصر بمماليكه وسار إلى جهة دمشق حتى نزل على صفد وافاه الأمير مقبل الحسامى نائب صفد بعساكر صفد وسارا معا حتى نزلا جسر يعقوب، فلمّا بلغ سودون مجىء تنبك إليه جبن عن قتاله وقطع الجسر، فقدم تنبك فلم يجد سبيلا لقتال سودون فبات كل منهما من جهة، وكلاهما لا يصل إلى الآخر بسوء، فبانوا يتحارسون إلى الصباح. فلما أصبح يوم السبت ثانى عشر صفر شرعوا يترامون بالنّشّاب نهارهم كله حتى حجز الليل بينهم، فباتوا ليلة الأحد على تعبئتهم وقد قوى أمر تنبك، وأصبح الأمير تنبك فى يوم الأحد ثالث عشره راحلا إلى جهة الصّبيبة فى انتظار ابن بشارة أن يأتيه بجموعه، وقد أرصد جماعة لسودون من عبد الرحمن بوطاقه، فكتب سودون من عبد الرحمن بذلك إلى السلطان. ثم ركب بمن معه على جرائد الخيل وقصد مدينة دمشق وترك الأثقال فى مواضعها مع نائب القدس يوهم عسكر تنبك البجاسىّ أنه مقيم بمكانه، وساق حتى دخل دمشق فى يوم الأربعاء سادس عشر صفر المذكور وملك المدينة وتمكّن من قلعة دمشق، وبلغ الأمير تنبك البجاسىّ ذلك فركب من وقته وساق حتى وافى سودون من عبد الرحمن بدمشق من يومه، وبلغ سودون قدومه فخرج إليه وتلقّاه بمن معه من عساكر دمشق بباب الجابية وقاتلوه فثبت لهم تنبك البجاسىّ مع قلّة عسكره وكثرة عساكرهم، وقاتلهم أشد قتال والرّمى ينزل عليه من قلعة دمشق، وهو مع ذلك يظهر التجلّد إلى أن حرّك فرسه فى غرض له فأصابه ضربة على كتفه حلّته فتقنطر عند ذلك عن فرسه، فتكاثروا عليه وأخذوه أسيرا إلى قلعة دمشق ومعه نحو

عشرين من أصحابه، وفرّ من كان معه من الأمراء إلى حال سبيلهم، وكتب الأمير سودون من عبد الرحمن فى الحال بجميع ذلك إلى السلطان. وأما الملك الأشرف فإنه بعد خروج سودون من عبد الرحمن أخذ ينتظر ما يرد عليه من الأخبار فى أمر تنبك، فقدم عليه كتاب سودون من عبد الرحمن من جسر يعقوب أوّلا فى يوم الأحد عشرين صفر فعظم عليه هذا الخبر، وعزم على سفر الشام، واضطرب الناس ووقع الشّروع فى حركة السّفر، وأحضرت خيول كثيرة من مرابطها من الرّبيع، وبينما الناس فى ذلك قدم كتاب سودون من عبد الرحمن الثانى من دمشق يتضمن النّصر على تنبك البجاسىّ والقبض عليه وحبسه بقلعة دمشق فسرّ السلطان بذلك غاية السرور ودقت البشائر، وكتب بقتل تنبك البجاسى وحمل رأسه إلى مصر وبالحوطة على موجوده، وتتبّع حواشيه ومن كان معه من أمراء دمشق، وهدأ سرّ السلطان من جهة دمشق، وبطلت حركة السّفر، والتفت إلى ما كان عليه أوّلا من الفحص على جانى بك الصّوفىّ. فلما كان سابع عشرين صفر المذكور نودى بالقاهرة ومصر على جانى بك الصّوفىّ ووعد من أحضره إلى السلطان بألف دينار، وإن كان جنديا بإمرة عشرة، وهدّد من أخفاه وظهر عنده بعد ذلك بإحراق الحارة التى هو ساكن بها، وحلف المنادى على كل واحدة مما ذكرنا يمينا عن السلطان، هذا بعد أن قوى عند السلطان الملك الأشرف أن جانى بك الصوفىّ مختف بالقاهرة، ولو كان بالبلاد الشامية لظهر وانضمّ مع تنبك البجاسى، وهو قياس صحيح. ثم التفت السلطان أيضا إلى أمر مكة، فلما كان يوم الجمعة ثانى شهر ربيع الأول نودى بالقاهرة بالخروج إلى حرب مكة المشرفة، فاستشنع الناس هذه العبارة، ثم عيّن جماعة من المماليك السلطانية وأنفق على كل واحد منهم أربعين دينارا. ثم فى حادى عشرين شهر ربيع الأوّل قدم رأس الأمير تنبك البجاسىّ إلى القاهرة فطيف بها على رمح، ثم علّقت على باب النّصر أيّاما.

وفى سابع عشرين شهر ربيع الأول خلع السلطان على الأمير أزبك المحمدى الظاهرى رأس نوبة النّوب باستقراره دوادارا كبيرا «1» عوضا عن سودون من عبد الرحمن المنتقل إلى نيابة الشام. وخلع على الأمير تغرى بردى المحمودى الناصرى باستقراره رأس نوبة النّوب عوضا عن أزبك المذكور. ثم فى يوم السبت تاسع شهر ربيع الآخر خلع السلطان على القاضى شمس الدين محمد الهروىّ باستقراره كاتب السّرّ الشريف بالديار المصرية عوضا عن جمال الدين يوسف ابن الصّفىّ الكركىّ، ونزل فى موكب جليل وكان الهروىّ علّامة فى فنون كثيرة من العلوم. ثم فى يوم الجمعة سابع جمادى الأولى أقيمت الخطبة بالمدرسة الأشرفيّة «2» بخط العنبريين من القاهرة ولم يكمل منها سوى الإيوان القبلى. وفى يوم الاثنين ثانى جمادى الآخرة خلع السلطان على الأمير صلاح الدين محمد ابن الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله باستقراره أستادارا بعد عزل ناصر الدين محمد بن بولى والقبض عليه، وهذه ولاية صلاح الدين الثانية للأستادارية. ثم فى ثانى عشره خلع السلطان على الصاحب كريم الدين بن كاتب المناخ واستقرّ ناظر ديوان المفرد مضافا على الوزر عوضا عن القاضى كريم الدين بن كاتب جكم. وفى يوم الأحد خامس عشر جمادى المذكور توفّيت زوجة السلطان الملك الأشرف ودفنت بالقبّة بالمدرسة الأشرفيّة. قال المقريزى: واتّفق فى موتها نادرة، وهى أنها لما ماتت عمل لها ختم «3» عند

قبرها فى الجامع الأشرفى «1» ونزل ابنها الأمير ناصر الدين محمد من القلعة لحضور الختم، وقد ركب فى خدمته الملك الصالح محمد بن ططر، فشقّ القاهرة من باب زويلة وهو فى خدمة ابن السلطان بعد ما كان بالأمس سلطانا، وصار جالسا بجانبه فى ذلك الجمع وقائما بخدمته إذا قام، فكان فى ذلك موعظة لمن اتّعظ- انتهى. قلت: حضرت أنا هذه الختم المذكورة وشاهدت ما نقله المقريزى بعينى فهو كما قال غير أنه لم يكن فى خدمته وإنما جلسا فى الصّدر معا، بل كان الصالح متميّزا عليه فى الجلوس وكذلك فى مسيره من القلعة إلى الجامع المذكور، وقد ذكرنا طرفا من هذه المقالة فى أواخر ترجمة الملك الصّالح المذكور، غير أنه كما قاله المقريزى إنه من النوادر، ثم فى يوم السبت حادى عشرين جمادى الآخرة خلع السلطان على قاضى القضاة نجم الدين عمر بن حجّى باستقراره كاتب السّرّ الشريف بالديار المصرية بعد عزل قاضى القضاة شمس الدين الهروى، ونزل ابن حجّى على فرس بسرج ذهب وكنبوش زركش فى موكب جليل إلى الغاية. قال المقريزى: وقد ظهر نقص الهروى وعجزه «2» ، فقد باشر بتعاظم زائد مع طمع شديد وجهل بما وسّد إليه، بحيث كان لا يحسن قراءة القصص ولا الكتب الواردة، فتولّى قراءة ذلك بدر الدين محمد بن مزهر نائب كاتب السرّ، وصار يحضر الخدمة ويقف على قدميه وابن مزهر هو الذي يتولّى القراءة على السلطان- انتهى كلام المقريزى برمّته. قلت: لا يسمع قول المقريزى فى الهروى، فأما قوله «باشر بتعاظم [زائد] «3» » فكان أهلا لذلك لغزير علمه ولما تقدّم له من الولايات الجليلة بعمالك العجم، ثم بالديار المصرية. وقوله «وعجزه بما وسّد إليه» يعنى عن وظيفة كتابة السرّ، نعم كان لا يدرى الاصطلاح

المصرى، ولم يكن فيه طلاقة لسان بالكلام العربىّ كما هى عادة الأعاجم، وأمّا علمه وفضله وتبحّره فى العلوم العقلية فلا يشكّ فيه إلا جاهل، وهو أهل لهذه الرّتبة وزيادة، غير أنه صرف عن الوظيفة بمن هو أهل لها أيضا وهو القاضى نجم الدين بن حجّى قاضى قضاة دمشق ورئيسهم، وكلاهما أعنى المتولّى والمعزول من أعيان العلماء وقدماء الرؤساء، والتعصّب فى غير محلّه مردود من كل أحد على كائن من كان- انتهى. ثم فى سلخ الشهر المذكور خلع السلطان على القاضى الشريف شهاب الدين نقيب الأشراف بدمشق باستقراره قاضى قضاة دمشق، عوضا عن القاضى نجم الدين بن حجّى المقدم ذكره. ثم فى يوم الخميس رابع شهر رجب خلع السلطان على العلّامة علاء الدين على الرّومى الحنفى باستقراره شيخ الصّوفيّة، ومدرّس الحنفية بالمدرسة الأشرفية بخط العنبريّين بالقاهرة، وكان له مدّة يسيرة من يوم قدم من بلاد الرّوم. وفيه قدم «1» الخبر على السلطان بأخذ الفرنج مركبين من مراكب المسلمين قريبا من ثغر دمياط، فيهما بضائع كثيرة وعدّة أناس يزيدون على مائة رجل، فكتب السلطان بإيقاع الحوطة على أموال تجّار الفرنج التى ببلاد الشام والإسكندرية ودمياط والختم عليها، وتعويقهم عن السّفر إلى بلادهم حتى تردّ الفرنج ما أخذوه من المسلمين، فكلّمه أهل الدّولة فى إطلاقهم فلم يقبل، وأخذ فى تجهيز غزوهم. وفيه «2» ركب السلطان من قلعة الجبل ونزل إلى جامعه الذي أنشأه بخط العنبرييّن المقدّم ذكره، وجلس به ساعة، ثم عاد إلى القلعة بغير قماش الموكب «3» .

وفى «1» يوم الأربعاء أوّل شعبان ابتدئ بقراءة صحيح البخارى بين يدى السّلطان. قال المقريزى: وحضر القضاة ومشايخ العلم، والهروىّ، والشيخ شمس الدين محمد ابن الجزرى بعد قدومه بأيّام، وكاتب السرّ نجم الدين بن حجّى، ونائبه بدر الدين ابن مزهر، وزين الدين عبد الباسط ناظر الجيش، والفقهاء الذين رتّبهم المؤيد، فاستجدّ. فى هذه السنة حضور المباشرين، وكانت العادة من أيّام الأشرف شعبان بن حسين أن تبدأ قراءة البخارى فى أول يوم من شهر رمضان، ويحضر قاضى القضاة الشافعىّ، والشيخ سراج الدين عمر البلقينىّ وطائفة قليلة العدد لسماع البخارى، ويختم فى سابع عشرينه، ويخلع على قاضى القضاة، ويركب بغلة بزنّارىّ «2» تخرج له من الإسطبل السلطانى، ولم يزل الأمر على هذا حتى تسلطن المؤيد شيخ فابتدأ بالقراءة من أول شعبان إلى سابع عشرين [شهر] «3» رمضان، وطلب قضاة القضاة الأربعة ومشايخ العلم وقرّر عدّة من الطلبة يحضرون أيضا، فكانت تقع بينهم أبحاث يسىء بعضهم على بعض فيها إساءات منكرة، فجرى السلطان [الأشرف] «4» على هذا واستجدّ- كما ذكرنا- حضور المباشرين، وكثر الجمع، وصار المجلس جميعه صياحا- انتهى. قلت: ليس فى هذا شىء منكر وكما جدّد الأشرف [شعبان] «5» قراءة البخارى فى شهر رمضان جعله غيره من أوّل شعبان، وكل ممّن «6» فعل ذلك سلطان يتصرّف كيف شاء، ولا يشكّ أحد أن التأنى فى القراءة أفضل من الإدراج لا سيما كتب

الحديث ليفهمه كلّ أحد من مبتدئ أو منته، وأيضا كلّما كثر الجمع عظم الأجر والثّواب، وأما الصّياح فلم تبرح مجالس العلم فيها البحوث والمشاحنة، ولو وقع منهم ما عسى أن يقع فهم فى أجر وثواب، وليس للاعتراض هنا محلّ بالجملة- انتهى. ثم فى يوم الأحد رابع شهر رمضان أخرج السلطان الأمير أرغون شاه النّوروزى، والأمير ناصر الدين محمد بن بولى من القاهرة إلى دمشق بطّالين، وقد تقدّم أن كليهما قد ولى الأستادارية بالديار المصرية. وفى هذه الأيام ندب السلطان جماعة من المماليك السلطانيّة للغزاة. ولما كان يوم الجمعة تاسع شهر رمضان سار غرابان من ساحل بولاق ظاهر القاهرة فى بحر النيل بعد أن أشحنا بالمقاتلة والأسلحة، وكان فيهما من المماليك السلطانيّة ثمانون نفرا غير المطّوّعة، ورسم السلطان لهم أن يسيروا فى البحر إلى طرابلس، ويأخذوا أيضا من سواحل الشام عدّة أغربة أخر فيها المقاتلة، ويسيروا فى البحر المالح لعلّهم يجدون من يتجرّم فى البحر من الفرنج، وهذه أوّل غزاة «1» جهزها السلطان الملك الأشرف برسباى رحمه الله «2» . ثم فى يوم الثلاثاء رابع شوّال أمر السلطان بحفر صهريج «3» بوسط صحن جامع الأزهر، فابتدءوا فيه من هذا اليوم وحفروا بوسط «4» صحن الجامع المذكور فوجدوا فيه آثار فسقيّة قديمة وبها عدّة أموات، ثم شرعوا فى بنائها حتى كملت وعمّر فوقها مقعد لطيف على صفة السبيل، وانتفع أهل الجامع به، ودام سنين إلى أن أمر السلطان الملك الظاهر [جقمق] «5» بهدمه، فهدم وردم. ثم فى يوم السبت تاسع عشرين شوال المذكور حضر الأمراء الخدمة السلطانية

على العادة، ونزلوا إلى دورهم، فاستدعى السلطان بعد نزولهم الأمير بيبغا المظفّرى أتابك العساكر إلى القلعة، فلمّا صار إليها قبض عليه وقيّد وحمل إلى الإسكندرية من يومه. ثم فى يوم الخميس رابع ذى القعدة خلع السلطان على الأمير قجق العيساوىّ أمير سلاح باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية عوضا عن بيبغا المظفّرى بحكم القبض عليه، وخلع على إينال النّوروزىّ أمير مجلس باستقراره أمير سلاح عوضا عن قجق المذكور، وأنعم السلطان بإقطاع بيبغا المذكور على الأمير إينال الجكمىّ أحد الأمراء البطّالين بالقدس وكتب بإحضاره، وعلى الأمير حسين بن أحمد المدعو تغرى برمش البهسنىّ التّركمانىّ نائب قلعة الجبل نصفين بالسّوية بعد أن أخرج منه بلدة من القليوبيّة «1» . ثم فى يوم الاثنين ثامن ذى القعدة خلع السلطان على قاضى القضاة شمس الدين محمد الهروىّ المعزول عن وظيفة كتابة السرّ قبل تاريخه باستقراره قاضى قضاة الشافعية بالديار المصرية، عوضا عن قاضى القضاة شهاب الدين أحمد بن حجر بحكم عزله، وهذه ولاية القاضى الهروىّ الثانية للقضاء. وقدم الأمير إينال الجكمىّ من القدس فى يوم الاثنين خامس عشره، وخلع السلطان عليه باستقراره أمير مجلس عوضا عن إينال النّوروزى. وفى هذه الأيام أنعم السلطان على الأمير تنبك من بردبك الظّاهرىّ أحد أمراء العشرات ورأس نوبة بإمرة طبلخاناه عوضا عن تغرى برمش البهسنى، واستقرّ أيضا عوضه فى نيابة قلعة الجبل، وتنبك المذكور هو أتابك العساكر بديار مصر فى زماننا هذا. ثم فى يوم السبت العشرين من ذى القعدة وصلت الغزاة المقدّم ذكرهم بالغنائم والأسرى.

ما وقع من الحوادث سنة 828

وكان من خبرهم أنّهم لمّا خرجوا من ثغر دمياط تبعهم خلائق من المطّوّعة فى سلّورة «1» وساروا إلى طرابلس وسار معهم أيضا غرابان، وتوجّهوا الجميع إلى الماغوصة «2» فأضافهم متملّكها وأكرمهم، فلم يتعرضوا لبلاده، ومضوا عنه إلى بلد يقال لها اللّمسون «3» من جزيرة قبرص فوجدوا أهلها قد استعدّوا لقتالهم وأخرجوا أهاليهم وعيالهم، وخرجوا فى سبعين فارسا تقريبا وثلاثين راجلا، فقاتلهم المسلمون حتى هزموهم، وقتلوا منهم فارسا واحدا وعدّة رجال، وغرّقوا بعض أغربة وأحرقوا بعضها، ونهبوا ما وجدوه من ظروف السمن والعسل وغير ذلك، وأسروا ثلاثة وعشرين رجلا، وأخذوا قطع جوخ كثيرة، فسرّ الناس بعودهم وسلامتهم وتشوّق كلّ أحد للجهاد- انتهى. ثم فى ثامن عشرين ذى الحجة خلع السلطان على الشيخ سعد الدين سعد ابن قاضى القضاة شيخ الإسلام شمس الدين محمد الدّيرى الحنفى باستقراره فى مشيخة صوفيّة الجامع المؤيدى ومدرّس الحنفية به بعد موت أبيه بالقدس. [ما وقع من الحوادث سنة 828] ثم فى تاسع عشرين المحرم من سنة ثمان وعشرين وثمانمائة ركب السلطان مخفّا من قلعة الجبل، ونزل إلى جامعه بخط العنبريين وكشف عمائره، ثم ركب وسار إلى جامع الأزهر لرؤية الصّهريج الذي عمّره، ثم تقدّم وزار الشيخ خليفة والشيخ سعيدا وهما من المغاربة لهما بالجامع الأزهر مدّة سنين وشهرا بالخير والصّلاح، ثم خرج من الجامع إلى

دار الشيخ محمد بن سلطان وهو أيضا أحد من يظنّ فيه الخير والصّلاح فزاره أيضا وعاد إلى القلعة. ثم فى هذا الشهر أيضا وقع الشروع فى عمل عدّة مراكب لغزو بلاد الفرنج، واستمرّ العمل فيهم كل يوم إلى أن نزل السلطان فى يوم الثلاثاء حادى عشر صفر من سنة ثمان وعشرين المذكورة وكشف عمل المراكب المذكورة، ثم عاد من على جزيرة الفيل إلى جهة مناظر «الخمس وجوه» المعروفة بالتّاج التى كان الملك المؤيد جدّدها فأقام بها ساعة هينة، وعاد من على الخندق من جهة خليج الزّعفران إلى أن طلع إلى القلعة، هذا كله والسلطان لا يفتر عن الفحص على أخبار جانى بك الصّوفى ولا يكذّب فى أمره خبر مخبر. ثم فى يوم الاثنين رابع عشرين صفر خلع السلطان على الشيخ محب الدين أحمد بن نصر الله بن أحمد بن محمد بن محمد بن عمر الشّشترىّ البغدادى الحنبلى باستقراره قاضى قضاة الحنابلة بالديار المصرية بعد موت قاضى القضاة علاء الدين على بن محمود بن مغلى، وكلّ منهما كان أعجوبة زمانه فى الحفظ وسعة العلم. ثم فى ليلة الجمعة خامس شهر ربيع الأوّل عمل السلطان المولد النبوى بالحوش السلطانى من قلعة الجبل كعادة عمله فى كل سنة. ثم فى يوم الأحد سابعه سار الأمير أرنبغا اليونسى الناصرى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة تجريدة إلى مكّة ومعه مائة مملوك من المماليك السلطانية، وتوجه معه سعد الدين إبراهيم المعروف بابن المرة أحد الكتّاب لأخذ مكس «1» المراكب الواردة ببندر جدّة من بلاد الهند، وهذا أول ظهور أمر جدّة، وكان ذلك بتدبير الأمير يشبك الساقى الأعرج، فإنه نفاه الملك المؤيد [شيخ] «2» إلى مكّة، فأقام بها سنين وعلم أحوال أشراف

مكة وما هم عليه، فحسّن للسلطان الاستيلاء على بندر جدّة ولا زال به حتى وقع ذلك وصار أمر جدّة كما هى عليه الآن. ثم فى يوم الخميس سابع عشر شهر ربيع الآخر قدم الأمير سودون من عبد الرحمن نائب الشّام إلى القاهرة، وطلع إلى القلعة بعد أن تلقّاه أكابر الدّولة وقبّل الأرض، وخلع عليه باستمراره، وأنزل بمكان يليق به إلى أن خلع السلطان عليه خلعة السّفر، وعاد إلى محل ولايته فى سادس عشر شهر ربيع الآخر المذكور. وفى هذا الشهر كمل عمارة البرج الذي عمّر بالقرب من الطّينة «1» على بحر الملح وجاء مربّع الشكل مساحة كلّ ربع منه ثلاثون ذراعا، وشحن بالأسلحة، وأقيم فيه خمسة وعشرون مقاتلا، فيهم عشرة فرسان، وأنزل حوله جماعة من عرب الطّينة، فانتفع به المسلمون غاية النّفع، وذلك أن الفرنج كانت تقبل فى مراكبها نهارا إلى برّ الطّينة وتنزل بها وتتخطّف الناس من المسلمين من هناك فى مرورهم من قطيا إلى جهة العريش من غير أن يمنعهم من ذلك أحد؛ لخلوّ هذا المحلّ من الناس، وتولّى عمارة هذا البرج المذكور الزّينى عبد القادر بن فخر الدين بن عبد الغنى بن أبى الفرج، وأخذ الآجرّ والحجر الذي بنى هذا البرج به من خراب مدينة الفرما «2» وأحرق أيضا الجير من حجارتها، وقد تقدّم ذكر غزو الفرما فى مجىء عمرو بن العاص إلى مصر فى أوّل هذا الكتاب. ثم فى يوم السبت عاشر جمادى الأولى خلع السلطان على الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله ناظر الخواصّ الشريفة باستقراره أستادارا عوضا عن ولده صلاح الدين محمد.

ثم فى يوم الاثنين ثانى عشر جمادى الأولى المذكورة خلع السلطان على القاضى كريم الدين عبد الكريم بن سعد الدين بركة المعروف بابن كاتب جكم باستقراره فى وظيفته نظر الخاصّ الشّريف عوضا عن بدر الدين بن نصر الله المذكور. وخلع على أمين الدّين إبراهيم ابن مجد الدين عبد الغنى بن الهيصم باستقراره ناظر الدّولة عوضا عن كريم الدين بن كاتب جكم المذكور. وفى هذه الأيام كثرت الأخبار بحركة الفرج فخرج عدّة من الأمراء والمماليك لحراسة الثّغور. ثم فى عاشر جمادى الآخرة أمسك السلطان القاضى نجم الدين عمر بن حجّى كاتب السّرّ، وسلّم إلى الأمير جانى بك الأشرفى الدّوادار الثانى فسجنه بالبرج من قلعة الجبل، وأحيط بداره، وكان سبب مسك ابن حجّى أنه التزم عن ولايته كتابة السّرّ بعشرة آلاف دينار، ثم تسلم ما كان جاريا فى إقطاع ابن السّلطان من حمايات «1» علم الدين داود بن الكويز ومستأجراته، على أن يقوم لديوان ابن السلطان فى كل سنة بألف وخمسمائة دينار، فحمل فى مدّة ولايته لكتابة السّرّ إلى الخزانة الشريفة خمسة آلاف دينار فى دفعات متفرقة، فلما كان هذه الأيام طلب السلطان منه حمل ما تأخّر وهو ستة آلاف دينار، فسأل السلطان مشافهة أن ينعم عليه بألف وخمسمائة دينار المقرّرة من الحمايات والمستأجرات، وتشكّى من قلّة متحصّلها معه، فلم يجب السلطان سؤاله، فنزل إلى داره وكتب ورقة إلى السلطان تتضمّن: أنه غرم من حين ولى كتابة السّرّ إلى يوم تاريخه اثنى عشر ألف دينار، منها الحمل إلى الخزانة خمسة آلاف دينار، ولمن لا يسمّى مبلغ ألفى دينار، وللأمراء أربعة آلاف دينار، وذكر تفصيل الأربعة آلاف دينار؛ فلما قرئت على السلطان فهم أنه أراد بمن لا يذكر أنه الأمير جانى بك الدّوادار، وأخذ

السلطان يسأل من جانى بك عندما حضر هو والأمراء عمّا وصل إليهم وإليه، فما هو إلا أن طلع ابن حجّى إنى القلعة حصل بينهما مفاحشات ومقابحات آلت إلى غضب السلطان والنصرة لمملوكه جانى بك فقبض عليه. وله سبب آخر خفىّ؛ وهو أن السلطان استدعى الأمير سودون من عبد الرحمن نائب الشام بكتاب عبد الباسط، فلمّا وقعت بطاقة سودون من عبد الرحمن سأل ابن حجّى: لم جاء نائب الشام؟ فقيل له بطلب من السلطان، فقال: أنا لم أكتب له عن السلطان بالمجىء، فقال عبد الباسط: أنا كتبت له، فحنق نجم الدين لمّا سمع هذا الكلام وخاشن عبد الباسط باللّفظ، وقال له: اعمل أنت كاتب السّرّ ونظر الجيش معا، ثم أخذ يخاشنه بالكلام استخفافا به لمعرفته به قديما؛ لأن ابن حجّى كان معدودا من أعيان دمشق وعبد الباسط يوم ذاك بخدمة ابن الشهاب محمود، فأسرّها عبد الباسط فى نفسه، وعلم أنه متى طالت يده ربما يقع منه فى حقّه ما يكره، فأخذ يدبّر عليه حتّى غيّر خاطر الأمير جانى بك عليه وتأكدت العداوة بينهما، ووقع ما حكيناه. واستمرّ ابن حجّى فى البرج من قلعة الجبل إلى ليلة الثلاثاء ثالث عشر جمادى الآخرة من سنة ثمان وعشرين المذكورة، وأخرج من البرج فى الحديد وحمل إلى دمشق حتى يكشف بها عن سيرته، ويأخذ ابن حجى فى تجهيز ما بقى عليه من المال، وكتب فى حقه لنائب الشام، ولقضاة دمشق بعظائم مستشنعة هو برىء عن غالبها. ثم فى يوم الاثنين ثامن عشره خلع السلطان على القاضى بدر الدين «1» محمد ابن مزهر نائب كاتب السّرّ باستقراره فى كتابة السّرّ عوضا عن نجم الدين ابن حجى المذكور. وخلع السلطان أيضا على تاج الدين عبد الوهاب الأسلمى المعروف بالخطير

باستقراره فى نظر الإسطبل السلطانى عوضا عن ابن مزهر، وكان الخطير المذكور قريب عهد بالإسلام، وله قدم فى دين النصرانية، وكان يباشر عند الملك الأشرف فى أيام إمرته فرقّاه إلى هذه الوظيفة، وبعد أن كان يخاطب بالشيخ الخطير صار ينعت بالقاضى، فيشترك هو وقضاة الشرع الشريف فى هذا الاسم، وقد تداول هذا البلاء بالمملكة قديما وحديثا، وأنا لا ألوم الملوك فى تقديم هؤلاء لأنهم محتاجون إليهم لمعرفتهم لأنواع المباشرة، غير أننى أقول: كان يمكن الملك أنه إذا رقّى واحدا من هؤلاء إلى رتبة من الرّتب لا ينعته بالقاضى وينعته بالرئيس أو بالكاتب أو مثل ولى الدّولة وسعد الدّولة وما أشبه ذلك، ويدع لفظة قاض لقضاة الشرع ولكاتب السّرّ وناظر الجيش ولفضلاء المسلمين، ليعطى كل واحد حقه فى شهرته والتعريف به، وقد عيب هذا على مصر قديما [وحديثا] «1» فقال بعضهم: قاضيها مسلمانى، وشيخها نصرانى، وحجها غوانى، قلت: فإن كانت ألفاظ هذه الحكاية خالية من البلاغة فهى قريبة مما نحن فيه. والخطير [هذا «2» ] إلى الآن فى قيد الحياة وقد كبر سنّة وهرم بعد ما ولى الوزر بديار مصر ثم نظر الدولة، وهو مع ذلك عليه من الغلاسة، وعدم النورانية، وفقد الحشمة، وقلة الطلاوة [ما لا يعبر عنه] «3» ، وقد تخومل ولزم داره سنين طويلة من يوم صادره الملك الظاهر جقمق وحطّ قدره، فعد ذلك من حسنات الملك الظاهر- رحمه الله تعالى. وفى هذا الشهر أخذ السلطان فى تجهيز «4» الغزاة، وعين جماعة كبيرة من المماليك السلطانية والأمراء، وألزم كل أمير أيضا أن يجهز عشرة مماليك من مماليكه، ونجز عمل الطرائد «5» والأغربة،

ثم فى يوم الاثنين ثالث شهر رجب خلع السلطان على قاضى القضاة شهاب الدين أحمد بن حجر وأعيد إلى قضاء الديار المصرية بعد عزل قاضى القضاة شمس الدين الهروىّ. ثم فى يوم الثلاثاء رابع شهر رجب المذكور حمل الشريف مقبل أمير ألينبع، والشريف رميثة بن محمد بن عجلان إلى الإسكندرية وسجنا بها. ثم فى ثالث عشره أنفق السلطان فى ستمائة رجل من الغزاة مبلغ عشرين دينارا لكل واحد منهم، وجهز الأمراء أيضا ثلاثمائة رجل، ثم نودى: من أراد الجهاد فليحضر لأخذ النّفقة، وقام السلطان فى الجهاد أتمّ قيام وقد شرح الله صدره له. ثم فى عشرينه سارت خيول الأمراء والأعيان من المجاهدين فى البر إلى طرابلس وعدتها نحو ثلاثمائة فرس لتحمل من طرابلس صحبة غزاتها فى البحر لحيث هو القصد. ثم ركب السلطان فى يوم الجمعة من القلعة بغير قماش الخدمة بعد صلاة الجمعة، ونزل إلى ساحل بولاق حتى شاهد الأغربة والطرائد التى عملت برسم الجهاد، وقد أشحنوا بالسلاح والرجال، ثم عاد إلى القلعة، ثم ركب من الغد المقام الناصرى محمد ابن السلطان الملك الأشرف من القلعة ونزل ومعه لالاته الأمير جانى بك الأشرفى الدوادار الثانى، وتوجّه إلى بيت زين الدين عبد الباسط المطلّ على النيل ببولاق حتى شاهد الأغربة عند سفرهم، فانحدر أربعة أغربة بكل غراب أمير، وتقدّم الأربعة الأمير جرباش الكريمى الظاهرى حاجب الحجاب المعروف بقاشق، فكان لسفر هذه المراكب ببولاق يوم مشهود، ثم انحدر بعد هذه الأغربة الأربعة أربعة أغربة أخر فى كل واحد منهم مقدّم من أعيان المماليك السلطانية، وكان آخرهم سفرا الغراب الثامن فى يوم الأربعاء ثامن «1» شعبان، وهذه الغزوة الثانية من غزوات الملك الأشرف [برسباى] «2»

ثم فى آخر هذا الشهر أفرج السلطان عن الأمير الكبير طرباى من سجنه «1» بالإسكندرية، ونقل إلى القدس الشريف بطالا ليقيم به غير مضيّق عليه بعد أن أنعم عليه بألف دينار، وكان الإفراج عن طرباى بخلاف ما كان فى ظن الناس، وعدّ ذلك من محاسن الملك الأشرف، كون طرباى المذكور كان عانده فى الملك، وكونه أيضا من عظماء الملوك وأكابر المماليك الظاهريّة [برقوق] «2» ممّن يخاف منه، فلم يلتفت الأشرف إلى هذا كله وأفرج عنه لما كان بينهما من الود القديم والصّحبة من مبادئ أمرهما. ثم فى يوم الثلاثاء ثامن شهر رمضان المذكور أمسك السلطان الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله الأستادار، وأمسك معه ولده الأمير صلاح الدين محمد المعزول عن الأستادارية بأبيه المذكور، وعوّقا بالقلعة أربعة أيام، ثم نزلا على أنهما يقومان بنفقة الجامكية شهرا وعليقه، وكانت الجامكية يوم ذاك كل شهر ثلاثين ألف دينار. ثم فى يوم الخميس عاشره خلع السلطان على زين الدين عبد القادر ابن فخر الدين حسن بن نصر الله. ثم فى رابع عشره خلع السلطان على جمال الدين يوسف بن الصّفّى الكركى المعزول عن كتابة سرّ دمشق عوضا عن بدر الدين حسين. وفى يوم الثلاثاء ثانى عشرين شهر رمضان- الموافق لرابع عشر مسرى- أوفى النيل ستة عشر ذراعا، ونزل المقام الناصرى محمد [بن السلطان] «3» لتخليق المقياس وفتح خليج السد على العادة، ونزل معه الملك الصالح محمد ابن الملك الظاهر ططر، وحضر تخليق المقياس، وفتح الخليج- فتعجب الناس لنزوله مع ابن السلطان بعد خلعه من ملك مصر حسبما تقدّم.

قلت: وكان قصد الأشرف برسباى بركوب الملك الصالح [محمد] «1» هذا مع ولده انبساط الصالح- كونه كان كالمحجور عليه بقلعة الجبل- وتنزّهه، لا كما زعم بعض الناس أنّه يريد بذلك مشيه فى خدمة ولده وازدراءه، كل ذلك وخاطر السلطان مشغول بأمر جانى بك الصوفى، والفحص عنه مستمر؛ غير أن السلطان يتشاغل بشىء بعد شىء، وهو الآن مشغول الفكرة فى أمر المجاهدين لا يبرح يترقب أخبارهم إلى أن كان يوم الخميس تاسع شوّال ورد عليه الخبر من طرابلس بنصرة المسلمين على الفرنج، فدّقت البشائر [لذلك] «2» بقلعة الجبل وغيرها، وجمع القضاة وأعيان الدّيار المصرية بالجامع الأشرفى بخط العنبريين وقرىء عليهم الكتاب الوارد من طرابلس بنصرة المسلمين، فضجّ الناس وأعلنوا بالتكبير والتهليل، ونودى بزينة القاهرة ومصر، ثم قرىء الكتاب المذكور من الغد بجامع عمرو بن العاص بمصر، وبينما الناس مستبشرون فى غاية ما يكون من السّرور والفرح بنصر الله قدم الخبر فى يوم الاثنين ثالث عشر شوّال [المذكور] «3» بوصول الغزاة المذكورين إلى الطينة، فقلق السلطان من ذلك وتنغّص فرح الناس وكثر الكلام فى أمر عودهم. وكان من خبرهم: أنهم لما توجّهوا من ساحل بولاق إلى دمياط ساروا منه فى البحر المالح إلى مدينة طرابلس فطلعوا إليها، فانضمّ عليهم بها خلائق من المماليك والعساكر الشامية وجماعة كبيرة من المطوعة إلى أن رحلوا عن طرابلس فى بضع وأربعين مركبا، وساروا إلى جهة الماغوصة، فنزلوا عليها بأجمعهم وخيموا فى برها الغربى، وقد أظهر متملك الماغوصة طاعة السلطان وعرفهم تهيؤ صاحب قبرس واستعداده لقتالهم وحربهم، فاستعدوا وأخذوا حذرهم وباتوا بمخيمهم على الماغوصة، وهى ليلة الأحد العشرين من شهر رمضان، وأصبحوا يوم الاثنين شنّوا الغارات على ما بغربى قبرس من الضياع،

ونهبوا وأسروا وقتلوا وأحرقوا وعادوا بغنائم كثيرة، وأقاموا على الماغوصة ثلاثة أيّام يفعلون ما تقدم ذكره من النهب والأسر [وغيره] «1» ثم ساروا ليلة الأربعاء يريدون الملّاحة، وتركوا فى البرّ أربعمائة من الرّجّالة يسيرون بالقرب منهم إلى أن وصلوا إليها ونهبوها وأسروا وأحرقوا أيضا، ثم ركبوا البحر جميعا وأصبحوا باكر النهار فوافاهم الفرنج فى عشرة أغربة وقرقورة «2» كبيرة فلم يثبتوا للمسلمين وانهزموا من غير حرب، واستمر المسلمون بساحل الملّاحة وقد أرست مراكبهم عليها. وبينما هم فيما هم فيه كرّت أغربة الفرنج راجعة إليهم، وكان قصد الفرنج بعودهم أن يخرج المسلمون إليهم فيقاتلوهم فى وسط البحر، فلما أرست المسلمون على ساحل الملّاحة كرّت الفرنج عليهم فبرزت إليهم المسلمون وقاتلوهم قتالا شديدا إلى أن هزمهم الله تعالى، وعادوا بالخزى، وبات المسلمون ليلة الجمعة خامس عشرين شهر رمضان، فلمّا كان بكرة نهار الجمعة أقبل عسكر قبرس وعليهم أخو الملك، ومشى على المسلمين فقاتله مقدار نصف العسكر الإسلامى أشدّ قتال حتى كسروهم، وانهزم أخو الملك بمن كان معه من العساكر بعد أن كان المسلمون أشرفوا على الهلاك، ولله الحمد [والمنة] «3» ، وقتل المسلمون من الفرنج مقتلة عظيمة، ثم أمر الأمير جرباش بإخراج الخيول إلى البرّ فأخرجوا الخيول من المراكب إلى البرّ فى ليلة السبت وتجهّزوا للمسير ليغيروا على نواحى قبرس [من الغد] «4» . فلما كان بكرة يوم السبت المذكور ركبوا وساروا إلى المغارات «5» حتى

وافوها، فأخذوا يقتلون ويأسرون ويحرقون وينهبون القرى حتى ضاقت مراكبهم عن حمل الأسرى، وامتلأت أيديهم بالغنائم، وألقى كثير منهم ما أخذه إلى الأرض، فعند ذلك كتب الأمير جرباش مقدّم العساكر المجاهدة كتابا إلى الأمير قصروه من تمراز [نائب طرابلس] «1» بهذا الفتح [العظيم] «2» والنصر [المبين] «3» صحبة قاصد بعثه الأمير قصروه مع المجاهدين ليأتيه بأخبارهم، فعند ما وصل الخبر للأمير قصروه كتب فى الحال إلى السلطان بذلك، وفى طىّ كتابه كتاب الأمير جرباش المذكور، وهو الكتاب الذي قرىء بالأشرفيّة بالقاهرة، ثم بجامع عمرو بن العاص، ثم إن الأمير جرباش لمّا رأى أن الأمر أخذ حدّه، وأن السلامة غنيمة، ثم ظهر له بعض تخوّف عسكره؛ فإنّه بلغهم أن صاحب قبرس قد جمع عساكر كثيرة واستعدّ لقتال المسلمين، فشاور من كان معه من الأمراء والأعيان، فأجمع رأى الجميع على العود إلى جهة الدّيار المصريّة مخافة من ضجر العسكر الإسلامى إن طال القتال بينهم وبين أهل قبرس إذا صاروا فى مقابله، فعند ذلك أجمع رأى الأمير جرباش المذكور أن يعود بالعساكر الإسلاميّة على أجمل وجه، فحّل القلاع بعد أن تهيّأ للسّفر وسار عائدا حتى أرسى على الطّينة قريبا من قطيا وثغر دمياط، ثم توجّهوا إلى الدّيار المصريّة، ولما بلغ الناس ذلك وتحقّق كلّ أحد ما حصل للمسلمين من النّصر والظّفر عاد سرورهم لأن السلطان كان لما بلغه عودهم نادى فى الناس من أراد الجهاد فليحضر لأخذ النّفقة، فكثر قلق الناس لذلك، وظنوا كلّ ظن حتى علموا من أمرهم ما حكيناه. هذا ما كان من أمر الغزاة، وأما السلطان فإنه أفرج فى يوم الاثنين ثالث عشر شوّال عن الأمير الكبير بيبغا «4» المظفّرىّ من سجن الإسكندرية ونقله إلى ثغر دمياط، وأنعم عليه بفرس بقماش ذهب ليركبه بدمياط إلى حيث يشاء.

ثم أخذ السلطان ينتظر الغزاة إلى أن قدموا عليه يوم السبت خامس عشرين شوّال المقدم ذكره، ومعهم ألف وستون أسيرا ممن أسروا فى هذه الغزوة، وباتوا تلك الليلة بساحل بولاق، وصعدوا فى بكرة يوم الأحد سادس عشرينه إلى القلعة، وبين أيديهم الأسرى والغنائم، وهى على مائة وسبعين حمّالا وأربعين بغلا وعشرة جمال، ما بين جوخ، وصوف، وصناديق، وحديد، وآلات حربيّة، وأوان، وسار الجميع من شارع القاهرة، وقد جلس الناس بالحوانيت والبيوت والأسطحة والشوارع بحيث إن الشخص كان لا يكاد أن يمرّ إلى طريقه إلا بعد مشقّة كبيرة، وربما لا يستطيع السير ويرجع إلى حيث أتى، وبالجملة فإنه كان يوما مشهودا لم يعهد مثله فى الدّولة التركيّة، ولما طلع ذلك كلّه إلى القلعة وعرض على السلطان رسم السلطان ببيع الأسرى وتقويم الأصناف، فقوّمت الأصناف. ثم ابتدئ بالبيع فى يوم الاثنين سابع عشرين شوّال بالحرّاقة من باب السّلسلة بحضرة الأمير جقمق العلائى أمير آخور الكبير «1» ، وتولّى البيع عن السلطان الأمير إينال الشّشمانى الناصرىّ أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، فاشتراهم النّاس على اختلاف طبقاتهم من أمير وجندى وقاض وفقيه وتاجر وعلمىّ، ورسم السلطان أن لا يفرّق بين الآباء وأولادهم، ولا بين قريب وقريبه، فكانوا يشترونهم جميعا، والذي كان وحده أبيع وحده، واستمرّ البيع فيهم أيّاما، وجمع ما تحصّل من أثمانهم فأنفق السلطان من ذلك على المجاهدين، فأعطى لطائفة سبعة دنانير ونصفا، ولطائفة ثلاثة دنانير ونصفا، وانقضى أمر المجاهدين فى هذه السنة. قال المقريزى: فى يوم الجمعة سابع ذى الحجّه اتّفقت حادثة شنيعة، وهى أن الخبز قلّ وجوده فى الأسواق فعند ما خرج بدر الدين محمود العينتابى «2» محتسب

القاهرة من داره سائرا إلى القلعة صاحت عليه العامة واستغاثوا بالأمراء وشكوا إليهم المحتسب، فعرّج عن الشارع وطلع إلى القلعة وهو خائف من رجم العامّة له وشكاهم إلى السلطان، وكان يختصّ به ويقرأ له فى اللّيل تواريخ الملوك ويترجمها له بالتّركيّة، فحنق السلطان وبعث طائفة من الأمراء إلى باب زويلة، فأخذوا أفواه السّكك ليقبضوا على الناس، فرجم بعض العبيد بعض الأمراء بحجر أصابه فقبض عليه وضرب، ثم قبض على جماعة كبيرة من الناس وأحضروا بين يدى السلطان، فرسم بتوسيطهم، ثم أسلمهم إلى الوالى فضربهم وقطع آنافهم وآذانهم وسجنهم ليلة السبت، ثمّ عرضوا من الغد على السلطان فأفرج عنهم، وعدّتهم اثنان وعشرون رجلا من المستورين ما بين شريف وتاجر، فتنكّرت القلوب من أجل ذلك، وانطلقت الألسنة بالدعاء وغيره- انتهى كلام المقريزى برمته. وهو كما قال، غير أنه سكت عن رجم العامّة للعينتابىّ المذكور يريد بذلك تقوية الشّناعة على العينتابىّ لبغض كان بينهما قديما وحديثا. ثمّ قدم كتاب الأمير تغرى بردى المحمودىّ رأس نوبة النّوب وأمير حاجّ المحمل من مكّة فى يوم الجمعة حادى عشرين ذى الحجة، يتضمّن أنه لما نزل عقبة أيلة «1» بعث قاصدا إلى الشّريف حسن بن عجلان أمير مكّة يرغّبه فى الطاعة ويحذّره عاقبة المخالفة، فقدم عليه ابنه بركات بن حسن بن عجلان وقد نزل بطن مرّ «2» فى ثامن عشرين ذى القعدة، فسرّ بقدومه ودخل معه مكّة فى أوّل ذى الحجة، وحلف له بين الحجر الأسود والملتزم أن أباه لا يناله مكروه من قبله ولا من قبل السلطان، فعاد إلى أبيه وقدم به مكّة فى يوم الاثنين ثالث ذى الحجة، وأنه حلف له ثانيا وألبسه التّشريف السّلطانى وقرّره فى إمرة مكّة على عادته، وأنه عزم على حضوره إلى السلطان صحبة الرّكب واستخلاف ولده بركات على مكّة- انتهى.

ما وقع من الحوادث سنة 829

[ما وقع من الحوادث سنة 829] ثم فى يوم الاثنين خامس عشرين المحرم سنة تسع وعشرين وثمانمائة خلع السلطان على الأمير إينال الشّشمانى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة باستقراره فى حسبة القاهرة عوضا عن قاضى القضاة بدر الدين محمود العينى الحنفى. ثم فى رابع عشرين المحرم قدم الأمير «1» تغرى بردى المحمودى رأس نوبة النوب وأمير حاج المحمل بالمحمل، وقدم معه [الأمير] «2» الشريف حسن بن عجلان، فأكرمه السلطان وأنزله بمكان يليق به، ثم خلع عليه فى يوم سابع عشرينه باستقراره فى إمرة مكّة على عادته بعد أن التزم بحمل ثلاثين ألف دينار، وأرسل قاصده إلى مكّة ليحضر المبلغ المذكور، وأقام هو بالقاهرة رهينة، وقدم أيضا مع الحاج الأمير قرقماس الشّعبانى الناصرىّ أحد مقدّمى الألوف، بعد أن أقام بمكة نحو السنتين شريكا لأمير مكّة فى هذه المدّة، ومهّد أمورها وأقمع عبيد مكّة ومفسديها وأبادهم. ثم فى يوم الأربعاء نصف صفر جمع السلطان الأمراء والقضاة وكثيرا من أكابر التجار وتحدّث معهم فى إبطال المعاملة بالذّهب المشخّص «3» الذي يقال له الإفرنتى، وهو من ضرب الفرنج، وعليه شعار كفرهم الذي لا تجيزه الشريعة المحمديّة، وأن يضرب عوضه ذهبا عليه السّكّة الإسلامية، فضوّب من حضر رأى السلطان فى ذلك «4» ، وهذا الإفرنتى المذكور قد كثرت المعاملة به فى زماننا من حدود سنة ثمانمائة فى أكثر مدائن الدّنيا مثل: القاهرة ومصر، والبلاد الشّاميّة، وأكثر بلاد الرّوم، وبلاد الشرق، والحجاز، واليمن، حتى صار هو النقد الرّائج والمطلوب فى المعاملات، وانفضّ المجلس على ذلك، وقد كثر ثناء الناس على السلطان بسبب إبطال ذلك.

ولما كان الغد طلب السلطان صنّاع دار الضّرب وشرع فى ضرب الذّهب الأشرفى، وتطلّب من كان عنده من الذهب الإفرنتى. ثم فى سادس عشرينه نودى بالقاهرة بإبطال المعاملة بالذهب الإفرنتى، وأن يتعامل الناس بالدّنانير الأشرفيّة زنة الدّينار منها زنة الإفرنتى، ثم ألزم السلطان الناس بحمل ما عندهم من الإفرنتية إلى دار الضّرب. ثم فى يوم الخميس رابع عشر شهر «1» ربيع الأول قدم الأمير قصروه «2» من تمراز نائب طرابلس، وطلع إلى القلعة وقبّل الأرض وخلع السلطان عليه خلعة الاستمرار بولايته على عادته، ثمّ فى يوم السبت قدّم هديّته إلى السلطان، وكانت تشتمل على شىء كثير. وفى يوم الخميس المذكور وصل «3» إلى القاهرة الأمير يربغا التّنمىّ أحد أمراء العشرات عائدا من بلاد اليمن بغير طائل، وسببه أن السلطان كان أطمعه بعض الناس فى أخذ اليمن وهوّن عليه أمرها- وهو كما قيل- غير أن الملك الأشرف لم يلتفت إلى ذلك بالكلية تكذيبا للقائل له، فأرسل الأمير يربغا هذا بهديّة لصاحب اليمن وصحبته السّيفى ألطنبغا فرنج الدّمرداشىّ والى دمياط- كان- ومعهما أيضا خمسون مملوكا من المماليك السلطانية، فساروا إلى جدّة، ثم ركبوا منها البحر وتوجّهوا إلى جهة اليمن، إلى أن وصلوا حلى بنى يعقوب «4» ، فسار منه يربغا التّنمى ومعه من المماليك خمسة نفر لا غير، ومعه الهدية والكتاب لصاحب اليمن، وهو يتضمن طلب مال للإعانة على الجهاد، وأقام ألطنبغا فرنج ببقية المماليك فى المراكب، فأكرم صاحب اليمن يربغا

المذكور وأخذ فى تجهيز هدية عظيمة، وبينما هو فى ذلك قدم عليه الخبر بأن ألطنبغا فرنج نهب بعض الضّياع وقتل أربعة رجال، فأنكر صاحب اليمن أمرهم وتنبّه لهم، وقال للأمير يربغا: ما هذا خبر خير؛ فإن العادة لا يحضر إلينا فى الرّسالة إلا واحد، وأنتم حضرتم فى خمسين رجلا، ولم يحضر إلى منكم إلا أنت فى خمسة نفر وتأخر باقيكم وقتلوا من رجالى أربعة «1» ، وطرده عنه من غير أن يجهّز هدية ولا وصله بشىء، ولولا خشية العاقبة لقتله، فنجا يربغا بمن معه بأنفسهم، وعادوا إلى مكة، وقدم يربغا إلى القاهرة مخفّا، فلما بلغ السلطان ذلك أراد أن يجهّز إلى اليمن عسكرا فمنعه من ذلك شغله بغزو الفرنج. ثم فى يوم السبت أوّل شهر ربيع الآخر خلع السلطان على الأمير قصروه خلعة السفر، وخرج من يومه إلى محلّ كفالته بطرابلس. ثم فى يوم السبت ثامنه خلع السلطان على الأمير يشبك السّاقى الأعرج واستقرّ أمير سلاح عوضا عن إينال النوروزى بحكم موته. ثم فى خامس عشرين شهر ربيع الآخر المذكور «2» استقرّ العلامة كمال الدين محمد ابن همام الدين محمد السّيواسى الأصل الحنفى فى مشيخة التصوف بالمدرسة الأشرفية وتدريسها عوضا عن العلامة علاء الدين على الرومى بحكم رغبته وعوده إلى بلاده. ثم فى يوم الخميس سابع عشرينه خلع السلطان على القاضى بدر الدين محمود العينتابى باستقراره قاضى قضاة الحنفية بالديار المصرية عوضا عن زين الدين عبد الرحمن التفهنى، واستقر التفهنى المذكور فى مشيخة صوفية خانقاه شيخون بعد موت شيخ الإسلام سراج الدين عمر قارىء الهداية. وفى يوم الجمعة ثامن عشرين [شهر «3» ] ربيع الآخر المذكور نزل من القلعة جماعة

كبيرة من الأمراء والمماليك وهم متقلدون بسيوفهم حتى طرقوا الجودرية «1» إحدى حارات القاهرة، فأحاطوا بها مع جميع جهاتها وكبسوا على دورها وفتشوها تفتيشا عظيما، وقدوشى بعض الناس إلى السلطان بأن جانى بك الصوفى فى داربها، فلم يقعوا له على خبر، وقبضوا على القاضى فخر الدين ماجد بن المزوق الذي كان ولى كتابة السرّ ونظر الجيش فى دولة الملك الناصر فرج وأحضروه بين يدى السلطان، فسأله عن الأمير جانى بك الصوفى وحلف له إن دله على مكانه لا يمسه بسوء، فحلف فخر الدين المذكور أنه لا يعرف مكانه ولا وقع بصره عليه من يوم أمسك وحبس، فلم يحمله السلطان على الصدق لمصاهرة كانت بينه وبين جانى بك الصوفى وصحبة قديمة، وأمر به فضرب بين يديه بالمقارع وأمر بنفيه، ثم نودى من الغد أن لا يسكن أحد بالجودرية لما ثبت عند السلطان أن جانى بك الصوفى مختف بها، والظاهر أن الذي كان ثبت عند الأشرف أن جانى بك الصّوفى كان مختفيا بها كان على حقيقته فيما بلغنا بعد موت الملك الأشرف، غير أن السّتّار ستره وحماه، فلم يعثروا عليه حتى قيل إنه كان بالدّار المهجوم عليها ولم ينهض للهروب فالتفّ بحصيرة بها، وكلّ من دخل الدّار رأى الحصيرة المذكورة فلم يجسّها أحد بيده؛ لتعلم أن الله على كل شىء قدير. ولما نودى أن لا يسكن أحد بالجودريّة انتقل منها جماعة كبيرة واستمرت خالية زمانا طويلا، هذا والسلطان فى كلّ قليل يقبض على جماعة من المماليك السلطانية ويعاقبهم ليقرّوا على جانى بك الصّوفى، فلم يقع له على خبر، كلّ ذلك والسلطان فى شغل بتجهيز المجاهدين لغزو قبرس: وورد عليه- فى يوم السّبت سابع عشرين جمادى الأولى- رسول صاحب إستانبول

وهى القسطنطينيّة بهديّة وشفع فى أهل قبرس أن لا يغزوا، فلم يلتفت السلطان إلى شفاعته، وأخذ فيما هو فيه من تجهيز العساكر. ثم فى يوم الاثنين ثالث عشر جمادى الآخرة من سنة تسع وعشرين المذكورة قدم من عساكر البلاد الشّاميّة عدة كبيرة من الأمراء والمماليك والعشير وطائفة كبيرة من المطّوّعة ليسيروا إلى الجهاد، فأنزلوا بالميدان الكبير. وفيه خلع السلطان على قاضى القضاة عزّ الدين عبد العزيز بن على بن العزّ قاضى قضاة الحنابلة بدمشق زمن المؤيّد شيخ باستقراره قاضى قضاة الحنابلة بديار مصر، عوضا عن قاضى القضاة محبّ الدين أحمد بن نصر الله البغدادى بحكم صرفه عنها، وكان عزل قاضى القضاة محب الدين لسوء سيرة أخيه وابنه. ثم فى ثالث عشرين جمادى الآخرة جلس السلطان بالحوش من قلعة الجبل لعرض المجاهدين، وأنفق فيهم مالا كبيرا، فكان يوما من أجلّ الأيّام وأحسنها، لما وقع فيه من بذل السلطان الأموال على من تعيّن للجهاد، وعلى عدم التفات المجاهدين لأخذ المال، بل كان الشخص إذا وقف فى مجلس السلطان ينظر رءوس النّوب تتهارب من المماليك السلطانية الذين يريدون أخذ الدّستور «1» من السّلطان للتوجّه إلى الجهاد، والسلطان يأمرهم بعدم السّفر، ويعتذر أنه لم تبق مراكب تحملهم، وهم يتساعون فى ذلك مرّة بعد أخرى، وربما تكرّر وقوف بعضهم الأربع مرّات والخمسة، وأيضا من عظم ازدحام الناس على كتّاب المماليك ليكتبوهم فى جملة المجاهدين فى المراكب المعيّنة، حتى إنه سافر فى هذه الغزوة عدّة من أعيان الفقهاء، ولمّا أن صار السلطان لا ينعم لأحد بالتّوجّه بعد أن استكفت العساكر سافر جماعة من غير دستور، وأعجب من هذا أنه كان الرّجل ينظر فى وجه المسافر للجهاد يعرفه قبل أن يسأله لما بوجهه من السّرور والبشر الظاهر بفرحه للسّفر، وبعكس ذلك فيمن لم يعيّن للجهاد، هذا مع كثرة من تعيّن للسفر من المماليك السلطانية وغيرهم، وما أرى هذا إلا أنّ الله

[تعالى] «1» قد شرح صدورهم للجهاد وحببهم فى الغزو وقتال العدوّ، ليقضى الله أمرا كان مفعولا، ولم أنظر ذلك فى غزوة من الغزوات قبلها ولا بعدها- انتهى. ثمّ فى يوم الخميس أوّل شهر رجب أدير المحمل بالقاهرة ومصر على العادة فى كل سنة، وعجّل عن وقته لسفر المجاهدين للغزاة. ثم فى يوم الجمعة ثانى شهر رجب من سنة تسع وعشرين المذكورة خرجت المجاهدون من القاهرة، وسافروا من ساحل بولاق إلى جهة الإسكندرية ودمياط، ومقدّموا العساكر جماعة كبيرة من أمراء الألوف وأمراء الطبلخانات وأمراء العشرات وأعيان الخاصّكيّة، وجماعة كبيرة من أعيان أمراء دمشق وغيرها، فالذى كان من مقدّمى الألوف: الأمير إينال الجكمىّ أمير مجلس، وهو مقدّم العساكر فى المراكب بالبحر، ومعه الأمير قرامراد خجا الشّعبانى أمير جاندار وأحد مقدّمى الألوف، وعدة من الأمراء والمماليك السّلطانية وغيرهم، والذي كان مقدّم العساكر فى البرّ الأمير تغرى بردى المحمودىّ الناصرىّ رأس نوبة النّوب، ومعه الأمير حسين ابن أحمد المدعو تغرى برمش نائب القلعة- كان- وهو يوم ذاك أحد مقدّمى الألوف، فهؤلاء الأربعة من أمراء الألوف، والذي كان من أمراء الطبلخانات الأمير قانصوه النّوروزىّ، والأمير يشبك السّودونىّ المشدّ الذي صار أتابك فى دولة الملك الظاهر جقمق، والأمير إينال العلائىّ ثالث رأس نوبة، أعنى عن السلطان الملك الأشرف إينال سلطان زماننا، وأمير آخر لا يحضرنى الآن اسمه، والذي توجّه من أمراء العشرات فعدّة كبيرة، والذي كان من أمراء دمشق: الأمير طوغان السّيفى تغرى بردى أحد مقدّمى الألوف بدمشق، وهو دوادار الوالد [رحمه الله] «2» ومملوكه، وجماعة كبيرة أخر دونه فى الرّتبة من أمراء دمشق، وخرجت الأمراء فى

هذا اليوم، وتبعهم المجاهدون فى السّفر فى النيل أرسالا حتى كان آخرهم سفرا فى يوم السبت حادى عشر شهر رجب المذكور. وكان ليوم خروج المجاهدين بساحل بولاق نهار يجلّ عن الوصف، تجمّع الناس فيه للفرجة على المسافرين من الأقطار والبلاد والنّواحى، حتى صار ساحل بولاق لا يستطيع الرّجل أن يمرّ فيه لحاجته إلا بعد تعب ومشقة زائدة، وعدّى الناس إلى البرّ الغربىّ ببرّ منبابة وبولاق التّكرور، ونصبوا بها الخيم والأخصاص، هذا وقد انتشر البحر بالمراكب التى فيها المتنزّهون، وأمّا بيوت بولاق فلم يقدر على بيت منها إلا من يكون له جاه عريض أو مال كبير، وتقضّى للناس بها أيام سرور وفرح وابتهال إلى الله تعالى بنصر المسلمين وعودهم بالسلامة والغنيمة. وسار الجميع إلى ثغر دمياط، وثغر الإسكندرية، وتهيّئوا للسفر والسلطان متشوّف لما يرد عليه من أخبار سفرهم. وبينما هو فى ذلك ورد عليه الخبر فى يوم الثلاثاء ثامن عشرين شهر رجب المذكور بأن الغزاة مرّوا فى طريقهم «1» إلى رشيد، وأقلعوا من هناك يوم رابع عشرينه، وساروا إلى أن كان يوم الاثنين انكسر منهم نحو أربعة مراكب غرق فيها نحو العشرة أنفس، وكانوا بالقرب من ساحل الإسلام بثغور أعمال مصر، ولما بلغ السلطان ذلك انزعج غاية الانزعاج حتى إنه كاد يهلك، وبكى بكاء كثيرا، وصار فى قلق عظيم، بحيث إن القلعة ضافت عليه، وعزم على عدم سفر الغزاة المذكورين، ثم قوى عنده أنه يرسل الأمير جرباش الكريمىّ قاشق حاجب الحجاب لكشف خبرهم ولعمل مصالحهم وللمشورة مع الأمراء فى أمر السفر، وخرج الأمير جرباش المذكور مسافرا إليهم وترك السلطان فى أمر مريج، وكذلك جميع الناس إلا أنا تباشرت بالنّصر من يومئذ، وقلت: ما بعد الكسر إلا الجبر، وكذا وقع فيما يأتى ذكره إن شاء الله تعالى، وسار الأمير جرباش إلى العسكر فوجد الذي حصل بالمراكب المذكورة ترميمه سهل، وقد

شرعت الصنّاع فى إصلاحه، فتشاور مع الأمراء فأجمع الجميع على السّفر، فعند ذلك جمع الأمير جرباش الصّنّاع وأصلح جميع ما كان بالمراكب من الخلل إلى أن تمّ أمرهم، فركبوا وساروا على بركة الله وعونه، وعاد الأمير جرباش وأخبر السلطان بذلك فسكن ما كان به. وكان قبل قدوم جرباش أو بعد قدومه فى يوم الثلاثاء خامس شعبان ورد الخبر على السلطان بأن طائفة من غزاة المسلمين من العسكر السلطانى لمّا ساروا من رشيد إلى الإسكندرية صدفوا فى مسيرهم أربع قطع من مراكب الفرنج وهم قاصدون «1» ثغر الإسكندرية فكتب المسلمون لمن فى رشيد من بقيّة الغزاة بسرعة إلحاقهم ليكونوا يدا واحدة على قتال الفرنج المذكورين، وتقاربوا من مراكب الفرنج وتراموا معهم يومهم كلّه [بالنّشّاب] «2» إلى الليل، وباتوا يتحارسون إلى الصباح، فاقتتلوا أيضا باكر النهار، وبينماهم فى القتال وصل بقيّة الغزاة من رشيد، فلما رآهم الفرنج ولّوا الأدبار بعد ما استشهد من المسلمين عشر نفر، وساروا حتى اجتمعوا بمن تقدّمهم من الغزاة من ثغر الإسكندرية، وسافر الجميع معا يريدون قبرس فى يوم الأربعاء العشرين من شعبان، إلى أن وصلوا إلى قلعة اللّمسون فى أخريات شعبان المقدم ذكره، فبلغهم أن صاحب جزيرة قبرس قد استعدّ لقتالهم، وجمع جموعا كثيرة، وأنه أقام بمدينة الأفقسيّة «3» - وهى مدينة قبرس- وعزم على لقاء المسلمين، فأرسلوا بهذا الخبر إلى السلطان، ثم انقطعت أخبارهم عن السلطان إلى ما يأتى ذكره. وفى يوم السبت رابع عشر شهر رمضان خلع السلطان على الأمير يشبك السّاقى الأعرج أمير سلاح باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية عوضا عن الأمير قجق

العيساوىّ بحكم وفاته، وأنعم بإقطاع يشبك الأعرج المذكور على الأمير قرقماس الشّعبانى الناصرى القادم من مكة قبل تاريخه، وأنعم بإقطاع قرقماس المذكور على الأمير بردبك السيفى يشبك بن أزدمر الأمير آخور الثانى، وصار من جملة مقدّمى الألوف، وأنعم بإقطاع بردبك على الأمير يشبك أخى السلطان الملك الأشرف برسباى القادم قبل تاريخه بمدّة يسيرة من بلاد الچاركس، والإقطاع إمرة طبلخاناه، وخلع على سودون ميق رأس نوبة باستقراره أمير آخور ثانيا عوضا عن بردبك المقدّم ذكره.

ذكر غزوة قبرس على حدتها

ذكر غزوة قبرس على حدتها ولما كان يوم الاثنين ثالث عشرين شهر رمضان ورد الخبر على السلطان بأخذ مدينة قبرس وأسر ملكها جينوس بن جاك، فدقّت البشائر بالقلعة لهذا الفتح ثلاثة أيام، وكان من خبر ذلك أن الغزاة لما ساروا من الثّغور المذكورة إلى جهة قبرس وصلوا إلى مدينة اللّمسون مجتمعين ومتفرّقين، فبلغهم من أهل اللّمسون أن متملك قبرس جاءه نجدة كبيرة من ملوك الفرنج، وأنه استعدّ لقتالهم كما تقدّم ذكره، ولما وصلوا إلى اللّمسون نازلوا قلعتها وقاتلوا من بها حتى أخذوها عنوة فى يوم الأربعاء سادس عشرين شعبان، ونهبوها وسبوا أهلها، وقتلوا جماعة كبيرة ممن كان بها من الفرنج، ثم هدموها عن آخرها، وساروا منها فى يوم الأحد أوّل شهر رمضان من سنة تسع وعشرين المقدم ذكرها بعد أن أقاموا عليها نحو ستة أيام، وساروا فرقتين فرقة فى البرّ وعليهم الأمير تغرى بردى المحمودى والأمير حسين بن أحمد المدعو تغرى برمش أحد مقدّمى الألوف ومن انضاف إليهم من أمراء الطبلخانات والعشرات والعساكر [المصرية والشاميّة] «1» من الخيّالة والرّجّالة، وفرقة فى البحر ومقدّمهم الأمير إينال الجكمىّ أمير مجلس، والأمير قرامراد خجا الشّعبانىّ أحد مقدّمى الألوف بمن انضاف إليهم من العساكر المصرية والشاميّة، وكان سبب مسير هؤلاء فى البحر مخافة أن يطرق الفرنج المراكب من البحر ويأخذوها ويصير المسلمون ببلادهم يقاتلونهم على هيئتهم، وكان ذلك من أكبر المصالح، ثم سار الذين فى البرّ متفرقين حتى صاروا بين اللّمسون والملّاحة وهم من غير تعبئة لقتال بل على صفة السّفار غير أنّ على بعضهم السلاح وأكثرهم بلا سلاح لشدّة الحر، وصار كلّ واحد من القوم يطلب قدّاما من غير أن يتربّص أحدهم لآخر، وفى ظنهم أن صاحب قبرس لا يلقاهم إلا خارج قبرس، وتأخّر الأمراء ساقة العسكر كما هى عادة مقدّمى العساكر،

والناس تجدّ فى السّير إلى أن يقاربوا قبرس [ثم] «1» يقفوا هناك يريحون [خيلهم] «2» إلى أن تكتمل العساكر وتتهيّأ الأطلاب للقتال ثم يسيرون جملة واحدة بعد التعبئة والمصاففة. وبينما هم فى السير إذا هم بمتملك قبرس بجيوشه وعساكره ومن انضاف إليه من ملوك الفرنج وغيرها وقد ملأت الفضاء، وكان الذين وافاهم صاحب قبرس من المسلمين الذين سبقوا طائفة قليلة جدا وأكثرهم خيّالة من أعيان المماليك السلطانية، فعندما وقع العين على العين لم يتمالك المسلمون أن يصبروا لمن خلفهم حتى يصيروا جملة واحدة بل انتهزوا الفرصة وتعرّضوا للشهادة، وقال بعضهم لبعض: هذه الغنيمة، ثم حرّكوا خيولهم وقصدوا القوم بقلب صادق- وقد احتسبوا نفوسهم فى سبيل الله- وحملوا على الفرنج حملة عظيمة [وصاحوا الله أكبر] «3» وقاتلوهم أشدّ قتال، وأردفهم بعض جماعة وتخلّف عنهم أخر، منهم رجل من أكابر الخاصّكيّة أقام يستظلّ تحت شجرة [كانت] «4» هناك، وتقاتل المسلمون مع الفرنج قتالا شديدا، قتل فيه السّيفى تغرى بردى المؤيّدى الخازندار، وكان من محاسن الدنيا، لم ترعينى أكمل منه فى أبناء جنسه، والسّيفى قطلوبغا المؤيّدى البهلوان، وكان رأسا فى الصّراع، ومن مقولة تغرى بردى المقدّم ذكره فى الشجاعة والفروسيّة، والسيفى إينال طاز البهلوان، والسّيفى نانق اليشبكىّ وهؤلاء الأربعة من الأعيان والأبطال المعدودة- عوّض الله شبابهم الجنة بمنّه وكرمه- ثم قتل من المسلمين جماعة أخر، وهم مع قلتهم ويسير عددهم فى ثبات إلى أن نصر الله الإسلام، ووقع على الكفرة الخذلان وانكسروا، وأسر متملك قبرس مع كثرة جموعه وعظم عساكره التى لا تحصر، وقلة عسكر المسلمين، حتى إن الذي كان حضر أوائل الوقعة أقل من سبعين نفسا قبل أن يصل إليهم الأمير إينال العلائى الناصرى أحد أمراء الطبلخانات [ورأس نوبة ثالث] «5» وهو الملك الأشرف إينال، والأمير تغرى برمش، ثم تتابع القوم طائفة بعد طائفة؛ كلّ ذلك بعد أن انكسرت الفرنج وأسر

صاحب قبرس، وقتل من قتل من المسلمين، ولمّا ترادفت عساكر الإسلام ركبوا أقفية الفرنج ووضعوا فيهم السّيف، وأكثروا من القتل والأسر، وانهزم من بقى من الفرنج إلى مدينة قبرس الأفقسيّة، ثم وجد المسلمون مع الفرنج طائفة من التركمان المسلمين قد أمدّ الفرنج بهم على بك بن قرمان- عليه من الله ما يستحقه- فقتل المسلمون كثيرا منهم. واجتمع عساكر البرّ والبحر من المسلمين فى الملّاحة يوم الاثنين ثانى شهر رمضان، وتسلم الأمير تغرى بردى المحمودى صاحب قبرس، كل ذلك والمسلمون يقتلون ويأسرون وينبهون حتى امتلأت أيديهم وتغلّبوا عن حمل الغنائم. وأما القتلى من الفرنج فلا تحصر ويستحى من ذكرها كثرة؛ حدثنى بعض مماليك الوالد ممن باشر الواقعة من أوّلها إلى آخرها وجماعة كبيرة من الأصحاب الثقات قالوا: كان موضع الوقعة أزيد من ألفى قتيل من قتلى الفرنج، هذا فى الموضع الذي كان فيه القتال، وأما الذي قتل من الفرنج بالضّياع والأماكن وبطريق قبرس فلا حدّ له ولا حساب، فإنه استمرّ القتل فيهم أيّاما، واستمروا على الملّاحة إلى يوم الخميس خامس شهر رمضان فساروا منها يريدون الأفقسيّة مدينة قبرس. ولما ساروا وافاهم الخبر- بعد أن تقدّم منهم جماعة كبيرة من المطّوّعة والمماليك السلطانية إلى مدينة قبرس- بأن أربعة عشر مركبا من مراكب الفرنج مشحونة بالسلاح والمقاتلة أتت [المراكب] «1» لقتال المسلمين، منها سبعة أغربة، وسبعة مربّعة القلاع، فلاقاهم الأمير إينال الجكمىّ أمير مجلس، والأمير قرامراد خجا الشعبانى، والأمير طوغان السّيفى تغرى بردى أحد مقدّمى دمشق، والأمير جانى بك رأس نوبة السّيفى يلبغا النّاصرى المعروف بالثّور بعساكرهم وبمن انضاف إليهم من المطوّعة وغيرهم؛ وهؤلاء الأمراء الذين كانوا مقدّمى العساكر فى البحر بالمراكب، واقتتلوا مع الفرنج المذكورين أشدّ قتال حتى هزموهم وأخذوا منهم مركبا مربّعا من مراكب

الفرنج بعد أن قتلوا منهم عدّة كبيرة تقارب ما ذكرنا ممّن قتل بمكان الوقعة الأولى، وولت الفرنج الأدبار. واستمرّ الذي توجّه من الغزاة إلى الأفقسيّة من المماليك السلطانية وغيرهم يقتلون فى طريقهم ويأسرون إلى أن وصلوا إلى المدينة ودخلوا قصر الملك ونهبوه. ثم عادوا ولم يحرقوا بمدينة قبرس إلا مواضع يسيرة، ولم يدخل المدينة أحد من أعيان العسكر، وغالب الذي دخلها من المماليك السلطانية والمطّوّعة، وكان دخولهم وإقامتهم بها وعودهم منها فى يومين وليلة واحدة. ثم أقام جميع الغزاة بالملّاحة وأراحوا بها أبدانهم سبعة أيّام، وهم يقيمون فيها شعائر الإسلام من الأذان والصلاة والتسبيح- ولله الحمد على هذه المنة بهذا الفتح العظيم الذي لم يقع مثله فى الإسلام من يوم غزاهم معاوية بن أبى سفيان، رضى الله عنه فى سنة نيّف وعشرين من الهجرة. ثم ركبت الغزاة المراكب عائدين إلى جهة الدّيار المصرية، ومعهم الأسرى والغنائم، ومن جملتها متملّك قبرس فى يوم الخميس ثانى عشر رمضان بعد أن بعث أهل الماغوصة يطلبون الأمان- هذا ما كان من أمرهم-[انتهى] «1» . وجزيرة قبرس تسمّى باللغة الرّومية شبرا، والبحر يحيط بها مائتى ميل، والميل أربعة آلاف ذراع، والذراع أربعة وعشرون إصبعا، والإصبع ست شعيرات مضموم بعضها إلى بعض، والفرسخ بهذا الميل ثلاثة أميال والبريد بهذا الفرسخ أربعة فراسخ، وجزيرة قبرس من الإقليم الرّابع من الأقاليم السبعة، وسلطانها يقال له أرادا شبرا: أى سلطان الجزيرة، وقبرس مدينة بالجزيرة تسمّى الأفقسيّة، ومسيرة جزيرة قبرس سبعة أيام، وبالجزيرة المذكورة اثنا عشر ألف قرية كبارا وصغارا، وبمدنها وقراها من الكنائس والدّيارات والقلالى والصوامع كثير، وبها البساتين المشتملة على الفواكه المختلفة، وبها

الرياحين العطرة كالخزام والياسمين والورد والسّوسن والنرجس والريحان والنسرين والأقحوان وشقائق النعمان وغير ذلك، وبمدن الجزيرة المذكورة الأسواق والخانات والحمّامات والمبانى العظيمة [انتهى] «1» وأما أمر السلطان الملك الأشرف [برسباى] «2» فإنه لما بلغه خبر أخذ قبرس فى يوم الاثنين ثالث عشرين رمضان حسبما تقدّم ذكره كاد أن يطير فرحا، ولقد رأيته وهو يبكى من شدّة الفرح، وبكى الناس لبكائه، وصار يكثر من الحمد والشكر لله، ودقّت البشائر بقلعة الجبل وبسائر مدن الإسلام لما بلغهم ذلك، وارتجّت القاهرة وماجت الناس من كثرة السرور الذي هجم عليهم، وقرىء الكتاب الوارد بهذا النصر على الناس بالمدرسة الأشرفية بخط العنبريّين بالقاهرة حتى سمعه كلّ من قصد سماعه «3» ، وقالت الشعراء فى هذا الفتح عدّة قصائد، من ذلك القصيدة العظيمة التى نظمها الشيخ زين الدين عبد الرحمن بن الخراط أحد أعيان موقعى الدّست «4» بالديار المصرية، وأنشدها بين يدى السلطان بحضرة أرباب الدولة، والقصيدة ثلاثة وسبعون بيتا، أولها. [الكامل] بشراك يا ملك المليك الأشرفى ... بفتوح قبرس بالحسام المشرفى فتح بشهر الصوم تمّ له فيا ... لك أشرف فى أشرف فى أشرف فتح تفتحت السماوات العلى ... ... من أجله بالنصر واللطف الخفى والله حف جنوده بملائك ... عاداتها التأييد وهو بها حفى

ومنها: الأشرف السلطان أشرف مالك ... لولاه أنفس ملكه لم تشرف هو مكتف بالله أحلم قادر ... راض لآثار النبوة مقتفى حامى حمى الحرمين بيت الله وال ... قبر الشريف لزائر ومطوف وكلها على هذا النسق- انتهى. قلت: وكل ذلك والنّصارى تكذب هذا الخبر وتستغربه من أسر متملّك قبرس وهزيمته على هذا الوجه، لأن أمر هذا النّصر فى غاية من العجب من وجوه عديدة. أوّلها: قلة من قاتل الفرنج من المسلمين، فإنهم كانوا فى غاية من القلّة [ «1» بحيث إن العقل لا يقبل ذلك إلا بعد وقوعه فى هذه المرة «2» ] . وثانيهما: أنه لم تتعب عساكر الإسلام ولا وقع مصاف. وثالثها: أنه كان يمكن هزيمة صاحب قبرس من المسلمين بعد أيّام كثيرة من وجوه عديدة يطول الشرح فى ذكرها لا تخفى على من له ذوق. ورابعها: أنه كان يمكن هزيمة الفرنج ولا يمكن مسك الملك وأسره أيضا من وجوه عديدة. وخامسها: أن غالب العسكر إذا حصل لهم هزيمة يتحايون ويرجعون غير مرة على من هزمهم لا سيما كثرة عساكر الفرنج وقلة من حضر الوقعة من عساكر المسلمين فى هذه المرّة، فكان على هذا يمكنهم الكرّ على المسلمين بعد هزيمتهم غير مرّة. وسادسها: أن الوقعة والقتال والهزيمة والقبض على الملك وتشتت شمل الفرنج والاستيلاء على ممالكهم كل ذلك فى أقل من نصف يوم؛ فهذا أعجب من العجب.

وما أرى إلا أن الله سبحانه وتعالى أعزّ الإسلام وأهله، وخذل الكفر وأهله بهذا النصر العظيم الذي لم يسمع بمثله فى سالف الأعصار، ولا فرح بمثله ملك من ملوك الترك، ولقد صار للملك الأشرف برسباى بهذا الفتح ميزة على جميع ملوك التّرك إلى يوم القيامة- اللهم لا مانع لما أعطيت. ولما بلغ الملك الأشرف عود الغزاة المذكورين إلى جهة الدّيار المصريّة رسم فنودى بالقاهرة ومصر بالزّينة، ثم ندب السلطان جماعة كبيرة [من المماليك السلطانية] «1» بالتوجّه إلى الثّغور لحفظ مراكب الغزاة بعد خروجهم منها خوفا من أن يطرقهم طارق من الفرنج مما يأتى صاحب قبرس من نجدات الفرنج- وكان هذا من أكبر المصالح- ثم رسم السلطان لهم أن يأخذوا جميع المراكب من ثغر دمياط ويأتوا بها إلى ثغر الإسكندرية لتحفظ بها؛ وسبب ذلك أن الغزاة المذكورين كان منهم من وصل إلى ثغر الإسكندرية، ومنهم من وصل إلى ثغر دمياط، ومنهم من وصل إلى الطّينة؛ لكثرة المراكب ولاختلاف الأرياح. وبينما السلطان فى انتظار المجاهدين قدم عليه السيّد الشريف بركات «2» بن حسن بن عجلان أمير مكّة منها، وقد استدعى بعد موت أبيه، فأكرمه السلطان وخلع عليه بإمرة مكّة على أنه يقوم بما تأخّر على أبيه من الذّهب، وهو مبلغ خمسة وعشرين ألف دينار، فإن أباه الشريف حسن بن عجلان كان قد حمل من الثلاثين ألف دينار- التى التزم بها قبل موته- خمسة آلاف دينار، ثم التزم بركات أيضا بحمل عشرة آلاف دينار فى كلّ سنة، وأن لا يتعرض السلطان لما يؤخذ من بندر جدّة من عشور بضائع التّجّار الواصلة من الهند وغيره، وأن يكون ذلك جميعه لبركات المذكور [انتهى] «3» . ولما كان يوم عيد الفطر ابتدأ دخول «4» الغزاة إلى ساحل بولاق أرسالا كما خرجوا

منها، ووافق فى هذه الأيام وفاء النيل ستة عشر ذراعا، فتضاعف مسرّات الناس من كل جهة، واستمرّ دخولهم فى كل يوم إلى ساحل بولاق إلى أن تكامل فى يوم الأحد سابع شوّال ونزلوا بالميدان الكبير بالقرب من موردة الجبس، وأصبحوا من الغد فى يوم الاثنين ثامن شوّال- وهو يوم فطر السلطان؛ فإنّه كان يصوم الستة أيّام من شوّال- طلعوا إلى القلعة على كيفيّة ما يذكر، وهم جميع الأمراء والأعيان من المجاهدين والأسرى، والغنائم بين أيديهم، ومتملّك قبرس الملك جينوس بن جاك أمامهم وهو منكّس الأعلام، وقد اجتمع لرؤيتهم خلائق لا يعلم عدّتهم إلا الله تعالى، حتى أتت أهل القرى والبلدان من الأرياف للفرجة، وركبت الأمراء من الميدان ومعهم غالب الغزاة، وساروا من أرض اللّوق «1» حتى خرجوا من المقس «2» ودخلوا من باب القنطرة، وشقوا القاهرة إلى باب زويلة، وتوجّهوا من الصّليبة «3» من تحت الخانقاه الشيخونية من سويقة منعم «4» إلى الرّميلة، والخلق فى طول هذه المواضع تزدحم بحيث إن الرجل لا يسمع كلام رفيقه من كثرة زغاريط النّساء، التى صفّت على حوانيت القاهرة بالشوارع من غير أن يندبهم أحد لذلك. والإعلان بالتكبير والتهليل، ومن عظم التهانى. هذا مع تخليق الزّعفران والزينة المخترعة بسائر شوارع القاهرة حتى فى الأزقة- وفى الجملة كان هذا اليوم من الأيام التى لم نرها قبلها ولا سمعنا بمثلها- وساروا على هذه الصّفة إلى أن طلعوا إلى القلعة من باب المدرّج «5» ، وهم مع ذلك فى ترتيب فى مشيهم

يذهب العقل؛ وهو أنهم قدّموا أوّلا الفرسان من الغزاة أمام الجميع، ومن خلف الفرسان طوائف الرّجّالة من المطّوّعة وعشران البلاد الشّاميّة وعربان البلاد وزعر القاهرة، ومن خلف هؤلاء الجميع الغنائم محمولة على رءوس الحمّالين، وعلى ظهور الجمال والخيول والبغال والحمير، والتى كانت على الرءوس فيها تاج الملك وأعلامه منكّسة وخيله تقاد من وراء الغنائم، ثم من بعدهم الأسرى من رجال الفرنج، ثم من بعدهم السّبى من النساء والصّغار وهم أزيد من ألف أسير تقريبا سوى ما ذهب فى البلاد والقرى مع المطّوّعة وغيرهم من غير إذن مقدّم العساكر، وهو أيضا يقارب ما ذكر، ومن وراء الأسرى جينوس ملك قبرس وهو راكب على بغل بقيد حديد، وأركب معه اثنان من خواصّه، وعن يمينه الأمير إينال الجكمىّ أمير مجلس، وأمامه قرا مراد خجا الشّعبانىّ أحد مقدّمى الألوف أيضا، وعن يساره الأمير تغرى بردى المحمودىّ رأس نوبة النّوب، وأمامه الأمير حسين المدعو تغرى برمش أحد مقدّمى الألوف أيضا، وأمامهم أمراء الطبلخانات والعشرات على مراتبهم، وأمراء البلاد الشاميّة. وساروا على هذه الصّفة حتى طلعوا إلى القلعة فأنزل جينوس عن البغل وكشف رأسه عند باب المدرّج، وقد احتاطه الحجّاب وأمراء جاندار، وقد صفت العساكر الإسلامية من باب المدرّج إلى داخل الحوش السلطانى. فلما دخل جينوس من باب المدرّج قبّل الأرض، ثم قام ومشى ومعه الأمراء من الغزاة والحجّاب ورءوس النّوب وهو يرسف فى قيوده على مهل لكثرة الزّحام. هذا وقد جلس الملك الأشرف بالمقعد الذي على باب البحرة المقابل لباب الحوش السّلطانى فى موكب عظيم من الأمراء والخاصّكيّة، وعنده الشريف بركات بن حسن بن عجلان أمير مكة، وهو جالس فوق الأمراء، ورسل خوند كار مراد بن عثمان متملّك بلاد الرّوم، ورسل صاحب تونس من بلاد المغرب، ورسول الأمير عذرا أمير العرب بالبلاد الشّاميّة، وقد طال جلوس الجميع عند السلطان إلى قريب الظّهر، والسلطان يرسل إلى الغزاة رسولا بعد رسول باستعجالهم حتى اجتازوا بتلك الأماكن المذكورة؛ فإنها

مسافة طويلة، وأيضا لا يقدرون على سرعة المشى من كثرة ازدحام الناس بالطرقات، ثم ساروا من باب المدرج إلى أن دخلوا باب الحوش، فلمّا رأى متملك قبرس السلطان وهو جالس على المقعد المذكور فى موكبه وأمره من معه بتقبيل الأرض غشى عليه وسقط إلى الأرض، ثم أفاق وقبل الأرض وقام على قدميه عند باب الحوش تجاه السلطان على بعد، وسارت الغنائم بين يدى السلطان حتى عرضت عليه بتمامها وكمالها، ثم الأسرى بأجمعهم حتى انتهى ذلك كله، فتقدّمت الأمراء الغزاة وقبلوا الأرض على مراتبهم إلى أن كان آخرهم الأمير إينال الجكمىّ مقدّم العساكر. ثم أمر السلطان بإحضار متملّك قبرس فتقدّم ومشى وهو بقيوده ورأسه مكشوفة، وبعد أن مشى خطوات أمر فقبّل الأرض، ثم قام، ثم قبّل الأرض ثانيا بعد خطوات، وأخذ يعفّر وجهه فى التّراب، ثم قام فلم يتمالك نفسه- وقد أذهله ما رأى من هيبة الملك وعزّ الإسلام- فسقط ثانيا مغشيا عليه، ثم أفاق من غشوته وقبّل الأرض، وأوقف ساعة بالقرب من السلطان بحيث إنه يتحقّق شكله، هذا والجاويشيّة تصيح والشّبابة السلطانية تزعق والأوزان يضرب على عادته «1» ، ورءوس النّوب والحجّاب تهول الناس بالعصى من كثرة العساكر، والناس بالحوش المذكور، هذا مع ما الناس فيه من التّهليل والتّكبير بزقاقات القلعة، وأطباق المماليك السلطانية وغيرها. ثم أمر السلطان بجينوس المذكور أن يتوجّه إلى مكان بالحوش السلطانى، فمروا به فى الحال إلى المكان المذكور. ثم طلب السلطان مقدّمى عساكر الغزاة من أمراء مصر والشام والخاصّكيّة المقدّم كل واحد منهم على مركب، وكانوا كثيرا جدا؛ لأن عدّة مراكب الغزاة المصريين والشاميين زادت على مائة قطعة، وقيل مائتان، وقيل أكثر أو أقل ما بين أغربة، وقراقير، وزوارق وغير ذلك، فأوّل من بدأ بهم السلطان وخلع عليهم أمراء الألوف

بمصر والشام، وخلع على كل واحد منهم أطلسين متمّرا «1» ، وقيّد له فرسا بقماش ذهب، وهم الأمير إينال الجكمى أمير مجلس، والأمير تغرى بردى المحمودىّ الناصرى رأس نوبة النّوب، والأمير قرا مرادخجا الشّعبانى الظاهرى برقوق أمير جاندار والأمير حسين بن أحمد المدعو تغرى برمش البهسنىّ التّركمانىّ أحد مقدّمى الألوف، والأمير طوغان السّيفى تغرى بردى أحد مقدّمى الألوف بدمشق، ثم أمراء الطبلخانات والعشرات من أمراء مصر والشام على كل واحد فوقانى حرير كمخا «2» أحمر وأخضر وبنفسجىّ بطرز زركش على قدر مراتبهم، وكذلك كل مقدّم مركب من الخاصّكيّة والأجناد وغيرهم، فكان هذا اليوم يوما عظيما جليلا لم يقع مثله فى سالف الأعصار، أعزّ الله تعالى فيه دين الإسلام وأيّده وخذل فيه الكفر وبدّده. ثم انفض الموكب ونزل كلّ واحد إلى داره، وقد كثرت التهانى بحارات القاهرة وظواهرها لقدوم المجاهدين حتى إن الرّجل كان لا يجتاز بدرب ولا حارة إلا وجد فيها التخليق بالزّعفران والتهانى، ثم أمر السلطان بهدم الزينة فهدمت، وكان لها مدّة طويلة. ثم أصبح السلطان من الغد وهو يوم الثلاثاء تاسع شوّال جمع التّجّار لبيع الغنائم من القماش والأوانى والأسرى. ثم أرسل السلطان يطلب من متملك قبرس المال، فقال: مالى إلا روحى وهى بيدكم، وأنا رجل أسير لا أملك الدرهم الفرد، من أين تصل يدى إلى مال أعطيه لكم؟ وتكرّر الكلام معه بسبب ذلك وهو يجيب بمعنى ما أجاب به أوّلا، حتى طلبه السلطان بالحوش- وكان به أسارى الفرنج- فلما حضر بين يدى السّلطان وقبّل الأرض وأوقف وشاهده الأسرى من الفرنج فى تلك الحالة صرخوا بأجمعهم صرخة واحدة، وحثوا

التراب على رءوسهم، والسلطان ينظر إليهم من مجلسه بالمقعد الذي كان جلس به من أمسه، وسبب صراخ الأسرى وعظيم بكائهم أنه كان فيهم من لا يصدق أنّ ملكهم قد أسر لكثرتهم وتفرقهم فى المراكب، والاحتفاظ بهم، وعدم اجتماع بعضهم على بعض، فكان إذا قيل لبعضهم إن ملككم معنا أسيرا يضحك، ثم يقول: أين هو؟ فإذا قيل له بهذه المركب ويشار إلى مركب الأمير تغرى بردى المحمودىّ يهزأ بذلك ويتبسم، فلما عاينوه تحقّقوا أسره فهالهم ذلك، وقيل إنّ بعض سبى الفرنج سألت من رجل من المسلمين- لما كسروا الصليب الكبير الذي يعرف به جبل الصليب ببلادهم، وكان هذا الصليب معظما عندهم إلى الغاية- وقالت: نحن إذا حلف منا رجل أو امرأة على هذا الصّليب باطلا أوذى فى الوقت، وأنتم قد كسر تموه وأحرقتموه ولم يصبكم بأس، ما سبب ذلك؟ فقال لها الرجل: أنتم أطعتم الشيطان فصار يغويكم ويستخفّ بعقولكم، ونحن قد هدانا الله للإسلام وأنزل علينا القرآن فلا سبيل له علينا، فعند ما كسرناه بعد أن ذكرنا اسم الله تعالى عليه فرّ منه الشيطان وذهب إلى لعنة الله، فقالت المرأة: هو ما قلته، وأسلمت هى وجماعة معها- انتهى. ولما أوقف جينوس المذكور بالحوش بين يدى السلطان، وأوقف معه جماعة من قناصلة الفرنج ممن كان بمصر وأعمالها، وتكلم الترجمان معه فيما يفدى به نفسه من المال وإلا يقتله السلطان، صمم هو على مقالته الأولى، فالتزم القناصلة عنه بالمال لفدائه من غير تعيين قدر بعينه ... ، ولكنهم أجابوا السلطان بالسمع والطاعة فيما طلبه، وعادوا بجينوس إلى مكانه من الحوش والترسيم عليه، وكان الذي رسم عليه السّيفى أركماس المؤيدى الخاصكى المعروف بأركماس فرعون، وأقام جينوس بمكانه إلى يوم الأربعاء، فرسم له السلطان ببدلتين من قماشه، وأمر له بعشرين رطل لحم فى كل يوم، وستة أطيار دجاج، وخمسمائة درهم فلوسا برسم حوائج الطعام، وفسح له فى الاجتماع بمن يختاره من الفرنج وغيرهم، وأدخل إليه جماعة من حواشيه لخدمته، كلّ ذلك والسلطان مصمم على طلب خمسمائة ألف دينار منه يفدى بها نفسه وإلّا يقتله، والرسل

تتردّد بينهم من التراجمين والقناصلة إلى أن تقرر الصلح بعد أيّام على أنه يحمل مائتى ألف دينار يقوم منها بمائة ألف دينار عاجلة، وإذا عاد إلى بلاده أرسل بالمائة ألف دينار الأخرى، وضمنه جماعة فى ذلك، وأنه يقوم فى كل سنة بعشرين ألف دينار جزية، واشترط جينوس مع السلطان أن يكف عنه طائفة البنادقة «1» وطائفة الكيتلان «2» من الفرنج، فضمن له السلطان ذلك، وانعقد الصلح ثم أطلقه من السجن بعد أيام كما سنذكره فى يومه. هذا ما كان من أمر صاحب قبرس وغزوه [انتهى] «3» . وأما أمور المملكة فإنه لما كان يوم الخميس حادى عشر شوّال المذكور سافر الشريف بركات [بن حسن] «4» من القاهرة إلى مكّة المشرفة أميرا بها مكان والده [حسن] «5» . ثم فى يوم الاثنين خامس عشر شوّال خلع السلطان على الأمير إينال «6» الجكمى أمير مجلس باستقراره أمير سلاح عوضا عن الأتابك يشبك الأعرج، وكانت شاغرة عنه من يوم صار أتابك العساكر لغيبة إينال هذا فى الجهاد، وخلع على الأمير جرباش الكريمى قاشق حاجب الحجاب باستقراره أمير مجلس عوضا عن إينال الجكمىّ، وخلع على الأمير قرقماس الشعبانى الناصرى باستقراره حاجب الحجاب بالديار المصرية عوضا عن جرباش المذكور. ثم فى ثامن عشره خلع السلطان على الشّريف خشرم بن دوغان بن جعفر الحسينى باستقراره أمير المدينة النبويّة عوضا عن الشريف عجلان بن نعير بن منصور بن جمّاز، على أنه يقوم بخمسة آلاف دينار، ووقع بسبب ولاية خشرم هذا بالمدينة حادثة قبيحة،

ما وقع من الحوادث سنة 830

وهى أن خشرما المذكور لما قدم المدينة وقد رحل عنها المعزول عنها وهو الشريف عجلان بن نعير لما بلغه عزله، فلم يلبث خشرم بالمدينة غير ليلة واحدة وصبّحه عجلان بجموعه- وقد حشد العربان- وقاتل الشريف خشرما وحصره ثلاثة أيّام حتى كسروه، ودخل العرب المدينة ونهبوا دورها، وشعّثوا أسوارها، وأخذوا ما كان للحجّاج الشامييّن من ودائع وغيرها، وقبضوا على خشرم المذكور ثم أطلقوه بسبب من الأسباب، واستهانوا بحرمة المسجد، وارتكبوا عظائم. كل ذلك فى أواخر ذى القعدة. ثم فى يوم الخميس ثانى عشرين ذى الحجة قدم الأمير جار قطلو الظاهرى برقوق نائب حلب، فطلع إلى القلعة وقبّل الأرض وخلع السلطان عليه خلعة الاستمرار على نيابته، واستمرّ بالقاهرة إلى يوم السبت أول محرم سنة ثلاثين وثمانمائة خلع السلطان عليه خلعة السّفر وخرج من يومه إلى محل كفالته، [ما وقع من الحوادث سنة 830] ثم فى يوم الخميس سادس المحرم خلع السلطان على الأمير أزدمر من على خان الظاهرى «1» أحد مقدمى الألوف بديار مصر المعروف بشايا باستقراره فى حجوبية حلب، قلت: درجة إلى أسفل؛ فإنه يستحق ذلك وزيادة، لما كان يشتمل عليه من المساوئ والقبائح، لا أعرف فى أبناء جنسه أقذر منه؛ كان دميم الخلق مذموم الخلق، بشع المنظر، كريه المعاشرة، بخيلا متكبّرا، ظالما جبّارا، هذا مع الجبن والجهل المفرط وعدم التفات الملوك إليه فى كل دولة من الدّول، وعدّ إخراجه من مصر من حسنات الملك الأشرف، وأنا أقول: لو كان الرّجل يرزق على قدر معرفته، وما يحسنه من الفضائل والفنون لكانت رتبة أزدمر هذا أن يكون صبيّا لبعض أوباش السّراباتيّة «2» ، وقد استوعبنا مساوئه فى ترجمته فى تاريخنا المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى- انتهى. ثم أخذ السلطان فى الفحص على جائى بك الصّوفىّ على عادته.

وأهلّ شهر ربيع الأوّل، ففى ليلة الجمعة رابعه عمل السلطان المولد النبوىّ بالحوش من قلعة الجبل. ثم فى يوم السبت حادى عشرينه أفرج السلطان عن جينوس متملّك قبرس من سجنه بقلعة الجبل، وخلع عليه، وأركبه فرسا بسرج ذهب وكنبوش زركش، ونزل إلى القاهرة فى موكب، وأقام بدار أعدّت له، وقد استقرّ أركماس المؤيّدى المعروف بفرعون مسفّره، وصار يركب من منزله المذكور ويمرّ بشوارع القاهرة ويزور كنائس النّصارى ومعابدهم، ويتوجّه إلى حيث اختار من غير حجر عليه، بعد أن أجرى السلطان عليه من الرّواتب ما يقوم به وبمن فى خدمته، هذا والخدم تأتيه من النصارى والكتّاب والقناصلة، وحضرت أنا معه فى مجلس فرأيت له ذوقا ومعرفة عرفت منه بالحدس كونه لا يعرف باللغة العربية. ولما كان يوم الخميس سابع جمادى الأولى خلع السلطان على الأمير جرباش الكريمىّ قاشق أمير مجلس باستقراره فى نيابة طرابلس عوضا عن الأمير قصروه من تمراز بحكم انتقال قصروه إلى نيابة حلب، عوضا عن جار قطلو بحكم عزل جار قطلو وقدومه إلى القاهرة. وفيه قدم رسول صاحب رودس «1» الفرنجىّ فأركب فرسا وفى صدره صليب وأطلع إلى القلعة، وقبّل الأرض بين يدى السلطان وسأل عن مرسله صاحب رودس أنه طلب الأمان، وأنه يسأل أن يعفى من تجهيز العساكر [الإسلامية] «2» إليه، وأن يقوم للسلطان بما يطلبه منه، وكان السلطان تكلّم قبل تاريخه فى غزوة رودس المذكورة.

ثم فى يوم الخميس خامس جمادى الآخرة خلع السلطان على جينوس بن جاك متملّك قبرس خلعة السّفر. ثم فى يوم الثلاثاء عاشر جمادى الآخرة المذكورة أمسك السلطان الأمير تغرى بردى المحمودىّ رأس نوبة النّوب بعد فراغه من لعب الكرة بالحوش السلطانى، فقبض على تغرى بردى «1» المذكور وهو بقماش لعب الكرة، وقيّد وأخرج من يومه إلى سجن الإسكندرية، ولم يعلم أحد ذنبه عند السلطان حتى ولا تغرى بردى المذكور؛ فإنى سألته فيما بعد فقال: لا أعلم على ماذا أمسكت، غير أن المقريزى ذكر أنه له ذنوب وأسباب فى مسكه نذكرها بعد أن نذكر قصّة مباشره. واتّفق فى مسكه حادثة غريبة، وهو أن رجلا من مباشريه يقال له ابن الشّاميّة كان بخدمته، فلمّا بلغه القبض عليه شقّ عليه ذلك، وخرج إلى جهة القلعة ليسلّم عليه فوافى نزوله من القلعة مقيّدا إلى الإسكندرية، فصار يصيح ويبكى ويستغيث وهو ماش معه حتى وصل إلى ساحل النّيل، ووقف حتى أحدر أستاذه تغرى بردى المحمودى فى الحرّاقة إلى جهة الإسكندرية، فلمّا عاين سفره اشتد صراخه إلى أن سقط ميتا، فحمل إلى داره وغسّل وكفّن ودفن. ثم خلع السلطان على الأمير أركماس «2» الظاهرى باستقراره رأس نوبة النّوب عوضا عن تغرى بردى المذكور، وأنعم عليه بإقطاعه أيضا، وأنعم بإقطاع أركماس المذكور وتقدمته على الأمير قانى باى الأبوبكريّ الناصرىّ المعروف بالبهلوان ثانى رأس نوبة، وأنعم بطبلخانات قانى باى على سودون ميق الأمير آخور الثانى، وخلع على الأمير إينال العلائى الناصرى باستقراره رأس نوبة ثانيا عوضا عن قانى باى البهلوان المذكور، وإينال «3» هذا هو الملك الأشرف إينال سلطان زماننا.

وأمّا ما وعدنا بذكره من قول المقريزى فى سبب مسك تغرى بردى المذكور قال: وهذا المحمودى من جملة مماليك الملك الناصر فرج، فلما قتل [فرج] «1» خدم عند [الأمير] «2» نوروز الحافظىّ بدمشق، وصار له ميزة عنده، فلما قتل نوروز سجنه الملك المؤيّد شيخ بقلعة المرقب، فما زال محبوسا بها حتى تنكّر المؤيّد على الأمير برسباى الدّقماقى نائب طرابلس وسجنه بالمرقب مع المحمودى، وإينال الشّشمانىّ، فرأى تغرى بردى المحمودى فى ليلة من الليالى مناما يدلّ على أن برسباى يتسلطن، فأعلمه به، فعاهده على أن يقدّمه إذا تسلطن ولا يعترضه بمكروه، فلمّا كان من سلطنة الملك الأشرف برسباى ما كان، وتقدمته للمحمودى فيما مضى، وتمادى الحال إلى أن بات بالقصر على عادته، فقال لبعض من يثق به من المماليك ما تقدّم من منامه بالمرقب وأنه وقع كما رأى [وأنه] «3» أيضا رأى مناما يدلّ على أنه يتسلطن ولا بدّ، فوشى ذلك المملوك به للسلطان فحرّك منه كوامن، منها: أنه صار يقول لما حججنا أحضرت ابن عجلان، ولما مضيت إلى قبرس أسرت ملكها، أين كان الأشرف حتى يقال هذا بسعده؟ والله ما كان هذا إلا بسعدى، وتنقل كل ذلك إلى السلطان- انتهى كلام المقريزى بتمامه. ثم فى يوم الاثنين أوّل شهر رجب قدم الخبر على السلطان بموت الملك المنصور عبد الله ابن الملك الناصر أحمد صاحب اليمن، وأن أخاه ملك بعده ولقّب بالأشرف إسماعيل. ثم فى يوم الاثنين ثامن شهر رجب قدم الأمير جار قطلو المعزول عن نيابة حلب إلى القاهرة، وطلع إلى القلعة، وقبّل الأرض فخلع عليه السلطان باستقراره أمير مجلس عوضا عن جرباش قاشق بحكم انتقال جرباش إلى نيابة طرابلس حسبما تقدم ذكره.

ثم فى تاسع عشر رجب المذكور توجّه الزينى عبد الباسط ناظر الجيش على الهجن إلى حلب لعمارة سورها ولغير ذلك من المهمّات السلطانية بعد ما قدّم عدّة خيول قبل ذلك بأيّام. ثم فى يوم الخميس أوّل شهر رمضان فتح الجامع «1» الذي أنشأه الأمير جانى بك الأشرفى الدّوادار الثانى بالشارع الأعظم خارج باب زويلة بخط القربيّين، وأقيم به الجمعة فى يوم الجمعة ثانيه. ثم فى سابع عشر شهر رمضان المذكور قدم عبد الباسط إلى القاهرة من حلب وطلع إلى القلعة، وخلع السلطان عليه. ثم فى ثالث عشرينه طلع زين الدين عبد الباسط بهديّة إلى السلطان فيها مائتا فرس، وحلى كثير ما بين زركش ولؤلؤ وقماش مذهّب برسم السلطان «2» وثياب صوف وفرو وغيره. ثم فى عاشر ذى القعدة قدم الخبر على السلطان بأن قاضى قضاة دمشق نجم الدين عمر بن حجّى وجد مذبوحا على فراشه ببستانه بالنّيرب «3» خارج دمشق، ولم يعرف قاتله واتّهم الناس الشريف كاتب سرّ دمشق ابن الكشك وعبد الباسط بالممالأة على قتله، وراحت على من راحت، وكان ابن حجّىّ المذكور من أعيان أهل دمشق وفضلائهم، وقد تقدّم من ذكره نبذة فى ولايته كتابة سرّ مصر قبل تاريخه. ثم فى رابع عشر ذى القعدة، خلع السلطان على الأمير قانى باى البهلوان أحد مقدّمى الألوف بمصر باستقراره فى نيابة ملطية «4» زيادة على ما بيده من إقطاع تقدمة ألف بديار

مصر عوضا عن أزدمر شايا المقدّم ذكره لعجزه عن القيام بقتال التّركمان، وأعيد أزدمر شايا إلى إقطاعه بحلب كما كان أوّلا. ثم فى يوم الاثنين سلخ ذى القعدة خلع السلطان على بهاء الدين محمد ابن القاضى نجم الدين عمر بن حجى باستقراره قاضى قضاة دمشق عوضا عن والده بحكم وفاته، وولى بهاء الدين هذا القضاء قبل أن يستكمل عذاره. ثم فى سابع عشرين ذى الحجة قدم مبشّر الحاج وأخبر بسلامة الحاجّ ورخاء الأسعار بمكة، وأنه قرىء مرسوم السلطان بمكة المشرّفة فى الملأ بمنع الباعة من بسط البضائع أيام الموسم فى المسجد الحرام، ومن ضرب الناس الخيام بالمسجد المذكور، ومن تحويل المنبر فى يوم الجمعة والعيدين من مكانه إلى جانب الكعبة حتى يسند إليها، فأمر أن يترك مكانه مسامتا لمقام إبراهيم الخليل عليه السلام، ويخطب الخطيب عليه هناك، وأن تسدّ أبواب المسجد بعد انقضاء الموسم إلا أربعة أبواب من كل جهة باب واحد، وأن تسدّ الأبواب الشارعة من البيوت إلى سطح المسجد، فامتثل جميع ذلك. قال المقريزى: وأشبه هذا قول عبد الله بن عمر رضى الله عنه وقد سأله رجل عن دم البراغيث فقال: عجبا لكم يا أهل العراق تقتلون الحسين بن على وتسألون عن دم البراغيث!! وذلك أن مكة استقرّت دار مكس حتى إنه يوم عرفة قام المشاعلىّ- والناس بذلك الموقف العظيم يسألون الله مغفرة ذنوبهم- فنادى معاشر الناس كافة، من اشترى بضاعة وسافر بها إلى غير القاهرة حلّ دمه وماله للسلطان، فأخذ التجار القادمون من الأقطار حتى صاروا مع الركب المصرى على ما جرت به هذه العادة المستجدة منذ سنين لتؤخذ منهم مكوس بضائعهم، ثم إذا ساروا من القاهرة إلى بلادهم من البصرة والكوفة والعراق أخذ منهم المكس ببلاد الشّام وغيرها، فهذا لا ينكر وتلك الأمور بعثنا بإنكارها- انتهى كلام المقريزى. قلت: أنا لا أتابعه على ما أعاب، وأبلق خير من أسود، وكونه رسم بردّ التجار

ما وقع من الحوادث سنة 831

إلى الدّيار المصرية لتؤخذ منهم المكوس لا يلزم أنه لا يفعل معروفا آخر، وأما جميع ما أبطله ورسم بمنعه ففيه غاية الصلاح والتعظيم للبيت العتيق، أما منع الباعة بالحرم فكان من أكبر [المصالح و] «1» المعروف، فإنه كان يقوم الشخص فى طوافه وعبادته وأذنه ملأى من صياح الباعة والغوغاء من كثرة ازدحام الشّراة، وأما نصب الخيام فكان من أكبر القبائح، ولعل الله تعالى يغفر للملك الأشرف جميع ذنوبه بإبطال ذلك من الحرم الشريف، فإنه قيل إن بعض الناس كان إذا نصب خيامه بالمسجد الحرام نصب به أيضا بيت الراحة وحفر له حفرة بالحرم، وفى هذا كفاية، وأما تحويل المنبر فإنه قيل للسلطان إن المنبر فى غاية ما يكون من الثقل، وأنه كلما ألصق بالبيت الشريف انزعج منه وتصدّع، فمنع بسبب ذلك، وقد صار الآن يحول إلى القرب من البيت، غير أنه لا يلصق به، فحصلت المصلحة من الجهتين، وأما غلق أبواب المسجد فى غير أيّام الموسم إلا أربعة فيعرف فائدة ذلك من جاوره بمكة، ويطول الشرح فى ذكر ما يتأتى من ذلك من المفاسد، وإن كان فيه بعض مصلحة لسكان مكة- انتهى. ثم فى رابع عشرين ذى الحجة قبض بالمدينة على أميرها الشريف خشرم بن دوغان ابن جعفر بن هبة الله بن جمّاز بن منصور بن جمّاز، فإنه لم يقم بالمبلغ الذي وعد به، واستقرّ عوضه فى إمرة المدينة الشريفة مانع بن على بن عطية بن منصور بن جمّاز بن شيحة بن هاشم بن قاسم بن مهنّأ بن داود بن قاسم بن عبد الله بن طاهر بن يحيى بن الحسين بن جعفر بن الحسين بن على بن أبى طالب [كرم الله وجهه] «2» . [ما وقع من الحوادث سنة 831] ثم فى يوم الجمعة ثالث المحرم سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة قدم الحمل من جزيرة قبرس ومبلغه خمسون ألف دينار مشخّصة، فرسم السلطان بضربها دنانير أشرفيّة، فضربت بقلعة الجبل والسلطان ينظر إليها إلى أن تمّت. ثم فى يوم السبت حادى عشر المحرّم المذكور ركب السلطان من قلعة الجبل بغير

قماش الخدمة ونزل إلى دار الأمير جانى بك الأشرفى الدّوادار الثانى بحدرة البقر «1» ليعوده فى مرضه. ثم فى يوم الأربعاء ثانى عشرينه قدم الركب الأوّل من الحاج، وقدم المحمل من الغد ببقية الحاجّ، ومعهم الشريف خشرم فى الحديد، وقدم معهم أيضا الأمير بكتمر السّعدى من المدينة، وكان له بها من العام الماضى. ثم فى يوم الثلاثاء ثانى عشر صفر من سنة إحدى وثلاثين خلع السلطان على قاضى القضاة محبّ الدين أحمد بن نصر الله البغدادى الحنبلى، وأعيد إلى قضاء الحنابلة بالديار المصرية بعد عزل قاضى القضاة عز الدين عبد العزيز الحنبلى «2» ولم يكن عزل عزّ الدين المذكور لسوء سيرته بل إنه سار فى القضاء على طريق غير معتادة، وهو أنه صار يمشى فى الأسواق ويشترى ما يحتاجه بيده من الأسواق، وإذا ركب أردف خلفه على بغلته عبده، ويمر على هذه الهيئة بجميع شوارع القاهرة، وكان كثير التردد إلىّ فى كل وقت، لأنه كان من جمله أصحاب الوالد، فكان يأتى من المدرسة الصالحيّة ماشيا، ويجلس حيت انتهى به المجلس، فلم يحسن ذلك ببال أعيان الدّولة، وحملوه على أنه يفعل ذلك تعمدا ليقال، وقالوا للسلطان- وكان له إليه ميل زائد-: هذا مجنون، ولا زالوا به حتى عزله وأعاد القاضى محب الدين. ثم فى يوم الثلاثاء تاسع عشر صفر المذكور ركب السلطان من القلعة بغير قماش الخدمة- وقد صار ركوب السلطان بغير قماش الخدمة عادة، وكان يقبح ذلك فى سالف الأعصار، وأول من فعل ذلك الملك الناصر فرج، ثم المؤيد، ثم الأشرف [هذا] «3» . انتهى- وسار حتى شقّ القاهرة ودخل من باب زويلة وخرج من باب النّصر إلى خليج الزعفران، فرأى البستان الذي أنشأه هناك، وعاد من خارج القاهرة على تربته

التى عمّرها بجوار تربة الملك الظاهر برقوق بالصحراء «1» ثم سار حتى طلع إلى القلعة، ثم فى ليلة الجمعة سابع شهر ربيع الأوّل قرىء المولد النبوىّ بالحوش السلطانى من قلعة الجبل على العادة. ثم فى يوم الخميس ثالث عشر شهر ربيع الأوّل المذكور أنعم السلطان بإقطاع الأمير بكتمر السعدى على الأمير قجقار السيفى بكتمر جلّق الزردكاش المعروف بجغتاى،- والإقطاع إمرة طبلخاناه- بعد موت بكتمر السّعدىّ، وكان بكتمر من محاسن الدّهر معدودا من أرباب الكمالات، كان فقيها جنديا شجاعا عالما، هينا قويا عاقلا، مقداما عفيفا لطيفا، لا أعلم فى أبناء جنسه من يدانيه أو يقاربه فى كثرة محاسنه، صحبته سنين، وانتفعت بفضله ومعرفته وأدبه، وقد استوعبنا ترجمته فى [تاريخنا] «2» المنهل الصافى، ويأتى ذكره أيضا فى الحوادث من هذا الكتاب فى محله إن شاء الله تعالى، ولهو أحقّ بقول القائل: [الكامل] عقم النّساء فما يلدن شبيهه ... إنّ النساء بمثله عقم ثم فى آخر شهر ربيع الأوّل استقر تمرباى «3» التّمربغاوى الدوادار الثالث دوادارا ثانيا بعد موت الأمير جانى بك [الأشرفى] «4» الدّوادار، ولم ينعم عليه بإمرة إلا بعد مدة طويلة أنعم عليه بإمرة عشرة، وأما جانى بك يأتى ذكره فى الوفيات مطوّلا [إن شاء الله تعالى] «5» ثم فى شهر ربيع الآخر من هذه السنة تشكّى التجار الشاميّون من حملهم البضائع

التى يشترونها من بندر جدّة إلى القاهرة، فوقع الاتفاق على أن يؤخذ منهم بمكّة عن كل حمل- قلّ ثمنه أو كثر- ثلاثة دنانير ونصف، وأن يعفوا عن حمل ما يقبضونه من جدّة إلى مصر، فإذا حملوا ذلك إلى دمشق أخذ منهم مكسها هناك على ما جرت به العادة، وتم ذلك. قال المقريزى: وفى هذا الشهر- يعنى عن جمادى الأولى من سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة- كانت الفتنة الكبيرة بمدينة تعز «1» من اليمن؛ وذلك أن الملك الأشرف إسماعيل ابن الملك الأفضل عباس ابن المجاهد على ابن المؤيد داود ابن المظفر يوسف ابن المنصور عمر بن على بن رسول [صاحب اليمن] «2» لما مات قام من بعده ابنه [ «3» الملك الناصر أحمد ابن الأشرف إسماعيل، وقام بعد الناصر أحمد ابنه «3» ] الملك المنصور عبد الله فى جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين وثمانمائة، ومات فى جمادى الآخرة سنة ثلاثين وثمانمائة، فأقيم بعده أخوه الملك الأشرف إسماعيل بن أحمد الناصر فتغيّرت عليه نيّات الجند كافة من أجل وزيره شرف الدين إسماعيل بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عمر العلوى، فإنه أخّر صرف جوامكهم ومرتّباتهم، فتغيرت منه القلوب، وكثرت حسّاده لاستبداه على السلطان وانفراده بالتصرّف دونهم، وكان يليه فى الرّتبة الأمير شمس الدين على بن الحسام ثم القاضى نور الدين على المحالبى مشدّ الاستيفاء «4» ، فلما اشتدّ الأمر على العسكر وكثرت إهانة الوزير لهم. وإطراحه جانبهم ضاقت عليهم الأحوال حتى كادوا أن يموتوا جزعا، فاتّفق تجهيز خزانة من عدن وبرز الأمر بتوجّه طائفة من العبيد والأتراك إليها لتلقّيها، فسألوا أن ينفق فيهم أربعة دراهم

لكل [واحد] «1» منهم يرتفق بها، فامتنع الوزير ابن العلوىّ من ذلك، وقال: ليمضوا غصبا إن كان لهم غرض فى الخدمة، وحين وصول الخزانة يكون خيرا وإلا ففسح الله لهم فما للدهر بهم حاجة، والسلطان غنىّ عنهم، فهيّج هذا القول خفاء بواطنهم، وتحالف العبيد والترك على الفتك بالوزير، وإثارة فتنة، فبلغ الخبر السلطان فأعلم به الوزير، فقال: ما يسوّوا شيئا، بل نشنق كلّ عشرة فى موضع، وهم أعجز من ذلك. فلما كان يوم الخميس تاسع جمادى الأولى هذه قبيل المغرب هجم جماعة من العبيد والترك دار العدل بتعزّ، وافترقوا أربع فرق: فرقة دخلت من باب الدار، وفرقة دخلت من باب السر، وفرقة وقفت تحت الدار، وفرقة أخذت بجانب آخر، فخرج إليهم الأمير سنقر أمير جاندار فهبروه بالسّيوف حتى هلك وقتلوا معه عليا المحالبى مشدّ الدّواوين وعدّة رجال، ثم طلعوا إلى الأشرف وقد اختفى بين نسائه وتزيّا بزيّهن فأخذوه، ومضوا إلى الوزير العلوى فقال لهم: ما لكم فى قتلى فائدة، أنا أنفق على العسكر نفقة شهرين، فمضوا إلى الأمير شمس الدين على بن الحسام فقبضوا عليه وقد اختفى، وسجنوا الأشرف فى طبقة المماليك ووكلوا به، وسجنوا ابن العلوى الوزير وابن الحسام قريبا من الأشرف ووكلوا بهما، وقد قيدوا الجميع، وصار كبير هذه الفتنة برقوق من جماعة الأتراك، فصعد هو وجماعة ليخرج الملك الظاهر يحيى ابن الأشرف إسماعيل بن عباس من تعبات «2» ، فامتنع أمير البلد من الفتح ليلا، وبعث الظاهر إلى برقوق أن يمهل إلى الصبح، فنزل برقوق ونادى فى البلد بالأمان والاطمئنان والبيع والشراء، وأن السلطان هو الملك الظّاهر يحيى بن الأشرف، هذا وقد نهب العسكر عند دخولهم دار العدل جميع ما فى دار السلطنة، وأفحشوا فى نهبهم؛ فسلبوا الحريم ما عليهن، وانتهكوا منهن ما حرّم الله، ولم يدع فى الدار ما قيمته الدّرهم الفرد «3» .

فلما أصبح يوم الجمعة عاشره اجتمع بدار العدل التّرك والعبيد وطلبوا بنى زياد وبنى السنبلى والخدّام وسائر أمراء الدّولة والأعيان، فلما تكامل جمعهم وقع بينهم الكلام فيمن يقيمونه، فقال بنو زياد: وما ثمّ غير يحيى فاطلعوا له هذه الساعة، فقام الأمير زين الدين جيّاش الكاملى والأمير برقوق وطلعا إلى تعبات فى جماعة من الخدّام والأجناد فإذا الأبواب مغلقة، فصاحوا بصاحب البلد حتى فتح لهم، ودخلوا إلى القصر وسلّموا على الظاهر يحيى بالسلطنة، وسألوه أن ينزل معهم إلى دار العدل، فقال: حتى يصل العسكر أجمع، ففكّوا القيد من رجليه، وطلبوا العسكر بأسرهم، فطلعوا بأجمعهم وأطلعوا معهم بعشرة جنائب، فتقدّم الترك والعبيد وقالوا للظاهر: لا نبايعك حتى تحلف لنا أنّك لا يحدث علينا منك شىء بسبب هذه الفعلة ولا ما سبق قبلها، فحلف لهم وهم يردّدون عليه الأيمان، وذلك بحضرة قاضى القضاة موفّق الدين على بن الناشرى، ثم حلفوا له على ما يحبّ ويختار، فلما انقضى الحلف وتكامل العسكر ركب ونزل إلى دار العدل بأبهة السلطنة، ودخلها بعد صلاة الجمعة، فكان يوما مشهودا، وعندما استقرّ بالدار أمر بإرسال ابن أخيه الأشرف إسماعيل إلى تعبات فطلعوا به وقيّدوه بالقيد الذي كان الظّاهر يحيى مقيّدا به وسجنوه بالدّار التى كان [الظاهر مسجونا] «1» بها، ثم حمل بعد أيّام إلى الدّملوة «2» ومعه أمّه وجاريته، وأنعم السلطان على أخيه الملك الأفضل عباس بما كان له، وخلع عليه وجعله نائب السلطنة كما كان أوّل دولة الناصر وخمدت الفتنة. وكان الذي حرّك هذه الفتنة بنو زياد، فقام أحمد بن محمد بن زياد الكاملى بأعباء هذه الفتنة لحنقه من الوزير ابن العلوى، فإنه كان قد مالأ على قتل أخيه جيّاش وخذّل عن الأخذ بثأره، وصار يمتهن «3» بنى زياد، ثم ألزم الوزير ابن العلوى وابن الحسام

بحمل المال، وعصرا على كعابهما وأصداغهما، وربطا من تحت إبطيهما وعلّقا منكّسين، وضربا بالشيب والعصىّ وهمايوردان المال، فأخذ من ابن العلوى- ما بين نقد وعروض- ثمانون ألف دينار، ومن ابن الحسام مبلغ ثلاثين ألف دينار، واستقرّ الأمير برقوق أمير جاندار، واستقر الأمير بدر الدين محمد الشّمسى أتابك العساكر، واستقرّ ابنه العفيف أمير آخور، ثم استقرّ الأمير بدر الدين المذكور أستادارا، وشرع فى النفقة على العسكر، وظهر من السلطان نبل وكرم وشهامة بحيث أطاعته العساكر بأجمعهم، فإن له قوة وشجاعة حتى [قيل] «1» إن قوسه يعجز من عندهم من التّرك عن جرّه، ومدحه الفقيه يحيى بن رويك بقصيدة أولها: [الوافر] بدولة ملكنا يحيى اليمانى ... بلغنا ما نريد من الأمانى وعدّة القصيدة واحد وأربعون بيتا، وأجيز عليها بألف دينار. وبهذه الكائنة اختلّ ملك بنى رسول من اليمن- انتهى كلام المقريزى. قلت: وقد خرجنا عن المقصود بطول هذه الحكاية، غير أن فى ذكرها نوعا من الأخبار والتعريف بالممالك، ولنرجع إلى ما نحن فيه «2» من أحوال الملك الأشرف برسباى صاحب الترجمة. ولما كان يوم الاثنين خامس جمادى الآخرة خلع السلطان على الأمير جارقطلو «3» أمير مجلس باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية بعد موت الأمير الكبير يشبك السّاقى الأعرج، وكان يشبك الساقى المذكور من أفراد العالم، وهو أحد من أدركناه من الملوك من أهل المعرفة والذّوق والفضل والرأى والتدبير، كما سنبينه فى ترجمة وفاته من هذا الكتاب [إن شاء الله] «4» .

ثم فى يوم السبت عاشر جمادى الآخرة المذكورة كتب [السلطان] «1» بإحضار جرباش الكريمى المعروف بقاشق نائب طرابلس ليستقرّ أمير مجلس على عادته أوّلا عوضا عن الأمير الكبير جارقطلو «2» ، وكتب إلى الأمير الكبير [طرباى] «3» الظاهرى المقيم بالقدس بطّالا باستقراره فى نيابة طرابلس. ثم فى يوم السبت أوّل شهر رجب عمل السلطان الخدمة بالإيوان بدار العدل «4» من القلعة، وأحضرت رسل مراد بك بن عثمان متملك برصا «5» وأدر نابولى «6» وغيرهما من ممالك الرّوم، فكان موكبا جليلا أركب فيه الأمراء والمماليك السلطانية وأجناد الحلقة وغيرهم على عادة هيئة خدمة الإيوان من تلك الأشياء المهولة، وقد بطل خدم الإيوان من أيّام الملك الظاهر جقمق، وذهب من كان يعرف ترتيبه، حتى لو أراد أحد من الملوك أن يفعله لا يمكنه ذلك. ثم فى سابع شهر رجب المذكور خلع السلطان على القاضى كمال الدين «7» بن البارزىّ- المعزول قبل تاريخه عن كتابة السّرّ ثم عن نظر الجيش بالديار المصرية- باستقراره فى كتابة سرّ دمشق عوضا عن بدر الدين حسين بحكم وفاته، من غير سعى فى ذلك، بل طلبه السلطان وولّاه، وكان القاضى كمال الدين المذكور من يوم عزل من وظيفة نظر الجيش بعد كتابة السّرّ ملازما لداره على أجمل حالة، وأحسن طريقة من الاشتغال بالعلم والوقار والسكينة، وهو على هيئة عمله من الحشم والخدم، وبسط يديه بالإحسان لكل أحد، وترداد الأكابر والأعيان والفضلاء إلى بابه، وسافر فى ثانى عشرينه.

ثم فى حادى عشره أدير محمل الحاج على العادة «1» فى كل سنة. ثم فى ثالث عشرينه قدم الأمير جرباش الكريمى معزولا عن نيابة طرابلس فخلع السلطان عليه باستقراره أمير مجلس على عادته أوّلا، كل ذلك والسلطان فى قلق من جهة جانى بك الصّوفىّ. ثم فى عشرين شعبان خلع السلطان على الأمير قانصوه النّوروزىّ أحد أمراء الطبلخانات باستقراره فى نيابة طرسوس وأضيف إقطاعه إلى الديوان المفرد. ثم فى يوم الثلاثاء ثامن عشرين شوّال أمسك السلطان الأمير قطج من تمراز «2» أحد مقدّمى الألوف بالديار المصرية، ثم الأمير جرباش الكريمى قاشق أمير مجلس، فحمل قطج فى الحديد إلى الإسكندرية فسجن بها، وأخرج جرباش الكريمى بغير «3» قيد إلى ثغر دمياط بطالا، كل ذلك بسبب جانى بك الصّوفىّ، ولما تحدّت السلطان نفسه بما يفعله من كثرة قلقه منه، ولهذا السبب أيضا أخرج قانصوه وغيره، ويأتى ذكر آخرين. ثم خلع السلطان على الأمير إينال العلائى الناصرى رأس نوبة ثانى باستقراره «4» فى نيابة غزّة عوضا عن تمراز القرمشى بحكم قدوم تمراز للدّيار المصرية، وأنعم السلطان بإقطاع إينال المذكور على الأمير تمرباى التّمر بغاوىّ الدّوادار الثانى، ثم كتب بإحضار الأمير بيبغا المظفرى من القدس، وكان نقل إلى القدس من دمياط من نحو شهر واحد، فقدم من القدس إلى القاهرة فى يوم الخميس حادى عشرين ذى القعدة وطلع إلى القلعة، وخلع السلطان عليه باستقراره أمير مجلس عوضا عن جرباش الكريمى قاشق، ومنزلة أمير مجلس فى الجلوس عند السّلطان يكون ثانى الميمنة تحت الأمير الكبير، فلما ولى بيبغا هذا إمرة مجلس أجلسه السلطان

على الميسرة فوق الأمير إينال الجكمى أمير سلاح لما سبق له من ولايته أتابكيّة العساكر بالديار المصرية قبل تاريخه، فصار فى الحقيقة رتبته أعظم من رتبة الأمير الكبير جار قطلو بجلوسه فوق أمير سلاح؛ لأن الأمير الكبير لا يمكنه الجلوس فوق أمير سلاح إلا لضرورة، وصار بيبغا هذا دائما جلوسه فوقه، غير أن إقطاع الأمير الكبير أكثر متحصلا من إقطاعه، وأيضا لالتفات السلطان إليه، فإنه كان أكثر كلامه فى الموكب السلطانى معه فى كل تعلقات المملكة، وليس ذلك لمحبّته فيه غير أنه كان يداريه بذلك اتّقاء فحشه، وكان سبب القبض عليه أوّلا أن السلطان شكاله بعض الأجناد من ظلم كاشف التّراب، فقال الملك الأشرف: الكاشف ماله منفعة، فبادره بيبعا هذا فى الملأ وقال له: أنت ما عملت كاشف ما تعرف، فعظم ذلك على الأشرف وأسرّها فى نفسه، ثم قبض عليه، وكذا كان وقع لبيبغا المذكور مع الملك المؤيّد، حتى قبض عليه أيضا وحبسه، وكان هذا شأنه المغالظة مع الملوك فى الكلام، غير أنه كان مناصحا للملوك ظاهرا وباطنا، ولهذا كانت الملوك لا تبرح تغضب عليه ثم ترضى؛ لعلمهم بسلامة باطنه، وكان الملك الأشرف يمازحه فى بعض الأحيان، ويسلّط عليه بعض الچراكسة بأن يزدرى جنس التّتار ويعظّم الچراكسة، فإذا سمع بييغا ذلك سبّ القائل وهجر «1» عليه، وأخذ فى تفضيل الأتراك على طائفة الچراكسة فى الشّجاعة والكرم والعظمة، فيشير عليه بعض أمراء الأتراك بالكف عن ذلك، فلا يلتفت ويمعن، والملك الأشرف يضحك [من ذلك] «2» ويساعده على غرضه حتى يسكت، وقيل إنه جلس مرّة فى مجلس أنس مع جماعة من الأمراء فأخذ بيبغا فى تعظيم ملك التّتارچنكز خان، وزاد وأمعن واخترق اختراقات عجيبة، فقال له الأمير طقز الظّاهرىّ الچركسىّ: وأيش هو چنكز خان؟ فلما سمع بيبغا ذلك أخذ الطّبر وأراد قتل طقز حقيقة، وقال له: كفرت، فأعاقه الأمراء عنه حتى قام طقز من المجلس وراح إلى حال سبيله، وقيل إنه لم يجتمع به بعد ذلك، ومع

هذا كلّه كان لجنونه طلاوة ولانحرافه حلاوة، على أنه كان من عظماء الملوك وأحسنها طريقة. ثم فى يوم الخميس سادس ذى الحجة من سنة إحدى وثلاثين المذكورة أمسك السلطان الأمير أزبك المحمدى «1» الدّوادار الكبير، وأخرجه من ليلته بطّالا إلى القدس بعد أن قبض [السلطان] «2» على عدّة من خاصّكيّته، ولذلك أسباب أعظمها أمر جانى بك الصّوفىّ وأشياء أخر، منها: أن فى أواخر ذى القعدة بلغ السلطان أن جماعة من مماليكه وخاصّكيّته يريدون الفتك به وقتله ليلا، فقبض على جماعة منهم السّيفى سنطباى الأشرفى وغيره فى أيّام متفرقة، ونفى جماعة منهم إلى الشام وقوص بعد أن عاقب جماعة منهم، فكثرت القالة فى ذلك، قيل إنه سأل بعضهم بأن قال: لو قتلتمونى من الذي تنصّبونه بعدى فى السلطنة؟ فقالوا: الأمير أزبك، وقيل غير ذلك، وأخذ السلطان فى الاستعداد والحذر، وسقط عليه أيضا مرارا سهام نشّاب من أطباق المماليك السلطانية، فهذا كان السبب لقبض أزبك وغيره، وأنا أقول: إن جميع ما وقع من مسك الأمراء، وضرب جماعة من الخاصّكيّة بالمقارع، ونفى بعضهم إنما هو لسبب جانى بك الصّوفى لا غير. ثم فى يوم السبت ثامنه خلع السّلطان «3» على الأمير أركماس الظاهرى رأس نوبة النّوب باستقراره دوادارا كبيرا عوضا عن أزبك المذكور، وخلع على الأمير تمراز القرمشىّ المعزول عن نيابة غزّة باستقراره رأس نوبة، وأنعم عليه بإقطاع أركماس المذكور، وأنعم بإقطاع تمراز الذي كان السلطان أنعم عليه به بعد مجيئه من غزّة وهو تقدمة ألف أيضا على الأمير يشبك السّودونى شاد الشراب خاناه، وأنعم بطبلخانات يشبك السّودونى على الأمير قراجا الأشرفى الخازندار، وخلع السلطان فى هذه الأيّام على صفىّ الدين جوهر السّيفى قنقباى اللّالا باستقراره خازندارا عوضا عن الأمير خشقدم

الظاهرى الرّومى بحكم انتقاله زمّاما بعد موت «1» الأمير كافور الشّبلى الصّرغتمشىّ الرّومى بعد وفاته فى السنة الماضية، وكانت وظيفة الخازندارية شاغرة من يوم تاريخه، والسلطان ينظر فيمن يولّيه من الخدام من قدماء خدام الملوك فرشّح مرجان خادم الوالد فخافه الخدّام من شدّة بأسه وحوّلوا الأشرف عنه، وكان الطّواشى جوهر الجلبّانىّ الحبشىّ لالا ابن السلطان له حنوّ وصحبة قديمة بجوهر هذا فتكلّم السلطان بسببه ونغته بالدين [والعفّة] «2» والعقل والتّدبير، ولا زال بالسلطان حتى طلبه وولّاه الخازندارية دفعة واحدة؛ فإنه كان من أصاغر الخدّام لم تسبق له رئاسة قبل ذلك، وإنما كان يعرف بين الخدام بأخى اللالا، فنال جوهر هذا من الحرمة والوجاهة والاختصاص بالملك الأشرف ما لم ينله خادم قبله- انتهى. ثم فى سابع عشرين ذى الحجة من سنة إحدى وثلاثين المذكورة قدم مبشّر الحاج العراقى «3» وأخبر بسلامة الحاج، وأنه قدم محمل العراق فى أربعمائة جمل جهّزه السلطان حسين بن على ابن السلطان أحمد بن أويس من الحلّة «4» ، وكان السلطان حسين هذا قد استولى على ششتر «5» والحلّة، وصاهر العرب فقوى بأسه بهم، وقاتل شاه محمد ابن قرا يوسف صاحب بغداد وتمّ أسره بهذه البلاد المذكورة، وجهّز الحاج وكان له سنين قد انقطع لاستيلاء هذا الزّنديق شاه محمد بن قرا يوسف [على العراق] «6» ، فإنه كان محلول العقيدة لا يتديّن بدين، وقتل العلماء وأباد الناس، وهو أحد أسباب خراب بغداد والعراق هو وأخوته كما سيأتى ذكره، وذكر أقاربه فى

ما وقع من الحوادث سنة 832

وفيات هذا الكتاب عند وفاتهم، وذهاب روحهم الخبيثة اللعينة إلى جهنم وبئس المصير. [ما وقع من الحوادث سنة 832] ثم فى يوم الاثنين خامس عشر المحرم سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة حدث مع غروب الشمس برق ورعد شديد متوال، ثم مطر غزير خارج عن الحدّ، وكان الوقت فى أثناء فصل الخريف.

ذكر قتلة الخواجا نور الدين على التبريزى العجمى المتوجه برسالة الحطى ملك الحبشة إلى ملوك الفرنج

ذكر قتلة الخواجا نور الدين على التبريزى العجمى المتوجه برسالة الحطى ملك الحبشة إلى ملوك الفرنج ولمّا كان يوم الثلاثاء رابع عشرين جمادى الأولى من سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة استدعى السلطان قضاة الشرع الشريف إلى بين يديه فاجتمعوا، وندب السلطان قاضى القضاة شمس الدين محمدا البساطىّ المالكى للكشف عن أمره وإمضاء حكم الله فيه، وكان التّبريزى مسجونا فى سجن السلطان، فنقله القاضى من سجن السلطان إلى سجنه، وادّعى عليه بالكفر وبأمور شنيعة، وقامت عليه بينة معتبرة بذلك، فحكم بإراقة دمه، فشهّر فى يوم الأربعاء خامس عشرين جمادى الأولى المذكورة على جمل بالقاهرة ومصر وبولاق، ونودى عليه: هذا جزاء من يجلب السلاح إلى بلاد العدوّ، ويلعب بالدّينين، وصار وهو راكب الجمل يتشاهد ويقرأ القرآن ويشهد الناس أنه باق على دين الإسلام، والخلق صحبته أفواجا، ومن الناس من يبكى لبكائه، وهم العامة الجهلة، والذي أقوله فى حقه: إنه كان زنديقا ضالّا مستخفّا بدين الإسلام، ولا زالوا به إلى أن وصلوا إلى بين القصرين فأنزل عن الجمل وأقعد تحت شبّاك المدرسة الصالحية وضربت عنقه فى الملإ من الخلائق التى لا يعلم عددها إلا الله تعالى- فنسأل الله السلامة فى الدين، والموت على الإسلام. وكان خبر هذا التّبريزىّ أنه كان أوّلا من جملة تجّار الأعاجم بمصر وغيرها، وكان يجول فى البلاد بسبب المتجر على عادة التجار، فاتّفق أنه توجّه إلى بلاد الحبشة فحصل له بها الرّبح الهائل المتضاعف، وكان فى نفسه قليل الدين مع جهل وإسراف فطلب الزيادة فى المال، فلم يرم بوصله إلى مراده إلا أن يتقرّب إلى الحطىّ ملك الحبشة بالتحف، فصار يأتيه بأشياء نادرة لطيفة؛ من ذلك أنه صار يصنع له الصّلبان من الذّهب المرصّع بالفصوص الثمينة، ويحملها إليه فى غاية الاحترام والتّعظيم كما هى عادة النّصارى

فى تعظيمهم للصليب، وأشياء من هذه المقولة، ثم ما كفاه ذلك حتى [إنه] «1» صار يبتاع السلاح المثمّن من الخوذ والسّيوف الهائلة والزرديات والبكاتر «2» بأغلى الأثمان ويتوجّه بها إلى بلاد الحبشة، وصار يهوّن عليهم أمر المسلمين، ويعرفهم ما المسلمون فيه بكل ما تصل القدرة إليه، فتقرّب بذلك من الحطّى حتى صار عنده بمنزلة عظيمة، فعند ذلك ندبه الحطّى بكتابه إلى ملوك الفرنج عند ما بلغه أخذ قبرس وأسر ملكها جينوس يحثّهم فيه على القيام معه لإزالة دين الإسلام وغزو المسلمين وإقامة الملّة العيسوية ونصرتها، وأنه يسير فى بلاد الحبشة فى البرّ بعساكره، وأن الفرنج تسير فى البحر بعساكرها فى وقت معيّن إلى سواحل الإسلام، وحمّله مع ذلك مشافهات، فخرج التّبريزى هذا من بلاد الحطّى بكتابه وبما حمله من المشافهات لملوك الفرنج بعزم واجتهاد وسلك فى مسيره من بلاد الحبشه البرّيّة حتى صار من وراء الواحات [ثم سلك من وراء الواحات] «3» إلى بلاد المغرب، وركب منها البحر إلى بلاد الفرنج، وأوصل إليهم كتاب الحطّىّ وما معه من المشافهات، ودعاهم للقيام مع الحطّىّ فى إزالة الإسلام وأهله، واستحثهم فى ذلك، فأجابه غالبهم، وأنعموا عليه بأشياء كثيرة، فاستعمل بتلك البلاد عدّة ثياب مخمّل مذهّبة باسم الحطّىّ، ورقمها بالصلبان؛ فإنه شعارهم. قلت: لولا أنه داخلهم فى كفرهم، وشاركهم فى مأكلهم ومشربهم ما طابت نفوسهم لإظهار أسرارهم عليه، وكانوا يقولون: هذا رجل مسلم يمكن أنه يتجسّس أخبارنا وينقلها للمسلمين ليكونوا منا على حذر، وربما أمسكوه بل وقتلوه بالكلية- انتهى. ثم خرج من بلاد الفرنج وسار فى البحر «4» حتى قدم الإسكندرية ومعه الثياب

المذكورة ورهبان من رهبان الحبشة، وكان له عدّة عبيد، وفيهم رجل دين فنمّ عليه بما فعله، ودلّهم على ما معه من القماش وغيره، فأحيط بمركبه وبجميع ما فيها فوجدوا بها ما قاله العبد المذكور، فحمل هو والرّهبان وجميع ما معه إلى القاهرة، فسعى بمال كبير فى إبقاء مهجته وساعده فى ذلك ممّن يتّهم فى دينه، فلم يقبل السلطان ذلك، وأمر به فحبس ثم قتل حسبما ذكرناه [عليه من الله ما يستحقه] «1» انتهى. ثم فى يوم الخميس تاسع شهر رجب خلع «2» السلطان على جلال الدين محمد ابن القاضى بدر الدين محمد بن مزهر باستقراره فى وظيفة كتابة السّرّ بالديار المصرية عوضا عن والده بحكم وفاته، وله من العمر دون العشرين سنة ولم يطر شاربه، وخلع السلطان على القاضى شرف الدين أبى بكر بن سليمان سبط ابن العجمى المعروف بالأشقر أحد أعيان موقّعى الدّست باستقراره نائب كاتب السّرّ، ليقوم بأعباء الديوان عن هذا الشاب لعدم معرفته وقلّة دربته بهذه الوظيفة، وكانت ولاية جلال الدين المذكور لكتابة السّرّ على حمل تسعين ألف دينار من تركة أبيه. ثم فى يوم الخميس ثالث عشرين شهر رجب المذكور قدم الأمير سودون من عبد الرحمن نائب الشام إلى القاهرة وصحبته القاضى كمال الدين محمد بن البارزىّ كاتب سر دمشق، وطلعا إلى القلعة فخلع السلطان عليهما خلع الاستمرار، واجتمع به «3» غير مرّة: أعنى بسودون من عبد الرحمن، فكلّمه سودون فيما يفعله مماليكه الجلبان بالمباشرين وغيرهم، وخوفّه عاقبة المماليك القرانيص من ذلك، فقال له الملك الأشرف: قد عجزت عن إصلاحهم، ثم كشف رأسه ودعا عليهم بالفناء والموت غير مرة، فقال له الأتابك جارقطلو: ضع فيهم السيف وأقم عوضهم، وما دام رأسك تعيش فالمماليك كثير، ومائة من

القرانيص «1» خير من ألف من هؤلاء الأجلاب، ولولا حرمة السلطان لكان صغار عبيد القاهرة كفئا لهم. وكان سبب ذلك أنهم صاروا يضربون مباشرى الدّولة وينهبون بيوتهم، ووقع منهم فى دوران المحمل فى هذه السنة أمور شنيعة إلى الغاية، وتقاتلوا مع العبيد حتى قتل بينهما جماعة وأشياء غير ذلك، فمال السلطان إلى كلام جار قطلو وأراد مسك جماعة كبيرة منهم، ونفى آخرين، وتفرقة جماعة أخر على الأمراء، وقال: أحسب أن مائة ألف دينار ما كانت، ومتى حصل نفع المماليك المشتروات لأستاذهم أو لذرّيّته؟ فلما رأى الأمير بيبغا المظفرى ميل السلطان لكلام جار قطلو أخذ فى معارضته وردّ كلامه، فكان من جملة ما قاله: والله لولا المماليك المشتروات ما أطاعك واحد منا- وأشار بخروج جانى بك الصوفى من السجن واختفائه بالقاهرة- وخلّ عنك كلام هذا وأمثاله، وكان عبد الباسط مساعدا لجار قطلو، ثم التفت بيبغا وقال لعبد الباسط: أنت تكون سببا لزوال ملك هذا، فعند ذلك أمسك الأشرف عما كان عزم عليه لعلمه بنصيحة بيبغا المظفرىّ له، وانفض المجلس بعد أن أمرهم السلطان بكتمان ما وقع عند السلطان من الكلام، فلم يخف ذلك عن أحد، وبلغ المماليك الأشرفية فتحلّفوا لجار قطلو ولعبد الباسط ولسودون من عبد الرحمن. فلما كان يوم الجمعة ثانى شعبان نزل المماليك الأشرفية من الأطباق إلى بيت الوزير كريم الدين بن كاتب المناخ ونهبوه لتأخر رواتبهم، وسافر فيه الأمير سودون من عبد الرحمن إلى محل كفالته، وكان السلطان أراد عزله وإبقاءه بمصر فوعد بخمسين ألف دينار حتىّ خلع عليه باستمراره، فكلّمه بعض أصحابه فى ذلك فقال: أحمل مائة ألف دينار ولا أقعد بمصر فى تهديد الأجلاب. ثم لما كان يوم الثلاثاء سادس شعبان «2» ثارت الفتنة بين المماليك الجلبان وبين

الأمير الكبير جارقطلو، وكان ابتداء الفتنة أنه وقع بين بعض المماليك السلطانية وبين مماليك الأمير الكبير جارقطلو وضربت الجلبان بعض مماليك جارقطلو فأخذ المملوك [يدافع] «1» عن نفسه وردّ على بعضهم وكان شجّ بعض المماليك السلطانية، فعند ذلك قامت قيامتهم، وحرّك ذلك ما كان عندهم من الكمين من أستاذهم جارقطلو، فتجمعوا على المملوك المذكور وضربوه، فهرب إلى بيت أستاذه واحتمى به، فعادت المماليك إلى إخوتهم واتفقوا على جارقطلوا، وتردّدوا إلى بابه غير مرّة، وباتت الناس على تخوّف من وقوع الفتنة لوقوع هذه القضيّة، وأصبحوا من الغد فى جمع كثير من تحت القلعة وقد اتفقوا على قتل جار قطلو ومماليكه، فماج الناس لذلك وغلقوا الأسواق خشية من [وقوع] «2» النهب، وتزاحم الناس على شراء الخبز، وغلقت الدّروب، وانتشرت الزعر وأهل الفساد، وتعوّق مباشر والدولة من النزول من القلعة إلى دورهم، وأرسل السلطان إليهم جماعة بالكف عن ما هم فيه، وهدّدهم إن لم يرجعوا، فلم يلتفتوا إلى كلامه، وساروا بأجمعهم إلى بيت الأمير الكبير جارقطلو وكان سكنه ببيت الأمير طاز «3» بالشارع الأعظم عند حمام الفارقانى «4» فأغلق جارقطلو بابه، وأصعد مماليكه على طبلخاناته فوق باب داره ليمنعوا المماليك السلطانية من كسر الباب المذكور وإحراقه، وتراموا بالنشاب، وأقام الأجلاب يومهم كلّه مع كثرتهم لا يقدرون على الأمير الكبير جارقطلو ولا على مماليكه مع كثرة عددهم؛ لعدم معرفتهم بالحروب ولقلة دربتهم وسلاحهم. هذا والسلطان يرسل إليهم بالكفّ عما هم فيه، وهم مصممون على ما هم فيه يومهم كله، ووقع منهم أمور قبيحة فى حق أستاذهم وغيره، فلما وقع ذلك غضب السلطان غضبا عظيما، وأراد أن يوسع الأمراء فى حق مماليكه فخوفه الأمراء سوء عاقبة ذلك، فأخذ يكثر من الدعاء عليهم سرا وجهرا، وباتوا على ذلك.

فلما أصبحوا يوم الخميس ثامن شعبان استشار الملك الأشرف الأمراء فى أمر مماليكه، فأشاروا عليه بأن يرسل يطلب من الأمير الكبير جارقطلو المماليك الذين كانوا سببا لهذه «1» الفتنة، وكانت المماليك الجلبان [لما رأوا] «2» فى الأمس حالهم فى إدبار أرسلوا يطلبون غرماءهم من مماليك جارقطلو [من السلطان] «3» فلم يجبهم السلطان إلى ذلك، فأرسل السلطان [بعد ذلك] «4» للأمير الكبير يطلب مماليكه الذين كانوا فى أوّل هذه الفتنة، فأرسل إليه بجماعة منهم فأخذهم السلطان وضربهم ضربا ليس بذاك، ثم أمر بجبسهم، ووافق ذلك عجز المماليك الجلبان عن قتال الأمير الكبير لعدم اجتماع كلمتهم ولفرار أكثرهم وطلوعهم إلى الطّبقة، فأذعنوا بالصلح وخمدت الفتنة- ولله الحمد- بعد أن كاد أمر هذه الوقعة أن يتّسع إلى الغاية، لأن غالب الأمراء شقّ عليهم ما وقع للأمير الكبير، وقالوا إذا كان هذا يقع للأمير الكبير فنحن من باب أولى وأحقّ لأعظم من هذا، وتنبّه من كان عنده كمين من الملك الأشرف من المماليك المؤيّدية [شيخ] «5» وغيرهم، وظهر للسلطان لوايح من ذلك فاحتار بين مماليكه وأمرائه إلى أن وقع الصّلح، ومن يومئذ تغيّر خاطر جارقطلو من الملك الأشرف فى الباطن مع خصوصيته بالأشرف حتى أبدى بعض ما كان عنده فى سفرة آمد حسبما يأتى ذكره. ثم ورد الخبر على السلطان بأن فى خامس شعبان هذا ورد إلى ميناء الإسكندرية خمسة أغربة فيها مقاتلة الفرنج مشحونة بالسلاح، وباتوا بها وقد استعدّ لهم المسلمون، فلما أصبح النهار واقعوهم وقد أدركهم الزّينى عبد القادر بن أبى الفرج الأستادار- وكان مسافرا بترّوجة- ومعه غالب عرب البحيرة نجدة للمسلمين، فلما كثر جمع المسلمين انهزم الفرنج وردّوا من حيث أتوا فى يوم الأحد حادى عشره ولم يقتل من المسلمين سوى فارس واحد من جماعة ابن أبى الفرج.

قلت [قوله تعالى] «1» (وردّ الله الّذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال) «2» . كل ذلك والسلطان مشغول بتجهيز «3» تجريدة إلى بلاد الشّرق، فلما كان ثانى عشر شعبان المذكور أنفق السلطان فى ثلاثمائة وتسعين مملوكا من المماليك السلطانية، لكل واحد «4» خمسين دينارا، وفى أربعة من أمراء الألوف، وهم: أركماس الظاهرىّ الدوادار الكبير، وقرقماس حاجب الحجاب، وحسين بن أحمد المدعو تغرى برمش البهسنى، ويشبك السّودونى المعروف بالمشد، لكل واحد ألفى دينار، وأنفق أيضا فى عدّة من أمراء الطبلخانات والعشرات، فبلغت نفقة الجميع نحو ثلاثين ألف دينار، ورسم بسفرهم إلى الشّام، فسافروا فى سادس «5» عشرين شعبان المذكور. ثم فى يوم الخميس «6» رابع عشر شهر رمضان حملت جامكيّة المماليك السلطانية إلى القلعة لتنفق فيهم على العادة، فأمتنعوا من قبضها، وطلبوا زيادة لكل واحد ستمائة درهم وصمموا على ذلك، وترددت الرّسل بينهم وبين السلطان إلى أن زيد فى جوامك عدّة منهم وسكن شرّهم، وأخذوا الجامكيّة فى يوم الاثنين ثامن عشره. ثم بعد ذلك وقع بين المماليك الجلبان وبين العبيد، فتجمّع السّودان وقاتلوهم فقتل بينهم عدّة وصاروا جمعين لكل جمع عصبيّة. ثم فى يوم الأربعاء تاسع ذى القعدة ورد الخبر على السلطان بأخذ الأمراء المتوجّهين إلى جهة بلاد الشّرق مدينة الرّها من نواب قرايلك، وكان من خبر ذلك

أن العساكر المصرية لما سارت من القاهرة إلى جهة الشّام لأخذ خرتبرت «1» - وقد مات متولّيها، ونازلها عسكر قرايلك صاحب آمد- فلما وصلوا إلى مدينة حلب ورد عليهم الخبر بأخذ قرايلك قلعة خرتبرت وتحصينها وتسليمها لولده، فأقاموا بحلب إلى أن ورد عليهم الأمير سودون من عبد الرحمن نائب الشام بعساكر دمشق، ثم جميع نوّاب البلاد الشامية بعساكرها، وتشاوروا فى السّير لها، فأجمع رأيهم على المسير، فمضوا بأجمعهم: العسكر المصرى [والعسكر] «2» الشامى إلى جهة الرّها، فأتاهم بألبيرة كتاب أهل الرّها بطلب الأمان وقد رغبوا فى الطاعة، فأمنوهم وكتبوا لهم كتابا، وساروا من ألبيرة وبين أيديهم مائتا فارس من عرب الطّاعة كشّافة، فوصلت الكشّافة المذكورون إلى الرّها فى شوّال، فوجد والأمير هابيل بن الأمير عثمان بن طرعلى المدعو قرايلك صاحب آمد قد وصل إليها ودخلها وحصنّها وجمع فيها خلائق من أهل الضياع بمواشيهم وعيالهم وأموالهم، فنزلوا عليها فرموهم بالنّشّاب من فوق أسوار المدينة. فلما رأى هابيل قلّة العرب برز إليهم فى نحو ثلاثمائة رجل من عسكره وقاتلهم فثبتوا له وقاتلوه، فقتل بين الفريقين جماعة والأكثر من العرب، فأخذ هابيل رءوسهم وعلقها على أسوار المدينة، وبينماهم فى ذلك «3» أدركهم العسكر المصرى والشامىّ ونزلوا على ظاهر الرّها يوم الجمعة العشرين من شوال، فوجدوا هابيل قد حصّن المدينة، وجعل جماعة من عساكره على أسوارها، فلما قرب العسكر من سور مدينة الرّها رماهم الرّجال من أعلى السور بالنّشّاب والحجارة، فتراجع العسكر عنهم ونزلوا بخيامهم إلى بعد الظهر، فركبوا الجميع وأرسلوا إلى أهل الرّها بالأمان، وأنهم إن لم

يكفوا عن القتال أخربوا المدينة، فلم يلتفتوا إلى كلامهم ورموهم بالنّشّاب، فاتّفق العسكر حينئذ على الزّحف وركبوا بأجمعهم وزحفوا على المدينة وجدّوا فى قتالها، فلم يكن غير ساعة إلا وأخذوا المدينة واستولوا عليها، وتعلق أعيان البلد ومقاتلتها بالقلعة، فانتشر العسكر وأتباعهم بالمدينة ينهبون ويأخذون ما وجدوا ويأسرون من ظفروا به، وأمعنوا فى ذلك حتى خرجوا عن الحدّ، وأصبحوا يوم السبت جدّوا فى حصار القلعة، وأرسلوا إلى من بها بالأمان فلم يقبلوا واستمرّوا بالرّمى بالنّشّاب والحجارة وغير ذلك، ونصبوا على القلعة المكاحل والمدافع وأخذوا فى النقوب وباتوا ليلة الأحد على ذلك، وأصبحوا يوم الأحد على ما هم عليه من القتال والحصار إلى وقت الضحى، فضعف أمر من بالقلعة بعد قتال شديد وطلبوا الأمان، فكفّوا عند ذلك عن قتالهم، ونزلت رسلهم إلى الأمير سودون من عبد الرحمن نائب الشام، وهو مقدّم العساكر، وكلّموهم فى نزولهم وتسليمهم القلعة، وحلّفوه هو والأمير قصروه نائب حلب «1» على أنهم لا يؤذونهم ولا يقتلون أحدا منهم، فركنوا إلى أيمانهم، ونزل الأمير هابيل بن قرايلك ومعه تسعة «2» من أعيان أمراء أبيه فى وقت الظهر من يوم الأحد ثانى عشرين شوال المذكور، فتسلمه الأمير أركماس الظاهرىّ الدّوادار الكبير، وركب الأمير سودون من عبد الرحمن ومعه بقية النّواب إلى القلعة، فوجدوا المماليك السلطانية قد وقفوا على باب القلعة ليدخلوا إليها، فكلّمهم النّوّاب فى عدم دخولهم وقالوا لهم: نحن أعطيناهم أمانا، ومنعوهم من الدخول إليها، فأفحشوا فى الرّدّ على النوّاب، فراجعوهم فى ذلك فهمّوا المماليك بقتالهم، وهجموا القلعة بغير رضاء النّوّاب والأمراء ودخلوها، فشقّ ذلك على النّوّاب وعادوا إلى مخيّمهم، فمدّ المماليك أيديهم هم والتّركمان والأعراب والغلمان فى النّهب والسّبى حتى نهبوا جميع ما كان بالقلعة، وأسروا النّساء والصّبيان وأفحشوا بها إلى الغاية.

ثم ألقوا النار فيها فأحرقوها بعد ما أخلوها من جميع ما كان فيها، وقتلوا من كان بها وبالمدينة من الرجال والمقاتلة، حتى جاوز فعلهم الحدّ. ثم أخربوا المدينة وألقوا النار فيها فاحترقت واحترق فى الحريق جماعة من النّسوة فإنهن اختفين فى الأماكن من البلد خوفا من العسكر، فلما احترقت المدينة احترقن الجميع فى النار التى أضرمت بسكك المدينة وخباياها، واحترق أيضا معهن عدة كبيرة من أولادهن. هذا بعد أن أسرفوا فى القتل بحيث إنه كان الطريق قد ضاق من كثرة القتلى، وفى الجملة فقد فعلوا بمدينة الرّها فعل التّمرلنكيين وزيادة من القتل والأسر والإحراق والفجور بالنساء- فما شاء الله كان. ثم رحلوا من الغد فى يوم الاثنين ثالث عشرينه وأيديهم قد امتلأت من النهب والسبى، فقطعت منهم عدّة نساء من التّعب فمتن عطشا، وبيعت منهن بحلب وغيرها عدة كبيرة. قال المقريزى: وكانت هذه الكائنة من مصيبات الدّهر. [الوافر] وكنّا نستطب إذا مرضنا ... فجاء الدّاء من قبل الطّبيب لقد عهدنا ملك مصر إذا بلغه عن أحد من ملوك الأقطار قد فعل مالا يجوز أو فعل ذلك رعيته بعث ينكر عليه ويهدّده، فصرنا نحن نأتى من الحرام بأشنعه ومن القبيح بأفظعه- وإلى الله المشتكى- انتهى كلام المقريزى. قلت: لم يكن ما وقع من هؤلاء الغوغاء بإرادة الملك الأشرف، ولا عن أمره ولا فى حضوره، وقد تقدّم أن نوّاب البلاد الشامية وأكابر الأمراء

منعوهم من دخول القلعة بالجملة فلم يقدروا على ذلك لكثرة من كان» ، اجتمع بالعسكر من التّركمان والعرب النّهابة كما هى عادة العساكر، وإن كان كون الأشرف جهّز العسكر إلى جهة الرّها، فهذا أمر وقع فيه كلّ أحد من ملوك الأقطار قديما وحديثا، ولا زالت الملوك على ذلك من مبدأ الزّمان إلى آخره، معروف ذلك عند كل أحد- انتهى. ثم فى ليلة الخميس ثامن ذى الحجة سنة اثنتين وثلاثين المذكورة قدم السيد الشريف شهاب الدين «2» أحمد من دمشق بطلب من السلطان بعد أن خرج أكابر الدّولة إلى لقائه، واستمرّ بالقاهرة إلى يوم الخميس خامس عشر ذى الحجة فخلع السلطان عليه باستقراره كاتب السرّ الشريف بالديار المصرية، عوضا عن جلال الدين محمد بن مزهر بحكم عزله، وعملت الطرحة خضراء برقمات ذهب، فكان له موكب جليل إلى الغاية. ثم فى يوم الجمعة سادس عشره خلع السلطان على جلال الدين [محمد] «3» بن مزهر المقدم ذكره واستقر فى توقيع المقام الناصرى محمد بن السلطان. ثم فى يوم السبت رابع عشرينه قدم «4» القاهرة الأمير هابيل بن قرايلك المقبوض عليه من الرّها ومعه جماعة فى الحديد، فشهّروا بالقاهرة إلى القلعة، وسجنوا بها، وقد تخلف العسكر المصرى بحلب مخافة أن يهجم قرايلك على البلاد الحلبية. وفى هذه السنة كان خراب مدينة تبريز؛ وسبب ذلك أن صاحبها إسكندر بن

قرا يوسف بن قرا محمد بن بيرم خجا التركمانى زحف على مدينة السّلطانية «1» وقتل متملكها من جهة القان شاه رخّ بن تيمور لنك فى عدة من أعيان المدينة، ونهب السلطانية وأفسد بها غاية الإفساد، فسار إليه شاه رخّ فى جموع كثيرة فخرج إسكندر من تبريز وجمع لحربه ولقيه وقد نزل خارج تبريز، فانتدب لمحاربة إسكندر المذكور الأمير عثمان بن طر على المدعو قرايلك صاحب آمد- وقد أمدّه شاه رخّ بعسكر كثيف- وقاتله خارج تبريز فى يوم الجمعة سادس عشر ذى الحجة قتالا شديدا قتل فيه كثير من الفئتين إلى أن كانت الكسرة على إسكندر وجماعته، وانهزم وهم فى أثره يطلبونه ثلاثة أيام ففاتهم إسكندر، فنهبت الجغتاى عامّة بلاد أذربيجان وكرسى أذربيجان تبريز، وقتلوا وسبوا وأسروا وفعلوا أفاعيل أصحابهم من أعوان تيمور حتى لم يدعوا بها ما تراه العين، ثم ألزم شاه رخّ أهل تبريز بمال كبير، ثم جلاهم بأجمعهم إلى سمرقند، فما ترك [فى] «2» تبريز إلا ضعيفا أو عاجزا لا خير فيه، ثم بعد مدّة طويلة زحل إلى جهة بلاده، وبعد رحيله انتشرت الأكراد بتلك النواحى تعبث وتفسد حتى فقدت الأقوات وأبيع لحم الكلب الرطل بعدة دنانير. قلت: وقد تكرّر قتال إسكندر هذا لشاه رخّ المذكور غير مرّة، وهو فى كل وقعة تكون الكسرة والذّلة عليه، وهولا يرعوى ولا يستحى ولا يرجع عن جهله وغيّه، وقد نسبه بعض الناس للشجاعة لكثرة مواقعته مع شاه رخّ المذكور، وأنا أقول: ليس ذلك من الشجاعة إنما هو من قلّة مروءته، وإفراط جهله، وسخفه وجنونه، وعدم إشفاقه على رعيّته وبلاده؛ حيث يقاتل من لا قبل له به ولا طاقة له بدفعه، فهذا هو الجنون بعينه، وإن طاب له- من هذا- الكحل فليكتحل، وأما إسكندر

ما وقع من الحوادث سنة 833

فإنه بعد هزيمته جال [فى] «1» البلاد وتشتّت شمله وتبدّدت عساكره، وسار إلى بلاد الأكراد وقد وقع بها الثّلوج، ثم سار إلى قلعة سلماس «2» فحصره بها الأكراد، وقاسى شدائد إلى أن نجا منها بنفسه وسار إلى جهة من الجهات- انتهى. [ما وقع من الحوادث سنة 833] ثم فى يوم الأحد رابع عشرين المحرّم سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة قدم إلى القاهرة رسول ملك الشّرق شاه رخّ بن تيمور لنك بكتابه يطلب فيه شرح البخارى للحافظ شهاب الدين [أحمد] «3» بن حجر، وتاريخ الشيخ تقي الدين المقريزىّ المسمى بالسّلوك لدول الملوك، ويعرض أيضا فى كتابه بأنه يريد يكسو الكعبة، ويجرى العيش بمكّة، فلم يلتفت السلطان إلى كتابه ولا إلى رسوله، وكتب له بالمنع فى كلّ ما طلبه. ثم فى يوم الخميس سادس عشرين صفر خلع السلطان على قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينىّ وأعيد إلى قضاء الشافعية بعد عزل الحافظ شهاب الدين بن حجر، وخلع أيضا على القاضى زين الدين عبد الرّحمن التّفهنىّ وأعيد أيضا إلى قضاء الحنفية بعد عزل قاضى القضاة بدر الدين محمود العينى، واستقرّ القاضى صدر الدين أحمد بن العجمىّ فى مشيخة خانقاه شيخون عوضا عن التّفهنىّ، وخلع عليه فى يوم الاثنين أوّل شهر ربيع الأوّل. ثم فى يوم الثلاثاء سلخ شهر ربيع الأوّل «4» المذكور خلع السلطان على القاضى سعد الدين إبراهيم ابن القاضى كريم الدين عبد الكريم بن سعد الدين بركة المعروف بابن كاتب جكم باستقراره ناظر الخواصّ الشريفة بعد موت والده. ثم فى يوم السبت رابع شهر ربيع الآخر خلع السلطان على قاضى القضاة بدر الدين

محمود العينى المقدّم ذكره باستقراره فى حسبة القاهرة عوضا عن الأمير إينال الشّشمانىّ مضافا لما معه من نظر الأحباس. ثم فى يوم الخميس تاسع شهر ربيع الآخر المذكور خلع السلطان على الأمير شهاب الدين أحمد الدّوادار المعروف بابن الأقطع- وقد صار قبل تاريخه زرد كاشا- باستقراره فى نيابة الإسكندرية عوضا عن آقبغا التّمرازىّ بحكم عزله وقدومه إلى القاهرة على إمرته، فإنه كان ولى نيابة إسكندرية على إقطاعه: تقدمة ألف بالديار المصرية. ثم فى خامس عشرينه خلع السلطان على «1» آقبغا الجمالىّ الكاشف باستقراره أستادارا بعد عزل الزّينى عبد القادر بن أبى الفرج، على أن آقبغا يحمل مائة ألف دينار بعد تكفية الديوان، فكذب وتخومل وعزل بعد مدّة يسيرة حسبما نذكره، وكان أصل آقبغا هذا من الأوباش من مماليك الأمير كمشبغا الجمالى أحد أمراء الطبلخانات، وصار يتردّد إلى إقطاع أستاذه كمشبغا المذكور، ثم خدم بلّاصيّا عند الكشّاف، ثم ترقّى حتى ولى الكشف فى دولة الملك الأشرف هذا، وأثرى وكثر ماله فحسّن له شيطانه أن يكون أستادارا وأخذ يسعى فى ذلك سنين إلى أن سمح له الملك الأشرف بذلك، وتولّى الأستادارية، وأستاذه [الأمير] «2» كمشبغا الجمالى فى قيد الحياة من جملة أمراء الطبلخانات، فلم تحسن سيرته وعزل بعد مدّة. وفى هذا الشهر وقع الطاعون بإقليم «3» البحيرة والغربيّة بحيث إنه أحصى من مات من أهل المحلّة زيادة على خمسة آلاف إنسان، وكان الطاعون أيضا قد وقع بغزّة والقدس وصفد ودمشق من شعبان فى السنة الخالية، واستمرّ إلى هذا الوقت، وعدّ ذلك من النّوادر لأنّ الوقت [كان] «4» شتاء ولم يعهد وقوع الطاعون إلا فى فصل

الرّبيع، ويعلّل الحكماء ذلك بأنه سيلان الأخلاط فى فصل الرّبيع وجمودها فى الشتاء، فوقع فى هذه السنة بخلاف ذلك، وكان قدم الخبر أيضا بوقوع الطاعون بمدينة برصا من بلاد الرّوم، وأنه زاد عدّة من يموت بها فى كل يوم على ألف وخمسمائة إنسان، ثم بدأ الطاعون بالديار المصرية فى أوائل شهر ربيع الآخر. قلت: وهذا الطاعون هو الفناء العظيم الذي حصل بالدّيار المصرية وأعمالها فى سنة ثلاث وثلاثين المذكورة. ثم فى يوم الخميس أوّل جمادى الأولى نودى بالقاهرة بصيام ثلاثة أيّام، وأن يتوبوا إلى الله تعالى من معاصيهم، وأن يخرجوا من المظالم، ثم إنهم يخرجون فى يوم الأحد رابع جمادى الأولى المذكور إلى الصحراء، فلما كان يوم الأحد رابعه «1» خرج قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينىّ فى جمع موفور إلى الصّحراء خارج القاهرة، وجلس بجانب تربة الملك الظاهر برقوق، ووعظ الناس فكثر ضجيج النّاس وبكاؤهم فى دعائهم وتضرّعهم، ثم انفضوا فتزايدت عدّة الأموات فى هذا اليوم عمّا كانت فى أمسه ثم فى ثامن جمادى الأول هذا قدم كتاب إسكندر بن قرايوسف صاحب تبريز أنه قدم إلى بلاده وقصده أن يمشى بعد انقضاء الشّتاء لمحاربة قرايلك، فلم يلتفت السلطان إلى كتابه لشغله بموت مماليكه وغيرهم بالطّاعون. ثم ورد كتاب قرايلك أيضا على السلطان يسأل فيه العفو عن ولده هابيل وإطلاقه، فلم يسمح له السلطان بذلك. ثم عظم الوباء فى هذا الشهر، وأخذ يتزايد فى كل يوم، ثم ورد الخبر [أيضا] «2» أنه ضبط من مات من النّحريريّة بالوجه البحرى إلى يوم تاريخه تسعة آلاف سوى من لم يعرف وهم كثير جدا، وأنه بلغ عدّة الأموات فى الإسكندرية فى كل يوم نحو المائة، وأنه شمل الوباء غالب الأقاليم بالوجه البحرى.

ثم وجد فى هذا الشهر بنيل مصر والبرك كثير من السمك والتماسيح قد طفت على وجه الماء ميتة واصطيدت [سمكة تسمى] «1» بنيه كبيرة فإذا هى كأنما صبغت بدم من شدّة ما بها من الاحمرار، ثم وجد فى البرّيّة ما بين السويس والقاهرة عدة كبيرة من الظّباء والذئاب موتى. ثم قدم الخبر بوقوع الوباء أيضا ببلاد الفرنج. [ثم «2» ] فى يوم الخميس سلخه ضبطت عدّة الأموات التى صلّى عليها بمصليات القاهرة وظواهرها فبلغت ألفين ومائة، ولم يرد منها فى أوراق الدّيوان غير أربعمائة ونيّف، وببولاق سبعين، وفشا الطاعون فى الناس، وكثر بحيث إن ثمانية عشر إنسانا من صيّادى السّمك كانوا فى موضع [واحد] «3» فمات منهم فى يوم واحد أربعة عشر، ومضى الأربعة ليجهّزوهم إلى القبور فمات منهم وهم مشاة ثلاثة، فقام الواحد بشأن الجميع حتى أوصلهم إلى القبور فمات هو أيضا. قاله الشيخ تقي الدين المقريزى فى تاريخه، ثم قال [أيضا] «4» : وركب أربعون رجلا فى مركب وساروا من مدينة مصر نحو بلاد الصّعيد فماتوا بأجمعهم قبل وصولهم إلى الميمون، ومرّت امرأة من مصر تريد القاهرة وهى راكبة على مكارى فماتت وهى راكبة وصارت ملقاة بالطريق يومها كلّه حتى بدأ يتغيّر ريحها فدفنت ولم يعرف لها أهل، وكان الإنسان إذا مات تغيّر ريحه سريعا مع شدّة البرد، وشنع الموت بخانقاه سرياقوس حتى بلغت العدّة فى كل يوم نحو المائتين، وكثر أيضا بالمنوفيّة والقليوبيّة حتى كان يموت فى الكفر الواحد متمائة إنسان. قلت: والذي رأيته أنا فى هذا الوباء أن بيوتا كثيرة خلت من سكّانها مع كثرة عددهم، وأن الإقطاع الواحد كان ينتقل فى مدّة قليلة عن ثلاثة أجناد وأربعة وخمسة، ومات من مماليك الوالد [رحمه الله] «5» فى يوم واحد أربعة من أعيان الخاصّكيّة، وهم: أزدمر السّاقى «6» ، وملج السلاح دار، وبيبرس الخاصّكىّ، ويوسف الرّمّاح؛ ماتوا

الجميع فى يوم واحد، فتحيّرنا بمن نبدأ بتجهيزه ودفنه على اختلاف سكناهم وقلّة التّوابيت والدّكل، وبالله لم أشهد منهم غير يوسف الرّماح، وأرسلت لمن بقى غيرى، مع أنّ كلّ واحد منهم أهل لنزول السلطان للصلاة عليه. ثم أصبح من الغد مات سنقر دوادار الوالد الثانى، وكان من أكابر الخاصّكيّة من الدّولة المؤيّدية، هذا خلاف من مات منهم من الجمداريّة ومن مماليك الأمراء، وأما من مات من عندنا من المماليك والعبيد والجوارى والخدم فلا يدخل تحت حصر، ومات من أخوتى وأولادهم سبعة أنفس ما بين ذكور وإناث، وأعظمهم أخى إسماعيل؛ فإنه مات وسنه نحو العشرين سنة، وكان من محاسن الدّهر. قال المقريزى: ثم تزايدت عدّة الأموات عما كانت فأحصى فى يوم الاثنين رابع جمادى الآخرة من أخرج عن أبواب القاهرة فبلغت عدّتهم ألفا ومائتى ميّت سوى من خرج عن القاهرة من أهل الحكور والحسينيّة وبولاق والصّليبة ومدينة مصر والقرافتين والصحراء، وهم أكثر من ذلك، ولم يورد بديوان المواريث بالقاهرة سوى ثلاثمائة وتسعين، وذلك أن أناسا عملوا التوابيت للسّبيل، فصار أكثر الناس يحملون موتاهم عليها ولا يوردون الديوان أسماءهم. قال: وفى هذه الأيام ارتفعت أسعار الثّياب التى يكفّن بها الأموات، وارتفع سعر سائر ما يحتاج إليه المرضى كالسّكّر وبزر الرّجلة والكمّثرى على أن القليل من المرضى هو الذي يعالج بالأدوية، بل بعضهم يموت موتا سريعا فى ساعة وأقلّ منها، وعظم الوباء فى المماليك السلطانية سكان الطباق بالقلعة الذين كثر فسادهم وشرّهم وعظم عتوّهم وضرهم، بحيث إنه كان يصبح منهم أربعمائة وخمسون مملوكا مرضى فيموت [منهم] «1» فى اليوم زيادة على الخمسين مملوكا- انتهى كلام المقريزى. قلت: والذي رأيته أنا أنه مات بعض «2» أعيان الأمراء مقدّمى الألوف، فلم يقدروا

له على تابوت حتى أخذ له تابوت من السّبيل، وأما الأخ [رحمه الله] «1» فإنه لما توفّى إلى رحمة الله تعالى وجدنا له تابوتا، غير أنه لا عدّة فيه، فلما وضع الأخ فيه طرح عليه سلّارى سمّور من قماشه، على أن الغاسل أخذ من عليه قماشا يساوى عشرين ألف «2» درهم، ومع هذا لم ينهض أهل الحانوت بكسوة تابوته. وبلغ عدّة من صلى عليه من الأموات بمصلّى باب النصر فى يوم الأحد عاشر جمادى الآخرة خمسمائة وخمسة، وقد أقام هناك جماعة كبيرة بأدوية وأقلام لضبط ذلك، وبطل الصلاة بالصلاة وإنما صار الناس يصلون على أمواتهم صفّا واحدا من باب المصلّى إلى تجاه باب دار الحاجب، فكان يصلّى على الأربعين والخمسين معا دفعة واحدة، ومات لشخص بخدمتنا يسمّى شمس الدين الذّهبى ولد فخرجنا معه إلى المصلّى، وكان سنّ الميّت دون سبع سنين، فلما أن وضعناه للصّلاة عليه بين الأموات جىء «3» بعدّة كبيرة أخرى إلى أن تجاوز عددهم الحدّ، ثم صلّى على الجميع، وتقدمنا لأخذ الميّت المذكور «4» فوجدنا غيرنا أخذه وترك لنا غيره فى مقدار عمره، فأخذه أهله ولم يفطنوا به، ففهمت أنا ذلك، وعرّفت جماعة أخر ولم نعلم أباه بذلك، وقلنا لعلّ الذي أخذه يواريه أحسن مواراة، وليس للكلام فى ذلك فائدة غير زيادة فى الحزن، فلما دفن الصّبىّ وأخذ أهل الحانوت التّابوت صاحوا وقالوا: ليس هذا تابوتنا هذا عتيق وقماشه أيضا خلق، فأشرت إليهم بالسّكات وهدّدهم بعض المماليك بالضّرب، فأخذوه ومضوا، فكانت هذه الواقعة من الغرائب المهولة، كل ذلك والطاعون فى زيادة ونموّ حتى أيقن كلّ أحد أنه هالك لا محالة، وكنا نخرج من صلاة الجمعة إلى بيتنا وقد وقف جماعة من الأصحاب والخدم فنتعادد إلى الجمعة الثانية فينقص منا عدّة كبيرة ما بين ميّت ومريض، واستسلم كلّ أحد للموت وطابت نفسه لذلك، وقد أوصى وتاب وأناب ورجع عن أشياء كثيرة، وصار غالب الشّباب فى يد

كلّ واحد منهم سبحة وليس له دأب إلا التوجه للمصلّاة للصلاة على الأموات وأداء الخمس والبكاء [والتوجّه إلى الله تعالى] «1» والتخشّع، وماتت عندنا وصيفة مولدة بعد أن مرضت من ضحى النهار إلى أن ماتت قبل المغرب، فأصبحنا وقد عجز الخدم عن تحصيل تابوت لها، فتولت تغسيلها أمّها وجماعة من العجائز وكفّنوها فى أفخر ثيابها على أحسن وجه، غير أننا لم نلق لها نعشا، وقد ألزمنى التوجه للصلاة على الأمير الكبير بيبغا المظفّرىّ، وعلى الشهابى أحمد بن الأمير تمراز النائب، فوقفت على الباب والميتة محمولة على أيدى بعض الخدم إلى أن اجتازت بنا جنازة امرأة، فأنزلت التابوت غصبا ووضعتها عند الميتة «واشتالتا» على أعناق الرجال، وسارت أمّها وبعض الخدم معها إلى أن قاربت التّربة فأخذوها من التابوت ودفنوها. ثم بلغ فى جمادى الآخرة [المذكورة] «2» عدّة من صلّى عليه بمصلاة باب النصر فقط فى يوم واحد زيادة على ثمانمائة ميّت. ثم فى اليوم المذكور بلغ عدّة من خرج من الأموات من سائر أبواب القاهرة اثنى عشر ألفا وثلاثمائة ميّت محرّرة من الكتبة الحسبة بأمر شخص من أكابر الدّولة وقيل بأمر السلطان، ثم بلغ عدّة من صلّى عليه بمصلّاة باب النصر من الأموات فى العشر الأوسط من جمادى الآخرة المذكورة ألفا ونيفا وثلاثين إنسانا، ويقارب ذلك مصلاة المؤمنى بالرّميلة، فيكون على هذا الحساب مات فى هذا اليوم نحو خمسة عشر ألف إنسان. قال المقريزى: واتفق فى هذا الوباء غرائب، منها: أنه كان بالقرافة الكبرى والقرافة الصّغرى من السودان نحو ثلاثة آلاف إنسان ما بين رجل وامرأة وصغير وكبير ففنوا بالطاعون حتى لم يبق منهم إلا القليل، ففرّوا إلى أعلى الجبل وباتوا ليلتهم سهّارا لا يأخذهم نوم لشدّة ما نزل بهم من فقد أهليهم، وظلوا يومهم من الغد بالجبل،

فلما كانت الليلة الثانية مات منهم ثلاثون إنسانا وأصبحوا فإلى أن يأخذوا فى دفنهم مات منهم ثمانية عشر. قال: واتفق أن إقطاعا بالحلقة تنقّل فى أيام قليلة إلى تسعة نفر، وكل منهم يموت، ومن كثرة الشغل بالمرضى والأموات تعطّلت الأسواق من البيع والشراء، وتزايد ازدحام النّاس فى طلب الأكفان والنعوش، فحملت الأموات على الألواح، وعلى الأقفاص، وعلى الأيدى، وعجز الناس عن دفن أمواتهم، فصاروا يبيتون بها فى المقابر والحفارون طول ليلتهم يحفرون، وعملوا حفائر كبيرة بلغ فى الحفرة منها عدّة أموات، وأكلت الكلاب كثيرا من أطراف الأموات، وصار الناس ليلهم كلّه يسعون فى طلب الغسال والحمّالين والأكفان، وترى النعوش فى الشوارع كأنها قطارات جمال لكثرتها، متواصلة بعضها فى إثر بعض- انتهى كلام المقريزى. ثم فى يوم الجمعة خامس عشر جمادى الآخرة المذكورة جمع الشريف شهاب الدين «1» أحمد كاتب السّرّ بالديار المصرية بأمر السلطان أربعين شريفا، اسم كل شريف منهم محمد، وفرّق فيهم من ماله خمسة آلاف درهم، وأجلسهم بالجامع الأزهر فقرءوا ما تيسّر من القرآن الكريم بعد صلاة الجمعة، ثم قاموا هم والناس على أرجلهم ودعوا الله تعالى- وقد غص الجامع بالناس- فلم يزالوا يدعون الله حتى دخل وقت العصر فصعد الأربعون شريفا إلى سطح الجامع وأذّنوا جميعا، ثم نزلوا وصلّوا مع الناس صلاة العصر وانفضّوا، وكان هذا بإشارة بعض الأعاجم، وأنه عمل ذلك ببلاد الشرق فى وباء حدث عندهم فارتفع عقيب ذلك. ولما أصبح الناس فى يوم السبت أخذ الوباء يتناقص فى كلّ يوم بالتدريج حتى انقطع، غير أنه لما نقلت الشمس إلى برج الحمل فى يوم ثامن عشر جمادى الآخرة المذكورة ودخل فصل الرّبيع، وأخذ الطاعون يتناقص، غير أنه فشا الموت من يومئذ فى أعيان النّاس وأكابرهم ومن له شهرة، بعد ما كان أوّلا فى الأطفال

والموالى والغرباء والخدم، وفشا أيضا ببلاد الصعيد، وبغالب الدّواب والطّير، وبدأ التطويل فى الأمراض، ومشت الأطباء والجرائحية للمرضى. والعجب أن الشريف كاتب السّرّ الذي جمع الأشراف بجامع الأزهر مات بعد ذلك باثنى عشر يوما، وولى أخوه كتابة السرّ عوضه وقبل أن يلبس الخلعة مات أيضا. وأما من مات فى هذا الوباء من الأعيان فجماعة كبيرة يأتى ذكر بعضهم فى وفيات هذه السنة من هذا الكتاب. ثم فى يوم الاثنين تاسع شهر رجب خلع السلطان على الأمير الطّواشى زين الدين خشقدم الرّومى اليشبكىّ نائب مقدّم المماليك باستقراره مقدّم المماليك السلطانية بعد موت الأمير فخر الدين ياقوت الأرغون شاوى الحبشى، وخلع السلطان على الطواشى فيروز الركنى الرّومى باستقراره فى نيابة مقدّم المماليك عوضا عن خشقدم المذكور. ثم فى سادس عشر شهر رجب المذكور قدم الأمير تغرى بردى المحمودىّ من ثغر دمياط- وكان قد نقل إليه من سجن الإسكندرية قبل تاريخه بمدّة- فرسم السلطان أن يتوجه من قليوب إلى دمشق ليكون أتابكا بها عوضا عن الأمير قانى باى الحمزاوى بحكم حضور قانى باى المذكور إلى القاهرة ليكون بها من جملة مقدّمى الألوف. ثم فى ثالث عشرينه خلع السلطان على الشيخ بدر الدين حسن بن القدسىّ الحنفى باستقراره فى مشيخة الشّيوخ بالشّيخونيّة بعد موت القاضى صدر الدين أحمد ابن العجمى. ثم ورد الخبر على السلطان بحركة «1» قرايلك على البلاد الحلبيّة، وأن شاه رخ

ابن تيمور لنك قد شتّى بقراباغ» ، فأخذ السلطان فى تجهيز عسكر للسّفر، هذا وقد أشيع بالقاهرة بأن الأمير جانى بك الصّوفى مات بالطّاعون ودفن ولم يعرف به أحد فلم تطب نفس السّلطان لهذا الخبر، واستمرّ على ما هو عليه من الفلق بسببه. ثم فى يوم الأربعاء ثالث شعبان «2» منع السلطان نوّاب القضاة من الحكم، ورسم أن يقتصر القاضى الشافعىّ على أربعة نوّاب، والحنفى على ثلاثة، والمالكى والحنبلى كل منهما على اثنين، قلت: نعمة طائلة، خمسة عشر قاضيا بمصر بل ونصف هذا فيه كفاية. ثم فى يوم الاثنين ثامن شعبان أدير «3» محمل الحاجّ على العادة فى كلّ سنة، ولم يعهد دورانه فى شعبان قبل ذلك، غير أن الضّرورة بموت المماليك الرّمّاحة اقتضت تأخير ذلك، وكان الجمع فيه من الناس دون العادة لكثرة وجد الناس على موتاهم. ثم فى يوم السبت ثامن عشر شهر رمضان قدم شهاب الدين أحمد بن صالح بن السّفاح كاتب سرّ حلب باستدعاء ليستقرّ فى كتابة السّرّ بالديار المصرية، ويستقرّ عوضه فى كتابة سرّ حلب ابنه زين الدين عمر، على أن يحمل شهاب الدين المذكور عشرة آلاف دينار، وكانت كتابة السّرّ شغرت من يوم مات الشريف شهاب الدين أحمد الدّمشقى، وباشر أخوه عماد الدين أبو بكر أياما قليلة ومات أيضا بالطاعون، فباشر القاضى شرف الدين أبو بكر الأشقر «4» نائب كاتب السّرّ إلى يوم تاريخه بعد أن سعى فى كتابة السّرّ جماعة كبيرة بالقاهرة، فاختار السلطان ابن السفّاح هذا، وبعث بطلبه، وخلع عليه فى عشرينه باستقراره فى كتابة السّرّ، فباشر الوظيفة بقلّة حرمة وعدم أبّهة مع حدّة مزاج وخفّة وجهل بصناعة الإنشاء، على أنه باشر كتابة السّرّ بحلب

سنين قبل ذلك، ومع هذا كله لم ينتج أمره لعدم فضيلته، فإنه كان يظهر من قراءته للقصص ألفاظ عامّيّة، وبالجملة فإنه كان غير أهل لهذه الوظيفة- انتهى. ثم فى يوم السبت رابع عشرين شوّال «1» قدم المماليك السلطانية من تجريدة الرّها إلى القاهرة، وكانوا من يوم ذاك بمدينة حلب، وتخلفت الأمراء بها. ثم فى يوم الاثنين ثالث ذى القعدة خلع السلطان على الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن كاتب المناخ باستقراره أستادارا مضافا إلى الوزر عوضا عن آقبغا الجمالى بحكم عجز آقبغا عن القيام بالكلف السلطانية. ثم فى سادس ذى القعدة أمسك السلطان آقبغا المذكور وأهين وعوقب على المال، فحمل جملة، ثم أفرج عنه واستقرّ كاشفا للجسور بعد أيام. وفى يوم الثلاثاء ثامن عشر ذى القعدة أيضا- ويوافقه خامس عشر مسرى- أو فى النيل ستّة عشر ذراعا فركب السلطان الملك الأشرف من قلعة الجبل ونزل حتى خلّق المقياس وعاد فتح خليج السّدّ «2» على العادة ولم يركب لذلك منذ تسلطن إلا فى هذه السنة. ثم فى ليلة السبت «3» خامس عشر ذى القعدة ظهر للحاج المصرى وهم سائرون من جهة البحر المالح كوكب يرتفع ويعظم ثم تفرع «4» منه شرر كبار ثم اجتمع، فلما أصبحوا اشتدّ عليهم الحرّ فهلك من مشاة الحاج ثم من الركبان عالم كبير، وهلك أيضا من جمالهم وحميرهم عدّة كبيرة، كل ذلك من شدة الحرّ والعطش، وهلك أيضا فى بعض أودية الينبع جميع ما كان فيه من الإبل والغنم. ثم فى يوم الثلاثاء ثامن ذى الحجة ركب السلطان من قلعة الجبل ونزل إلى بيت

[ابن] «1» البارزىّ المطلّ على النيل بساحل بولاق، وسار بين يديه غرابان فى النيل حربية، فلعبا كما لو حاربا الفرنج، ثم ركب السلطان من وقته سريعا وسار إلى القلعة. ثم فى عاشر ذى الحجة توجّه زين الدين عبد الباسط ناظر الجيش إلى زيارة القدس الشريف، وعاد فى يوم تاسع عشرينه، ثم ورد الخبر على «2» السلطان فى هذا الشهر بتوجه الأمير قصروه نائب حلب منها والأمراء المجرّدون معه لمحاربة قرقماس بن حسين بن نعير، فلقوا جمائعه تجاه قلعة جعبر «3» ، فانهزم قرقماس عن بيوته، فأخذ العسكر فى نهب ماله، فردّ عليهم العرب وهزموهم وقتلوا كثيرا من العساكر، وممّن قتل الأمير قشتم المؤيّدى أتابك حلب وغيره، وعاد العسكر إلى حلب بأسوإ حال، فعظم ذلك على الملك الأشرف إلى الغاية. قال المقريزى: وكان فى هذه السنة «4» حوادث شنيعة وحروب وفتن؛ فكان بأرض مصر بحريّها وقبليّها وبالقاهرة ومصر وظواهرها وباء [عظيم] «5» مات فيه على أقلّ ما قيل مائة ألف إنسان، والمجازف يقول هذه المائة ألف من القاهرة ومصر فقط سوى من مات بالوجه القبلى والبحرى، وهم مثل ذلك. قلت: وليس فى قول القائل إن هذه المائة ألف من القاهرة ومصر فقط مجازفة أبدا، فإن الوباء أقام أزيد من ثلاثة أشهر ابتداء وانتهاء وانحطاطا، وأقل من مات فيه دون العشرين كل يوم «6» ، وأزيد من مات فيه نحو خمسة عشر ألف إنسان، وبهذا المقتضى ما ثمّ مجازفة، ومتحصل ذلك يكون بالقياس أزيد مما قيل- انتهى.

قال- أعنى المقريزى: وغرق ببحر القلزم مركب فيه حجّاج وتجار تزيد عدتهم على ثمانمائه إنسان لم ينج منهم سوى ثلاثة رجال وهلك باقيهم، وهلك فى ذى القعدة أيضا بطريق مكّة فيما بين الأزلم «1» والينبع بالحرّ والعطش ثلاثة آلاف إنسان، ويقول المكثر خمسة آلاف، وغرق فى نيل مصر فى مدّة يسيرة اثنتا عشرة سفينة، تلف فيها من البضائع والغلال ما قيمته مال عظيم، وكان بغزة والرّملة والقدس وصفد ودمشق وحمص وحماة وحلب وأعمالها وباء [عظيم] «2» ، هلك فيه خلائق لا يحصى عددهم إلا الله تعالى، وكان ببلاد المشرق بلاء عظيم، وهو أنّ شاه رخّ بن تيمور ملك الشّرق قدم إلى تبريز فى عسكر يقول المجازف عدّتهم سبعمائة ألف، قلت: يغفر الله لقائل هذا اللفظ، فإنه تجاوز حد المجازفة فى قوله- انتهى. قال: فأقام شاه رخّ على خوبى «3» نحو شهرين، وقد فرّ منه إسكندر «4» بن قرا يوسف، فقدم عليه الأمير عثمان بن طر على المدعو قرايلك التركمانى صاحب آمد فى ألف فارس، فبعثه على عسكر لمحاربة إسكندر، وسار فى أثره، وقد جمع إسكندر جمعا يقول المجازف إنهم سبعون ألفا، فاقتتل الفريقان خارج تبريز فقتل بينهما آلاف من الناس، وانهزم إسكندر، وهم فى أثره يقتلون [ويأسرون] «5» وينهبون، فأقام إسكندر ببلاد الكرج ثم بقلعة سلماس وحصرته العساكر مدّة، فنجا وجمع نحو الأربعة آلاف، فبعث إليه شاه رخّ عسكرا أوقعوا به وقتلوا من معه، فنجا بنفسه جريحا. وفى مدة هذه الحروب ثار أصبهان بن قرا يوسف ونزل على الموصل ونهب تلك

الأعمال وقتل وأفسد فسادا كبيرا، وكانت بعراق العرب والعجم نهوب ومقاتل، بحيث إن شاه محمد بن قرا يوسف متملك بغداد من عجزه لا يتجاسر على أن يتجاوز سور بغداد، وخلا أحد جانبى بغداد من السكان، وزال عن بغداد اسم التمدّن، ورحل منها حتى الحيّاك، وجفّ أكثر النّخل من أعمالها، ومع هذا كلّه وضع شاه رخّ على أهل تبريز مالا، ذهبت فى جبايانه نعمهم، وكثر الإرجاف بقدومه إلى الشّام، فأوقع الله فى عسكره البلاء والوباء حتى عاد إلى جهة بلاده، وعاد قرايلك إلى ماردين فنهبها، ثم عاد ونهب ملطية وما حولها. وكان [أيضا] «1» ببلاد الحبشة «2» بلاء لا يمكن وصفه، وذلك أنا أدركنا ملكها داود بن سيف أرعد، ويقال له الحطّى ملك أمحرة، وهم نصارى يعقوبيّة، فلما مات فى سنة اثنتى عشرة وثمانمائة قام من بعده ابنه تدرس بن داود، فلم تطل مدّته ومات، فملك بعده أخوه أبرم، ويقال إسحاق بن داود وفخم أمره؛ وذلك أن بعض مماليك الأمير بزلار نائب الشام ترقّى فى الخدم وعرف بألطنبغا مغرق حتى باشر ولاية قوص من بلاد الصّعيد، ففرّ إلى الحبشة واتّصل بالحطّى هذا، وعلّم أتباعه لعب الرّمح ورمى النّشّاب وغير ذلك من أدوات الحرب، ثم لحق بالحطّى أيضا بعض المماليك الچراكسة، وكان زرد كاشا فعمل له زردخاناه ملوكيّة، وتوجّه إليه مع ذلك رجل من كتّاب مصر الأقباط النّصارى يقال له فخر الدولة، فرتّب له ملكه، وجبى له الأموال وجنّد له الجنود، حتى كثر ترفّهه بحيث أخبرنى من شاهده وقد ركب فى موكب جليل وبيده صليب من ياقوت أحمر قد قبض عليه، ووضع يده على فخذه، فشرهت نفسه إلى أخذ ممالك الإسلام لكثرة ما وصف له هؤلاء من حسنها، فبعث بالتّبريزىّ التاجر ليدعو الفرنج للقيام معه، وأوقع بمن فى مملكته من المسلمين، فقتل منهم وأسر وسبى عالما عظيما، وكان ممن أسر منصور ومحمد ولدا سعد الذين محمد بن أحمد بن على

ما وقع من الحوادث سنة 834

ابن ولصمع «1» الجبرتى ملك المسلمين بالحبشة، فعاجله الله بنقمته وهلك فى ذى القعدة، وأقيم ابنه اندراس بن إسحاق، فهلك أيضا لأربعة أشهر، فأقيم بعده عمّه حزبناى «2» ابن داود بن سيف أرعد، فهلك فى شهر رمضان سنة أربع وثلاثين، فكانت على أمحرة أربعة ملوك فى أقلّ من سنة- انتهى كلام المقريزى برمته. وقد خرجنا عن المقصود، على أنه فيما ذكرنا فوائد يحتمل التطويل بسببها- انتهى. [ما وقع من الحوادث سنة 834] ثم إن السلطان أخذ فى تجهيز عسكر «3» إلى البلاد الحلبيّة إلى أن انتهى أمرهم، فلمّا كان يوم الاثنين سابع عشرين محرم سنة أربع وثلاثين وثمانمائة برز الأمراء المجرّدون من القاهرة إلى الرّيدانيّة خارج القاهرة، وهم الأمير الكبير جارقطلو أتابك العساكر، والأمير إينال الجكمىّ أمير سلاح، والأمير آقبغا التّمرازى أمير مجلس، والأمير تمراز القرمشىّ رأس نوبة النّوب والأمير [قرا] «4» مراد خجا الشّعبانى الظاهرىّ برقوق أمير جاندار، وعدّة من أمراء الطبلخانات والعشرات، وخمسمائة مملوك من المماليك السّلطانية، وكان سبب تجرّدهم ورود الخبر على السلطان بنزول قرايلك فى أوّل هذا الشهر على معاملة ملطية، وأنه نهبها وأحرقها، وحصر ملطية، فخرج إليه الأمير قصروه نائب حلب، وقد أردفه الأمير سودون من عبد الرحمن نائب الشام بعساكر الشام، فأردفهم السلطان [أيضا] «5» بالعسكر المذكور، فلمّا أن رحلوا من الرّيدانيّة ورد الخبر ثانيا من قبل نوّاب البلاد الشامية بعود قرايلك إلى بلاده، وأن المصلحة تقتضى عدم خروج العسكر من مصر فى هذه السّنة، فرسم السلطان بعودهم من خانقاه سرياقوس فى يوم الجمعة أوّل صفر، فرجعوا من وقتهم، واستعيدت منهم

النفقة السلطانية التى أنفقت فيهم عند سفرهم، فاحتاجوا إلى ردّ ما اشتروه من الأمتعة بعد ما استعملوها، والأزواد على من ابتاعوها منهم غصبا، ثم احتاجوا إلى استعادة ما أنفقوه على غلمانهم وخدمهم، وقد تصرفت الغلمان فيها، واشتروا منها احتياجهم، ودفعوا منها إلى أهليهم ما ينفقونه فى غيبتهم، فكلّ واحد من هؤلاء استعيد منه ما تصرّف فيه، فنزل من أجل هذا بالناس ضرر عظيم، وكثرت القالة فى السلطان ونفرت القلوب منه، وتحدّث الناس بذلك أياما وسنين، ولعله صار مثلا يضرب به إلى يوم القيامة. ثم فى يوم الاثنين حادى عشر صفر المذكور ركب السلطان من قلعة الجبل فى موكب جليل ملوكى احتفل له ولبس قماش الموكب الكلفتاه والفوقانى الصّوف الذي بوجهين أحمر وأخضر، كما كان يلبس الملك الظاهر برقوق وغيره من الملوك، وجرّ الجنائب بين يديه والجاويشيّة تصيح أمامه، وسار وحوله الطبردارية «1» وعلى رأسه السّنجق السلطانى حتى عبر من باب زويلة فشق القاهرة وخرج من باب الشّعريّة يريد الصّيد بالدير «2» والمنزلة «3» فتوجّه إلى الصيد فبات هناك ليلة الثلاثاء وأصبح اصطاد الكراكى، وعاد إلى مخيّمه وأكل السّماط، ثم ركب وعاد فى آخر يوم الثلاثاء إلى القلعة بعد ما شقّ القاهرة فى عوده أيضا على تلك الهيئة، وهذا أوّل ركوبه إلى الصيّد منذ تسلطن. ثم فى خامس عشرينه ركب للصيد ثانيا وعاد من الغد، وتكرّر ركوبه لذلك غير مرّة، وأنا ملازمه فى جميع ركوبه للصيّد وغيره

وفى هذا الشهر توقّف الناس والتجار فى أخذ الذهب من كثرة الإشاعة بأنه ينادى عليه، فنودى «1» فى يوم السبت سلخ صفر المقدم ذكره أن يكون سعر الدينار الأشرفىّ بمائتين وخمسة وثلاثين، والدينار الإفرنتى بمائتين وثلاثين، وهدّد من زاد على ذلك بأنه يسبك فى يده، فعاد الضرر على الناس فى الخسارة لانحطاط سعر الدينار خمسين درهما؛ فإنه كان يتعامل به الناس بمائتين وخمسة وثمانين. ثم فى يوم الثلاثاء رابع شهر ربيع الأوّل رسم السلطان بجمع الصيّارف والتجار [فجمعوا] «2» وأشهد عليهم أن لا يتعاملوا بالدراهم القرمانيّة «3» ولا الدراهم اللّنكيّة «4» ولا القبرسيّة، وأن هذه الثلاثة أنواع تباع بسوق الصاغة على حساب وزن كل درهم منها بستة عشر درهما من الفلوس حتى يدخل بها إلى دار الضّرب وتضرب دراهم أشرفيّة خالصة من الغشّ، ونودى بذلك، وأن تكون المعاملة بالدراهم الأشرفيّة والدراهم البندقيّة «5» والمؤيّدية «6» ، فإن هذه الثلاثة فضّة خالصة ليس فيها نحاس بخلاف الدراهم التى منع من معاملتها، فإن عشرتها إذا سبكت تجىء ستة لما فيها من النحاس، ثم نودى بعد ذلك بأن يكون سعر الأشرفى بمائتين وثمانين والإفرنتى بمائتين وسبعين، واستمرّ ذلك جميعه لا يقدر أحد على مخالفة شىء منه. قلت: وهذا بخلاف ما نحن فيه الآن؛ فإن لنا نحو ستة أشهر والناس فيه بحسب اختيارهم فى المعاملة بعد أن نودى على الذّهب والفضة بعدة أسعار غير مرّة، فلم يلتفت أحد للمناداة، وأخذوا فيما هم فيه من المعاملة بالدراهم التى لا يحل المعاملة بها لما فيها من

الغشّ والنحاس، وقد استوعبنا ذلك كلّه مفصّلا باليوم فى تاريخنا «حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور «1» » إذ هو ضابط لهذا الشأن مشحون بما يقع فى الزمان من ولاية وعزل وغريبة وعجيبة. ثم تكرّر ركوب السلطان فى شهر ربيع الأوّل هذا للصيد غير مرّة بعدّة نواح، كل ذلك والخواطر مشغولة بأمر جانى بك الصّوفى والفحص عنه مستمر، والناس بسبب ذلك فى جهد وبلاء، فما هو إلا أن يكون الرجل له عدوّ وأراد هلاكه أشاع بأن جانى بك الصوفى مختف عنده فعند ذلك حلّ به بلاء الله المنزل من كبس داره، ونهب قماشه، وهتك حريمه، وسجنه فى أيدى العواتية، ثم بعد ذلك يصير حاله إلى [أحد] «2» أمرين: إما أن يضرب ويقرّر بالعقوبه، وإما أن تبرّأ ساحته ويطلق بعد أن يقاسى من الأهوال ما سيذكره إلى أن يموت، ولقد رأيت من هذا النوع أعاجيب، منها: إن بعض أصحابنا الخاصّكيّة ضرب بعض السقايين على ظهره ضربة واحدة، فرمى السقّاء المذكور قربته وترك حمله وصاح: هذا الوقت أعرّف السلطان بمن هو مختف عندك، ومشى مسرعا خطوات إلى جهة القلعة، فذهب خلفه حواشى الخاصّكى المذكور ليرجعوه فلم يلتفت، فنزل إليه الخاصّكى بنفسه حافيا وتبعه إلى الشارع الأعظم حتى لحقه وقد أعاقه الناس له، فأخذ الخاصّكى يتلطّف به ويترضّاه ويبوس صدره غير مرّة ويترقّق له وقد علاه اصفرار ورعدة، والناس تسخر من حاله لكونه ما يعرف باللغة العربية إلا كلمات هينة، فصار مع عدم معرفته يريد ملاطفة السّقّاء المذكور فيتكلّم بكلام إذا سمعه الشخص لا يكاد يتمالك نفسه، وسخر الناس وأهل حارته بكلامه أشهرا وسنين، فلما انتهى أمره وبلغنى ما وقع له كلّمته فيما فعله ولمته فى ذلك، فقال: خل عنك هذا الكلام، والله إن إينال السلحدار وأخاه يشبك

الصّوفى ضربا بالمقارع وعصرا أياما ولم يصرّح أحد فى حقهما بما أراد هذا السّقاء أن يقوله عنى، واستمر الخاصّكىّ فى قلبه حزارة من السّقّاء المذكور إلى أن تأمّر عشرة فى أوّل دولة الملك الظاهر جقمق فطلب السّقّاء المذكور فوجده قد مات فى شعبان من السنة الحالية، فهذا ما كان من أمره، ومثل هذا فكثير. ثم [فى] «1» أواخر شهر ربيع الأوّل «2» المذكور لهج السلطان بسفره إلى البلاد الشّامية لمحاربة قرايلك. واستهلّ شهر ربيع الآخر- أوّله الأحد- والسلطان والأمراء فى الاهتمام بحركة السفر. ثم فى يوم الخميس رابع عشرين جمادى الأولى خلع السلطان على قاضى القضاة شهاب الدين أحمد بن حجر، وأعيد إلى قضاء الشافعيّة بالديار المصرية بعد عزل قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينىّ. ثم فى جمادى الآخرة خلع السلطان على الأمير جانى بك السّيفى يلبغا الناصرى نائب رأس نوبة النّوب «3» المعروف بجانبك الثّور، باستقراره فى نيابة الإسكندرية بعد موت أحمد بن الأقطع. ثم فى يوم الاثنين حادى عشرين شوّال خرج محمل الحاج إلى الرّيدانيّة خارج القاهرة صحبة الأمير قراسنقر الظاهرىّ، وحجّت فى هذه السنة زوجة السلطان الملك الأشرف وأمّ ولده الملك العزيز يوسف خوند جلبّان الچاركسية بتجمّل كبير إلى الغاية، وفى خدمتها الزّينى خشقدم الظاهرىّ الزّمّام وهو أمير الرّكب الأوّل، والزينى عبد الباسط ناظر الجيش.

ما وقع من الحوادث سنة 835

قال المقريزى: وحججت أنا فى هذه السنة رجبيّة، وقد استجدّ بعيون القصب «1» من طريق الحجاز بئر احتفرت، فعظم النّفع بها، وذلك أنى أدركت بعيون القصب [أنه كان] «2» يخرج من بين الجبلين ماء يسيح على الأرض فينبت فيه من القصب الفارسى وغيره شىء كثير، ويرتفع فى الماء حتى يتجاوز قامة الرّجل فى عرض كبير، فإذا نزل الحاج عيون القصب أقاموا يومهم على هذا الماء يغتسلون منه ويبتردون به، ثم انقطع هذا الماء وجفّت تلك الأعشاب، فصار الحاج إذا نزل هناك احتفر حفائر يخرج منها ماء ردىء إذا بات ليلة واحدة فى القرب نتن، فأغاث الله العباد بهذا البئر، وخرج ماؤها عذبا، وكان قبل ذلك بشهرين قد حفر الأمير شاهين الطّويل بئرين بموضع يقال له زعم «3» وقيقاب، وذلك أن الخاج كان إذا ورد الوجه «4» تارة يجد فيه الماء وتارة لا يجد فيه، فلما هلك الناس من العطش فى السنة الماضية بعث السلطان بشاهين هذا- كما تقدّم ذكره- فحفر البئرين بناحية زعم حتى لا يحتاج الحاج إلى ورود الوجه، فتروّى الحاج منهما وعمّ الانتفاع بهما، وبطل سلوك الحاج على طريق الوجه من هذه السنة- انتهى كلام المقريزى. قلت: وفرغت سنة أربع وثلاثين ولم يسافر السلطان ولا أحد من أمرائه إلى البلاد الشّامية. [ما وقع من الحوادث سنة 835] ثم فى يوم الاثنين ثالث عشرين محرّم سنة خمس وثلاثين وثمانمائة وصلت زوجة السلطان خوند جلبّان بعد أن حجّت وقضت المناسك، وقدم محمل الحاج صحبة الأمير قراسنقر.

ثم فى يوم الخميس سابع شهر ربيع الآخر من سنة خمس وثلاثين وثمانمائة المذكورة نزل عدّة من المماليك الجلبان من الأطباق إلى بيت الصاحب كريم الدين بن كاتب المناخ- وهو يومئذ وزير وأستادار- يريدون الفتك به، وكان علم من الليل، فتغيّب واستعدّ وهرب من بيته، فلم يظفروا به ولا بشىء فى داره، فعادوا بعد أن أفسدوا فيما حوله من بيوت جيرانه، وكان لهم من أيام الطاعون قد كفّوا عن هذه الفعلة، فبلغ السلطان نزولهم فغضب وأخذ فى الدّعاء عليهم أيضا بالفناء والوباء، حتى قال له التّاج الوالى بعد أن زال ما عنده: وسّط هؤلاء المعرّصين ولا تدع بعود الطاعون على المسلمين، فقال له السلطان: يجوز قتل المسلم بغير استحقاق؟ فقال التاج: وهؤلاء مسلمون؟ فقال السلطان: نعم، فقال التاج: والله ما هو صحيح، فضحك السلطان وأمر به فلكموه الخاصّكيّة لكما مزعجا، فقال: انظر صدق مقالتى، هذا فعل مسلم بمسلم؟ انتهى. ثم أصبح الصاحب كريم الدين استعفى من وظيفة الأستادارية فأعفاه السلطان، واستدعى الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله فى يوم السبت ثالث عشرين شهر ربيع الآخر [المذكور] «1» وأخلع عليه باستقراره أستادارا عوضا عن الصاحب كريم الدين بعد انقطاع ابن نصر الله فى بيته عدّة سنين، وهذه ولاية ابن نصر الله الثانية لوظيفة الأستادارية. ثم فى يوم الثلاثاء خامس عشرين جمادى الأولى ركب السلطان من القلعة بغير قماش الموكب ونزل إلى بيت زين الدين عبد الباسط ناظر الجيش، ثم ركب من بيت عبد الباسط إلى بيت القاضى سعد الدين إبراهيم بن كاتب جكم ناظر الخواصّ فجلس عنده أيضا قليلا، ثم ركب وعاد إلى القلعة، فلما كان يوم سادس عشرينه حمل عبد الباسط وسعد الدين ناظر الحاص تقادم جليلة إلى السلطان، بسبب نزوله إليهما.

وفى هذه السنة تكرّر ركوب السلطان ونزوله إلى الصّيد وعبوره إلى القاهرة وتوجّهه إلى النزه- بخلاف ما كان عليه أولا- غير مرّة. ثم فى يوم الثلاثاء ثانى جمادى الآخرة عزل السلطان الصاحب بدر الدين بن نصر الله عن الأستادارية، وخلع من الغد على آقبغا الجمالى باستقراره أستادارا عوضا عن ابن نصر الله المذكور، وهذه ولاية آقبغا الثانية، ولزم ابن نصر الله داره على عادته؛ وكان سبب عزل الصاحب بدر الدين عن الأستاداريّة أنه لما بلغ آقبغا الجمالى عزل الصاحب كريم الدين بن كاتب المناخ عن الأستادارية سأل فى الحضور، وكان يتولى «1» كشف البحيرة، فأجيب، فحضر وسعى فى الوظيفة على أنّه يحمل عشرة آلاف دينار، وإن سافر السلطان إلى الشام حمل معه نفقة شهرين مبلغ أربعين ألف دينار، فأجيب وأبقى الكشف أيضا معه، وأضيف إليه كشف الوجه البحرى. ثم فى يوم السبت سابع عشرينه خلع السلطان على قاضى القضاة بدر الدين محمود العينى وأعيد إلى قضاء الحنفية بالديار المصرية، [عوضا] «2» عن زين الدين عبد الرحمن التّفهنى الحنفى بحكم طول مرضه، فباشر العينىّ القضاء والحسبة ونظر الأحباس؛ معا لخصوصيته عند الملك الأشرف، فإنه كان يقرأ له تواريخ الملوك وينادمه. ثم فى يوم الثلاثاء أوّل شهر رجب خلع السلطان على الأمير صلاح الدين محمد ابن الصاحب بدر الدين بن نصر الله باستقراره محتسب القاهرة عوضا عن العينى بحكم عزله برغبته عنها، وكان صلاح الدين هذا منذ عزل عن الأستادارية وعزل أبوه عن نظر الخاص وصودرا ملازمين لدارهما. ثم فى يوم الخميس ثالث شهر رجب أدير المحمل على العادة فى كل سنة إلا أنه عجّل به فى هذا اليوم لأجل حركة السلطان إلى السفر إلى البلاد الشاميّة، وكان

السلطان أيضا فى هذه السنة أشاع سفره كما قال فى العام الماضى، وتجهّز لذلك هو وأمراؤه. ثم فى عشرينه قدم الأمير سودون من عبد الرحمن نائب الشام باستدعاء، وصحبته القاضى كمال الدين محمد بن البارزىّ كاتب السّرّ بدمشق فباتا بتربة الملك الظاهر برقوق بالصحراء، ثم صعدا من الغد فى يوم الاثنين حادى عشرينه إلى القلعة وقبّلا الأرض، ولما «1» انفضّت الخدمة نزل الأمير سودون من عبد الرحمن إلى مكان بغير خلعة، فعلم كلّ أحد أنه معزول عن نيابة الشام. فلما كان الغد وهو يوم الثلاثاء ثانى عشرين شهر رجب عملت الخدمة بالقصر السلطانى على العادة، وحضر الأمراء الخدمة على العادة، فقدّم سودون من عبد الرحمن قدّام جارقطلو وحجبه فى دخولهما على السلطان، وجلس جارقطلو على ميمنة السلطان، وجلس سودون من عبد الرحمن على ميسرة السلطان إلى أن قرىء الجيش ونجزت العلامة، ودخل السلطان من الخرجة إلى داخل القصر الأبلق «2» ، وجلس به استدعى الخلع وخلع على الأمير سودون «3» من عبد الرحمن نائب الشام باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية عوضا عن جارقطلو، وخلع على جارقطلو باستقراره فى نيابة «4» الشام عوضا عن سودون من عبد الرحمن، وقبّلا الأرض، وفى الوقت تحوّل سودون من عبد الرحمن إلى ميمنة السّلطان وذهب جارقطلو إلى ميسرة السّلطان بعكس ما كان أوّلا، ولما خرجا من الخدمة السلطانية حجب جارقطلو سودون من عبد الرحمن. كل ذلك لما ثبت عند السلطان من القواعد القديمة الكائنة إلى يومنا هذا.

وفى هذا اليوم رسم السلطان بإبطال حركة سفر السلطان إلى البلاد الشاميّة، فتكلّم الناس أن سبب حركة السلطان للسّفر إنما كانت بسبب سودون من عبد الرحمن لما أشاعه عنه المتغرّضون من أنه يريد الوثوب على السلطان، وليس الأمر كذلك، وإنما كان لعزل سودون من عبد الرحمن أسباب: أحدها: أنه طالت أيّامه فى نيابة الشام، وزادت عظمته، وكثرت مماليكه وحواشيه، فخاف الملك الأشرف عاقبته فعزله. وثانيها- وهو الأقوى عندى: أن السلطان لما استدعاه بكتاب على يد الأمير ناصر الدين محمد بن إبراهيم بن منجك وعاد معه ابن منجك، فلما كان فى بعض الطريق تحادثا، فكان من جملة كلام سودون من عبد الرحمن لابن منجك: أنا أدخل أيضا إلى مصر أميرا بعد طول مدّتى فى نيابة دمشق، فنقلها ابن منجك برمتها إلى الملك الأشرف، فتحقّق الملك الأشرف عند ذلك ما كان أشيع عنه، فبادر وعزله، وكان مراد سودون من عبد الرحمن بقوله: أدخل مصر أميرا غير ما حمله عليه ابن منجك، وهو أن مراد سودون من عبد الرحمن أنه اعتاد بنيابة الشام، وأنه يكره الإقامة بمصر، وأن بعض نيابات البلاد الشامية أحبّ إليه من أن يكون أتابكا بمصر، وأشياء غير ذلك. ثم فى يوم الخميس ثانى شعبان خلع السلطان على الأمير جارقطلو خلعة السّفر، وخرج من يومه الى مخيّمه بالرّيدانيّة خارج القاهرة وقد استقرّ الأمير قراجا الخازندار الأشرفى مسفّره. ثم خلع السلطان من الغد فى يوم الجمعة ثالثه على القاضى كمال الدين محمد بن البارزىّ كاتب سرّ دمشق باستقراره فى قضاء دمشق مضافا لكتابة سرّها عوضا عن شهاب الدين أحمد بن المحمرة، ولم يجتمع ذلك لأحد قبله فى الجمع بين قضاء دمشق وكتابة سرّها. ثم فى يوم الاثنين سادس عشرين شهر رمضان خلع السلطان على دولات خجا

الظاهرىّ باستقراره والى القاهرة عوضا عن التاج الشّوبكى وأخيه عمر، ودولات خجا هو أحد أصاغر المماليك الظاهرية برقوق ومن شرارهم، وكان وضيعا تركى الجنس، كثير الشّرّ، يمشى على قدميه بالأسواق فى بعض الأحيان، وكان الملك الأشرف يعرفه أيّام جنديّته ويتوقّى شرّه، فلما تسلطن ولّاه الكشوفيّة ببعض النواحى، فأباد أهل تلك الناحية، ثم ولّاه الكشف بالوجه القبلى فتنوّع فى عذاب أهل الفساد وقطّاع الطريق أنواعا كثيرة، منها: أنه كان إذا قبض على الحرامى أمسكه ونفخ بالكير فى دبره حتى تندر «1» عيناه وينفلق دماغه، ومنها أنه كان يعلّق الرجل منكسا ولا يزال يرمى عليه بالنّشّاب إلى أن يموت، وأشياء كثيرة من ذلك، فلما ولى الولاية بالقاهرة أوّل ما بدأ به أنه أفرج عن جميع أرباب «2» الجرائم من الحبوس، وحلف لهم أنه متى ظفر بأحد منهم وقد سرق ليوسطنّه، وأرهب إرهابا عظيما، وصار يركب فى الليل ويطوف بحرمة زائدة عن الحد، وصدق فى يمينة فى السّرّاق فما وقع له سارق ممن أطلقه- وقد كتب أسماءهم عنده- إلا وسّطه، فذعر أهل الفساد منه، وانكفّوا عن السّرقة، ثم أخذ فى التضييق على الناس وإلزامهم بإلزامات منها: أنه أمرهم بكنس الشوارع ثم رشّها بالماء، وبتعليق كل سوقى قنديلا على دكّانه، وعاقب على ذلك خلائق، ثم منع النساء من الخروج إلى التّرب فى أيّام الجمع، وأشياء كثيرة إلى أن سئمته الناس وعزله الأشرف عنهم حسبما يأتى ذكره. ثم أرسل السلطان يطلب قاضى القضاة شهاب الدين أحمد بن الكشك الحنفى ليستقرّ فى كتابة سرّ مصر بعد موت شهاب الدين أحمد بن السّفاح، على أنه يحمل بسبب ذلك عشرة آلاف دينار، فقدم جوابه فى يوم الاثنين ثالث شوّال فى ضمن كتاب الأمير جارقطلو نائب الشام على يد نجّاب، وهو يعتذر لعدم حضوره بضعف بصره وآلام تعتريه، وأرسل بمبلغ من الذّهب له صورة، فأعفاه السلطان عن ذلك،

واستدعى الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن كاتب المناح وخلع عليه فى يوم الثلاثاء «1» رابعه باستقراره كاتب السّرّ الشريف مضافا إلى الوزر، ولم يقع ذلك فى الدّولة التركية لأحد أنّ الوزر وكتابة السرّ اجتمعا لواحد معا، ونزل الصاحب كريم الدين فى موكب جليل وباشر وظيفة كتابة السرّ والوزر، مع بعده عن صناعة الإنشاء، وعن كل فضيلة، وقلّة دربته بقراءة القصص والمطالعات الواردة من الأعمال والأقطار، وكان مع ما هو فيه من الجهل أجهر العينين لا ينظر فى الكتابة إلا من قريب، وفى صوته خشونة، فكان إذا أمسك الكتاب فى يده ليقرأه على السلطان تنظر أعاجيب من تبحّره فى الكتاب بعينه، ثم من توقّفه فى القراءة، ثم من اللّحن الفاحش الخارج عن الحدّ، مع أن قراءته للكتب ما كانت إلا نادرا، وفى الغالب لا يقرؤها على السلطان إلا القاضى شرف الدين الأشقر نائب كاتب السرّ، وكنت أظن أن الأشرف إنما ولّى كريم الدين هذا لكتابة السرّ إلا ليطيّت خاطره ويقويه حتى يعيده إلى وظيفة الأستادارية، فإنه كان ماهرا بتدبير أمور الوزر والأستادارية، جيد التنفيذ فيها إلى الغاية، لم تر عينى بعده أحسن [تدبيرا] «2» وتصرفا منه فى فنّه، غير أنه ليس من خيل هذا الميدان، وبين معرفته بفنه والدّربة بصناعة الإنشاء زحام، إلى أن كان بعض الأيام والأشرف جالس، وقدم الصاحب كريم الدين هذا، فلمّا رآه الأشرف من بعيد قال لمن حوله: هل رأيتم كاتب سرّ أحشم من هذا ولا أمثل؟ فقال له من حضر: لا والله يا خوند، فعند ذلك تحقّقت خلاف ما كنت أظن وعلمت أن القوم فى واد والأمم السالفة فى واد. ثم فى يوم الخميس ثالث عشر شوال المذكور ابتدأ السّلطان بالجلوس فى الإيوان بدار العدل من قلعة الجبل، وكان قد ترك الملوك الجلوس به بعد الملك الظاهر برقوق فى يومى الاثنين والخميس إلا فى النادر أيام خدمة الإيوان عند قدوم قصّاد ملوك الأقطار،

فتشعث الإيوان ونسيت عوائده ورسومه إلى أن اقتضى رأى السلطان فى هذه الأيّام بعمارته وتجديد عهده، فأزيل شعثه وتتبعت رسومه، وجلس الملك الأشرف به، وعمل الخدمة السلطانية فيه، وعزم على ملازمتة فى يومى الخدمة، ورسم بحضور القضاة وغيرهم ممّن كان له عادة بحضور خدمة دار العدل، فلم يتمّ ذلك وتركه كأنه لم يكن. ثم فى ثانى عشرين شوّال هذا قدم الخبر من مكة المشرفة بأن عدة زنوك «1» قدمت من الصين إلى سواحل الهند، وأرسى منها اثنان بساحل عدن فلم تنفق بها بضائعهم من الصينى والحرير والمسك وغير ذلك لاختلال حال اليمن، فكتب كبير هذين المركبين الزنكيين إلى الشريف بركات بن حسن بن عجلان أمير مكة وإلى سعد الدين إبراهيم بن المرة ناظر جدّة يستأذن فى قدومهم إلى جدّة، فكتبا إلى السلطان فى ذلك ورغّباه فى كثرة ما يتحصّل فى قدومهم من المال، فكتب لهم السلطان بالقدوم إلى جدّة وإكرامهم. ثم فى يوم الاثنين أوّل ذى القعدة استدعى السلطان القضاة الأربعة بجميع نوّابهم فى الحكم بالقاهرة ومصر [إلى القلعة] «2» لتعرض نوابهم على السلطان، وقد ساعت القالة فيهم عند السلطان، فدخل القضاة الأربعة إلى مجلس السلطان وعوّق نوّابهم عن العبور إلى السلطان، فلما جلسوا خاشنهم السلطان فى اللفظ بسبب كثرة نوّابهم، وانفضّ المجلس على أن يقتصر الشافعىّ على خمسة عشر نائبا بمصر والقاهرة، والحنفى على عشرة نوّاب، والمالكىّ على سبعة، والحنبلىّ على خمسة، ونزلوا على ذلك، فلم يزل عبد الباسط وغيره بالسلطان حتى زادهم شيئا بعد شىء إلى أن عادت عدّتهم إلى ما كانت عليه، والسلطان لا يعلم بذلك.

ما وقع من الحوادث سنة 836

ثم فى سابعه خلع السلطان على التاج الشّوبكى باستقراره والى القاهرة بعد عزل دولات خجا المقدم ذكره، وقد أقمع دولات خجا المفسدين وأبادهم. ثم فى يوم الأحد ثامن عشرين ذى القعدة أيضا ورد الخبر على السلطان بموت جينوس بن جاك متملّك قبرس، فعيّن السلطان شخصا من الأعيان ومعه ستّون مملوكا للتوجه إلى قبرس، فخرجوا فى يوم الجمعة خامس عشرين ذى الحجة من سنة خمس وثلاثين وثمانمائة ومعهم خلعة لجوان بن جينوس باستقراره فى مملكة جزيرة قبرس عوضا عن والده جينوس نيابة عن السلطان، ومطالبته بما تأخر على أبيه وهو أربعة وعشرون ألف دينار وبما التزم فى كلّ سنة وهو خمسة آلاف دينار، وساروا على ذلك إلى ما يأتى ذكره. وانسلخت هذه السنة بيوم الأربعاء الموافق لرابع أيام النسىء، وهى سنة تحويل «1» تحوّل الخراج فيها من أجل أنه لم يقع فيها نوروز، فحوّلت سنة ست إلى سنة سبع وثلاثين. قال المقريزى رحمه الله: واتّفق فى سنة ست وثلاثين هذه غرائب منها: أن يوم الخميس كان أوّل المحرّم ووافقه أوّل يوم من تشرين وهو رأس سنة اليهود، فاتّفق أوّل سنة اليهود مع أوّل سنة المسلمين، ويوم الجمعة وافقه أوّل توت وهو أوّل سنة النّصارى القبط، فتوالت أوائل سنى الملل الثلاث فى يومين متوالين، واتّفق مع ذلك أن طائفة اليهود الربانيين يعملون رءوس سنيهم وشهورهم بالحساب، وطائفة القرائين يعملون رءوس سنيهم وشهورهم برؤية الأهلّة كما هى عند أهل الإسلام، فيقع بين طائفتى اليهود فى رءوس السنين والشهور اختلاف كبير، فاتّفق فى هذه السنة مطابقة حساب الرّبّانيّين والقرّائين، فعمل الطائفتان جميعا رأس سنتهم يوم الخميس، وهذا من النوادر التى لا تقع إلا فى الأعوام المتطاولة- انتهى. [ما وقع من الحوادث سنة 836] ثم فى يوم الاثنين سادس عشرين المحرم من سنة ست وثلاثين المذكورة عزل

السلطان آقبغا الجمالى عن الأستادارية، وجعل الزّنجير الحديد فى رقبته، وأنزله على حمار من القلعة إلى بيت التاج الوالى بسويقة الصاحب ليعاقبه على استخراج المال. وأصبح السلطان من الغد خلع على الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن كاتب المناخ بإعادته إلى وظيفة الأستادارية عوضا عن آقبغا المذكور مضافا إلى الوزر، وعزله عن وظيفة كتابة السّر، ورسم السلطان للقاضى شرف الدين الأشقر نائب كاتب السر أن يباشر الوظيفة إلى أن يستقرّ فيها أحد، وعيّن جماعة كبيرة للوظيفة المذكورة فلم يقع اختيار السلطان على أحد منهم. ورسم السلطان بطلب القاضى كمال الدين ابن البارزىّ قاضى قضاة دمشق وكاتب سرّها ليستقرّ فى كتابة سرّ مصر، وخرج القاصد بطلبه من القاهرة فى يوم الأحد ثانى صفر من سنة ست وثلاثين وثمانمائة [ليستقر فى كتابة سرّ مصر «1» ] ، وأن يستقرّ عوضه فى «2» القضاء بدمشق بهاء الدين محمد ابن القاضى نجم الدين عمر بن حجّى، وأن يستقرّ عوضه فى كتابة سرّ دمشق قاضى القضاة شهاب الدين أحمد بن الكشك الحنفىّ، ويستقرّ ولد ابن الكشك شمس الدين محمد فى قضاء الحنفيّة بدمشق عوضا عن أبيه، ويستقرّ جمال الدين يوسف بن الصّفّىّ فى نظر جيش دمشق عوضا عن بهاء الدين ابن حجّى. ثم فى سابع صفر قدمت الرسل المتوجّهة إلى قبرس، وكان من خبرهم أنهم لما توجّهوا إلى دمياط ركبوا منها البحر [المالح] «3» فى شينيين «4» وساروا حتى وصلوا إلى الملّاحة فى يوم السبت عاشر المحرّم من سنة ست وثلاثين المذكورة، فلما وصلوا إلى

الملّاحة سار أعيانهم فى البرّ إلى الأفقسيّة وهى مدينة قبرس ودار ملكها، وبلغ متملّك قبرس مجيئهم فخرج إلى لقائهم وزير الملك فى أكابر أهل قبرس، فأنزلوهم هناك وباتوا ليلتهم بالمكان المذكور، وأصبحوا من الغد وهو يوم الاثنين ثانى عشر المحرم عبروا المدينة ودخلوا على الملك جوان بن جينوس بن جاك فى قصره فإذا هو قائم على قدميه فسلمّوا عليه وبلّغوه الرسالة وأوصلوه كتاب السلطان، كل ذلك وهو قائم على قدميه، فأذعن بالسمع والطاعة، وقال: أنا مملوك السلطان ونائبه، وقد كنت على عزم أن أرسل التقدمة، فبلغنى قدومكم فأمسكت عن ذلك، فكلّموه أن يحلف على طاعة السلطان، فأجابهم إلى ذلك، واستدعى القسيسين وحلف على الوفاء وعلى الاستمرار على الطّاعة والقيام بما يجب عليه من ذلك، فعند ذلك أفيض عليه التّشريف السلطانى المجهّز له على يد كبير القوم، فلبسه وقد أظهر السرور والبشر بذلك، ثم خرجت الرسل من عنده فداروا بالمدينة وهم ينادى بين أيديهم باستقرار الملك جوان فى نيابة السّلطنة بمدينة الأفقسيّة وسائر ممالكها، وأن لأهل قبرس الأمان والاطمئنان، وأمروهم بطاعته وطاعة السلطان إلى أن داروا البلد، ثم أنزلوهم فى بيت قد أعدّ لهم، وأجرى عليهم من الرّواتب ما يليق بهم من كل ما عندهم. ثم حمل إليهم فيما بعد سبعمائة ثوب صوف قيمتها عشرة آلاف دينار، وذلك مما تأخّر على أبيه، ثم أظهر خصم أربعة آلاف دينار أخرى، ووعد بحمل العشرة آلاف دينار الباقية بعد سنة، ثم بعث إليهم أيضا بأربعين ثوبا صوفا برسم الهديّة للسلطان، ثم أرسل لكل من الرّسل شيئا بحسب مقامه وعلى قدره، ثم أخذ فى تجهيزهم وتسفيرهم حتى كان سفرهم من قبرس بعد عشرة أيام من قدومهم إلى اللّمسون، فأقاموا [بها] «1» إلى أن تهيئوا وركبوا البحر وساروا فيه ستّة أيام ووصلوا إلى ثغر دمياط، ثم خرجوا من مراكبهم وركبوا المراكب فى بحر النيل إلى أن قدموا القاهرة، وطلعوا إلى السلطان وعرّفوه ما وقع لهم مفصّلا وما معهم من الصّوف وغيره، فقبل السلطان

ذلك، وقرأ كتابه فإذا هو يتضمّن السمع والطاعة، وأنه نائب السلطان فيما تحت يده من البلاد والمملكة، وأنه فى طيى علمه ومن جملة مماليكه، فسرّ السلطان بذلك غاية السّرور؛ فإنه كان أشيع بمصر أنه لما ملك بعد أبيه خرج عن طاعة السلطان، ومنع الجزية، فوقع خلاف ذلك- انتهى. ثم فى يوم السبت ثامن صفر خلع السلطان على حسن بك بن سالم الدّوكرىّ أحد أمراء التّركمان وهو ابن أخت قرايلك باستقراره فى نيابة البحيرة عوضا عن أمير على، وأنعم عليه بمائة قرقل «1» ومائة قوس ومائة تركاش «2» وثلاثين فرسا ووجهه إلى محل تحكمه بمدينة دمنهور، فأقام بها سنين عديدة وإلى الآن متوليها هو ولده، وهو يومئذ متولى جعبر. ثم ورد الخبر على السلطان بامتناع ابن الكشك من ولاية كتابة سرّ دمشق، وأنه استعفى من ذلك، فأعفاه السلطان ورسم باستقرار القاضى تاج الدين عبد الوهاب بن أفتكين أحد موقّعى الدّست بدمشق فى كتابة سرّ دمشق، وكتب أيضا باستقرار محيى الدين يحيى بن حسن بن عبد الواسع الحبحابى المغربى المالكى فى قضاء المالكية بدمشق عوضا عن القاضى شهاب الدين أحمد بن محمد الأموى بعد موته. ثم فى يوم الاثنين أوّل شهر ربيع الأوّل قدم إلى القاهرة رسول ملك القطلان «3» من الفرنج بكتابه، وقد نزل على جزيرة صقلّية فى ثانى عشرين شهر رمضان بما ينيف على مائة قطعة حربية، وتضمّن كتابه الإنكار على الدّولة ما تعتمده من التجارة فى البضائع، وأن رعيّته الفرنج لا يشترون من السلطان ولا من أهل دولته بضاعة، وأنهم لا يشترون إلا من التّجّار، ثم أعاب على السلطنة صناعة المتجر، فردّ السلطان رسوله ردّا قبيحا، وكتب له جوابا بمثل ذلك.

ثم فى هذا الشهر تكرّر توجّه السلطان إلى الصيّد غير مرّة قبليا وبحريا فأبعد ما وصل قبليا إلى إطفيح «1» وبحريا إلى شيبين القصر بالشرقيّة. ثم فى تاسع عشر شهر ربيع الأوّل قدم القاضى كمال الدين محمد بن البارزىّ من دمشق بعد أن خرج أكابر الدّولة إلى لقائه، وطلع إلى السلطان وقبّل الأرض، ثم نزل إلى داره، وطلع من الغد إلى القلعة فى يوم السبت العشرين من شهر ربيع الأوّل المذكور، وخلع السلطان عليه باستقراره فى كتابة السّر بالديار المصريّة عوضا عن شهاب الدين أحمد بن السفاح بعد شغور الوظيفة مدّة طويلة، وهذه ولاية كمال الدين المذكور [لكتابة السّر] «2» ثانى مرة، ونزل فى موكب جليل. قال المقريزى: وسر الناس به سرورا كبيرا؛ لحسن سيرته وكفايته، وجميل طريقته، وكرمه وكثرة حيائه- فالله يؤيده بمنه- انتهى كلام المقريزى. قلت: هو كما قاله المقريزى وزيادة حتى إننى لا أعلم فى عصرنا هذا من يدانيه فى غزير محاسنه- رحمه الله تعالى. ثم فى يوم الخميس أول جمادى الأولى قدم الأمير مقبل الحسامى الدوادار- كان- نائب صفد، وكان السلطان قد ركب من القلعة إلى خارج القاهرة فلقيه السلطان وخلع عليه، وعاد مقبل المذكور فى خدمة السلطان إلى القلعة، ثم نزل مقبل فى دار أعدّت له، فأقام بالقاهرة إلى يوم حادى عاشره، وخلع عليه خلعة السفر، وتوجه إلى محل كفالته بصفد. ثم فى يوم الخميس ثامنه خلع السلطان على الأمير أسنبغا الطيارى أحد أمراء العشرات، واستقر فى نظر جدّة عوضا عن سعد الدين إبراهيم بن المرة، وأذن لابن المرة المذكور أن يتوجه إلى خدمته، فلما كان يوم حادى عشر [جمادى الأولى المذكورة] «3»

نودى فى الناس بالإذن فى السّفر إلى الحجاز- رجبيّة- صحبة الأمير أسنبغا الطيارى المذكور، فسرّ الناس بذلك سرورا زائدا؛ لأن ابن المرة كان لا يدع أحدا أن يسافر معه خوفا عليهم من قطاع الطريق. ثم فى سابع عشرين جمادى الأولى المذكورة سافر الوزير كريم الدين بن كاتب المناخ إلى جهة الوجه القبلى- وهو يوم ذاك يباشر الوزارة والأستادارية معا- وكان سفره إلى الوجه القبلى لتحصيل ما يقدر عليه من الجمال والخيل [والبغال] «1» والغنم والمال لأجل سفر السلطان إلى جهة البلاد الشاميّة، كل ذلك والناس يأخذون ويعطون فى سفر السلطان؛ فإنه وقع منه التجهيز للسفر غير مرة ثم تغير عزمه عن ذلك. ثم فى تاسع عشرينه قدم إلى القاهرة كتاب القان شاه رخّ بن تيمور لنك صاحب ممالك العجم وجغتاى على يد بعض تجّار العجم يتضمن أنه يريد كسوة الكعبة، وأرعد فيه وأبرق، ولم يخاطب السلطان فيه إلا بالأمير برسباى، وقد تكررت مكاتبته للسلطان بسبب كسوة الكعبة غير مرة، وهو لا يلتفت إليه ولا يسمح له بذلك، بل يكتب له بأجوبة خشنة مشحونة بالتّوبيخ والوعيد والبهدلة، حتى إنه كلّما ورد منه كتاب وأجابه السلطان بتلك الأجوبة الخشنة لا يشك الناس أن شاه رخّ يرد إلى البلاد الشامية عقيب ذلك، فلم يظهر له خبر ولا نظر له أثر، وقد استخف الملك الأشرف بشأنه حتى [إنه] «2» صار إذا أتاه قاصده لا يلتفت إليه ولا إلى ما فى يده من الكتب بالكلية، ويأتى- إن شاء الله تعالى- ذكر ما فعله ببعض قصّاده من الضرب والبهدلة فى محله من هذا الكتاب. قلت: لا أعرف للملك الأشرف فى سلطنته حركة بعد افتتاحه لقبرس أحسن من ثباته مع شاه رخّ المذكور فى أمر الكسوة، وعدم اكتراثه به؛ فإنه أقام بفعلته هذه حرمة للديار المصرية ولحكّامها إلى يوم القيامة- انتهى.

ثم فى يوم الجمعة خامس عشر جمادى الآخرة أنفق السلطان فى المماليك المجرّدين إلى مكة- وهم خمسون مملوكا- لكل واحد منهم مبلغ ثلاثين دينارا، وتجهّزوا للسفر إلى مكة صحبة الأمير أسنبغا الطيارى [ «1» فلما كان يوم الاثنين ثامن عشر جمادى الآخرة المذكورة برز فيه الأمير أسنبغا الطيّارىّ] «2» بمن معه من المماليك السلطانية والحجّاج. وفيه خلع السلطان على سعد الدين إبراهيم بن المرة ليكون رفيقا للأمير أسنبغا الطيّارىّ فى التكلّم على بندر جدّة. وفى هذه الأيام قوى عزم السلطان على السّفر، وظهر للناس حقيقة ذلك من تجهيز أمور السلطان وتعلقاته للسفر، وأيضا فإنه رسم فى هذه الأيام بصرّ «3» نفقة المماليك السلطانية بسبب السفر. ثم فى يوم الخميس حادى عشرين جمادى الآخرة [المذكورة] «4» أنفق السلطان فى الأمراء نفقه السّفر، فعند ذلك اضطرب الناس وأخذوا فى تجهيز أمورهم وتيقّنوا صدق القالة، فحمل السلطان إلى الأمير الكبير أتابك العساكر سودون من عبد الرحمن أكياس فضّة حسابا عن ثلاثة آلاف دينار، وإلى كلّ من أمراء الألوف- وهم عشرة أنفس- لكل واحد ألفى دينار، وإلى كل من أمراء الطّبلخانات خمسمائة دينار، وإلى كل من أمراء العشرات مائتى دينار، وكل ذلك فضّة حسابا عن الذّهب من سعر الدينار بمائتين وعشرين درهما، والدينار يومئذ بمائتين وثمانين، فالنفقة على هذا الحكم تنقص مبلغا كبيرا، غير أنه من هو المشاحح لذلك، ولسان الحال يقول: (يد الخلافة لا تطاولها يد) وكان هذا أيضا بخلاف القاعدة؛ فإنّ قاعدة الملوك أن تنفق أولا على المماليك السلطانية، ثم تنفق على الأمراء، فكان ذلك بخلاف ما كان، وكان له سبب

فيما قيل، وهو أن الملك الأشرف كان عنده بخل وعدم محبة للسّفر من مبدأ أمره إلى أيّام سلطنته، وكان أشاع فى السنين الماضية أنه يريد السّفر لقتال قرايلك يوهم قرايلك بذلك ليرسل إليه بالدخول فى طاعته، وكان قرايلك أرسل إلى السلطان فى ذلك لمّا كان ولده هابيل فى حبس الملك الأشرف، فلما مات هابيل بالطّاعون فى سنة ثلاث وثلاثين فى محبسه أمسك قرايلك عن مكاتبات السلطان، وأخذ فى ضرب معاملاته، وصار السلطان فى كل سنة يتجهز للسفر ويشيع ذلك إرداعا لقرايلك، فلم يلتفت قرايلك لذلك، فلمّا طال الأمر على السلطان حقّق ما كان أشاعه من السّفر مخافة العار والقالة فى حقّه. وتأييد ما قيل أننى سمعته يقول فى بعض منازله فى سفره إلى آمد، وأظنه فى العودة: لو سألنى قرايلك فى الصّلح والدخول فى طاعتى بمقدار ما سأله للأمير جكم من عوض نائب حلب لما مشى لفتاله أو أقل من ذلك لرضيت، فهذا الخبر يقوّى القول المقدّم ذكره. واستمر السلطان فى انتظار قدوم رسل قرايلك بالصّلح فى كل يوم وساعة، وهو يترجّى أنه إذا بلغه صحة سفر السلطان إلى قتاله يرسل قصّاده فى السّؤال بالصّلح، وأرباب دولته تشير عليه بالتربّص والتأنى فى أمر السّفر مخافة من وقوعهم فى الكلف الكثيرة، فأشاروا عليه بأن ينفق فى الأمراء أوّلا ربما يأتى رسول قرايلك فى السؤال ويبرم الصلح، فيكون استعادة المال منهم أهون من استعادته من المماليك السلطانية، فحسن ذلك ببال السلطان، وهو كما قيل فى الأمثال «إن كلمة الشح مطاعة» وأنفق فى الأمراء وعوّق نفقة المماليك إلى أن كان يوم سلخ جمادى الآخرة وقع «1» الإياس من قرايلك وأخذ فى نفقة المماليك السلطانية فى سلخ الشهر المذكور، فأنفق على عدّة كبيرة من المماليك السلطانية لا يحضرنى عدّتهم. قال المقريزى: وهم ألفان وسبعمائة، وفى ظنى أنهم كانوا أكثر من ذلك غير أنى

لم أحرّر عدّتهم، فجلس السلطان بالمقعد الذي على باب البحرة من الحوش السلطانى بقلعة الجبل، وأعطى لكل مملوك صرّة فيها ألف درهم وخمسون درهما [فضة] «1» أشرفيّة، عنها من الفلوس اثنان وعشرون ألف درهم، وهى مصارفة مائة دينار من حساب صرف كل دينار بمائتين وعشرين درهما فلوسا، وكان صرف الدينار يوم ذاك بمائتين وثمانين درهما، كما حملت النفقة أيضا للأمراء على هذا الحساب، وكانت المماليك السلطانية اتّفقوا على أنّهم لا يأخذون إلا مائة دينار ذهبا، ودخلوا على ذلك، فلما استدعى الديوان أوّل اسم من طبقة الرّفرف خرج صاحبه وأخذ وباس الأرض وعاد إلى حال سبيله، واستدعى الديوان من هو بعده فخرج واحد بعد واحد إلى أن تمت النفقة «2» ولم يتفوّه أحد منهم بكلمة فى معنى ما اتفقوا عليه، ولما نزولوا بعد القبض للنفقة صار بعضهم يوبخ البعض خفية على ترك ما اتّفقوا عليه، إلى أن قال لهم بعض المماليك المؤيدية: احمدوا الله على هذا العطاء، فو الله لو لم ينفق [السلطان] «3» فيكم وأمركم بالسّفر معه من غير نفقة لخرجتم معه صاغرين، وأوّلهم أنا، فضحك القوم من كلامه وانصرفوا. قلت: تلك أمة قد خلت، هؤلاء القوم يأكلون الأرزاق صدقة عن تلك الأمم السالفة؛ فإننا لا نعلم بقتال وقع فى هذا القرن- أعنى عن قرن التسعمائة- غير وقعة تيمور لنك مع نوّاب البلاد الشاميّة على ظاهر حلب، لا مع العساكر المصريّة. وأما ما وقع بعد ذلك من الوقائع فى الدولة الناصرية [فرج] «4» الدولة المؤيدية [شيخ] «5» والدولة الظاهرية [ططر] «6» والدولة المنصورية [محمد بن ططر] «7» فهو نوع «8» من القتال لا القتال المعهود بعينه، وتصديق ذلك أنه لم تكن وقعة وقعت فى هذ الدّول

أعظم من وقعة شقحب «1» ومع ذلك لم يقتل فى المصاف خمسون رجلا من الطائفتين. وما وقع بعد ذلك من الوقائع فتنجلى الوقعة ولم يقتل فيها رجل واحد، وقد ثبت عند المؤرخين أنه قتل فى الوقعة التى كانت بين تيمور لنك وبين ملك دلى أحد ملوك الهند فى المصاف زيادة على عشرة آلاف نفس فى أقلّ من يوم، ونحن لا نطالب أحدا بذلك، غير أن الازدراء بالغير على ماذا؟! - انتهى. ثم فى يوم الثلاثاء ثالث شهر رجب قدم الصاحب كريم الدين عبد الكريم من الوجه البحرى بعد أن أخذ خيول أهله وجمالهم وأغنامهم وأموالهم، هو وأتباعه، فما عفّوا ولا كفّوا. ثم فى يوم الخميس ثانى عشر شهر رجب المذكور أدير محمل الحاج، ولم يعمل فيه ما جرت به العادة من التجمّل، ولعب الرّمّاحه، بل أوقف المحمل تحت القلعة وأعيد، ولم يتوجّه إلى مصر، وهذا شىء لم يعهد بمثله، وكان سبب ذلك اشتغال الرّمّاحة بالتجهيز للسفر صحبة السلطان. ثم فى يوم السبب رابع عشر شهر رجب المذكور خرجت مدوّرة السلطان وخيام الأمراء من القاهرة، ونصبت بالرّيدانيّة لأجل سفر السلطان. ثم فى يوم الاثنين سادس عشره خرج أمراء الجاليش مقدّمة لعسكر السلطان، وهم الأمير سودون من عبد الرحمن أتابك العساكر، والأمير إينال الجكمىّ أمير سلاح، والأمير قرقماس الشّعبانىّ الناصرىّ حاجب الحجاب، والأمير قانى باى الحمزاوى، والأمير سودون ميق، والجميع مقدّمو ألوف، ونزلوا بخيمهم بطرف الرّيدانيّة تجاه مسجد التبن. ثم رسم السلطان بإخراج البطّالين من الأمراء من الديار المصرية، فرسم للأمير

ألطنبغا المرقبىّ حاجب الحجاب- كان- فى الدولة المؤيدية [شيخ] «1» بالتوجّه إلى القدس، ثم رسم له أن يتوجّه صحبة السلطان إلى السّفر فسافر فى ركاب السلطان، وهو يوم ذاك من جملة أمراء العشرات، ثم رسم السلطان بإخراج الأمير أيتمش الخضرى الظاهرى المعزول عن الأستادارية قبل تاريخه إلى القدس، فخرج إليه، ومنع السلطان من بقى من أولاد الملوك من الأسياد من ذرّيّة الملك الناصر محمد بن قلاوون وغيره من سكنى القلعة وطلوعها فى غيبة السلطان، وأخرجوا من دورهم فيها، وكانوا لمّا منعوا من سنين من سكن القلعة، ورسم لهم الملك الأشرف بالنزول منها والركوب حيث شاءوا، سكن أكثرهم بالقاهرة وظواهرها، فذلّوا بعد عزّهم، وتهتّكوا بعد تحجّبهم، وبقى من أعيانهم طائفة مقيمة بالقلعة، وتنزل إلى القاهرة فى حاجاتهم ثم تعود إلى دورهم، فلما كان سفر السلطان فى هذه السنة أخرجوا الجميع منها ومنعوا من سكنى القلعة، فنزلوا وتفرّقوا بالأماكن بالقاهرة. والعجب أن الملك الناصر محمد بن قلاوون كان فعل ذلك بأولاد الملوك من بنى أيّوب، فجوزى فى ذرّيته، وكان الملك الكامل محمد ابن [الملك] «2» العادل أبى بكر بن أيوب فعل ذلك بأولاد الخلفاء الفاطميين، فكل واحد من هؤلاء جوزى فى أولاده بمثل فعله، ووقع ذلك لابن الملك الأشرف ولغيره، ولا يظلم ربّك أحدا. ثم فى يوم سابع عشره خلع السلطان على دولات خجا الظاهرىّ بإعادته إلى ولاية القاهرة عوضا عن التّاج بن سيفه الشّوبكىّ بحكم سفره مع السلطان مهمندارا وأستادار الصّحبة، هذا وقد ترشّح الأمير آقبغا التّمرازى أمير مجلس لإقامته بالقاهرة فى غيبة السلطان، وترشّح الأمير حسين بن أحمد المدعو تغرى برمش البهسنىّ للإقامة بباب السّلسلة فى غيبة السلطان حسبما يأتى ذكره.

تم الجزء الرابع عشر من النجوم الزاهرة ويليه الجزء الخامس عشر وأوله ذكر سفر السلطان الملك الأشرف برسباى إلى آمد

فهرس

فهرس «1» الجزء الرابع عشر من كتاب النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة

فهرس الملوك والسلاطين الذين تولوا مصر من سنة 815 - 836

فهرس الملوك والسلاطين الذين تولوا مصر من سنة 815- 836 1- السلطان الملك المؤيد شيخ المحمودى من ص 1- 166 2- السلطان الملك المظفر أحمد بن المؤيد شيخ المحمودى من ص 167- 197 3- السلطان الملك الظاهر ططر من ص 198- 210 4- السلطان الملك الصالح محمد بن ططر من ص 211- 241 5- السلطان الملك الأشرف برسباى من ص 242- 373

فهرس الأعلام

فهرس الأعلام أآدى شير: 70: 24 آقباى بن عبد الله المؤيدى: 24: 6- 34: 14- 36: 3، 4، 6، 7- 37: 19، 24- 39: 15، 22- 44: 16- 45: 1، 4، 9، 16- 47: 19- 48: 3- 49: 14- 50: 14- 51: 17- 52: 17- 53: 1- 55: 16، 22- 57: 16- 58: 1، 4، 5، 8، 13، 21، 22- 62: 10، 12، 14، 17، 24- 63: 1- 64: 5- 132: 6- 141: 2- 147- 17- 148: 4 آقبردى بن عبد الله المؤيدى المنقار- سيف الدين: 14: 7- 30: 13- 39: 20- 41: 17- 146: 13- 148: 6 آقبغا الأسندمرى: 93: 6 آقبغا بن عبد الله الجمالى الظاهرى برقوق المعروف بالأطروش- سيف الدين: 116: 11، 25 آقبغا بن عبد الله المعروف بالشيطان- علاء الدين: 65: 18- 151: 3 آقبغا التمرازى: 45: 6- 47: 8- 90: 16- 165: 14- 186: 17- 247: 5- 255: 13- 257: 8- 258: 22- 337: 5- 350: 10- 373: 18 آقبغا جركس: 12: 10 آقبغا الجمالى: 337: 8، 9، 11، 21- 346: 6، 7 8- 357: 4، 5، 6- 364: 1 آقبغا اللكاش الظاهرى: 195: 9 آقبغا المؤيدى آقباى بن عبد الله المؤيدى- سيف الدين. آقبغا اليلبغاوى: 115: 14 آقبلاط الدمرداش: 13: 6- 14: 6، 8- 57: 3- 100: 19- 172: 5- 177: 14- 188: 15 آق خجا الأحمدى: 172: 13- 221: 1 آقوش المنصورى الأفرم- جمال الدين 131: 15 آنص الجركسى: 146: 8 إبراهيم بن أحمد بن رمضان: 27: 10 إبراهيم بن باباى الرومى العواد: 151: 20 إبراهيم بن برقوق: 117: 23 إبراهيم بن بركة، المعروف بابن البشيرى- سعد الدين: 8: 6، 7، 9- 137: 6 إبراهيم بن تغرى بردى: 118: 11

إبراهيم بن الحسام- صارم الدين: 171: 20- 316: 20- 317: 3 إبراهيم بن خليل بن علوة الإسكندرى- برهان الدين رئيس الأطباء: 159: 15 إبراهيم بن رمضان: 46: 8- 49: 5- 87: 17- 88: 12 إبراهيم بن زقاعة- برهان الدين: 125: 14- 126: 6، 18 إبراهيم بن شيخ المحمودى- المقام الصارمى: 11: 6- 29: 18- 38: 10- 46: 4- 47: 21- 50: 1- 60: 9- 63: 4، 15- 65: 4، 9- 75: 5، 21- 76: 13، 15- 77: 3، 6، 10- 80: 6، 9، 20- 86: 1- 87: 15- 89: 4، 8، 12- 91: 7- 94: 12- 95: 13- 96: 5، 15، 16- 145: 6، 15- 157: 4- 165: 21، 23- 197: 12، 16 إبراهيم بن عبد الغنى بن الهيصم- أمين الدين: 273: 4 إبراهيم بن عبد الكريم بن بركة- سعد الدين المعروف بابن كاتب جكم: 336: 16، 23- 356: 19، 21 إبراهيم بن المرة- سعد الدين: 362: 9- 367: 19- 368: 2- 369: 6 إبراهيم- بن نبى الله محمد صلى الله عليه وسلم: 97: 2، 3 إبراهيم الخليل عليه السلام: 310: 10 إبراهيم خورشيد: 120: 22- 318: 24 إبراهيم على طرخان- الدكتور: 9: 20- 10-: 8- 16: 27- 33: 22- 183: 21- 184: 23- 199: 23- 273: 23 إبراهيم المحلى- برهان الدين: 256: 8، 9 أبرم بن داد بن سيف أرعد: 260: 9- 329: 11 ابن أبى جرادة محمد بن عمر بن إبراهيم بن محمد ابن عمر بن عبد العزيز بن محمد بن أحمد بن هبة الله- قاضى القضاة ناصر الدين. ابن أبى شاكر (ناظر الخاص) : 8: 6، 11 ابن أبى والى محمد بن محمد بن موسى المعروف بابن المرداوى- ناصر الدين. ابن الإخنائى محمد بن محمد بن عثمان السعدى- شمس الدين. ابن الأدمى على بن محمد بن محمد الدمشقى- صدر الدين. ابن الأقطع أحمد بن الأقطع- شهاب الدين. ابن أوزر: 84: 2 ابن البارزى محمد بن البارزى- ناصر الدين. ابن بشارة: 262: 10 ابن البشيرى إبراهيم بن بركة- سعد الدين. ابن بولى محمد بن محمد بن موسى المعروف بابن المرداوى- ناصر الدين. ابن التبانى محمد بن رسولا بن يوسف التركمانى- شمس الدين.

ابن جماز: 175: 14، 15 ابن جماعة محمد بن أبى بكر بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة بن حازم بن صخر بن عبد الله. ابن حجر أحمد بن حجر العسقلانى- شهاب الدين. ابن حجى أحمد بن حجى بن موسى السعدى الحسبانى- شهاب الدين. ابن الحسام إبراهيم بن الحسام- صارم الدين. ابن الحسبانى أحمد بن إسماعيل بن خليفة الدمشقى- قاضى القضاة شهاب الدين أبو العباس. ابن الحسين أبو بكر بن حسين بن عمر بن عبد الرحمن العثمانى المراغى- زين الدين قاضى قضاة المدينة النبوية. ابن دلغادر: 6: 2- 51: 20 ابن زقاعة إبراهيم بن محمد بن بهادر بن أحمد القرشى الغزى النوفلى- برهان الدين. ابن الشامية- مملوك تغرى بردى المحمودى: 307: 9 ابن الشحنة- محمد بن محمد بن محمد الحلبى- قاضى القضاة محب الدين. ابن شداد (محمد بن على بن إبراهيم- أبو عبد الله عز الدين بن شداد الأنصارى الحلبى) : 33: 18 ابن الشنبلى- أحمد بن أحمد بن الشنبل- شهاب الدين. ابن الطازى- محمد بن مبارك شاه- ناصر الدين. ابن ظهيرة- محمد بن عبد الله- جمال الدين أبو حامد. ابن عبد الظاهر (محيى الدين بن عبد الظاهر) : 48: 20- 68: 20 ابن العديم محمد بن عمر بن إبراهيم بن محمد بن عمر ابن عبد العزيز بن محمد بن أحمد بن هبة الله بن أبى جرادة- قاضى القضاة ناصر الدين. ابن العماد (عبد الحى بن العماد الحنبلى- أبو الفلاح) :- 137: 20- 141: 21، 22- 149: 23- 160: 20 ابن قاضى شهبة:- 244: 6 ابن قرمان: 49: 7- 51: 6، 23- 72: 1، 21- 88: 26- 90: 3 ابن كاتب جكم إبراهيم بن عبد الكريم بن بركة- سعد الدين. ابن كاتب المناخ عبد الرزاق بن عبد الوهاب- شمس الدين. ابن الكويك محمد بن محمد بن عبد اللطيف بن أحمد ابن محمود بن أبى الفتح الربعى الإسكندرى- المسند المعمر. ابن المرداوى محمد بن محمد بن موسى المعروف بابن بولى- ناصر الدين. ابن المرة إبراهيم بن المرة سعد الدين. ابن مزهر محمد بن محمد بن أحمد الدمشقى- بدر الدين. ابن المزوق أبو بكر بن قطوبك- سيف الدين. ابن النقاش عبد الرحمن بن محمد بن على بن عبد الواحد بن يوسف بن عبد الرحيم الدكالى الشافعى- زين الدين أبو هريرة. ابن الهائم أحمد بن محمد بن عماد بن على- شهاب الدين أبو العباس. ابن واصل (جمال الدين محمد بن سالم) : 57: 25

أبو بكر الأستادار. 93: 16، 17 أبو بكر بن بهادر البابيرى الجعبرى: 53: 11 أبو بكر بن حجة الحموى- تقي الدين: 7: 18- 76: 9 أبو بكر حسين بن عمر بن عبد الرحمن العثمانى المراغى، المعروف بابن الحسين- زين الدين. 125: 11، 22 أبو بكر بن سليمان المعروف بالأشقر- شرف الدين سبط بن العجمى: 326: 9- 345: 17- 361: 10- 364: 5 أبو بكر بن عثمان بن محمد الجيتى الحنفى- تقي الدين: 145: 13، 25 أبو بكر بن قطلو بك المعروف بابن المزوق- سيف الدين: 73: 15- 74: 3- 152: 10 أبو بكر الدمشقى- عماد الدين: 345: 6 أبو جعفر المنصور- الخليفة: 22: 19 أبو الجمال (جمال الدين يوسف بن الصفى) : 256: 3، 6، 7 أبو حنيفة النعمان- الإمام: 158: 7 أبو الخير المكى: 133: 5 أبو درابة- شهاب الدين: 104: 13، 15، 17- 105: 1، 2 أبو زرعة العراقى- ولى الدين: 251: 15 أبو سعيد عثمان بن أحمد بن إبراهيم بن على بن عثمان ابن يعقوب بن عبد الحق المرينى الفاسى- سلطان المغرب: 163: 3 أبو الفتح البستى- الإمام: 230: 19 أبو كم- علم الدين: 35: 9 أحمد بن أحمد الشنبلى- شهاب الدين: 125: 16 أحمد بن أحمد الصفدى: 142: 1، 16 أحمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عمر الششترى البغدادى- محب الدين: 271: 10 أحمد بن إسماعيل بن خليفة الدمشقى- شهاب الدين أبو العباس بن الحسبانى: 114: 7، 19 أحمد بن أويس- القان غياث الدين: 163: 13، 15، 18- 164: 1، 9 أحمد بن تمراز: 342: 6 أحمد بن تنم: 33: 10 أحمد بن حجر العسقلانى- الحافظ شهاب الدين: 75: 19- 243: 20- 269: 13- 276: 2- 336: 6، 11- 354: 10 أحمد بن حجى بن موسى السعدى الحسبانى- شهاب الدين: 122: 15- 124: 14

أحمد بن رمضان 27: 8، 11 أحمد بن زياد الكاملى: 316: 18 أحمد بن السفاح- شهاب الدين: 345: 12، 14، 18، 24- 360: 18- 367: 7 أحمد بن شيخ المحمودى: 103: 14، 23- 107: 9- 109: 6- 236: 13 أحمد بن عبد الرحيم العراقى- ولى الدين: 204: 5، 7- 205: 18- 206: 11 أحمد بن العجمى- صدر الدين: 81: 14- 171: 19- 222: 12- 336: 13- 344: 19 أحمد بن عمر بن قطينة- شهاب الدين: 141: 8 أحمد بن الكشك- شهاب الدين: 334: 7، 20- 344: 3- 360: 17- 364: 12، 13- 366: 10 أحمد بن محمد الأموى: 366: 14 أحمد بن محمد بن البارزى الجهنى الحموى- شهاب الدين: 159: 9- 161: 8 أحمد بن محمد الشريشى- جمال الدين: 134: 1- 161: 8 أحمد بن محمد بن عماد بن على بن الهائم المصرى- شهاب الدين أبو العباس: 121: 4، 11 أحمد بن ناصر بن خليفة الباعونى- شهاب الدين: 124: 5، 19 أحمد بن نصر الله البغدادى- محب الدين: 93: 11- 287: 8، 9- 312: 7، 15 أحمد الدمشقى- الشريف شهاب الدين 343: 12- 345: 15 أحمد المقبرى- عماد الدين: 256: 5، 8 أحمد- أحد أمراء العشرات بحلب: 49: 13 أخت الملك الظاهر برقوق بنت آنص الجاركسية: 144: 13 أخو قصروه تغرى بردى المؤيدى. أردباى أم ولد دقماق: 243: 11، 244: 20 أردبغا الرشيدى: 12: 7- 189: 4 أرغز- أحد أمراء الألوف بدمشق: 29: 23 أرغون شاه الظاهرى: 240: 17 أرغون شاه المؤيدى: 32: 13 أرغون شاه النوروزى الأعور: 62: 1- 65: 18- 66: 3، 10- 157: 18- 220: 16، 18- 231: 16، 19- 250: 4- 251: 9، 12، 22- 258: 3، 7، 11، 15، 17، 18- 268: 4 أرغون من بشبغا (أرغون بن عبد الله بن بشبغا الظاهرى- سيف الدين) : 4: 1- 23: 7- 143: 1

أرق تمان تمر اليوسفى- سيف الدين. أركماس الجلبانى: 77: 1- 93: 1- 189: 11- 224: 13 أركماس الظاهرى: 202: 15- 259: 10- 260: 20- 307: 15، 16، 22- 321: 15، 17، 24- 330: 5- 332: 14 أركماس المؤيدى الخاصكى المعروف بفرعون: 303: 18- 306: 5، 6 أركماس اليوسفى: 182: 12، 13 أرنبغا اليونسى الناصرى: 110: 10، 15- 271: 16 أزبك المحمدى الظاهرى: 201: 18- 219: 6- 221: 11- 264: 1، 5، 20- 321: 4، 10، 12، 16، 22 أزدمر شايا: 194: 11- 219: 13، 15- 310: 1، 2- 339: 21 أزدمر من على جان الظاهرى: 45: 12- 46: 1- 305: 12، 18، 22 أزدمر الناصرى: 100: 19- 177: 14- 182: 8- 188: 7- 195: 17 أزدمر- خشداش سودون مملوك تغرى بردى: 245: 20 أسامة بن منقذ- عز الدين: 124: 21 إسحاق بن داود بن يوسف بن سيف أرعد: 260: 9- 349: 11 أسفنديار- ملك الروم. 150: 8 إسكندر بن أميرزة عمر شيخ بن تيمور لنك: 137: 16، 17- 138: 2، 4 إسكندر شاه بن قرا يوسف: 164: 17- 334: 18- 335: 4، 5، 7، 8، 15، 20- 338: 13- 348: 10، 12، 13، 14، 15، 24، إسماعيل بن تغرى بردى: 118: 12- 340: 7 إسماعيل بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عمر العلوى: 314: 12- 315: 1، 11- 316: 19، 20- 317: 2 أسنبغا الزردكاش- سيف الدين: 26: 4- 139: 18 أسنبغا الطيارى: 367: 18- 368: 1- 369: 3، 4، 6 أسندمر النوروزى الظاهرى برقوق: 249: 13- 257: 9، 13، 14، 21 أصبهان بن قرا يوسف: 164: 18- 348: 18 الأفضل بن أمير الجيوش: 94: 17، 22 الأفقم يشبك بن عبد الله الموساوى الظاهرى- سيف الدين. أقسيس بن الملك الكامل: 63: 24 أقطوه الموساوى- السيفى: 171: 8، 9- 173: 3

الأكرم فضائل النصرانى: 81: 18 ألطنبغا بن عبد الله المعروف بشقل: 119: 11، 24 ألطنبغا الجاموس: 66: 5 ألطنبغا الجكمى: 52: 8 ألطنبغا الرجبى: 240: 4 ألطنبغا السيفى فرنج الدمرداشى: 284: 14، 16- 285: 1 ألطنبغا العثمانى (ألطنبغا بن عبد الله العثمانى الظاهرى- علاء الدين) : 7: 1- 8: 15- 9: 3- 11: 15- 17: 17- 23: 9- 28: 8- 30: 8، 11- 31: 6، 13- 33: 7، 12- 34: 8، 15- 35: 20- 45: 6، 7- 58: 19- 59: 6- 135: 14- 154: 15- 236: 9 ألطنبغا القرمشى الظاهرى (ألطنبغا بن عبد الله القرمشى الظاهرى- سيف الدين) : 11: 9- 15: 14- 28: 3، 6- 34: 7، 10- 47: 19- 48: 6- 65: 11- 91: 21- 92: 18- 100: 11، 13، 15، 21- 103: 16، 17- 108: 12- 160: 4- 168: 10- 171: 4- 172: 5، 8- 176: 4، 9- 177: 5، 9، 12، 16، 17، 20، 22- 178: 3، 5، 6، 19، 22، 23- 179: 3، 8، 10- 180: 16- 181: 3، 21- 182: 1- 183: 8- 187: 10، 15- 188: 1، 3، 8، 13، 17- 189: 1، 3، 19- 190: 3، 20- 191: 3، 9- 193: 6- 195: 9، 13، 17- 203: 7- 235: 18- 236: 3، 5، 13، 17، 20، 23- 239: 10، 11، 12- 241: 5- 246: 15 ألطنبغا المرقبى: 56: 14- 58: 12- 61: 6- 100: 17- 182: 19- 188: 13- 189: 4- 373: 1 ألطنبغا مغرق: 349: 12 ألطنبغا من عبد الواحد- المعروف بالصغير: 100: 16- 172: 10، 11- 177: 14- 180: 17- 181: 16- 182: 6- 189: 10- 191: 17- 239: 5، 20 أم إبراهيم بن رمضان التركمانى- الخاتون: 75: 7 أم الملك الناصر فرج بن برقوق (خوند شيرين عمة أبى المحاسن يوسف بن تغرى بردى) : 116: 11، 12، 24 أميرزة أبو بكر بن ميران شاه بن تيمورلنك: 264: 1 أميرزة أصبهان بن قرايوسف 98: 9 أميرزة محمد بن أميرزة عمر: 137: 17 أميرزة- شمس الدين: 54: 3، 8 أنالى يشبك المؤيدى.

أندراوس بن إسحاق: 350: 2 أويس- القان 163: 11 أيبك الأفرم- عز الدين: 131: 12، 13 أيتمش بن عبد الله الأسندمرى البجاسى الجرجاوى الظاهرى: 116: 6، 8، 17- 128: 14 أيتمش الخضرى الظاهرى: 194: 12- 198: 17- 226: 5، 13- 231: 14، 18، 23، 24- 250: 3- 251: 8، 9، 21- 373: 3 إينال باى بن قجماس: 244: 17- 245: 10- 248: 14 إينال الرجبى: 21: 9 إينال الجكمى: 156: 3- 172: 9، 20- 189: 9، 22- 191: 17- 192: 2، 23- 195: 3، 21- 197: 17- 201: 14- 249: 1، 9- 250: 6، 9، 15، 18- 269: 15- 288: 9- 292: 14- 294: 18- 300: 9- 301: 7- 302: 2- 304: 10، 12، 13، 26- 320: 1- 350: 10- 372: 16 إينال حطب: 195: 14 إينال السلحدار: 353: 20 إينال الششمانى الناصرى: 258: 1- 281: 13- 283: 2- 308: 5- 337: 1 إينال الشيخى الأرغزى: 29: 16- 77: 1- 85: 17- 92: 6، 21- 182: 2، 3- 189: 15- 201: 20 إينال الصصلانى (إينال بن عبد الله الصصلانى الظاهرى- سيف الدين) : 4: 3- 10: 6، 8، 10- 15: 16- 16: 6- 22: 2- 27: 8- 31: 15- 33: 13- 36: 6، 15- 37: 6، 10، 11، 14- 38: 1- 135: 16- 136: 3، 8، 9- 137: 1 اينال طاز البهلوان: 293: 14 إينال العلائى الناصرى: 288: 16- 293: 19- 307: 19، 20، 23- 319: 13، 15، 24 إينال النوروزى: 187: 3، 9- 225: 7- 251: 19- 252: 4، 5- 258: 21- 269: 6، 16- 285: 12 ب باديس بن حمديس الحميرى: 255: 19 باك- الأمير: 192: 21، 22 بجاس النوروزى: 2: 4 بدر الدين بن الأقصرائى: 175: 16

بدر الدين الجمالى- أمير الجيوش: 46: 21- 60: 18- 79: 21 بدر الدين بن فضل الله- كاتب السر: 175: 3، 6 بدر الدين بن مزهر (محمد بن مزهر) : 267: 3- 274: 18، 22- 275: 1- 326: 6، 11، 21- 334: 10، 12 البدر الشريشى محمد بن أحمد بن محمد الشريشى- بدر الدين. البدر العينى (أبو محمد محمود بن أحمد بن الحسين ابن يوسف بن محمود- قاضى القضاة) :- 4: 18- 6: 21- 48: 17- 75: 19- 76: 19- 96: 15- 122: 23- 131: 17- 150: 21- 281: 20، 22- 282: 11، 12- 283: 3- 285: 16- 336: 13- 337: 1- 357: 11، 13، 16 البرجى محمد بن حسن بن عبد الله- بهاء الدين. بردبك الحمزاوى: 67: 7، 21 بردبك السيفى يشبك بن أزدمر: 202: 6- 291: 2، 4 بردبك قصقا (بردبك بن عبد الله الخليلى الظاهرى المعروف بقصقا- سيف الدين) : 48: 1- 56: 4، 14- 65: 15- 151: 8- 245: 16 بردبك (أتابك حلب ثم نائب طرابلس) : 12: 6- 65: 19 برسباى الحمزاوى الناصرى: 202: 14 برسباى الدقماقى: 10: 1- 36: 8، 22- 66: 1، 2، 8، 20- 72: 17، 19- 73: 2، 5، 8- 151: 15- 158: 22- 190: 14، 23- 192: 6، 9، 11، 13، 15، 16- 200: 8- 201: 8- 206: 10- 211: 19- 212: 7، 14، 18- 213: 7، 13، 16- 214: 2، 4، 12- 217: 7، 10، 11، 12، 13، 15، 16، 18- 218: 8، 17- 219: 19- 220: 8، 14- 221: 3، 8، 12، 15، 16، 18، 19- 222: 8، 11، 14- 223: 4، 11- 224: 14، 16، 17- 225: 18، 20- 226: 3، 5 7، 16، 18، 19، 21- 227: 2، 3، 5، 6، 8، 11، 13، 19، 20، 21- 228: 1، 3، 7، 13، 15، 20- 229: 1، 12، 13- 230: 1، 5، 8، 10، 11، 15، 16- 231: 3، 8، 9، 13، 19- 232: 3، 7، 10- 276: 21 برسبغا: 21: 9- 201: 19 برقوق- من أمراء اليمن: 315: 15، 17- 316: 4- 317: 4 بركات بن حسن بن عجلان- الشريف أمير مكة:- 282: 16، 21- 298: 13، 19، 22- 300: 19- 304: 8- 362: 8 بزلار العمرى: 115: 10- 349: 12

البستانى (بطرس البستانى) : 52: 23 البغدادى: 74: 21- 272: 22- 290: 22 بكتمر جلق (بكتمر بن عبد الله الظاهرى المعروف بجلق- سيف الدين: 11: 7- 119: 1، 4- 139: 14- 145: 8 بكتمر الحاجب- سيف الدين) : 57: 21 بكتمر السعدى: 312: 4- 313: 5، 6 بكتمر السيفى تغرى بردى: 5: 2 بكلمش العلائى: 116: 6 بلاط الظاهرى: 120: 1، 19 بلاط بن عبد الله الناصرى الأعرج- سيف الدين: 119: 12، 14، 24 بهاء الدين بن عقيل الشافعى النحوى: 238: 2 بهاء الدين قراقوش: 79: 20 بوبو (وليم بوبر) : 55: 23- 58: 23- 325: 22 بيبرس- الأتابك: 144: 14 بيبرس الخاصكى: 339: 21 بيبغا المظفرى الظاهرى: 23: 13- 24: 1- 25: 16- 29: 10- 32: 11- 45: 10- 47: 20- 64: 18، 23- 179: 14- 182: 9- 189: 14- 191: 21- 193: 15- 194- 10- 201: 13، 16- 208: 11- 212: 4- 214: 7- 218: 20- 219: 2، 9، 14، 16، 20- 247: 2، 4- 255: 4- 269: 1، 5، 7- 280: 20، 23- 318: 20- 319: 16، 21- 320: 4، 9، 10، 15، 19، 20- 327: 8، 11، 12- 342: 6 بير عمر: 53: 14- 99: 8، 11، 25 بيرم بنت تغرى بردى: 118: 10 بيرم خجا التركمانى: 163: 10، 11 بيسق بن عبد الله الشيخى الظاهرى- سيف الدين: 150: 4، 13 ت التاج بن سيفة الشوبكى: 78: 11- 79: 19- 88: 1- 108: 20، 22- 172: 17- 356: 6، 8، 9- 360: 1- 363: 1- 373: 17 تبر- الأمير: 23: 22 تدرس بن داود بن سيف أرعد: 349: 10 تغرى بردى بن عبد الله من بشبغا: 115: 5، 18 تغرى بردى سيدى الصغير: 6: 2، 13- 7: 1- 9: 1، 2- 10: 14 16- 12: 1، 2- 14: 7، 8، 11- 15

1، 2، 7، 11، 17، 21- 139: 2، 3 تغرى بردى من آقبغا المؤيدى المعروف بأخى قصروه: 172: 6- 182: 5- 184: 15- 191: 23- 192: 4- 201: 12- 202: 11- 208: 2، 4، 6، 8- 222: 3- 224: 4، 19، 20- 225: 6، 8- 248: 12- 250: 22- 293: 11، 13 تغرى بردى المحمودى الناصرى: 182: 14- 194: 10- 201: 19- 212: 3- 227: 18- 228: 6- 229: 16- 264: 4- 283: 4- 288: 12، 13- 292 11- 294: 7- 300: 10- 302: 2- 303: 5- 306: 3، 5، 6، 12، 16- 308: 1، 2، 5، 6، 8- 344: 13 تغرى برمش البهسنى (حسين بن أحمد) : 269: 18- 288: 13- 293: 20، 21- 307: 21 تقي الدين الفاسى- الشيخ المؤرخ: 150: 12، 22، 23 تقي الدين بن نصر الله: 147: 5 تمان تمر أرق (تمان تمر اليوسفى الظاهرى المعروف بأرق- سيف الدين) : 23: 14- 25: 16- 36: 16- 37: 14- 136: 11، 13 تمراز القرمشى: 243: 9، 11، 17- 244: 21- 319: 14- 321: 16، 18- 350: 11 تمراز المؤيدى الخازندار: 57: 3، 9- 261: 19 تمرباى التمربغاوى: 313: 14، 22- 319: 15 تمرباى من قرمش المؤيدى: 182: 11، 12 تمرباى اليوسفى المؤيدى المشد: 103: 10- 225: 11، 16 تمر بغا الأفضلى: 41: 18 تنبك البجاسى: 10: 7- 22: 3- 31: 14- 33: 4، 5- 36: 18- 38: 3- 69: 17- 135: 17- 184: 12- 190: 9- 202: 12- 214: 16- 222: 7، 9- 224: 5، 7، 11، 14، 16، 17، 20- 225: 3، 9- 248: 12- 253: 5، 7، 20- 254: 7، 9، 10، 11، 12، 13، 21- 259: 14- 261: 4، 8، 11، 13، 17، 20، 22- 262: 2، 5، 9، 10، 14، 16، 18- 263: 4، 8، 9، 22 تنبك بن عبد الله المؤيدى: 141: 4 تنبك العلائى الظاهرى المعروف بميق: 24: 5- 34: 9، 12- 47: 22- 59: 3، 4، 6، 9، 20- 61: 5- 62: 10، 13، 15، 16- 84: 1- 87: 16- 89: 17- 90: 10، 12، 21- 93: 3- 103: 18- 108: 10- 168: 11، 15، 16، 18، 20، 21- 169: 1، 6، 8، 14- 172: 3- 181: 22- 182: 2- 185: 15- 186: 10- 189: 8، 13- 192:

17، 18- 193: 3- 202: 14- 231: 10، 13- 232: 1، 5، 6، 9- 241: 3- 242: 6- 247: 21 تنبك القاضى: 159: 2، 3 تنبك من بردبك الظاهرى: 269: 17، 19 تنبك من سيدى بك الظاهرى المصارع: 106: 9 تنبك اليحياوى الظاهرى: 128: 11- 195: 13- 242: 19، 20- 243: 14 تم (تنبك الحسنى الظاهرى- سيف الدين) 2: 4، 21- 116: 9، 10، 21- 138: 13 تيمور لنك: 2: 6، 24- 27: 11- 117: 1، 5- 138: 14- 164: 1- 200: 6- 335: 10- 345: 1- 352: 24- 371: 16- 372: 3 ج جارقطلو الظاهرى: 11: 3، 22- 38: 2- 47: 22- 48: 3- 50: 16- 53: 8- 55: 22- 56: 8، 27- 202: 12- 254: 8، 9، 12 13، 16- 305: 8- 306: 13، 14- 308: 18- 317: 15، 22- 318: 3- 320: 3- 326: 18- 327: 5، 8، 11، 14، 23- 328: 1، 2، 4، 6، 8، 12، 13، 16- 329: 2، 4، 13- 350: 9- 358: 11، 15، 17، 18، 20، 24- 359: 16- 360: 20 جاركس القاسمى المصارع: 186: 15- 195: 14- 212: 3- 213: 4- 243: 17- 257: 15 جانى بك الأشرفى: 251: 17- 254: 16، 18، 23- 259: 13، 16، 23- 273: 9، 21- 274: 1، 3، 12- 276: 14- 309: 4- 312: 1- 313: 15، 16 جانى بك بن عبد الله المؤيدى- سيف الدين: 24: 7- 58: 7- 132: 1- 148: 4 جانى بك الحمزاوى: 22: 4- 32: 1- 36: 19- 184: 13- 190: 12- 214: 16 جانى بك الساقى: 111: 13 جانى بك السيفى يلبغا الناصرى- المعروف بالثور: 294: 19- 354: 12، 13، 23 جانى بك الصوفى: 8: 14، 15- 9: 2- 10: 11- 24: 2، 6- 34: 20، 21- 172: 4- 189: 12، 23- 192: 3- 203: 18- 206: 9- 208: 11- 211: 12، 17- 212: 6، 13، 19- 213: 4، 7، 9، 12: 18- 214: 1، 3، 5، 7، 10- 215: 5، 7، 10- 216: 1، 21- 217: 7، 9، 21- 218: 2، 6، 7، 8، 13، 16، 22- 219: 5، 7، 8، 17، 19، 20، 24- 220: 4، 20- 221: 5، 7- 222: 16-

225: 15، 18- 226: 1، 2، 3، 20، 21- 227: 4، 7- 230: 13- 231: 1- 246: 18، 19- 253: 15، 23- 257: 14- 259: 19، 20- 260: 8- 261: 19- 263: 12- 271: 8- 278: 4- 286: 3، 5، 8، 10، 11، 18، 21- 319: 4، 10- 321: 14، 16- 327: 10- 345: 2- 353: 5، 7 جانى بك من سيدى بك المؤيدى: 106: 10- 218: 1، 6 جرباش الشيخى الظاهرى: 199: 15، 21- 200: 1، 2 جرباش كباشة (جرباش بن عبد الله الظاهرى المعروف بكباشة- سيف الدين) : 10: 21- 23: 7- 24: 4- 29: 11- 36: 6- 37: 14- 136: 18 جرباش الكريمى المعروف بقاشق: 21: 17- 100: 18- 182: 10- 188: 14- 189: 4- 254: 3- 276: 17- 279: 15- 280: 3، 6، 8، 12- 289: 18، 19، 22- 290: 2، 3، 5- 304: 12، 15- 306: 11- 308: 20- 318: 2- 319: 2، 8، 9، 19، 23 جرباش (مملوك تغرى بردى من بشبغا) : 246: 1 جربغا- الأمير: 12: 7 جقمق الأرغون شاوى: 4: 7- 24: 18، 20، 23- 25: 2، 3، 5- 39: 14، 17، 22- 42: 20- 43: 4- 50: 1- 54: 11، 15- 65: 12، 21- 76: 18- 90: 9، 12، 17، 21- 108: 13- 157: 12- 171: 3، 4- 175: 18، 24- 176: 3، 4- 178: 11- 179: 1، 8- 181: 19، 20- 183: 10- 187: 5، 10، 12، 13، 15، 17، 20- 188: 2- 189: 8- 191: 20، 21- 192: 6، 8، 10، 11، 14، 24- 193: 4، 7، 21- 240: 9، 11، 15، 17، 21، 22- 241: 6- 246: 13 جقمق العلائى: 182: 18- 186: 15- 190: 17- 203: 1، 3، 4- 212: 2- 221: 10، 23- 253: 10، 21- 254: 4، 5- 258: 12- 281: 12، 21 جكم من عوض: 55: 21- 195: 3- 214: 18- 215: 13- 219: 3- 244: 3- 370: 10 جلبان الأمير آخور: 30: 10- 32: 8، 12- 67: 1- 73: 20- 77: 1- 85: 17- 90: 16- 100: 18- 177: 15- 182: 14- 187: 2- 195: 12- 249: 1، 10- 250: 7- 254: 15 جلبان بن عبد الله الكمشبغاوى الظاهرى المعروف بقراسقل: 116: 3، 15 جلبان رأس نوبة سيدى: 170: 4- 171: 14

جمال الدين بن يوسف- ناظر الجيش والخاص: 103: 2 جمال الدين الكركى: 92: 9 جمال الدين يوسف البيرى الأستادار: 8: 9- 26: 16- 154: 5، 21 جنكيز خان: 320: 19، 20 جهان شاه التركمانى: 164: 20 جوان بن جينوس: 363: 6- 365: 4، 11 جوهر الجلبانى الحبشى: 322: 4، 5، 8 جوهر السيفى قنقباى اللالا- صفى الدين: 321: 21 جوهر الصقلى- القائد: 46: 20- 61: 20- 79: 21 جياش الكاملى- زين الدين: 316: 4، 19 جينوس بن جاك- ملك قبرس: 292: 3- 299: 6- 300: 8، 13، 16- 301: 17- 303: 14، 18، 19- 304: 3- 306: 3- 307: 1- 325: 5- 363: 4، 7 ح حاجى بن عبد الله الرومى- زين الدين: 137: 10، 22 حاجى خليفة: 149: 23 حزبناى بن داود بن سيف أرعد: 350: 2 حسن الباشا- الدكتور: 11: 19 حسن البردينى- بدر الدين: 100: 1 حسن بن سالم الدوكرى: 366: 5 حسن بن سودون الفقيه: 201: 21- 208: 21- 231: 6 حسن بن عجلان:: 260: 5- 261: 2- 282: 15- 283: 5، 20- 298: 16- 304: 9- 308: 12 حسن بن القدسى- الشيخ بدر الدين: 344: 18 حسن بن محب الدين بن عبد الله الطرابلسى- بدر الدين: 11: 1- 16: 1- 23: 16- 24: 8، 14- 26: 11- 29: 1- 42: 19- 43: 2، 3- 66: 10- 74: 2- 153: 5، 6- 189: 5- 190: 18- 237: 4 حسن بن نصر الله- بدر الدين: 8: 10، 12- 28: 16- 46: 9- 65: 7- 74: 5- 78: 10- 95: 12- 103: 5- 105: 14- 147: 4- 171: 16- 174: 9، 10- 272: 17- 223: 1- 273: 3- 277: 9، 15- 356: 13، 15- 357: 3، 5، 6، 16 حسين بن أحمد المدعو تغرى برمش البهسنى التركمانى: 269: 8- 288: 13- 292: 12- 300: 11- 302: 4- 330: 6- 373: 19

الحسين بن على: 310: 15 حسين بن على بن أحمد بن أويس: 322: 12 حسين بن كبك التركمانى- سيف الدين: 48: 5- 49: 15، 17- 50: 14- 149: 17 حسين بن نعير: 14: 1 حسين الكردى الكاشف: 261: 3 حسين نصار- الدكتور: 30: 18 حسين- كاتب سر دمشق- بدر الدين: 318: 13 حمزة بن تغرى بردى- الشرفى: 118: 10 حمزة بن رمضان: 84: 2 حمزة بن على بك بن دلغادر: 52: 15- 54: 2 حميد الدين- قاضى عسكر قرا يوسف: 53: 13، 15 خ خجا سودون السيفى بلاط الأعرج: 106: 9، 21 خشرم بن دوغان بن جعفر الحسينى: 304: 16، 18- 305: 1، 2، 5- 312: 4 خشقدم الظاهرى الرومى: 321: 21- 344: 9، 12- 354: 18 خشكلدى القرمشى- السيفى: 178: 4، 5 خلف الألبيرى- أبو القاسم: 255: 18 خليفة- من مشايخ المغاربة: 270: 15 الخليفة المأمون بن هارون الرشيد: 132: 24 الخليفة المستعين بالله العباس: 3: 1- 16: 10، 11- 114: 4، 15- 115: 2- 119: 3- 165: 6، 8، 10، 19- 205: 20 الخليفة المعتضد بالله داود: 16: 11- 109: 6- 167: 17- 198: 7- 211: 6- 221: 12- 242: 9 خليل نائب كركر: 55: 16 خليل بن عبد الرحمن بن الكويز- صلاح الدين: 95: 3- 102: 15- 161: 1، 20 خليل بن فرج بن برقوق: 186: 2 خليل التبريزى الدشارى: 16: 2، 14- 29: 14- 48: 7- 56: 9، 10- 93: 4 خواجا بشبغا- التاجر: 143: 4 خواجا ناصر الدين- التاجر: 130: 15- 131: 1- 195: 18 خوند بنت سودون الفقيه الظاهرى: 211: 14- 233: 3، 6

خوند بنت الملك الناصر فرج: 145: 6، 15 خوند جلبان الجاركسية: 354: 17- 355: 17 خوند زينب بنت الملك الظاهر برقوق: 185: 19 خوند سعادات بنت صرغتمش: 81: 10- 167: 8- 186: 19- 190: 2- 197: 5 خوند شيرين أم الملك الناصر فرج: 116: 24 خوند كار مراد بن عثمان: 300: 20 د داود بن سيف أرعد:- 349: 9، 13، 14 داود بن الكويز- علم الدين: 8: 11- 28: 16- 77: 17- 161: 4- 173: 9- 174: 14، 17، 21- 175: 12، 13- 255: 5، 18- 256: 4، 10، 11، 12- 273: 11 داود بن محمد بن قرمان: 52: 6 داود- نبى الله عليه السلام: 82: 23 دقماق المحمدى الظاهرى: 115: 11- 242: 16- 243: 1، 2، 3، 4، 5، 8، 9، 10، 21- 244: 2، 9، 11، 12، 14، 16، 18، 20 دمرداش المحمدى (دمرداش بن عبد الله المحمدى الظاهرى) : 7: 5- 12: 2، 3، 4، 5، 17- 13: 3، 6، 8، 12- 14: 2، 3، 7، 9، 11، 15، 21- 15: 1، 5، 20- 26: 3- 115: 11- 117: 6- 138: 8، 10- 139: 5، 9، 19- 244: 3 دولات باى المحمودى الساقى: 217: 8 دولات خجا الظاهرى: 359: 23- 360: 1- 363: 2- 373: 16 ر راشد بن أحمد بن بقر: 208: 6، 22 رستم بن أميرزة عمر شيخ بن تيمور لنك: 138: 1، 3 الرشيد- هارون: 27: 22- 49: 20- 84: 19- 85: 25 رميثة بن محمد بن عجلان: 276: 5 ريدان الصقلى: 16: 22 ز الزركلى (خير الدين الزركلى) : 149: 23 س سارة بنت برقوق: 119: 10، 22 سالم الحنبلى- مجد الدين: 19: 5 السبعاوى أرغون بن عبد الله من بشبغا- سيف الدين. السبكى (تاج الدين عبد الوهاب السبكى- قاضى القضاة) 31: 25

السحاوى (محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبى بكر ابن عثمان- شمس الدين أبو الخير) : 12: 21- 25: 21- 114: 20، 22- 116: 19، 22، 26- 119: 26- 120: 20- 121: 9، 12- 122: 19، 20- 123: 21- 124: 16، 20- 125: 17، 19 20، 24، 25- 127: 17- 129: 22- 130: 17، 19، 21، 25- 131: 18- 132: 16، 20، 23- 136: 22- 137: 21، 22- 142: 16، 20، 21، 26- 143: 19، 20، 23- 144: 20، 24- 145: 14- 148: 19- 155: 33- 160: 19، 22- 161: 21، 23- 235: 22- 237: 24- 350: 20 سعاد ماهر- الدكتورة: 170: 18- 171: 22- 275: 24- 279: 21- 362: 22- 364: 24 سعد بن محمد الديرى- سعد الدين: 270: 10 سعيد (من مشايخ المغاربة) : 270: 15 السلطان حسن بن محمد بن قلاوون: 43: 17، 19- 44: 3، 4 السلطان صلاح الدين الأيوبى: 124: 22 السلطان غياث الدين أبو المظفر بن إسكندر شاه: 120: 14 السلطان غياث الدين محمد بن بايزيد بن مراد بن أورخان ابن عثمان المعروف بكر شجى: 25: 11- 238: 20، 23- 239: 1 سليمان بن جنيبة: 235: 15 سليمان بن عبد الملك: 7: 19 سليمان بن عثمان- صاحب الروم: 46: 8 سليمان بن هبة الله بن جماز بن منصور الحسينى المدنى- الشريف: 132: 13 السميسر خلف الألبيرى- أبو القاسم. سنطباى الأشرفى- السيفى: 321: 8 سنقر الأشقر الصالحى النجمى- سيف الدين: 31: 1، 16 سنقر أمير جاندار: 315: 9 سنقر- دوادار تغرى بردى:- 340: 4 سنقر- نائب المرقب ثم نائب قلقعة دمشق: 66: 4- 93: 15 سودون الأسندمرى (سودون بن عبد الله الأسندمرى) : 24: 16- 66: 5- 73: 1، 13- 151: 14- 246: 3، 8 سودون الأشقر الظاهرى: 4: 3- 8: 12، 15- 9: 13- 10: 7، 8- 204: 14- 255: 5، 21

سودون الأعرج الظاهرى: 180: 9، 10 سودون بن عبد الله الظاهرى المعروف بسودون الجلب- سيف الدين: 120: 4، 20 سودون بن عبد الله الظاهرى المعروف بسيدى سودون: 117: 1، 16 سودون بن عبد الله المحمدى الظاهرى المعروف بسودون تلى: 5: 12- 26: 3- 139: 7، 9، 16، 19 سودون الحموى النوروزى: 182: 13- 228: 15- 231: 4 سودون السيفى علان: 93: 7 سودون الفخرى الشيخونى: 160: 12 سودون الفقيه الظاهرى: 176: 2، 3، 6- 209: 2 سودون القاضى (سودون بن عبد الله الظاهرى المعروف بالقاضى) : 14: 17- 23: 18- 27: 3، 12- 34: 11، 13- 38: 7، 9- 46: 16- 73: 9، 11- 85: 16- 92: 20- 158: 18- 246: 10 سودون قراصقل «سقل» : 15: 16- 16: 7- 34: 12- 35: 14- 38: 12- 56: 11- 61: 7 سودون اللكاش الظاهرى: 177: 15- 188: 14- 189: 16- 195: 8 سودون بن عبد الرحمن: 22: 3- 32: 2- 36: 18- 38: 2- 69: 16- 135: 16- 184: 11- 190: 8- 212: 5، 6، 7- 214: 6، 8، 15- 215: 6، 9، 11- 216؛ 1، 4، 6، 8، 13، 20- 217: 3، 4- 221: 7- 227: 15- 261: 7، 9، 10، 21، 24- 262: 1، 2، 3، 5، 6، 11، 17- 263: 2، 3، 4، 7- 264: 2- 274: 4، 5- 326: 13، 15، 16، 22- 327: 15، 17- 331: 4- 332: 10، 14- 350: 15- 358: 3، 6، 10، 12، 14، 16، 17، 18، 20، 23- 359: 2، 4، 9، 12، 13- 369: 13- 372: 16 سودون ميق: 291: 6- 307: 18- 372: 18 سودون اليوسفى: 56: 25، 26 سودون- مملوك تغرى بردى: 245: 19- 246: 2 سويدان المقرى: 199: 18 ش شاه أحمد بن قرا يوسف: 53: 13 شاه رخ بن تيمور لنك: 25: 9، 20- 98: 10- 107: 4- 137: 18- 138: 1، 4- 163: 9- 164: 16، 18- 335: 2، 6، 9، 15، 17- 336: 5-

348: 7، 10، 16- 349: 4- 368: 9، 14، 20 شاه محمد بن قرا يوسف: 98: 8- 322: 13، 15- 349: 2 شاهين الأرغون شاوى: 56: 13- 58: 21 شاهين الأفرم (شاهين بن عبد الله الظاهرى- سيف الدين) : 3: 13- 10: 10- 24: 3- 131: 3، 10، 15 شاهين الأيدكارى: 12: 6- 13: 6- 27: 5- 51: 6، 8 شاهين الحسنى: 182: 14 شاهين الزردكاش: 24: 17- 85: 16- 92: 20، 21 شاهين الطويل: 355: 8، 11 شاهين الفارسى: 170: 4- 171: 15 شاهين- مقدم التركمان: 63: 1 شاهين- نائب قلعة دمشق: 66: 5، 13 شاهين- نائب الكرك: 71: 15 شاهين- نائب كركر: 55: 2 شرف الدين بن التبانى: 9: 9، 11 الشريف علاء الدين كاتب سر دمشق 122: 14 شعبان اليغمورى: 63: 3 شقراء بنت تغرى بردى: 118: 13 شقل ألطنبغا بن عبد الله الظاهرى- سيف الدين شهاب الدين بن السفاح: 92: 9 شهاب الدين بن المحمرة: 359: 21 شهاب الدين الصفدى: 162: 8 الشيخ بدران: 28: 25 شيخ جلبى: 80: 8 شيخ الصفوى الخاصكى (شيخ بن عبد الله الصفوى) : 116: 4- 182: 2، 12- 195: 6 الشيخ عاشق محمود العجمى: 11: 8، 9 شيخون الناصرى- سيف الدين: 175: 21 ص صاروخان- مهمندار حلب: 69: 7 صالح بن عمر البلقينى- علم الدين: 251: 4- 336: 11- 338: 10- 354: 1 صدر الدين بن العجمى: 78: 4- 203: 10

صدر الدين بن العز: 134: 6 صلاح الدين بن نصر الله- الأستادار: 22: 21- 264: 14 صلاح الدين الصفدى: 134: 6 صوماى الحسنى: 18: 2- 23: 15- 30: 14 ط طرباى الظاهرى: 4: 5، 8، 10، 12، 28- 5: 2- 22: 10- 31: 11- 33: 4- 34: 6- 36: 19- 69: 17- 135: 17- 184: 12- 190: 9- 201: 6- 212: 1، 8، 15- 213: 8، 14، 17- 214: 1، 3، 12، 16- 215: 1، 4- 217: 7، 15، 17- 218: 10، 12، 13، 14، 18، 22- 220: 2، 8، 15- 221: 6، 10، 15، 16، 17- 225: 3، 10، 12، 13- 226: 17، 19- 227: 1، 6، 10، 11، 13، 19- 228: 1، 4، 5، 7، 9، 17- 230: 1، 4، 8، 11، 12- 231: 13- 246: 19- 247: 3- 277: 1، 3، 4، 21- 318: 3- 320: 20، 21، 22 طرعلى- نائب الرها: 54: 4 طرنطاى الظاهرى: 47: 9 ططر: 35: 13- 48: 1- 56: 6- 64: 8- 76: 18- 85: 16- 103: 18- 108: 1، 4، 11، 15، 17- 137: 13- 168: 1، 6، 9، 11، 15، 16، 17، 20- 169: 1، 2، 5، 9، 10، 13، 17- 170: 3، 5، 12- 171: 6، 8، 10، 13، 16، 20- 172: 2، 3- 173: 1، 4، 7، 8، 12، 13- 174: 4، 7، 15، 17- 175: 14، 16، 19- 176: 2، 3، 10، 13، 19، 20- 176: 22- 177: 2، 4- 178: 11- 179: 4، 6، 10، 15، 16، 20- 180: 1، 12، 15- 181: 7، 9، 11، 13، 17، 20- 183: 3، 11، 12- 184: 1، 7، 14، 16، 17- 185: 2، 3، 5، 6، 10، 13، 17- 186: 3، 6، 7، 12، 13، 18- 187: 3، 6، 9، 13، 14- 188: 5، 8، 9 11، 18، 19- 189: 2، 3، 14، 18- 190: 1، 13، 17، 19، 21- 191: 1، 3، 4، 12، 15، 18، 22، 23- 192: 6، 10، 15، 19، 22- 193: 1، 6، 8، 11، 12، 14- 194: 5، 9، 12، 15- 196: 10، 16، 18- 199: 12، 13، 14، 16، 18- 200: 3، 5، 9، 11، 13، 17- 202: 22- 203: 11- 229: 22- 232: 15- 236: 5، 16، 17، 19- 237: 5، 13- 239: 11، 15- 240: 1، 11- 241: 5، 6- 246: 13: 14، 15، 16، 17

طغرق بن داود بن إبراهيم بن دلغادر: 52: 18- 53: 1، 2، 3، 12 طوخ بطيخ طوخ بن عبد الله الظاهرى- سيف الدين طوخ بن عبد الله الظاهرى- سيف الدين: 130: 1 طوخ من تمراز: 200: 16 طوخ- نائب طرابلس ثم حلب: 6: 1- 12: 11- 13: 1، 5، 10، 11- 14: 2- 21: 9 طوغان الحسنى: 4: 2- 9: 5، 6، 10، 11، 12، 19- 10: 5، 6، 10، 12- 26: 3- 132: 4 طوغان الدقماقى- السيفى: 244: 9، 12 طوغان- الأمير آخور: 22: 5- 27: 6- 29: 13، 15- 36: 9- 45: 17- 46: 11، 18- 61: 5- 91: 21- 92: 19- 100: 17- 111: 12، 14- 172: 8- 177: 13- 182: 4- 188: 2- 192: 14- 193: 5 طوغان السيفى تغرى بردى 288: 18- 294: 19- 302: 5 طيبرس- الأمير: 242: 20- 243: 2، 6، 9 الطيمانى عبد الله بن محمد بن طيمان- جمال الدين: ع عبادة بن الصامت: 27: 21 عبد الباسط بن خليل الدمشقى- زين الدين: 94: 14- 105: 15- 205: 9، 12، 13، 23- 259: 11- 260: 20- 267: 4- 274: 5، 7، 8، 10، 11- 276: 15- 309: 1، 7، 9، 14- 327: 11، 14- 347: 4- 354: 19- 356: 18، 21- 362: 17 عبد الرحمن البلقينى (عبد الرحمن بن عمر بن رسلان ابن نصير بن صالح البلقينى- جلال الدين) : 3: 4- 20: 17- 60: 2- 66: 16، 18- 68: 4، 8- 77: 19، 20- 79: 1- 96: 1- 97: 11- 102: 5- 204: 7- 237: 15، 23 عبد الرحمن بن على التفهنى- زين الدين: 92: 1- 107: 11- 176: 17- 221: 14- 285: 17، 18- 336: 12، 14- 357: 12 عبد الرحمن بن على بن يوسف بن الحسن المدنى- زين الدين: 132: 10، 21 عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد بن يوسف ابن عبد الرحيم الدكالى المعروف بابن النقاش- زين الدين أبو هريرة: 244: 16 عبد الرحمن الخراط- زين الدين: 296: 11 عبد الرحمن زكى- الدكتور: 30: 19 عبد الرحمن فهمى محمد- الدكتور: 30: 21- 100: 24 عبد الرحيم بن على البيسانى- القاضى الفاضل: 31: 19 عبد الرزاق بن كاتب المناخ- تاج الدين: 251: 11

عبد الرزاق بن الهيصم- تاج الدين: 8: 7، 8- 17: 1- 35: 7- 102: 14- 152: 16- 174: 1، 4، 6، 9 عبد العزيز بن أبى شاكر بن مظفر بن نصير البلقينى- عز الدين: 159: 5 عبد العزيز البغدادى- عز الدين: 93: 9- 287: 6- 312: 8، 23 عبد العزيز اللبانى (المليانى) : 162: 6، 22 عبد الغنى بن عبد الرزاق بن أبى الفرج- فخر الدين 10: 14- 17: 4- 24: 9، 11- 25: 18- 43: 1، 4- 46: 9- 59: 16، 24- 61: 8، 14، 15- 62: 2، 4- 65: 5، 6، 7، 19- 66: 9- 73: 16، 17، 21- 152: 7، 11- 153: 7 عبد القادر بن حسن بن نصر الله- زين الدين: 277: 12 عبد القادر بن عبد الغنى بن أبى الفرج- زين الدين: 272: 13- 329: 18، 21- 337: 9 عبد الكريم بن أبى شاكر بن عبد الله بن الغنام- كريم الدين: 162: 19 عبد الكريم بن بركة المعروف بابن كاتب جكم- كريم الدين: 264: 16- 273: 2، 5 عبد الكريم بن عبد الرزاق بن كاتب المناخ- كريم الدين: 259: 2، 3، 4- 264: 15- 327: 17- 346: 6- 356: 2، 12، 14- 361: 1، 3، 11، 15، 22- 364: 3- 368: 4- 372: 6 عبد الله بن صالح بن على بن عبد الله بن عباس: 33: 26 عبد الله بن عمر- رضى الله عنه: 310: 14 عبد الله بن محمد بن طيمان- جمال الدين: 121: 1 عبد الله بن مقداد الأقفهسى- جمال الدين: 95: 7- 160: 6، 18 عبد الله المؤمنى- سيف الدين: 141: 18 عبد الوهاب بن أبى شاكر (عبد الوهاب بن عبد الله ابن موسى بن أبى شاكر بن أحمد بن إبراهيم ابن سعيد الدولة:- تقي الدين) : 24: 13- 144: 7- 274: 21- 275: 1، 13 عبد الوهاب بن أفتكين- تاج الدين: 366: 11 عبد الوهاب بن محمد بن أبى بكر الطرابلسى:- أمين الدين: 142: 6، 18 عبد الوهاب بن نصر الله بن حسن الفوى: تاج الدين: 147: 3، 18- 205: 11 عثمان بن إبراهيم بن أحمد بن عبد اللطيف بن نجم ابن عبد المعطى البرماوى- فخر الدين: 122: 4، 18 عثمان بن طر على المعروف بقرايلك: 7: 6- 67: 9- 99: 8- 331: 2- 335: 5- 348: 11 العجل بن نعير: 13: 2، 11، 25

عجلان بن نعير بن منصور بن جماز: 304: 17- 305: 2 عجلون- الراهب:- 124: 22 عذرا- أمير العرب بالبلاد الشامية 300: 21 العزيز بالله الفاطمى- الحليفة: 16: 22 العفيف بن محمد الشمسى: 317: 5 عقيل بن أبى طالب- رضى الله عنه: 225: 22 علاء الدين السلجوقى:- 84: 22 علم الدين شمايل: 31: 21 على باى من أمير علم شيخ المؤيدى: 128: 11- 172: 11، 22- 182: 15، 16- 184: 4، 7، 15- 196: 4، 11- 201: 10- 208: 2، 3، 8- 246: 16 على باى الظاهرى- الخازندار: 243: 3 على بك بن دلغادر: 51: 14، 15 على بك بن قرمان: 85: 12- 294: 4 على بن أحمد بن محمد بن على بن الحسين بن محمد ابن الحسين بن محمد بن الحسين بن محمد بن زيد بن الحسين بن مظفر بن على بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن موسى بن جعفر بن محمد بن على ابن الحسين بن على بن أبى طالب- الأرموى الحسينى- الشريف النقيب: 149: 10 على بن الأدمى (على بن محمد بن محمد الدمشقى) - صدر الدين: 15: 19- 122: 8- 123: 7، 8 على بن بشارة: 181: 17 على بن الحسام: شمس الدين: 314: 15- 315: 12 على بن محمد بن حسين بن عليف المكى العكى العدنانى: 133: 6 على بن محمود بن أبى بكر بن مغلى الحنبلى الحموى- علاء الدين:- 26: 12- 41: 6- 271: 12 على بن الناشرى- موفق الدين: 316: 11 على التبريزى العجمى- الخواجا نور الدين: 324: 2، 7، 17- 325: 9- 349: 19 على الرومى- علاء الدين: 266: 10- 285: 15 على كهنبوش- الشيخ: 160: 12 على مبارك: 14: 22- 28: 19- 31: 19- 44: 23- 46: 23- 61: 22، 25- 63: 16- 74: 21، 24- 78: 20- 79: 22- 94: 22، 25- 152: 23- 154: 21- 163: 20- 175: 22- 180: 26- 209: 21- 264: 22- 309: 19

على المحالبى- نور الدين: 314: 15- 315: 10 عماد الدين بن كثير: 134: 5 عمر البلقينى- شيخ الإسلام سراج الدين: 267: 7 عمر بن أحمد بن صالح بن السفاح- زين الدين: 345: 14 عمر بن حجى- قاضى القضاة نجم الدين: 265: 10، 11- 273: 8، 10- 274: 2، 5، 7، 9، 14، 16، 19- 309: 13، 15 عمر بن الخطاب- رضى الله عنه: 8: 25 عمر بن كندر: 12: 9 عمر بن الهيدبانى: 12: 13 عمر أخو التاج الشوبكى: 360: 1 عمر- سبط ابن شهرى:- 57: 10 عمر- صاحب أرزنكان: 46: 8 عمر قارىء الهداية- سراج الدين:- 285: 19 عمرو بن العاص: 272: 15 غ غرس الدين خليل- من أمراء دمشق: 32: 9، 16 ف فارس- الخازندار: 40: 5 فارس- دوادار ططر تم نائب الإسكندرية: 202: 4- 205: 3- 209: 3- 249: 11، 14- 251: 18 فاطمة بنت تغرى بردى- زوج الملك الناصر فرج ابن برقوق: 118: 9، 23- 215: 3 فتح الله كاتب السر (فتح الدين فتح الله بن معتصم ابن نفيس التبريزى رئيس الأطباء وكاتب السر) : 5: 14، 17- 162: 10 فخر الدين بن فضل الله- ناظر جيش الناصر فرج ابن برقوق: 26: 24 فرج بن شكر باى الظاهرى- زين الدين:- 235: 6 فرج ابن الملك الناصر فرج بن برقوق- زين الدين: 46: 18- 146: 7 فضل الله بن عبد الرحمن بن عبد الرزاق بن إبراهيم ابن مكانس المصرى القبطى الحنفى- مجد الدين: 157: 20- 158: 9 فهيم محمد شلتوت: 1: 13- 4: 18- 41: 21- 48: 17- 281: 24- 353: 23 فؤاد فرج: 28: 26

ق قاسم بن تغرى بردى- زين الدين: 118: 9 قاشق جرباش الكريمى: قانصوه النورزوى: 202: 2- 228: 16- 288: 15- 319: 5، 11 قانى باى الأبوبكريّ الناصرى البهلوان:- 202: 3- 307: 17، 18، 19 قانى باى الحمزاوى: 183: 1- 186: 14- 203: 2، 6، 9، 12- 205: 6، 22- 344: 16- 372: 17 قانى باى المحمدى الظاهرى: 3: 14- 15: 13، 15- 16: 8، 13- 22: 7- 30: 8، 10- 31: 8، 12، 14- 32: 7، 15، 16، 17، 19- 33: 5، 9، 10، 12- 34: 2، 18- 35: 19- 36: 6، 15، 17، 23- 37: 4، 6، 10، 14، 22- 44: 10- 56: 25- 58: 9، 15- 69: 16- 135: 5، 6، 8، 15، 21- 136: 8، 9، 15- 137: 1- 155: 3- 184: 11- 186: 16- 190: 5، 8- 198: 15- 236: 10- 254: 11 قايماز المسعودى- صارم الدين: 63: 23 قجق الشعبانى: 10: 9- 18: 2- 23: 13- 24: 1- 165: 15 قجق العيساوى الظاهرى: 179: 13- 182: 3- 201: 15- 208: 12- 212: 4- 218: 12- 247: 4، 6- 259: 10- 260: 20- 269: 4، 6- 290: 19 قجقار السيفى بكتمر جلق الزردكاش: 313: 5 قجقار القردمى (قجقار بن عبد الله القردمى- سيف الدين) : 14: 17- 24: 1- 45: 8، 9- 46: 3- 47: 21- 49: 6، 10- 51: 5، 8، 10- 53: 4- 55: 9، 11، 17، 22- 56: 1- 59: 4- 61: 3- 76: 17- 103: 17- 108: 3، 7، 14- 168: 2، 5، 13، 15- 171: 14- 172: 4- 194: 13- 239: 14، 23- 240: 8 قراجا الأشرفى: 321: 20- 359: 17 قراسقل جلبان بن عبد الله الظاهرى برقوق. قراسنقر الظاهرى: 354: 1- 355: 18 قرا محمد بيرم خجا التركمانى: 53: 1- 163: 12 قرا مراد خجا الشعبانى: 66: 19- 90: 14، 15- 186: 17- 288: 10- 292: 14- 294: 18- 300: 9- 302: 3- 350: 11 قرايلك (عثمان بن طرعلى التركمانى) : 53: 4- 54: 2، 8- 67: 9، 10، 15، 17، 21- 68: 17- 69: 5، 7، 12، 18- 330: 17- 334: 11- 338:

14، 16- 344: 11- 348: 11- 349: 6- 350: 14، 17- 354: 6- 366: 6- 370: 2، 3، 5، 6، 7، 10، 13، 16، 19 قرا يوسف (ابن قرا محمد بن بيرم خجا التركمانى) : 25: 8- 37: 2- 46: 7- 53: 15- 54: 2، 14، 18- 55: 15، 19- 64: 7، 8- 67: 11، 19، 21- 68: 4، 6، 10- 69: 5، 6، 7، 9، 12، 13، 15، 19- 71: 16، 19، 23- 72: 17، 19- 93: 20- 98: 7، 8، 9، 22- 99: 9، 13، 26- 100: 3، 20- 107: 2، 23- 163: 8، 13، 15، 16، 18، 23- 164: 2، 5، 6، 7، 9، 14، 15، 18- 184: 10- 190: 7- 194: 11- 201: 7- 214: 13، 14، 15، 20- 215: 14- 246: 6 قردم الحسنى:- 239: 16- 240: 15، 16 فرقماس بن حسين بن نعير: 347: 6، 7، 20 قرقماس سيدى الكبير (ابن أخى دمرداش) : 6: 11، 18، 22- 7: 12، 13- 9: 1، 2- 10: 4- 11: 10، 12، 15، 16، 17، 24- 12: 2- 14: 7، 11، 12، 13، 16- 15: 6- 26: 3- 138: 19- 139: 1، 4 قرقماس الشعبانى الناصرى:- 39: 19- 202: 1- 259: 15- 261: 1- 283: 8- 291: 1، 2- 304: 14- 330: 6- 372: 17 قرقماس- نائب كختا:- 54: 9، 15، 16- 65: 1 قرمش الأعور الظاهرى: 74: 7- 201: 20- 213: 19- 215: 6، 10، 14، 15، 18- 226: 4- 261: 18 قشتم المؤيدى: 172: 14- 194: 14- 205: 4- 347: 9 قصروه من تمراز الظاهرى: 7: 8- 24: 16- 71: 13- 182: 19، 20- 193: 13، 16، 17- 194: 5، 9، 10- 201: 16- 212: 2- 213: 8، 14- 214: 2- 221: 8، 11- 227: 16- 229: 10، 15- 252: 2، 5- 253: 10، 11- 280: 4، 5، 6- 284: 6، 20- 285: 9- 306: 12، 13- 332: 11- 347: 6- 350: 15 قطج من تمراز:- 319: 7، 9، 22 قطز:- 372: 22 قطلباى- أم أبى الفتح موسى بن شيخ المحمودى:- 156: 3- 197: 17 قطلبغا بن عبد الله الخليلى- سيف الدين: 120: 16- 155: 7 قطلو بغا التنمى: 35: 15- 41: 16، 17- 42: 11، 13- 90: 13، 15- 181: 17- 188: 9- 202: 13 قطلوبغا المؤيدى البهلوان: 293: 13

قطلوبك:- 260: 1 القلقشندى (أبو العباس أحمد بن على) : 1: 15، 21- 2: 15، 18- 3: 18، 22، 25- 4: 13، 20، 23، 26- 5: 23- 8: 20، 23، 26- 9: 22، 25- 10: 23- 11: 21- 13: 17، 19، 21- 14: 25- 17: 24- 18: 18، 25- 22: 19، 21- 24: 22- 27: 22- 33: 27- 48: 23- 49: 21، 26- 50: 5- 51: 19، 21- 54: 21- 68: 24- 81: 21- 83: 23- 84: 19- 89: 21- 120: 18- 124: 23- 142: 22، 24- 180: 22، 23- 183: 21- 184: 23، 24- 185: 21- 187: 23- 188: 20- 204: 21- 225: 23- 284: 23- 306: 24- 314: 19- 348: 20- 352: 25- 355: 19، 23 قمارى بن عبد الله- سيف الدين: 142: 10 قمش بن عبد الله الظاهرى: 6: 1- 12: 13، 22- 13: 10- 14: 2- 20: 7- 21: 9- 130: 4، 19 ك كافور الرومى الشبلى الصرغتمشى: 204: 1- 231: 17- 322: 1 كردى بن كدر (كردبك التركمانى) : 12: 9، 20- 56: 24 كرشجى السلطان غياث الدين محمد بن بايزيد: كريم الدين بن كاتب جكم عبد الكريم بن بركة المعروف بابن كاتب جكم- كريم الدين كزل بغا- أحد أمراء حماة: 55: 3 كزل بن عبد الله الأرغون شاوى- سيف الدين:- 157: 15 كزل السودونى:- 165: 14، 15 كزل العجمى الأجرود:- 22: 2- 24: 3- 27: 1، 2- 38: 11، 21- 71: 14- 204: 13- 255: 8 كمال الدين بن البارزى (محمد بن ناصر الدين محمد ابن البارزى) : 20: 11- 104: 1، 5، 10، 15، 17، 19، 21- 105: 5- 111: 5- 161: 18- 162: 2، 17- 173: 11، 15- 174: 13، 18- 175: 11- 205: 10- 318: 11، 14، 25- 326: 12- 358: 4- 359: 19- 367: 3، 7- 364: 8 كمشبغا الجمالى: 337: 11، 12، 15 كمشبغا الركنى:- 53: 11 كمشبغا طولو: 63: 2- 202: 16 كمشبغا العيساوى:- 9: 14- 24: 15 كمشبغا الفيسى: 24: 17- 71: 12- 73: 12

ل لاجين الجاركسى: 200: 7 لسترنج (كى لسترنج) : 53: 18- 84: 22 لؤلؤ العزى الرومى- بدر الدين:- 154: 11 الليث بن سعد- الإمام: 80: 1- 206: 20 م ماجد بن المزوق- فخر الدين: 286: 4 مامش المؤيدى: 196: 7 مانع بن على بن عطية بن منصور بن جماز بن شيخة ابن هاشم بن قاسم بن مهنا بن داود بن قاسم بن عبد الله ابن طاهر بن يحيى بن الحسين:- 311: 15 ماير (ل- ا- م) : 45: 19- 52: 22- 112: 21 مبارك شاه بن عبد الله المظفرى الظاهرى- سيف الدين: 125: 7 مبارك شاه الرّماح: 196: 7 مجد الدين سالم:- 26: 14 مجد الدين الفيروزابادى محمد بن يعقوب بن إبراهيم ابن عمر الفيروزبادى: محمد- رسول الله صلى الله عليه وسلم: 16: 27 محمد أبو السعادات بن ظهيرة- جمال الدين 126: 5 محمد الأخرس- الشيخ: 96: 13 محمد البساطى- شمس الدين: 324: 6 محمد بن إبراهيم بن بركة العبدلى- الشهير بالمزين- شمس الدين: 123: 1، 19 محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن زياد ابن أبيه: 132: 24 محمد بن إبراهيم بن عمر الأسيوطى- شمس الدين: 96: 10 محمد بن إبراهيم بن منجك اليوسفى- ناصر الدين: 32: 12- 34: 17- 231: 11- 359: 8، 9، 10، 12 محمد بن أبى بكر بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم ابن سعد الله بن جماعة بن حازم بن صخر بن عبد الله- العز أبو عبد الله الحموى المعروف بابن جماعة: 143: 18- 144: 18 محمد بن أحمد بن عثمان البساطى- شمس الدين: 95: 5- 137: 12 محمد بن أحمد بن الكشك- شمس الدين: 309: 14- 364: 13 محمد بن أحمد بن محمد الشريشى- بدر الدين: 134: 3، 7 محمد بن برسباى- ناصر الدين: 233: 5- 255: 2- 265: 1- 276: 14- 277: 17- 334: 13 محمد بن بولى- محمد بن محمد بن موسى المعروف

بابن المرداوى وبابن بولى- شمس الدين: 264: 13- 268: 5، 9 محمد بن تغرى بردى: 118: 11 محمد بن جرباش الشيخى- ناصر الدين: 199: 18، 21 محمد بن الجزرى- شمس الدين: 267: 2 محمد بن حسن بن عبد الله، المعروف بالبرجى- بهاء الدين: 75: 13، 17- 235: 11، 22 محمد بن حسن بن نصر الله- صلاح الدين: 183: 12، 14- 220: 17- 264: 12- 272: 19- 277: 9- 357: 5، 17 محمد بن دقماق الناصرى: 244: 20 محمد بن دلغادر- ناصر الدين: 50: 2، 3، 8، 9- 53: 3، 14- 88: 13 محمد بن دولت شاه: 54: 5 محمد بن الديرى المقدسى- شمس الدين: 91: 3، 4، 6، 8- 92: 3- 143: 16 محمد بن رسولا بن يوسف التركمانى المعروف بابن التبانى- شمس الدين: 137: 3، 19 محمد بن سلطان- الشيخ: 271: 11 محمد بن شيخ المحمودى- أبو المعالى: 159: 13 محمد بن ططر 206: 8- 277: 18- 371: 18 محمد بن ظهيرة- جلال الدين أبو السعادات: 238: 15، 16 محمد بن عبد الوهاب بن نصر الله- شرف الدين: 173: 6- 205: 11، 13 محمد بن عثمان بن أحمد المرينى الفاسى- أبو عبد الله ملك المغرب: 163: 6 محمد بن العديم- ناصر الدين (محمد بن عمر بن إبراهيم ابن محمد بن عمر بن عبد العزيز بن محمد بن هبة الله ابن أبى جرادة) : 15: 18- 20: 14- 35: 7- 115: 1، 2- 122: 13- 143: 9، 21 محمد بن العطار- ناصر الدين:- 172: 15 محمد بن عفيف الدين عبد الله بن ظهيرة- جمال الدين أبو حامد القرشى المخزومى: 132: 7، 18 محمد بن على بن جعفر البلالى- شمس الدين: 148: 9، 17 محمد بن على الحيرى- شرف الدين: 165: 3 محمد بن على بن معبد المقدسى، المعروف بالمدنى- شمس الدين: 145: 3، 13 محمد بن عمر بن حجى- بهاء الدين: 310: 3 محمد بن فخر الدين- تاج الدين: 85: 20 محمد بن فرج بن برقوق: 186: 2 محمد بك بن قرمان- ناصر الدين: 25: 12- 48: 11- 80: 9- 84: 9-

86: 1، 2، 18- 87: 16- 88: 12، 15- 92: 15، 22- 180: 12 محمد بن مبارك شاه الطازى- ناصر الدين: 165: 6، 9، 11، 13، 17، 19 محمد بن محمد بن أحمد الدمشقى المعروف بابن مزهر- بدر الدين: 104: 4- 192: 7- 265: 15، 16 محمد بن محمد بن أحمد بن على بن ولصمع: 349: 21 محمد بن محمد بن حسين البرقى- شمس الدين: 160: 10، 20 محمد بن محمد بن عبد اللطيف بن أحمد بن محمود ابن أبى الفتح الشهير بابن الكويك- شرف الدين: 155: 12، 21 محمد بن محمد بن عثمان المعروف بابن الإخنائى- شمس الدين 125: 3، 18 محمد بن محمد الخوارزمى- همام الدين: 141: 15، 22 محمد بن محمد بن محمد ابن عبد الدليم الباهى- نجم الدين 141: 13، 20 محمد بن محمد بن محمد الحلبى المعروف بابن الشحنة- محب الدين: 114: 11، 22 محمد ابن همام الدين محمد السيواسى: 285: 13 محمد بن يعقوب بن إبراهيم بن عمر الفيروزابادى- مجد الدين: 133: 1، 18، 19- 134: 11 محمد بن يعقوب التبانى- شمس الدين: 45: 15 محمد الحنفى- شمس الدين: 209: 15، 20 محمد الخيضرى: قطب الدين: 244: 7، 13 محمد الديلمى- الشيخ المعتقد:- 137: 14 محمد رمزى: 115: 19- 351: 23 محمد سعيد عاشور- الدكتور: 315: 24 محمد السلاخورى- ناصر الدين: 148: 12 محمد الشمس- بدر الدين:- 317: 4، 5 محمد الصالحى- ناصر الدين:- 238: 6 محمد مصطفى زيادة- الدكتور: 31: 25- 48: 20، 23- 64: 22- 138: 23- 314: 23- 331: 20- 336: 21- 351: 19- 352: 22- 366: 23 محمد النفيسى- شمس الدين:- 123: 7 محمد الهروى- شمس الدين: 264: 6، 8- 269: 11، 14- 276: 2 محمود بن الشهاب: 274: 10 محمود بن قلمطاوى: 111: 6، 10 محمود شاه البرزى- الخواجا: 1: 6

محمود الكلستانى- بدر الدين: 175: 4، 7، 9، 11 المدنى محمد بن على بن معبد المقدسى- شمس الدين. مراد بك بن محمد بن بايزيد بن مراد بن أرخان ابن عثمان: 238: 21- 318: 6 مراد خجا: 85: 17 مراد كامل- الدكتور: 352: 23 مرجان المسلمى الهندى الطواشى: 40: 12- 104: 16- 105: 15، 17- 171: 17- 196: 8- 204: 1- 231: 15، 19 المزين أحمد بن إبراهيم بن بركة العبدلى الدمشقى- شمس الدين مشترك القاسمى الظاهرى: 34: 6- 149: 6 مصطفى بن محمد بن قرمان: 84: 10- 87: 16- 88: 12، 14، 15 معاوية بن أبى سفيان: 295: 10 مغلباى البوبكرى المؤيدى: 10: 3- 182: 20- 196: 7- 201: 22 مقبل بن عبد الله الأشقتمرى- زين الدين:- 143: 6 مقبل بن عبد الله الرومى الظاهرى- سيف الدين: 119: 9، 22 مقبل الحسامى 51: 7، 12- 68: 9- 77: 16، 22- 90: 10، 23- 92: 17- 170: 9، 13، 18- 171: 2، 4- 172: 12، 22- 182: 17- 187: 4، 8- 188: 3- 191: 20، 22- 250: 5، 13، 14، 16- 260: 17- 367: 13، 15 مقبل القرمانى: 56: 17 مقبل- الشريف أمير الينبع: 276: 4 المقريزى (أحمد بن على- تقي الدين) : 7: 22- 8: 16- 17: 4، 14- 26: 18، 20- 28: 24- 31: 8، 25- 38: 23- 46: 21- 48: 20، 22- 61: 24- 63: 24- 64: 21- 74: 19- 80: 16- 81: 4- 82: 23- 83: 13، 16- 85: 21- 86: 27- 96: 11- 109: 10- 110: 7- 138: 23- 143: 14، 15- 150: 21- 152: 18- 153: 4، 10، 13- 163: 20- 165: 4- 174: 20، 21- 177: 7، 11- 198: 13، 21- 200: 19- 207: 4، 8، 9- 223: 20- 233: 20- 236: 1- 237: 12- 245: 1، 3- 255: 17- 256: 13- 264: 19- 265: 5، 8، 13، 18- 267: 2، 20- 281: 19- 282: 10- 302: 21- 307: 7- 308: 1، 14- 310: 14، 22- 312: 22- 314: 5، 23- 317: 11- 331: 19- 333: 13، 18- 336: 6، 20- 339: 11- 340: 9، 20- 342: 18- 343: 10- 347: 11- 348: 1- 350: 4- 351: 18- 352: 22- 353: 22- 355: 1، 13-

363: 13- 366: 22- 367: 9، 10، 11- 370: 22 ملج السلاح دار: 339: 21 الملطى- نائب الوجه القبلى: 73: 8 الملك الأشرف إسماعيل بن أحمد الناصر:- 308: 17- 314: 11 الملك الأشرف إسماعيل ابن الأفضل عباس ابن المجاهد على ابن المؤيد داود ابن المظفر يوسف: 314: 6- 316: 13 الملك الأشرف إينال العلائى: 200: 15- 293: 20- 307: 20 الملك الأشرف برسباى: 36: 8- 60: 1- 72: 24- 73: 8- 81: 7- 180: 5، 6- 190: 15- 197: 12- 199: 7- 200: 8- 215: 3- 220: 6- 232: 13- 233: 5، 6، 10، 15- 242: 1، 3، 12، 14، 15، 21- 243: 9، 16، 17- 244: 9، 15، 16، 19- 245: 3، 8- 246: 1، 6، 14- 247: 1، 7، 14، 19، 20- 248: 1، 3، 5، 16، 20- 249: 3، 17- 250: 1، 11- 251: 2- 254: 1، 18- 256: 14، 15، 17- 257: 15- 261: 7- 263: 16- 264: 17- 267: 12، 20- 268: 13- 275: 2- 277: 4، 6- 278: 1- 284: 12- 286: 11، 12- 296: 4- 298: 3، 5- 300: 18- 305: 17- 308: 5، 6، 8، 12- 311: 5- 312: 18- 315: 10، 13، 14- 317: 13- 320: 8، 10، 13، 17- 332: 4، 8- 326: 17- 327: 12- 329: 1، 11، 14- 333: 19- 334: 3- 337: 13، 15- 346: 11- 347: 10- 354: 17- 357: 14- 359: 6، 10، 11- 360: 3، 16- 361: 10، 15- 362: 2- 368: 11، 15، 19- 370: 1، 4- 373: 7، 15 الملك الأشرف خليل بن قلاوون: 22: 21- 223: 19 الملك الأشرف شعبان بن حسين: 267: 5، 14 الملك الأفضل عباس: 316: 16 الملك الصالح محمد بن ططر: 206: 17- 211: 1، 3، 7، 13، 16، 21- 212: 12- 221: 13- 225: 4- 230: 2- 231: 6، 7- 232: 11، 17- 233: 3، 8، 9- 235: 5- 242: 4- 246: 17، 18، 19، 20- 248: 17- 265: 2، 6، 8- 278: 1 الملك الصالح نجم الدين أيوب: 7: 21 الملك الظاهر برقوق: 1: 6، 7، 8- 10- 2: 1، 3- 28: 18- 42: 1- 43: 17- 71: 1- 88: 5- 95: 9- 108: 10- 112: 1- 115:

6، 8، 12، 15، 16، 25- 116: 1، 15، 25- 117: 1- 125: 8- 128: 8، 12- 129: 7- 130: 9، 13، 14، 16، 22- 135: 8- 136: 1، 5، 13، 20- 137: 12- 138: 10- 144: 15 146: 10- 148: 7- 150: 6- 151: 10- 154: 17، 18- 155: 9- 157: 19- 175: 2، 7، 9، 10- 195: 6- 198: 16، 17- 199: 2، 5، 7، 8، 13، 14، 17- 200: 1- 215: 18- 227: 1، 9، 21- 236: 6- 239: 7، 16- 242: 18، 20- 243: 15- 244: 10- 313: 1، 19- 338: 11- 351: 9- 361: 20 الملك الظاهر بيبرس البندقدارى: 4: 14- 72: 22- 74: 16- 78: 19- 80: 12- 131: 13 الملك الظاهر جقمق العلائى: 120: 9- 177: 16- 182: 18- 197: 1- 199: 8- 243: 22- 268: 18- 275: 16- 288: 16- 318: 9- 354: 13 الملك الظاهر ططر: 6: 21- 197: 4، 5، 6، 9- 198: 1، 3، 7، 9، 11، 13- 201: 4- 202: 9، 18، 21- 203: 14، 15، 19، 21- 204: 10- 205: 13- 206: 18، 24- 207: 4، 9، 13- 208: 7- 210: 4- 211: 3، 15- 215: 21- 220: 18- 221: 5، 20- 222: 6، 10، 17- 223: 5- 224: 7، 9، 11، 15، 19- 225: 3، 5، 19- 231: 8- 232: 14- 235: 4، 1- 236: 12- 245: 2- 248: 15، 16 الملك الظاهر يحيى بن الأشرف إسماعيل بن عباس:- 315: 15، 17- 18- 316: 3، 6، 8، 14، 15 الملك العادل نور الدين سليمان الأيوبى:- 33: 17- 53: 6- 107: 1 الملك العزيز يوسف:- 354: 17 الملك الكامل شعبان بن محمد بن قلاوون:- 155: 18 الملك الكامل محمد ابن العادل أبى بكر بن أيوب:- 31: 21- 373: 13 الملك المظفر أحمد بن شيخ المحمودى:- 81: 10، 20- 113: 11- 167: 1، 3، 9، 17- 168: 8، 13، 14- 169: 14، 16- 170: 1- 171: 11- 176: 17- 179: 7- 181: 2، 3، 6- 183: 5- 186: 8، 9- 188: 17، 19- 190: 1- 191: 15- 193: 1- 196: 15- 197: 4، 5، 7، 11، 14- 198: 3، 7- 203: 1، 6، 13، 20- 221: 5- 229: 22- 232: 15- 235: 3- 236 12، 16- 249: 18 الملك المظفر بيبرس الجاشنكير: 74: 15 الملك المنصور حاجى:- 155: 8، 18

الملك المنصور عبد العزيز بن برقوق: 117: 10، 22- 198: 19- 200: 4- 244: 15- 245: 9 الملك المنصور عبد الله ابن الملك الناصر أحمد- ملك اليمن: 308: 15- 314: 9 الملك المنصور قلاوون: 5: 23- 28: 22- 31: 1، 17- 131: 14 الملك المؤيد شيخ المحمودى:- 1: 2، 4، 8، 13- 2: 10- 3: 5، 11- 4: 9، 10، 11، 28- 5: 4، 6، 9، 12- 6: 4، 9، 11، 14، 15، 16- 7: 6، 11، 15، 16- 8: 5- 9: 12- 11: 4، 6، 14، 23- 14: 5، 8- 15: 8- 17: 14- 18: 8، 10، 11- 19: 3، 5، 7، 10، 12- 20: 1، 3، 7، 8، 9، 12- 21: 6، 7، 12، 14، 19- 25: 7، 10- 26: 17- 27: 6، 13- 29: 13- 31: 2، 10- 32: 3- 33: 11، 14- 34: 4، 5- 37: 3، 13- 39: 12- 40: 1- 42: 2، 11- 43: 18، 20- 44: 4، 6، 8- 56: 26- 58: 1، 2، 10، 11، 15- 59: 24- 64: 8- 66: 7- 70: 6- 73: 5- 75: 9- 76: 1- 78: 6- 81: 9- 82: 8- 83: 6، 7- 89: 9- 90: 5- 91: 9- 94: 13- 98: 3- 101: 13- 106: 19- 108: 19- 109: 3، 9، 10- 12، 21، 23- 110: 11، 17- 111: 6، 17- 112: 1- 114: 1، 5- 115: 2- 118: 16- 119: 4، 6، 13، 17- 120: 2، 12- 122: 1، 12- 124: 3- 128: 1، 4، 15- 129: 1، 2، 3، 4- 130: 11- 132: 3- 135: 4، 10، 13، 18، 19- 136: 7، 15، 20، 21- 138: 16- 139: 1، 13، 14، 16- 140: 1- 141: 1- 142: 3، 4، 15- 145: 1، 3، 7، 15- 148: 2- 149: 1، 8- 150: 9، 10- 151: 11، 18- 152: 1- 153: 3، 7، 8- 154: 18- 155: 2، 10، 11- 156: 4- 157: 1، 6، 9، 10- 158: 21- 159: 11- 160: 1، 4- 161: 2، 13، 14، 20- 162: 7، 12، 13- 163: 16- 164: 3، 5- 165: 10، 11، 17، 19، 20- 167: 3، 4، 9، 19، 21- 168: 1، 7، 13، 14- 170: 1- 171: 7- 173: 14- 176: 10- 177: 8، 16- 19، 21- 179: 2، 3، 16، 18، 19، 21- 180: 1، 9- 181: 2، 3، 12- 184: 11- 185: 11، 19- 186: 1، 2- 187: 1- 189: 5- 190: 5، 16- 192: 12- 193: 16، 17- 194: 5- 195: 2، 4، 6، 10، 15، 19- 196: 2، 4- 197: 8، 17- 200: 1- 201: 7- 204: 14- 206: 11- 207: 1- 210: 2- 214: 14، 20- 217: 1- 222: 18- 224: 9- 232: 15، 16- 235: 3، 7، 9- 236: 7، 10، 13- 237: 8، 13- 239: 9، 16، 18، 19- 240: 18، 20، 21-

241: 4- 244: 2- 245: 11، 13، 16- 246: 9، 11، 13- 248: 10- 254: 15- 255: 6- 256: 10- 267: 4، 9- 271: 6، 20- 287: 7- 308: 4- 312: 18- 320: 11- 352: 26 الملك الناصر أحمد ابن الأشرف إسماعيل: 314: الملك الناصر فرج بن برقوق: 2: 9، 10، 11- 11: 7، 23- 15: 9- 16: 25، 26- 24: 4- 26: 16- 66: 6- 111: 20- 114: 3، 14، 16- 116: 9، 13، 17، 24- 117: 2، 3، 10، 12، 13، 23، 24- 118: 3، 16، 17- 119: 7، 8، 10، 15- 120: 2، 6- 124: 2- 128: 13، 16، 17- 129: 16، 18- 130: 11- 136: 6- 137: 11- 138: 15، 17- 139: 10، 12، 20- 143: 5- 145: 7- 146: 10، 11- 149: 8- 150: 6، 8- 151: 17، 20- 152: 15- 153: 1- 161: 14، 21- 162: 5، 7- 165: 7- 185: 17- 198: 18، 19- 199: 4- 200: 3، 13، 14- 207: 11- 239: 8- 244: 2، 11، 12، 16- 255: 6، 9- 308: 2- 312: 18- 316: 17 الملك الناصر محمد بن قلاوون: 3: 22- 18: 17- 22: 24- 26: 13- 88: 19- 94: 7- 99: 19- 223: 20- 256: 18- 373: 5، 12 منصور بن محمد بن أحمد بن على بن ولصمع: 349: 21 منطاش (تمر بغا بن عبد الله الأفضلى) : 115: 9، 14، 24- 116: 2 منكلى بغا الأرغون شاوى 52: 9- 53: 10- 54: 17- 67: 8 منكلى بغا العجمى:- 45: 15 موسى بن شيخ المحمودى- أبو الفتح: 156: 1 موسى بن على المناوى- شرف الدين:- 147: 8، 20 موسى الكركرى: 36: 19- 190: 12- 214: 16 الموصلى- شمس الدين:- 134: 6 ميق تنبك العلائى الظاهرى: ن ناصر الدين بن البارزى (محمد بن محمد بن عز الدين ابن عثمان بن محمد بن عبد الرحيم بن هبة الله) : 5: 16- 20: 10، 16- 21: 11، 13- 29: 4- 63: 8، 13- 74: 10- 75: 1- 84: 16- 85: 5، 21- 86: 8، 10، 16- 89: 8- 91: 4، 15- 92: 7، 11، 15- 95: 13، 15، 17- 96: 4، 13، 16- 97: 1، 4- 98: 12- 99: 1- 101: 1، 7- 102: 16، 23- 104: 2، 23- 106: 16- 111: 22- 142: 4- 161: 5، 22- 173: 7- 175: 11- 347: 1 نانق اليشبكى- السيفى: 293: 14 النبي صلى الله عليه وسلم (محمد بن عبد الله بن عبد المطلب) 85: 21- 97: 2

نجم الدين- بن حجى (عمر بن حجى) : 266: 3، 8- 267: 3 نكباى- الأمير: 56: 7- 66: 14، 15- 93: 2، 5. نور الدين الخروبى- التاجر: 86: 9 نوروز بن عبد الله الحافظى:- 4، 7، 8، 29- 5: 2، 4، 10، 18- 6: 3، 6، 9، 13، 14، 16- 7: 2، 3، 9، 12- 8: 4، 18- 10: 4- 11: 4، 12، 15- 12: 4، 9، 11، 22- 13: 1، 2- 14: 1، 4، 6، 13، 14- 15: 14- 16: 5، 19- 18: 7، 10، 11، 12، 14- 19: 1، 2، 5، 6، 8، 9، 12، 14، 16- 20: 2، 5، 7، 9، 13، 14، 18- 21: 3، 7، 8، 15، 16- 44: 9- 58: 16- 115: 2- 118: 16- 119: 4، 11، 22- 128 4، 6، 8، 13، 15، 19- 129: 1، 2، 3، 6، 14، 15، 19- 130: 2، 5، 9- 132: 2- 135: 12- 136: 7- 138: 18، 19- 139: 3، 11، 13، 14- 150: 10- 179: 17، 19، 20- 198: 20- 219: 3- 240: 20، 21- 243: 15- 244: 3- 245: 11- 258: 11- 308: 3 هـ هابيل بن قرايلك: 331: 9، 12، 13، 15، 22- 332: 12- 334: 14، 22- 338: 16- 370: 4 هاجر بنت تغرى بردى: 118: 11 هرقلة بنت الروم بن أليفر بن سام بن نوح- عليه السلام 85: 24 الهروى- شمس الدين محمد: 66: 17- 72: 13- 77: 20- 265: 11، 13، 18، 21- 267: 2 ى ياقوت الأرغون شاوى الحبشى- افتخار الدين: 257: 17- 344: 10 ياقوت (بن عبد الله الحموى الرومى البغدادى- شهاب الدين أبو عبد الله) : 12: 24- 22: 17، 21- 27: 21- 48: 25- 49: 23- 53: 23، 25- 54: 23- 69: 21- 80: 21- 83: 23- 84: 8- 85: 25- 119: 19- 131: 19- 132: 25- 187: 21- 248: 22- 282: 23- 284: 23- 290: 22- 309: 22- 322: 22- 335: 21- 348: 22- 355: 22 يحيى بن بركة بن محمد بن لاقى- شرف الدين:- 157: 8 يحيى بن حسن بن عبد الواسع الحبحابى المغربى- محيى الدين: 366: 13 يحيى بن الحسين: 315: 23 يحيى بن رويك- الفقيه:- 317: 8

يربغا التنمى: 284: 10، 14، 16، 18، 21- 285: 3، 6 يشبك- أخو السلطان الملك الأشرف برسباى: 259: 8- 291: 4 يشبك الأيتمشى: 32: 13 يشبك بن أزدمر الظاهرى:- 6: 1- 12: 11، 12، 16- 21: 9- 129: 14، 22 يشبك بن عبد الله العثمانى الظاهرى: 120: 10 يشبك الجكمى: 39: 16- 57: 4، 13- 61: 11- 64: 2، 5، 6- 69: 17- 184: 13- 190: 10- 194: 11- 201: 10- 213: 19- 214: 12، 13، 17- 215: 1، 4، 7، 12- 217: 1، 4، 22- 218: 2، 3، 14، 19، 21- 219: 1، 14، 18- 220: 20- 221: 9 يشبك الخاصكى: 27: 7 يشبك الساقى الظاهرى الأعرج: 12: 12- 179: 16، 23- 180: 5، 7، 11- 225: 16- 227: 17- 228: 4، 10، 18- 233: 11- 271: 19- 285: 11- 290: 18، 19- 291: 1- 304: 11- 317: 16، 17 يشبك السودونى المشد: 120: 8- 202: 5- 288: 15- 321: 19- 330: 7 يشبك الشعبانى: 117: 15 يشبك الصوفى: 353: 20 يشبك المؤيدى- شاد الشراب خاناه:- 14: 18- 31: 12- 37: 15- 38: 1 يشبك المؤيدى المعروف بأنالى: 93: 18- 172: 16- 174: 11- 183: 14، 19- 189: 15- 196: 1- 201: 17- 248: 19- 250: 6 يشبك اليوسفى المؤيدى: 47: 20- 48: 7- 53: 9- 56: 3، 5- 67: 12، 17- 69: 1، 2، 4، 5، 6، 7- 77: 13- 85: 14- 108: 13- 148: 5- 177: 4، 7، 12، 17، 20، 23- 178: 2، 6، 16، 20- 179: 10، 12، 18- 180: 17- 181: 5- 235: 17- 239: 10 يغمور بن بهادر الدكرى: 25: 7 يلبغا العمرى الناصرى: 130: 13، 23- 236: 14 يلبغا كماج: 32: 14 يلبغا الناصرى الظاهرى- سيف الدين: 3: 12- 8: 13- 18: 3- 23: 9- 115: 9، 23، 24- 130: 4، 16- 155: 2- 243: 17- 354: 22، 23

يلبغا الناصرى اليلبغاوى:- 130: 14 يلبغا اليحياوى:- 18: 21 يلخجا من مامش الساقى الناصرى- سيف الدين: 170: 1، 21- 257: 12 يوسف البساطى- جمال الدين: 203: 10- 222: 13 يوسف بن تغرى بردى- أبو المحاسن جمال الدين: 118: 25- 150: 23- 339: 24- 340: 23 يوسف بن الصفى الكركى- جمال الدين:- 255: 4، 22- 264: 7- 277: 14 364: 14 يوسف الرماح:- 339: 21- 340: 2 يونس بلطا: 2: 5 يونس الركنى الأعور: 189: 10- 202: 13 يونس العلائى: 200: 16

فهرس الأمم والقبائل والبطون والعشائر والأرهاط والطوائف والجماعات

فهرس الأمم والقبائل والبطون والعشائر والأرهاط والطوائف والجماعات اآل عثمان: 318: 24 الأتراك: 33: 19- 113: 3- 200: 21- 201: 1- 244: 1- 314: 18- 315: 15- 320: 15، 16 الأجلاب: 193: 16- 327: 20، 23- 328: 15 أجناد الحلقة: 9: 22- 67: 14- 68: 15، 22- 69: 20- 70: 2، 3، 9، 12- 72: 4، 12- 75: 5- 77: 15- 171: 6، 24- 173: 3، 23- 318: 7 أرباب الأدراك: 170: 19 أرباب السيوف: 4: 19- 10: 24 الأرمن: 49: 11، 20- 84: 19- 153: 15، 16 أشراف الحجاز: 247: 12 الأشراف العلوية: 83: 2 أشراف مكة: 24: 19- 260: 7 الأطباء: 3: 25- 96: 22- 104: 9- 205: 1- 344: 2 الأعاجم: 324: 17- 343: 17 الأعراب: 171: 1- 332: 19 الأعيان: 107: 19- 109: 6- 149: 4- 169: 18- 175: 7- 188: 4- 225: 15- 276: 9- 280: 10- 293: 15- 299: 5- 318: 17- 344: 6- 363: 4 أعيان الأمراء: 3: 3- 108: 6- 129: 13- 157: 5- 201: 5- 254: 18- 340: 21 أعيان الخدام: 154: 13 أعيان دمشق: 134: 2- 274: 10- 288: 8- 309: 15 أعيان الدولة: 41: 13- 105: 21- 127: 11- 206: 6، 13- 232: 2- 244: 15- 255: 2- 312: 13 أعيان الديار المصرية: 278: 7 أعيان الخاصكية: 128: 9- 130: 9- 135: 9- 288: 7-

239: 20 أعيان العساكر:- 295: 6 أعيان المماليك الظاهرية: 57: 1- 120: 12- 129: 7- 136: 13- 138: 10- 139: 9- 143: 3- 148: 7- 180: 10- 193: 17- 200: 12 أعيان المؤيدية: 107: 22- 111: 12- 132: 2- 146: 15- 148: 3 الإفرنج: 249: 20 أفشار- قبيلة تركمانية: 48: 16 الأقباط: 144: 10- 153: 15، 16- 248: 6- 349: 16 أكابر الأمراء: 18: 14- 169: 11- 333: 20 الأكراد: 54: 18- 335: 12- 336: 2 الأمراء الأتراك: 320: 16 أمراء البلاد الشامية: 57: 15- 236: 7- 300: 12 أمراء التركمان: 149: 17- 191: 19- 366: 6 أمراء الحجاز: 66: 12 أمراء حلب: 32: 1- 222: 4 أمراء دمشق: 31: 9- 32: 13- 135: 15- 157: 10- 167: 8- 187: 19- 263: 10- 288: 18، 20 أمراء الدولة: 76: 15- 91: 8- 173: 15- 176: 8 الأمراء الظاهرية: 2: 9- 179: 20- 194: 17 أمراء مصر: 48: 8- 53: 8- 178: 17- 301: 19- 302: 6 الأمراء المؤيدية: 193: 7- 194: 18- 195: 21 أهل البندقية: 304: 19 أهل الذمة: 184: 24 أهل العراق: 310: 15 أهل قبرس: 280: 12 الأوباش: 337: 11 أوشار أفشار: الأوشرية (من التركمان) : 72: 16- 246: 5، 24 أولاد أوزر: 12: 19 أولاد الخلفاء الفاطميين: 373: 14 أولاد الملوك من بنى أيوب: 373: 12

الإينالية (قبيلة تركمانية) : 48: 4 ب بدو جبل الدروز: 33: 22 البريدية: 29: 5 البنادقة (أهل البندقية) : 304: 4، 19 بنو إبراهيم: 85: 21 بنو رسول: 317: 11 بنو زياد: 316: 1، 3، 18، 20 بنو سامرك بن كفركا: 82: 21 بنو سلجوق: 80: 21 بنو السنبلى: 316: 2 بنو الشعرية: 57: 18 بنو قرمان: 352: 20 البياضية (من التركمان) : 246: 5، 22 ت التتار- التتر: 23: 15- 108: 6، 8- 131: 25- 320: 14، 19- 372: 22 الترك: 1: 5- 20: 18- 112: 16- 167: 7- 198: 12- 211: 16- 315: 4، 7- 316: 1، 8- 317: 8 التركمان- التراكمين: 6: 10- 12: 20- 13: 7- 19: 20- 22: 8- 47: 13- 48: 16- 49: 4- 50: 5- 63: 1، 3- 66: 4- 72: 24- 84: 2- 85: 15- 86: 1- 100: 5- 117: 8- 149: 17- 151: 16- 191: 19- 222: 5- 239: 7- 294: 3- 310: 1- 332: 19- 334: 2- 366: 6 التركمان الأوشرية: 48: 4، 16 التركمان الإينالية: 72: 16- 246: 4، 21 التمرلنكيون: 333: 8 ج الجراكسة: 1: 5- 167: 7- 198: 12- 211: 17- 226: 2- 242: 15- 259: 8- 320: 14، 16 الجرائحية: 344: 2 الجركس الجراكسة: الجكمية: أتباع جكم من عوض: 208: 18 الجند المرتزقة: 33: 21 جنود الحلقة: 184: 22

ح الحجاب: 112: 3- 125: 9- 173: 16- 300: 14- 302: 14 الحنفية- أتباع مذهب أبى حنيفة النعمان: 173: 19- 198: 14- 207: 6 خ خلفاء الفاطميين: 3: 16 ر رهبان الحبشة: 326: 1، 3 الروم: 22: 5، 17، 20- 25: 11- 32: 1- 36: 19- 46: 8- 50: 14، 15، 16- 51: 1- 53: 10، 17، 25- 55: 7، 14- 83: 23- 84: 24- 85: 24- 146: 5- 150: 8- 157: 5- 160: 16- 225: 8- 238: 21- 300: 21- 318: 7- 331: 19- 338: 3 س السقاة- السقاءون: 39: 1- 353: 11 سلاطين المماليك: 16: 16 السودان: 330: 14 السيفية: 108: 6- 112: 17 ش الشافعية: 233: 1- 251: 15 الشاميون: 180: 16 ص الصوفية: 22: 13- 38: 16- 127: 13- 153: 20 صوفية خانقاه شيخون: 175: 5 الصيارف: 226: 7- 352: 6 ط الطواشية: 71: 2 ظ الظاهرية (مماليك الظاهر برقوق) :- 108: 5، 9- 130: 19- 146: 12- 208: 10- 228: 11 ع العباسيون: 3: 15 العجم: 164: 21- 175: 3- 335: 21- 368: 10 عرب آل موسى: 48: 5 عرب البحيرة: 329: 19 عرب الطاعة: 331: 8

عرب الطينة: 272: 9 العربان: 22: 8- 38: 6- 47: 13- 63: 5- 170: 19- 191: 19- 222: 5- 305: 3 عربان البلاد: 300: 2 عربان الشرقية: 14: 17 عشران البلاد الشامية: 300: 2 العشير: 33: 7، 21- 287: 4 ف الفرس: 82: 22 الفرنج: 255: 11- 266: 16- 268: 12- 272: 10- 273: 6- 278: 6- 279: 5، 8، 10، 15- 285: 8- 290: 9، 11- 292: 9، 16- 293: 4، 8، 11، 21- 294: 2، 3، 4، 9، 11، 12، 16، 22- 295: 1، 2- 297: 8، 13، 16، 18- 298: 8- 300: 5- 303: 6، 15، 22- 304: 4، 20، 22- 305: 19، 20- 306: 22- 325: 5، 7، 9، 11، 19- 329: 17، 20- 339: 5- 347: 2- 349: 20- 366: 16، 18 فقراء الروم: 160: 16 فقهاء الترك: 20: 18 فقهاء الحنفية: 137: 5- 142: 14- 150: 11 فقهاء الشافعية: 114: 10- 159: 16 ق القبرصيون: 279: 24 القطلان: 366: 15، 24 قناصلة الفرنج: 303: 15، 16- 304: 1- 306: 9 ك الكحالون: 3: 25 الكيتلان: 304: 4، 22- 366: 24 م المباشرون: 8: 20- 41: 13- 74: 15- 92: 13- 176: 8- 267: 5، 13- 326: 16 مشايخ الخوانق: 78: 10 مشايخ الزوايا: 78: 8 مشايخ العلم: 82: 16- 91: 8- 99: 13- 267: 2، 10 المطوعة:

268: 10- 270: 1- 278: 16- 287: 5- 294: 10، 20- 295: 6- 300: 2، 7 ملوك التتر: 352: 24 ملوك الترك: 1: 5- 80: 11- 167: 7- 198: 12- 211: 16- 242: 14- 298: 2، 3 ملوك السلاجقة: 83: 23 ملوك العجم: 175: 2 ملوك الفرنج: 292: 6- 325: 5، 9 ملوك مصر: 90: 5 ملوك الهند: 120: 15 المماليك الأجلاب: 326: 22 المماليك الأشرفية: 337: 14، 16 مماليك الأمراء: 70: 18- 71: 4- 168: 5- 340: 5 المماليك البحرية: 31: 17 المماليك الجراكسة: 160: 15- 349: 14 المماليك الجلبان: 199: 9- 326: 16- 327: 21- 329: 3، 7- 330: 14- 356: 2 المماليك الرماحة: 101: 2- 345: 9 المماليك السلطانية: 4: 21- 9: 5- 31: 13- 35: 2- 38: 12- 44: 13- 70: 16- 77: 3- 101: 3- 105: 18- 106: 12- 108: 6- 170: 1، 7، 14- 172: 1- 176: 8- 181: 12- 184: 22- 185: 7، 12، 14- 189: 16- 206: 7- 209: 1- 211: 19- 213: 6- 214: 5- 217: 7- 220: 9- 222: 14، 15- 223: 2، 5- 227: 3- 242: 11- 243: 18- 258: 4- 263: 21- 268: 7، 9- 271: 17- 275: 18- 284: 15- 286: 17- 287- 14، 22- 288: 11- 294: 16- 295: 3، 6- 298: 6- 318: 7- 321: 11- 328: 1، 3، 14- 330: 4، 10- 332: 15- 340: 18- 346: 3، 20- 350: 13- 369: 5، 9، 20- 370: 17، 20، 21- 371: 5 مماليك الطباق: 198: 18- 204: 3 مماليك الطباق الكتابية: 199: 13 المماليك الظاهرية: 47: 1، 2- 120: 2، 12- 128: 8- 135: 8- 136: 19- 139: 18- 149: 8- 151: 4- 154: 17- 158: 19- 168: 3- 191: 2- 193: 9- 195: 18- 198: 17- 199: 5- 227: 9، 20

المماليك القرانيص: 326: 17 المماليك المؤيدية: 44: 1- 108: 14- 190: 14- 193: 8- 196: 2، 17- 207: 15، 22- 217: 8، 23- 329: 12- 371: 10 المماليك الناصرية: 47: 1- 200: 13 المنشدون: 38: 16، 17- 39: 3 الموقعون: 18: 14- 29: 5- 104: 13 ن النصارى: 153: 15، 16- 248: 4- 256: 4- 260: 15- 324: 22 نصارى طرابلس: 237: 6 النصارى القبط: 363: 16 نصارى الكرك: 256: 3 النصارى اليعقوبية: 349: 9 النقابون: 84: 9 النقباء: 39: 20، 23- 146: 18 النواب: 2: 7- 5: 18- 6: 16- 30: 9- 31: 10، 23- 33: 3- 36: 23- 41: 1، 9- 136: 16- 191: 18- 332: 15، 16، 17، 18، 19- 345: 5 نواب الأقطار: 202: 10 نواب البلاد الشامية: 47: 18- 172: 19- 331: 4- 333: 20- 350: 17- 371: 16 نواب الحكم الحنفية: 147: 5- 160: 10 نواب الحكم الشافعية: 100: 2 نواب القلاع: 7: 5 نواب المماليك الشامية: 181: 6 النوروزية: 20: 4 والولاة: 2: 15، 18 ولاة الأعمال: 63: 5 ى اليهود: 248: 4- 363: 13، 14، 19 اليهود الربانيون: 363: 17، 20 اليهود القراءون: 363: 17، 20

فهرس البلاد والأماكن والأنهار والجبال وغير ذلك

فهرس البلاد والأماكن والأنهار والجبال وغير ذلك اآسيا الصغرى: 80: 21- 84: 24- 352: 20 آقصراى: 83: 23 آكل (من ديار بكر) : 54: 5 آمد: 48: 22- 53: 4، 20، 23- 69: 15- 99: 8- 331: 10- 335: 5- 348: 12- 370: 9 أبلستين: 22: 1، 17- 49: 7، 10- 50: 1، 3، 14- 51: 15- 52: 12، 14 الأتارب: 48: 24، 25 الأثيلات: 348: 19 أدرنابولى: 318: 6، 23 أدنة: 84: 3، 17، 19- 87: 17 أذربيجان: 25: 21- 37: 21- 164: 21- 335: 9- 336: 20 أرجان: 348: 22 الأردن: 115: 22- 119: 19- 124: 21 أرزن الروم: 53: 25 أرزنجان: 53: 25 أرزنكان: 46: 8- 53: 14، 25- 99: 9، 25 أرض البعل: 57: 22- 94: 23، 24 أرض السودان: 252: 22 أرض اللوق: 299: 9، 17 أرض مهمشة: 94: 19 أركلى: 85: 13، 24 أرمناك: 352: 21 الأزلم: 348: 3، 19 الأزهر: 70: 15 إستنبول: 286: 20- 306: 22 الإسطبل السلطانى: 28: 3- 173: 13- 174: 15- 211: 18- 226: 8- 248: 11- 267: 8

الإسكندرية: 5: 13- 7: 9- 9: 12- 10: 1- 15: 6- 16: 2، 14- 23: 14، 16- 24: 8، 16- 25: 17- 26: 2- 29: 12- 30: 13- 37: 17- 41: 12، 13، 16- 42: 3- 46: 19- 64: 19- 66: 7- 71: 14- 74: 17، 20- 117: 23- 120: 16- 125: 20- 128: 12- 138: 9- 139: 4، 8، 17، 19- 140: 1- 146: 8، 9، 19- 151: 18- 155: 7، 10- 171: 15- 172: 15- 179: 15- 180: 25- 182: 4، 9- 185: 18- 186: 3- 194: 14- 197: 10، 13- 205: 4، 7، 21- 209: 3- 220: 5، 6، 21- 230: 9، 14- 231: 1- 237: 10- 239: 15- 240: 1- 249: 11، 14، 19- 250: 1- 251: 18- 252: 15- 253: 16- 255: 13، 19- 257: 8، 10، 11، 21- 266: 15- 269: 2- 276: 5- 277: 2- 280: 20- 288: 6- 289: 10- 290: 7، 8، 13- 298: 10، 11- 306: 20- 307: 6، 11، 13- 319: 9- 325: 19- 329: 16- 338: 20- 344: 14- 354: 13 أسيوط: 63: 25 الأشرفية (طبقة الأشرفية) : 175: 16- 221: 16، 18، 20 الأشرفية (مدرسة وجامع الأشرف برسباى) : 280: 7 إصطنبول إستنبول. أطباق المماليك بالقلعة: 301: 15- 321: 11- 327: 16- 356: 2 أطفيح: 367: 1، 21 أعزاز: 13: 4، 16- 67: 22 الأعمال القوصية: 180: 23 الأفقسية: 290: 15، 22- 294: 3، 14- 295: 3، 19- 365: 1، 12 إقليم معلولا: 33: 23 ألبيرة: 22: 20- 50: 16، 24- 55: 15، 18- 71: 18، 19، 22- 331: 6، 8 ألينبع: 84: 21- 144: 2، 21- 261: 1- 276: 4- 346: 18- 348: 3 إمبابه: 16: 15 أمحرة: 349: 9- 350: 4 أم دنين: 299: 19 أنطاكية: 27: 20- 48: 24- 51: 19

أواريس (مدينة مصرية قديمة) : 14: 22 أيا صوفيا: 3: 19- 99: 23 الإيوان- الإيوان الكبير بقلعة الجبل: 3: 21- 61: 1- 264: 11- 318: 5، 21- 361: 19- 362: 1 ب الباب: 225: 9، 22 باب الإسطبل- بقلعة الجبل: 2: 27 باب البحرة: 300: 18- 371: 1 باب الجابية- بدمشق: 33: 1، 15- 262: 18 باب الجديد- بدمشق: 33: 5، 19- 262: 18 باب جنان أبى المسك (كافور) : 61: 21 باب الحوش السلطانى: 300: 18، 19- 301: 2، 4 باب الدور السلطانية: 107: 21 باب زويلة: 21: 18- 23: 19- 30: 15- 31: 18- 37: 17- 41: 4- 60: 12، 15- 65: 5- 75: 10، 12- 77: 19- 78: 20- 90: 19- 105: 7، 9- 106: 2- 128: 8- 184: 8- 193: 18- 197: 14- 251: 6- 265: 2- 282: 4- 299: 10- 309: 5- 312: 19- 351: 11 باب الستارة: 18: 1، 17- 60: 16- 107: 19- 167: 12- 211: 6، 9- 217: 15- 225: 19 باب السر: 60: 16، 21- 261: 14 باب سعادة: 61: 25- 154: 6 باب السلسلة: 2: 13، 27- 3: 4، 5- 18: 1- 35: 14- 135: 11- 206: 19- 211: 18- 212: 8- 215: 9- 218: 11، 13، 19، 21- 219: 1، 19- 220: 2، 8- 221: 17- 227: 5- 228: 10- 230: 13- 281: 11- 373: 20 باب الشعرية: 57: 7، 18- 351: 11 باب الشعرية القديم: 61: 22 باب الصوة: 116: 18 باب العيد: 26: 19 باب الفتوح: 23: 19- 46: 12، 20- 79: 20، 21 باب الفرج- بدمشق: 33: 4، 17- 62: 18 باب القلعة: 109: 10- 217: 20

باب القنطرة: 61: 13، 20- 105: 7، 8- 106: 3- 299: 9 باب الكافورى: 61: 24 بابلا بابله. بابله- بحلب: 69: 4، 22 باب المدرج- بقلعة الجبل: 299: 16، 26- 300: 14، 15، 16- 301: 2 باب المقام- بحلب: 178: 2 باب النصر: 26: 9، 20- 60: 8، 10، 18- 65: 2- 67: 4- 88: 17- 89: 19- 185: 8- 208: 7- 251: 5- 263: 23- 312: 19- 341: 5- 342: 10، 14 البارزية (بيت ناصر الدين البارزى) 111: 6، 22 باعونة: 124: 6 بانقوسا: 12: 18، 24 بتنة- بالهند: 120: 22 البحر الأبيض المتوسط: 14: 21- 180: 25 البحر الأحمر: 180: 21 البحر الرومى: 306: 20 بحر القلزم: 348: 1 البحر الملح (البحر الأبيض المتوسط) : 180: 14- 272: 7- 278: 14- 364: 17 البحرة- قاعة من قاعات القلعة: 77: 9، 21 البحيرة (محافظة البحيرة) : 25: 13، 14، 15- 63: 7- 74: 13- 337: 17- 357: 8- 366: 6 بحيرة العتيبة: 62: 22 البرابخية (قاعة ومنظرة على النيل بساحل بولاق) : 95: 19 البرج- بقلعة الجبل: 15: 8، 11- 35: 1- 253: 16- 272: 7، 13، 14، 20- 273: 9- 274: 14، 15 برج الخيالة بقلعة دمشق: 161: 14 بردوان- بالهند: 12: 21 برزة: 33: 9، 24 برصا: 318: 6، 22- 338: 2

البركة (بركة الحاج) : 74: 1، 18 بركة الحب: 74: 18 بركة الحاج: 74: 12- 89: 4- 103: 11 بركة الحبش: 85: 19- 86: 22- 87: 2، 19- 88: 9- 131: 20- 180: 2، 18 بركة الرطلى: 95: 3 برما: 122: 19 البساتين: 87: 19 بستان الحلى: 152: 1 بستان الخشاب: 30: 21 بستان المعشوق: 85: 19 البصرة: 310: 21- 335: 21 بطن مر: 282: 16، 23 بغداد: 24: 10، 13- 25: 18- 37: 2- 46: 7- 53: 13- 84: 23- 98: 7، 9- 99: 13- 100: 4، 5- 153: 8- 163: 8، 14، 23- 164: 1، 11، 13، 14، 16، 19- 322: 14، 17، 21- 349: 2، 3. بغراس. 13: 8، 20- 49: 11 بغراص بغراس بلاد ابن قرمان: 157: 5- 166: 7 بلاد الأرمن: 49: 20- 84: 19 بلاد أرمينية: 53: 25 بلاد الأكراد: 336: 1 بلاد التركمان: 19: 20- 117: 8 بلاد الثغور: 22: 18 بلاد جبرت: 260: 12 بلاد الچركس: 226: 2- 259: 8 بلاد الحبشة: 81: 13- 324: 18- 325: 3، 7، 10- 349: 8 بلاد الروم: 22: 17- 50: 14- 53: 17- 83: 23- 84: 24- 85: 24- 146: 4- 225: 8- 238: 21- 266: 12- 283: 16- 300: 21- 331: 19- 338: 3

البلاد الحلبية: 12: 3- 55: 5- 77: 12- 138: 18- 177: 18- 188: 8- 191: 16- 202: 9- 334: 17- 344: 21- 350: 7 البلاد الشامية: 2: 24- 4: 18، 28- 14: 5- 22: 8- 24: 11- 30: 9- 34: 19- 35: 16- 43: 6- 44: 6، 8، 19- 46: 6- 47: 18- 57: 15- 58: 13- 62: 8- 65: 3- 72: 1- 77: 7- 100: 13- 128: 4- 129: 3- 135: 4- 138: 14- 146: 4، 20- 157: 4، ج 12- 160: 4- 166: 3، 5- 168: 10- 172: 13، 19- 177: 13، 18- 178: 11- 179: 7- 180: 3- 183: 5، 18، 23- 185: 3- 193: 10- 196: 19- 202: 18، 21- 215: 17- 236: 11- 239: 10- 244: 17- 245: 11- 250: 11- 254: 23- 256: 9- 263: 17- 266: 15- 283: 16- 287: 4- 300: 12، 22- 310: 21- 331: 5- 333: 20- 350: 17- 354: 6- 355: 15- 357: 20- 359: 1، 14- 368: 7، 14 بلاد الشرق: 75: 7- 93: 10- 201: 11- 224: 8- 215: 14- 254: 11- 283: 17- 330: 3، 17، 20- 343: 17- 348: 7 البلاد الشمالية (حلب وآسيا الصغرى) : 166: 6 بلاد الصعيد: 17: 5، 7، 10- 186: 15- 203: 2- 252: 16- 339: 12- 344: 1- 349: 12، 13 بلاد فارس- 137: 17- 335: 21 بلاد الفرنج: 82: 19- 271: 3- 325: 11، 19- 339: 5 بلاد الكرج: 343: 15 بلاد المرج 33: 8 البلاد المصرية: 63: 17 بلاد المغرب: 300: 21- 325: 11 بلاد النوبة: 252: 22 بلاد اليمن: 284: 11، 12، 13 بلبيس: 89: 5- 139: 2 بنجالة (بالهند) : 120: 14، 21 البنغال: 120: 21 بها كلبور (بالهند) : 120: 22 بهسنا:

52: 14، 17، 18- 53: 11- 146: 5- 248: 12، 21- 250: 23- 251: 2 بور سعيد: 14: 21- 61: 25 بولاق: 63: 9- 74: 10- 75: 2- 85: 1، 4- 86: 8، 26- 87: 3- 94: 15- 95: 13، 15، 20- 96: 12- 101: 8- 102: 4- 106: 16- 159: 10- 268: 8- 276: 15، 18- 324: 10- 339: 8- 340: 11 بولاق التكرور: 289: 6، 7 بيت ابن البارزى: 85: 5، 8- 86: 8- 95: 13- 96: 4- 99: 1- 101: 1، 7- 104: 17- 346: 19 بيت الأمير بيبغا المظفرى: 218: 20- 219: 2 بيت الأمير طاز: 328: 12، 24 بيت الأمير نوروز الحافظى: 219: 2 بيت التاجر نور الدين الخروبى: 86: 9 بيت زين الدين عبد الباسط بن خليل: 94: 14- 96: 24- 276: 15- 356: 18 بيت الصاحب كريم الدين: 327: 16- 356: 2 بيت صلاح الدين خليل بن الكويز: 95: 3 البيت العتيق: 311: 2 بيت غرس الدين خليل: 32: 16 بيت قوصون: 221: 17، 24 بيت كاتب السر (ابن البازى) : 92: 8- 93: 14- 98: 12، 15- 102: 3- 106: 16 بيت المقدس: 131: 19 بيروت: 70: 24 بيسان: 124: 23- 187: 7، 21 البيمارستان المنصورى: 28: 9، 11، 12، 22- 81: 2 بين السورين: 61: 14، 23- 152: 9 بين القصرين: 43: 18- 78: 19- 324: 14 التاج: 94: 4، 21- 102: 21- 103: 1، 22 تبريز: 37: 2، 21- 98: 9- 107: 3- 163: 8، 23- 334: 18- 335: 4، 6، 9،

10، 11- 336: 20- 338: 13- 345: 21- 348: 13- 349: 5 تحت الربع: 78: 1، 19 تربة الأمير تنم: 118: 4، 19 تربة الملك الظاهر برقوق- التربة الظاهرية: 78: 11- 79: 12، 23- 88: 5- 313: 1- 338: 11- 358: 4 التربة الناصرية: 137: 10 تروجة: 25: 13، 23- 329: 19 تعبات: 315: 16، 23- 316: 4، 13 تعز: 284: 23- 314: 6، 19- 315: 7، 23 تل باشر: 13: 11، 23 تل السلطان: 36: 4، 20- 47: 5- 77: 12 تل شقحب: 372: 21 تونس: 300: 21 تيه بنى إسرائيل: 142: 23 ث الثغور: 202: 10 ثغور الشام- الثغور الشامية: 27: 20- 50: 24 ثغور المسلمين: 68: 8 ج جاردن سيتى: 30: 22- 99: 21 جامع أحمد بن طولون: 145: 1- 245: 20 جامع الأخرس: 96: 13 الجامع الأزهر: 163: 1- 169: 2- 268: 14، 15، 17، 23- 270: 16- 343: 13، 23- 344: 3 جامع الأسيوطى: 96: 1، 10 جامع الأشرف: 264: 22- 265: 1- 278: 7 الجامع الأموى: 113: 7 جامع البنات: 152: 23 جامع البيمارستان المنصورى: 28: 17 الجامع الجديد الناصرى: 26: 15، 23- 106: 7 الجامع الحاكمى: 46: 21- 74: 16- 237: 18

جامع حلب: 178: 7 جامع دمشق (الجامع الأموى) : 124: 2 جامع شمس الدين الحنفى: 209: 20 جامع عمرو بن العاص: 278: 10- 280: 7 جامع القلعة: 18: 17 جامع كاتب السر ببولاق: 102: 4 جامع المحمودية: 212: 22 جامع المقياس: 99: 4، 18- 101: 20- 113: 7 الجامع المؤيدى: 30: 15- 41: 3- 44: 2- 61: 16- 63: 12- 92: 3، 14- 93: 10- 94: 11- 96: 7، 9- 97: 5- 100: 12- 109: 11- 113: 6- 156: 2- 159: 14- 166: 1- 197: 13- 235: 13- 270: 11 الجامعة الأزهرية: 163: 19 جبال عاملة. 6: 23 جبال النصيرية: 72: 23 جبانة الخفير: 79: 24 جبانة المماليك: 79: 23 الجبل الأحمر: 160: 13 الجبل الأخضر: 88: 18 جبل الدروز: 33: 22 جبل عوف: 124: 21 جدة: 180: 6، 21- 271: 19، 21- 272: 1، 2- 284: 15- 298: 18- 314: 1، 3- 362: 9- 367: 19- 369: 7 جرجا: 63: 16، 25 جرود: 33: 8، 23 جزيرة ابن عمر: 53: 23 جزيرة أرواد: 27: 21 جزيرة أروى: 30: 19- 102: 2 جزيرة إقريطش: 306: 20 جزيرة بدران: 28: 25 جزيرة الروضة: 27: 1- 87: 24- 99: 3 جزيرة الزمالك: 30: 19

جزيرة صقلية: 366: 16 الجزيرة الفراتية: 69: 24 جزيرة الفيل: 28: 11، 24- 86: 23- 96: 11، 12- 152: 1- 271: 5 جزيرة قبرس: 270: 4- 306: 22- 311: 18- 363: 6 جزيرة المصطكى: 306: 20 جزيرة الوسطى: 30: 4، 19- 99: 5- 102: 2 جسر يعقوب: 262: 1، 2، 4، 5، 22- 263: 4 جعبر: 366: 9 جغتاى: 368: 10 الجمالية (المدرسة الجمالية) : 26: 10 الجودرية: 286: 1، 9، 16، 21، 22، 23 جون البنادقة (خليج البندقية) : 304: 20 الجيزة: 16: 3- 61: 13- 63: 22- 74: 10، 12، 24- 85: 9- 86: 9- 91: 18- 94: 16- 96: 25- 105: 13- 106: 4، 11- 113: 7- 227: 11- 230: 17، 18- 253: 2 ح حارة بهاء الدين: 46: 20- 79: 1، 20- 237: 19 حارة زويلة: 63: 23 حارة كتامة: 163: 20 حائط العيون: 26: 25 الحبشة: 81: 21- 260: 9، 21- 324: 2، 20- 349: 13، 23- 350: 1 الحجاز: 64: 20- 66: 11، 12، 23- 67: 5، 19- 68: 18- 92: 19- 107: 7- 132: 9- 144: 2- 184: 14- 192: 5- 214: 14- 247: 12- 259: 21- 283: 17- 284: 22- 368: 1 الحجازية (قاعة ومنظرة بساحل بولاق) : 95: 14، 19- 96: 5، 26 الحجر الأسود: 282: 18 حجة- من أعمال الشام: 258: 9 حدرة البقر: 312: 1، 21 حديقة الأزبكية: 299: 2، 20

الحراقة (إحدى قاعات قلعة الجبل) : 2: 13- 3: 5- 211: 18- 215: 8- 230: 13- 281: 11 الحرم الشريف- بمكة-: 25: 1، 4- 311: 2، 6 الحسينية: 340: 11 حصن زياد: 331: 19 حصن كيفا: 53: 6، 23- 107: 2 حصن منصور: 53: 2، 3، 7، 17، 19 حلب: 6: 1- 7: 3، 4- 12: 4، 6، 7، 8، 9، 11، 13، 15، 17، 19، 20، 21، 24- 13: 5، 10، 15، 17، 18، 21، 23- 14: 2- 16: 7- 21: 20- 22: 2، 6، 18- 27: 5، 6، 20- 29: 11- 31: 15- 32: 2- 33: 1، 13- 36: 15، 16، 17، 20- 37: 3، 19، 24- 38: 4- 39: 13، 16- 44: 16- 45: 3، 9- 46: 3- 47: 4، 11، 12، 15، 22- 48: 9، 24- 49: 6، 9، 11، 13، 25- 50: 24- 51: 5، 18- 53: 8، 17- 54: 17- 55: 9، 12، 18، 19، 20- 56: 2، 4، 26- 57: 24، 25، 26- 58: 7، 9، 12، 16- 59: 5- 61: 4، 6- 67: 8، 9، 12، 13، 15، 18، 22- 68: 1، 5، 17- 69: 1، 2، 6، 8، 10، 21- 71: 16- 74: 7- 77: 13، 14- 80: 6- 85: 14- 86: 5، 6، 21- 87: 15- 88: 11- 89: 1- 92: 4- 100: 20- 108: 14- 114: 12، 13- 116: 3- 117: 6- 120: 5- 125: 5- 128: 10- 129: 15- 130: 2- 131: 4: 132: 2- 135: 7، 16، 18- 136: 4، 7، 11، 15، 19، 21- 138: 12، 13- 148: 9- 161: 14- 177: 5، 17، 18، 19، 20، 23- 178: 1، 2، 7، 19، 23- 179: 17، 19- 180: 16، 17- 181: 4، 16- 182: 7- 189: 9، 22- 191: 13- 192: 1، 4، 19، 20، 22- 195: 4، 8- 201: 12- 19، 20، 22- 195: 4، 8- 201: 12- 202: 12- 222: 4، 7، 9- 224: 4، 5، 15، 19- 225: 4، 5، 6، 7، 8، 9، 10، 22- 235: 17، 18- 239: 6، 11، 18- 240: 11- 241: 1- 244: 3- 248: 7: 12، 13، 21- 249: 1- 251: 1- 253: 8، 20- 254: 7، 9- 305: 9، 13، 22- 306: 13- 308: 18- 309: 2، 7- 310: 2- 331: 3- 332: 11- 333: 12- 345: 13، 14، 20- 346: 4، 20- 347: 6، 9- 348: 6- 350: 15- 370: 11- 371: 16 الحلة: 322: 12، 13، 21 حلى بنى يعقوب: 284: 16، 22 حمام الفارقانى: 328: 13، 25

حماة: 6: 2- 12: 5- 14: 12- 22: 3- 31: 14- 33: 4، 13- 36: 18- 38: 2، 5، 7- 41: 7- 47: 13- 48: 1، 3- 50: 16- 53: 8- 55: 3- 56: 8- 66: 14- 68: 5- 85: 17- 92: 20، 21- 93: 7- 105: 2- 135: 17- 138: 11، 13- 161: 9- 162: 7- 184: 12- 187: 3- 190: 9- 202: 13- 224: 9، 10، 11- 248: 7- 254: 9، 10، 12، 22 حمص: 6: 23- 33: 26- 93: 6- 125: 17- 132: 1- 248: 7- 348: 6- حوران: 187: 21- 188: 20 الحوش السلطانى: 77: 8، 11- 79: 10- 223: 9- 271: 14- 287: 10- 300: 15- 301: 17- 306: 2- 307: 4- 313: 2- 371: 1 الحوف الغربى: 74: 20 خ خان السلطان: 33: 3- 50: 5، 18 خان طومان: 34: 3 خانقاه سرياقوس: 22: 11، 24- 23: 1- 38: 13، 15- 39: 4- 44: 18- 60: 4، 5- 170: 18، 24- 339: 16- 350: 23 خانقاه سعيد السعداء: 148: 9، 19- 154: 8 خانقاه شيخون 175: 5، 21- 285: 18- 299: 10- 336: 14 الخانقاه الناصرية فرج: 95: 6 خراسان: 25: 20- 50: 21 الخراطين: 233: 20 خر تبرت: 331: 1، 3، 19 الخروبية: 87: 5، 8- 94: 16- 95: 14، 18- 96: 25 الخزانة السلطانية: 170: 6 خزانة شمائل: 30: 3، 21- 31: 18- 46: 12 خزانة الكسوة: 205: 24 خط بين السورين: 61: 24 خط بين القصرين: 28: 17

خط التبانة: 143: 7 خط الصليبة: 135: 23 خط العنبريين: 233: 7، 20- 264: 11- 266: 11، 18- 270: 14- 278: 8- 296: 9- 309: 5 خط فم الخور: 86: 26 خط فم الزعفران: 88: 7، 23 خلاط: 53: 25 خليج أبى المنجا: 38: 14 خليج الزعفران: 271: 7- 312: 20 خليج السد: 7: 17- 87: 10- 100: 10- 255: 3- 277: 18، 19- 346: 12 خليج قسطنطينية: 304: 23 الخليج الكبير: 61: 21 الخليج الناصرى: 57: 22- 86: 25 الخمس وجوه (منظرة) : 103: 4- 105: 9، 22 الخندق: 271: 7 خوارزم: 25: 21 خوبى: 348: 10، 23 خوزستان: 322: 22 خوندان: 348: 22 د دار السعادة- بحلب: 178: 20- 191: 18 دار السعادة- بدمشق: 33: 2- 162: 6- 261: 12 دار السلام- من ضواحى القاهرة: 87: 19 دار الضرب: 284: 1، 5- 352: 9 دار الضيافة: 164: 8، 23 دار العدل: 3: 11، 21- 5: 22- 11: 20- 33: 1- 315: 7، 19- 316: 1، 6، 12- 361: 20 دار الكتب بالقاهرة: 1: 20- 4: 14- 5: 24- 6: 24- 7: 20- 9: 16- 10: 18- 20: 22- 23: 24- 28: 23، 26- 30: 23- 32: 23- 33: 16، 20- 44: 23- 53: 18، 22- 60: 22- 63: 18- 66: 21-

69: 23- 87: 25- 88: 20- 89: 23، 25- 119: 20- 130: 25- 131: 21، 23- 138: 22- 148: 19- 169: 22- 180: 19- 184: 21- 186: 20- 221: 24: 248: 22- 260: 23- 282: 22- 286: 23- 299: 21، 26- 358: 22- 367: 22 دار النحاس: 87: 6، 24 داريا: 32: 15، 23 دبركى: 49: 25 دجلة: 53: 20، 23 درب الأتارب: 48: 10 درب الصغيرة: 31: 18 درب الهياتم: 209: 21 درندة: 51: 16- 52: 3، 4، 8، 11 دلى: 372: 3 الدملوة: 316: 15، 22 دمشق: 2: 8، 21- 4: 6، 8، 12- 5: 3، 4- 6: 3، 12، 22- 7: 3، 4، 13- 9: 2- 11: 3، 11، 12- 12: 5، 15، 16- 15: 24- 18: 7، 12، 13، 16، 22، 24- 19: 9، 12، 15- 20: 5، 21- 21: 5، 19- 22: 6، 7- 29: 10، 14، 23- 30: 10- 31: 6، 9، 12- 32: 7، 11، 13، 14، 17، 23- 33: 1، 7، 15، 19، 23، 24- 34: 8، 18- 35: 19: 20- 36: 1، 2، 10، 11، 20- 38: 7، 9- 45: 5، 7- 46: 14، 15- 47: 4- 56: 3، 13- 57: 12، 13، 14، 16- 58: 21، 22- 59: 3، 5، 7، 8، 10، 20- 61: 6- 62: 11، 12، 14، 22- 63: 2، 3- 64: 8- 66: 14، 15- 77: 10، 11- 89: 1- 90: 18- 93: 2، 3، 4، 5، 10- 110: 5- 111: 2، 3، 4- 113: 7- 114: 7، 10، 13، 14، 16- 115: 4، 9، 10، 11، 12- 116: 22- 117: 16- 118: 1، 4، 16، 19- 119: 3، 6- 120: 12- 121: 2، 3- 122: 9، 10، 12، 14- 123: 20- 124: 1، 2، 3، 7، 8- 125: 1، 4، 5، 6- 128: 6- 129: 1، 16، 19- 130: 2- 134: 1، 2- 135: 12، 13، 14، 15- 137: 4- 138: 11، 18- 146: 14- 148: 1، 2- 149: 7، 9- 153: 2- 155: 3- 161: 13، 15- 162: 5، 6- 164: 3- 167: 8- 175: 4- 177: 15- 179

1، 8، 17، 18- 181: 18، 19، 20- 184: 14- 185: 4- 186: 6- 187: 1، 4، 5، 6، 7، 8،- 188: 4، 20- 189: 5، 7، 8، 11، 18- 190: 16- 191: 12- 192: 12، 14، 17، 20- 193: 1، 2- 198: 11- 200: 11- 201: 9- 202: 15، 18، 19، 20- 203: 7- 207: 11- 208: 13- 214: 9- 220: 19- 231: 12- 232: 6- 236: 9، 16، 17- 237: 5، 18- 241: 1، 3، 4، 7- 246: 12، 13، 14، 15- 250: 4- 253: 13- 254: 7، 16- 255: 8- 261: 5، 6، 8، 9، 11، 16، 18، 20، 21- 262: 3، 13، 15، 16، 17، 18، 19، 21- 263: 7، 10، 11- 265: 8- 268: 5- 274: 10، 15، 17- 277: 15- 287: 7- 288: 8، 18، 19، 20- 294: 19- 302: 5- 308: 3- 309: 12، 13، 14، 15، 22- 310: 4- 314: 3- 318: 13- 326: 14- 331: 4- 334: 7- 337: 19- 344: 15- 348: 5- 358: 4- 359: 10، 20، 21- 364: 8، 11، 12، 13، 14- 366: 10، 12، 14- 367: 4- 372: 1، 20 دمنهور: 366: 8 دمياط: 24: 17- 148: 12- 184: 19- 225: 16- 226: 4- 231: 4- 252: 15- 257: 13- 266: 14، 15- 270: 1- 278: 14- 280: 14، 21- 284: 14- 288: 6- 289: 10- 298: 9، 11- 319: 10، 16، 23- 344: 14- 364: 17- 365: 20 دهليز القصر: 174: 7 دور الحريم السلطانى: 18: 18 الدور السلطانية: 23: 6- 60: 17- 102: 11- 167: 10: 169: 16- 204: 11- 205: 16- 211: 7- 233: 4 دوركى:- 49: 18، 25- 52: 10 ديار بكر: 53: 4، 20، 21- 54: 5- 107: 2- 331: 19 الديار المصرية: 1: 5، 7- 2: 3، 7، 13- 3: 13- 4: 10- 5: 5، 17- 6: 15- 7: 13- 11: 4، 22- 12: 2- 15: 19- 19: 3- 21: 16- 22: 11- 23: 9، 18- 24: 21- 25: 13- 26: 13- 30: 11- 34: 8- 35: 3، 13- 37: 15- 38: 6، 10- 39: 6- 41: 18- 43: 6، 15- 46: 2- 52: 10- 56: 14- 59: 8- 61: 7- 62: 4: 66:

1، 17- 67: 1- 75: 7- 77: 15- 78: 2- 80: 12- 82: 2، 9- 83: 9- 90: 14- 93: 2- 111: 5- 116: 3- 117: 2، 8، 10، 15- 119: 10- 120: 9، 11- 122: 10، 12- 125: 5- 128: 7- 130: 8، 11، 12- 136: 14- 139: 20- 142: 7، 14- 143: 10- 145: 9- 146: 14، 18- 147: 7- 149: 4، 14- 154: 16- 155: 2- 157: 7، 16- 159: 6- 160: 7- 161: 7- 162: 10- 170: 5- 177: 13، 22- 178: 11- 179: 6- 180: 2، 5- 181: 14- 182: 1- 183: 2- 185: 10- 186: 14- 188: 8، 13، 14- 189: 13، 18- 192: 3، 5- 195: 11- 196: 12- 197: 9- 198: 12- 201: 7، 18- 202: 22- 203: 15- 204: 6- 208: 3- 209: 1- 210: 1- 221: 6- 224: 4، 10- 225: 12- 226: 20- 231: 9، 12- 232: 2، 7- 236: 4، 8، 9- 237: 17- 238: 4- 242: 4، 14- 244: 16- 245: 10، 15- 247: 3، 8- 249: 12- 251: 15- 254: 4- 255: 15- 256: 12- 264: 7- 265: 10، 19- 268: 6- 269: 5، 13، 19- 271: 12- 275: 13- 276: 2- 278: 7- 280: 11، 14- 285: 17- 287: 7- 290: 19- 295: 12- 296: 11- 298: 5- 304: 14- 305: 12- 306: 23- 311: 1- 317: 16- 319: 8، 14- 320: 2- 321: 7- 326: 7- 334: 9- 337: 6- 338: 4، 5- 343: 12- 354: 13- 354: 10- 357: 12- 358: 15- 367: 6- 368: 21- 372: 20 ديار مضر: 54: 20 الدير: 351: 12، 20، 21، 22، 23 دير أولاد ختعم: 351: 21 دير بنى حرام: 351: 21 دير النحاس: 87: 24 ذ ذات الرخيم: 355: 19 ر راج شاهى- بالهند: 120: 21 رأس وادى عنتر: 348: 19- 355: 23 رباط الآثار النبوية: 85: 7، 8، 19- 99: 2، 5- 101: 19- 102: 1- 131: 12، 20

رحبة باب العيد: 26: 10، 19- 141: 16 رشيد: 180: 14، 25، 26- 289: 13- 290: 6، 8، 11 الركن المخلق: 251: 5، 20 الرملة: 7: 4، 12، 19- 11: 13، 17- 131: 4، 18- 348: 5 الرميلة: 43: 17- 87: 2، 21، 22- 212: 22- 299: 11- 342: 16 الرها: 54: 4، 20- 330: 17- 331: 6، 7، 9، 15، 17، 18، 22- 333: 8- 334: 3، 15- 346: 3 رودس (جزيرة رودس) : 306: 15، 16، 20 الروضة (جزيرة) : 27: 14- 101: 20 الريدانية: 16: 7، 9، 13، 21- 17: 3، 16- 18: 4- 23: 2- 31: 7- 35: 13، 16- 39: 4- 45: 11، 14، 23- 46: 5- 60: 7- 61: 10- 76: 16- 77: 4، 6- 88: 23- 100: 15- 186: 5، 8، 10، 18- 203: 1- 251: 4- 350: 9، 17، 23- 354: 15- 359: 17- 372: 14، 19 ز زاوية الشيخ التبرى: 23: 23 الزبدانى: 62: 22 زبيد: 132: 15، 24- 133: 5 الزردخاناه السلطانية: 52: 1 زعم: 355: 9، 11، 22 س ساحل بحر الروم: 284: 22- 304: 23 ساحل بولاق: 86: 10، 15، 23- 87: 11- 276: 12- 278: 14- 281: 3- 288: 6- 289: 3، 4- 298: 20- 299: 2- 347: 1 ساحل الجزيرة الشرقى: 270: 21 ساحل مصر: 86: 10، 22- 87: 6 ساحل النيل: 26: 23- 307: 12 سجن المقشرة: 46: 13، 23، 24 سرمين: 12: 5، 18- 36: 5، 13- 69: 6- 284: 22

سرياقوس: 22: 11، 15، 23- 60: 4- 63: 11- 73: 11- 89: 15- 94: 5، 6- 170: 19، 24- 350: 19 السعدى- قرب حلب: 178: 17 السعيدية: 89: 22- 163: 17، 24- 164: 7 السكرية: 59: 17، 24 السكة الجديدة: 61: 24 السلطانية: 107: 3- 335: 1، 3، 21- 345: 21 سلماس: 336: 2، 20 سلمية: 33: 12، 26 السماسم: 38: 13، 22 سمرقند: 49: 23- 335: 11 سميساط: 22: 20- 55: 23- 248: 21 السواحل: 202: 10- 255: 11- 325: 8 سواحل الشام: 268: 11 سواحل عدن: 362: 6 سواحل الهند: 362: 6 سواقى مجرى النيل: 26: 25 سوق الجرابة: 57: 19 سوق الحريريين: 233: 20 سوق الخيل- تحت قلعة الجبل: 212: 10، 22 سوق خيل دمشق: 32: 13 سوق الصاغة: 352: 8 السويس: 339: 3 سويقة الصاحب: 364: 2 سويقة المسعودى: 63: 13، 23 سويقة منعم: 135: 11، 23- 299: 11، 24 سيالة جزيرة الروضة: 26: 25 سيس: 49: 13- 93: 6- 248: 22 ش شارع أحمد ماهر: 78: 21

شارع الأزهر: 152: 23- 233: 22- 264: 23 الشارع الأعظم: 22: 16، 26- 135: 11- 309: 5- 328: 13- 353: 15 شارع بين السيارج: 79: 22 شارع الجمهورية: 299: 20 شارع الحلمية القديمة: 312: 21 شارع الخليج المصرى: 61: 25 شارع السبتية الجوانى: 96: 14 شارع السيدة عائشة: 141: 18 شارع الشعرانى: 61: 23 شارع الصليبة: 175: 21 شارع القاهرة الأعظم: 22: 26- 281: 6- 299: 22 شارع المظفر: 312: 21 شارع المعز لدين الله الفاطمى: 23: 20- 223: 21- 264: 22 شارع المغربلين: 309: 19 شارع النحاسين: 28: 18 شارع نوبار باشا: 299: 17 الشام: 5: 11- 9: 15- 11: 11، 13- 12: 19- 16: 8، 13- 31: 8، 23- 32: 22- 34: 15، 18- 36: 23- 37: 22- 38: 4- 44: 9، 10- 45: 7، 16- 47: 12، 19- 48: 3- 49: 15- 50: 14- 53: 8، 22- 55: 16- 56: 25- 57: 16- 58: 10، 13، 19- 59: 6- 62: 10، 11- 64: 5- 68: 13، 16- 69: 10- 75: 4، 21- 82: 22، 23- 84: 1- 87: 16- 89: 18- 90: 10، 21- 103: 18- 108: 13- 110: 4- 115: 22- 116: 10- 128: 14- 129: 3، 9- 130: 8- 131: 15- 135: 5، 7، 21- 136: 8- 138: 13، 17، 19- 146: 6- 147: 17، 22- 157: 17- 168: 12- 170: 11- 171: 2، 3- 175: 18، 24- 179: 2- 182: 18- 183: 4، 9- 184: 9، 11- 187: 10، 12، 13- 190: 5- 192: 12، 13، 24- 193: 7، 21- 202: 14- 231: 10- 232: 2، 6- 240: 10، 22- 242: 6- 247: 21- 250: 5، 6- 254: 11، 21- 258: 9- 259: 14- 261: 23- 263: 5- 264: 3- 272: 4- 274: 5، 6، 17- 301: 19- 302: 1، 6- 321: 8- 326:

14- 330: 9- 331: 1، 4- 332: 10؛ 22- 349: 5، 12- 350: 16- 357: 9- 358: 3، 7، 14، 16- 360: 20 شباك الإمام الشافعى: 161: 9 شبرا: 295: 15 شبين القصر: 115: 7، 19- 367: 1 شبين القناطر: 89: 24- 115: 19 الشراب خاناه السلطانية: 14: 24- 230: 7 الشرقية (محافظة الشرقية) : 10: 15- 81: 3- 351: 20 ششتر: 322: 13، 22 شقحب: 372: 1، 21 الشيخونية: 344: 19 شيراز: 133: 22 ص صاروسن 50: 7، 20 صافينا: 72: 16، 22- 246: 5 الصالحية: 7: 14، 21- 14: 11- 15: 2- 89: 6، 22- 139: 2- 203: 17 الصبيبة: 171: 4- 179: 8- 262: 10 صرخد: 188: 3، 20- 189: 17- 192: 6، 9، 11- 241: 6 الصعيد- صعيد مصر: 63: 25- 180: 23 صفد: 6: 14، 15، 23- 7: 1- 11: 9، 10، 14، 16- 14: 7، 12- 15: 15- 27: 7- 29: 13، 15- 31: 9- 32: 19- 33: 8- 47: 13- 48: 8- 55: 2- 56: 9، 27- 65: 20- 67: 1- 71: 15- 85: 17- 90: 14- 119: 6- 151: 9، 12- 154: 18- 181: 18- 188: 9، 10- 202: 13- 225: 7- 236: 8- 248: 14، 16، 17- 249: 3، 10، 21- 250: 2، 5، 8، 9، 13- 251: 2- 260: 18- 261: 17- 262: 3، 4- 337: 19- 348: 5- 367: 14، 17 الصليبة: 135: 11- 299: 10، 22، 23، 24- 340: 11 الصماصم السماسم. الصين: 362: 6

ط طارمة دمشق: 20: 5، 21 الطباق- بقلعة الجبل: 198: 18- 340: 18 الطبالة: 57: 22 طبرية: 119: 19- 187: 22 الطبقة- بقلعة الحبل: 200: 3- 243: 18- 329: 8 طبقة الأشرفية: 169: 17، 18- 173: 20- 176: 7، 22- 212: 1- 213: 8- 217: 18- 221: 16- 242: 7 طبقة الرفرف: 223: 8، 19 الطبلخاناه السلطانية- بقلعة الجبل: 16: 5 طرابلس: 2: 5، 6، 7- 4: 8- 6: 1- 12: 14- 13: 10- 22: 4- 32: 2- 36: 18- 37: 1- 38: 1- 47: 12، 20- 48: 7- 53: 9- 56: 3، 5، 10، 12- 61: 8- 65: 15، 16، 20- 66: 7، 8، 20- 72: 15، 16، 18، 20- 73: 1، 2، 3، 6، 7، 12، 13- 85: 16- 92: 20- 110: 5- 119: 6- 120: 5- 130: 4- 135: 17- 138: 11- 151: 11، 15، 16، 18- 158: 19، 22- 159: 1- 184: 12- 190: 8، 14- 192: 7- 201: 9- 202: 12- 222: 7- 224: 10، 13، 18- 225: 1، 2- 237: 6، 7، 8- 245: 16، 18، 19، 20- 246: 3، 4، 5، 9، 10- 250: 17، 18- 251: 19- 252: 4- 253: 11- 256: 11- 258: 22- 268: 10- 270: 2- 276: 9، 10- 278: 6، 8، 15، 16- 280: 4- 284: 7- 285: 10- 306: 12- 308: 5، 20- 318: 2، 4- 319: 2 الطرانة: 63: 7، 17- 106: 12، 14 طرتوث: 163: 18 طرسوس: 27: 9، 10، 20- 49: 1، 7، 9- 51: 5- 72: 2- 84: 3، 17، 19- 93: 3- 319: 6 طوانة القديمة: 84: 22 الطينة: 14: 9، 21- 170: 19- 272: 7، 9، 10، 20- 278: 12- 280: 14 298: 11 ع العباسية: 16: 21- 88- 23 العباسية الجديدة: 79: 24

عجلون: 124: 6، 21 العجم- بلاد العجم: 164: 21 عدن: 314: 17- 316: 22 العراق: 25: 9- 46: 7- 53: 22- 64: 6 67: 10- 107: 3- 163: 8- 164: 14- 184: 14- 190: 11- 310: 15، 21- 322: 15، 17 العراقان: 164: 10، 21 عراق العجم: 25: 21- 335: 21- 349: 1 عراق العرب: 349: 1 العريش: 272: 12، 22 عزاز أعزاز. العطايا: 63: 8، 20 العكرشة: 89: 10، 24 العمق: 12: 8، 19، 20- 13: 3- 14: 3- 33: 14- 48: 8، 10- 49: 3- 84: 1 عيذاب: 180: 22 عينتاب: 13: 23- 51: 1، 18- 54: 12- 69: 5، 7، 9- 71: 16- 248: 22 عين مباركة: 57: 11، 25 عيون القصب: 355: 1، 2، 5، 19 غ غباغب: 372: 21 الغربية (محافظة الغربية) : 10: 15- 66: 1- 81: 3- 245: 15- 337: 17 غرناطة: 255: 19 غزة: 6: 18- 7: 2- 9: 1- 11: 13، 14- 14- 8- 15: 17- 16: 7- 18: 5- 22: 10- 31: 11- 33: 4- 34: 6- 35: 18- 36: 1، 19- 47: 13- 59: 2، 16، 19- 93: 1- 116: 13- 125: 5، 25- 135: 17- 149: 6، 9- 157: 9، 10- 184: 12- 186: 18- 187: 1، 6- 189: 11- 190: 9- 202: 13- 253: 13- 319: 14، 24- 321: 17، 18- 337: 18- 348: 5 الغور- بفلسطين: 224: 12 الغور الشرقى: 124: 21

الغوطة- غوطة دمشق: 32: 23- 62: 22 ف فاس: 163: 3- 348: 22 الفرات: 22: 20- 54: 19، 23- 54: 20- 55: 6- 69: 8، 19 الفرما: 9: 15- 272: 14، 15، 22 فلسطين: 7: 19- 187: 21 فماجوستا: 270: 21 فم الخليج: 26: 25- 86: 22، 23 فم الخور: 86: 16، 25 الفنيدق: 36: 21 الفيوم 219: 21 ق قاعة العواميد: 60: 17، 23 القاعة المعلقة: 203: 20 القاهرة: 3: 9- 4: 12- 9: 3، 4- 11: 3، 13، 17- 14: 10، 11، 16- 15: 2- 16: 8، 25- 17: 11، 16- 21: 17، 18- 23: 3، 12- 24: 16، 23- 26: 5، 7، 9- 29: 2، 3، 7- 31: 6، 7، 21- 34: 18- 35: 13، 15- 37: 16، 18- 38: 6- 39 5، 7- 40: 6، 9، 11، 13، 14، 17- 41: 3- 43: 5، 16- 45: 2، 11، 12، 14، 15، 24- 46: 9، 12، 16- 57: 5، 6، 7، 18- 58: 17- 59: 12- 60: 6، 8، 12، 18- 61: 10، 20، 21- 64: 19، 20- 65: 16، 18- 67: 4- 68: 10، 15- 73: 13- 75: 13- 76: 17- 78: 1- 80: 16- 81: 5، 14، 19- 82: 5- 84: 4- 88: 17- 89: 19- 94: 21، 24- 96: 7- 97: 7، 10- 99: 12، 15- 100: 15- 103: 9- 104: 8- 105: 6، 8- 106: 14- 107: 12- 108: 20، 21، 22- 114: 10، 13- 119: 1، 3- 121: 3- 122: 10، 14- 124: 2- 126: 1- 128: 9- 130: 8- 132: 13- 135: 7، 13- 136: 9، 19- 137: 7- 139: 12- 141: 16- 142: 2- 144: 9- 146: 9، 11- 147: 6، 10- 150: 1- 151: 5- 152: 9- 155: 15- 157: 14- 161: 20- 163: 16- 164: 8- 165: 3، 4، 10- 166: 2- 167: 18- 168: 3- 170: 8، 10، 15-

171: 6، 19، 21- 172: 17، 18- 173: 16- 177: 16- 180: 1، 3- 182: 18- 183: 16- 185: 8- 186: 6، 16- 189: 19- 195: 16- 197: 13- 198: 14- 200: 7- 203: 7، 10- 204: 4- 211: 13- 213: 15- 220: 9، 18- 222: 12- 231: 19- 233: 6، 9- 235: 12- 237: 21- 238: 2- 242: 10- 245: 12، 15- 248: 4- 249: 11- 250: 10- 251: 4، 5، 19- 256: 5، 11- 257: 10- 259: 7، 10- 260: 18- 263: 13، 17، 22- 264: 11- 265: 2- 266: 12- 268: 5، 9- 272: 4- 287: 9- 280: 7- 282: 1- 283: 2، 8، 16- 284: 3، 10- 285: 6- 286: 2- 288: 3، 6- 296: 7، 9- 298- 6- 299: 10، 13، 14- 300: 3- 302: 11- 304: 8- 305: 10- 306: 5، 6، 14- 308: 19- 309: 7- 310: 18، 20- 312: 11، 19، 20- 314: 1- 319: 17- 324: 9- 326: 3، 12- 327: 2، 10- 328: 7، 10- 331: 1- 334: 8، 14، 15، 22- 336: 4- 337: 1، 6- 338: 7، 10- 339: 3، 6، 13- 340: 10، 11، 12- 342: 12- 344: 16- 345: 2، 18- 346: 4- 347: 12، 13، 15- 350: 9- 351: 7، 11، 14- 354: 16- 357: 1- 359: 17- 360: 1، 9- 362: 13، 16- 363: 1- 364: 9- 365: 21- 366: 15- 367: 14، 16- 368: 9- 372: 14- 373: 8، 9، 11، 17، 18 قبرس: 270: 20، 21، 23- 278: 18، 20- 279: 12، 17- 280: 9، 12- 286: 19- 287: 1- 290: 13، 15، 16، 23- 292: 1، 3، 4، 6، 20، 21- 293: 1، 3، 4، 17- 294: 1، 3، 7، 12، 14، 16- 295: 5، 13، 15، 18، 19- 296: 4- 297: 6، 11- 298: 8- 299: 6- 300: 8- 301: 2، 8- 302: 16- 304: 6، 22- 306: 3- 307: 2- 308: 12- 325: 5- 363: 4، 5- 364: 16- 365: 1، 2، 12، 19- 368: 19 قبة الإمام الشافعى: 89: 19 قبة باب النصر: 88: 3 قبة النصر: 79: 4- 88: 18- 97: 11- 160: 13- 185: 7، 20 قبة يلبغا: 18: 6، 12، 21- 59: 9 القبيبات: 18: 13، 24- 19: 7- 32: 9- 116: 22- 198: 19 القدس الشريف: 10: 3- 22: 9- 23: 7، 8- 59: 7، 9، 13- 90: 15- 93: 8- 116: 12، 13- 117: 11- 121: 5- 124: 12- 136: 21- 143: 2- 150: 5، 10- 154- 16-

155: 4- 179: 21- 193: 5- 226: 6- 231: 14- 255: 7- 258: 10- 260: 10- 262: 14- 269: 8، 15- 270: 12- 277: 2- 318: 4- 319: 16، 17- 321: 4- 337: 19- 347: 4- 348: 5- 373: 2، 4 القدم- قرية قرب دمشق: 18: 21 قراباغ: 345: 1، 21 القرافة- بجوار الإمام الليث: 206: 20 القرافة- جنوب شرقى قلعة الجبل: 77: 9 القرافة الصغرى: 342: 19 القرافة الكبرى: 342: 18 قرية الجابية: 33: 15 قسطمونية: 352: 21 قسطنطينية: 287: 1 قصبة القاهرة (شارع المعز لدين الله الفاطمى) : 22: 26 القصر الأبلق: 358: 13، 21 القصر السلطانى: 3: 8- 87: 18- 167: 15- 168: 8- 205: 15- 211: 9، 10- 218: 9- 221: 3- 232: 3، 4- 242: 8- 358: 9 القصر الصغير السلطانى: 230: 7 القصر العالى: 99: 21 القصر الكبير بقلعة الجبل: 102: 18 قطيا: 9: 2، 15- 12: 1- 44: 16- 89: 4- 152: 12، 13- 153: 1، 17- 272: 11، 22- 280: 14 قطية قطيا. القلزم: 180: 21 قلعة بغراس: 13: 8 القلعة- قلعة الجبل: 3: 8، 21- 7: 16- 8: 6- 15: 8- 16: 4- 17: 15- 18: 1- 23: 3، 6، 11- 26: 8، 11- 26: 13- 28: 1- 29: 18- 33: 1، 2، 3، 6- 35: 1، 12، 15- 38: 11- 39: 5، 7- 42: 19- 45: 13، 23- 46: 2- 60: 16، 21، 23- 61: 12، 16- 63: 11، 12، 14- 65: 10، 11، 13- 67: 3، 7- 74: 8- 75: 3، 4- 76: 15- 77: 3، 5، 18- 78: 13- 79: 18- 84: 16- 85: 3- 87: 10، 11- 88: 2، 6، 8، 9، 10- 89: 3- 90: 4- 91: 19-

92: 13- 93: 12، 15، 16- 94: 13، 14- 95: 1، 4، 8- 96: 3، 4، 6، 26- 97: 5- 98: 1، 11- 99: 6- 101: 1- 102: 6، 11، 18، 20- 103: 4- 104: 7- 105: 6، 9، 11، 19، 20، 21- 106: 2، 17- 107: 19- 108: 21- 109: 5، 11، 12- 132: 14- 164: 8- 166: 1- 167: 12، 15- 168: 8- 169: 17- 170: 12- 185: 5، 9، 13، 17- 186: 1، 7، 8- 189: 19- 193: 12- 197: 9- 203: 17، 19، 20- 206: 7- 211: 6، 11- 212: 3، 8، 23- 213: 3، 10، 14- 214: 1- 219: 18- 220: 12- 221: 10- 229: 4- 230: 16- 231: 7- 232: 2- 233: 10، 11- 242: 7- 249: 19- 251: 3، 6- 252: 1- 253: 1، 4- 265: 1، 7- 266: 18، 19- 269: 2، 9، 19- 270: 14- 271: 2، 7، 15- 272: 4- 273: 9- 274: 2، 14- 276: 11، 13، 14- 277: 10- 278: 2، 7- 281: 3، 9- 282: 1، 2- 284: 7- 285: 20- 287: 10- 288: 13- 289: 17- 292: 3- 296: 7- 299: 5، 16، 24- 300: 13- 305: 9- 306: 2، 4، 16- 307: 10، 11- 308: 19- 309: 8- 311: 20، 21- 312: 16- 313: 1، 2- 318: 6- 319: 18- 326: 15- 330: 1- 334: 15- 340: 18- 346: 11، 19- 347: 3- 351: 7، 14- 353: 13- 356: 17، 20- 358: 5- 361: 20- 362: 13- 364: 2- 367: 5، 15- 371: 2- 372: 10- 373: 6، 7، 9، 11 قلعة جعبر: 347: 7، 21 قلعة حلب: 14: 2- 27: 6- 33: 1- 56: 2، 26- 58: 12- 61: 6- 179: 17، 18 قلعة خندروس: 52: 2 قلعة درندة: 51: 4، 15، 21 قلعة دمشق- القلعة: 2: 21- 19: 11، 12، 14، 15، 16، 17، 21، 22، 23- 20: 6، 21- 21: 4- 33: 1، 2، 3، 6- 45: 7- 56: 13- 62: 11، 12، 14، 15، 17- 66: 4- 71: 15- 93: 3، 6- 114: 16- 116: 10، 12، 17- 148: 2- 155: 3- 161: 15- 162: 5- 175: 19- 181: 20- 187: 18- 189: 2، 7- 190: 15- 191: 1، 15- 192: 14- 193: 3، 4، 5- 198: 5، 6، 8- 201: 4- 202: 16- 236: 4، 18- 250: 7- 261: 16- 263: 8 قلعة الرها: 332: 3، 5، 8، 11، 15، 18، 20- 334: 1 قلعة الروم: 22: 4، 20- 32: 1- 36: 19- 50: 16- 53: 10- 55: 7، 14

قلعة سلماس: 336: 2- 348: 15 قلعة سيس: 49: 12، 20 قلعة صفد: 11: 16- 248: 16، 19- 250: 19، 21 قلعة صرخد: 192: 10 قلعة كختا: 54: 7، 16 قلعة اللمسون: 290: 14 قلعة المرقب: 73: 6 قلعة المسلمين: 22: 21 قلعة منشار: 54: 18، 23 قلعة نكدة: 84: 12- 90: 2 قليوب: 344: 15- 351: 21 القليوبية- محافظة القليوبية: 269: 10، 23- 339: 17 قنسرين: 13: 21- 57: 12، 26 قنطرة الحاجب: 57: 7، 21 قنطرة الفخر: 30: 23 قوص: 180: 9، 23- 321: 8- 349: 12 قونية: 83: 22- 84: 21، 24- 92: 16 قيسارية الأمير سنقر الأشقر: 31: 1، 16 قيسارية الروم: 80: 7، 9، 10، 11، 20- 83: 20، 21، 22- 88: 13- 92: 16 قيسارية العصفر: 233: 20 قيسارية الفاضل: 31: 2، 19 قيقاب: 355: 9 ك الكازرون: 133: 22 كاليفورنيا: 5: 20- 8: 17- 14: 19، 20- 21: 21، 22- 22: 23- 25: 19- 28: 21- 29: 21، 22- 30: 25- 32: 20- 33: 25- 35: 23- 37: 23- 39: 21- 40: 23- 41: 22، 23- 42: 21- 44: 21- 45: 21- 49: 22- 50: 17، 20- 54: 22، 24- 55: 23- 57: 24- 58: 23- 59: 23- 60: 20، 25- 62: 20- 65: 22- 66: 22- 67: 20- 68: 21- 70: 22- 75: 22- 78: 24- 80: 24- 85: 18- 87: 22- 88: 24، 25- 90: 22- 91: 22- 97: 23- 99: 16- 100: 22- 101: 22- 104: 22- 105: 23- 108: 24- 109: 22- 110: 22- 117: 19- 118: 20، 24- 122: 22- 128: 20- 131: 17- 132: 16- 133: 23- 141: 20- 143: 24- 146: 21، 22- 148: 16- 151: 22، 23- 153: 22، 23- 154: 20، 24- 157: 21- 160: 17- 162: 21- 164: 22، 24، 25- 165: 22- 166: 14- 167: 21- 168: 23، 25- 169: 21- 170: 23- 172: 21- 173: 24- 175: 20، 23- 176: 24- 179: 23- 181: 23- 184: 20- 185: 23- 188: 22- 190: 22- 193: 23، 24- 194: 19- 195: 22، 23- 196: 20، 22- 198: 22- 199: 20- 202: 23- 204: 24- 207: 23- 210: 6- 211: 20- 213: 22- 215: 20، 21- 218: 23، 24- 220: 22، 23- 221: 22- 222: 22- 223: 23- 224: 22- 225: 21، 24- 227: 22، 24- 228: 23- 229: 18، 25- 230: 22، 23- 232: 21، 22، 23، 24- 233: 24- 235: 20- 236: 21- 238: 22- 239: 21- 240: 23- 241: 15- 242: 22- 243: 23- 244: 22، 23- 245: 22- 247: 23- 252: 23، 24- 253: 19، 22- 256: 22- 257: 19، 20، 22- 259: 22- 260: 230- 265: 21، 23- 266: 20، 21- 267: 17، 23، 26- 268: 21، 22، 25- 269: 23- 275: 21- 276: 22- 277: 23- 278: 22، 23- 279: 19، 23- 280: 22- 281: 22- 283: 21، 23- 284: 19: 285: 21، 22، 23- 288: 21، 23- 289: 23- 290: 20، 21- 292: 22، 23- 294: 23- 297: 21- 298: 21، 23- 301: 23- 304: 19، 25- 306: 25- 308: 22، 23- 309: 21- 311: 22- 312: 24- 313: 21، 23- 314: 21- 315: 22، 25- 316: 21، 25- 317: 20، 21، 23- 318: 19- 320: 23- 321: 23- 322: 18، 19، 23- 325: 20، 22، 23، 24- 326: 20- 327: 22، 24- 329: 22، 23- 330: 18، 21، 23- 331: 21- 332: 22، 23- 334: 19، 21- 335: 23- 336: 19- 338: 22، 23- 340: 22- 341: 21، 22، 23، 24- 342: 22، 23- 346: 21، 23- 347: 19، 23- 348: 21، 25- 349: 22- 350: 21، 25- 352:

18، 19- 354: 20، 21- 356: 22- 357: 21، 22- 360: 23- 361: 23- 362: 23- 364: 19، 20، 21- 365: 23- 367: 23- 368: 22، 23- 369: 21، 22، 24- 370: 23- 371: 20، 21، 24- 373: 22 ك الكبش: 130: 13، 14، 23 كختا: 48: 6، 19- 51: 1، 2- 52: 14- 53: 7، 9، 16- 54: 7، 11، 16- 55: 3- 65: 1- 67: 8- 146: 5 الكرك: 10: 7، 20- 71: 15- 115: 8، 12، 22- 118: 3- 157: 16- 256: 3، 5 كركر: 45: 11، 12- 48: 6، 22- 51: 1- 52: 14- 53: 4، 7- 55: 2، 10، 12، 16- 146: 5 كرمان: 25: 21 الكعبة: 310: 9- 336: 7- 368: 10، 12 كفر داود: 63: 17 كل ولى: 50: 4، 17 كنيسة قمامة: 260: 10، 22 كوبرى القصر العينى: 30: 23 كوخيك: 49: 14، 22 كورة الإطفيحية: 367: 21 كوشيك: 49: 23 الكوفة: 310: 21- 322: 21 كوم تروجة: 25: 23 كوم الريش: 94: 4، 23 كونيك: 49: 22 كوهيك: 49: 23 كيلك: 55: 6، 23 ل لارندة: 84: 15، 24- 85: 13- 86: 2- 92: 16 اللجون: 119: 8، 13، 19- 186: 6 اللد: 131: 4، 19

اللمسون: 270: 4، 23- 293: 7، 18- 365: 19 م ماردين: 68: 13، 24- 349: 6 مازنداران: 25: 21 الماغوصة: 270: 3، 20- 278: 17، 18، 19- 279: 1- 295: 14 ما وراء النهر: 25: 20 مبنى شرطة الخليفة: 212: 13 محافظة الجيزة: 16: 15 محافظة الشرقية: 7: 21- 89: 22 محافظة الغربية: 122: 19 محافظة القليوبية: 115: 19 محطة حمامات القبة: 23: 23 المحلة: 337: 18 المخاطب: 355: 23 مدرسة أبى شاكر بن الغنام: 163: 19 المدرسة الأشرفية: 233: 7- 264: 10، 18، 21- 265: 21- 266: 11- 285: 14- 296: 9 المدرسة الأيتمشية للحنفية: 116: 18 مدرسة جمال الدين البيرى الأستادار: 154: 5، 21 المدرسة الجمالية: 26: 16 المدرسة الخروبية: 113: 7 مدرسة سراج الدين البلقينى: 237: 19، 25 مدرسة السلطان حسن: 43: 17، 19- 44: 3، 4 المدرسة الصالحية: 312: 12- 324: 14 المدرسة الظاهرية البرقوقية مدرسة الملك الظاهر برقوق المدرسة الغنامية مدرسة أبى شاكر بن الغنام مدرسة فخر الدين: 154: 5 المدرسة الكاملية: 128: 18 المدرسة المستنصرية: 25: 18 مدرسة الملك الظاهر برقوق 28: 4، 17- 43: 17- 122: 5

المدرسة الناصرية: 26: 9- 28: 18- 141: 16 المدينة النبوية: 64: 2- 125: 11- 132: 10، 23- 147: 10- 190: 10- 304: 17، 18- 305: 1، 2، 4- 311: 13، 15- 312: 5 مراغة: 131: 24 مرج دابق: 67: 11، 22 مرعش: 49: 7- 51: 16- 248: 21 المرقب: 66: 4، 5، 21- 182: 21- 190: 16- 200: 11- 246: 10، 11- 308: 4، 5، 9 مركز كوم حمادة: 63: 17 مروة- من أعمال الشام: 258: 9 مريوط: 74: 14، 20- 92: 6 المسجد الأقصى: 59: 11 مسجد أولاد عنان: 299: 20 مسجد التبر مسجد التبن مسجد التين: 23: 2، 21- 45: 14- 60: 6- 372: 19 مسجد الجميزة مسجد التين المسجد الحرام: 25: 2، 3- 150: 7، 18- 310: 8- 311: 6 مسجد الخليل عليه السلام: 59: 15 مسجد السلطان حسن: 212: 22 مسجد القدم: 18: 21 المسطبة الظاهرية: 47: 12، 15 المشهد النفيسى: 80: 1 مصر: 3: 9- 7: 24- 8: 3، 18- 9: 15، 16- 14: 12- 27: 14- 32: 10- 45: 3- 53: 8- 70: 7، 10، 19- 71: 5، 8، 10- 73: 7- 74: 20- 79: 3- 81: 2- 83: 1، 7- 89: 21- 92: 19- 110: 4- 112: 23- 114: 2- 116: 1، 2، 4، 9- 122: 2- 128: 14- 131: 4، 21- 133: 4- 136: 12- 139: 1، 13- 140: 1- 141: 1- 149: 2- 153: 11- 160: 2، 9- 161: 2- 164: 7- 165: 4- 167: 2، 21- 170: 16- 183: 7، 18، 23- 185: 19- 189: 23- 193: 11، 12- 194: 14- 195: 10- 198: 5- 200: 7-

202: 9- 208: 19- 209: 6- 211: 13- 237: 18- 240: 12- 241: 11- 242: 2، 10- 243: 5- 244: 18- 247: 9- 249: 12- 252: 15، 17- 254: 19- 255: 7- 258: 13- 262: 3- 263: 9، 13- 267: 18- 272: 15- 277: 20- 278: 9، 10- 283: 16- 288: 3- 289: 15- 298: 6- 301: 19- 302: 1، 6- 303: 15- 305: 17- 309: 16- 310: 1- 314: 3- 324: 10، 17- 327: 18، 20- 333: 15- 339: 1، 12، 13- 340: 11- 345: 6، 24- 347: 12، 13، 15- 348: 4، 18- 350: 18- 358: 23- 359: 10، 12، 13، 14- 360: 18- 362: 13، 16- 364: 9، 13- 372: 11 مصر الجديدة: 16: 21 مصر القديمة: 87: 24 مصلاة المؤمنى 141: 6، 18- 219: 2- 342: 16 مصيصة: 84: 3، 17 المطرية: 26: 9 مطعم الطيور: 251: 3 مقام إبراهيم الخليل عليه السلام: 310: 10 المقس: 61: 21- 86: 26- 299: 9، 19 المقياس: 86: 9- 87: 8- 99: 3- 101: 20- 346: 12 مكة المشرفة: 24: 19، 20- 25: 2، 6- 126: 5- 132: 7، 8- 147: 9، 10، 13، 14- 150: 7، 13، 19- 179: 17، 21- 238: 15- 248: 8- 259: 11، 16- 260: 5، 7- 261: 2، 3- 263: 20- 271: 17، 20- 272: 1- 282: 14، 15، 17، 19، 20، 21، 23- 283: 7، 9، 10، 20- 285: 6- 291: 2- 298: 14، 15- 300: 20- 304: 8- 310: 7، 16- 311: 11- 314: 1- 336: 8- 348: 3- 362: 5، 8- 369: 1، 2 الملاحة- بقبرس: 279: 3، 6، 9- 292: 18- 294: 6، 13- 295: 8- 364: 18- 365: 1 الملتزم: 282: 18 ملطية: 22: 1، 18- 48: 5، 20، 22- 49: 15، 16- 50: 15- 51: 21- 52: 10- 54: 17- 242: 16- 243: 14- 309: 18، 23- 349: 7- 350: 14

ملنقوبية: 84: 21 ممالك الإسلام: 349: 19 ممالك الروم: 318: 7 ممالك الشام: 68: 13 ممالك العجم: 368: 10 المملكة الأردنية: 10: 20 مملكة ألمرا: 304: 22 مملكة دلى: 25: 21 منبابة: 63: 9، 22- 64: 10، 12- 85: 9- 92: 10- 106: 15- 289: 6 المنزلة: 351: 12، 22، 23، 25 منزلة الخطارة: 89: 6، 21 منزلة سلطان قشى: 51: 13، 24 منزلة الصالحية: 203: 17 منزلة الطرانة: 92: 6 منشاة المهرانى: 86: 26 منشية البكرى: 16: 21 المنشية (ميدان) : 30: 4 منظرة التاج التاج. منظرة الخمس وجوه: 94: 3، 17- 95: 2- 102: 20- 105: 19، 20- 106: 3: 271: 6 المنوفية (محافظة المنوفية) : 339: 17 منية السيرج- الشيرج: 28: 24- 57: 22- 86: 23- 94: 22، 23- 98: 15 منية القائد: 147: 21 منية مطر: 26: 8 موردة البلاط: 30: 23 موردة الحبس: 30: 4، 21- 95: 4- 299: 3 الموسكى: 61: 24- 233: 22- 264: 23 الموصل: 53: 22- 163: 11، 14 المويلحة: 355: 19 ميدان باب الحديد: 86: 26

ميدان باب الخلق: 78: 20 ميدان جامع السلطان حسن: 312: 21 ميدان رمسيس: 299: 19 الميدان السلطانى (الميدان الناصرى) : 99: 20 ميدان صلاح الدين: 2: 27 ميدان العدوى: 57: 19 الميدان الكبير (الميدان الناصرى) : 99: 20 الميدان الكبير الناصرى: 95: 8- 99: 6، 19، 20- 287: 5- 299: 3 الميمون- قرية بصعيد مصر: 204: 15- 255: 10- 339: 13 ن نابلس: 82: 23 النحريرية: 338: 19 نكدة 84: 7، 9، 12، 21- 85: 11- 90: 3- 92: 16 النهر الأبيض: 49: 10 53: 17 النهر الأسود: 84: 22 نهر بردى: 62: 18، 22 نهر جيحان: 84: 17 نهر الفرات: 48: 22 نهر قراصو: 80: 8، 21 نهر قزل إرمك: 80: 21 نهر كختاصو: 48: 19 النوبتجان: 348: 22 النيرب: 309: 13، 22 نيقوسيا: 290: 23 النيل: 7: 16، 24- 8: 18- 28: 24- 30: 3، 21- 32: 4- 63: 6، 8، 25- 74: 10، 13، 24- 75: 2- 85: 1، 7، 10، 19- 86: 25- 91: 18- 92: 5، 11- 93: 12، 14- 94: 15، 23- 95: 19- 96: 12، 24-

97: 7، 22- 98: 5، 19، 20- 99: 2، 19- 100: 9- 101: 7، 19- 102: 3، 9- 106: 4، 6، 8، 14، 15- 111: 6- 121: 7- 127: 14- 134: 12- 140: 3- 145: 10- 148: 14- 156: 5- 159: 10، 18- 166: 12- 180: 13، 23، 25، 26- 241: 12- 180: 13، 23، 25، 26- 241: 12- 249: 16، 19، 22- 253: 2- 255: 2- 268: 9- 276: 15- 277: 17- 299: 1، 17، 19- 339: 1- 346: 11- 347: 1، 2- 348: 4- 365: 21- 367: 21 هـ هاكة- بالهند: 120: 21 هرقلة: 85: 24 الهند: 25: 21- 120: 14، 15- 271: 19- 298: 19 والواحات: 325: 10، 11 وادى القباب: 142: 11، 23 الوايلية- حى من أحياء القاهرة: 16: 21 الوجه: 355: 9، 12، 23 الوجه البحرى: 43: 1- 252: 15- 338: 19، 21- 347: 14- 357: 10- 372: 11 الوجه القبلى: 40: 12- 63: 5- 73: 7، 9- 174: 12- 204: 15- 221: 2- 255: 10- 237: 10- 347: 14- 360: 5- 368: 5، 6 وردان: 74: 17، 24 وسيم: 16: 3، 15- 64: 11- 93: 13، 14- 253: 2 وكالات- بالهند: 120: 21 ى اليمن: 132: 24- 133: 4- 283: 17- 284: 15، 18، 21، 22- 285: 2، 7- 308: 16- 314: 6، 8، 19- 316: 22- 317: 11- 362: 7 الينبع ألينبع

فهرس الألفاظ الاصطلاحية وأسماء الوظائف والرتب والألقاب التى كانت مستعملة فى عصر المؤلف

فهرس الألفاظ الاصطلاحية وأسماء الوظائف والرتب والألقاب التى كانت مستعملة فى عصر المؤلف االأبدال: 147: 9 الأبواب الشريفة: 92: 22 الأتابك: 26: 2- 30: 11- 47: 19، 6- 48: 6- 103: 17- 116: 6- 117: 9- 129: 2، 16- 130: 13- 135: 14- 144: 14- 151: 15- 155: 2- 160: 4- 162: 8- 172: 8- 180: 5- 211: 17- 212: 6، 13- 213: 4، 7، 12- 215: 10- 218: 2- 221: 17- 233: 10- 235: 18- 236: 13، 14، 15- 246: 14، 18- 288: 15- 304: 11- 326: 18- 344: 15 أتابك حلب: 12: 6- 36: 16- 74: 7- 136: 11- 347: 9 أتابك دمشق: 11: 3- 29: 10- 32: 11- 189: 11 أتابك طرابلس: 37: 1- 173: 1، 13- 246: 4، 9 أتابك العساكر: 1: 7، 14- 3: 12- 18: 3- 23: 9- 34: 7- 117: 15- 120: 8- 130: 8- 154: 16- 155: 2- 182: 1- 189: 12- 203: 19- 214: 10- 221: 6- 226: 17- 236: 3- 247: 2- 269: 2، 5، 19- 290: 19- 304: 12- 317: 4، 16، 22- 350: 9- 358: 14- 269: 13- 372: 16 أتابك مصر: 189: 23 الأتابكية: 130: 12- 206: 3- 236: 9- 320: 1 أتابكية حلب: 136: 15 أتابكية دمشق: 138: 11 أتابكية طرابلس: 66: 6- 151: 18 أتابكية العساكر: 192: 3 الأجلاب: 193: 16- 327: 20، 23- 328: 15 الأجلال (جمع جل وهو غطاء الفرس) : 267: 18 الأجناد البلاصية: 258: 11 أجناد الحلقة: 9: 22- 67: 14- 68: 15، 22-

69: 20- 70: 2، 3، 9، 12- 72: 4، 12- 75: 5- 77: 15- 171: 6، 24- 173: 3، 23- 318: 7 أخصاء: 192: 22 الأراضى الزراعية الخراجية: 10: 17 أرباب الأدراك: 170: 19 أرباب الدولة: 3: 7- 5: 5- 27: 18- 36: 12- 41: 4- 44: 7- 60: 11- 82: 11- 87: 8- 89: 6- 186: 8- 211: 10- 221: 19- 296: 12 أرباب الدولة من المتعممين: 173: 5 أرباب السيوف: 4: 19- 10: 24 أرباب الفضائل من كل فن (كان السلطان ططر يحب مجالستهم) : 209: 7 أرباب الكمالات: 165: 18- 313: 7 أرباب الكمالات من كل فن وعلم: 101: 5- 111: 4 أرباب الوظائف: 14: 5 الأستادار: 8: 9، 22- 10: 15- 26: 10- 29: 1- 32: 8- 42: 18- 43: 2- 46: 9- 59: 16- 60: 14- 65: 6- 73: 16- 74: 3- 141: 8- 154: 6، 21- 157: 11- 172: 16- 174: 11- 183: 20- 189: 5- 190: 18- 220: 17- 231: 17- 237: 8- 249: 1- 250: 4- 251: 22- 258: 3، 7، 12، 16- 260: 1- 272: 18- 277: 9- 317: 5- 329: 18- 337: 9، 14- 356: 3، 14- 357: 4 أستادار السلطان: 63: 3- 183: 20 أستادار الصحبة الشريفة: 78: 11- 108: 20- 183: 20- 373: 18- أستادار العالية: 152: 8- 183: 13، 20 الأستادارية: 24: 8، 14- 61: 9، 14- 62: 3- 93: 18- 125: 9- 141: 11- 152: 10، 16- 153: 5، 9- 189: 16- 196: 2- 222: 21- 237: 9، 10- 251: 9- 258: 11، 16- 264: 14- 268: 6 243: 7- 244: 10- 248: 17- 277: 10- 337: 15، 21- 356: 12، 16- 357: 6، 17- 364: 4- 368: 5- 373: 4 الاستسقاء: 97: 8، 22- 98: 3 استصفى أمواله (استولى عليها كلها) : 98: 8 استوزر- صار وزيرا: 255: 19

الأسطول الإسلامى: 364: 23 الأسطول الرومانى: 364: 23 أسمطة- جمع سماط: 28: 1- 38: 17- 79: 12- 85: 3 الإسهال الدموى: 107: 16 أشراف الحجاز: 247: 12 أشراف مكة: 24: 19- 260: 7 الإشهاد: 176: 17 إصطبلات: 204: 4 أطابك أتابك: الأطباء- جمع طبيب: 3: 25- 96: 22- 104: 9- 205: 1- 344: 2 الأطلاب (جمع طلب) : 17: 16، 21- 47: 5، 6، 11- 76: 17- 89: 16- 293: 2 أطلس متمر: 302: 1، 21 الأعشاب- علم الأعشاب: 126: 3 الأعيان: 107: 19- 109: 6- 149: 4- 169: 18- 175: 7- 188: 4- 225: 15- 276: 9- 280: 10- 293: 15- 299: 5- 318: 17- 344: 6- 363: 4 أعيان الأمراء: 3: 3- 108: 6- 129: 13- 157: 5- 201: 5- 254: 18- 340: 21 أعيان الخدام: 154: 13 أعيان دمشق: 134: 2- 274: 10- 288: 8- 309: 15 أعيان الدولة: 41: 13- 105: 21- 157: 11- 206: 6، 13- 232: 2- 244: 15- 255: 2- 312: 13 أعيان الديار المصرية: 278: 7 أعيان الخاصكية: 128: 9- 130: 9- 135: 9- 288: 7- 339: 20 أعيان العساكر: 295: 6 أعيان فقهاء الحنابلة: 141: 14 أعيان الفقهاء الحنفية: 176: 20 أعيان القراء: 38: 15، 17 أعيان القوم: 200: 6- 244: 17

أعيان مصر- المصريين: 79: 3- 141: 12- 150: 16 أعيان الملوك: 13: 1- 131: 10 أعيان المماليك: 192: 22- 276: 19- 293: 5 أعيان المماليك الظاهرية (مماليك الظاهر برقوق) : 57: 1- 120: 12- 129: 7- 136: 13- 138: 10- 139: 9- 143: 3- 148: 7- 180: 10- 193: 17- 200: 12 أعيان المؤيدية- مماليك المؤيد شيخ: 107: 22- 111: 12- 132: 2- 146: 15- 148: 3 أعيان الندماء: 38: 18 أغاة: 159: 2، 3- 169: 6- 200: 12، 24- 215: 12- 227: 20- 244: 19- 254: 12 أغربة- جمع غراب- لنوع من السفن الحربية: 268: 11- 270: 6- 275: 20- 276: 12، 16، 18- 279: 5، 8- 294: 17- 301: 21- 329: 17 أغوات: 257: 15 الإفرنتى- الدينار الإفرنتي: 40: 3- 283: 12، 15، 22- 284: 4، 8 أفرنتية- الدنانير الإفرنتية: 35: 6، 21- 284: 5 الإقامات السلطانية: 68: 2- 89: 2 الإقطاع: 9: 20، 21- 10: 6، 7- 42: 1- 46: 16- 55: 9- 62: 7- 66: 8، 9- 67: 10- 70: 4، 6، 10- 72: 5، 6- 90: 12، 15، 16- 110: 14- 115: 16- 146: 19- 182: 2، 3، 4، 6، 7، 8، 10، 11، 12، 13، 14، 16، 17، 19، 20،- 190: 13، 15- 198: 20- 209: 15- 226: 4- 249: 12- 251: 18- 252: 5- 255: 9- 273: 11- 291: 1، 2، 4، 5- 307: 16- 309: 18- 310: 2- 313: 4، 6- 319: 6، 15- 320: 5- 321: 17، 18- 337: 6، 12- 339: 19- 343: 3 الإقطاعات- جمع إقطاع: 8: 24- 71: 7- 72: 10- 110: 12- 179: 4- 181: 15- 184: 22- 194: 21- 208: 12- 209: 14- 229: 19، 21 إقطاعات الحلقة: 71: 2 إقطاعات مصر: 139: 13 إقطاع الحلقة: 70: 5- 184: 18، 22 أكابر الأمراء: 18: 14- 333: 20 أكابر الأمراء المؤيدية: 169: 11

أكابر الخاصكية: 293: 10- 340: 4 أكابر الدولة: 272: 4- 334: 8- 342: 13- 367: 4 أكابر مماليك دقماق: 244: 9 أكابر المماليك الظاهرية برقوق: 277: 5 أكابر المماليك المؤيدية: 141: 6- 168: 2 الإكديش: 68: 6، 19- 108: 18 أكواز الذهب والفضة: 67: 5 الأمان: 9: 10- 26: 1- 39: 7- 52: 5- 55: 20- 153: 8- 192: 8- 241: 7- 295: 14- 306: 17- 315: 18- 331: 7، 18- 332- 6، 9، 16- 365: 12 الأمثلة- جمع مثال وهو الأمر أو المرسوم: 173: 2 الأمراء الأتراك: 320: 16 أمراء الألوف 29: 23- 57: 1- 58: 7- 66: 1- 67: 8- 76: 16- 77: 1- 92: 4- 146: 13- 160: 5- 189: 4- 195: 16- 196: 5- 225: 12- 227: 15- 249: 13- 288: 7، 14- 301: 22- 330: 5- 369: 14 الأمراء البطالون: 73: 12- 269: 8 أمراء البلاد الشامية: 57: 15- 236: 7- 300: 12 أمراء التركمان: 149: 17- 191: 19- 366: 6 أمراء جاندار: 300: 14 أمراء الجيش: 229: 20- 372: 15 أمراء الحجاز: 66: 12 أمراء حلب: 32: 1 الأمراء الحلبيون: 222: 4 الأمراء الخاصكية: 185: 7 أمراء الخمسات: 199: 22 أمراء دمشق: 31: 9- 32: 13- 135: 15- 157: 10- 167: 8- 187: 19- 263: 10- 288: 18، 20 أمراء الدولة: 76: 15- 91: 8- 173: 15- 176: 8 أمراء الشام: 22: 22 أمراء الطبلخانات: 2: 16- 5: 3- 10: 11- 52: 10-

77: 2- 141: 5- 150: 4- 157: 15- 172: 6، 9، 13- 196: 6- 204: 17- 228: 16- 288: 7، 14- 292: 12- 293: 20- 300: 12- 302: 5- 319: 5- 330: 8- 337: 12، 16- 350: 12- 369: 15 الأمراء الظاهرية- برقوق: 2: 9- 179: 20- 194: 17 أمراء العشرات: 49: 13- 77: 2- 155: 1- 172: 12، 14- 226: 6- 235: 7- 239: 17- 258: 1- 269: 17- 271: 16- 281: 13- 283: 2- 284: 10- 288: 7، 18- 292: 12- 300: 12- 302: 6- 330: 8- 367: 18- 350: 12- 369: 16- 373: 3 أمراء المشورة: 11: 20 أمراء مصر: 48: 8- 53: 8- 178: 17- 301: 19- 302: 6 الأمراء المقدمون: 1: 14- 130: 19- 186: 16- 212: 1 الأمراء المؤيدية: 193: 7- 194: 18- 195: 21 أمراء المئين: 2: 16 الإمرة: 119: 7- 132: 3- 142: 3- 146: 15- 169: 2- 190: 13- 200: 5- 255: 8، 17- 275: 3- 313: 15 إمرة الحاج: 150: 5 إمرة سلاح: 3: 25- 116: 5- 239: 18 إمرة طبلخاناه: 90: 11، 23- 115: 16- 132: 3- 146: 17- 150: 14- 157: 17- 165: 9- 182: 12- 201: 20، 22- 202: 1، 2، 3، 4- 209: 1- 241: 1- 245: 14- 251: 17- 269: 18- 291: 5- 313: 6 إمرة عشرة: 2: 2، 14- 115: 17- 193: 18- 208: 4- 240: 20- 245: 13- 313: 16 إمرة ماتة وتقدمة ألف: 2: 3، 19- 74: 6- 116: 2- 135: 9- 136: 14- 146: 18- 149: 9- 150: 14- 166: 5- 183: 1، 15- 209: 3- 245: 14- 246: 12- 255: 7- 257: 11 إمرة مجلس: 116: 5- 319: 20 إمرة المدينة: 311: 15 إمرة مكة: 261: 2- 282: 20- 283: 6- 298: 14 أمير آخور: 9: 12- 15: 13- 23: 8- 27: 6- 29: 13- 32: 12- 34: 7- 45: 17- 61: 5- 71: 12- 77: 1- 92: 19- 100:

18- 111: 12- 143: 1- 177: 13، 15- 182: 4، 15- 187: 2- 188: 2- 192: 12، 14- 193: 5- 195: 12، 13، 15- 202: 6- 214: 13- 217: 4- 218: 3- 219: 14، 18- 220: 20- 249: 1، 10- 254: 5- 291: 6: 317: 5 الأمير آخور الثانى: 4: 15- 45: 6- 66: 6- 73: 20- 90: 16- 150: 5- 202: 6- 291: 3 الأمير آخور الكبير: 4: 1، 13- 15: 15- 28: 3- 47: 22- 59: 3- 61: 5- 91- 21- 100: 17- 128: 10- 135: 10- 139: 10- 172: 7- 184: 15- 192: 1- 201: 11- 213: 19- 215: 15- 221: 9- 242: 19- 252: 3- 253: 10، 21- 254: 15- 281: 12 الأمير آخورية: 243: 15- 254: 6 الأمير آخورية الثانية: 150: 14- 151: 17 الأمير آخورية الكبرى: 64: 9- 208: 4- 236: 8- 252: 7 أمير التركمان: 66: 3 أمير جاندار: 10: 13، 21- 24: 4- 27: 1- 38: 21- 131: 13- 136: 14- 288: 10- 302: 3- 315: 9- 317: 4- 350: 12 أمير حاج المحمل: 2: 2- 24: 19- 45: 12- 57: 5- 61: 10- 64: 2- 73: 20- 88: 1- 103: 10- 174: 3- 190: 11- 192: 4- 225: 11- 257: 17- 260: 5- 282: 13- 283: 5، 20 أمير الركب الأول من الحاج: 142: 11- 258: 1- 354: 18 أمير سلاح: 3: 14، 27- 10: 10- 24: 2- 34: 21- 45: 8- 61: 4- 103: 18- 108: 14- 131: 3- 168: 2، 12، 15- 172: 4- 189: 12- 192: 2، 23- 194: 13- 195: 3- 201: 13- 212: 4- 218: 20- 239: 14- 243: 9، 12- 244: 21- 247: 2، 4، 22- 249: 1- 259: 10- 269: 6- 285: 11- 290: 19- 304: 11، 26- 320: 1، 3، 4- 350: 10- 372: 16 أمير شكار: 9: 14، 24 أمير طبلخاناه: 70: 12 أمير عشرة: 9: 25- 70: 13 أمير عشرين: 70: 12- 255: 7

أمير علم: 120: 1، 18 أمير غرناطة: 255: 19 الأمير الكبير: 28: 8- 30: 7- 65: 11- 91: 21- 92: 18- 100: 11، 14- 120: 8- 130: 7- 138: 8- 139: 12- 150: 13، 15، 16- 154: 15- 168: 9، 10، 11، 19- 172: 5- 173: 12، 13- 174: 7، 17، 175: 14- 176: 7، 9، 13، 18- 177: 5، 12، 17، 22- 178: 9، 15، 19- 180: 16- 181: 7، 21، 185: 15- 186: 10- 187: 10- 188: 12- 189: 3- 190: 1، 21- 192: 15- 193: 6، 11- 198: 9، 17- 211: 15- 214: 1- 215: 16، 17، 18- 217: 9، 12، 18- 218: 13، 16- 219: 19- 222: 16- 225: 18- 226: 5، 7، 10، 16- 227: 3- 228: 9- 229: 3، 7، 12- 231: 1- 232: 3- 236: 3- 237: 5- 239: 10- 241: 5- 245: 13- 253: 15- 255: 4- 277: 1- 280: 20- 317: 16- 318: 3- 319: 20- 320: 2، 3، 5- 328: 1، 2، 12، 16- 329: 2، 3، 7، 10- 342: 5- 350: 9- 358: 23- 369: 13 أمير مائة: 70: 11 أمير مائة ومقدم ألف: 70: 10- 74: 1- 128: 9- 130: 10 136: 6- 139: 20- 151: 10- 172: 7، 14، 15- 190: 16- 195: 10- 239: 9- 259: 15 أمير مجلس: 3: 12، 24- 8: 13- 9: 13- 10: 8- 15: 16- 24: 1- 25: 16- 45: 10- 47: 20- 64: 19- 76: 18- 103: 18- 116: 5- 136: 7- 157: 18- 168: 9، 15- 172: 3- 179: 14- 189: 15- 194: 10- 195: 6- 200: 16- 201: 13، 15- 212: 4- 218: 12- 204: 15- 240: 17- 247: 4، 5- 255: 6، 13- 257: 8- 258: 22- 269: 6، 16- 288: 9- 292: 14- 300: 9- 302: 2- 304: 11، 13- 306: 12- 308: 19- 317: 16- 318: 2- 319: 3، 8، 18، 19- 350: 10- 373: 18 أمراء المدينة النبوية: 132: 14- 304: 17 أمير مكة: 259: 16- 282: 15- 283: 20- 300: 20- 362: 8- 398: 14 الإنشاء- ديوان الإنشاء: 149: 20، 24- 158: 5 إنىّ- الزميل الصغير فى الخدمة: 38: 2- 159: 2، 4، 20- 201: 18- 243: 16، 17

إنيات- جمع إنى: 217: 22- 218: 1- 257: 15 أهل الدولة: 266: 17 أهل الديوان: 70: 15 أهل الذمة: 184: 24 أهل الشوكة: 176: 21 أهل العطاء: 70: 15 أهل العلم: 247: 12 الأوباش: 337: 11 أوصياء- جمع وصى: 239: 19 ب البجمقدار: 106: 10- 218: 1، 6 البجمقدارية: 112: 3 البذل (الرشوة) : 257: 1 البذل والسعى (الرشوة والوساطة) : 148: 13 البرجاس: 112: 5، 23 البرذعة: 44: 22 البريد: 4: 20- 10: 22- 86: 7 البريدى: 243: 5، 13 البريدية: 29: 5 البساط: 97: 17 البطاقة: 274: 5 البطال: 23: 7، 8- 42: 1- 56: 3- 59: 5، 7- 90: 15- 93: 8- 116: 12- 143: 2- 150: 5، 11- 154: 16- 155: 4- 169: 2- 193: 6- 201: 9- 231: 19- 227: 2- 257: 13- 318: 4- 319: 10- 321: 4 البطالون 268:- 372: 20 بطرك النصارى: 81: 11، 12- 260: 15 يقجة قماش: 206: 2، 21 بكر- جمع بكرة وهى التى يدور عليها الحبل لرفع الأثقال وإنزالها: 98: 17

بكل- جمع بكلة: 219: 11، 21 بكلة: 19: 21 البلاصى: 337: 12 البلاصية: 41: 8، 19- 258: 11، 23 بلاليق: 30: 2، 17 بليق: 30: 17 النفسج: 126: 22 بوزا (مشروب) : 219: 11، 22 بيت المال: 223: 5 ت تأمر- صار أميرا: 135: 9- 136: 5، 20- 149: 8- 354: 2 تجرد- خرج فى تجريدة: 135: 4- 146: 4- 166: 5 التجريدة- جماعة الخيالة لا رجالة فيها وليس معها أثقال:- 132: 5- 146: 5، 19- 260: 7- 271: 17- 330: 3- 346: 3 التخت: 98: 17، 18 تخت الملك: 3: 8- 197: 7- 211: 11- 242: 8 التخفيفة (العمامة) : 112: 4، 20 تخفيفة بقرون طويلة: 112: 21 تخفيفة كبيرة: 112: 20 تخلق الناس بالزعفران (أى تعطرت- حينما نصل السلطان من مرضه وخف عنه الألم) : 104: 7- 205: 1- 299: 14- 302: 12 تخليق المقياس: 277: 17، 19 تدبير الدولة: 103: 16 تدريس الحنابلة (أى وظيفة تدريس فقه الحنابلة) 93: 9 تدريس الحنيفية: 91: 3 التراجمين- جمع ترجمان: 304: 1 الترجمان: 303: 15 الترس الفولاذ: 230: 1 الترسيم: 139: 15- 233: 4- 303: 18 تركاش: 366: 7، 22 تسلطن- أى صار سلطانا: 44: 8- 109: 7- 111: 20- 119: 4-

125: 8- 129: 3- 132: 3- 146: 16- 150: 9- 162: 8- 166: 4- 167: 4- 168: 13- 195: 7، 15- 206: 17- 211: 4، 14- 221: 23- 235: 10- 237: 9- 239: 17- 240: 20- 242: 12- 246: 1- 248: 1- 251: 7- 267: 9- 281: 21- 346: 12- 351: 15- 360: 4 التشاريف- جمع تشريف: 60: 11- 90: 1- 172: 19- 202: 10- 227: 7 التشريف: 29: 15- 42: 17- 52: 6- 54: 6- 59: 4، 21- 90: 1- 224: 12- 225: 5 التشريف السلطانى: 282: 20- 365: 9- تشريف الوزارة- الخلعة الخاصة بالوزارة: 174: 8 تصدى للإسماع: 155: 15 تصدى للإقراء: 122: 7 تطليب- أى ترتيب الأطلاب- (فرق الجيش) : 17: 16 تفرد بأشياء عالية (شرف الدين بن الكويك) : 155: 15 تقادم ألوف: 201: 18 تقادم العربان: 63: 5 التقاليد- جمع تقليد: 202: 10 التقاليد المظفرية أحمد: 173: 1 التقدمة (الهدية) : 63: 14- 93: 17- 243: 8، 13، 16- 307: 17- 365: 7 تقدمة ألف (رتبة) : 41: 18- 56: 13- 116: 4- 117: 3، 9- 155: 8- 209: 1- 249: 12- 309- 18، 23- 321: 19- 337: 6 تقدمة التركمان: 63: 3 التقليد: 29: 15- 35: 5 تقليد النواب: 254: 23 التلكش 366: 22 التمر ننكيون: 333: 8 تنور: 44: 2، 4 التوقيع: 162: 8 ث ثانى رأس نوبة: 183: 1- 219: 13- 307: 17

ج الجاليش- رابة أو علم: 16: 16، 19 جاليش السفر: 16: 5- 44: 7 جاليش السلطان 46: 4 الجاليش- مقدمة الجيش: 18: 3، 19، 186: 11 الجاميكة: 70: 23- 71: 3- 129: 9- 277: 11- 330: 10، 13 جاندار: 38: 12 الجاويشية- جمع جاويش: 185: 9- 301: 13- 351: 10 الجباب- جمع جبة: 302: 22 الجراريف: 170: 16 الجرائحية: 344: 2 جرائد الخيل: 50: 10- 51: 17- 261: 10- 262: 13 جريدة (فرقة من الخيالة) : 45: 17 الجسور: 170: 16 الجكمية (اتباع جكم من عوض) : 208: 18 جمدارية: 340: 5 جمل بختى: 50: 11، 21 جمل نفر: 50: 11، 23 جملون 33: 5 الجنائب: 88: 6- 316: 8- 351: 10 الجند المرتزقة: 33: 21 جندى حلقة:- 71: 4 الجنزير: 82: 25 جنود الحلقة: 184: 22 الجوالى: 184: 19، 24 جوامك: 70: 16، 23- 258: 4- 314: 13- 330: 12 جوق- جمع جوقة وهى الفرقة: 38: 16 ح الحاجب 45: 15- 171: 17- 172: 17 الحاجب الثانى: 63: 2- 202: 17- 221: 1 حاجب الحجاب: 4: 4، 25- 10: 9- 12: 7- 18:

2- 23: 13، 18- 24: 3- 27: 3- 34: 11، 13- 35: 14- 38: 12- 61: 7- 71: 14- 100: 17- 136: 6- 179: 13- 182: 19- 188: 13- 195: 5- 201: 7، 15- 212: 1- 213: 14- 221: 6، 10- 253: 10- 254: 4- 255: 8- 276: 17- 289: 19- 304: 13، 14- 330: 6- 372: 17- 373: 1- حاجب حجاب حلب: 27: 5- 29: 11- 36: 17- 136: 19 حاجب حجاب دمشق: 66: 14- 93: 2- 202: 15 حاجب حجاب الديار المصرية: 56: 9، 11 حاجب صفد: 55: 2 حاكم أرزنكان: 99: 9 حاكم بغداد: 99: 13 حبسة الأراقة: 94: 8، 26 الحجاب- جمع حاجب: 112: 3- 125: 9- 173: 16- 300: 14- 301: 14 الحجوبية: 155: 8- 172: 18، 23- 254: 5 حجوبية الحجاب: 57: 9- 93: 4- 158: 20- 204: 13 حجوبية حلب: 12: 13- 57: 3، 24- 136: 21- 305: 13، 22 حجوبية دمشق: 29: 14- 66: 15 حجوبية طرابلس: 56: 10، 12- 61: 8 الحراريق- جمع حراقة: 86: 10، 11- 87: 4، 6، 8 الحراقة- سفينة: 7: 17، 23- 85: 6، 8، 9- 86: 8: 98: 15، 18- 99: 1- 100: 10- 101: 7، 19، 21- 102: 1، 5- 106: 15- 307: 13 الحراقة الذهبية: 86: 11- 87: 4 الحريم السلطانى: 169: 16 الحساب «علم الحساب» : 121: 5 الحسبة: 151: 5- 357: 13 حسبة القاهرة: 45: 15، 24- 122: 13- 171: 19- 203: 10- 222: 12- 235: 12- 283: 2- 337: 1 حسبة القاهرة ومصر: 165: 4 الحصاة «مرض» : 106: 18 الحضرة الشريفة: 52: 19

الحطى (لقب لملك الحبشة الأكبر) : 81: 13، 21- 324: 2، 19- 325: 4، 5، 12، 14 حمايات: 273: 11، 22 الحمى (مرض) : 106: 18 الحنفية (أتباع مذهب أبى حنيفة) : 198: 14- 207: 6 الحواميم (سور القرآن المبدوءة بلفظ حم) : 127: 5، 18 الحوطة على موجودة: 45: 8- 73: 16- 263: 10- 266: 15 خ الخاتون: 75: 7 خادم: 322: 3 الخازندار: 24: 6- 40: 5، 12- 57: 4، 6- 104: 16- 105: 16- 132: 6- 148: 4- 182: 18- 196: 9- 204: 1- 243: 3- 259: 14- 261: 19- 293: 12- 321: 20، 21 الخازندارية: 112: 3- 322: 2، 6 خازن الكتب: 91: 17 الخاصكى: 1: 10، 17- 112: 1- 115: 6- 239: 8- 245: 9- 353: 14، 15- 354: 2 الخاصكية: 1: 17- 27: 18- 61: 12- 106: 9- 111: 21- 128: 9- 136: 1، 5- 151: 9- 181: 12- 196: 16- 198: 8- 202: 8- 300: 19- 301: 19- 302: 8- 321: 5، 7، 13- 353: 11- 356: 10 الخاصكية السقاة الخاص الأعيان: 200: 9، 22 خام: 17: 3، 18- 53: 3 الخباط: 199: 1، 19 الخبز (أى الإقطاع) : 112: 8، 11- 116: 4- 172: 5 خبز فى الحلقة: 9: 10، 20- 70: 3 الختم- جمع ختمة: 264: 19، 24- 265: 1، 5- 266: 16 خجداش: 214: 17- 215: 13 خجداشية (جمع خجداش) : 184: 10، 21- 190: 4 الخدام- جمع خادم: 322: 3، 4 الخدم: 342: 3، 7، 9- 344: 1 الخدمة- الخدمة السلطانية- خدمة دار العدل: 49: 3- 65: 17- 96: 3- 98: 13-

101: 8- 102: 11- 103: 21- 168: 8، 13، 17- 169: 15- 194: 16، 18- 195: 1- 201: 4- 204- 11، 16- 205: 15، 17- 212: 13- 214: 9- 215: 18- 221: 2، 19، 21، 225: 14- 228: 5، 19- 240، 4، 5- 253: 3- 227: 10- 229: 6- 245: 18- 256: 6- 268: 20- 318: 5، 8، 21- 351: 6، 9، 20- 358: 18- 361: 21- 362: 3، 4 الخراج: 10: 17- 83: 6- 363: 11 الخرج- أى تخريج فوج من المماليك: 199: 7، 10 الخزام: 126: 17، 20 الخزامى: 126: 21 خزانة الخاص: 105: 14- 205: 24 خشداش: 108: 10- 132: 6- 143: 4- 227: 20- 245: 20 خشداشية: 108: 5، 16- 119: 1- 148: 7- 168: 3، 5- 184: 21- 185: 1- 191: 12- 193: 8، 9، 20: 194: 1- 195: 19- 196: 11- 207: 11- 208: 10، 20- 227: 9، 10، 21- 228: 11- 229: 5 خطابة الجامع المؤيدى: 91: 4، 17 خطابة القدس: 124: 12 الخط المنسوب: 138: 5، 22- 237: 12 خفايف الذهب والفضة (كانت تنئر على الأمراء فى المواكب) : 232: 3 الخلافة: 16: 10- 165: 11 الخلع- جمع خلعة: 242: 9- 358: 14 الخلعة: 49: 4- 77: 20- 91: 6- 169: 13، 14- 174: 7- 225: 5- 250: 20- 258: 17- 344: 5- 363: 6 خلعة الاستمرار: 61: 8- 62: 2- 171: 17- 172: 16، 17- 232: 5، 6- 305: 9- 326: 15 الخلعة الخليفتية السوداء: 242: 7 خلعة الرضى: 10: 10- 17: 2- 169: 15 خلعة السفر: 45: 16- 46: 3- 56: 16- 247: 21 252: 6- 253: 8- 272: 5- 285: 9- 305: 10- 307: 2- 359: 16- 367: 16

خلعة السلطنة: 3: 6، 15- 167: 11- 198: 6- 211: 8- 250: 17 خلعة القضاء: 77: 20 خلعة الوزارة: 259: 3 خلفاء الفاطميين: 3: 16 خلفاء الحكم: 159: 6 خلق المقياس: 7: 17- 87: 8- 255: 3- 346: 12 الخليفة: 35: 17- 46: 6- 60: 10- 68: 10- 103: 13، 109: 5- 114: 4، 15- 139: 13- 165: 6، 8، 19- 167: 17- 176: 12- 181: 14- 186: 12- 198: 9- 201: 5- 211: 15، 216: 6، 8- 219 7- 221: 3- 242: 6، 9 الخواجا: 1: 6 الخواص: 107: 13- 111: 13- 235: 7 الخوانق: 40: 6- 79: 19 الخوذ (جمع خوذة) : 325: 2 الخوذة 219: 13 خوند: 81: 10- 118: 8، 21، 22- 119: 10، 22- 144: 13- 145: 6- 167: 7- 185: 19- 190: 2- 197: 4- 215: 2- 220: 2- 244: 19- 366: 17 د الدراهم الأشرفية: 352: 9، 10 الدراهم البندقية: 352: 11، 25 الدراهم القبرسية: 352: 8 الدراهم القرمانية: 352: 7، 20 الدراهم اللنكية: 352: 7، 24 الدراهم المؤيدية: 352: 11، 26 الدستور: 287: 14، 20، 23 دقت البشائر: 3: 9- 6: 15- 21: 18- 22: 3- 80: 10- 189: 19- 203: 7- 205: 1- 211: 13- 224: 5- 278: 6- 292: 3- 296: 7 الدنانير الأشرفية: 284: 4- 311: 19 الدنانير المصرية: 40: 1، 2

الدهليز: 154: 8 الدوادار: 4: 7، 19- 9: 5- 10: 22- 13: 6- 14: 6- 26: 3- 33: 5- 34: 14- 36: 3، 9- 37: 19- 39: 16- 42: 20- 50: 1- 58: 21- 65: 13- 68: 9- 73: 16- 92: 17- 108: 13- 111: 7- 112: 2- 132: 1- 148: 4- 157: 13- 165: 9- 170: 18- 171: 3، 8 178: 3- 184: 5، 15- 187: 4، 8- 188: 3- 189: 8، 14- 191: 20- 196: 4، 11- 205: 3- 211: 19- 212: 21- 213: 8- 240: 9- 243: 6، 7- 258: 12- 259: 18- 260: 18- 261: 8، 9، 10- 288: 19- 313: 15- 321: 22- 337: 4- 367: 13 الدوادار الثانى: 10: 11- 24: 19- 39: 15، 18، 23- 57: 4- 64: 2- 77: 16، 22- 90: 11- 132: 3- 184: 13- 190: 10- 201: 11- 202: 1- 240: 19- 241: 1- 259: 15، 23- 273: 9- 276: 15- 309: 5- 312: 1- 313: 14، 22- 319: 15 الدوادار الثالث: 313: 14 الدوادار الكبير: 4: 2- 10: 12- 24: 6- 39: 15- 58: 7- 76: 18- 90: 9، 12- 90: 11: 23- 170: 9- 172: 12، 22- 182: 16، 17- 201: 9- 221: 4، 8- 224: 15- 227: 16- 246: 16- 264: 2، 20- 321: 4، 16، 24- 330: 6- 332: 14 الدوادارية: 241: 2- 246: 17 الدوادارية- جماعة: 112: 2 الدوادارية الكبرى: 39: 22- 132: 4، 6- 208: 3- 241: 1 الدواوين: 237: 22 دواوين السلطان:- 248: 5 دوران المحمل:- 86: 13، 14- 327: 4 الدوكات الإفرنتية:- 352: 25- الدولة الإخشيدية:- 23: 22 الدولة التركية:- 70: 7- 130: 12- 281: 8- 361: 2 الدولة الظاهرية ططر:- 371: 18 الدولة المؤيدة شيخ:- 136: 20- 142: 15- 151: 5- 158: 20- 161: 7- 201: 15- 239: 8- 254: 10- 240: 5- 371: 17- 373: 1

الدولة الناصرية فرج:- 8: 9- 23: 8- 71: 13، 14- 130: 10- 135: 9- 136: 20- 141: 10- 143: 2- 151: 17- 179: 14- 204: 14- 236: 6- 255: 9- 371: 17 الدينار الأشرفى:- 352: 2، 13 الدينار الإفرنجى (الإفرنتى) :- 35: 21- 226: 12- 352: 3، 13 دينار مشخص:- 311: 19 الدينار الناصرى- نسبة للناصر فرج بن برقوق: 16: 12 ديوان الإنشاء:- 18: 25 ديوان الجوالى:- 171: 21 ديوان الجيش:- 8: 25 ديوان الخاص:- 182: 23 ديوان السلطان:- 81: 16، 23- 82: 1 الديوان المفرد 24: 13، 21- 62: 6- 182: 16، 23- 222: 20- 319: 6 ذ الذخيرة:- 104: 14، 23 الذهب الأشرفى (الدنانير الأشرفية) :- 284: 1 الذهب الإفرنتى:- 284: 2، 3 الذهب المشخص:- 283: 12 ر رأس الميسرة:- 117: 9- 168: 12، 25 رأس الميمنة:- 168: 11. رأس نوبة:- 14: 18- 34: 12- 39: 23- 67: 1- 85: 17- 165: 15- 172: 7، 12- 179: 1- 192: 21- 196: 8- 199: 15- 202: 3- 258: 2- 269: 18- 271: 17- 281: 13- 283: 2- 288: 16- 291: 6- 307: 22- 321: 17 رأس نوبة الأمراء 128: 13 رأس نوبة ثان 39: 20- 146: 17- 317: 19- 319: 13 رأس نوبة الجمدارية:- 115: 7- 143: 6- 240: 19 رأس نوبة كبير:- 56: 6- 128: 20 رأس نوبة النوب:- 4: 3، 21، 22- 8: 13، 14- 24: 2- 34: 9- 38: 7، 8- 48: 1- 56: 4- 100: 16- 116: 3- 129: 15- 135: 10- 151: 11- 158: 3، 21-

172: 10- 177: 14- 181: 1- 182: 6- 189: 9- 196: 1- 201: 17- 204 15- 212: 2- 213: 14- 221: 9، 11- 227: 16- 229: 11- 239: 6، 9، 16- 240: 15- 249: 1- 255: 5- 264: 2، 4- 282: 13- 283: 4- 288: 12- 300: 10- 302: 3- 307: 4، 15- 321: 15- 350: 11- 354: 13، 22 رأس رءوس النوب:- 4: 23 الربط «جمع رباط» :- 154: 4 الربعة «نوع من المصاحف» :- 59: 12- 138: 5 الربيع:- 64: 11، 21- 227: 12- 228: 6، 9 الرخام:- 43: 13، 15، 16- 154: 7، 9 الرزق «العطاء أو الإقطاع» :- 71: 4، 7 الرزق «جمع رزق» :- 110: 12 الرسلية:- 240: 21 رسم:- 6: 6- 12: 12- 40: 3- 41: 6، 7- 44: 17- 45: 6- 46: 11- 56: 15- 59: 7- 63: 1- 72: 7- 73: 5، 17- 75: 4، 8- 86: 6، 14- 90: 15- 95: 11- 99: 14- 101: 9- 107: 10- 157: 13- 169: 20- 170: 3- 183: 6- 220: 20- 224: 10- 231: 19- 243: 1- 248: 3- 250: 9- 251: 19- 254: 7- 260: 6- 281: 9، 14- 282: 6- 298: 5، 9- 309: 10- 311: 2، 19- 350: 18- 352: 6- 364: 5- 366: 11- 372: 20- 373: 2، 7 رسوم الخلافة العباسية:- 3: 15 رسوم الخلافة الفاطمية:- 3: 17 الركب الأول من الحاج:- 12: 3 الركب العراقى «ركب المحمل العراقى» :- 64: 3، 4 الركب المصرى:- 310: 19 الرماح:- 196: 7 الرماحة:- 87: 1- 101: 4، 9- 372: 10، 11 الرمح:- 101: 3- 349: 13 رمى الأصناف على الناس «إلزامهم بشرائها» 17: 11، 20 الرنك: 26: 17 رهبان الحبشة:- 326: 1، 3

رءوس النوب:- 52: 8- 202: 2- 229: 5- 287: 13- 300: 17- 301: 14 رءوس النوب العشرات:- 159: 3 ريح مريسية:- 252: 8، 21 رئيس الأطباء:- 159: 16 ز الزحار «مرض» : 106: 22 الزحارة- الزحار. الزحير «مرض» :- 106: 18 الزرد خاناه: 349: 15 الزردكاش: 24: 17- 26: 4- 66: 14، 24- 337: 4- 349: 15 الزرديات: 325: 2 الزردية (الدرع) 196: 12، 13، 21 الزرنيخ: 96: 22 الزمام: 204: 1، 20- 231: 18- 322: 1- 354: 18 الزنارى: 267: 8، 18، 19 الزنان: 204: 20 الزنجير: 82: 18، 25- 364: 1 الزنوك «المراكب الصينية» : 362: 5، 20 زى الأمراء: 237: 9 زى الفقراء: 97: 22 س السادة الحنفية: 173: 19 الساقى: 1: 10، 21- 115: 7- 182: 20- 196: 7- 244: 15- 245: 9- 246: 2- 257: 12 سامرى «نسبة إلى طائفة السامرة» : 82: 13، 21 السبع المطولة «طوال سور القرآن الكريم» 127: 5، 19 السرباتية: 305: 19، 23 السرج 44: 18- 97: 16 سرج ذهب: 206: 1- 265: 11- 316: 4

السرحة: 74: 9 سرحة البحيرة: 25: 13- 74: 13- 92: 5- 106: 4 سرحة بركة الحاج: 74: 11 سرحة سرياقوس: 73: 10، 11 سرير السلطنة: 167: 6 سرير الملك: 167: 16 السقاء: 353: 12، 18- 354: 1، 2، 3 السقاة جمع ساق: 39: 1 السقاءون: 353: 11 السكة الإسلامية: 80: 8- 283: 14 السلاح المثمن: 325: 2 سلاطين المماليك: 16: 16 السلطانية (أتباع السلطان) : 36: 15 السلطنة: 1: 2، 8، 9، 10- 3: 1، 4، 6، 10- 4: 6، 8، 12- 6: 4- 47: 2- 58: 6- 103: 14، 23- 107: 10، 11- 109: 6- 114: 1، 5، 6، 15- 115: 6- 116: 1- 117: 12- 120: 2- 122: 1- 128: 1- 135: 1- 141: 1- 142: 13- 146: 1- 149: 1- 157: 1- 160: 1- 165: 8، 11، 20- 166: 9- 167: 1، 10، 11، 18، 21- 170: 2- 181: 2، 3، 12- 195: 15- 196: 15- 197: 7، 14- 198: 1، 8، 9، 10- 199: 18- 200: 6- 202: 7، 9- 203: 13- 206: 19- 207: 2- 209: 6، 13- 211: 31، 8، 13، 17- 214: 11- 230: 9- 233: 3: 239: 2- 242: 6، 10- 245: 2، 9، 14- 246: 20- 247: 1، 7- 248: 1، 17- 232: 11- 253: 18- 316: 6، 12- 321: 10- 366: 19- 368: 19- 370: 2 سلارى سمور: 341: 3 سلورة «نوع من السفن» : 270: 2، 17 السماط: 1: 21- 10: 25: 15: 4- 26: 11- 60: 14- 65: 6- 90: 20- 169: 12، 13- 173: 21- 178: 21، 22- 194: 17- 229: 7- 230: 6- 240: 3- 351: 13 السماع (حفل الذكر والإنشاد) : 22: 13- 38: 17

سمّره «ثبته فى جدار أو على عروسة خشبية بالمسامير» : 56: 25 سمل عينيه: 138: 1، 20 سنة تحويل: 363: 23 السنجق السلطانى: 351: 11 السيفية (الأمراء السيفية) : 108: 6- 112: 17 ش شاد الدواوين- وشد الدواوين: 31: 24- 151: 5- 237: 7 شاد السلاح خاناه: 142: 10 شاد الشرابخاناه: 14: 18، 24- 37: 15- 38: 9- 119: 12- 141: 4- 172: 9- 182: 11- 202: 5- 321: 19 شاد القصر السلطانى: 47: 9 الشبابة السلطانية: 301: 13 الشطفة: 88: 6، 21 شعار السلطنة: 3: 7- 198: 6 شعار الملك: 60: 8، 16- 167: 12- 211: 9 الشنبل «مكيال القمح بحمص» : 125: 17 الشيب: 317: 2 الشيح (نبات) : 126: 17، 24 شيخ الإسلام: 60: 2- 68: 4- 78: 18- 97: 10- 237: 15- 285: 18 شيخ خانقاه سعيد السعداء: 148: 9 شيخ الخانقاه الناصرية فرج: 95: 6 شيخ الصوفية: 266: 11 شيخ القراء: 122: 5 الشينى (نوع من السفن) : 364: 17، 22 ص الصاحب: 8: 10- 46: 9- 65: 7- 85: 20- 95: 11- 102: 13- 103: 2، 5- 105: 14- 137: 6- 144: 7- 147: 4- 162: 19- 171: 16- 174: 1، 6، 9، 10- 183: 13- 222: 21- 259: 3: 277: 8- 346: 5- 361: 1، 3، 15- 364: 3- 372: 6 صاحب بغداد: 53: 13 صاحب القلم: 247: 11

صر النفقة «أعدها فى صرة» : 369: 9، 22 الصرة: 223: 4، 13 الصنجق السلطانى: 187: 18، 23 الصوفية: 22: 13- 38: 16- 127: 13- 153: 20 صوفية خانقاه شيخون: 175: 5 الصيارف: 226: 7- 352: 6 ض ضرب السكة المؤيدية: 48: 11، 13 ط الطاسة «إناء» : 109: 15 الطبر: 320: 21- 351: 18 الطبردارية: 351: 10، 18 الطبلخاناه: 255: 9 الطبلخاناه 255: 9 الطبلخاناه «رتبة من رتب الأمراء» : 2: 1، 16- 52: 16- 85: 2- 307: 18- 321: 19 الطبلخاناه «طبول السلطان» : 120: 18 الطبيب: 110: 13- 207: 19 الطرائد (جمع طرادة) : 275: 20، 23- 276: 12 الطرحة الخضراء برقمات ذهب: 334: 10 الطشت خاناه: 205: 25 الطلب «الفرقة من العساكر» : 17: 21- 47: 8، 10- 100: 15 الطواشى: 40: 5، 12- 104: 16- 105: 15، 17- 143: 6- 154: 11- 171: 17- 196: 8- 203: 21- 204: 1- 231: 15، 17- 257: 17- 322: 4- 344: 8، 11 الطواشية: 71: 2 ظ الظاهرية «مماليك الظاهر برقوق» : 108: 5، 9- 130: 19- 146: 12- 208: 10- 228: 11 ع عرب الطاعة: 331: 8 عساكر دمشق: 331: 4 العساكر السلطانية: 21: 10- 290: 6 العساكر المصرية: 331: 1- 371: 16

العساكر المفلولة (المتفرقة) : 196: 18، 23 العسكر الحلبى: 34: 2 العسكر الشامى: 331: 6، 15 العسكر المصرى: 331: 6، 14- 334: 16 العشرات (أمراء العشرات) : 196: 6- 201: 21- 204: 17 عشران البلاد الشامية: 300: 2 العشير: 33: 7، 21- 287: 4 العصابة السلطانية: 185: 9، 21 العصر المملوكى: 199: 23 عظيم الدولة: 103: 1- 161: 7 العلامة (التوقيع- أو قلم التوقيع) : 173: 2- 229: 7 علم النجوم: 126: 3 العمامة: 112: 20 العنظوان «شجر أو نبت» : 126: 17، 23 العوام: 241: 11 العواتية: 353: 8 غ الغتمى: 218: 7 الغراب «سفينة حربية» 171: 1، 2، 22- 268: 8- 270: 2- 276: 16، 19- 347: 1 ف الفرائض «علم الميراث» : 121: 5- 150: 1 الفرجيات (جمع فرجية) : 302: 22 فرس النوبة: 3: 6- 167: 11- 211: 9 الفرنج: 266: 16- 268: 12- 272: 10 الفرو: 243: 10 فرو سمور: 45: 19- 65: 10 الفسقية «حوض النافورة» : 91: 1 الفسقية (عين الدفن فى المقبرة) : 118: 5 فقراء الروم: 160: 16 الفقهاء: 267: 4 فقهاء الترك: 20: 18

فقهاء الحنفية: 137: 5- 142: 14- 150: 11 فقهاء الشافعية: 114: 10- 159: 16 فن الرمح: 165: 14 فن الفروسية: 165: 13 فوقانى حرير كمخا أحمر وأخضر وبنفسجى بطرز زركش: 302: 6، 7، 22 فوقانى صوف: 351: 8 ق القاصد (الرسول) : 7: 6- 46: 7، 8- 48: 11- 51: 13- 53: 4- 54: 2، 4- 56: 24- 243: 2- 280: 5- 282: 15- 283: 7- 364: 9- 368: 16 قاضى الحنفية: 132: 10 قاضى الديار المصرية: 237: 26 قاضى العسكر: 142: 14 قاضى القضاة: 15: 18، 19- 19: 5- 21: 3- 26: 13- 35: 17- 41: 6- 60: 2- 72: 15- 77: 19- 78: 18- 91: 2، 6- 92: 2- 96: 1- 97: 10، 17- 102: 5- 107: 10- 114: 11- 122: 8، 9، 13- 123: 1، 7، 8- 137: 3- 142: 6- 145: 3- 150: 21- 160: 6- 176: 17- 204: 7- 221: 14- 237: 15- 238: 1، 6، 14، 16- 243: 20- 244: 6، 14- 267: 8- 269: 13- 271: 12- 276: 1، 2- 281: 22- 283: 3- 287: 6، 8، 9- 312: 6، 8- 316: 10- 324: 15- 336: 10، 13، 18- 338: 9- 354: 9، 10- 357: 11- 360: 17- 364: 12 قاضى قضاء الحنابلة: 26: 13- 271: 12- 287: 6، 7 قاضى قضاة الحنفية: 92: 2- 285: 17 قاضى قضاة دمشق: 114: 7- 122: 9- 137: 4- 266: 4، 8- 309: 12- 310: 4- 364: 8 قاضى قضاة الديار المصرية: 142: 7- 143: 10- 160: 7 قاضى قضاة زبيد: 132: 15 قاضى قضاة الشافعية: 66: 17- 204: 6- 217: 14- 251: 15- 267: 6- 269: 12 قاضى قضاة المالكية: 95: 6 قاضى الكرك: 256: 4

قاضى مكة: 126: 5- 150: 13- 238: 15 القباء: 45: 18 القبة والطير (المظلة) : 3: 7، 17- 60: 9- 198: 10- 211: 12 القراء (جمع قارىء) : 38: 15- 39: 3- 97: 6 قراءة الجيش: 212: 19، 20 القراق (القرقورة) : 279: 20 القراقير (جمع قرقورة) : 301: 22 القرانيص: (جمع قرناص) : 200: 17- 237: 1، 22 القرقل: 366: 7، 21 القرقور: 279: 20 القرقورة (نوع من السفن الحربية) : 279: 5، 20 القرناص (المملوك المرشح للإمرة) : 199: 16، 22 قرىء الجيش: 169: 3، 12- 212: 13- 229: 6، 19- 358: 12 قرىء الجيش وفرغت العلامة: 194: 16، 20 القسيسون: (جمع قسيس) : 365: 8 القصاد (جمع قاصد) : 46: 6- 47: 16- 172: 19- 183: 7- 361: 21- 368: 17 القصص (الشكاوى والطلبات) : 4: 20- 5: 22- 10: 26- 111: 7، 8- 173: 16- 175: 13- 194: 21- 229: 21- 361: 5 القضاء «وظيفة» : 269: 14- 327: 13 قضاء حلب: 161: 14 قضاء الحنابلة بدمشق: 93: 10- 312: 7 قضاء الحنفية: 336: 12- 357: 12- 364: 13 قضاء دمشق: 114: 10- 124: 7، 8- 125: 1- 359: 20، 21- 364: 11 قضاء الديار المصرية: 114: 14- 276: 2 قضاء زبيد: 133: 4 قضاء الشافعية: 336: 11- 354: 10 قضاء الشام: 124: 10 قضاء العسكر: 238: 4 قضاء غزة: 125: 5

قضاء القضاة: 15: 18- 238: 5 قضاء المالكية: 366: 13 قضاء المدينة النبوية: 132: 11 القضاة الأربعة: 46: 6- 103: 13- 167: 17- 173: 5- 186: 12- 362: 12، 14 قضاة حماة: 161: 12 قضاة دمشق: 274: 17 قضاة الشرع: 109: 19- 247: 12- 324: 5 قضاة القضاة: 176: 18- 267: 10 قطارات جمال: 343: 10 قطاع الطرق: 17: 20- 57: 1- 360: 6- 368: 3 قلم الديونة: 237: 6 قلم العلامة: 171: 11 القماش: 243: 10 قماش الخدمة: 276: 11- 312: 1، 16، 17 القماش المثمن: 107: 13 قماش الموكب: 266: 19، 22- 351: 8- 356: 18 قناصلة الفرنج: 303: 15، 16- 304: 1- 306: 9 القوال (المنشد) : 22: 14 القوس: 239: 2- 366: 7 قوس تترى: 219: 12 القياسر: 29: 7 ك كاتب السر الشريف: 5: 14، 21- 10: 22- 20: 9، 11- 21: 11- 29: 4- 42: 7- 63: 9، 13، 14- 74: 9- 75: 1، 2- 89: 8- 91: 5- 92: 11، 12، 15- 93: 14- 96: 16، 17- 98: 12، 15- 102: 4، 16- 104: 2- 106: 16- 111: 5، 22- 122: 9- 161: 7- 162: 9- 173: 8، 15- 174: 14، 18- 175: 3- 255: 15، 22- 256: 17- 264: 7- 265: 10- 267: 3- 273: 8-- 274: 8- 275: 8- 334: 9- 343: 12- 344: 3- 358: 4- 361: 2، 16 كاتب سر حلب: 345: 13 كاتب سر دمشق: 309: 14- 326: 14- 364: 8

كاتب المماليك: 223: 7، 11، 14 كاتب الوزير: 81: 18 الكاشف: 261: 3- 320: 8، 9- 337: 8 كاشف التراب: 320: 8 كاشف الجسور: 346: 9 كاشف الشرقية: 10: 15، 24 كاشف القبلية: 32: 14 كاشف الكشاف: 174: 12 كاشف الوجه البحرى: 43: 1 كاشف الوجه القبلى: 154: 11 كافل المملكة: 169: 14 كاملية سمور: 173: 10 كامليه مخمل بفرو سمور: 45: 1، 18 الكتاب- جمع كاتب: 8: 8- 271: 18 كتاب المماليك: 287: 17 كتاب سر الملوك: 92: 8 كتابة السر الشريف: 5: 16- 104: 21- 122: 12، 14- 142: 5- 161: 13- 173: 10- 174: 22- 175: 6، 8، 17- 256: 12- 265: 20- 269: 12- 273: 10، 13، 18- 274: 19، 22- 286: 4- 318: 12، 13، 15- 326: 7، 11، 21- 334: 20- 344: 4- 345: 15، 18، 19- 364: 5- 367: 6، 8 كتابة سر حلب: 345: 14، 20 كتابة سر دمشق: 277: 15- 359: 20، 22- 364: 12- 366: 10، 12 كتابة سر طرابلس: 237: 7 كتابة سر مصر: 309: 16- 345: 13، 24- 360: 18- 364: 9، 10 الكحالون: 3: 25 الكراكى: 61: 13، 18- 351: 13 الكشاف- جمع كاشف: 2: 17- 337: 13 الكشافة: 331: 8

الكشف: 337: 13- 357: 10- 360: 5 كشف البحيرة: 357: 8 كشف التراب بالغربية: 245: 15 كشف الوجه البحرى: 153: 3- 357: 10 كشف الوجه القبلى: 152: 13- 158: 22- 237: 10 الكشوفية: 360: 4 الكفالات (الولايات) : 173: 1 الكلف السلطانية: 251: 10- 346: 7 الكلفتة- الكلفتاة: 49: 5، 19- 351: 8 الكمخا الإسكندرانى: 52: 16، 21، 23- 302: 22 الكنابيش الزركش: 67: 5 الكنبوش- الكنبوش الزركش: 44: 18، 22- 206: 2- 265: 11- 306: 4 الكنجفة: 58: 2، 3، 23 الكواهى: 51: 15، 25 الكؤوسات: 217: 20 الكير: 360: 7 ل اللالا: 169: 13، 22- 206: 10- 211: 19- 213: 8- 221: 4- 246: 17- 276: 14- 321: 21- 322: 8 اللؤلؤ: 309: 10 م الماء الذي يطفى فيه الحديد (الزرنيخ) : 96: 22 مال له صورة- أى كثير: 175: 7 المباشرون: 8: 20- 41: 13- 74: 15- 92: 13- 176: 8- 267: 5، 13- 326: 16 مباشرو الدولة: 41: 12- 43: 13- 169: 18- 223: 2- 327: 3- 328: 10 المبشر: 189: 18 مبشر الحاج: 24: 18- 107: 6- 224: 1- 260: 4- 310: 6- 322: 10 المبيضة (الفاطميون) : 3: 16

المحتسب: 77: 4- 282: 2 محتسب القاهرة: 40: 14- 75: 13- 81: 14، 19- 84: 4- 165: 3- 281: 20 المحراب: 91: 4 المحفة: 46: 16- 55: 5- 74: 8- 96: 6- 98: 17- 102: 20- 105: 20- 106: 11، 14، 17- 146: 20- 186: 9، 20 المحمل: 34: 16- 45: 11- 86: 15- 87: 1، 2، 4- 103: 10، 11- 174: 3- 258: 1- 283: 5- 288: 3- 311: 18- 312: 3- 357: 19- 372: 10 محمل الحاج: 61: 10- 73: 20- 257: 17:- 319: 1، 21- 345: 8- 355: 17- 372: 9 محمل: 325: 14 مخيم: 33: 3- 35: 12- 45: 14- 47: 12، 15- 52: 2- 53: 15- 73: 10- 76: 16- 77: 4- 102: 3- 186: 8- 351: 13- 359: 17 المداح: 59: 13 المدافع (جمع مدفع) : 33: 2- 54: 1- 332: 7 مدبر الملك: 108: 2 مدبر المملكة: 103: 20- 169: 7، 9- 206: 9- 211: : 18- 221: 4- 227: 5- 246: 18 مدرس الحنفية: 266: 11- 270: 14 مدورة السلطان: 45: 11، 22- 186: 5- 372: 13 مذهب الحنفية: 206: 5 المراسيم: 5: 22 مراسيم النيابة: 10: 25 مراكز البريد: 89: 22 مرتبة السلطنة: 168: 9 المرسوم- المرسوم الشريف- مرسوم السلطان: 4: 9- 99: 26- 224: 18- 225: 4، 5- 243: 2، 5، 22- 247: 12، 14- 310: 7 المزين: 230: 8 المساطير: 73: 18، 22

مستوفى ديوان المفرد: 174: 5 المسودة (العباسيون) : 3: 16 المشاعلى: 310: 16 مشايخ الخوانق: 78: 10 مشايخ الزوايا: 78: 8 مشايخ العلم: 82: 16- 91: 8- 99: 13- 267: 2، 10 المشد: 31: 13، 24- 192: 4- 202: 5- 225: 12 مشد الاستيفاء: 312: 15، 22 مشد الدواوين: 315: 10 مشيخة التصوف: 285: 14 مشيخة الجامع المؤيدى: 91: 7- 92: 3 مشيخة خانقاه شيخون: 336: 13 مشيخة الشيوخ: 344: 19 مشيخة الصوفية: 91: 3- 270: 11 مشيخة صوفية خانقاه شيخون: 285: 18 المشير: 16: 1- 237: 4 مشير الدولة: 11: 2، 19- 62: 2 المطالعات: 361: 5 المطوعة: 268: 10- 270: 1- 278: 16- 287: 5- 294: 10، 20- 295: 6- 300: 2، 7 معدل القمح: 39: 9 معلم الرماحة: 86: 14، 24 المغانى (المغنيات) : 60: 13 المغص (مرض) : 96: 22 المفترجات: 43: 14 المقارع: 35: 7- 81: 19، 24- 286: 9- 321: 13- 354: 1 المقدم: 150: 15- 276: 19 مقدم ألف: 70: 11، 12، 21 مقدم التركمان: 63: 1

مقدم الحلقة: 71: 13 مقدم العساكر: 100: 13- 166: 6- 177: 18- 280: 3- 300: 7- 301: 7- 332: 10 مقدم المماليك السلطانية: 257: 18- 344: 9 مقدمو الألوف: 4: 25- 9: 5، 14- 36: 9- 66: 19- 90: 14- 93: 2- 100: 16- 119: 9- 120: 10- 149: 7- 182: 8- 188: 7، 14، 15- 195: 1- 200: 16- 204: 17- 212: 3- 225: 15- 231: 7- 236: 11- 249: 2- 254: 15- 255: 12- 259: 11- 283: 9- 288: 8، 10، 13، 19- 291: 3- 292: 12، 15- 300: 10، 11- 302: 4، 5- 305: 12- 309: 17- 319: 8- 340: 21- 344: 17- 372: 18 مقدمو الحلقة: 9: 21 مقدمو دمشق: 294: 19 مقدمو العساكر: 288: 6، 9، 11- 292: 21- 294: 21- 301: 19 المقدمون 182: 10، 15 مكاحل النفط: 20: 6- 332: 7 المكس: 271: 21- 310: 21- 314: 3 مكس الفاكهة البلدية والمجلوبة: 94: 9 مكس المراكب: 271: 18 المكسة: 153: 17 المكوس: 9: 16- 310: 20- 311: 1 الملاعيب (أنواع اللعب) : 112: 5 الملاليط- جمع ملوطة؛: 78: 23 الملطفات (رسائل التودد) : 261: 11، 12 ملوطة صوف أبيض: 78: 14، 23 ملوك الأقطار: 247: 11- 256: 16- 333: 15- 334: 4- 361: 21 ملوك الترك: 1: 5- 80: 11- 167: 7- 198: 12- 211: 16- 242: 14- 298: 2، 3 ملوك السلاجقة: 83: 23 ملوك العجم: 175: 2 ملوك الفرنج: 292: 6- 325: 5، 9

ملوك مصر: 90: 5 ملوك الهند: 120: 15- 372: 3 المماليك: 1: 6- 60: 9- 66: 12- 67: 14- 68: 22- 88: 6- 93: 23- 101: 12- 103: 20- 109: 12- 112: 14- 129: 9، 10- 130: 10، 16- 136: 5، 13، 19- 151: 10- 170: 15- 178: 17- 181: 19- 183: 4، 6- 185: 15: 187: 20- 194: 1، 5، 9- 195: 13- 196: 4- 199: 6، 7، 15- 201: 20- 202: 7- 208: 17، 20- 209: 13- 210: 2- 212: 9- 217: 14- 220: 2، 9- 222: 5، 16، 19- 223: 3، 4، 8، 9، 17، 20- 227: 11- 240: 3- 243: 7، 13- 253: 3- 259: 20- 261: 14- 262: 3- 275: 19- 278: 15- 284: 16، 18- 286: 1- 287: 4- 294: 10- 308: 9- 321: 7- 326: 19- 328: 5، 8، 20- 332: 18، 19- 337: 11- 338: 15- 339: 20، 24- 340: 6- 341: 6- 349: 11- 366: 2- 370: 19 المماليك الأجلاب: 326: 22 المماليك الأشرفية: 337: 14، 16 مماليك الأمراء: 70: 18- 71: 4- 168: 5- 340: 5 المماليك البحرية: 31: 17 المماليك البطالون: 260: 6- 261: 2 المماليك الجراكسة: 160: 15- 349: 14 المماليك الجلبان: 199: 9- 326: 16- 327: 21- 329: 3، 7- 330: 14- 356: 2 المماليك الرماحة: 101: 2- 345: 9 مماليك السلطان- المماليك السلطانية: 4: 21- 9: 5- 31: 13- 35: 2- 38: 12- 44: 13- 70: 16- 77: 3- 101: 3- 105: 18- 106: 12- 108: 6- 170: 1، 7، 14- 172: 1- 176: 8- 181: 12- 184: 22- 185: 7، 12، 14- 189: 16- 206: 7- 209: 1- 211: 19- 213: 6- 214: 5- 217: 7- 220: 9- 222: 14، 15- 223: 2، 5- 227: 3- 242: 11- 243: 18- 258: 4- 263: 21- 268: 7، 9- 271: 17- 275: 18- 284: 15- 286: 17- 287: 14، 22-- 288: 11- 294: 16- 295: 3، 6- 298: 6- 318: 7- 321: 11- 328: 1، 3، 14- 330:

4، 10- 332: 15- 340: 18- 346: 3، 20- 350: 13- 369: 5، 9، 20- 370: 17، 20، 21- 371- 5 مماليك الطباق: 198: 18- 204: 3 مماليك الطباق الكتابية: 199: 13 المماليك الظاهرية- مماليك الظاهر برقوق: 47: 1، 2- 120: 2، 12- 128: 8- 135: 8- 136: 19- 139: 18- 149: 8- 151: 4- 154: 17- 158: 19- 168: 3- 191: 2- 193: 9- 195: 18- 198: 17- 199: 5- 227: 9، 20 المماليك القرانيص: 326: 17 المماليك المشتروات: 327: 9 المماليك المؤيدية- مماليك المؤيد شيخ: 44: 1- 108: 14- 190: 14- 193: 8- 196: 2، 17- 207: 15، 22- 217: 8، 23- 329: 12- 371: 10 المماليك الناصرية: 47: 1- 200: 13 المملوك: 35: 5- 71: 4- 111: 9- 129: 9- 192: 21- 213: 2- 214: 17- 215: 13- 223: 18- 247: 11- 251: 17- 274: 3- 284: 14- 288: 20- 308: 11- 328: 2، 5- 330: 4- 340: 20- 350: 13- 363: 4- 369: 2 مملوك أمير: 176: 4 المنابر: 176: 15 منابر دمشق: 198: 11 المناجيق: 20: 6- 33: 2- 54: 12 المناشير: 171: 11- 204: 12 المنبر: 97: 4، 17، 18، 19-- 310: 9- 311: 7، 8 المنجنيق: 84: 9 المنشدون- جمع منشد: 38: 16، 17- 39: 3 منقل نار: 219: 11 المهم (الحفل) : 11: 6، 23- 254: 13 مهمات الدولة: 35: 10 المهمندار: 59: 8، 22- 157: 11- 273: 17 المواكب: 3: 21، 27- 171: 12- 229: 21 المواكب السلطانية: 6: 17

الموالى: 344: 1 الموسيقى: 152: 5 الموقع: 18: 25- 173: 7- 205: 10 الموتعون: 18: 14- 29: 5- 104: 13 موقعو الدست: 296: 11- 326: 10- 366: 12 الموكب: 3: 11- 7: 16- 10: 25- 18: 22- 90: 4- 104: 3- 107: 21- 171: 10- 185: 9، 10- 186: 13- 204: 8- 213: 1، 7- 217: 17- 221: 3، 18- 300: 19- 301: 3- 302: 10- 206: 5- 318: 7- 334: 11- 349: 17- 351: 8- 361: 4- 367: 8 الموكب السلطانى: 47: 18- 89: 18- 320: 6 المؤيدية- أتباع المؤيد شيخ المحمودى: 20: 5- 35: 6- 108: 16- 185: 1- 193: 14- 194: 6، 9، 15- 208: 9- 217: 19 مؤيدية فضة (دراهم مؤيدية) : 40: 8 مئزر صوف: 97: 14، 15 مئزر صوف صعيدى: 109: 14 ن الناصرية (الدنانير الناصرية) : 40: 4 الناصرية (المماليك الناصرية) : 208: 17 ناظر الأحباس: 142: 2 ناظر الإسطبل: 104: 4- 192: 7 ناظر بيت المال: 96: 10 ناظر البيمارستان المنصورى: 141: 1، 3 ناظر جدة: 362: 9 ناظر الجيش: 8: 10، 11، 24- 26: 23- 28: 16- 77: 16- 103: 2- 169: 4- 194: 20- 259: 11، 20- 67: 4- 272: 9- 309: 1- 347: 4- 354: 19- 356: 18 ناظر الجيوش المنصورة: 205: 9 ناظر الخاص: 8: 6، 19- 29: 1- 65: 8- 74: 5- 105: 14- 356: 21 ناظر الخزانة: 94: 15- 105: 15- 205: 9 ناظر الخواص الشريفة: 46: 10- 103: 6- 183: 13- 223: 1- 272: 18- 336: 17- 356: 19

ناظر الدولة: 273: 4 ناظر ديوان المفرد: 24: 13، 21- 95: 3- 102: 14- 161: 10- 174: 5- 264: 16 ناظر الكسوة: 147: 4 الناعورة (العمامة الكبيرة) : 112: 21 ناموس الملك: 111: 18 نائب الإسكندرية: 120: 16- 155: 7- 172: 15- 194: 14- 249: 11- 257: 21 نائب البيرة: 50: 16 نائب حلب: 6: 1- 13: 5- 16: 7- 27: 8- 31: 15- 33: 13- 36: 15- 44: 16- 46: 3- 47: 22- 49: 6، 9، 11- 51: 5- 53: 8- 55: 9، 11- 57: 13- 59: 5- 67: 12، 18- 69: 1، 6- 77: 13- 85: 14- 108: 14- 117: 6- 129: 15- 130: 2- 135: 16- 136: 3، 16- 144: 3- 148: 5- 177: 4، 17، 20، 23- 180: 17- 195: 3- 202: 11- 222: 4- 224: 4- 235: 17- 239: 6، 11- 248: 12- 249: 1- 254: 7- 305: 9- 332: 11- 347: 6- 350: 15- 370: 11 نائب حماة: 6: 1- 31: 14- 33: 4- 36: 18- 47: 13- 48: 1، 3- 50: 16- 53: 8- 85: 16- 92: 20- 135: 17- 184: 12- 187: 3- 190: 9- 202: 12- 254: 8 نائب دمشق: 31: 12- 32: 7- 34: 8- 59: 3- 115: 11- 164: 3- 261: 4 نائب دمياط: 148: 12 نائب الرها: 54: 4 نائب السلطنة: 316: 16 نائب الشام: 16: 8، 13- 31: 8، 23- 32: 22- 34: 15، 18- 36: 23- 37: 22- 44: 9، 10- 45: 16- 47: 12، 19- 48: 3- 49: 14- 50: 14- 52: 1- 55: 16- 56: 25- 57: 16- 58: 10- 59: 6- 62: 10، 11- 64: 5- 84: 1- 87: 16- 89: 18- 90: 10- 108: 13- 116: 9- 129: 3- 131: 15- 135: 5، 7، 21- 136: 8- 138: 13- 147: 17، 22- 154: 16- 171: 3- 175: 24- 179: 1- 184: 11- 187: 10، 12، 13- 190: 5- 192: 12، 13، 24- 193: 7، 21- 202:

14- 231: 10- 232: 1، 6- 240: 10، 22- 242: 6- 247: 21- 250: 6- 254: 11- 261: 22- 272: 4- 274: 5، 6، 17- 326: 12- 331: 4- 332: 10، 22- 349: 12- 350: 15- 358: 3، 14- 360: 20 نائب صفد: 11: 9- 33: 8- 47: 13- 48: 8- 56: 8- 151: 9- 181: 18- 188: 9- 202: 13- 225: 7- 248: 14- 250: 2، 9، 13- 260: 18- 262: 4 نائب طرابلس: 6: 1- 13: 10- 22: 2- 36: 18- 47: 12، 20- 48: 7- 53: 9- 56: 3- 65: 15، 20- 72: 24- 85: 16- 130: 4- 135: 16- 151: 15- 158: 18- 184: 12- 190: 8، 14- 192: 7- 201: 8- 202: 12- 222: 7- 251: 19- 280: 4- 284: 7- 308: 5- 318: 2 نائب عينتاب: 151: 1 نائب غزة: 7: 2- 8: 15- 16: 7- 31: 11- 33: 4- 36: 19- 47: 13- 93: 1- 135: 17- 149: 6- 184: 12- 190: 9- 201: 6- 202: 13 نائب الغيبة: 35: 13- 46: 11، 18- 92: 5- 137: 13- 186: 14، 22- 205: 6 نائب القدس: 10: 3- 262: 14 نائب القلعة (قلعة الجبل) : 12: 10- 62: 12، 14- 212: 2- 221: 10- 269: 9- 288: 13 نائب قلعة حلب: 34: 1- 58: 12 نائب قلعة دمشق: 93: 5- 202: 16 نائب قلعة الروم: 32: 1- 36: 19- 50: 16 نائب قيسارية: 80: 9 نائب كاتب السر: 192: 8- 265: 15- 274: 19- 326: 10- 345: 17- 361: 10- 364: 5 النائب الكافل: 1: 15 نائب كختا: 51: 2- 67: 8 نائب الكرك: 10: 7- 71: 15- 157: 16 نائب كركر: 55: 16 نائب المرقب: 66: 4 نائب مقدم المماليك: 344: 9

نائب ملطبة: 54: 17- 242: 16 نائب نكدة: 90: 3 نائب الوجه القبلى: 73: 7 نجاب: 360: 20 ندماء السلطان: 11: 8- 151: 20- 157: 8 النشاب: 129: 20- 218: 9- 262: 8- 290: 10- 328: 15- 331: 11، 17- 332: 1، 6- 349: 14- 360: 8- 366: 22 نشابة: 33: 11 نظام الملك: 172: 3- 173: 2، 5- 180: 12- 185: 6، 13- 188: 19- 221: 4، 12، 19- 222: 14- 223: 4، 12، 13- 226: 16- 229: 8، 14، 23 نظر الأحباس: 337: 2- 357: 13، 17 نظر الإسطبل السلطانى: 275: 1 نظر أوقاف الأشراف: 173: 7- 205: 11 نظر البيمارستان: 142: 3 نظر جدة: 367: 19 نظر الجيش: 173: 9- 174: 14- 205: 13، 23- 256: 10- 274: 8 نظر جيش دمشق: 122: 11 نظر الخاص: 8: 10- 74: 6- 105: 17- 137: 9- 171: 17- 174: 11- 273: 3- 336: 23 نظر الخزانة: 205: 12 نظر الدولة: 35: 10- 275: 14 نظر ديوان المفرد: 161: 3- 174: 2، 10 نظر الكسوة: 205: 12، 24- 235: 13 النقابون: 84: 9 النقباء: 39: 20، 23- 146: 18 نقيب الأشراف: 149: 14 نقيب الجيش: 173: 16- 175: 15 النواب: 2: 7- 5: 18- 6: 6- 30: 9- 31: 10، 23- 33: 3- 36: 23- 41: 1، 9- 136: 16- 191: 18-

332: 15، 16، 17، 18، 19- 345: 5 نواب الأقطار: 202: 10 نواب البلاد الشامية: 47: 18- 172: 19- 331: 4- 333: 20- 350: 17- 371: 16 نواب الحكم الحنفية: 147: 5- 160: 10 نواب الحكم الشافعية: 100: 2 نواب السلطان: 247: 13 نواب القاضى الحنفى: 41: 11 نواب القاضى الشافعى: 41: 10 نواب القاضى المالكى: 41: 11 نواب القضاة: 40: 16، 18- 41: 5- 345: 4، 22 نواب القلاع: 7: 5 نواب الممالك الشامية: 181: 6 نوروز القبط بمصر (عيد النوروز) : 198: 5- 363: 11 النوروزية (أتباع نوروز الحافظى) : 20: 4 نيابة أبلستين: 51: 15 نيابة الإسكندرية: 16: 2، 14- 24: 8- 30: 13- 41: 16- 42: 3- 155: 10- 205: 3- 209: 3- 237: 10- 249: 14- 251: 18- 257: 8، 11- 337: 5، 6- 254: 13 نيابة البحيرة: 366: 6 نيابة بهسنا: 53: 11 نيابة حلب: 12: 11- 15: 16- 37: 19- 39: 16- 56: 4- 58: 7، 9، 16- 61: 4- 116: 3- 120: 5- 128: 10- 138: 12، 13- 178: 23- 181: 16- 182: 7- 189: 9، 22- 192: 1- 201: 12- 222: 7- 224: 5، 19- 225: 5- 239: 11- 241: 2- 248: 13- 254: 9- 306: 13- 308: 18 نيابة حماة: 22: 3- 38: 5- 56: 7- 66: 14- 92: 21- 138: 11، 13- 224: 8، 10- 254: 9، 12، 16، 22 نيابة درندة: 52: 8 نيابة دمشق: 2: 8- 6: 12، 22- 9: 1- 15: 13- 30: 8- 45: 5- 59: 20- 61: 6- 115: 3- 116: 13- 117: 4- 118: 1، 4- 119: 6- 135: 12، 14- 155: 3- 161: 13- 177: 15- 189: 8-

232: 6- 236: 9- 241: 3- 254: 7- 359: 10 نيابة دوركى: 52: 10 نيابة السلطنة: 80: 10- 365: 11 نيابة سيس: 49: 13- 93: 6 نيابة الشام: 11: 11، 24- 58: 19- 90: 21- 103: 18- 128: 14- 138: 17، 19- 168: 12- 183: 9- 254: 21- 264: 3- 358: 7، 14، 23- 359: 5، 13 نيابة صفد: 11: 14، 24- 15: 15- 27: 7- 29: 13، 15- 56: 27- 65: 20- 67: 1- 90: 14- 119: 6- 151: 12- 154: 18- 188: 9- 236: 8- 248: 17- 249: 21 نيابة طرابلس: 2: 5، 6، 7- 12: 14- 22: 4- 38: 1- 65: 20- 66: 2، 9- 73: 6، 7، 11- 92: 20- 119: 6- 120: 5- 138: 11- 151: 11- 158: 22- 159: 1- 224: 10، 12، 18- 237: 8- 245: 16، 18- 246: 3- 252: 3- 253: 11- 258: 22- 306: 12- 308: 20- 318: 4- 319: 2 نيابة طرسوس: 93: 3- 319: 6 نيابة غزة: 15: 17- 22: 10- 34: 6- 93: 10- 189: 11- 319: 14، 24- 321: 17 نيابة الغيبة: 17: 17، 24- 46: 1- 186: 15- 203: 3 نيابة قلعة الجبل: 46: 2- 269: 19 نيابة قلعة حلب: 12: 12- 61: 6- 192: 21 نيابة قلعة دمشق: 56: 13- 66: 4 نيابة قلعة الروم: 22: 4- 53: 10 نيابة قلعة صفد: 248: 16 نيابة كتابة السر: 104: 5 نيابة كختا: 55: 3 نيابة الكرك: 157: 16 نيابة كركر: 55: 2 نيابة مرعش: 51: 16 نيابة المرقب: 66: 5

نيابة مقدم المماليك: 344: 11 نيابة ملطية: 52: 10- 309: 18، 23 نيابة الوجه القبلى: 73: 9 هـ الهرجة (دينار هرجة) : 100: 12، 23 هرش الدراهم: 226: 8 الهودج: 186: 20 والوالى: 282: 7- 356: 7- 364: 2 والى دمياط: 284: 14 والى القاهرة: 29: 2- 31: 21- 65: 18- 73: 16- 360: 1- 363: 1 والى الولاة: 10: 26 الوتر: 239: 2، 3 وجوه الأمراء: 255: 2 وجوه الدول: 240: 5 الوزارة: 125: 9- 141: 10- 152: 12- 368: 5 الوزر: 137: 9- 153: 7- 237: 10- 251: 12- 275: 13- 346: 6- 361: 2، 3، 4، 12- 364: 4 الوزير: 8: 6، 7، 19- 10: 15- 17: 1- 35: 7- 62: 2- 65: 18- 66: 3، 10- 74: 2، 5- 78: 10- 79: 18- 125: 7- 137: 6- 141: 8- 144: 7- 152: 7- 163: 6- 237: 4- 247: 11- 251: 22- 255: 18، 20- 258: 4- 259: 2- 314: 12، 16- 315: 1، 4، 11- 316: 19، 20- 327: 16- 356: 3- 368: 4 وسط: 10: 3، 5، 16- 56: 26- 57: 1- 65: 1، 2- 119: 13- 120: 2- 208: 6 الوطاق: 86: 3، 10- 262: 11 الوقيد: 64: 16- 93: 14 وكالة بيت المال: 235: 13 وكيل بيت المال: 147: 4 الولاة: 2: 15، 18 ولاة الأعمال: 63: 5

الولايات: 18: 25 الولاية: 172: 23 ولاية الأعمال: 200: 5 ولاية القاهرة: 108: 20، 22- 151: 5- 171: 17- 172: 17، 18- 373: 16 ولاية القضاء بالأعمال: 205: 19 ولاية فطيا: 152: 12- 153: 1 ى يتأمر- يصير أميرا: 112: 3 يتسلطن- يصير سلطانا: 193: 13- 236: 15

فهرس وفاء النيل من سنة 815 - 824

فهرس وفاء النيل من سنة 815- 824 ص سطر وفاء/ النيل/ سنة/ 815/121/7 وفاء/ النيل/ سنة/ 816/127/14 وفاء/ النيل/ سنة/ 817/134/12 وفاء/ النيل/ سنة/ 818/140/3 وفاء/ النيل/ سنة/ 819/145/10 وفاء/ النيل/ سنة/ 820/148/14 وفاء/ النيل/ سنة/ 821/156/5 وفاء/ النيل/ سنة/ 822/159/18 وفاء/ النيل/ سنة/ 823/166/12 وفاء/ النيل/ سنة/ 824/241/12

فهرس أسماء الكتب الواردة بالمتن والهوامش

فهرس أسماء الكتب الواردة بالمتن والهوامش االأعلاق الخطيرة- لابن شداد (محمد بن على بن إبراهيم. أبو عبد الله عز الدين بن شداد الأنصارى الحلبى) : 33: 18 الأعلام (للزركلى) : 149: 24 الألفاظ الفارسية المعربة (لآدى شير الكلدانى الأثورى) : 70: 24 الألقاب الإسلامية (للدكتور حسن الباشا) : 11: 19 ب البحرية فى مصر الإسلامية (للدكتورة سعاد ماهر) : 171: 22- 270: 18- 275: 24- 279: 21- 362: 22- 364: 24 بلدان الخلافة الشرقية (للسترنج- ترجمة بشير فرنسيس وكوركيس عواد) : 53: 18- 84: 23 ت تحفة الإرشاد: 351: 20 تشريف الأيام والعصور (لابن عبد الظاهر- تحقيق الدكتور مراد كامل) : 48: 21- 68: 20- 352: 22 ح الحاوى (للماوردى) : 161: 11 حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور (لأبى المحاسن يوسف بن تغرى بردى) : 353: 1، 21 خ الخطط التوفيقية (لعلى مبارك) : 14: 22- 28: 19- 31: 19- 44: 23- 46: 23- 61: 22، 25- 63: 26- 74: 21، 23- 78: 20- 79: 22- 94: 22، 25- 152: 23- 154: 21- 163: 21- 175: 22- 180: 26- 209: 21- 309: 20 الخطط (المواعظ والاعتبار فى الخطط والآثار للمقريزى) : 8: 16- 26: 18، 20- 28: 25- 31: 18- 38: 23- 46: 22- 63: 24- 74: 19- 82: 24- 85: 22- 86: 27- 96: 11- 163: 20- 223: 20- 233: 21- 302: 21- 312: 22 د دار الضرب المصرية (كشف الأسرار العلمية بدار الضرب المصرية لمنصور بن بعرة الذهبى- تحقيق الدكتور عبد الرحمن فهمى محمد) : 100: 24 دائرة المعارف الإسلامية (ترجمة إبراهيم خورشيد وآخرين) : 120: 22- 318: 24 ذ الذيل على رفع الإصر (للسخاوى- تحقيق الدكتور جوده هلال ومحمود صبح) :

114: 23- 122: 20- 125: 19 ر الروض الزاهر فى سيرة الملك الظاهر ططر (للبدر العينى- تحقيق الشيخ الكوثرى) : 6: 20 س السلوك فى معرفة دول الملوك (للمقريزى- تحقيق الدكتور محمد مصطفى زيادة) : 7: 22- 31: 25- 48: 20، 22- 64: 21- 138: 23- 245: 4- 267: 20- 314: 23- 331: 20- 336: 6، 20- 351: 18- 352: 22- 366: 22 السيف المهند فى سيرة الملك المؤيد (للبدر العينى- تحقيق فهيم شلتوت) : 4: 18- 6: 21- 48: 17- 76: 19- 122: 23- 131: 17- 281: 24 ش شذرات الذهب (لابن العماد) : 137: 20- 141: 21، 22- 149: 23- 160: 20 شرح البخارى (للحافظ ابن حجر) : 336: 5 الشعر الشعبى (للدكتور حسين نصار) : 30: 18 ص صبح الأعشى (للقلقشندى) : 1: 15، 22- 2: 15، 18- 3: 18، 22، 25- 4: 14، 20، 23، 26- 5: 23- 8: 20، 23، 26- 9: 22، 25- 10: 23- 11: 21- 13: 17، 19، 21، 24- 14: 25- 17: 25- 18: 18، 26- 22: 19، 22- 24: 22- 27: 22- 33: 27- 48: 23- 49: 21، 26- 50: 25- 51: 19، 21- 54: 21- 68: 24- 81: 21- 83: 23- 84: 20، 24- 89: 21- 120: 18- 124: 23- 142: 22، 24- 149: 22- 150: 2- 180: 22، 24- 183: 21- 184: 23، 25- 185: 22- 187: 23- 188: 20- 204: 21- 225: 23- 284: 23- 304: 21، 23- 306: 24- 314: 20- 348: 20- 352: 25- 355: 19، 24 صحاح الجوهرى: 133: 9- 134: 5 صحيح البخارى: 59: 11- 267: 1، 6، 7، 14 ض الضوء اللامع (للسخاوى) : 12: 21- 25: 21- 114: 20، 23- 116: 19، 23، 26- 119: 26- 120: 20- 121: 10، 12- 122: 19، 20- 123: 21- 124: 16، 20- 125: 17، 20، 24، 26- 127: 17، 20- 129: 22- 130: 17، 19، 21، 25- 131: 18- 132: 16، 20، 23- 136: 22- 137: 21، 22- 142: 16، 20، 21، 26- 143: 19، 20، 23- 144: 20، 24- 145: 14- 147: 19، 21- 148: 18- 155: 23- 160: 19، 22-

161: 21، 23- 235: 22- 237: 24- 350: 20 ع عقد الجمان (للبدر العينى- مخطوط) : 96: 16- 281: 23 غ غاية الأمانى فى أخبار القطر اليمانى (ليحيى بن الحسين- تحقيق الدكتور محمد سعيد عاشور) : 315: 23 ق القاموس الجغرافى للبلاد المصرية القديمة (لمحمد رمزى) : 115: 29- 351: 23 قاموس دوزى: 30: 17- 78: 23 القاموس العصرى: 325: 22 القاموس المحيط (للفيروزبادى) : 133: 2، 7، 8 القاهرة (لفؤاد فرج) : 28: 26 القاهرة تاريخها وآثارها من جوهر القائد إلى الجبرتى (للدكتور عبد الرحمن زكى) : 30: 20 قطر المحيط (للبستانى) : 52: 23 قوانين ابن مماتى: 351: 20 كشف الظنون (لحاجى خليفة) : 149: 23 ل لسان العرب (لابن منظور) : 106: 22- 126: 23، 24- 199: 19- 252: 22- 320: 23 م محيط المحيط (للبستانى) : 8: 16- 50: 22- 196: 20، 23- 206: 22 مراصد الاطلاع (للبغدادى- تحقيق على البجاوى) : 57: 26- 74: 21- 272: 23- 290: 22 معجم البلدان (لياقوت الحموى) : 12: 24- 13: 20- 22: 17، 21- 27: 21- 48: 25- 49: 24- 53: 24، 25- 54: 23- 69: 21- 80: 22- 83: 23- 84: 18- 85: 25- 119: 19- 131: 19- 132: 25- 187: 21- 248: 23- 282: 23- 284: 23- 290: 22- 309: 22- 322: 22- 335: 21- 348: 22- 355: 22 المعجم الوسيط (للمجمع اللغوى) : 18: 20- 112: 24- 271: 22 معيد النعم ومبيد النقم (للسبكى) : 31: 25 مفرج الكروب (لابن واصل- تحقيق الدكتور جمال الشيال) : 57: 25 الملابس المملوكية (ل. ا. ماير- ترجمة صالح الشينى) : 45: 19- 52: 22- 112: 22 المنجد (أعلام الشرق والغرب) :

62: 22- 187: 22- 268: 22- 270: 21، 23 المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى (لابن تغرى بردى) : 130: 25- 131: 1- 133: 10، 24- 151: 22- 154: 2، 19- 161: 19- 238: 7- 305: 20- 313: 9 الموطأ (للإمام مالك) : 147: 10 ن النظم الإقطاعية فى الشرق الأوسط فى العصور الوسطى (للدكتور إبراهيم على طرخان) : 9: 21- 10: 18- 16: 28- 33: 22- 183: 22- 184: 23- 199: 23- 273: 23

فهرس الموضوعات

فهرس الموضوعات صفحة ذكر سلطنة الملك المؤيد شيخ المحمودى على مصر 1 ترجمة المؤيد شيخ. مبايعته بالسلطنة فى مستهل شعبان سنة 815 هـ 3 الأمير نوروز الحافظى نائب الشام يخرج عن الطاعة ويرفض سلطنة المؤيد شيخ 4 الأمير صارم الدين إبراهيم ابن السلطان المؤيد يتزوج بنت الملك الناصر فرج ابن برقوق 11 الأمير نوروز الحافظى يستولى على حلب ويولى أتباعه وظائفها 12 الأمير دمرداش المحمدى نائب حلب يحضر إلى القاهرة 14 السلطان يقبض على دمرداش المحمدى وعلى ابنى أخيه الأمير قرقماس والأمير تغرى بردى سيدى الصغير 15 السلطان يخلع المستعين بالله العباس من الخلافة 16 السلطان ينفق فى الأمراء والمماليك استعدادا للسفر إلى الشام لحرب الأمير نوروز الحافظى 16 رحيل السلطان من قلعة الجبل هو والأمراء والعساكر إلى الشام فى رابع المحرم سنة 17 817 هـ. وصول السلطان إلى خارج دمشق فى ثامن صفر. عرض الصلح على نوروز ورفضه له. نوروز يتحصن بالقلعة فيحاصره المؤيد بها قصة الصلح بين السلطان ونوروز والأيمان التى حلفت ثم نقض الصلح والقبض على نوروز وأتباعه وإعدامهم 20 السلطان يرحل من دمشق إلى حلب ويمهد أمورها وأمور البلاد التى حولها ثم يعود إلى دمشق ومنها إلى القاهرة 21 الحرب بين الأمير محمد بن عثمان ملك الروم وبين محمد بك بن قرمان وهزيمة ابن قرمان 25.

السلطان يبدأ فى إنشاء سد بين جزيرة الروضة والجامع الناصرى الجديد بساحل دير النحاس. اشتراك كافة الطوائف فى الحفر وعمل السد. فيضان النيل يهدم السد 26 حفر أساس الجامع المؤيدى بباب زويلة 30 خروج قانى باى المحمدى نائب الشام عن الطاعة، وتولية ألطنبغا العثمانى فى نيابة الشام. وقوع الحرب بينهما 30 السلطان يتأهب للسفر إلى الشام ويغادر قلعة الجبل فى عشرين رجب سنة 818 هـ ويصل إلى دمشق فى سادس شعبان 35 هزيمة أصحاب فانى باى على مدينة سرمين والقبض على بعضهم، وفرار الآخرين إلى الشرق. دخول السلطان إلى حلب والقبض على قانى باى وإعدامه. عود السلطان إلى الشام ثم إلى القاهرة، ونزوله بخانقاه سرياقوس وإقامة حفل كبير بها 36 السلطان المؤيد ينظر فى معايش الناس بنفسه ويتولى شئون الحسبة. ويأمر بتفريق بعض الأموال فى الجوامع والمدارس والخوانق، ويجلب الغلال من الصعيد للتوسعة على الفقراء ولمكافحة الغلاء 39 السلطان يعزل جميع نواب القضاة الأربعة، على أن يقتصر العدد على ثلاثة نواب لكل قاض 40 انتشار الطاعون بالقاهرة 41 السفرة الثالثة للسلطان إلى الشام. إقرار الأمور فى حلب ونواحيها وإخضاع أمراء التركمان، والاستيلاء على قلاعهم، ثم عودة السلطان إلى دمشق 44 قصة آقباى نائب الشام ومشتراه من نقود المقامرة 58 هرب آقباى من سجنه والقبض عليه ثم قتله 62 صورة من الاحتفالات التى يكون فيها الوقيد على سطح النيل 64

السلطان يعزم على السفر إلى الحجاز ويستعد له، ثم يعدل بسبب حركة قرايوسف إلى حلب 66 المناداة فى القاهرة بكفر قرا يوسف وضرورة قتاله 67 تقسيم عسكر مصر من وجهة نظر المؤلف 70 الأمير برسباى نائب طرابلس يحارب التركمان الجافلين من وجه قرا يوسف وينهزم أمامهم فيعز له السلطان ويعتقله بقلعة المرقب ويولى بدله سودون القاضى 73 السلطان يقرر سفر العساكر إلى الشام بقيادة ولده صارم الدين إبراهيم 75 سقوط مئذنة الجامع المؤيدى وغلق باب زويلة وما قيل فى ذلك 75 السلطان يودع ولده والأمراء والمماليك والعساكر المسافرين إلى الشام 77 الطاعون ينتشر بالبلاد المصرية 77 المناداة بصيام ثلاثة أيام والخروج إلى الصحراء مع السلطان والتضرع إلى الله ليرفع الطاعون 77 تقدير المقريزى لعدد الموتى بالطاعون 80 السلطان ينكر على بطرك النصارى ما يفعله الحطى بالمسلمين فى الحبشة 81 المقام الصارمى إبراهيم يمهد البلاد الحلبية والقلاع المحيطة بها من بلاد الروم ويؤدب العصاة من التركمان 83 السلطان ينزل بدار ناصر الدين بن البارزى بساحل بولاق، وينزل الأمراء بالدور حوله، وتعمل الخدمة ببولاق وتمد الأسمطة بها ويحتفل فيها بدوران المحمل، ثم يتوجه السلطان إلى الروضة فيخلق المقياس ويفتح سد الخليلج إيذانا بوفاء النيل 84 المقام الصارمى إبراهيم يعود إلى حلب بعد أن أقر الأمن فى القلاع الرومية 87

الأمير ناصر الدين محمد بن دلغادر نائب قيسارية يهزم محمد بن قرمان ويقبض عليه ويقتل ولده مصطفى ويرسل برأسه إلى القاهرة 88 عود المقام الصارمى إبراهيم إلى مصر واستقبال السلطان له خارج القاهرة 89 الاحتفال بافتتاح الجامع المؤيدى بعد فراغ العمل به 90 الشروع فى بناء منظرة «الخمس وجوه» بجوار التاج خارج القاهرة 94 السلطان يبطل مكوس الفاكهة المحلية والمجلوبة 94 ابتداء مرض المقام الصارمى إبراهيم بن السلطان الذي مات فيه 94 السلطان يأمر بإعادة عمارة الميدان الناصرى الكبير بموردة الجبس 95 وفاة المقام الصارمى إبراهيم ودفنه بالجامع المؤيدى 96 توقف زيادة النيل وغلاء الأسعار والمناداة بصيام ثلاثة أيام ثم الخروج إلى الصحراء للاستسقاء 97 قرا يوسف يحارب ولده شاه محمد العاصى ببغداد ويهزمه 98 السلطان يسبح فى النيل مع زمانة رجله بين عجب الناس من قوة سباحته، ثم يأمر بهدم مسجد الروضة وإعادة بنائه وترميم بلاط رباط الآثار 98 الحرب بين الأمير عثمان بن طر على المدعو قرايلك وبين بير عمر نائب قرا يوسف على أرزنكان وهزيمة بير عمر وقتله وإرسال رأسه إلى القاهرة 99 السلطان يزوج ابنته للأمير الكبير الطنبغا القرمشى 100 خروج الأمراء والعساكر إلى الشام 100 السلطان يعهد بالسلطنة إلى ولده الأمير أحمد بحضرة الخليفة والقضاة وكبار الأمراء ثم يحلفهم على ذلك كما هى العادة 103 السلطان يلزم أعيان الدولة بأن يعمروا الدور والقصور حول منظرة «الخمس وجوه» 105

السلطان يتلقى خبر موت قرا يوسف مسموما وهو على فراش الموت فلم يتم سروره لشغله بنفسه 107 اختلاف الأمراء على السلطة قبيل وفاة السلطان 108 وفاة السلطان الملك المؤيد قبيل ظهر تاسع المحرم سنة 824 هـ 109 رأى المقريزى فى السلطان المؤيد شيخ 109 رأى المؤلف فيه. موقف طريف للمؤلف وهو صغير مع السلطان 110 السنة الأولى من سلطنة الملك المؤيد شيخ على مصر وهى سنة 815 هـ 114 ترجمة والد المؤلف الأتابك تغرى بردى بن عبد الله من بشبغا 115 السنة الثانية من سلطنة الملك المؤيد شيخ على مصر وهى سنة 816 هـ 122 السنة الثالثة من سلطنة الملك المؤيد شيخ على مصر وهى سنة 817 هـ 128 ترجمة الأمير سيف الدين نوروز بن عبد الله الحافظى نائب الشام 128 السنة الرابعة من سلطنة الملك المؤيد شيخ على مصر وهى سنة 818 هـ 135 ترجمة الأمير قانى باى المحمدى الظاهرى نائب الشام 138 السنة الخامسة من سلطنة الملك المؤيد شيخ على مصر وهى سنة 819 هـ 141 السنة السادسة من سلطنة الملك المؤيد شيخ على مصر وهى سنة 820 هـ 146 السنة السابعة من سلطنة الملك المؤيد شيخ على مصر وهى سنة 821 هـ 149 السنة الثامنة من سلطنة الملك المؤيد شيخ على مصر وهى سنة 822 هـ 157 السنة التاسعة من سلطنة الملك المؤيد شيخ على مصر وهى سنة 823 هـ 160 ترجمة ناصر الدين محمد بن البارزى كاتب السر وعظيم الدولة المؤيدية 161 ترجمة الأمير قرايوسف متملك العراق وتبريز 163 ذكر سلطنة الملك المظفر أحمد ابن السلطان المؤيد شيخ على مصر 167 ترجمة الملك المظفر أحمد. الأمير ططر يعمل للاستيلاء على السلطة. ويجلس 175

رأس الميمنة ويتكلم فى شئون الدولة، ويقبض على مخالفيه من الأمراء، ويستميل أجناد الحلقة، ويخالف وصية السلطان المؤيد الأمير جقمق نائب الشام يخرج عن الطاعة ويستولى على قلعة دمشق 175 تفويض الأمير ططر جميع أمور الرعية 176 الأمير ألطنبغا القرمشى لا يوافق الأمير ططر على ما قام به وططر يجيب بأن هذا هو رأى الأمراء والخاصكية والمماليك السلطانية 181 الأمير ألطنبغا القرمشى يختلف مع جقمق نائب الشام ويحاربه ويهزمه ويستولى على دمشق ويعلن بطاعة السلطان وططر جقمق يتجه إلى صرخد 187 دخول السلطان المظفر أحمد والأمير ططر إلى دمشق، والقبض على ألطنبغا القرمشى 188 تزوج الأمير ططر بأم السلطان المظفر أحمد 290 قتل ألطنبغا القرمشى 191 الأمير ططر يتوجه بالسلطان والعساكر إلى البلاد الحلبية 191 القبض على الأمير جقمق نائب الشام بعد نزوله من قلعة صرخد بالأمان ثم قتله فيما بعد 192 خلع السلطان الملك المظفر أحمد من السلطنة فى عشرين شعبان سنة 824 هـ 197 ذكر سلطنة الملك الظاهر سيف الدين أبى الفتح ططر على مصر 198 ترجمة الملك الظاهر ططر. كلام المقريزى فى ذلك ورد المؤلف عليه 198 الظاهر ططر يمهد أمور دمشق ثم يغادرها إلى الديار المصرية 202 ابتداء مرض الموت بالملك الظاهر ططر 204 الإفراج عن الخليفة المستعين بالله العباس من سجن الإسكندرية 205 الملك الظاهر ططر يعهد بالملك لولده الأمير محمد بحضور الخليفة والقضاة والأعيان 206

وفاة السلطان الملك الظاهر ططر فى ضحوة الأحد رابع ذى الحجة سنة 824 هـ. رأى المقريزى فى الظاهر ططر ورأى المؤلف فيه 207 ذكر سلطنة الملك الصالح محمد بن ططر على مصر 211 ترجمة الملك الصالح محمد، وقوع الخلاف بين الأمراء والقبض على جانى بك الصوفى وحبسه واستبداد الأمير برسباى بالأمور 211 الخلاف بين الأمير برسباى والأمير طرباى ووقوع الوحشة بينهما ثم القبض على طرباى وسجنه بالإسكندرية 226 الأمير برسباى الدقماقى يتولى السلطنة ويخلع الملك الصالح محمد بن ططر ويدخله دور الحريم من غير ترسيم 232 السنة التى حكم فيها أربعة سلاطين وهى سنة 824 هـ 235 ترجمة الأمير ألطنبغا بن عبد الله القرمشى 236 ترجمة شيخ الإسلام جلال الدين عبد الرحمن البلقينى 237 ترجمة الأمير سيف الدين جقمق بن عبد الله الأرغون شاوى نائب الشام 240 ذكر سلطنة الملك الأشرف برسباى الدقماقى على مصر 242 ترجمة الملك الأشرف سيف الدين أبى النصر برسباى الدقماقى الظاهرى 242 رأى الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر فى نسبته بالدقماقى ورد المؤلف عليه. 243 الملك الأشرف يمنع الناس كافة من تقبيل الأرض بين يدية، ويجلس للحكم بين الناس فى يومى السبت والثلاثاء من كل أسبوع 247 الناس فى يومى السبت والثلاثاء من كل أسبوع الأمير إينال نائب صفد يخرج عن الطاعة ويفرج عن المسجونين بالقلعة فيأمر السلطان بقتاله 248 الملك الأشرف يخرج الملك المظفر أحمد بن المؤيد وأخاه من القلعة ويرسلهما إلى الإسكندرية 249

كثرة عبث الفرنج بسواحل المسلمين واستيلاؤهم على مركب للتجار 249 الاستيلاء على صفد وأسر من فيها وإرسال بعضهم إلى القاهرة 250 الوباء ينتشر بدمشق ويصل إلى غزة 253 فرار جانى بك الصوفى من سجن الإسكندرية 253 الأمير تنبك البجاسى يتولى نيابة دمشق بعد وفاة الأمير تنبك ميق 254 السلطان يأمر بخروج بعض الأمراء إلى السواحل لدفع غارات الفرنج 255 ملك الحبشة يسىء معاملة المسلمين فى بلاده 260 السلطان يولى الأمير سودون من عبد الرحمن نيابة دمشق بدلا من تنبك البجاسى بسبب الإشاعة بخروجه عن الطاعة. الأمير تنبك يقاتل أمراء دمشق ويستولى على المدينة ثم يقاتل الأمير سودون بن عبد الرحمن فينهزم ويقبض عليه ثم يعدم 261 الفرنج يستولون على مركبين للمسلمين قرب ثغر دمياط بمن فيهما، فيوقع السلطان الحوطة على أموال تجار الفرنج بالشام ومصر، ويعوق سفرهم، ويستعد لغزو الفرنج 266 المراكب المصرية تغادر القاهرة إلى طرابلس لاصطحاب المراكب الشامية والتوجه إلى غزو جزيرة قبرس. عودة الغزاة ومعهم الغنائم. أخبار هذه الغزوة 267 الشروع فى عمل أسطول كبير لغزو الفرنج 271 ظهور أمر بندر جدة وأهميته من حيث تحصيل المكوس وإرسال تجريدة مصرية إلى مكة 271 عمارة قلعة بالقرب من الطينة «بور سعيد حاليا» لدفع غارات الفرنج على السواحل المصرية 272 محنة القاضى نجم الدين عمر بن حجى كاتب السر 273

السلطان يجهز الغزاة إلى قبرس وينفق فيهم نفقة السفر وينادى بالجهاد لمن أراد، ويشاهد الأساطيل المسافرة بساحل بولاق 275 السلطان يفرج عن زميله الأمير طرباى من سجن الإسكندرية 277 المقام الناصرى محمد بن السلطان ينزل لتخليق المقياس وفتح السد إيذانا بوفاء النيل 277 خبر الغزاة المتوجهين إلى قبرس وانتصاراتهم ثم عودهم بالغنائم والأسرى 278 الشريف حسن بن عجلان أمير مكة يدخل فى طاعة السلطان ويحضر إلى القاهرة صحبة ربك المحمل المصرى فيكرمه السلطان بما يليق به 282 السلطان يمنع التعامل بالذهب المشخص الذي يقال له الإفرنتى. ويقصر التعامل على الدنانير الأشرفية 283 قصة الحملة المتوجهة إلى بلاد اليمن وعودتها 284 المماليك السلطانية يفتشون حى الجودرية بحثا عن جانى بك الصوفى ويجلون أهله عنه 286 صاحب استنبول يتوسط لدى السلطان فى عدم غزو قبرس والسلطان لا يقبل وساطته 286 تجمع العساكر الشامية والعشير والمطوعة فى الميدان الكبير بالقاهرة استعدادا لغزو قبرس. السلطان يستعرض المجاهدين. خروج الأساطيل مشحونة بالمجاهدين من القاهرة فى ثانى رمضان سنة 829 هـ 287 ذكر غزوة قبرس وما حدث فيها من انتصارات وعودة المجاهدين بعد أسر ملك قبرس. استقبال السلطان وأهل القاهرة لهم. حال الملك جينوس ملك قبرس فى حضرة السلطان 292 السلطان يفرج عن ملك قبرس من سجنه بالقلعة ويسمح له بالتجول حيث يشاء. 306

صاحب جزيرة رودس يطلب من السلطان الأمان وإعفاءه من الغزو ويتعهد بالقيام بكل ما يطلب منه 306 قصة الأمير تغرى بردى المحمودى وقصة مباشره 307 السلطان يأمر بعدم البيع والشراء ونصب الخيام داخل المسجد الحرام بمكة وما قيل فى سبب ذلك 310 قصة الفتنة التى وقعت فى تعز باليمن وتولية الطاهر يحيى بن إسماعيل بعد عزل الأشرف إسماعيل بن أحمد الناصر 314 عودة إقامة الخدمة بالإيوان بدار العدل وكانت انقطعت من مدة طويلة 318 قصة الخواجا نور الدين على التبريزى العجمى واتصاله بملك الحبشة وسفارته إلى ملوك الفرنج ضد الدولة ومحاكمته ثم إعدامه 324 المماليك الجلبان يعتدون على كبار مباشرى الدولة. رأى كبار الأمراء فيهم وعجز السلطان عن ردعهم 326 الفرنج يهاجمون الإسكندرية ثم يرتدون عنها سريعا 329 السلطان ينفق فى الأمراء والمماليك المسافرين إلى بلاد الشرق. أخبار الحملة المصرية واستيلائها على الرها وغيرها. القبض على هابيل بن قرايلك 330 الحرب بين شاه رخ بن تيمور لنك وبين إسكندر بن قرايوسف التركمانى وانكسار إسكندر وفراره 334 شاه رخ يطلب من السلطان شرح البخارى للحافظ ابن حجر والسلوك للمقريزى ويستأذن فى كسوة الكعبة والسلطان يرفض طلبه 336 أخبار الطاعون المروع الذي شمل البلاد العربية وغيرها حتى بلاد الفرنج 337 قرايلك يتحرك نحو البلاد الحلبية فيأمر السلطان بتجهيز العساكر للسفر إلى البلاد الحلبية 344

نزول السلطان إلى الروضة لتخليق المقياس وفتح السد إيذانا بوفاء النيل 346 حديث المقريزى عن حوادث سنة 833 هـ 347 ابتداء سفر العسكر المصرى إلى البلاد الحلبية ثم العدول عن السفر 350 السلطان يبطل التعامل بكافة النقد الأجنبى ما عدا الدراهم البندقية 352 السلطان يصرح بعزمه على السفر إلى البلاد الشامية لحرب قرايلك 354 عزل الأمير سودون من عبد الرحمن عن نيابة دمشق وتولية جارقطلو مكانه وأسباب ذلك 359 السلطان يحيى عادة الجلوس بدار العدل 361 وفاة الملك جينوس ملك قبرس، وتولية ولده جوان وإرسال وفد بخلعة له وتحليفه على الطاعة للسلطان 363 ملك القطلان الفرنج ينزل بأساطيله على جزيرة صقلية ويكتب للسلطان منكرا عليه اشتغال الدولة بالتجارة. والسلطان يرد عليه ردا قبيحا 366 شاه رخ بن تيمورلنك يعاود الكتابة بطلب السماح بكسوة الكعبة الشريفة والسلطان يرفض 368 السلطان ينفق فى الأمراء والمماليك المسافرين معه إلى الشام. خروج مقدمة الجيش المسافر إلى الشام. 372

الجزء الخامس عشر

[الجزء الخامس عشر] بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة يبدأ الجزء الخامس عشر من هذا الكتاب الكبير من حوادث يوم الخميس 19 رجب من سنة 836 هـ (1433 م) ، وهو تاريخ سفر السلطان الأشرف برسباى إلى آمد، وذلك على رأس حملة حربية ضد تركمان الشاة البيضاء (آق قيونلو) ؛ وينتهى بنهاية السنة الثالثة عشرة من سنوات حكم السلطان أبى سعيد جقمق، وهى سنة 854 هـ (1450 م) ، وبعبارة أخرى يتناول هذا الجزء سنوات العهد الأخير من سلطنة برسباى، ثم سلطنة يوسف ابنه، الذي حكم أربعة وتسعين يوما، ثم معظم سلطنة جقمق. أما الخلفاء المعاصرون لهؤلاء السلاطين فهم: 1- المعتضد بالله داود (815- 845 هـ) . 2- المستكفى بالله سليمان (845- 855 هـ) . 3- القائم بأمر الله حمزة (855- 859 هـ) . واعتمدت فى تحقيق هذا الجزء الخامس عشر، على صور شمسية بدار الكتب المصرية رقم 1343، وهى منقولة عن الأجزاء المخطوطة المحفوظة بمكتبة «أياصوفيا» بالقسطنطينية رقم 4398، 4499؛ ولذا يرمز لهذه النسخة من المخطوطة بحرف (ا) ، وهذا الجزء الخامس عشر، يقابل القسم الأول من الجزء السابع من هذه المخطوطة، بالإضافة إلى نحو

خمس ورقات من القسم الثانى منها، وذلك لتكملة وفيات السنة الثالثة عشرة من سلطنة جقمق، وهى السنة التى انتهى بها هذا الجزء كما تقدم. كما اعتمدت فى التحقيق على طبعة كاليفورنيا التى نشرها المستشرق وليام پوپر. وتنبغى الإشارة هنا إلى أن طبعة كاليفورنيا لم تستخدم هذه المخطوطة، وهى التى اعتمدت عليها وجعلتها أصلا للتحقيق، والدليل على ذلك كثرة الفقرات التى توجد فى هذه المخطوطة ولا توجد فى تلك الطبعة، ويكفى دليلا على هذه الكثرة، أن الخمسين ورقة الأولى من المخطوطة، فيها ست عشرة فقرة ساقطة فى طبعة كاليفورنيا، فيما عدا الكلمات. ويوجد بهامش هذه المخطوطة عناوين لبعض الموضوعات الهامة الواردة بالمتن، فضلا عن استدراكات لما وقع للناسخ من سهو أو خطأ بالمتن أيضا. وقد أشرت إلى ذلك كله فى مواضعه وحرصت على إيراد هذه العناوين الهامشية فى فهرس خاص، كما جاءت بالأصل دون تغيير، وهذا بالإضافة إلى العناوين الكبيرة الواردة خلال الصفحات. وقد استعنت فى تحقيق هذا المتن، بالمصادر التى تناولت هذه السنوات من التاريخ المصرى؛ ومن أهم هذه المصادر: المنهل الصافى، وحوادث الدهور، وكلاهما لابن تغرى بردى؛ ثم: المقريزى (ت 845 هـ) وابن حجر (ت 852 هـ) والعينى (ت 855 هـ) صاحب الفضل فى توجيه ابن تغرى بردى إلى الاشتغال بالتاريخ، وابن شاهين (872 هـ) والسخاوى (ت 902 هـ) والسيوطى (ت 911 هـ) وابن إياس (ت 930 هـ) وغيرهم. (انظر قائمة المراجع) . وشرحت ما دعت الضرورة لشرحه من ألفاظ لغوية ونظم إدارية ومصطلحات وألقاب.

ومما يؤخذ على ابن تغرى بردى، فى بعض المواضع، أنه يشير أحيانا إلى أنه فصّل فى كتبه الأخرى، بعض ما أوجز فى كتاب «النجوم» ، واتضح فى بعض الحالات، بعد الرجوع إلى ما أحال عليه، أنه لم يورد ذلك التفصيل، الذي أشار إليه، وأنّ ما أورده، لم يزد عما ذكره فى «النجوم» . وقد أشرت إلى ذلك فى مواضعه (انظر حوادث السنة الحادية عشرة من سلطنة جقمق) . أما بعد، فإنى أرجو أن أكون قد وفقت- بمساهمتى فى تحقيق كتاب النجوم الزاهرة- إلى أداء بعض ما علىّ من واجب نحو تراثنا القومى. والله الموفق والهادى إلى الصواب. 27 جمادى الأولى سنة 1390 هـ 30 يونيو سنة 1970 م د. إبراهيم على طرخان

تتمة ما وقع من الحوادث سنة 836

[تتمة ما وقع من الحوادث سنة 836] [3] ذكر سفر السلطان الملك الأشرف [برسباى] إلى آمد لما كان يوم الخميس تاسع عشر شهر رجب من سنة ست وثلاثين وثمانمائة، الموافق لأول فصل الربيع، وانتقال الشمس إلى برج الحمل، ركب السلطان «1» الملك الأشرف برسباى من قلعة الجبل ببقية أمرائه «2» ومماليكه، وعبّى أطلابه «3» ، وتوجه فى الساعة الثالثة من النهار المذكور إلى مخيّمه بالرّيدانيّة «4» ، [خارج القاهرة] «5» ، تجاه مسجد التّبن «6» ، فسار فى موكب جليل إلى الغاية، وقد خرج الناس لرؤيته، إلى أن وصل إلى مخيمه، وصحبته من الأمراء المقدمين: الأمير جقمق العلائى أمير آخور «7» ، والأمير

أركماس الظاهرى الدّوادار، والأمير تمراز القرمشى رأس نوبة النّوب، والأمير يشبك السّودونى المعروف بالمشدّ «1» ، والأمير جانم أخو «2» الملك الأشرف، والأمير جانى بك الحمزاوى، فهؤلاء «3» من مقدمى الألوف؛ وسافر معه جماعة كثيرة من أمراء الطبلخاناه، مثل الأمير قراخجا الشعبانى الظاهرى برقوق، ثانى رأس نوبة، والأمير قراسنقر من «4» عبد الرحمن الظاهرى برقوق، والأمير قراجا الأشرفى شادّ الشرابخاناه «5» ، والأمير تمر باى التّمر بغاوى الدوادار الثانى، والأمير شيخ الرّكنى الأمير آخور الثانى، والأمير خجا سودون السّيفى بلاط الأعرج، أحد رؤوس النوب، والأمير تغرى بردى البكلمشى المؤذى «6» ، أحد رؤوس النوب، فهؤلاء الذين يحضرنى الآن أسماؤهم «7» . وسافر معه عدة كبيرة من الأمراء العشرات، وخلع «8» على الأمير حسين بن أحمد

المدعو تغرى برمش، باستقراره فى نيابة الغيبة، ورسم له بسكنى باب السلسلة «1» والحكم بين الناس. ورسم باستقرار الأمير آقبغا التّمرازى، أمير مجلس، بإقامته بالقاهرة، وبسكنه بقصر بكتمر عند الكبش، والآمير بردبك الإسماعيلى قصقا الحاجب الثانى. وعيّن أيضا عدة من أمراء العشرات والحجاب بالإقامة بالقاهرة، واستقر بالقلعة [المقام] «2» الجمالى يوسف ابن السلطان الملك الأشرف، وهو أعظم مقدمى الألوف، والأمير خشقدم الظاهرى الزمام الرومى، والأمير تنبك البردبكى نائب قلعة الجبل، والأمير إينال الظاهرى أحد رؤوس النوب المعروف بأبزى «3» . وخلع على الأمير إينال الششمانى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة باستقراره أمير حاجّ الموسم، وخلع على الوزير الأستادار الصاحب كريم الدين بإقامته بالقاهرة، وأن يتوجه أمين الدين إبراهيم بن الهيصم «4» ، ناظر الدولة صحبة السلطان. وبات السلطان ليلة الجمعة بالرّيدانية، واشتغل بالمسير من الغد، فى يوم الجمعة، بعد الظهر إلى البلاد الشامية، ومعه من ذكرنا من الأمراء والخليفة المعتضد بالله داود والقضاة الأربعة، وهم: قاضى القضاة شهاب الدين أحمد بن حجر الشافعى «5» ، وقاضى القضاة بدر الدين محمود العينتابى الحنفى «6» ، وقاضى القضاة شمس الدين محمد البساطىّ

المالكى، وقاضى القضاة محبّ الدين أحمد البغدادى الحنبلى. ومن مباشرى الدولة: القاضى كمال الدين محمد بن البارزى كاتب السر، وزين الدين إبراهيم ابن كاتب جكم ناظر الخواصّ، والقاضى شرف الدين أبو بكر الأشقر نائب كاتب السر، وأئمة السلطان الذين يصلّون به الخمس، ونديمه ولىّ الدين بن قاسم الشّيشينى؛ فهذا الذين سمحت القريحة بذكرهم. وكان سفر السلطان فى الغد من يوم خروجه من القاهرة، بخلاف عادة الملوك- انتهى. وسار السلطان بعساكره، لا يتجاوز فى سيره المنازل، إلى أن وصل إلى مدينة غزة، فى أول شعبان، بعد أن خرج نائبها «1» الأمير إينال العلائى الناصرى، أعنى الملك الأشرف إينال، إلى ملاقاته هو وأعيان غزة؛ ودخل السلطان إليها فى موكب عظيم [سلطانى] «2» ، وأقام بها، إلى أن رحل منها فى يوم الخميس رابعه، بعد أن [4] نزل بالمسطبة خارج غزة ثلاثة أيام؛ وسار إلى جهة دمشق، ونحن فى خدمته، إلى أن وصل إلى مدينة دمشق فى يوم الاثنين خامس عشر شعبان، واجتاز بمدينة دمشق بأبهة السلطنة وشعار الملك فى موكب جليل، وحمل الأمير جارقطلو «3» نائب الشام القبّة والطّير على رأسه، إلى أن نزل بالدّهليز السلطانى بمنزلة برزة «4» خارج دمشق، وكذلك جميع أمرائه وعساكره نزلوا «5» بخيامهم بالمنزلة المذكورة، ولم ينزلوا بمدينة دمشق، شفقة على أهل دمشق «6» . وأقام السلطان بمخيّمه خمسة أيام، وركب فيها غير مرة، ودخل دمشق، وطلع

إلى قلعتها مرارا؛ ثم رحل السلطان من دمشق بأمرائه وعساكره، فى يوم السبت عشرينه، يريد البلاد الحلبية، فحصل للعسكر بعيض مشقّة لعدم إقامته بدمشق، من أجل راحة البهائم. ولم يعلم أحد قصد السلطان فى سرعة السير لماذا [؟] وسار حتى وصل إلى حمص ثم إلى حماه، فخرج الأمير جلبان نائب حماه إلى ملاقاة السلطان بعساكر حماه، فأقام السلطان بظاهر «1» حماه المذكورة ثلاثة أيام، ثم رحل منها يريد حلب. ولم يدخل السلطان حماه بأبهة السلطنة كما دخل دمشق لما سبق ذلك من قواعد الملوك السالفة: أن السلطان لا يدخل أبدا من مدن البلاد الشامية بأبّهة السلطنة إلا دمشق وحلب ثم مصر، وباقى البلاد يدخلها على عادة سفره إلا الملك المؤيّد شيخ، فإنه لما سافر إلى البلاد الشامية فى واقعة نوروز الحافظى «2» ، عمل بحماه الموكب السلطانىّ ودخلها بأبهة السلطنة، وحمل على رأسه القبة والطير الأمير الكبير، استقلالا «3» بنائبها، فإنه لا يحمل القبة والطير على رأس السلطان إلا أحد هؤلاء الأربعة: الأمير الكبير، أو ابن السلطان، أو نائب الشام، أو نائب حلب. وكان لعمل الملك المؤيّد الموكب بحماه سبب، وهو أنه كان فى أيام إمرته، فى الدولة الناصرية [فرج] لما حاصر الأمير نوروز الحافظى بها تلك المدة الطويلة، وقع فى حقّه من أهل حماه أمور شنيعة، صار فى نفسه من ذلك حزازة «4» ، فلما ملك البلاد وتسلطن، أراد أن ينسكيهم «5» بما هو فيه من العظمة، ويريهم ما آل أمره إليه-[انتهى] «6» . وسار السلطان [الملك] «7» الأشرف من حماه إلى أن وصل إلى حلب فى يوم الثلاثاء، خامس شهر رمضان، ودخلها على هيئة دخوله إلى دمشق، بأبهة السلطنة؛ وحمل القبّة

والطير على رأسه، الأمير [سيف الدين] «1» قصروه [بن عبد الله] «2» ، من «3» تمراز نائب حلب؛ وشقّ السلطان مدينة حلب فى موكب عظيم، إلى أن خرج منها على هيئته، ونزل بمخيمه بظاهر حلب برأس العين «4» ، ونزل معه جميع عساكره بخيلهم، ولم ينزل أحد منهم بمدينة حلب، فأقام السلطان بمكانه المذكور خمسة عشر يوما، يركب فيها ويدخل إلى حلب ويطلع إلى قلعتها. وكانت إقامة السلطان بحلب هذه المدة، ليرد عليه بها قصّاد الأمير عثمان بن طرعلى، المدعو قرا يلك «5» ، فى طلب الصلح، فلم يرد عليه أحد ممن يعتمد السلطان على كلامه، فعند ذلك تهيأ السلطان للخروج إلى جهة آمد. وسار من حلب فى يوم الاثنين، حادى عشرين شهر رمضان، مخفّفا من الأثقال والخيام الهائلة؛ ونزل القضاة بمدينة حلب، وصحب الخليفة أمير المؤمنين المعتضد داود، وهو فى ترسيم الأمير قراسنقر العبد الرحمانى «6» ، أحد أمراء الطبلخاناه، كما هى العادة فى مشى بعض الأمراء مع الخلفاء فى الأسفار، كالتّرسيم عليه، وهذا «7» أيضا من القواعد القديمة.

واستمر السلطان فى سيره بجميع عساكره، غير أنهم فى خفّة من أثقالهم، إلى أن وصل البيرة، وقد نصب جسر المراكب على بحر الفرات لتعدية العساكر السلطانية عليه إلى جهة الشرق، فنزل السلطان فى البر الغربى الذي جهة حلب، وأقام بمخيمه، وأمر الأمراء أن تعدى إلى تلك الجهة بأطلابها قبله، ثم يسير السلطان بالعساكر بعدهم لئلا تزدحم «1» العساكر على الجسر المذكور، لأن الجسر، وإن كان محكما، فهو موضوع على المراكب، والمراكب مربوطة موثوقة «2» بالسلاسل، فهو على كل حال، ليس بالثابت تحت الأقدام، ولا بد أن يرتجّ عند المرور عليه؛ وكانت «3» سعة الجسر بنحو أن يمر عليه قطاران «4» من الجمال المحملة- انتهى. فأخذت الأمراء فى التعدية إلى جهة البيرة [5]- والسلطان بعساكره فى خيامهم- إلى أن انتهى حال الأمراء، فأذن السلطان عند ذلك للعساكر بالمرور على الجسر المذكور إلى البيرة من غير عجلة، فكأنه استحثهم على السرعة، فحمّلوا جمالهم «5» للتعدية، ووقع بينهم أمور وضراب ومخاصمة بسبب التعدية، يطول شرحها، إلى أن عدّى غالبهم. فعند ذلك ركب السلطان بخواصّه ومرّ على الجسر المذكور إلى أن عدّاه، ونزل بقلعة البيرة فى يوم السبت سادس عشرين شهر رمضان، ونزلت العساكر المصرية «6» والشامية «7» على شاطىء بحر الفرات وغيره، فأقام السلطان بالبيرة إلى أن رتب أمورها وترك بها أشياء كثيرة من الأثقال السلطانية، ورحل منها فى أواخر شهر رمضان المذكور إلى جهة آمد حتى نزل على مدينة الرّها فى ليلة عيد الفطر، فوجدناها «8» خرابا خالية من أهاليها وأصحابها لم يسكنها

إلا من عجز «1» عن الحركة من ضعف بدنه أو لقلة «2» ماله. ونزل السلطان على ظاهرها من جهة الشرق وعيّد بها عيد الفطر، ودخلت أنا إلى مدينة الرّها وطلعت إلى قلعتها، فإذا هى مدينة لطيفة، وقلعتها «3» فى غاية الحسن، على أنها صغيرة جدا. ثم أصبح السلطان يوم عيد الفطر، وقد اشتغل بالمسير إلى جهة آمد، وإلى الآن لم يعرف لقرايلك خبر، والأقوال فيه مختلفة، فمن الناس من يقول إنه تهيأ ويريد قتال العساكر السلطانية، ومن الناس من يقول إنه دخل إلى آمد وحصّنها، ومن الناس من يقول إنه ترك بمدينة آمد ابنه بعد أن حصنها، وتوجه إلى قلعة أرقنين «4» ، وأرقنين على يسار المتوجّه إلى آمد. وسار السلطان بعساكره من الرّها وعليهم الأسلحة وآلة الحرب، إلى أن نزل على آمد فى يوم الخميس ثامن شوال؛ وقبل نزول السلطان عليها صفّ عساكره عدة صفوف، ووراءهم الثقل والخدم، حتى ملأوا «5» الفضاء طولا وعرضا. ومشى السلطان هو والخليفة، ومباشرو «6» الدولة حولهما بغير سلاح، يوهم أن المباشرين المذكورين هم قضاة الشرع، لكون لبسهم على هيئة لبس الفقهاء، وليس بينهم وبين القضاة فرق، بل كان فيهم مثل القاضى كمال الدين [بن البارزى] «7» كاتب السر، وهو أفضل من قضاة كثيرة، وسار السلطان بهم أمام عسكره. وقد هال أهل آمد ما رأوه من كثرة العساكر وتلك الهيئة المزعجة التى قل أن يجتمع فى عساكر الإسلام مثلها، من ترادف العساكر بعضها على بعض، حتى ضاق عليهم اتساع

تلك البرارى، وخلف العساكر المذكورة الأطلاب الهائلة، والكوسات تدق، والبوقات تزعق، وقد تجاوز عدد أطلاب الأمراء، لكثرة ما اجتمع على السلطان من العساكر المصرية والنواب بالبلاد الشامية وأمراء التركمان والعربان؛ فكانت عدة الأطلاب التى بها الطبول والزمور تزيد على مائة طلب، ما بين أمراء مصر المقدمين وبعض الطّبلخانات ونائب دمشق وأمرائها، وهم عدة كثيرة، ونائب حلب وأمرائها وطرابلس وأمرائها، وكذلك حماه وصفد وغزة ونواب القلاع «1» وأمراء التركمان «2» الذين تضرب على بابهم الطّبول «3» ، فدقت عند قدوم السلطان جميع طبول هؤلاء وزعقت الزمور يدا واحدة، فانطبق الفضاء طبلا وزمرا حربية، هذا مع كثرة البراشم «4» والأجراس المعلقة على خيول الحرب الملبّسة بالعدد الكاملة وقلاقل الجمال. وعند القرب من مدينة آمد، أخذت العساكر تلتمّ حتى أشرف أجناد كثيرة على الهلاك «5» من عظم ازدحام بعضهم على بعض، ومع هذا أعرض «6»

العساكر مدد العين، وصار الرجل من العسكر إذا تكلم مع رفيقه لا يسمع رفيقه كلامه إلا بعد جهد كبير لعظم الغوغاء، فانذهل أهل آمد مما عاينوا من كثرة هذه العساكر وشدة بأسها وحسن زيّهم، ومن التّجمّل الزائد فى العدد والآلات والخيول والأسلحة، والكثرة الخارجة عن الحد فى العدد. وكان قرايلك قبل أن يخرج «1» من مدينة آمد، أمر أن يطلق الماء على أراضى آمد من خارج البلد من دجلة، ففعلوا ذلك فارتطمت «2» خيول كثير من العسكر بالماء والطين، فلم يكترث أحد بذلك، ومشى العسكر صفّا واحدا، وخلف كل صف صفوف لا تعدّ. واستمروا فى سيرهم المذكور [6] إلى أن حاذوا خندق آمد، وقد بهت أهلها لما داخلهم من الرّعب والخوف ممّا طرقهم من العساكر، ولم يرم منهم أحد بسهم فى اليوم المذكور إلا نادرا، ولا علا «3» أحد منهم على شرفات البلد إلا فى النادر أيضا، وصاروا ينظرون العساكر من الفروج التى بين الشرفات «4» . ولم يكن لآمد المذكورة قلعة بل سور المدينة لا غير، إلا أنه فى غاية الحسن من إحكام بنيانه، وكل بدنة بالسور المذكور تحمى البدنة الأخرى، فلهذا يصعب «5» حصارها، ويبعد أخذها عنوة؛ فوقف العسكر حول آمد ساعة. ثم مال السلطان بفرسه إلى جهة بالقرب من مدينة آمد، ونزل به فى مخيمه، وأمر الناس بالنزول فى منازلهم، وأمرهم بعدم قتال أهل آمد؛ على أن أوباش القوم تراموا بالسهام قليلا، فتوجه كل واحد «6» إلى مخيمه، ونزل الجميع بالقرب من آمد، كالحلقة عليها، غير أنهم على بعد منها، بحيث أنه لا يلحقهم الرمى من السور، وأحدقت العساكر بالمدينة من جهتها الغربية، وكان الموضع الذي نزلنا به هو أقرب الجهات «7» للمدينة المذكورة.

ونزل السلطان بمخيمه وقد ثبت عنده رحيل قرايلك من آمد. وأنه ترك أحد أولاده بها، فأقام بمخيمه إلى صبيحة يوم السبت عاشر شوال، فركب» وزحف بعساكره على مدينة آمد بعد أن كلمهم السلطان فى تسليمها قبل ذلك؛ وترددت الرسل بينه وبينهم، فأبى من بها من الإذعان «2» لطاعة السلطان وتسليم المدينة إلا بإذن قرايلك. ولما زحف السلطان على المدينة اقتحمت عساكر السلطان خندق آمد، وقاتلوا من بها قتالا شديدا، حتى أشرف القوم على الظفر وأخذ المدينة، وردم غالب خندق مدينة آمد بالحجارة والأخشاب. وبينما الناس فى أشد «3» ما [هم] «4» فيه من القتال، أخذ السلطان فى مقت المماليك وتوبيخهم، وصار كلما جرح واحد من عساكره وأتى له به يزدريه ويهزأ «5» به، وينسب القوم للتراخى فى القتال. ثم لبس هو سلاحه بالكامل، وأراد أن يقتحم المدينة بنفسه حتى أعاقه عن ذلك أعيان أمرائه، وهو راكب على فرسه، وعليه السلاح الكامل من الخوذة إلى الركب، واقف على فرسه بمخيّمه حيث يجلس، والناس وقوف وركبان بين يديه، تعده بالنصر والظفر فى اليوم المذكور، وإن لم يكن فى هذا اليوم فيكون فى الغد «6» ، وتذكر له أن القلاع لا تؤخذ «7» فى يوم ولا فى «8» يومين، وهو يتكلم بكلام [معناه] «9» : أن عساكره تتهاون «10» فى قتال أهل آمد، فلا زالت الأمراء به، حتى خلع عن رأسه خوذته ولبس (النجوم الزاهرة ج 15)

تخفيفة على العادة، واستمر القرقل «1» عليه، إلى أن ترضّاه الأمراء، وخلع قرقله «2» ، فحمى «3» الحر واشتدت القائلة وسئمت «4» الناس من القتال، هذا مع ما بلغهم من غضب السلطان، بعد أن لم يبقوا ممكنا «5» فى القتال؛ وقد أثخنت جراحات الأمراء والمماليك من عظم القتال. كل «6» ذلك والسلطان ساخط عليهم بغير حق، فعند ذلك فتر عزم القوم عن القتال «7» من يومئذ، وما أرى هذا الذي وقع إلا خذلانا «8» من الله تعالى لأمر سبق، وإلا فالعساكر الذين «9» اجتمعوا «10» على آمد، كان يمكنهم أخذ عدة مدن، مثل آمد وغيرها. ولما انقضى القتال، وتوجه كل واحد إلى مخيمه، وهو غير راض فى الباطن، وجد «11» أهل آمد راحة كبيرة بعودة القوم عنهم، وبلعوا ريقهم، وأخذوا فى تقوية أبراج المدينة وسورها، بعد أن كان أمرهم قد تلاشى، مما دهمهم من شدة قتال من لا قبل لهم بقتاله. ونزل السلطان بمخيمه، وندب الأمراء [والعساكر] «12» للزحف «13» على هيئة ركوبهم يوم السبت، فى يوم الثلاثاء، وهو أيضا فى حال غضبه، فابتدأ الأمير قصروه نائب حلب، والأمير مقبل نائب صفد، والأمير جقمق العلائى الأمير آخور،

فى الكلام مع السلطان فى تسكين غضبه، وقالوا: «يا مولانا السلطان، القلاع [كما فى علم السلطان] «1» ، ما تؤخذ فى يوم [واحد] «2» ، ولا فى شهور «3» ؛ وثمّ من القلاع ما «4» حاصره تيمور لنك مع كثرة عساكره، عشر سنين. يا مولانا السلطان، الحصون ما تبنى إلا للمنع، ولولا ذاك ما بنى أحد حصنا، وقد اجتهد مماليك السلطان وأمراؤه «5» فى القتال، وجرح الغالب منهم» . وكان ممن جرح من الأعيان: الأمير [7] تغرى بردى المحمودى، رأس نوبة النوب، وهو كان يوم ذاك أتابك العساكر «6» بدمشق، والأمير سودون ميق، أحد مقدمى الألوف بديار مصر، والأمير تنبك من سيّدى بك الناصرى المعروف بالبهلوان، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة؛ وأما من المماليك والخاصكيّة فكثير. فكان آخر كلام السلطان للأمراء: «إن العساكر تركب صحبة الأمراء فى يوم الثلاثاء، وتزحف على المدينة، ويكون الذي يركب مع الأمراء للزحف، المماليك القرانيص «7» ، وأنا ومماليكى

الأجلاب «1» نكون خلفهم» ، أراد بذلك عدم معرفة مماليكه بطرق الحرب، فحمل الناس كلامه على أنه يفعل ذلك شفقة على مماليكه، وأنه يريد هلاك من سواهم. وقامت قيامة القوم، وتنكرت القلوب على السلطان فى الباطن، وتطاولت «2» أعناق أمرائه إلى الوثوب عليه، واتفق كثير منهم على ذلك لولا أن بعضهم مات من جراحه، وتخوّف بعضهم أيضا من بعض، وعدم موافقة جماعة أخر من أعيان الأمراء لذلك. وكان ممن اتّهم بالوثوب، على ما قيل، الأتابك جار قطلو نائب الشام، وطرباى نائب طرابلس، ومقبل نائب صفد، وتغرى بردى المحمودى- مات بعد أيام من جرح أصابه- وسودون ميق- مات أيضا من جرح أصابه- والأمير جانبك الحمزاوى- مات فى عود الملك الأشرف إلى مصر بعد أن ولاه نيابة غزة على كره منه، وجماعة كثيرة غير هؤلاء، على ما قيل. وكان الذي لم يوافقهم على الوثوب، الأمير قصروه والأمير إينال الجكمى أمير سلاح، والأمير جقمق الأمير آخور؛ وأما الأمير سودون من عبد الرحمن أتابك العساكر، فلم يكن «3» من هؤلاء «4» ولا من هؤلاء، لطول مرضه: من يوم خرج من مصر وهو فى محفة، وكل ذلك لم يتحققه أحد، غير أن القرائن الواقعة بعد ذلك تدل على صدق هذه المقالة- انتهى. ولما خرج الأمراء من عند السلطان، بعد أن امتثلوا ما رسم به من الزحف فى

يوم الثلاثاء، بلغ السلطان عن الأمراء والمماليك نوع مما ذكرناه، فاضطرب أمره وصار يحاصر «1» [المدينة] «2» وهو فى الحقيقة محصور من احتراسه من أمرائه ومماليكه، وأخذ فى الندم على سفره «3» ، وفتر عزمه عن أخذ المدينة فى الباطن، وضعف عن تدبير القتال. كل ذلك والموكب السلطانى يعمل فى كل يوم، والأمراء تحضره، ويركب السلطان ويسير إلى حيث شاء «4» ، ومعه الأمراء والنواب، غير أن البواطن معمورة بالغش، ويمنعهم من إظهار ما فى ضمائرهم موانع؛ هذا والقتال مستمر فى كل يوم، بل فى كل ساعة، بين العسكر السلطانى وبين أهل آمد، غير أنه لم يقع يوم مثل «5» يوم السبت المذكور، وقتل خلائق من الطائفتين كثيرة، وصار السلطان يضايق أهل آمد بكل ما «6» وصلت قدرته إليه، هذا وقد قوى أمرهم واشتد بأسهم لما بلغهم من اختلاف عساكر السلطان، وصاروا يصيحون من أعلى السور: «الله ينصر جار قطلو» ، وانطلقت «7» ألسنتهم بالوقيعة والسبّ والتوبيخ، من السلطان إلى من «8» دونه. وبينما السلطان فيما هو فيه، قدم عليه الأمير دولات شاه الكردى صاحب أكلّ «9» من ديار بكر، فأكرمه السلطان وخلع عليه.

ثم لما بلغ الملك الأشرف أحمد ابن الملك العادل سليمان ابن المجاهد غازى ابن الكامل محمد ابن العادل أبى بكر ابن الأوحد عبد الله ابن المعظم توران شاه ابن السلطان الملك الصالح نجم الدين [أيوب] «1» ابن [السلطان] «2» الملك الكامل محمد ابن السلطان الملك العادل أبى بكر بن أيوب بن شاذى الأيوبى، صاحب حصن «كيفا» قدوم السلطان الملك الأشرف إلى آمد، خرج من الحصن فى قليل من عسكره فى أوائل ذى القعدة، يريد القدوم «3» على السلطان، «4» فاعترضه فى مسيره جماعة من أعوان قرايلك على حين غفلة، وقد نزل عن فرسه لصلاة العصر، وقاتلوه إلى أن قتل الملك الأشرف المذكور من سهم أصابه، وانهزم بقية من كان معه وانتهبوا، ففدم جماعة «5» منهم [على الملك] «6» الأشرف، وعرّفوه بقتل الملك الأشرف صاحب الحصن، فعظم عليه ذلك إلى الغاية. ومن هذا اليوم أخذ السلطان فى أسباب الرحيل عن آمد، غير أنه صار يترقب [8] حركة يرحل بها لتكون لرحيله «7» مندوحة. ثم ندب السلطان جماعة كبيرة من التركمان والعربان من عسكره لتتبع قتلة الملك الأشرف صاحب الحصن. وكان منذ نزل السلطان على آمد و «8» أتباع العسكر السلطانى من التركمان والعربان تعيث «9» وتنهب فى قرى آمد وغيرها ويأتون «10» بما يأخذونه للعساكر المذكورة،

وصارت الغلمان تخرج من الوطاق إلى جهات آمد وتحصد الزروع «1» وتأتى بها الأجناد، حتى صار أمام خيمة كل جندى جرن كبير من الزرع، وهو الذي قام بعلوفة خيول العسكر فى طول مدة الإقامة على آمد، ولولا ذلك لكان لهم شأن آخر. ولما ندب السلطان الجماعة المذكورة لتتبع قتلة الملك الأشرف وغيره، خرجوا إلى جهة من الجهات فوافوا جماعة كبيرة من أمراء قرايلك وقاتلوهم حتى هزموهم، وأسروا منهم جماعة كبيرة من أمراء قرايلك وفرسانه وأتوا بهم إلى السلطان، وهم نيف على عشرين نفسا، فأمر السلطان بقيدهم فقيدوا. ثم توجهوا ثانيا فوافقوا جماعة أخر، فقاتلوهم أيضا وأسروا منهم نحو الثلاثين، ومن جملتهم قرا محمد أحد أعيان أمراء قرايلك؛ فأحضر السلطان قرا محمد وهدده بالتّوسيط «2» إن لم يسلم له آمد، فأخذوا «3» قرا محمد المذكور ومرّوا إلى تحت سور المدينة، فكلمهم قرا محمد المذكور فى تسليم المدينة، فلم يلتفتوا إليه، فأخذوه وعادوا، فأصبح السلطان وسّط منهم تحت سور آمد عشرين رجلا، من جملتهم قرا محمد المذكور. واتفق فى توسيط هؤلاء غريبة، وهو أن بعضهم حمل للتوسيط فاضطرب من أيدى حملته فوقع منهم إلى الأرض، فقام بسرعة وهرب إلى أن ألقى بنفسه إلى الخندق، بعد أن تبعه جماعة، فلم يقدروا على تحصيله؛ ثم خرج من الخندق وقد أرخى إليه من سور آمد حبل «4» ، وتشبث به إلى قريب الشرفة، فانقطع الحبل فوقع إلى الأرض، ثم جرّ ثانيا إلى أعلى المدينة ونجا، وقيل إنه مات بعد ثلاثة أيام من طلوعه، والله أعلم.

ثم بلغ السلطان أن قرا يلك نزل من قلعة أرقنين «1» بجماعة من عساكره، يريد أن يكبس على السلطان فى الليل أو يتوجه بهم إلى حلب. فندب السلطان جماعة من الأمراء والمماليك فى عمل اليزك «2» بالنوبة، فى كل ليلة لحفظ العساكر؛ ثم رسم السلطان للأمير قطلو نائب الشام بالتوجه لقرايلك بقلعة أرقنين، وندب معه جماعة من النواب والأمراء والعساكر المصرية- وكنت أنا معهم- فخرجنا من الوطاق السلطانى فى الليل بجموع كثيرة، وجددنا «3» فى السير حتى وافينا قرايلك وهو بمخيمه تحت قلعة أرقنين بين الظهر والعصر، وكان غالب العسكر قد تخلف بعدنا، فتقدم بعض العسكر السلطانى من التركمان والعربان، ومثل الأمير مقبل الحسامى نائب صفد وآقبغا الجمالى المعزول عن الأستادارية وجماعة أخر من الأعيان من أمراء مصر والشام، واقتتلوا مع القرايلكية قتالا جيدا إلى أن [كانت] «4» الكسرة فينا، وقتل منا جماعة كثيرة من التركمان والعربان وأمراء دمشق وغيرهم، مثل الأمير تمرباى الجقمقى أحد أمراء دمشق، [والأمير] «5» بخت خجا أيضا من أمراء دمشق، وجرح أكثر من كان مغنا من الخاصكية والمماليك، كل ذلك وسنجق السلطان إلى الآن لم يصل إلينا. وأما جار قطلو، فإنه لما قوى الحرّ عليه نزل على نهر بالقرب من أرقنين ليروى خيوله «6» منه، وصار الرائد «7» يرد عليه بأن القوم قد التقوا مع عساكر قرايلك، وهم «8» فى قلة وقد عزموا على القتال، فلم يلتفت إلى ذلك وسار على هينته، فتركه «9» بعض

عساكره وساقوا «1» حتى لحقوا بمن تقدمهم وقاتلوا القرايلكية، وهم من تقدم ذكرهم ممن قتل من أمراء دمشق. ولما أن بلغ من معنا من الأمراء المصريين ما وقع لجماعتنا، ساقوا أيضا حتى وافى «2» جماعة منهم العسكر السلطانى، فعند ذلك تراجع القوم وكروا على القرايلكية وهزموهم «3» أقبح هزيمة، وتعلق قرايلك بقلعة أرقنين وتحصّن بها، ونهبت عساكره وتمزقوا كل ممزق. ثم عدنا إلى جهة الوطاق بآمد فى آخر النهار المذكور على أقبح وجه ممن باشر القتال، وهم القليل، وأما غالب [9] العسكر فلم ير القتال بعينه. وصار الأمير أزبك جحا «4» بين يدى السلطان يثنى «5» على التركمان والعربان، ويقول: «يا مولانا هؤلاء هم العسكر الذي ينتصر الملوك بهم لا غيرهم» ؛ فعظم ذلك على طائفة من المماليك إلى الغاية، وشنعوا القالة فيه لكونه تكلم الحق، ومن يومئذ تحقق السلطان ما قيل عن جارقطلوا من تقاعده عن قتال قرايلك، وأكثر أهل آمد من هذا اليوم الدعاء للأمير جارقطلو المذكور من أعلى السور، حتى خرجوا عن الحد، فلم يدر الناس هل كان ذلك مكيدة من مكايد قرايلك ليوقع الخلف «6» بين العسكر بسبب ذلك، أم كان ذلك عن حقيقة «7» ، والله أعلم.

هذا والسلطان مجتهد فى عمارة قلعة من الخشب تجاه أبراج آمد، ومكاحل «1» النفط ترمى فى كل يوم بالمدافع والمناجنيق «2» منصوبة، يرمى بها أيضا على الأبراج، وأهل آمد فى أسوأ ما يكون من الحال؛ هذا مع عدم التفات السلطان لحصار آمد الالتفات الكلى، لشغل خاطره من جهة التفاته «3» [إلى] «4» اختلاف عساكره، وهو بتلك البلاد بين يدى عدوه، وقد تورط فى الإقامة على حصار آمد، والشروع ملزم. وطالت إقامته على آمد بعساكره نحو خمسة وثلاثين يوما، وقد ضاق الحال أيضا على أهل آمد، فعند ذلك ترددت الرسل بين السلطان وبين قرايلك فى الصلح، وكان قرايلك هو البادئ فى ذلك، حتى تم وانتظم «5» الصلح بينهما على أن قرايلك يقبّل الأرض للسلطان، ويخطب باسمه فى بلاده ويضرب السكة على الدينار والدرهم باسمه، فأجاب إلى ذلك، فأرسل إليه السلطان حمى «6» القاضى شرف الدين الأشقر نائب كاتب السر، وأرسلت أنا معه بعض أعيان مماليك الوالد ممن كان فى صحبتى من المماليك السلطانية، فتوجه إليه القاضى شرف الدين المذكور بالخلع والفرس الذي جهزه السلطان إليه بقماش ذهب، ونحو ثلاثين قطعة من القماش السكندرى. ولما بلغ قرايلك مجىء القاضى شرف الدين، نزل من قلعة أرقنين بمخيمه، ولقى القاضى شرف الدين المذكور، وسلم عليه، ثم قام وقبّل الأرض فألبسه القاضى شرف الدين

الخلعة، وكانت كامليّة مخمل كفوىّ «1» بمقلب سمّور، وفوقانيّا «2» بوجهين أحمر وأخضر «3» ، بطراز عريض إلى الغاية. ثم قدم له الفرس صحبة الأوجاقى «4» ، فقام إليه «5» ، فأمره القاضى شرف الدين بتقبيل حافر الفرس، فامتنع من ذلك قليلا، ثم أجاب بعد أن قال: «والله إن هذه عادة تعيسة» ، أو معنى ذلك. ثم أخذ «6» فى الكلام مع القاضى شرف الدين، فأخذ القاضى «7» شرف الدين يعظه ويحذره مخالفة السلطان وسوء عاقبة ذلك، فقال: «وأنا من أين! والسلطان من أين! أنا رجل تركمانى فى جهة من الجهات!» . ثم شرع «8» يذكر قلة رأى السلطان فى مجيئه «9» إلى بلاده، وقال: «أنا يكفينى نائب حلب، وهو بعض نواب السلطان، [و] «10» ما عسى كان يفعل السلطان لو أخذ آمد؟ وكل شىء فى آمد ما يساوى بعض ما تكلفه» ، ثم قال: «والله لو أعطانى السلطان نصف ما ذهب من الكلف فى نعل خيوله وخيول عساكره، لرضيت ودخلت فى طاعته» ، ثم قال: «لو كان مع السلطان أمير من جنس هذا- وأشار إلى مملوك الوالد الذي توجه مع القاضى شرف الدين- ما خلّاه يجيء «11» إلى هنا» ، وكان المملوك المذكور تتريّا «12» ، فقال شرف الدين: «بلى، مع السلطان جماعة من جنسه» ؛ فقال: «لا والله، كان عندكم واحد نفيتموه إلى القدس

بطّالا «1» ، يعنى بذلك «2» الأمير قرامراد خجا الشّعبانى، أمير جاندار، وأحد مقدمى الألوف. ثم قام قرايلك وقلع الخلعة من عليه وألبسها بعض حواشيه؛ ثم فعل بالكامليّة أيضا كذلك؛ وانفض المجلس، وبات شرف الدين تلك الليلة عنده، ولم يجتمع به غير المرة الأولى. وعند السفر دخل إليه من الغد وسلم عليه، فأنعم عليه قرايلك بأربعة أكاديش يساوى ثمنها «3» أربعة آلاف درهم فلوسا عند صاحب [10] الغرض، وعاد القاضى شرف الدين إلى السلطان، فاجتمعت به قبل السلطان «4» ، وعرّفنى جميع ما حكيته؛ فانفقنا على جواب نمقناه يحسن ببال السلطان، من جنس كلام قرابلك، لا يخفى على الذوق السليم معناه. فلما دخل إلى السلطان وأعاد عليه الجواب المذكور سرّ السلطان قليلا بذلك، وعظم سرور من حضر من القوم، ومعظم سرورهم بعودهم إلى بلادهم وأوطانهم سالمين مما هالهم مما «5» كانوا فيه من المشقة، وقد اعتادوا بالترف والأمن وقلة «6» القتال. وفى الحال أخذ السلطان فى أسباب الرحيل، ورحل فى ليلة الخميس ثالث عشر ذى القعدة فى النصف الثانى من الليل من غير ترتيب ولا تطليب «7» ، ولا تعبىء، ورحلت العساكر من آمد كالمنهزمين لا يلوى أحد على أحد، بل صار كل واحد يسير على رأيه. وعند رحيل القوم أطلق الغلمان النيران فى الزروع المحصودة برسم عليق خيول الأجناد،

فإنه كان كل واحد «1» من الأجناد صار أمام خيمته جرن كبير مما يحصده غلامه ويأتيه به من زروع «2» آمد، فلما انطلق النار «3» فى هذه الأجران، انطبق الوطاق بالدخان «4» إلى «5» الجو، حتى صار الرجل لا ينظر إلى الرجل الذي بجانبه. ورحل الناس على هذه الهيئة مسرعين، مخافة أن يسير السلطان ويتركهم غنيمة لأهل آمد. وبالله لو نزلوا فى ذلك الوقت لأمسكوا من اختاروا مسكه «6» قبضا باليد، ولو أرادوا النهب لغنموا وسعدوا إلى الأبد، لأن السلطان سار قبل رحيل نصف عسكره. وسار القوم من آمد إلى جهات متفرقة، إلى أن طلع النهار، وقد تمزقت العساكر فى طرقات متعددة، لا تعرف طائفة خبر طائفة أخرى، لبعد ما بينهم من المسافة. فتوجه أتابك العساكر سودون من عبد الرحمن، وهو مريض ملازم ركوب المحفة، من طريق ماردين السالكة إلى مدينة الرّها، ومعه طائفة كبيرة ممن تبعه من العسكر السلطانى، وتوجهت طائفة أخرى من العسكر من الطريق التى «7» سلكناها فى الذهاب إلى آمد من جهة قلعة أرقنين التى «8» بها قرايلك، وتبعهم خلائق وعدة أطلاب. فافترق الأمراء من مماليكهم وأطلابهم، وتشتت شملهم، وسار السلطان من الطريق الوسطى من على الجبل المعروف قراضاغ «9» ، وهذا الطريق أقرب الطرق كالمفازة، غير أنه عسر المسلك إلى الغاية من الطلوع والنزول وضيق الطرقات. وكنت أنا معه بهذا الطريق المذكور «10» ، وأكل السبع رجلا «11» من غلماننا، ووقع ذلك لجماعة أخر، واصطادت الناس السباع من الأوكار، وسرنا حتى نزلنا عن الجبل إلى

فضاء «1» غربى الجبل المذكور، ومسافة الموضع الذي نزل السلطان به عن أرقنين التى بها قرايلك مقدار نصف بريد «2» تخمينا. وعند نزول السلطان بالمنزلة المذكورة، علم بمن فقده من عساكره، وتأمل من معه منهم، فإذا هم «3» على النصف من عسكره، وأيضا فيهم الذي تاه عن جماله، ومنهم من لا يعرف طلبه أين ذهب، وهو الأمير قرقماس الشّعبانى حاجب الحجاب، نزل بالمنزلة المذكورة وليس معه غير أصحابه وطائفة نحو خمسة أنفس وهجّان وغلام، فنصب السّيبة «4» واستظل تحتها من الشمس، وقد سار طلبه بجميع مماليكه ورخته «5» من جهة لا يعرف «6» متى تعود إليه، ومثله فكثير من الأجناد والأمراء. فلما رأى الملك الأشرف نفسه فى قلة من عساكره، ولم يبق معه إلا شرذمة قليلة، ولم يعلم أين ذهب الباقون، شقّ عليه ذلك وتخوّف من كبس قرا يلك عليه فى الليل، ولم يجد بدّا من المبيت فى المكان المذكور، لتمزق عساكره. فلما أن دخل الليل، ندب السلطان الأمير جقمق العلائى الأمير آخور الكبير ومعه جماعة لحفظ العسكر فى الليل، فركب الأمير جقمق بمماليكه ومن انضاف إليه وضرب اليزك «7» على العسكر، وقام بحفظه أحسن قيام إلى الصباح. قلت: ومن تلك الليلة [المذكورة] «8» علمت منها «9» حال قرايلك وهمّته،

فإنه لو كان فيه بقية ما ترك عساكرنا فى تلك الليلة بخير، [11] لأن الصلح الذي كان وقع بينه وبين السلطان [الملك] الأشرف كلا شىء «1» : كان فسخ مجلس لا غير، وقد بلغه ما وقع لعسكرنا من الشتات والتفرق، وعلم بجميع «2» ما نحن فيه، لقرب «3» المسافة بيننا، وما ترك الإيقاع بنا إلا عجزا وجبنا وضعفا. وأيضا من كان بمدينة آمد، لو كان فيهم منعة وقوة بعد ما عاينوا ما وقع لعسكرنا عند الرحيل من التمزق وعظم الاضطراب، لنزلوا واستولوا على جماعة كبيرة «4» من العسكر، وباقى العسكر لا يعرفون بذلك، من عظم الغوغاء، وشغل كل واحد بنفسه، مع شدة سواد الليل وظلمته- انتهى. ولما أصبح السلطان بكرة يوم الجمعة بهذه المنزلة المذكورة، سار منها يريد مدينة الرّها، حتى وصلها بمن معه من العسكر، وأقام بها، حتى اجتمع به من كان ذهب من عساكره فى الطرقات. وأخذ السلطان فى إصلاح أمر مدينة الرها، وطلب الأمير إينال العلائى الناصرى نائب غزة، وأراد أن يخلع عليه بنيابة الرها، فامتنع من ذلك أشد امتناع وأفحش فى الرد وخاشن السلطان فى اللفظ، وصمم على عدم القبول لذلك؛ فغضب السلطان منه، واشتد حنقه وهم بالإيقاع به، فخشى عاقبة ذلك من عظم شوكة إينال المذكور، وأخذ يثنى «5» على نفسه من كونه يحكم «6» على أمرائه ومماليكه وأشياء من هذا المعنى، إلى أن قال: «أنا حكمى ما يسمعه إلا مماليكى» ، وطلب الأمير قراجا الأشرفى شادّ الشراب خاناه وخلع عليه باستقراره فى نيابة الرها، وخلع على القاضى شرف الدين نائب كاتب السر باستقراره كاتب سرّ الرّها، وخرجا من بين يدى السلطان [بالخلع] «7» على كره. ثم لما توجه الأمير إينال العلائى نائب غزة إلى مخيمه، كلمه الناس من أصحابه

فيما وقع منه من تمنّعه ومخاشنته فى الكلام مع السلطان، أو كأنه خشى عواقب ما وقع منه، فاعتذر من خراب مدينة الرّها، وأنه ليس بها ما يقوم بأوده، وبلغ السلطان ذلك فضمن له ما طلبه، وخلع عليه من يومه المذكور باستقراره فى نيابة الرّها؛ ثم استعفى شرف الدين من كتابة سر الرها، فأعفى بعد أن حمل خمسمائة دينار للخزانة الشريفة، ثم أمر السلطان المماليك السلطانية بدفع ما معهم من الشعير «1» [للأمير] «2» إينال المذكور ليكون له حاصل بالرها، فبعث كل واحد منهم بشىء من عليق خيوله، فاجتمع من ذلك شونة كبيرة. ثم أنعم السلطان على الأمير إينال المذكور بأشياء كثيرة، وأصلح أمره، وسار بعساكره عن الرها، إلى أن نزل البيرة. قلت: وإينال هذا هو الملك الأشرف، سلطان زماننا. ولما نزل السلطان بالبيرة أقام بها إلى أن عدّت عساكره الجسر الذي نصب على بحر الفرات «3» إلى البر الغربى، ثم عدى السلطان إلى البر الغربى [المذكور] «4» وأقام به يومه، ورحل من آخر النهار المذكور بعساكره، حتى وصل إلى حلب فى خامس عشر ذى القعدة، ونزل بظاهرها بالمنزلة التى «5» نزل بها فى ذهابه إلى آمد، ونزل «6» حوله جميع عساكره، بعد أن أجهدهم التعب، وماتت خيولهم، وتلفت أموالهم من غير فائدة ولا قيام حرمة، غير أن لسان الحال ينشد قول القائل: [الوافر] «7» مشيناها خطّى كتبت علينا ... ومن كتبت عليه خطى مشاها

وأقام السلطان بحلب نحو العشرة أيام، وأمر النواب بالبلاد الشامية بالمسير إلى محل كفالتهم؛ وخلع على الأمير جانبك الحمزاوى، أحد مقدمى الألوف باستقراره فى نيابة غزة، عوضا عن إينال العلائى، المنتقل إلى نيابة الرّها، فامتنع جانبك الحمزاوى من ذلك امتناعا كليّا؛ فألبسه الخلعة كرها. قيل: إن جانبك المذكور، لما لبس الخلعة وخرج «1» هز رأسه وأمسك لحية [نفسه] «2» كالمتوعّد؛ وبلغ الأشرف ذلك، فقال: «حتى يصل «3» إلى غزة» ، فمات بالقرب من بعلبك. وكان جانبك ممن اتهم بالممالأة مع الأمراء فى آمد، وتكلم الناس فى موت جانبك المذكور: أنه اغتيل بالسم لقول [12] [الملك] «4» الأشرف فى حقه: «حتى يصل إلى غزة» ، فقلت لبعض الإخوان: «يمكن أن يكون [ذلك] «5» من طريق الكشف والولاية «6» والكرامة» ، فضحك الحاضرون، وانفض المجلس. ثم خلع السلطان على الأمير قانى باى الأبوبكرى الناصرى، المعروف بالبهلوان، أتابك حلب، بانتقاله إلى أتابكية دمشق، بعد موت الأمير تغرى «7» بردى المحمودى بآمد، من جرح أصابه فى حصار آمد، وكان المحمودى أيضا ممن اتهم بالوثوب على [الملك] «8» الأشرف. وخلع على الأمير قطج «9» من تمراز، أحد مقدمى ألوف حلب، باستقراره أتابك حلب، عوضا عن قانى باى المذكور «10» ؛ وخلع السلطان على الأمير كمشبغا «11» الأحمدى الظاهرى، أحد أمراء (النجوم الزاهرة ج 15)

ما وقع من الحوادث سنة 837

العشرات ورأس نوبة، بتوجهه إلى الديار المصرية، مبشرا بعود السلطان إلى الديار المصرية. وصار السلطان يركب ويسير بحلب، وطلع إلى قلعتها غير مرة، إلى أن خرج منها فى يوم الخميس خامس ذى الحجة من سنة ست وثلاثين المقدم ذكرها، يريد جهة دمشق، وسار حتى نزل بحماه، وأقام بها أياما، ثم رحل منها بعساكره إلى جهة دمشق حتى دخلها فى يوم الخميس تاسع عشر ذى الحجة، ونزل بقلعتها، ونزلت عساكره بمدينة دمشق، ودام بدمشق إلى أن برز منها يوم السبت ثامن عشرين ذى الحجة، يريد الديار المصرية، بعد أن خلع على جميع نواب البلاد الشأمية باستمرارهم، ولم يحرك ساكنا فى الظاهر والله متولى السرائر. ثم سار السلطان حتى وصل غزة، وقد استقر فى نيابتها من دمشق الأمير يونس الرّكنى، أحد مقدمى الألوف بدمشق، وكان يونس المذكور وليها مرة أخرى قبل ذلك. [ما وقع من الحوادث سنة 837] وأقام السلطان بغزة ثلاثة أيام، ثم رحل منها يريد القاهرة، حتى وصلها فى يوم الأحد العشرين من محرم سنة سبع وثلاثين وثمانمائة، ودخل فى موكب عظيم «1» جليل من باب النصر بأبهة الملك وشعار السلطنة، وعلى رأسه القبة والطير، تولى حمله الأمير الكبير سودون من عبد الرحمن وهو مريض، وقد ساعده جماعة من حواشيه فى حملها. وشق السلطان القاهرة وقد زينت لقدومه أحسن زينة، وسار حتى نزل بمدرسته التى أنشأها بخط العنبربين «2» من القاهرة، وصلى بها ركعتين، ثم ركب منها وسار حتى خرج من باب زويلة، وطلع إلى القلعة بعد أن خرج المقام الجمالى يوسف ولده إلى ملاقاته بالخانقاه، وعاد معه. وكان لقدومه يوم مشهود «3» ، وسر الناس بسلامته، وعاد السلطان إلى مصر بعد أن أتلف فى هذه السّفرة نحو الخمسمائة ألف دينار من النقد، وتلف له من

السلاح والمتاع والخيل والجمال والبغال مثل ذلك، وأنفق الأمراء بمصر والشأم والعساكر المصرية والشأمية مثل ذلك، وتلف لأهل آمد وما حولها من الغلال والزراعات والمواشى شىء كثير «1» إلى الغاية، وقتل أيضا خلائق، ومع هذا كله كانت سفرة كثيرة «2» الضرر قليلة النفع. ولم ينل أحد فى هذه السفرة غرضا من الأغراض، ولا سكنت فتنة ولا قامت حرمة، ولا ارتدع عدو. ولهج غالب الناس بأن السلطان سعده لا يعمل إلا وهو بقلعة الجبل «3» ، وحيثما تحرّك بنفسه بطل سعده، وعدّوا حركته مع التركمان فى نيابته بطرابلس، ثم واقعته مع الأمير جقمق نائب الشام لما أمسكه جقمق وحبسه، ثم سفرته [هذه] «4» إلى آمد؛ قلت: الحركات والسكون بيد الله، والحرب سجال: يوم لك ويوم عليك، والدهر تارة وتارة، والغيب مستّر ما هو مخبّر «5» - انتهى. ولما طلع السلطان إلى القلعة خلع على الأمراء، وأخذ فى إصلاح أمره، وخلع على التاج بإعادته إلى ولاية القاهرة، بعد عزل دولات خجا الظاهرى، ثم خلع السلطان على الأمير آقبغا الجمالى المعزول عن الأستادّاريّة قبل تاريخه، باستقراره فى ولاية الوجه القبلى، عوضا عن داؤد «6» التركمانى، وكان السلطان أنعم على آقبغا «7» المذكور بإمرة عشرة بعد موت الأمير تنبك من سيدى بك [13] المعروف بالبهلوان بآمد. ثم فى يوم الثلاثاء ثانى عشر شهر ربيع [الأول] «8» من سنة سبع وثلاثين المذكورة، رسم السلطان بإخراج الأمير الكبير سودون من عبد الرحمن إلى القدس بطّالا،

فاستعفى من السفر، وسأل أن يقيم بداره بطّالا، فأجيب إلى ذلك، ولزم داره إلى ما يأتى ذكره. وأنعم السلطان بأقطاعه على الديوان المفرد، ولم يقرر أحدا غيره فى أتابكية العساكر بديار مصر «1» ؛ وهذا شىء لم نعهد بمثله. وضرب رنك «2» السلطان على البيمارستان المنصورى بالقاهرة، وكانت العادة جرت من مدة سنين، أن كل من يلى الإمرة الكبرى، يكون هو الناظر على البيمارستان المذكور، فلما نفدت «3» هذه الوظيفة، تكلم السلطان على نظرها، وضرب اسمه على بابها. ثم فى يوم السبت أول شهر ربيع الآخر، خلع السلطان على دولات خجا المعزول عن ولاية القاهرة، باستقراره فى ولاية المنوفية والقليوبية، ثم فى يوم الاثنين ثالث شهر ربيع الآخر [المذكور] «4» ركب السلطان من قلعة الجبل ونزل إلى الصيد، وعاد فى خامسه. ثم فى يوم الاثنين عاشره خلع السلطان على الأمير إينال الششمانى الناصرى، ثانى رأس نوبة، باستقراره فى نيابة صفد، بعد موت الأمير مقبل الحسامى الدوادار، ومقبل أيضا هو أحد من اتهم «5» بالوثوب على السلطان فى آمد. ثم فى حادى عشره خلع السلطان

على آقبغا الجمالى [المقدم ذكره] «1» باستقراره كاشف الوجه البحرى عوضا عن حسن بك ابن سالم الدّوكرى، وأضيف إليه كشف الجسور أيضا. ثم فى ثالث عشره، ركب السلطان ونزل إلى البيمارستان المنصورى للنظر فى أحواله، فنزل به وأقام ساعة ثم ركب وعاد إلى القلعة. ثم فى يوم الأحد ثامن عشرين جمادى الأولى خلع السلطان على حسين الكردى، باستقراره كاشف الوجه القبلى، بعد قتل آقبغا الجمالى فى خامس عشرينه فى حرب كان بينه وبين عرب البحيرة «2» ، وقتل معه جماعة من مماليكه ومن العربان، ثم خلع السلطان

على الوزير الأستادار كريم الدين ابن كاتب المناخ، كامليّة بفرو وسمّور [بمقلب سمّور] «1» لتوجهه إلى البحيرة، وصحبته حسين الكردى المقدم ذكره، لعمل مصالحها واسترجاع ما نهبه أهل البحيرة من متاع آقبغا الجمالى بعد قتله، وكتب إليهم السلطان بالعفو عنهم، وأن آقبغا تعدى عليهم فى تحريق بيوتهم وسبى أولادهم ونحو ذلك، قصد السلطان تطمينهم، عسى أن يؤخذوا من غير قتال ولا فتنة. ثم أمر السلطان بعدّ من بالإسكندرية من القزّازين وهم الحيّاك، فأحصى فى يوم الثلاثاء أول جمادى الآخرة [المذكورون] «2» ، فبلغت عدّتهم ثمانمائة نول، بعد ما بلغت عدتهم فى أيام نيابة ابن محمود الأستادار فى سنة بضع وتسعين وسبعمائة أربعة عشر ألف نول ونيفا، فانظر إلى هذا «3» التفاوت فى هذه السنين القليلة «4» ، وذلك لظلم ولاة الأمور، وسوء «5» سيرتهم، وعدم معرفتهم، لكونهم يطمعون «6» فى النزر اليسير بالظلم، فيفوتهم أموال كثيرة مع العدل؛ والفرق بين العامر والخراب ظاهر. ثم فى يوم الاثنين ثانى عشر شهر رجب، أدير محمل الحاج على العادة فى كل سنة. ثم فى سابع عشرين [شهر] «7» رجب المذكور، قدم الأمير بربغا التنمى الحاجب الثالث بدمشق، إلى القاهرة بسيف الأمير جارقطلو نائب الشام «8» ، وقدمات بعد مرضه خمسة وأربعين يوما، فى يوم تاسع عشرة، فعين السلطان عوضه لنيابة دمشق، الأمير قصروه من تمراز نائب حلب، وكتب له بذلك. ثم «9» فى يوم تاسع عشرينه، عين السلطان

الأمير خجا سودون السيفى بلاط الأعرج، أحد أمراء الطبلخاناه، ورأس نوبة، أن يتوجه إلى قصروه بالتقليد والتشريف. وفى اليوم خلع السلطان على الأمير قرقماس الشعبانى الناصرى، المعروف أهرام ضاغ «1» ، حاجب الحجاب، باستقراره فى نيابة حلب عوضا عن قصروه، وأن يكون مسفّره الأمير شاد بك الجكمى أحد أمراء الطبلخانات ورأس نوبة. [14] وخلع السلطان على الأمير يشبك السّودونى ثم الظاهرى ططر المعروف بالمشدّ باستقراره حاجب الحجاب عوضا عن قرقماس المذكور، وأنعم بإقطاع قرقماس على الأمير آقبغا التمرازى أمير مجلس، وخلع عليه باستقراره أمير سلاح، وبإقطاع آقبغا على الأمير يشبك المذكور. وخلع السلطان على الأمير إينال الجكمى أمير سلاح، باستقراره أتابك العساكر، وكانت شاغرة من يوم لزم سودون من عبد الرحمن بيته، واستقر عوضه فى إمرة سلاح، آقبغا التمرازى المقدم ذكره. وخلع السلطان على الأمير جقمق العلائى الأمير آخور باستقراره أمير مجلس، عوضا عن آقبغا التّمرازى، [المقدم ذكره] «2» . وخلع على الأمير حسين ابن أحمد المدعو تغرى برمش باستقراره أمير آخور، عوضا عن جقمق العلائى. فخرج الجميع، وعليهم الخلع والتشاريف، وجلسوا على المسطبة التى يجلس عليها مقدم المماليك عند باب السر «3» ، فى انتظار الخيول التى أخرجها السلطان لهم، بسروج الذهب والكنابيش ما خلا تغرى برمش، فإنه فارقهم من داخل القصر، ونزل إلى باب السلسلة تسلمه من وقته، فقعدوا «4» الجميع على المسطبة صفّا واحدا، [و] «5» جلس فوق الجميع إينال الجكمى، ثم تحته قرقماس نائب حلب، ثم آقبغا التمرازى، الذي استقر أمير سلاح، ثم الأمير جقمق الذي استقر أمير مجلس، ثم الأمير يشبك المولّى حاجب الحجاب،

إلى أن حضرت الخيول وركبوا، ونزل «1» كل واحد إلى داره. فلما نزل جقمق العلائى إلى داره، عرّفه أصحابه وحواشيه أن وظيفة الأمير آخورية كانت خيرا له «2» من وظيفة أمير مجلس، وإن كان ولا بد فيولّى «3» أمير سلاح، فيكون ما فاته من منفوع الأمير آخورية، يتعوّضه من قيام الحرمة بوظيفة أمير «4» سلاح. وبلغ السلطان ذلك، فرسم فى الحال إلى آقبغا التّمرازى أن يكون أمير مجلس على عادته، وتكون الخلعة التى لبسها خلعة الرضى «5» والاستمرار، وأن يكون جقمق أمير سلاح؛ ونزل الأمر إلى كل منهما بذلك، فامتثلا المرسوم [الشريف] «6» ، واستمر كل منهما على ما قرره السلطان ثانيا. وفى اليوم المذكور رسم السلطان بإخراج الأمير سودون من عبد الرحمن إلى ثغر دمياط، وسببه أن السلطان لما بلغه «7» موت جارقطلو، استشار بعض خواصه فيمن يوليه نيابة الشأم، فذكروا له سودون من عبد الرحمن، وأنه يقوم للسلطان بمبلغ كبير من ذهب فى نظير ذلك. وكان فى ظن السلطان أن سودون من عبد الرحمن قد استرخت أعضاؤه، وتعطلت حركته من طول تمادى المرض به، وقد أمن من جهته ما يختشيه «8» ، فقال السلطان: سودون من عبد الرحمن تلف، ولم يبق فيه بقية لذلك، فقالوا: يا مولانا السلطان، هو المتكلم فى ذلك. فلم يحملهم السلطان على الصدق، وأرسل إليه فى الحال يعرض عليه نيابة الشأم، فقبل، وقال: مهما أراد السلطان منى فعلته له؛ فلما عاد الجواب على السلطان بذلك علم أن غالب ما به تضاعف، وأن فيه بقية لكل شىء؛ فأمر فى الحال بإخراجه إلى ثغر دمياط. ثم خلع السلطان على الأمير بربغا التّنمى أحد حجاب دمشق، وأعاده إلى دمشق. ثم فى يوم الخميس سابع شعبان من سنة سبع وثلاثين المذكورة، خلع

السلطان على الأمير [الكبير] «1» إينال الجكمى باستقراره فى نظر البيمارستان المنصورى على العادة «2» ، وكانت تولية إينال المذكور للإمرة الكبرى بغير إقطاع الأتابكية، بل باستمراره على «3» إقطاعه القديم، غير أنه أنعم السلطان عليه بقرية حجّة ومردّة من أعمال نابلس، وكانت من جملة إقطاع الأمير الكبير، ثم خلع عليه بنظر البيمارستان المذكور، فهذا الذي حصل له من جهة الأتابكية؛ ولم ينله منها إلا مجرد الاسم فقط. وفى شهر رجب وشعبان، قرر السلطان على جميع بلاد الشرقية والغربية والمنوفية والبحيرة وسائر الوجه القبلى، خيولا تؤخذ من أهل النواحى، فكان يؤخذ «4» من كل قرية خمسة آلاف درهم فلوسا، عن ثمن الفرس المقرر عليها، ويؤخذ من بعض النواحى عشرة آلاف عن ثمن فرسين، [15] ويحتاج أهل الناحية إلى مغرم آخر لمن يتولى أخذ ذلك منهم، فنزل بسبب ذلك على فلّاحى القرى «5» بلاء «6» الله المنزل. وأحصى كتّاب ديوان الجيش قرى أرض «7» مصر العامرة كلها قبليها وبحريها «8» ، فكانت ألفين ومائة وسبعين قرية، وقد ذكر المسبّحىّ «9» فى تاريخه: أنها كانت فى القرن الرابع: عشرة آلاف قرية عامرة، فانظر إلى تفاوت ما بين الزمنين، مع أمن هذا الزمان وكثرة فتن ذلك «10» الزمان، غير أن السبب معروف والسكات أجمل. ثم فى يوم الخميس رابع عشر شعبان، برز قرقماس نائب حلب إلى محل كفالته وعليه جمل كبيرة من الديوان؛ ثم فى تاسع عشر شعبان ختن السلطان ولده المقام الجمالىّ يوسف،

وختن معه نحو الأربعين صبيا، بعد ما كساهم وعمل لذلك مهمّا هائلا «1» للرجال بالحوش السلطانى، وللنساء «2» بالدور بالقلعة «3» . ثم فى يوم السبت ثالث عشرينه، فقد [الوزير] «4» كريم الدين ابن كاتب المناخ، بعد أن كان استعفى غير مرة من إحدى الوظيفتين: إما الوزارة «5» [أ] و «6» الأستادّاريّة، فلم يعفه السلطان، فلما تسحّب فى هذا اليوم، طلب السلطان [أمين الدين] «7» إبراهيم ابن الهيصم، ناظر الدولة، وخلع عليه باستقراره وزيرا عوضا عن الصاحب كريم الدين المذكور. ثم فى يوم الأربعاء سابع عشرين شعبان المذكور، ظهر الصاحب كريم الدين المذكور «8» ، وطلع إلى القلعة، فخلع عليه السلطان سلّاريا «9» من قماشه. ثم طلع [كريم الدين] من الغد، فخلع عليه [السلطان] ثانيا خلعة جليلة «10» ، باستمراره على وظيفة الأستادّارية؛ ونزل إلى داره فى موكب جليل، وقد سرّ به غالب أعيان الدولة، فإن السلطان، كان ألزم زين الدين عبد الباسط بوظيفة الأستادّارية، فقال له: «يا مولانا

السلطان، ما يليق بى هذه الوظيفة» ، فقال: «يليها دوادارك جانبك» ، فتبرم أيضا من ذلك، فخاشنه السلطان فى الكلام وأهانه، فأوعد بحمل مبلغ كبير من المال مساعدة للأستادّار، ثم حسّن للسلطان فى الباطن ولاية القاضى سعد الدين إبراهيم ناظر الخاص، أستادارا، وكلمه السلطان فى ذلك، فأبى سعد الدين إبراهيم أيضا، وأخذ يستعفى؛ وبينماهم فى ذلك، ظهر كريم الدين، فتنفّس «1» خناق عبد الباسط وغيره بظهور كريم الدين واستمراره على وظيفته. وقدم الخبر فى هذا الشهر من مكة [المشرّفة] «2» ، بأن الوباء «3» ، قد اشتد بها وبأوديتها، حتى بلغ عدة من يموت بمكة «4» ، فى اليوم خمسين نفسا، ما بين رجل وامرأة. وفى شهر رمضان المذكور تحرك عزم السلطان على السفر إلى جهة آمد، لقتال قرايلك، وكتب إلى بلاد الشأم بتعبئة الإقامات من الشعير وغيره على العادة، وكان سبب حركة السلطان لذلك، لما ورد عليه الخبر فى يوم ثامن عشره، أن الأمير إينال العلائى نائب الرها، كان بينه وبين أعوان قرايلك وقعة هائلة «5» . وسببه أن بعض عساكر حلب أو عساكر الرّها خرج يسيّر فرسه، فلما كان بين بساتين الرها، صادف طائفة «6» من التركمان، فقاتلهم وهزمهم؛ وبلغ [ذلك] «7» الأمير إينال، فخرج مسرعا من مدينة الرها، نجدة لمن تقدم ذكره، فخرجت عليه ثلاثة «8» كمائن «9» من القرايلكية، فقاتلهم، فكانت بينهم وقعة هائلة، قتل فيها من الفريقين عدة.

فلما بلغ السلطان ذلك، شق عليه، وعزم على السفر؛ ثم كتب السلطان إلى سائر البلاد الشامية، بخروج نواب الممالك «1» للحاق «2» الأمير قرقماس «3» نائب حلب بالرّها؛ ثم بطل ذلك، وكتب بمنعهم من المسير، حتى يصح عندهم نزول قرايلك على الرها بعساكره وجموعه «4» ، فإذا صح لهم ذلك، ساروا لقتاله. وفى يوم الثلاثاء ثالث «5» عشرين شوال، كتب السلطان باستقرار خليل بن شاهين الشّيخى، ناظر الإسكندرية وحاجبها، فى نيابة الإسكندرية، مضافا على النظر والحجوبية، عوضا عن الأمير جانبك «6» [السيفى يلبغا] «7» الناصرى [فرج] «8» [المعروف] «9» بالثور «10» . وفى شوال هذا، قدم على السلطان الخبر من بغداد، على يد قاصد كان السلطان وجّهه قبل ذلك لكشف أخبار الشرق، وأخبر: أن أصبهان بن قرا يوسف «11» ، لما

ملك بغداد من أخيه شاه محمد بن قرا يوسف، أساء «1» السيرة، بحيث [16] أنه أخرج جميع أهل بغداد منها بعيالهم، بعد أن أخذ جميع أموالهم، من جليل وحقير فتشتتوا بنسائهم «2» وأولادهم فى نواحى الأقطار، وصارت بغداد ليس بها سوى نحو ألف رجل من جند أصبهان المذكور لا غير، وأنه لم يبق بها سوى ثلاثة أفران تخبز الخبز «3» فقط، ولم يبق بها سكان، ولا بيعة، ولا أسواق. فكان فعل أصبهان هذا أقبح من فعل أخيه شاه محمد، فإن شاه محمد لما تنصّر ومال إلى دين النصرانية، قتل العلماء وأباد الفقهاء والصلحاء لا غير، وترك من دونهم. فجاء هذا الزنديق الفاسق، تجاوز «4» فعل شاه محمد من أنه أخرج جميع أهل بغداد؛ وكان غرض أصبهان بذلك أن يخرب بغداد، حتى لا يبقى لأخيه إسكندر ولا غيره طمع فيها، فمد يده فى ذلك، حتى صارت بغداد خرابا يبابا لا يأويها إلا البوم- انتهى. قال: وإنه أخرب أيضا الموصل، حتى صارت مثل بغداد وأعظم، من أنه سلب نعم أهلها وأمر بهم فأخرجوا منها وتمزقوا فى البلاد، واستولت عليها العربان، فصارت الموصل منزلة من منازل العرب، بعد أن كانت تضاهى دار السلام. قال- أعنى القاصد: وأن أصبهان أيضا أخذ أموال أهل المشهد «5» ، وأزال نعمهم وتشتتوا فى البلاد. قلت: لا أعلم فى طوائف التركمان ولا فى أوباش عساكر جغتاى «6» ، ولا فى

جهّال التّتار، أوحش سريرة، ولا أقبح طريقة ولا أسوأ سيرة، ولا أضعف دينا «1» ولا أعدم مروءة، ولا أقل نخوة ولا أبشع خبرا «2» من هؤلاء الزنادقة الكفرة الفسقة، أولاد قرا يوسف، وعندى أن النصارى أمثل من هؤلاء، فإنهم متمسكون بدين على زعمهم «3» ، وهؤلاء زنادقة لا يتدينون بدين، كفرة ملحدون «4» . حدّثنى الأمير على باى المؤيدى العجمى رحمه الله- بعد عوده من عند أصبهان المذكور، لما أرسله [السلطان الملك] «5» الظاهر جقمق، فى الرّسليّة إليه- بأشياء: منها أنه كان يمد السماط بين يديه فى بكرة أيام شهر «6» رمضان، وأنه سأل على باى فى الأكل معه من جملة عساكره، فامتنع، فقال له: « [أمير علىّ باى] «7» ، بتتعب نفسك سخرة. بنى آدم، هو مثاله «8» مثال الزرع: يطلع ويكبر، ثم يحصد ويزول إلى الأبد، وما ثم شىء غير ذلك، فخلّ عنك ما أنت فيه، وكل واشرب» . قال: ثم سألت عن أصبهان من بعض خواصّه، عن أحواله، فكان من جملة ما قاله: أنه لم يتعبد على ملة من الملل منذ بلغ الحلم، إلى يومنا، بخلاف أخيه شاه محمد، فإنه كان أولا أيام أبيه قرا يوسف، يصوم ويصلى ويظهر الإسلام «9» والتنسك إلى أن مات أبوه [ف] «10» أظهر الميل إلى دين النصرانية، وصار يتعبد على ملتهم.

ما وقع من الحوادث سنة 838

فهذا الخبر عن شاه محمد وأصبهان، وأضف إليهما إسكندر أيضا، فإنه كان أيضا من هذه المقولة فى الباطن، ثم من بعدهم «1» أخوهم «2» جهان شاه بن قرا يوسف ملك تبريز فى زماننا هذا، فإنه أيضا على طريقهم من الفسق والفجور والانهماك فى المسكرات، وجميع أفعاله فى الباطن تقارب أفعال إخوته، غير أنه يظهر خلاف ذلك، لئلا ينفر الناس عنه وتسوء القالة «3» فيه؛ وقد استوعبنا أحوال هؤلاء الفسقة فى تاريخنا «المنهل الصافى [والمستوفى بعد الوافى] » «4» بأوسع من هذا، فلينظر هناك «5» . ثم فى يوم الأربعاء أول ذى القعدة، توجه الأمير جقمق العلائى أمير سلاح، إلى مكة المشرفة حاجّا، وسار معه كثير ممن قدم من المغاربة وغيرهم، وبسط يده بالإحسان إليهم ذهابا وإيابا. قال المقريزى: وفى هذه السنة، يعنى عن سنة سبع وثلاثين، طلّق رجل من بنى مهدىّ من أرض البلقاء امرأة وهى حامل، فنكحها رجل غيره، ثم فارقها فنكحها رجل ثالث، فولدت عنده ضفدعا فى قدر الطفل، فأخذوه ودفنوه خوف العار. [ما وقع من الحوادث سنة 838] ثم فى يوم الاثنين ثالث محرم سنة ثمان وثلاثين «6» وثمانمائة، قدم قاصد قرايلك صاحب آمد، بكتاب قرايلك ومعه تسعة أكاديش «7» ، تقدمة للسلطان، ودراهم قليلة عليها اسم السلطان «8» لا غير، فلم يحسن ذلك ببال أحد.

ثم فى يوم الاثنين حادى عشر المحرم [سنة ثمان وثلاثين المذكورة] «1» ، أمسك السلطان الأمير بردبك الإسماعيلى، أحد أمراء الطبلخانات، وحاجب ثانى، وأخرجه إلى دمياط، وأنعم بإقطاعه على الأمير تغرى بردى البكلمشى المعروف بالمؤذى، أحد رؤوس النوب، وخلع على الأمير جانبك السيفى [17] يلبغا الناصرى المعروف بالثور، المعزول قبل تاريخه عن نيابة الإسكندرية، باستقراره حاجبا ثانيا عوضا عن بردبك الإسماعيلى المقدم ذكره. وفى هذا الشهر أيضا خلع السلطان على دولات خجا وأعيد إلى ولاية القاهرة عوضا عن التاج بن سيفة الشوبكى. ثم فى يوم الخميس سابع عشرين المحرم، عملت الخدمة السلطانية بالإيوان المسمى دار العدل «2» من قلعة الجبل، بعد ما هجرت مدة، لقدوم رسول القان معين الدين شاه رخ «3» بن تيمور ملك الشرق، وأحضر الرسول المذكور إلى الموكب بدار العدل

وقد هاله ما رآه من حسن زى هذا الموكب، وكان الرسول المذكور من أشراف شيراز يقال له السيد تاج الدين [علىّ، فحضر] «1» تاج الدين المذكور إلى بين يدى السلطان، ولم يقبّل الأرض لكونه من السادة الأشراف. ودفع ما على يده «2» من الكتاب، ثم قدّم ما معه من الهدية، فتضمن كتابه وصوله هديّة السلطان المجهزة إليه، وأنه نذر أن يكسو الكعبة [البيت الحرام] «3» ، وطلب أن يبعث إليه من يتسلمها ويعلقها من داخل البيت. وتاريخ الكتاب، فى ذى الحجة سنة ست وثلاثين، وكان قدوم القاصد من هراة إلى هرمز ومن هرمز إلى مكة، ثم قدم صحبة [ركب] «4» الحاج، فأنزله السلطان [بمكان] «5» ، وأجرى عليه ما يليق به من الرواتب، واشتملت هدية شاه رخ [المذكور] «6» على ثمانين ثوب حرير «7» أطلس، وألف قطعة فيروزج، ليست بذاك، مبلغ «8» قيمة الجميع ثلاثة آلاف دينار لا غير. ثم فى يوم السبت سادس صفر، عقد السلطان مجلسا «9» بين يديه، بالقضاة الأربعة «10» ، بسبب نذر شاه رخ بن تيمور أن يكسو الكعبة؛ فلما جلسوا للكلام، بعد أن سألهم السلطان فى معنى ذلك، أجاب قاضى القضاة بدر الدين محمود العينى الحنفى، بأن نذره لا ينعقد، فلم يتكلم أحد، وانفض المجلس على ذلك، وصار السلطان يقول: (النجوم الزاهرة ج 15)

للعينى «1» مندوحة فى منع شاه رخ من الكسوة. ثم عيّن السلطان الأمير أقطوه الموساوى المهمندار «2» أحد أمراء العشرات «3» ، [الظاهرى برقوق] «4» للتوجه «5» إلى «6» شاه رخ بردّ «7» الجواب، صحبة قاصده «8» الشريف تاج الدين «9» - انتهى. ثم فى يوم الاثنين خامس عشر «10» [المذكور] «11» ، ثارت مماليك السلطان الأجلاب «12» ، سكّان الطّباق بقلعة الجبل، وطلبوا القبض على مباشرى الدولة، بسبب تأخر جوامكهم، ففر المباشرون منهم، ونزلوا إلى بيوتهم، فنزل فى أثرهم جمع كبير منهم، ومضوا إلى بيت عبد الباسط ناظر الجيش ونهبوه، وأخذوا ما قدروا عليه. ثم خرجوا وقصدوا بيت الوزير [أمين الدين] «13» بن الهيصم، وبيت الأستادّار كريم الدين ابن كاتب المناخ، ونهبوهما أيضا، ولم يقدروا على قبض أحد من هؤلاء الثلاثة لفرارهم منهم، وغلقت الأسواق وخاف كل أحد [على] «14» بيته. هذا وقد صمم المماليك على الفتك بعبد الباسط، والعجب أن السلطان لم يغضب لعبد الباسط بل انحرف عليه، وأمر بنفيه إلى الإسكندرية لكسر الشر، ولم يقع منه فى حق مماليكه المذكورين أمر من الأمور، إما لمحبته فيهم، أو لبغضه فى عبد الباسط، ولزم

عبد الباسط داره؛ وتردد الناس للسلام عليه، والسلطان مصمم على سفره إلى [ثغر] «1» الإسكندرية. وأصبح الناس يوم الثلاثاء سادس عشره، وإذا بهجّة عظيمة، فغلقت جميع شوارع المدينة لإشاعة كاذبة بأن المماليك [قد] «2» نزلوا ثانيا لنهب بيت عبد الباسط، فاضطرب الناس، وهرب عبد الباسط من داره، وانزعج إلى الغاية، فكان هذا اليوم أعظم وأشنع من يوم النهب. ثم ظهر للناس أن المماليك لم يتحركوا ولا نزل أحد منهم، وأما عبد الباسط، فإنه لا زال يسعى ويتكلم له خواص السلطان فى عدم خروجه إلى الإسكندرية حتى تم له ذلك، وطلع إلى القلعة فى يوم سابع عشره، بعد أن التزم عبد الباسط بأن يقوم للوزير من ماله بخمسمائة «3» ألف درهم مصرية تقوية له، وأن السلطان يساعد أستاداره كريم الدين بعليق المماليك شهرا «4» ، هذا بعد أن قدم عبد الباسط للأشرف تقدمة من المال فى خفية من الناس لإقامة حرمته، ولم يخف ذلك عن «5» أحد، وأخذ أمر عبد الباسط فى انحطاط، وصار السلطان يهدده إن لم يل الأستادارية هو [18] أو مملوكه جانبك، وهو يتبرم من ذلك كله. ثم استعفى الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم من الوزارة «6» ، فعين السلطان شمس الدين بن سعد الدين بن قطارة القبطى لنظر الدولة، وألزمه بتكفية يومه. ورسم السلطان بطلب أرغون شاه النّوروزى من دمشق، وهو يومذاك أستادار السلطان بها «7» ، ليستقر فى الوزارة، عوضا عن ابن الهيصم على عادته قديما، بعد ما عرض السلطان الوزارة على الأستادار كريم الدين ابن كاتب المناخ، فأبى كريم الدين قبول ذلك، وقال: يا مولانا السلطان، يختار السلطان إما أكون وزيرا أو أستادّارا، وأما جمعهما «8» معا

فلا أقدر على ذلك. فغضب السلطان عليه وهم بضربه ومسكه، فضمنه القاضى سعد الدين ابن كاتب جكم، ناظر الخاص، ونزل الجميع إلى دورهم، إلى أن عملت مصالح الجماعة. فلما كان يوم السبت عشرين صفر خلع السلطان على أستاداره الصاحب كريم الدين باستمراره، وخلع على الصاحب أمين الدين بن الهيصم باستقراره فى نظر الدولة على عادته قديما كما كان قبل الوزارة، وألزمه بتكفية الدولة إلى حين قدوم أرغون «1» شاه من الشام، وانفض الموكب. فلما نزل الصاحب أمين الدين بالخلعة إلى داره، اختفى فى ليلة الاثنين ولم يعلم له خبر، فأصبح السلطان فى يوم الاثنين ثانى عشرينه، أمسك الصاحب كريم الدين الأستادار، وخلع فى الحال على جانبك دوادار عبد الباسط باستقراره أستادارا عوضا عن الصاحب كريم الدين [بن كاتب المناخ] ، «2» فلبس جانبك الخلعة، ولم يقدر عبد الباسط أن يتكلم فى حقه كلمة واحدة، وكان قصد الملك] «3» الأشرف، أنه متى تكلم أو «4» تمنع عبد الباسط من ذلك، قبض عليه، فأحسّ عبد الباسط بالشر، فكف عن الكلام، ثم ألزم السلطان القاضى سعد الدين إبراهيم ابن كاتب جكم ناظر الخواص بوظيفة الوزارة، فلم يوافق على ذلك، وانفض المجلس على ذلك. وفى هذا اليوم خرج قاصد شاه رخ، الشريف تاج الدين، من الديار المصرية إلى جهة مرسله، وصحبته الأمير أقطوه الموساوى، وعلى يده هدية من السلطان إلى شاه رخ [المذكور] «5» ، وكتاب جواب [كتابه] «6» يتضمن منعه من كسوة الكعبة، بأن العادة [قد] «7» جرت قديما وحديثا، أن لا يكسو الكعبة إلا ملوك مصر، والعادة قد اعتبرت فى الشرع فى مواضع، وأن للكسوة أوقافا «8» تقوم بعملها، لا يحتاج إلى مساعدة فى ذلك؛ وإن أراد الملك وفاء نذره، فليبع الكسوة ويتصدق بثمنها «9» فى

فقراء مكة، فهو أكثر ثوابا «1» ، حيث يتعدى نفع ذلك إلى جماعة كبيرة، وأشياء من هذه المقولة. ثم فى يوم الخميس خامس عشرينه، بعد انقضاء الموكب من القصر، و «2» توجه السلطان إلى الحوش على العادة، غضب على القاضى سعد الدين إبراهيم «3» ناظر الخواص، بسبب تمنّعه من ولاية الوزارة، وأمر به فضرب [بين يديه] «4» ضربا مبرحا، ثم أقيم، ونزل إلى داره. ثم طلب السلطان [الصاحب] «5» كريم الدين ابن كاتب المناخ من محبسه بالقلعة، وأمر به، فعرّى من ثيابه، وضربه بالمقارع زيادة على مائة شيب «6» ، ثم ضربه على أكتافه بالعصى ضربا مبرحا، وعصرت رجلاه بالمعاصير «7» ، ثم أعيد إلى محبسه يومه؛ وأنزل من الغد فى يوم الجمعة على بغل «8» فى أسوإ حال، ومضى به إلى بيت التاج «9» والى القاهرة كان «10» ، وهو يومذاك شادّ الدواوين، ليورد ما ألزم به، بعد أن حوسب، فوقف عليه خمسة وخمسون ألف دينار ذهبا، صولح عنها بعشرين ألف دينار، [فنزل إلى بيت التاج وأخذ فى بيع موجوده وإيراد المال المقرر عليه، إلى أن

أفرج عنه فى ثامن عشر ربيع الأول، بعد ما حمّل نحو العشرين ألف دينار، وضمنه فيما بقى أعيان الدولة.] «1» ثم فى يوم الثلاثاء أول شهر ربيع الآخر من سنة ثمان وثلاثين المذكورة، خلع السلطان على القاضى سعد الدين ناظر الخواص، خلعة الرضى والاستمرار على وظيفته نظر الخواص، وخلع على أخيه القاضى جمال الدين يوسف ابن القاضى كريم الدين عبد الكريم ابن كاتب جكم باستقراره وزيرا، على كره منه، بعد تمنع زائد؛ وكان منذ تغيب ابن الهيصم، [لا يلى الوزارة أحد] «2» ، والقاضى سعد الدين ناظر الخاص يباشرها، ويسدد أمورها من غير لبس تشريف، فغرم فيها جملة كبيرة، لعجز جهاتها عن مصارفها، والقاضى جمال الدين يوسف [المذكور] «3» ، هو يوسف «4» عظيم الدولة فى زماننا هذا، وناظر جيشها وخاصّها كان «5» ، رحمه الله تعالى. «6» وهى أول ولاياته «7» للمناصب الجليلة على ما يأتى ذكر ولاياته «8» لغيرها مفصلا، فى هذا الكتاب وغيره. وخلع [19] السلطان على شمس الدين بن قطارة باستقراره ناظر الدولة، فكان الوزير وناظر الدولة فى طرفى نقيض، فالوزير فى الغاية من حسن الشكالة والزى البهيج، وسنه دون العشرين سنة، وناظر الدولة فى الغاية من قبح الشكالة والزى الردىء وسنه نحو السبعين «9» سنة- انتهى. ثم فى يوم الأحد رابع شهر ربيع الآخر، قدم الأمير أرغون شاه النوروزى الأعور، أستادّار السلطان بدمشق إلى مصر بطلب حسبما تقدم ذكره، ليلى الوزارة. وطلع

إلى القلعة من الغد بتقادم جليلة، وخلع عليه باستمراره على أستادّارية السلطان بدمشق، على عادته. وفى هذا الشهر تكرر ركوب السلطان إلى الصيد غير مرة. ثم فى جمادى الأولى وقع الشروع فى حركة السلطان إلى السفر، لقتال قرايلك والفحص أيضا عن جانبك الصّوفى. وفى خامس عشره خلع على دولات خجا «1» والى القاهرة باستقراره فى ولاية منفلوط، وشغرت الولاية إلى يوم الأحد سابع عشره، فاستقر «2» فيها علاء الدين على بن الطّبلاوى. ثم فى يوم السبت أولى جمادى الآخرة، خلع السلطان على الصاحب كريم الدين عبد الكريم ابن كاتب المناخ باستقراره كاشف «3» الوجه القبلى، ورسم السلطان أن يستقر محمد الصغير المعزول عن الكشف قبل تاريخه دوادار الصاحب كريم الدين، وأمير علىّ الذي كان كاشفا بالوجه القبلى والوجه البحرى رأس نوبته، ونزل إلى داره من القلعة فى موكب جليل، كل ذلك والصاحب «4» كريم الدين لم يغيّر «5» زيّه من لبس الكتبة، ولم يلبس الكلفتاه «6» ، ولا تقلد بسيف. وكان الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم قد خرج من اختفائه، وطلع إلى السلطان بشفاعة الأمير إينال الأبوبكرى الأشرفى الخازندار، فطلبه السلطان فى هذا اليوم وخلع عليه باستقراره شريكا لعبد العظيم بن صدقة الأسلمى فى نظر ديوان المفرد. ثم فى يوم الأحد سادس [عشر] «7» جمادى الآخرة [المذكورة] «8» أمسك السلطان القاضى سعد الدين إبراهيم ناظر الخاص، وأخاه الصاحب جمال الدين يوسف،

ورسم عليهما، ثم أفرج عنهما من الغد، وخلع على سعد الدين المذكور باستمراره، وأعفى الصاحب جمال الدين من الوزارة، بعد أن ألزمهما بحمل ثلاثين ألف دينار. وألزم السلطان تاج الدين عبد الوهاب بن الشمس نصر الله الخطير ابن الوجيه توما ناظر الإسطبل بولاية الوزارة، وخلع عليه من الغد فى يوم الثلاثاء ثامن عشره، فباشر ابن الخطير هذه الوزارة أقبح مباشرة من العجز والتشكى والقلق وعدم القيام بالكلف السلطانية، مع قيام السلطان معه وإقامة حرمته، وهو مع ذلك «1» لا يزداد فى أعين الناس إلا بهدلة. وظهر منه فى أيام مباشرته الوزارة حدة زائدة، وطيش وخفة، بحيث أنه جلس مرة للمباشرة، فكثر الناس عنده لقضاء «2» حوائجهم فضاق خلقه منهم، فقام إلى باب الدخول، وضم جميع سراميج «3» الناس الذين «4» كانوا فى مجلسه فى ذيله، وخرج حافيا إلى خارج داره وألقاهم إلى الأرض، ودخل بسرعة «5» والناس «6» تنظر إليه «7» ، وقال: اخرجوا إلى سراميجكم لا يأخذوها فقال له بعضهم: تعيش رأس مولانا الصاحب. وسخر الناس من ذلك مدة طويلة، وهو إلى الآن فى قيد الحياة، يتشحط «8» فى أذيال الخمول- انتهى. ثم فى يوم الأربعاء تاسع عشر جمادى الآخرة [المذكورة] «9» ، أنعم السلطان على تمراز المؤيدى الخازندار بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، بعد موت الأمير أركماس الجلبانى، وأنعم بطبلخانة تمراز المذكور على الأمير سنقر العزى الناصرى نائب

حمص، بعد «1» عزله عن نيابة حمص بالأمير طغرق أحد أمراء دمشق. ثم فى يوم الأحد ثالث عشرينه خرجت تجريدة من القاهرة إلى البحيرة «2» ، ومقدم العساكر الأمير الكبير إينال الجكمى، والأمير جقمق أمير سلاح، والأمير يشبك حاجب الحجاب، والأمير قانى باى الحمزاوى، فى عدة من الأمراء، وسبب ذلك أن لبيدا «3» قدم منها «4» طائفة إلى السلطان بهدية، وسألوا أن ينزلوا البحيرة، فلم يجابوا إلى ذلك، ولكن خلع عليهم وتوجهوا، فعارضهم أهل البحيرة فى طريقهم، وأخذوا منهم خلعهم. [20] وكان السلطان يلهج كثيرا بإخراج تجريدة إلى البحيرة، فبلغهم ذلك فأخذوا حذرهم «5» . واتفق مع ذلك أن شتاء «6» هذه السنة لم يقع فيه المطر «7» المعتاد بأراضى مصر، فقدمت طائفة من لبيد إلى البحيرة لمحل بلادهم، وصالحوا أهل البحيرة، وساروا إلى محارب وغيرها بالوجه القبلى لرعى الكشيح من أراضى البور من أعمال الصعيد، وكان السلطان قد كتب إلى كاشف الصعيد، بأن لا يمكنهم من المراعى حتى يأخذ منهم مالا، فغضبوا من ذلك وأظهروا الخلاف، فخرجت إليهم هذه التجريدة المقدم ذكرها. وفى هذا الشهر ندب السلطان قاضى القضاة شهاب الدين بن حجر أن يكشف عن شروط واقفى المدارس والخوانك «8» ، ويعمل بها، فسرّ الناس بذلك غاية السرور،

وكثر الدعاء للسلطان بسبب ذلك، فبدأ أو لا بمدرسة الأمير صرغتمش «1» بخط الصليبة، وقرأ كتاب وقفها، وقد حضر معه القضاة الثلاثة، فأجمل ابن حجر فى الأمر فلم يعجب الناس ذلك، لاستيلاء المباشرين «2» على الأوقاف، والتصرف فيها بعدم شرط الواقف، وضياع مصالحها، فشدّ فى ذلك وأراد عزل جماعة من أرباب وظائفها، فروجع فى ذلك، وانفض المجلس، وقد اجتهد الأكلة فى السعى بإبطال ذلك، حتى أبطله السلطان. قلت: ولو ندب السلطان لهذا الأمر أحد فقهاء الأمراء والأجناد الذين هم أهل الدين والصلاح، لينظر فى ذلك بالمعروف، لكانت هذه الفعلة تقاوم فتحه لقبرس، لضياع مصالح أوقاف الجوامع والمساجد بالديار المصرية والبلاد الشأمية، لاستيلاء الطّمعة عليها، وتقرير من لا يستحق فى كثير من وظائفها، بغير شرط الواقف، ومنع من يستحق العطاء بشرط الواقف، ولهذا قررت الملوك السالفة وظيفة نظر الأوقاف لهذا المعنى وغيره، فترك ذلك، وصار الذي بلى نظر الأوقاف شريكا «3» لمن تقدم ذكره، فيما يتناولونه من ريع «4» الأوقاف، والكلام فيما يعود نفعه عليه من جهة حل وقف وبيعه أو لواحد

استولى على جهة وقف، وأكله بتمامه، فيبعث خلفه ويبلصه «1» فى شىء له ولأعوانه، ويترك الذي قرّرت هذه الوظيفة بسببه، من قديم الزمان، وهو ما تقدم ذكره، من النظر فى أمر الأوقاف والعمل بمصالحها «2» فيما يعود نفعه على الوقف وعلى أرباب وظائفه من الفقهاء والفقراء والأيتام وغير ذلك؛ فلا قوة إلا بالله. ثم فى يوم الاثنين ثامن شهر رجب، أدير المحمل على العادة فى كل سنة. ثم فى يوم الأربعاء خامس عشر شعبان، وصل سيف الأمير طرباى نائب طرابلس، فرسم السلطان بنقل الأمير جلبان، نائب حماه، إلى نيابة طرابلس، عوضا عن طرباى، وأصبح من الغد فى يوم الخميس سادس عشر شعبان، خلع السلطان على الأمير قانى باى الحمزاوى أحد مقدمى الألوف باستقراره فى نيابة حماه، وأنعم بإقطاع قانى باى الحمزاوى وتقدمته، على الأمير خجا سودون السّيفى بلاط الأعرج، وأضاف طبلخانة خجاسودون المذكور إلى الدولة، تقوية للوزير التاج الخطير. وفى هذا الشهر خرج الأمير قرقماس الشعبانى نائب حلب منها بالعساكر، ونزل العمق «3» ، على ما سنحكيه بعد عوده إلى حلب مفصلا «4» . ثم فى يوم الثلاثاء رابع شوال قدم على السلطان كتاب القان شاه رخ ملك الشرق، يتضمن الوعيد، وأنه عازم على زيارة القدس الشريف، وأرعد فى كتابه وأبرق، وأنكر على السلطان أخذ الرشوة من القضاة، وأخذ المكوس من التجار ببندرجدة، وتعاطيه نوع المتجر، فلم يلتفت السلطان إلى كلامه ولا استوعب الكتاب لآخره، بل طلب التاج ابن سيفة وخلع عليه بإعادته إلى ولاية القاهرة، عوضا عن علاء الدين علىّ بن الطبلاوى بحكم عزله ولزومه داره، بعد ما غرم جملة مستكثرة، فكان حاله كقول القائل: [الرمل]

ركب الأهوال فى زورته ... ثم ما سلّم حتى ودّعا ثم فى ثامن عشره، خرج محمل الحاج صحبة أمير الحاج الأمير تمر باى التّمر بغاوى الدوادار الثانى، وأمير الركب الأول، الأمير صلاح الدين محمد بن نصر الله محتسب «1» القاهرة. وحجت فى هذه السنة خوند «2» فاطمه بنت [الملك] «3» الظاهر [21] ططر، زوجة السلطان [الملك] «4» وفى هذا الشهر ظهر الأمير جانبك الصوفى ببلاد الروم، وكان السلطان- من يوم فر من سجن الإسكندرية إلى يومنا هذا- لم يقف له على خبر، بعد أن اجتهد فى تحصيله غاية الاجتهاد، وأودى بسببه خلائق لا تدخل تحت حصر، فأخذ السلطان فى خبره وأعطى، إلى أن قدم عليه فى أواخر هذا الشهر كتاب الأمير قرقماس نائب حلب بذلك، وكان معرفة خبر «5» قرقماس بظهوره، أنه وصل معه إلى حلب فى يوم الثلاثاء

حادى عشر شوال، رجل تركمانى يقال له محمد، كان قبض عليه قرقماس بالعمق «1» ، ومعه كتاب جانبك المذكور، فى سابع شوال، إليه وإلى غيره، فسجنه قرقماس بقلعة حلب، وجهز الكتاب فى ضمن كتابه إلى السلطان، فلما بلغ السلطان ذلك وتحققه، انزعج غاية «2» الانزعاج. ثم قدم كتاب الأمير بلبان نائب درندة «3» أنه ورد عليه كتاب الأمير جانبك الصّوفى يدعوه إلى طاعته، فقبض على قاصده وحبسه، وأرسل بكتابه إلى السلطان. ثم فى يوم السبت سابع عشرين ذى القعدة، عاد الأمير قرقماس نائب حلب إليها، بعد ما كانت غيبته عنها بالعمق ومرج دابق وعينتاب خمسة وسبعين يوما، وقد فاته أخذ قيصريّة لاستيلاء إبراهيم بن قرمان عليها، وكان قصد السلطان أخذها، واستنابة أحد من أمراء السلطان بها. قلت: ولنذكر ما وعدنا بذكره لسبب سفر قرقماس نائب حلب منها، وسببه أن الأمير صارم الدين إبراهيم بن قرمان صاحب لارندة وقونية من بلاد الروم «4» ، أراد أخذ مدينة قيصرية من الأمير ناصر الدين محمد بن دلغادر، وقد تغلب عليها ناصر الدين المذكور، وأخذها من بنى قرمان وولى عليها ابنه سليمان، فترامى ابن قرمان فى هذه الأيام على السلطان بأن يملّكه قيصرية، ووعد بعشرة آلاف دينار فى كل سنة، وثلاثين «5» بختيّا «6» وثلاثين «7» فرسا، سوى خدمة أركان الدولة، فكتب السلطان إلى نائب حلب أن يخرج إلى العمق ويجمع العساكر لأخذ قيصريّة،

فخرج قرقماس إلى العمق، وجمع تركمان الطاعة وكتب إلى ابن قرمان: أن يسير بعسكره إلى قيصرية. فلما بلغ ابن دلغادر خروج عسكر حلب لأخذ قيصرية منه، بعث فى الحال بامرأته خديجة خاتون بتقدمة للسلطان ومعها مفاتيح قيصرية، وأن يكون زوجها المذكور نائب السلطنة بها، وأن يفرج عن ولدها فياض المقبوض عليه قبل تاريخه من سجنه بقلعة الجبل، ووعد لذلك أيضا بمال. فقدمت خديجة خاتون المذكورة فى أواخر شوال إلى مصر، وقدّمت ما معها من الهدية، وتكلمت بما هو غرض زوجها، فقبل «1» هديتها وأفرج [لها] «2» عن ولدها فياض، وخلع عليه بنيابة مرعش. وبينما السلطان فى ذلك، كان نزول قرقماس نائب حلب فى يوم الاثنين أول ذى القعدة، من العساكر على عينتاب، فأتاه الخبر: بأن حمزة بن دلغادر «3» خرج عن طاعة السلطان بمن معه وتوجه إلى ابن عمه سليمان بن ناصر الدين بك ابن دلغادر، بعد ما بعث إليه وحلّفه، وأن دوادار جانبك الصّوفى ومحمد بن كندغدى بن رمضان التركمانى وصلا إلى الأمير ناصر الدين محمد بن دلغادر، بأبلستين وحلّفاه، أنه إذا قدم عليه الأمير جانبك الصوفى لا يسلمه إلى أحد ولا يخذله، وأن جانبك كان عند الأمير إسفنديار «4» أحد ملوك الروم، فسار من عنده يريد سليمان بن دلغادر؛ فخرج إليه سليمان، وتلقاه «5» هو وأمراء التركمان. وقبل أن يصل هذا الخبر إلى السلطان، جهز خديجة خاتون إلى العود إلى زوجها ناصر الدين بك، فخرجت خديجة ومعها ولدها فياض، وسارت والسلطان ليس له علم بما وقع لابن دلغادر مع جانبك الصّوفى، واستمر قرقماس على عينتاب، إلى أن بلغه أن الأمير صارم الدين

ما وقع من الحوادث سنة 839

إبراهيم بن قرمان جمع عساكره ونزل على قيصريّة، فوافقه أهلها وسلموها له، وفر سليمان بن ناصر الدين بك منها، فبلغه ظهور جانبك الصوفى، وأنه اجتمع عليه الأمير أسلماس بن كبك، ومحمد بن قطبكى، وهما من أمراء التركمان، ونزلوا على ملطية. فقدم سليمان على أبيه ناصر الدين [22] بأبلستين، ولم يبلغهما إلى الآن خبر الإفراج عن ولده فياض، وخروجه من مصر مع أمه خديجة. وأخذ ناصر الدين بك يدارى السلطنة ليفرج عن ابنه فياض، وندب ابنه سليمان لقتال أعوان جانبك الصوفى، كل ذلك قبل أن يرد عليه جانبك الصوفى بمدة، وقيل إنه كان أتاه خفية، وبينما هم فى ذلك وصلت خديجة خاتون وولدها فياض إلى زوجها ناصر الدين محمد بن دلغادر، فبلغ ناصر الدين مراده بالإفراج عن ولده، وترك مداراة السلطان، وانضم على جانبك الصوفى حسبما نذكره فى مواضعه من هذه الترجمة إن شاء الله تعالى. وبلغ ذلك قرقماس نائب حلب، فعاد من سفرته بغير طائل. ومن يومئذ اشتغل فكر السلطان الملك الأشرف بأمر جانبك الصّوفى، وتحقق أمره بعد ما كان يظنه، وأخذ فى عزل جماعة من النواب ممن يخشى شرهم، وتخوف من قرقماس تخوفا عظيما فى الباطن، لئلا «1» يميل إلى جانبك الصوفى، فأول ما بدأ به السلطان، أن عزل الأمير قانصوه النّوروزى عن نيابة طرسوس، ونقله إلى حجوبية الحجاب بحلب عوضا عن الأمير طوغان «2» السيفى تغرى بردى أحد مماليك الوالد، ونقل طوغان المذكور إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، واستقر الأمير جمال الدين يوسف ابن قلدر فى نيابة طرسوس عوضا عن قانصوه. [ما وقع من الحوادث سنة 839] ثم فى صفر من سنة تسع وثلاثين وثمانمائة، ورد الخبر على السلطان: أن شاه رخ ابن تيمور لنك أرسل إلى السلطان مراد بك ابن عثمان، متملك الروم، وإلى الأمير صارم الدين إبراهيم بن قرمان المقدم ذكره، وإلى قرايلك وأولاده، وإلى ناصر الدين بك ابن دلغادر، بخلع، على أنهم نوابه فى ممالكهم، فلبس الجميع خلعه، فشق ذلك

على السلطان من كون ابن عثمان «1» لبس خلعته، حتى قيل له: إنه فعل ذلك فى مجلس أنسه استهزاء به. قلت: لبس الخلعة والفشار ما إليه. ثم فى يوم الاثنين ثانى شهر ربيع الأول من سنة تسع وثلاثين المذكورة، خلع السلطان على القاضى شرف الدين أبى بكر نائب كاتب السر باستقراره فى كتابة سر حلب، عوضا عن زين الدين عمر بن السفاح، بعد امتناع شرف الدين من ذلك أشد امتناع. وسبب ذلك: أن ابن السفاح المذكور كتب إلى السلطان مرارا عديدة بالحطّ على قرقماس نائب حلب، وأنه يريد الوثوب على السلطان والخروج عن الطاعة، وآخر ما ورد كتابه بذلك فى نصف صفر من هذه السنة، [أعنى سنة تسع وثلاثين، فلما وقع ذلك كتب السلطان إلى الأمير قرقماس المذكور بالحضور، وقد يئس السلطان من حضوره] «2» لما قوى عنده من خروجه عن الطاعة، وقلق السلطان قلقا زائدا بعد ما «3» طلبه خوفا من عدم حضوره، فلم يكن بأسرع من مجىء نجّاب قرقماس نائب حلب المقدم ذكره، فى خامس عشرين صفر، يستأذن فى قدوم قرقماس إلى الديار المصرية، وقد بلغه شىء مما رمى به، فغضب السلطان عند ذلك على زين الدين عمر بن السفاح، ورسم بعزله واستقرار شرف الدين المذكور عوضه، وتحقق السلطان أنه لو كان قرقماس مخامرا، لما استأذن فى الحضور، فسرّ السلطان بذلك، وكتب له الجواب بأنه تقدم الطلب له. وأما قرقماس فإنه لما ورد عليه الطلب من السلطان، خرج على الفور من حلب على الهجن فى خواصه، وسار حتى قدم إلى خارج القاهرة فى يوم الجمعة سادس شهر ربيع الأول المذكور، وطلع من الغد إلى القلعة، فلم يخلع السلطان عليه خلعة الاستمرار لكونه استعفى عن نيابة حلب، فما صدق السلطان بأنه تلفظ بذلك.

ولما كان يوم الاثنين تاسع شهر ربيع الأول، خلع السلطان على الأمير الكبير إينال الجكمى أتابك العساكر بالديار المصرية باستقراره فى نيابة حلب عوضا عن الأمير قرقماس الشعبانى المذكور «1» ، وخلع على الأمير جقمق العلائى أمير سلاح باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية عوضا عن إينال الجكمى، وخلع على قرقماس نائب حلب باستقراره أمير سلاح عوضا عن الأمير جقمق العلائى. وكان استقرار إينال الجكمى [23] بعد الأتابكية فى نيابة حلب، بخلاف القاعدة، غير أن السلطان أكرمه غاية «2» الإكرام، ووعده بنيابة دمشق، لطول مرض الأمير قصروه نائب الشأم، وبالغ حتى أنه أسرّ له إن مات قصروه قبل وصول إينال إلى حلب فليقم بدمشق، حتى يرسل إليه السلطان بنيابتها، وظهر أيضا للناس أنه لم يولّه نيابة حلب إلا لثقته به؛ [ثم] «3» خرج الأمير إينال إلى محل كفالته فى ثالث عشره. ثم فى سابع عشره خلع السلطان على الأمير الكبير جقمق العلائى بنظر البيمارستان المنصورى على العادة، وورد الخبر على السلطان: أن بمدينة بروسا، التى يقال لها برصا من بلاد الروم، وباء عظيما «4» دام بممالك الروم نحو أربعة أشهر. ثم ورد الخبر على السلطان بأن الأمير ناصر الدين بك ابن دلغادر قبض على الأمير جانبك الصوفى فى سابع عشر [شهر] «5» ربيع الأول، وكان السلطان قدم عليه من البلاد الشامية كتاب، وفى ضمنه كتاب من عند شاه رخ بن تيمور لنك، يتضمن تحريض جانبك الصّوفى على أخذ البلاد الشامية، وأنه سيقدم عليه ابنه «6» أحمد جوكى «7» وبابا حاجى نجدة له على قتال سلطان مصر، فقبض على حامل هذا الكتاب

وحبس، فلما بلغ السلطان ذلك كتب إلى نواب البلاد الشامية بالتأهب والاستعداد لنجدة نائب حلب الأمير إينال الجكمى إذا استدعاهم، ولم يكترث السلطان بقبض جانبك الصوفى وقال: هذه حيلة. وكان من خبر جانبك الصوفى والقبض عليه وهو خلاف ما نقل عنه قبل ذلك لاختلاف الأقوال فى أمره، فخبره من هذا الوجه: أنه لما فرّ «1» من الإسكندرية، دخل القاهرة بعد أمور، ودام بها سنين مختفيا «2» فى حاراتها وظواهرها، إلى أن خرج منها متنكرا وسار إلى البلاد الشامية، ثم إلى بلاد الروم، فظهر بتوقات «3» فى شوال من السنة الماضية، أعنى سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة، فقام متوليها الأمير أركج باشا بمعاونته وأكرمه «4» وأنعم عليه، وكتب إلى ناصر الدين محمد بن دلغادر نائب أبلستين، وإلى أسلماس بن كبك، وإلى محمد بن قطبكى، وإلى قرايلك ونحوهم من أمراء التركمان بالقيام معه والاستعداد لنصرته، فانضم على جانبك الصّوفى عند ذلك جماعة كبيرة، فتهيأ وخرج بهم من توقات، فوافاه الأمير قرمش الأعور أحد مقدمى الألوف بالديار المصرية المقدم ذكره فى واقعة جانبك الصّوفى لما قبض عليه بالقاهرة. وكان من خبر قرمش المذكور، أن الملك الأشرف أمسكه بعد أن قبض على الأمير جانبك الصّوفى بمدة يسيرة، وحبسه بثغر الإسكندرية، ثم أطلقه وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، فلما خرج الأمير تنبك البجاسى عن طاعة [الملك] «5» الأشرف وافقه قرمش هذا وبقى من حزبه، إلى أن انكسر البجاسى وقبض عليه، فاختفى «6» قرمش المذكور ولم يظهر له خبر إلى هذا اليوم، فكأنه كان مختفيا بتلك

البلاد، فلما ظهر أمر جانبك الصّوفى توجه إليه- انتهى. وسار الأمير جانبك الصّوفى بمن انضم عليه، ومعه الأمير قرمش، من توقات إلى الأمير محمد بن قرايلك صاحب قلعة جمركشك، فأكرمهم محمد المذكور وقواهم، فشنّوا منها الغارات على مدينة دوركى وضايقوا أهلها ونهبوا نواحيها، فاتفق ورود كتاب شاه رخ ملك الشرق على قرايلك يأمره «1» بالمسير بأولاده وعساكره لقتال إسكندر بن قرا يوسف سريعا عاجلا، فكتب «2» قرايلك إلى ولده محمد بالقدوم عليه لذلك، فترك محمد جانبك الصّوفىّ ومن معه على دوركى وتوجه إلى أبيه. فسار جانبك إلى أسلماس وابن قطبكى، واجتمعوا ونزلوا على ملطية وحصروها، وكادهم سليمان بن ناصر الدين بك ابن دلغادر، وكتب إلى جانبك: أنه معه؛ فكتب إليه أنه يقدم عليه، وكان تقدم بينهما مكاتبات حسبما تقدم ذكره، ومواعدات (بمجيء) «3» جانبك إلى أبلستين «4» ، فلم يقع ذلك وأرسل جانبك إليه بالقدوم عليه مع الأمير قرمش الأعور، فأكرمه سليمان، وركب وسار [24] مع الأمير قرمش فى مائة وخمسين فارسا إلى جهة جانبك الصوفى، حتى قدم عليه، فتلقاه جانبك وعانقه وعادا بمن معهما على حصار ملطية، فأظهر سليمان من النّصاحة ما أوجب ركون جانبك إليه، فأخذ سليمان فى الحيلة على جانبك المذكور بكل ما تصل قدرته إليه، ولا زال به حتى خرج جانبك معه فى عدة من أصحابه ليستريحا بمكلن للنزهة فيه؛ ورتبا «5» قرمش وبقية العسكر على حصار ملطية، فلما نزل «6» سليمان وجانبك للنزهة ورأى أن حيلته تمت، وثب جماعة سليمان على جانبك الصّوفى وقيدوه وأركبوه «7»

على أكديشى، وسار به ليلته و «1» من الغد حتى وصل إلى بيوته بأبلستين وحبسه عنده، فلم يفطن قرمش وأصحابه بمسك جانبك، حتى جاوز جانبك بلادا بعيدة، ولما قبض سليمان على جانبك الصّوفى أرسل يعرّف السلطان بذلك ويطلب من يأتيه من قبل السلطان ويتسلمه- انتهى: وأما السلطان لما بلغه خبر القبض على جانبك الصّوفى، لم يحمل ذلك على الصدق وأخذ فيما هو فيه، فورد عليه فى يوم الخميس حادى عشر شهر ربيع الآخر سيف الأمير قصروه نائب الشأم، على يد الأمير علىّ بن إينال باى بن قجماس، فعيّن السلطان الأمير إينال الجكمى نائب حلب إلى نيابة دمشق عوضا عن قصروه، ورسم لتغرى برمش الأمير آخور الكبير بنيابة حلب عوضا عن إينال الجكمى، غير أنه لم يخلع على تغرى برمش المذكور إلا بعد أيام حسبما يأتى ذكره. ثم فى ثالث عشره نودى بعرض أجناد الحلقة ليستعدوا للسفر إلى الشام ولا يعفى أحد منهم، وجمع السلطان قضاة القضاة بين يديه وسألهم فى أخذ أموال الناس للنفقة المتحوجة «2» لقتال شاه رخ بن تيمور، فكثر الكلام وانفضوا من غير أن يفتوه بذلك، فقيل إن بعض الفقهاء قال: «كيف نفتيه بأخذ أموال المسلمين، وكان لبس زوجته يوم طهور ولدها- يعنى [الملك] «3» العزيز يوسف- ما قيمته ثلاثون ألف دينار، وهى بدلة واحدة، وإحدى نسائه!» ، ولم يعرف القائل لذلك من هو من الفقهاء، غير أنه أشيع ذلك فى أفواه الناس. ولما بلغ الناس ذلك كثر قلقهم من هذا الخبر. ثم فى يوم الاثنين خامس عشر [شهر] «4» ربيع الآخر المذكور ابتدأ السلطان بعرض أجناد الحلقة، فتجمع بالحوش السلطانى منهم عدة مشايخ وأطفال وعميان، وعرضوا على السلطان فقال لهم: «أنا ما أعمل كما عمل الملك المؤيّد شيخ من أخذ المال منكم، ولكن اخرجوا

جميعكم، فمن قدر منكم على فرس ركب فرسا، ومن قدر على حمار ركب حمارا» ؛ فنزلوا على ذلك إلى بيت الأمير أركماس الظاهرى الدوادار الكبير، فحل بهم عند ذلك بلاء الله المنزل، وتحكم فيهم الأكلة، وصاروا فى أيديهم كالفريسة فى يد فارسها، وذلك لعدم معرفة أركماس المذكور بالأحكام، وقلة دربته بالأمور- فإنه كان رجلا غتميّا لا يعرف باللغة التركية فكيف اللغة العربية؟ - ففاز المتموّلون وتورط المفلسون. قلت: وعدّت «1» هذه الفعلة من غلطات [الملك] «2» الأشرف، كونه يندب «3» لهذا الأمر المهم «4» مثل أركماس هذا، وقد تقدم أن الملوك السالفة كانت تندب لهذا الأمر «5» مثل الأمير طشتمر الدوادار، ومثل سودون الشّيخونى، ومثل يونس الدوادار، وآخرهم جقمق دوادار المؤيد، وكل واحد من هؤلاء كان شأنه مع من يعرضه كالطبيب الحاذق العارف بمرض من يعالجه: ينظر إلى وجه المعروض عليه، ويسأله عن إقطاعه «6» وعن متحصله «7» سؤالا لا يخفاه بعد [ذلك] «8» شىء من حاله، فعند ذلك ينظر فى أمره بفراسته، إن كان إقطاعه يقوم بسفره ألزمه بالسفر غصبا على رغم أنفه، لا يسمع فى أمره رسالة ولا شفاعة، وإن كان لا يقوم بسفره ألزمه بالإقامة، وندبه لحفظ جهة من الجهات، ومشى فى جميع عرضه على ذلك. وقد انتصف الناس من كونه ألزم كلّ واحد بما هو فى قدرته، فكان هذا العرض بخلاف [35] هذا جميعه: ترك فيه من إقطاعه يعمل فى السنة مائة «9» . ألف، حيث هو من جهته رجل من أرباب الشوكة أو باذل مال، وألزم بالسفر من إقطاعه يعمل فى السنة «10» خمسة آلاف درهم فلوسا، كونه فقيرا ولا عصبية له- انتهى.

وبينما السلطان فى ذلك ورد عليه كتاب أصبهان بن قرا يوسف صاحب بغداد، يشتمل على التودد وأنه هو وأخاه «1» إسكندر يقاتلان شاه رخ؛ وتاريخه قبل قدوم أحمد جوكى بن شاه رخ وبابا حاجى بعساكر شاه رخ، وقبل موت قرايلك. ثم فى سابع عشره قدم أيضا قصّاد إسكندر بن قرا يوسف صحبة الأمير شاهين الأيدكارى الناصرى أحد حجاب حلب، وعلى يدهم رأس الأمير عثمان بن طرعلى المدعو قرايلك، ورأس ولديه وثلاثة رؤوس أخر، وكان السلطان توجه فى هذا اليوم إلى الصيد، فقدم من الغد يوم الخميس ثامن عشره، فأمر بالرؤوس الستة فطيف بها على رماح، وقد زينت القاهرة لذلك فرحا بموت قرايلك، ثم علقت الرءوس على باب زويلة ثلاثة أيام. وكان من خبر موته أنه لما سار إسكندر بن قرا يوسف من تبريز لقتاله إلى أن نزل بالقرب من أرزن «2» ، وبلغ قرايلك مجيئه «3» ، جهز ابنه على بك ومعه فرقة من العسكر وهو تابعهم، فالتقوا هم وإسكندر فاستظهر عسكر قرايلك فى أول الأمر، ثم إن إسكندر ثبت وحمل عليه بمن معه حملة رجل واحد على عسكر قرايلك فكسرهم، وذلك خارج أرزن الروم المذكورة، فعند ما انهزم قرايلك ساق إسكندر خلفه، فقصد عسكر قرايلك أرزن الروم، ليتحصنوا بها فحيل بينهم وبينها؛ وقبل أن يتجاوزوا عنها، أرمى قرايلك بنفسه إلى خندقها ليفوز بمهجته، وعليه آلة الحرب، فوقع على حجر فشج دماغه، ثم قام فحمل إلى قلعة أرزن الروم بحبال فدام بها أياما قليلة، ومات فى العشر الأول من صفر فى هذه السنة، بعد أن أقام فى الأمر نيفا وخمسين سنة، ومات وقد قارب المائة سنة من العمر، ودفن خارج أرزن الروم، فتتبع إسكندر بن قرا يوسف قبره، حتى

عرفه ونبش عليه وأخرجه وقطع رأسه ورأس ولديه وثلاثة رؤوس أخر من أمرائه ممن ظفر به إسكندر فى الوقعة، وأرسل الجميع مع قاصده إلى الملك الأشرف، حسبما تقدم ذكره. هذا ما كان من موتة قرايلك، ويأتى بقية ترجمته وأصله فى الوفيات [من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى] «1» . ثم فى [يوم] «2» السبت عشرينه خلع السلطان على الأمير حسين بن أحمد البهسنى «3» المدعو تغرى برمش، الأمير آخور الكبير باستقراره نائب حلب، عوضا عن الأتابك إينال الجكمى وسافر من الغد إلى محل كفالته «4» ، وتولى الأمير آخورية عوضه الأمير جانم الأشرفى، وكتب بانتقال الجكمى إلى نيابة الشام عوضا عن قصروه بحكم وفاته «5» . [و] «6» فى هذا اليوم حضر قصاد إسكندر بن قرا يوسف بين يدى السلطان بكتابه، فقرئ وأجيب بالشكر والثناء، وحمل إليه مالا وغيره من القماش السكندرى ما قيمته عشرة آلاف دينار، ووعده بمسير السلطان إلى تلك البلاد. ثم نزل السلطان إلى الإسطبل السلطانى وعرضه بنفسه، وأرسل إلى الصاحب كريم الدين ابن كاتب المناخ وإلى الأمير يلخجا بجمال كثيرة، وكان ندبهما للسفر إلى بندر جدة. ثم فى تاسع عشرين [شهر] «7» ربيع الآخر المذكور توجه الأمير شاد بك الجكمى، أحد أمراء الطبلخانات ورأس نوبة، إلى الأمير ناصر الدين محمد بن دلغادر بمال وخيل وقماش سكندرى وغير ذلك، وإلى ولده سليمان بمثل ذلك، وكتب لهما أن يسلما شاد بك المذكور الأمير جانبك الصّوفى ليحمله إلى قلعة حلب، فسار شاد بك فى هذا اليوم؛ تأتى بقية أمره فى عوده.

ثم فى يوم الثلاثاء خامس عشر جمادى الأولى خلع السلطان على جوهر الصفوى «1» الجلبانى اللّالا «2» باستقراره زمام الدار، بعد موت خشقدم الظاهرى الرومى، وكانت شاغرة من يوم مات خشقدم المذكور. [26] ولما «3» كان يوم السبت ثامن عشر جمادى الآخرة «4» المذكورة برز الصاحب كريم الدين والأمير يلخجا الساقى، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، بمن معهما «5» من الحاج إلى ظاهر القاهرة، ثم ساروا فى تاسع عشره إلى جهة مكة المشرفة. ثم فى يوم الخميس ثالث عشرين جمادى الآخرة المذكورة «6» خلع السلطان على السيفىّ آقباى اليشبكى الجاموس أحد دوادارية السلطان الأجناد باستقراره فى نيابة الإسكندرية عوضا عن خليل بن شاهين الشّيخى بحكم عزله. ثم فى ثانى عشرينه وصل الأمير أقطوه الموساوى الظاهرى برقوق المتوجه فى الرسالة إلى شاه رخ بن تيمورلنك، وقدم من الغد إلى القاهرة الشيخ «7» صفا رسول شاه رخ المذكور بكتابه، فأنزل وأجرى عليه الرواتب؛ ثم ورد الخبر على السلطان: أن رسل أصبهان بن قرا يوسف صاحب بغداد سارت إلى القان معين الدين شاه رخ، وهو مقيم على قراباغ «8» بدخوله تحت طاعته وأنه من جملة خدمه، فأقامت رسله ثلاثين يوما لا تصل إلى شاه رخ، ثم قدموا بين يديه فأجابه بالإنكار على أصبهان المذكور من كونه أخرب

العراق وبغداد «1» وأبطل مسير الحج من بغداد، ثم أمره بعمارة بغداد وأن يعمرها، وإلا فقد «2» مشى عليه وأخرب دياره، وأكثر له من الوعيد، وأنه أمهله فى ذلك مدة سنة؛ وكان أصبهان بعث بهدية فأخذها ولم يعوضه عنها شيئا «3» وإنما جهز له خلعة بنيابة بغداد وتقليدا، ثم خلع «4» على رسله وأمرهم بالعود إليه وتبليغه ما ذكره لهم بتمامه وكماله. قلت: وفى الجملة أن جور أولاد تيمورلنك أحسن من عدل بنى قرا يوسف. ثم فى يوم السبت ثانى [شهر] «5» رجب أحضر السلطان [الملك الأشرف] «6» الشيخ صفا رسول شاه رخ إلى بين يديه، وهو جالس على المقعد «7» بالإسطبل السلطانى، بمن معه من قصاد شاه رخ، وقرئ كتابه فإذا هو يتضمن: أنه يأمر السلطان أن يخطب له، ويضرب السكة باسمه؛ ثم أخرج الشيخ صفا خلعة السلطان بنيابة مصر، ومعها تاج ليلبسه «8» السلطان، وخاطب السلطان بكلام «9» لم يسع السلطان معه صبرا. وعند ما رأى السلطان الخلعة أمر بها فمزقت تمزيقا، وأمر بالشيخ صفا المذكور فضرب ضربا مبرحا خارجا «10» عن الحد، ثم أقيم بعد ذلك وأمر به فسحب إلى بركة ماء بالإسطبل، فألقى فيها منكوسا وغمس فيها غير مرة حتى أشرف على الهلاك، وكان الوقت شتاء شديد البرد. كل ذلك ولم يستجرئ «11» أحد من الأمراء أن يتكلم فى أمر الشيخ صفا بكلمة واحدة من نوع الشفاعة لشدة غضب السلطان، ولقد لازمت الملك الأشرف

كثيرا من أوائل سلطنته إلى هذا اليوم، [و] «1» لم أره غضب مثلها [قبلها] «2» . ثم طلب السلطان الشيخ صفا المذكور وحدثه بكلام طويل، محصوله يقول لصفا: إنك تتوجه إلى شاه رخ وتذكر له ما حلّ بك من الإخراق والبهدلة والعذاب، وأنه قد ولّانى نيابة مصر إلا أنا فإنى لا أرتضيه شحنة «3» لى على بعض قرى أقل أعمالى، وإن كان له قوة فهو يظهر «4» ذلك بعد هذا الإخراق بك ويمشى على أعمالنا «5» ، وإن لم يأت فى العام القابل فكل ما «6» يأتى منه بعد ذلك فهو من المهملات، ويظهر عجزه وضعف حالته وكثرة فشاره لكل أحد. ثم رسم السلطان بإخراجه مع رفقته فى البحر المالح إلى مكة، فتوجهوا وحجّوا ثم عادوا إلى شاه رخ وبلغوه ذلك فلم يتحرك بحركة، وهاب ملوك مصر بهذه الفعلة إلى أن مات. ولعمرى «7» لقد كانت هذه الواقعة من الملك الأشرف حسنة من حسناته التى قامت بفعلتها حرمة العساكر المصرية إلى يوم القيامة. قلت: ولا أعرف للملك الأشرف فعلة فعلها فى أيام سلطنته أحسن ولا أعظم ولا أجمل من إقدامه على هذا الأمر، من ضرب قاصد [27] شاه رخ وتمزيق خلعته، فإنه خالف فى ذلك جميع أمرائه وأرباب دولته، لأن الجميع أشاروا عليه بالمحاسنة فى رد الجواب، إلا هو، فإن الله عز وجل وفقه إلى ما فعل ولله الحمد؛ ومن يومئذ عظم أمر [الملك] «8» الأشرف وتلاشى أمر شاه رخ فى جميع بلاد الإسلام. ثم خلع [السلطان] «9» على شيخ الشيوخ بخانقاه سرياقوس محب الدين [محمد] «10»

ابن الأشقر، باستقراره فى كتابة السّر بالديار المصرية «1» عوضا عن القاضى كمال الدين ابن «2» البارزى بحكم عزله. ثم جهز السلطان تجريدة من الأمراء والمماليك السلطانية إلى البلاد الشامية، بسبب ظهور جانبك الصّوفى وغيره، وقد بلغ السلطان أن ابن دلغادر أطلق جانبك الصّوفى. ثم فى حادى عشر [شهر] «3» رجب المذكور قدم الأمير شاد بك الجكمى من بلاد أبلستين لأخذ جانبك الصّوفى بغير طائل، بعد أن قاسى شدائد من عظم البرد والمطر والثلوج، حتى أنه هلك من أصحابه جماعة كبيرة من ذلك، وكان من خبر شاد بك: أنه لما وصل إلى ناصر الدين بك ابن دلغادر، تلقاه وأكرمه وأخذ ما معه من الهدية والتحف والمال. قلت: الدورة على هذا لا [على] «4» غيره. ثم أخذ ناصر الدين بك ابن دلغادر يسوّف بالأمير شاد بك من يوم إلى يوم، إلى أن طال الأمر وظهر لشاد بك أنه «5» لا يمكنه منه، فكلمه فى ذلك فاعتذر ناصر الدين [بك] «6» بعد [م] «7» تسليمه من أنه يخاف من أن يعاير بذلك، وأيضا مما ورد عليه من كتب شاه رخ وغيره من ملوك الأقطار بالتوصية عليه وأشياء من هذه المقولة؛ والمقصود: أنه منعه منه، ثم أطلقه وأعاده إلى حاله الأول وأحسن، فعظم ذلك على السلطان إلى الغاية، ولم أسأل الأمير شاد بك هل اجتمع بالأمير جانبك الصّوفى عند ابن دلغادر أم لا. ولما أن عاد شاد بك من عند ابن دلغادر «8» من غير قضاء حاجة اضطرب الناس، وتحدث كل أحد بما فى نفسه من المغيبات، وكثر القلق وأخذ السلطان يستحث

الأمراء «1» المجردين فى السفر. وأدير محمل الحاج فى يوم الاثنين خامس عشرين [شهر] «2» رجب من غير لعب الرمّاحة «3» على العادة فى كل سنة، لشغل خاطر السلطان. [ثم فى يوم الأربعاء خامس عشرين شعبان، برز الأمراء المجردون من القاهرة إلى الريدانية خارج القاهرة] «4» ، وهم: الأمير الكبير جقمق العلائى الناصرى الظاهرى، والأمير أركماس الظاهرى الدوادار، والأمير يشبك السودونى المشد، وهو يومذاك حاجب الحجاب، والأمير تنبك البردبكى نائب القلعة كان، والأمير قرا خجا الحسنى، والأمير تغرى بردى البكلمشى المؤذى «5» والأمير خجا سودون السيفى بلاط الأعرج، فأقاموا إلى يوم سابع عشرينه، وسافروا إلى جهة البلاد الشامية؛ ثم نقل حسن بن أحمد البهسنى نائب القدس إلى حجوبية الحجاب بحلب، بسفارة أخيه تغرى برمش نائب حلب، عوضا عن الأمير قانصوه النوروزى، بحكم انتقال قانصوه إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق. ثم فى يوم الاثنين سابع [شهر] «6» رمضان خلع السلطان على الأمير غرس الدين خليل بن شاهين الشيخى المعزول عن نيابة الإسكندرية، باستقراره وزيرا بالديار المصرية،

عوضا عن التاج الخطير الأسلمى. ثم فى يوم الخميس رابع عشرين [شهر] «1» رمضان قدم إلى القاهرة الأمير أسلماس ابن كبك التركمانى مفارقا لجانبك الصّوفى، فأكرمه السلطان وأنعم عليه، ثم خلع عليه فى يوم الخميس أول شوال خلعة السفر ورسم بتجهيزه. ثم فى يوم الخميس ثامن شوال عزل السلطان [الوزير] «2» خليل بن شاهين الشيخى عن الوزارة، وألزم الصاحب أمين الدين بن الهيصم بشدّ أمور الدولة، ومراجعة عبد الباسط فى جميع أحوال الدولة، فمشت الأحوال. قلت: وهذا كان قصد السلطان أن يلقى الأستادّاريّة والوزارة فى رقبة عبد الباسط، وقد وقع ذلك- انتهى. ومن [يوم] «3» ذلك، أخذ عبد الباسط يحسّن [28] للسلطان طلب الصاحب كريم الدين ابن كاتب المناخ وإعادته للوزارة، فيقول له السلطان: «هذا شىء صار يتعلق بك، افعل [فيه] «4» ما شئت» ؛ فكتب فى يوم تاسعه بإحضار الصاحب كريم الدين من «5» بندر جدة على يد نجّاب بعد فراغ شغله ليلى الوزارة. حدثنى الصاحب كريم الدين «6» قال: «كان أولا إذا كتب إلىّ عبد الباسط ورقة فى حاجة، يخاطبنى فيها مخاطبة ليست بذاك، إلى أن أضيف إليه التكلم فى الوزارة وطلبت «7» من بندر جدة، فصارت كتبه تأتينى بعبارة عظيمة وترقّق زائد وتحشّم كبير، فلما أن قدمت وعدت إلى الوزارة، امتنع مما كان يفعله مع فى ولايتى الأولى من الإفراجات التى كان «8» لا يخلو يوم «9» إلا ويأتينى شىء منها، فصار فى ولايتى هذه كلما قيل له أن يرسل إلىّ لأفرج «10» له عن شىء، يقول: خلّوه! يكفيه الذي هو فيه، نحن

يجب علينا مساعدته» ؛ قلت له: «فكان يساعد؟» ، قال: «أى والله! غصبا ومروءة» - انتهى. ثم فى سابع عشرين شوال، كتب بعزل الأمير إينال العلائى الناصرى نائب الرّها وقدومه إلى القاهرة. وخلع [السلطان] «1» على الأمير شادبك الجكمى أحد أمراء الطبلخاناه ورأس نوبة ثانى باستقراره فى نيابة الرّها على إقطاعه، عوضا عن إينال المذكور. وكتب أيضا بعزل الأمير إينال الششمانى الناصرى عن نيابة صفد، وأن يتوجه إلى القدس بطالا، وأن يستقر عوضه فى نيابة صفد الأمير تمراز المؤيدى أحد مقدمى الألوف بدمشق. ثم فى أواخر ذى القعدة قدم الخبر على السلطان: أن شاه رخ بن تيمورلنك رحل عن مملكة أذربيجان، وهى تبريز، بعد أن استناب عليها جهان شاه بن قرا يوسف عوضا عن أخيه إسكندر، وزوّج جهان شاه المذكور أيضا بنساء إسكندر المذكور بحكم الشرع، لكون إسكندر كان فى عصمته أزيد من ثمانين امرأة. ونزل شاه رخ فى أواخر ذى القعدة على مدينة السلطانية، وعزم [على] «2» أن «3» لا يرحل عنها إلى ممالكه حتى يبلغ غرضه من إسكندر بن قرا يوسف، فلم يلتفت السلطان إلى ذلك وأخذ فيما هو فيه من أمر جانبك الصّوفى، غير أنه صار فى تخوف من أن يردف شاه رخ جانبك الصوفى بعسكر، إذا تم أمره من إسكندر. وأما العسكر المجرد من مصر وغيرها فإنه لما توجه إلى حلب، سار منها نائبها تغرى برمش البهسنى بعساكر حلب، وصحبته الأمير قانى باى الحمزاوى نائب حماه بعساكر حماه، ونزل على عينتاب، وقد نزل جانبك الصوفى على مرعش، فتوجهوا إليه من الدّربند أمام العسكر المصرى، ونزلوا على بزرجق- يعنى: سويقة باللغة العربية- ثم عدوا الجسر، وقصدوا ناصر الدين بك ابن دلغادر نائب أبلستين من طريق دربند كينوك، فلم يقدروا على سلوكه لكثرة الثلوج، فمضوا إلى دربند آخر من عمل بهسنا، وساروا منه بعد مشقة يريدون أبلستين، وساروا حتى طرقها تغرى برمش المذكور بمن معه فى يوم

الثلاثاء تاسع شهر رمضان، فلم يدرك ناصر الدين بن دلغادر بها، فأمر تغرى برمش بنهب أبلستين وإحراقها فنهبت «1» وأحرقت بأجمعها، ثم أمر العسكر بنهب جميع قراها وإحراقها «2» فنهبوها وأخذوا منها شيطئا كثيرا، ثم عاد نائب حلب بمن معه والأغنام تساق بين يديه بعد أن امتلأت أيدى العساكر من النهب، وترك أبلستين خرابا قاعا صفصفا، وعاد إلى حلب بعد غيبته عنها خمسين يوما، كل ذلك وأمراء مصر بحلب. ثم بلغ تغرى برمش بعد قدومه إلى حلب: أن ناصر الدين بن دلغادر نزل [بالقرب] «3» من كينوك فجهز إليه أخاه حسنا «4» حاجب حجاب حلب، وحسن هو الأسنّ، ومعه مائة وخمسون فارسا إلى عينتاب تقوية للأمير خجاسودون، وقد نزل بها بعد أن انفرد عن العسكر المصرى [29] من [يوم] «5» خرج من الديار المصرية، فتوجه حسن المذكور بمن معه إلى خجاسودون وأقام عنده، فلما كان يوم رابع عشرين ذى الحجة من سنة تسع وثلاثين المذكورة، وصل إليهم الأمير جانبك الصّوفى، ومعه الأمير «6» قرمش الأعور، والأمير كمشبغا «7» المعروف بأمير [عشرة] «8» أحد أمراء حلب، وكان توجه من حلب وانضم على جانبك الصّوفى قبل تاريخه بمدة طويلة، ومعه أيضا أولاد ناصر الدين بك ابن دلغادر الجميع، ما عدا سليمان، فنزلوا على مرج دلوك «9» ، ثم ركبوا وساروا منه إلى قتال خجاسودون بعينتاب، فركب خجا سودون أيضا

ما وقع من الحوادث سنة 840

بمماليكه وبمن معه من التركمان والعربان وقاتلهم آخر النهار، وباتوا ليلتهم. وأصبحوا يوم الثلاثاء خامس عشرين ذى الحجة تقدم حسن حاجب الحجاب بمن معه من التركمان والعربان أمام خجاسودون، فتقدم إليهم جانبك الصّوفى بمن معه، وهم نحو الألفى فارس، فقاتلته العساكر المذكورة وقد تفرقوا [فرقتين] «1» : فرقة عليها خجاسودون وحسن حاجب الحجاب المقدم ذكره، وفرقة عليها الأمير تمرباى اليوسفى المؤيدى دوادار السلطان بحلب، وتركمان الطاعة فى كل فرقة منهما. وتصادم الفريقان فكانت بينهم وقعة هائلة انكسر فيها جانبك الصّوفى، وأمسك الأمير قرمش الأعور، والأمير كمشبغا أمير عشرة، وهما كانا جناحى مملكته، وثمانية عشر فارسا من أصحاب جانبك الصوفى، وانهزم جانبك فى أناس وتبعهم العساكر فلم يقدروا عليهم فعادوا؛ فأخذ خجا سودون قرمش وكمشبغا بمن معهما، وقيّد الجميع وسيّرهم إلى حلب؛ وكتب بذلك إلى السلطان. فقدم الخبر على السلطان فى صفر من سنة أربعين وثمانمائة، ومع المخبر رأس الأمير قرمش الأعور ورأس الأمير كمشبغا أمير عشرة، وأنه وسّط من قبض معهما بحلب، فشهر الرأسان بالقاهرة، ثم ألقيا فى سراب الأقذار بأمر السلطان، ولم يدفنا. ودقت البشائر لذلك أياما، وفرح السلطان بذلك أياما «2» ، وأرسل إلى نائب حلب وإلى خجا سودون بالشكر والثناء. ومن يوم ذاك، أخذ أمر جانبك الصّوفى فى إدبار، بعد ما كان اجتمع عليه ملوك وخلائق، لقلة سعده. قلت: كان جانبك الصّوفى خاملا لا يتحرك بحركة إلا وانعكست عليه طول عمره؛ وقد استوعبنا أحواله فى تاريخنا «المنهل الصافى» «3» ، ويأتى من ذكره هنا أيضا نبذة فى الوفيات وغيرها إن شاء الله تعالى. [ما وقع من الحوادث سنة 840] ثم فى أول شهر ربيع الأول من سنة أربعين المذكورة، رسم السلطان بعزل تمراز المؤيدى عن نيابة صفد لسوء سيرته وكثرة ظلمه؛ ونقله إلى نيابة غزة، عوضا عن

الأمير يونس الرّكنى؛ ونقل يونس المذكور إلى نيابة صفد عوضا عن تمراز المذكور، أعنى أن كلا منهما ولى عن الآخر، وحمل إليهما التقليد والتشريف الأمير دولات باى المحمودى الساقى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، بسفارة صهره الأمير جانم الأشرفى الأمير الآخور الكبير. ثم فى يوم الثلاثاء سادس شهر ربيع الأول المذكور، خلع السلطان على الصاحب كريم الدين عبد الكريم ابن كاتب المناخ، بعد قدومه من بندر جدّة، باستقراره وزيرا على عادته، وكانت شاغرة من مدة طويلة، ويقوم بمصارفها الزينى عبد الباسط ابن خليل. ثم أرسل السلطان يطلب الأمراء المجردين إلى الديار المصرية، بعد ما أنعم على الأمير الكبير جقمق بألف دينار، وعلى كل مقدم ألف أيضا [من المجردين] «1» بخمسمائة دينار؛ فقدموا القاهرة فى يوم الاثنين سابع عشر جمادى الأولى من سنة أربعين [المذكورة] «2» ، وطلعوا إلى القلعة وقبلوا الأرض، وخلع السلطان عليهم الخلع السنية، وأركبهم خيولا بقماش ذهب. وتأخر عن الأمراء المذكورين، الأمير خجا سودون، وكانت هذه عادته، إلى أن قدم فى يوم الاثنين ثامن جمادى الآخرة [من سنة أربعين المذكورة] «3» وطلع «4» [30] إلى القلعة وخلع السلطان عليه وأنعم عليه بإمرة طبلخاناة زيادة على ما بيده من تقدمة ألف. ثم خلع السلطان على القاضى كمال الدين ابن البارزى باستقراره قاضى قضاة دمشق، عوضا عن السراج عمرو بن موسى الحمصى، مسئولا فى ذلك مرغوبا فى ولايته. ثم فى يوم الخميس عاشر شهر رجب من سنة أربعين المذكورة، خلع السلطان على الأمير إينال العلائى الناصرى، المعزول عن نيابة الرها، وهو يوم ذاك من جملة مقدمى الألوف بالديار المصرية، باستقراره فى نيابة صفد عوضا عن الأمير يونس الركنى،

ورسم بتوجه يونس المذكور إلى القدس بطالا. وخلع على الأمير طوخ من تمراز المعروف بينى بازق «1» ، أن يستقر مسفّر الأمير إينال [المذكور. ثم فى رابع عشر شهر رجب المذكور، أنعم بإقطاع الأمير إينال] «2» وتقدمته على الأمير قراجا الأشرفى شادّ الشراب خاناة؛ وأنعم بطبلخانة قراجا على الأمير إينال الأبوبكريّ الأشرفى الخازندار، وخلع عليه باستقراره شاد الشراب خاناة عوضه أيضا؛ وخلع السلطان على الأمير «3» [السيفى] «4» علىّ باى [الساقى] «5» الخاصكى الأشرفى باستقراره خازندارا عوضا عن إينال المذكور. ثم فى يوم الأحد عاشر [شهر] «6» رمضان عمل السلطان مشورة «7» بالأمراء، لما ورد عليه الخبر بأن ناصر الدين بك «8» بن دلغادر ونزيله جانبك الصوفى زحفا بمن معهما على بلاد ابن قرمان، فاتفق رأى الجميع على سفر السلطان إلى بلاد الشام. وأخذ الأمراء فى أهبة السفر، ثم انتقض ذلك بعد أيام، وكتب لنواب الشام بالمسير إلى نحو بلاد ابن قرمان نجدة لابن قرمان، فإن القوم أخذوا آق شهر «9» ونازلوا قلاعا أخر. ثم فى يوم الخميس خامس شوال خلع السلطان على قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى وأعيد إلى قضاء القضاة بالديار المصرية، عوضا عن الحافظ شهاب الدين بن حجر. ثم فى يوم الثلاثاء أول ذى القعدة، قدم سيف الأمير تمرباى اليوسفى المؤيدى

ما وقع من الحوادث سنة 841

دوادار السلطان بحلب؛ وفيه أيضا قدم سيف الأمير آقباى اليشبكى الجاموس نائب الإسكندرية، بعد موتهما، فخلع السلطان فى ثالثه على الزينى عبد الرحمن «1» ابن علم الدين داؤد «2» بن الكويز أحد الدوادارية الصغار باستقراره فى نيابة الإسكندرية عوضا عن آقباى اليشبكى بحكم وفاته. ثم فى يوم الخميس ثانى عشرين ذى الحجة خلع السلطان على الأمير صلاح الدين محمد بن الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله، باستقراره كاتب السر الشريف بالديار المصرية، بعد عزل القاضى محب الدين بن الأشقر، مضافا لما بيده من حسبة القاهرة ونظر دار الضرب ونظر الأوقاف ومنادمة السلطان؛ ونزل فى موكب جليل وقد لبس العمامة المدورة والفرجية هيئة «3» أرباب الأقلام وترك زى الأجناد، فإنه كان فى «4» مبدأ أمره هلى هيئة الأجناد، وكانت ولايته بغير خاطر عبد الباسط بل على رغم أنفسه «5» . [ما وقع من الحوادث سنة 841] ثم فى ليلة الأحد تاسع محرم سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، بلّغ الزينى عبد الباسط والوزير كريم الدين والقاضى سعد الدين ناظر الخاص بأن المماليك السلطانية على عزم نهب «6» دورهم فوزعوا ما عندهم واختفوا «7» ، ثم طلعوا إلى الخدمة السلطانية على تخوف، وقد بلغ السلطان ذلك فأخذ يتوعدهم ويدعو عليهم بالطاعون، فلم يلتفت منهم أحد إلى كلامه، ونزل عدة كبيرة منهم فى يوم الأحد سادس عشره إلى دار عبد الباسط وإلى بيت مملوكه جانبك الأستادّار ودار الوزير كريم الدين، ونهبوا ما وجدوا فيها وأفحشوا إلى

الغاية، ولم يعترضوا لأحد فى الطرقات خوفا من العامة «1» . ثم فى ثانى عشرين المحرم ورد الخبر على السلطان بأن نائب دوركى توجه فى «2» خامس عشر المحرم، فى عدة نواب تلك الجهات وغيرهم «3» فى نحو ألفى فارس، وساروا حتى طرقوا بيوت الأمير ناصر الدين بن دلغادر، وقد نزل هو والأمير جانبك الصوفى بمكان على بعد يومين من مرعش فنهبوا ما هناك وأحرقوا، ففرّ ابن دلغادر وجانبك الصوفى فى نفر قليل، وذلك أن جموعهما كانت مع سليمان بن ناصر الدين

ابن دلغادر على حصار قيصريّة الروم، فسرّ [31] السلطان بذلك وأرسل إلى نائب دوركى بخلعة وشكره. ثم قدم الخبر على السلطان أن الأمير إينال الجكمى نائب الشام خرج من دمشق بعساكرها يريد حلب، وقد سارت جميع نواب الشام ليوافوا نائب حلب ويتوجهوا الجميع مددا لابن قرمان، بعد أن أرسل إينال الجكمى تقدمة هائلة للسلطان. ووصلت التقدمة المذكورة إلى القاهرة فى يوم السبت سابع صفر المذكور، وهى ذهب نقد عشرة آلاف دينار، وخيول مائتا «1» فرس، منها ثلاثة أرؤس بسروج ذهب وكنابيش «2» زركش، وسمّور عشرة أبدان، ووشق عشرة أبدان، وقاقم عشرة أبدان، وسنجاب مائة بدن، وبعلبكى خمسمائة ثوب، وأقواس حلقة مائة قوس، وجمال بخاتى ثلاث قطر «3» ، وجمال عراب ثلاثمائة جمل، وثياب صوف مربع مائة ثوب. ثم فى يوم السبت خامس شهر ربيع الأول، خلع السلطان على الأمير خليل ابن شاهين الشيخى المعزول عن نيابة الإسكندرية والوزارة قبل تاريخه، باستقراره فى نيابة الكرك، وسار إليها من وقته. ثم فى يوم السبت تاسع عشر [شهر] «4» ربيع الأول المذكور من سنة إحدى وأربعين المذكورة، خلع السلطان على الصاحب جمال الدين يوسف ابن القاضى كريم الدين عبد الكريم ابن سعد الدين بركة المعروف بابن كاتب جكم، باستقراره ناظر الخاص الشريف بعد موت أخيه القاضى سعد الدين إبراهيم الآتى ذكره فى الوفيات [إن شاء الله تعالى] » . ثم فى شهر ربيع الآخر كملت عمارة الجامع الذي أنشأه السلطان بخانقاه سرياقوس على الدرب المسلوك، وطوله خمسون ذراعا [فى عرض خمسين ذراعا] «6» ، ورتب فيه

إماما للصلوات الخمس، وخطيبا وقراء يتناوبون «1» القراءة، وأرباب وظائف من المؤذنين والفراشين؛ وجاء الجامع المذكور فى غاية الحسن، إلا أن سقوفه واطئة قليلا. ثم فى يوم السبت ثالث جمادى الأولى، ركب السلطان من قلعة الجبل إلى الصيد، بعد ما شق القاهرة، وخرج من باب القنطرة؛ وهذه أول ركبة ركبها للصيد فى هذه السنة، وتداول ذلك منه فى هذا الشهر غير مرة. وفيه قدم الأمير تمراز المؤيّدى نائب غزة والسلطان يتصيد، وعاد السلطان فى خامسه وشق القاهرة حتى خرج من باب زويلة ومضى إلى القلعة، ثم أصبح من الغد أمسك تمراز المؤيدى المذكور وقيّده وأرسله إلى سجن الإسكندرية فسجن بها، وذلك لسوء «2» سيرته ولكمين كان عنده من «3» [الملك] «4» الأشرف، فإن تمراز هذا كان ممن ركب مع الأمير تنبك البجاسى نائب الشام، ثم اختفى وظهر وأنعم عليه السلطان بإقطاع بدمشق، ثم نقله إلى إمرة مائة بعد سفرة آمد لشجاعة ظهرت منه فى قتال القرايلكية، ثم نقله إلى نيابة صفد فلم تحمد سيرته فعزله وولاه نيابة غزة، فشكى منه أيضا ورمى بعظائم فطلبه وأمسكه ثم قتله بعد مدة. فكان ما عاشه من يوم واقعة البجاسى ليوم تاريخه فائدة. ولما أن مسك السلطان تمراز استدعى الأمير جرباش الكريمى قاشق من ثغر دمياط ليوليه نيابة غزة، فقدم «5» جرباش وامتنع عن نيابة غزة «6» فرسم له بالعود إلى الثغر بطالا كما كان أولا. ثم فى سابع عشره خلع السلطان على [الأمير] «7»

آق بردى «1» السيفى قجماس أحد أمراء العشرات باستقراره فى نيابة غزة عوضا عن تمراز المذكور، بمال بذله فى ذلك. وقدم الخبر على السلطان بموت جانبك الصوفى؛ واختلفت الأقاويل فى أمره إلى أن كان يوم السبت سابع عشر جمادى الأولى من سنة إحدى وأربعين المذكورة، قدم «2» مملوك «3» تغرى برمش نائب حلب إلى القاهرة برأس الأمير جانبك الصوفى، فدقت البشائر لذلك وسرّ السلطان غاية السرور بموته ولهجت الناس أن السلطان تم سعده، [وقد قيل] «4» : [المتقارب] إذا تمّ أمر بدا نقصه ... توقّ زوالا إذا قيل تمّ [32] فأمر السلطان بالرأس فطيف «5» بها على رمح بشوارع القاهرة، والمشاعلىّ «6» ينادى عليها: «هذا جزاء «7» من يخالف على الملوك ويخرج عن الطاعة!» ، ثم ألقيت فى قناة سراب. وكان من خبر موت جانبك [الصوفى] «8» المذكور أنه لما كبس عليه وعلى ابن دلغادر نائب دوركى، فى محرم هذه السنة كما تقدم، وانكسر هو وابن دلغادر، فمقته «9» ابن دلغادر وافترقا من يومئذ، فسار ابن دلغادر على وجهه يريد بلاد الروم وقد تشتت شمله، وقصد جانبك الصوفى أولاد قرايلك: محمدا

ومحمودا «1» ، وقدم عليهما فأكرماه وأنزلاه عندهما. فأخذ تغرى برمش نائب حلب يدبّر عليه بكل ما تصل القدرة إليه، ولا زال حتى استمالهما، أعنى «2» محمدا ومحمودا ابنى قرايلك، ووعدهما بجملة مال إن قبضا على جانبك المذكور «3» ، يحمل إليهما خمسة آلاف دينار، فمالا إليه ووعداه أن يقبضا على جانبك المذكور «4» ، فعلم «5» جانبك بالخبر فشاور أصحابه فى ذلك فأشاروا عليه بالفرار إلى جهة من الجهات، فبادر جانبك وخرج من عندهما ومعه عشرون فارسا من أصحابه لينجو بنفسه. وبلغ ذلك القرايلكية فركبوا وأدركوه فقاتلهم فأصابه سهم سقط منه عن فرسه، فأخذوه وسجنوه عندهم وذلك فى يوم الجمعة خامس عشرين شهر ربيع الآخر من هذه السنة، فمات من الغد فقطع رأسه وحمل إلى السلطان، فهذا القول هو المشهور. وقيل إن جانبك الصوفى مات بالطاعون عند أولاد قرايلك بعد أن أوعدهما تغرى برمش بالمال المقدم ذكره، ولم يقبلا منه ذلك واستمرا على إكرامه. فلما مات جانبك الصوفى بالطاعون أخفيا ذلك وقطعا رأسه وبعثا به «6» إلى تغرى برمش. قلت: والقول الأول هو المتداول بين الناس. ويأتى بقية ذكر جانبك الصوفى فى الوفيات [من هذا الكتاب] «7» فى محلّه [إن شاء الله تعالى] «8» . قال المقريزى، بعد أن ساق نحو ما حكيناه بالمعنى، واللفظ مخالف: وحملت إليه الرأس- يعنى عن [الملك] «9» الأشرف- فكاد يطير فرحا وظن أنه قد أمن، فأجرى الله على الألسنة أنه قد انقضت «10» أيامه وزالت دولته فكان كذلك هذا، وقد قابل نعم «11» الله عليه فى كفاية عدوه بأن تزايد عتوه وكثر ظلمه

وساءت «1» سيرته فأخذه الله أخذا وبيلا، وعاجله بنقمته فلم يهنّه- انتهى كلام المقريزى. قلت: وما عسى الملك الأشرف كان يظلم فى تلك المدة القصيرة؟ فإن خبر جانبك الصوفى ورد عليه فى سابع عشر جمادى الأولى «2» وابتدأ بالسلطان مرض موته من أوائل شعبان، ولزم الفراش من اليوم المذكور، وهو ينصل ثم ينتكس إلى أن مات فى ذى الحجة. غير أن الشيخ تقي الدين المقريزى رحمه الله كان له انخراقات «3» معروفة عنه وهو معذور فى ذلك، فإنه أحد من أدركنا من أرباب الكمالات فى فنه ومؤرخ زمانه، لا يدانيه فى ذلك أحد، مع معرفتى بمن عاصره من مؤرخى العلماء؛ ومع هذا كله كان مبعودا فى الدولة، لا يدنيه السلطان مع حسن محاضرته وحلو منادمته. على أن [الملك] » الظاهر برقوق كان قرّبه ونادمه وولاه حسبة القاهرة فى أواخر دولته، ومات [الملك] «5» الظاهر فلم يمش حاله على من جاء بعده من الملوك وأبعدوه من غير إحسان؛ فأخذ هو أيضا فى ضبط مساوئهم وقبائحهم، فمن أساء لا يستوحش. على أنه كان ثقة فى نفسه ديّنا خيّرا؛ وقد قيل لبعض الشعراء: إلى متى تمدح وتهجو؟ فقال: ما دام المحسن يحسن والمسىء يسىء- انتهى. ثم فى يوم الجمعة ثامن جمادى الآخرة ورد الخبر على السلطان بأن إسكندر بن قرا يوسف، نزل قريبا من مدينة تبريز، فبرز إليه أخوه جهان شاه بن قرا يوسف المقيم بها من قبل شاه رخ بن تيمور لنك، فكانت بينهما وقعة هائلة انهزم فيها إسكندر إلى قلعة ألنجا من عمل تبريز فنازله «6» جهان شاه إلى أن حصره بها أياما، وأن الأمير حمزة بن قرايلك متملّك ماردين وأرزن أخرج أخاه على بك من مدينة آمد وملكها منه، فقلق السلطان من هذين الخبرين وعزم على أن يسافر بنفسه إلى البلاد

الشامية، وكتب [33] بتجهيز الإقامات بالشام، ثم أبطل ذلك بعد أيام. ورسم فى يوم السبت سابع شهر رجب بخروج تجريدة من الأمراء إلى البلاد الشامية، وعيّن ثمانية نفر من الأمراء مقدمى الألوف: وهم قرقماس أمير سلاح، وأقبغا التّمرازى أمير مجلس، وأركماس الظاهرى الدوادار الكبير، وتمراز القرمشى رأس نوبة النوب، ويشبك السّودونى حاجب الحجاب، وجانم الأشرفى الأمير آخور الكبير، وخجا سودون وقراجا الأشرفى. ثم فى يوم الاثنين تاسع شهر رجب نودى بأن أحدا «1» من العبيد لا يحمل سلاحا ولا يمشى بعد المغرب، وأن المماليك السلطانية لا يتعرض لأحد من العبيد، وكان سبب هذه المناداة أنه لما أدير المحمل فى يوم الخميس خامس [شهر] «2» رجب المذكور، فلما كان أول ليلة من الزينة نزل جماعة كبيرة من «3» المماليك الأشرفية الذين بالأطباق من قلعة الجبل وأخذوا فى نهب الناس وخطف النساء «4» والصبيان، فاجتمع عدد كبير من العبيد السود وقاتلوا المماليك الأجلاب، فقتل من العبيد خمسة نفر وجرح عدة من المماليك، وخطفت العمائم وأخذت الأمتعة، ثم أخذت المماليك تتتبع العبيد فقتلوا منهم جماعة، وقد كفت «5» العبيد أيديهم عن قتالهم خوفا من السلطنة، واختفى كثير من العبيد وقلّ مشى المماليك فى الليل إلى أن نودى لهم بهذه المناداة، فسكن «6» الشر ومشى كلّ من الطائفتين على حاله الأول؛ ثم رسم السلطان بمنع المماليك من النزول من الأطباق إلى القاهرة إلا لضرورة. ثم فى عاشر [شهر] «7» رجب أنفق السلطان على الأمراء المجرّدين لكل أمير ألفى دينار أشرفية.

ثم فى يوم الأربعاء ثامن عشره ركب السلطان من قلعة الجبل، ونزل إلى خليج الزّعفران فنزل به وأكل السماط، ثم ركب فى يومه وعاد إلى القلعة، فأصبح من الغد متوعك البدن ساقط الشهوة للغداء، ولزم الفراش، وهذا أوائل مرضه الذي مات منه؛ غير أنه تعافى بعض أيام، ثم مرض ثم تعافى حسبما يأتى ذكره. وورد الخبر فيه بوقوع الوباء فى بلاد الصعيد؛ واستهلّ شعبان يوم الاثنين والسلطان مريض، فأخرج فيه مالا وفرّقه على الفقراء والمساكين. فلما كان يوم الثلاثاء تاسعه «1» تعافى السلطان وخلع على الأطباء لعافيته، وركب من الغد ونزل من القلعة إلى القرافة وتصدّق على أهل القرافتين، وعاد وهو غير صحيح البدن. ثم فى يوم السبت ثالث عشر شعبان المذكور، نزل السلطان من القلعة إلى خارج القاهرة، وعاد ودخل من باب النصر، ثم نزل بالجامع الحاكمى، وقد قيل له إنّ بالجامع المذكور دعامة قد ملئت ذهبا، ملأها الحاكم بأمر الله لمعنى أنه إذا خرب يعمّر بما فى تلك الدعامة، فلما بلغ [الملك] «2» الأشرف ذلك شرهت نفسه لأخذ المال [المذكور] «3» ، فقيل له إنك تحتاج إلى هدم جميع الدعائم التى بالجامع المذكور حتى تظفر بتلك الدعامة المذكورة، ثم لا بد لك من عمارتها، ويصرف على عمارتها «4» جملة كثيرة لا تدخل تحت حصر، فقال السلطان ما معناه إن الذي نأخذه من الدعامة يصرف على عمارة ما نهدمه، ولا ينوبنا غير تعب السر؛ وركب فرسه وعاد إلى القلعة. ثم فى يوم الخميس خامس عشرين شعبان [المذكور] «5» برز الأمير قرقماس أمير سلاح، [وقد] «6» صار مقدم العساكر، وصحبته من تقدم ذكره من الأمراء، إلى الريدانية [خارج القاهرة] «7» من غير أن يرافقهم فى هذه التجريدة أحد من المماليك السلطانية، فأقاموا

بالريدانية إلى أن سافروا منها فى يوم السبت سابع عشرين شعبان، وهذه التجريدة آخر تجريدة جرّدها الملك الأشرف من الأمراء، وكتب السلطان إلى الأمير إينال الجكمى نائب الشام وغيره من النواب أن يسافروا صحبة الأمراء المذكورين «1» إلى حلب، ويستدعوا [34] حمزة بك بن قرايلك إلى عندهم، فإن قدم عليهم خلع عليه بنيابة السلطنة فيما يليه من أعمال ديار بكر، وإن لم يقدم عليهم مشوا عليه بأجمعهم وقاتلوه حتى أخذوه، قلت «2» : [الطويل] أيا دارها بالخيف إنّ مزارها ... قريب ولكن بين ذلك أهوال ثم قدم الخبر على السلطان بأن محمد بن قرايلك توجّه إلى أخيه حمزة بك المقدم ذكره، باستدعائه، وقد حقد عليه حمزة قتله للأمير جانبك الصوفى. فإن حمزة لما بلغه نزول جانبك الصوفى على أخويه محمد ومحمود وكتب فى الحال إلى أخيه محمد هذا بأن يبعث بالأمير جانبك الصوفى إليه مكرما مبجلا، أراد حمزة يأخذ جانبك إلى عنده ليخوف به الملك الأشرف، فمال محمد إلى ما وعد به تغرى برمش نائب حلب وقتل جانبك الصوفى وبعث برأسه إليه، فأسرّها حمزة فى نفسه وما زال يعد أخاه المذكور ويمنّيه إلى أن قدم عليه، وفى ظن محمد أن أخاه حمزة يولّيه بعض بلاده، فما هو إلا أن صار فى قبضته قتله فى الحال. قلت: هذا شأن الباغى، الجزاء من جنس عمله، وذلك أنه مثل «3» ما فعل بجانبك الصوفى فعل به- انتهى. ثم فى يوم الثلاثاء أول شهر رمضان ظهر الطاعون بالقاهرة وظواهرها، وأول «4» ما بدأ فى الأطفال والإماء «5» والعبيد والمماليك، وكان الطاعون أيضا قد عمّ البلاد الشامية بأسرها.

ثم فى يوم الأربعاء ثالث عشرين [شهر] «1» رمضان [المذكور] «2» ختمت قراءة البخارى بين يدى السلطان بقلعة الجبل، وقد حضر قضاة القضاة والعلماء والفقهاء على العادة؛ هذا وقد تخوف السلطان من الوباء فسأل من حضر من الفقهاء عن الذنوب التى ترتكبها الناس، هل يعاقبهم الله بالطاعون؟ فقال له بعض الجماعة: إن الزنا إذا فشا فى الناس ظهر فيهم الطاعون، وأن النساء يتزيّنّ ويمشين فى الطرقات ليلا ونهارا؛ فأشار آخر أن المصلحة منع النساء من المشى فى الأسواق، فنازعه آخر فقال: لا تمنع إلا المتبهرجات، وأما العجائز ومن ليس لها من يقوم بأمرها لا تمنع من تعاطى حاجتها. وتباحثوا فى ذلك بحثا كبيرا، إلى أن مال السلطان إلى منعهن من الخروج إلى الطرقات مطلقا، ظنّا من السلطان أن بمنعهن «3» يرتفع الطاعون. ثم خلع السلطان على من له عادة بلبس الخلعة «4» عند ختم البخارى «5» . ثم أمرهم باجتماعهم عنده من الغد، فاجتمعوا يوم الخميس واتفقوا على ما مال إليه السلطان، فنودى بالقاهرة ومصر وظواهرهما بمنع جميع النساء بأسرهن من الخروج من بيوتهن، وأن لا تمرّ امرأة فى شارع ولا فى سوق البتة، وتهدّد من خرجت من بيتها بالقتل وأنواع البهدلة، فامتنع جميع النساء من الخروج قاطبة، [فمنعن] «6» فتياتهن وعجائزهن وإماءهن من الخروج إلى الطرقات. وأخذ والى القاهرة والحجّاب فى تتبع الطرقات وضرب من وجدوا من النساء، وتشددوا فى الردع والضرب والتهديد، فامتنعن بأجمعهن؛ فعند ذلك نزل بالأرامل أرباب الصنائع

ومن «1» لا يقوم عليها أحد لقضاء حاجتها ومن تطوف على الأبواب تسأل الناس «2» من الضر والحاجة، بأس شديد. ثم فى يوم السبت سادس عشرينه أفرج السلطان عن جميع المسجونين حتى أرباب الجرائم، وأغلقت السجون بالقاهرة ومصر، وانتشرت السرّاق والمفسدون فى البلد، وامتنع من له عند شخص حق أنه يطالبه. قلت: كان حال الملك الأشرف فى هذه الحركة كقول القائل: [الخفيف] رام نفعا فضرّ من غير قصد ... ومن البرّ ما يكون عقوقا ثم فى سابع عشرينه عزم السلطان على أن يولى الحسبة لرجل ناهض، فدكر له جماعة فلم يرضهم، ثم قال: «عندى واحد ليس بمسلم «3» ، ولا يخاف الله» ، وأمر فأحضر إليه دولات خجا الظاهرى [برقوق] «4» المعزول [35] عن ولاية القاهرة قبل تاريخه غير مرة، فخلع عليه باستقراره فى حسبة القاهرة عوضا عن القاضى صلاح الدين محمد ابن الصاحب بدر الدين بن نصر الله كاتب السر بحكم عزله، وكان رغبة السلطان فى ولاية دولات خجا هذا بسبب النساء، لما يعلم من شدته وقلة رحمته وجبروته. وعند ما خلع عليه حرّضه على عدم إخراج النسوة إلى الطرقات؛ هذا بعد أن تكلم جماعة كبيرة من أرباب الدولة مع السلطان بسبب ما حل بالنسوة من الضرر لعدم خروجهن، فأمر السلطان عند ذلك فنودى بخروج الإماء لشراء حوائج مواليهن» من الأسواق وأن لا تنتقب واحدة منهن بل يكنّ سافرات عن وجوههن، قصد بذلك حتى لا تتنكر إحداهن «6» فى صفة الجوارى وتخرج إلى الأسواق، وأن تخرج العجائز

لقضاء أشغالهن، وأن تخرج النساء إلى الحمامات ولا يقمن بها إلى الليل، وصار دولات خجا يشد على النسوة، وعاقب منهن جماعة كبيرة حتى انكفّ الجميع عن الخروج البتة. وأهلّ شوال يوم الخميس وقد حلّ بالناس من الأنكاد والضرر ما لا يوصف من «1» تزايد الطاعون، وتعطل كثير من البضائع المبتاعة على النسوة لامتناعهن من المشى فى الطرقات، وأيضا مما نزل بالنسوة من موت أولادهن وأقاربهن، فصارت المرأة يموت ولدها فلا تستطيع أن ترى قبره خوفا من الخروج إلى الطرقات، ويموت أعز أقاربها من غير أن تزوره فى مرضه، فشقّ ذلك عليهن إلى الغاية، هذا مع تزايد الطاعون. قلت: كل ذلك لعدم أهلية الحكام واستحسان الولاة على الخواطئ، وإلا فالحرة معروفة ولو كانت فى الخمّارة، والفاجرة معروفة ولو كانت فى البيت «2» الحرام، ولا يخفى ذلك على الذوق السليم؛ غير أن هذا كله وأمثاله لولاية المناصب غير أهلها، وأما الحاكم النحرير الحاذق الفطن إذا قام بأمر نهض به وتتبع الماء من مجاريه، وأخذ ما هو بصدده حتى أزاله فى أسرع وقت وأهون حال، ولا يحتاج ذلك إلى بعض ما الناس فيه، وهو ذهاب الصالح بالطالح والبرىء مع «3» المجرم، وتحكم مثل هذا الجاهل فى المسلمين الذي هو من مقولة من [قال] «4» : [الطويل] ولو شا ربّك لخصّهم بثلاثة ... قرون وأذناب وشقّ حوافر

وما أحسن قول أبى الطيب المتنى فى هذا المعنى: [الطويل] ووضع النّدى فى موضع السيف بالعلا «1» ... مضرّ كوضع السيف فى موضع النّدى انتهى. كل ذلك والسلطان شهوته ضعيفة عن الأكل، ولونه مصفر، وآثار المرض تلوح على وجهه، غير أنه يتجلد [كقول القائل] «2» : [الكامل] وتجلّدى للشامتين أريهم ... أنّى لريب الدّهر لا أتضعضع ثم فى هذا اليوم خلع السلطان على الأمير أسنبغا [بن عبد الله الناصرى] «3» الطيّارى «4» باستقراره حاجبا ثانيا، عوضا عن الأمير جانبك [السيفى يلبغا] «5» الناصرى المعروف بالثور، بحكم وفاته بمكة المشرّفة [فى] «6» حادى عشر شعبان. ثم فى يوم الثلاثاء سادس شوال المذكور، خلع السلطان على قاضى القضاة شهاب الدين بن حجر، وأعيد إلى القضاء بعد عزل القاضى علم الدين صالح البلقينى، بعد أن ألزم أنه يقوم لعلم الدين صالح المذكور بما «7» حمله إلى الخزانة الشريفة، وقد بدا للسلطان أنه لا يولّى بعد ذلك أحدا من القضاة بمال، مما داخله من الوهم بسبب عظم الطاعون وأيضا لمرض تمادى به «8» . وفيه ركب السلطان من قلعة الجبل ونزل إلى خليج الزعفران وأقام به يومه فى مخيّمه يتنزه، ثم ركب وعاد إلى القلعة فى آخر النهار بعد أن تصدّق على الفقراء بمال

كثير، فتكاثرت الفقراء على متولى الصدقة وجذبوه حتى أرموه عن فرسه، فغضب السلطان من ذلك وطلب سلطان الحرافيش «1» وشيخ الطوائف وألزمهما بمنع الجعيديّة من السؤال فى الطرقات [36] وألزمهم بالتكسّب، وأن من يشحذ منهم قبض عليه وأخرج لعمل الحفير. فامتنعوا من الشحاذة، وخلت الطرقات، ولم يبق من السّؤّال إلا العميان والزّمنى «2» وأرباب العاهات. قلت: وكان هذا من أكبر المصالح، وعدّ ذلك من حسن نظر الملك الأشرف فى أحوال الرعية، فإن هؤلاء الجعيديّة غالبهم قوىّ سوىّ صاحب صنعة فى يده، فيتركها ويشارك ذوى العاهات الذين «3» لا كسب لهم إلا السؤال ولولا ذلك لماتوا «4» جوعا، وأيضا أن غالبهم يجلس بالشوارع ويتمنىّ، ثم يقسم على الناس بالأنبياء والصلحاء وهو يتضجر من قسوة قلوب الناس ويقول: لى مقدار كيت وكيت باقول فى حب رسول الله أعطونى هذا القدر «5» اليسير فلم يعطنى أحد. ويجتاز به وهو يقول: «ذلك اليهودى والنصرانى!» ، فيسمعون لمقالته «6» فى هذا المعنى. وهذا من المنكرات التى [لا] «7» ترتضيها الحكام، وكان من شأنهم أنهم إذا سمعوا هذا القول أخذوا القائل وأوجعوه بالضرب والحبس والمناداة على الفقراء بعدم التقسيم

فى سؤالهم «1» ، والتحجر عليهم بسبب ذلك فلم يلتفت أحد منهم إلى ذلك، حتى ظهر للسلطان «2» بعض ما هم عليه فى هذه المرة فمنعهم، فما كان أحسن هذا لو دام واستمر- انتهى. كل ذلك والسلطان يتشاغل بركوبه وتنزهه مما به من التوعك وهو لا يظهره. فلما كان يوم الأربعاء سابع شوال انتكس السلطان ولزم الفراش، كل ذلك ودولات خجا محتسب القاهرة يتتبع النسوة ويردعهن بالعذاب والنكال، حتى أنه ظفر مرة بامرأة وأراد أن يضربها فذهب «3» عقلها من الخوف وتلفت وحملت إلى بيتها مجنونة، وتم بها ذلك أشهرا؛ وامرأة أخرى أرادت أن تخرج خلف جنازة ولدها فمنعت من ذلك فأرمت بنفسها من أعلى الدار فماتت. ثم فى يوم الجمعة تاسع شوال اتفق حادثة غريبة، وهو أن العامة لهجت بأن الناس يموتون يوم الجمعة بأجمعهم قاطبة وتقوم القيامة، فتخوّف غالب العامة من ذلك. فلما كان وقت الصلاة من يوم الجمعة المذكور حضر الناس إلى الصلاة، وركبت أنا أيضا إلى جامع الأزهر، والناس تزدحم على الحمامات ليموتوا على طهارة كاملة؛ فوصلت إلى الجامع وجلست به، وأذّن المؤذنون، ثم خرج الخطيب على العادة ورقى «4» المنبر، وخطب وأسمع الناس إلى أن فرغ من الخطبة الأولى، وجلس للاستراحة بين الخطبتين فطال جلوسه ساعة كبيرة، فتقلّق «5» الناس إلى أن قام وبدأ فى الخطبة الثانية، وقبل أن يتم كلامه قعد ثانيا واستند إلى جانب المنبر ساعة طويلة كالمغشى عليه، فاضطرب الناس لما سبق من أن [الناس تموت] «6» فى يوم الجمعة بأجمعهم،

وظنوا صدق المقالة وأن الموت أول ما بدأ بالخطيب. وبينما الناس فى ذلك قال رجل: «الخطيب مات!» ، فارتجّ [الجامع] «1» وضجّ الناس «2» وتباكوا، وقاموا إلى المنبر وكثر الزحام على الخطيب، حتى أفاق وقام على قدميه ونزل عن «3» المنبر ودخل إلى المحراب، وصلّى من غير أن يجهر بالقراءة، وأوجز فى صلاته حتى أتم الركعتين. وقدمت عدة جنائز فصلى عليها «4» الناس، وأمّهم بعضهم. وبينما الناس فى الصلاة على الموتى إذا الغوغاء «5» صاحت بأن الجمعة ما صحّت، والخطيب صلى بعد أن انتقض وضوؤه» لما غشى عليه؛ وتقدم رجل من الناس وأقام وصلى الظهر أربعا. وبعد فراغ هذا الذي صلى أربعا قام جماعة أخر وأمروا فأذّن المؤذنون بين يدى المنبر، وطلع رجل إلى المنبر وخطب خطبتين على العادة ونزل ليصلى، فمنعوه من التقدم إلى المحراب وأتوا بإمام الخمس فقدّموه حتى صلى بهم جمعة ثانية. فلما انقضت صلاته بالناس قام آخرون وصاحوا بأن هذه الجمعة الثانية لم تصح، وأقاموا الصلاة وصلى بهم رجل آخر الظهر أربع ركعات، فكان فى هذا اليوم بجامع الأزهر إقامة الخطبة مرتين وصلاة الظهر مرتين، فقمت أنا فى الحال وإذا بالناس تطيّر على السلطان بزواله من أجل إقامة خطبتين فى موضع [37] واحد [فى يوم واحد] «7» . هذا ومرض السلطان فى زيادة ونمو، وكلما ترجّح قليلا خلع على الأطباء ودقّت البشائر، إلى أن عجز عن القيام فى «8» العشر الثانى من شوال، هذا وقد كثر الموت بالمماليك السلطانية ثم بالدور السلطانية؛ «9» ومات عدة من أولاد السلطان والحريم

والجوارى، وخرج الحاجّ فى يوم الاثنين تاسع عشره صحبة أمير الحاج آقبغا من مامش «1» الناصرى المعروف بالتركمانى «2» ، ونزل إلى بركة الحاج، فمات به عدة كبيرة من الحجاج منهم ابن أمير الحاج وابنته فى الغد. وبعده «3» فى يوم الأربعاء حادى عشرينه، ضبط عدة من صلى عليه من الأموات بالمصليات فزادت عدتهم على ألف إنسان. ثم فى يوم الخميس ثانى عشرينه خلع السلطان على الأطباء لعافيته وفرح الناس، وبينما هم فى ذلك إذ وسّط السلطان طبيبيه فى يوم السبت رابع عشرينه، وهما اللذان «4» خلع عليهما بالأمس. وكان من خبر الأطباء أنه لما خلع السلطان عليهما بالأمس، وأصبح السلطان من الغد فرأى حاله فى إدبار، وكان قد قلق من طول مرضه، فشكا ما به لرئيس الأطباء العفيف الأسلمى فأمر له بشىء يشربه، فشربه السلطان فلم يوافق مزاجه وتقيأه لضعف معدته. وكان خضر الحكيم كثيرا ما يتحشّر «5» عند رؤساء الدولة، حتى صار يداخل السلطان فى أيام مرضه اقتحاما على الرئاسة، واستمر يلاطف السلطان مع العفيف. وأصبح العفيف طلع إلى القلعة، ودخل على عادته، وإذا بالسلطان «6» قد امتلأ عليه غضبا، وقد ظن فى نفسه أن الحكماء مقصرون فى علاجه ومداواته، وأنهم أخطأوا فى التدبير والملاطفة، فحال ما وقع بصره على العفيف سبّه ونهره. وكان فى المجلس القاضى صلاح الدين بن نصر الله كاتب السر، والصفوى جوهر الخازندار وعدة أخر من الأمراء الخاصكية، ثم قال له السلطان: «إيش هذا الذي أسقيتنى البارحة؟» . فقال العفيف: «هو «7» كيت وكيت يا مولانا

السلطان، واطلب الأطباء واسألهم هل هو موافق أم لا» ، فلم يلتفت السلطان إلى كلامه وطلب عمر بن سيفا والى القاهرة وأمره بتوسيطه، فأخذه وخرج وتماهل فى أمره حتى تأتيه الشفاعة. وبينما العفيف فى ذلك إذ طلع «1» خضر الحكيم وهو مسرع، كون العفيف قد سبقه إلى مجلس السلطان، فكلمه العفيف فى أن السلطان إذا سأله عما وصفه له العفيف فى أمسه لا يعترض عليه، ليسكن بذلك غضب السلطان «2» . فحال ما دخل خضر «3» المذكور على السلطان أمر بتوسيطه أيضا، فأخذ من بين يدى السلطان أخذا مزعجا وأضيف إلى العفيف، وهو يظن أن ذلك من حنق السلطان، وليس الأمر على حقيقته. وتربّص الوالى فى أمرهما «4» ، فأرسل السلطان من استحثه فى توسيطهما، هذا بعد أن وقف ندماء السلطان إلى الأشرف «5» وقبّلوا له الأرض غير مرة، وقبّلوا يده مرارا عديدة بسببهما والشفاعة فيهما وسألوه أن يعاقبهما «6» [بالضرب] «7» ، فأبى «8» إلا توسيطهما. وأخذ السلطان يستحث الوالى برسول بعد رسول من الخاصكية، والوالى يتنقل بهما «9» من مكان إلى آخر تسويفا، إلى أن أتى بهما «10» إلى الحدرة عند باب الساقية من قلعة الجبل. وبينما عمر «11» فى ذلك أتاه رجل من قبل السلطان، وقال له: «أمرنى السلطان أن أحضر توسيطهما أو تحضر تجيب السلطان بما تختاره من الجواب عن ذلك» ؛ فلم يجد عمر بدّا من أن أخذ العفيف

أولا وحمله، فاستسلم ولم يتحرك حتى وسّط. فلما رأى «1» خضر ذلك طار عقله وصاح وهو يقول: «عمر! الحكيم اتوسّط! «2» عندى للسلطان ثلاثة آلاف دينار ويدعنى أعيش» ، فلم يلتفت الوالى إلى كلامه وأمر به فأخذ، فدافع عن نفسه بكل ما تصل قدرته إليه وخاف خوفا شديدا، فتكاثروا عليه أعوان الوالى حتى حملوه وهو يتمرّغ «3» ، فوسّط توسيطا معذبا لتلوّيه واضطرابه؛ «4» ثم حملا إلى أهليهما. فعند ذلك تحقق الناس عظم ما بالسلطان من المرض وشنعت القالة فيه؛ ومن يومئذ تزايد مرض [38] السلطان وصارت الأطباء متخوفة من معالجته، ولا يصفون «5» له شيئا حتى يكون ذلك بمشورة جماعة من الأطباء، واستعفى أكثرهم، وحمل الرسائل على عدم الطلوع لملاطفته «6» . واستمر السلطان ومرضه يتزايد، فلما كان يوم الثلاثاء رابع ذى القعدة، جمع السلطان الخليفة والقضاة الأربعة «7» والأمراء وأعيان الدولة، وعهد بالسلطنة إلى ولده المقام الجمالى يوسف، وكتب العهد القاضى شرف الدين أبو بكر نائب كاتب السر، لمرض كاتب السر القاضى صلاح الدين بن نصر الله بالطاعون. وجلس السلطان بالمقعد الذي أنشأه على باب الدّهيشة «8» المطل على الحوش السلطانى، وقد أخرج إليه

محمولا من شدة مرضه وضعف قوته، ووقف بين يديه الأمير خشقدم اليشبكى مقدم المماليك السلطانية بالحوش، ومعه غالب المماليك السلطانية: الجلبان والقرانيص، وجلس بجانب السلطان الخليفة المعتضد بالله أبو الفتح داود، والقضاة والأمير الكبير جقمق العلائى، ومن تأخر عن التجريدة من الأمراء بالديار المصرية. وقام عبد الباسط، لغيبة كاتب السر صلاح الدين بن نصر الله وشدة مرضه بالطاعون، وابتدأ بالكلام «1» فى عهد السلطان بالملك من بعده لابنه المقام الجمالى يوسف، وقد حضر أيضا يوسف المذكور «2» مع أبيه فى المجلس، فاستحسن الخليفة هذا الرأى وشكر السلطان على فعله لذلك، فقام فى الحال القاضى شرف الدين أبو بكر [سبط] » ابن العجمى نائب كاتب السر بالعهد إلى بين يدى السلطان. وأشهد السلطان على نفسه، أنه عهد بالملك إلى ولده يوسف من بعده، وأمضى الخليفة العهد، وشهد بذلك القضاة، وجعل الأمير الكبير جقمق العلائى هو القائم بتدبير أمر مملكة المقام الجمالى يوسف، وأشهد السلطان على نفسه بذلك أيضا فى العهد. ثم التفت السلطان إلى جهة الحوش، وكلم الأمير خشقدم مقدم المماليك- وقصد يسمع ذلك القول للمماليك السلطانية الجلبان- بكلام طويل، محصوله يعتب عليهم «4» فيما كانوا يفعلونه فى أيامه وأنه كان تغير عليهم ودعا عليهم، فأرسل الله [تعالى] «5» عليهم الطاعون فى سنتى ثلاث وثلاثين ثم إحدى وأربعين فمات منهم حماعة كبيرة، والآن قد عفا «6» عنهم. ثم أوصاهم بوصايا كثيرة، منها أن يكونوا فى طاعة ولده، وأن لا يغيروا على أحد من الأمراء، وأن لا يختلفوا فيدخل فيهم الأجانب فيهلكوا، وأشياء من ذلك كثيرة سمعتها من لفظه لكن لم أحفظ

أكثرها لطول الكلام. ثم «1» أخذ يعرّف الجميع «2» : القرانيص والجلبان، أنه يموت وأنه كان عندهم ضيفا وقد أخذ فى الرحيل عنهم؛ وبكى فأبكى الناس وعظم الضجيج من البكاء، ثم أمر لهم بنفقة لجميع المماليك السلطانية قاطبة، لكل واحد ثلاثين دينارا، فقبل الجميع الأرض وضجوا له بالدعاء بعافيته وتأييده؛ كل ذلك وهو يبكى وعقله صحيح وتدبيره جيد. وفى الحال جلس كاتب المماليك واستدعى اسم واحد واحد، وقد صرّت النفقة المذكورة، حتى أخذوا الجميع النفقة، فحسن ذلك ببال جميع الناس، وكانت جملة النفقة مائة وعشرين «3» ألف دينار؛ وانفضّ المجلس، وحمل السلطان وأعيد إلى مكانه. ثم فى يوم الجمعة سابع ذى القعدة خلع السلطان على الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله باستقراره فى كتابة السر بعد موت [ولده] «4» صلاح الدين محمد بن حسن بن نصر الله بالطاعون، وخلع أيضا فى اليوم المذكور على نور الدين علىّ السّويفى إمام السلطان باستقراره محتسب القاهرة بعد موت دولات خجا بالطاعون، وفرح الناس بموته كثيرا. وتزايد الطاعون فى هذه الأيام بالديار المصرية وظواهرها حتى بلغ [عدة] «5» من صلى عليه بمصلاة باب «6» النصر فقط فى يوم واحد أربعمائة ميّت، وهى من جملة إحدى عشرة مصلاة بالقاهرة وظواهرها. وأما الأمراء المجرّدون إلى البلاد الشامية، فإنهم كانوا فى هذا الشهر رحلوا من أبلستين وتوجهوا إلى آق شهر «7» ، حتى نزلوا عليها وحصروها وليس لهم علم بما السلطان فيه.

ثم اشتد مرض السلطان فى يوم الثلاثاء خامس عشرين ذى القعدة واحتجب عن الناس، ومنع الناس قاطبة من الدخول عليه، سوى الأمير إينال الأبوبكريّ [39] الأشرفى شادّ الشراب خاناه، وعلى باى الأشرفى الخازندار، وجوهر اللّالا الزّمام؛ وصار إذا طلع مباشر والدولة إلى الخدمة السلطانية على العادة يعرّفهم هؤلاء بحال السلطان، وليس أحد من أكابر الأمراء يطلع إلى القلعة، لمعرفتهم بما السلطان فيه من شدة المرض، وأيضا لكثرة الكلام فى المملكة. وقد صارت المماليك طوائف، وتركوا التّسيير إلى خارج القاهرة وجعلوا دأبهم التسيير بسوق الخيل تحت القلعة «1» والكلام فى أمر السلطان. وبطلت العلامة «2» ، وتوقف أحوال الناس لاختلاط عقل السلطان من غلبة المرض عليه، وخيفت السبل ونقل الناس «3» أقمشتهم من بيوتهم إلى الحواصل مخافة من وقوع فتنة. وأخذ الطاعون يتناقص فى «4» هذه الأيام وهو أوائل ذى الحجة، ومرض السلطان يتزايد. وكان ابتداء مرض السلطان ضعف الشهوة للأكل، فتولد له من ذلك أمراض كثيرة آخرها نوع من أنواع الملنخوليا، وكثر هذيانه وتخليطه فى الكلام، ولازمه الأرق والسهر مع ضعف قوته. هذا مع أن المماليك فى هذه الأيام صاروا طائفة وطائفة: فطائفة منهم يريدون أن يكون الأمير الكبير جقمق العلائى هو مدبر المملكة كما أوصاه الملك الأشرف، وهم الظاهرية البرقوقية والناصرية والمؤيّدية والسّيفية؛ وطائفة وهم الأشرفية، يريدون الاستبداد بأمر ابن أستاذهم، كل ذلك من غير مفاوضة فى الكلام. وبلغ الأمير إينال الأبوبكريّ المشدّ ذلك، وكان أعقل المماليك الأشرفية وأمثلهم وأعلمهم، فأخذ فى إصلاح الأمر بين الطائفتين، بأن طيّب «5» المماليك الأشرفية إلى الحلف على طاعة ابن السلطان والأمير الكبير جقمق العلائى، حتى أذعنوا ورضوا. فتولى تحليفهم القاضى شرف الدين نائب كاتب السر

وحلّف الجميع، ثم نزل عبد الباسط إلى الأمير الكبير جقمق وحلّفه على طاعة السلطان، وبعد تحليفه نزل إليه الأمير إينال المشدّ والأمير علىّ باى الخازندار، وقبّل كل منهما بده بمن معهما من أصحابهما، فأكرمهم جقمق ووعدهم بكل خير، وعادوا «1» إلى القلعة وسكن الناس وبطل الكلام بين الطائفتين. فلما كان يوم الأربعاء عاشر ذى الحجة، وهو يوم عيد النحر، خرج المقام الجمالى يوسف ولىّ العهد الشريف وصلىّ صلاة العيد بجامع القلعة، وصلى معه الأمير الكبير جقمق العلائى وغالب أمراء الدولة، ومشوا فى خدمته بعد انقضاء الصلاة والخطبة، حتى جلس على باب الستارة، وخلع على الأمير الكبير جقمق وعلى من له عادة بلبس الخلع فى يوم عيد النحر، ثم نزلوا إلى دورهم، وقام المقام الجمالى ونحر ضحاياه بالحوش السلطانى. هذا وقد حصل للسلطان نوب كثيرة من الصرع حتى خارت قواه ولم يبق إلا أوقات يقضيها؛ واستمر على ذلك والإرجاف يتواتر بموته فى كل وقت، إلى أن مات قبيل عصر يوم السبت ثالث عشر ذى الحجة [من] «2» سنة إحدى وأربعين وثمانمائة «3» ، وسنّه يوم مات بضع وستون سنة تخمينا؛ فارتجت القلعة لموته ساعة ثم سكنوا. وفى الحال حضر الخليفة والقضاة الأربعة «4» والأمير الكبير جقمق العلائى وسائر أمراء الدولة، وسلطنوا المقام الجمالى يوسف ولقبوه بالملك العزيز يوسف، حسبما يأتى ذكره فى محلّه. ثم أخذ الأمراء فى تجهيز السلطان، فجهز وغسل وكفن بحضرة الأمير إينال الأحمدى الفقيه الظاهرى [برقوق] «5» أحد أمراء العشرات بوصية السلطان له، وهو الذي أخرج عليه كلفة تجهيزه وخرجته من مال كان الأشرف دفعه إليه فى حياته، وأوصاه أن يحضر غسله وتكفينه ودفنه.

ولما انتهى أمر تجهيز [الملك] «1» الأشرف حمل من الدور السلطانية إلى أن صلى عليه بباب القلعة من قلعة الجبل، وتقدم للصلاة عليه قاضى القضاة شهاب الدين أحمد «2» ابن حجر، لكون الخليفة كان [خلع] «3» عليه خلعة «4» أطلسين التى «5» خلعها عليه الملك [40] العزيز. ثم حمل من المصلى على أعناق الخاصكية والأمراء الأصاغر، إلى أن دفن بتربته التى أنشأها بالصحراء خارج القاهرة؛ وحضرت أنا الصلاة عليه ودفنه، وكانت جنازته مشهودة بخلاف جنائز الملوك، ولم يقع فى يوم موته اضطراب ولا حركة ولا فتنة، ونزل إلى قبره قبيل المغرب. وكانت مدة سلطنته بمصر سبع عشرة «6» سنة تنقص أربعة وتسعين يوما، وتسلطن بعده ابنه الملك العزيز يوسف المقدم ذكره بعهد منه إليه. وخلّف الملك الأشرف من الأولاد «7» العزيز يوسف وابنا «8» آخر رضيعا أو حملا «9» ، وهما فى قيد الحياة إلى يومنا هذا. فأما العزيز فمسجون بثغر الإسكندرية، وأما الآخر فاسمه أحمد عند عمه زوج أمه الأمير قرقماس الأشرفى رأس نوبة، وهو الذي تولى تربيته، ومن أجل المقام الشهابى أحمد هذا كانت الفتنة بين المماليك الأشرفية والمماليك الظاهرية فى الباطن، لما أراد الظاهرية إخراجه إلى الإسكندرية. وأما من مات من أولاد [الملك] «10» الأشرف فكثير، وخلّف من الأموال والتحف والخيول والجمال «11» والسلاح شيئا كثيرا إلى الغاية. [و] 1» كان سلطانا جليلا سيوسا مدبرا عاقلا شهما متجملا فى مماليكه

وخيوله، وكانت صفته أشقر طوالا «1» نحيفا رشيقا منوّر الشيبة بهىّ الشكل، غير سبّاب ولا فحّاش فى لفظه، حسن الخلق لين الجانب حريصا على إقامة ناموس الملك، يميل إلى الخير، يحب سماع تلاوة القرآن العزيز حتى أنه رتب عدة أجواق تقرأ عنده فى ليالى المواكب «2» بالقصر السلطانى دواما. وكان يكرم أرباب الصلاح ويجل مقامهم، وكان يكثر من الصوم صيفا وشتاء «3» ؛ فإنه كان يصوم فى الغالب يوم الثالث عشر [من الشهر] «4» والرابع عشر والخامس عشر، يديم على ذلك. وكان يصوم أيضا أول يوم فى الشهر وآخر يوم فيه «5» ، مع المواظبة «6» على صيام يومى الاثنين والخميس فى الجمعة، حتى أنه «7» كان يتوجه فى أيام صومه إلى الصيد ويجلس على السماط «8» وهو صائم ويطعم الأمراء والخاصكية بيده، ثم يغسل يديه بعد رفع السّماط كأنه واكل القوم. وكان لا يتعاطى المسكرات ولا يحب من يفعل ذلك من مماليكه وحواشيه. وكان يحب الاستكثار من المماليك حتى أنه زادت عدة مماليكه المشتروات على ألفى مملوك، لولا ما أفناهم طاعون سنة ثلاث وثلاثين ثم طاعون سنة إحدى وأربعين هذا، فمات فيهما من مماليكه خلائق. وكان يميل إلى جنس الجراكة على غيرهم فى الباطن، يظهر ذلك منه فى بعض الأحيان، وكان لا يحب أن يشهر عنه ذلك لئلا تنفر الخواطر منه؛ فإن ذلك مما يعاب به على الملوك. وكانت مماليكه أشبه الناس بمماليك [الملك] «9» الظاهر برقوق فى كثرتهم، وأيضا فى تحصيل فنون الفروسية؛ ولو لم يكن من مماليكه إلا الأمير إينال

الأبوبكريّ الخازندار ثم المشدّ، لكفاه فخرا لما اشتمل عليه من المحاسن؛ ولم يكن فى عصرنا من يدانيه فكيف يشابهه؟ - انتهى. وإلى الآن مماليكه هم معظم عسكر الإسلام، وكانت أيامه فى غاية الأمن والرخاء من قلة الفتن وسفر التجاريد، هذا مع طول مدته فى السلطنة. وعمّر فى أيامه غالب قرى مصر قبليّها وبحريّها مما كان خرب فى دولة [الملك] «1» الناصر فرج، [ثم] «2» فى دولة [الملك] «3» المؤيّد شيخ لكثرة الفتن فى أيامهما «4» ، وترادف الشرور والأسفار إلى البلاد الشامية وغيرها فى كل سنة. ومع هذا كله كان [الملك] «5» الأشرف منغّص العيش من جهة الأمير جانبك الصوفى من يوم فرّ من سجنه بثغر الإسكندرية فى سابع شعبان سنة ست وعشرين وثمانمائة، إلى أن مات جانبك قبل موته فى سنة أربعين و [ثمانمائة] «6» حسبما تقدم ذكره. وكان الأشرف يتصدّى [للأحكام] «7» بنفسه، ويقتدى فى غالب أموره بطريق [الملك] «8» المؤيّد شيخ، غير أنه كان يعيب على المؤيد سفه لسانه، إلا [الملك] «9» الأشرف فإنه [41] كان لا يسفه على أحد من مماليكه ولا خدمه جملة كافية، فكان أعظم ما شتم به أحدا أن يقول له: «حمار!» ، وكان ذلك فى الغالب [يكون] «10» مزحا. ولقد داومت «11» خدمته من «12» أوائل سلطنته إلى أن مات، ما سمعته أفحش فى سب واحد بعينه كائن من كان. وفى الجملة كانت محاسنه أكثر من مساوئه، وأما ما ذكره عنه الشيخ تقي الدين المقريزى فى تاريخه من المساوئ، فلا أقول إنه مغرض فى ذلك بل أقول بقول القائل: [الطويل]

ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلّها ... كفى المرء فخرا أن تعدّ معايبه وكان الأليق الإضراب عن تلك المقالة الشنعة فى حقه من وجوه عديدة، غير أن الشيخ تقي الدين كان ينكر «1» عليه أمورا، منها انقياده إلى مباشرى دولته فى مظالم العباد، ومنها شدة حرصه على المال وشرهه فى جمعه، وأنا أقول فى حق [الملك] «2» الأشرف ما «3» قلته فى حق [الملك] «4» الظاهر برقوق فيما تقدم، فهو بخيل بالنسبة لمن تقدّمه «5» من الملوك، وكريم بالنسبة لمن جاء بعده إلى يومنا هذا؛ وما أظرف قول من قال: [الكامل] ما إن وصلت إلى زمان آخر ... إلا بكيت على الزمان الأوّل وأما قول المقريزى: «وانقياده لمباشريه» - يشير بذلك إلى الزينى عبد الباسط- فإنه كان يخاف على ماله منه، فلا يزال يحسّن له القبائح فى وجوه تحصيل المال، ويهوّن عليه فعلها حتى يفعلها الأشرف وينقاد إليه بكليّته، وحسّن له أمورا «6» لو فعلها الأشرف لكان فيها زوال ملكه، ومال الأشرف إلى شىء منها لولا معارضة قاضى القضاة بدر الدين محمود العينى له فيها عندما كان يسامره بقراءة التاريخ، فإنه كان كثيرا ما يقرأ عنده تواريخ الملوك السالفة وأفعالهم الجميلة، ويذكر له ما وقع لهم من الحروب والخطوب والأسفار والمحن، ثم يفسر له ذلك باللغة التركية، وينمقها بلفظه الفصيح، ثم يأخذ فى تحبيبه لفعل الخير والنظر فى مصالح المسلمين، ويرجعه عن كثير من المظالم، حتى لقد «7» تكرر من الأشرف قوله فى الملأ: «لولا القاضى العينى ما حسن إسلامنا، ولا عرفنا كيف نسير فى المملكة» . وكان الأشرف اغتنى بقراءة العينى له فى التاريخ عن مشورة الأمراء فى المهمات، لما تدرب بسماعه للوقائع السالفة

للملوك؛ قلت: وما قاله الأشرف فى حق العينى هو الصحيح، فإن الملك الأشرف كان أميّا صغير السن لما تسلطن، بالنسبة لملوك الترك الذين «1» مستهم الرق، فإنه تسلطن «2» وسنّه يوم ذاك نيف على أربعين سنة، وهو غرّ لم يمارس التجارب، ففقّهه العينى بقراءة التاريخ، وعرّفه بأمور كان يعجز عن تدبيرها قبل ذلك، منها: لما كسرت مراكب الغزاة فى غزوة قبرس، فإن الأشرف كان عزم على تبطيلها فى تلك السنة ويسيّرها فى القابل، حتى كلّمه العينى فى ذلك، وحكى له عدة وقائع صعب أولها وسهل آخرها، فلذلك كان العينى هو أعظم ندمائه «3» وأقرب الناس إليه، على أنه كان لا يداخله فى أمور المملكة البتة، بل كان مجلسه لا ينقضى معه إلا فى قراءة التاريخ، وأيام الناس وما أشبه ذلك؛ ومن يوم ذاك حبّب إلىّ التاريخ وملت إليه واشتغلت به- انتهى. وقد تقدم الكلام على أصل» الملك الأشرف وكيف ملّكه [السلطان الملك] «5» الظاهر برقوق، وعلى نسبته بالدّقماقى فى أول ترجمته، فلا حاجة للعيادة هنا ثانيا. انتهى ترجمة الملك الأشرف برسباى رحمه الله تعالى.

ما وقع من الحوادث سنة 825

[ما وقع من الحوادث سنة 825] السنة الأولى من سلطنة الملك الأشرف برسباى [على مصر] «1» وهى سنة خمس وعشرين وثمانمائة؛ على أن الملك الصالح محمد ابن [الملك] «2» الظاهر ططر، حكم منها إلى ثامن شهر [ربيع] «3» الآخر، ثم حكم [فى] «4» باقيها [الملك] «5» الأشرف هذا. وفيها- أعنى سنة خمس وعشرين المذكورة- توفى الشيخ الإمام العالم بدر الدين محمود ابن الشيخ الإمام شمس الدين محمد الأقصرائى الحنفى فى ليلة الثلاثاء خامس المحرم، ولم يبلغ الثلاثين من العمر، وكان بارعا ذكيا فاضلا فقيها مشاركا فى عدة فنون، حسن المحاضرة، مقربا من الملوك. وكان [42] يجالس الملك المؤيّد شيخا «6» وينادمه، ثم عظم أمره عند [الملك] «7» الظاهر ططر واختص به [إلى] «8» الغاية، وتردد الناس إلى بابه، ورشح إلى الوظائف السنية «9» ، فعاجلته المنية «10» ومات بعد مدة يسيرة. وتوفى الشيخ علاء الدين علىّ ابن قاضى القضاة تقي الدين عبد الرحمن الزبيرى الشافعى، فى ليلة الأحد ثالث المحرم وقد أناف على ستين سنة، بعد أن ناب فى الحكم ودرّس بعدة مدارس وبرع فى الحساب والفرائض. وتوفى الأمير سيف الدين آق خجا بن عبد الله «11» الأحمدى الظاهرى، وهو يلى

الكشف بالوجه القبلى فى العشرين من المحرم. وكان تركى الجنس، أصله من مماليك [الملك] «1» الظاهر برقوق وترقى حتى صار من جملة أمراء الطبلخاناه وحاجبا ثانيا «2» ، وتولى الكشف بالوجه [القبلى] «3» ومات «4» هناك. ولم يكن من المشكورين. وتوفى الشيخ المحدّث شمس الدين محمد بن أحمد بن معالى الحبتى الحنبلى الدمشقى فى يوم الخميس ثامن عشرين المحرم، وكان يقرأ البخارى عند السلطان، وهو أحد فقهاء الحنابلة (النجوم الزاهرة ج 15)

وأحد ندماء [الملك] المؤيد شيخ وأصحابه قديما، وولّاه مشيخة المدرسة الخرّوبية «1» بالجيزة. وتوفى مقرئ زمانه العلامة شمس الدين محمد بن على بن أحمد المعروف بالزراتينى الحنفى، إمام الخمس بالمدرسة الظاهرية برقوق، فى يوم الخميس سادس جمادى الآخرة وقد جاوز سبعين سنة؛ بعد أن كفّ بصره وانتهت إليه الرئاسة فى الإقراء بالديار المصرية ورحل إليه من الأقطار. وتوفى الأمير بدر الدين حسن بن السيفى سودون الفقيه الظاهرى صهر [الملك] «2» الظاهر ططر وخال ولده الملك الصالح المقدم ذكره، وهو أحد مقدمى الألوف بالديار المصرية، فى يوم الجمعة ثالث عشر صفر بقلعة الجبل فى حياة والده سودون الفقيه. وكان والده سودون الفقيه حمو [الملك] «3» الظاهر [ططر] «4» جنديا لم يتأمّر، وصار ولده حسن هذا أمير مائة ومقدم ألف؛ فلم تطل أيامه فى السعادة فإنه كان أولا بخدمة صهر [5] «5» [الملك الظاهر] «6» ططر؛ فلما تسلطن أنعم عليه بإمرة طبلخاناه دفعة واحدة؛ ثم نقله بعد مدة يسيرة إلى إمرة مائة وتقدمة ألف فعاجلته المنية ومات بعد مرض طويل. قلت- وهو مثل-: «إلى أن يسعد المعترّ «7» فرغ عمره» . وكان حسن المذكور شابا جميلا حسن الشكالة، إلا أنه كان بإحدى عينيه خلل. وتوفى الشيخ الإمام العالم برهان الدين إبراهيم بن أحمد «8» بن على البيجورىّ الشافعى فى يوم السبت رابع عشر [شهر] «9» رجب وقد أناف على السبعين سنة، ولم يخلف بعده أحفظ منه لفروع فقه مذهبه، مع قلة الاكتراث بالملبس والتقشف وعدم الالتفات إلى الرئاسة.

وتوفى مقدم العشير «1» بالبلاد الشامية، بدر الدين حسن بن أحمد المعروف بابن بشاره فى سابع ذى الحجة؛ وكان له رئاسة ضخمة بالنسبة لأبناء جنسه وثروة ومال كثير. أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم خمسة أذرع وسبعة أصابع، مبلغ الزيادة عشرون ذراعا ونصف.

ما وقع من الحوادث سنة 826

[ما وقع من الحوادث سنة 826] السنة الثانية من سلطنة الملك الأشرف برسباى [على مصر] «1» وهى سنة ست وعشرين وثمانمائة: [فيها] «2» توفى قاضى القضاة بالمدينة النبوية، ناصر الدين عبد الرحمن بن محمد بن صالح فى ليلة السبت رابع عشرين صفر، وكان من الفقهاء أعيان أهل المدينة. وتوفى تاج الدين فضل الله بن الرملى القبطى ناظر الدولة فى يوم حادى عشرين صفر، بعد ما باشر وظيفة نظر الدوله عدة سنين وسئل بالوزارة غير مرة فامتنع واستمر على وظيفته، ومات وقد أناف على الثمانين سنة. قال المقريزى: وكان من ظلمة الأقباط وفسّاقهم. وتوفى الأمير ناصر الدين بك محمد بن على بك بن قرمان متملّك بلاد قرمان «3» فى صفر، من حجر أصابه فى حربه مع عساكر خوندكار مراد بك بن عثمان متملك برصّا؛ وكان ابن قرمان هذا أسر فى أيام [الملك] «4» المؤيد شيخ حسبما ذكرناه فى ترجمة [الملك] «5» المؤيد، وحبس بقلعة الجبل، إلى أن أفرج عنه [الملك] «6» الظاهر ططر بعد موت [الملك] «7» المؤيد شيخ «8» حسبما ذكرناه فى ترجمة المؤيد «9» [43] ووجّهه إلى بلاده أميرا عليها؛ وأولاد قرمان هؤلاء هم [من] «10» ذرية السلطان علاء الدين كيقباد السلجوقى، المقدم ذكره فى هذا التاريخ فى محله- انتهى. وتوفى الأمير علاء الدين قطلوبغا بن عبد الله التّنمىّ أحد أمراء الألوف بالديار

المصرية ثم نائب صفد، بطّالا بدمشق فى ليلة السبت سادس عشر «1» [شهر] «2» ربيع الأول، وأصله من مماليك [الأمير] «3» تنم الحسنى نائب الشام، ورقّاه [الملك] «4» المؤيد، لكون الملك «5» المؤيد كان تزوج ببنت تنم فصار لذلك حواشى تنم كأحد أصحابه. وتوفى قاضى القضاة مجد الدين سالم المقدسى الحنبلى فى يوم الخميس تاسع عشرين «6» ذى القعدة وقد بلغ الثمانين وتكسّح وتعطّل عدة سنين، وكان معدودا من فقهاء الحنابلة وخيارهم. وتوفيت خوند زينب بنت [السلطان] «7» الملك الظاهر برقوق وزوجة [الملك] «8» المؤيد شيخ ثم من بعده الأتابك قجق العيساوى «9» ؛ وماتت تحته فى ليلة السبت ثامن عشرين [شهر] «10» ربيع الآخر، وهى آخر من بقى من أولاد [الملك] «11» الظاهر برقوق لصلبه؛ وأمها أم ولد رومية. وتوفى الأمير سيف الدين تنبك بن عبد الله العلائى الظاهرى المعروف بتنبك ميق نائب الشام بها فى يوم الاثنين ثامن شعبان، وتولى نيابة دمشق من بعد الأمير تنبك البجاسى نائب حلب الآتى ذكره، وكان تنبك ميق أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق وترقى بعد موته إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف فى دولة [الملك] «12» المؤيد شيخ، ثم صار رأس نوبة النوب، ثم أمير آخور كبيرا، ثم ولّاه نيابة دمشق بعد مسك آقباى المؤيدى ثم عزله بعد سنين وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، ولا زال على ذلك حتى خلع عليه [الملك] «13» الظاهر ططر

باستقراره فى نيابة دمشق ثانيا بعد جقمق الأرغون شاوى الدوادار، فأقام على نيابة دمشق إلى أن مات فى التاريخ المذكور، وكان من أكابر المماليك الظاهرية غير أنه لم يشهر بدين ولا شجاعة. وتوفى الحافظ قاضى القضاة ولى الدين أبو زرعة أحمد بن الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين [بن عبد الرحمن بن أبى بكر بن إبراهيم] «1» العراقى الشافعى مصروفا عن القضاء، فى يوم الخميس سابع عشرين شعبان، ومولده فى ثالث ذى الحجة سنة اثنتين وستين وسبعمائة، واعتنى به والده الحافظ زين الدين عبد الرحيم وأسمعه الكثير ونشأو برع فى علم الحديث، ثم غلب عليه الفقه فبرع فيه أيضا، وأفتى ودرّس سنين، وتولى نيابة الحكم بالقاهرة، ثم تنزه عن ذلك ولزم داره مدة طويلة، إلى أن طلبه السلطان وخلع عليه باستقراره قاضى قضاة الديار المصرية بعد وفاة شيخ الإسلام قاضى القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقينى فى شوال سنة أربع وعشرين وثمانمائة، فباشر القضاء بعفة وديانة وصيانة إلى أن صرف بقاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى فلزم داره إلى أن مات، ولم يخلف بعده مثله فى جمعه بين الفقه والحديث والدين والصلاح، وله مصنفات كثيرة ذكرناها «2» فى ترجمته فى تاريخنا «المنهل الصافى» إذ هو محل الإطناب فى التراجم «3» . وتوفى الرئيس علم الدين داؤد بن عبد الرحمن بن الكويز «4» الكركى الأصل الملكى كاتب السر الشريف بالديار المصرية، فى يوم الاثنين سلخ شوال ولم يبلغ

الخمسين سنة، ودفن خارج القاهرة، وكان اتصل بخدمة [الملك] «1» المؤيد بالبلاد الشامية وخدم فى ديوانه وعرف به، فلما تسلطن ولاه بعد مدة نظر الجيش بالديار المصرية سنين إلى أن نقل إلى كتابة السر فى أيام [الملك] «2» الظاهر ططر بعد عزل صهره القاضى كمال الدين البارزى بسعيه فى ذلك، فلم يشكر على فعلته، ونقل كمال الدين المذكور إلى وظيفة نظر الجيش عوضا عنه. وقد تقدم ذلك كله فى أصل ترجمة الملك الأشرف مفصلا فلينظر هناك؛ ودام علم الدين هذا فى وظيفة كتابة السرسنين إلى أن مات فى التاريخ المقدم ذكره. وكان عاقلا دينا رئيسا ضخما وجيها فى الدول، غير أنه كان عاريا من كل علم وفن، لا يعرف إلا قلم الدّيونة كما هى عادة الكتبة، وتولّى كتابة السر من بعده جمال الدين يوسف بن الصفى الكركى، فعظمت المصيبة بولاية جمال الدين [44] هذا لهذه الوظيفة الشريفة التى هى الآن أعظم رتب المتعممين، لكونه غاية فى الجهل وعديم المعرفة بهذا الشأن وغيره. أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ثمانية أذرع وعشرة أصابع؛ مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا وثلاثة وعشرون أصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 827

[ما وقع من الحوادث سنة 827] السنة الثالثة من سلطنة الملك الأشرف برسباى [على مصر] «1» وهى سنة سبع وعشرين وثمانمائة: [فيها] «2» خرج الأمير تنبك البجاسى عن الطاعة وهو على نيابة دمشق، وقاتله سودون من عبد الرحمن وظفر به وقطع رأسه وبعث به إلى الديار المصرية، وقد تقدم ذكر ذلك كله فى أصل ترجمة [الملك] «3» الأشرف، ويأتى ذكر تنبك البجاسى فى وفيات هذه السنة. وفيها قبض الملك الأشرف على الأتابك بيبغا المظفرى وحبسه بالإسكندرية، وقد تقدم أيضا. وفيها مات قتيلا الأمير تنبك بن عبد الله البجاسى نائب الشام، بعد خروجه عن الطاعة فى أول شهر ربيع الأول؛ وهو أحد من ترقى فى الدولة الناصرية [فرج] «4» ثم ولاه [الملك] «5» المؤيد شيخ نيابة حماه، فخرج عن طاعته مع الأمير قانى باى العلائى نائب الشام والأمير إينال الصصلانىّ نائب حلب وغيرهما من النواب، ودام معهما إلى أن انكسرا وقبض عليهما ففرّ تنبك هذا مع من فر من الأمراء إلى قرا يوسف ببلاد الشرق، فقام عنده هو والأمير سودون من عبد الرحمن والأمير طرباى إلى أن قدموا على الأمير ططر بالبلاد الشامية فى دولة [الملك] «6» المظفر أحمد، ثم لما تسلطن ططر ولاه نيابة حماه ثانيا، ثم نقله [الملك] «7» الأشرف إلى نيابة حلب بعد تغرى بردى أخى قصروه، وتولى بعده نيابة حماه [أغاته جار قطلو. والعجيب أن جارقطلو المذكور كان أغاة تنبك البجاسى، وولى بعده نيابة حماه] «8» مرتين:

الأولى فى الدولة المؤيدية والثانية فى دولة ططر، ثم نقل تنبك البجاسى إلى نيابة الشام بعد موت الأمير تنبك ميق فلم تطل مدته بها وخرج عن الطاعة؛ وتولى سودون من عبد الرحمن نيابة الشام عوضه وقاتله حسبما تقدم ذكره حتى ظفر به وقتله، وكان تنبك شابا جميلا شجاعا مقداما، وهو أستاذ [جميع] «1» البجاسيّة أمراء زماننا هذا بمصر والشأم. وتوفى الإمام العلامة شرف الدين يعقوب بن جلال الدين رسولا بن أحمد ابن يوسف التّبانى «2» الحنفى شيخ شيوخ خانقاه شيخون، فى يوم الأربعاء سادس عشر صفر؛ وكان فقيها بارعا فى العربية والأصول وعلمى المعانى والبيان والعقليات، واختص [بالملك] «3» المؤيد شيخ اختصاصا كبيرا، وتولى نظر الكسوة ووكالة بيت المال ومشيخة خانقاه شيخون، وأفتى ودرّس واشتغل وصنّف عدة سنين، وكان معدودا من علماء الحنفية. وتوفى الوزير تاج الدين عبد الرزاق بن شمس الدين بن عبد الله المعروف بابن كاتب المناخ فى يوم الجمعة حادى عشرين جمادى الأولى وهو غير وزير، وابنه الصاحب كريم الدين [عبد الكريم] «4» قد ولى الوزر فى حياته؛ وكان جد أبيه باشر دين النصرانية ثم حسن إسلام آبائه، وكان مشكور السيرة فى ولايته للوزارة لكنه استجد فى أيام ولايته مكس الفاكهة «5» ، ثم عزل بعد مدة يسيرة وصار ذلك

فى صحيفته إلى يوم القيامة؛ قلت: هذا هو الشقى الذي ظلم «1» الناس لغيره. وتوفى الأمير سيف الدين سودون بن عبد الله الظاهرى المعروف بالأشقر، وهو أحد أمراء دمشق، بها فى جمادى الأولى. وكان ولى شاد الشراب خاناة فى الدولة الناصرية، ثم صار فى الدولة المؤيدية رأس نوبة النوب ثم أمير مجلس ثم نكب وانحط قدره وحبس سنين، إلى أن أخرجه الأمير ططر وأنعم عليه بإمرة عشرين بالقاهرة، فدام على ذلك إلى أن أخرجه [الملك] «2» الأشرف [برسباى] «3» إلى الشأم على إمرة مائة وتقدمة ألف، فدام بدمشق إلى أن مات؛ وكان غير مشكور السيرة فى دينه ودنياه. وتوفى الملك العادل فخر الدين أبو المفاخر سليمان ابن الملك الكامل شهاب الدين غازى ابن الملك العادل مجير الدين محمد ابن الملك الكامل سيف الدين أبى بكر ابن شادى، وقيل: ابن محمد بن تقي الدين عبد الله ابن الملك المعظم غياث الدين توران شاه ابن السلطان الملك الصالح نجم الدين [45] أيوب ابن السلطان الملك الكامل محمد ابن السلطان الملك العادل أبى بكر بن أيوب بن شادى بن مروان الأيوبى صاحب حصن كيفا من ديار بكر، وملك بعده الحصن ابنه الملك الأشرف؛ وكان العادل

أديبا شاعرا عاقلا، وله نظم جيد ذكرناه فى ترجمته فى «المنهل الصافى» «1» . وتوفى خطيب مكة جمال الدين أبو الفضل ابن قاضى مكة محب الدين أحمد ابن قاضى مكة أبى الفضل محمد النويرى الشافعى المكى فى شهر ربيع الآخر بمكة، وهو والد صاحبنا الخطيب أبى «2» الفضل محمد «3» النويرى، وهم من أعيان فقهاء مكة أبا «4» عن جد. وتوفيت «5» خوند الكبرى فاطمة زوجة السلطان الملك الأشرف وأمّ ابنه المقام الناصرى محمد فى خامس عشر جمادى الآخرة، وكانت قبل الأشرف تحت الأمير دقماق المحمدى، الذي ينتسب إليه الأشرف بالدّقماقى، وكان والدها من أعيان تجار القرم، وكانت من الخيّرات، ودفنت بقبة المدرسة الأشرفية بخط العنبريين، وكان لها مقام كبير عند زوجها الملك الأشرف. وتوفى الملك الناصر أحمد ابن الملك الأشرف إسماعيل ابن الملك الأفضل عباس

ابن الملك المجاهد علىّ ابن «1» الملك المؤيد داود «2» بن الملك المظفر يحيى ابن الملك المنصور عمر ابن رسول، التركمانى الأصل اليمنى المولد والمنشأ والوفاة، صاحب بلاد اليمن ومدن ممالكه: زبيد وتعزّ وعدن والمهجم وحرض وجبلة والمنصورة والمحالب والجوّة والدّملوّة وقوارير والشحر وغيرهم (كذا) . وكان موته فى سادس عشر جمادى الآخرة بصاعقة سقطت عليهم بحصن قوارير خارج مدينة زبيد، فارتاع الملك الناصر هذا من ذلك ولزم الفراش أياما إلى أن مات، وأقيم بعده فى ممالك اليمن الملك المنصور عبد الله؛ وكان الناصر هذا من شرار ملوك اليمن. وتوفى قاضى القضاة وشيخ الشيوخ بالجامع المؤيدى شمس الدين محمد بن عبد الله ابن سعد العبسى الديرى الحنفى المقدسى بالقدس، وقد توجه إليه زائرا فى يوم عرفة؛ ومولده فى سنة أربع وأربعين وسبعمائة بالقدس، وهو والد شيخ الإسلام سعد الدين سعد الديرى، وكان إماما فى الفقه وفروعه، بارعا فى العربية والتفسير والأصول والحديث، وأفتى ودرّس سنين بالقدس؛ ثم طلبه [الملك] «3» المؤيد فى سنة تسع عشرة وثمانمائة، وولاه قاضى قضاة الحنفية بعد موت قاضى القضاة ناصر الدين محمد ابن العديم مسئولا فى ذلك، فباشر القضاء بعفة وديانة وصيانة عدة «4» سنين، إلى أن تركه رغبة، وولى مشيخة الجامع المؤيدى داخل باب زويلة إلى أن مات فى التاريخ المقدم ذكره. وتوفى الشيخ الصالح الزاهد المسلك أبو بكر بن عمر بن محمد الطرينى الفقيه المالكى، فى يوم عيد النحر «5» بالغربية بمدينة المحلة [من الوجه البحرى من أعمال

القاهرة،] «1» ولم يخلّف بعده مثله فى كثرة العبادة والتقشف وترك الدنيا ولذتها حتى لعلّه مات من قلة «2» الغذاء؛ وكان يقصد للزيارة من البلاد البعيدة، وله كرامات ومصالح، «3» يعرفه كل أحد. أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع وعشرون أصبعا؛ مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وأربعة عشر أصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 828

[ما وقع من الحوادث سنة 828] السنة الرابعة من سلطنة الملك الأشرف برسباى [على مصر] «1» وهى سنة ثمان وعشرين وثمانمائة: [فيها] «2» كانت أول غزوات الملك الأشرف التى «3» سيّرها فى البحر حسبما تقدم ذكره. وفيها قتل الأمير تغرى بردى [بن عبد الله] «4» المؤيدى المعروف بأخى قصروه نائب حلب- كان- بقلعة حلب، بعد أن حبس بها مدة فى شهر ربيع الأول؛ وأصله من مماليك [الملك] «5» المؤيد شيخ وأحد خاصكيته، ثم أمّره المؤيد عشرة، ولما مات [الملك] «6» المؤيد أنعم عليه الأمير ططر فى دفعة واحدة بإمرة مائة وتقدمة ألف وجعله أمير آخور كبيرا عوضا عن طوغان الأمير آخور، ثم ولاه نيابة حلب فعصى فى أواخر دولة ططر وخرج عن الطاعة، فولى تنبك البجاسى عوضه فى نيابة حلب؛ ومات ططر فتوجه تنبك إليه وقاتله وهزمه [46] وملك حلب، ثم حاصره بقلعة بهسنا حتى أخذه بالأمان وحمله إلى قلعة حلب فحبس بها إلى يوم تاريخه؛ وكان شابا طائشا خفيفا غير مشكور السيرة، [و] «7» اقتحم الرئاسة فنالها فلم يمهله الدهر وأخذ قبل أن تتم سنته. وتوفى قاضى القضاة علاء الدين أبو الحسن علىّ ابن التاجر بدر الدين أبى الثّناء محمود بن أبى الجود أبى بكر الحموى الحنبلى المعروف بابن مغلى، قاضى قضاة الديار المصرية، فى يوم الخميس العشرين من المحرم وقد قارب السبعين سنة، وأصله من سلمية، وكان آباؤه يعانون المتجر، وولد هو بحماه وطلب العلم وقدم القاهرة شابا فى زى التجار فى سنة إحدى وتسعين، ثم عاد إلى حماه وأكب على طلب العلم،

حتى برع واشتهر بكثرة الحفظ حتى أنه كان يحفظ فى كل مذهب من المذاهب الأربعة كتابا فى الفقه، ويحفظ فى مذهبه كثيرا إلى الغاية، مع مشاركة جيدة فى الحديث والنحو والأصول والتفسير؛ وتولى قضاء حماه فى عنفوان شبيبته ودام بها «1» إلى أن طلبه [الملك] «2» المؤيد وولاه قضاء الديار المصرية، ونزل» بالقاهرة فى جوارنا بالسبع قاعات «4» وسكن بها إلى أن مات. حدثنى صاحبنا قاضى القضاة جلال الدين أبو السعادات محمد بن ظهيرة قاضى مكة بها، قال: قدمت القاهرة فدخلت إلى ابن مغلى هذا فإذا بالقاضى ولى الدين السّفطى عنده؛ فسلمت وجلست، فأخذ السّفطى يثنى على ابن مغلى ويعرفنى بمقامه فى كثرة العلوم، وكان «5» مما قاله: مولانا قاضى القضاة يحيط علمه بالمذاهب الأربعة؛ فقال ابن مغلى: يا قاضى ولى الدين، أسأت فى التعريف! لم لا قلت بجميع مذاهب السلف؟ قال: فمن يومئذ لم أجتمع به. قلت: كان عنده زهو وإعجاب بنفسه، لغزير فضله وكثرة ماله. وقد وقع له مع العلامة نظام الدين يحيى السيرامى الحنفى بحث «6» بحضرة السلطان الملك المؤيد، فقال له القاضى علاء الدين المذكور «7» : يا شيخ نظام الدين، أسمع مذهبك. وسرد المسألة من حفظه- وهذه كانت عادته، وبذلك كان يقطع العلماء فى الأبحاث- فجاراه الشيخ نظام الدين فى المسألة ولا زال ينقله من شىء إلى شىء حتى دخل به إلى علم المعقول، فارتبك ابن مغلى، واستظهر الشيخ نظام الدين وصاح عليه فى الملأ: مولانا قاضى القضاة

حفظه «1» طاح، هذا مقام التحقيق. فلم يردّ عليه- انتهى. والذي اشتهر به ابن مغلى كثرة المحفوظ «2» . حكى بعض طلبة العلم، قال: استعار منى ابن مغلى أوراقا نحو عشرة كراريس، فلما أخذها منى احتجت إلى مراجعة شىء منها فى اليوم المذكور، فرجعت إليه وقلت له: أريد أنظر فى الكراريس نظرة ثم خذها ثانيا، فقال: ما بقى لى بها حاجة، قد حفظتها؛ ثم ألقاها إلىّ وسردها من حفظه، فأخذتها وعدت وأنا متعجب من قوة حافظته. وتوفى الأديب الشاعر زين الدين شعبان بن محمد بن داؤد الآثارى فى سابع جمادى الآخرة، وكان ولى حسبة مصر القديمة فى الدولة الظاهرية برقوق بمال عجز عن أدائه، ففرّ إلى اليمن واتصل بملوكها لفضيلة كانت فيه من كتابة المنسوب ونظم الشعر ومعرفة الأدب فأقام باليمن مدة ثم عاد إلى مكة وحج وقدم القاهرة، ثم رحل إلى الشام ثم عاد إلى مصر فمات بعد قدومه إليها بأيام قليلة. وكان له نظم جيد، من ذلك ما قاله فى مدح قاضى القضاة جلال الدين البلقينى لما عزل عن القضاء بالقاضى شمس الدين الهروىّ، واتفق مع ذلك زينة القاهرة لدوران المحمل، فتغالى فى الزينة شخص يسمى الترجمان، وعلق على باب بيته حمارا بسرّ ياقات على رؤوس الناس، بأحسن هيئة؛ وتردد الناس إلى الفرجة على الحمار المذكور أفواجا، فقال شعبان هذه الأبيات: [الوافر] أقام الترجمان لسان حال ... عن الدنيا يقول لها «3» جهارا: زمان فيه قد وضعوا جلالا ... عن العليا وقد رفعوا حمارا وتوفى الشيخ الإمام الأديب الشاعر العلامة بدر الدين محمد [أبى بكر] «4» بن عمر بن أبى بكر [بن محمد بن سليمان بن جعفر] «5» الدّمامينى المالكى الإسكندرى [47] شاعر

عصره بمدينة كربركا «1» من بلاد الهند، فى شعبان عن «2» نحو سبعين سنة، وكان مولده ومنشأه بثغر الإسكندرية، وبرع فى الأدبيات وقال الشعر الفائق الرائق، وعانى دولبة عمل القماش الحرير بإسكندرية، فتحمل الديون بسبب ذلك، حتى ألجأته الضرورة إلى الفرار «3» ، فذهب إلى الهند، فأقبل عليه ملوكها وحسن حاله بها، وأثرى وكثر ماله، فلم تطل أيامه، حتى مات. ومن شعره: [السريع] لا ما عذاريك هما أوقعا ... قلب المحبّ الصّب فى الحين فجد له بالوصل واسمح به ... ففيك قد هام بلامين وله، سامحه الله «4» : [البسيط] قلت له والدّجى مولّ ... ونحن بالأنس فى التّلاقى قد عطس الصبح يا حبيبى ... فلا تشمّته بالفراق «5» وله أيضا «6» ، غفر الله له «7» : [الرجز] بدا وقد كان اختفى ... [الرّقيب] «8» من سراقبه فقلت: هذا قاتلى ... بعينه وحاجبه [وله] : [الرمل] (النجوم الزاهرة ج 15)

قم [بنا] «1» تركب طرف ... اللهو سبقا للمدام واثن يا صاح عنانى ... لكميت ولجام «2» وتوفى الأمير سيف الدين أبو بكر حاجب حجّاب طرابلس [بها] «3» ، وكان يعرف بدوادار الأمير جكم نائب طرابلس، أظنه تركمانيا، فإنى رأيت كلامه يشبه ذلك، ولا عرفت أصله. وتوفى الأمير سيف الدين طوغان بن عبد الله الأمير آخور، قتيلا بقلعة المرقب فى ذى الحجة، وكان أصله تركمانيّا مكّاريّا لبغال الأمير طولو الظاهرى نائب صفد، ثم تنقل فى الخدم حتى اتصل بالملك المؤيد شيخ أيام إمرته، وترقى عنده ليقظة كانت فيه، حتى صار أمير آخوره، فلما تسلطن أمّره وولّاه حجوبية دمشق، ثم نيابة صفد، ثم جعله أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، وأمير آخور كبيرا بعد الأمير تنبك ميق لما نقل إلى نيابة دمشق بعد مسك آقباى. ولما ولى الأمير آخورية نالته السعادة وعظم فى الدولة، إلى أن عيّنه المؤيد للسفر صحبة الأتابك ألطنبغا القرمشى إلى البلاد الشامية من جملة من عيّنه من الأمراء. ومات [الملك] «4» المؤيد، فوقع «5» ما حكيناه من اضطراب المملكة الشامية وعصيان جقمق، فانضم «6» طوغان هذا مع جقمق، ولا زال من حزبه إلى أن انكسر وتوجه معه إلى قلعة صرخد. ولما قبض على جقمق، قبض على طوغان هذا معه ونفى إلى القدس، ثم أمسك ثم أطلق، ورسم له أن يكون بطّالا بطرابلس فدام بها

مدة، فبلغ السلطان عنه ما أوجب القبض عليه وحبسه بالمرقب، ثم قتله فى التاريخ المقدم ذكره؛ وكان لا فارس الخيل ولا وجه العرب. وتوفى الأمير ناصر الدين محمد بن أحمد بن عمر بن يوسف بن عبد الله ابن عبد الرحمن «1» بن إبراهيم بن محمد بن أبى بكر التّنوخى الحموى الشهير بابن العطار، فى ثالث عشر شوال بالخليل عليه السلام، وهو متولّ «2» نظره، ومولده فى سنة أربع وسبعين وسبعمائة بحماه، وبها نشأ، وتولى حجوبيتها، ثم نقل إلى دمشق، وولى دوادارية الأمير قانى باى نائب الشام [بأمره] «3» إلى أن نوّه القاضى ناصر الدين ابن البارزى بذكره، واستقدمه إلى القاهرة لمصاهرة كانت بينهما، فولاه [الملك] «4» المؤيد نيابة الإسكندرية، إلى أن عزله الأمير ططر فى الدولة المظفّريّة، وتعطل فى داره سنين حتى ولاه [الملك] «5» الأشرف نظر القدس والخليل؛ فدام به إلى أن مات؛ وكان فاضلا عاقلا سيوسا حلو المحاضرة، يذاكر بالتاريخ والشعر، وهو والد صاحبنا الشهابى أحمد بن العطار «6» رحمه الله.

وتوفى الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد البيرى الشافعى، شيخ خانقاه سعيد السعداء «1» ، فى يوم الجمعة رابع عشرين ذى الحجة [على] «2» نحو الثمانين سنة، وهو أخو جمال الدين يوسف البيرى الأستادّار المقدم ذكره فى [48] الدولة الناصرية فرج. أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم خمسة أذرع وعشرة أصابع؛ مبلغ الزيادة عشرون ذراعا سواء.

ما وقع من الحوادث سنة 829

[ما وقع من الحوادث سنة 829] السنة الخامسة من سلطنة [الملك] «1» الأشرف برسباى [على مصر] «2» وهى سنة تسع وعشرين وثمانمائة. فيها كان فتح قبرس وأخذ ملكها أسيرا حسبما تقدم ذكره فى أصل ترجمة الأشرف هذا مفصلا. [وفيها] «3» توفى شيخ الإسلام وأحد الأئمة الأعلام، سراج الدين عمر [ابن علىّ] «4» بن فارس شيخ شيوخ خانقاه شيخون، المعروف بقارئ الهداية «5» فى شهر ربيع الآخر، بعد أن انتهت إليه رئاسة مذهب أبى حنيفة فى زمانه، هذا مع من كان فى عصره من العلماء، كان بارعا مفنّنا فى الفقه وأصوله وفروعه، إماما فى العربية والنحو، وله مشاركة كبيرة فى فنون كثيرة؛ وهو أول من أقرأنى القرآن بعد موت الوالد. ومات وقد صار المعول على فتواه بالديار المصرية، بعد أن تصدى للافتاء والإقراء عدة سنين وانتفع به غالب الطلبة. وكان مقتصرا فى ملبسه ومركبه، يتعاطى حوائجه من الأسواق بنفسه، مع جميل السيرة وعظم المهابة فى النفوس، يهابه حتى السلطان، مع عدم التفاته لأهل الدولة بالكلية، حتى لعلّى لم أنظره دخل لأحد منهم فى عمره، وهو مع ذلك لا يزداد إلا عظمة ومهابة.

ولما ولّاه [الملك] «1» الأشرف مشيخة «2» الشيخونية مسئولا فى ذلك، أراد الشيخ سراج الدين المذكور أن يحضر إلى الخانقاه المذكورة ماشيا، وكان سكنه «3» بالمدرسة الظاهرية ببين القصرين، وامتنع من ركوب الخيل، فأرسل إليه [الملك] «4» الأشرف فرسا وألزمه بركوبها، فلما ركبها أخذ بيده عصاة يسوقها بها، حتى وصل إلى الخانقاه المذكورة فنزل عنها كما ينزل عن الحمار «5» برجليه من ناحية واحدة، هذا كله وعليه من الوقار والأبهة ما لم تنلها أصحاب الشكائم ولا كبار العمائم؛ وهو أحد من أدركنا من الأفراد الذين مشوا على طريق فقهاء السلف رحمه الله [تعالى] . وتولى «6» بعده [فى] «7» مشيخة الشيخونية قاضى القضاة زين الدين عبد الرحمن التّفهنى «8» الحنفى بعد عزله عن القضاء بقاضى القضاة بدر الدين محمود العينى. وتوفى الشيخ المعتقد خليفة المغربى نزيل جامع الأزهر فى حادى عشرين المحرم، فجاءة فى الحمام، [بعد ما كان انقطع بالجامع المذكور مكبّا على العبادة نيفا وأربعين سنة، وكان للناس فيه اعتقاد كبير] «9» ويقصد للزيارة والتبرك به. ولما مات خلف مالا له صورة، وكانت جنازته مشهورة. وتوفى الأمير سيف الدين إينال بن عبد الله النّوروزى أمير سلاح فى أول شهر

ربيع الآخر بالقاهرة، وأصله من مماليك الأمير نوروز الحافظى ودواداره، ثم ولى بعده نيابة غزة ثم حماه ثم طرابلس، إلى أن نقله [الملك] «1» الأشرف إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، وخلع عليه باستقراره أمير مجلس، ثم أمير سلاح، فاستمر على ذلك إلى أن مات وفى نفسه أمور، فأخذه الله قبل ذلك. وكان متجملا فى ملبسه ومماليكه ومركبه وسماطه إلى الغاية، وفيه مكارم وحب للعظمة مع ظلم وخلق سيئ وقلة دين وبطش بحواشيه ومماليكه وغلمانه وإظهار جبروت. وهو صهرى، زوج أختى خوند فاطمة ومات عنها، ولكن الحق يقال على أى وجه كان؛ وفرح الناس بموته كثيرا وأولهم السلطان [الملك الأشرف] «2» برسباى. وتوفى السيد الشريف حسن بن عجلان بن رميثة، واسم رميثة منجّد ابن أبى نمىّ محمد بن أبى سعد حسن بن أبى غرير قتادة بن إدريس بن مطاعن ابن عبد الكريم بن عيسى بن حسين بن سليمان بن على بن عبد الله بن محمد ابن موسى بن عبد الله بن الحسن المثنّى بن أبى محمد الحسن السبط ابن أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه، فى يوم الخميس سادس عشر جمادى الآخرة بالقاهرة، ودفن بالصحراء بحوش [الملك] «3» الأشرف برسباى وقد أناف على الستين سنة. ومولده بمكة، وولى إمارتها فى دولة [الملك] «4» الظاهر برقوق فى سنة ثمان وتسعين وسبعمائة، ثم ولى سلطنة الحجاز كله: مكة والمدينة والينبوع من قبل الملك الناصر [49] فرج فى شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة وثمانمائة، واستناب عنه بالمدينة الشريفة وخطب له على منبرها. وطالت أيامه فى السعادة، على أنه وقع له أمور وحوادث ومحن، وحمله ذلك على فعل أشياء ليست بمشكورة، من مصادرة التجار، وأخذ الأموال؛ وقد ذكرنا أمر خروجه من مكة وقدومه مع الأمير

تغرى بردى المحمودى إلى القاهرة، فى أصل هذه الترجمة واستقراره فى إمرة «1» مكة على عادته، إلى أن مات بها قبل أن يتوجّه إلى مكة. واستقر «2» بعده فى إمرة مكة ابنه الشريف بركات الآتى ذكره فى محله. وتوفى العلامة قاضى القضاة شمس الدين محمد بن عطاء الله بن محمد بن محمود بن أحمد ابن فضل الله بن محمد الرّازى الهروى الشافعى بالقدس فى ثامن عشر ذى الحجة، ومولده بهراة سنة سبع وستين وسبعمائة، وكان إماما بارعا فى فنون من العلوم، وكان يقرئ على مذهب أبى حنيفة ومذهب الشافعى، والعربية وعلمى «3» المعانى والبيان، ويذاكر بالأدب والتاريخ، ويستحضر كثيرا من الأحاديث حفظا. وصحب تيمور لنك مدة طويلة ثم قدم القاهرة، وصحب الوالد، وولى قضاء الشافعية بالديار المصرية مرتين فلم ينتج أمره فيهما لبغض أولاد العرب له، كما هى عادة المباينة بين أولاد العرب والأعاجم، وتعصبوا عليه وأبادوه وجحدوا علومه. وولى كتابة السر [أيضا] «4» بالديار المصرية أشهرا «5» ، ثم عزل ونكب ووقع له أمور فى ولايته للقضاء فى المرة الثانية، إلى أن تولى نظر القدس والخليل، إلى أن مات هناك. وكان شيخا ضخما طوالا أبيض اللحية مليح الشكل، غير أنه كان فى لسانه مسكة تمنعه عن الطلاقة، وله مصنفات تدل على غزير علمه واتساع نظره وتبحره فى العلوم «6» . وتوفى قاضى القضاة جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن خالد بن نعيم بن مقدم بن محمد ابن حسن «7» بن غانم بن محمد بن على الطائى البساطى المالكى وهو غير قاض، فى يوم الاثنين العشرين من جمادى الآخرة، عن ثمان وثمانين سنة؛ وكان فقيها مشاركا

فى فنون، وعنده معرفة بالأحكام وسياسة ودربة بالأمور؛ وقد تولى قضاء الديار المصرية سنين كثيرة، وولى حسبة القاهرة أشهرا، ثم صرف ولزم داره إلى أن مات. وتوفى الأمير الكبير سيف الدين قجق بن عبد الله العيساوى الظاهرى أتابك العساكر بالديار المصرية، فى تاسع شهر رمضان، وهو أحد المماليك الظاهرية وممن أنشأه [الملك] «1» الناصر فرج، وصار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، ثم ولى حجوبية الحجاب فى الدوله المؤيدية [شيخ] «2» ، ثم أمسك وحبس إلى أن أطلقه الأمير ططر وولاه أمير مجلس ثم صار أمير سلاح فى أوائل دولة الملك الصالح، ثم صار أتابك العساكر بالديار المصرية بعد مسك الأتابك بيبغا [بن عبد الله] «3» المظفرى، إلى أن مات فى التاريخ المذكور. وكان قجق أميرا عاقلا عارفا بفنون الفروسية رأسا فى ركوب الخيل ولعب الكرة، مع بخل وشح زائد وحسن شكالة، وكان تركى الجنس رحمه الله تعالى. وتوفى تاج الدين محمد بن أحمد المعروف بابن المكلّلة وبابن جماعة، فى ثامن شهر ربيع الآخر، وكان ولى حسبة القاهرة بالمال فلم تطل مدته وعزل عنها. وتوفى القاضى شمس الدين محمد بن عبد الله أحد أعبان موقّعى الدست «4» بالديار

المصرية المعروف بابن كاتب السّمسرة وبابن العمرى، فى يوم الأربعاء العشرين من شعبان، وكان له وجاهة فى الدولة، معدودا من أعيان الديار المصرية رحمه الله [تعالى] «1» : أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم أربعة أذرع وخمسة أصابع؛ مبلغ الزيادة عشرون ذراعا سواء كالسنة الخالية.

ما وقع من الحوادث سنة 830

[ما وقع من الحوادث سنة 830] السنة السادسة من سلطنة الملك الأشرف برسباى «1» على [مصر] «2» وهى سنة ثلاثين وثمانمائة. [فيها] «3» توفى الشيخ الإمام المعتقد زاهد وقته وفريد عصره، أحمد بن إبراهيم ابن محمد اليمنى الأصل الرومى البرصاوي «4» المولد والمنشأ، المصرى الدار والوفاة، المعروف بابن عرب الحنفى، فى ليلة الأربعاء ثانى شهر ربيع الأول بخلوته بخانقاه شيخون، فغسّل بها وحمل إلى مصلاة المؤمنى على رؤوس الأصابع، [50] ونزل السلطان [الملك] «5» الأشرف وحضر الصلاة عليه، وأمّ بالناس قاضى القضاة بدر الدين محمود العينى الحنفى، ثم حمل وأعيد إلى الشيخونية فدفن بها؛ وكان له مشهد عظيم إلى الغاية، وأبيع بعده ما كان عليه من الثياب بأثمان غالية للتبرك بها. قلت: وابن عرب هذا أعظم من أدركناه من العبّاد الزهاد فى الدنيا وعدم الاجتماع بالملوك ومن دونهم، والاقتصار فى المأكل والملبس؛ وكان أولا ينسخ للناس بالأجرة، وهو مكب على طلب العلم والعبادة سنين طويلة، إلى أن استقر من جملة صوفية خانقاه شيخون «6» ، بمبلغ ثلاثين درهما [فى] «7» الشهر «8» ، فتعفّف بذلك عن النسخ، وانقطع عن مجالسة الناس، وسكن بخلوة فى الخانقاه المذكورة وأعرض عن كل أحد، وأخذ فى الاجتهاد فى العبادة، واقتصر على ملبس خشن حقير إلى الغاية، وصار يقنع بيسير القوت ولا ينزل من خلوته إلا ليلا لشراء قوته،

ثم يعود إلى منزله فى كل ثلاثة أيام مرة واحدة بعد عشاء الآخرة. وكان من شأنه إذا حاباه أحد من السّوقة فيما يشتريه من قوته، تركه وما حاباه به. فلما عرف منه ذلك ترك الباعة محاباته ووقفوا عندما يشير إليهم به. وكان فى كل شهر خادم الخانقاه يحمل إليه الثلاثين درهما «1» فلا يأخذها إلا عددا، لأن المعاملة بالفلوس وزنا «2» حدثت بعد انقطاعه عن الناس، وكان لا يعرف إلا المعاددة «3» ، وكان لا يقبل من أحد شيئا البتة. وكان يغتسل بالماء البارد صيفا وشتاء فى بكرة نهار الجمعة، ويمضى إلى صلاة الجمعة من أول نهار الجمعة، ويأخذ فى الصلاة والقراءة. وكان يطيل قيامه فى الصلاة بمقدار أن يقرأ فى كل ركعة حزبين من غير أن يسمع له قراءة ولا تسبيح، وكان لا يرى نهارا إلا عند ذهابه يوم الجمعة إلى الجامع، وكان يعجز السلطان ومن دونه فى الاجتماع به؛ ويحكى عنه كرامات كثيرة، ذكرنا بعضها فى ترجمته فى المنهل الصافى، رحمه الله تعالى ونفعنا ببركته «4» .

وتوفى الأمير سيف الدين قشتم بن عبد الله المؤيدى الدوادار، الذي كان ولى نيابة الإسكندرية فى دولة [الملك] «1» المظفر أحمد، ثم قبض عليه وأخرج بعد مدة إلى حلب على إمرة بها، واستمر بحلب إلى أن خرج مع نائبها الأمير قصروه لقتال التركمان، فقتل فى المعركة فى المحرم. وكان غير مشكور السيرة، وهو أخو إينال المؤيدى المعروف بأخى قشتم؛ وكلاهما ليس بشىء، من المهملين. وتوفى الشيخ المحدّث الفاضل شهاب الدين أحمد بن موسى بن نصير المتبولى المالكى «2» فى يوم الأربعاء ثامن شهر «3» ربيع الأول، عن خمس وثمانين سنة. وقد حدّث عن عمر ابن [الحسن بن مزيد المعمر المسند الرحلة زين الدين أبى حفص المراغى الحلبى الشهير بابن] «4» أميله، وست العرب «5» ، وجماعة؛ وناب فى الحكم سنين [رحمه الله تعالى] «6» وتوفى الشيخ شهاب الدين أحمد بن يوسف بن محمد بن الزعيفرينى «7» الدمشقى الشاعر فى شهر ربيع الأول، وكان ينظم الشعر، ويكتب المنسوب، ويتكلم فى معرفة علم الحرف «8» ، ويتكلم أيضا فى المغيبات، ومال إليه بسبب ذلك جماعة من الأكابر،

وأثرى «1» ، وامتحن فى سنة اثنتى عشرة وثمانمائة، وقطع الملك الناصر لسانه وعقدتين من أصابعه، ورفق به المشاعلى عند قطع لسانه فلم يمنعه ذلك من الكلام. وكان سبب هذه المحنة أنه نظم لجمال الدين الأستادار ملحمة «2» أو همه أنها ملحمة «3» قديمة، وأنه يملك مصر؛ وبلغ ذلك الملك الناصر [فرج] «4» فأمر به ما ذكرناه. ولما قطعت أصابعه، صار يكتب بعد موت [الملك] «5» الناصر بشماله، فكتب مرة إلى قاضى القضاة صدر الدين على [بن محمد] «6» بن الآدمى [الدمشقى] «7» الحنفى يقول: [الطويل] لقد «8» عشت دهرا فى الكتابة مفردا ... أصوّر منها أحرفا تشبه الدّرّا وقد عاد خطى اليوم أضعف ما ترى «9» ... وهذا الذي يسّر الله لليسرى فأجابه قاضى القضاة صدر الدين المذكور: [الطويل] لئن فقدت يمناك حسن كتابة ... فلا تحتمل همّا ولا تعتقد عسرا

[51] وأبشر ببشر دائم ومسرّة ... فقد يسّر الله العظيم لك اليسرى «1» وتوفى الأمير الطواشى الرومى شبل الدولة كافور الصّرغتمشى زمام دار السلطان وقد قارب الثمانين سنة من العمر، فى يوم الأحد خامس عشرين شهر «2» ربيع الآخر، وأصله من خدام الأمير صرغتمش الأشرفى، ثم أخذه الأتابك منكلى بغا الشمسى وأعتقه. وترقى إلى أن ولاه الملك الناصر فرج زمام داره، فدام على ذلك إلى أن عزل بعد موت الملك المؤيد بمرجان الخازندار الهندى، ثم أعيد إليها بعد مدة. وهو صاحب «3» التربة العظيمة بالصحراء، وبها خطبة وعمارة «4» هائلة، وله مدرسة أخرى أنشأها بخط حارة الديلم من القاهرة. وتولى بعده الزمامية الأمير الطواشى خشقدم الظاهرى الخازندار. وتوفى الشيخ الأديب البارع المفنن بدر الدين محمد بن إبراهيم بن محمد المعروف بالبشتكى الظاهرى المذهب، فى يوم الاثنين ثالث عشرين جمادى الآخر، فجاءة «5» فى حوض الحمام. وكان من تلامذة الشيخ جمال الدين بن نباتة فى الأدب، وكان أحد الأفراد فى كثرة النسخ: كان ينسخ فى اليوم خمس كراريس، فإذا تعب اضطجع على جنبه وكتب كما يكتب وهو جالس، فكتب مالا يدخل تحت حصر، وكثيرا ما يوجد ديوان شعر ابن نباتة بخطّه «6» ؛ [ومن شعره] : «7» [الوافر]

وكنت إذا الحوادث دنسّتنى ... فرغت إلى المدامة والنّديم «1» لأغسل بالكؤوس الهمّ عنى ... لأن الراح «2» صابون الهموم «3» وكان بينه وبين ابن خطيب داريّا «4» أهاجىّ ومكاتبات، ثم بينه وبين شرف الدين عيسى العالية المعروف بعويس «5» ؛ [وفيه يقول عويس المذكور] «6» : [المتقارب] [أ] «7» يا معشر الصّحب منّى اسمعوا ... مقالى وكسّ أخت من ينتكى ألا فالعنوا آكلين الحشيش ... وبولوا على شارب البشتكى قلت: والبشتكى ضرب من المسكرات مثل التّمر بغاوى والشّشش. [وله أيضا فيه] «8» : صحبت جندى لوغيّه ... فى السكر وأنواع الشروب «9» كيف ما أجى ألقاه سكران ... والبشتكى تحتو مكبوب وتوفى قاضى القضاة نجم الدين عمر بن حجّى بن موسى بن أحمد بن سعد الحسبانّى السّعدى الدمشقى الشافعى، قاضى قضاة دمشق وكاتب السر بالديار المصرية، مذبوحا على فراشه ببستانه بالنّيرب «10» خارج دمشق، فى ليلة الأحد مستهل ذى القعدة، عن ثلاث

وستين سنة، ونسب قتله للزينى عبد الباسط، وللشريف شهاب الدين أحمد كاتب سر دمشق ثم مصر؛ وكان القاضى نجم الدين فقيها بارعا فاضلا كريما حشما وقورا، له مكارم وأفضال وسؤدد «1» ، وهو أحد أعيان أهل دمشق وفقهائهم [رحمه الله تعالى] «2» . وقد تقدم ذكر محنته «3» عندما ولى كتابة سر مصر فى ترجمة [الملك] «4» الأشرف [هذا] «5» ، فلينظر هناك. وتوفى الملك المنصور عبد الله ابن الملك الناصر أحمد ابن الملك الأشرف إسماعيل، صاحب اليمن فى جمادى الأولى بها، وأقيم بعده أخوه الملك الأشرف «6» إسماعيل ثم خلع بعد مدة، وأقيم بعده الملك الظاهر هزبر الدين يحيى ابن [الملك] «7» الأشرف إسماعيل فى ثالث شهر رجب؛ وقد تقدم ذكر نسبه فى ترجمة والده من هذا الكتاب فى سنة سبع وعشرين وثمانمائة «8» . وفى أيام هؤلاء الملوك، تلاشى أمر اليمن، وطمع فيها كل أحد. وتوفى القاضى بدر الدين محمد بن محمد «9» بن محمد [بن إسماعيل بن على البدر أبو عبد الله القرشى] «10» القلقشندى الشافعى أمين الحكم بالقاهرة، فى يوم الاثنين «11» رابع عشرين المحرم؛ وكان مولده أيضا فى أول المحرم من سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وكانت لديه فضيلة وعنده مشاركة.

وتوفى القاضى تقي الدين محمد بن زكى الدين عبد الواحد بن عماد الدين محمد ابن قاضى القضاة علم الدين أحمد الإخنائى المالكى أحد نوّاب الحكم بالقاهرة وهو بمكة، فى ثالث ذى الحجة، عن ثلاث وستين سنة، وكان من بيت فضل وعلم ورئاسة. [52] أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم أربعة أذرع وخمسة أصابع؛ مبلغ الزيادة عشرون ذراعا سواء.

ما وقع من الحوادث سنة 831

[ما وقع من الحوادث سنة 831] السنة السابعة من سلطنة الملك الأشرف برسباى [على مصر] «1» وهى سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة. [و] «2» فيها توفى أمير الملأ عدرا بن نعير بن حيّار بن مهنّا مقتولا فى المحرم. وتوفى الأمير الفقيه سيف الدين بكتمر بن عبد الله السعدى «3» ، أحد أمراء الطبلخانات بالديار المصرية، فى يوم الخميس ثالث عشر [شهر] «4» ربيع الأول، بسكنه بدار أستاذه القاضى سعد الدين إبراهيم بن غراب بخط قنطرة طقزدمر، ولم يخلّف بعده فى أبناء جنسه مثله بل ولا فى غير أبناء جنسه، لما اشتمل عليه من المحاسن: كان فاضلا دينا عاقلا شجاعا بارعا فى فنون الفروسية، انتهت إليه الرئاسة فى حمل المقيّرة «5» ورمى النّشّاب فى زمانه، هذا مع البشاشة والكرم وحسن الشكل والتواضع وحسن المحاضرة وجودة المشاركة فى كل علم وفن، مع الفصاحة فى اللغة التركية والعربية، والدين المتين والعفّة عن المنكرات والفروج؛ ولا أعرف من يدانيه فى محاسنه، فكيف يشابهه! وكان طوالا جسيما ضخما ذا قوة مفرطة، مليح الشكل، واللحية مدورة بادية الشيب، قبض مرة بأكتاف شخص من أعيان الخاصكيّة المشاهير بالقوة، وهزّه وأفلته، ثم قال له: ما بقى

فيك شىء يا فلان، فلم ينطق ذلك الرجل بكلمة وذهب خجلا لكثرة دعاويه، فقلت لبكتمر: هذا الذي أنت فيه من كثرة الإدمان، فقال: منذ «1» بلغت الحلم وأنا متزوج، غير أننى لا أهمل نفسى، فقلت له: هذه منح إلاهيّة. ولما مات أنعم [السلطان] «2» بطبلخانته على الأمير قجقار جغتاى السيفى بكتمر جلّق، ومات بكتمر السعدى هذا وسنه نحو خمسين «3» سنة تخمينا، وكان رومى الجنس رحمه الله تعالى. وتوفى الأمير سيف الدين جانبك [بن عبد الله] «4» الأشرفى الدوادار الثانى وعظيم دولة أستاذه الأشرف برسباى فى يوم الخميس سابع عشرين [شهر] «5» ربيع الأول، وسنّه نحو خمسة وعشرين «6» سنة تخمينا، ودفن بمدرسته التى أنشأها بخط القربيين خارج باب زويلة على الشارع، ثم نقل منها بعد مدة إلى تربة «7» أستاذه بالصحراء، وحضر السلطان غسله ثم الصلاة عليه؛ وكان أشيع عنه أن نفسه تحدثه بالملك، فعاجلته المنية. وكان أصله من مماليك [الملك] «8» الأشرف برسباى، اشتراه صغيرا فى أيام إمرته وقاسى «9» معه خطوب الدهر أيام حبسه بقلعة المرقب وغيرها، ولما تسلطن [الملك] «10» الأشرف عرف له ذلك مع محبته له، فرقّاه وأنعم عليه بإمرة عشرة وجعله خازندارا، ثم أرسله بتقاليد الأمراء نواب الشأم: تنبك البجاسى وغيره، ثم أنعم عليه بعد حضوره بإمرة طبلخاناة، وخلغ عليه بالدوادارية الثانية عوضا عن [الأمير] «11» قرقماس الشعبانى الناصرى بحكم انتقاله إلى إمرة مائة وتقدمة ألف، فعظم فى الدولة ونالته السعادة، حتى تزايد أمره وخرج عن الحد من كثرة إنعامه وإظهار الجميل والأخذ بالخواطر، حتى ركن إليه غالب أعيان الدولة من الخاصكيّة،

وكثر ترداد «1» الناس إليه، وصار أكابر الدولة مثل عبد الباسط وغيره تتردد أيضا إليه «2» إلى خدمته، [إذا سمح لهم بذلك، وله عليهم الفضل] «3» ؛ وصار أمره فى نمو وزيادة، وقصده الناس من الأقطار لقضاء حوائجهم. وبينما هو «4» فى ذلك وقد اشتغل الناس به وأشير إليه بالأصابع، وقد مرض ولزم الفراش مدة ونزل [السلطان] «5» إلى عيادته مرة، ثم رسم بطلوعه إلى القلعة، فحمل إليها وتولى السلطان تمريضه، فأفاق قليلا وترعرع، فأنزل إلى داره. وكان سكنه بالدار التى فى «6» سوق القبو الحسينى «7» ، وللدار باب من حدرة البقر، وهى الآن سكن الأمير يشبك الفقيه المؤيدى؛ وعند نزوله إليها عاوده المرض، ونزل إليه ثانيا فوجده كما قيل: [السريع] لم يبق إلا نفس خافت ... ومقلة إنسانها باهت يرثى له الشّامت ممّا به ... يا ويح من يرثى له «8» الشّامت [53] وبعد طلوعه مات فى تلك الليلة، فنزل السلطان إلى داره وحضر غسله- كما تقدم- والصلاة عليه. وكان أميرا شابا حلو الشكالة، للقصر أقرب، أخضر اللون مليح الوجه صغير اللحية مدوّرها، فصيحا ذكيّا حاذقا، متحركا متجمّلا فى مركبه وملبسه وسماطه إلى الغاية، يكتب كتابة ضعيفة ويقرأ، إلا أنه كان عاريا لم يسبق له اشتغال، وما كان دأبه إلا فيما هو فيه من الأمر والنهى وتنفيذ الأمور؛ واتّهم السلطان بموته، والله أعلم بحاله. وتوفى الشيخ المعتقد الصالح سعيد المغربى نزيل جامع الأزهر، به، فى يوم

الأربعاء تاسع عشر شهر ربيع الأول، بعد أن جاور بجامع الأزهر عدة سنين. وكان للناس فيه اعتقاد كبير، وله كرامات ويقصد للزيارة والتبرك بدعائه؛ زرته غير مرة، ومات وقد علا «1» سنه وطال مرضه، وترك نحو الألفى دينار ما بين ذهب وفضة وفلوس. وتوفى الأمير سيف الدين أزدمر [بن عبد الله] «2» من على جان الظاهرى المعروف بأزدمر شايا، فى سادس [شهر] «3» ربيع الآخر، وهو أحد أمراء حلب بعد أن تنقل فى عدة إمريات بالشأم ومصر، وصار أمير مائة ومقدم ألف بديار مصر، ثم أخرج إلى نيابة ملطية، ثم نقل إلى إمرة بحلب إلى أن مات بها. وقد تقدم التعريف بحاله عند إخراجه من مصر فى ترجمة [الملك] «4» الأشرف، ومات وسنّه نيف على خمسين سنة. وكان من سيئات «5» الدهر: لم يشهر «6» بدين ولا كرم ولا شجاعة ولا معرفة ولا عقل، مع كبر وجبروت وظلم وسوء خلق، وكان قصيرا نحيفا أصفر دميما حقيرا فى الأعين، وعدّ إخراجه من مصر [من] «7» محاسن [الملك الأشرف] «8» . وتوفى الأمير [سيف الدين] «9» كمشبغا [بن عبد الله] «10» الجمالى الظاهرى أحد أمراء الطبلخانات بطّالا، فى يوم الجمعة رابع جمادى الأولى، وقد علا سنه؛ وكان من أكابر المماليك الظاهرية [برقوق] «11» وممن تأمّر فى أيام أستاذه. وكان تركى الجنس عاقلا فقيها ديّنا خيرا عفيفا عن المنكرات والفروج، وطالت أيامه فى الإمرة، وتولى نيابة قلعة الجبل فى الدولة الناصرية [فرج] «12» ، واستمرّ من جملة

أمراء الطبلخانات فى صدر من الدولة الأشرفية [برسباى] «1» إلى أن أخرج [الملك] «2» الأشرف إقطاعه، فلزم داره على أحسن وجه إلى أن مات وهو فى عشر «3» الثمانين. وتوفى الأمير الكبير سيف الدين يشبك بن عبد الله «4» الساقى الظاهرى الأعرج «5» أتابك العساكر بالديار المصرية، فى يوم السبت ثالث جمادى الآخرة؛ وكان أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق ومن أعيان خاصكيّته، وصار ساقيا فى أيام أستاذه الظاهر. ثم ثار على الملك الناصر فى أيام تلك الفتن، ووقع له أمور وحروب انصاب فى بعضها بجرح أصابه، بطل منه شقته وصار يعرج منه عرجا فاحشا، ثم عوفى، وانتمى للأمير نوروز الحافظى إلى أن ولّاه نيابة قلعة حلب «6» ، إلى أن أمسكه [الملك] «7» المؤيد شيخ وحبسه بعد قتل نوروز؛ ثم نفاه إلى مكة بطّالا سنين عديدة، إلى أن استقدمه [الملك] «8» الظاهر ططر [إلى القاهرة] «9» ، ومات قبل أن ينعم عليه بإمرة؛ فأنعم عليه الملك الأشرف برسباى بإمرة مائة وتقدمة ألف عوضا عن قرمش الأعور دفعة واحدة، ثم صار أمير سلاح، ثم ولى أتابكية العساكر بعد الأمير قجق العيساوى، فاستمر على ذلك إلى أن مات [فى التاريخ المقدم ذكره] «10» . وكان من رجال الدهر عقلا وحزما ودهاء «11» ومعرفة وتدبيرا، مع مشاركة جيدة فى الفقه والقراءات «12» ، ومعرفة تامة بفنون الفروسية وأنواع الملاعيب، كالرمح

والنّشاب وغيره، وكان يكتب المنسوب ويحفظ القرآن. وكانت نفسه تحدثه بأمور، فإنه كان يكثر من ذكر أخبار تيمور لنك وشدة بأسه لكونه كان أعرج «1» ، وقد صار أمره إلى ما صار، وهو الذي حسّن [للملك] «2» الأشرف الاستيلاء على بندر جدة، والقبض على حسن بن عجلان، ولو عاش لحسّن له أخذ اليمن كله «3» . وتولى الأتابكية بعده الأمير جارقطلو [54] الظاهرى «4» . وتوفى بدر الدين حسن كاتب سر دمشق وناظر جيشها، بها، فى يوم الأربعاء لستّ بقين من جمادى الآخرة؛ وكان أصله من سمرة دمشق، وخدم عند الأمير بكتمر جلّق نائب دمشق، ثم ترقّى إلى أن جمع له بين كتابة سر دمشق ونظر جيشها، بسفارة الأمير أزبك المحمدى الدوادار الكبير، كون أزبك كان متزوجا ببنت زوجته. وتوفى الشيخ الإمام العالم المفنن شمس الدين محمد بن عبد الدائم بن موسى البرماوى الشافعى، أحد فقهاء الشافعية ومدرس المدرسة الصلاحية بالقدس الشريف، فى يوم الخميس ثانى عشرين جمادى الآخرة وقد أناف على ستين سنة، بعد ما أفتى وأشغل عدة سنين. وتوفى القاضى بدر الدين حسن بن أحمد بن محمد البردينى الشافعى أحد نواب القضاة الشافعية «5» ، فى يوم الاثنين خامس عشرين [شهر] «6» رجب وقد أناف على الثمانين سنة، وكان قاضى سوء لم يشهر بعلم ولا دين. أمر النيل [فى هذه السنة] «7» : الماء القديم ثلاثة أذرع سواء، مبلغ الزيادة: عشرون ذراعا سواء.

ما وقع من الحوادث سنة 832

[ما وقع من الحوادث سنة 832] السنة الثامنة من سلطنة «1» الملك الأشرف برسباى [على مصر] «2» وهى سنة اثنين وثلاثين وثمانمائة: [فيها] «3» توفى الشيخ ناصر الدين محمد بن عبد الوهاب بن محمد البارنبارى «4» الشافعى أحد فقهاء الشافعية، فى ليلة الأحد حادى عشر [شهر] «5» ربيع الأول، وقد أناف على التسعين سنة، وكان بارعا فى الفقه وأصوله والعربية والحساب مشاركا فى عدة فنون، وخطب ودرّس وأفتى وأقرأ عدة سنين بدمياط والقاهرة. وتوفى القاضى نور الدين على الصفّطى وكيل بيت المال وناظر الكسوة، فى ليلة الثلاثاء سلخ جمادى الآخرة، وكان يباشر الشهادة بديوان العلائى آقبغا التّمرازى أمير مجلس، وعند أستاذه تمراز من قبله. وتوفى الشريف عجلان بن نعير بن منصور بن جمّاز بن منصور بن جماز بن حمّاد ابن شيحة بن هاشم بن قاسم بن مهنأ بن حسين بن مهنأ بن داود بن قاسم بن عبد الله ابن طاهر بن يحيى بن الحسين بن جعفر بن الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنه، مقتولا فى ذى الحجة، بعدما ولى إمارة المدينة النبوية غير مرة. وتوفى الأديب المعتقد نور الدين على بن عبد الله الشهير بابن عامرية، فى يوم

الخميس سادس عشر [شهر] «1» ربيع الآخر بمدينة التحريرية بالغربية من أعمال القاهرة؛ وكان شاعرا أديبا مكثرا، وأكثر شعره فى المدائح النبوية. وتوفى الواعظ المذكّر شهاب الدين أحمد بن عمر بن عبد الله المعروف بالشابّ التائب بدمشق، فى يوم الجمعة ثانى عشر [شهر] «2» رجب عن نحو سبعين سنة؛ وكانت لديه فضيلة، ورحل إلى البلاد، وصحب المشايخ، ونظم الشعر على قاعدة الصوفية، وحصل له قبول تام من الناس. وتوفى العبد الصالح شمس الدين محمد بن إبراهيم بن أحمد الصوفى، بعد ما عمى بسنين، فى ليلة الثلاثاء ثالث عشر المحرم، ومولده فى سنة تسع وأربعين. قال المقريزى: وهو أحد من صحبته من أهل العبادة والنسك، ورأس مدة، واتصل بالملك الظاهر برقوق، وولى نظر البيمارستان المنصورى بالقاهرة، وجال فى الأقطار ورحل إلى بغداد والحجاز واليمن والهند رحمه الله تعالى «3» . وتوفى الأمير شمس الدين محمد بن سعيد المعروف بسويدان، أحد أئمة السلطان، فى يوم الاثنين سابع صفر؛ وكان أبوه عبدا أسود، سكن القرافة وولد له ابنه هذا، وحفظ القرآن الكريم وقرأ مع الأجواق فأعجب الملك الظاهر برقوق صوته فجعله أحد أئمته، واستمر على ذلك إلى دولة [الملك] «4» الناصر فرج فولاه حسبة القاهرة، ثم عزله بعد مدة فعاد كما كان أولا، يقرأ فى الأجواق عند الناس ويأخذ الأجرة على ذلك، وصار رئيس جوقة واستقرأته «5» أنا كثيرا، وكان أسود اللون طوالا. وتوفى الشيخ المعتقد [محمد بن عبد الله بن حسن بن الموّاز فى يوم الأحد حادى عشر ربيع الأول] «6» .

[وتوفى] «1» الشيخ شمس الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الله «2» الشّطنوفى الشافعى فى ليلة الاثنين سادس عشرين [شهر] «3» ربيع الأول وقد قارب الثمانين، وبرع فى الفقه والفرائض وغير ذلك ودرّس عدة سنين وانتفع به جماعة كبيرة من الطلبة. وتوفى القاضى بدر الدين محمد بن محمد بن أحمد بن مزهر الدمشقى النابلسى كاتب السر [55] الشريف بالديار المصرية، بها، فى ليلة الأحد سابع عشرين جمادى الآخرة عن نحو الخمسين سنة؛ وكان من بيت رئاسة، ولى أبوه كتابة سر دمشق، وباشر بدر الدين هذا كتابة الإنشاء بدمشق، واتصل بخدمة الأمير شيخ المحمودى نائب دمشق. فلما قدم شيخ إلى مصر بعد قتل [الملك] «4» الناصر فرج، قدم ابن مزهر هذا معه مع من قدم من الشاميين، ولما تسلطن شيخ ولّاه نظر الإسطبل السلطانى فدام على ذلك سنين، ثم ناب عن القاضى كمال الدين محمد بن البارزى فى كتابة السر، وقام بأعباء الديوان فى أيام علم الدين داؤد بن الكويز ومن بعده، إلى أن خلع عليه [السلطان الملك] «5» الأشرف برسباى باستقراره كاتب السر [الشريف] «6» بالديار المصرية، فباشر الوظيفة بحرمة وافرة، وأثرى «7» وكثر ماله، إلى أن مات فى التاريخ المذكور. قال: وخلف مالا كثيرا لطمع كان فيه وشح. وتوفى الشريف خشرم بن دوغان «8» بن جعفر بن هبة الله بن جمّاز بن منصور بن جمّاز بن شيحة الحسينى، أمير المدينة، مقتولا أيضا فى حرب فى ذى الحجة. أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم خمسة أذرع وسبعة أصابع، مبلغ الزيادة: تسعة عشر ذراعا وستة عشر أصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 833

[ما وقع من الحوادث سنة 833] السنة التاسعة من سلطنة «1» [الملك] «2» الأشرف برسباى [على مصر] «3» وهى سنة ثلاث وثلاثين [وثمانمائة] : «4» فيها كان الطاعون العظيم الذي لم ندرك بمثله بمصر وقراها، بل وبغالب البلاد الشامية، حسبما ذكرناه فى ترجمة [الملك] «5» الأشرف هذا فى وقته. وكان هذا الطاعون أعظم من هذه الطواعين كلها وأفظعها، ولم يقع بالقاهرة ومصر بعد الطاعون العام الذي كان سنة تسع وأربعين وسبعمائة «6» نظير هذا الطاعون؛ وخالف هذا الطاعون الطواعين الماضية فى أمور كثيرة، منها أنه وقع فى الشتاء وارتفع فى فصل الربيع، وكانت الطواعين تقع فى فصل الربيع وترتفع فى أوائل الصيف، وأشياء غير ذلك ذكرناها فى محلها «7» . [وفيها] «8» توفى القاضى شرف الدين أبو الطيب محمد ابن القاضى تاج الدين

عبد الوهاب بن نصر الله الغزّى الأصل، المصرى، فى ليلة الأربعاء سابع عشر ربيع الأول، ودفن بالصحراء، ومات بغير الطاعون «1» ؛ ومولده فى ليلة السبت حادى عشرين ذى القعدة سنة سبع وتسعين وسبعمائة، ونشأ بالقاهرة واشتغل يسيرا وخدم الأمير ططر موقّعا «2» عدة سنين، فلما تسلطن رشحه لنظر الجيش فلم يتم له ذلك، وولى نظر الكسوة، ونظر أوقاف الأشراف، ثم نظر دار الضرب إلى أن مات. وكان شابا كريما وفيه محبة لأهل العلم والفضل «3» والصلاح، إلا أنه كان فيه حدة «4» مزاج وبادرة مع تدين وتحشّم. وتوفى الأمير سيف الدين أزبك [بن عبد الله] «5» المحمدى الظاهرى برقوق «6» الدوادار الكبير، بالقدس بطّالا، فى يوم الثلاثاء سادس عشر [شهر] «7» ربيع الأول؛ وهو أحد المماليك الظاهرية [برقوق] «8» وترقّى إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف بدمشق، ثم قبض عليه [الملك] «9» المؤيد شيخ بعد واقعة نوروز وحبسه سنين، إلى أن أطلقه فى أواخر دولته، وأنعم عليه بإقطاع هيّن بدمشق أمير عشرة. فلما أن صار الأمر إلى [الأمير] «10» ططر أنعم عليه بإمرة طبلخاناة بديار مصر، ثم صار أمير مائة ومقدم ألف، ثم رأس نوبة النّوب بعد الأمير قصروه [من تمراز] «11» فى

أوائل الدولة الأشرفية، ثم نقل إلى الدوادارية الكبرى بعد سودون من عبد الرحمن، لما نقل إلى نيابة دمشق بعد عصيان تنبك البجاسى، فدام فى الدوادارية إلى أن أشيع عنه أنه يريد الوثوب على السلطان، ولم يكن لذلك صحة، فأخرجه السلطان إلى القدس بطّالا، ومسفرّه الأمير قراخجا الحسنى رأس نوبة، فدام بالقدس إلى أن مات. وكان أميرا ضخما عاقلا حشما مهابا دينا عفيفا عن المنكرات والفروج، خليقا للإمارة، وهو أحد من تولى تربيتى رحمه الله [تعالى] «1» ، ولقد كان به تجمّل فى الزمان وأهله. وتوفى القاضى كريم الدين عبد الكريم بن سعد الدين بركة المعروف بابن كاتب جكم، ناظر الخاصّ [الشريف] «2» فى ليلة الجمعة العشرين من [شهر] «3» ربيع الأول بغير طاعون ودفن بالقرافة، وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمنى؛ وتولى ابنه القاضى [56] سعد الدين إبراهيم وظيفة نظر الخاص من بعده، وقد تطاول أعناق بنى نصر الله وغيرهم إلى الوظيفة فلم يلتفت السلطان إلى أحد، وولاها لسعد الدين المذكور. وكان القاضى كريم الدين المذكور رئيسا حشما متواضعا كريما بشوشا هيّنا ليّنا ساكتا عاقلا، باشر فى ابتداء أمره استيفاء الدولة «4» ، ثم نظر الدولة «5» ، وغيرهما من خدم أعيان الأمراء، آخرهم [الملك] «6» الأشرف برسباى، إلى أن طلبه [السلطان الملك] «7» الأشرف وولاه نظر الخاص [الشريف] «8» بعد عزل الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله عنها، واستقراره أستادارا، فى يوم الاثنين ثانى عشر جمادى الأولى سنة

ثمان وعشرين وثمانمائة، وكان ذلك آخر عهد بنى نصر الله بهذه الوظيفة. واستقر فى نظر الدولة من بعده أمين الدين إبراهيم بن الهيصم. وباشر القاضى كريم الدين الوظيفة بحرمة وافرة، ونالته السعادة وعظم فى الدولة وأثرى، ومشى حال الخاص فى أيامه، حتى قيل إنه منذ ولى الخاص إلى أن توفى لم يبطل الواصل عنه يوما واحدا، مبالغة فى إقبال سعده وتيامن الناس بولايته، ومات من غير نكبة [رحمه الله تعالى] «1» . وتوفى الأمير [سيف الدين] «2» كمشبغا بن عبد الله الفيسى المزوّق الظاهرى منفيا بدمشق، فى رابع عشر [شهر] «3» ربيع الآخر وقد ناهز الستين سنة من العمر؛ وأصله من مماليك [الملك] «4» الظاهر برقوق، ورقاه [الملك] «5» الناصر فرج إلى أن جعله أمير آخور كبيرا مدة يسيرة، ثم عزله [الملك] «6» الناصر أيضا، ثم وقع له أمور وانحطّ قدره فى دولة [الملك] «7» الأشرف برسباى، وتولى كشف البر، وساءت «8» سيرته من كثرة ظلمه وقلة دينه مع الإسراف على نفسه؛ وفى الجملة فمستراح منه ومن مساوئه. وتوفى السيد الشريف على بن عنان بن مغامس بن رميثة، تقدّم أن اسم رميثة منجد بن أبى نمىّ، وقد ذكرنا بقية نسبه فى ترجمة الشريف حسن بن عجلان وغيره، [فلينظر هناك] «9» . وكانت وفاته بقلعة الجبل فى يوم الأحد ثالث جمادى الآخرة بالطاعون، وكانت لديه فضيلة، ويذاكر [ب] «10» الشعر وغيره. وتوفى الأمير الكبير سيف الدين بيبغا بن عبد الله المظفّرى، وهو أمير مجلس، فى ليلة الأربعاء سادس جمادى الآخرة بالطاعون، وهو أحد أعيان المماليك الظاهرية

[برقوق] «1» وممن ترقى فى الدولة الناصرية [فرج] «2» حتى صار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، وصار من يوم ذاك «3» ينتقل فى الإمرة «4» والحبوس شاما ومصرا وإسكندرية، فكان حاله أشبه بقول القائل: [المتقارب] [و] «5» يوم سمين ويوم هزيل ... ويوم أمرّ من الحنظله وليل «6» أبيت جليس الملوك ... وليل «7» أبيت على مزبله إلى أن خلع عليه الأشرف [برسباى] «8» باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية بعد الأمير طرباى، فأقام على ذلك نحو ثلاث سنين أو دونها، وقبض عليه [الملك] «9» الأشرف وحبسه أيضا بالإسكندرية، وذلك لبادرة كانت فيه، ومخاشنة فى كلامه مع الملوك، مع سلامة الباطن، ولذلك كان كثيرا ما يحبس ثم يفرج عنه. وقد تقدم التعريف بحاله عندما أمسكه [الملك] «10» الأشرف «11» فى أصل ترجمة الأشرف «12» مستوفاة، فدام بيبغا المذكور فى السجن مدة طويلة، ثم أطلقه السلطان «13» وسيّره إلى دمياط بطّالا، ثم نقله إلى القدس فلم تطل مدته، وطلبه السلطان «14» وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف، وخلع عليه باستقراره أمير مجلس. ولما ولى إمرة مجلس، صار يقعد على ميسرة السلطان فوق أمير سلاح، مراعاة لما سبق له من الرئاسة من الأتابكية وغيرها، وكون أمير سلاح كان الأمير إينال الجكمى

- أحد السّيفيّة «1» - ينظره فى عينه أنه مملوك بعض خجدا شيّته «2» . وكان بيبغا «3» أميرا جليلا شجاعا مهابا مقداما، مع كرم وسلامة باطن وفحش فى خطابه، [من غير سفه على عادة جنس الأتراك، ومع هذا كله كان فيه دعابة حلوة يحتمل بها فحش خطابه وانحرافه] «4» ، وهو أعظم من رأيناه من الملوك فى أبناء جنسه [رحمه الله] «5» . وتوفى الأمير سيف الدين بردبك [السيفى] «6» يشبك بن أزدمر المعروف بالأمير آخور، وهو أحد مقدمى الألوف بالديار المصرية فى يوم الأحد «7» عاشر جمادى الآخرة بالطاعون، وهو فى الكهولية، وكان «8» خدم بعد موت أستاذه يشبك ابن أزدمر [57] عند «9» الأمير ططر وصار أمير آخوره، فلما تسلطن ولّاه الأمير آخورية الثانية بإمرة طبلخانة دفعة واحدة، ودام على ذلك سنين إلى أن نقله [الملك] «10» الأشرف إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية؛ فدام على ذلك إلى أن مات. وكان شابا أشقر مليح الشكل حلو الوجه معتدل القامة عاقلا حشما ساكتا كريما متواضعا وقورا، قل أن ترى العيون مثله، وهو والد صاحبنا الزينى فرج ابن بردبك أحد الحجاب بالديار المصرية. (النجوم الزاهرة ج 15)

وتوفى المقام الناصرى محمد ابن السلطان [الملك] «1» الأشرف برسباى [صاحب الترجمة] «2» فى يوم الثلاثاء سادس عشرين جمادى الأولى بالطاعون وقد ناهز الاحتلام، ودفن بمدرسة والده الأشرفية بخط العنبريين من القاهرة، وأمه خوند فاطمة من أولاد تجار القرم «3» ، وكانت قبل [الملك] «4» الأشرف تحت أستاذه الأمير دقماق المحمدى. وكان المقام الناصرى [المذكور] «5» من أحسن الناس شكلا، تظهر فيه مخايل النجابة والسكون والعقل. وتوفى المقام الناصرى محمد ابن السلطان الملك الناصر فرج ابن [السلطان الملك الظاهر] «6» برقوق ابن [الأمير] «7» أنص [الجاركسى] «8» بسجن الإسكندرية فى يوم الاثنين حادى عشرين جمادى الآخرة بالطاعون، وله من العمر إحدى وعشرون سنة، وأمه أم ولد مولّدة تسمى عاقولة، ودفن بالإسكندرية ثم نقل منها إلى تربة جده بالصحراء فيما أظن. وتوفى الشيخ الإمام العالم العلامة، فريد عصره ووحيد دهره، نظام الدين يحيى ابن العلامة سيف الدين يوسف بن محمد بن عيسى السيرامى الحنفى شيخ الشيوخ بالمدرسة الظاهرية البرقوقية، فى جمادى الآخرة «9» بالطاعون، وتولى مشيخة الظاهرية من بعده ولده عضد الدين عبد الرحمن، أخذها عن أبيه، وكان أبوه أخذها عن أبيه أيضا. وكان الشيخ نظام الدين إماما مفننا بارعا فى المعقول والمنقول عارفا بالمنطوق والمفهوم، مشاركا فى فنون كثيرة، وأفتى ودرّس وأشغل سنين عديدة إلى أن مات. وتوفى السلطان الملك الصالح محمد ابن [السلطان] «10» الملك الظاهر ططر، والسلطان الملك

المظفّر أحمد ابن [السلطان] «1» الملك المؤيد شيخ، والخليفة المستعين بالله العباسى، الثلاثة بالطاعون، كلاهما فى إسكندرية، والصالح بقلعة الجبل، وقد تقدم ذكر ذلك فى ترجمتهم غير أننا ذكرناهم هنا فى «2» جملة من مات بالطاعون، ولهذا لم يحرر يوم وفاتهم لأنه تقدم [- انتهى] «3» . وتوفى الأمير الطواشى زين الدين مرجان «4» الهندى المسلمى خازندار [الملك] «5» المؤيد شيخ بالطاعون فى سادس جمادى الآخرة، وكان أصله من خدام التاجر ابن مسلم المصرى «6» ، ثم اتصل بخدمة [الملك] «7» المؤيد شيخ «8» أيام إمرته واختص به، فلما تسلطن جعله خازندارا، ثم أمره بالتكلم فى وظيفة نظر الخاص عوضا عن الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله فتكلّم عليها أياما. ومات المؤيد، وأعيد ابن نصر الله، ثم ولّاه الأمير ططر زماما بعد «9» أن قبض عليه بدمشق، ثم أطلقه، فدام فى وظيفة الزمامية إلى أن عزله [الملك] «10» الأشرف برسباى ونكبه وصادره «11» فتخومل «12» ولزم داره إلى أن مات. وكان من المهملين أرباب الحظوظ. وتوفى الأمير زين الدين عبد القادر ابن الأمير فخر الدين عبد الغنى ابن الوزير

تاج الدين عبد الرزّاق بن أبى الفرج، بعد ما عزل عن الأستادارية، فى يوم الأربعاء سابع جمادى الآخرة بالطاعون، ودفن على أبيه بمدرسته ببين السورين «1» خارج القاهرة. وكان شابا جميلا عاقلا ساكنا قليل الشر بالنسبة إلى آبائه وأقاربه، كثير الشر بالنسبة إلى غيرهم. باشر الأستادارية بقلة حرمة وعدم التفات أهل الدولة إليه، وقاسى فى مباشرته خطوب الدهر ألوانا من العجز والقلّ وبيع موجوده وأملاكه، إلى أن أعفى فلم تطل أيامه ومات. وتوفى السيد الشريف شهاب الدين أحمد «2» بن علاء الدين على بن إبراهيم بن عدنان الحسينى الدمشقى، كاتب السر الشريف بالديار المصرية، فى ليلة الخميس ثامن جمادى الآخرة بالطاعون، ومولده فى شوال سنة أربع وسبعين وسبعمائة بدمشق وبها نشأ، وتولى عدة وظائف بدمشق مثل كتابة السر [58] وقضاء الشافعية ونظر الجيش، ثم طلب إلى مصر وولى كتابة سرها فلم تطل أيامه ومات. وتولى أخوه الشريف عماد الدين أبو بكر كتابة السر من بعده، فركب إلى القلعة ثم مرض من يومه قبل أن يلبس خلعة كتابة السر، ومات بالطاعون أيضا فى ليلة الجمعة ثالث عشر شهر رجب ولم يبلغ الأربعين سنة، وكان أحسن سيرة من أخيه شهاب الدين صاحب الترجمة. وتوفى السيد الشريف سرداج بن مقبل بن نخبار «3» بن مقبل بن محمد بن راجح ابن إدريس بن حسن بن قتادة بن إدريس، ومن هنا يعرف نسبه من نسب حسن ابن عجلان؛ مات فى أواخر جمادى الآخرة بالطاعون. وتوفى الأمير الطواشى افتخار الدين ياقوت بن عبد الله الأرغونى «4» شاوى الحبشى مقدم المماليك السلطانية بالطاعون، فى يوم الاثنين ثانى [شهر] «5» رجب

ودفن بتربته التى أنشأها بالصحراء، وتولى عوضه التقدمة نائبه خشقدم اليشبكى الرومى، وتولى نيابة المقدم الطواشى فيروز الركنى الرومى الجمدار. وأصل ياقوت هذا من خدام الأمير أرغون شاه أمير مجلس الظاهر برقوق، تنقل فى الخدم إلى أن صار مقدم المماليك السلطانية، وكان ديّنا خيّرا جميل الطريقة محمود السيرة، سافر أمير حاجّ المحمل مرتين رحمه الله تعالى. وتوفى الأمير سيف الدين يشبك بن عبد الله أخو الملك الأشرف برسباى فى رابع [شهر] «1» رجب بالطاعون ودفن بالتربة الأشرفية، بعد أن صار من جملة أمراء الألوف أياما؛ فإن السلطان كان أنعم عليه فى أول قدومه إلى مصر فى حدود سنة ثلاثين وثمانمائة بإمرة طبلخاناة دفعة واحدة، فدام على ذلك إلى أن توفى الأمير بردبك الأمير آخور المقدم ذكره بالطاعون، فأنعم «2» على يشبك هذا بتقدمته فمات هو أيضا بعد أيام، وقد تقدم فى أصل ترجمة [الملك] «3» الأشرف ذكر هذا الطاعون وعظمه، وأنه كان ينتقل على الإقطاع الواحد الخمسة والستة من المماليك فى مدة يسيرة، والكل يموتون «4» بالطاعون [- انتهى] «5» . وأظن يشبك «6» أنه كان أسنّ من السلطان الأشرف، فإنه لما استقدمه من بلاده مع جملة أقاربه «7» قام له واعتنقه، وعرض عليه الإسلام فأسلم وحسن إسلامه، وكان لا بأس به فى أمثاله مع قصر مدة إقامته بالديار المصرية. وتوفى الشيخ نصر الله بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل العجمى الحنفى، فى ليلة الجمعة سادس [شهر] «8» رجب وهو فى عشر الثمانين. وكان جميل الهيئة مقربا من خواطر الملوك، ورشح لكتابة السر، وكان يكتب المنسوب ويتكلم فى علم التصوف

على طريق ابن عربى، ويعرف علم الحرف «1» على زعمه، مع مشاركة فى فنون، وصحب الوالد مدة، وهو الذي نوه بذكره وأنعم عليه برزقة «2» هائلة، وهى التى «3» أوقفها نصر الله المذكور على داره التى «4» جعلها بعد موته مدرسة بالقرب من خان الخليلى بالقاهرة. وتوفى القاضى فخر الدين ماجد- ويدعى أيضا «5» عبد الله بن السّديد أبى الفضائل بن سناء الملك- المعروف بابن المزوّق، فى ليلة الخميس ثانى عشر [شهر] «6» رجب، بعد أن تولى نظر الجيش، ثم كتابة السر بالديار المصرية فى دولة [الملك] «7» الناصر فرج، بسفارة سعد الدين إبراهيم بن غراب، ثم عزل وتولى نظر الإسطبل

السلطانى ثم عزله عنه أيضا، وانحطّ قدره فى الدولة إلى أن نكبه [السلطان] «1» الملك الأشرف وأمسكه وضربه بالمقارع بسبب الأتابك جانبك الصوفى، وقاسى بسببه أهوالا «2» ثم لزم داره على أقبح حالة من الخوف والرجيف إلى أن مات. وتوفى الشيخ الإمام العالم الفقيه زين الدين أبو بكر بن عمر بن عرفات القمنىّ «3» الشافعى العالم المشهور، فى ليلة الجمعة ثالث عشر [شهر] «4» رجب بالطاعون عن ثمانين سنة؛ وكان من أعيان فقهاء الشافعية وفضلائهم، وله سمعة وصيت وترداد للأكابر، وأفتى ودرّس بعدة مدارس سنين [كثيرة] «5» . وتوفى الأمير سيف الدين هابيل بن عثمان المدعو قرايلك بن طرعلى التركمانى الأصل بسجنه بقلعة الجبل، فى يوم الجمعة ثالث عشر [شهر] «6» رجب المذكور. وكان قبض على هابيل [59] هذا وهو نائب لأبيه قرايلك بمدينة الرّها فى واقعة بين العساكر المصرية وبينه، حسبما تقدم ذكره كله فى أصل هذه الترجمة. ولما قبض عليه حمل إلى القاهرة فحبسه [الملك] «7» الأشرف بالبرح بقلعة الجبل، إلى أن مات بالطاعون بعد أن سأل أبوه السلطان فى إطلاقه غير مرة. وتوفى الشيخ الإمام العالم العلامة صدر الدين أحمد ابن القاضى جمال الدين محمود ابن محمد بن عبد الله القيصرى الحنفى المعروف بابن العجمى، شيخ الشيوخ بخانقاه شيخون، فى يوم السبت رابع عشر [شهر] «8» رجب بالطاعون، بعد أن ولى نظر

جيش دمشق وحسبة القاهرة غير مرة، وعدة وظائف دينية، ودرّس بعدة مدارس آخرها استقراره فى مشيخة الشيخونية وتدريسها. وكان إماما بارعا فاضلا فقيها نحويا مفننا فى علوم كثيرة، معدودا من علماء الحنفية، مع الذكاء «1» وحسن التصور وجودة الفهم، رحمه الله تعالى. وتوفى القاضى جلال الدين محمد ابن القاضى بدر الدين محمد بن مزهر فى يوم الاثنين سادس عشرين [شهر] «2» رجب ولم يبلغ العشرين سنة من العمر، وكان ولى كتابة السر بالديار المصرية [بعد وفاة أبيه أشهرا صورة، والقاضى شرف الدين أبو بكر بن العجمى نائب كاتب السر] «3» هو المتكفل بمهمات ديوان الإنشاء، إلى أن عزله السلطان وخلع عليه بعد مدة بتوقيع المقام الناصرى محمد ابن السلطان، فماتا جميعا فى هذا الطاعون. وكان جلال الدين [المذكور] «4» من أحسن الشباب شكلا «5» . وتوفى القاضى زين الدين محمد بن شمس الدين محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الملك الدميرى المالكى فى يوم الأربعاء ثالث شعبان، بعدما ولى حسبة القاهرة ونظر البيمارستان المنصورى؛ وكان معدودا من الرؤساء. وتوفى شمس الدين محمد بن المعلمة السكندرى المالكى فى سابع شعبان، وكان يشارك فى العربية وغيرها؛ وولى حسبة القاهرة فى وقت، وكان مسرفا على نفسه. وتوفى الأمير مدلج بن علىّ بن نعير بن حيّار بن مهنّا أمير آل فضل مقتولا فى ثانى شوال بظاهر حلب.

وتوفيت خوند هاجر- زوجة [الملك] «1» الظاهر برقوق وبنت الأتابك منكلى بغا الشّمسى- فى رابع [شهر] «2» رجب، وكانت تعرف بخوند الكعكبين، [لسكنها بخط الكعكيين بالقاهرة] «3» وأمها خوند فاطمة بنت [الملك] «4» الأشرف شعبان [بن حسين بن محمد بن قلاوون] «5» وماتت وهى أعظم نساء عصرها رئاسة وعراقة. وتوفى القاضى تقي الدين يحيى ابن العلامة شمس الدين محمد الكرمانى الشافعى فى يوم الخميس ثانى عشرين جمادى الآخرة، وكان بارعا فى عدة فنون. وقدم من بغداد قبيل سنة ثمان مائة ومعه شرح أبيه على صحيح البخارى، ثم صحب [الملك] «6» المؤيد شيخ أيام تلك الفتن، وسافر «7» معه إلى طرابلس وغيرها وتقلب معه فى سائر تقلباته، ثم قدم معه القاهرة، فلما تسلطن أقره فى نظر البيمارستان [المنصورى] «8» ، وكان ثقيل السمع، ثم عزل ولزم داره حتى مات. أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع وثلاثة أصابع؛ مبلغ الزيادة عشرون ذراعا ونصف ذراع.

ما وقع من الحوادث سنة 834

[ما وقع من الحوادث سنة 834] السنة العاشرة من سلطنة الملك الأشرف برسباى [على مصر] «1» وهى سنة أربع وثلاثين وثمانمائة. [فيها] «2» توفى الأمير شهاب الدين أحمد الدوادار نائب الإسكندرية المعروف بابن الأقطع، بعد أن قدم القاهرة مريضا فى يوم الأحد تاسع جمادى الآخرة، وكان أبوه أوجاقيّا فى الإسطبل السلطانى، وقيل بل كان أقطع «3» يتكسب بالتّكدّى «4» ، وهو الأقرب. ونشأ ابنه أحمد هذا تبعا عند بعض الأجناد، ثم ترقى حتى خدم جنديا عند جماعة من الأمراء، إلى أن صار دوادارا ثانيا عند الأمير على باى المؤيدى، ثم اتصل بخدمة [الملك] «5» الأشرف وصار عنده دوادارا، فلما تسلطن جعله من جملة الدوادارية الصغار، واختص بالسلطان ونالته السعادة، ثم أمّره عشرة وجعله زرد كاشا «6» كبيرا، ثم نقله إلى نيابة الإسكندرية بعد عزل آقبغا التّمرازى فلم تطل مدته ومات بعد مرض طويل. ولم أدر لأى معنى كانت خصوصية أحمد هذا وعلىّ بن فحيمة السّلاخورى «7» بالسلطان، [60] مع ما اشتملا عليه من الجهل المفرط وقبح الشكالة ودناوة الأصل. وكان

على السّلاخورى يبدل القاف بالهمزة كما هى عادة أو باش الناس «1» من العامة، وكان أحمد إذا تكلم أيضا يتلغّط بألفاظ العامة السوقة. وقد جالسته بالخدمة السلطانية كثيرا فلم أجد له معرفة بفن من الفنون ولا علم من العلوم، وكان إذا أخذ يتلاطف ويتذاوق يصحّف ويقول: بتسرد شىّ؟ فأعرّفه- فيما بينى وبينه- بأنه يقول: تسرت، وأوضّح له [أنها] «2» تصحيفة تشرب، فيفهمها بعد جهد كبير. ثم إذا طال الأمر ينساها ويقولها أيضا بالدال، وأظنه «3» دام على ذلك إلى أن مات. ومع هذا كان فى نفسه أمور، وله دعاوى بالعرفان والتّمعقل، لا سيما إذا تمثل بأمثال العامة السافلة، فيتعجب من ذلك الأتراك، ويثنى على ذوقه ومعرفته وغزير علمه وحسن تأديه فى الخطاب، وأولهم [السلطان الملك] «4» الأشرف برسباى «5» فإنه كان كثيرا ما يقتدى برأيه ويفاتحه فى الكلام، فيكلم أحمد فى أمور المملكة بكلام لا يعرف هو معناه، ويسكت من عداه من أرباب [الدولة و] «6» المعرفة، فأذكر أنا عند ذلك قول أبى العلاء المعرى حيث قال: [الطويل] فوا عجبا كم يدّعى الفضل ناقص «7» ... ووا أسفا كم يدّعى النّقص فاضل «8» وتوفى الشيخ الإمام العالم المفنن مجد الدين إسماعيل بن أبى الحسن على بن عبد الله البرماوى الشافعى، فى يوم الأحد خامس عشر [شهر] «9» ربيع الآخر، عن أربع وثمانين سنة. وكان إماما فى الفقه والعربية والأصول وعدة فنون، وتصدى للإقراء والتدريس عدة سنين.

وتوفى الصاحب الوزير تاج الدين عبد الرزاق بن إبراهيم بن الهيصم، فى يوم الخميس العشرين من ذى الحجة، بعد ما ولى الوزارة والأستادارية ونظر ديوان المفرد مرارا عديدة، وهو من بيت كبير فى الكتبة قبل إنهم من ذريّة المقوقس صاحب مصر قبل الإسلام، والله أعلم. وتوفى الشيخ سراج الدين عمر بن منصور البهادرى الفقيه الطبيب الحنفى فى يوم السبت ثانى عشر شوال، بعد ما برع فى الفقه والنحو وانتهت إليه الرئاسة فى الطب، وناب فى الحكم عن القضاة الحنفية بالقاهرة؛ ومات ولم يخلف بعده مثله فى التقدم فى علم الطب ومتونه. وتوفى القاضى برهان الدين إبراهيم بن علىّ بن إسماعيل- المعروف بابن الظريف- أمين الحكم بالقاهرة، فى يوم السبت خامس شوال عن نحو ستين سنة؛ وكان معدودا من بياض الناس «1» . أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع وثلاثة أصابع؛ مبلغ الزيادة عشرون ذراعا، وكان الوفاء ثامن عشرين أبيب قبل مسرى بيومين، وهذا من خرق العادة؛ فسبحانه «2» يفعل ما يشاء ويختار «3» .

ما وقع من الحوادث سنة 835

[ما وقع من الحوادث سنة 835] السنة الحادية عشر [ة] من سلطنة الملك الأشرف برسباى [على مصر] «1» وهى سنة خمس وثلاثين وثمانمائة. [فيها] «2» توفى القاضى شرف الدين عيسى بن محمد بن عيسى الأقفهسى «3» الشافعى، أحد عظماء نواب الحكم بالديار المصرية، فى ليلة الجمعة سادس عشرين جمادى الآخرة. ومولده فى سنة خمسين «4» وسبعمائة؛ وكان إماما فقيها بارعا فى الفقه وفروعه مشاركا فى عدة فنون، وتولى الحكم عن قاضى «5» القضاة عماد الدين الكركى فى سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة؛ وشكرت سيرته وحمدت طريقته لتحريه فى الأحكام، ولعفته عما «6» يرمى به قضاة السوء «7» ، ولقد شاهدت منه من التثبت فى أحكامه ما لم أشاهده من قضاة «8» زماننا، رحمه الله [تعالى] «9» . وتوفى السلطان حسين بن علاء الدولة ابن السلطان أحمد بن أويس، قتيلا بيد الكافر أصبهان بن قرا يوسف التركمانى فى ثالث صفر، بعد أن حصره سبعة أشهر، حتى أخذه وقتله، وانقرضت بقتله دولة بنى أويس الأتراك من العراق «10» وصار عراقا «11» العرب والعجم بيد إسكندر بن قرا يوسف وإخوته، وهم كانوا سببا لخراب

تلك الممالك التى كانت كرسى الإسلام ومنبع العلوم، أعنى بنى قرا يوسف. وتوفى القاضى شهاب الدين أحمد ابن القاضى صلاح الدين صالح بن أحمد بن عمر المعروف [61] بابن السّفّاح الحلبى الشافعى، كاتب سر حلب ثم كاتب سر مصر وبها مات، فى ليلة الأربعاء رابع عشر [شهر] «1» رمضان عن ثلاث وستين سنة، بعد أن باشر فيها كتابة «2» سر حلب سنين عديدة بعد أخيه وأبيه «3» ، وصار لشهاب الدين هذا رئاسة بحلب وتمكّن، فلما ولى كتابة سر مصر ابتلعه المنصب ولم يظهر لمباشرته نتيجة، وانحطّ قدره فى الدولة بحيث أن المصريين صاروا يسخرون منه، لأنه كان يكلم نفسه فى حال ركوبه بين الناس فى الشوارع وفى جلوسه أيضا بين الملأ بكلام كثير، ويغضب بعض الأحيان من نفسه ويشير بالضرب بيده وبلسانه من غير أن يفهم أحد كلامه، وكان يقع ذلك منه حتى فى الصلاة، ومع هذا كان فيه بعيض حدة ونزاقة، مع «4» دين وعفة وصيانة «5» ، مع أنه كانت بضاعته من العلوم مزجاة، وخطه فى غاية القبح، و «6» يظهر من كلامه عدم ممارسته للعلوم «7» . ووقع بينه وبين قاضى القضاة عز الدين عبد العزيز بن العز البغدادى الحنبلى مفاوضة فى بعض «8» مجالس السلطان لمعنى من المعانى، فكان من جملة كلام ابن السّفّاح «9» هذا، أن قال: ريّع الوقف- وشدّد الياء- فقال عز الدين المذكور: اسكت يا مرماد «10» ، فضحك السلطان ومن حضر، وانتصف عليه الحنبلى. فلما نزلا من القلعة، سألت من عز الدين عن قوله مرماد، فقال: الأتراك كثيرا ما يلعبون

الشطرنج، وقد صار بينهم أن الذي لا يعرف شىء يسمى مرماد، فقصدت الكلام بما اعتادوه وعرّفتهم أنه لا يعرف شىء، وأنه جاهل بما يقول، وتم لى ما قصدته. ولما مات ابن السّفّاح تولى كتابة السر من بعده الصاحب كريم الدين عبد الكريم ابن كاتب المناخ، ومع عدم أهلية الصاحب كريم الدين لهذه الوظيفة نتج فيها أمره وهابته الناس، ونفّذ الأمور أحسن من ابن السّفّاح. وتوفى قاضى القضاة زين الدين عبد الرحمن التّفهنى «1» الحنفى «2» ، وهو غير قاض، فى ليلة الأحد ثامن شوال بعد مرض. ومولده فى سنة أربع وستين وسبعمائة «3» ، ونشأ فقيرا مملقا، واشتغل حتى برع فى الفقه والأصول والعربية وشارك فى فنون، وأفتى ودرّس وناب فى الحكم سنين كثيرة، ثم استقل بوظيفة القضاء، ولم تشكر سيرته فى ولايته لحدة كانت فيه وسوء خلقه، مع القيام فى حظّ «4» نفسه، وقصته مشهورة مع الميمونى لما كفّره التّفهنى هذا وحكم بإراقة دمه فى الملأ بالمدرسة الصالحية. ولما حكم بإراقة [دم] «5» الميمونى [المذكور] «6» أراد ابن حجر ينفّذ حكمه، فقال «7» ابن حجر: قاضى القضاة منغاظ «8» ، حتى يسكن خلقه. وانفضّ «9» المجلس وتلاشى حكم التّفهنى؛ وعاش الميمونى بعد ذلك دهرا، بعد أن أوسعه الميمونى إساءة «10» فى المجلس، وهو يقول له: اتّق الله يا عبد الرحمن، أو نسيت قبقابك

الزحّاف «1» وعمامتك القطن؟ والتفهنى يصفّر ويكرر حكمه بإراقة دمه. وكان سبب إبقاء الميمونى فى هذه القضية أنه شهّد بعض الحكماء أنه يعتريه شىء فى عقله فى الأوقات، فأبقى لذلك؛ وكان أيضا للناس فيه اعتقاد، فإنه يكثر التلاوة، ولقراءته «2» موقع فى النفوس، وعلى شيبته «3» نور ووقار؛ وأنا ممن كان يعتقده- انتهى. وتوفى جينوس بن جاك بن بيدو بن أنطون بن جينوس «4» متملك قبرس وصاحب الواقعة مع المسلمين، وقد تقدم ذكر غزوه والظفر به وقدومه إلى مصر فى أوائل هذا الجزء مفصلا» ، ثم ذكر عوده إلى بلاده وملكه «6» ، وتولى ابنه قبرس من بعده. وتوفى الصاحب علم الدين يحيى- المعروف بأبى كمّ القبطى- فى ليلة الخميس ثانى عشرين [شهر] «7» رمضان وقد أناف على السبعين سنة، بعد أن ولى الوزارة فى دولة [الملك] «8» الناصر فرج.

وكان قد حسن إسلامه وترك معاشرة النصارى وحج وجاور بمكة، وصار يكثر من زيارة الصالحين الأحياء والأموات، وانسلخ من أبناء جنسه انسلاخا كليا، بحيث أنه كان لا يجتمع بنصرانى إلا عن ضرورة عظيمة. وكان دأبه الأفعال الجميلة، «1» رحمه الله [تعالى] «2» . أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم لم يظهر، فإنها حولت «3» هذه السنة إلى سنة ست وثلاثين [وثمانمائة] . (النجوم الزاهرة ج 15)

ما وقع من الحوادث سنة 836

[ما وقع من الحوادث سنة 836] السنة الثانية عشرة من سلطنة الملك «1» الأشرف برسباى [على مصر] «2» وهى سنة ست وثلاثين وثمانمائة: فيها كانت سفرة السلطان الملك الأشرف هذا إلى آمد، وعاد فى أوائل سنة سبع وثلاثين، وقد تقدم ذكر ذلك كله. وفيها توفى قاضى القضاة شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد الأموى المالكى بدمشق، فى يوم الثلاثاء حادى عشر صفر؛ وكان ولى فى دولة [الملك] «3» المؤيد [شيخ] «4» قضاء المالكية بالديار المصرية، وكان قليل العلم «5» . وتوفى التاجر نور الدين على بن جلال الدين محمد الطّنبذى «6» ، فى ليلة الجمعة رابع عشر صفر، عن سبعين سنة، وترك مالا كبيرا لم يبارك الله فيه لذريته من بعده، ولم يشهر نور الدين هذا بكرم ولا دين ولا علم. وتوفى الأمير علاء الدين منكلى بغا الصلاحى الظاهرى المعروف بالعجمى، أحد الحجاب بالديار المصرية، فى ليلة الخميس حادى عشر [شهر] «7» ربيع الأول، بعد مرض طال به سنين؛ وكان أحد الدوادارية الصغار فى أيام أستاذه [الملك] «8» الظاهر برقوق، وتوجه رسولا إلى تيمور «9» لنك فى دولة [الملك] «10» الناصر فرج، ثم ولى حسبة القاهرة فى دولة [الملك] «11» المؤيد شيخ، ثم صار من جملة الحجاب إلى أن مات.

وكان فقيها صاحب محاضرة حلوة ومجالسة حسنة، ويذاكر بالشعر باللغات الثلاث «1» : العربية والعجمية والتركية، ويكتب الخط المنسوب، ويحضر مجالس الفقراء، ويرقص فى السماع ويميل إلى التصوف، جالسته «2» كثيرا وأسعدت من محاسنه رحمه الله «3» . وتوفى الأمير تغرى بردى بن عبد الله المحمودى الناصرى، رأس نوبة النوب أولا، ثم أتابك دمشق آخرا، من جرح أصابه فى رجله بسهم من مدينة آمد، مات منه بعد أيام قليلة بآمد، مات منه «4» فى شوال ودفن بآمد، ثم نقل منها فى سحليّة عند رحيل العسكر، وساروا به إلى الرها، فدفن بها لمشقة نالت العساكر من ظهور رائحته. وكان أصله من مماليك [الملك] «5» الناصر فرج، وممن تأمّر فى دولة أستاذه فيما أظن. ثم انتمى للأمير نوروز الحافظى بعد موت أستاذه، إلى أن أمسكه [الملك] «6» المؤيد شيخ. وحبسه بعد قتل نوروز، فدام فى السجن سنين إلى أن أخرجه المؤيد فى أواخر دولته. فلما آل الأمر إلى الأمير ططر أنعم عليه بإمرة طبلخاناة، ثم نقل إلى تقدمة ألف بعد موت ططر. ثم صار رأس نوبة النوب بعد الأمير أزبك المحمدى بحكم انتقال أزبك إلى الدوادارية الكبرى، بعد ولاية سودون [من] «7» عبد الرحمن لنيابة دمشق، عند ما خرج تنبك البجاسى عن الطاعة. كل ذلك فى سنة ست وعشرين وثمانمائة، ودام المحمودى على ذلك سنين، سافر فيها أمير حاج المحمل، وقدم بالشريف حسن بن عجلان، ثم توجه إلى غزوة قبرس وقدم بملكها أسيرا.

وقد تقدم ذكر ذلك كله فى أول هذا الجزء، ثم بعد عوده من قبرس بمدة يسيرة أمسكه السلطان وحبسه بسجن الإسكندرية، ثم نقله إلى ثغر دمياط بطالا، ثم أنعم عليه بأتابكية دمشق عوضا عن قانى باى الحمزاوى، بحكم انتقال الحمراوى إلى تقدمة ألف بمصر، ثم سافر المحمودى صحبة السلطان إلى آمد، فأصيب بسهم فمات منه حسبما ذكرناه. وكان أميرا جليلا شجاعا مقداما طوالا رشيقا مليح الشكل، كثير التجمل فى ملبسه ومركبه ومماليكه، وهو أول من لبس التخافيف الكبار العالية من الأمراء، وتداول الناس ذلك من بعده حتى خرجوا عن الحد، وصارت التخفيفة الآن تلف شبه الكلفتاه حتى تصير كالطبق الهائل؛ وعندى أنها غير لائقة، وللناس فيما يعشقون مذاهب. وتوفى الأمير [سيف الدين] «1» سودون بن عبد الله الظاهرى، المعروف سودون ميق، أحد أمراء الألوف بالديار المصرية، من جرح أصابه بآمد، من سهم من مدينتها، لزم منه الفراش أياما «2» ، ومات أيضا فى أواخر شوال. وكان أصله من مماليك الظاهر برقوق الصغار، وصار خاصكيا، ومن جملة الدوادارية فى دولة [الملك] «3» المؤيد شيخ، ثم ترقى إلى أن صار من جملة أمراء الطبلخانات ورأس نوبة، ثم نقل إلى الأمير آخورية الثانية، كل ذلك فى دولة [الملك] «4» الأشرف برسباى، فدام على ذلك سنين، إلى أن أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف، فاستمر على ذلك إلى أن مات. وكان متوسط السيرة فى غالب خصاله، لا بأس به، رحمه الله. وتوفى الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله الحمزاوى، بعد أن ولى نيابة غزة، فمات قبل أن يصلها فى عوده من آمد، فى ذى الحجة. وكان أصله من [63] مماليك الأمير

سودون الحمزاوى الدوادار الكبير فى الدولة الناصرية، ثم تنقل فى الخدم من بعد أستاذه، إلى أن ولى نيابة بعض القلاع بالبلاد الشامية؛ ولما خرج قانى باى نائب الشام «1» وانضم معه غالب نواب البلاد الشامية، كان جانبك هذا ممن انضم عليه وهرب بعد مسك قانى باى مع من هرب من الأمراء إلى قرا يوسف، ثم قدم أيضا معهم على الأمير ططر بدمشق فأنعم عليه ططر بإمرة بدمشق، ثم صار حاجب حجاب طرابلس مدة سنين، ثم نقل إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، وسافر صحبة السلطان إلى آمد، وبعد عوده خلع السلطان [عليه] «2» بحلب بنيابة غزة عوضا عن الأمير إينال العلائى الناصرى المنتقل إلى نيابة الرّها، لكونها كانت خرابا ليس بها ما يقوم بكلفته، وقد حكينا ذلك فيما سبق. وكان جانبك هذا ممن اتّهم بأنه يريد الوثوب على السلطان، فلما وصل السلطان إلى حلب أقرّه فى نيابة غزة على كره منه، فهز رأسه وأمسك لحيته بعد لبسه الخلعة «3» ، وبلغ الأشرف ذلك على ما قيل، فقال: حتى يصل إلى غزة، فمات حول بعلبك. وكان شيخا طوالا مشهورا بالشجاعة، غير أنى لم أعرف منه إلا الإسراف على نفسه والانهماك فى السكر، وأما لفظه وعبارته ففى الغاية من الجهل والإهمال، ومر ركوبه على الفرس كنت [أعرف] «4» أنه لم يمارس أنواع الفروسية كالرمح والبرجاس وغيره، وبالجملة فإنه كان من المهملين، وقد خفف [الله] «5» بموته، عفا الله عنه. وتوفى الأمير سيف الدين تنبك بن عبد الله، من سيّدى بك الناصرى، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، المعروف بالبهلوان «6» ، من جرح أصابه

بآمد فى شوال أيضا بها، وكان عارفا بفن الصراع من الأقوياء «1» فى ذلك، مع تكبر وشمم وادعاء زائد، وقد حكى لى عنه بعض أصحابه: أنه كان إماما فى فن الصراع، ويجيد لعب الرمح لا غير، وليس عنده من الشجاعة والإقدام بمقدار القيراط من صناعته، وأظنه صادقا فى نقله لأن سحنته [كانت] «2» تدل على ذلك. وتوفى الملك الأشرف شهاب الدين أحمد ابن الملك العادل سليمان ابن الملك المجاهد غازى ابن المالك الكامل محمد ابن الملك العادل أبى بكر ابن الملك الأوحد عبد الله ابن الملك المعظم توران شاه ابن السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب صاحب مصر [ابن السلطان الملك الكامل محمد صاحب مصر، ابن السلطان الملك العادل أبى بكر صاحب مصر، ابن الأمير نجم الدين أيوب بن شاذى بن مروان] «3» الأيوبى صاحب حصن كيفا، قتيلا بيد أعوان قرايلك، بين آمد والحصن، وقد سار من بلده حصن كيفا، يريد القدوم على السلطان الملك الأشرف برسباى على آمد، فقتل فى طريقه غدرا، فإنه كان خرج من الحصن بغير استعداد لقتال، وإنما تهيأ للسلام على الملك الأشرف، وبينما هو فى طريقه أدركته بعض الصلوات، فنزل وتوضأ وقام فى صلاته، وإذا بالقرايلكية طرقوه هو وعساكره بغتة، وقبل أن يركب أصابه سهم قتل منه، ووجد السلطان الملك الأشرف عليه كثيرا وتأسف لموته. وكان ابتداء ملكه بحصن كيفا، بعد موت أبيه العادل فى سنة سبع وعشرين وثمانمائة، وكان فاضلا أديبا بارعا، وله ديوان شعر، ووقفت على كثير من شعره، وكتبت منه نبذة كبيرة فى ترجمته فى المنهل الصافى «4» .

وتولى بعده سلطنة الحصن ابنه الملك الكامل صلاح الدين خليل. وتوفى القاضى تاج الدين عبد الوهاب بن أفتكين الدمشقى، كاتب سر دمشق بها، فى ذى القعدة، وتولى كتابة السر من بعده القاضى نجم الدين [يحيى] «1» ابن المدنى ناظر جيش حلب، قلت: لا أعرف من أحوال تاج الدين هذا شيئا، غير أننى علمت بولايته ثم بوفاته. وتوفى الشيخ شهاب الدين أحمد بن غلام الله بن أحمد بن محمد الكوم ريشى «2» ، فى سادس عشرين [شهر] «3» صفر، وقد أناف على خمسين سنة. وكان أستاذا فى علم الميقات، ويحل التقويم من الزيج، ويشارك فى أحكام النجوم؛ ومات ولم يخلف بعده مثله فى فنونه، رحمه الله. أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع وثلاثة أصابع؛ مبلغ الزيادة عشرون ذراعا وخمسة أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 837

[ما وقع من الحوادث سنة 837] السنة الثالثة عشرة من سلطنة الملك «1» الأشرف برسباى [على مصر] «2» وهى سنة سبع وثلاثين وثمانمائة «3» : وفيه [64] توفى الأمير سيف الدين مقبل بن عبد الله الحسامى الدوادار، نائب صفد بها، فى يوم الجمعة تاسع عشرين شهر ربيع الأول، وأصله من مماليك شخص يسمى حسام الدين لاجين، من أمراء دمشق أو «4» البلاد الشامية، ثم خدم عند الملك المؤيد شيخ أيام إمرته، فاختص به لغزير «5» محاسنه؛ ولما تسلطن المؤيد، جعله خاصكيّا رأس نوبة الجمداريّة، وحج على تلك الوظيفة، ثم بعد قدومه، أنعم عليه بإمرة عشرة، ثم جعله أمير طبلخاناه ودوادارا ثانيا بعد جقمق الأرغون شاوى «6» ، بحكم انتقال جقمق إلى الدوادارية الكبرى بعد انتقال آقباى المؤيدى إلى نيابة حلب بعد عصيان إينال الصصلانى، ثم بعد سنين نقله إلى الدوادارية الكبرى بعد جقمق أيضا بحكم انتقاله إلى نيابة الشام «7» بعد عزل الأمير تنبك ميق وقدومه إلى القاهرة أمير مائة ومقدم ألف، فدام مقبل على ذلك إلى أن مات الملك المؤيد، وآل الأمر إلى الأمير ططر، وأمسك قجقار القردمى فرّ مقبل المذكور من القاهرة، ومعه السيفى «8» يلخجا من مامش «9» الساقى الناصرى ومماليكه إلى جهة البلاد الشامية،

فعاقهم العربان أرباب الإدراك عن التوصل إلى قطيا، وقاتلوهم «1» بعد أن تكاثروا عليهم. وكان مقبل من الشجعان، فثبت لهم ولا زال يقاتلهم وهو منهزم منهم إلى الطّينة، «2» فوجدوا بها مركبا فركبوا فيه، وتركوا ما معهم من الخيول والأثقال أخذوها العرب، وساروا فى البحر إلى الشام، واجتمع مقبل مع الأمير جقمق وصار من حزبه، ووقع له أمور ذكرناها فى ترجمة [الملك] «3» المظفر أحمد، إلى أن آل أمره أنه أمسك وحبس، ثم أطلق، وولى حجوبية دمشق. ثم نقله [الملك] «4» الأشرف إلى نيابة صفد، بعد عصيان نائبها الأمير إينال الظاهرى ططر، فاستمر فى نيابة صفد إلى أن مات. وكان رومى الجنس شجاعا مقداما رأسا فى رمى النشاب، يضرب برميه المثل، وكان أستاذه الملك المؤيد يعجب به، وناهيك بمن كان يعجب [الملك] «5» المؤيد به من المماليك. وتوفى قاضى القضاة شهاب الدين أحمد بن محمود بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن أبى العز الدمشقى الحنفى، المعروف بابن كشك، بدمشق، فى ليلة الخميس سابع «6» [شهر] «7» ربيع الأول، بعد أن ولى قضاء الحنفية بدمشق سنين كثيرة، وجمع بينها وبين نظر الجيش بدمشق فى بعض الأحيان، وطلب لكتابة سر مصر فأبى وامتنع واستعفى من ذلك حتى أعفى. وكان من أعيان أهل دمشق فى زمانه، [و] «8» لم يكن فى الشاميين من يدانيه

فى العراقة والرئاسة، وقد رشح بعض «1» أجداده من بنى العز لخطابة جامع تنكز «2» عند ما عمره «3» تنكز «4» ، وهم بيت علم وفضل ورئاسة، ليس بالبلاد الشامية من هو أعرق منهم غير بنى العديم الحلبيين، ثم بعد بنى العز هؤلاء بنو «5» البارزى الحمويون «6» - انتهى. وتوفى قاضى القضاة جمال الدين محمد بن على بن أبى بكر الشّيبى الشافعى المكى «7» قاضى قضاة مكة وشيخ الحجبة بباب الكعبة، بها، فى ليلة الجمعة ثامن عشرين [شهر] «8» ربيع الأول، عن نحو سبعين سنة، وهو قاض. وكان خيّرا ديّنا مشكور السيرة سمحا متواضعا بارعا فى الأدب، وله مشاركة جيدة فى التاريخ وغيره، لما «9» رآه، فإنه كان رحل إلى اليمن وغيره وجال فى البلاد، رحمه الله. وتوفى الأمير سيف الدين آقبغا بن عبد الله الجمالى الأستادّار وهو يلى كشف البحيرة، قتيلا بيد العرب فى واقعة كانت بينه وبينهم، فى حادى عشرين [شهر] «10»

ربيع الآخر؛ وكان أصله من مماليك الأمير كمشبغا الجمالى أحد أمراء الطبلخانات المقدم ذكره فى سنة ثلاث وثلاثين، وكان يسافر إلى إقطاعه، ثم تعانى البلص «1» ولا زال يترقى إلى أن ولى الكشف بعدة أقاليم، ثم ولى الأستادّارية مرتين حسبما تقدم ذكره. كل ذلك فى حياة أستاذه كمشبغا الجمالى، ونكب فى ولايته الثانية وامتحن وضرب وصودر، ثم سافر مع [الملك] «2» الأشرف إلى آمد فظهر منه هناك شجاعة وإقدام فى قتال القرايلكية؛ فأنعم عليه السلطان بإقطاع تنبك البهلوان بعد موته، ثم ولاه بعد قدومه [65] إلى مصر كشف [الوجه] «3» القبلى، ثم نقله إلى كشف الوجه البحرى فقتل هناك. وكان وضيعا من الأوباش، لا يشبه فعله أفعال المماليك فىّ حركاته وسكونه ولا فى قتاله، على أنه كان مشهورا بالشجاعة، وشجاعته كانت مشتركة بجنون وسرعة حركة، وكان أهوج «4» قليل الحشمة، ليس عليه رونق ولا أبّهة؛ وكان إذا تكلم يكرر فى كلامه اسم «دا» غير مرة. بحيث أنه كان يتكلم الكلمة الواحدة ثم يقول اسم «دا» ، وفى الجملة أنه كان من الأوغاد، ولولا أنه ولى الأستادارية ما ذكرته فى هذا الكتاب ولا غيره. وتوفى الأمير الكبير سيف الدين جارقطلو «5» بن عبد الله الظاهرى أتابك العساكر بالديار المصرية، ثم كافل المملكة الشامية بها، فى ليلة الاثنين تاسع عشر

[شهر] «1» رجب، وهو فى عشر السبعين، وأصله من مماليك [الملك] «2» الظاهر برقوق، ومن إنيات «3» سودون الماردانى، وتأمّر فى الدولة الناصرية، ثم ولى فى الدولة المؤيدية نيابة حماه، ثم نيابة صفد، ثم أعاده الأمير ططر إلى نيابة حماه ثانيا بعد إنيه تنبك البجاسى لما نقل إلى نيابة طرابلس، فدام بحماه إلى أن نقله [الملك] «4» الأشرف إلى نيابة حلب بعد إنيه تنبك البجاسى أيضا، لما نقل تنبك إلى نيابة الشام «5» ، بعد موت تنبك ميق، فدام جارقطلو فى نيابة حلب إلى أن عزله [الملك] «6» الأشرف، واستقدمه إلى القاهرة أمير مائة ومقدم ألف، ثم خلع عليه باستقراره أمير مجلس، ثم نقله إلى الأتابكية بالديار المصرية بعد موت الأمير يشبك الساقى الأعرج، فدام على ذلك سنين إلى أن ولاه [الملك] «7» الأشرف نيابة دمشق بعد عزل سودون من عبد الرحمن عنها، واستقر سودون من عبد الرحمن أتابكا عوضه «8» فاستمر على نيابة دمشق إلى أن مات فى التاريخ المقدم ذكره. وكان أميرا جليلا مهابا شهما متجملا فى جميع أحواله، وكان قصيرا بطينا أبيض الرأس واللحية، وفيه دعابة وهزل مع إسراف على نفسه، وسيرته «9» مشكورة

فى ولايته؛ قلت: كان ظلمه على نفسه لا على غيره، والله تعالى يسامحه بمنه وكرمه. وكان له خصوصية زائدة عند [الملك] «1» الأشرف برسباى، بحيث أنى سمعته مرارا يبالغ فى شىء «2» لا يفعله بقوله: لو سألنى جارقطلو فى هذا ما فعلته؛ وكان إذا جلس قاضى القضاة بدر الدين العينى عند السلطان فى ليالى الخدم، وأخذ فى قراءة شىء من التواريخ، يشير إليه السلطان بحيث لا يعلم جارقطلو، فينتقل بما هو فيه إلى شىء من الوعظيات، ويأخذ فى التشديد على شرّاب «3» الخمر وما أشبه ذلك، ويبالغ فى حقهم، والأشرف أيضا يهوّل الأمر ويستغفر، فإذا زاد عن الحد يقول جارقطلو: [يا قاضى] «4» ، ما تذكر إلا شربة الخمر وتبالغ فى حقهم بأنواع العذاب؟ ليش ما تذكر «5» القضاة وأخذهم الرشوة والبراطيل وأموال الأيتام «6» ؟ ... يقول ذلك بحدة وانحراف حلو، فلما يسمع [الملك] «7» الأشرف كلامه يضحك وينبسط هو وجميع أمرائه؛ وكان يقع له أشياء كثيرة من ذلك- انتهى. «8» وتوفى السيد الشريف رميثة بن محمد بن عجلان مقتولا خارج مكة فى خامس رجب بعد أن ولى إمرة مكة فى بعض الأحيان، فلم تحمد سيرته وعزل «9» . وتوفى الشيخ الإمام الأديب الشاعر المفنن تقي الدين أبو بكر بن على بن حجّة- بكسر الحاء المهملة- الحموى الحنفى الشاعر المشهور، صاحب القصيدة البديعية «10» وشرحها وغيرها من المصنفات. مات بحماه، فى خامس عشرين شعبان، ومولده

سنة سبع وسبعين وسبعمائة. وكان أحد ندماء الملك «1» المؤيد وشعرائه وأخصائه، وولى إمامة «2» عدة وظائف دينية، وعظم فى الدولة، ثم خرج من مصر بعد موت [الملك] «3» المؤيد إلى مدينة حماه واستوطنها؛ إلى أن مات بها. وكان بارعا فى الأدب «4» ونظم القريض وغيره من ضروب الشعر، مفننا لا يجحد فضله إلا حسود؛ ومن شعره مضمّنا مع حسن التورية: [الرجز] سرنا وليل شعره منسدل ... وقد غدا بنومنا مضفّرا فقال صبح ثغره مبتسما ... عند الصباح يحمد القوم السّرى «5» «6» وله عفا الله عنه «7» : [الخفيف] فى سويداء مقلة الخبّ نادى «8» ... جفنه وهو يقنص الأسد صيدا لا تقولوا ما فى السّويدا رجال ... فأنا اليوم من رجال سويدا «9» قلت: وهذا بعكس ما قاله ابن نباتة والصلاح الصفدى؛ فقول ابن نباتة: [السريع] من قال بالمرد فإنى امرؤ «10» ... إلى النسا ميلى ذوات الجمال ما فى سويدائى إلا النسا «11» ... ما حيلتى؟ ما فى السّويدا رجال!

[وقول الصفدى: المقلة الكحلاء «1» أجفانها ... ترشق فى وسط فؤادى نبال وتقطع الطّرق «2» على سلوتى ... حتى حسبنا فى السّويدا رجال] «3» ومن نظم الشيخ تقي الدين [أيضا] ، قوله: [المنسرح] أرشفنى ريقه وعانقنى ... وخصره يلتوى من الرّقه فصرت من خصره وريقته ... أهيم بين الفرات والرّقّة «4» ومما كتب إليه قاضى القضاة صدر الدين على بن الآدمى الحنفى، مضمّنا لشعر امرئ القيس: [الطويل] أحنّ إلى تلك السجايا وإن نأت ... حنين أخى ذكرى حبيب ومنزل وأذكر ليلات بكم قد تصرّمت ... بدار حبيب لا بدارة جلجل «5» شكوت إلى الصّبر «6» اشتياقى فقال لى: ... ترفّق ولا تهلك أسى وتجمّل «7» فقلت له: إنى عليك معوّل ... وهل عند ربع دارس من معوّل؟ فأجابه الشيخ تقي الدين بن حجّة المذكور بقوله: سرت نسمة منكم إلىّ كأنّها ... بريح الصبّاجاءت «8» بريّا القرنفل «9»

فقلت لليلى مذ بدا صبح طرسها: ... ألا أيّها الليل الطويل ألا أنجل ورقّت فأشعار امرئ القيس عندها ... كجلمود صخر حطّه السيل من عل فقلت «1» : قفا نضحك لرقّتها على «2» ... «قفانبك من ذكرى حبيب ومنزل» وتوفى ملك الغرب «3» وسلطانها، أبو فارس عبد العزيز [المتوكل] «4» ابن أبى العباس أحمد بن محمد بن أبى بكر بن يحيى «5» بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الواحد ابن عمر الهنتاتى الحفصى، فى رابع عشر ذى الحجة، عن ست وسبعين سنة، بعد أن خطب له بقابس وتلمسان وما والاهما من المدن والقرى، إحدى وأربعين سنة وأربعة أشهر وأياما «6» . وكان خير ملوك زمانه شجاعة ومهابة وكرما وجودا وعدلا وحزما وعزما ودينا، وقام من بعده فى الملك حفيده المنتصر أبو عبد الله محمد ابن الأمير أبى عبد الله محمد بن أبى فارس المذكور. وتوفى سلطان بنجالة «7» من بلاد الهند، جلال الدين أبو المظفر محمد بن فندو؛

وكان فندو يعرف بكاس. كان أبوه «1» فندو المذكور كافرا، فأسلم جلال الدين هذا، وحسن إسلامه، وبنى الجوامع والمساجد [وعمّر] «2» أيضا ما خرب فى أيام أبيه، من المدن، وأقام شعائر الإسلام، وأرسل بمال إلى مكة، وبهدية إلى مصر، وطلب من الخليفة المعتضد بالله [أبى الفتح داؤد] «3» تقليدا بسلطنة الهند، فبعث إليه الخليفة [الخلعة] «4» والتشريف مع بعض الأشراف، فوصلت الخلعة إليه ولبسها، ودام بعدها إلى أن مات؛ وأقيم بعده ولده المظفّر أحمد شاه، وعمره أربع عشرة «5» سنة. وتوفى صاحب بغداد شاه محمد بن قرا يوسف بن قرا محمد، فى ذى الحجة مقتولا على حصن من بلاد القان شاه رخ بن تيمور لنك، يقال له شنكان، وأقيم بعده على ملك بغداد أميرزه علىّ [ابن] «6» أخى قرا يوسف. وكان شاه محمد المذكور ردىء [67] العقيدة يميل إلى دين النصرانية- قبّحه الله ولعنه- وأبطل شعائر الإسلام من دار السلام وغيرها بممالكه، وقتل العلماء وقرّب النصارى، ثم أبعدهم، ومال إلى دين المجوس وأخرب البلاد وأباد العباد، أسكنه الله سقر ومن يلوذ به من إخوته وأقاربه ممن هو على اعتقاده ودينه. وتوفى الشيخ الإمام أبو الحسن على بن حسين بن عروة بن زكنون «7» الحنبلى الزاهد الورع فى ثانى جمادى الآخرة خارج دمشق، وقد أناف على الستين سنة، وكان فقيها عالما، شرح مسند الإمام أحمد، وكان غاية فى الزهد والعبادة والورع والصلاح «8» ، رحمه الله. أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع وثلاثة أصابع؛ مبلغ الزيادة: سبعة عشر ذراعا وسبعة عشر إصبعا. (النجوم الزاهرة ج 15)

ما وقع من الحوادث سنة 838

[ما وقع من الحوادث سنة 838] السنة الرابعة عشرة من سلطنة الملك الأشرف برسباى [على مصر] «1» وهى سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة: [فيها] «2» توفى سلطان كربرجه «3» من بلاد الهند شهاب الدين أبو المغازى أحمد شاه بن أحمد بن حسن شاه بن بهمن فى شهر [رجب] «4» بعد ما أقام فى ملك كربرجه أربع عشرة «5» سنة. وتسلطن من بعده ابنه ظفر شاه، واسمه أيضا أحمد؛ وكان السلطان شهاب الدين هذا من خير ملوك زمانه «6» وله مآثر بمكة معروفة، رحمه الله تعالى «7» . وتوفى الأمير الكبير سيف الدين طرباى بن عبد الله الظّاهرى جقمق نائب طرابلس، فى بكرة نهار السبت رابع شهر رجب «8» ، من غير مرض، فجأة،

بعد صلاة الصبح وهو جالس بمصلاه؛ وقد تقدم من ذكره نبذة كبيرة فى ترجمة الملك الصالح محمد بن ططر، بما وقع له مع جانبك الصوفى، ثم مع الملك الأشرف، حتى قبض عليه وحبسه بالإسكندرية مدة طويلة، ثم أخرجه إلى القدس، ثم ولاه نيابة طرابلس، فدام به إلى أن مات. وكان أميرا ضخما جميلا شهما مقداما ديّنا خيّرا معظّما فى الدول، لم يشهر عنه تعاطى شىء من القاذورات، غير أنه كان يقتحم الرئاسة، وفى أمله أمور، فمات قبلها. وهو أحد أعيان المماليك الظاهرية [برقوق] «1» ورؤوس الفتن فى تلك الأيام، وكان أكبر منزلة من [الملك] «2» الأشرف برسباى قديما وحديثا، وكان بينهما صحبة أكيدة عرفها له الأشرف، وأخرجه من السجن وولاه طرابلس، ولو كان غيره ما فعل معه ذلك، لما سبق بينهما من التشاحن على الملك- انتهى. وتوفى السلطان أميرزه إبراهيم بن القان معين الدين شاه رخ ابن الطاغية تيمور [لنك] «3» كوركان «4» ، صاحب شيراز، فى شهر رمضان. وكان من أجل ملوك جغتاى «5» وأعظمهم؛ كان يكتب الخط المنسوب إلى الغاية فى الحسن، يقارب فيه ياقوتا المستعصمى «6» ، ووجد عليه أبوه «7» شاه رخ كثيرا، وكذلك أهل شيراز. ثم فى السنة أيضا «8» ، توفى «9» أخوه «10» باى سنقر بن شاه رخ بن تيمور

صاحب مملكة كرمان، فى العشر الأول من ذى الحجة. وكان باى سنقر ولىّ عهد أبيه «1» شاه رخ فى الملك، وهو أشجع أولاد شاه رخ وأعظمهم إقداما وجبروتا «2» ، وهو والد من بقى الآن من ملوك جغتاى بممالك العجم، وهم: بابور وعلاء الدولة ومحمد، والجميع أولاد باى سنقر هذا، تولى تربيتهم جدتهم كهرشاه خاتون لمحبتها لأبيهم باى سنقر دون جميع أولادها، ولهذا المعنى كان قدّمه شاه رخ على ولده ألوغ بك صاحب سمرقند، كل ذلك لميل زوجته كهرشاه إليه، على أن ألوغ بك أيضا، ولدها بكرّيها، غير أنها ما كانت تقدّم على باى سنقر أحدا من أولادها- انتهى. وتوفى الشريف زهير بن سليمان بن ريان بن منصور بن جمّاز «3» بن شيحة الحسينى، فى محاربة كانت بينه وبين أمير المدينة النبوية مانع بن على بن عطية بن منصور ابن جمّاز بن شيحة، فى شهر رجب، وقتل معه عدة من بنى حسين. وكان زهير المذكور من أقبح الأشراف سيرة «4» ، كان خارجا عن الطاعة، ويخيف «5» السبيل، ويقطع الطريق ببلاد نجد والعراق وأرض الحجاز فى جمع كبير، فيه نحو الثلاثمائة فارس وعدة رماة بالسهام «6» ، وأعيا الناس أمره، إلى أن أخذه الله وأراح الناس منه. وتوفى الحطّىّ ملك الحبشة الكافر صاحب أمحرة من بلاد الحبشة «7» ، وممالكه متسعة [68] جدا بعد أن وقع له مع السلطان سعد الدين صاحب جبرت حروب. أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم «8» خمسة أذرع واثنان وعشرون إصبعا؛ مبلغ الزياده: عشرون ذراعا وثمانية عشر إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 839

[ما وقع من الحوادث سنة 839] السنة الخامسة عشرة من سلطنة الملك «1» الأشرف برسباى [على مصر] «2» وهى سنة تسع وثلاثين وثمانمائة: [وفيها] «3» توفى ملك تونس من بلاد إفريقية بالمغرب، السلطان المنتصر بالله أبو عبد الله محمد ابن الأمير أبى عبد الله محمد ابن السلطان أبى فارس عبد العزيز، المقدم ذكره، ابن أحمد الهنتاتى الحفصى «4» ، فى يوم الخميس حادى عشرين صفر «5» بتونس. وكان ملك بعد جده أبى فارس، فلم يتهنّ بالملك لطول مرضه، وكثرت الفتن فى أيامه وعظم سفك الدماء، إلى أن مات. وأقيم فى مملكة تونس من بعده أخوه شقيقه عثمان، فقتل عدة من أقاربه وغيرهم. وكان من خبر المنتصر أنه ثقل فى مرضه حتى أقعد، وصار إذا سار إلى مكان يركب فى عمّاريّة «6» على بغل، وتردد كثيرا فى أيام مرضه إلى قصره خارج تونس للنزهة به، إلى أن خرج يوما ومعه أخوه أبو عمرو عثمان المقدم ذكره، وهو يوم ذاك صاحب قسطنطينة، وقد قدم عليه [الخبر] «7» وولاه الحكم بين الناس، ومعه أيضا القائد محمد الهلالى، فصار لهما مرجع أمور الدولة بأسرها، وحجبا «8» المنتصر هذا عن كل أحد. فلما صارا معه فى هذه المرة إلى القصر المذكور، تركاه به، وقد أغلقا عليه، يوهمان أنه نائم، ودخلا المدينة. واستولى أبو عمرو عثمان المقدم ذكره على تخت الملك، ودعا الناس إلى طاعته ومبايعته، والهلالىّ قائم بين يديه،

فلما ثبّت دولته، قبض أيضا على الهلالىّ وسجنه وغيّبه عن كل أحد. ثم التفت إلى أقاربه، فقتل عمّ أبيه وجماعة كبيرة من أقاربه، فنفرت عنه قلوب الناس، وخرج عليه الأمير أبو الحسن ابن السلطان أبى فارس عبد العزيز متولى بجاية وحاربه، ووقع له معه أمور يطول شرحها، إلى أن مات أبو عمرو المذكور حسبما يأتى ذكره فى محله؛ وأما المنتصر فإنه قتل بعد خلعه بمدة، وقيل مات من شدة القهر. [وفيها] «1» توفى قاضى القضاة الشريف ركن الدين عبد الرحمن بن على بن محمد الحنفى الدمشقى، المعروف بدخان «2» ، قاضى قضاة دمشق بها، فى ليلة الأحد سابع المحرم، وقد أناف على ستين سنة؛ وكان فقيها حنفيا ماهرا بارعا فى معرفة فروع مذهبه، وله مشاركة فى عدة فنون، ونشأ بدمشق، وبها تفقّه وناب فى الحكم، ثم استقلّ بالقضاء [بعد موت ابن الكشك] «3» ، وحمدت سيرته، وهو ممن ولى القضاء بغير سعى ولا بذل، ولو لم يكن من «4» محاسنه إلا ذاك لكفاه فخرا، مع عريض جاهه بالشرف. وتوفى التاج بن سيفا الشّوبكى الدمشقى القازانى الأصل، والى القاهرة، فى ليلة الجمعة حادى عشرين «5» [شهر] «6» ربيع الأول بالقاهرة، وقد أناف على ثمانين سنة، وهو مصرّ على المعاصى والإسراف على نفسه وظلم غيره، والتكلم بالكفريات. وكان من قبائح الدهر، ومن سيئات [الملك] «7» المؤيّد شيخ [المحمودى] «8» ، لما اشتمل عليه من المساوئ؛ وقد ذكر المقريزى عنه أمورا شنعة،

واستوعبنا نحن أيضا أحواله فى ترجمته من تاريخنا «المنهل الصافى «1» [والمستوفى بعد الوافى] » «2» . وكان «3» من جملة ما قاله الشيخ تقي الدين المقريزى [رحمه الله] «4» فى حقه: وكان وجوده عارا على بنى آدم قاطبة؛ قلت: وهو من قبيل من قيل فى حقه: [الكامل] قوم إذا صفع النعال قذالهم «5» ... قال النعال: بأى ذنب نصفع؟ وتوفى الأمير سيف الدين قصروه بن عبد الله من تمراز الظاهرى، نائب دمشق، فى ليلة الأربعاء ثالث [شهر] «6» ربيع الآخر، وكان أصله من مماليك [الملك] «7» الظاهر برقوق من إنيات جرباش الشيخى من طبقة الرّفرف، وترقى بعد موت أستاذه الظاهر، إلى أن صار من جملة أمراء العشرات، ثم أمسكه [الملك] «8» المؤيد وحبسه مدة، ثم أطلقه فى أواخر دولته، ولما آل التحدث فى المملكة للأمير ططر، أنعم على قصروه المذكور بإمرة مائة وتقدمة ألف، ثم صار رأس نوبة النّوب، ثم أمير آخور كبيرا فى أواخر دولة الملك الصالح محمد بن ططر، ودام على ذلك سنين، إلى أن نقله السلطان [الملك الأشرف] «9» برسباى «10» إلى نيابة طرابلس [69] بعد عزل إينال النّوروزى وقدومه القاهرة على إقطاع قصروه المذكور، واستقر فى الأمير آخورية بعده الأمير جقمق العلائى، فدام قصروه على نيابة طرابلس سنين،

ثم نقل [بعد سنين] «1» إلى نيابة دمشق، بعد موت الأتابك جارقطلو أيضا، فدام فى نيابة دمشق إلى أن مات فى التاريخ المقدم ذكره. وكان أميرا عاقلا مدبرا سيوسا معظّما فى الدول، وهو أحد من أدركناه من عظماء الملوك ورؤسائهم «2» ، وهو أحد من كان سببا لسلطنة [الملك] «3» الأشرف برسباى، وأعظم من قام معه حتى وثب على الملك، وهو أيضا أستاذ كل من «4» يدعى بالقصروى، لأننا لا نعلم أحدا سمى بهذا الاسم، ونالته السعادة غيره، وتولى بعده نيابة دمشق الأمير إينال الجكمى. وتوفى الأمير فخر الدين عثمان المدعو قرايلك ابن الحاج قطلبك، ويقال: قطبك ابن طرعلى التركى الأصل التركمانى صاحب ماردين وآمد وأرزن وغيرها «5» من ديار بكر، فى خامس صفر، بعد أن انهزم من إسكندر بن قرا يوسف، وقصد قلعة أرزن فحيل بينه وبينها، فرمى بنفسه فى خندق المدينة لينجو بمهجته فوقع على حجر فشج دماغه «6» ، ثم حمل إلى أرزن فمات بها بعد أيام، وقيل بل غرق فى خندق المدينة، ومات وقد ناهز المائة سنة من العمر فدفن خارج» مدينة أرزن الروم، فنبش إسكندر عليه وقطع رأسه وبعث بها إلى الملك الأشرف، فطيف بها، ثم علقت أياما. وكان أصل أبيه من أمراء الدولة الأرتقيّة الأتراك «8» ، ونشأ ابنه عثمان هذا

بتلك البلاد، ووقع له مع ملوك الشرق وقائع، ثم اتصل بخدمة تيمور لنك، وكان جاليشه «1» لما قدم إلى البلاد الشامية فى سنة ثلاث وثمانمائة، وطال عمره ولقى منه أهل ديار بكر وملوكها شدائد، لا سيما ملوك حصن كيفا الأيوبية، فإنهم كانوا معه فى ضنك «2» وبلاء، وتداول حروبه وشروره مع الملوك سنين طويلة، وكان صبّارا على القتال، طويل الروح على محاصرة القلاع والمدن، يباشر الحروب بنفسه. ومع هذا كله لم يشهر بشجاعة، وكان فى الغالب ينهزم ممن يقاتله، ثم يعود إليه غير مرة حتى يأخذه إما بالمصابرة أو بالغدر والحيلة، وكذا وقع له مع القاضى برهان الدين أحمد صاحب سيواس «3» ، ومع بير عمر «4» حتى قتلهما. ومع هذا «5» ، إنه كان من أشرار «6» الملوك، غير أنه خير من بنى قرا يوسف، لتمسّكه بدين الإسلام، واعتقاده فى الفقراء والعلماء. ولما مات خلّف عدة أولاد [وأولاد الأولاد] «7» ، وهم إلى الآن ملوك ديار بكر، وبينهم فتن «8» وحروب تدوم «9» بينهم إلى أن يفنوا جميعا إن شاء الله تعالى «10» .

وتوفى الشريف مانع بن عطية بن منصور بن جمّاز بن شيحة الحسينى أمير المدينة النبوية؛ وقد خرج للصيد خارج المدينة فى عاشر جمادى الآخرة، وثب عليه الشريف حيدر بن دوغان بن جعفر بن هبة الله بن جماز بن منصور بن شيحة وقتله بدم أخيه خشرم بن دوغان [بن جعفر بن هبة الله بن جماز بن منصور الحسينى] أمير المدينة. وكان [الشريف] «1» مشكور السيرة، غير أنه كان على مذهب القوم «2» . وتوفى الشيخ المسلّك زين الدين أبو بكر بن محمد بن علىّ الخافى الهروى العجمى، فى يوم الخميس ثالث شهر رمضان بمدينة هراة «3» ، فى الوباء، وكان أحد أفراد زمانه. و «خاف» «4» : قرية من قرى «5» خراسان بالقرب من مدينة هراة؛ قلت: وفى الشيخ زين الدين نادرة: وهى «6» أنه عجمى واسمه أبو بكر، وهذا من الغرائب، ومن لم يستغرب ذلك يأت «7» بعجمى يكون اسمه أبا بكر أو عمر، سنّيّا كان أو شيعيّا «8» . وتوفى القاضى بدر الدين محمد بن أحمد بن عبد العزيز، أحد أعيان الفقهاء الشافعية ونواب الحكم، المعروف بابن الأمانة، فى ليلة الثلاثاء ثالث عشر شعبان ومولده فى سنة اثنتين وستين وسبعمائة تخمينا، وكان فقيها بارعا فى الفقه والأصول والعربية، كثير الاستحضار لفروع مذهبه، وأفتى ودرّس سنين، وناب فى الحكم مدة طويلة، وشكرت سيرته، وكان فى لسانه مسكة تمنعه عن سرعة الجواب «9» ، رحمه الله.

وتوفيت «1» خوند جلبان بنت يشبك ططر الجاركسية زوجة [السلطان] «2» الملك الأشرف [برسباى] «3» ، وأمّ ولده [الملك] «4» العزيز يوسف، فى يوم الجمعة ثانى شوال، بعد مرض طويل، ودفنت بتربة السلطان [الملك] «5» الأشرف بالصحراء خارج الباب المحروق «6» . كان [الملك] «7» الأشرف اشتراها فى أوائل سلطنته واستولدها ابنه الملك العزيز يوسف [70] ، فلما ماتت خوند الكبرى أمّ ولده محمد المقدم ذكرها تزوجها السلطان وأسكنها قاعة العواميد، فصارت خوند الكبرى ونالتها السعادة. وكانت جميلة عاقلة حسنة «8» التدبير، ولو عاشت إلى أن ملك ابنها لقامت بتدبير دولته أحسن قيام. وتوفى أحمد جوكى ابن القان معين الدين شاه رخ بن «9» تيمور لنك، فى شعبان، بعد مرض تمادى به عدة أيام، فعظم مصابه على أبيه شاه رخ «10» ووالدته كهرشاه خاتون، فإنهما فقدا ثلاثة أولاد ملوك فى أقل من سنة، وهم: السلطان إبراهيم صاحب شيراز، وباى سنقر صاحب كرمان المقدم ذكرهما فى السنة الخالية، وأحمد جوكى هذا فى هذه السنة. وتوفى السلطان ملك بنجالة من بلاد الهند، الملك المظفّر شهاب «11» الدين أحمد شاه ابن السلطان جلال الدين محمد «12» شاه بن فندوكاس، فى شهر ربيع الآخر،

وثب عليه مملوك أبيه كالو، الملقب مصباح خان ثم وزير خان، وقتله واستولى على بنجالة؛ وقد تقدم وفاة «1» أبيه فى سنة سبع «2» وثلاثين وثمانمائة [من هذا الكتاب] «3» . أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم أحد عشر ذراعا وعشرة أصابع؛ مبلغ الزيادة: عشرون ذراعا ونصف ذراع «4» .

ما وقع من الحوادث سنة 840

[ما وقع من الحوادث سنة 840] السنة السادسة عشرة من سلطنة الملك الأشرف برسباى [على مصر] «1» وهى سنة أربعين وثمانمائة: [فيها] «2» كانت الواقعة بين الأمير خجا سودون أحد أمراء السلطان، وبين الأتابك جانبك الصوفى، وانكسر جانبك، وأمسك قرمش الأعور الظاهرى وكمشبغا أمير عشرة، وقتلا حسبما تقدم ذكرهما فى ترجمة [الملك] «3» الأشرف. وكان قرمش [المذكور] «4» من أعيان المماليك الظاهرية [برقوق] «5» وترّقى حتى صار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، وانضم على جانبك الصوفى أولا وآخرا، وقبض عليه [الملك] «6» الأشرف وحبسه بالإسكندرية، ثم أطلقه وأرسله إلى الشام أمير مائة ومقدم ألف بها. فلما عصى البجاسى صار من حزبه، ثم اختفى بعد كسرة البجاسى إلى أن ظهر، لما سمع بظهور جانبك الصوفى وانضم عليه وصار من حزبه، إلى أن واقع خجا سودون وانكسر وقبض عليه. وأما كمشبغا أمير عشرة فإنه كان أيضا من المماليك الظاهرية [برقوق] «7» ومن جملة أمراء حلب، فلما بلغه خروج جانبك الصوفى سار إليه وقام بنصرته، وقد تقدم ذكر ذلك كله، غير أننا نذكره هنا ثانيا لكون هذا محلّ الكشف عنه والإخبار بأحواله. وتوفى الشيخ الأديب زين الدين عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن عبد الله المروزىّ الأصل الحموى، المعروف بابن الخرّاط، أحد موقّعى الدّست بالقاهرة وأعيان الشعراء، فى ليلة الاثنين أول المحرم بالقاهرة، عن نحو ستين سنة، ودفن

من الغد. وكان صاحبنا وأنشدنا كثيرا من شعره. [ومن شعره] «1» فى مليح على شفته أثر بياض: [البسيط] لا والذي صاغ فوق الثّغر خاتمه ... ما ذاك صدع بياض فى عقائقه «2» وإنما البرق للتّوديع قبّله ... أبقى به لمعة من نور بارقه وتوفى قاضى القضاة شمس الدين محمد ابن قاضى القضاة شهاب الدين أحمد بن محمود الدمشقى الحنفى، المعروف بابن الكشك، قاضى قضاة دمشق، فى يوم الثلاثاء ثالث «3» عشر [شهر] «4» ربيع الأول بدمشق؛ وقد تقدم ذكر وفاة أبيه فى سنة تسع وثلاثين وثمانمائة من هذا الجزء «5» . وتوفى قاضى القضاة شهاب الدين أحمد بن محمد بن صلاح الشافعى المصرى، المعروف بابن المحمّرة «6» بالقدس، على مشيخة الصلاحية، فى يوم السبت سادس عشر [شهر] «7» ربيع الآخر، ومولده فى صفر سنة تسع وستين وسبعمائة [بالمقيّر] «8» خارج القاهرة، [وتكسّب بالجلوس فى حانوت الشهود سنين] «9» . وكان فقيها بارعا مفنّنا كثير الاستحضار لفروع مذهبه، وأفتى ودرّس سنين، وناب فى الحكم،

وتولى مشيخة خانقاه سعيد السعداء «1» ، ثم قضاء دمشق، ثم مشيخة الصلاحية بالقدس، إلى أن مات «2» ؛ [وكان ينسب إلى البخل العظيم] «3» . وتوفى الأمير الوزير سيف الدين أرغون شاه بن عبد الله النّوروزى الأعور أستادّار السلطان بدمشق بها، فى حادى عشرين [شهر] «4» رجب، وقد جاوز الستين سنة «5» تخمينا، بعد ما ولى الوزارة بالديار المصرية، والأستادّارية غير مرة، وكان من الظّلمة الغشم «6» الفسقة؛ كان شيخا طوالا أعور فصيحا باللغة العربية، عارفا بفنون المباشرة وتنويع المظالم. وتوفى الأمير حمزة بك بن على بك بن دلغادر مقتولا بقلعة الجبل فى ليلة الخميس سابع عشر جمادى الأولى. وتوفى الأمير سيف الدين بردبك بن عبد الله الإسماعيلى الظاهرى [برقوق] «7» وهو يوم ذاك أحد أمراء العشرات، فى جمادى الأولى بالقاهرة. [71] وكان جعله [الملك] «8» الأشرف أمير طبلخاناة وحاجبا ثانيا، ثم نفاه مدة، ثم أعاده إلى القاهرة وأنعم عليه بإمرة عشرة، وكان لا للسيف ولا للضيف، يأكل ما كان ويضيق المكان. وتوفى القاضى شمس الدين محمد بن يوسف بن صلاح الدمشقى المعروف بالحلاوىّ،

وكيل بيت المال، فى ليلة الخميس سادس شوال، ومولده فى سنة خمس وستين وسبعمائة بدمشق، وقدم القاهرة، واتصل بسعد الدين بن غراب، ورشحه سعد الدين لكتابة السر، ثم تردد لجماعة من الأكابر بعد سعد الدين وأخيه فخر الدين ابنى غراب، مثل بدر الدين الطوخى الوزير وغيره؛ وكان حلو المحاضرة حسن المذاكرة، مع قصر الباع فى العلوم، وكان كبير اللحية جدا، يضرب بطول لحيته المثل، ولما مات سعد الدين بن غراب وأخوه فخر الدين، ثم توفى الوزير بدر الدين الطوخى أيضا، قال فيه بعض شعراء العصر: [البسيط] إن الحلاوىّ لم يصحب أخا ثقة ... إلا محا شؤمه منهم «1» محاسنهم السّعد والفخر والطّوخىّ لازمهم ... فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم فزاد الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر [بأن قال:] «2» وابن الكويز وعن قرب أخوه ثوى ... والبدر، والنجم ربّ اجعله ثامنهم قلت: يعنى بابن الكويز صلاح الدين بن الكويز، وبأخيه «3» علم الدين، وبالبدر بدر الدين بن محب الدين المشير، وبالنجم القاضى نجم الدين عمر بن حجّى. وفى طول لحيته يقول «4» صاحبنا الشيخ شمس الدين الدّجوىّ، من أبيات كثيرة، أنشدنى غالبها، أضربت عن ذكرها لفحش ألفاظها، غير أننى أعجبنى منها براعتها: [البسيط]

ظن الحلاوىّ جهلا أن لحيته ... تغنيه فى مجلس الإفتاء والنّظر وأشعريّتها طولا قد اعتزلت ... بالعرض باحثة فى مذهب القدر [وتوفى] «1» الأمير قرقماس بن عدرا بن نعير بن حيّار بن مهنّا [فى هذه السنة] «2» . وتوفى الشيخ شهاب الدين أحمد بن أبى بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان ابن عمر الأبوصيرى «3» الشافعى، أحد مشايخ الحديث، فى ليلة الأحد ثامن عشرين المحرم. وتوفى صاحب صنعاء اليمن الإمام المنصور نجاح الدين أبو الحسن على ابن الإمام صلاح الدين محمد بن على بن محمد بن على بن منصور بن حجاج بن يوسف الحسينى العلوى الشريف فى سابع صفر، بعد ما أقام فى الإمامة بعد أبيه ستّا وأربعين سنة وثلاثة أشهر وأضاف إلى صنعاء وصعدة عدة من حصون الإسماعيلية، أخذها منهم بعد حروب وحصار. ولما مات قام من بعده ابنه الإمام الناصر صلاح الدين محمد بعهده إليه فمات بعد ثمانية وعشرين يوما، فأجمع الزيدية بعده على رجل منهم يقال له صلاح ابن على بن محمد بن أبى القاسم وبايعوه ولقبوه بالمهدى، وهو من بنى [عمرو] «4» عم الإمام المنصور. قلت: والجميع زيدية بمعزل عن أهل السنة. أمر النيل [فى هذه السنة] «5» : الماء القديم ستة أذرع وثمانية عشر أصبعا؛ مبلغ الزيادة: تسعة عشر ذراعا وستة أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 841

[ما وقع من الحوادث سنة 841] السنة السابعة عشرة من سلطنة الملك الأشرف برسباى [على مصر] «1» وهى سنة إحدى وأربعين وثمانمائة. [فيها] «2» كانت وفاة الأشرف المذكور فى ذى الحجة حسبما تقدم ذكره. [و] «3» فيها كان الطاعون بالديار المصرية وكان «4» مبدؤه من شهر رمضان وارتفع فى ذى القعدة فى آخره، ومات فيه خلائق من الأعيان والرؤساء وغيرهم، لكنه فى الجملة كان أضعف من طاعون سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة «5» . [وفيها] «6» توفى القاضى سعد الدين إبراهيم ابن القاضى كريم الدين عبد الكريم ابن سعد الدين بركة، ناظر الخاص الشريف [وابن ناظر الخاص] «7» المعروف بابن كاتب جكم، فى يوم الخميس سابع عشر [شهر] «8» ربيع الأول، بعد مرض طويل وسنه دون الثلاثين سنة؛ وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمنى «9» [من تحت القلعة] «10» ودفن عند أبيه بالقرافة. وكان شابا عاقلا سيوسا كريما مدبرا، ولى الخاص صغيّرا «11» بعد وفاة أبيه، فباشر بحرمة ونفذ الأمور وساس الناس وقام بالكلف السلطانية أتم قيام، [72] لا سيما لما سافر [الملك] «12» الأشرف إلى آمد فإنه تكفل عن السلطان بأمور كثيرة تكلف فيها كلفة كبيرة، كل ذلك وسيرته مشكورة، إلا أنه كان منهمكا فى اللذات التى تهواها النفوس، مع ستر وتجمل؛ سامحه الله [تعالى] «13» .

وتولى نظرّ الخاص من بعده أخوه الصاحب جمال الدين يوسف ابن القاضى كريم الدين عبد الكريم، وهو مستمر على وظيفته مضافة لنظر الجيش وتدبير الممالك فى زماننا هذا «1» ، إلى أن مات «2» حسبما يأتى ذكره فى مواطن كثيرة من هذا الكتاب [وغيره إن شاء الله تعالى] «3» . وتوفى الأمير الكبير سيف الدين جانبك بن عبد الله الصوفى الظاهرى صاحب الوقائع والأهوال والحروب، فى يوم الجمعة خامس عشرين «4» [شهر] «5» ربيع الآخر بديار بكر وقطعت رأسه وحملت إلى مصر وطيف بها على رمح ثم ألقيت فى قناة سراب، وقد تقدم ذكر ذلك كله مفصلا فى مواضع كثيرة وما وقع للناس بسببه بالديار المصرية والبلاد الشرقية، غير أننا نذكر هنا أصله ومنشأه إلى أن مات، على طريق الإيجاز: كان أصله من مماليك [الملك] «6» الظاهر برقوق الصّغار، وترقّى فى الدولة الناصرية [فرج] «7» إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف، ثم ولاه الملك المؤيد رأس نوبة النّوب، ثم نقله بعد مدة إلى إمرة سلاح، ثم أمسكه وحبسه إلى أن أطلقه الأمير ططر بعد موت المؤيد، وأنعم عليه بإمرة وتقدمة ألف ثم خلع عليه باستقراره أمير «8» سلاح بعد مسك قجقار القردمى، ثم خلع عليه بعد سلطنته باستقراره «9» أتابك العساكر بالديار المصرية، ثم أوصاه الملك الظاهر ططر عند موته بتدبير ملك ولده الملك الصالح محمد. ومات [الملك] «10» الظاهر ططر، فصار جانبك المذكور «نظام الملك» و «مدبر الممالك» ، فلم يحسن التدبير ولا استمال أحدا من أعيان خجدا شيّته من الأمراء، فنفروا

عنه الجميع ومالوا إلى الأمير طرباى وبرسباى حسبما ذكرنا ذلك كله مفصلا مشبعا «1» ؛ ولا زالوا فى التدبير عليه حتى خذلوه فى يوم عيد النحر، بعد ما لبس آلة الحرب هو والأمير يشبك الجكمى الأمير آخور، وأنزلوه من باب السلسلة بإرادته راكبا وعليه آلة الحرب إلى بيت الأمير بيبغا المظفّرى، فحال دخوله إلى البيت قبض عليه وقيّد وحمل إلى القلعة، ثم إلى ثغر الإسكندرية، [بعد أن كان ملك مصر فى قبضته، وأمسك معه يشبك الجكمى أيضا وحبس بثغر الإسكندرية] «2» ، كل ذلك فى أواخر ذى الحجة من سنة أربع وعشرين. ودام جانبك فى سجن الإسكندرية مكرما مبجلا، إلى أن حسّن له شيطانه الفرار منه فأوسع الحيلة فى ذلك، حتى فر من سجنه «3» فى سنة سبع وعشرين وثمانمائة، فعند ذلك حلّ به وبالناس بلاء الله المنزل المتداول سنين عديدة، ذهب فيها أرزاق جماعة، وحبس فيها جماعة كثيرة من أعيان الملوك وضرب فيها جماعة من أعيان الناس وأماثلهم بالمقارع، وجماعة كثيرة من الخاصكية أيضا ضربوا بالمقارع [والكسّارات] «4» ، وأما ما قاساه الناس من كبس البيوت ونهب أقمشتهم «5» وما دخل عليهم من الخوف والرجيف فكثير إلى الغاية، ودام ذلك نحو العشر سنين، فهذا ما حل بالناس لأجل هروبه. وأمّا ما وقع له فأضعاف ذلك، فإنه صار ينتقل من بيت إلى بيت والفحص مستمر عليه فى كل يوم وساعة، حتى ضافت عليه الدنيا بأسرها وأراد أن يسلم نفسه غير مرة، وقاسى أهوالا كثيرة إلى أن خرج من مصر إلى البلاد الشامية وتوصل إلى بلاد الروم حسبما حكيناه، وانضم عليه جماعة من التركمان الأمراء وغيرهم، وقاموا

بأمره أحسن قيام حتى استفحل أمره، فغلب خموله وقلة سعادته تدبيرهم واجتهادهم، إلى أن مات. وكان شجاعا فارسا مفنّنا مليح الشكل رشيق القد كريما رئيسا، إلا أنه كان قليل السعد مخمول الحركات مخذولا فى حروبه، حبس غير مرة ونفد عمره على أقبح وجه، ما بين حبس وخوف وذل وشتات وغربة، إلى أن مات بعد أن تعب وأتعب وأراح بموته «1» واستراح. وتوفى الأمير سيف الدين تمراز المؤيدى نائب صفد ثم نائب غزة مخنوقا [73] بسجن الإسكندرية، فى «2» ثالث عشرين جمادى الآخرة، وكان أصله من مماليك [الملك] «3» المؤيد شيخ وخاصكيّته، وكان مقربا عنده ثم تغير عليه لأمر اقتضى ذلك، وضربه وأخرجه إلى الشام على إقطاع هيّن بطرابلس، ثم نقل بعد موت [الملك] «4» المؤيد إلى إمرة بدمشق. فلما كانت وقعة تنبك البجاسى وافقه على العصيان، فلما ظفر [الملك] «5» الأشرف بالبجاسى فر تمراز هذا واختفى مدة، ثم ظفر به وسجن بقلعة دمشق، ثم أطلق وأنعم عليه بإقطاع بها، ثم نقله الأشرف إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، ثم أقره فى نيابة صفد فلم تشكر سيرته ورمى بعظائم، فعزله السلطان وولاه نيابة غزة عوضا عن يونس الرّكنى. وانتقل يونس إلى نيابة صفد، فلما ولى غز أساء السيرة [أيضا] «6» وظلم وعسف وأفحش فى القتل وغيره، فطلبه السلطان إلى الديار المصرية وأمسكه وحبسه بالإسكندرية ثم قتله خنقا؛ ولا أعرف من أحوال تمراز غير ما ذكرته أنه مذموم السيرة كثير الظلم. وتوفى الأمير جانبك بن عبد الله السيفى يلبغا الناصرى المعروف بالثور، أحد

أمراء الطبلخاناه والحاجب الثانى، وهو يلى شدّ بندر جدّة بمكة، فى حادى عشر شعبان. وكان أميرا ضخما متجملا فى مركبه وملبسه ومماليكه، وهو الذي أخرب المسطبة التى كانت ببندر جدة التى كان من طلع عليها «1» واستجار بها لم يؤخذ [منها] «2» ، ولو كان ذنبه ما عسى أن يكون، حتى [و] «3» لو قتل نفسا وطلع فوقها لا يؤخذ منها. وكانت هذه العادة قديما بجدة، فأخرب جانبك [المذكور] «4» المسطبة المذكورة، ووقع بينه وبين عرب تلك البلاد وقعة عظيمة قتل فيها جماعة. وانتصر جانبك المذكور ومشى له ما قصده من هدم المسطبة المذكورة ومحى أثرها إلى يومنا هذا، يرحمه «5» الله [تعالى] «6» على هذه الفعلة، فإنها من أجمل «7» الأفعال وأحسنها دنيا وأخرى، ولم ينتبه لذلك من جاء «8» قبله من الأمراء حتى وفّقه الله تعالى لمحو هذه السنّة القبيحة التى كانت ثلمة فى الإسلام وأهله «9» . قلت: كم ترك الأول للآخر. وتوفى الشيخ شمس الدين محمد بن خضر بن داؤد بن يعقوب الشهير بالمصرى، الحلبى الأصل الشافعى، أحد موقّعى الدّست بالقدس [الشريف] «10» ، فى يوم الأحد النصف من [شهر] «11» رجب؛ وكان ديّنا خيرا وله رواية عالية بسنن ابن ماجة وحدّث وأسمع سنين. وتوفى شيخ الإسلام علامة الوجود علاء الدين محمد بن محمد بن محمد بن محمد ابن محمد بن محمد بن محمد «12» البخارى العجمى الحنفى، الإمام العالم الزاهد المشهور،

فى خامس [شهر] «1» رمضان بدمشق. [وسمّاه بعضهم عليّا وهو غلط] «2» ، ومولده فى سنة تسع وسبعين وسبعمائة ببلاد العجم، ونشأ بمدينة بخارى «3» ، وتفقّه بأبيه وعمه علاء الدين عبد الرحمن، وأخذ الأدبيات والعقليات عن العلامة سعد الدين التفتازانى وغيره، ورحل فى شبيبته فى طلب العلم إلى الأقطار، واشتغل «4» على علماء عصره إلى أن برع فى المعقول والمنقول والمفهوم والمنظوم واللغة العربية، [وترقى فى التصوف والتسليك] «5» وصار إمام عصره، وتوجه إلى الهند واستوطنه مدة «6» ، وعظم أمره عند ملوك الهند إلى الغاية، لما شاهدوه من غزير علمه وعظيم زهده وورعه. ثم قدم إلى مكة المشرفة وأقرأ «7» بها مدة، ثم قدم إلى الديار المصرية واستوطنها سنين كثيرة وتصدّى للإقراء والتدريس، وقرأ عليه غالب علماء عصرنا من كل مذهب وانتفع الجميع بعلمه وجاهه وماله، وعظم أمره بالديار المصرية بحيث أنه منذ قدم القاهرة إلى أن خرج منها لم يتردد إلى واحد من أعيان الدولة حتى ولا السلطان، وتردد إليه جميع أعيان أهل مصر من السلطان إلى من دونه؛ كل ذلك وهو مكب على الأشغال، مع ضعف كان يعتريه ويلازمه فى كثير من الأوقات، وهو لا يبرح عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والقيام فى ذات الله بكل ما تصل قدرته إليه. ثم بدا له التوجه إلى دمشق فسار إليها، بعد أن سأله السلطان فى الإقامة «8» بمصر [غير مرة] «9» فلم يقبل؛ وتوجه [74] إلى دمشق وسكنها إلى أن مات بها.

ولم يخلف بعده مثله، لأنه كان جمع بين العلم والعمل مع الورع الزائد والزهد والعبادة والتحرى فى مأكله ومشربه من الشبهة وغيرها، وعدم قبوله العطاء من السلطان وغيره، وقوة قيامه فى إزالة البدع ومخاشنته لعظماء الدولة فى الكلام، وعدم اكتراثه بالملوك واستجلاب خواطرهم، وهو مع ذلك لا يزداد إلا مهابة وعظمة فى نفوسهم، بحيث أن السلطان كان إذا دخل عليه لزيارته يصير فى مجلسه كآحاد الأمراء، من حين يجلس عنده إلى أن يقوم عنه، والشيخ علاء الدين يكلمه فى مصالح المسلمين ويعظه بكلام غير منمّق، خارج عن الحد فى الكثرة، والسلطان «1» سامع له مطيع. وكذلك لما سافر السلطان إلى آمد، أول ما دخل إلى دمشق ركب إليه وزاره وسلّم عليه، فهذا شئ لم نره وقع لعالم من علماء عصرنا جملة كافية. وهو أحد من أدركناه من العلماء الزهّاد العبّاد، رحمه الله [تعالى] «2» ونفعنا بعلمه وبركته. وتوفى الشيخ الإمام العالم «3» العلامة علاء الدين على بن موسى بن إبراهيم الرومى الحنفى فى قدمته الثانية إلى مصر، فى يوم الأحد العشرين من شهر رمضان بالقاهرة، وكان ولى مشيخة المدرسة الأشرفية المستجدة بخط العنبريّين بالقاهرة، ثم تركها وسافر إلى الروم، ثم قدم بعد سنين إلى مصر ثانيا وأقام بها إلى أن مات. وكان بارعا فى علوم كثيرة محققا بحاثا إماما فى المعقول والمنقول، تخرّج بالشيخين: الشريف الجرجانى والسعد التفتازانى، إلى أن برع وتصدى للإقراء والتدريس مدة طويلة، ووقع له أمور طويلة مع فقهاء الديار المصرية، وتعصبوا عليه، وهو ينتصب عليهم وأبادهم، لأنه كان عارفا بعلم الجدل، كان يلزم أخصامه بأجوبة مسكتة، ولهذا حطّ عليه بعض علماء عصرنا بأن قال: كان يفحش فى اللفظ، ولم ينسبه إلى جهل بل ذكر عنه [العلم] «4» الوافر، والفضل ما شهدت

به الأعداء؛ ولا أعلم فيه ما ينقصه غير أنه كان مستخفا بعلماء مصر، لا ينظر أحدا منهم فى درجة الكمال. وكان مما يقطع به أخصامه فى المباحث أنه كان حضر عدة مباحث بين الجرجانى والتفتازانى وغيرهما من العلماء، وحفظ ما وقع بينهم من الأجوبة والأسئلة «1» ، وصار يسأل الناس بتلك الأسئلة والقوم ليس «2» فيهم من هو [فى] «3» تلك الطبقة، فكلّ من سأله سؤالا من ذلك وقف وعجز عن الجواب المرضى وقصر، فيتقدم عند ذلك الشيخ علاء الدين ويذكر الجواب فيعجب كل أحد. وبالجملة فإنه كان عالما مفنّنا، رحمه الله [تعالى] «4» . وتوفى القاضى ناصر الدين محمد بن بدر الدين حسن الفاقوسى الشافعى، أحد أعيان موقّعى الدّست بالديار المصرية، فى ليلة الاثنين تاسع شوال بالطاعون، عن بضع «5» وسبعين سنة؛ وكان حشما وقورا، وله فضل وأفضال، وحدّث سنين، وسمع منه خلائق، وكان معدودا من الرؤساء «6» بالديار المصرية. وكان مولده بالقاهرة فى ليلة الجمعة خامس عشرين صفر سنة ثلاث وستين وسبعمائة، والفاقوسى نسبة إلى قرية بالشرقية من أعمال مصر تسمى منية الفاقوس. وتوفى الأمير سيف الدين آقبردى بن عبد الله الفجماسى نائب غزة بها، وكان أصله من مماليك الأمير قجماس والد إينال باى، ترقّى بعده إلى أن صار أمير عشرة بمصر ودام على ذلك سنين كثيرة، إلى أن ولى نيابة غزة بالبذل «7» بعد أن قبض تمراز المؤيدى، فلم تطل مدته ومات، وكان تركى الجنس غير مشكور السيرة. وتوفى دولات خجا الظاهرى، والى القاهرة ثم محتسبها، بالطاعون فى يوم السبت

أول ذى القعدة. وكان أصله تركى الجنس من أوباش مماليك الظاهر برقوق، أعرفه قبل أن يلى الوظائف وهو من جملة حرافيش المماليك السلطانية، ثم ولّاه [الملك] «1» الأشرف الكشف ببعض الأقاليم فأباد المفسدين وقويت حرمته، فمن يومئذ صار ينقله من وظيفة إلى أخرى، حتى ولى القاهرة مرتين وعدة أقاليم، ثم ولّاه حسبة [75] القاهرة. وقد تقدم من ذكره نبذة كبيرة فى ترجمة [الملك] «2» الأشرف، وفى الجملة أنه كان ظالما فاجرا فاسقا غشوما شيخا جاهلا «3» ضالا «4» خبيثا، عليه من الله ما يستحقه، ولولا أنه شاع ذكره لكثرة ولاياته وأرّخه جماعة من أعيان المؤرخين، ما ذكرته فى هذا الكتاب ونزّهته عن ذكر مثله. وتوفى الأمير- ثم القاضى- صلاح الدين محمد ابن الصاحب بدر الدين حسن ابن نصر الله الفوّىّ الأصل المصرى، كاتب السر الشريف بالديار المصرية، بالطاعون فى ليلة الأربعاء خامس ذى القعدة. [و] «5» مولده فى [شهر] «6» رمضان سنة تسعين وسبعمائة، ونشأ بالقاهرة تحت كنف والده الصاحب بدر الدين، وتزيّا بزى الجند وولى الحجوبية فى دولة [الملك] «7» الناصر فرج، ثم ولى الأستادّارية فى الدولة المظفّرية ثم عزل، ثم أعيد إليها بعد سنين، ثم عزل بأبيه، وصودر ولزم داره سنين طويلة هو ووالده، إلى أن ولاه [الملك] «8» الأشرف بعد سنة خمس وثلاثين حسبة القاهرة. وأخذ صلاح الدين بعد ذلك يتقرب بالتحف والهدايا للسلطان ولخواصه، إلى أن اختص به ونادمه، وصار يبيت عنده فى ليالى البطالة بالقلعة، وحج أمير الركب

الأول، وعاد فولّاه كتابة السر على حين غفلة، بعد عزل القاضى محب الدين محمد بن الأشقر، من غير سعى، فى يوم الخميس ثانى عشرين ذى الحجة سنة أربعين وثمانمائة، وترك زىّ الجند ولبس زىّ الفقهاء، وصار يدعى بالقاضى بعد الأمير، فباشر كتابة السر بحرمة وافرة وعظم فى الدولة، فلم تطل أيامه ومات فى حياة والده، واستقر والده عوضه فى كتابة السر. وكان صلاح الدين حشما متواضعا كريما، يكتب المنسوب، إلا أنه كان من الكذبة الذين «1» يضرب بكذبهم المثل، يحكى عنه من ذلك أشياء كثيرة، ورأيت أنا منه نوعا، غير أن الذي حكى [لى] «2» عنه أغرب، وقد جربت أنا كذبه بأنه لا يضر ولا ينفع، وهو أن غالب كذبه كان على نفسه، فيما وقع له قديما وحديثا، فهذا شىء لا يضر أحدا، ولعل الله أن يسامحه فى ذلك. وتوفى الشهابى أحمد بن [على] «3» ابن الأمير سيف الدين قرطاى بن عبد الله سبط بكتمر الساقى، بالطاعون فى ليلة الاثنين عاشر ذى القعدة. ومولده فى يوم الأحد ثالث عشرين شعبان سنة ست وثمانين وسبعمائة بالقاهرة، ومات ولم يخلف بعده مثله فى أبناء جنسه، لفضائل جمعت فيه، من حسن كتابة ونظم القريض، وحلو محاضرة وجودة مذاكرة؛ وكان سمينا جدا لا يحمله إلا الجياد من الخيل، رحمه الله تعالى «4» . [ومن شعره] «5» : [المجتث] حبىّ المعذّر وافى «6» ... [من] «7» بعد هجر بوصل

وقال: صف لى عذارى ... فقلت: يا حبّ نملى «1» وله [أيضا] «2» فى مليح يسمى خصيب «3» : [الطويل] رعى الله أيام الرّبيع وروضها ... بها الورد يزهو مثل خدّ حبيبى وإنّى وحقّ الحبّ «4» ليس ترحّلى ... سوى لمكان ممرع وخصيب وتوفى الأمير إسكندر بن قرا يوسف صاحب تبريز مشتتا عن بلاده بقلعة ألنجا «5» ، ذبحه ابنه شاه قوماط «6» فى ذى القعدة خوفا من شره؛ وملك بعده البلاد أخوه جهان شاه بن قرا يوسف. وكان شجاعا مقداما «7» قويا فى الحروب، أباد قرايلك فى مدة عمره، وتقاتل مع شاه رخ بن تيمور لنك غير مرة، وهو ينهزم على أقبح وجه. وكان إسكندر أيضا على قاعدة أولاد قرا يوسف: لا يتدين بدين، إلا أنه كان أحسن حالا من أخويه شاه محمد وأصبهان؛ وقد مرّ من ذكر إسكندر هذا وإخوته جملة كبيرة تعرف منها أحوالهم. وتوفى نور الدين على بن مفلح وكيل بيت المال، وناظر البيمارستان [المنصورى] «8» فى يوم الجمعة ثانى عشرين ذى القعدة، بالطاعون. وكان معدودا من بياض الناس «9» ، وله ترداد إلى الرؤساء، غير أنه كان عاريا من العلوم.

وتوفى الأمير الكبير سودون من عبد الرحمن نائب [76] الشام ثم أتابك العساكر بالديار المصرية بطّالا بثغر دمياط فى يوم السبت العشرين من ذى الحجة؛ لم يخلف بعده مثله حشمة ورئاسة وعقلا وتدبيرا وشكالة. وقد مرّ من ذكره فى واقعة الأمير قانى باى نائب الشام فى الدولة المؤيدية أنه كان نائب طرابلس، ووافق قانى باى المذكور، وانهزم بعد قتل قانى باى إلى قرا يوسف بالشرق، وأنه كان ولى نيابة غزة فى الدولة الناصرية فرج، وتقدمة ألف بالقاهرة، وأنه قدم على الأمير ططر بعد موت المؤيد، واستقر بعد سلطنة [الملك] «1» الأشرف دوادارا كبيرا عوضا عن الأشرف المذكور، ثم نقل إلى نيابة دمشق بعد عصيان تنبك البجاسى فدام مدة يسيرة، ثم نقل إلى أتابكية العساكر بالديار المصرية عوضا عن جارقطلو [بحكم انتقال جارقطلو] «2» إلى نيابة دمشق عوضه، ثم مرض وطال مرضه إلى أن أخرج عنه السلطان إقطاعه وعزله عن الأتابكية، ثم سيّره بعد مدة أشهر إلى ثغر دمياط بطّالا فدام به إلى أن مات. وكان أجلّ المماليك الظاهرية [برقوق] «3» ، وهو أحد من أدركناه من ضخماء الملوك وعظمائهم، مع حسن الشكالة والزى البهيج رحمه الله تعالى. أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم خمسة أذرع وثلاثة وعشرون أصبعا؛ مبلغ الزيادة: عشرون ذراعا وخمسة عشر أصبعا «4» .

ذكر سلطنة الملك العزيز [يوسف] ابن السلطان الملك الأشرف برسباى الدقمافى

ذكر سلطنة الملك العزيز [يوسف] «1» ابن السلطان «2» الملك الأشرف برسباى الدّقمافى «3» السلطان الملك العزيز جمال الدين أبو المحاسن يوسف ابن السلطان الملك الأشرف [سيف الدين أبى نصر] «4» برسباى الدّقماقى الظاهرى الجاركسى، التاسع من ملوك الجراكسة وأولادهم، والثالث والثلاثون من ملوك الترك وأولادهم بالديار المصرية، تسلطن بعد موت أبيه بعهد منه إليه، فى آخر يوم السبت ثالث عشر ذى الحجة قبل غروب الشمس بنحو ساعة، ولبس خلعة السلطنة من باب الستارة بقلعة الجبل، وقد تكامل حضور الخليفة والفضاة والأمراء وأعيان الدولة، وبايعه الخليفة المعتضد بالله داؤد وفوّض عليه خلعة السلطنة السواد «5» الخليفتى، وركب من باب الستارة وجميع الأمراء مشاة بين يديه، حتى نزل على باب النصر السلطانى من قلعة الجبل، ودخل إليه وجلس على سرير الملك وعمره يومئذ أربع عشرة سنة وسبعة أشهر، وقبّل الأمراء الأرض بين يديه على العادة ونودى بسلطنته بالقاهرة ومصر، ثم أخذ الأمراء فى تجهيز والده فجهز وغسل وكفن وصلى عليه، ودفن بالصحراء حسبما ذكرناه فى ترجمته، ولقبوه بالملك العزيز وتم أمره فى الملك ودقّت الكوسات «6» بالقلعة. وكان خليفة الوقت يوم سلطنته، المعتضد بالله داؤد العباسى؛ والقضاة: قاضى القضاة شهاب الدين أحمد بن [علىّ] بن حجر الشافعى، وقاضى القضاة بدر الدين محمود العينى الحنفى، وقاضى القضاة شمس الدين محمد البساطى المالكى، وقاضى القضاة محبّ الدين أحمد بن نصر الله البغدادى الحنبلى.

ومن الأمراء أصحاب الوظائف من المقدمين، وغالبهم كان مجردا بالبلاد الشامية، فالذين «1» كانوا بالديار المصرية: الأمير الكبير أتابك العساكر جقمق العلائى، والأمير قراخجا الحسنى، والأمير تنبك من بردبك الظاهرى، والأمير تغرى بردى البكلمشى المعروف بالمؤذى؛ والذين «2» كانوا بالتجريدة بالبلاد الشامية: مقدم العساكر الأمير قرقماس الشعبانى الناصرى أمير سلاح، وآقبغا التّمرازى أمير مجلس، وأركماس الظاهرى الدوادار الكبير، وتمراز القرمشى الظاهرى رأس نوبة النّوب، وجانم الأشرفى الأمير آخور الكبير، ويشبك السّودونى حاجب الحجاب، وخجا سودون السّيفى بلاط الأعرج، وقراجا الأشرفى، لتتمة ثمانية من مقدمى الألوف، فجملة الحاضرين والمسافرين ثلاثة عشر أميرا من المقدمين. وأما من كان من أصحاب الوظائف من أمراء الطبلخاناه والعشرات: فشادّ الشراب خاناه عظيم المماليك الأشرفية إينال الأبوبكريّ الأشرفى الفقيه العالم، ونائب القلعة تنبك السّيفى نوروز الخضرىّ المعروف بالجقمقى كلا شىء، والحاجب الثانى أسنبغا الناصرى [77] المعروف بالطيّارى، والزّرد كاش تغرى برمش السيفى يشبك بن أزدمر، فهؤلاء وإن كانوا أمراء طبلخاناه وعشرات فمنازلهم منازل مقدمى الألوف، لأن الأعصار الخالية كان لا يلى كلّ وظيفة من هذه الوظائف إلا مقدم ألف، ويظهر ذلك من لبسهم الخلع فى المواسم وغيرها؛ وكان الدوادار الثانى تمر باى السيفى تمربغا المشطوب، ورأس نوبة ثانى طوخ من تمراز الناصرى، والأمير آخور الثانى يخشباى المؤيدى ثم الأشرفى، والخازندار على باى الساقى الأشرفى وهو أمير عشرة، وأستادّار الصحبة مغلباى الجقمقى «3» أمير عشرة، والزمام الطواشى الحبشى جوهر الجلبانى اللالا، والخازندار الطواشى الحبشى جوهر القنقبائى أمير عشرة أيضا، ومقدم المماليك الطواشى الرومى خشقدم اليشبكى أمير طبلخاناه، ونائبه فيروز الرّكنى أمير عشرة.

ومباشرو الدولة كاتب السر الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله الفوّىّ، وناظر الجيش زين الدين عبد الباسط بن خليل الدمشقى، والوزير الصاحب كريم الدين عبد الكريم ابن كاتب المناخ، وناظر الخاص الشريف الصاحب جمال الدين يوسف ابن كاتب جكم، والأستادّار جانبك مملوك عبد الباسط صورة- ومعناها أستاذه عبد الباسط، ولولا مخافة أن أتّهم بالنسيان لوظيفة الأستادارية ما ذكرناه هنا- ومحتسب القاهرة القاضى الإمام نور الدين على السّويفى أحد أئمة السلطان، ووالى القاهرة عمر الشّوبكى. و [من] «1» عاصره من ملوك الأقطار وأمراء الحجاز ونواب البلاد الشامية وغيرها: فممالك العجم بيد القان معين الدين شاه رخ بن تيمور لنك، وهو صاحب خراسان وجرجان وخوارزم وما وراء النهر ومازندران وجميع عراق العجم وغالب ممالك الشرق، إلى دلى من بلاد الهند، وإلى حدود أذربيجان التى كرسيّها مدينة تبريز؛ وصاحب تبريز يومذاك إسكندر بن قرا يوسف، وقد تشتّت عنها منهزما من شاه رخ؛ وقتل فى هذه السنة أخوه أصبهان بن قرا يوسف صاحب بغداد وغالب عراق العرب «2» ، وقد خربت تلك الممالك فى أيامه وأيام أخيه شاه محمد؛ وملوك ديار بكر [من وائل] «3» عدة كبيرة، فصاحب ماردين وآمد وأرزن وأرقنين وغيرهم أولاد قرايلك؛ وحصن كيفا بيد الملك الكامل صلاح الدين خليل الأيوبى، وقلعة أكلّ بيد دولات شاه الكردى، والجزيرة بيد عمر البختىّ، وإقليم شماخى بيد السلطان خليل، والروم بيد ثلاثة ملوك، أعظمهم السلطان مراد بك بن محمد بن عثمان صاحب برصّا، وأدرنا بولى «4» ، وغيرها.

وبجانب آخر: إسفنديار «1» بن أبى يزيد، وباقى أطراف الروم مع السلطان إبراهيم بن قرمان، مثل لارنده وقونية وغيرهما؛ وبلاد المغرب: فصاحب تونس وبجاية وبلاد إفريقية أبو عمرو عثمان بن أبى عبد الله محمد ابن مولاى أبى فارس عبد العزيز الحفصى، وبلاد تلمسان والغرب الأوسط: أبو يحيى بن أبى حمّود، [و] «2» بممالك فاس ثلاثة «3» ملوك: أعظمهم صاحب فاس، وهو أبو محمد عبد الحق بن عثمان بن أحمد بن إبراهيم ابن السلطان أبى الحسن المرينى، وملك أندلس أبو عبد الله محمد بن الأيسر ابن الأمير نصر ابن السلطان أبى عبد الله بن نصر المعروف بابن الأحمر صاحب غرناطة. وصاحب مكة المشرفة زين الدين أبو زهير بركات بن حسن بن عجلان الحسينى «4» ؛ وأمير المدينة الشريف إميان بن مانع بن على الحسينى؛ وأمير الينبوع الشريف عقيل بن زبير بن نخبار. وببلاد «5» اليمن: الظاهر يحيى ابن الملك الأشرف إسماعيل من بنى رسول «6» ، وهو صاحب تعزّ وعدن وزبيد وما والاها «7» ؛ وصاحب صنعاء وبلاد صعدة الإمام صلاح الدين محمد؛ وبلاد الفرنج ستّ عشرة «8» مملكة يطول الشرح فى تسميتها «9» ؛ وببلاد الحبشة: الحطىّ الكافر ومحاربه ملك المسلمين شهاب الدين أحمد بن بدلاى «10» ابن السلطان سعد الدين أبى البركات محمد

ابن أحمد بن على بن ناصر الدين محمد بن دلحوى بن منصور بن عمر بن ولشمع «1» الجبرتى «2» الحنفى. ونواب البلاد الشامية: نائب [78] دمشق الأتابك إينال الجكمى، ونائب حلب حسين بن أحمد البهسنى المدعو تغرى برمش، ونائب طرابلس جلبان الأمير آخور، [وفى معتقده أقوال كثيرة] «3» ، ونائب حماه قانى باى الحمزاوى، ونائب صفد إينال العلائى الناصرى، أعنى السلطان الملك «4» الأشرف إينال؛ ونائب غزة آقبردى القجماسى، ومات بعد أيام؛ ونائب الكرك خليل بن شاهين؛ ونائب القدس طوغان العثمانى؛ ونائب ملطية حسن بن أحمد أخو نائب حلب؛ وحسن الأكبر- انتهى. قلت: وفائدة ما ذكرناه هنا من ذكر أصحاب الوظائف من الأمراء وغيرهم، يظهر بتغيير الجميع وولاية غيرهم بعد مدة يسيرة فى أوائل سلطنة [الملك] «5» الظاهر جقمق، لتعلم تقلبات الدهر وأن الله على كل شىء قدير. وأما ذكر ملوك الأطراف وغيرهم فهو نوع استطراد لا يخلو من فائدة، وليس فيه خروج مما نحن بصدده- انتهى. *** ولما تم أمر السلطان الملك العزيز ونودى بسلطنته وبالنفقة على المماليك السلطانية فى يوم الاثنين خامس عشر ذى الحجة، لكل مملوك مائة دينار، سكن قلق الناس وسرّوا جميعا بولايته، ولم يقع فى ذلك اليوم هرج ولا فتنة ولا حركة، واطمأنت

الناس، وباتوا على ذلك وأصبحوا فى بيعهم وشرائهم «1» ؛ غير أن المماليك صاروا فرقا «2» مختلفة، والقالة موجودة بينهم فى الباطن. ولما كان يوم الأحد رابع عشر ذى الحجة، حضر الأمراء والخاصكيّة للخدمة بالقصر على العادة، وأنعم السلطان الملك العزيز على الخليفة أمير المؤمنين المعتضد بالله بجزيرة الصابونى «3» زيادة على ما بيده، وكتب إلى البلاد الشامية ولجميع الممالك بسلطنته. ثم فى يوم «4» الاثنين ابتدأ السلطان بنفقة المماليك السلطانية بعد أن جلس بالمقعد الملاصق [لقاعة] «5» الدّهيشة المطل على الحوش السلطانى، وبجانبه الأمير الكبير جقمق العلائى وبقية الأمراء. وشرع السلطان فى دفع النفقة إلى المماليك السلطانية، لكل واحد مائة [دينار] «6» ، كبيرهم وصغيرهم وجليلهم وحقيرهم بالسوية، فحسن ذلك ببال الناس وكثر الدعاء للسلطان وعطفت القلوب على محبته. ثم عيّن للتوجه إلى البلاد الشامية للبشارة الأمير إينال الأحمدى الظاهرى الفقيه أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، وعلى يده مع البشائر كتب للأمراء المجردين بالبلاد الشامية تتضمن موت [الملك] «7» الأشرف وسلطنة ولده الملك العزيز هذا. ثم قدم رسول الأمير حمزة بن قرايلك صاحب ماردين وأرزن وصحبته شمس الدين القلمطاوى، ومعهما هدية وكتاب يتضمن دخول حمزة [المذكور] «8» فى طاعة السلطان، وأنه أقام الخطبة وضرب السكة إلى السلطان ببلاده، وأنه صار من

جملة نواب السلطان، وكان الأمراء المجردون «1» كاتبوه فى دخوله فى طاعة السلطان فأجاب؛ وفى جملة الهدية دراهم ودنانير بسكة السلطان [الملك] «2» الأشرف برسباى، فخلع على قاصده وأكرمه. ثم خلع السلطان فى يوم الثلاثاء سادس عشر ذى الحجة على الأمير طوخ مازى الناصرى- ثانى رأس نوبة- باستقراره فى نيابة غزة بعد موت آقبردى القجماسى. كل ذلك والسلطان يطيل السكوت فى المواكب السلطانية [و] «3» لا يتكلم فى شئ من الأمور، وصار المتكلم فى الدولة ثلاثة أنفس: الأمير الكبير جقمق العلائى، والأمير إينال الأبوبكرى الأشرفى شادّ الشراب خاناه، والزينى عبد الباسط ناظر الجيش؛ فمشى الحال على ذلك أباما ثلاثة «4» . فلما كان يوم السبت العشرين من ذى الحجة، وقع بين الأمير إينال الأبوبكرى المذكور وبين جكم الخاصكى- خال [الملك] «5» العزيز- مفاوضة آلت إلى شر؛ وابتدأت الفتنة من يومئذ، وعظّم الأمر بينهما «6» من له غرض فى إثارة الفتن لغرض من الأغراض. وكان سبب الشر إنكار جكم على إينال لتحكمه فى الدولة، وأمره ونهيه، وكونه صار يبيت بالقلعة، فغضب إينال أيضا ونزل إلى داره، ومال إليه جماعة كبيرة من إنياته بطبقة الأشرفية. ثم نزل عبد الباسط إلى داره من الخدمة، فتجمع عليه جماعة كبيرة من المماليك الأشرفية وأحاطوا به وأوسعوه سبّا، وربما أراد بعضهم ضربه والأخراق به، لولا ما خلّصه [79] بعض من كان معه من أمراء المؤيدية بأن تضرع للمماليك المذكورين ووعدهم بعمل المصلحة حتى تفرقوا عنه، وتوجه إلى داره على أقبح وجه.

واستمر من هذا اليوم الكلمة مختلفة وأحوال الناس متوقفة، وصار كل من المماليك الأشرفية يريد أن يكون هو المتكلم فى الدولة، ويقدم إنياته ويجعلهم خاصكيّة. كل ذلك والأمير الكبير جقمق سامع لهم ومطيع، وصار يدور معهم كيف ما أرادوا، وإينال المشدّ يزداد غضبه ويكثر من القالة، لتحكم جكم فى الباطن، والشر ساكن فى الظاهر، والمملكة مضطربة ليس للناس [فيها] «1» من يرجع إلى كلامه. فلما كان يوم السبت سابع عشرين ذى الحجة أنعم السلطان الملك العزيز على الأتابك جقمق العلائى بإقطاعه الذي كان «2» بيده فى حياة والده، بعد أن سأل السلطان الأتابك جقمق فى ذلك غير مرة، وأنعم بإقطاع الأتابك جقمق على الأمير تمراز القرمشى رأس نوبة النّوب، وهو أحد الأمراء المجردين إلى البلاد الشامية، وأنعم بإقطاع تمراز المذكور على تمرباى التمربغاوى الدوادار الثانى، والجميع تقادم ألوف لكن التفاوت فى كثرة الخراج وزيادة المغلّ فى السنة. وأنعم بإقطاع تمرباى المذكور على الأمير علىّ باى الأشرفى الساقى الخازندار، وأنعم بإقطاع طوخ مازى الناصرى- المنتقل إلى نيابة غزة قبل تاريخه- على الأمير يخشباى الأشرفى الأمير آخور الثانى، وأنعم بإقطاع يخشباى المذكور على الأمير يلخجا من مامش الساقى الناصرى رأس نوبة، والجميع أيضا طبلخاناة. وأنعم بإقطاع يلخجا الساقى على السيفى قانى باى الجاركسى وصار أمير عشرة، بعد أن جهد الأتابك جقمق فى أمره وسعى فى ذلك غاية السعى، وأرسل بسببه إلى عبد الباسط وإلى الأمير إينال المشد غير مرة حتى تم له ذلك. وخلع السلطان على الأمير إينال الأبوبكرى المشد باستقراره دوادارا ثانيا عوضا عن تمر باى؛ كل ذلك والقالة موجودة بين جميع العسكر ظاهرا وباطنا.

ثم أصبح من الغد فى يوم الأحد خلع السلطان على الأمير على باى الخازندار، باستقراره شادّ الشراب خاناه، عوضا عن إينال الأبوبكريّ. ثم فى يوم الاثنين استقر دمرداش الأشرفى، أحد أصاغر المماليك الأشرفية، والى القاهرة عوضا عن [عمر] «1» الشّوبكى، وانفض الموكب ونزل الأتابك إلى جهة بيته. فلما كان فى أثناء الطريق اجتمع عليه جماعة كبيرة من المماليك الأشرفية وطلبوا منه أرزاقا، فأوعدهم وخادعهم وتخلص منهم، فتوجهوا إلى الزينى عبد الباسط ناظر الجيش فاختفى منهم، وقد صار فى أقبح حال منذ مات [الملك] «2» الأشرف، من الذلة والهوان ومما داخله [من] «3» الخوف من المماليك الأشرفية من كثرة التهديد والوعيد، وقد احتار فى أمره وهم على الهروب غير مرة. واستهلت سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة يوم الثلاثاء، وقد ورد الخبر بقدوم عرب لبيد إلى البحيرة، فندب السلطان تغرى بردى البكلمشى المؤذى «4» أحد مقدمى الألوف، فخرج من القاهرة فى يوم الجمعة رابع المحرم وصحبته عدة من المماليك السلطانية «5» . وفى هذا اليوم خلع السلطان على خاله جكم باستقراره خازندارا كبيرا عوضا عن على باى الأشرفى، واستمر على إقطاع جنديته من غير إمرة. ثم فى يوم الاثنين خامس عشر المحرم نزل الطلب إلى شيخ الشيوخ سعد الدين سعد الديرى، وخلع عليه باستقراره قاضى قضاة الحنفية بالديار المصرية بعد عزل قاضى القضاة بدر الدين محمود العينى، بعد تمنع كبير وشروط منها: أنه لا يقبل رسالة أحد منهم- أعنى أكابر الدولة- وأنه لا يتجوّه عليه فى شىء، وأشياء غير ذلك؛ ونزل إلى داره بالجامع المؤيدى وقد سر الناس بولايته غاية السرور.

وفيه أنعم السلطان على سبعة من الخاصكية، لكل منهم بإمرة عشرة، وهم: قانم من صفر خجا المؤيّدى المعروف بالتاجر أحد الدوادارية، وجكم النّوروزى المجنون، وقانبك الأبوبكريّ الأشرفى الساقى، وجانبك الساقى الأشرفى المعروف بقلق سيز «1» ، وجانم الأشرفى أحد الدوادارية المعروف برأس نوبة سيّدى، وجرباش الأشرفى رأس نوبة [80] الجمدارية المعروف بمشدّ سيّدى، والسابع ما أدرى: أهو جكم خال [الملك] «2» العزيز أو هو آقبردى المظفّرى الظاهرى [برقوق] «3» رأس نوبة الجمدارية؟ وفيه أيضا خلع السلطان على مراد قاصد الأمير حمزة بك بن قرايلك ورسم بسفره وصحبته شمس الدين القلمطاوى أحد موقّعى حلب، وجهز السلطان صحبتهما مبارك شاه البريدى وعلى يده جواب كتاب الأمير حمزة بشكره والثناء عليه، وتشريف له بنيابة السلطنة بممالكه، وفرس بقماش ذهب، وهدية هائلة، ما «4» بين قماش سكندرى وسلاح وغيره، ونسخة يمين، وأجيب الأمراء المجردون أيضا عن كتبهم، ورسم لهم أن يسرعوا فى الحضور إلى الديار المصرية. وفى هذه الأيام كثر الكلام بين الأمراء والخاصكية بسبب التوجه إلى البلاد الشامية وحمل تقاليد النواب بالاستمرار، إلى [أن كان] «5» يوم السبت تاسع عشر المحرم خلع السلطان على الأمير أزبك «6» السيفى قانى باى «7» أحد أمراء العشرات ورأس نوبة- المعروف بجحا- وعين لتقليد الأمير إينال الجكمى نائب الشأم، باستمراره على عادته، وكان تقدم أن السلطان خلع على الأمير إينال الفقيه بتوجهه إلى نائب حلب، وخلع السلطان على إينال الخاصكى بتوجهه إلى الأمير جلبان نائب طرابلس،

وعلى دولات باى الخاصكى [بالتوجه] «1» إلى قانى باى الحمزاوى نائب حماه، وعلى يشبك الخاصكى بالتوجه إلى إينال العلائى الناصرى نائب صفد، كل ذلك والنواب فى التجريدة صحبة الأمراء المصريين. [و] «2» فى هذا اليوم حل بالزينى عبد الباسط أمور غير مرضية من بعض المماليك الأشرفية فى وقت الخدمة السلطانية، هذا بعد ما نزل به قبل تاريخه فى هذه الأيام من «3» أنواع من المكاره، ما بين تهديد ولكم وإساءة، احتاج من أجلها إلى بذل الأموال لهم ولمن يحميه منهم ليخلص «4» من شرهم، فلم يتم له ذلك. ثم فى ثالث عشرين المحرم قدم ركب الحاج إلى القاهرة، وأمير [حاج] «5» المحمل آقبغا من مامش الناصرى المعروف بالتركمانى «6» ، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، بعد أن حل بالحاج من البلاء ما لا مزيد عليه، من أخذهم وأخذ أموالهم ونهيهم، وقد فعلت الأعراب بهم ما فعله التّمريّة «7» فى أهل البلاد الشامية، ومعظم المصيبة كانت بالركب الغزّاوى، فلم يلتفت أحد من أهل الدولة لذلك «8» ، لشغل كل واحد بما يرومه من الوظائف والإقطاعات وغيرها «9» ، ودع الدنيا تخرب ويحصل له مراده. ثم فى يوم الثلاثاء تاسع عشرين «10» المحرم قدم إلى القاهرة مماليك نواب البلاد

الشامية، وعلى أيديهم مطالعات تتضمن أنهم ملكوا مدينة أرزنكان «1» وأنه خطب بها باسم [السلطان] «2» الملك الأشرف برسباى، ولم يعلموا إذ ذاك بموته. ثم فى يوم الخميس أول صفر عملت الخدمة السلطانية ونزل كل واحد إلى داره، فلما كان عبد الباسط بالقرب من باب الوزير تجمع عليه عدة من المماليك الأشرفية وتحاوطوه وأوسعوه سبّا ووعيدا، وهمّوا به، وأراد [بعضهم] «3» ضربه، حتى منعه عنه من كان معه من الأمراء، وتخلص منهم وولى هاربا يريد القلعة، حتى دخلها وهم فى أثره؛ فامتنع بها فأقام بالقلعة يومه كلّه وبات بها وهو يطلب الإعفاء من وظيفتى نظر الجيش والأستادارية. وأصبح السلطان من الغد جلس بالحوش السلطانى على الدّكّة، وطلع الأمير الكبير جقمق نظام الملك واستدعى عبد الباسط إلى حضرة السلطان، والسلطان على عادته من السكات لا يتكلم فى شىء من أمور المملكة، وليس ذلك لصغر سنّه، وإنما هو لأمر يريده الله تعالى. فلما حضر عبد الباسط كلّمه الأمير الكبير فى استمراره على وظيفته، فشكا «4» له ما يحلّ «5» به، فلم يلتفت إلى شكواه وخلع عليه باستمراره، وعلى مملوك جانبك باستمراره على وظيفته الأستادارية، ونزلا إلى دورهما ومعهما جماعة كبيرة. ثم فى يوم الأحد رابع صفر ورد على السلطان كتاب الأمير إينال الجكمى نائب الشام بوصوله بالعساكر المصرية والشامية من البلاد النمالية إلى حلب، وأن الأمير حسين بن أحمد المدعو تغرى برمش نائب حلب تأخر عنهم لما بلغه موت [الملك] «6»

الأشرف، وأنه أراد أن يكبس على الأمراء المصريين، فبلغهم ذلك فاحترزوا على نفوسهم [81] منه إلى أن دخلوا إلى حلب. ثم فى يوم السبت عاشر صفر رسم [السلطان] «1» بأن تقتصر الخدمة السلطانية على أربعة أيام فى الجمعة، وأن تكون الخدمة بالقصر فقط عندما يحضر الأتابك جقمق، وأن تبطل خدمة الحوش لغيبة الأتابك منه، وهذا ابتداء أمر الأتابك جقمق وظهوره فى الدولة، لكثرة من انضم عليه من الطوائف من الأمراء وأعيان المماليك السلطانية. ثم قدم كتاب نائب حلب يتضمن رحيل العساكر من حلب إلى دمشق فى سادس عشرين المحرم، وأنه قدم إلى حلب بعدهم فى ثامن عشرينه، وأنه كان تخوّف من الأمراء المصريين أن يقبضوا عليه فلهذا تخلف عنهم، وأنه فى طاعة السلطان وتحت أوامره، فلم يجب بشىء لشغل أهل الدولة بما هم فيه من تنافر قلوب بعضهم من بعض، وقد وقع أيضا بين المماليك الأشرفية [وبين خجداشهم، وأعظمهم الأمير إينال الأبوبكريّ الدوادار الثانى. فلما كان يوم الاثنين ثانى عشر تجمع المماليك الأشرفية] «2» بالقلعة يريدون قتل الأمير إينال الأبوبكريّ الدوادار الثانى «3» [المقدم ذكره] «4» ، ففرّ منهم بحماية بعضهم له، ونزل إلى داره، فوقفوا خارج القصر وسألوا الأمير جقمق بأن يكون هو المستبد فى الأمر والنهى والتحكم فى الدولة، وأن ترفع يد إينال وغيره من الحكم فى المملكة، فأجاب إلى ذلك ووعدهم بكل خير، ونزل. وقد اتسع للأتابك جقمق- بهذا الكلام- الميدان، ووجد لدخوله فى المملكة بابا كبيرا، فإنه كان عظم جمعه قبل ذلك لكنه كان تخشّى كثرة المماليك الأشرفية، فلما وقع الآن بينهم المباينة خفّ عنه أمرهم قليلا وقوى أمره؛ كل ذلك ولم يظهر منه الميل للوثوب على [الملك] «5»

العزيز بالكلية، غير أنه يوافق القوم فى الإنكار على فعل المماليك الأشرفية وكثرة شرورهم لا غير. ولما كان صباح النهار المذكور، وهو يوم الثلاثاء ثالث عشر صفر، وقف جماعة كبيرة «1» من الأشرفية تحت القلعة بغير سلاح ووقع بينهم وبين خجداشيّتهم الذين هم من طبقة الأشرفية من إنيات «2» إينال وإخوته، وقعة هائلة بالدبابيس، ثم انفضوا وعادوا من الغد فى يوم الأربعاء إلى مكانهم بسوق الخيل. فلما وقع ذلك تحقق المماليك القرانيص وقوع الخلف بين المماليك الأشرفية، فقاموا عند ذلك وتجمعوا عند الأمير الكبير، ومعهم الأمير إينال المذكور بإنياته وخجداشيّته من المماليك الأشرفية وهم جمع كبير أيضا، وتكلموا مع الأمير الكبير بالقيام فى نصرة إينال المذكور، وليس ذلك مرادهم وإنما قصدهم غير ذلك، لكنهم لم يجدوا مندوحة لغرضهم أحسن من هذه الحركة، وأظهروا الميل الكلى إلى نصرة إينال، وصاروا له أصدقاء وهم فى الحقيقة أعدى العدى «3» ، فمال الأتابك جقمق إلى نصرة إينال لكوامن كانت عنده من القوم، وقد صار بهذه القضية فى عسكر هائل وجمع كبير من المماليك الظاهرية [برقوق] «4» وهم خجداشيته، والمماليك الناصرية [فرج] «5» والمماليك المؤيدية شيخ والسّيفية وعالم كبير من المماليك الأشرفية أصحاب إينال. وبقى العسكر قسمين: قسم مع الأمير الكبير جقمق، وهم من ذكرنا ومعظم الأمراء من مقدمى الألوف، وغالب أمراء الطبلخانات والعشرات، ما خلا جماعة من أمراء الأشرفية؛ وقسم آخر بالقلعة عند السلطان الملك العزيز، وهم أكثر المماليك الأشرفية، وعندهم الخليفة والخزائن والزّردخانة، إلا أنهم جهال بمكايد الأخصام

ووقائع الحروب، لم تمر بهم التجارب ولا مارسوا الوقائع. وأعظم من هذا أنهم لم يقرّبوا أحدا من الأكابر وأرباب المعرفة، فضلّوا وأضلوا وذهبوا وأذهبوا وأضعفوا بسوء تدبيرهم قواهم، وتركوا الملك باختلاف آرائهم «1» لمن عداهم، على ما سيأتى بيان ذلك كله فى محله. هذا، وكل من الطائفتين يدّعى طاعة الملك العزيز غير أن الخصم «2» هو إينال، وقد التجأ إلى الأمير الكبير جقمق نظام الملك فقبله الأمير الكبير بمن معه، وقام فى الظاهر بنصرة إينال أتم قيام وفى الحقيقة إنما هو قام بنصرة نفسه، وقد ظهر ذلك لكل أحد حتى لإينال غير أنه صار يستبعد ذلك لعظم خديعة جقمق له، وأيضا لأنه أحوجه الدهر أن يكون من حزبه، كما قيل: وما من حبّه أحنو عليه ... ولكن بغض قوم آخرين [82] ولما وقع ذلك استفحل أمر الأتابك، وتكاثف جمعه، ومعظم من قام فى هذه القضية معه المماليك المؤيّدية، وقد أظهروا ما كان فى ضمائرهم من الأحقاد القديمة فى الدولة الأشرفية، وأخذوا فى الكلام مع الأتابك وتقوية جنابه على الوثوب بالمماليك الأشرفية الذين بقلعة الجبل، وهو يتثاقل عن ذلك حتى يتحقق من أمرهم ما يثق به، وصار يعتذر لهم بأعذار كثيرة: منها قلة المال والسلاح، وأن الذين «3» بقلعة الجبل أقوياء بالقلعة والمال والسلطان والسلاح. فقالوا: هو ما قلت، غير أن هؤلاء جهلة لا يدرون الوقائع ولا مقاومة الحروب ولا أمر العواقب، ونحن أعرف بذلك منهم، وجمعنا يقاتل معك من غير أن تبذل لهم الأموال. ولا زالوا به حتى أذعن لهم، بعد أن بلغه عن بعضهم أنه يقول عنه: «الأمير

الكبير دقن المرأة» ، وأشياء غير ذلك، كونه لا يوافقهم على الركوب، وأنهم يقولون: «إن كان الأمير الكبير ما يوافقنا أقمنا لنا أستاذا غيره» . ولما وافقهم الأمير الكبير على الركوب، أشاروا عليه بعدم الطلوع إلى الخدمة السلطانية من الغد فى موكب يوم الخميس خامس عشر صفر، فقبل منهم ذلك وأصبح يوم الخميس المذكور وقد كثر جمعه، وتحول من داره التى تجاه الكبش على بركة الفيل، إلى بيت نوروز الحافظى تجاه مصلاة المؤمنى، وقد اجتمع عليه خلائق من المماليك من سائر الطوائف وعليهم السلاح الكامل وآلة الحرب. وقبل أن يركب الأمير الكبير جقمق عند وضع رجله فى الركاب قال: «هذا دقن المرأة بيركب [حتى] «1» نبصر إيش تفعل الرجال الفحوله» فصلحوا بأجمعهم: «نقاتل بين يديك إلى أن نفنى أو ينصرك الله على من يعاديك» . ثم سار بجموعه حتى وافى البيت المذكور فوقف على باب الدار، وقد اجتمع عليه جمع من المماليك والزّعر «2» والعامة، فوعدهم الأمير الكبير بالنفقة والإحسان إليهم، كل ذلك ولم يقع إلى الآن قتال. فلما تحقق المماليك الأشرفية ركوب الأمير الكبير، ورأوهم من أعلى قلعة الجبل، أخرجوا السلطان من الدور إلى القصر المطل على «3» الرّميلة واجتمعوا عليه بالقصر وغيره، وقد لبسوا السلاح أيضا. وكان كبراء الأشرفية الذين «4» بالقلعة عند الملك العزيز، من أمراء الأشرفية وغيرهم جماعة: منهم الأمير يخشباى الأشرفى الأمير «5» آخور الثانى، وعلى باى شادّ الشراب

خاناة وتنبك النّوروزى المعروف بالجقمقى نائب قلعة الجبل، وخشكلدى من سيّدى بك الناصرى رأس نوبة، وكزل السّودونى المعلم رأس نوبة، وجكم الخازندار خال [الملك] «1» العزيز، وجماعة أخر ممن تأخر فى أمسه من المماليك الأشرفية، ومعظم الخاصكيّة الأشرفية، أصحاب الوظائف وغيرهم، ما خلا من نزل منهم مع الأمير إينال الأبوبكريّ، واستعدوا لقتال الأمير الكبير ومن معه، وباتوا تلك الليلة، بعد أن تناوشوا فى بعض الأحيان بالرمى بالنشاب، ولم يقع قتال فى مقابله. وأصبحوا فى «2» يوم الجمعة سادس عشر صفر على ما باتوا عليه، واستمر كل طائفة من الفريقين على تعبيتهم إلى بعد صلاة العصر، فزحف بعض «3» أصحاب الأمير الكبير إلى باب القرافة، وهدموا جانبا من سور ميدان القلعة وغيره، ودخلوا إلى الميدان، فنزل إليهم طائفة من السلطانية ركبانا ومشاة وقاتلوهم مواجهة، حتى هزموهم وأخرجوهم من الميدان، وتراموا بالنشاب ساعة فحال بينهم الليل، وبات كل طائفة منهم على حذر. وتوجهت الأشرفية الذين بالقلعة، وفتحوا [باب] «4» الزردخانة السلطانية، وأخذوا من السلاح الذي بها ما أرادوا، ونصبوا «5» مكاحل النفط على سور القلعة، وأخذوا فى أهبة القتال. حتى أصبحوا يوم السبت سابع عشر صفر وقد استفحل أمر السلطانية من عصر أمسه، فتجمعت الجقمقيّة وابتدأوا بقتال السلطانية، فوقع بين الطائفتين قتال بالنشاب والنفوط، فهلك من العامة خلائق ممن كان من حزب الأمير جقمق؛ كل ذلك وأمر السلطانية «6» يقوى إلى بعيد «7» الظهر، فلاح «8» عليهم الخذلان من غير أمر

يوجب [83] ذلك، ومشت القضاة «1» بين السلطان والأمير الكبير جقمق غير مرة، فى الصلح والكفّ عن القتال وحقن دماء المسلمين، وإخماد الفتنة. هذا وقد ترجح جهة الأمير الكبير جقمق، وطمعت عساكره فى السلطانية، فقال الأمير الكبير: أصطلح بشرط أن يرسل السلطان إلىّ بأربعة نفر، وهم: جكم خال [الملك] «2» العزيز الخازندار، وتنم الساقى، وأزبك البواب، ويشبك الفقيه الأشرفى الدوادار؛ فأذعن السلطان ومن عنده لذلك بعد كلام كثير، فنزل «3» الأربعة من القلعة، بعد صلاة العصر من يوم السبت المذكور، مع من كان تردد فى الصلح، وساروا حتى دخلوا بيت الأمير الكبير، فحال وقع بصره عليهم قبض عليهم واحتفظوا بهم. وركب الأمير الكبير فرسه وساروا معه أعيان أصحابه إلى أن صار فى وسط الرّميلة تجاه باب السلسلة، فنزل عن فرسه بعد أن فرش [له] «4» ثوب سرج جوخ، وقبّل الأرض بين يدى السلطان الملك العزيز لكونه أرسل إليه أخصامه، ثم ركب فى أصحابه وعاد إلى بيته بالكبش ومعه المقبوض عليهم، إلى أن نزل بداره فى موكب جليل إلى الغاية. وأخذ أمر [الأمير] «5» الكبير [جقمق] «6» من هذا اليوم فى زيادة وقوة، وأمر [الملك] «7» العزيز ومماليك أبيه [الأشرفية] «8» فى نقص ووهن «9» وإدبار. وأصبح بكرة يوم الأحد ثامن عشر صفر أرسل الأمير الكبير إلى السلطان «10»

فى طلب جماعة أخر من المماليك الأشرفية، فنزل إليه الأمير يخشباى الأمير آخور الثانى، والأمير على باى شادّ الشراب خاناه، وهما من عظماء القوم والمشار إليهما من القلعية الأشرفية، وقبّلا يد الأمير الكبير جقمق، فأكرمهما الأمير الكبير ووعدهما بكل خير، ثم أمر فى الحال بطلب [الأمير] الطواشى خشقدم اليشبكى مقدم المماليك السلطانية فحضر إليه وقبّل يده، فأمره الأمير الكبير أن يتقدم بنزول جميع من فى الأطباق من المماليك الأشرفية وهدّده إن لم يفعل ذلك، فاستبعد الناس وقوع ذلك لكثرة المماليك الأشرفية وشدة بأسهم. فحالما طلع خشقدم وأمرهم بالنزول أجابه الجميع بالسمع والطاعة، ونزل صبيان طبقة بعد طبقة إلى بيت الأمير الكبير، وقد حضر عنده قضاة القضاة الأربعة «1» وأهل الدولة وأعيانها، وحلّفوا الأمير الكبير على طاعة السلطان، ثم حلّفوا المماليك الأشرفية على طاعة الأمير الكبير، وحكم قاضى القضاة سعد الدين [بن] «2» الديرى الحنفى بسفك دم من خالف هذا اليمين. وعند انقضاء الحلف، أمر الأمير الكبير بنزول جميع المماليك الأشرفية من أطباقهم بالقلعة إلى إسطبلاتهم، ما خلا المماليك الصغار فاعتذروا عن قلة مساكنهم بالقاهرة، فلم يقبل الأمير الكبير أعذارهم وشدّد عليهم، والناس تظن غير ذلك، فخرجوا. وفى الحال أخذوا فى تحويل متاعهم ونزلوا من الأطباق، بعد أن ظن كل أحد منهم أنه لا بد له من إثارة فتنة وشر كبير تسفك فيه دماء كثيرة قبل نزولهم، فلم يقع شىء من ذلك، ونزلوا من غير قتال ولا إكراه؛ وخلت الطباق منهم فى أسرع وقت خذلانا «3» من الله تعالى، وتركوا السلطان والخزائن والسلاح والقلعة، ونزلوا من غير أمر يوجب النزول، وهم نحو الألف وخمسمائة نفر، هذا خلاف من كان انضم عليهم من الناصرية والمؤيدية والسيفية، ولله در القائل: [السريع]

ما يفعل الأعداء فى حاهل ... ما يفعل الجاهل فى نفسه وتعجب الناس من نزولهم، حتى الأمير الكبير جقمق، وصار يتحدث بذلك أوقاتا فى سلطنته، فإنه كان أولا تخوف منهم أن يقبضوا عليه عند طلوعه إلى القلعة غير مرة، ولهج الناس بذلك كثيرا وبلغ الأتابك أنهم يريدون أن يقبضوا عليه وعلى عبد الباسط وعلى الصاحب جمال الدين ناظر الخاص، فقال: وإيش يمنعهم من ذلك؟ وانقطع عن الخدمة السلطانية أياما، حتى كلمه أصحابه فى الطلوع وشجعوه وقالوا له: نحن نطلع فى خدمتك ولا يصيبك مكروه حتى تذهب أرواحنا. كل ذلك قبل أن يقع الشرّ بين الأمير إينال وخجداشيته، فهذا كله ذكرناه لتعرف به شدة بأس المماليك الأشرفية وكثرة عددهم. [84] فلما تكامل نزول [المماليك] «1» الأشرفية من الأطباق إلى حال سبيلهم، وهذا أول مبدأ زوال ملك السلطان الملك العزيز [يوسف] «2» ، ومن يومئذ أخذ الأمير إينال الأبوبكريّ الأشرفىّ فى الندم بما وقع منه من الانفراد عن خجداشيته والانضمام على الأتابك جقمق، حتى إنه صار يبكى فى خلواته ويقول: «ليتنى كنت حبست بثغر الإسكندرية، ودام تحكم ابن أستاذى «3» وخجداشيتى. وما عسى خجداشيتى كانوا يفعلون بى؟» . وندم حيث لا ينفع الندم، وربما بلغ الأمير الكبير عنه «4» ذلك فأخذ يحلف له أنه لا يريد الوثوب على السلطنة، ولا خلع الملك العزيز، وأنه لا يريد إلا أن يكون نظام ملكه ومدبّر ممالكه، وأشياء غير ذلك. قلت: وأنا أظن أن الأمير إينال ما طال حبسه إلا بهذا المقتضى، والله أعلم. ثم فى يوم الأحد هذا قدم الأمير تغرى بردى البكلمشى المؤذى أحد مقدمى

الألوف من البحيرة بمن كان صحبته من المماليك السلطانية، وكان الأتابك أرسل يستحثه «1» فى القدوم عليه ليكون من حزبه على قتال الأشرفية؛ فتقاعد عنه إلى أن انتهى أمر الوقعة وحضر، فأخذ الأتابك جقمق يوبخه لعدم حضوره، وهو يعتذر بعدم وصول الخبر إليه ويقبّل يده. ثم ورد الخبر على السلطان بأن العسكر المجرد من الأمراء وصل إلى دمشق فى خامس صفر. ثم فى يوم الثلاثاء العشرين من صفر شفع الملك العزيز فى خاله جكم ورفقته، فأفرج عنهم الأتابك جقمق وخلع على كل منهم كاملية مخمل بفرو سمور [و] «2» بمقلب سمور. ثم فى يوم الخميس ثانى عشرين صفر طلع الأمير الكبير جقمق إلى الخدمة السلطانية ومعه سائر الأمراء وأرباب الدولة، ومنع المماليك الأشرفية من الدخول إلى القصر فى وقت الخدمة، إلا من له نوبة عند السلطان من أصحاب الوظائف، وكان الأتابك جقمق شرط عليهم ذلك عند تحليفهم. وحضر الأمير الكبير الخدمة، وخلع عليه السلطان تشريفا عظيما «3» باستمراره على حاله، ونزل من وقته إلى باب السلسلة، وسكن الحراقة من الإسطبل السلطانى بعد أن نقل إليها قماشه ورخته «4» فى أمسه؛ وبعد أن أمر الأمير يخشباى الأمير أخور الثانى بالنزول من الإسطبل إلى بيته قبل تاريخه، فنزل يخشباى إلى داره، وكانت دار قطلو بغا الكركى التى «5» تجاه دار منجك اليوسفى بالقرب من الجامع الحسينى، وجلس وأغلق عليه باب الدار، ومنع الناس من التردد إليه، وصار كالمرسم عليه؛ وهذا أيضا من أعجب العجب، كون الشخص يكون على إقطاعه ووظيفته ويصير على هذه المثابة.

وسكن الأمير الكبير بالسلسلة وتصرف فى أمور المملكة من غير مشارك، واستبد بتدبير أحوال السلطنة من ولاية الوظائف والإنعام بالإقطاعات والإمريات على من يريد ويختار، فصار الملك العزيز ليس له من السلطنة إلا مجرد الاسم فقط. فعظم ذلك على المماليك الأشرفية، وأنكروا سكنى الأمير الكبير بباب السلسلة، واتفقوا ووقفوا فى جمع كبير بالرّميلة وأكثروا من الكلام فى ذلك، ثم انفضّوا من غير طائل وفى أملهم أن الأمراء إذا قدموا من سفرهم أنكروا على الأمير الكبير ما فعله وقاموا بنصرة [الملك] «1» العزيز، وانتظروا ذلك. وأخذ الأتابك جقمق فى تحصين باب السلسلة والقلعة وأشحنهما بالسلاح والرجال، وصارت الأعيان من كل طائفة تبيت عنده بباب السلسلة فى كل ليلة، والأمراء والأعيان تتردد «2» إلى خدمته وتركت الخدمة السلطانية، واحتجّ الأمير الكبير بتركها أنه بلغه أن المماليك الأشرفية اتفقوا على قتله إذا طلع إلى الخدمة السلطانية، وجعل ذلك عذرا له عن عدم حضور الخدمة، وصار هو المخدوم والمشار إليه، وتردد مباشرو الدولة إلى بابه وسائر الناس، وتلاشى أمر السلطان [الملك] «3» العزيز إلى الغاية. ولهج الناس بسلطنة الأتابك جقمق، وشاع ذلك بين الناس، وصار الأتابك كلما بلغه ذلك أنكره وأسكت القائل بذلك [ولسان حاله ينشد] «4» : [الكامل] [85] لا تنطقنّ بحادث فلربما ... نطق اللسان بحادث فيكون هذا والأتابك جقمق متخوف فى الباطن من الأمراء المجردين، لكونهم جمعا كبيرا «5» وفيهم جماعة من حواشى [الملك] «6» الأشرف ومماليكه، مثل أركماس

الظاهرى الدوادار الكبير، وتمراز القرمشى رأس نوبة النّوب، وجانم الأشرفى الأمير آخور الكبير، وقراجا الأشرفى، وخجا سودون السّيفى بلاط الأعرج، وفيهم أيضا من تحدثه نفسه بالوثوب على الأمر وهو الأمير قرقماس الشعبانى الناصرى أمير سلاح المعروف بأهرام ضاغ «1» ؛ فلهذا صار الأتابك جقمق يقدم رجلا ويؤخر أخرى. ثم قدم الخبر بخروج الأمراء من مدينة غزة إلى جهة الديار المصرية، وأن خجا سودون البلاطى أحد مقدمى الألوف تأخر عنهم على عادته فى كل سفرة، فندب الأتابك السيفىّ دمرداش الحسنى الظاهرى برقوق الخاصكى بالتوجه إلى غزة، وعلى يده مرسوم شريف بتوجه خجا سودون إلى القدس بطالا، فمضى دمرداش المذكور وفعل ما ندب إليه. فلما كان يوم الأربعاء خامس شهر ربيع الأول وصل الأمراء إلى الديار المصرية وطلعوا الجميع إلى الأتابك جقمق، ما خلا الأمير يشبك السّودونى حاجب الحجاب فإنه قدم القاهرة فى الليل مريضا فى محفة إلى داره، ولم ينزل الأتابك إلى تلقى الأمراء المذكورين، وكان أرسل إليهم يخوّفهم من المماليك الأشرفية، وذكر لهم أنهم يريدون الركوب عليهم يوم دخولهم، فدخلوا الجميع بأطلابهم، ولما طلعوا إلى جقمق قام لهم واعتنقهم وأكرمهم غاية الإكرام. وأرسل إلى الملك العزيز أنه يخرج ويجلس بشباك القصر حتى يقبّلوا له الأمراء الأرض من الإسطبل السلطانى ولا يطلع إليه أحد، ففعل [الملك] «2» العزيز ذلك وجلس بشباك القصر حتى أخذ الأتابك جقمق الأمراء وسار بهم من الحراقة يريد الإسطبل السلطانى والجميع مشاة؛ وقد جلس السلطان [الملك] «3» العزيز بشباك القصر فوقف الأمراء تحت شباك القصر وأومأوا برءوسهم كأنهم قبّلوا له «4» الأرض،

وأحضر إليهم التشاريف السلطانية فى الحال فلبسوها، وقبّلوا الأرض ثانيا كالمرة الأولى، وعادوا راجعين فى خدمة [الأمير الكبير] «1» حتى طلعوا معه إلى الحرّاقة، ثم سلموا عليه وعادوا وركبوا خيولهم وتوجهوا إلى دورهم. وكنت لما لاقيت الأمير أقبغا التّمرازى أمير مجلس سألنى عن أحوال الأتابك جقمق، فقلت له كلاما متحصله أنه ليس بينه وبين السلطنة إلا أن تضرب له السكة ويخطب باسمه، فاستبعد ذلك لقوة بأس المماليك الأشرفية وعظم شوكتهم، فلما نزل من القلعة وعليه الخلعة قلت له قبل أن يصل إلى داره: كيف رأيت جقمق؟ قال: سلطان على رغم الأنف. ومعنى قوله: «على رغم الأنف» لأنه كان بينهما حضوض أنفس قديمة. ثم أصبحوا يوم الخميس سادس شهر ربيع الأول حضروا الجميع إلى عند الأتابك جقمق بباب السلسلة، وجلس الأتابك فى الصدر وكل «2» من الأمراء على يمينه وشماله، إلا قرقماس أمير سلاح فإنه زاحم الأتابك جقمق فى مجلسه وجلس معه على فراشه، والأمير جقمق يجذبه إلى عنده ويخدعه بأنه لا يفعل شيئا إلا بمشورته، وأنه قوّى أمره بقدومه وأنه شيخ كبير عاجز عن الحركة واقتحام الأهوال، إلا إن كان بقوة قرقماس المذكور، كل ذلك وهما جلوس على المرتبة، فانخدع قرقماس وطابت نفسه بما سمعه من الأتابك جقمق، أنه ربما [إن] «3» تحرك بعد ذلك بحركة تمت له لضعف جقمق عن مقاومته. هذا وقد برز الطلب لجماعة من الأشرفية وغيرهم، وجميع من هو بالقلعة من الأعيان، فلما حضروا أشار قرقماس لجماعة من الرءوس نوب، وأمراء جندار ممن حضر المجلس أن اقبضوا على هؤلاء. وأول ما بدأ برفيقه الأمير جانم الأشرفى الأمير آخور الكبير «4» ، ثم أشار

لواحد بعد واحد إلى أن قبضوا على جماعة كبيرة من الأمراء والخاصكيّة، وهم: الأمير جانم المقدم ذكره، ويخشباى الأمير آخور الثانى، وعلى باى شادّ الشراب خاناه، وتنبك السيفى نوروز الخضرى [المعروف] «1» بالجقمقى نائب قلعة الجبل، وخشقدم الطواشى الرومى اليشبكى مقدم المماليك [86] ، ونائبه الطواشى فيروز الرّكنى الرومى أيضا، وخشكلدى من سيّدى بك الناصرى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، وجكم خال [الملك] «2» العزيز، وجرباش الأشرفى أحد أمراء العشرات المعروف بمشدّ سيّدى، وجانبك قلق سيز «3» الساقى أحد أمراء العشرات؛ ومن الخاصكية: تنم الساقى، وأزبك البواب، ويشبك الفقيه؛ وكل من هؤلاء الثلاثة أحد الأربعة المقدم ذكرهم، وتنبك الفيسى المؤيدى رأس نوبة الجمداريّة، وأرغون شاه الساقى، وبيرم خجا أمير مشوى، ودمرداش الأشرفى والى القاهرة، وبايزير خال الملك العزيز، وقيّدوا الجميع. وفى الحال خلع على الأمير تمرباى التّمربغاوى أحد مقدمى الألوف باستقراره فى نيابة الإسكندرية عوضا عن الزينى عبد الرحمن بن الكويز بحكم عزله، وأمر بالسفر إلى الإسكندرية من يومه، وخلع على قراجا العمرى الخاصكى الناصرى باستقراره فى ولاية القاهرة عوضا عن دمرداش الأشرفى بحكم القبض عليه. ثم ندب الأمير الكبير الأمير تنبك البردبكى أحد مقدمى الألوف، والأمير أقطوه الموساوى أحد أمراء العشرات، البرقوقيين، فى عدة من المماليك السلطانية، أن يطلعوا إلى القلعة ويقيموا بها لحفظها. وكان تنبك المذكور ولى نيابة القلعة قبل تاريخه سنين كثيرة فى الدوله الأشرفية، فطلع إلى القلعة وسكن بمكانه أولا على العادة. ثم انفضّ الموكب وقد تزايد عظمة الأمير الكبير جقمق، وهابته النفوس

بما فعله قرقماس بين يديه من القبض على الأمراء المذكورين، وفهم الناس أنه فعل ذلك خدمة للأمير الكبير، وكان غرض قرقماس غير ذلك، فإنه رام نفع نفسه فنفع غيره، فكان حاله [كقول من قال] «1» : مع الخواطئ سهم [صائب] «2» ... ربّ رمية من غير رام ونزل الأمراء إلى دورهم وقد استخف الناس عقل قرقماس وخفّته وطيشه فى سرعة ما فعله، كل ذلك لاقتحامه على [حب] «3» الرئاسة. ونزل قرقماس إلى داره، وفى زعمه أن جميع من هو بخدمة الأمير الكبير ينقلبون «4» عن الأمير الكبير إليه، ويترددون «5» إلى بابه لأنه هو كان الحاكم فى هذا اليوم، ولم يدر أن القلوب نفرت منه لتحققهم ما يظنوه من كبره وجبروته وبطشه، وقد اعتادوا باين الأمير الكبير وبأخذه لخواطرهم فى هذه المدة وتمسكه عن قبض من كان لهم غرض فى قبضه، وقد صاروا له كالمماليك والخدم لطول تردادهم إليه فى باب السلسلة وغيرها، وقد انتهى أمره وحصل لهم ما كان فى أملهم. وأيضا أنهم لما رأرا قرقماس فعل ما فعل لم يشكّوا فى أمره أنه من جملة من يقوم بنصرة الأتابك وأنه كواحد منهم، فلم يطرق أحد منهم بابه ولم يدخل إليه فى ذلك اليوم إلا من يلوذ به من حواشيه ومماليكه. وسافر تمرباى نائب الإسكندرية من الغد فى يوم الجمعة، وأصبح فى يوم السبت ثامن [شهر] «6» ربيع الأول أنزل من باب السلسلة من تقدم ذكره من الأمراء الخاصكيّة الممسوكين على البغال بالقيود إلى سجن الإسكندرية، وقد اجتمع لرؤيتهم خلائق لا تحصى وهم قسمان: قسم باك عليهم، وقسم شامت لتقاعدهم عن

القتال فى خدمة ابن أستاذهم الملك العزيز [يوسف] «1» ، وأيضا لما كان يقع منهم فى أيام ابن «2» أستاذهم من التكبر والجبروت. ثم أرسل الأمير الكبير فى اليوم المذكور إلى الأمراء القادمين من التجريدة بمال كبير له صورة، لا سيما ما حمله إلى قرقماس فإنه كان جملة مستكثرة. ثم فى يوم الأحد تاسع شهر ربيع الأول خلع على الزينى عبد اللطيف [بن عبد الله] «3» الطواشى الرومى المنجكى المعروف بالعثمانى «4» أحد الجمداريّة باستقراره مقدم المماليك السلطانية، وأنعم عليه بإمرة عشرة لا غير وهو إقطاع النيابة الذي كان بيد فيروز الرّكنى نائب مقدم المماليك، وكانت الخلعة عليه بين يدى العزيز [87] بعثه الأمير الكبير إليه وأمره أن يخلع عليه، واستقر فى نيابة المقدم جوهر المنجكى الحبشى أحد خدام الأطباق الضعفاء الحال ولم تسبق له رئاسة قبل ذلك. ثم فى يوم الاثنين عاشره ركب السلطان الملك العزيز من القلعة ونزل إلى الميدان، ومعه الزينى عبد الباسط ناظر الجيش وجماعة أخرى من خواصه الأصاغر، وركب الأمير الكبير من الحرّافة وفى خدمته جميع الأمراء مشاة ما عدا أركماس الظاهرى الدوادار الكبير وآقبغا التّمرازى أمير مجلس، وساروا الثلاثة على خيولهم من الإسطبل السلطانى حتى نزلوا إلى الميدان وبه السلطان يسير. فعندما رأوا الأمراء الملك العزيز ترجّلوا عن خيولهم وقبّلوا الأرض، وتقدم الأمير الكبير جقمق وقبّل رجل السلطان فى الركاب، ثم بعده جميع الأمراء فعلوا مثل فعله، ثم تقدم الأمير يشبك السّودونى حاجب الحجاب قبّل الأرض، وخلع عليه خلعة السفر لأنه كان انقطع عن رفقته لتوعك كان به، وطلع فى هذا

اليوم؛ ثم انصرف الجميع عائدين فى خدمة الأمير الكبير إلى أن أوصلوه إلى سلم الحراقة، ووقفوا له هناك حتى سلّم عليهم، وعادوا إلى دورهم. وكان سبب تأخر قرقماس عن الطلوع فى هذا اليوم والذي قبله، أمور: منها أنه كان فى نفسه الوثوب على الأمر، وفعل ما فعل من مسك الأمراء وغيرهم ليروج أمره بذلك، فلم ينتج أمره وتقهقر وزادت عظمة الأتابك جقمق، فعزّ عليه ذلك فى الباطن، وكان فى ظنه أنه لا بد أن يملك الديار المصرية من يوم توجّه إلى مكة وحكمها. فلما عرف منه ذلك تقرب إليه جماعة من الذين يوهمون الناس أنهم صلحاء، ولهم اطلاع على المغيبات، وصاروا يبشرونه بسلطنة مصر، وتخبره جماعة أخر [بمنامات] «1» تدل على قصده فينعم عليهم بأشياء كثيرة. ثم كلما نظر من «2» يدعى معرفة علم النجوم «3» يسأله عما فى خاطره- وقد أشيع عنه حب الرئاسة- فيبشره الرّمّال أو المنجم أيضا بما يسره من قبله وحسب اجتهاده لأخذ دراهمه. فكان قرقماس ينتظر موت [الملك] «4» الأشرف [يوما بيوم، فاتفق موت الملك الأشرف برسباى] «5» وهو مسافر، وإلى أن يحضر انتظم أمر الأتابك جقمق وتمّ، فلم يلتفت إلى ما رأى من أمر جقمق بما سبق عنده أنه لا بد له من السلطنة، وأخذ يسلك طريقا تصادف ما هو قصده. فدخل القاهرة مطلّبا «6» ، فلم يلتفت إليه أحد. وطلع إلى الأتابك جقمق وامتنع من طلوع القلعة إلى الملك العزيز حتى قبّل الأرض من الإسطبل خوفا من أن يقبض عليه، يريد بذلك أن ينتبه إليه الناس، فلم ينظر إليه أحد.

ثم أخذ فى مسك الأمراء، حتى يعظم فى النفوس، فلم يقع ذلك. فانقطع بداره عن الطلوع إلى الأتابك مدة أيام وتعلل بأنه بلغه عن الأمير الكبير وحواشيه ما غيّر خاطره، يظهر ذلك لتتسامع بغضبه الناس ويأتوه ليثور بهم، فلم ينضم إليه أحد؛ فاستدرك فارطه واستمر بداره إلى هذا اليوم. فلما عاد الأتابك من عند الملك العزيز إلى سكنه بالحرّاقة من باب السلسلة، أرسل إلى الأمير قرقماس المذكور الأمير تمراز القرمشى رأس نوبة النّوب، وقراجا الأشرفى أحد مقدمى الألوف، والزينى عبد الباسط ناظر الجيش، يسألوه عن سبب انقطاعه عن [الطلوع] «1» إلى الأمير الكبير فى هذه الأيام، فذكر لهم أنه بلغه عن حواشى الأمير الكبير من المؤيّدية أنهم يتهموه بالركوب وإثارة الفتن وأنه يريد يتسلطن ولم يكن له علم بشىء من ذلك، فما زالوا به حتى ركب معهم. وطلع إلى الأمير الكبير بالحرّاقة من الإسطبل السلطانى، فقام الأمير الكبير واعتنقه وأخذ بيده ودخلا مع أعيان الحاضرين إلى مبيت الحرّاقة، وجلسا فى خلوة وتعاتبا قليلا، وأخذ الأمير الكبير يقول له «2» إن قرقماس عنده فى مقام روحه، وأنه لم يتصل إلى هذا الموصل إلا بقوته وكونه معه، وأخذ فى مخادعته والأخذ بخاطره، إلى أن تحقق قرقماس أنه لا يأتيه ما يكره من قبل الأتابك، إلى أن يدبر لنفسه ما يوصله [88] إلى غرضه، ثم حلف له الأتابك على هذا المعنى جميعه وبكى واعتنقه، وخرجا من المبيت وقد صفا «3» ما بينهما ظاهرا، والباطن فلا يعلم ما فيه إلا الله تعالى. وهو أن قرقماس لم يطلع فى هذا اليوم إلى الأتابك إلا بعد أن عجز عما فى خاطره، فاحتاج إلى المداهنة حتى يطول أمره إلى أن يحصل له مراده، ولم يخف ذلك عن

الأتابك جقمق، غير أنه رأى [أنه] «1» لا يتم أمره فيما يروم إلا بموافقة قرقماس له أولا، ثم بعد ذلك يفعل ما بدا له. وعندما قام قرقماس من مجلس الأتابك ليتوجه إلى داره، قدم له الأتابك فرسا بقماش ذهب من مراكيبه، فركبه قرقماس ونزل إلى داره، ومعه أيضا الأمير تمراز رأس نوبة النّوب، وقراجا، وهما فى خدمته إلى داره، فأركب قرقماس كلّا منهما فرسا بقماش ذهب. ثم أخذه القلق وأخذ يدبر فى تأليف المماليك الأشرفية عليه، فرأى أنه لا «2» يتم له ذلك بالعطاء ولا بالملق، لكثرتهم، وإنما يتم له ذلك بسلطنة الأتابك جقمق، لينفر عنه من كان من حزبه من المماليك الأشرفية وينضموا عليه؛ وكان هذا حدسا صائبا «3» ، ووقع له ما أراد، غير أنه استعجل لأمر يريده «4» الله. فأخذ قرقماس من يومذاك يحسّن للأتابك جقمق توليته السلطنة وخلع [الملك] «5» العزيز، ولا زال يلح عليه فى ذلك وهو يلين تارة ويتوقف تارة؛ وكان هذا الأمر فى خاطر الأتابك وأصحابه غير أنه كان يستعظم الأمر ويخاف من نفور قرقماس عنه، إذا فعل ذلك، وأخذ ينتظر فرصة للوثوب بعد حين، فحرّك الله تعالى قرقماس حتى سأله فى ذلك وألحّ عليه لما فى غرضه فى أيسر مدة، لتعلم أن الله على كل شىء قدير. ومن يومئذ هان الأمر على الأتابك وأخذ فى أسباب السلطنة، وكتب يطلب صهره القاضى كمال الدين مجمد؟؟؟ بن البارزى من دمشق. ثم أصبح يوم الخميس ثالث عشر [شهر] «6» ربيع الأول عملت الخدمة السلطانية

وحضرها الأمير الكبير جقمق والأمير قرقماس أمير سلاح المذكور، وعامة الأمراء وأرباب الدولة على العادة. وكانت الخدمة السلطانية قد تركت من مدة أيام، فأجراهم السلطان الملك العزيز على عادته من السّكات وعدم الكلام، وانفض الموكب. ثم طلع الأمير قرقماس من الغد فى يوم الجمعة وحضر الصلاة مع السلطان بالمقصورة من جامع القلعة، ولم يطلع الأتابك جقمق. ونزل قرقماس ولم يتكلم مع السلطان كلمة واحدة. ثم فى يوم السبت عملت الخدمة أيضا بالقصر على العادة، وحضر الأمير الكبير. ثم فى يوم الاثنين عملت الخدمة أيضا. كلّ ذلك بتدبير قرقماس، وهو أنه لما علم أن الأمير الكبير جقمق تم أمره ولم يبق له منازع يعيقه عن السلطنة، أخذ فى عمل الخدمة حتى يجد نفسا من الملك العزيز أو من أحد من حواشيه، حتى تصير له مندوحة لمطاولة الأتابك على «1» السلطنة، لأنه ندم على ما تفوّه به ولم يجد لنفسه قوة حتى يرجع عن قوله، لقوة شوكة الأتابك وكثرة أعوانه ممن اجتمع عليه من الطوائف، لا سيما الطائفة المؤيّدية فإنهم صاروا عصبا له وغيريّة على قرقماس، لما كان بين قرقماس وبين الأمير دولات المحمودى المؤيدى من العداوة قديما، لسبب السّكات عنه أليق، ودولات هو يومذاك عين المؤيدية ورئيسهم، غير أن جميع طائفة الناصرية كانت مع قرقماس فى الباطن لكونه خجداشهم، ولكن هم أيضا ممن كان انضم على الأتابك وصار لهم به إلمام كبير، فلم يظهروا الميل لقرقماس فى الظاهر مخافة أن لا يتم أمره وينحط قدرهم عند الأتابك؛ فصاروا يلاحظونه

بالقلب والخاطر لا بالفعل والقيام معه، والأتابك جقمق «1» يعرف جميع ذلك، غير أنه يتجاهل عليهم تجاهل العارف، لقضاء حاجته- انتهى. ولما عملت الخدمة فى هذه الأيام [و] «2» لم يحصل لقرقماس غرضه، عاد إلى رأيه الأول من الكلام فى سلطنة الأتابك جقمق، وألح عليه حتى أجابه [89] صريحا. وكان فى هذه الأيام كلّها كلما طلع الأمراء إلى الخدمة السلطانية، ينزل الجميع من القصر بعد انقضاء الخدمة إلى الأمير جقمق ويأكلون السماط عنده. فلما كان آخر خدمة عملت عند [الملك] «3» العزيز يوسف فى يوم الاثنين سابع عشر [شهر] «4» ربيع الأول، نزل قرقماس من عند السلطان مع جملة الأمراء، واجتمع بالأمير الكبير وألح عليه بأنه يتسلطن فى اليوم المذكور، فلم يوافقه جقمق على ذلك وواعده على يوم الأربعاء تاسع عشر [شهر] «5» ربيع الأول. ووافقه جميع الأمراء على خلع الملك العزيز وسلطنته، إلا آقبغا التّمرازى فإنه أشار عليه أن يؤخر ذلك ويتجرد إلى البلاد الشامية ويمهدها، كما فعل [الملك] «6» الظاهر ططر ثم يتسلطن، مخافة من عصيان النواب بالبلاد الشامية عليه عقيب سلطنته، قبل أن يرسخ قدمه، فردّ قوله قرقماس، وأشار بسلطنته فى يوم الأربعاء، ووافقه على ذلك جماعة المؤيدية؛ فتم الأمر على ما قاله قرقماس. وكان الحزم ما قاله آقبغا التّمرازى، وبيانه أنه لولا سعد [الملك] «7» الظاهر جقمق حرّك قرقماس للركوب فى غير وقته، لكان قرقماس انتصر عليه لكثرة من كان «8» انضم عليه من المماليك الأشرفية وغيرهم؛ وأيضا لولا استعجال إينال الجكمى فى صدمته العساكر المصرية، لكان تم أمره لعظم ميل الناس إليه.

وأما تغرى برمش نائب حلب فكان مسكه على غير القياس، فإنه كان تركمانيّا ووافقه جماعة كبيرة من التركمان، مع قوته وكثرة ماله، فكان يمكنه أن يتعب [الملك] «1» الظاهر جقمق بتلك البلاد طول عمره، فلهذا أشار آقبغا التّمرازى بسفره قبل سلطنته. وقد حسب البعيد ونظر فى العواقب، فلم يسمع [الملك] «2» الظاهر له وتسلطن، وقاسى بعد ذلك شدائد وأهوالا، أشرف منها غير مرة على زوال ملكه، لولا مساعدة المقادير وخدمة السعد، لما سبق له فى القدم. ولما كان يوم الأربعاء تاسع عشر [شهر] «3» ربيع الأول من سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة خلع الملك العزيز يوسف من الملك، وتسلطن الأمير الكبير جقمق العلائى، وتلقب بالملك الظاهر، حسبما يأتى ذكره فى أوائل سلطنته. وكانت مدة سلطنة [الملك] «4» العزيز على مصر أربعة «5» وتسعين يوما وزال بخلعه الدولة الأشرفية، وتمزقت مماليك أبيه وتشتتت فى البلاد سنين، وحبس أعيانهم. ولم يكن [للملك] «6» العزيز فى السلطنة إلا مجرد الاسم فقط، ولم تطل أيامه ولا تحكّم فى الأمور لتشكر أفعاله أو تذم «7» ، وإنما كان آلة فى الملك والمتصرف غيره، لصغر سنه وعدم أهلية مماليك أبيه. ولما خلع [الملك] «8» العزيز، أدخل إلى الدور السلطانيه واحتفظ به، وسكن بقاعة البربريّة «9» أشهرا، حتى تسحّب منها ونزل إلى القاهرة واختفى أياما كثيرة، حتى ظفر به وحبس بالقلعة أياما قليلة، ثم نقل إلى سجن الإسكندرية، حسبما يأتى ذكر ذلك [كله] «10» مفصلا فى ترجمة [الملك] «11» الظاهر جقمق [إن شاء الله تعالى] «12» .

واستمر الملك العزيز بسجن الإسكندرية على أجمل حال وأحسن طريقة من طلب العلم وفعل الخير إلى يومنا هذا؛ أحسن الله عاقبته [بمحمد وآله] «1» . وهو ثانى سلطان لقب بالملك العزيز من ملوك مصر، والأول: العزيز عثمان بن [السلطان] «2» صلاح الدين [يوسف] «3» بن أيوب، والثانى: العزيز هذا. وهو أيضا ثانى من سمى يوسف، من ملوك مصر، فالأول: [السلطان] «4» صلاح الدين يوسف هذا، [والله تعالى أعظم] «5» .

ما وقع من الحوادث سنة 842

[ما وقع من الحوادث سنة 842] [90] ذكر سلطنة الملك الظاهر أبى «1» سعيد «2» جقمق على مصر السلطان الملك الظاهر سيف الدين أبو سعيد جقمق العلائى الظاهرى الجركسى، وهو الرابع والثلاثون من ملوك الترك وأولادهم بالديار المصرية، والعاشر من الجراكسة وأولادهم، تسلطن بعد خلع [الملك] «3» العزيز يوسف ابن [الملك] «4» الأشرف برسباى، باتفاق الأمراء وأعيان المملكة على سلطنته. ولما تم أمره استدعى الخليفة المعتضد بالله داؤد والقضاة الأربعة «5» والأمير قرقماس أمير سلاح، وسائر الأمراء وجميع أعيان الدولة، إلى الحرّافة بباب السلسلة من الإسطبل السلطانى، وجلس كل واحد فى مجلسه «6» فافتتح الأمير قرقماس بالكلام مع الخليفة والقضاة بأن قال: السلطان صغير والأحوال ضائعة لعدم اجتماع الكلمة فى واحد بعينه، ولا بد من سلطان ينظر فى مصالح المسلمين وينفرد بالكلمة، ولم يكن يصلح لهذا الأمر سوى الأمير الكبير جقمق هذا. فقال جقمق: هذا لا يتم إلا برضا الأمراء والجماعة. فصاح الجميع: نحن راضون بالأمير الكبير. فعند ذلك مد الخليفة يده وبايعه بالسلطنة؛ ثم بايعه القضاة والأمراء على العادة. ثم قام من فوره إلى مبيت الحرّاقة، ولبس الخلعة الخليفتية السوداء، وتقلّد بالسيف وخرج ركب فرسا أعد له بأبهة السلطنة وشعار الملك، وحملت على رأسه القبة والطير، حملها الأمير قرقماس أمير سلاح، والأمراء مشاة بين يديه، وسار إلى أن طلع إلى

القصر السلطانى بقلعة الجبل، وجلس على تخت الملك، وقبّل «1» الأمراء الأرض بين يديه على العادة. وكان جلوسه على تخت الملك فى يوم الأربعاء التاسع عشر من [شهر] «2» ربيع الأول سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، على مضىّ سبع عشرة «3» درجة من النهار المذكور، والطالع برج الميزان بعشر درجات وخمس وعشرين «4» دقيقة، وكانت «5» الشمس فى السادس والعشرين من السّنبلة، والقمر فى العاشر من الجوزاء، وزحل فى الثانى والعشرين من الحمل، والمشترى فى السابع عشر من القوس، والمريخ فى الخامس من الميزان، والزهرة فى الحادى عشر من الأسد، وعطارد فى الرابع عشر من السنبلة، والرأس فى الثانى من الميزان.

ذكر أصل [الملك الظاهر جقمق] وقدومه إلى مصر ونسبته بالعلائى ثم بالظاهرى

ذكر أصل [الملك الظاهر جقمق] «1» وقدومه إلى مصر ونسبته بالعلائى ثم بالظاهرى فنقول: [كان] جاركسىّ «2» الجنس، وأخذ من بلاده صغيرا فاشتراه خواجا كزلك، وكزلك بفتح الكاف وسكون الزاى وفتح اللام وكسرها وسكون الكاف الثانية. وجلبه خواجا كزلك المذكور إلى الديار المصرية فابتاعه منه الأتابك إينال اليوسفى، وقيل ولده أمير على بن إينال المذكور وهو الأصح، ورباه عنده، وأرسله مع والدته «3» إلى الحج، ثم عاد جقمق إلى القاهرة فى خدمة والده أمير على [المذكور، وكانت والدة أمير على] «4» متزوجة بشخص من الأجناد [من] «5» أمير آخورية السلطان يسمى نغتاى، ونغتاى بفتح النون والغين المعجمة، وبعدهما تاء مفتوحة وألف وياء ساكنة. ولما قدم جقمق إلى القاهرة أقام بها مدة يسيرة، وتعارف مع أخيه جاركس القاسمى المصارع، وكان جاركس يوم ذاك من أعيان خاصكية أستاذه [الملك] «6» الظاهر برقوق، فكلم جاركس [الملك] «7» الظاهر برقوقا فى أخذ جقمق هذا من أستاذه أمير على بن إينال، فطلبه [الملك] «8» الظاهر منه فى سرحة سرياقوس، وأخذه وأعطاه لأخيه جاركس، إنيا بطبقة الزمام من قلعة الجبل. وقد اختلفت «9» الأقوال فى أمر عتقه: فمن الناس من قال إن أمير على كان أعتقه قبل أن يطلبه [الملك] «10» الظاهر منه، فلما طلبه [الملك] «11» الظاهر سكت أمير على

عن عتقه لتنال جقمق السعادة بأن يكون من جملة مشتروات [الملك] «1» الظاهر، وكان كذلك. وهذا القول هو الأقوى [و] «2» المتواتر بين الناس ولما يأتى بيانه. ومن الناس من قال إنه كان فى الرق وقدّمه أمير على إلى الملك الظاهر لما طلبه منه، ولو كان حرّا يوم ذاك لاعتذر بعتقه، وهذا أيضا مقبول، [91] غير أن الذي يقوّى القول الأول يحتج بأن الملك الظاهر [جقمق] «3» هذا لما كان أمير طبلخاناة وخازندارا فى الدولة المؤيدية [شيخ] «4» ، أخذ الشهابى أحمد بن أمير على بن إينال اليوسفى وهو صغير، ووقف به إلى السلطان الملك المؤيد، وسأل السلطان فيه ليكون من جملة المماليك السلطانية، فسأل المؤيد عن أحمد المذكور فقال جقمق: ياخوند، هذا ابن أستاذى أمير على، فقال المؤيد: ومن أين يكون هذا ابن أستاذك؟ [الملك] «5» الظاهر أعتقك بحضرتنا الجميع، وأخرج لك خيلا على العادة. فقال جقمق: نعم هو كما قال السلطان، غير أن أمير على كان أعتقنى قبل ذلك، وسكت عن عتقى لما طلبنى [الملك] «6» الظاهر منه، فغضب الملك المؤيد من ذلك ووبخه، كونه أنكر عتاقة [الملك] «7» الظاهر له واعترف بعتاقة أمير على؛ ولم ينزل لذلك أحمد المذكور فى جملة المماليك السلطانية، فأخذه جقمق عنده وتولى تربيته. قلت: وعندى اعتراض آخر، وهو أنه يمكن أن الملك الظاهر كان هو الذي أعتقه، وإنما أراد [الملك] «8» الظاهر جقمق بقوله إن أمير على أعتقه، ليعظم الأمر على الملك المؤيد، لينزل أحمد المذكور فى جملة المماليك السلطانية، لكثرة حنوه على أحمد المذكور، ولم يدر أن [الملك] «9» المؤيد يغضبه ذلك، فإنه يقال فى الأمثال: «صاحب الحاجة أعمى لا يريد إلا قضاءها» .

ذكر ما وقع له من ابتداء أمره إلى أن تسلطن

وكان [الملك] «1» الظاهر جقمق فى طبعه «2» الرأفة والشفقة على أيتام الأجانب، فكيف الأقارب؟ ولا أستبعد ذلك- انتهى. ذكر ما وقع له من ابتداء أمره إلى أن تسلطن فنقول: واستمر جقمق هذا عند أخيه بطبقة الزّماميّة «3» مدة يسيرة، وأعتقه [الملك] «4» الظاهر برقوق، وأخرج له خيلا وقماشا على العادة بمفرده، وهو أن بعض المماليك السلطانية من طبقة الزمام المذكورة توفى، فقام جاركس فى مساعدة أخيه جقمق هذا حتى أخذ له جامكيّته وخيله. وأعتقه [الملك] «5» الظاهر، ثم جعله بعد قليل خاصكيّا، كل ذلك بسفارة أخيه جاركس المذكور. واستمر جقمق خاصكيّا إلى أن مات [الظاهر] «6» برقوق، وصار ساقيا فى سلطنة [الملك الناصر فرج] «7» ، ثم تأمّر عشرة، إلى أن خرج أخوه جاركس عن طاعة [الملك] «8» الناصر [فرج] «9» فأمسك السلطان جقمق هذا، وحبسه بواسطة عصيان أخيه، فدام فى السجن إلى أن شفع فيه الوالد وجمال الدين يوسف الأستادّار وأطلق من السجن، ثم قتل جاركس فانكفّ جقمق هذا عن الدولة بتلطف، إلى أن قتل [الملك] «10» الناصر، وملك شيخ [المحمودى] «11» الديار المصرية، فأنعم عليه بإمرة عشرة، ثم نقله بعد سلطنته بمدة إلى إمرة طبلخاناه، ثم جعله خازندارا كبيرا بعد انتقال الأمير يونس الركنى إلى نيابة غزة، ثم نقل إلى إمرة مائة وتقدمة ألف فى دولة المظفّر أحمد ابن [الملك] «12» المؤيّد شيخ، ثم صار حاجب الحجّاب بعد الأمير طرباى، فى أواخر الدولة الصالحية محمد أو فى أوائل الدولة الأشرفية [برسباى] «13» ، ثم نقل إلى الأمير آخورية الكبرى عوضا عن الأمير قصروه من تمراز، بحكم انتقال قصروه إلى نيابة طرابلس فى أوائل صفر من سنة ست وعشرين [وثمانمائة] «14» ، وتولى الحجوبية

من بعده الأمير جرباش الكريمى المعروف بقاشق «1» ، ثم نقل من الأمير آخورية إلى إمرة سلاح بعد إينال الجكمى، واستقر عوضه فى الأمير آخورية الأمير حسين بن أحمد البهسنى التركمانى المدعو تغرى برمش، ودام على ذلك سنين إلى أن نقل إلى أتابكية العساكر بالديار المصرية، عوضا عن إينال الجكمى أيضا بحكم انتقال الجكمى إلى نيابة حلب، بعد عزل قرقماس الشعبانى وقدومه على إقطاع إينال الجكمى مقدم ألف بالقاهرة، فاستمر أتابكا إلى أن مات [الملك] «2» الأشرف [برسباى] «3» فى ذى الحجة سنة إحدى وأربعين [وثمانمائة] «4» ، بعد أن أوصى جقمق على ولده وجعله مدبّر مملكته، إلى أن صار من أمره ما رقّاه إلى السلطنة. وقد ذكرنا ذلك كلّه مفصلا، غير أننا أعدناه هنا لينتظم سياق الكلام مع سياقه- انتهى. ولنعد «5» الآن إلى ما كنا فيه: ولما جلس الملك الظاهر جقمق على تخت الملك وتم أمره، خلع على الخليفة وعلى الأمير [92] قرقماس وقيّد لهما فرسنين بقماش ذهب، ولقب بالملك الظاهر أبى «6» سعيد جقمق، ثم نودى فى الحال بالقاهرة ومصر بسلطنته والدعاء له، وأن النفقة لكل مملوك من المماليك السلطانية مائة دينار، فابتهج الناس بسلطنته. ثم أمر السلطان فقبض على الطواشى صفىّ الدين جوهر الجلبانى الخبشى لالا الملك العزيز وهو يومئذ زمام الدار السلطانى «7» ، وخلع على الزّينى فيروز الجاركسى الطواشى الرومى باستقراره زماما عوضا عن جوهر المذكور. ثم أصبح فى يوم الخميس العشرين من شهر ربيع الأول المذكور خلع على الأمير

قرقماس الشعبانى الناصرى- أمير سلاح المعروف بأهرام ضاغ- باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية عوضا عن نفسه، وخلع على الأمير آقبغا التّمرازى أمير مجلس باستقراره أمير سلاح عوضا عن قرقماس المذكور، وخلع على الأمير يشبك السّودونى حاجب الحجاب باستقراره أمير مجلس عوضا عن آقبغا التمرازى، وكان السلطان خيّر تمراز القرمشى رأس نوبة النوب فى وظيفة أمير مجلس أو الأمير آخورية الكبرى، فمال إلى الأمير آخورية الكبرى، فخلع عليه بها عوضا عن الأمير جانم الأشرفى بحكم حبسه بثغر الإسكندرية، وخلع على أركماس الظاهرى الدوادار الكبير باستمراره على وظيفة الدوادارية، وعلى الأمير قراخجا الحسنى الظاهرى باستقراره رأس نوبة النوب عوضا عن تمراز القرمشى، وعلى الأمير تغرى بردى البكلمشى المؤذى باستقراره حاجب الحجاب عوضا عن يشبك السّودونى، وعلى الأمير تنبك البردبكى أحد أمراء الألوف باستقراره فى نيابة قلعة الجبل، ثانى مرة عوضا عن تنبك النّوروزى الجقمقى، وخلع على الأمير قراجا الأشرفى فوقانيّا «1» وهو آخر من بقى من مقدمى الألوف، وباقى الإقطاعات شاغرة إلى الآن عن أصحابها، وكتب بحضور الأمير جرباش الكريمى قاشق من ثغر دمياط، وكان له به سنين كثيرة بطالا، ثم خلع السلطان على دولات باى المحمودى الساقى المؤيدى- أحد أمراء العشرات ورأس نوبة- باستقراره أمير آخور ثانيا، عوضا عن يخشباى المقبوض عليه قبل تاريخه، وعلى الأمير تنم من عبد الرزّاق المؤيدى- أحد أمراء العشرات ورأس نوبة- باستقراره محتسب القاهرة عوضا عن الإمام نور الدين السويفى، وعلى قانى باى الجاركسى- الذي تأمّر قبل تاريخه بمدة يسيرة- باستقراره شادّ الشراب خاناه عوضا عن على باى الأشرفى بحكم القبض عليه، واستمر على إمرة عشرة؛ وعلى الأمير قانى باى الأبوبكريّ الأشرفى الساقى باستقراره خازندارا عوضا عن جكم خال العزيز بحكم القبض عليه [أيضا] «2» .

ثم أنعم السلطان على جماعة كثيرة جدا باستقرارهم أمراء عشرات يطول الشرح فى ذكرهم، لأنها دولة أقيمت بعد ذهاب دولة، وتغير جميع من «1» كان من أرباب الوظائف الذين كانوا فى الدولة الأشرفية من الخاصكية وغيرهم، واستقرّ جماعة كبيرة رؤوس نوب، منهم من خلع عليه قبل أن يلبس فوقانىّ الإمرة، وهو إلى الآن بحياصة ذهب، ونالت السعادة جميع المماليك المؤيدية الأصاغر، بحيث أن بعضهم كان فقيرا يعيش بالتّكدّى فأخذ إقطاعا هائلا واستقر بوابا دفعة واحدة، وأشياء كثيرة من هذا ذكرناها فى غير هذا المحل. ثم فى يوم الاثنين رابع عشرين شهر ربيع الأول المذكور، جلس السلطان الملك الظاهر جقمق بالمقعد المطل على الحوش، تجاه باب الحوش المذكور، وابتدأ فيه بنفقة المماليك السلطانية لكل واحد مائة دينار، واستمرت النفقة فيهم فى كل [يوم] «2» موكب، إلى أن انتهى أمرهم فيها. ثم فى يوم الثلاثاء خامس عشرينه وصل الأمير جرباش قاشق [من ثغر دمياط] «3» فأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالقاهرة. ثم فى يوم الخميس سابع عشرينه عمل السلطان المولد النبوى بالحوش على العادة، وزاد فيه زيادات حسنة [93] من كثرة الأسمطة والحلاوات؛ وانفض الجميع بعد صلاة المغرب. ثم فى يوم السبت تاسع عشرينه تجمع تحت القلعة نحو ألف مملوك من مماليك الأمراء، يريدون النفقة كما نفق على المماليك السلطانية، فأمر لهم السلطان بنفقة، فنفقت فيهم؛ ولم يكن لذلك عادة قبل تاريخه. ثم فى يوم الاثنين ثالث «4» شهر ربيع الآخر قبض السلطان على تاج الدين

عبد الوهاب الأسلمى- المدعو بالخطير- ناظر الإسطبل السلطانى وعلى ولديه، والثلاثة أشكال عجيبة. وفيه كانت [مبادئ] «1» وقعة قرقماس مع الملك الظاهر جقمق، وخبره أنه لما كان يوم الثلاثاء المذكور، ثار جماعة كبيرة من المماليك القرانيص ممن كان قام مع الملك الظاهر جقمق، على المماليك الأشرفية، وطلبوا زيادة جوامكهم ورواتب لحمهم، ووقفوا تحت القلعة فأرسل إليهم السلطان يعدهم بعمل المصلحة، فلم يرضوا بذلك وأصبحوا من الغد فى يوم الأربعاء رابع شهر ربيع الآخر على مواقفهم. وركب السلطان ولعب الكرة بالحوش السلطانى مع الأتابك قرقماس الشعبانى وغيره من الأمراء إلى أن انتهى لعبهم، فأسرّ بعض من تأمّر من المماليك المؤيّدية إلى السلطان، بأن الأتابك قرقماس يريد الركوب على السلطان، فنهره السلطان واستبعد وقوع ذلك من قرقماس، لا سيما فى هذا اليوم. هذا وقد كثر جمع المماليك السلطانية من الأشرفية وغيرهم، ووقفوا تحت القلعة كما كانوا فى أمسه، ثم [وقفوا] «2» عند باب المدرج أحد أبواب القلعة، وصاروا كلما نزل أمير من الخدمة السلطانية اجتمعوا به وكلموه فى عمل مصالحهم، ووقع لهم ذلك مع جماعة كبيرة من الأمراء، إلى أن نزل الأتابك قرقماس فأحاطوا به وحدثوه فى ذلك وأغلظوا فى حق السلطان، فوعدهم قرقماس بأنه يتحدث بسببهم مع السلطان، وبشّ لهم وألان معهم فى الكلام، فطمعوا فيه وأبوا أن يمكنوه من الرجوع إلى السلطان، وكلموه فى الركوب على السلطان وهم يوافقوه على ذلك، فأخذ يمتنع تمنعا ليس بذاك. وظهر من كلامه فى القرائن أنه يريد كثرة من يكون معه، وأن ذلك لا يكون فى هذا اليوم، فلما فهموا منه ذلك تحركت كوامن المماليك الأشرفية من الملك

الظاهر جقمق، [و] «1» انتهزوا الفرصة وقصدوا الركوب ووقوع الحرب فى الحال، بجهل وعدم دربة بالوقائع والحروب، وأخذوه ومضوا وهم فى خدمته إلى بيته، وكان سكنه بملكه بالقرب من المدابغ خارج باب زويلة. وتلاحق بهم جماعة كثيرة من أعيان المماليك السلطانية وبعض الأمراء وعليهم السلاح، وراودوه على الركوب فلم يعجبه ذلك، وقال لهم ما معناه أن له أصحابا «2» وخجداشية كثيرة وجماعة من أكابر الأمراء لهم معه ميل وغرض، فاصبروا إلى باكر النهار من الغد لنتشاور معهم فى أمرنا هذا وفيما نفعله، فامتنعوا من ذلك وأظهروا له إن لم يركب فى هذا اليوم لم يوافقوه بعد ذلك. وكان جمعهم قد كثر إلى الغاية، ولكن غالبهم المماليك الأشرفية، وكان الذي قال له ذلك الأمير مغلباى الجقمقى أستادار الصحبة على لسان بعض أصحابه، وقيل إن قرقماس أراد بهذا الكلام توقفهم حتى يتفرقوا عنه ثم يصعد هو إلى القلعة ويعلم السلطان بذلك. وعندى أن الصحيح [أنه] «3» لم يرد بقوله هذا إلا تحكيم أمره حتى يأتوه من الغد بجموعهم، ويأخذوه غصبا كما فعل القوم بالملك الظاهر جقمق، ويجتمع عليه حواشيه وأصحابه- وأنا أعرف بحاله من غيرى- فأبوا عليه وألحوا فى ركوبه فى الوقت، وخوّفوه تفرّق من اجتمع عليه فى هذا اليوم، وكانوا خلائق كثيرة إلى الغاية. فنظر عند ذلك فى أمره، فلم يجد بدا من موافقتهم وركوبه معهم فى هذا اليوم لما فى نفسه من الوثوب على السلطنة [والاستبداد بالأمر] «4» ، وكان فيه طيش وخفة [فى صفة] «5» عقل ورزانة [94] لا يفهم منه ذلك إلا من له ذوق ومعرفة بنقد الرجال. وخاف قرقماس إن لم يركب فى هذا اليوم وأراد الركوب بعد ذلك، لا يوافقه أحد من

هؤلاء، فينحلّ بذلك برمه ويطول عليه الأمر، لعظم ما كان داخله الحسد للملك الظاهر جقمق، ولله دار القائل: «الحاسد ظالم فى صفة مظلوم مبتلى غير مرحوم» . وأحسن من هذا قول القائل، وهو لسان حال الملك الظاهر جقمق: [الطويل] وكلّ أداريه على حسب حاله ... سوى حاسدى فهى التى لا أنالها وكيف يدارى المرء حاسد نعمة ... إذا كان لا يرضيه إلا زوالها فعند ذلك قام ولبس آلة الحرب هو ومماليكه، وركب من وقته قريب الظهر من يوم الأربعاء رابع شهر ربيع الآخر المذكور، وخرج من بيته بعساكر عظيمة، ومعه أمراء العشرات: الأمير أزبك السيفى قانى باى نائب الشام المعروف بأزبك جحا، والأمير جانم الأشرفى [المعروف برأس نوبة سيّدى، وكلاهما أمير غشرة «1» ، وقد وافقه غيرهما مثل الأمير قراجا] «2» الأشرفى أحد مقدمى الألوف، والأمير مغلباى الجقمقى أستادار الصحبة، ووعداه أنهما يوافياه «3» بمماليكهما «4» بالرملة. وخرج الأمير قرقماس من بيته بجموعه فوافيته خارج باب زويلة من غير ميعاد، وسرت معه، وصحبته عساكر كثيرة من الأشرفية وغيرهم، وأنا بجانبه. فتأملت فى أمره فلم يعجبنى حاله، لاضطراب عساكره ولعدم من يرأسهم من أعيان الأمراء ممن مرّت بهم التجارب، وأيضا لكثرة قلقه فى مسيره وعدم ثباته فى كلامه، وظهر لى منه أيضا أنه لم يعجبه ما هو فيه من اختلاف كلمة من هو معه من المماليك السلطانية وآرائهم المفلوكة وكثرة هرجهم، ثم صار يقول فى مسيره: الله ينصر الحق، فيقول آخر: الله ينصر الملك العزيز يوسف، ويقول آخر: الله ينصر الأمير قرقماس، ومنهم من قال: الله ينصر السلطان، ولم أدر أىّ سلطان قصد؛ كل ذلك فى تلك المسافة القريبة من بيته إلى الرملة.

ثم كشف قرقماس رأسه وصاح: «الله ينصر الحق» غير مرة، فتعجبت أنا من دعائه، لأىّ حق يريد؟ فلما أن كشف رأسه تفاعل الناس بخذلانه، وظهر لى منه أيضا أنه كان يتخوف من المماليك الأشرفية، لما بلغنى بعد ذلك أنه بلغه فى اليوم المذكور أنهم إذا انتصروا على [الملك] «1» الظاهر جقمق وملكوا القلعة ضربوا رقبة قرقماس، فنفر خاطره من ذلك. وكأنه بلغه ذلك بعد ركوبه وشروعه فيما هو فيه، فبقى لا يمكنه إلا الإتمام، لأن الشروع ملزم؛ والمقصود أنه سار إلى أن وصل قريبا من جامع السلطان حسن، فوافاه الأمير قراجا بطلبه ومماليكه وعليهم السلاح، والأمير مغلباى الجقمقى، وسارا معه من تحت مدرسة السلطان حسن إلى بيت قوصون تجاه باب السلسلة. وكان يسكنه يوم ذاك الأمير أركماس الظاهرى الدوادار الكبير، وقد أغلقه مماليك أركماس [المذكور] «2» ، فقصد قرقماس [المذكور] «3» عبور البيت المذكور فوجده مغلقا، ثم دخله بعد أمور، فإذا بأركماس الظاهرى قد خرج من باب سرّ البيت المذكور، ومضى إلى حال سبيله [محمولا] «4» لعجزه عن الحركة لوجع كان يعتريه برجليه، وأيضا لم يكن من هذا القبيل. وملك قرقماس البيت ودخله، وأخذ فيما يفعله مع عساكر السلطان من القتال وغيره، فلم ينتظم له أمر ولا رتب له طلب من كثرة الغوغاء والهرج، حتى أن باب السلسلة كان مفتوحا منذ قدم قرقماس إلى الرملة وأخذ بيت أركماس الظاهرى، والأمير تمراز القرمشى الأمير آخور الكبير لم يلتفت إلى غلقه ولا تحرك من مجلسه ولا ألبس أحدا من مماليكه السلاح، ومن عظم تراخيه فى ذلك «5» نسبوه للمالأة مع قرقماس- ولا يبعد ذلك. ومع هذا كله لم يلتفت أحد من أصحاب قرقماس إلى أخذ باب السلسلة، ولا سار أحد إلى جهته جملة كافية، لعظم

اضطرابهم وقلة سعدهم. [95] كل ذلك والسلطان الملك الظاهر إلى الآن بالقلعة فى أناس قليلة من خواصه، وهو لا يصدّق ما قيل له فى حق قرقماس، إلى أن حضر قرقماس إلى الرملة وملك بيت قوصون، فعند ذلك ركب من الحوش السلطانى ونزل فى أمرائه الصغار وخاصكيّته إلى باب السلسلة وجلس بالمقعد المطل على الرميلة، وقد صحب معه فرسا عليه قماش ذهب يوهم به أنه لأجل قرقماس إذا طلع إليه طائعا، وأن قرقماس أرسل يقول له أنه يريد أن يفر من المماليك الأشرفية ويطلع إلى القلعة، فأمسك بهذه الحركة جماعة كبيرة عن التوجه إلى قرقماس من خجداشيته وأصحابه. وكان هذا الذي فعله [الملك] «1» الظاهر من أكبر المصالح، فإن كان على حقيقته فقد نفع، وإن كان حيلة من [الملك] «2» الظاهر جقمق فكانت فى غاية الحسن ومن أجود الحيل. ولما جلس الملك الظاهر بالمقعد من الإسطبل السلطانى المطل على الرميلة، نزلت جماعة من خاصكيّته مشاة وعليهم السلاح وناوشوا القرقماسية بالقتال قليلا. ثم أمر السلطان فنودى: من كان من حزب السلطان فليتوجه إلى بيت الأمير آقبغا التّمرازى أمير سلاح، وكان سكن آقبغا المذكور بقصر بكتمر الساقى بالقرب من الكبش تجاه مدرسة سنجر الجاولى «3» ، فلما سمع الأمراء والمماليك المناداة ذهبوا إلى بيت الأمير آقبغا التمرازى، فاجتمع عنده خلائق وجماعة كبيرة من الأمراء، فممن اجتمع عنده من مقدمى الألوف: الأمير قراخجا الحسنى رأس نوبة النوب، وحاجب الحجاب تغرى بردى البكلمشى المؤذى، ومن الطبلخاناه وغيرهم: الأمير أسنبغا الطّيّارى وعدة كبيرة.

ثم أرسل آقبغا التمرازى رأس نوبته لكشف خبر قرقماس ومن وافقه من الأمراء، فتوجه المذكور وعاد إليه بالخبر أنه ليس معه من الأمراء إلا قراجا وأزبك جحا ومغلباى الجقمقى وجانم الأشرفى، فقال آقبغا: إذن فلا شىء. وركب فرسه وركب الأمراء معه بمن انضم عليهم من المماليك السلطانية، وساروا إلى أن وصلوا إلى صليبة أحمد بن طولون عند الخانقاه الشيخونية، ووقفوا هناك وتشاوروا فى مرورهم إلى باب السلسلة، وقد ملأت عساكر قرقماس الرميلة «1» ؛ فمن الناس من قال: نتوجه من على المشهد النّفيسى إلى باب القرافة ثم نطلع إلى القلعة، ومنهم من قال غير ذلك. وبينما «2» هم فى ذلك، ورد عليهم الخبر أن الأمير قراجا ومغلباى الجقمقى خرجا من عسكر قرقماس ولحقا بالسلطان؛ فعند ذلك قوى عزم الأمراء على الطلوع إلى القلعة من سويقه منعم «3» ، فساروا بمن معهم إلى أن صاروا بآخر سويقة منعم فحركوا خيولهم يدا واحدة، إلى أن وصلوا إلى القلعة، بعد أن كبا بآقبغا التمرازى فرسه ثم قام به ولم يفارق السرج. وطلعوا الجميع إلى القلعة، وقبلوا الأرض بين يدى السلطان، فأكرمهم السلطان غاية الإكرام وندبهم لقتال قرقماس، فنزلوا من وقتهم بأطلابهم ومماليكهم، وقد انضم معهم جميع أمراء الألوف وغيرها، وصفّ آقبغا عساكره والأطلاب الذين معه «4» ، وقبل أن يعبّى عساكر السلطان صدمته القرقماسية من غير تعبية ولا مصاففة، لأن قرقماس لما وقف تجاه باب السلسلة لم يقدر على تعبية عساكره لكثرة المماليك وقلة من معه من الأمراء، ووقف هو بينهم فى الوسط، ولم يكن لمعسكره قلب ولا ميمنة ولا ميسرة، وذلك لقلة معرفة أصحابه بممارسة الحروب وتعبية العساكر، وكان ذلك من أكبر الأسباب فى هزيمة قرقماس، فإنه تعب فى موقفه ذلك اليوم غاية التعب، فصار

تارة يكرّ فى الميمنة [وتارة فى الميسرة] «1» وتارة يقاتل بنفسه حتى أثخن جراحه، وتارة يعود إلى سنجقه، ولم يقع ذلك لعساكر السلطان فإن غالبهم كانوا أمراء ألوف وطبلخانات وعشرات، فأما مقدمو «2» الألوف فوقفت أطلابهم تحت القلعة تجاه قرقماس، كلّ طلب على حدته، فصاروا كالتعبية. [96] وبرزت الأمراء والخاصكيّة لقتال قرقماس، طائفة بعد أخرى، هذا مع معرفتهم بمكايد الحروب وأحوال الوقائع، وآقبغا التمرازى فى اجتهاد يعبى العساكر السلطانية ميمنة وميسرة وقلبا «3» وجناحين، وكان قصده تعبية المجنّح فلم يمهله القرقماسية، وبادروه بالقتال والنزال من غير إذن قرقماس، فتصادم الفريقان غير مرة، والهزيمة فيها على السلطانية، وتداول ذلك بينهم مرارا كثيرة. واشتد القتال وفشت الجراحات فى الطائفتين، وقتل الأمير جكم النّوروزى أحد أمراء العشرات بوسط الرملة وهو من حزب السلطان، كل ذلك ومنادى قرقماس ينادى فى الناس: من يأتى قرقماس من المماليك السلطانية فله مائتا دينار، ومن يأتيه من الزّعر فله عشرون دينار، فكثر جمعه من الزّعر والعامة، فأخذ [الملك] «4» الظاهر جقمق ينثر الذهب على الزّعر فمالوا إليه بأجمعهم، وقال لسان حالهم: «درّة معجّلة ولا درّة مؤجّلة» . ثم أمر السلطان بمناد فنادى من أعلى سور القلعة: «من كان فى طاعة السلطان فليحضر وله الأمان كائن من كان وله كذا وكذا» ، وأوعد بأشياء كثيرة. كل ذلك والقتال فى أشد ما يكون، ولم يكن غير ساعة جيدة إلا وأخذ عسكر قرقماس فى تقهقر، وتوجهت الناس إلى السلطان شيئا بعد شىء. وكان جماعة من أصحابنا من الناصرية وقفوا عند الصّوّة من تحت الطبلخاناه [السلطانية] «5» حتى يروا ما يكون

من أمر خشداشهم الأتابك قرقماس، وهواهم وميلهم إليه، فإنه قيل فى الأعصار الخالية: «لا أفلح من هجيت قبيلته» ؛ فلما رأوا أمر قرقماس فى إدبار، وأخذ أصحابه فى التفرق عنه، انحازوا بأجمعهم إلى جهة باب السلسلة، وأظهر كل واحد منهم أنه كان «1» ممن قاتل قرقماس. ولم يخف ذلك على [الملك] «2» الظاهر، لكنه لم يسعه يوم ذاك إلا السكات. وبالله لقد رأيت الأمير آقبغا التركمانى الناصرى وهو يدق بزخمته على طبله، ويندب الناس لأخذ قرقماس بعد أن أشرف على الهزيمة، وعبرته قد خنقته حتى إنه لا يستطيع الكلام من ذلك. ولما كان بين الظهر والعصر أخذ قرقماس فى إدبار، واضمحلت عساكره وذهبت أصحابه، وجرح هو فى وجهه ويده، وكلّ وتعب، وانفلت عنه جموعه، وصار الرجل من أصحابه يغير لبسه ثم يطلع فى الحال إلى القلعة حتى ينظره السلطان، هذا والرمى عليه من أعلى القلعة مترادف بالسهام والنفوط. وكان أصحاب قرقماس فى أول حضوره إلى الرميلة اقتحموا باب السلطان حسن فلم يقدروا على فتحه، فأحرقوه ودخلوا المدرسة وصعدوا على سطحها وأرموا على السلطان وهم أيضا «3» بالنشاب والكفيات، إلى أن أبادوا القلعيين، ومع هذا كله وأمر قرقماس فى إدبار. وقبل أن تقع الهزيمة على عساكر قرقماس من الذين ثبتوا معه، فرّهو فى العاجل فانهزم عند ذلك عسكره بعد أن ثبتوا بعد ذهابه ساعة، ثم انقلبوا وولوا الأدبار فما أذّن العصر إلا وقد تمت الهزيمة [بعد أن جرح خلائق من الطائفتين] «4» ، فكان ممن جرح من أعيان السلطانية: الأمير آقبغا التّمرازى أمير سلاح، والأمير تغرى بردى

المؤذى حاجب الحجاب برمح أخرق شدقه، لزم منه الفراش مدة طويلة وأشرف على الموت، والأمير أسنبغا الطيارى أيضا من طعنة رمح أصابه فى ضلعه، وجماعة كثيرة من الخاصكية والمماليك يطول الشرح فى تسميتهم. وعند ما انهزمت عساكر قرقماس أخذوا سنجقه وطلعوا به إلى السلطان، وفرّ قرقماس فلم يعرف أين ذهب؛ فتوهّم السلطان أنه توجّه إلى جهة الشام فندب الأمير آقبغا التمرازى فى جماعة إلى جهة الخانقاه، فسار إلى أن قارب المرج والزيّات، فلم يجد فى طريقه أثر أحد من العساكر، فعلم أن قرقماس اختفى بالقاهرة، فعاد. وأما الزّعر، فإنهم لما رأوا الهزيمة على القرقماسية [97] أخذوا فى نهبهم، ثم توجهوا إلى داره فنهبوها وأخذوا جميع ما فيها، وفى الحال سكنت الفتنة وفتحت الدكاكين، ونودى بالأمان والبيع والشراء. وأخذ أهل الحرس فى تتبع قرقماس وحواشيه، وندب السلطان أيضا جماعة من خواصه فى الفحص عن أمره، وما أمسى الليل حتى ذهب أثر الفتنة كأنها لم تكن، وبات الناس فى أمن وسلام. وأما السلطان فإنه لما تحقق هزيمة قرقماس، قام من مجلسه بمقعد الإسطبل وطلع إلى القلعة مؤيدا منصورا كأول يوم تسلطن، فإنه كان فى بحران كبير من أمر قرقماس وشدة بأسه وعظم شوكته وجلالته فى النفوس. وقد كان [الملك] «1» الظاهر يتحقق أن قرقماس لا بد له من الركوب عليه، لحبه للرئاسة وتشغّب «2» رأسه بالسلطنة، ولا يمكنه القبض عليه لاضطراب أمره كما هى أوائل الدول، فكان السلطان يريد مطاولته من يوم إلى يوم، إلى أن يتمكن منه بأمر من الأمور، فعجّل الله له أمره بعد شدة هالته عقبها فرج وأمن. ولما أصبح يوم الخميس خامس شهر ربيع الآخر، عملت الخدمة السلطانية بالقصر

السلطانى، وطلع القضاة والأعيان وهنّأوه «1» بالنصر والظفر، وقد وقف على باب القصر جماعة من أمراء المؤيدية الرءوس نوب، مثل جانبك المحمودى، وعلى باى العجمى، وأمثالهما «2» ، ومنعوا المماليك الأشرفية من الدخول إلى الخدمة السلطانية؛ وصار كل واحد منهم يضرب المملوك من الأشرفية على رأسه وأكتافه بالعصى حتى يمنعه من الدخول. هذا بعد أن يوسعه سبّا وتوبيخا، وقطع رواتب جماعة كثيرة منهم. ثم أمر السلطان القضاة، فجلسوا بجامع القلعة، بسبب قطع سلالم مآذن المدرسة الحسنية «3» ، فحكم قاضى القضاة شمس الدين محمد بن البساطى المالكى بقطعها، وألزم الناظر على المدرسة بقطع السلالم المذكورة، فقطعت فى الحال. ثم أمر السلطان بالفحص عن قرقماس، ونودى عليه بشوارع القاهرة، وهدّد من أخفاه، فظفر به من الغد فى يوم الجمعة سادس شهر ربيع الآخر، وكان من خبره: أنه لما انهزم سار وحده إلى جهة الرّصد «4» ، وقيل معه واحد من حواشيه، فأقام به نهاره، ثم عاد من ليلته- وهى ليلة الخميس- إلى جهة الجزيرة، ثم مضى منه إلى بستانه بالقرب من موردة الجبس «5» وقد ضاقت عليه الدنيا بأسرها، وكاد يهلك من الجوع [والعطش] «6» ، فلما رأى ما حل به، بعث إلى الزينى عبد الباسط يعرفه بمكانه، ويأخذ له أمانا من السلطان. فركب عبد الباسط فى الحال وطلع إلى السلطان

فى بكرة يوم الجمعة المذكور، وعرّفه بأمر قرقماس، فندب السلطان ولده المقام الناصرى محمدا للنزول إليه، فركب وسار فى خدمته عبد الباسط حتى أتوا إلى موضع كان فيه قرقماس. حدّثنى المقام الناصرى محمد المذكور، قال: لما دخلت على قرقماس قام إلىّ وانحطّ يقبل قدمى فمنعته من ذلك فغلبنى وقبّل قدمى، ثم يدى، ثم شرع يتخضّع إلىّ ويتضرع، وقد علاه الذل والصغار، ولم أر فى عمرى رجلا ذلّ كذلته، ولا جزع جزعه، وأخذت أسكّن روعه، وجعلت فى عنقه منديل الأمان الذي أرسله والدى إليه، فقبل يدى ثانيا ثم أراد الدخول تحت ذيلى، فلم أمكنه من ذلك إجلالا له، ثم خرجنا من ذلك المجلس وركبنا وأركبناه فرسا من جنائبى، ومضينا به إلى القلعة، وهو فى طول طريقه يبكى ويتضرع إلىّ بحيث أنه رقّ عليه قلبى، وكلما مررنا به على أحد من العامة، شتمه ووبخه، وأسمعه من المكروه مالا مزيد عليه، حتى لو أمكنهم رجمه لرجموه. هذا ما حكاه المقام الناصرى، ولما أن وصل قرقماس إلى القلعة، وبلغ السلطان وصوله جلس على عادته، فحال ما مثل بين يديه خرّ على وجهه يقبل الأرض، ثم قام ومشى قليلا، ثم خرّ وقبّل الأرض ثانيا، هذا ووجهه صار «1» كلون الزعفران من الصفار وشدة الخوف، فلما قرب من السلطان أراد أن يقبل رجله، فمنعوه أرباب الوظائف من ذلك، ثم أخذ يتضرع، فلم يطل السلطان وقوفه [98] ووعده «2» بخير على هينته. ثم أمر به، فأخذ وأدخل إلى مكان بالحوش، فقيّد فى الحال، وهو يشكو الجوع، وذكر أنه من يوم الوقعة ما استطعم بطعام، فأتى له بطعام فأكله، وقد زال عنه تلك الأبهة والحشمة من عظم ما داخله من الخوف والذل، ولهجت العامة تقول فى الطرقات: «الفقر والإفلاس ولا ذلتك يا قرقماس» . قلت: وما أبلغ قول القائل فى معناه: [الوافر]

أرى الدنيا تقول بملء فيها ... حذار حذار توبيخى وفتكى ولا يغرركم منّى ابتسام ... فقولى مضحك والفعل مبكى وأبلغ من هذا قول أبى نواس [فى الزهد] «1» : [الطويل] إذا امتحن الدنيا لبيب تكشّفت ... له عن عدوّ فى ثياب صديق «2» ولما أمسك قرقماس المذكور تمّ سرور السلطان، وهدأ «3» سرّه، وأخذ فى مسك جماعة من أعيان الأشرفية، فأمسك فى يوم واحد أزيد من ستين خاصكيّا من أعيان المماليك الأشرفية، وحبس الجميع بالبرج من قلعة الجبل. ثم فى يوم السبت سابع ربيع الآخر، خلع السلطان على الأمير آقبغا التّمرازى أمير سلاح، باستقراره أتابك العساكر عوضا عن قرقماس المقدم ذكره، وخلع على يشبك السّودونى أمير مجلس، باستقراره أمير سلاح عوضا عن آقبغا التّمرازى، وعلى الأمير

جرباش قاشق، باستقراره أمير مجلس عوضا عن يشبك المذكور. وفى هذا اليوم أيضا أنزل بالأمير «1» قرقماس الشعبانى المقدم ذكره مقيدا من القلعة على بغل على العادة إلى الإسكندرية، بعد أن سمع من العامة مكروها كثيرا إلى الغاية، كل ذلك لأنه كان لما ولى الحجوبية بالديار المصرية، شدّد على الناس وعاقب على المسكرات العقوبات الخارجة عن الحد، فإنه كان فيه ظلم وجبروت، فلما أن وقع له ما وقع، صار من كان «2» فى نفسه شىء، انتقم منه فى هذا اليوم، ويوم طلوعه، فنعوذ بالله من زوال النعم. ثم فى يوم الاثنين تاسعه، قرئ عهد السلطان الملك الظاهر جقمق، بالقصر السلطانى من قلعة الجبل، وقد حضر الخليفة أمير المؤمنين أبو الفتح داؤد، والقضاة الأربعة «3» ، وتولى قراءته كاتب السر الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله، وكان العهد من إنشاء القاضى شرف الدين الأشقر نائب كاتب السر. ولما انتهى كاتب السر من قراءة العهد، خلع السلطان على الخليفة والقضاة، وعلى كاتب السر ونائبه شرف الدين المذكور، وانفض الموكب. ثم فى يوم السبت رابع عشر شهر ربيع الآخر، أنعم السلطان على الأمير قراجا الأشرفى أحد مقدمى الألوف، بإقطاع الأتابك آقبغا التّمرازى، بحكم انتقال آقبغا على إقطاع الأتابك قرقماس الذي هو برسم من يكون أتابك العساكر، وكان السلطان زاد قرقماس تقدمة أخرى، زيادة على إقطاع الأتابكية يترضاه بذلك، فلم ينعم السلطان بالزيادة على آقبغا: بل أنعم بها على بعض الأمراء، وأنعم السلطان بتقدمة قراجا على الأمير ألطنبغا المرقبى المؤيدى، الذي كان ولى حجوبية الحجّاب فى الدولة المؤيدية، وكان له مدة طويلة بطّالا، ثم صار أمير عشرة، وأنعم السلطان بإمرة مائة وتقدمة ألف على الأمير إينال الأبوبكريّ الأشرفى، عوضا عن قرقماس، وهذه التقدمة التى كانت مع قرقماس زيادة

على إقطاع الأتابكية المقدم ذكرها، وأنعم بإقطاع إينال ووظيفته الدوادارية الثانية على الأمير أسنبغا الطيّارى الحاجب الثانى. وفيه حضر المقرّ الكمالى محمد بن البارزى من دمشق بطلب، بعد أن تلقاه جميع أعيان الديار المصرية، وأصبح من الغد فى يوم الثلاثاء سابع عشر ربيع الآخر المذكور، خلع السلطان عليه باستقراره فى كتابة السر الشريف بالديار المصرية، عوضا عن الصاحب بدر الدين بن نصر الله بحكم عزله، وهذه ولاية [99] كمال الدين المذكور لوظيفة كتابة السر ثالث مرة، وهى أعظم ولاياته، لأنه صار صهر السلطان وكاتب سره. وفى يوم الثلاثاء هذا، خلع السلطان على الأمير أسنبغا الطيّارى بالدوادارية الثانية، وخلع على الأمير يلبغا البهائى «1» الظاهرى أحد أمراء العشرات، باستقراره حاجبا ثانيا، عوضا عن أسنبغا الطيّارى. ثم فى يوم الخميس تاسع عشره، خلع السلطان على الأمير إينال الأبوبكريّ الأشرفى باستقراره أمير حاجّ المحمل، وأنعم عليه بعشرة آلاف دينار. هذا والقبض على المماليك الأشرفية مستمر فى كل يوم، وكل من قبض عليه منهم، أخرج إقطاعه ووظيفته، وحبس بالبرج من القلعة؛ وقد عيّن السلطان جماعة منهم للنفى إلى الواحات. ثم فى يوم الأربعاء خامس عشرينه، أخرج السلطان جماعة كبيرة من المماليك الأشرفية من برج القلعة، وأمر بنفيهم إلى الواحات؛ فخرجوا من القاهرة من يومهم، وكانوا عدة كبيرة. [ثم] «2» فى يوم السبت خامس جمادى الأولى، رسم السلطان بالإفراج عن الأمير خشقدم الطّواشى اليشبكى مقدم المماليك كان، ونائبه فيروز الرّكنى من

سجن الإسكندرية، ورسم لها بالتوجه إلى دمياط على حمل خمسة عشرة ألف دينار. وفيه ورد كتاب الأمير حسين بن أحمد، المدعو تغرى برمش نائب حلب، على السلطان، يتضمن: أنه مقيم على طاعة السلطان، وأنه لبس التشريف المجهز له، وقبّل الأرض؛ فلم يكترث الملك الظاهر بذلك، وكتب ملطّفات إلى أمراء حلب، بالقبض عليه إن أمكنهم ذلك. ثم فى ثامن جمادى الأولى، استقر الشريف صخرة بن مقبل بن نخبار، فى إمرة الينبع، عوضا عن الشريف عقيل بن زبير بن نخبار ثم فى يوم الخميس عاشره، استقر زين الدين يحيى بن كاتب حلوان الأشقر، المعروف بقريب ابن أبى الفرج، ناظر الإسطبل السلطانى، على مال بذله فى ذلك، بعد سعى كبير؛ وخلع السلطان أيضا على محمد الصغير، معلّم النّشّاب، أحد ندماء السلطان، باستقراره فى نيابة دمياط، بعد عزل الأمير أسنباى الزّردكاش الظاهرى. ثم فى يوم الثلاثاء خامس [عشر] «1» جمادى الأولى المذكور، طلب السلطان الشيخ حسن العجمى، أحد ندماء [الملك] «2» الأشرف برسباى، فلما مثل «3» بين يديه، تقدم الشيخ حسن المذكور «4» ليقبل يد السلطان فضربه السلطان بيده على خده [لطشة] «5» كاد أن يسقط منها إلى الأرض، ثم أمر به فعرّى وضرب بالمقارع ضربا مبرحا، وشهر بالقاهرة، ثم سجن ببعض الحبوس، وذلك لسوء سيرة حسن المذكور وقلة أدبه مع الأمراء فى أيام [الملك] «6» الأشرف [برسباى] «7» . وكان أصل هذا حسن من أوباش الأعاجم المولدة من الجغتاى، واتصل [بالملك] «8»

الأشرف بعد سلطنته بسنين، ونادمه واختص به، فنالته السعادة وعمّر له الملك الأشرف زاوية بالصحراء بالقرب من تربة [الملك] «1» الظاهر برقوق، وأوقف عليها وقفا جيدا، وكان حسن المذكور، فى أيام أستاذه [الملك] «2» الأشرف، يدخل إلى أكابر الأمراء ويكلفهم ويأخذ منهم ما أراد من غير تحشّم وعدم اكتراث بهم، فكأنه طرق [الملك] «3» الظاهر جقمق وفعل معه ذلك، فأسرّها [الملك] «4» الظاهر له إلى وقتها؛ مع ذنوب أخر، حتى فعل معه ما فعل؛ ثم نفاه إلى قوص، فدام به إلى أن مات فيما أظن. ثم جهّز السلطان الأمير سودون المحمدى، وخلع عليه بنظر مكة المشرفة، وندبه أيضا لقتال عرب بلىّ، وصحبته جماعة من المماليك السلطانية، وعرب بلىّ هؤلاء [هم] «5» الذين فعلوا بالحجاج ما فعلوه فى موسم السنة الخالية. وندب بعده أيضا الشهابى أحمد بن إينال اليوسفى، أحد أمراء العشرات، لإصلاح مناهل الحجاز وتقوية لسودون المحمدى. ثم خلع السلطان على الأمير أقبغا من مامش التركمانى الناصرى، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، باستقراره فى نيابة الكرك، بعد عزل الصاحب خليل بن شاهين الشّيخى، وانتقاله إلى أتابكية صفد. ثم فى يوم الخميس أول شهر رجب، أنفق السلطان فى المماليك [100] السلطانية نفقة الكسوة، وكانت عادتهم أن يدفع لكل واحد منهم خمسمائة درهم من الفلوس، فلما قرب أوان تفرقة الكسوة، وقفوا فى يوم الاثنين ثامن عشرين جمادى الآخرة وطلبوا أن ينفق فيهم، عن ثمن الكسوة عشرة دنانير

لكل واحد، فما زالوا به حتى أنفق فيهم ألف درهم الواحد، ولكل خاصكى ألفا «1» وخمسمائة. وفيه رسم السلطان، بأن يكون نواب القاضى الشافعى خمسة عشر، وثواب الحنفى عشرة، ونواب المالكى والحنبلى أربعة أربعة، ووقع ذلك أياما، ثم عادوا إلى ما كانوا عليه.

ذكر قتل قرقماس الشعبانى الناصرى

ذكر قتل قرقماس الشعبانى الناصرى المقدم ذكره ولما كان يوم الخميس ثامن شهر رجب، جمع السلطان القضاة بالقصر، بعد الخدمة السلطانية، وادعى القاضى علاء الدين على بن أقبرس، أحد نواب الحكم الشافعية، عند القاضى المالكى شمس الدين البساطى، على الأمير قرقماس المذكور، بأنه خرج عن الطاعة وحارب الله ورسوله، وأن بقاءه بالسجن مفسدة وإثارة فتنة، وأن فى قتله مصلحة؛ وشهد بخروجه عن الطاعة ومحاربته جماعة من أكابر الأمراء، فحكم البساطى بموجب ذلك، فقيل له: ما موجبه؟ فقال: القتل، وانفض المجلس. فندب السلطان طوغان السيفىّ آقبردى المنقار أحد الخاصكيّة لقتله، فسافر طوغان إلى الإسكندرية، ودفع لنائبها ما على يده من المحضر المكتتب على قرقماس، وحكم القاضى المالكىّ بقتله، فأخرجه النائب من السجن فقرئ عليه حكم القاضى، وسئل عن الحكم المذكور، فأعذر. حدّثنى طوغان المذكور بعد عوده من الإسكندرية، قال: لما وصلت إلى الإسكندرية، ودفعت إلى الأمير تمربابى التّمربغاوى نائب الإسكندرية، ما كان على يدى من المراسيم السلطانية وغيرها بقتل قرقماس، فأمر به تمرباى فأخرج من سجنه بقيده إلى بين يدى النائب، فقام النائب وأجلسه مكانه، وسأله فى الأعذار، فأعذر، وقد امتلأ المجلس بالناس، وصار النائب يستحى أن يأمره بالقيام، حتى تكلم بعض من حضر بانفضاض المجلس، وقد حضر المشاعلىّ والوالى، وأقيم قرقماس، وأخذ لتضرب رقبته، فجزع جزعا عظيما وشرع يقول لى: يا أخى يا طوغان، تضرب رقبتى فى هذا الملأ؟ وكرر ذلك غير مرة. فقلت له: يا خوند، أنا عبد

مأمور، والشرع حكم بذلك. فقدّم وأجلس على ركبتيه، وأخرج المشاعلىّ سيفا من غير قراب، بل كان ملفوفا بحاشية من حواشى الجوخ التى لا ينتفع بها، فلما رأيت ذلك، قلت للمشاعلىّ: إيش هذا السيف الوحش؟ قال: لا، بل هو سيف جيد. ثم أخذ المشاعلى السيف المذكور وضرب به رقبة قرقماس، فقطعت من رقبته مقدار نصف قيراط لا غير، وعند وقوع الضربة فى رقبة قرقماس صاح صيحة واحدة مات فيها من عظم الوهم، ثم ضربه المشاعلىّ أخرى ثم ثالثة، وفى الثالثة حزّها حزّا حتى تخلّصت، كلّ ذلك وقرقماس لا يتكلم ولا يتحرك، سوى الصيحة الأولى، فعلمت بذلك أنه مات فى الضربة الأولى، من عظم ما داخله من الوهم؛ وكان ذلك فى يوم الاثنين ثانى عشر [شهر] «1» رجب من سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة. ومات قرقماس وسنه نيّف على الخمسين سنة تخمينا، ويأتى بقية أحواله عند ذكر الوفيات «2» من هذا الكتاب [إن شاء الله تعالى] «3» . ثم فى يوم الاثنين ثانى عشر [شهر] » رجب، خلع السلطان على الأمير يلبغا البهائى الظاهرى [برقوق] «5» ، أحد أمراء الطّبلخانات وثانى حاجب، باستقراره فى نيابة الإسكندرية، عوضا عن الأمير تمرباى التّمربغاوى بحكم عزله، ثم ندب السلطان الأمير يشبك السّودونى الأمير سلاح، لسفر الصعيد، وعيّن معه عدّة كبيرة من المماليك الأشرفية [نجدة لمن تقدّم قبله] «6» لقتال عرب الصعيد؛ وخرج فى يوم الاثنين ثانى شهر رمضان بمن معه من المماليك الأشرفية. ثم فى يوم الاثنين تاسع شهر رمضان، قدم الأمير الطّواشى خشقدم اليشبكى، ونائبه فيروز الرّكنى الرومى، من ثغر دمياط، وأمرهما السلطان بالتوجه إلى المدينة النبوية صحبة ركب الحاجّ ليقيما بها.

ثم فى يوم الأربعاء حادى عشر [شهر] «1» رمضان المذكور، ورد على السلطان كتاب الأمير قانى باى الحمزاوى، نائب حماه، يتضمن ورود الأمير بردبك العجمى الجكمى، حاجب الحجاب [101] بحلب، عليه وصحبته من أمراء حلب، أميران، بعد هزيمتهم من الأمير تغرى برمش نائب حلب، بعد خروجه عن طاعة السلطان وعصيانه. وكان أشيع خبر عصيانه إشاعات، فلما ورد هذا الخبر، تحقق كلّ أحد صحة ما أشيع.

ذكر خبر عصيان تغرى برمش المذكور

ذكر خبر عصيان تغرى برمش المذكور «1» وهو أنه كان له من يوم مات [الملك] «2» الأشرف برسباى، أخذ فى أسباب الخروج، واحترز على نفسه فى عوده صحبة العساكر إلى حلب غاية الاحتراز، حتى إنه لم يدخل حلب إلا بعد خروج العساكر المصرية منها بعد أيام، ولما دخل حلب شرع فى تدبير أمره والنظر فى ما يفعله لنفسه، ولم يكن له غرض فى طلب الملك لمعرفته أن القوم لا يرضونه لذلك، غير أنه يعلم أنهم لا يدعونه «3» فى نيابة حلب إن أمكنهم ذلك، لكونه كان «4» تركمانيا غير الجنس. وتحقق هذا، فأخذ فى عمل «5» مصلحة نفسه، واستدعى أمراء التركمان للقيام معه، فأجابه جماعة كبيرة، وانضم عليه خلائق. وكان تغرى برمش من رجال الدهر، عارفا بتدبير أموره، جيد التصرف، وعنده عقل ومكر وحدس صائب، وتدبير جيد، وهمة عالية، على أنه كان لا يعرف المسألة الواحدة فى دين الله، مع جمودة فى مجالسته وخشونة ألفاظ تظهر منه كما هى عادة أوباش التركمان، وجميع جهده ومعرفته كانت فى أمور دنياه لا غير، مع جبن وبخل، إلا فى مستحقّه. فلما استفحل أمره بمن وافقه من أمراء التركمان فى الباطن، وبكثرة مماليكه وخدمه، مع ما كان حصّله من الأموال، وبلغه مع ذلك أن الملطّفات السلطانية وردت على أمراء حلب فى القبض عليه، رأى أنه يظهر ما استكتمه من الخروج عن الطاعة، ويملك حلب وأعمالها طول عمره، لما دبره أنه إذا غلب عليها وكثرت

عساكره بها، يحصّنها ويقيم بها، فإن جاءه «1» عسكر هو قبيله، قاتله، وإن كانت الأخرى، انهزم أمامه بعد تحصين قامتها، وتوجّه «2» إلى جهة بلاد التركمان، إلى أن يعود عنها من أتاها من العساكر، ولم يبق بها إلا من استنيب بها، [و] «3» قدمها تغرى برمش وملكها منه، كما كان يفعله شيخ ونوروز مع الملك الناصر [فرج ابن برقوق] «4» ، مع أن تغرى برمش هذا، كان أرسخ منهما قدما بتلك البلاد، لكونه كان تركمانيا، وله أموال جمة، وأكثر دهاء ومكرا، وإن كان شيخ ونوروز أعظم فى النفوس وأشجع، فليس هذا محلّ شجاعة وعظمة، وإنما هو محل تشويش وتنكيد. وتأييد ما قلته: أن [الملك] «5» الظاهر جقمق، قلق لعصيان تغرى برمش [هذا] «6» أكثر من عصيان الأمير إينال الجكمى نائب الشام الآتى ذكره، وأرسل [الملك] «7» الظاهر خلفى وكلّمنى فى المحضر المكتتب فى حق تغرى برمش هذا قديما، من قتله لبعض مماليك الوالد، لما كان تغرى برمش المذكور بخدمة الوالد، على ما سيأتى بيانه فى [ذكر وفيات هذا الكتاب إن شاء الله تعالى] «8» ، وكلّمنى الملك الظاهر فى أمر تغرى برمش بسبب المحضر وغيره، فلحظت منه ما ذكرته من تخوفه من طول أمر تغرى برمش المذكور معه- انتهى. وكان أول ما بدأ به تغرى برمش أنه أخذ يستميل الأمير حطط نائب قلعة حلب، فلم يتم له ذلك، فأخذ يدبر على أخذ القلعة بالحيل، فأحسّ حطط وكلّم أمراء حلب بسببه، وانفقوا على قتاله، وبادروه وركبوا عليه بعد أمور وقعت يطول شرحها، ورمى عليه حطط من أعلى قلعة حلب؛ وركب الأمير بردبك العجمى الجكمى حاجب حلب، والأمير قطج من تمراز أتابك حلب، وجماعة أمراء حلب، وعساكرها، وواقعوه، فصدمهم بمماليكه صدمة بدد شملهم فيها، وانهزموا

وتشتتوا، فتوجه قطج إلى جهة البيرة «1» فيما أظن، وتوجه بردبك العجمى ومعه أيضا جماعة إلى حماه، وكانت الواقعة فى ليلة الجمعة ثامن عشرين شعبان، ودخل بردبك حماه فى آخر يوم السبت سلخ شعبان؛ هذا ما كان من أمر تغرى برمش، ويأتى بيان أمر هذه الوقعة، فى كتاب تغرى برمش المذكور [إلى السلطان] «2» فيما بعد. وأما ما كان من أمر السلطان، فإنه لما بلغه خبر عصيانه، طلب الأمراء وعمل معهم مشورة بسببه، فوقع الاتفاق بعزله عن نيابة حلب، وتولية غيره، ثم ينتظر السلطان بعد ذلك ما يرد عليه من الأخبار من البلاد الشامية، لما كان أشيع بالقاهرة أن الأمير [102] إينال الجكمى هو الذي أشار لتغرى برمش المذكور بالخروج عن الطاعة، وأنه موافقه فى الباطن، فلذلك لم يعيّن السلطان أحدا من العساكر المصرية، ولا نواب البلاد الشامية، لقتال تغرى برمش. فلما كان يوم الخميس ثانى عشر [شهر] «3» رمضان المذكور، كتب السلطان بنقل الأمير جلبان أمير آخور نائب طرابلس، إلى نيابة حلب، عوضا عن تغرى برمش المذكور، وأن يستقر الأمير قانى باى الحمزاوى نائب حماه المقدم ذكره «4» فى نيابة طرابلس [عوضا عن جلبان، وأن يستقر بردبك العجمى الجكمى حاجب حجاب حلب، المقدم ذكره] «5» فى نيابة حماه، عوضا عن قانى باى الحمزاوى. وتوجّه الأمير على باى العجمى المؤيدى، أحد أمراء العشرات، ورأس نوبة،

بتقليد جلبان وتشريفه بنيابة حلب، وتقليد بردبك العجمى بنيابة حماه، وبردبك المذكور هو خال على باى المتوجه وجالبه وبه يعرف بالعجمى، على شهرة خاله المذكور. وتوجه الأمير جانبك المحمودى المؤيدى، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، بتقليد الأمير قانى باى الحمزاوى وتشريفه بنيابة طرابلس، وعلى باى وجانبك هما يوم ذاك عقد المملكة وحلّها. وبقى السلطان فى قلق بسبب إينال الجكمى نائب الشام، لكونه أشيع أن سودون أخا «1» إينال الجكمى، منذ قدم من عند إينال إلى القاهرة يستميل الناس إليه، وكان السلطان لما تسلطن أرسل سودون المذكور إلى جميع نواب البلاد الشامية، وكانت العادة جرت، أنه يتوجه لكل نائب أمير، يبشره بجلوس السلطان على تخت الملك، كلّ ذلك مراعاة «2» لخاطر أخيه إينال الجكمى، وكان السلطان أيضا أرسل إلى إينال المذكور، بخلعة ثانية مع الأمير ناصر الدين محمد بن إبراهيم بن منجك باستمراره على نيابة دمشق. فلما كان يوم الاثنين سادس عشر شهر رمضان، ورد الخبر على السلطان من الأمير طوخ مازى الناصرى نائب غزة: بأن الأمير ناصر الدين محمد بن منجك المقدم ذكره، لما وصل من عند السلطان بما على يده من الخلعة إلى جسر يعقوب، بعث إليه إينال الجكمىّ ساعيا يستحثه على سرعة القدوم إلى دمشق، ثم أردفه بآخر حتى قدم ابن منجك إلى دمشق فى يوم السبت سابع شهر رمضان المذكور، وخرج إينال إلى لقائه، ولبس التّشريف السلطاّ المجهز إليه على يد ابن منجك، وقبّل الأرض،

وركب الفرس المحضر معه «1» أيضا، ودخل إلى دمشق فى موكب جليل، ونزل بدار السعادة، فاطمأن أهل دمشق بذلك، فإنه كان قد أشيع أيضا بدمشق بعصيان نائبها المذكور. فلما كان يوم الاثنين تاسعه، ركب الأمير إينال الجكمى الموكب على العادة، ودخل إلى دار السعادة، وجميع أمراء دمشق وسائر المباشرين بين يديه، وقد اطمأن كلّ أحد بأن ملك الأمراء مستمرّ على الطاعة، فما هو إلا أن استقر فى مجلسه أشار بالقبض على أعيان أمراء دمشق، فأغلق الباب وقبض على جميع الأمراء والمباشرين، وكان القائم فى قبض الأمراء [الأمير] «2» قانى باى الأبوبكريّ الناصرى أتابك دمشق، وقانصوه النّوروزى أحد مقدمى دمشق. والمقبوض عليهم أجلّهم: الأمير برسباى الحاجب وعدة كبيرة أخر يأتى ذكرهم «3» . قال: وإن على باى العجمى وجانبك المحمودى المتوجهين بتقليد نائب حلب وطرابلس وصلا «4» إلى غزة وأقاما بها. فلما سمع السلطان هذا الخبر، اضطرب وتشوّش غاية التّشويش، لأنه كان عليه أدهى وأمرّ، وجمع الأمراء واستشارهم فى أمر إينال وتغرى برمش فأشاروا «5» الجميع بسفره، وتذكّر السلطان قول آقبغا التّمرازى لمّا أشار عليه «6» قبل سلطنته أن يتوجّه إلى البلاد الشامية ثم يتسلطن، فلم تفده التذكرة الآن، وانفض الموكب على أن السلطان يسافر لقتال المذكورين. ثم فى يوم الأربعاء، ورد الخبر على السلطان: أن الأمير قطج أتابك حلب، وصل أيضا إلى حماة، وأن تغرى برمش أخذ مدينة عين تاب وقلعتها، وأن عدة

من قبض عليه الأمير إينال الجكمى من أمراء دمشق تسعة عشر أميرا، وأنه قبض أيضا على جمال الدين يوسف بن الصفى الكركى ناظر جيش دمشق، وعلى القاضى بهاء الدين محمد بن حجى كاتب سر دمشق، وأن على باى [103] وجانبك المحمودى توجّها من غزة إلى الأمير إينال الناصرى العلائى نائب صفد. ثم فى يوم الخميس عشرينه، ورد على السلطان كتاب الأمير تغرى برمش نائب حلب مؤرخا «1» بثانى شهر رمضان، يتضمن أنه فى اليوم «2» الثالث والعشرين من شعبان لبس الأمير حطط نائب القلعة ومن معه بالقلعة السلاح، وقاموا على سور القلعة ونصبوا المكاحل وغيرها، وأمروا من تحت القلعة من أرباب المعايش وسكان الحوانيت بالنقلة من هناك. وأنه لما رأى ذلك، بعث يسأل حطط عن سبب هذا فلم يجبه، إلى أن كان ليلة التاسع والعشرين منه ركب الأمير قطج أتابك العساكر والأمير بردبك الحاجب فى عدة أمراء لا بسين السلاح ووقفوا تحت القلعة، فبعث إليهم جماعة من عسكره فكانت بين الفريقين وقعة هائلة انهزم فيها قطج، وأنه باق على طاعة السلطان، وأنه بعث يسأل حطط ثانيا عن سبب هذه الحركة، فأجاب بأن الأمير بردبك الحاجب ورد عليه مرسوم السلطان بالركوب عليك وأخذك. وجهزّ تغرى برمش أيضا محضرا ثانيا على قضاة حلب بمعنى ما ذكره، وأنه باق على طاعة السلطان، وأنه لم يتعرض إلى القلعة، فلم يعوّل السلطان على كتابه ولا على ما ذكره لما سبق عنده من خروجه عن الطاعة- انتهى ما تضمنه كتاب تغرى برمش. ثم ورد على السلطان كتاب الأمير فارس نائب قلعة دمشق، بأن الأمير إينال الجكمى أمر فنودى بدمشق بالأمان والاطمئنان والدعاء للسلطان الملك العزيز يوسف، وأن القاضى تقىّ الدين بن قاضى شهبة، قاضى قضاة دمشق، دعا للملك العزيز على منبر جامع بنى أمية فى يوم الجمعة، وأن الخطبة بقلعة دمشق بافية باسم السلطان الملك

الظاهر جقمق؛ كل ذلك والسلطان قد اجتمع» رأيه على إخراج تجريدة إلى البلاد الشامية. ثم فى يوم السبت حادى عشرين [شهر] «2» رمضان، استقر القاضى بدر الدين محمد ابن قاضى القضاة ناصر «3» الدين أحمد التّنّسى أحد خلفاء الحكم المالكية قاضى قضاة الديار المصرية، بعد موت العلامة شمس الدين محمد بن أحمد البساطى. ثم أصبح السلطان من الغد فى يوم الأحد ابتدأ بعرض المماليك السلطانية، وعيّن من الخاصكية ثلاثمائة وعشرين نفرا «4» ، لسفر الشام مع من «5» يأتى ذكره من أمراء الألوف وغيرهم. ثم فى يوم الاثنين ثالث عشرينه، خلع السلطان على الأمير الكبير آقبغا التّمرازى باستقراره فى نيابة دمشق، عوضا عن إينال الجكمى بحكم عصيانه، على كره منه وتمنّع كبير. ثم فى يوم الثلاثاء أيضا عرض السلطان الخاصكيّة وعين منهم للسفر ثلاثمائة وثلاثين خاصكيّا، لتتمة ستمائة وستين خاصكيّا، ثم نقّص منهم خمسة بعد أيام. ثم فى يوم الأربعاء خامس عشرينه عيّن السلطان للسفر من أمراء الألوف: قراخجا الحسنى رأس نوبة النوب، وتمرباى السّيفى تمربغا المشطوب، ومن أمراء الطبلخانات: [الأمير] «6» طوخ من تمراز الناصرى رأس نوبة ثانى، وهو مسفّر الأتابك آقبغا التّمرازى؛ ومن أمراء العشرات عشرة، وهم: أقطوه الموساوى، وقد صار أمير طبلخاناة، وتنم من عبد الرازق المؤيدى محتسب القاهرة ورأس نوبة،

ثم أعفى بعد ذلك، ويشبك من أزوباى الناصرى رأس نوبة، وبايزير «1» من صفر خجا الأشرفى رأس نوبة، وآقبردى الأشرفى أمير آخور ثالث، وقيزطوغان العلائى، وسودون الإينالى المؤيدى المعروف بقراقاس رأس نوبة، وسودون العجمى النوروزى رأس نوبة، وسودون النوروزى السلاح دار رأس نوبة، وجانبك النوروزى رأس نوبة، وخشكلدى الناصرى البهلوان. ثم ورد الخبر على السلطان من الأمير طوغان العثمانى نائب القدس بأن إينال الجكمى، أطلق الأمراء الذين قبض عليهم قبل تاريخه، وحلّفهم للملك العزيز يوسف، وذلك بشفاعة قانى باى الناصرى البهلوان أتابك دمشق، فحزر أهل المعرفة أن أمر إينال الجكمى لا يتم لتضييعه الحزم فيما فعل من الإفراج عن الأمراء بعد أن تأكدت الوحشة بينهم، ومع ما كان بينه وبين الأمير برسباى الحاجب من حضوض «2» الأنفس قديما، ونفرت القلوب بذلك عن إينال الجكمى، وأول من نفر عنه تغرى برمش نائب حلب، وقال فى نفسه عن إينال المذكور: هذا فى الحقيقة ليس بخارج عن الطاعة، وإنما قصد بالإشاعة عنه أنه عاص حتى أقدم عليه ويقبض علىّ تقرّبا لخاطر السلطان، وهو معذور فى ذلك، فإن مثل هؤلاء [104] ما كان يفرج عنهم بشفاعة ولا لشفقة عليهم، وقد قصد ما قصد، [ولله در المتنبى فى قوله] «3» : [الكامل] لا يخدعنّك من عدوك دمعه ... وارحم شبابك من عدوّ ترحم لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ... حتى يراق على جوانبه الدّم ومن يومئذ أخذ أمر إينال الجكمى فى الاضمحلال قليلا، واستخف كل أحد عقله وتعجب من سوء تدبيره، وكاد أخوه سودون العجمى «4» أن يموت قهرا لما بلغه عن أخيه إينال [ذلك] ، «5» وهو يوم ذاك من جملة أمراء العشرات بالديار المصرية.

ثم ورد الخبر على السلطان بأن الأمير إينال العلائى الناصرى نائب صفد خرج منها، وسار حتى نزل بالرّملة فى سابع عشر [شهر] «1» رمضان، بعد ما أرسل إليه إينال الجكمى يدعوه لموافقته، وأعلمه أيضا أنه ما قام فى هذا الأمر إلا وقد وافقه نواب المماليك، وأركان الدولة وعظماء أمراء مصر، فلم يلتفت إينال العلائى لكلامه، ثم خشى أن يكبس بصفد، فخرج منها بعد أن جعل حريمه بقلعة صفد، وسار حتى نزل الرملة، فسرّ السلطان بذلك وكتب إليه بالثناء والشكر. ثم فى يوم الخميس سابع عشرين [شهر] «2» رمضان المذكور أنفق السلطان فى العسكر المجرد إلى الشأم- وعدتهم ما بين خاصكىّ ومملوك: ستمائة واثنان وخمسون نفرا- كل واحد ثمانين «3» دينارا. ثم قدم الخبر بأن الأمير جلبان، المستقر فى نيابة حلب، وصل إلى الرملة فى يوم الاثنين ثالث عشرين شهر رمضان فارّا من تغرى برمش نائب حلب، وكان من خبر تغرى برمش نائب حلب أنه لما قوى أمره وبلغه عصيان إينال الجكمى أيضا، عظم أمره واستدعى التركمان إلى حلب، فقدم عليه منهم جماعة كبيرة إلى الغاية؛ ثم عمل مكحلة «4» عظيمة من نحاس، ليرمى بها على قلعة حلب، وأخذ مع هذا كله يستميل جماعة من أهل قلعة حلب فمالوا له فى الباطن، وواعدوه على «5» تسليم القلعة له، وهو مع ذلك مستمر فى حصار القلعة المذكورة، والنقب فى جدر «6» القلعة [عمّال] «7» ، والقتال بينه وبينهم فى كل يوم يزداد، إلى أن بلغ الأمير حطط نائب قلعة حلب، عمن «8» وافق تغرى برمش المذكور، من أهل القلعة، فقبض على الجميع، وأخذ

بعضهم وجعله فى المنجنيق ورمى به على تغرى برمش، ثم قتل جماعة منهم وجعل رؤوسهم على سور قلعة حلب، فلم يكترث تغرى برمش بذلك واستمر على ما هو عليه من حصار القلعة حتى أشرف على أخذها، فخوّفه بعض أصحابه من وثوب أهل مدينة حلب عليه وأشاروا عليه بأن ينادى لهم بالأمان، فأمر بذلك. وكان بلغ أهل حلب أن تغرى برمش يريد يأمر التركمان بنهب حلب، فلما نودى بالأمان تحققوا ما كان قيل من نهب حلب، وألقى الله فى نفوسهم أن يركبوا عليه ويقاتلوه قبل أن يأمر بنهبهم. فثارت العامة وأهل حلب بأجمعهم «1» بقسيّهم وسلاحهم على حين غفلة، وساروا يدا واحدة واحتاطوا بدار السعادة وبه النائب تغرى برمش؛ وقد تقدم أن تغرى برمش المذكور كان جبانا غير ثابت فى الحروب، ضعيف القلب عند ملاقاة العدو، وليس فيه [سوى] «2» جودة التدبير وحسن السياسة بحسب الحال، وبالنسبة لأمثاله من الجهلة فعندما بلغه وثوب أهل حلب عليه لم يثبت، وذهب فارّا يريد الخروج من المدينة، وسار حتى خرج «3» من السور، وصار «4» واقفا «5» خارج السور فى نحو الأربعين فارسا تخمينا، وقد نهبت العامة جميع ما كان له بدار السعادة، من الخيول والأموال والسلاح وامتدت أيديهم إلى مماليك تغرى برمش وأتباعه يقتلونهم وينهبونهم. وكان له المماليك الكثيرة المتجمّلة فى لبسهم وسلاحهم، غير أنهم كانوا على مذهب أستاذهم فى الجبن والخوف «6» وعدم الثبات فى القتال، ولم يظهر لأحد منهم نتيجة فى هذا اليوم ولا فى يوم مصاففته للعسكر المصرى، بل هرب غالبهم وجاء «7» إلى العساكر المصرية قبل وقوع القتال، وتركوا أستاذهم فى مثل ذلك اليوم مع عظم

إحسانه لهم، وتخوّلهم فى النّعم. وكانت هذه الوقعة فى يوم الثلاثاء عاشر شهر رمضان، بعد ما كان تغرى برمش حاصر القلعة ثلاثة عشر يوما وتلاحق عدة من أصحاب تغرى برمش ومماليكه به ولم يجد له قوة للعود إلى حلب لقتال أهلها، فسار بمن معه يريد طرابلس، وانضم عليه الأمير طر على بن صقل «1» سيز التركمانى بأصحابه، فلما قارب طرابلس لم يثبت الأمير [105] جلبان، وانهزم من طرابلس فى العاجل، إلى نحو الرملة حتى قدمها، وانضم على من كان بالرّملة من النواب وغيرهم. وكان جلبان أيضا من مقولة تغرى برمش فى القتال، غير أن أمره كان فى ستر لأمور لا تخفى على أحد، فدقت البشائر لذلك، وسر السلطان بهذا الخبر، وتعجب الناس من نكبة تغرى برمش المذكور، مع قوة أمره وكثرة جموعه. ولما وصل جلبان إلى الرّملة واجتمع بالأمير إينال العلائى نائب صفد، والأمير طوخ مازى نائب غزة، والأمير طوغان العثمانى نائب القدس، اتفقوا على مكاتبة السلطان، فكتبوا له يستدعونه للسير بنفسه، بعد تجهيز العساكر بين يديه سريعا، وكان قدم بهذا الخبر صرغتمش السيفى تغرى بردى أحد مماليك الوالد، وهو يوم ذاك دوادار الأمير جلبان، فخلع عليه السلطان فى يوم الأحد تاسع عشرينه باستقراره دوادار السلطان بحلب، عوضا عن سودون النّوروزى بحكم انتقاله إلى حجوبية حلب، بعد بردبك العجمى المنتقل إلى نيابة حماه. ثم فى هذا اليوم قدم الأمير جانبك المحمودى المتوجه بتقليد قانى باى الحمزاوى بنيابة طرابلس، بعد أن وصل إلى الرّملة ولم يتمكن من التوجه إلى حماه خوفا من إينال الجكمى، فأثار عند قدومه إلى القاهرة سرورا عظيما «2» ، فإنه زعم أنه ظفر بكتب جماعة من الأمراء وغيرهم إلى العصاة ببلاد الشام، أوقف عليها السلطان، فتعجب السلطان من ذلك غاية العجب، فإنه كان من يوم جلس على

فرار الملك العزيز

تخت الملك ويده ممدودة بالإحسان لكل أحد، حتى أنه ترقى فى أيامه إلى الوظائف السنية والإقطاعات الهائلة جماعة من الأوباش لم يكن لهم ذكر بين الناس قبل ذلك، وفيهم من لم أره قبل تاريخه ولا أعرف شكله جملة كافية، وصار منهم السقاة، ورؤوس نوب الجمداريّة، وبجمقداريّة، وسلاح دارية، وغير ذلك، وأثرى «1» منهم جماعة ممن كان غالب معيشته بالشحاذة والتّكدّى، لكثرة ما أغدق عليهم [الملك] «2» الظاهر جقمق بالعطاء، وصار ينعم عليهم بالأقمشة الفاخرة، حتى أنه وهب لبعضهم الكوامل المخمل المنقوشة بأطواق السّمّور وبالطرز الزركش العريضة، وهو مستمر على ما هو عليه ليوم تاريخه؛ فلما وقف على الكتب قال: هذه مفتعلة، ولم ينتقم على أحد، وأخذ فيما هو فيه من تجهيز العساكر. فرار الملك العزيز ثم أصبح من الغد فى يوم الاثنين سلخه عملت الخدمة بالقصر على العادة، وبينما هو فى ذلك بلغه من الأمير قراخجا الحسنى رأس نوبة النوب فرار الملك العزيز يوسف من محبسه بدور قلعة الجبل- أعنى سكنه، فإنه كان سكن بقاعة البربرية «3» من الحريم السلطانى- فاستبعد السلطان ذلك وندب بعض خواصه أن يتوجه إلى الأمير فيروز الزمام ويسأله عن صحة هذا الخبر، فمضى المذكور لفيروز وسأله عن لسان السلطان فأنكر فيروز ذلك، ودخل من وقته فلم يجد العزيز فى مكانه، ووجد نقبا بقاعة البربرية يتوصل منه إلى المطبخ السلطانى فعاد القاصد بصحة الخبر على السلطان. فلما تحقق السلطان ذهاب [الملك] «4» العزيز كادت روحه أن تزهق، وعظم عليه الخبر، ونسى ما كان فيه من أمر إينال الجكمى وتغرى برمش، وعرّف السلطان الأمراء

وأكابر الدولة بذلك، فما منهم إلا من ظهر عليه الخوف والفزع. وماجت المملكة، وكثر الكلام، واختلفت الأقاويل فى أمر [الملك] » العزيز وفراره، وفى أين توجّه. وكان من خبر العزيز- على اختلاف النقول- أن الملك العزيز لما حبس بقاعة البربرية من الدور السلطانية «2» ، أقرّ [الملك] «3» الظاهر عنده دادته سرّ النّديم الحبشية ومعها عدة جوار أخر سرارىّ الملك العزيز، ومرضعته أيضا، ورسم لمرضعته أنها تخرج إلى حيث شاءت، وجعل القائم فى خدمة [الملك] «4» العزيز لقضاء حوائجه طواشيّا «5» هنديا من عتقاء أمه خوند جلبان يسمى صندلا «6» ، وسنّه دون العشرين سنة، فصار صندل المذكور يتقاضى [حوائج العزيز، ويقبض له ما رتّب له من النفقة من أوقاف أبيه، فاحتوى صندل على جميع أمور الملك العزيز، وعرف جميع] «7» أحواله. وكان عند الطواشى يقظة ومعرفة، وبقى كلما بلغه عن الملك العزيز شىء يبلغه له، فأشيع بالقاهرة أن السلطان يريد يرسل [الملك] «8» العزيز إلى سجن الإسكندرية، ثم أشيع أنه يريد يكحله؛ فبلّغه صندل المذكور جميع ذلك، فخاف العزيز خوفا عظيما، ثم بلغه أن بعض علماء العصر أفتى بقتل العزيز صيانة لدماء المسلمين، من كونه مخلوعا «9» عن الملك وله شوكة، والملك الظاهر متولّ ولم يكن له شوكة، فإن أبقى على العزيز ربما تثور شوكته ويقاتل السلطان، [106] فيقع بذلك الفساد وتسفك دماء كثيرة من المسلمين.

فلما بلغ العزيز ذلك- على ما قيل- حار فى أمره، فحسّن له صندل المذكور الفرار، فاستبعد العزيز وقوع ذلك، ثم وافقه. وكان للملك العزيز طباخ «1» يسمى إبراهيم من أيام والده، فداخله صندل فى الكلام بفرار العزيز، فأجابه إبراهيم المذكور أنه ينهض بذلك، ويقدر على خروجه من القلعة بحيلة يدبرها. ثم أمر إبراهيم الطباخ صندلا أن ينقب من داخل القلعة نقبا يصل إلى المطبخ المذكور، وأن إبراهيم ينقب من خارج المطبخ مقابله، فأمر العزيز جواريه بالنقب من داخل القلعة مساعدة للطباخ، حتى تهيأ ذلك. وتم هذا، وصندل يتحدث مع جماعة من المماليك الأشرفية فى مساعدة [الملك] «2» العزيز إذا خرج ونزل من القلعة، فمال إلى ذلك جماعة: منهم طوغان الزّردكاش، وأزدمر مشدّ [الملك] «3» العزيز أيام أبيه، فى آخرين من [المماليك] «4» الأشرفية، وبذلوا لصندل الطاعة فى ذلك، ورغّبوه فى نزول الملك العزيز إليهم، واستحثوه على ذلك. وتكلم طوغان الزّردكاش مع جماعة أخر من الأشرفية، فمال الجميع إلى نزوله إليهم، مع عدم الاتفاق مع أكابر الأشرفية، ولا تشاوروا فى ذلك، بل صاروا يحرضون [صندلا] «5» على نزوله، ولم يعينوا له «6» مكانا «7» يجلس فيه إلى «8» أن يفعلوا له ما هو قصدهم، فلم يعرّف صندل العزيز ذلك، بل صار يمليه بخلاف الواقع، إلى أن انتهى النقب المذكور. فلما كان وقت الإفطار من ليلة الاثنين سلخ شهر رمضان من سنة اثنتين وأربعين، والناس فى شغل بالصلاة والفطر، أخرج الطباخ الملك العزيز من النقب عريانا مكشوف الرأس، فألبسه الطباخ من ثيابه ثوبا مملوءا بسواد القدور والأوساخ، وحمّله قدرا فيه

طعام، وقيل صحنا فيه منفوع الطباخين من الطعام، يوهم الطباخ بذلك أنه صبيّه، ثم جعل على يده خافقيّة فيها طعام، وغيرّ وجه الملك العزيز ويديه بالزفر وسواد القدور. وخرجا جميعا من غير هرج ولا اضطراب ولا خوف حتى وصلا إلى باب القلعة، فوافاهم «1» الأمراء والخاصكية وقد خرجوا بعد إفطارهم من عند السلطان، فلما رأى «2» إبراهيم الطباخ الأمراء والخاصكية خاف أن «3» يفطن به أحد، لجمال وجهه وحسن سمته ولما عليه من الرّونق، فضربه «4» ضربة بيده وسبّه، يريد بذلك أنه صبيّه، ويستحثه على سرعة الحركة والمشى، ليردّ الوهم عنه بذلك، فأسرع الملك العزيز فى المشى وسارا «5» حتى نزلا من قلعة الجبل، فإذا صندل وطوغان الزّردكاش وأزدمر مشدّ العزيز فى آخرين واقفين فى انتظاره «6» ، فحال ما رأوه قبّلوا يده وأخذوه إلى دار بعضهم، فأنكر العزيز ذلك منهم، ونهر صندلا الطّواشى، وقال: ما على هذا أنزلت؛ وكان فى ظن العزيز أنه ساعة ما ينزل إليهم، يأخذوه ويركبون «7» به إلى جهة قبة النصر أو غيرها بمجموعهم، ويقاتلون «8» السلطان الملك الظاهر، حتى يملكوا منه القلعة، على ما كان صندل يقول له مثل ذلك. وأراد العزيز العود إلى مكانه بالقلعة فلم يمكنه ذلك، وقام طوغان فى منعه ووعده بقيام جميع خشداشيّته من الأشرفية بنصرته، وأنهم اتفقوا على ذلك، وأنهم إلى الآن لم يصدّقوا بنزول الملك العزيز، فإذا علموا ذلك

اجتمع «1» الكلّ فى القيام بنصرة الملك العزيز، فإن «2» لم يفعلوا ذلك أخذه هو وسار به إلى بلاد الصعيد، عند الأمير يشبك السّودونى أمير سلاح المجرد قبل تاريخه لقتال عرب الصعيد، وكان صحبة يشبك جماعة كبيرة من المماليك الأشرفية نحو سبعمائة مملوك، مع ميل يشبك إلى الأشرفية فى الباطن، لكونه كان ممن أنشأه الملك الأشرف برسباى ورقّاه. ثم افترقوا، واختفى الملك العزيز ومعه صندل وأزدمر وإبراهيم الطباخ فى مكان ليلته، ثم تنقّل فى عدة أماكن أخر، وأخذ طوغان فى الكلام مع خجداشيته الأشرفية فى القيام بنصرة ابن أستاذهم الملك العزيز، فاعتلّوا بأن غالبهم قد توجه إلى بلاد الصعيد ولم يجيبوا له دعوة، فلما علم منهم ذلك ركب هجنا وسار إلى بلاد الصعيد لإعلام الأمير يشبك والمماليك الأشرفية بنزول الملك العزيز إليه، ودخل جماعة كبيرة منهم إلى الأمير إينال الأبوبكريّ الأشرفى، وكلموه فى القيام بنصرة ابن أستاذه «3» ، فخاف العواقب ولم يوافقهم، وتسحّب من داره على بغل ثم نزل ماشيا واختفى. هذا ما بلغنا من أفواه الناس، فإنى لم أجتمع مع إينال المذكور بعد ذلك؛ هذا والسلطان وحاشيته «4» قد عظم قلقهم، وصار السلطان لا يعلم أين ذهب [الملك] «5» العزيز، ولم يشك هو وغيره أن [107] الأمير إينال الأبوبكريّ أخذ العزيز على هجنه المجهزة لسفر الحجاز، فإنه كان ولى إمرة الحاجّ، وسار إلى الأمير إينال الجكمى. قلت: ولو فعل إينال ذلك لكان تم له ما قصد، لكثرة هجنه «6» ورواحله وعظم حواشيه من

خجداشية «1» وغيرهم، وكان ذلك هو الرأى فحسّن الله له» غير ذلك، حتى يصل كل موعود إلى ما وعد. كل ذلك فى يوم سلخ رمضان. فلما كان الليل، وهى ليلة عيد الفطر التى تسحّب فيها إينال المذكور، تفرّقت المماليك المؤيدية وغيرهم إلى طرقات القاهرة، ودار منهم طائفة كبيرة حول القلعة وبالقرب من بيت إينال المذكور، مخافة أن يخرج إينال فى الليل بالملك العزيز، وكثر هرج الناس فى تلك الليلة وتخوّفوا من وقوع فتنة من الغد. ومضت تلك الليلة على أبشع وجه من اضطراب الناس وتخوفهم، وأصبح السلطان صلى صلاة العيد بجامع القلعة وهو على تخوف، وقد وقف جماعة بالسلاح مصلتا على رأسه حتى قضى صلاته. وخطب قاضى القضاة شهاب الدين بن حجر وأوجز فى خطبته، كما أسرع فى صلاته، وعندما فرغ من الخطبة، وصل الخبر للسلطان بأن الأمير إينال تسحب فى الليل، فعظم الخطب. فلما علم «3» السلطان بتسحّب إينال أمر فنودى بالقاهرة أن لا يتخلف أحد من المماليك [عن الخدمة، وهدد من تخلف بالقتل، فلما طلعوا قبض على جماعة من المماليك] «4» الأشرفية، ثم نودى أيضا فى الناس بإصلاح الدروب وغلقهم أبواب دورهم، وأن لا يخرج أحد من بيته بعد عشاء الآخرة، وصارت أبواب القاهرة تغلق قبل عادة إغلاقها «5» من الليل، فكانت ليلة هذا العيد ويومه وثانيه من الأيام النكدة البشعة. ثم فى يوم الخميس ثالث شوال خلع السلطان على الأمير تنبك البردبكى، أحد مقدمى الألوف باستقراره أمير حاجّ المحمل، عوضا عن إينال المذكور، بحكم تسحبه، وخلع على قراجا الناصرى الخاصكى البواب باستقراره والى القاهرة،

بعد عزل علاء الدين على بن الطّبلاوى، وخلع على الأمير ممجق النّوروزى أحد أمراء العشرات باستقراره فى نيابة قلعة الجبل عوضا عن تنبك المستقر فى إمرة حاج المحمل، وفيه أيضا أمسك السلطان جماعة [كبيرة] «1» من المماليك الأشرفية. ثم فى يوم الجمعة رابع شوال سار عسكر من الخاصكية إلى جهة الغربية تزيد عدتهم على سبعين فارسا، لمسك الأمير قراجا الأشرفى أحد مقدمى الألوف، وكان ولى كشف الجسور «2» بالغربية، فسار العسكر المذكور إلى جهة المحلة، وبلغ قراجا ذلك فخرج إليهم وسلّم نفسه، فأخذ وقيد وحمل إلى الإسكندرية فسجن بها. وأما السلطان فإنه أصبح فى يوم [السبت] خامس «3» شوال عزل الأمير أركماس الظاهرى عن الدوادارية الكبرى، وأخذت خيوله وخيول الأمير قراجا المقدم ذكره.

ثم فى يوم الاثنين سابع شوال نودى بأن من وجد أحدا من غرماء السلطان وطلع به فله خمسمائة دينار وإقطاع، ومن غمز عليه أنه أخفى أحدا منهم حلّ ماله ودمه؛ هذا والمؤيدية قد تجردت للفحص عن الملك العزيز وعن المماليك الأشرفية فى جميع الأماكن، وقبضوا على جماعة من غلمانهم حتى دلّوهم على أماكن بعضهم، وصاروا يكبسون الدور والترب وديارات «1» النصارى والبساتين وضواحى القاهرة ومصر، ويمرون فى الليل فى الأزقة متنكّرين، فإنهم صاروا [هم] «2» أكثر تخوفا «3» من السلطان على نفوسهم «4» . وسبب ذلك أن طائفة المماليك المؤيدية كانوا قاموا مع السلطان الملك الظاهر فى [أمر] «5» سلطنته أتم قيام، مع من ساعدهم من جميع الطوائف، غير أنهم كانوا هم أشدّ بأسا فى ذلك؛ فلما تسلطن الملك الظاهر عرف لهم ذلك ورقاهم وقرّبهم، حتى صاروا هم عقد المملكة وحلّها وتحكموا فى الدولة، وأخرجوا المماليك الأشرفية من الديار المصرية إلى السجون وإلى الثغور وإلى البلاد، وأهانوهم بعد عزهم واتضع جانبهم بعد [108] رفعتهم. فلما وقع لهم ذلك جدّوا فى الإغراء بالملك العزيز وقتله خوف العواقب، فلم يسمع لهم السلطان، فحسّنوا له أن يكحله فلم يوافق أيضا على ذلك، فلما ثار الأمير إينال الجكمى نائب الشأم ودعا للملك العزيز، وكان تغرى برمش نائب حلب أيضا أعظم ميلا «6» للملك العزيز لكونه نشء والده الملك الأشرف [برسباى] «7» ، تحققت المؤيدية أنهم مقتولون أشر قتلة، إن ملك العزيز ثانيا وصار لشوكته دولة، فحرّضوا

عند ذلك السلطان على قتله، واستفتوا العلماء فى ذلك فكتب بعضهم على قدر ما أنهى له فى الفتوى، وامتنع البعض. ثم اشتهر بالقاهرة أنه إذا فرغ شهر رمضان يفعل بالعزيز ما هو القصد، وتكلم الناس بذلك. واتفق فرار العزيز، إما لما بلغه هذا الخبر أو لمعنى آخر، وأكثر قول الناس أنه لم يفر إلا لما خامر قلبه من الخوف، والله أعلم. ثم لما بلغ إينال الأشرفى خبر العزيز وتسحبه، واستدعته خجداشيّته بالقيام فى نصرة ابن أستاذه فلم يوافق، وخاف إن طلع القلعة من الغد يمسك، اختفى. فلما أصبح النهار وبلغ السلطان والناس فرار العزيز وتسحّب إينال، لم يشك الناس فى أن إينال أخذ العزيز ومضى إلى إينال الجكمى، ثم اختلفت الاقوال، فعند ذلك علموا المؤيدية أنهم أشرفوا على الهلاك، وأنهم ركبوا الأخطار فيما فعلوه فى أمر [الملك] «1» العزيز، فحينئذ جدوا فى الفحص عن أمره، لبقاء مهجتهم لا لنصرة الملك الظاهر جقمق، وصار الملك الظاهر يأخذ النار بيد غيره، وهو فيما هو فيه من تجهيز العساكر لقتال الجكمى وتغرى برمش. ثم فى يوم الثلاثاء ثامن شوال أنعم السلطان بإقطاع الأمير قراجا الأشرفى على ولده المقام الناصرى محمد، وصار محمد [المذكور] «2» من جملة أمراء الألوف، وأجلس تحت الأمير جرباش الكريمى أمير مجلس، وهذا بخلاف العادة، فإن العادة جرت من دولة [الملك] «3» الظاهر برقوق إلى يومنا هذا، أن ابن السلطان لا يجلس إلا رأس الميسرة فوق أمير سلاح، فكلمه الأمراء فى ذلك فلم يرض، وما فعل «4» [الملك] «5» الظاهر هذا الأمر وأمثاله إلا لعدم ثبات ملكه ولاضطراب دولته، بسبب خروج النواب عن الطاعة، وأيضا تسحّب العزيز- انتهى.

ثم أنعم السلطان بإقطاع إينال الأشرفى الأبوبكريّ على الأمير جرباش الكريمى قاشق، وأنعم بإقطاع جرباش على الأمير شادبك الجكمى المعزول عن نيابة الرّها، وهو يوم ذاك أحد أمراء الطبلخاناة، وإقطاع جرباش والذي أخذه كلاهما تقدمة ألف، غير أن الخراج يتفاوت بينهما. وأنعم السلطان بإقطاع أركماس الظاهرى على الأمير أسنبغا الطيارى الدوادار الثانى، وأنعم بإقطاع شادبك على الأمير جرباش المحمدى الناصرى المعروف بكرد «1» ، وأنعم بإقطاع الأمير أسنبغا الطيّارى على الأمير دولات باى المؤيدى الأمير آخور الثانى، وكلاهما طبلخاناة. كل ذلك والقبض على الأشرفية مستمر، مع الكتابة إلى الأعمال بأخذ الطرقات عليهم برّا وبحرا، والسلطان يستحث آقبغا التّمرازى نائب الشام على السفر فى كل قليل. فلما كان يوم الخميس عاشر شوال برز آقبغا التّمرازى بمن معه من القاهرة إلى الرّيدانية، بعد أن خلع عليه السلطان خلعة السفر، فلما لبسها وجاء إلى السلطان ليقبل يده قام له السلطان واعتنقه، فمسك آقبغا يده وقال له: يا خوند، لا تغير نيّتك، فقال السلطان: لا والله. ثم تأخر بخلعته ووقف على ميمنة السلطان، لأن السلطان [كان] «2» شرط له أنه لا يخرج عنه إقطاع الأتابكية ووظيفتها إلى أن ينظر فى أمر الجكمى ما سيكون، فلهذا المقتضى وقف آقبغا فى منزلة الأتابكية على ميمنة السلطان، وكان حقه الوقوف على الميسرة كما هى عادة منازل نواب دمشق، مع أن الأمير يشبك السّودونى أمير سلاح ترشح للأتابكيّة وهو مجرد ببلاد الصعيد، وأخرجت وظيفة إمرة سلاح عنه فى هذا اليوم، ولكن بغياب يشبك فالأتابكية شاغرة. ثم خلع السلطان بحضرة آقبغا المذكور على الأمير تمراز [109] القرمشى

الأمير آخور الكبير باستقراره أمير سلاح عوضا عن يشبك السّودونى، وقد رشح يشبك للأتابكية عوضا عن آقبغا التّمرازى المذكور، وخلع على الأمير قراخجا الحسنى رأس نوبة النوب باستقراره أمير آخور كبيرا عوضا عن تمراز القرمشى وهو يوم ذاك مقدم العساكر؛ وأمر السلطان ولده المقام الناصرى محمدا بسكنى الحرّاقة من باب السلسلة، إلى أن يعود الأمير قراخجا الحسنى من سفره بالبلاد الشامية، ونزل تمراز القرمشى من باب السلسلة فى يومه. وخلع السلطان على الأمير تغرى بردى البكلمشى المعروف بالمؤذى، حاجب الحجاب، باستقراره دوادارا كبيرا عوضا عن أركماس الظاهرى، واستقر الأمير تنبك البردبكى أمير حاج المحمل حاجب الحجاب، غير أنه لم يلبس خلعة الحجوبية فى هذا اليوم؛ ثم خلع السلطان على الأمير تمرباى التّمربغاوى المعزول عن نيابة الإسكندرية باستقراره رأس نوبة النّوب عوضا عن قراخجا الحسنى بحكم انتقاله أمير آخور؛ وتمرباى هذا أيضا ممن عيّن لسفر التجريدة. ثم خلع السلطان على دولات باى المحمودى [الساقى المؤيدى] «1» الأمير آخور الثانى باستقراره دوادارا ثانيا عوضا عن أسنبغا الطّيارى؛ وخلع السلطان على الأمير جرباش المحمدى كرد باستقراره أمير آخور ثانيا بعد دولات باى المؤيدى، فامتنع جرباش المذكور من قبول ذلك لكونه يلى الأمير آخورية الثانية عن دولات باى وهو أقل منه رتبة، حتى استعطفه السلطان وقرّره على رتبته، ونزل آقبغا وقراخجا وتمرباى- الجميع بخلعهم- إلى مخيمهم بالرّيدانيّة حسبما تقدم ذكره، ثم تبعتهم العساكر المجردة من المماليك السلطانية وأمراء الطّبلخانات والعشرات وغيرهم. وفى هذا اليوم قدم الأمير يونس الرّكنى الأعور، أحد مقدمى الألوف

بدمشق، فارّا من إينال الجكمى، فأكرمه السلطان وأنعم عليه بزيادة جيدة على إقطاعه وتقدمته «1» بدمشق. وأقام آقبغا التّمرازى بالرّيدانية إلى يوم السبت ثانى عشر شوال، فرحل منها واستقل بالمسير إلى الشام. وفى يوم السبت هذا نفى السلطان إمام الملك الأشرف نور الدين عليّا السويفى إلى دمياط. ثم فى يوم الاثنين رابع عشر شوال رحل الأمير قراخجا الحسنى الأمير آخور الكبير، والأمير تمرباى التّمربغاوى رأس نوبة النّوب بمن معهما من الأمراء والمماليك السلطانية من الرّيدانية إلى جهة الشام. وفيه ورد الخبر على السلطان بأن إينال الجكمى برز بمخيمه من مدينة دمشق إلى ظاهرها، فلما كان يوم الخميس ثالث شوال المذكور، عزم هو على الخروج من المدينة بنفسه إلى مخيمه ليسير بمن معه إلى نحو الديار المصرية، فبينما هو فى ذلك ركب عليه الأمير قانى باى الأبوبكريّ الناصرى البهلوان أتابك دمشق، وكان ممن وافق الجكمى على العصيان وحسّن له ذلك ثم تركه ومال إلى جهة السلطان، وركب معه الأمير برسباى الناصرى حاجب الحجاب بدمشق وجميع أمراء دمشق وعساكرها، ولم يبق مع إينال من أعيان أمراء دمشق إلا جماعة يسيرة، مثل الأمير قنصوه النّوروزى أحد مقدمى الألوف بدمشق، والأمير تنم العلائى المؤيدى الدوادار، أحد أمراء الطبلخانات بدمشق، والأمير بيرم صوفى [أحد الطبلخاناة بدمشق أيضا] «2» والأمير مسروق أخو الملك الظاهر ططر، وجماعة أخر يسيرة جدا، أعيانهم من ذكرناه فلما بلغ إينال الجكمى ركوب هؤلاء عليه، مال عليهم وقاتلهم، فلم يثبتوا له وانهزموا أقبح هزيمة، ثم تراجعوا فحمل عليهم فانكسروا وتمزقوا شذر مذر، وطلع

قانى باى البهلوان إلى قلعة دمشق فى جماعة كبيرة من الأمراء، وتوجه غيرهم إلى عدة أماكن. وكان سبب مخالفة قانى باى وغيره لإينال الجكمى بعد موافقتهم له، أن السلطان أرسل ملطّفات إنى قانى باى المذكور وغيره من أمراء دمشق يستميلهم إليه، ووعدهم بأشياء كثيرة، فلما سمعوا ذلك مالوا إليه وتركوا ما كان بينهم وبين إينال الجكمى من العهود والمواثيق، ولم يستعيبوا ذلك لكون [أن] «1» هذا الغدر صار عادة لمن تقدمهم. ولما كتب السلطان الملطّفات المذكورة، أرسلها [110] إلى الأمير خشكلدى السيفى يشبك بن أزدمر، وهو يوم ذاك نائب قلعه صفد، فبعث بها خشكلدى المذكور على يد نصرانى إلى بهاء الدين محمد بن حجى كاتب سر دمشق، ففرّقها بهاء الدين على أربابها، فحال ما وقفوا عليها مالوا بأجمعهم إلا «2» من ذكرناه ممن ثبت مع إينال، وقالوا: نحن وافقناه، فلا «3» نبرح عنه إلى الممات أو يقضى الله أمرا كان مفعولا. وكان أكثر من وعد من أمراء دمشق الأمير سودون أخو مامش المؤيدى، والأمير تنم العلائى المؤيدى من خجداشيهما المؤيدية، فلم يلتفتوا إلى كتبهم واستقبحوا الغدر والخيانة، فلله درّهما. وأنا أقول: أما طاعة السلطان فهى واجبة على كل أحد، والعصيان ومخالفة السلطان لا يجوز ولا يستحسن، لكن أيضا يقبح بالرجل أن يدخل إلى ملك ويحسّن له العصيان والثّوران، ولا يزال به حتى يقع فى ذلك، بعد أن يعطيه العهود والمواثيق على موافقته «4» والقيام بنصرته، ثم يتركه بعد تورطه ودخوله فى ذلك، لأجل النّزر اليسير من حطام الدنيا «5» أو لتناوله ولاية من الولايات؛ وعندى أن هذا لا يقع

إلا من نذل ساقط [الهمة] «1» والمروءة لا نخوة له، والأنفس الكريمة تأبى ذلك ولو مستهم الضر، والرجل الفحل «2» هو الثابت على قوله، والمصرّ «3» على طاعة سلطانه حفظا لدينه ودنياه، فإن لم يكن ذلك وأطاع شيطانه وركب هواه، فليتمّ على ما قصده من ركوب الأهوال واقتحام الخطوب وهجوم الحروب، فإما وإما؛ وما أحسن قول عنترة فى ذلك حيث يقول: [الوافر] أروم من المعالى منتهاها ... ولا أرضى بمنزلة دنيّه فإمّا أن أشال على العوالى ... وإمّا أن توسّدنى المنيّه فلما وصل هذا الخبر إلى السلطان، سرّ بذلك ودقت البشائر بالديار المصرية. ثم ورد الخبر على السلطان من بلاد الصعيد أن الأمير يشبك أمير سلاح انتهى بمن معه من العساكر السلطانية فى طلب عرب هوّارة إلى مدينة إسنا، فلم يقع بهم، وأنه رجع بالعساكر إلى مدينة هوّ، «4» فقدم عليه بها من المشايخ الصلحاء جماعة ومعهم طائفة من مشايخ هوارة، راغبين فى [دخول] «5» الطاعة [للسلطان] «6» وحلفوا على ذلك، وأنه «7» قدم عليهم بعد ذلك فى يوم الأحد سادس شوال طوغان الأشرفى الزّردكاش، أحد الدوادارية الصغار، ودعا العسكر إلى طاعة الملك العزيز والقيام بنصرته، وذكر لهم أنه خرج من محبسه بقلعة الجبل ونزل إلى القاهرة، واجتمع عليه جماعة من مماليك أبيه، وأنه رآه بعينه ووعده بالوثوب [معه] «8» هو وخجداشيّته الأشرفية، وأنه أمره أن يختفى «9» فاختفى حتى ينتظم أمره بعود مماليك أبيه من بلاد الصعيد، ثم حرّضهم

طوغان على ذلك فمال منهم طائفة وتخوفت طائفة، واضطرب العسكر قليلا إلى أن اجتمع الجميع على طاعة السلطان بعد أمور صدرت، وحلفوا أنهم مقيمون على الطاعة، فدقت البشائر لذلك، وخلع على الواصل بهذا الخبر، وأجيب الأمير يشبك بالشكر، وبحمل طوغان المذكور فى الحديد. وكان علم السلطان قبل ذلك بتوجّه طوغان المذكور إلى بلا الصعيد، وكتب إلى الأمير يشبك وإلى حكام الصعيد بحمله فى الحديد، ثم ورد الخبر بعد ذلك من الأمير يشبك بأنه نازل على مدينة أسيوط «1» ، وأن يونس الخاصّكى ورد عليه بمرسوم [شريف] «2» يتضمن القبض على طوغان المذكور، وأن المماليك الأشرفية لم يمكّنوه من ذلك، فكثر قلق السلطان والدولة لورود هذا الخبر وخشوا وقوع فتنة، ظنا من المماليك الأشرفية أنهم من هذا القبيل؛ ورسم السلطان فى هذا اليوم بخروج الأمير أركماس- المعزول عن الدوادارية قبل تاريخه- إلى ثغر دمياط بطّالا. ثم أخذ السلطان وحواشيه فى الفحص عن الملك العزيز، وكبست عدة أماكن وقبض على جماعة من المماليك الأشرفية، وتزايد تحريض السلطان فى طلب العزيز، وقاسى الناس بسبب ذلك شدائد، وكثرت الأراجيف بخروج الأمير يشبك أمير سلاح ومن معه من المماليك الأشرفية عن طاعة السلطان، وأنهم عادوا يريدون القاهرة، فمنعت المواكب من التعدية [111] فى النيل بكثير من الناس المتّهمة بالخروج على السلطان، هذا مع عظم التفتيش على العزيز، والكبس على البيوت والبساتين والتّرب، وغلقت بعض أبواب القاهرة نهارا، وأخذ أهل الدولة فى الاستعداد للحرب، هذا مع ما بالبلاد الشامية من الفتنة العظيمة من خروج نائب الشام ونائب حلب، وصار السلطان فى هذه الأيام فى أشد ما يكون من القلق والتخوف؛ وتكلم الناس بزوال ملكه.

فلما كان يوم السبت تاسع عشره برز أمير حاجّ المحمل الأمير تنبك بالمحمل، وبعد خروجه من القاهرة قدم الخبر بالقبض على طوغان الزّردكاش وحمله فى الحديد؛ ووصل طوغان المذكور فى آخر النهار المذكور، وكان أشيع الخبر بمسكه قبل ذلك فلم يصدّقه أحد، استبعادا من تسليم خجداشيّته له مع كثرتهم وشدة بأسهم. وكان من خبر طوغان أنه لما نزل الملك العزيز من قلعة الجبل واجتمع به ووعده بالقيام معه، توجه إلى الأمير إينال الأبوبكريّ الأشرفى فلم يحصل منه على طائل، فمضى هو وجماعة إلى خجداشيّتهم الأشرفية ووعدهم بالوثوب على الملك الظاهر والقيام بنصرة ابن أستاذهم، فأجاب منهم طائفة كبيرة، غير أنهم اعتذروا بغياب أعيانهم ببلاد الصعيد فى التجريدة صحبة الأمير يشبك، وأنهم فى قلة لأن معظمهم بالصعيد، وطلبوا منه أن يرسل يعلم خجداشيّتهم بذلك، فلم يجد لأحد منهم قوة للتوجه فقام هو بذلك بعد أن تحقق منهم الوثوب؛ وخرج من القاهرة على الهجن. وبلغ السلطان خبره، فكتب بالقبض عليه فى الطريق فلم يدركه أحد، وسار حتى وصل إلى خجداشيته واجتمع بهم حسبما تقدم ذكره، غير أنه أراد قضاء حاجته، فأملى «1» لخجداشيته أخبارا فى حق العزيز غير صحيحة يريد بذلك تمييز «2» أمره، فمالوا إلى كلامه فورد عليهم بعد ذلك الأخبار من المسافرين وغيرهم بهروب إينال واختفاء [الملك] «3» العزيز، على غير ما قاله لهم طوغان، وأن الفحص على [الملك] «4» العزيز فى كل يوم مستمر، فعند ذلك اختلفت كلمتهم على القيام بأمر العزيز، وعلموا أن غالب كلام طوغان غير صحيح. هذا والأمير يشبك يستميلهم إلى طاعة السلطان، ويخوّفهم عاقبة مخالفة السلطان، حتى أفضى به وبهم أن جمع عليه الكاشف بالوجه القبلى وعدة كبيرة من عربان الطاعة

وهمّ بمحاربتهم، فلم يكن لهم طاقة بمحاربته مع ما تبيّن «1» لهم من فساد أمرهم واختلاف كلام طوغان، فأسلموه بعد أن كانوا انقلبوا جميعهم للخروج [معه] «2» ، وهو أن طوغان لما جدّ فى مسيره حتى وصل إليهم، أعلمهم بأن [الملك] «3» العزيز خرج من سجنه ونزل من القلعة، واجتمع عليه خلائق من الأشرفية وغيرهم، وأنه محاصر [للملك] «4» الظاهر جقمق بقلعة الجبل، فهيّج هذا الكلام خواطرهم وتحركت كوامنهم، وأجمعوا على القيام بنصرة ابن أستاذهم، ومال إليهم كل أحد حتى الأمير يشبك فى الباطن. وكادت الفتنة تقوم، ويظهر كل أحد الميل [للملك] «5» العزيز، فترادفت كتب السلطان والقصّاد بغير ما قاله طوغان، فتوقّفوا عما كانوا عزموا عليه. ولا زال أمر [الملك] «6» العزيز يتضح لهم، حتى أسفرت القضية على أنه مختف، وأن إينال تسحّب، فعند ذلك رجع كل أحد عما كان فى ضميره وأظهر طاعة السلطان، وأسلموا طوغان فقيّد وحمل إلى القاهرة. ولما طلع طوغان إلى القلعة حبس بها وأجرى عليه أنواع العقوبة والعذاب المتلف، وكسروا غالب أعضائه بالمعاصير، وعوقب مع ثلاثة «7» نفر من الخاصكية فلم يقرّ أحد منهم على غير ما قاله طوغان، أن العزيز لما نزل من القلعة ومعه إبراهيم الطباخ، وقف بمكان بالمصنع «8» بالقرب من قلعة الجبل، واجتمع عدة من المماليك الأشرفية- وسماهم- فكان غالبهم ممن لا يعرف، فأجمع رأيهم بأن يسيروا إلى الشام

بالعزيز، ثم انصرفوا عن هذا الرأى عجزا؛ وتوجه طوغان ليأتى بالمماليك الأشرفية من بلاد الصعيد، فلما تحقق السلطان ذلك كفّ عن عقوبة طوغان بعد أن تلف وأخرجه فى يوم الثلاثاء ثانى عشرين شوال محمولا، لعجزه عن الحركة من شدة العقوبة، ومعه خبر بك الأشرفى وقد عوقب أيضا، وحملا إلى الرّميلة عند باب الميدان، من تحت [112] القلعة ووسّط طوغان هناك، وأعيد خير بك من داخل القلعة ثم وسّط بعد أيام. وكان أمر طوغان [هذا] من أعجب العجب، فإنه كان فى دولة أستاذه الأشرف زرد كاشا، فلما مات الأشرف، خالف خجداشيّته وانتمى إلى الملك الظاهر جقمق قبل سلطنته، مع الأمير إينال الأشرفى، وصار خصيصا عند الملك الظاهر، وولاه دوادارا وصار مقرّبا عنده، ثم استحال عن السلطان ودبّر عليه، وأخرج الملك العزيز، وقام فى أمره من غير موافقة أحد من أعيان خجداشيته ولا مشاورة أحد من أرباب العقول، ولم يكن هو من هذا القبيل من سائر الوجوه، فكان من فعله وتدبيره ما ساقه إلى حتفه وتدميره، وكان طوغان المذكور طوالا غير لائق فى طوله، وعنده طيش وخفة، مع جهل وعدم تثبت فى أموره، ولم يكن من أعيان الأشرفية، ولا ممن يلتفت إليه فى الدولة- انتهى. ثم فى يوم الأربعاء ثالث عشرين شوال قبض على سرّ النديم الحبشية دادة الملك العزيز بعد ما كبس عليها بعدة أماكن، وعوقب بسببها خلائق، فلم يعترضها السلطان بسوء بل قرّرها على الملك العزيز، فأعلمته أنه مختف بالقاهرة «1» . ثم قبض على صندل الطواشى وقرره السلطان أيضا، فقال كما قالت الدادة، فتحقق السلطان منهما أن [الملك] «2» العزيز وإينال لم يخرجا من القاهرة، وأن الذي أشيع من خروجهما غير صحيح، وأن الملك العزيز لم يجتمع مع إينال البتة، وأنه كان هو وصندل هذا وطباخه إبراهيم ومشدّه أزدمر، من غير زيادة على ذلك، والملك «3» العزيز

ينتقل بهم من مكان إلى مكان، وأن صندلا فارقه من منذ أربعة أيام، وقد طرده أزدمر المذكور لأمر وقع بينهما، فلما قصد صندل مفارقتهم دفع له العزيز خمسين دينارا، ففارقهم صندل وصار يتردد إلى بيوت أصحابه فى زى امرأة، حتى دخل على بعض أصحابه من النسوة فى الليل فآوته حتى أصبح فدلّ عليه زوجها حتى أمسك وعوقب، حتى أقر على جميع ما ذكرناه، وأنه الآن لا يعرف مكان العزيز، فسجنه السلطان، وهمّ بعقوبة الدادة فشفعت «1» فيها خوند مغل بنت البارزى زوجة السلطان، وتسلمتها «2» من السلطان من غير عقوبة وتمّت عندها. فخفّ عن السلطان ما كان به قليلا من أمر الملك العزيز، فإنه كان [ظن] «3» كلّ الظن أن إينال أخذه وتوجه إلى إينال الجكمى بدمشق؛ ثم قبض على موضعة الملك العزيز وزوجها وعلى جماعة أخر من الرجال والنساء ممن كان من جوارى الأشرف ومعارفهن، وممن اتّهم بأنه معرفة أزدمر وإبراهيم الطباخ. ثم فى يوم الخميس رابع عشرين شوال عزل السلطان الطّواشىّ فيروز الجاركسىّ عن الزمامية لكونه تهاون فى أمر [الملك] «4» العزيز حتى تسحّب من الدور السلطانية، وعيّن السلطان عوضه زماما الطواشى جوهرا القنقبائى الخازندار، مضافا إلى الخازندارية. وفى ليلة الجمعة ويوم «5» الجمعة كبست المؤيدية على مواضع كثيرة بالقاهرة وظواهرها، ومضوا إلى دور الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم وكبسوا عليه وعلى جيرانه فى طلب الأمير إينال الأشرفى والملك العزيز، فلم يجدوا أحدا وهرب الصاحب أمين الدين، ثم ظهر وخلع عليه بعد ذلك، واشتد طلب السلطان على [الملك] «6» العزيز، وهدد من أخفاه بأنواع العذاب والنّكال، فشمل الخوف غالب الناس.

ثم فى يوم السبت سادس عشرين شوال خلع السلطان على جوهر الخازندار باستقراره زماما عوضا عن فيروز الجاركسى بحكم عزله مضافا للخازندارية، والفحص على [الملك] «1» العزيز مستمر فى كل يوم وليلة، وقد دخل الناس من الرعب والخوف ما لا مزيد عليه بسببه، إلى أن كشف الله هذا البلاء عن الناس، وقبض على الملك العزيز يوسف فى ليلة الأحد سابع عشرين شوال، واطمأن كل أحد على «2» نفسه وماله بظهور [الملك] «3» العزيز والقبض عليه. وكان من خبر [الملك] «4» العزيز أنه لما اشتد الطلب عليه ضاقت عليه الأرض، وكان له من يوم فرّ من القلعة وهو ينتقل من مكان إلى مكان، لا [113] سيما لما كثر الفحص عنه تخوّف غاية الخوف، حتى ألجأه ذلك إلى الانفراد مع أزدمر لا غير، ليخفّ بذلك أمرهما على من أخفاهما، ومع هذا تغلّبا «5» أين «6» يذهبان «7» ، واحتاج [الملك] «8» العزيز أن أرسل إلى خاله الأمير بيبرس الأشرفى، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، بأنه يريد المجىء إليه فى الليل، ويختفى عنده على ما قيل، فواعده بيبرس على أن يأتيه ليلا. ثم خاف بيبرس عاقبة أمره، فإنه كان [الملك] «9» الظاهر جقمق اختص به، وأمّره دون إخوته وأكرمه غاية الإكرام، ورأى بيبرس أنه لا يحسن به أن يقبض عليه ويطلع به إلى السلطان، فأعلم جاره يلباى الإينالى المؤيدى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة بمجيء [الملك] «10» العزيز إليه فى الليلة المذكورة، وأعلمه أيضا أنه يمر من موضع كذا وكذا، فخرج يلباى فى الليل متنكرا، ومعه اثنان من حجداشيّته

المؤيدية، وترصّد للعزيز بخطّ زقاق حلب بعد عشاء الآخرة، وبينماهم فى ذلك إذ مرّ بهم العزيز ومعه أزدمر مشدّه، وهما فى هيئة مغربيّين، فوثب يلباى بأزدمر ليقبض عليه فامتنع منه ودفع عن نفسه فضربه يلباى أدمى وجهه وأعانه عليه رفقته، حتى قبض عليه وعلى [الملك] «1» العزيز. وكان على [الملك] «2» العزيز جبة صوف من لبس المغاربة، وطلعوا بهما فى الحال إلى باب السلسلة ثم إلى السلطان، والملك العزيز حاف بغير نعل فى رجليه، وقد أخذه بعض المؤيدية بأطواقه يسحبه على ما قيل، فإنى لم أحضر المجلس تلك الساعة، فلما مثل العزيز بين يدى السلطان أوقف ساعة، ثم أمر به السلطان فأخذ إلى مكان فى القلعة وسجن به إلى أن أصبح، وطلع الأمراء وأرباب الدولة إلى الخدمة على العادة، ودقّت البشائر لقبض [الملك] «3» العزيز، وسرّ السلطان بذلك سرورا عظيما، وخفّ عنه الأمر كثيرا بالنسبة إلى ما كان فيه. ثم أخذ السلطان [الملك] «4» العزيز وأدخله «5» إلى زوجته خوند البارزيّة بقاعة العواميد، وأسلمها العزيز وأمرها أن تجعله فى المخدع المعسد لمبيت السلطان بالقاعة المذكورة، وأن تتولى أمر أكله وشربه وحاجاته بنفسها. فأقام العزيز على ذلك مدة إلى أن نقله السلطان فى ليلة الأربعاء ثامن ذى القعدة إلى مكان بالحوش وضيّق عليه، ومنع من جميع خدمه، ثم سيّره «6» إلى سجن الإسكندرية، حسبما يأتى ذكره. وأمر السلطان بأزدمر فسجن بالبرج من قلعة الجبل، مع جماعة من خجداشيّته الأشرفية. ووجد مع الملك العزيز من الذهب ثمانمائة دينار، أعطى السلطان منها إلى يلباى خمسمائة دينار، وإلى رفيقيه مائة دينار، ثم فرّق الباقى من ذلك على من حضر؛

ثم أنعم السلطان على يلباى المذكور بقرية [سرياقوس] «1» زيادة على ما بيده، وصار من جملة أمراء الطبلخانات. وهدأ سرّ السلطان من جهة [الملك] «2» العزيز، والتفت إلى أخبار إينال الجكمى، وتغرى برمش. ثم فى يوم الثلاثاء تاسع عشرينه، ظهر الأمير إينال الأبوبكريّ الأشرفى من اختفائه، وكان من خبره أنه من يوم تسحّب [الملك] «3» العزيز خاف القبض عليه، فاختفى إلى أن ظهر [الملك] «4» العزيز فخفّ عنه ما داخله من الوهم بسبب الملك العزيز، وقد علم أن السلطان ظهر له أنه لم يجتمع مع [الملك] «5» العزيز ولا قام بنصرته، وأن اختفاءه «6» كان نوعا من مهابة السلطان، فلما كان ليلة الثلاثاء المذكورة توجّه إلى الأمير جرباش الكريمى المعروف بقاشق أمير مجلس، وترامى عليه واستجار به وهو يظن أن فى السّويداء رجالا «7» ، فأجاره وهو يظن أن السلطان يقبل شفاعته. وكان معظم ظهور إينال [المذكور] «8» لما بلغه من «9» اختفائه [عن السلطان من الثناء عليه وبسط عذره فى اختفائه] «10» وأنه باختفائه سكنت الفتنة، فغرّه هذا الكلام، وأيضا أنه استند للأمير جرباش أمير مجلس وخجداش السلطان، فأخذه الأمير جرباش من الغد فى يوم الثلاثاء المذكور وطلع إلى القلعة. وقد بلغ السلطان

خبر إينال وظهوره ثم طلوعه مع جرباش، فحال ما وقع بصر السلطان على إينال أمر به فقبض عليه، وقيّد وسجن بمكان بالقلعة حتى يحمل إلى الإسكندرية؛ هذا والأمير جرباش يكرر تقبيل يد السلطان ورجله فى أن يشفّعه فيه ويدعه بطّالا ببعض الثغور فلم يلتفت السلطان إلى شفاعته، ونزل جرباش إلى داره خجلا مفضوحا من حاشيته وأصحابه، ومن يومئذ انحطّ قدره [114] إلى أن مات. على أنه صاهر السلطان بعد ذلك وصار حماه «1» ، ومع هذا كله لم يكن له صولة فى الدولة، وأخرج السلطان إينال من يومه إلى سجن الإسكندرية، وبها أعداؤه من خجداشيّته، فكان شماتتهم [به] «2» أعظم عليه من حبسه. وأخذ السلطان بعد ذلك يتشوّف إلى أخبار عسكره المجرّد إلى قتال إينال الجكمى وغيره، فلما كان يوم الأربعاء ثامن ذى القعدة ورد على السلطان كتاب الأمير آلابغا حاجب غزة يتضمن قتال عسكر السلطان مع إينال الجكمى نائب الشام، فى يوم الأربعاء مستهل ذى القعدة، وانهزام إينال الجكمى، فأخذت الناس فى هذا الخبر وأعطوا، غير أنه دقت البشائر وسرّ السلطان بذلك. ثم أصبح من الغد فى يوم الخميس [ورد] «3» الخبر بمسك إينال الجكمى، فدقت البشائر أيضا، غير أن السلطان فى انتظار كتاب آقبغا التّمرازى، فورد عليه كتابه فى يوم الجمعة عاشر ذى القعدة، وذكر واقعة العسكر مع إينال الجكمى، وملخصها «4» أن العساكر السلطانية المتوجهة من الديار المصرية والمتجمعة بالرّملة من النواب والعساكر، ساروا جميعا من الرملة أمام الأمير قراخجا الحسنى، ومن معه من الأمراء والمماليك السلطانية، كالجاليش، لكن بالقرب منهم، حتى نزلوا بمنزلة

الخربة «1» فى يوم الأربعاء مستهل ذى القعدة وقد قدموا بين أيديهم كشافة على عادة العساكر، فعادت الكشافة وأخبروا بقرب إينال الجكمى منهم، فركبوا فى الحال بعد أن عبّوا أطلابهم، وهم ستة نواب: آقبغا التّمرازى نائب الشام، وجلبان الذي استقر نائب حلب، وإينال العلائى نائب صفد- أعنى الملك الأشرف- وطوخ مازى نائب غزة، وطوغان العثمانى نائب القدس، وخليل بن شاهين، وقد استقر نائب ملطية. وساروا بمن اجتمع عليهم من العشير والعربان جاليشا، حتى وصلوا إلى مضيق قرب الحرة، وإذا بجاليش إينال الجكمى فيه الأمير قانصوه النّوروزى أحد مقدمى الألوف بدمشق، ونائب بعلبكّ، وكاشف حوران، ومحمد الأسود بن القاق شيخ العشير، وير على الدّكرى «2» أمير التركمان، وطر على بن سقل سيز «3» التركمانى، وكثير من العربان والعشير، والجميع دون الألف فارس، وصدموا النواب المذكورة فكانت بينهم وقعة كبيرة، انهزم فيها الأطلاب الستة بعد أن أردفهم إينال الجكمى بنفسه، وركب أقفية القوم، وكان من الشجعان المشهورة، إلى أن أوصلهم إلى السّنجق السلطانى، وتحته الأمير قراخجا الحسنى الأمير آخور، والأمير تمرباى رأس نوبة النوب بمن معهما من الأمراء والعساكر المصرية، والسنجق بيد الأمير سودون العجمى النّوروزى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة؛ وقد تخلت عن إينال أصحابه ومدوا أيديهم إلى النهب فى أطلاب النواب لما انهزموا أمام العسكر الشامى. وبقى إينال فى أناس قليلة، فحطّ بهم على العسكر المصرى، فثبتوا له وقاتلوه ساعة

وقد تفرقت عنه أصحابه بسبب النهب فلم يجد مساعدا، فانهزم بعد أن قتل من الفريقين جماعة كبيرة جدا، ولم يقتل من الأعيان غير الأمير صرغتمش أحد مماليك الوالد، الذي كان دوادار الأمير جلبان، ثم استقر دوادار السلطان بحلب، وجرح خلق كثير، وقبض فى الوقعة على الأمير تنم العلائى المؤيدى، وعلى الأمير بيرم صوفى التركمانى، وعلى الأمير خير بك القوامى ومحمد بن قانصوه النّوروزى وجماعة أخر. وحال بينهم الليل، فلما أصبح العسكر يوم الخميس ثانى ذى القعدة ورد الخبر عليهم من دمشق بالقبض على إينال الجكمى من قرية حرستا «1» من عمل دمشق فدقت البشائر لذلك، وتفرقت أخصاء السلطان للأعيان بالبشارة، وزال ثلثا «2» ما كان بالسلطان من أمر [الملك] «3» العزيز وإينال، وبقى تغرى برمش. وكان من خبر مسك إينال الجكمى أنه لما انكسر من العسكر المصرى، ساق فى نفر يسير إلى أن وصل حرستا وقد تلفت خيوله لبعد المسافة، ونزل بها وقد جهده التعب والجوع، واختفى بها فى مزرعة، وأرسل بعض خدمه ليأتيه بطعام، ففطن به رجل وعرّف شيخ البلد، فأرسل شيخ البلد إلى نائب قلعة دمشق بالخبر، فخرج من دمشق فى طلبه جانبك دوادار [115] برسباى حاجب حجاب دمشق، ومعه جماعة أخر؛ وطرقوه بالقرية على حين غفلة، فقام ودفع عن نفسه بكل ما تصل قدرته إليه، فتكاثروا عليه وطعنه بعضهم فى جنبه، ورماه آخر أصاب وجهه، ثم مسكوه وجىء به إلى دمشق على فرسه، وقد وقف الفرس من العىّ فلم يصل إلى قلعة دمشق إلا بعد العصر، والناس فى جموع كثيرة لرؤيته ما بين باك وحزين، وسجن بقلعة دمشق مقيّدا، وأصبح دخل آقبغا التّمرازى إلى دمشق فى باكر نهار الجمعه ثالث ذى

القعدة، ومعه العساكر بسلاحهم ونزل بدار السعادة؛ ولم يبتهج أهل دمشق بقدومه لعظم ميلهم لإينال الجكمى، وإن كان آقبغا المذكور صهرى فالواقع ما ذكرناه. ومع هذا وقع يوم دخوله إلى دمشق حادثة غريبة، وهى أن بلبان شيخ كرك نوح «1» ، واسمه محمد وولده محمد أيضا، قدما إلى دمشق بجموعهما من العشير نصرة لعساكر السلطان، وبلبان المذكور فلاح الأمير برسباى الحاجب، كأكابر المدرّكين «2» ، فلم يصل بلبان المذكور حتى انقضت الوقعة، فتأسف على ذلك لما كان بينه وبين إينال الجكمى من المباينة مراعاة لأستاذه برسباى المذكور، فعاد إلى دمشق فى خدمة آقبغا التّمرازى، إلى أن دخل التّمرازى إلى دار السعادة وذهب كل أمير إلى حال سبيله. فعاد بلبان المذكور فيمن عاد، حتى كان عند المصلى والعامه قد ملأت الطرقات وهم فى كآبة لفقد إينال الجكمى ولما وقع له، فصاح شخص من العامة بواحد من العشير من أعوان بلبان يقول: «أبا بكر! أبا بكر!» ، وتبعه غيره يكررون ذلك مرارا عديدة يريدون نكاية بلبان، فإنهم يرمون بالرّفض «3» . فلما كثر ذلك من

العامة، ضرب بعض العشير واحدا من العامة، فعند ذلك تجمعوا عليه وأرموه عن فرسه ليقتلوه، فاجتمع أصحابه ليخلصوه من العامة، وقبل أن يخلصوه بادره العامة وذبحوه، وتناولوا الحجارة يرمون بها بلبان وأعوانه، وكانوا فى كثرة نحو الخمسمائة نفر وأكثر، فتوغل بلبان بين أصحابه ولم يقدر أن يفوز بنفسه، فتكاثروا عليه وألقوه إلى الأرض عن فرسه وذبحوه، ثم أخذوا ابنه محمدا أيضا وذبحوه، ووضعوا أيديهم فى أصحاب بلبان إلى أن أسرفوا فى القتل، ولم يكن لذلك سبب ولا دسيسة من أحد ولا أمر من السلطان، فوقع هذا الأمر ولم يقدر أحد على القيام بأخذ ثأره لاضطراب المملكة، وراحت على من راحت إلى يومنا هذا. قلت: لا جرم، إنما وقع له ببركة الشيخين، فقوصص بذلك فى الدنيا، وله فى الأخرى أعظم قصاص، نكالا من الله على رفضه، وقبح «1» سريرته. ثم فى يوم الأحد ثانى عشر ذى القعدة، كتب بقتل إينال الجكمى بسجنه بقلعة دمشق، بعد تقريره على أمواله وذخائره، وبقتل جماعة من أصحابه ممن قبض عليه فى الوقعة، وفى هذه الأيام رسم السلطان بعقوبة جكم خال [الملك] «2» العزيز بسجنه بالإسكندرية، حتى يعترف بمتحصل [الملك] «3» العزيز فى أيام أبيه، من إقطاعه

وحماياته «1» ومستأجراته، فأجابهم عن ذلك كله؛ وكان السلطان استولى على جميع ما للعزيز عند جدته لأمه من المال والقماش والفصوص، وكان شيئا كثيرا. وأمر السلطان أيضا بعقوبة يخشباى الأمير آخور الثانى، بسجن الإسكندرية أيضا، بعد أن أراد السلطان قتله بحكم الشرع، من كونه سبّ شريفا ببلاد الصعيد فى أيام أستاذه الملك الأشرف؛ فبادر يخشباى حتى حكم قاض شافعى بحقن دمه، ووقع بسبب ذلك أمور، وعقد مجالس «2» بالقضاة والفقهاء، ذكر ذلك كلّه فى الحوادث «3» ، ولما وقع اليأس من قتله، رسم بعقوبته حتى يعترف بما له من الأموال، فعوقب أشدّ عقوبة بحيث أنه لم يبق إلا موته. ثم قدم الخبر على السلطان، بأن العساكر توجهت من دمشق، فى حادى عشر ذى القعدة إلى حلب، بعد أن عاد طوغان نائب القدس، إلى القدس، وتأخر آقبغا التّمرازى نائب الشام [به] «4» ، وكان الذي توجّه من النواب إلى حلب صحبة العساكر المصرية، جلبان نائب حلب وقانى باى الحمزاوى نائب طرابلس، وهو إلى الآن بحماة، غير أنه تهيأ للاجتماع بالعساكر [116] المصرية وعنده أيضا الأمير بردبك العجمى، الذي استقر فى نيابة حماة، وقد قدّمه إلى حلب؛ وسار من النواب أيضا، الأمير إينال العلائى الناصرى نائب صفد، والأمير طوخ مازى نائب غزة.

وقدم الخبر أيضا أنه قبض بدمشق على يرعلى الدّكرى وشنق، وأن تغرى برمش نائب حلب كان نزل على حلب وصحبته الأمير طرعلى بن سقل سيز، والأمير على باى بار بن إينال بجمائعهما من التركمان، والأمير غادر بن نعير بعربه من آل مهنّا، والأمير فرج وإبراهيم ولدا «1» صوجى، والأمير محمود ابن الدّكرى أيضا بجمائعهم من التركمان، وعدة الجميع نحو ثلاثة آلاف فارس، وأن تغرى برمش خيمّ بالجوهرى وبعث بعدة كبيرة إلى خارج باب المقام، فخرج إليه الأمير بردبك العجمى، الذي ولى نيابة حماة، وقد قدم حلب من أيام، ومعه جماعة من أمراء حلب ومن تركمان الطاعة، ومن العامة. فكانت بينهم وقعة هائلة، قتل فيها وجرح جماعة كثيرة من الفريقين، وعاد كل منهما إلى مكانه، ثم التقى الجمعان ثانيا فى يوم الجمعة خامس عشرين شوال على باب النّيرب «2» واقتتلوا يوما وليلة قتالا شديدا، قتل فيه عدة كبيرة من الناس، وجرح نائب حماة، وطائفة من أمراء حلب، ثم رجع كل فريق إلى موضعه، ورحل تغرى برمش من موضعه فى يوم الأحد سابع عشرينه، ونزل بالميدان، والحرب مستمر، والعامة تبذل جهدها فى قتاله، إلى أن كان يوم الخميس ثانى ذى القعدة أحضر تغرى برمش آلات الحصار من مكاحل النّفط والسلالم والجنويّات «3» إلى باب الفرج، ونصب صيوانه تجاه سور حلب، وجدّ فى قتال الحلبيين. هذا وأهل حلب يد واحدة على قتاله طول النهار مع ليلة الجمعة بطولها، وأهل حلب يتضرعون ويدعون الله تعالى، فلما أصبح نهار الجمعة، رحل تغرى برمش عن مكانه، وعاد إلى الميدان، بعد أن كانت القضاة وشيوخ العلم والصلاح، وقفوا بالمصاحف والرّبعات

على رؤوسهم، وهم ينادون من فوق الأسوار: «الغزاة معاشر الناس فى العدو، فإنه من قتل منكم كان فى الجنة، ومن قتل من العدو صار إلى النار» ، فى كلام كثير يحرضون بذلك العامة على القتال، ويقوون عزائمهم على الثبات، إلى أن رحل تغرى برمش بمن معه من الميدان إلى الجهة الشمالية، فى يوم الأحد خامس ذى القعدة، بعد ما رعت مواشيهم زروع الناس وبساتينهم وكرومهم، وقطعوها ونهبوا القرى التى حول المدينة، وأخربوا غالب العمارات التى كانت خارج سور حلب، وقطعوا القناة التى تدخل إلى مدينة حلب من ثلاثة أماكن، وكان أشدّ الناس فى قتال تغرى برمش، أهل بانقوسا «1» ، هذا بعد أن ظفر تغرى برمش بجماعة من الحلبيين فى بعض قتاله، فقطع أيدى الجميع، وبالغ فى الإضرار بالناس، وأنا أقول: لو كان لتغرى برمش على أهل حلب دولة، لفعل فيهم أعظم من فعل تيمور لنك، لقلة دينه وجبروته ولحنقه «2» من أهل حلب، وأنا أعرف بحاله من غيرى لكونه طالت أيامه فى خدمة الوالد سنين، ثم قتل أغاته «3» من مماليك الوالد، وفر كما سنحكيه فى وفاته من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. ولما بلغ هذا الخبر الملك الظاهر، قلق قلقا عظيما لما وقع لرعيته من أهل حلب، فلم يكن إلا أياما قليلة [و] «4» قدم الخبر فى يوم السبت خامس عشرين ذى القعدة، بكسرة تغرى برمش المذكور، فدقت البشائر لذلك، وعظم سرور السلطان، غير أنه تشوّش لعدم مسكه وخاف عاقبة أمره. وكان من خبره أن العسكر المصرى بمن معه من العسكر الشامى، لما ساروا من دمشق إلى جهة حلب، وافاهم الأمير قانى باى الحمزاوى وغيره وصاروا جمعا واحدا، فلقيهم تغرى برمش المذكور بجموعه، التى كانت معه قريبا من حماة، فى يوم الجمعة سابع عشر ذى القعدة، وقد صفّ عساكره من التركمان وغيرهم،

حتى ملأوا الفضاء، فحال ما وقع [بصر] «1» عسكره على العساكر السلطانية، أخذوا فى الانهزام من غير مصاففة، بل بعض تناوش من صغار الطائفتين، وولوا الأدبار. ومدت العساكر السلطانية أيديها إلى عساكر تغرى برمش، فغنموا منهم «2» غنائم لا تحصى كثرة، منها نحو المائتى ألف رأس [117] من الغنم، سوى ما تمزق، ونهب جميع وطاق تغرى برمش وماله «3» ، وانهزم هو فى جماعة يسيرة من خواصه إلى جهة التركمان الصّوجيّة «4» ، على ما نذكره من «5» قصته «6» فى ذى الحجة من هذه السنة. ثم فى يوم الاثنين سابع «7» عشرين ذى القعدة، قدم النّجلب برأس الأمير إينال الجكمى، وكان قتله بقلعة دمشق فى ليلة الاثنين عشرين ذى القعدة، فشهرت الرأس على رمح، ونودى عليه: «هذا جزاء من حارب الله ورسوله» ، ثم علقت على باب زويلة، وقتل معه الأمير تنم العلائى المؤيدى، وكان تنم المذكور أدوبا حشما وقورا، وأما إينال الجكمى فيأتى التعريف بحاله فى الوفيات على العادة. وفى هذه الأيام، حكم بقتل الأمير يخشباى الأشرفى الأمير آخور الثانى، وقد تقدم أنه ادّعى عليه أنه سبّ شريفا، ولعن والديه، وأن بعض نواب الشافعى حكم بحقن دمه، وسكن الحال مدة أشهر، ثم طلب السلطان من القاضى المالكى قتله؛ فاحتج بحكم الشافعى بحقن دمه، فعورض بأن المطلوب الآن من الدعوى عليه غير المحكوم فيه بحقن الدم، فصمم المالكى بأنهما قضية واحدة، ووافقه غير واحد من المالكية؛ ووقع أمور حكاها غير واحد من المؤرخين، إلى أن قتل يخشباى المذكور حسبما يأتى ذكره.

ثم ورد على السلطان فى يوم الأحد ثالث ذى الحجة، مطالعة الأمير جلبان نائب حلب، وقرينها مطالعات بقية الأمراء والنواب، تتضمن أن تغرى برمش، لما انهزم على حماة، مضى نحو الجبل الأقرع وقد فارقه الغادر بن نعير، فقبض عليه أحمد وقاسم ولدا صوجى، وقبض معه على دواداره كمشبغا، وخازنداره يونس، وعلى الأمير طرعلى بن سقل سيز والأمير صارم الدين إبراهيم بن الهذبانى نائب قلعة صهيون، وكتبوا بذلك إلى نائب حلب، فورد الخبر بذلك على العسكر، وهم على خان طومان، فى يوم الاثنين العشرين من ذى القعدة. فجهز الأمير جلبان عند ذلك الأمير بردبك العجمى نائب حماة، والأمير إينال العلائى نائب صفد، والأمير طوخ مازى نائب غزة، والأمير قطج أتابك حلب، والأمير سودون النّوروزى حاجب حجاب حلب، لإحضار المذكورين، ورحل جلبان بمن بقى معه [يريد حلب، فدخلها فى يوم الثلاثاء حادى عشرين ذى القعدة المذكورة، وسار بردبك العجمى نائب حماة بمن معه] «1» إلى أن تسلّم تغرى برمش ومن ذكرنا ممن قبض عليه من أصحابه وأتوا بهم، فسمّر طر على بن سقل سيز تسمير سلامة، وسمّر الهذبانى ورفقته تسمير عطب، وساروا بهم، وتغرى برمش راكب على فرس بقيد حديد، حتى دخلوا به مدينة حلب، وهو ينادى عليهم فى يوم الخميس ثالث عشرينه، وقد اجتمع من أعدائه الحلبيين خلائق لا يعلم عدتها إلا الله، وهم من التّخليق بالزعفران والتهانئ، فى أمر كبير، وصاروا يسمعون تغرى برمش المذكور، من المكروه والسّب والتوبخ وإظهار الشماتة به أمورا كثيرة، حتى أوقفوهم تحت قلعة حلب، ووسّط الهذبانى ورفيقه، وتسلّم تغرى برمش وطرعلى الأمير حطط نائب قلعة حلب. فانظر إلى هذا القصاص، وهو أن تغرى برمش لم يكن له فى الدنيا عدو أعظم من بردبك العجمى وحطط، ثم عامة حلب، وقد تمكّن الثلاثة منه، فأما بردبك فإنه

تسلّمه وتحكم فيه [من وقت أخذه من أولاد صوجى إلى أن أوصله إلى قلعة حلب، وأما حطط فإنه تحكم فيه] «1» من وقت تسلمه من بردبك العجمى إلى أن قتل بين يديه؛ وأما عامة أهل حلب فإنهم بلغوا منه مرادهم من إسماعه المكروه والشماتة به، والتفرج عليه يوم قتله، فنعوذ بالله من زوال النعم وشماتة الأعداء. وأما السلطان الملك الظاهر، فإنه لما بلغه القبض على تغرى برمش، كاد أن يطير فرحا، وعلم أنه الآن بقى فى السلطنة بغير نكد ولا تشويش، ودقت البشائر لذلك ثلاثة أيام، وكتب بقتل تغرى برمش بعد عقوبته ليقرّ على أمواله، فعوقب، فأقرّ على شىء من ماله، نحو الخمسين ألف دينار، ثم أنزل ونودى عليه إلى تحت قلعة حلب، وضربت عنقه، وقتل معه أيضا طر على بن سقل سيز، وصفا «2» الوقت للملك الظاهر، وخلاله الجو من غير منازع؛ والتفت الآن إلى من له عنده رأس قديمة يكافئه عليها من خير وشر. فأول ما بدأ به فى يوم الخميس ثامن عشرين ذى الحجة، أن قبض على زين الدين عبد الباسط بن خليل الدمشقى ناظر الجيش [118] وعلى مملوكه جانبك الأستادار، وعلى عدة كبيرة من حواشيه، وأحيط بدور الجميع، وكتب بإيقاع الحوطة «3» على جميع ماله بالشام والحجاز والإسكندرية، فزال بمسكه غمة كبيرة عن الناس، فإنه كان غير محبب للناس حتى ولا إلى أصحابه، لبادرة كانت فيه، وسوء خلق وبطن مع سفه وبذاءة «4» لسان. ثم فى يوم السبت سلخ ذى الحجة من سنة اثنتين وأربعين، خلع السلطان على القاضى محب الدين بن الأشقر باستقراره فى وظيفة نظر الجيش، عوضا عن عبد الباسط، وخلع على الناصرى محمد بن عبد الرازق بن أبى الفرج، نقيب الجيش، باستقراره

ما وقع من الحوادث سنة 843

أستادارا عوضا عن جانبك الزينى عبد الباسط. وابن الأشقر المذكور وابن أبى الفرج، كل منهما كان من أعظم» أصحاب عبد الباسط. قلت: عود وانعطاف على ما ذكرناه، أنه كان يكرهه حتى أعزّ أصحابه، ولولا ذاك ما وليا عنه هؤلاء وظائفه فى حياته، وإن كانا «2» تمنّعا عند الولاية، فهذا باب تجمل ليس على حقيقته، ولا يخفى ذلك على من له ذوق سليم، فإننا لا نعرف أحدا ولى وظيفة غصبا كائنا «3» من كان. وفى يوم السبت [المذكور] «4» قدم رأس تغرى برمش، فطيف بها، ثم علقت على باب زويلة أياما. وفرغت هذه السنة، أعنى سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، بعد أن كان فيها حوادث كثيرة، وعدة وقائع حسبما ذكرناه. [ما وقع من الحوادث سنة 843] واستهلت سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة «5» والسلطان مصمم على أنه لا يقنع منه بأقل من ألف ألف دينار، ويهدده بالعقوبة، ويعدّد له ذنوبه، حتى قال فى بعض مجالسه بحضرتى: والله أشنكله بشنكال، مثلما كانت تعمل الجغتية «6» ، هذا أخرب مملكة مصر، كان إذا كلمه [أحد من] «7» أعيان الأمراء صفرّ له بفمه فى وجهه؛ وأشياء كثيرة من ذلك. ثم فى يوم الاثنين ثانى محرم سنة ثلاث وأربعين، خلع السلطان على القاضى ولى الدين محمد السّفطى مفتى دار العدل، وأحد ندماء «8» السلطان وخواصه، باستقراره فى نظر الكسوة مضافا لما بيده من وكالة بيت المال، فإن شرط الواقف أن يكون وكيل

بيت المال ناظر الكسوة، عوضا عن عبد الباسط، قلت: وولىّ الدين أيضا كان من أصحابه. ثم خلع السلطان على فتح الدين محمد بن المحرقى، باستقراره ناظر الجوالى، عوضا عن عبد الباسط؛ وكان فتح الدين المذكور من حواشى [الملك] «1» الظاهر أيضا. ثم فى يوم الأربعاء حادى عشر المحرم أفرج عن جانبك الزينى عبد الباسط، بعد أن حوسب فى بيت تغرى بردى المؤذى الدوادار الكبير، وقد شطّب عليه بمبلغ ألف ألف درهم «2» وثلاثمائة ألف درهم، وجبت عليه للديوان، وذلك سوى العشرة آلاف دينار، التى ألزم «3» بها. [ثم] «4» فى سلخ المحرم، قدم الأمير يشبك السّودونى أمير سلاح من بلاد الصعيد بمن معه من المماليك الأشرفية وغيرهم، فخلع السلطان عليه باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية، عوضا عن آقبغا التّمرازى بحكم انتقاله إلى نيابة دمشق، وكان يشبك أنعم عليه بالإقطاع والوظيفة من يوم ذاك، غير أنه كان غائبا ببلاد الصعيد هذه المدة الطويلة، فلما حضر خلع عليه بالأتابكية. ثم فى يوم الاثنين أول صفر، قدم الأمير قانى باى الأبوبكريّ الناصرى المعروف بالبهلوان، أتابك دمشق، إلى القاهرة، وخلع السلطان عليه باستقراره فى نيابة صفد، عوضا عن الأمير إينال العلائى الناصرى بحكم عزل إينال المذكور، واستقراره من جملة مقدمى الألوف بديار مصر، ورسم باستقرار الأمير إينال الششمانى الناصرى أحد مقدمى الألوف بدمشق، فى الأتابكية، عوضا عن قانى باى البهلوان. ثم فى يوم السبت سادس صفر، قدم إلى القاهرة الأمراء المجردون إلى الشام يمن

معهم من المماليك السلطانية، فخلع السلطان على الأمير قرا خجا الحسنى الأمير آخور، وعلى الأمير تمرباى التّمربغاوى رأس نوبة النوب، وعلى جميع من بقى من رفقتهما من أمراء الطبلخانات والعشرات؛ وسكن قراخجا بباب السلسلة. وفى هذه الأيام غضب السلطان على عبد الباسط ونقله فى يوم الخميس حادى عشر صفر، من المقعد الذي على باب الهجرة، المطل على الحوش من قلعة الجبل، إلى البرج عند باب القلعة، وكان سبب ذلك أنه من يوم حبسه السلطان لم يهنه بضرب ولا عقوبة، والناس تتردد إليه، وهو مطالبه بألف ألف دينار، وقد تكلم [119] بينه وبين السلطان المقرّ «1» الكمالى محمد بن البارزى صهر السلطان، وكاتب سره، وراجع السلطان فى أمره مرارا عديدة، وعبد الباسط يورد للسلطان من أثمان ما يباع له، حتى وقف طلب السلطان بعد عناية ابن البارزى به، على أربعمائة ألف دينار، وأبى السلطان أن يضع عنه منها شيئا، وعبد الباسط يريد أن يحطّ عنه من ذلك شيئا آخر، وترامى على ابن البارزى المذكور واعترف بالتقصير فى حقه فى الدولة الأشرفية، فلم يحوجه ابن البارزى لذلك، بل شمّر ساعدا طويلا لمساعدته، حتى صار أمره إلى هنا بغير عقوبة ولا إهانة «2» . فلما كان يوم الخميس المذكور، تكلم مع السلطان ابن البارزى وجماعة كبيرة من أعيان الدولة، فى أمر عبد الباسط، وسألوه «3» الحطيطة من الأربعمائة ألف دينار،

فغضب السلطان من ذلك، وأمر به فأخرج إلى البرج على حالة غير مرضية، ومضى من المقعد ماشيا إلى البرج المذكور، وسجنوه به، ورسم السلطان له أن يدفع للمرسّمين «1» عليه، لمّا كان بالمقعد، وهم ثمانية من الخاصّكية، مبلغ ألفى دينار ومائتى دينار، ودفعها لهم. وبينما هو فى ذلك، دخل عليه الوالى وأمره أن يقلع جميع ما عليه من الثياب، فإنه نقل للسلطان أن معه الاسم الأعظم أو أنه يسحر السلطان، فإنه [كان] «2» كلما أراد عقوبته صرفه الله عنه، فخلع جميع ما كان عليه من الثياب والعمامة، ومضى بها الوالى وبما فى أصابع يديه من الخواتم، فوجد فى عمامته قطعة أديم، ذكر أنها من نعل النبي صلى الله عليه وسلم، ثم وجدت فى عمامته أوراق فيها أدعية ونحوها، وأخذ المقرّ الكمالى فى القيام معه، حتى كان من أمره ما سنذكره. ثم فى يوم السبت ثالث عشر صفر، قدم الأمير إينال العلائى الناصرى المعزول عن نيابة صفد، وقد استقر من جملة مقدمى الألوف بالديار المصرية، وقدم معه الأمير طوغان العثمانى نائب الندس، والأمير طوخ الأبوبكريّ المؤيدى أتابك غزة، وقد صار من جملة مقدمى الألوف بدمشق، على إقطاع مغلباى الجقمقى بعد القبض عليه، وخلع السلطان على الجميع وأركبوا خيولا بقماش ذهب. ثم فى رابع عشر صفر، رسم السلطان بإحضار الأمراء المسجونين وغيرهم بثغر الإسكندرية، إلى مدينة بلبيس، ليحملوا إلى الحبوس بالبلاد الشامية. وندب الأمير أسنبغا الطّيّارى أحد أمراء الألوف بالديار المصرية، لإحضارهم، وهم: الأمير جانم أخو الأشرف الأمير آخور، وإينال الأبوبكريّ الأشرفى، وعلى باى شادّ الشراب خاناة الأشرفى، وأزبك السيفى قانى باى رأس نوبة المعروف بجحا، وجكم الخازندار خال العزيز، وجرباش، وجانبك قلق سيز، ومن الخاصّكية: تنم الساقى، وبيبرس الساقى، ويشبك الدوادار، وأزبك البواب، وبايزير خال العزيز، وجميع هؤلاء

أشرفية؛ وتنبك الإينالى المؤيدى الفيسى، وبيرم خجا الناصرى أمير مشوى، وجماعة أخر لم يحضرنى الآن أسماؤهم، ولم يبق بسجن الإسكندرية سوى الأمير قراجا الأشرفى، أحد مقدمى الألوف كان «1» ؛ وخرج الأمير أسنبغا من يومه. وفى هذا اليوم سافر الأمير قانى باى البهلوان نائب صفد إلى محل كفالته بها، بعدما أنعم السلطان عليه بمال جزيل، وسافر الطّيّارى «2» إلى الإسكندرية، وأخذ المذكورين وعاد بهم إلى بلبيس فى ثانى عشرين صفر، والجميع بالحديد، غير أن الأمير أسنبغا تلطّف بهم وأحسن فى خطابهم ومسيرهم إلى الغاية، بخلاف من تولى تسفيرهم من بلبيس إلى محل سجنهم؛ فأفرج السلطان منهم عن بيرم خجا أمير مشوى، ونفى إلى طرابلس، وأخرج السلطان من البرج بقلعة الجبل، اثنين أضافهما إلى هؤلاء، ورسم أن يتوجه منهم «3» سبعة نفر إلى قلعة صفد، ليسجنوا بها، وهم إينال الأشرفى أحد مقدمى الألوف، وعلى باى المشدّ الأشرفى، وأزبك جحا، وجرباش مشدّ سيّدى، وتنبك الفيسى، وحزمان وقانى باى اليوسفى، ومسفّر هؤلاء الأمير سمام الحسنى الناصرى أحد أمراء العشرات، وأن يتوجّه ثلاثة منهم إلى قلعة الصّبيبة «4» ليسجنوا بها، وهم الأمير جانم أمير آخور وبايزير خال العزيز [120] ويشبك [بشق، ومسفّرهم، هم ومن يمضى إلى حبس المرقب الآتى ذكرهم: إينال أخو قشتم المؤيدى أحد أمراء العشرات، والمتوجهون إلى حبس المرقب خمسة وهم: جانبك قلق سيز، وتنم الساقى، وجكم خال

العزيز] «1» ويشبك الفقيه، وأزبك البواب، والجميع أشرفية، وساروا بهم فى حالة غير مرضية. [ثم] «2» فى سابع عشرين صفر، قدم الأمير طوخ مازى نائب غزة، فخلع السلطان عليه باستمراره وأكرمه. وفى تاسع عشرينه، نقل زين الدين عبد الباسط من محبسه بالبرج إلى موضع يشرف على باب القلعة، بسفارة ابن البارزى وأخته خوند زوجة السلطان، ووعده السلطان بخير، بعد ما كان وعده بالعقوبة. ثم فى يوم الاثنين سادس شهر ربيع الأول، خلع السلطان على الأمير طوخ مازى نائب غزة خلعة السفر، وتوجه من يومه عائدا إلى محل كفالته. ثم فى ليلة السبت حادى عشره، أخرج الملك العزيز يوسف من محبسه بالقلعة، وأركب فرسا، ومعه جماعة كبيرة ومضوا به، حتى أنزل فى الحرّاقة «3» ، وساروا به حتى حبس بثغر الإسكندرية إلى يومنا هذا، ومسفّره جانبك القرمانى أحد أمراء العشرات، ورسم أن يصرف له من مال أوقاف العزيز ألف دينار. وحمل مع الملك العزيز ثلاث جوار لخدمته، ورتب له فى كل يوم ألف درهم، من أوقاف أبيه، وكان لخروجه يوم مهول «4» من بكاء جوارى أبيه وأمه، وتجمعن بعد خروجه بالصحراء فى تربة أمه خوند جلبان، وعملن عزاء كيوم مات الأشرف وبكين وأبكين. ثم فى حادى عشر شهر ربيع الأول [المذكور] «5» استقرّ شمس الدين

أبو المنصور «1» نصر الله المعروف بالوزّة، ناظر الإسطبل السلطانى، بعد عزل زين الدين يحيى الأشقر قريب ابن أبى الفرج. قلت: وأى فخر أو سابق رئاسة لمن يعزل بهذا الوزّة عن وظيفته! ثم فى يوم الأحد تاسع عشر [شهر] «2» ربيع الأول، سارت تجريدة فى النيل تريد ثغر رشيد، وقد ورد الخبر بأن أربعة شوان «3» للفرنج قاربت رشيد، وأخذت منها أبقارا وغيرها، فأخرج السلطان لذلك [الأمير] «4» أسنبغا الطيارى، والأمير شادبك الجكمى، وهما من أمراء الألوف بالديار المصرية، وحمل السلطان لكل منهما خمسمائة «5» دينار، وعند ما نزلا إلى المركب فى بحر النيل، احترقت مركب الطيّارى من مدفع نفط رموا به، فعاد عليهم ناره، وأحرق شيئا مما كان معهم، وأصاب بعضهم، فألقى الطيارى نفسه فى البحر، حتى نجا من النار، ثم طلع وركب السفينة وسار «6» . [و] «7» فى أواخر شهر ربيع الأول [هذا] «8» رسم السلطان بتوجه زين الدين عبد الباسط [إلى] «9» الحجاز بأهله وعياله، وسافر فى يوم الثلاثاء ثانى عشر [شهر] «10» ربيع الآخر، بعد أن خلع السلطان عليه فى يوم سفره، وعلى معتقه جانبك الأستادار، ونزل من القلعة إلى مخيّمه بالريدانية، بعد أن حمل إلى الخزانة السلطانية مائتى ألف دينار وخمسين ألف دينار ذهبا عينا سوى ما أخذ له من الخيول والجمال، وسوى تحف جليلة قدّمها للسلطان وغيره؛ ثم رحل «11» عبد الباسط من الرّيدانية يريد

الحجاز، فى خامس عشره، ونزل ببركة الحاجّ «1» ، وأقام بها أيضا إلى ليلة ثامن عشره. ثم فى خامس عشرين شهر ربيع الآخر «2» قدم الأمير تمراز المؤيدى أحد حجاب دمشق، بسيف الأمير آقبغا التّمرازى، وقد مات فجاءة فى يوم السبت سادس عشره، فرسم السلطان للأمير جلبان نائب حلب باستقراره فى نيابة دمشق، وأن ينتقل الأمير قانى باى الحمزاوى نائب طرابلس إلى نيابة حلب، وأن ينتقل الأمير برسباى الناصرى حاجب حجاب دمشق إلى نيابة طرابلس، ويستقر عوضه فى حجوبية دمشق سودون النّوروزى حاجب حجاب حلب؛ وينتقل حاجب حماة الأمير سودون المؤيدى إلى حجوبية [حجاب] «3» حلب، وأن يستقر الأمير جمال الدين يوسف بن قلدر «4» نائب خرت برت «5» فى نيابة ملطية بعد عزل الأمير خليل بن شاهين الشيخى عنها، ويستقر خليل أحد أمراء الألوف بدمشق، عوضا عن الأمير ألطنبغا الشريفى، ويستقر الشريفى أتابك حلب، عوضا عن قطج من تمراز، وأن يحضر قطج المذكور إلى القاهرة [121] إلى أن ينحلّ له إقطاع «6» ؛ وجهزت تقاليد الجميع

ومناشيرهم «1» فى سابع عشرينه؛ ورسم للأمير دولات باى المحمودى الساقى المؤيدى الدوادار الثانى أن يكون مسفّر جلبان نائب الشام، وأن يكون الأمير أرنبغا اليونسى الناصرى مسفّرقانى باى الحمزاوى، نائب حلب، وأن يكون سودون المحمودى المؤيدى المعروف بأتمكجى «2» ، مسفّر برسباى، نائب طرابلس؛ وخلع على الجميع فى يوم تاسع عشرين شهر ربيع الآخر. ثم فى يوم السبت خامس عشر جمادى الأولى، استقر الأمير مازى الظاهرى [برقوق] «3» أحد أمراء دمشق، فى نيابة الكرك عوضا عن آقبغا التركمانى الناصرى، بحكم مسك آقبغا المذكور وحبسه بسجن الكرك. وفى عشرينه خلع السلطان على الأمير أسنبغا الطّيارى أحد مقدمى الألوف، باستقراره فى نيابة الإسكندرية، عوضا عن يلبغا البهائى الظاهرى [برقوق] «4» بحكم وفاته، زيادة على ما بيده من تقدمة ألف بمصر، وطلب السلطان الأمير قراجا الأشرفى من سجن الإسكندرية، فحضر فى يوم الاثنين ثانى جمادى الآخرة، فخلع عليه السلطان باستقراره أتابك حلب، وبطل أمر الشريفى، واستمر على إقطاعه بدمشق. ثم فى يوم الخميس ثانى عشر جمادى الآخرة، عمل السلطان الموكب بالقصر وأحضر

رسول القان معين الدين شاه رخ بن تيمور لنك، فحضر الرسول وناول الكتاب الذي على يده، وإذا فيه: أنه بلغه موت [الملك] «1» الأشرف وجلوس السلطان على تخت الملك، فأراد أن يتحقق علم ذلك؛ فأرسل هذا الكتاب؛ فخلع السلطان عليه وأكرمه وأنزله بمكانه الذي كان أنزل فيه، فإنه كان وصل فى أول «2» يوم من جمادى الأولى، ورسم السلطان بكتابة جوابه. ثم فى يوم الاثنين رابع شهر رجب، أدير المحمل على العادة، وزاد السلطان فى عدة الصبيان الذين يلعبون بالرمح، الصغار، عدة كبيرة، ولم يقع فى أيام المحمل بحمد الله ما ينكر من الشناعات التى كانت تقع من المماليك الأشرفية. وفى هذا اليوم أيضا، خلع السلطان على الأمير طوخ الأبوبكريّ المؤيدى أحد أمراء الألوف بدمشق، وكان قبل أتابك غزة، باستقراره فى نيابة غزة، بعد موت الأمير طوخ مازى الناصرى، فولى طوخ عوضا عن طوخ، وأنعم بتقدمة طوخ بدمشق، على الأمير تمراز المؤيدى الحاجب الثانى بدمشق. ثم فى يوم السبت حادى عشر شعبان، استقر القاضى بهاء الدين محمد بن حجى فى نظر جيش دمشق، عوضا عن سراج الدين عمر بن السّفّاح، ورسم لابن السفاح بنظر جيش حلب. ثم فى يوم الثلاثاء ثامن عشر شوال، خرج أمير حاجّ المحمل الأمير شادبك الجكمى، أحد مقدمى الألوف، بالمحمل، وأمير حاج الركب الأول سمام الحسنى الناصرى، أحد أمراء العشرات. ثم فى يوم الثلاثاء خامس عشرين شوال، قدم الأمير ناصر الدين بك، واسمه محمد بن دلغادر نائب أبا ستين، إلى الديار المصرية، بعد ما تلقاه المطبخ السلطانى، وجهزت له الإقامات فى طول طريقه؛ ثم سارت عدة من أعيان الدولة إلى لقائه، ومعهم

الخيول والخلع له ولأعيان من معه من أولاده وأصحابه، فلما دخل إلى القاهرة وطلع إلى القلعة، ومثل بين يدى السلطان وقبّل الأرض، خلع عليه السلطان خلعة باستمراره على نيابة أبلستين على عادته، وأنزل فى بيت بالقرب من القلعة؛ وبالغ السلطان فى الاحتفال بأمره والاعتناء به، وشمله بالإنعامات «1» الكثيرة. وكان ناصر الدين بك المذكور، له سنين كثيرة لم يدخل تحت طاعة سلطان، وإن دخل فلم يطأ بساطه، فلما سمع بسلطنة الملك الظاهر هذا، وبحسن سيرته، قدم، وأقدم معه ابنته التى كانت تحت جانبك الصوفى، وعدة من نسائه، فعقد السلطان عقده على ابنته المذكورة التى كانت تحت جانبك الصوفى، ولها من جانبك المذكور بنت «2» ، لها من العمر نحو ثلاث سنين، بعد أن حمل إليها المهر ألف دينار، وعدة كثيرة من الشقق الحرير وغيرها. وفى هذا الشهر، أراد السلطان أن تكون تصرفاته فى أمر جدّة، على مقتضى «3» فتاوى أهل العلم، لعلمه أن شاه رخ بن تيمور، كان يعيب على [الملك] «4» الأشرف برسباى، لأخذه بجدّة من التجار عشور «5» أموالهم [122] وأن ذلك من المكس المحرم؛ فكتب بعض الفقهاء سؤالا على غرض السلطان، يتضمن: أن التجار المذكورين كانوا يردون إلى بندر عدن [من بلاد اليمن] «6» فيظلمون بأخذ أكثر أموالهم، وأنهم رغبوا فى القدوم إلى بندر جدّة ليحتموا «7» بالسلطان؛ وسألوا أن يدفعوا عشر أموالهم، فهل يجوز أخذ ذلك منهم؟ فإن السلطان يحتاج إلى صرف مال كثير فى عسكر يبعثه إلى مكة فى كل سنة، فكتب قضاة القضاة الأربعة «8» ، بجواز أخذه وصرفه،

فى المصالح «1» . فأنكر الشيخ تقىّ الدين على القضاة فى كتابتهم على الفتاوى المذكورة، وانطلق لسانه بما شاء الله أن يقوله فى حقهم- انتهى. ثم فى يوم الخميس ثامن عشر ذى القعدة، قدم الأمير إينال الششمانى الناصرى، أتابك دمشق، والأمير ألطنبغا الشريفى الناصرى أحد مقدمى الألوف بدمشق، وطلعا [إلى] «2» القلعة، وخلع السلطان عليهما وأكرمهما. وفيها «3» أيضا، خلع السلطان على الأمير ناصر الدين بك بن دلغادر خلعة السفر، وسافر يوم الاثنين تاسع عشرين ذى القعدة، بعد أن بلغت النفقة عليه من الإنعامات ثلاثين ألف دينار. ثم فى يوم الأربعاء سابع ذى الحجة، نودى بمنع المعاملة بالدراهم الأشرفية من الفضة،

ما وقع من الحوادث سنة 844

وأن تكون المعاملة بالدراهم الظاهرية الجقمقيّة، وهدد من خالف ذلك، فاضطرب الناس لتوقف أحوالهم. فنودى فى آخر النهار بأن الفضة الأشرفية تدفع للصيارف بسعرها، وهو كل درهم بعشرين درهما من الفلوس، وأن تكون الدراهم الظاهرية كل درهم بأربعة وعشرين درهما، وجعلت عددا لا وزنا «1» . فمنها ما هو نصف درهم عنه، اثنا «2» عشر درهما، ومنها ما هو ربع درهم، فيصرف بستة دراهم، على أن كل دينار من الأشرفية، بمائتين خمسة وثمانين «3» درهما. ثم فى يوم الثلاثاء، خلع السلطان على غرس الدين خليل بن أحمد بن على السخاوى، أحد حواشى السلطان أيام أمرته، باستقراره فى نظر القدس والخليل. والسخاوى هذا أصله من عوام القدس السوقة، وقدم القاهرة، وخدم بعض التجار، وترقى، وركب الحمار، ثم ركب بعد مدة طويلة بغلة «4» بنصف رحل «5» على عادة العوام، ورأيته أنا على تلك الهيئة، ثم انتهى إلى خدمة السلطان، وهو يوم ذاك أحد مقدمى الألوف، واختص به، حتى تحدث فى إقطاعه، ودام فى خدمته إلى أن تسلطن وعظم أمره عند من هو دونه، إلى أن ولى فى هذا اليوم نظر القدس والخليل. [ما وقع من الحوادث سنة 844] ثم فى يوم الخميس ثامن المحرم من سنة أربع وأربعين، خلع السلطان على الأمير قيزطوغان العلائى، أحد أمراء العشرات وأمير آخور ثانى، باستقراره أستادارا، عوضا عن [محمد] «6» بن أبى «7» الفرج، بحكم عزله والقبض عليه وحبسه بالقلعة إلى يوم الأحد حادى عشره، فتسلمه «8» الوزير كريم الدين ابن كاتب المناخ.

[ثم] «1» فى يوم السبت رابع عشرين المحرم، خلع السلطان على زين الدين يحيى الأشقر قريب ابن أبى الفرج، باستقراره فى نظر ديوان المفرد «2» عوضا عن عبد العظيم ابن صدقة، بحكم مسكه، ونقل ابن أبى الفرج من تسليم الوزير، وسلّم هو وعبد العظيم للأمير قيز طوغان الأستادار، فأغرى «3» زين الدين، قيز طوغان، بابن أبى الفرج وعبد العظيم، حتى أخذ ابن أبى الفرج وعاقبه وأفحش فى عقوبته فى الملأ من الناس، من غير احتشام ولا تجمّل، بل طرحه على الأرض وضربه ضربا مبرحا، ووقع له معه أمور، إلى أن أطلق وأعيد إلى نقابة الجيش بعد أن نفى، ثم أعيد؛ ومن يومئذ ظهر اسم زين الدين وعرف فى الدولة، وكان هذا مبدأ ترقيه حسبما يأتى ذكره إن شاء الله تعالى «4» . وفى هذه الأيام وقع الاهتمام بتجهيز تجريدة [فى البحر] «5» لغز والفرنج، وكتب السلطان عدة من المماليك السلطانية، وعليهم الأمير تغرى برمش الزّردكاش،

والسيفى يونس الأمير آخور، وسافروا «1» من ساحل بولاق فى يوم الاثنين تاسع شهر ربيع الأول، وكان جملة ما انحدر من ساحل بولاق، خمسة عشر غرابا فيها المماليك السلطانية والمطوّعة. وسبب هذه التجريدة كثرة عيث الفرنج «2» [فى البحر] «3» ، وأخذها مراكب التجار، وهذه أول بعثه بعثها الملك الظاهر من الغزاة. ثم فى يوم السبت سادس عشرين شهر ربيع الآخر، قدم [123] إلى القاهرة رسل القان معين الدين شاه رخ بن تيمور لنك، ملك الشرق، وقد زينت القاهرة لقدومهم، وخرج المقام الناصرى محمد بن السلطان إلى لقائهم، واجتمع الناس لرؤيتهم، فكان لدخولهم «4» يوم مشهود «5» لم يعهد بمثله، لقدوم رسل فى الدول المتقدمة؛ وأنزلوا بدار أعدت لهم، إلى يوم الاثنين ثامن عشرينه، فتوجهوا «6» من الدار المذكورة «7» إلى القلعة، بعد أن شقوا القاهرة، وهى مزينة بأحسن زينة، والشموع «8» وغيرها تشعل، وقد اجتمع عالم عظيم لرؤيتهم، وأوقفت العساكر من تحت القلعة إلى باب القصر، فى وقت الخدمة من باكر النهار المذكور. فلما مثل الرسل بين يدى السلطان، قرئ كتاب شاه رخ، فكان يتضمن السلام والتهنئة بجلوس السلطان على تخت الملك، ثم قدمت هديته وهى: مائة فص فيروز «9» ، وإحدى وثمانون قطعة من حرير، وعدة

ثياب وفرو ومسك وثلاثون بختيّا «1» من الجمال وغير ذلك، مما يبلغ «2» قيمته خمسة آلاف دينار. وأعيد الرسل إلى منازلهم، وأجرى عليهم الرواتب الهائلة فى كل يوم، ثم قلعت الزينة فى يوم الثلاثاء سلخه، وكان الناس تفننوا فى زينة القاهرة، ونصبوا بها القلاع، وفى ظنهم أنها تتمادى أياما، فانقضى أمرها بسرعة. ثم فى يوم الجمعة عاشر جمادى الأولى «3» ، ورد الخبر على السلطان بنصرة الغزاة المجردين إلى قتال الفرنج. ثم فى يوم الاثنين عشرين جمادى الأولى، خلع السلطان على القاضى بدر الدين أبى المحاسن محمد بن ناصر الدين محمد بن الشيخ شرف الدين عبد المنعم البغدادى، أحد نواب الحكم الحنابلة، باستقراره قاضى قضاة الحنابلة بالديار المصرية، بعد موت شيخ الإسلام محب الدين أحمد بن نصر الله البغدادى. ثم فى يوم الثلاثاء حادى عشرين جمادى الأولى المذكور، قدم الغزاة، وكان من خبرهم: أنهم انحدروا فى النيل إلى دمياط، ثم ركبوا منه البحر، وساروا إلى جزيرة قبرس، فقام لهم متملكها، «4» بالإقامات، وساروا إلى العلايا، فأمدّهم صاحبها بغرابين، فيهما المقاتلة، ومضوا إلى رودس، وقد استعد «5» أهلها لقتالهم، فكانت بينهم محاربة طول يومهم، لم ينتصف المسلمون فيها، وقتل منهم اثنا «6» عشر من المماليك، وجرح كثير، وقتل من الفرنج أيضا جماعة كثيرة، فلما خلص المسلمون من قتالهم بعد جهد، مروا بقرية من قرى رودس فقتلوا وأسروا ونهبوا ما فيها، وعادوا إلى دمياط وأعلموا السلطان بأنه لم يكن لهم طاقة بأهل رودس.

ثم فى يوم الثلاثاء ثامن عشرين جمادى الأولى المذكور، خلع على خواجا كلال رسول شاه رخ خلعة السفر، وقد اعتنى بها عناية لم يتقدم بمثلها لرسول فى زماننا هذا، وهى حرير مخمّل بوجهين: أحمر وأخضر، وطرز زركش، فيه خمسمائة مثقال من ذهب، وأركب فرسا بسرج ذهب، وكنبوش زركش، فى كل منهما خمسمائة دينار، وجهزت صحبته هدية ما بين ثياب حرير سكندرى، وسرج وكنبوش ذهب، وسيوف مسقّطة بذهب، وغير ذلك مما تبلغ قيمته سبعة آلاف دينار؛ هذا بعد أن بلغت النفقة من السلطان على الرسول المذكور ورفقته، نحو خمسة عشر ألف دينار، سوى الهدية المذكورة. ثم فى يوم السبت ثانى جمادى الآخرة، وقع بين القاضى حميد الدين الحنفى، وبين شهاب الدين أحمد بن إسماعيل بن عثمان الكورانى الشافعى، مخاصمة، وآل أمرهما إلى الوقوف بين يدى السلطان، فغضب السلطان لحميد الدين وضرب الشهاب الكورانى وأهانه، ورسم بنفيه إلى دمشق، ثم إلى البلاد المشرقيّة، فخرج على أقبح وجه. وكان هذا الكورانى قدم القاهرة قبيل سنة أربعين وثمانمائة، فى فاقة عظيمة من الفقر والإفلاس، واتصل بباب المقرّ الكمالى ابن البارزى فوالاه بالإحسان على عادة ترفقه بأهل العلم، ونوّه بذكره، حتى عرفه الناس، وتردد إلى الأكابر، وصار له وظائف ومرتبات، فلم يحفظ لسانه لطيش كان فيه، حتى وقع له ما حكيناه. ثم فى يوم الخميس رابع عشر جمادى الآخرة، قدم الأمير جلبان نائب الشأم، إلى القاهرة، ونزل السلطان إلى لقائه [124] بمطعم الطّير «1» خارج القاهرة، وهو أول ركبة ركبها، بعد سلطنته بالموكب، وخلع السلطان على جلبان المذكور خلعة الاستمرار، وعاد السلطان إلى القلعة وهو فى خدمته. ثم فى يوم الاثنين [عاشر] «2» شهر رجب، أنعم السلطان بإقطاع الأمير ألطنبغا

المرقبى المؤيدى، وتقدمته على الأمير طوخ من تمراز الناصرى الرأس نوبة الثانى، بعد موته؛ وأنعم بإقطاع طوخ وهو إمرة أربعين، على قانى باى الجاركسى شادّ الشراب خاناة. ثم «1» فى يوم الاثنين أول شعبان، أضيف نظر دار الضرب، للمقر الجمالى ناظر الخواص الشريف، كما كانت العادة القديمة، وذلك بعد موت جوهر القنقبائى الزّمام والخازندار. ثم فى يوم السبت سادسه، خلع السلطان على الطّواشى هلال الرومى الظاهرى برقوق، شادّ الحوش السلطانى، باستقراره زماما، عوضا عن جوهر المقدم ذكره، على مال كثير بذله فى ذلك. ثم فى يوم الأحد سابعه خلع على الزينى عبد الرحمن بن علم الدين داؤد بن الكويز، باستقراره أستادار الذخيرة، وخلع على الطواشى الحبشى جوهر التّمرازى الجمدار، باستقراره خازندارا، كلاهما عوضا عن جوهر المذكور. ثم فى يوم السبت عشرين شعبان، ركب السلطان من قلعة الجبل بغير قماش الموكب، لكن بجميع أمرائه وخاصّكيته ونزل فى أبهة عظيمة، وسار إلى خليج الزّعفران خارج القاهرة، ونزل هناك بمخيّمه، ومدت له أسمطة جليلة وأنواع كثيرة من الحلوى، والفواكه، ثم ركب بعد صلاة الظهر، وعاد إلى القلعة؛ بعد أن دخل من باب النصر، وشق القاهرة، وابتهج الناس به كثيرا. وهذه أول مرة شق فيها القاهرة بعد سلطنته، وكان هذا الموكب جميعه بغير قماش الموكب؛ ولم يكن ذلك فى «2» سالف الأعصار، وأول من فعل ذلك وترخّص فى النزول من القلعة بغير كلفتاه ولا قماش، الملك الناصر فرج، ثم اقتدى به [الملك] «3» المؤيد شيخ، ثم من جاء بعدهما.

وفى هذا الشهر، تكلم زين الدين يحيى الأشقر ناظر الديوان المفرد، مع الأمير قيزطوغان العلائى الأستادار، بأنه يكلم السلطان فى إخراج جميع الرّزق الإحباسية والجيشية التى بالجيزة «1» وضواحى القاهرة، وحسّن له ذلك، حتى تكلم قيزطوغان المذكور فى ذلك مع السلطان وألح عليه، ومال السلطان لإخراج جميع الرّزق المذكورة، إلى أن كلمه فى ذلك جماعة من الأعيان ورجّعوه عن هذه الفعلة القبيحة، فاستقر الحال على أنه يجبى من الرزق المذكورة، فى كل سنة عن كل فدان، مائة درهم من الفلوس، فجبيت، واستمرت إلى يومنا هذا فى صحيفة زين الدين المذكور، لأنه «2» [هو] «3» الدالّ عليها، والدال على الخير كفاعله وكذلك الشّر. ثم فى يوم الثلاثاء أول شهر رمضان، ورد الخبر على السلطان بالقبض على الأمير قنصوه النّوروزى، وكان له من يوم وقعة الجكمى فى اختفاء، فرسم بسجنه بقلعة دمشق، وقانصوه هذا من أعيان الأمراء المشهورين بالشجاعة وحسن الرمى بالنّشّاب، غير أنه من كبار المخاميل الفلاسة المديونين. ثم فى يوم السبت ثانى عشر [شهر] «4» رمضان، خلع السلطان على القاضى معين الدين عبد اللطيف ابن القاضى شرف الدين أبى بكر، سبط العجمى، باستقراره فى نيابة «5» كتابة السر بعد وفاة أبيه. ثم فى يوم الاثنين تاسع عشر شوال، برز أمير حاجّ المحمل الأمير تمرباى رأس نوبة النوب، بالمحمل، وأمير الركب الأول سودون الإينالى المؤيدى، المعروف بقراقاس، أمير عشرة. وحج فى هذه السنة ثلاثة من أمراء الألوف: تمرباى المقدم ذكره، والأمير تمراز القرمشى أمير سلاح، والأمير ظوخ من تمراز الناصرى،

وسبعة أمراء أخر، ما بين عشرات وطبلخانات. وتوجه تمراز أمير سلاح بالجميع ركبا وحده قبل الركب الأول، كما سافر فى السنة الماضية الأمير جرباش الكريمى قاشق أمير مجلس، وصحبته ابنته زوجة السلطان الملك الظاهر. ثم فى يوم السبت سابع ذى القعدة، قدم إلى القاهرة الأمير قانى باى الحمزاوى نائب حلب باستدعاء [125] ، فركب السلطان إلى ملاقاته بمطعم الطير، وخلع عليه باستمراره على كفالته. وفى أواخر «1» هذا الشهر، طرد السلطان أيتمش الخضرىّ الظاهرى، أحد الأمراء البطّالة من مجلسه، ومنعه من الاجتماع به، وهذه ثانى مرة أهانه السلطان وطرده؛ وأما ما وقع لأيتمش المذكور قبل ذلك فى دولة الأشرف برسباى من البهدلة والنفى، فكثير، وهو مع ذلك لا ينقطع عن الترداد للأمراء وأرباب الدولة بوجه أقوى من الحجر. وفى هذه السنة، أعنى «2» سنة أربع وأربعين وثمانمائة، جدّد بالقاهرة وظواهرها عدة جوامع، منها جامع الصالح طلائع بن رزيك «3» خارج باب زويلة، قام بتجديده

رجل من الباعة يقال له عبد الوهاب العينى، ومنها مشهد السيدة رقية، قريبا من المشهد النّفيسى، جدده الشريف بدر الدين حسين بن أبى بكر الحسينى، نقيب الأشراف، وجدد أيضا جامع الفاكهيين «1» بالقاهرة، وجامع الفخر بخط سويقة الموفق بالقرب من بولاق، وجدد أيضا جامع الصارم أيضا، بالقرب من بولاق، وأنشأ أيضا جوهر المنجكى نائب مقدم المماليك، جامعا بالرّميلة، تجاه مصلاة المؤمنى «2» ، وعمارته بالفقيرى بحسب الحال، وأنشأ تغرى بردى المؤذى البكلمشى الدّوادار، جامعا بخط الصّليبة على الشارع الأعظم. قلت: الناس على دين مليكهم، وهو أنه لما كانت الملوك السالفة تهوى النزه والطرب، عمرت فى أيامهم بولاق وبركة الرّطلى «3» وغيرهما من الأماكن، وقدم إلى القاهرة كل أستاذ صاحب آلة من المطربين وأمثالهم من المغانى والملاهى، إلى أن تسلطن [الملك] «4» الظاهر جقمق، وسار فى سلطنته على قدم هائل من العبادة والعفة عن المنكرات والفروج، وأخذ فى مقت من يتعاطى المسكرات، من أمرائه وأرباب دولته، فعند ذلك تاب أكثرهم، وتصولح وتزهّد «5» ، وصار كل أحد منهم يتقرب إلى خاطره بنوع من أنواع المعروف، فمنهم من صار يكثر من الحج، ومنهم من تاب وأقلع عما كان فيه، ومنهم من بنى المساجد والجوامع، ولم يبق فى دولته ممن استمر على ما كان

ما وقع من الحوادث سنة 845

عليه، إلا جماعة يسيرة؛ ومع هذا كان أحدهم إذا فعل شيئا من ذلك، فعله سرّا مع تخوف ورعب زائد، يرجفه فى تلك الحالة صفير الصافر وخفق الرياح، فلله دره من ملك، فى عفته وعبادته وكرمه. [ما وقع من الحوادث سنة 845] ثم فى يوم السبت ثالث «1» شهر ربيع الأول من سنة خمس وأربعين وثمانمائة، خلع السلطان على يار «2» على بن نصر الله الخراسانى العجمى الطويل باستقراره فى حسبة القاهرة، مضافا لما بيده من حسبة مصر القديمة «3» عوضا عن قاضى القضاة بدر الدين محمود العينى الحنفى بحكم عزله. ثم فى يوم الخميس ثامن «4» [شهر] «5» ربيع الأول المذكور، كانت مبايعة الخليفة أمير المؤمنين سليمان بن الخليفة المتوكل على الله أبى عبد الله محمد بالخلافة، بعد وفاة أخيه المعتضد داؤد، بعهد منه إليه، ولقب بالمستكفى بالله أبى الربيع سليمان. ثم فى يوم الاثنين سادس عشر جمادى الأولى، خلع السلطان على الشريف علىّ ابن حسن بن عجلان، باستقراره فى إمرة مكة، عوضا عن أخيه بركات بن حسن بحكم عزله، لعدم حضوره إلى الديار المصرية؛ وعين السلطان مع الشريف علىّ المذكور خمسين مملوكا من المماليك السلطانية، وعليهم الأمير يشبك الصوفى المؤيدى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، لمساعدة علىّ المذكور على قتال أخيه الشريف بركات؛ وسافر الشريف علىّ من القاهرة فى يوم الخميس رابع عشرين جمادى الآخرة. ثم فى يوم الاثنين سادس شهر رجب، قدم إلى القاهرة الأمير برسباى [الناصرى

فرج] «1» نائب طرابلس، ونزل السلطان إلى مطعم الطيور خارج القاهرة، وتلقاه وخلع عليه على العادة. ثم فى يوم الثلاثاء سابع [شهر] «2» رجب، أمسك السلطان الأمير قيز طوغان العلائى الأستادار [الكبير] «3» ، وقبض معه على زين الدين يحيى ناظر ديوان المفرد، وسلمهما للأمير دولات باى المحمودى المؤيدى الدوادار الثانى. ثم خلع السلطان فى يوم الخميس سادس عشره، على الزينى عبد الرحمن ابن [القاضى علم الدين] «4» الكويز، باستقراره أستادارا، عوضا عن قيز طوغان، وخلع على زين الدين المذكور باستقراره على وظيفة نظر المفرد على عادته [126] ، وأنعم السلطان على الأمير قيزطوغان بإمرة مائة وتقدمة ألف بحلب، وخرج فى يوم السبت خامس عشرينه. ثم فى يوم الاثنين سابع عشرينه، خلع السلطان على الشهابى أحمد بن [أمير] «5» على بن إينال اليوسفى، أحد أمراء العشرات، باستقراره فى نيابة الإسكندرية، بعد عزل الأمير أسنبغا الناصرى الطّيّارى عنها، وقدومه إلى القاهرة على عادته، أمير مائة ومقدم ألف. ثم فى يوم السبت أول شهر رمضان، قدم الشيخ شمس الدين محمد الخافى «6» الحنفى، من مدينة «7» سمرقند، قاصدا الحج، وهو أحد أعيان فقهاء القان شاه رخ بن تيمور، وولده ألوغ بك صاحب سمرقند، واجتمع بالسلطان، فأكرمه وأنعم عليه بأشياء كثيرة. ثم فى يوم الخميس ثامن عشر شوال، برز أمير حاجّ المحمل تغرى برمش السيفى

ما وقع من الحوادث سنة 846

يشبك بن أزدمر الزّردكاش، بالمحمل إلى بركة الحاج [دفعة واحدة، وكانت العادة أن أمير حاجّ المحمل يبرز من القاهرة إلى الرّيدانية ثم يتوجه فى ثانيه إلى بركة الحاج] «1» ؛ وأمير حاج الركب الأول، الأمير يونس السيفى آقباى، أحد أمراء العشرات المعروف بالبواب. ثم فى يوم الثلاثاء ثالث عشرين شوال، أمسك السلطان الأمير جانبك المحمودى المؤيدى؛ أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، وحبسه بالبرج من قلعة الجبل، وكان السلطان قصد مسكه قبل ذلك، فخشى عاقبة خجداشيّته، فلما زاد جانبك المذكور عن الحد فى التكلم فى الدولة ومداخلة «2» السلطان فى جميع أموره، بعدم دربة وقلة لباقة «3» ، مع حدة وطيش وخفة وسوء خلق، أمسكه فى هذا اليوم، وقصد بذلك حركة تظهر من خجداشيّته المؤيدية، فلم يتحرك ساكن، بل خاف أكثرهم، وحسن حاله مع السلطان، وانكفّ أكثرهم عن مداخلة السلطان؛ وأنعم السلطان بإمرته على خجداشه خير بك الأشقر المؤيدى أحد الدوادارية الصغار؛ ولم يكن خير بك المذكور ممن ترشح للإمرة؛ ومن يومئذ عظم أمر السلطان فى ملكه؛ وهابته الناس وانقطع عن مداخلته جماعة كبيرة، ثم حمل جانبك المذكور إلى سجن الإسكندرية فسجن به. [ما وقع من الحوادث سنة 846] هذا والسلطان فى اهتمام تجريدة لغزو رودس، وعين عدة كبيرة من المماليك السلطانية والأمراء، ومقدم الجميع اثنان من مقدمى الألوف: الأمير إينال العلائى الناصرى، المعزول عن نيابة صفد، والأمير تمرباى رأس نوبة النوب. وسافروا الجميع من ساحل بولاق، فى محرم سنة ست وأربعين، ومعهم عدة كبيرة من المطوّعة، بأبهج زى، من العدد والسلاح، وكان لسفرهم بساحل بولاق يوم

مشهود «1» ، إلا أنهم عادوا فى أثناء السنة، ولم ينالوا من رودس غرضا «2» ، بعد أن أخربوا قشتيل» حسبما يأتى ذكره فى الغزوة الثالثة الكبرى. وبعد سفرهم وقع حادثة شنعة، وهى أنه لما كان يوم الاثنين سادس عشر صفر، وثب جماعة كبيرة من مماليك السلطان الأجلاب، من مشترواته الذين بالأطباق من القلعة، وطلعوا إلى أسطحة «4» أطباقهم، ومنعوا الأمراء وغيرهم من الأعيان من طلوع الخدمة، وأفحشوا فى ذلك إلى أن خرجوا «5» عن الحد، ونزلوا إلى الرحبة عند باب النحاس، وكسروا باب الزّردخاناة السلطانية، وضربوا جماعة من أهل الزردخاناة، وأخذوا منها سلاحا كثيرا، ووقع منهم أمور قبيحة فى حق أستاذهم الملك الظاهر، ولهجوا بخلعه من الملك، وهمّ السلطان لقتالهم، ثم فتر عزمه عن ذلك شفقة عليهم، لا خوفا منهم، ثم سكنت الفتنة بعد أمور وقعت بين السلطان وبينهم. ثم فى يوم الخميس عاشر [شهر] «6» ربيع الأول، قدم الأمير مازى الظاهرى برقوق نائب الكرك، وطلع إلى القلعة، وخلع عليه باستمراره. ثم فى يوم الاثنين حادى عشرين [شهر] «7» ربيع الأول المذكور، خلع السلطان على مملوكه قراجا الظاهرى الخازندار، باستقراره خازندارا كبيرا، عوضا عن الأمير قانبك الأبوبكريّ الأشرفى الساقى، بحكم مرضه بداء الأسد «8» ، نسأل الله [العفو] «9» والعافية.

وفيه أيضا استقر ابن الحاضرى قاضى قضاة الحنفية بحلب بعد عزل محب الدين محمد بن الشّحنة، لسوء سيرته. ثم فى يوم الأحد ثانى عشر [شهر] «1» ربيع الآخر، قدم الأمير سودون المحمدى من مكة المشرفة، إلى القاهرة، وهو مجرّح فى مواضع من بدنه، من قتال كان بين الشريف علىّ صاحب مكة، وبين أخيه [127] بركات، انتصر فيه الشريف علىّ، وانهزم بركات إلى البر. ثم فى يوم الأحد سادس عشرين [شهر] «2» ربيع الآخر [المذكور] «3» ، أمسك السلطان الزينى عبد الرحمن بن الكويز، وعزله عن الأستادارية، ثم أصبح من الغد خلع على زين الدين يحيى ناظر الديوان المفرد باستقراره أستادارا، عوضا عن ابن الكويز المذكور. وكان من خبر زين الدين هذا، أنه كان كثيرا ما يلى الوظائف بالبذل ثم يعزل عنها بسرعة، وقد تجمد عليه جمل من الديون؛ وكان خصمه فى وظيفة نظر الديوان المفرد عبد العظيم بن صدقة الأسلمى، وغريمه فى نظر الإسطبل شمس الدين الوزّة، ولا زال زين الدين المذكور فى بحبوحة من الفقر والذل والإفلاس، إلى أن ولى الأمير قيزطوغان الأستادارية، فاختار زين الدين هذا لنظر الديوان المفرد، وضرب عبد العظيم وأهانه، كونه كان من جملة أصحاب محمد بن أبى الفرج. وركن إلى زين الذين هذا، وصار المعول عليه بديوان المفرد؛ فاستفحل أمره، وقضى ديونه، فحدثته نفسه بالأستادارية، لمصداق المثل السائر: «لا تموت النفس الخبيثة حتى تسىء «4» لمن أحسن إليها» ، فأخذ زين الدين يدبر على الأمير طوغان فى الباطن، ويملى له المفسود، بأن يحسّن له الإقالة من الوظيفة، حتى يعظم أمره، من سؤال السلطان

له باستقراره فى الوظيفة، ويظهر له بذلك النصح، إلى أن انفعل له طوغان وسأل الإقالة، فأقاله السلطان، وخلع على الزينى عبد الرحمن بن الكويز بالأستادارية. واستمر زين الدين على وظيفة نظر ديوان المفرد، وقد تفتحت له أبواب أخذ الأستادارية، لسهولة ابن الكويز وخروج قيز طوغان من مصر، فإنه كان لا يحسن به المرافعة فى طوغان ولا السعى عليه بوجه من الوجوه، فسلك فى ذلك ما هو أقرب لبلوغ قصده، بعزل طوغان وولاية ابن الكويز، حتى تم له ذلك، ولبس الأستادّاريّة ونعت بالأمير، لكنه لم يتزيّا بزىّ الجند، بل استمر على لبسه أولا: العمامة والفرجية، فصار فى الوظيفة غير لائق، كونه أستادارا وهو بزى الكتبة، وأميرا ولا يعرف باللغة التركية، ورئيسا وليس فيه شيم الرئاسة؛ وكانت ولايته وسعادته غلطة من غلطات الدهر، وذلك لفقد الأمائل. [الكامل] : خلت الرّقاع من الرّخاخ ... ففرزنت فيها البياذق «1» وتصاهلت عرج الحمير ... فقلت: من عدم السّوابق وفيه خلع السلطان على الأمير أقبردى المظفرى الظاهرى [برقوق] «2» ، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، وندبه «3» للتوجه إلى مكة المشرفة، وصحبته من المماليك

السلطانية خمسون مملوكا، ليستعين بهم الشريف علىّ صاحب مكة على من خالفه، وسافر بعد أيام رجبيّة. ثم فى يوم الخميس أول جمادى الأولى، أمسك السلطان الصفوى جوهرا التّمرازى الخازندار، ورسم عليه عند تغرى برمش الجلالى المؤيدى الفقيه نائب قلعة الجبل، وطالبه السلطان بمال كبير. وخلع السلطان على الطّواشى فيروز الرومى النّوروزى رأس نوبة الجمدارية، باستقراره خازندارا، عوضا عن جوهر المذكور، وتأسّف الناس كثيرا على عزل جوهر التّمرازى، فإنه كان سار فى الوظيفة أحسن سيرة، وترقّب الناس بولاية فيروز هذا أمورا كثيرة. ثم فى يوم الاثنين سادس عشرينه، استقر فيروز النّوروزى المذكور زماما، مضافا للخازندارية بعد عزل هلال الطّواشى عنها «1» . ثم فى يوم الخميس ثالث عشر جمادى الآخرة، خلع السلطان على الأمير إينال العلائى الناصرى باستقراره دوادارا كبيرا، بعد موت الأمير تغرى بردى المؤذى البكلمشى، وأنعم بتقدمة تغرى بردى المذكور، على الأمير قانى باى الجركسى، واستمر على وظيفة شدّ الشراب خاناه، مع تقدمة ألف؛ وأنعم بطبلخانات قانى باى، على جانبك القرمانى الظاهرىّ برقوق رأس نوبة، وأنعم بإقطاع جانبك، على أيتمش [بن عبد الله] [من أزوباى] «2» أستادار الصحبة، وهى إمرة عشرة، وأنعم بإقطاع أيتمش على سنجبغا، وكلاهما إمرة عشرة، والتفاوت فى زيادة المغل. ثم فى يوم السبت خامس شعبان رسم السلطان بنفى الأمير سودون السّودونى

الظاهرى الحاجب إلى قوص، فشفع فيه فرسم بتوجهه إلى طرابلس، ثم شفع فيه ثانيا [128] فرسم له بالإقامة بالقاهرة بطّالا. ثم فى يوم الاثنين ثالث شوال، خلع السلطان على الشريف أبى القاسم بن حسن ابن عجلان، باستقراره أمير مكة، عوضا عن أخيه علىّ، بحكم القبض عليه وعلى أخيه إبراهيم بمكة المشرفة. [ثم] «1» فى سابع عشره، برز أمير حاجّ المحمل، الأمير تنبك البردبكى، حاجب الحجّاب بالمحمل إلى بركة الحاج، وهذه سفرته الثانية، وأمير الركب الأول الأمير الطّواشى عبد اللطيف المنجكى العثمانى الرومى مقدم المماليك السلطانية. ثم فى يوم السبت تاسع عشرين شوال، خلع السلطان على قاضى القضاة بدر الدين محمود العينى الحنفى، بإعادته إلى حسبة القاهرة بعد عزل يار على وسفره إلى الحجاز. ثم فى يوم الاثنين أوّل ذى القعدة، قدم الأمير أركماس الظاهرى الدّوادار [الكبير] «2» كان، من ثغر دمياط بطلب من السلطان وطلع إلى القلعة، وخلع عليه السلطان كاملية مخمل بمقلب سمّور، ورسم له أن يقيم بالقاهرة بطّالا، وأذن له بالركوب حيث شاء. ثم فى يوم الاثنين تاسع عشرين ذى القعدة المذكور، خلع السلطان على القاضى بهاء الدين محمد بن القاضى نجم الدين عمر بن حجى ناظر جيش دمشق، باستقراره ناظر الجيوش المنصورة بالديار المصرية، مضافا لما بيده من نظر جيش دمشق، عوضا عن القاضى محب الدين بن الأشقر، بحكم عزله وغيابه فى الحج، وذلك بسفارة حميّه «3» القاضى كمال الدين بن البارزى كاتب السر الشريف.

ما وقع من الحوادث سنة 847

[ما وقع من الحوادث سنة 847] ثم فى يوم الثلاثاء ثانى عشر صفر من سنة سبع وأربعين وثمانمائة، أعيد يار على الخراسانى، إلى حسبة القاهرة، وصرف العينى عن الحسبة. ثم فى يوم الأربعاء حادى عشر شهر ربيع الأول، عمل السلطان المولد النبوى على العادة. ثم فى يوم الأربعاء ثامن جمادى الآخرة، قدم الزينى عبد الباسط بن خليل، وكان توجّه من سنة أربع وأربعين من الحجاز إلى دمشق، بشفاعة الناصرى محمد بن منجك له، ولما وصل إلى القاهرة طلع إلى القلعة وقبّل الأرض، ومعه أولاده، ثم تقدم وباس رجل السلطان، فقال له السلطان: «أهلا» بصوت خفىّ ولم يزده على ذلك، ثم ألبسه كاملية سابورى أبيض بفرو سمور، وألبس أولاده كل واحد كاملية سمور بطوق عجمى، ثم نزل إلى داره. وقدّم تقدمته فى يوم الجمعة عاشر جمادى الآخرة [المذكورة] «1» ؛ وكانت تشتمل على شىء كثير، من ذلك أربعة وأربعون حمالا «2» على الرءوس مردومة أقمشة من أنواع الفراء والصوف والمخمّل والشّقق الحرير، والسلاح وطبول بازات مذهبة، وخيول، ونحو مائتى فرس وأربعين فرسا، منها أكاديش خاصّ بسروج مذهبة، وبدلات مينة وعبىّ حرير عدة كبيرة، ومنها عشرة خيول، عليها بركستوانات ملونة، وسروج مغرّقة، ومنها ثمانية بسروج سذج، برسم الكرة، وبغال ثلاثة أقطار، وجمال بخاتى قطار واحد، فقبل السلطان ذلك كله. وبعد هذا كلّه لم يتحرك حظّ عبد الباسط عند السلطان، ولا تجمّل معه بوظيفة من الوظائف، بل أمره بالسفر بعد أيام قليلة. قلت: ليس للطمع فائدة، وأخذ ما يأخذ زمانه وزمان غيره، وما أحسن قول من قال: [المتدارك]

وترى الدهر [لعبا] «1» لمعتبر ... والناس به دول دول كرة وضعت لصوالجة ... فتلقّفها رجل رجل ثم فى يوم الاثنين عشرينه، قدم الأمير خليل بن شاهين [الشيخى] «2» نائب ملطية، وخلع عليه السلطان خلعة الاستمرار، وقدم هديته، وأقام بالقاهرة إلى يوم الاثنين رابع شهر رجب، فخلع «3» السلطان عليه باستقراره أتابك حلب، عوضا عن الأمير قيز طوغان العلائى المعزول عن الأستادّاريّة، بحكم استقرار قيزطوغان فى نيابة ملطية عوضا عن خليل المذكور. ثم فى يوم السبت ثامن عشر شوال، برز أمير حاجّ المحمل، الأمير شادبك الجكمى، أحد مقدّمى الألوف، بالمحمل [إلى بركة الحاج] «4» ، وأمير الركب الأول الأمير سونجبغا اليونسى، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة. ثم فى يوم الأربعاء ثانى عشرين شوال، أعيد [129] القاضى محب الدين بن الأشقر إلى وظيفة نظر الجيش، وصرف عنها القاضى بهاء الدين بن حجى، واستمر على وظيفته نظر جيش دمشق على عادته أولا، وكانت بيده لم تخرج عنه. ثم فى يوم الخميس سلخ شوال، قدّم ابن حجى المذكور إلى السلطان تقدمة هائلة [تشتمل] «5» على خمسة وأربعين قفصا من أقفاض الحمّالين ما بين ثياب بعلبكّى، وقسىّ وصوف، وأنواع الفرو، وغير ذلك. ثم فى يوم الاثنين رابع ذى القعدة، خلع السلطان على بهاء الدين المذكور خلعة السفر، وأضيف إليه نظر قلعة دمشق. ثم فى يوم الأحد رابع عشرينه، ركب السلطان من قلعة الجبل ونزل بخواصه إلى أن وصل إلى ساحل بولاق، ثم عاد حتى علم الناس بعافيته، لأنه كان توعك توعكا هينا، فأرجف الناس بقوة مرضه.

ما وقع من الحوادث سنة 848

ثم فى يوم الاثنين ثانى ذى الحجة، وصل الأمير جلبان نائب الشام، إلى القاهرة، ونزل السلطان إلى ملاقاته بمطعم الطيور بالرّيدانيّة خارج القاهرة، وخلع عليه خلعة الاستمرار على نيابة دمشق، وهذه قدمته الثانية فى الدولة الظاهرية، ثم قدّم جلبان المذكور تقدمته إلى السلطان من الغد فى يوم الثلاثاء، وكانت تشتمل على عدة حمّالين كثيرة، منها سمّور خمسة أبدان، ووشق بدنان «1» ، وقاقم خمسة أبدان، وسنجاب خمسون بدنا، وقرضيات خمسون قرضية، ومخمّل ملون خاصّ أربعون ثوبا، ومخمل أحمر وأخضر وأزرق حلبى، خمسون ثوبا، وصوف ملوّن مائة ثوب، وثياب بعلبكى خمسمائة ثوب، وثياب بطائن خمسمائة أيضا، وقسىّ حلقة ثلثمائة قوس، منها خمسون خاصّا، وطبول بازات مذهبة عشرة، وسيوف خمسون سيفا، وخيول مائتا رأس، منها واحد بسرج ذهب وكنبوش زركش، وبغال ثلاثة أقطار، وجمال أربعة أقطار، وعشرون ألف دينار على ما قيل «2» . [ما وقع من الحوادث سنة 848] وفى أواخر هذه السنة ظهر الطاعون بمصر، وفشا فى أول المحرم سنة ثمان وأربعين [وثمانمائة] «3» ، وقد أخذ السلطان فى تجهيز تجريدة عظيمة لغزو رودس، وأخذ الطاعون يتزايد فى كل يوم، حتى عظم فى صفر، وزاد عدة من يموت فيه على خمسمائة إنسان «4» . ثم فى يوم الثلاثاء حادى عشرين صفر، نفى السلطان كسباى الششمانى المؤيدى، أحد الدوادارية الصغار، وعدّ ذلك من الأشياء التى وضعها [الملك] » الظاهر فى محلها؛ وقد استوعبنا أمر كسباى هذا، والتعريف بأحواله فى غير هذا المحل. ثم فى شهر ربيع الأول أخذ الطاعون يتناقص من القاهرة ويتزايد بضواحيها.

ثم فى يوم السبت سادس عشر [شهر] «1» ربيع الأول [المذكور] «2» ، نفى السلطان سودون السودونى الحاجب إلى قوص، وأنعم بإقطاعه على الأمير ألطنبغا المعلّم الظّاهرى برقوق، زيادة على ما بيده. ثم فى يوم السبت المذكور، خرجت الغزاة من القاهرة، فنزلت فى المراكب من ساحل بولاق، وقصدوا الإسكندرية ودمياط، ليركبوا من هناك البحر المالح، والجميع قصدهم غزو رودس. وكانوا جمعا موفورا، ما بين أمراء وخاصّكية ومماليك سلطانية ومطوّعة، وكان مقدم الجميع فى هذه السنة أيضا الأمير إينال العلائى الدّوادار الكبير «3» ، كما كان فى السنة الخالية، وكان معه من الأمراء الطبلخانات، الأمير يلخجا من مامش الساقى الناصرى الرأس نوبة الثانى، ومن العشرات جماعة كبيرة، منهم، تغرى برمش الزّردكاش، وتغرى برمش الفقيه نائب القلعة، وهو مستمر على وظيفته؛ ورسم السلطان للأمير يونس العلائى الناصرى أحد أمراء العشرات أن يسكن بباب المدرج، إلى أن يعود تغرى برمش المذكور من الجهاد، وسودون الإينالى المؤيدى قرافاس رأس نوبة، وتمربغا الظاهرى جقمق، ونوكار الناصرى، وتمراز النّوروزى «4» رأس نوبة المعروف بتعريص «5» ، ويشبك الفقيه المؤيدى. وفيها تأمّر بعد [130] عوده بعد موت تمراز النّوروزى، من جرح أصابه وجماعة أخر من أعيان الخاصّكية، كل «6» منهم مقدّم على غراب أو زورق، ومعه عدة من المماليك السلطانية وغيرهم، وكانت المماليك السلطانية فى هذه الغزوة تزيد عدتهم على ألف مملوك، هذا خارج عمن سافر من المطوعة، وأضاف إليهم السلطان أيضا جماعة كبيرة من أمراء البلاد الشامية، كما فعل [الملك] «7» الأشرف فى غزوة قبرس المقدم

ذكرها، ورسم لهم السلطان أن يتوجه الجميع إلى طرابلس، ليضاف إليهم العسكر الشامى، ويسير الجميع عسكرا واحدا، ففعلوا ذلك، وسافر الجميع من ثغر دمياط، وثغر الإسكندرية، فى يوم الخميس حادى عشر [شهر] «1» ربيع الآخر؛ وكان لخروجهم من ساحل بولاق يوم عظيم «2» ، لم ير مثله إلا نادرا. ولما ساروا من ثغر الإسكندرية ودمياط إلى طرابلس، ثم من طرابلس إلى رودس، حتى نزلوا على برّها بالقرب من مدينتها فى الخيم، وقد استعد أهلها للقتال، فأخذوا فى حصار المدينة، ونصبوا عليها المناجيق «3» والمكاحل، وأرموا على أبراجها بالمكاحل [والمدافع] «4» ، واستمروا على قتال أهل رودس فى كل يوم. هذا ومنهم فرقة كبيرة «5» قد تفرقت فى قرى رودس وبساتينها ينهبون ويسبون، واستمروا على ذلك أياما، ومدينة رودس لا تزداد إلا قوة، لشدة مقاتليها ولعظم عمارتها، وقد تأهبوا للقتال وحصّنوا رودس، بالآلات والسلاح والمقاتلة، وصار القتال مستمرا «6» بينهم فى كل يوم، وقتل من الطائفتين خلائق كثيرة، هذا وقد استقر الأمير يلخجا الناصرى فى المراكب، ومعه جماعة كبيرة من المماليك السلطانية وغيرهم، لحفظ المراكب من طارق يطرقهم من الفرنج فى البحر، وكان فى ذلك غاية المصلحة، وصار يلخجا مقدم العساكر فى البحر، كما كان إينال مقدم العساكر فى البر، وبينما يلخجا ورفقته ذات يوم، إذ هجم عليهم الفرنج فى عدة كبيرة من المراكب، فبرز إليهم يلخجا ومن معه، وقاتلوهم قتالا عظيما، حتى نصر الله المسلمين، وانهزم الفرنج وغنم المسلمون منهم. كل ذلك وقتال رودس مستمر فى كل يوم، والعساكر فى غاية ما يكون من الاجتهاد

فى قتال رودس، غير أن رودس لا يزداد أمرها إلا قوة، لعظم استعداد أهلها للقتال. ولما كان بعض الأيام، وقع للمسلمين محنة عظيمة، قتل فيها جماعة كبيرة من أعيان الغزاة من الخاصّكية وغيرهم، وهو أنّ جماعة من المسلمين الأعيان، نزلوا فى كنيسة تجاه رودس، وبينهم وبين العسكر الإسلامى رفقتهم مخاضة من البحر المالح، وبينهم أيضا وبين مدينة رودس طريق سالكة. فاتفق أهل رودس على «1» تبييت هؤلاء المسلمين الذين بالكنيسة المذكورة، إلى أن أمكنهم ذلك، فخرجوا إليهم على حين غفلة وطرقوهم بالسيوف والسلاح. وكان المسلمون فى أمن من جهتهم، وغالبهم جالس بغير سلاح، وهم أيضا فى قلة والفرنج فى كثرة. فلما هجموا على المسلمين، ووقعت «2» العين فى العين، قام المسلمون إلى سلاحهم، فمنهم «3» من وصل إلى أخذ سلاحه، وقاتلهم حتى قتل، ومنهم من قتل دون أخذ سلاحه، ومنهم من ألقى بنفسه إلى الماء ونجا، وهم القليل. على أنه قتل من الفرنج جماعة كبيرة، قتلتهم فرسان المسلمين قبل أن يقتلوا لما عاينوا الهلاك، أثابهم الله الجنة. ولما وقعت الهجّة، قام كل واحد من المسلمين إلى نجدة هؤلاء المذكورين، فلم يصل إليهم أحد حتى فرغ القتال، إلا أن بعض أعيان الخاصّكية مع رفقته، لحق جماعة من الفرنج قبل دخولهم إلى رودس، ووضعوا فيهم السيف. وقد استوعبنا واقعتهم بأطول من هذا، فى غير هذا الكتاب. وكان عدة من قتل فى هذه الكائنة نيفا «4» على عشرين نفسا، ودام القتال بعد

ذلك فى كل يوم بين عساكر الإسلام وبين فرنج رودس أياما كثيرة، ومدينة رودس لا تزداد إلا قوة. فعند ذلك أجمع المسلمون على العود، وركبوا مراكبهم، وعادوا إلى أن وصلوا إلى ثغر الإسكندرية ودمياط، ثم قدموا إلى القاهرة. فكانت غزوة العام الماضى، أعنى غزوة قشتيل التى أخربوها وسبوا أهلها، أبهج من هذه الغزوة [131] ، فلله «1» الأمر من قبل ومن بعد. وكان وصول الغزاة المذكورين إلى القاهرة، فى يوم الخميس ثانى عشر شهر رجب من سنة ثمان وأربعين المذكورة. ثم فى يوم الاثنين ثالث شهر ربيع الآخر، خلع السلطان على الأمير سودون المحمدى أحد أمراء العشرات، باستقراره فى نيابة قلعة دمشق، بعد نقل الأمير جانبك الناصرى دوادار برسباى الحاجب منها، إلى حجوبية الحجاب بدمشق، بعد موت الأمير سودون النّوروزى. وفيه استقر الأمير قنصوه النّوروزى الخارج على السلطان، فى نوبة الجكمى، فى نيابة ملطية، بعد عزل الأمير قيزطوغان العلائى، وقدومه إلى حلب، أتابكا بها، عوضا عن الصاحب خليل بن شاهين بحكم عزله ونفيه. ثم فى يوم السبت رابع شهر رجب، وصل إلى القاهرة الأمير بردبك العجمى الجكمى، نائب حماة، وطلع إلى القلعة وقبّل الأرض، فنهره السلطان، وأمر بالقبض عليه، فأمسك وحبس بالقلعة، ثم سفّر إلى ثغر الإسكندرية فسجن بها؛ وسبب ذلك واقعة كانت بينه وبين أهل حماة، قتل فيها جماعة كبيرة من الحمويين، استوعبناها فى الحوادث «2» [من غير هذا الكتاب] «3» ، ورسم السلطان للأمير قانى باى

الأبوبكريّ البهلوان، نائب صفد بنيابة حماة، ونقل الأمير بيغوت المؤيدى الأعرج نائب حمص إلى نيابة صفد. ثم فى يوم الاثنين سادس شهر رجب المذكور، خلع السلطان على الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيدى، الذي كان ولى حسبة القاهرة، باستقراره فى نيابة الإسكندرية، بعد عزل الأمير ألطنبغا المعلم اللّفّاف الظاهرى برقوق، وقدومه إلى القاهرة على إقطاعه، وقد زاده «1» السلطان عدّة زيادات. ثم فى يوم الخميس خامس عشر شعبان، قدم إلى القاهرة قاصد القان معين الدين شاه رخ بن تيمور لنك وفى خدمته نحو المائة نفر، وأتباع كثيرة «2» ، وكان معه أيضا امرأة عجوز من نساء تيمور لنك، قدمت برسم الحج إلى بيت الله الحرام؛ أقامت بدمشق لتتوجه فى الموسم صحبة الركب الشامى، ومع القاصد المذكور كسوة الكعبة التى أرسلها شاه رخ، وكان القاصد الذي قدم فى العام الماضى، استأذن السلطان فى ذلك، واعتذر أن شاه رخ نذر أنه يكسو الكعبة، كما كان ذكر «3» ذلك للملك «4» الأشرف برسباى؛ وكان ذلك سببا لضرب الأشرف لقصّاده والإخراق بهم. فلما استأذن القاصد الملك الظاهر جقمق، أذن له وعاد القاصد بالجواب إلى شاه رخ، فأرسلها فى هذه السنة، صحبة هذا القاصد المذكور، واعتذر الملك الظاهر بقوله: «إن هذه قربة، ويجوز أن يكسو الكعبة كائن من كان» ؛ وعظم ذلك على أمراء الدولة والمصريين إلى الغاية، ونزل القاصد المذكور فى بيت جمال الدين الأستادّار بين القصرين.

فلما كان يوم الاثنين حادى عشر شهر رمضان، طلع قاصد شاه رخ المذكور ورفقته إلى القلعة، وكان السلطان قد احتفل إلى طلوعهم، ونادى أن أحدا من أجناد الحلقة والمماليك السلطانية، لا يتأخر عن طلوع القلعة فى هذا اليوم، وعمل السلطان الخدمة بالحوش من القلعة، ولم تكن العادة بعمل الخدمة إلا فى إيوان القلعة، فأبطل السلطان ذلك وعملها فى الحوش، وطلعوا القصّاد ومعهم التقدمة والكسوة، فأمر السلطان بإدخال ما معهم إلى البحرة لئلا يفطن أحد بالكسوة المذكورة «1» ، وترحّب السلطان بالقصّاد وأكرمهم وقرئ ما على يدهم من المكاتبة، وعادوا إلى جهة منزلهم، إلى أن وصلوا إلى بيت جمال الدين حيث سكنهم، وقد أطلقت الألسن فى حقهم بالوقيعة من العوام «2» والرجم المتتابع إلى البيت المذكور. وحال دخولهم إلى البيت، نزل خلفهم فى الوقت من المماليك السلطانية الذين «3» بأطباق القلعة، مقدار ثلاثمائة مملوك، وانضاف «4» إليهم جماعة كبيرة من المماليك البطّالين والعوام، وكبسوا على القصّاد المذكورين، ونهبوا جميع ما كان لهم، وكان شيئا كثيرا إلى الغاية، وأفحشوا فى النهب حتى أخذوا خيولهم، وكان قيمة ما نهب لهم من الفصوص الفيروزج الكرمانى والشقق الحرير والمخمّل والمسك وأنواع الفرو وغير ذلك نيّف «5» على عشرين ألف [132] دينار وأكثر، ولولا أن الأمير يلخجا الرأس نوبة الثانى، كان سكنه بالقرب منهم، فركب فى الحال بمماليكه ونجدهم، ومنع الناس من نهبهم، ثم وصل إليهم الأمير إينال العلائى الدوادار الكبير، ثم الأمير تنبك حاجب الحجاب، وأمسكوا جماعة من العامة، وأخذوا ما كان معهم مما نهبوه، وإلا كان الأمر أعظم من ذلك. ولما بلغ السلطان الخبر، غضب غضبا شديدا، وأمسك جماعة من العامة، وضربهم

بالمقارع، وأبدع فيهم، وقطع أرزاق بعض المماليك السلطانية من الخدامة وأولاد الناس، ثم أعطى السلطان القصّاد شيئا كثيرا، وطيّب خواطرهم- انتهى. ثم فى أواخر شهر رمضان المذكور، نفى السلطان الأمير أقطوه الموساوى الظاهرى [برقوق] «1» ، أحد أمراء الطبلخاناة إلى طرسوس، ثم شفع فيه فتوجّه إلى دمشق بطالا. ثم [فى شوال] «2» ورد الخبر على السلطان بنصرة مراد بك بن عثمان متملّك بلاد الروم على بنى الأصفر «3» . وفى هذه السنة، أبطل السلطان الرمّاحة الذين يلعبون بالرمح يوم دوران المحمل فى شهر رجب. ثم فى يوم الاثنين، استقر محبّ الدين محمد بن الشّحنة الحنفى «4» قاضى قضاة حلب وكاتب سرها، وناظر الجيش بها، بسفارة الصاحب جمال الدين يوسف ناظر الخاص [الشريف] «5» .

ما وقع من الحوادث سنة 849

ثم فى يوم الخميس خامس عشرين ذى القعدة، قدم الزينى عبد الباسط من دمشق إلى القاهرة، وهذه قدمته الثانية من يوم عزل وصودر، وطلع إلى السلطان فى يوم السبت سابع عشرينه، [و] «1» خلع عليه كاملية بفرو سمّور، ثم قدم هديته إلى السلطان فى يوم الاثنين تاسع عشرينه، وكانت تشتمل على شىء كثير مع مبلغ «2» كبير من الذهب. [ما وقع من الحوادث سنة 849] ثم فى يوم الخميس سادس عشر ذى الحجة خرجت تجريدة إلى البحيرة، ومقدم العسكر الأمير قراخجا الحسنى، الأمير آخور الكبير ومعه ستة من الأمراء. ثم فى يوم الخميس رابع عشر محرم سنة تسع وأربعين وثمانمائة استقر الشيخ شمس الدين محمد القاياتى قاضى قضاة الشافعية بالديار المصرية، وصرف الحافظ شهاب الدين أحمد «3» بن حجر، ونزل «4» القاياتى بغير خلعة تورعا، وعليه طيلسانه، وبين يديه أعيان الدولة، ولما نزل إلى الصالحية «5» لم يسمع الدعوى التى يدعيها بعض الرسل، وقال هذه حيلة، ثم قام وتوجّه إلى داره، وفى ظن كل أحد أنه سيسير فى القضاء على قاعدة السلف، لما عهدوا من تقشفه وتعففه، فوقع بخلاف ما كان فى الظن «6» ، ومال إلى المنصب، وراعى «7» الأكابر، وأكثر من النواب، وظهر منه الميل الكلى إلى الوظيفة، حتى [لعله] «8» لو عزل منها لمات أسفا عليها.

ثم فى يوم الاثنين ثامن عشر المحرم المذكور خلع السلطان على الأمير يلخجا من مامش الساقى الناصرى الرأس نوبة الثانى، باستقراره فى نيابة غزة، بعد موت الأمير طوخ الأبوبكريّ المؤيّدى قتيلا بيد العشير. ثم فى يوم الاثنين العشرين من شهر ربيع الآخر، خلع السلطان على الأمير شادبك الجكمى، أحد مقدمى الألوف، باستقراره فى نيابة حماة، عوضا عن قانى باى البهلوان بحكم انتقاله إلى نيابة حلب، بحكم عزل قانى باى الحمزاوى عنها، وقدومه إلى مصر، على إقطاع شاد بك المذكور. ثم فى يوم الخميس خامس عشر جماد الأول من سنة تسع وأربعين المذكورة، رسم السلطان بنفى الأمير على باى العجمى المؤيدى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، إلى صفد ثم حوّل إلى دمشق بطالا، وأنعم بإمرته على الأمير جانبك اليشبكى الساقى والى القاهرة، وأنعم بإقطاع جانبك المذكور على جماعة من الخاصكية الأشرفية، ممن كان نفى فى أول الدولة بدمشق وغيرها. ثم فى يوم الاثنين رابع عشرين جماد الآخر؛ وصل الأمير قانى باى الحمزاوى نائب حلب، إلى القاهرة، وقبّل الأرض، واستقر من جملة مقدمى الألوف بها، وكان الكلام قد كثر فى أمره، وأشيع بعصيانه. وفى هذا الشهر ندب السلطان مملوكه جانبك الظاهرى، الخاصّكى، إلى التكلم على بندر جدّة، وهذه أول سفرة سافرها جانبك المذكور، ومبدأ أمره فى التكلم على بند جدّة إلى يومنا هذا. وكان من خبر استمراره على التكلم فى البندر المذكور، أن السلطان كان فى كل سنة يندب للتكلم على البندر أحدا من الأمراء أو أعيان الخاصّكية، فيتوجه المذكور ثم يعود إلى القاهرة، وقد تغير خاطر السلطان عليه لأمور شتى «1» ، فيعزله السلطان على أقبح وجه، ومنهم من يصادره ويأخذ «2» منه الأموال

الكثيرة، ومنهم من ينفى، ومنهم من يرسم عليه ويبهدل، وقلّ من يسلم «1» [133] من ذلك. وقد وقع ذلك لجماعة كثيرة من الدولة الأشرفية [برسباى] «2» إلى يوم تاريخه. فلما ولى جانبك هذا، باشر البندر المذكور بمعرفة وحذق مع المهابة ووفور العقل «3» والحرمة ونفوذ الكلمة، ونهض بما لم ينهض به غيره ممن تقدمه. وأنا أقول: ولا ممن تأخر عنه إلى يوم القيامة، على ما سيأتى بيان ذلك فى مواطن كثيرة من هذه الترجمة وغيرها؛ وقد استوعبنا حاله فى تاريخنا «المنهل الصافى» بأوسع من «4» هذا، وأيضا ذكرنا أموره مفصّلا، فى تاريخنا «الحوادث» عند ذهابه إلى جدة وإيابه، وما يقع له بها فى الغالب- انتهى. ثم فى يوم الخميس ثالث شعبان، خلع السلطان على الأمير إينال العلائى الدّوادار الكبير، باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية، بعد موت الأمير الكبير يشبك السودونى المشدّ؛ قلت: وفى تولية إينال هذا للأتابكية فى يوم ثالث الشهر، رد على من يتشاءم بالحركة فى يوم ثالث الشهر، فإنه نقل من هذه الوظيفة إلى السلطنة، فأى شؤم وقع له فى ولايته؟ - انتهى. ثم خلع السلطان على الأمير قانى باى الجاركسى شادّ الشّراب خاناه باستقراره دوادارا كبيرا، عوضا عن إينال المذكور، وأنعم بإقطاع الأمير إينال المذكور على الشهابى أحمد بن على بن إينال اليوسفى، وصار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية. وخلع السلطان على الأمير يونس السيفى آقباى، باستقراره شادّ الشراب خاناة، عوضا عن قانى باى الجاركسى، واستمر على إقطاعه إمرة عشرة، ووقع بسبب تولية الأمير إينال المذكور للأتابكية، كلام كثير فى الباطن، لكون السلطان قدّمه على الأمير

تمراز القرمشى أمير سلاح، وجرباش الكريمى أمير مجلس، وقراخجا الحسنى الأمير آخور الكبير؛ وهؤلاء الثلاثة من أكابر المماليك البرقوقية، ووظائفهم أيضا تقتضى الانتقال منها إلى الأتابكية، بخلاف وظيفة الدوادارية. وبلغ السلطان ذلك، أو فطن به، فلما كان يوم السبت خامسه، نزل من قلعة الجبل إلى خليج الزعفران، وصحبته جميع الأمراء إلى مخيم ضرب له به، وجلس فيه وأكل السماط، ودام هناك إلى قريب الظهر، ثم ركب وعاد إلى القلعة. وكان قصد [الملك] «1» الظاهر بالنزول إلى خليج الزعفران فى هذا اليوم، استخفافا بالقوم، لأنهم أشاعوا أن جماعة تريد الركوب، فكأنه قال لهم بلسان حاله: «ها قد نزلت من القلعة بخليج الزعفران، من كان له غرض فى شىء فليفعله» ، فلم يتحرك ساكن وانقمع كل أحد، فكانت هذه الفعلة من أحسن أفعاله وأعظمها. ثم فى يوم الخميس سابع عشر شهر شعبان «2» المذكور، خلع السلطان على الأمير الكبير إينال المذكور، خلعة نظر البيمارستان المنصورى، وخلع على قانى باى الجاركسى خلعة الأنظار «3» المتعلقة بالدّوادارية «4» . ثم فى يوم السبت سابع عشر شوال «5» برز أمير حاجّ المحمل، الأمير دولات باى المحمودى المؤيدى الدوادار الثانى، بالمحمل إلى بركة الحاج «6» على العادة، وأمير الركب الأول تمربغا الظاهرى «7» .

ما وقع من الحوادث سنة 850

[ما وقع من الحوادث سنة 850] ثم فى يوم الخميس ثالث المحرم سنة خمسين وثمانمائة، خلع السلطان على الصاحب خليل بن شاهين، المعزول عن نيابة ملطية قبل تاريخه، باستقراره فى نيابة القدس، عوضا عن طوغان العثمانى، بحكم توجهه حاجب حجاب حلب، بعد موت قانى باى الجكمى. وفيه استقر القاضى برهان الدين إبراهيم بن الديرى، فى نظر الجوالى مضافا لما بيده من نظر الإسطبلات السلطانية، عوضا عن ابن المحرّقى، بعد عزله. ثم فى يوم الاثنين خامس صفر، أعيد قاضى القضاة شهاب الدين بن حجر، للقضاء، بعد موت قاضى القضاة شمس الدين القاياتى. ثم فى يوم الثلاثاء سادس صفر أيضا، استقر القاضى ولىّ الدين السفطى، فى تدريس المدرسة الصلاحية بقبة الشافعى عوضا عن القاياتى. ثم فى يوم السبت ثامن شهر ربيع الأول من سنة خمسين المذكورة، قدم إلى القاهرة الشريف محمد بن الشريف بركات بن حسن بن عجلان، ومعه تقدمة من عند أبيه، ما بين خيول وغيرها؛ وأقام بالقاهرة إلى سلخ الشهر المذكور، وعاد إلى مكة، وقد أعطاه السلطان أمانا لأبيه بركات، ووعده بكل خير من ولاية مكة وغير ذلك. ثم فى يوم الاثنين أول شهر ربيع الآخر، خلع السلطان على ولى الدين السفطى، باستقراره [134] فى نظر البيمارستان المنصورى، عوضا عن القاضى محب الدين بن الأشقر ناظر الجيش، بحكم عزله عنها؛ وسار السفطى فى النظر المذكور، سيرة سيئة، وهو أنه صار يأخذ مالا يستحقه، ويدفعه لمن لا يستحقه، وحسابه على الله. وفيه استقر أسنبغا مملوك ابن كلبك شادّ الشّون السلطانية، فى نيابة بعلبك، ولم يقع ذلك «1» [فيما تقدم] «2» . والعادة أن نائب دمشق، هو الذي يستقر بمن يختاره من

مماليكه فى نيابة بعلبك، هذا فى هذا الزمان، وأما الوالد فإنه ولى فى نيابته على دمشق، نيابة القدس والرملة. ثم فى أواخر جمادى الأولى، توغر خاطر السلطان على الأمير شاد بك الجكمى نائب حماة، وعزله عن نيابة حماة، وولّى عوضه الأمير يشبك من جانبك المؤيدى الصوفى أحد أمراء الألوف بحلب، وكان السلطان نفى يشبك المذكور من مصر، ثم أنعم عليه بإمرة بحلب، وأنعم بإقطاع يشبك المذكور على خجداشه الأمير على باى العجمى المنفى أيضا، قبل تاريخه إلى دمشق؛ ورسم لشادّ بك المذكور، أن يتوجه إلى القدس بطّالا، وحمل تقليد يشبك المذكور بنيابة حماة، وتشريفه، الأمير تمربغا الظاهرى أحد أمراء العشرات. وفى هذا الشهر، رسم السلطان بإطلاق جماعة من المماليك الأشرفية، ممن كان حبسهم فى أول دولته بالبلاد الشامية «1» ؛ ورسم بقدومهم إلى القاهرة. ثم فى يوم الخميس سابع عشر شوال، برز أمير حاجّ المحمل، الأمير سونجبغا اليونسى الناصرى [فرج] «2» أحد أمراء العشرات «3» ورأس نوبة، بالمحمل إلى بركة الحاج، وأمير الركب الأول الأمير سمام الحسنى الظاهرى برقوق أحد أمراء العشرات، وسافرت فى هذه السنة إلى الحجاز، زوجة السلطان الملك الظاهر جقمق، خوند مغل بنت [القاضى ناصر الدين بن] «4» البارزى، ومعها أيضا زوجة السلطان بنت ابن دلغادر، وحجّ فى هذه السنة أيضا القاضى كمال الدين بن البارزى كاتب السر [الشريف] «5» ، صحبة أخته خوند المذكورة «6» ، فى الركب الأول، وسافر كمال الدين [المذكور] بتجمل كبير، وفعل فى سفرته من الخيرات والإحسان لأهل مكة ما سيذكر إلى الأبد.

ما وقع من الحوادث سنة 851

[ما وقع من الحوادث سنة 851] ثم فى يوم السبت، أول محرم سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، خلع السلطان على قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى، باستقراره قاضى القضاة الشافعية بالديار المصرية، بعد عزل قاضى القضاة شهاب الدين أحمد بن حجر «1» . وفيه استقر السيفى آقبردى الساقى الظاهرى جقمق، فى نيابة قلعة حلب، عوضا عن تغرى بردى الجاركسى، بحكم عزله وتوجهه إلى دمشق، وكان آقبردى المذكور، توجه إلى حلب فى أمر متعلق بالسلطان. وفيه أنعم السلطان على خليل بن شاهين الشيخى، بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، عوضا عن قيز طوغان، بحكم القبض عليه وحبسه بقلعة دمشق، بسبب ما وقع منه، لما توجّه أمير حاجّ الركب الشامى من إحراقه باب المدينة الشريفة لسبب من الأسباب. وفيه أيضا استقر الأمير يشبك الحمزاوى دوادار السلطان بحلب، فى نيابة غزة، عوضا عن حطط بحكم عزله وتوجهه إلى دمشق بطالا؛ وأنعم بإقطاع يشبك الحمزاوى، وهو تقدمة ألف بحلب، على الأمير سودون من سيّدى بك الناصرى المعروف بالقرمانى. وأنعم بإقطاع سودون القرمانى وهو إمرة عشرة، على الأمير على باى [العلائى] «2» الأشرفى [برسباى «3» ] شادّ الشراب خاناة كان. ثم فى يوم الخميس رابع صفر من سنة إحدى وخمسين، خلع السلطان على مملوكه سنقر الظاهرى، باستقراره أستادار الصحبة، بعد موت أيتمش من أزوباى المؤيدى. ثم فى يوم الخميس حادى عشر صفر المذكور، رسم السلطان بنفى الأمير «4» تغرى

برمش الجلالى الفقيه، نائب قلعة الجبل، إلى القدس بطالا، واستقر الأمير يونس العلائى الناصرى أحد أمراء العشرات، عوضه فى نيابة قلعة الجبل؛ وأنعم بإقطاع تغرى برمش المذكور، على شريكه الأمير جانبك النّوروزى المعروف بنائب بعلبك، زيادة على ما بيده؛ ولبس المقدم ذكره خلعة نيابة القلعة، فى يوم الاثنين خامس عشر صفر. ثم فى يوم الخميس ثالث شهر ربيع الأول، خلع السلطان على الأمير برسباى الساقى السيفى تنبك البجاسى، باستقراره فى نيابة الإسكندرية، بعد عزل الأمير تنم [من عبد الرزاق المؤيدى] «1» عنها وذلك بسفارة [135] عظيم الدولة الصاحب جمال الدين يوسف ناظر الخاص الشريف. وفيه خلع السلطان على الأمير جانبك النّوروزى المقدم ذكره المعروف بنائب بعلبك، باستقراره أمير المماليك [السلطانية] «2» المجاورين بمكة المشرفة. ثم فى يوم الاثنين حادى عشرين «3» شهر ربيع الأول المذكور، رسم بنقل الأمير برسباى الناصرى، من نيابة طرابلس إلى نيابة حلب، بعد موت الأمير قانى باى الأبوبكريّ الناصرى البهلوان. ورسم بنقل الأمير يشبك المؤيدى الصوفى، من نيابة حماة إلى نيابة طرابلس، عوضا عن برسباى المذكور، وخلع السلطان على الأمير تنم بن عبد الرزاق المؤيدى المعزول عن نيابة الإسكندرية، باستقراره فى نيابة حماة، عوضا عن يشبك الصوفى، رشحه إلى ذلك المقرّ الجمالى ناظر الخواصّ، وحمل إلى برسباى نائب حلب التقليد والتشريف، الأمير جرباش المحمدى الناصرى [فرج] «4» الأمير آخور

الثانى المعروف بكرت «1» ؛ وتوجه بتقليد يشبك بنيابة طرابلس، الأمير قراجا الظاهرى الخازندار الكبير، واستقر مسفّر تنم بنيابة حماة، الأمير لاجين الظاهرى الساقى، فصالحه الأمير تنم على عدم سفره صحبته، على ثلاثة آلاف دينار. ثم فى يوم الخميس ثامن شهر ربيع الآخر استقر الأمير سودون السودونى الظاهرى [برقوق] «2» ، من جملة الحجّاب «3» ، وكان سودون المذكور قد ولى الحجوبية الثانية قبل ذلك؛ قلت: درجة إلى أسفل. ثم فى يوم الخميس خامس عشره، خلع السلطان على القاضى ولىّ الدين السّفطى، باستقراره قاضى قضاة الديار المصرية، بعد عزل قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى، مضافا لما بيده من تدريس الشافعى، ونظر البيمارستان، ونظر الكسوة، ووكالة بيت المال، ومشيخة الجمالية «4» ونظرها، وغير ذلك من الوظائف. ومع هذا كله، والبلص عمّال والشحاذة فى كل يوم، من الأمير الكبير، إلى مقدم الجبليّة «5» ، وسار فى القضاء أقبح سيرة، وسلك مع الناس طريقا غير محمودة، من الحطّ على الفقهاء والترسيم عليهم، والإفحاش فى أمرهم، لا سيما ما فعله مع مباشرى الأوقاف. وفى هذا الشهر خلع السلطان على شخص [من الباعة] «6» يعرف بأبى الخير النحاس شهرة ومكسبا، باستقراره فى وكالة بيت المال، عوضا عن السفطى، وهذا أول خمول السفطى، ومبدأ أمر [أبى الخير] «7» النحاس، وما سيأتى من أمرهما فأعجب. ولا بد من التعريف بأصل أبى الخير المذكور، وسبب ترقّيه وإن كان فى ذلك

نوع إطالة، فيحتمل ذلك لنوع «1» من الأنواع، فنقول: اسمه محمد وكنيته أبو الخير، وبكنيته أشهر، [ابن محمد] «2» بن أحمد بن محمد المصرى الأصل والمولد، الشافعى النحّاس، نشأ تحت كنف والده وحفظ القرآن، وتعلم من والده وجده صناعة عمل النحاس، ومهر فيه، واتخذ له حانوتا بسوق النحاس بخط الشّوّائين «3» بالقرب من دكان أبيه، وأخذ فى حانوته وأعطى حتى صار بينه وبين الناس معاملات ومشاركات، ألجأه ذلك لتحمل الديون، إلى أن عامله الشيخ أبو العباس الوفائى «4» ، وصار له [عليه] «5» جمل مستكثرة من الديون، وكان الستر مسبولا بينهما أولا، ثم وقع بينهما وحشة، [وكان] «6» ذلك هو السبب بوصلة النّحاس هذا بالملك الظاهر [جقمق] «7» ، وهو أن أبا العباس لما ماطله أبو الخير المذكور، أخذ فى الإلحاح عليه فى طلب حقه والدعوى عليه بمجالس الحكام «8» ، والتجرؤ «9» عليه والمبالغة فى إنكائه «10» ، بحيث أنه ادعى عليه مرة عند الأمير سودون السودونى الحاجب، بعد أن أخرجه من السجن محتفظا به، فضربه سودون المذكور، علقتين فى يوم واحد، ودام هذا الأمر بينهما أشهرا، بل وسنين. وصار أبو العباس لا يرق لفقر أبى الخير «11» وإفلاسه وعدم موجوده، بل يلح فى طلب حقه؛ فعند ذلك أخذ أبو الخير النحاس فى مرافعة أبى العباس المذكور، بأن الذي

بيده من المال إنما هو من [جملة] «1» ذخائر الصفوى جوهر القنقبائى الخازندار، وقد بقيت عند أبى العباس بعد موت جوهر، ولا زال أبو الخير يجتهد فى ذلك، إلى أن توصل إلى السلطان، وأنهى فى حق أبى العباس ما تقدم ذكره، وعليه محاققة ذلك وإظهار الحق فى جهته؛ فلما سمع السلطان كلامه مال إليه وقال له: قد وكلتك فى طلب الحق من أبى العباس. [136] فنزل أبو الخير فى الحال من بين يدى السلطان، وقد صار مطالبا بعد ما كان مطلوبا، وادعى على أبى العباس المذكور بدعاو كثيرة، يطول الشرح فى ذكرها؛ وخدمه السعد فى إظهار بعض موجود جوهر من عند أبى العباس المذكور، فحسن ذلك ببال السلطان، ونبل أبو الخير فى عين السلطان، ووكله بعد مدة فى جميع أموره؛ كل ذلك فى سنة ست وأربعين وثمانمائة، وتردد [أبو الخير] «2» النحاس إلى السلطان، وحسن حاله من لبس القماش النظيف وركوب الحمار، واكتسى كسوة جيدة، كل ذلك وأبو الخير يلح فى طلب المال من أبى العباس، ثم التفت إلى غير ذلك مما يعود نفعه على السلطان، وبقى بسبب ذلك يكثر الطلوع إلى القلعة، وصار يتقرب إلى السلطان بهذه الأنواع؛ فمشى أمره وظهر عند العامة اسمه «3» ؛ واستمر على ذلك إلى سنة ثمان وأربعين، فركب فرسا من غير لبس خفّ ولا مهماز، وصار يطلع إلى القلعة فى كل يوم مرة بعد نزول أرباب الدولة من الخدمة، ويتقاضى أشغال السلطنة. كل ذلك وأعيان الدولة لا تلتفت إليه، ولا يعاكسه أحد فيما يرومه، لعدم اكتراثهم به وإهمالهم أمره، لوضاعته لا لجلالته؛ فاستفحل أمره بهذه الفعلة، وطالت يده فى الدولة، فأول ما بدأ به أخذ فى معارضة السفطى، وساعده فى ذلك سوء سيرة السفطى وملل السلطان منه، فولىّ عنه وكالة بيت المال، ثم أخذ أمره يتزايد بعد

ذلك، على ما سيأتى ذكره مفصلا. وقد استوعبنا حاله فى تاريخنا «المنهل الصافى» بأطول من هذا إذ هو كتاب تراجم لا غير، [وأما أمره فى تاريخنا «حوادث الدهور» فهو مفصّل باليوم والساعة من أول أمره إلى آخره «1» - انتهى] » . ثم فى يوم السبت أول جمادى الأولى، برز المرسوم الشريف باستقرار خير بك الأجرود المؤيدى، أحد مقدمى الألوف بدمشق، فى أتابكية دمشق، بعد موت الأمير إينال الششمانى الناصرى، وأنعم السلطان بإقطاع خير بك المذكور، على الأمير خشقدم الناصرى المؤيدى، أحد أمراء العشرات [ورأس نوبة] «3» بالقاهرة، أعنى «4» الملك الظاهر خشقدم عز نصره «5» . ثم فى يوم الاثنين ثامن جمادى الآخرة، خلع السلطان على الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم، ناظر الدولة باستقراره فى الوزارة عوضا عن الصاحب كريم الدين عبد الكريم ابن كاتب المناخ «6» ، بحكم طول مرضه، وهذه ولاية الصاحب أمين الدين الثانية للوزر. ثم فى يوم الاثنين سابع عشرين [شهر] رجب، برز المرسوم الشريف، على يد الأمير إينال أخى قشتم المؤيدى، باستقرار الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيدى نائب حماة، فى نيابة حلب، عوضا عن الأمير برسباى الناصرى، بحكم استعفائه عن نيابة حلب، لطول لزومه الفراش. ورسم أيضا بنقل الأمير بيغوت، من صفر خجا المؤيدى الأعرج نائب صفد إلى نيابة حماة، عوضا عن تنم المذكور، وحمل إليه التقليد والتشريف الأمير يلبغا الجاركسى أحد أمراء العشرات، ورأس نوبة؛ ورسم باستقرار الأمير يشبك الحمزاوى نائب غزة، فى نيابة صفد؛ ورسم باستقرار طوغان

العثمانى حاجب الحجاب بحلب، فى نيابة غزة، عوضا عن يشبك الحمزاوى، واستقر فى حجوبية حلب الأمير جانبك المؤيدى المعروف بشيخ، أحد أمراء طرابلس. ثم فى يوم الخميس أول شعبان، قدم الشريف بركات بن حسن بن عجلان، ونزل الملك الظاهر [جقمق] «1» إلى لقائه بمطعم الطيور بالرّيدانية، خارج القاهرة، وبالغ السلطان فى إكرام بركات المذكور، وقام إليه ومشى له خطوات، وأجلسه بجانبه، ثم خلع عليه، وقيّد له فرسا بسرج ذهب وكنبوش زركش، وركب مع السلطان، وسار إلى قريب قلعة الجبل، فرسم له السلطان بالعود إلى محلّ أنزله به، وهو مكان أخلاه له المقرّ الجمالى «2» ناظر الخواص، ورتب له الرواتب الهائلة، وقام الجمالىّ المذكور بجميع ما يحتاج إليه بركات، من الكلف والخدم السلطانية وغيرها، وكان أيضا هو القائم بأمره، إلى أن أعاده إلى إمرة مكة [137] والسّفير بينهما [الخواجا] «3» شرف الدين موسى التتائى «4» [الأنصارى] «5» التاجر. ثم فى يوم الخميس سابع شهر رمضان، خلع السلطان على الأمير بيسق اليشبكى، أحد أمراء العشرات، باستقراره فى نيابة دمياط، بعد عزل الأمير بتخاص «6» العثمانى الظاهرى برقوق. ثم فى يوم الخميس رابع عشره، خلع السلطان على أبى الخير النحاس المقدم ذكره، باستقراره فى نظر الجوالى، عوضا عن برهان الدين بن الديرى. ثم فى يوم الخميس خامس شوال، خلع السلطان على الأمير تمراز من بكتمر المؤيدى المصارع، أحد أمراء العشرات، باستقراره فى نيابة القدس، بعد عزل خشقدم السيفى سودون من عبد الرحمن. ثم فى يوم الاثنين أول ذى القعدة، أنعم السلطان أسنباى الجمالى الظاهرى جقمق

ما وقع من الحوادث سنة 852

الساقى، بإمرة عشرة، بعد موت إينال أخى قشتم، وأنعم بوظيفة أسنباى السقاية على جانم الظاهرى جقمق. ثم فى يوم الأربعاء ثالثه، برز الأمر [الشريف] «1» بحبس الأميرين المقيمين بالقدس الشريف، وهما: شادّ بك الجكمى المعزول عن نيابة حماة، وإينال الأبوبكريّ الأشرفى، فحبسا بقلعة صفد. ثم فى يوم الاثنين ثامن ذى القعدة، استقر شاهين الظاهرى ساقيا، عوضا عن جكم قلق سيز بحكم تغير خاطر السلطان عليه. [ما وقع من الحوادث سنة 852] ثم فى محرم سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة رسم السلطان للأمير يشبك طاز المؤيدى أحد أمراء دمشق، بحجوبية طرابلس عوضا عن يشبك النوروزى. ثم فى يوم الأربعاء حادى عشرين المحرم، وصل الركب الأول من الحاج، صحبة الأمير الطّواشى عبد اللطيف المنجكى ثم العثمانى، مقدم المماليك السلطانية، وأصبح قدم من الغد أمير حاج المحمل الأمير تنبك البردبكى حاجب الحجاب بالمحمل. ثم فى يوم الجمعة ثالث عشرين المحرم [المذكور] «2» رسم السلطان بنفى الأمير قراجا العمرى الناصرى، أحد المقدمين بدمشق، إلى سيس «3» ، وأنعم بتقدمته على الأمير مازى الظاهرى [برقوق] «4» نائب الكرك كان.

ثم فى يوم الخميس ثامن عشرين صفر، رسم بإطلاق قيزطوغان من محبسه بقلعة دمشق، بشفاعة الأمير جلبان نائب دمشق. وفيه أيضا رسم بمجيء كسباى الدّوادار المؤيدى المجنون، من طرابلس إلى القاهرة، بشفاعة جرباش قاشق. ثم فى يوم الأحد أول شهر ربيع الأول، رسم السلطان بتبقية الأمير قيزطوغان فى الحبس، وردّت المراسيم التى كانت كتبت بإطلاقه بواسطة زين الدين يحيى الأشقر الأستادار. ثم فى يوم الاثنين ثانى ربيع الأول، عاد الأمير جلبان إلى محل كفالته بدمشق. ثم فى يوم الثلاثاء ثالثه، عزل السلطان الأمير عبد اللطيف [زين الدين] «1» الطواشى «2» [العثمانى] «3» عن تقدمة المماليك السلطانية، وخلع على الطواشى جوهر النوروزى نائب مقدم المماليك باستقراره فى تقدمة المماليك عوضا عن عبد اللطيف المذكور. ثم «4» فى يوم الخميس خامسه، استقر عوضه نائب مقدم المماليك مرجان العادلى [المحمودى] «5» . ثم فى يوم السبت حادى عشرينه، استقر أبو الخير النحاس فى نظر الكسوة، عوضا عن السفطى؛ ثم فى يوم الأربعاء ثالث شهر ربيع الآخر، عزل السلطان السفطىّ عن قضاء الديار المصرية. ثم فى يوم الخميس رابعه، استقر برهان الدين إبراهيم بن ظهير، فى نظر الإسطبل السلطانى، عوضا عن برهان الدين إبراهيم بن «6» الديرى «7» . وفيه ولى الشيخ [شرف الدين] «8» يحيى المناوى، تدريس قبة الشافعى، عوضا عن السفطى.

وفى يوم السبت سادسه، نكب شمس الدين محمد الكاتب، وعزّر وامتحن حسبما ذكرناه فى الحوادث مفصلا. ثم فى يوم الأحد سابع شهر ربيع الآخر، أعيد قاضى القضاة شهاب الدين بن حجر إلى القضاء، بعد عزل السفطى، واستقر أيضا فى مشيخة الخانقاه البيبرسية، على عادته، ولبس خلعتهما من الغد فى يوم الاثنين. ثم فى يوم الخميس حادى عشره، استقر أبو الخير النحاس ناظر البيمارستان المنصورى عوضا عن السفطى. ثم فى يوم [138] الاثنين لبس السفطى كاملية خضراء «1» بسمّور، بعد أن حمّل مبلغ خمسة آلاف دينار وخمسمائة دينار، بسبب أنه ادّعى [عليه] «2» أنه تناولها من وقف الكسوة. ثم فى يوم الاثنين ثانى عشرين ربيع الآخر المذكور، عزل الأمير تمراز البكتمرى المؤيدى المصارع عن نيابة القدس. وفى هذا الشهر طلق السلطان زوجته خوند الكبرى مغل بنت البارزى. ثم فى يوم الاثنين سابع عشرين جمادى الأولى المذكور «3» خلع السلطان على الأمير قانى باى الحمزاوى، أحد مقدمى الألوف بالديار المصرية، باستقراره فى نيابة حلب، ثانيا بعد عزل الأمير تنم المؤيدى عنها، وقدومه إلى القاهرة، على إقطاع قانى باى [الحمزاوى] «4» المذكور؛ واستقر يونس العلائى الناصرى نائب قلعة الجبل، مسفّر قانى باى، فصالحه السلطان عنه، بمبلغ كبير من الذهب؛ لقلة موجود قانى باى [المذكور] «5» . وفيه استقر الأمير بيسق اليشبكى أحد أمراء العشرات بالقاهرة، فى نيابة قلعة

دمشق، بعد موت شاهين الطّوغانى، وفرّق السلطان إقطاع بيسق، على كسباى المجنون المؤيدى وغيره، بواسطة المقر الجمالى ناظر الخواص الشريفة. ثم فى يوم الاثنين حادى عشره، برز الأمير قانى باى الحمزاوى، إلى محل كفالته بحلب. ثم فى يوم الأحد رابع عشرين جمادى الآخرة، أمر السلطان بنفى الأمير تمراز المصارع المعزول عن نيابة القدس، إلى دمشق، ثم شفع فيه وأعيد بعد أيام، بعد أن أخرج السلطان إقطاعه إلى أزبك من «1» ططخ الساقى الظاهرى «2» ، والإقطاع إمرة عشرة؛ واستقر خشقدم السيفى سودون من عبد الرحمن فى نيابة القدس، عوضا عن تمراز المذكور، واستقر إينال الظاهرى الخاصّكى ساقيا، عوضا عن أزبك من ططخ» . ثم فى يوم الاثنين خامس عشرين جمادى الآخرة المذكور، عزل الحافظ شهاب الدين بن حجر نفسه عن قضاء الشافعية، ولم يلها بعد ذلك، إلى أن مات. وخلع السلطان فى يوم الثلاثاء سادس عشرينه، على قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى، وأعيد إلى قضاء الديار المصرية عوضا عن ابن حجر [المذكور] «4» .

ثم فى يوم الاثنين ثالث شهر رجب، رسم السلطان بإطلاق إينال الأبوبكريّ من حبس صفد، وتوجّهه إلى القدس بطالا. ثم فى يوم الأربعاء خامس [شهر] «1» رجب، منع ولى الدين السفطى من طلوع القلعة، والاجتماع بالسلطان؛ ثم رسم بتوجهه إلى بيت قاضى القضاة الحنفى، للدعوة عليه، فتوجه وادعى عليه جماعة، بحقوق كثيرة، فحلف عن بعضها ثلاثة «2» أيمان، واعترف بالبعض، ثم نقل إلى القاضى المالكى، وادّعى عليه أيضا بدين فصالح المدعى على ثلثمائة دينار. ثم رسم السلطان بمنع اليهود والنصارى من طب أبدان المسلمين. ثم عزل السفطى عن مشيخة المدرسة الجماليّة، ودرس التفسير بها. ثم فى يوم ثالث عشرينه، رسم بمجيء السفطى إلى بيت قاضى القضاة علم الدين [صالح] «3» البلقينى الشافعى ليدعى عليه الزينى قاسم المؤذى الكاشف، بسبب حمامه التى بباب الخرق «4» ، وكان السفطى اشتراها منه فى أيام عزه، فحضر السفطى إلى مجلس القاضى، وادعى عليه قاسم، بأنه «5» كان أوقفها قبل بيعها، وأن الشراء لم يصادف محلا، وأنه أكرهه «6» على تعاطى البيع، وخرج قاسم لإثبات ذلك، ولما خرج السفطى من بيت القاضى، عارضه شخص آخر وأمسكه من طوقه وعاد به إلى مجلس القاضى، وادعى عليه أنه غصب منه خشبا وغيره، فأنكر السفطى، فطلب تحليفه والتغليظ عليه، فصالحه على شىء، ومضى إلى داره؛ وأخذ فى السعى إلى أن أعاده السلطان إلى مشيخة الجمالية على عادته. ثم فى يوم الخميس سابع عشرين [شهر] «7» رجب، أمر السلطان ناصر الدين محمد بن

أبى الفرج، نقب الجيش، أن يأخذ السفطى، ويمضى به إلى بيت قاضى القضاة الشافعى، ثانيا، لسماع بيّنة الإكراه منه لقاسم الكاشف، فتوجّه السفطى وسمع ذلك، وذكر أن له دافعا «1» وخرج ليبديه، فبلّغ بعض أعداء السفطى السلطان أنه يمتنع من التوجه إلى الشرع، ووغّر خاطر السلطان عليه، فأمر السلطان قانى بك السيفى يشبك ابن أزدمر [139] أحد الدوادارية، فى يوم الأحد سلخ [شهر] «2» رجب، أن يتوجه إلى السفطى ويأخذه ويمضى به إلى حبس المقشرة «3» ، ويحبسه به مع أرباب الجرائم، فتوجه إليه قانى بك المذكور، وحبسه بالمقشرة، وقد انطلقت الألسن بالوقيعة فى حقه، ولولا رفق قانى بك به لقتلته «4» العامة فى الطريق. ومن لطيف ما وقع للسفطى، أنه لما حبس بسجن المقشرة، دخل إليه بعض الناس، وكلمه بسبب شىء من تعلقاته، وخاطبه الرجل المذكور «5» بيامولانا قاضى القضاة، فصاح السفطى بأعلى صوته: «تقول لى قاضى القضاة! أما تقول: يالص يا حرامى يا مقشراوى!» فقال له الرجل: «يالص يا حرامى يا مقشراوى!» . ثم فى يوم الاثنين أول شعبان، وصل الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيدى المعزول عن نيابة حلب، وطلع إلى السلطان، وقبّل الأرض، فأكرمه السلطان وخلع عليه، وأجلسه تحت أمير مجلس جرباش الكريمى، وأنعم عليه بإقطاع قانى باى الحمزاوى، وأركبه فرسا بسرج ذهب وكنبوش زركش؛ كل ذلك بعناية عظيم الدولة الصاحب جمال الدين ناظر الخاص لصحبة كانت بينهما. وفى هذا اليوم، أخرج ولىّ الدين السفطى من سجن المقشرة، وذهب ماشيا من

السجن إلى بيت قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى ثم توجّه منه راكبا إلى المدرسة الصالحية، وحضر قاضى القضاة أيضا بالصالحية، فلم ينفصل له أمر، وأطلق من الغد من الترسيم. ثم فى يوم الاثنين ثامن شعبان، رسم السلطان لقاضى القضاة بدر الدين [محمد] «1» ابن عبد المنعم البغدادى الحنبلى، بطلب السفطى، وسماع الدعوى عليه والترسيم عليه، بسبب الحمّامين والفرن والدكاكين بحارة زويلة، فإنه ظهر أنهم كانوا فى جملة وقف الطّيبرسية، فتجمّل القاضى الحنبلى فى حق السفطى، فلم يعجب ذلك أعداءه، وعرّفوا السلطان بذلك، فرسم فى يوم السبت ثالث عشر شعبان بتوجهه إلى حبس المقشرة ثانيا، بسبب الدكاكين والحمامين التى بحارة زويلة، ثم شفع فيه. ثم فى يوم السبت سابع عشرين شعبان ادّعى على القاضى ولى الدين السفطى، بمجلس القاضى ناصر الدين بن المخلّطة المالكى، بحضور قاضى القضاة بدر الدين الحنبلى، بسبب الحمّامين وما معهما، وخرج على الأعذار. ثم فى يوم الأربعاء أول شهر رمضان، حضر السفطى وغرماؤه «2» ، والقاضى ناصر الدين بن المخلطة عند قاضى القضاة بدر الدين الحنبلى، وانفصل المجلس أيضا على غير طائل، وادعى السفطى أن السلطان رسم بأن لا يدّعى عليه عند ابن المخلطة، وكان ذلك غير صحيح، فلم يسمع له ذلك، ولا زال الحنبلى يعتنى به، حتى صالح جهة وقف طيبرس، بألف دينار. ثم فى يوم السبت خلع السلطان على السفطى كاملية بفرو سمّور، بعد أن حمّل أربعة آلاف دينار. ثم فى يوم الجمعة ثالث [شهر] «3» رمضان، أنعم السلطان على مملوكه سنقر الخاصّكى، المعروف بالجعيدى، بإمرة عشرة، بعد موت الأمير صرغتمش القلمطاوى،

زيادة على ما بيده من حصة بشبين «1» القصر. ثم فى يوم السبت سابع عشر شوال، برز أمير حاجّ المحمل الأمير سونجبغا اليونسى بالمحمل، وأمير الركب الأول الأمير قانم المؤيدى التاجر. ثم فى يوم الاثنين عشرين شهر رمضان، خرج الأمير جانبك الظاهرى، المتكلم على بندر جدّة، إليها بمماليكه وحواشيه على عادته فى كل سنة. ثم فى يوم الثلاثاء ثامن عشر ذى القعدة استقر الأمير خير بك النّوروزى، حاجب صفد فى نيابة غزة، بعد عزل طوغان العثمانى عنها، وذلك بمال كبير بذله له فى ذلك، لوضاعة خير بك المذكور فى الدولة. واستهل ذو «2» الحجة أوله الأحد، فيه ظهر الطاعون فى الديار المصرية وأخذ فى التزايد. وفى يوم الخميس خامس ذى الحجة، استقر [علاء الدين] «3» على بن إسكندر ابن أخى زوجة كمشبغا الفيسى، معلم السلطان، على العمائر، عوضا عن [الناصر] «4» محمد ابن حسين بن الطولونى، بحكم وفاته. ثم فى يوم السبت حادى عشرينه [140] ، استقر الحكيم ابن العفيف الشهير بقوالح «5» ، أحد مضحكى المقر الجمالى ناظر الخواص، بسفارته فى رئاسة الطب والكحل بمفرده.

ما وقع من الحوادث سنة 853

ثم فى يوم الأحد ثانى عشرين ذى الحجة المذكور، استقر علاء الدين على بن محمد ابن آقبرس، فى حسبة القاهرة، عوضا عن يرعلى الخراسانى، بمال بذله فى ذلك، وكان أصل ابن آقبرس هذا عنبريّا «1» بسوق العنبر، فى حانوت، ثم اشتغل بالعلم، وتردد الأكابر، واتصل بالملك الظاهر جقمق فى أيام إمرته، وناب فى الحكم عن القضاة الشافعية، إلى أن تسلطن [الملك] «2» الظاهر جقمق، فصار «3» ابن آقبرس هذا من ندمائه، وولى نظر الأوقاف وعدة وظائف أخر، وكان أيضا من جملة مبغضى السفطى وممن يعيب عليه أفعاله القبيحة من البلص والطلب من الناس، وسمّاه «الهلب» ؛ على أن ابن آقبرس أيضا كان من مقولة [السفطى] «4» وزيادة. [ما وقع من الحوادث سنة 853] ثم فى يوم الخميس حادى عشر محرم سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة ضربت رقبة أسد الدين الكيماوى، بمقتضى الشرع، بعد أمور وقعت له «5» ، ذكرناها مفصلا فى تاريخنا «حوادث الدهور [فى مدى الأيام والشهور] » «6» . وفى هذا الشهر، تشاكى الأمير تمراز المؤيدى نائب القدس كان، وناظر القدس

عبد الرحمن بن الديرى، فمال السلطان على ابن الديرى وبهدله، فأمر به فجعل فى عنقه جنزير، إلى أن شفع فيه عظيم الدولة الجمالىّ ناظر الخواص الشريفة «1» . ثم فى يوم السبت ثالث عشره، توجه تمراز المذكور «2» ، وعبد الرحمن [ابن الديرى] «3» وأبو الخير النحاس، إلى بيت ناظر الخاص المذكور، وجلسوا بين يديه إلى أن أصلح بينهما، وأنعم على كل منهما بفرس مسروج، وأنعم على أبى الخير بشىء، فقبّل الثلاثة يده وخرجوا من عنده، وأبو الخير يوم ذاك فى تنبوك» عزه «5» وعظم تعاظمه على جميع أرباب الدولة، إلا الصاحب جمال الدين [هذا] «6» فإنه معه على حالته الأولى إلى الآن. [هذا] «7» وقد فشا أمر الطاعون بالقاهرة وتزايد، ثم أهلّ صفر من سنة ثلاث وخمسين، يوم الأربعاء، فيه عظم الطاعون، ومات فى هذا الشهر جماعة كبيرة من الأمراء، وأعيان الدولة، على ما سيأتى ذكره فى الوفيات من هذا الكتاب. ثم فى يوم الأحد ثانى عشر صفر، أعيد القاضى برهان الدين إبراهيم بن الديرى إلى نظر الإسطبل السلطانى، بعد موت برهان الدين بن ظهير. وفى يوم الاثنين ثالث عشره استقر الأمير جرباش الكريمى الظاهرى أمير مجلس، أمير سلاح «8» ، بعد موت الأمير تمراز القرمشى الظاهرى؛ وفيه أيضا استقر الأمير تنم المعزول عن نيابة حلب، أمير مجلس، عوضا عن جرباش المذكور؛ وفيه أنعم

السلطان على الأمير دولات باى المحمودى المؤيدى الدّوادار الثانى، بإمرة مائة وتقدمة ألف، بعد موت تمراز القرمشى، وصار من جملة أمراء الألوف؛ وأنعم بإقطاعه على الأمير يونس الأقبائى «1» شادّ الشراب خاناه، والإقطاع إمرة طبلخاناه، وأنعم بإقطاع يونس على الأمير «2» [السيفى] «3» جانبك رأس نوبة الجمدارية الظاهرى جقمق، وعلى مغلباى طاز الساقى الظاهرى أيضا، لكل واحد منهما إمرة عشرة. ثم فى يوم الخميس سادس عشر صفر، استقر الأمير تمربغا الظاهرى جقمق، دوادارا ثانيا، عوضا عن دولات باى المقدم ذكره، على إمرة عشرة- وفيه أيضا، أنعم السلطان على قانى باى المؤيدى الساقى، المعروف بقراسقل «4» ، بإمرة عشرة، بعد موت إينال اليشبكى. ثم فى يوم الاثنين عشرين صفر، ووافقه أول خمسين النصارى «5» ، تناقص الطاعون. ثم فى يوم الخميس ثالث عشرينه، أنعم السلطان على الأمير يشبك الفقيه المؤيدى،

بإقطاع الأمير بختك «1» الناصرى بعد موته، وأنعم بإقطاع يشبك المذكور على الشهابى أحمد، من الأمير الكبير إينال العلائى، وكلاهما إمرة عشرة. وفيه أيضا، أنعم السلطان على مغلباى الشهابى رأس نوبة الجمدارية، بإمرة عشرة، عوضا عن مغلباى الساقى، بعد موته، وكان مغلباى أخذ الإمرة [141] قبل موته بأيام يسيرة، حسبما تقدم ذكره. وفى يوم الخميس هذا، أنعم السلطان بإقطاع الأمير قراخجا الحسنى الأمير آخور، بعد موته، على الأمير تنم أمير مجلس، وأنعم بإقطاع تنم على الأمير جرباش المحمدى الناصرى الأمير آخور الثانى المعروف بكرت، وصار من جملة المقدمين؛ وأنعم بإقطاع جرباش المذكور ووظيفته الأمير آخورية الثانية، على الأمير سودون المحمدى المؤيدى، المعروف بسودون أتمكجى «2» ؛ وأنعم بإقطاع سودون [أتمكجى] «3» المذكور، على الأمير جانبك اليشبكى والى القاهرة، بسفارة المقر الجمالى «4» ناظر الخواص. وفيه أيضا استقر الأمير قانى باى الجاركسى الدّوادار الكبير، أمير آخور كبيرا، بعد موت الأمير قراخجا الحسنى، وكان السلطان رشح الأمير أسنبغا الطّيارى للأمير آخورية، فألح قانى باى فى سؤال السلطان، على أن يليها اقتحاما على الرئاسة، ولا زال به حتى ولّاه؛ واستقر أيضا دولات باى المحمودى المؤيدى دوادارا كبيرا، عوضا عن قانى باى الجاركسى بمال كبير بذله فى ذلك. ثم فى يوم الثلاثاء ثامن عشرين صفر، خلع السلطان على القاضى ولىّ الدين محمد السنباطى، باستقراره قاضى قضاة المالكية بالديار المصرية، عوضا عن قاضى القضاة بدر الدين محمد بن التنسى، بحكم وفاته، وكان السنباطى هذا يلى قضاء

الإسكندرية، فلما مات ابن التنسى، طلب وولى القضاء؛ وجميع من ذكرنا [وفاته] «1» هنا ماتوا بالطاعون. ثم فى يوم الخميس أول شهر ربيع الأول، خلع السلطان على الطّواشى فيروز النّوروزى الزّمام والخازندار، باستقراره أمير حاجّ المحمل. ثم فى يوم الاثنين خامس [شهر] «2» ربيع الأول، خلع السلطان على الأمير أسنبغا الطّيّارى باستقراره رأس نوبة النوب، بعد موت الأمير تمرباى التّمربغاوى، بالطاعون. وفى أواخر [هذا] «3» الشهر، قلّ الطاعون بالقاهرة، بعد أن مات بها خلائق كثيرة؛ فكان من جملة من مات للسلطان فقط: أربعة أولاد من صلبه، حتى لم يبق له ولد ذكر، غير المقام الفخرى عثمان. ثم فى يوم الثلاثاء سابع عشرين [شهر] «4» ربيع الأول، أخذ السلطان من السفطى ستة عشر ألف دينار، وسبب ذلك أن قاضى القضاة بدر الدين الحنبلى، كان [وصيّا] «5» على تركة قاضى القضاة بدر الدين [بن] «6» التنسى المالكى، فلما عرض موجوده، وجد فى جملة أوراقه ورقة فيها ما يدل على أنه كان للسفطى عنده ستة عشر ألف دينار وديعة، ثم وجد ورقة أخرى، فيها ما يدل على أن السّفطى، أخذ وديعته، وبلغ السلطان ذلك، فرسم بأخذ المبلغ منه- قلت: لا شلت يداه! «والذي خبث لا يخرج إلا نكدا» - فحملت بتمامها إلى السلطان، ولم يرض السلطان بذلك، وهو فى طلب شىء آخر فتح الله عليه، وهو أن السلطان صار يطلب السفطى بما وقع منه من الأيمان، أنه ما بقى يملك شيئا من الذهب، ثم وجد له هذا المبلغ، فصار للسلطان مندوحة بذلك فى أخذ ماله. فلما استهل شهر ربيع الآخر يوم الجمعة، وطلع القضاة للتهنئة بالشهر، تكلم السلطان معهم فى أمر السفطى، وما وقع منه من الأيمان الحانثة، واستفتاهم فى أمره،

وحرّض القضاة على مجازاته؛ فنزلوا من عند السلطان على أن يفعلوا معه الشرع، وبلغ السفطىّ ذلك فخاف وأخذ فى السعى فى رضى السلطان؛ وخدم بجملة مستكثرة، ورضى السلطان عنه، ثم تغير عليه، وأخذ منه فى يوم الثلاثاء ثانى عشر شهر ربيع الآخر عشرة آلاف دينار، كانت له وديعة عند بعض القضاة، فأخذها السلطان، وهو مطالب بغيرها. ثم فى يوم الخميس رابع عشره، أفحش السلطان فى الحطّ على السفطى، وبالغ فى ذلك، بحيث أنه قال: «هذا ليس له دين، وهذا استحق القتل بما وقع منه من الأيمان الفاجرة، بأن ليس له مال ثم ظهر له هذه الجمل الكثيرة، وقد بلغنى أن له عند شخص آخر، وديعة مبلغ سبعة وعشرين ألف دينار» ؛ وظهر من كلام السلطان أنه يريد أخذها، بل وأخذ روحه أيضا، كل ذلك مما يوغّر أبو الخير النحاس خاطر السلطان عليه، وبلغ السفطىّ [142] جميع ما قاله السلطان، فداخله لذلك من الرعب والخوف أمر عظيم «1» ؛ ومع ذلك بلغنى أن السفطىّ فى تلك الليلة تزوج بكرا ودخل بها واستبكرها، فهذا دليل على عدم مروءته «2» ، زيادة على ما كان عليه من البخل والطمع، فإنى لم أعلم أنه وقع لقاض من قضاة مصر ما وقع للسفطى من البهدلة والإخراق وأخذ ماله، مع علمى بما وقع للهروى وغيره، ومع هذا لم يحصل على أحد ما حصل على هذا المسكين، فما هذا الزواج فى هذا الوقت! «3» ثم فى يوم الثلاثاء سادس عشرين [شهر] «4» ربيع الآخر [المذكور] «5» ، رسم بنفى يرعلى العجمى الخراسانى المعزول عن الحسبة، ثم شفع فيه المقرّ الجمالى ناظر الخواصّ، فرسم له السلطان بلزوم داره بخانقاه سرياقوس؛ ويرعلى هذا أيضا من أعدآء النحاس.

ثم فى يوم السبت سلخه، أنعم السلطان على أسندمر الجقمقى السلاح دار، بإمرة عشرة، بعد موت الأمير أركماس الأشقر المؤيدى. ثم فى يوم الاثنين ثانى جمادى الأولى، خلع السلطان على مملوكه الأمير أزبك من ططخ الساقى، باستقراره من جملة رؤوس النّوب، عوضا عن أركماس الأشقر، المقدم ذكره. وفيه استقر الزينى عبد الرحمن بن الكويز، أستادّار السلطان بدمشق، عوضا عن محمد بن أرغون شاه النّوروزى بحكم وفاته. ثم فى يوم الأربعاء رابع جمادى الأولى [المذكور] «1» استقر علىّ بن إسكندر أحد أصحاب النحاس، فى حسبة القاهرة، وعزل ابن أقبرس عنها، لتزايد الأسعار فى جميع المأكولات. ثم فى يوم الاثنين ثالث عشرين جمادى الأولى [المذكور] «2» ، خرجت تجريدة من القاهرة إلى البحيرة، فيها نحو الأربعمائة مملوك وعدة أمراء، ومقدم الجميع الأمير الكبير إينال العلائى الناصرى، وصحبته من الأمراء المقدمين، تنم أمير مجلس، وقانى باى الجاركسى أمير آخور، وعدة أخر من الطبلخانات والعشرات. ثم فى يوم الاثنين ثامن عشرينه، عزل قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى الشافعى، عن القضاء، لسبب حكيناه فى تاريخنا «حوادث الدهور» إذ هو كتاب تراجم وضبط «3» حوادث ووفيات «4» لا غير «5» . ثم أعيد قاضى القضاة علم الدين، فى يوم الثلاثاء أول جمادى الآخرة.

ثم فى يوم الجمعة رابع جمادى الآخرة، سافر الأمير قانم من صفر خجا المؤيدى، المعروف بالتاجر، رسولا إلى ابن عثمان «1» متملّك بلاد الروم، صحبة قاصد ابن عثمان الواصل قبل تاريخه. ثم فى يوم السبت تاسع عشره، رسم السلطان بنفى الأمير سودون السودونى الحاجب، فشفع فيه، فأمر السلطان بإقامته بالصحراء بطّالا. وكان سبب نفى السّودونى، أنه كان له مغلّ، فكلمه علىّ بن إسكندر المحتسب فى بيع نصفه، وتخلية نصفه، لقلة وجود الغلال بالساحل، فامتنع سودون السودونى من ذلك، فشكاه أبو الخير النحاس للسلطان، فأمر بنفيه. وقد تقدم أن سودون السودونى هذا، كان ضرب أبا الخير النحاس فى يوم واحد علقتين ليخلّص منه مال أبى العباس الوفائى. ومن ظريف ما وقع لسودون السودونى هذا، مع أبى الخير النحاس، من قبل هذه الحادثة أو بعدها، أنه لما صار من أمر أبى الخير ما صار، خشيه سودن السّودونى، مما كان وقع منه فى حقه قديما، فأراد» أن يزول ما عنده، ليأمن شرّه، فدخل إليه فى بعض الأيام، وقد جلس أبو الخير النحاس فى دست رئاسته، وبين يديه أصحابه وغالبهم لا يعرف ما وقع له مع سودون السودونى «3» [المذكور] «4» ، فلما استقر بسودون الجلوس، أخذ فى الاعتذار لأبى الخير فيما كان وقع منه بسلامة باطن على عادة

مغفّلى «1» الأتراك، وساق الحكاية فى ذلك الملأ من الناس من أولها إلى آخرها، وأبو الخير ينقله من ذلك [الكلام] «2» إلى كلام غيره، ويقصد كفّه عن الكلام، بكل ما تصل قدرته إليه، وهو لا يرجع عما هو فيه، إلى أن استتم الحكاية؛ وكان من جملة اعتذاره إليه، أن قال له، ما معناه: «والله يا سيدى القاضى، أنا رأيتك شاب فقير، من جملة الباعة، وحرّضونى «3» عليك، بأنك تأكل أموال الناس، فما كنت أعرف أنك تصل إلى هذا الموصل، فى هذه المدة اليسيرة؛ وو الله [لو كنت] «4» أعرف أنك تبقى رئيس، لكنت وزنت [143] عنك المال» . وشرع فى اعتذار آخر، وقد ملأ النحاس مما سمع من التوبيخ، فاستدرك فارطه بأن قام على قدميه واعتنق السودونى، وأظهر له أنه زال ما عنده وأوهم أنه يريد الدخول إلى حريمه حتى مضى عنه إلى حال سبيله؛ وتحاكى الناس ذلك المجلس أياما كثيرة «5» . هذا ما بلغنا من بعض أصحاب النحاس، وقد حكى غير واحد هذه الحكاية على عدة وجوه، وليس هذا الأمر من أخبار تحرر، وما ذكرناه إلا على سبيل الاستطراد- انتهى. وفى هذه الأيام توقف ماء النيل عن الزيادة، بل تناقص نقصا فاحشا، ثم أخذ فى زيادة ما نقصه، فاضطرب الناس لذلك، وتزايدت الأسعار إلى أن أبيع الإردب القمح بأربعمائة درهم «6» .

ثم فى يوم الثلاثاء تاسع عشرينه، وصل الأمير جانبك الظاهرى نائب جدة، وخلع السلطان عليه خلعة هائلة، ونزل إلى داره، وبين يديه وجوه الناس على كره من أبى الخير النحاس. ثم فى يوم الاثنين ثانى عشر شهر رجب، خلع السلطان على الشيخ يحيى المناوى، باستقراره قاضى قضاة الشافعية، بعد عزل قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى. ثم فى يوم الخميس خامس عشرة، استقر الأمير يرشباى الإينالى المؤيدى الأمير آخور الثالث، أمير آخور ثانيا بعد موت سودون أتمكجى، وأنعم عليه بطبلخاناته، واستقر الأمير سنقر الظاهرى الجعيدى أمير آخور ثالثا، وهو فى التجريدة بالبحيرة. ثم فى يوم الثلاثاء عشرينه، رسم السلطان بأن يكتب مرسوم شريف إلى دمشق، بضرب الزينى عبد الرحمن بن الكويز، وحبسه بقلعة دمشق، وله سبب ذكرناه فى «الحوادث» «1» . ثم فى يوم الاثنين سادس عشرين [شهر] «2» رجب، استقر علاء الدين بن آقبرس ناظر الأحباس، بعد عزل قاضى القضاة بدر الدين محمود «3» العينى عنها، لكبر سنه، فلم يشكر ابن أقبرس على ما فعله لسعيه فى ذلك سعيا زائدا، وكان الأليق عدم ما فعله لأن مقام كل منهما معروف فى العلم والقدر والرئاسة. ثم فى يوم الخميس تاسع عشرين [شهر] «4» رجب [المذكور] «5» ، جرت حادثة غريبة، وهو أنه لما كان وقت الخدمة السلطانية، أعنى بعد طلوع الشمس بقدر عشرة «6» درج، وقفت العامة بشوارع القاهرة من داخل باب زويلة إلى تحت القلعة، وهم يستغيثون

ويصرخون بالسبّ واللعن ويهددون بالقتل، ولا يدرى أحد ما الخبر، لعظم الغوغاء «1» ، إلى أن اجتاز «2» علىّ بن إسكندر محتسب القاهرة فلما رأوه أخذوا فى زيادة ما هم فيه، وحطوا أيديهم فى الرّجم، فرجموه من باب زويلة، إلى أن وصل إلى باب القلعة أو غيرها، بعد أن أشبعوه سبا وتوبيخا بألفاظ يستحى من ذكرها، فلما نجا «3» علىّ منهم، وطلع إلى القلعة، استمروا على ما هم عليه بالشوارع، وقد انضم عليهم جماعة كثيرة من المماليك السلطانية، وهم على ما هم عليه، غير أنهم [صاروا] «4» يعرضون بذكر أبى «5» الخير النحاس، ووقفوا فى انتظاره إلى أن يطلع إلى القلعة، وكان عادته لا يطلع إليها إلا بعد نزول أعيان «6» الدولة، وكان أبو الخير قد ركب من داره على عادته، فعرّفه بعض أصحابه بالحكاية، فخرج من داره وسار من ظاهر القاهرة، ليطلع إلى القلعة، إلى أن وصل بالقرب من باب الوزير، بلغ المماليك الذين هم فى انتظاره أنه قد فاتهم، فأطلقوا رؤوس خيولهم غارة، والعامة خلفهم، حتى وافوه فى أثناء طريقه، فأكل ما قسم له من الضرب بالدبابيس، وانهزم أمامهم «7» ، وهم فى أثره، والضرب يتناوله وحواشيه، «8» وهو عائد إلى جهة القاهرة، وترك طلوع القلعة لينجو بنفسه، واستمر على ذلك إلى أن وصل إلى جامع أصلم «9» بخط سوق الغنم، فضربه شخص من العامة على رأسه فصرعه عن فرسه، ثم قام من صرعته ورمى بنفسه إلى بيت أصلم الذي بالقرب من جامع أصلم، وهو يوم ذاك سكن يشبك الخاصّكى الظاهرى جقمق، من طبقة الزّمام.

ومن غريب الاتفاق، أن أبا الخير النحاس كان قبل تاريخه بمدة يسيرة، شكا يشبك هذا صاحب الدار إلى السلطان، وشوّش عليه غاية التشويش، حتى أخذه أغاته «1» الأمير فيروز الزّمام، وبعثه إلى أبى الخير النحاس، على هيئة غير مرضية، فصفح عنه أبو الخير خوفا من خجداشيته، ومنّ «2» عليه؛ والمقصود أن [144] أبا الخير، لما ضرب وطاح عن فرسه، وكان الضارب له عبد أسود «3» ، وأخذ عمامته من على رأسه، فلما رأى «4» أبو الخير نفسه فى بيت يشبك المذكور، هجمت العامة عليه، ومعهم المماليك، إلى بيت يشبك، وكان غائبا عن بيته، وقبضوا عليه وأخذوا فى ضربه والإخراق به، وعرّوه جميع ما كان عليه، حتى أخذوا أخفافه من رجليه، واختلفت الأقوال فى الإخراق به، فمن الناس من قال: أركبوه حمارا عريانا وأشهروه فى البيت المذكور، ومنهم من قال أعظم من ذلك، ثم نجا منهم، ببعض من ساعده منهم، وألقى بنفسه من حائط إلى موضع آخر، فتبعوه أيضا، وأوقعوا به وهو معهم عريان، وانتهبوا جميع ما كان فى بيت يشبك المذكور. ووصل يشبك إلى داره، فما أبقى ممكنا «5» فى مساعدة النحّاس، وما عسى يفعله مع السواد الأعظم؟ وكان بلغ السلطان أمره، فشق عليه ذلك إلى الغاية، فأرسل إليه جانبك والى القاهرة، نجدة، فساق إليه، حتى لحقه وقد أشرف على الهلاك، وخلصه منهم؛ وأراد «6» أن يركبه فرسا فما استطاع أبو الخير الركوب لعظم ما به من الضرب فى رأسه ووجهه وسائر بدنه، فأركبه [عريانا وعليه ما يستره] «7» على بغلة، وأردفه بواحد من خلفه على البغلة المذكورة، وتوجّه به على تلك الهيئة، إلى بيت الأمير تمربغا الدّوادار

الثانى، بالقرب من جامع سودون من زادة، والعامة خلفه وهم ينادمونه بأنواع السبّ ويذكرون له فقره وإفلاسه وما قاساه من الذل والهوان، إلى أن وصل إلى بيت تمربغا [المذكور] «1» بغير عمامة على رأسه، فأجلسه تمربغا بمكان تحت مقعده، واستمر به إلى الليل، فقام «2» وتوجه إلى داره مختفيا خائفا مرعوبا. وأنا أقول: لو مات أحد من شدة الضرب، لمات أبو الخير [المذكور] «3» فى هذا اليوم، كل ذلك بغير رضى السلطان، لأن المماليك والعامة اتفقوا على [أبى الخير المذكور وعلى الفتك به] «4» ، وقلّ أن يتفقوا على أمر، فكان هذا اليوم «5» من الأيام المشهودة بالقاهرة، لأنى ما رأيت ولا سمعت بمثل هذه الواقعة، وقد سبق كثير من إخراق المماليك لرؤساء الدولة ونهب بيوتهم وأخذ أموالهم، ومع هذا كله لم يقع لأحد منهم بعض ما وقع لأبى الخير هذا، فإن جميع الناس قاطبة كانت عليه، وكل منهم لا يريد إلا قتله وإتلافه. وأنا أقول إنهم معذورون فيما يفعلونه، لأنه كان بالأمس فى البهموت «6» من الفقر والذل والإفلاس، وصار اليوم فى الأوج من الرئاسة والمال والتقرب من السلطان، ومع هذا الانتقال العظيم، صار عنده شمم وتكبر، حتى على من كان لا يرضى أقل غلمانه أن يستخدمه فى أقل حوائجه، وأما على من كان من أمثاله وأرباب صنعته، فإنه لم يتكبر عليهم، بل أخذ فى أذاهم والإخراق بهم، حتى أبادهم شرا، وأنا أتعجب غاية العجب من وضيع يترأس، ثم يأخذ فى التكبر على أرباب البيوت وأصحاب الرئاسة الضخمة، فما عساه يقول فى نفسه! والله «7» العظيم، إننى كنت إذا دخل علىّ الفقيه الذي أقرأنى القرآن فى صغرى، على أن بضاعته من العلوم كانت مزجاة، أستحى أن أتكلم

بين يديه بفضيلة أو علم من العلوم، لكونه كان يعرفنى صغيرا لا فقيرا، فكيف حال هؤلاء مع الناس، كانوا يرتجون خدمة [أصاغر] «1» خدمهم؛ فليس هذا إلّا عظم الوقاحة، وغلبة الجنون لا غير- انتهى. ثم فى يوم السبت ثانى شعبان، عزل السلطان علىّ بن إسكندر عن حسبة القاهرة، ورسم لزين الدين يحيى الأستادّار بالتكلم فيها، فباشر زين الدين الحسبة من غير أن يلبس لها خلعة، وكانت سيرة علىّ بن إسكندر ساءت «2» فى الحسبة إلى الغاية. وأما أبو الخير النحاس، فإنه استمر فى داره «3» بعد أن قدم إليها من الليل من بيت الأمير تمربغا «4» إلى يوم الاثنين ثالث شعبان، طلع إلى القلعة وخلع السلطان عليه كاملية مخمّل أحمر بمقلب سمّور، ونزل إلى داره وهو فى وجل من شدة رعبه من المماليك والعامة، لكنّه شق القاهرة فى نزوله، ولم يسلم من الكلام، وصار بعض العامة يقول: «أيش هذه البرودة!» ، فيقول آخر: «إذا اشتهيت أن تضحك على الأسمر لبّسه أحمر!» ، هذا وأبو الخير [145] يسلم فى طريقه على [الناس من] «5» العامة وغيرها؛ فمنهم من يرد سلامه، ومنهم من لا يرد سلامه، ومنهم من يقول بعد أن يولى بأقوى صوته: «خيرتك والّا ينحسوها» ، أعنى رقبته. ولم ينزل معه أحد من أرباب الدولة إلا المقر الجمالى ناظر الخواصّ الشريفة، قصد بنزوله معه أمورا لا تخفى على أرباب الذوق السليم، لأنه لم يؤهّله «6» قبل ذلك لأمر من الأمور، فما نزوله الآن معه، وقد وقع فى حقه ما وقع؟ ثم فى يوم الاثنين حادى عشر شعبان، قدم الأمراء من تجريدة البحيرة صحبة

الأمير الكبير إينال العلائى، وخلع السلطان على أعيانهم الثلاثة الأمير الكبير إينال، وتنم المؤيدى أمير مجلس، وقانى باى الجاركسى الأمير آخور. ثم فى يوم الاثنين ثامن عشر شعبان، برز الأمير جرباش الكريمى [الظاهرى برقوق] «1» أمير سلاح «2» ، إلى بركة الحاج على هيئة الرّجبيّة، وصحبته قاضى القضاة بدر الدين بن عبد المنعم [البغدادى] «3» الحنبلى، والزينى عبد الباسط بن خليل الدمشقى، وجماعة كثيرة من الناس. ثم فى يوم السبت سابع شهر «4» رمضان، اختفى «5» السّفطى، فلم يعرف له مكان، بعد أمور وقعت له مع قاسم الكاشف؛ فعمل السلطان فى يوم الاثنين سادس عشره عقد مجلس بين يديه بالقضاة والعلماء بسبب حمام السّفطى، وظهر السفطى من اختفائه «6» ، وحضر المجلس، وانفصل عقد المجلس «7» على غير طائل، واختفى السفطى ثانيا من يومه فلم يعرف له خبر. ثم فى يوم الخميس سابع عشر شوال، برز أمير حاجّ المحمل، فيروز النّوروزى «8» [الرومى] «9» الزّمام الخازندار، بالمحمل، وأمير الركب الأول، الأمير تمربغا الظاهرى الدّوادار الثانى؛ وحجّ فى هذه السنة من الأعيان: الأمير طوخ من تمراز المعروف بينى بازق، أحد مقدمى الألوف بالديار المصرية، وينى بازق باللغة التركية: أى غليظ الرقبة «10» ، وخرج تمراز البكتمرى المؤيدى المصارع، صحبة الحاج، واستقر

فى مشدّيّة «1» بندر جدّة، عوضا عن الأمير جانبك الظاهرى، حسبما نذكره من أمره ثانيا «2» فيما «3» يأتى مفصلا، إن شاء الله تعالى. [ثم] «4» فى يوم السبت تاسع عشره، استقر القاضى ولىّ الدين الأسيوطى، فى مشيخة المدرسة الجماليّة، بعد تسحّب ولىّ الدين السّفطى واختفائه. ثم فى يوم الاثنين العشرين من ذى القعدة، استقر الأمير جانبك اليشبكى والى القاهرة، فى حسبة القاهرة، مضافا لما معه من الولاية وشدّ الدواوين والحجوبية؛ وجانبك هذا أحد من رقاه المقر الصاحبى ناظر الخاص المقدم ذكره. [ثم] «5» فى يوم الخميس ثالث عشرين ذى القعدة أيضا، نودى بالقاهرة على ولى الدين السّفطى، بأن من أحضره إلى السلطان يكون له مائة دينار، وهدّد من أخفاه بعد ذلك بالعقوبة والنكال. ثم فى يوم الخميس ثامن ذى الحجة، وصل الأمير يشبك الصوفى المؤيدى، نائب طرابلس، إلى القاهرة، وطلع إلى القلعة وقبّل الأرض، فحال وقوفه «6» رسم السلطان بتوجّهه إلى ثغر دمياط بطّالا، وذلك لسوء سيرته فى أهل طرابلس. وفيه عزل السلطان الأمير علان جلّق المؤيدى عن حجوبية حلب، لشكوى «7» الأمير قانى باى الحمزاوى نائب حلب عليه، ثم انتقض ذلك، واستمر علّان على وظيفته. ووقع فى هذه السنة- أعنى ثلاث وخمسين- غريبة، وهى أنه مات فيها من ذوات الأربع، مثل الأغنام والأبقار وغيرها، شىء كثير «8» ، من عدم العلوفة، لغلو الأسعار

والفناء، فأيقن كلّ أحد بتزايد أثمان الأضحية، فلما كان العشر الأول من ذى الحجة، وصل إلى القاهرة من البقر والغنم شىء كثير، حتى أبيعت بأبخس الأثمان. ثم فى يوم تاسع عشر ذى الحجة المذكور، سمّر نجم الدين أيوب [بن حسن بن محمد نجم الدين بن البدر ناصر الدين] «1» بن بشارة، وطيف به، ثم وسّط من يومه، ووسّط معه شخص آخر من أصحابه، وقد ذكرنا سبب القبض عليه وما وقع له فى تاريخنا «حوادث الدهور فى مدى «2» الأيام والشهور» ، إذ هو محله «3» . ثم فى يوم السبت رابع عشرينه، عزل السلطان الأمير علان المؤيدى، عن حجوبية حجاب حلب، لأمر وقع بينه وبين نائب حلب، الأمير قانى باى الحمزاوى، ورسم بتوجّه علان المذكور إلى مدينة طرابلس بطالا، واستقر عوضه فى حجوبية حلب قاسم بن جمعة القساسى، وأنعم بإقطاع قاسم على الأمير جانبك المؤيدى المعروف بشيخ، المعزول أيضا [146] عن حجوبية حلب قبل تاريخه، والإقطاع إمرة طبلخانات بدمشق. وفيه رسم السلطان لما ماى السيفى بيبغا المظفرى، أحد الدّواداريّة الصغار، بالتوجه إلى ثغر دمياط، وأخذ الأمير يشبك الصوفى منه وتحبّسه بثغر الإسكندرية مقيّدا؛ ووقع ذلك. ثم فى يوم الخميس خامس عشرين ذى الحجة، رسم باستقرار الأمير يشبك النّوروزى، حاجب حجاب دمشق، فى نيابة طرابلس، عوضا عن يشبك الصوفى المقبوض عليه قبل تاريخه، وولاية يشبك المذكور طرابلس، على مال كبير بذله له، وحمل إليه التقليد والتشريف بنيابة طرابلس، الأمير أسنباى الجمالى الساقى الظاهرى

ما وقع من الحوادث سنة 854

جقمق، ورسم السلطان بإعادة الأمير جانبك الناصرى إلى حجوبية دمشق، عوضا عن يشبك النّوروزى. وفرغت هذه السنة والديار المصرية فى غاية ما يكون من غلو الأسعار. وفى هذه السنة أيضا، ورد الخبر بوقوع خسف بين أرض سيس وطرسوس، ولم أتحقق مقدار الأرض التى خسفت. وفيها أيضا كان فراغ مدرسة زين الدين الأستادّار، بخط بولاق على النيل، ولم أدر المصروف على بنائه من أى وجه، ومن كان له شىء فله أجره. [ما وقع من الحوادث سنة 854] واستهلت سنة أربع وخمسين وثمانمائة الموافقة لحادى عشرين مسرى، والناس فى جهد وبلاء من غلو الأسعار، وسعر القمح ثمانمائة درهم الأردب، وقد ذكر سعر جميع المأكولات فى «حوادث الدهور» «1» . ولما كان يوم السبت أول محرم سنة أربع وخمسين المذكورة، وصل الأمير بردبك العجمى الجكمى المعزول عن نيابة حماة من ثغر دمياط، وطلع إلى القلعة، وأنعم السلطان عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق. وفى هذه الأيام وصلت إلى القاهرة رمّة «2» قاسم المؤذى الكاشف، غريم السّفطى ليدفن بالقاهرة. ثم فى يوم الخميس ثالث عشر المحرم، وصل الأمير جرباش الكريمى، أمير سلاح من الحجاز، وتخلف قاضى القضاة بدر الدين الحنبلى عنه مع الركب الأول من الحاج، وكان الزينى عبد الباسط بن خليل، سبق الأمير جرباش من العقبة، ودخل القاهرة قبل تاريخه، وخلع السلطان على جرباش المذكور كاملية بمقلب سمّور، وخرج من عند السلطان، ودخل إلى ابنته زوجة السلطان، وهى يوم ذلك صاحبة القاعة

[الكبرى بالدور السلطانية] «1» وسلّم عليها، ثم نزل إلى داره [المعروفة بالبيت الكبير تجاه القلعة] «2» . ثم فى يوم الجمعة ثامن عشرينه، عقد السلطان عقد مملوكه الأمير أزبك من ططخ، على ابنته من مطلقته خوند بنت البارزى، وكان العقد بقلعة الدّهيشة، بحضرة السلطان بعد نزول الأمراء من صلاة الجمعة من غير جمع «3» . ثم فى يوم الخميس رابع شهر صفر «4» ، استقر أبو الفتح [الطيبى] «5» أحد أصحاب أبى الخير النحاس [بسفارته] «6» ، فى نظر جوالى دمشق، ووكالة بيت المال بها، على أنه يقوم فى السنة للخزانة الشريفة بخمسين ألف دينار، على ما قيل، وما سيأتى من خبر أبى الفتح، فأعجب. وفى هذه الأيام «7» ، ظهر رجل من عبيد قاسم [الزين] «8» الكاشف، [الملقب بالمؤذى] «9» وشهر بالصلاح، وتردد الناس لزيارته، حتى جاوز أمره الحد، وخشى على الناس من إتلاف عقائدهم، فأمر السلطان الأمير تنبك حاجب الحجاب، أن يتوجه إليه، ويضربه ويحبسه، وصحبته جانبك الساقى والى القاهرة. فلما دخلا عليه، تهاون الأمير تنبك فى ضربه خشية من صلاحه، وبلغ «10» السلطان ذلك، فرسم بنفيه إلى ثغر دمياط بطّالا، ومسفّره «11» جانبك الوالى، وتولى «12» خشقدم الطّواشى الظاهرى [الرومى] «13»

ووالى القاهرة ضرب العبد المذكور وحبسه، وقد أوضحت أمر هذا العبد وما وقع له فى تاريخنا «الحوادث» فلينظر هناك «1» . ثم رسم السلطان بعد مدة، بقدوم الأمير خشقدم الناصرى المؤيدى أحد المقدمين بدمشق، إلى القاهرة، واستقراره فى حجوبية الحجاب، عوضا عن تنبك المذكور، ورسم للأمير علّان المؤيدى، المعزول عن حجوبية حلب، بإقطاع خشقدم المذكور بدمشق. ثم فى يوم الثلاثاء سادس عشر صفر، رسم السلطان بنقل الأمير جانم الأمير آخور قريب الملك الأشرف برسباى «2» من القدس الشريف، وحبسه بسجن الكرك، وكان جانم المذكور، حبس عدة سنين، ثم أطلق وجاور بمكة سنيّات، ثم سأل فى القدوم إلى القدس، فأجيب، وقدمه، فتكلم فيه بعض أعدائه [147] إلى أن حبس بالكرك ثانيا. ثم فى يوم الخميس ثامن عشر صفر، قدم الأمير قانم التاجر المؤيدى من بلاد الروم إلى القاهرة، [وكان توجه إليها فى العام الماضى كما سلف.] «3» ثم فى يوم الثلاثاء ثالث عشرين صفر المذكور، نودى بالقاهرة بأن لا يلبس النصارى واليهود على رؤوسهم أكثر من سبعة أذرع من العمائم، [لكونهم تعدوا فى ذلك وزادوا عن الحد] «4» ؛ وفى هذه الأيام تزايد أمر النحّاس وطغى [وتجبر] «5» ، ونسى ما وقع له من البهدلة والإخراق. وفى يوم الاثنين، رسم السلطان بالإفراج عن عبد قاسم الكاشف، من حبس المقشرة وتوجّهه إلى حيث شاء، ولا يسكن القاهرة. ثم فى يوم السبت ثانى عشر شهر ربيع الأول، ورد الخبر بموت الأمير شاد بك الجكمى، المعزول عن نيابة حماة، بالقدس بعد مرض طويل.

ثم فى يوم الخميس سادس عشره، وصل إلى القاهرة الأمير خشقدم المؤيدى من دمشق، وقبّل الأرض وأنعم عليه السلطان بإمرة مائة وتقدمة ألف، عوضا عن تنبك البردبكى الحاجب، بحكم نفيه إلى دمياط. وفى هذا اليوم كان مهمّ الأمير أزبك وعرسه على بنت السلطان بالقاهرة، فى بيت خالها القاضى كمال الدين بن البارزى، ولم يعمل بالقلعة. ثم فى يوم الاثنين حادى عشرين شهر ربيع الأول، المذكور، استقر خشقدم عوضا عن تنبك المقدم ذكره فى حجوبية الحجاب. ثم فى يوم الخميس ثانى شهر ربيع الآخر، أنعم السلطان على تمراز الأشرفى الزّردكاش كان، بإقطاع على باى الساقى الأشرفى، بحكم وفاته، قلت: بئس البديل، وإن كان كل منهما أشرفيّا «1» ، فالفرق بينهما ظاهر. وفى هذه الأيام عظم أمر النحاس، حتى أنه ضاهى المقرّ الصاحبىّ ناظر الخواص، فى نفوذ الكلمة فى الدولة، لأمور صدرت بينهما يطول الشرح فى ذكرها، وليس لذلك فائدة ولا نتيجة؛ وملخص ذلك أن أبا الخير عظم فى الدولة، حتى هابه كلّ أحد من عظماء الدولة إلا المقر الجمالى، فأخذ أبو الخير يدبر عليه فى الباطن، ويوغر خاطر السلطان عليه، بأمور شتى، ولم ينهض أن يحوّل السلطان عنه بسرعة، لثبات قدمه فى المملكة، ولعظمه فى النفوس، كلّ ذلك والمقرّ الجمالى لا يتكلم فى حقه عند السلطان بكلمة واحدة، ولا يلتفت إلى ما هو فيه، وأبو الخير فى عمل جد مع السلطان فى أمر الجمالى المذكور، بكلتا يديه. وبينما هو فى ذلك، أخذه الله من حيث لا يحتسب، حسبما يأتى ذكره مفصلا إن شاء الله تعالى. ومن غريب الاتفاق، أنه دخل عليه «2» قبل محنة أبى الخير النحاس «3» بمدة يسيرة،

رجل من أصحابه، وأخذ فى تعظيم المذكور، وبالغ فى أمره، حتى قال إنه قد تم له كل شىء طلبه، فأنشدته من باب المماجنة [المتقارب] : إذا تم أمر «1» بدا نقصه ... توقّ زوالا «2» إذا قيل تمّ وافترقنا، فلم تمض أيام حتى وقع من أمره ما وقع. ثم فى يوم الاثنين، ثالث عشر شهر ربيع الآخر المقدم ذكره، نفى الأمير سودون الإينالى «3» [المؤيدى] «4» المعروف بقراقاش، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، لأمر مطول ذكرناه فى «الحوادث» «5» . وفى هذه الأيام، برز المرسوم الشريف بعزل الأمير بيغوت من صفر خجا المؤيدى الأعرج، عن نيابة حماه، لأمور مطولة ذكرناها فى «الحوادث» «6» من أولها إلى آخرها، وإلى حضوره إلى القاهرة، [وما وقع له] «7» ببلاد الشرق وغيره. ورسم للأمير سودون الأبوبكريّ المؤيدى أتابك حلب، باستقراره عوضه فى نيابة حماه، وأنعم بأتابكية

ذكر مبدأ نكبة أبى الخير النحاس على سبيل الاختصار

حلب على الأمير على باى العجمى المؤيدى، وأنعم بتقدمة على باى المذكور، على إينال الظاهرى جقمق، وقد نفى قبل تاريخه من الديار المصرية. ذكر مبدأ نكبة أبى الخير النحاس على سبيل الاختصار ولما كان يوم الأحد حادى عشر جمادى الأولى من سنة أربع وخمسين المذكورة، أحضر السلطان إلى بين يديه مماليك الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيدى أمير مجلس، وعيّن منهم نحو العشرة، ورسم بحبسهم بسجن المقشرة، بسبب تجرّئهم على أستاذهم المذكور، وشكواه عليهم، فلما أصبح من الغد فى يوم الاثنين ثانى عشره، انفض الموكب السلطانى، ونزل الأمير تنم المذكور صحبة الأتابك «1» إينال العلائى وغيره من الأمراء، فلما صاروا تجاه سويقة منعم «2» ، احتاطت بهم المماليك [148] السلطانية الجلبان، وخشّنوا لتنم فى القول، بسبب شكواه على مماليكه، فأخذ الأتابك إينال فى تسكينهم، وضمن لهم خلاص المماليك المذكورة من حبس المقشرة، فخلوا عنهم، ورجعوا غارة إلى زين الدين يحيى الأستادّار، فوافوه بعد نزوله من الخدمة بالقرب من جامع الماردانى «3» ، وتناولوه بالدبابيس، فمن شدة الضرب ألقى بنفسه «4» عن «5» فرسه، وهرب إلى أن أنجده الأمير أزبك الساقى، والأمير جانبك اليشبكى الوالى، وأركباه على فرسه، وتوجّها به إلى داره. فلما فات المماليك زين الدين رجعوا غارة إلى جهة القلعة، ووقفوا تحت الطبلخانات بالصّوّة «6» ، فى انتظار أبى «7» الخير النحاس، وبلغ النحاس الخبر،

فمكث نهاره عند السلطان بالقلعة لا ينزل إلى داره، فشقّ ذلك على المماليك، واتفقوا على نهب دار أبى الخير النحاس، فساروا من وقتهم إلى داره على هيئة مزعجة، فوجدوا باب داره قد غلقه «1» مماليكه وأعوانه، وقد وقفت مماليكه بأعلى بابه لمنع المماليك من الدخول؛ فوقع بينهم بعيض قتال، ثم هجمت المماليك السلطانية على بابه الذي كان من بين السورين، وأطلقوا فيه النار، واحترق الباب وما كان عليه من المبانى، ودخلوا إلى البيت، وامتدت الأيدى فى النهب، فما عفّوا ولا كفّوا، وأخذوا من الأقمشة والأمتعة والصينى والتحف ما يطول الشرح فى ذكره «2» ، واستمرت النار تعمل فى باب أبى الخير، إلى أن اتصلت إلى عدة بيوت بجواره «3» ، ولم تصل النار إلى داره، لأنها كانت فوق الريح، وأيضا كانت بالبعد عن الباب، وهى الدار التى عمّرها قديما صلاح الدين بن نصر الله، وانتقلت بعده إلى أقوام كثيرة، حتى ملكها النحاس هذا وجدّدها وتناهى «4» فيها. ثم حضر والى القاهرة وغيره لطفى النار، فطفيت بعد جهد؛ ولما انتهى أمر المماليك من النهب، وعلموا أنه لم يبق بالدار ما يؤخذ، توجّهوا إلى حال سبيلهم، وقد تركوا [بيت] «5» النحاس خاليا من جميع ما كان فيه، بعد أن سلبوا حريمه جميع ما كان عليهن «6» من الأقمشة «7» وأفحشوا فى أمرهن، من الهتكة والجرجرة، والهجم عليهن «8» وعادوا من دار النحّاس وشقوا باب زويلة، وقد غلقت عدة حوانيت بالقاهرة، لعظم ما هالهم من النهب فى بيت النحاس، فمضوا ولم يتعرضوا لأحد بسوء، وباتوا تلك الليلة، وأصبحوا يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى الأولى المذكور، ووقفوا بالرملة

محدقين بالقلعة، مصممين على الفتك بأبى الخير النحاس، وقد بات النحاس بالقلعة، وطلبوا تسليمه من السلطان، وعزل جوهر النّوروزى «1» عن تقدمة المماليك، وعزل زين الدين الأستادّار عن الأستادّاريّة؛ وانفض الموكب، ونزل كل من الأعيان إلى داره فى خفية، ونزل الأمير تمربغا الظاهرى الدّوادار الثانى، والأمير أزبك الساقى، وبرد بك البجمقدار «2» ، إلى نحو بيوتهم؛ فلما صاروا بالرملة ضربوا عليهم المماليك الجلبان حلقة، وكلموهم فى عودهم إلى السلطان والتكلم معه فى مصالحهم، فقال لهم تمربغا: «ما هو غرضكم؟» ، قالوا: «عزل جوهر مقدم المماليك وتسليم غريمنا» ، يعنون، النحاس. فعاد تمربغا إلى القلعة من وقته وعرّف السلطان بمقصودهم، وكان الأمير الكبير إينال قد طلع باكر النهار إلى القلعة [وصحبته الأمير أسنبغا الطيّارى رأس نوبة النّوب؛ وأما الأمير تنم، فإنه كان طلع إلى القلعة] «3» من أمسه وبات بها فى طبقة الزّمام، وأجمع رأيه أنه لا ينزل من القلعة، إلى أن يفرج عن مماليكه المحبوسين، خشية والمماليك الجلبان، فلما طلع الأمير الكبير باكر النهار، شفع فى مماليك الأمير تنم فرسم بإطلاقهم، ثم تكلم الأمير الكبير مع السلطان فى الرضى عن المماليك الجلبان، والسلطان مصمم على مقالته التى قالها بالأمس، أنه يرسل ولده المقام الفخرى عثمان وحريمه إلى الشام، ويتوجه هو إلى حال سبيله، فنهاه الأمير الكبير عن ذلك، وقام السلطان ودخل إلى الدّهيشة، فكلّمه بعض أمرائه أيضا فى أمرهم، فشقّ ثوبه غيظا منه، ونزل الأمير الكبير بمن معه إلى دورهم. ثم كان نزول تمربغا، والمقصود أن تمربغا لما عاد إلى السلطان، وعرّفه قصد المماليك، وقبل أن يتكلم، سبقه بعض أمرائه، وأظنه الأمير قراجا الخازندار، وقال: «يجبر مولانا [149] السلطان خاطر مماليكه، بعزل المقدم، وإخراج

النحاس من القاهرة» ، فانقاد السلطان إلى كلامه، ورسم بعزل جوهر مقدم المماليك، وتوجّهه إلى المدينة الشريفة، وإخراج النحاس إلى مكة المشرفة؛ وعاد تمربغا إلى المماليك بهذا الخبر، فرضوا، وتوجّه كل واحد إلى حال سبيله؛ وتم ذلك إلى بعد «1» الظهر من اليوم المذكور. فلما كان بعد «2» الظهر، توجه جماعة من المماليك إلى الأمير أسنبغا الطّيّارى رأس نوبة النوب، وكلموه أن يطلع إلى السلطان، ويطلب منه إنجاز ما وعدهم به من إخراج النحاس وعزل المقدم؛ فركب أسنبغا من وقته، وطلع إلى السلطان وكلمه فى ذلك، فلما سمع السلطان مقالة أسنبغا، اشتد غضبه، وطلب فى الحال جوهرا مقدم المماليك ونائبه مرجان العادلى المحمودى، وخلع عليهما باستقرارهما، ورسم أن يكون النحاس على حاله أولا بالقاهرة، ورسم للأمير تغرى برمش اليشبكى الزّردكاش أن يستعد لقتال المماليك الجلبان، فخرج الزّردكاش من وقته ونصب عدة مدافع على أبراج القلعة، وصمم السلطان على قتال مماليكه المذكورين. وبلغ الأمراء ذلك، فطلع منهم جماعة كبيرة إلى السلطان، وأقاموا ساعة بالدّهيشة، إلى أن أمرهم السلطان بالنزول إلى دورهم، ونزلوا، واستمر الحال إلى باكر يوم الأربعاء رابع عشره، فجلس السلطان بالحوش على الدّكّة، ثم التفت إلى شخص من خاصّكيته، وقال له: «أين الذين قلت عنهم؟» فقال: «الآن يحضروا» ، فقال السلطان: «انزل إليهم وأحضرهم» ، فنزل الرجل من وقته، وقام السلطان إلى الدهيشة، ونزل المذكور إلى المماليك، وأخذ منهم جماعة كبيرة، وطلع بهم إلى السلطان، فلما مثلوا بين يديه قال لهم: «عفوت عنكم، امضوا إلى أطباقكم» ، فلم يتكلم أحد منهم بكلمة. واستمر أبو الخير بالقلعة خائفا من النزول إلى داره، وقد أشيع سفره إلى الحجاز، إلى أن كان يوم الخميس خامس عشر جمادى الأولى، نزل أبو الخير إلى داره على حين غفلة قبل العصر بنحو خمس درج، وانحاز بداره، وقفل الباب

[عليه] «1» إلى يوم الأربعاء حادى عشرينه؛ فوصل البلاطنسى «2» من دمشق، وطلع إلى السلطان، وشكا «3» على أبى الفتح الطيبى، الذي ولى وكالة بيت مال دمشق بسفارة النحاس، وذكر عنه عظائم، فعزله السلطان، ورسم بحضوره إلى القاهرة فى جنزير، ورسم لأبى الخير النحاس، بالسفر إلى المدينة الشريفة، ونزل البلاطنسى من القلعة بعد أن أكرمه السلطان، وحصل [على] «4» مقصوده من عزل أبى الفتح الطيبى. ورسم السلطان لأبى الخير المذكور أن يكتب جميع موجوده ويرسله إلى السلطان من الغد، ورسم أيضا بعمل حسابه، وتردد إليه الصفوىّ جوهر الساقى من قبل السلطان غير مرة، وكثر الكلام بسببه، فقلق النحاس من ذلك غاية القلق، وعلم بزوال أمره، فأصبح من الغد، فى يوم الخميس ثانى عشرينه، طلع إلى القلعة فى الغلس من غير إذن السلطان، واختفى بالقلعة فى مكان، إلى أن انفض الموكب، فتحيل حتى دخل على السلطان، واجتمع به، ثم نزل من وقته، وقد أصلح ما كان فسد من أمره، وأنعم له السلطان بموجوده، وترك له جميع ما كان عزم على أخذه، واستمر بداره، وقد هابته الناس وكثر تردادهم إليه، ورسم بإبطال ما كان رسم به من عزل أبى الفتح الطيبى، وإحضاره، وأمر البلاطنسى بالسفر إلى دمشق، بعد أن لهج [الناس] «5» بحبسه فى سجن المقشرة، فتحقق الناس بهذا الأمر ميل السلطان لأبى الخير، وكفّ جميع أعداء النحاس عن الكلام فى أمره مع السلطان. واستمر بداره والناس تتردد إليه، إلى يوم الخميس تاسع عشرين جمادى الأولى المذكور، رسم السلطان لجوهر الساقى بنزوله إلى أبى الخير النحاس، ومعه نقيب الجيش، ويمضيا به إلى بيت قاضى القضاة شرف الدين يحيى المناوى الشافعى ليدعى عليه

التاجر شرف الدين موسى التّتائى الأنصارى «1» ، بمجلس الشرع، بدعاو كثيرة، ورسم السلطان لجوهر أن يحتاط بعد ذلك على جميع موجوده، فنزل جوهر المذكور من وقته إلى أبى الخير النحاس، وأخرجه من داره ماشيا ممسوكا مع نقيب الجيش، وقد ازدحم الناس على بابه للتفرج عليه والفتك به، فحماه جوهر ومن معه من المماليك [150] منهم، وأخذه ومضى، وانطلقت الألسن إليه بالسب واللعن والتوبيخ، وجوهر يكفهم عنه ساعة بعد ساعة، وهم خلفه وأمامه، وهو مار فى طريقه ماشيا إلى أن وصل بيت القاضى المذكور بسويقة الصاحب، من القاهرة، وأدخلوه إلى المدرسة الصاحبية «2» ، [المجاورة لسكن قاضى الشافعية] «3» محتفظا به، مع رسل الشرع. وعاد جوهر الساقى وشرف الدين التّتائى إلى الحوطة على موجود أبى الخير النحاس بداره وحواصله، ووجدت العامة بغياب جوهر فرصة إلى الدخول على أبى الخير المذكور، فهجموا عليه وأخذوه من أيدى الرسل، وضربوه ضربا مبرحا، فصاحت رسل الشرع عليهم، وأخذوه من أيديهم؛ وهرّبوه إلى مكان بالمدرسة المذكورة. وأعلموا القاضى بذلك، فأرسل القاضى خلف الأمير جانبك والى القاهرة،

حتى حضر، وقدر على إخراجه من المدرسة المذكورة إلى بيت القاضى، وادعى شرف الدين التّتائى عليه بدعاء يطول الشرح فى ذكرها. والسبب الموجب لهذه القضية، أن أبا الخير النحاس لما وقع له ما وقع، وأقام بالقلعة من يوم الاثنين، إلى يوم الخميس، ثم نزل قبيل العصر إلى داره، بقى الناس فى أمره على قسمين: فمن الناس من لا سلّم عليه ولاراعاه، ومنهم من صار يترجّيه ويتردد إليه، ودام على ذلك إلى أن طلع أبو الخير إلى السلطان من غير إذن، وأصلح ما كان فسد من أمره، ونزل إلى داره، وقد وقع بينه وبين شرف الدين المذكور. وسبب ذلك أن شرف الدين كان فى هذه المدة هو رسول النحاس إلى السلطان، ومهما كان للنحاس من الحوائج يقضيها له عند السلطان، فظهر لأبى الخير المذكور، بطلوعه إلى القلعة فى ذلك اليوم، أن شرف الدين ليس هو له بصاحب، وأنه ينقل عنه إلى السلطان ما ليس هو مقصوده، بل ينهى عنه ما فيه دماره، فنزل إلى شرف الدين وأظهر له المباينة، وتوعّده بأمور، إن طالت يده، فانتدب عند ذلك شرف الدين له، ودبر عليه: وساعدته المقادير مع بغض الناس قاطبة له، حتى وقع ما حكيناه وادعى عليه بدعاو كثيرة. واستمر أبو الخير فى بيت القاضى شرف الدين «1» فى الترسيم، وهو يسمع من العامة والناس من أنواع البهدلة والسب مالا مزيد عليه مواجهة، بل يزدحمون على باب القاضى لرؤيته، وصارت تلك الحارة كبعض المفترجات، لعظم سرور الناس لما وقع لأبى الخير المذكور، حتى النساء وأهل الذمة، وأصبح من الغد نهار الجمعة، طلب السلطان خيوله ومماليكه فطلعوا بهم فى الحال، بعد أن شقوا بهم القاهرة، وازدحم الناس لرؤيتهم، فكانت عدة الخيول نيفا على أربعين فرسا، منها «2» بغال أزيد من عشرة، والباقى خيول خاصّ هائلة، والمماليك نحو [من] «3» عشرين نفرا، واستمر شرف الدين يتتبع آثاره وحواصله،

هذا بعد أن أشهد على أبى الخير المذكور، أن جميع ما يملكه من الأملاك والذخائر والأمتعة والقماش وغير ذلك، هو ملك السلطان الملك الظاهر، دون ملكه، [و] «1» ليس له فى ذلك «2» دافع ولا مطعن. ثم فى يوم السبت أول جمادى الآخرة، رسم بفتح حواصل أبى الخير، ففتحت، فوجد فيها من الذهب العين نحو سبعة عشر ألف دينار، ووجد له من الأقمشة والتحف والقرقلات «3» التى برسم الحرب، والصينى الهائل، والكتب النفيسة، أشياء كثيرة، ووجد له حجج مكتتبة على جماعة بنحو ثلاثين ألف دينار، فحمل الذهب العين إلى السلطان، وبعض الأشياء المستظرفة، وختم على الباقى، حتى تباع، ودام شرف الدين فى الفحص على موجوده، وأخرج السلطان جميع تعلقات النحاس من الإقطاعات والحمايات والمستأجرات وغير ذلك. ثم فى يوم الأحد ثانى جمادى الآخرة، خلع السلطان على المقر الجمالى ناظر الخواص، وعلى زين الدين الأستادار، خلعتى الاستمرار، [وخلع] «4» على شرف الدين موسى التّتائى، باستقراره فى جميع وظائف أبى الخير النحاس، وهم عدة وظائف ما بين نظر البيمارستان المنصورى، ونظر الجوالى، ونظر الكسوة، ووكالة بيت المال، ونظر خانقاه سعيد السّعداء، ووكيل السلطان، ووظائف أخر دينية، ومباشرات. ولبس شرف الدين خفّا ومهمازا وتولى جميع هذه الوظائف، عوضا عن أبى الخير دفعة واحدة. قلت: وما أحسن قول المتنبى فى هذا «5» المعنى: [الطويل] [151] بذا قضت الأيام ما بين أهلها ... مصائب قوم عند قوم فوائد

هذا والفقهاء والمتعممون «1» قد ألزموهم المماليك الجلبان بعدم ركوب الخيل، بحيث أنه لم يستجر أحد منهم أن يعلو على ظهر فرس، إلا أعيان مباشرى «2» الدولة، وجميع من عداهم، قد ابتاعوا البغال، وركبوها، حتى تزايد لذلك سعر البغال إلى أمثال ما كان أولا. ثم أمر السلطان فى اليوم المذكور، بنقل أبى الخير النحاس من بيت القاضى الشافعى يحيى المناوى، من سويقة الصاحب، إلى بيت المالكى ولىّ الدين السنباطى، بالدرب الأصفر «3» ، ليدّعى عليه عند القاضى المذكور بدعاو، فأخذه والى القاهرة ومضى به من بيت القاضى الشافعى إلى بيت المالكى، وقد أركبه حمارا، وشق به للقاهرة، والناس صفوف وجلوس بالشوارع والدكاكين، وهم ما بين شامت وضاحك ثم باك، فأما الشامت فهو من آذاه وظلمه، والضاحك من كان يعرفه قديما، ثم ترافع عليه، والباكى معتبر بما وقع له من ارتفاعه ثم هبوطه؛ قلت: وقد قيل فى الأمثال: «على قدر الصعود يكون الهبوط» . وسار به الوالى على تلك الهيئة إلى أن أدخله إلى بيت القاضى المالكى، وادعى عليه السيد الشريف شهاب الدين أحمد بن مصبح «4» [دلّال العقارات] «5» بدعوى شنعة «6» ، أوجبت وضع الجنزير فى رقبة أبى الخير النحاس، بعد أن كتب محضرا بكفره، وأقام الشريف البينة عند القاضى المالكى بذلك، فلم يقبل القاضى بعض البينة، واستمر أبو الخير فى بيت القاضى فى الترسيم على صفّة، نسأل الله السلامة من زوال النعم، إلى عصر يومه، فنقل إلى حبس الدّيلم على حمار، وفى رقبته الجنزير، ومر بتلك الحالة من

الشارع الأعظم، وعليه من الذل والصغار ما أحوج أعداءه الرحمة عليه، وحاله كقول القائل: [السريع] لم يبق إلا نفس خافت «1» ... ومقلة إنسانها باهت رثى «2» له الشامت مما به ... يا ويح من يرثى له الشامت «3» قلت: وأحسن من ذا «4» ، [قول] «5» من قال: يا من علا [و] «6» علوّه ... أعجوبة بين البشر غلط الزّمان برفع قد ... رك ثم حطّك واعتذر «7» ويعجبنى أيضا فى هذا المعنى، قول القائل: [البسيط] لو أنصفوا أنصفوا، لكن بغوا فبغى ... عليهم، فكأن العزّ لم يكن جاد الزّمان بصفو ثم كدّره ... هذا بذاك، ولا عتب على الزمن وقد سقنا أحوال أبى الخير هذا فى ترجمته فى تاريخنا «المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى» بأوسع من هذا، [إذ سياق] «8» الكلام منتظم مع سياقه «9» فى محل واحد؛

وأيضا قد حررنا أموره بأضبط من هذا، فى تاريخنا «حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور» «1» إذ هو موضوع لتحرير الوقائع، وما ذكرناه هنا، على سبيل الاستطراد من شىء إلى شىء. واستمر أبو الخير [بسجن الديلم إلى ما يأتى ذكره] «2» من خروجه من السجن، ونفيه، ثم حبسه، وجميع ما وقع له إلى يومنا هذا، إن شاء الله تعالى. وفى يوم حبس النحاس بحبس الدّيلم، ظهر القاضى ولىّ الدين السفطى من اختفائه، نحو ثمانية أشهر وسبعة أيام، وطلع من الغد فى يوم الخميس سادس جمادى الآخرة، إلى السلطان، فأكرمه السلطان، ونزل إلى داره، ثم فى يوم السبت ثامنه، ندب السلطان إينال الأشرفى المتفقّه، ليتوجه إلى دمشق، لكشف أخبار أبى الفتح الطيبى والفحص عن أمره. وفى هذه الأيام، ترادفت الأخبار من حلب وغيرها بمسير جهان شاه بن قرا يوسف، صاحب تبريز، على [معز الدين] «3» جهان گير بن على «4» بك بن قرايلك صاحب آمد، وأن جهان گير، ليس له ملجأ إلا القدوم إلى البلاد الحلبية مستجيرا بالسلطان، وأن جهان شاه يتبعه حيثما توجه، فتخوّف أهل حلب من هذا الخبر، [152] ونزح منها جماعة كثيرة، وغلا «5» بها ثمن ذوات الأربع، لأجل السفر منها، ومدلول هذه الحكايات طلب عسكر «6» يخرج من الديار المصرية إلى البلاد الشامية، فأوهم السلطان بخروج تجريدة، ثم فتر عزمه عن ذلك.

وفى هذه الأيام أشيع بالقاهرة أن أبا «1» الخير النحاس قد تجنّن فى سجنه، وأنه صار يخلط فى كلامه، قلت: وحقّ له أن يتجنن، فإنه كان فى شىء، ثم صار فى شىء، ثم عاد إلى أسفل ما كان، وهو أنه كان أولا فقيرا مملقا متحيلا على الرزق، دائرا على قدميه فى النّزه والأوقات، ثم وافته «2» السعادة على حين غفلة «3» حتى نال منها حظا كبيرا، ثم حطه الدهر يدا واحدة، فصار فى الحبس، وفى رقبته الجنزير، يترقب ضرب الرقبة، بعد ما وقع له من الإخراق والبهدلة وشماته الأعداء، وأخذ أمواله ما وقع، فهو معذور: دعوه يتجنن ويتفنن فى جنونه «4» . ثم فى يوم الأحد سادس عشر جمادى الآخرة، استغاث الشريف غريم النحاس على رؤوس الأشهاد، وقال: قد ثبت الكفر على غريمى النحاس، وأقيمت البينة، والقاضى لا يحكم بموجب كفره وضرب رقبته؛ وكان الشريف هذا قد وقف إلى السلطان قبل تاريخه، وذكر نوعا من هذا الكلام، فرسم السلطان للقاضى المالكى، أنه إن ثبت على أبى الخير المذكور كفر، فليضرب رقبته بالشرع، ولا يلتفت لما بقى عنده من مال السلطان، فإن حقّ النبي صلى الله عليه وسلم أبدا من «5» حق السلطان. فلما سمع الشريف ذلك؛ اجتهد غاية الاجتهاد، والقاضى يتثبت فى أمره؛ ثم بلغ القاضى المالكى مقالة الشريف هذه، فركب وطلع إلى السلطان واجتمع به وكلمه فى أمر النحاس، فأعاد السلطان عليه الكلام كمقالته أولا، وقال له كلاما معناه: أنّ هذا أمره راجع إليك، ومهما كان الشرع افعله معه، ولا تتعوّق لمعنى من المعانى، فقال القاضى المالكى: يا مولانا السلطان، قد فوّضت هذه الدعوى لنائبى القاضى كمال الدين بن عبد الغفار، فهو ينظر فيها بحكم الله تعالى؛ وانفض المجلس.

وكان السلطان قد أرسل فى أول هذا النهار جوهرا التركمانى الطّواشى، إلى أبى الخير النحاس، يسأله عن الأموال، ويهدده بالضرب وبالنكال، فلم يلتفت أبو الخير إلى ما جاء فيه جوهر، وقال: قد أخذ السلطان جميع مالى، وما بقى فهو يباع فى كل يوم. ثم أخذ أمر الشريف المدّعى على أبى الخير النحاس، فى انحلال، من كون [القاضى] «1» الشافعى أثبت فسق القاضى عز الدين البساطى، أحد نواب الحكم المالكى، وهو أحد من شهد على أبى الخير المذكور لأمر من الأمور، ولا نعرف على الرجل إلا خيرا، ووقع بسبب ذلك أمور، وعقد مجالس بالقضاة، بحضرة السلطان، وآل «2» الأمر [على] «3» أن السلطان حبس الشريف والشهود فى الحبس بالمقشرة، وتراجع أمر أبى الخير النحاس بعد ما أرجف بضرب رقبته غير مرة، ثم رسم السلطان فى اليوم الذي حبس فيه الجماعة المذكورة، بإخراج أبى الخير النحاس من حبس الديلم، وتوجّهه إلى بيت قاضى القضاة الشافعى، فأخرجه الوالى من سجن الديلم مجنزرا بين يديه، وشق به الشارع وهو راكب خلفه، ماش على قدر مشية النحاس، إلى أن أوصله إلى بيت القاضى الشافعى، بخط سويقة الصاحب، وقد ازدحمت الناس لرؤيته، وكان الوقت قبيل العصر بنحو العشر درج؛ ومرّ أبو الخير على مواضع كان يمر بها فى موكبه أيام عزه، والناس بين يديه؛ وبالجملة فخروجه الآن من حبس الديلم، خير من توجهه إليه من بيت القاضى المالكى، والمراد به الآن خير مما كان يراد به بعد «4» ذاك. ولما وصل أبو الخير إلى بيت القاضى الشافعى، أسلمه والى القاهرة إليه، فأمر القاضى فى الوقت، برفع الجنزير من عنقه، ثم قام بعد ساعة، شخص وادعى على أبى الخير بدعاو كثيرة شنعة، اعترف أبو الخير ببعضها، وسكت عن البعض، فحكم القاضى عند ذلك بإسلامه، وحقن دمه، وفعل ما وجب عليه من التعزير، بمقتضى مذهبه،

وسلمت مهجته، بعد أن أيقن كلّ أحد بسفك دمه، وذهاب روحه، وذلك لعدم أهلية أخصامه، وضعف شوكتهم، وعدم مساعدة المقر الجمالى ناظر الخواص «1» على قتله، فإنه لم يتكلم فى أمره من يوم أمسك [153] ، إلا فيما يتعلق به من شأنه، ولم يداخلهم فيما هم فيه البتة، مع أنه كان لا يكره ذلك، لو وقع، غير أنه لم يتصدّى لهذا الأمر فى الظاهر بالكلية، احتفاظا لرئاسته ودينه. وأنا أقول: لو كان أمر النحاس هذا مع ذلك الجزار جمال الدين الأستادّار، أو غيره من أمثاله، لألحقوه بمن تقدمه من الأمم السالفة، ولكن «لكل أجل كتاب» . وبعد أن عزّره القاضى، أمر بالترسيم عليه، حتى يتخلص من تعلقات السلطنة. ثم فى يوم الجمعة ثامن عشرين جمادى الآخرة، رسم السلطان بالإفراج عن الشريف غريم النحاس، وعن الشهود من حبس المقشرة؛ ورسم بنفى النحاس إلى مدينة طرسوس، محتفظا به، وأنه يقيد ويجنزر من خانقاه سرياقوس، فمضى جانبك الوالى إليه، وأخرجه من بيت القاضى الشافعى راكبا على فرس فى الثلث الأول من ليلة السبت تاسع عشرينه، وذلك بعد أن حلف أبو الخير المذكور فى أمسه يمينا مغلظا بمجلس قاضى القضاة شرف الدين يحيى المناوى، أنه لم يبق معه شىء من المال غير مبلغ يسير جدا، برسم النفقة، وأنه صار فقيرا لا يملك ما قلّ ولا جلّ، فسبحان المطلع على السرائر. وفرغ هذا الشهر والناس فى جهد وبلاء من غلوّ الأسعار فى جميع المأكولات، وتزايد أثمل البغال، لكثرة طلابها من الفقهاء والمتعممين، لشدة المماليك الجلبان فى منعهم من ركوب الخيل. ثم فى يوم الخميس رابع «2» [شهر] «3» رجب، برز الأمير سونجبغا اليونسى الناصرى من القاهرة، إلى بركة الحاج أمير الرجبية، وسافر فى الركب المذكور الأمير

جرباش المحمدى الناصرى المعروف بكرد أحد مقدمى الألوف وصحبته زوجته خوند شقراء بنت الملك الناصر فرج [وعيالهما] «1» ، وسافر معه أيضا الأمير تغرى برمش السيفى يشبك «2» ابن أزدمر الزّردكاش، أحد أمراء الطبلخانات، وعدة كبيرة من أعيان الناس وغيرهم، وسافر الجميع فى يوم الاثنين ثامنه. ثم فى يوم الأحد رابع عشر شهر رجب، الموافق لسلخ مسرى أحد شهور القبط، أمر السلطان الشيخ عليّا «3» المحتسب أن يطوف فى شوارع القاهرة، وبين يديه المدراء «4» ، يعلمون الناس بأن فى غد يكون الاستسقاء بالصحراء لتوقف النيل عن الزيادة؛ وأصبح من الغد فى يوم الاثنين خامس عشره، وهو أول يوم من أيام النّسىء «5» ، خرج قاضى القضاة شرف الدين يحيى المناوى، إلى الصحراء ماشيا من داره بين الخلائق من الفقهاء والفقراء والصوفية، إلى أن وقف بين تربة الملك الظاهر برقوق، وبين قبة النصر، قريبا من الجبل، ونصب له هناك منبر، وحضر الخليفة وبقية القضاة، وصاروا فى جمع موفور من العالم من سائر الطوائف، وخرجت اليهود والنصارى بكتبهم، وصلى قاضى القضاة المذكور بجماعة من الناس ركعتين خفيفتين، ودعا الله سبحانه وتعالى، بإجراء النيل، وأمّن الناس على دعائه وعظم ضجيج الخلائق من البكاء والنحيب والتضرع إلى الله تعالى ودام ذلك من بعد طلوع الشمس إلى آخر الساعة الثانية من النهار المذكور، ثم انصرفوا على ما هم عليه من الدعاء والابتهال إلى الله تعالى، فكان هذا اليوم من الأيام التى لم نعهد بمثلها.

وفى هذا اليوم، ورد كتاب خير بك النّوروزى نائب غزة، يتضمن أن أبا الخير النحاس توعّك وأنه يسأل أن يقيم بغزة، إلى أن ينصل من مرضه، ثم يسافر إلى طرسوس، فكتب الجواب إليه بالتوجه إلى طرسوس من غير أن يتعوق اليوم الواحد. ثم فى يوم الخميس ثامن عشره، خرج الخليفة والقضاة الأربعة «1» إلى الاستسقاء ثانيا، بالمكان المذكور، وخرجت الخلائق، وصلى القاضى الشافعى، وخطب خطبة طويلة، وقد امتلأ الفضاء بالعالم، وطال وقوف الناس فى الدعاء فى هذا اليوم، بخلاف يوم الاثنين. وبينما الناس بدعائهم، ورد منادى البحر، ونادى بزيادة أصبع واحد من النقص، فسرّ الناس بذلك سرورا عظيما، ثم انفضّ الجمع. وعادوا إلى الاستسقاء أيضا من الغد فى يوم الجمعة ثالث مرة، وخطب القاضى على عادته فتشاءم الناس بوقوع خطبتين فى يوم واحد، فلم يقع إلا الخير والسلامة من جهة الملك، واستمر البحر فى زيادة ونقص إلى يوم الخميس عاشر شعبان الموافق لعشرين توت «2» [154] فأجمع رأى السلطان على فتح خليج السد، من غير تخليق «3» المقياس، وقد بقى على الوفاء ثمانية أصابع لتكملة ستة عشر ذراعا، فنزل والى القاهرة ومعه بعض أعوانه، وفتح سدّ الخليج، ومشى الماء فى الخلجان مشيا هينا، فكان هذا اليوم من الأيام العجيبة، من كثرة بكاء الناس ونحيبهم، ومما هالهم من أمر هذا النيل. وقد استوعبنا أمر زيادته من أوله إلى آخره فى تاريخنا «حوادث الدهور» ، وما وقع بسببه من التوجه إلى المقياس بالقراء والفقهاء [مرارا] «4» وكذلك إلى الآثار النبوى «5» ، وتكالب

الناس على الغلال «1» ، ونهب الأرغفة من على الحوانيت، وأشياء كثيرة من هذا النموذج، يطول الشرح فى ذكر ها هنا «2» . وفى هذه الأيام، ورد الخبر على السلطان بفرار تمراز البكتمرى المؤيدى المصارع، شادّ بندر جدّة، من جدة، إلى جهة الهند؛ وكان من خبره أن تمراز لما سار واستولى على ما تحصل من البندر من العشر، من الذي خصّ السلطان، بدا له أن يأخذ جميع ما تحصل عنده، ويتوجه إلى الهند عاصيا على السلطان، فاشترى مركبا مروّسا بألف دينار، من شخص يسمى يوسف البرصاوى «3» [الرومى] «4» وأشحنها بالسلاح والرجال، يوهم أنه ينزل فيها ويعود بما تحصل معه إلى مصر، فلما تهيأ أمره، أخذ جميع ما تحصل من المال وهو نحو الثلاثين ألف دينار، وسافر إلى جهة اليمن، وبلغ السلطان ذلك من كتاب الشريف بركات صاحب مكة، فعظم ذلك على السلطان، وعدّد ولاية تمراز هذا من جملة ذنوب النحّاس، ثم طلب السلطان مملوكه الأمير جانبك الظاهرى وخلع عليه باستقراره على التكلم على بندر جدّة، على عادته، ليقوم بهذا الأمر المهم الذي ليس فى المملكة من ينهض به غيره، وأعنى من تمراز، والفحص عليه والاجتهاد فى تحصيله؛ وتجهّز الأمير جانبك، وخرج إلى البندر على عادته، بأجمل زى وأعظم حرمة.

وأما تمراز فإنه لما سافر من بندر جدّة إلى جهة بلاد الهند، صار كلما أتى إلى بلد ليقيم به، تستغيث تجار تلك البلد بحاكمها، ويقولون: «أموالنا بجدّة، ومتى ما علم صاحب جدة أنه عندنا، أخذ جميع مالنا، بسبب دخول تمراز هذا عندنا؛ فإنه قد أخذ مال السلطان وفرّ من جدة» ، فيطرده حاكم تلك البلد. ووقع له ذلك بعدة بلاد، وتحيّر فى أمره، وبلغ مسيره على ظهر البحر ستة أشهر، فعند ما عاين الهلاك، أرمى بنفسه بجميع ما معه فى مركبه، إلى مدينة كالكوت، وحاكم كالكوت سامرىّ، وجميع أهل البلد سمرة، وبها تجار غير سمرة، وأكثرهم من المسلمين، فثار «1» التجار، واستغاثوا بالسامرىّ، وقالوا له مثل مقالة غيرهم «2» ، كل ذلك مراعاة لجهة جانبك نائب جدّة. وكنت أستبعد أنا ذلك، إلى أن أوقفنى مرة الأمير جانبك المذكور، على عدة مطالعات، وردت عليه من السامرى المذكور، وكلّ كتاب منهم، يشتمل على نظم ونثر وكلام فحل فائق، لا أدرى ذلك لفضيلة السامرى أو من كتّابه، وفى ضمن بعض الكتب الواردة صفة قائمة مكتوب «3» فيها [عدة] «4» الهدية التى أرسلها صحبة الكتاب المذكور، والقائمة خوصة، لعلها من ورق شجر جوز الهند، طول شبر ونصف، فى عرض إبهام، مكتوب عليها بالقلم الهندى خط «5» باصطلاحهم، لا يعرف يقرأه إلا أبناء جنسهم، فى عاية الحسن والظرف- انتهى. ولما تكلم التجار المسلمون وغيرهم مع السامرى «6» فى أمر تمراز، أراد السامرى مسك تمراز، فأحس تمراز بذلك، فأرسل إلى السامرى هدية هائلة، فأعاد عليه السامرى الجواب ب: «إن التجار يقولون إن معك مال السلطان» ، فقال تمراز: «نعم،

أخذت المال لأشترى به [للسلطان] «1» فلفلا» ، فقال له السامرى: «اشتر «2» به فى هذا الوقت، واشحنه فى مراكب التجار» ، فاشترى به «3» تمراز الفلفل وأشحنه فى مركبين للتجار، والباقى أشحنه فى المركب المروّس الذي تحته، وسار تمراز وقصد بندر جدّة، إلى أن وصل باب المندب من عمل اليمن، عند مدينة عدن، فأخذ المركبين المشحونين بالفلفل [155] وتوجّه بهما إلى جزيرة مقابلة الحديدة تسمى كمران «4» ، فحضر أكابر الحديدة إلى عند تمراز المذكور، وحسنوا له أخذ مملكة اليمن جميعها، فمال تمراز إلى ذلك، وخرج إلى بلدهم وأخذ معه جميع ما «5» كان له بالمركب. ثم قال له أهل الحديدة: «لنا عدوّ، وما نقدر نملك اليمن حتى ننتصر عليه، وبلد العدو تسمى سحيّة» «6» ، فأجمع تمراز على قتال المذكورين، وركب معهم وقصد عدوّهم. والتقى «7» الجمعان، فكان بينهم وقعة قتل فيها تمراز المذكور، وقتل معه جماعة من أصحابه، وسلم ممن كان معه شخص من المماليك السلطانية، يسمى أيضا تمراز [وهو حتى إلى يومنا هذا. فلما بلغ الأمير جانبك موت تمراز] «8» ، أرسل شخصا من

الخاصكية «1» الظاهرية ممن كان معه بجدة، يسمى تنم رصاص «2» ، ومعه كتب جانبك المذكور إلى الحديدة، بطلب ما كان مع تمراز جميعه، فتوجّه تنم إلى الحديدة، فتلقاه أهلها بالرحب والقبول، وسلموه جميع ما كان مع تمراز، والمركب المروّس وغير ذلك. فعاد تنم بالجميع إلى جدة، بعد أن استبعد كل أحد رجوع المال، فأرسل الأمير جانبك يخبر السلطان بذلك كلّه، فلما ورد عليه هذا الخبر، سربه وشكر جانبك المذكور على ذلك- انتهى «3» . ثم فى يوم الأربعاء، سابع شهر رمضان، وصل الأمير تنبك البردبكى المعزول عن حجوبية الحجاب قبل تاريخه، من ثغر دمياط، بطلب من السلطان، وطلع إلى القلعة وقبّل الأرض بين يدى السلطان، ووعد بخير، ورسم له بالمشى فى الخدمة السلطانية على عادته أولا، لكنه لم ينعم عليه بإقطاع ولا إمرة. وفى هذه الأيام، رسم السلطان لنائب طرسوس بالقبض على أبى الخير النحاس، وضربه على سائر جسده خمسمائة عصاة، وأن يأخذ جميع ما كان معه من المماليك والجوارى؛ وخرج المرسوم بذلك على يد نجّاب، ووقع ما رسم به السلطان. ثم فى يوم الاثنين سادس [عشرين] «4» شهر رمضان، ورد الخبر من الشأم بضرب رقبة أبى الفتح الطيبى، أحد أصحاب أبى الخير النحاس؛ بحكم القاضى المالكى بدمشق، فى ليلة الأربعاء رابع [عشر] شهر رمضان المذكور، بعد أن ألغى حكم القاضى برهان الدين إبراهيم السوبينى الشافعى، بعد عزله بعد أمور وقعت حكيناها فى الحوادث «5» . ثم فى يوم الاثنين سابع [عشر] شوال؛ برز الأمير تمربغا الظاهرى الدّوادار

الثانى، أمير حاج المحمل، بالمحمل، إلى بركة الحاج، وأمير الركب الأول خير بك الأشقر المؤيدى أحد أمراء العشرات، وكان الحج قليلا جدا فى هذه السنة، لعظم الغلاء بالديار المصرية وغيرها. ثم فى يوم الخميس خامس ذى القعدة، برز المرسوم الشريف باستقرار الأمير جانبك التاجىّ «1» المؤيدى نائب بيروت، فى نيابة غزة، بعد عزل خيربك النوروزى عنها، وتوجهه إلى دمشق بطالا. ثم فى يوم الاثنين سادس عشر ذى القعدة، ورد الخبر على السلطان بموت الأمير تغرى برمش الزردكاش بمكة المشرفة؛ وكان المخبر بموته، جانبك الظاهرى الخاصكى البواب [عفريت] «2» ، فأنعم السلطان فى يوم الخميس تاسع عشره، على السيفى دقماق اليشبكى، الخاصّكى، بإمرة عشرة، من إقطاع تغرى برمش الزردكاش، وأنعم بباقيه على الأمير قراجا الظاهرى الخازندار، زيادة على ما بيده ليكمل ما بيده إمرة طبلخاناة؛ وأنعم بإقطاع دقماق، ربع تفهنة «3» ، على جانبك الأشرفى الخازندار الخاصكى، وهو بوم ذاك من جملة الدّوادارية. ثم خلع السلطان فى يوم الاثنين ثالث عشرينه، على دقماق المذكور، باستقراره زرد كاشيّا كبيرا، عوضا عن تغرى برمش المذكور، فأقام دقماق فى الزّردكاشيّة خمسة أيام، وعزل عن الوظيفة، واسترجع السلطان منه الإمرة المنعم عليه بها من إقطاع تغرى برمش وأعيد إليه إقطاعه القديم، وقد ذكرنا سبب عزله فى «حوادث الدهور»

[156] مفصلا «1» ، واستقر الأمير لاجين الظاهرى زردكاشا، ولما أعيد إلى دقماق إقطاعه القديم، صار جانبك الأشرفى الخازندار بلا إقطاع، لأن السلطان كان أنعم بإقطاعه على جانبك الظاهرى البواب القادم من مكة، وساعد جانبك الأشرفىّ جماعة من الأعيان فى رد إقطاعه الأول عليه، أو ينعم عليه السلطان بالإمرة المسترجعة من دقماق، فلم يحسن ببال السلطان أخذ الإقطاع من جانبك الظاهرى؛ فحينئذ لزمه أن يعطى جانبك الخازندار هذه الإمرة المذكورة فأنعم عليه بها، فجاءت «2» جانبك السعادة بغتة، من غير أن يترشح لذلك قبل تاريخه. وخلع السلطان على السيفى قايتباى الظاهرى الخاصكى باستقراره دوادارا، عوضا عن جانبك الخازندار المذكور، فإنه كان بقى من جملة الدوادارية، غير أنه كان لا يعرف إلا بالخازندار، [و] «3» الظريف إلى يومنا هذا. ثم فى يوم الخميس ثالث ذى الحجة، خلع السلطان على القاضى ولىّ الدين الأسيوطى «4» باستقراره فى [مشيخة] «5» المدرسة الجمالية بعد موت ولى الدين السّفطى. ثم فى يوم الأحد ثالث عشر ذى الحجة، رسم السلطان بالإفراج عن الأمير يشبك الصوفى المؤيّدى المعزول عن نيابة طرابلس، من سجن الإسكندرية وتوجّهه إلى ثغر «6» دمياط بطّالا. وفى يوم الاثنين رابع عشره، وصل كتاب الناصرى محمد بن مبارك نائب البيرة، يخبر أنه ورد عليه كتاب الأمير رستم، مقدم عساكر جهان شاه [بن] «7» قرا يوسف،

ما وقع من الحوادث سنة 855

يتضمن أنه قبض على الأمير بيغوت [من صفر خجا] «1» المؤيّدى [الأعرج] «2» المتسحّب من نيابة حماه إلى جهان گير بن قرايلك، وأنه أخذ جميع ما كان معه وجعله فى الترسيم. فكتب له الجواب بالشكر والثناء عليه، وطلب بيغوت المذكور منه، وقد أوضحت أمر بيغوت هذا فى كتابنا «حوادث الدهور» من أول أمره إلى آخره «3» . [ما وقع من الحوادث سنة 855] ثم فى يوم الخميس أول محرم سنة خمس وخمسين وثمانمائة، خلع السلطان على الأمير مرجان العادلى المحمودى الحبشى «4» نائب مقدم المماليك السلطانية، باستقراره مقدم المماليك، عوضا عن جوهر النّوروزى، بحكم إخراجه إلى القدس الشريف بطالا، [و] «5» استقر الطواشى عنبر خادم التاجر نور الدين على الطنبذى فى نيابة المقدم، عوضا عن مرجان المذكور. ثم فى يوم الاثنين خامس المحرم، كانت مبايعة الخليفة القائم بالله حمزة، بالخلافة، عوضا عن أخيه أمير المؤمنين المستكفى بالله سليمان، بعد وفاته، حسبما يأتى ذكر وفاته فى الوفيات من هذا الكتاب. ثم فى يوم السبت تاسع صفر، وصل إلى القاهرة، قصّاد جهان شاه بن قرا يوسف صاحب تبريز وغيرها، وطلعوا إلى القلعة فى يوم الاثنين حادى عشره، بعد أن عمل

السلطان لهم موكبا جليلا «1» بالحوش من قلعة الجبل، وقدّموا ما على أيديهم من الهدية وغيرها «2» . ثم فى يوم الأحد سابع عشر صفر، ورد الخبر بقدوم الأمير بيغوت نائب حماة، الخارج عن الطاعة، إلى حلب، وصحبة القاصد الوارد بهذا الخبر، عدة مطالعات من نواب البلاد الشأمية فى الشفاعة فى بيغوت المذكور، كونه كان تخلص من أسر رستم وقدم هو بنفسه إلى طاعة السلطان، فكتب السلطان بإحضار بيغوت المذكور على أحسن وجه، وقبل السلطان شفاعة الأمراء فيه. ثم فى يوم الاثنين ثامن عشره، عمل السلطان مدة هائلة لقصّاد جهان شاه بالقلعة، ثم أنعم عليه بمبلغ ألفى دينار فى يوم الأربعاء العشرين منه، وأنعم أيضا على الأمير قانم التاجر المؤيدى أحد أمراء العشرات بألفى دينار، وكان ندبه للتوجه فى الرسلية إلى جهان شاه صحبة قصّاده، فخرج قانم فى يوم الجمعة ثانى عشرين صفر. ثم فى يوم الأحد ثانى شهر ربيع الأول، من سنة خمس وخمسين المذكورة، نزل السلطان إلى عيادة زين الدين يحيى الأستادار، لانقطاعه عن الخدمة، وكان سبب انقطاعه عن الخدمة السلطانية أن المماليك السلطانية أوقعوا به بباب «3» [157] القلة «4» من قلعة الجبل، وضربوه وجرح فى رأسه، من شجة، ونزل محمولا إلى داره على أقبح حال. ولم يطل السلطان الجلوس عنده، وركب من عنده، وتوجّه إلى بيت عظيم الدوله المقر الجمالى ناظر الخواص، [ونزل عنده وأقام قليلا، ثم ركب وعاد إلى القلعة وأصبح

من الغد كلّ واحد من الجمالى ناظر الخواص] «1» وزين الدين الأستادار، جهزّ للسلطان تقدمة هائلة ذكرنا تفصيلها فى الحوادث «2» . ثم فى يوم السبت ثالث عشر شهر ربيع الآخر، وصل الأمير بيغوت الأعرج [من صفرخجا] «3» المؤيدى نائب حماه كان، إلى القاهرة، وطلع إلى السلطان، وقبل الأرض بين يديه، وخلع السلطان عليه سلاريّا أحمر بفرو سمور، ووعده بخير «4» . ثم فى يوم الاثنين خامس عشر شهر ربيع الآخر المذكور، سافر الأمير أسنباى الجمالى الظاهرى أحد أمراء العشرات إلى بلاد الروم، لتولية خوندكار محمد السلطنة، بعد وفاة أبيه مراد بك. وفى هذا الشهر، أشيع بالقاهرة، أن السلطان ذكر أبا «5» الخير النحاس بخير، وأنه فى عزمه الإفراج عنه والرضا عليه، فبلغ السلطان ذلك، فبرز مرسومه إلى نائب طرسوس بضرب النحاس مائة عصاة افتقده بها. ثم فى يوم الثلاثاء ثامن جمادى الأولى، سافر الأمير بيغوت إلى دمشق؛ ليقيم بها «6» بطّالا، بعد أن رتب له فى كل شهر مائة دينار برسم النفقة، إلى أن ينحلّ له إقطاع «7» . ثم فى يوم الخميس رابع [عشر] «8» شهر رجب وصل الأمير قائم المؤيدى المتوجه إلى جهان شاه فى الرسلية، إلى القاهرة مريضا فى محفة. ثم فى يوم الاثنين تاسع شعبان، وصل الأمير جانبك نائب جدّة إلى القاهرة، وخلع السلطان عليه، ونزل إلى داره فى موكب جليل إلى الغاية.

ثم فى يوم الخميس تاسع عشر شعبان، ورد الخبر على السلطان بموت الأمير بردبك العجمى الجكمى، أحد مقدمى الألوف بدمشق، فأنعم السلطان بإقطاعه على الأمير بيغوت الأعرج المؤيدى. ثم فى يوم الأحد ثانى عشرينه، نزل السلطان من القلعة وشق القاهرة، وسار حتى نظر المدرسة التى جدد بناءها الجمالى ناظر الخواص، بسويقة الصاحب، ثم عاد من المدرسة، ونزل إلى بيت ابنته زوجة الأمير أزبك من ططخ الساقى الظاهرى، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، بدرب الطنبذى بسويقة الصاحب، وأقام عندها ساعة جيدة، ثم ركب وطلع إلى القلعة. وبعد طلوعه أرسل إلى الأمير أزبك بعدة خيول خاص ومماليك وأصحن حلوى كثيرة، فقبل الحلوى ورد ما سواها. ثم فى يوم الاثنين ثالث عشرين شعبان من سنة خمس وخمسين المذكورة، رسم السلطان بتفرقة دراهم الكسوة، على المماليك السلطانية على العادة فى كل سنة، لكل مملوك ألف درهم، فامتنعوا من الأخذ، وطلبوا الزياده، وبلغ السلطان الخبر، فغضب من ذلك وخرج من وقته ماشيا حتى وصل إلى الإيوان، وجلس على السّلّمة السفلى بالقرب من الأرض، واستدعى كاتب المماليك أسماء جماعة فلم يخرج واحد، وصمموا على طلب الزيادة، وصاروا عصبة واحدة، فلم يسع السلطان إلا أن دعا عليهم، وقام غضبانا، وسار حتى وصل إلى الدّهيشة. واستمروا المماليك على ما هم عليه، وحصل أمور، إلى أن وقع الاتفاق على أنه يكون لكل مملوك من المماليك السلطانية ألفا «1» درهم، ورضوا بذلك، وأخذوا النفقة المذكورة، وقد تضاعف أمرها على ناظر الخاص. ثم استهل [شهر] «2» رمضان، أوله الاثنين والناس فى أمر مريج من الغلاء المفرط فى سائر المأكولات لا سيما اللحوم، هذا مع اتساع الأراضى بالرى، واحتاجت الفلاحون

إلى التقاوى والأبقار، وقد عزّ وجود البقر حتى أبيع الزوج البقر الهائل، بمائة وعشرين دينارا، وما دونها، وأغرب من ذلك ما حدثنى السيفى إياس خازندار الأتابك آقبغا التمرازى، بحضرة الأمير أزبك الساقى، أنه رأى ثورا هائلا، ينادى عليه بأربعين ألف درهم «1» ، فاستبعدت أنا ذلك، حتى قال [158] الأمير أزبك: «نعم، وأنا سمعته أيضا يقول هذا الخبر للمقر الجمالى ناظر الخواص» . ثم استشهد إياس المذكور بجماعة كثيرة على صدق مقالته، وهذا شىء لم نعهد بمثله. هذا مع كثرة الفقراء والمساكين، ممن افتقر فى هذه السنين المتداولة بالغلاء والقحط، مع أنه تمفقر خلائق كثيرة ممن ليس له مروءة، وأمسك فى هذه الأيام جماعة كثيرة من البيعة، ومعهم لحوم الدواب الميتة، ولحم الكلاب، يبيعونها [على الناس] «2» ، وشهروا بالقاهرة، وقد استوعبنا أمر هذا الغلاء وما وقع فيه من الغرائب من ابتداء أمره إلى آخره، وقد مكث نحو الأربع سنين فى تاريخنا «حوادث الدهور فى «3» مدى الأيام والشهور» ، محررا باليوم والساعة «4» . ثم فى يوم الخميس حادى عشر شهر رمضان استقر الناصرى [ناصر الدين] «5» محمد ابن مبارك [نائب البيرة] «6» فى حجوبية دمشق؛ بعد عزل الأمير جانبك الناصرى؛ وتوجهه إلى القدس بطّالا.

ووقع فى هذا الشهر، أعنى عن شهر رمضان، غريبة، وهى أن جماعة أرباب التقويم والحساب أجمعوا على أنه يكون فى أوائل العشر الأخير من هذا الشهر قران نحس يكون فيه قطع عظيم؛ على السلطان الملك الظاهر جقمق، ثم فى أواخر العشر المذكور يكون قران آخر، ويستمر القطع على السلطان من أول العشر إلى آخره، وأجمعوا على زوال السلطان بسبب هذه القطوع، فمضى هذا الشهر والسلطان فى خير وسلامة، فى بدنه وحواسه، ولازمته أنا فى العشر المذكورة ملازمة غير العادة، لأرى ما يقع له من التوعك أو الأنكاد، أو شىء يقارب مقالة هؤلاء، ليكون لهم مندوحة فى قولهم، فلم يقع له فى هذه المدة ما كدّر عليه؛ ولا تشوّش فى بدنه، ولا ورد عليه من الأخبار ما يسوء؛ ولا تنكد بسب من الأسباب؛ وقد كان شاع هذا القول حتى لعله بلغ السلطان أيضا، وفرغ الشهر، ولم يقع شىء مما قالوه بالكليّة؛ ويأبى الله إلا ما أراد؛ ويعجبنى فى هذا المعنى قول القائل، ولم أدر لمن هو: [البسيط] دع المنجّم يكبو فى ضلالته ... إن ادّعى علم ما يجرى به الفلك تفرّد الله بالعلم القديم فلا ... الإنسان «1» يشركه فيه ولا الملك ومثل هذا أيضا، وأظنه قد تقدم ذكره: [البسيط] دع النجوم لطرقىّ يعيش بها ... وبالعزيمة فانهض أيها الملك إن النّبيّ وأصحاب النّبيّ نهوا ... عن النجوم وقد أبصرت ما ملكوا ثم فى يوم الجمعة ثالث شوال، ورد الخبر بموت يشبك الحمزاوى نائب صفد بها، فى ليلة السبت سابع عشرين «2» شهر رمضان، فرسم السلطان بنيابة صفد للأمير بيغوت الأعرج ثانيا، وحمل إليه التقليد والتشريف «3» على يد الأمير يشبك الفقيه المؤيّدى، بنيابة صفد؛ ويشبك المذكور من محاسن الدنيا، نادرة فى أبناء جنسه؛ وأنعم بتقدمة

بيغوت بدمشق، على الناصرى محمد بن مبارك حاجب حجاب دمشق؛ وأنعم بإقطاع ابن المبارك، على آقباى السيفى جارقطلو، المعزول عن نيابة سيس. وفيه أيضا، استقر خير بك النوروزى المعزول عن نيابة غزة قبل تاريخه، أتابك صفد، كلاهما: أعنى خير بك وآقباى، بالبذل، لأنهما من أطراف الناس، لم تسبق لهما رئاسة بالديار المصرية. ثم فى يوم السبت رابعه، استقر السّوبينى فى قضاء طرابلس، واستقر [الشمس] «1» ابن عامر فى قضاء المالكية بصفد. ثم فى يوم الاثنين سادسه، استقر [الزينى] «2» الطّواشى سرور الطربائى [الحبشى] «3» ، فى مشيخة الخدام بالحرم النبوى، بعد عزل الطواشى فارس الرومى الأشرفى. ثم فى يوم الخميس سادس عشر شوال، أعيد القاضى حميد الدين [النعمانى] «4» إلى قضاء الحنفية بدمشق، بعد عزل القاضى قوام الدين. وفيه خلع السلطان على المقر الجمالى ناظر الخواص، خلعة هائلة لفراغ الكسوة المجهزة لداخل البيت العتيق. ثم فى يوم السبت ثامن عشره، برز أمير حاجّ المحمل الأمير سونجبغا اليونسى [159] بالمحمل إلى بركة الحاج. ثم فى يوم الثلاثاء سابع عشرين ذى القعدة، أنعم السلطان على الأمير تنبك البردبكى المعزول عن حجوبية الحجاب قبل تاريخه، بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، بعد موت الشهابى أحمد بن على بن إينال اليوسفى. ثم فى يوم الخميس سادس ذى الحجة من سنة خمس وخمسين المذكورة، قدم الأمير أسنباى الجمالى الظاهرى، أحد أمراء العشرات من بلاد الروم. ثم فى يوم الثلاثاء حادى عشر ذى الحجة، استقر عمر الكردى، أحد أجناد الحلقة

ما وقع من الحوادث سنة 856

[فى] «1» أستادّارية السلطان بدمشق [واستقر شخص يسمى يونس الدمشقى، يعرف بابن دكدوك، فى أستادّارية السلطان الكبرى بدمشق] «2» ، وعمر المذكور، ويونس هذا، [هما] «3» من الأوباش الأطراف، وكلاهما ولى بالبذل. [ثم] «4» فى يوم الخميس سابع عشرين ذى الحجة، وصل الأمير يشبك الفقيه من صفد، بعد ما قلد نائبها الأمير بيغوت. [ما وقع من الحوادث سنة 856] ثم فى يوم الاثنين أول محرم سنة ست وخمسين وثمانمائة، أعيد القاضى جمال الدين يوسف الباعونى إلى قضاء دمشق، بعد عزل السراج الحمصى، بسفارة عظيم الدولة ناظر الخواص. ثم فى يوم الثلاثاء [ثالث عشرينه] «5» ، وصل أمير حاجّ المحمل بالمحمل. وفيه سافر الأمير جانبك الظاهرى نائب جدة [إلى] «6» البندر المذكور «7» . ثم فى [يوم] «8» الاثنين سادس صفر، استعفى الأمير ألطنبغا الظاهرى برقوق [المعلم] «9» اللفّاف، أحد مقدمى الألوف، من الإمرة، فأعفى لطول مرضه وعجزه عن الحركة، وأنعم السلطان بإقطاعه على ولده المقام الفخرى عثمان، زيادة على ما بيده من تقدمة أخيه الناصرى محمد قبل تاريخه، فصار بيده تقدمة أخيه وهذه التقدمة. ثم فى يوم الجمعة ثانى شهر ربيع الأول «10» ، حضر المقام الفخرى عثمان صلاة الجمعة، عند أبيه بجامع القلعة، ورسم له والده السلطان أن يمشى الخدمة على عادة أولاد الملوك. ثم فى يوم الخميس ثامن شهر ربيع الأول المذكور، خلع السلطان على القاضى محب

الدين محمد بن الأشقر، ناظر الجيش، باستقراره كاتب السر الشريف، عوضا عن القاضى كمال الدين بن البارزى بعد موته. وخلع السلطان أيضا على المقرّ الجمالى ناظر الخواص، باستقراره ناظر الجيوش المنصورة زيادة على ما بيده من نظر الخاص وغيره. ثم فى يوم السبت سابع عشره، نودى بالقاهرة، على الذهب الظاهرى الأشرفى، كل دينار بمائتى درهم وخمسة وثمانين «1» درهما، وهدّد من زاد فى صرفه على ذلك. ثم فى يوم الاثنين، ثالث شهر ربيع الآخر، استقر الشريف معز «2» فى إمرة الينبوع، عوضا عن عمه سنقر [بن وبير] «3» ؛ وفيه نقل يشبك الصوفى المؤيّدى المعزول عن نيابة طرابلس، من ثغر دمياط إلى القدس بطالا. ثم فى يوم السبت ثامن عشرين جمادى الأولى، أنعم السلطان على مملوكه جانم الساقى الظاهرى، بإمرة عشرة، بعد موت الأمير برسباى الساقى المؤيدى. ثم فى يوم السبت حادى عشر شهر رجب، وصل إلى القاهرة الأمير حاج إينال اليشبكى، نائب الكرك، وخلع السلطان عليه باستمراره. ثم فى يوم السبت ثامن عشر رجب المذكور، أنعم السلطان على حاج إينال المذكور بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، عوضا عن الأمير مازى «4» الظاهرى برقوق، بحكم لزومه بيته، واستقر فى نيابة الكرك عوضا عن حاج إينال، طوغان، مملوك آقبردى المنقار، نقل إليها من دوادارية السلطان بدمشق، واستقر فى دوادارية السلطان بدمشق، خشكلدى الزينى عبد الرحمن بن الكويز الدوادار، واستقر عوضا عن خشكلدى فى الدوادارية الثالثة «5» شخص من أولاد الناس، ممن كان فى خدمة الملك الظاهر قديما، يعرف بابن جانبك، لا يعرف له نسب ولا حسب.

وفى هذه الأيام أشيع بالقاهرة، بمجيء النحاس إلى الديار المصرية، وأنه وصل على النّجب، وأنه نزل بتربة الأمير طيبغا الطويل بالصحراء خارج القاهرة، ثم انتقل [160] منها إلى القاهرة، وتحدث الناس برؤيته، وتعجب الناس من ذلك، واستغربت أنا وغيرى مجيئه من أن السلطان من يوم نكبه وصادره وحبسه ثم نفاه إلى طرسوس، ثم حبسه بقلعة طرسوس على أقبح وجه، وصار فى الحبس المذكور فى غاية الضيق، ونال أعداؤه منه فوق الغرض، وصار السلطان يتفقده فى كل قليل بعصيّات، حتى أنه ضرب فى مدة حبسه بطرسوس، على نفذات متفرقة، نحو الألف عصاة تخمينا، ولم يزل فى محبسه فى أسوأ حال، حتى أشيع مجيئه، ولم يدر بذلك أحد من أعيان الدولة، ولا يعرف أحد كيفية الإفراج عنه؛ وأخذ أعيان الدولة من الأكابر فى تكذيب [هذا الخبر] «1» ، وصار الناس فى أمره على قسمين: ما بين مصدق ومكذب. ثم قدم الأمير جانبك الظاهرى، نائب جدّة وصحبته قصّاد الحبشة من المسلمين من صاحب جبرت فى يوم الخميس ثامن شعبان، وعمل السلطان الموكب بالحوش السلطانى، وكان السلطان قد انقطع عن حضور الخدمة بالقصر نحو الشهر لضعف حركته. فلما كان يوم الجمعة تاسعه، طلع أبو الخير النحاس فى بكرته إلى القلعة، ودخل إلى الدّهيشة صحبة المعزّى عبد العزيز ابن أخى الخليفة القائم بأمر الله حمزة، وقد أمره عمه القائم بأمر الله حمزة ليشفع فى أبى الخير المذكور على لسان الخليفة، ولم يكن عند السلطان فى ذلك الوقت من أعيان الدولة سوى الأمير تمربغا الظاهرى الدّوادار الثانى، والأمير أسنباى الجمالى الظاهرى؛ فقام السلطان لابن أخى الخليفة المذكور وأجلسه، ثم دخل أبو الخير النحاس وقبّل رجل السلطان، فسبّه السلطان ولعنه وأخذ فى توبيخه، وذكر أفعاله القبيحة؛ ثم أمر بحبسه بالبرج من قلعة الجبل، ثم اعتذر لابن أخى الخليفة، وقال: «أنا كنت أريد توسيطه، ولأجل الخليفة قد عفوت عنه» . ثم أنعم على عبد العزيز المذكور بمائة دينار، وانفض المجلس.

وأصبح السلطان من الغد فى يوم السبت، جلس على الدّكة بالحوش السلطانى، وأحضر أبا الخير المذكور، فى الملأ من الناس، ثم أمر به فضرب بين يديه نحو الألف عصاة، أو ما دونها تخمينا، على رجليه، وسائر بدنه؛ ثم أمر بحبسه ثانيا بالبرج من القلعة، فتحيّر الناس من هذه الأفعال المتناقضة، وهو كونه أفرج عنه سرا وأحضره إلى القاهرة؛ فظن كل أحد بعود المذكور إلى أعظم ما كان عليه، ثم وقع له ما ذكرناه من الإخراق والضرب والحبس. وقد كثر كلام الناس فى ذلك، فمنهم من يقول: أمر السلطان بإطلاقه لا مجيئه إلى القاهرة، فلما قدم بغير دستور، غضب السلطان عليه؛ فردّ على قائل هذا الكلام بأنه: من أين لأبى الخير النّجب التى قدم عليها مع ما كان عليه، لولا توصية السلطان لمن يعينه على ذلك؟. وأيضا: كيف تمكن من المجىء، لولا ما معه من المراسيم ما يدفع به نوّاب البلاد الشامية من منعه من الحضور؟. ومنهم من يقول: كان أمره قد انبرم مع السلطان، ورسم بحضوره، وإنما أعداؤه اجتهدوا فى إبعاده ثانيا، ووعدوا بأوعاد كثيرة، أضعاف ما وعده أبو الخير المذكور؛ وأقوال كثيرة أخر «1» . ثم فى هذا اليوم أخذ أبو عبد الله التريكى «2» المغربى المالكى، المعزول عن قضاء دمشق قبل تاريخه، من بيته إلى بيت الوالى، ورسم عليه، ثم ادّعى عليه بمجلس القاضى المالكى، أنه التزم للسلطان عن أبى الخير النحاس بمائة ألف دينار أو أكثر، فقال: «أنا قلت إن ولّاه ما عيّنته من الوظائف» ولم يقع ذلك، وعرف كيف أجاب، فإنه كان من الفضلاء العلماء، فاستمر فى الترسيم إلى يوم الثلاثاء ثالث عشر شعبان، فطلب إلى القلعة، فطلع وفى رقبته جنزير، ثم أعيد إلى الترسيم من غير جنزير، وقد أشيع أنه وقع فى حق قاضى القضاة شرف الدين يحيى المناوى [161] بأمور شنعة، ودام فى الترسيم إلى ما يأتى ذكره.

ثم فى يوم الأربعاء رابع عشر شعبان المذكور، أخرج أبو الخير النحاس المذكور من البرج منفيّا إلى البلاد الشامية، ورسم بحبسه بقلعة الصّبيبة، فنزل على حالة غير مرضية، وهو أنه أركب على حمار، وفى رقبته باشة «1» وجنزير وموكل به جماعة من الجبليّة «2» ، شقوا به شارع القاهرة إلى أن أخرج من باب النصر، والمشاعلىّ ينادى عليه: «هذا جزاء من يكذب على الملوك، ويأكل مال الأوقاف» ، ونحو ذلك، ورسم السلطان أن يفعل به ذلك فى كل بلد يمر بها، إلى أن يصل إلى محبسه. ثم فى يوم الخميس خامس عشره، استقر الأمير حاج إينال اليشبكى أحد مقدمى الألوف بدمشق، فى نيابة حماه، عوضا عن سودون الأبوبكريّ المؤيدى بحكم عزله، وتوجهه على إقطاع حاج إينال المذكور بدمشق. ثم فى يوم الثلاثاء العشرين من شعبان المذكور، جلس السلطان بالحوش، وأحضر القضاة ثم أحضر والى القاهرة أبا عبد الله التريكى المغربى، وكان التريكى قد أقام قبل ذلك ببيت القاضى الشافعى أياما، فلما مثل التريكى بين يدى السلطان، سأل السلطان قاضى القضاة شرف الدين يحيى المناوى الشافعى، عن أمر التريكى وما وجب عليه، فقال: «ثبت عليه عند نائبى نجم الدين بن نبيه، لمولانا السلطان عشرة آلاف دينار» ، وقام ابن النّبيه «3» فى الحال، وأخبر السلطان بذلك، فنهر السلطان القاضى الشافعى عند مقالته عشرة آلاف دينار، وقال: «ما أسأل إلا عن ما وجب عليه من التّعزير. إيش العشرة آلاف دينار؟» ولم تحسن مقالة القاضى الشافعى بهذا القول ببال أحد؛ ثم أجاب ابن النبيه بأن قال: «أما المال فقد ثبت عندى، وأما التعزير فهو إلى القاضى شمس الدين بن خيرة، أحد نواب الحكم» . فقال ابن خيرة: «حكمت عليه بتغريبه «4» سنتين، وأما التعزير

فلمولانا السلطان على ما وقع منه من الأيمان الحانثة» . فلما سمع السلطان كلام ابن خيرة، أمر بالتريكى فطرح على الأرض، وضرب ضربا مبرحا، يزيد على مائتى عصاة، وأقيم، فتكلم فيه ابن النبيه أيضا، وأحضر محضرا مكتتبا عليه بدمشق، بواقعة وقعت له فى أيام حكمه بدمشق، فأمر به السلطان ثانيا فضرب نحوا مما ضرب أولا، واختلفت الأقوال فى عدة ما ضرب، فأكثر ما قيل ستمائة عصاة، وأقل ما قيل أربعمائة. ثم أنزلوه إلى بيت والى القاهرة، فأقام فى حبس الرّحبة «1» إلى يوم الأربعاء خامس شهر رمضان، فأخرج من الحبس وفى رقبته الجنزير ماشيا إلى بيت الوالى بين القصرين، ثم ركب من هناك، وأخرج منفيا فى الترسيم إلى بلاد «2» المغرب، فسافر إلى المغرب «3» إلى يومنا هذا. ثم فى يوم السبت ثامن شهر رمضان، سافر محبّ الدين بن الشحنة قاضى قضاة حلب من القاهرة، بعد ما أقام بها أشهرا، وقاسى من الذل والبهدلة أنواعا، ورسم عليه غير مرة، وأخرجت عنه وظيفتا «4» كتابة سرّ حلب ونظر جيشها، وقد استوعبنا أحوال ابن الشّحنة هذا فى تاريخنا «حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور» ، مستوفاة من مبدأ أمره إلى يوم تاريخه، مما وقع له بحلب ومصر وغيرهما، من الأمور الشنعة وسوء السيرة، وما وقع له من التراسيم عليه وغير ذلك. ثم فى أواخر هذا الشهر، رسم السلطان بإخراج نصف إقطاع جانبك النّوروزى، المعروف بنائب بعلبك، للسيفى بردبك التاجى، وكلاهما مقيم بمكة «5» ؛ وكان هذا

الإقطاع أصله بين جانبك المذكور وبين تغرى برمش نائب القلعة، فلما نفى تغرى برمش، أنعم السلطان عليه بنصيبه إلى يوم تاريخه، فأخرجه عنه. ثم فى يوم الخميس رابع شوال، استقر الأمير تغرى بردى الظاهرى المعروف بالقلاوى «1» ، وزيرا بالديار المصرية، مضافا لما بيده من كشف الأشمونين والبلاد الجيزية، عوضا عن الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم، بحكم استعفائه عن الوزارة [162] ، وأنعم السلطان على تغرى بردى المذكور بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، وهو الإقطاع الذي كان أنعم به السلطان على ولده المقام الفخرى عثمان، بعد ألطنبغا اللّفّاف، ليستعين تغرى بردى المذكور بالإقطاع على [كلف] «2» الدولة، وكانت خلعة تغرى بردى المذكور بالوزارة أطلسين متمّرا «3» ثم فوقانيّا «4» بطرز زركش عريض مثال خلعة الأتابكية بالديار المصرية. وخلع السلطان على زين الدين فرج بن ماجد سعد الدين بن المجد القبطى المصرى] «5» بن النّحّال كاتب المماليك السلطانية، بوظيفة نظر الدولة مضافا لكتابة المماليك. وفى يوم الاثنين تاسعه، عملت الخدمة السلطانية بالدّهيشة من الحوش، ورسم السلطان بأن تكون الخدمة دائما فى يومى الاثنين والخميس، بها؛ كل ذلك لضعف حركة السلطان وهو يكتم ما به من الألم. وفى يوم الثلاثاء عاشره، استقر قانى باى طاز السيفى بكتمر جلّق «6» فى نيابة قلعة

صفد، بعد شغورها أشهرا من يوم مات الجمالى يوسف بن يغمور. وفى هذا اليوم أيضا وصل المقام الغرسى خليل ابن الملك الناصر فرج ابن الملك الظاهر برقوق، من ثغر الإسكندرية، وقد رسم له بالتوجه إلى الحجاز لقضاء الفرض، وطلع إلى السلطان، فأكرمه السلطان إلى الغاية، وهذا شىء لم يسمع بمثله، من أن ابن السلطان وله شوكة، يمكّن من سفر الحجاز، فلله درّه من ملك «1» ، وقد حكينا طلوعه إلى القلعة واجتماعه بالسلطان، فى ذهابه وإيابه فى «الحوادث» بأطول من هذا «2» . وفى يوم الأربعاء ثامن عشره، ورد الخبر بقتل طوغان السيفى آقبردى المنقار «3» ، نائب الكرك، على ما سنذكره فى الوفيات من هذه الترجمة. ثم فى يوم تاسع عشره، برز الأمير دولات باى المحمودى الدّوادار الكبير، أمير حاج المحمل، بالمحمل. وكان الحاج فى هذه السنة ركبا واحدا، وهذه حجة دولات باى المذكور الثانية، أمير الحاج، فلما خرج دولات باى إلى بركة الحاج، رسم له بأن يجعل دواداره فارس، أمير الركب الأول، ووقع ذلك، وسافر ابن الملك الناصر صحبة المحمل. ثم فى يوم الثلاثاء رابع عشرين شوال، رسم السلطان لطقتمر البارزى رأس نوبة الجمدارية، أن يتوجه إلى القدس الشريف، لإحضار الأمير يشبك الصوفى المؤيّدى منه، إلى القاهرة، ليتجهز ثم يعود إلى دمشق أتابكا بها، عوضا عن خير بك المؤيدى

الأجرود، ورسم السلطان «1» أيضا لطقتمر المذكور، أن يتوجه إلى دمشق ويقبض على أتابكها خير بك المذكور، ويحمله «2» إلى سجن الصّبيبة. وفيه أيضا، رسم بنقل الأمير يشبك طاز المؤيدى، من حكومة طرابلس، إلى نيابة الكرك، عوضا عن طوغان المقتول قبل تاريخه، واستقر «3» عوضه فى حجوبية طرابلس، مغلباى البجاسى، أحد أمراء طرابلس كان، ثم نائب قلعة الروم، واستقر فى نيابة قلعة الروم، ناصر الدين محمد والى الحجر بقلعة حلب. [ثم] «4» فى يوم الأحد سادس ذى القعدة من سنة ست وخمسين المقدم ذكرها، حبس السلطان تقىّ الدين عبد الرحمن بن حجّىّ بن عز الدين قاضى قضاة الشافعية بطرابلس بحبس المقشرة فحبس بها، بعد أن نودى عليه، وهو على حمار بشوارع القاهرة: «هذا جزاء من يزوّر المحاضر!» ثم أمر السلطان من وقته بحبس ماماى السيفى بيبغا المظفرى أحد الدّوادارية بالبرج من قلعة الجبل [لا تهامه بالغرض مع التقىّ المذكور] «5» وكان ماماى المذكور هو المتوجه إلى طرابلس للكشف عن أحوال ابن عز الدين المقدم ذكره، واستمر ماماى بالبرج إلى يوم الاثنين سابع ذى القعدة، فأطلق، ورسم بنفيه إلى مدينة حماه، واستقر فى وظيفة ماماى الدّوادارية، قانصوه الظاهرى جقمق. ثم فى يوم الخميس عاشره، وصل الأمير يشبك الصوفى من القدس إلى القاهرة، وطلع إلى القلعة وقبّل الأرض. وفيه رسم بالإفراج عن جانبك المحمودى، من حبس المرقب [و] «6» أن يتوجه إلى طرابلس بطالا. ثم فى يوم الاثنين ثامن عشرينه، خلع السلطان [163] على الأمير يشبك الصوفى باستقراره أتابك عساكر دمشق، وسافر فى يوم الخميس [ثانى ذى الحجة] «7» .

ابتداء مرض موت السلطان

[ثم فى يوم الخميس سادس «1» ] «2» عشر ذى الحجة، استقر القاضى حسام الدين محمد ابن تقي الدين عبد الرحمن بن بريطع قاضى قضاة الحنفية بحلب، عوضا عن محب الدين ابن الشّحنة، بعد أن وقع لابن الشحنة المذكور أمور مذكورة فى «الحوادث» بتمامها وكمالها. وفى يوم الاثنين عشرينه، استقر أسنبغا مملوك ابن كلبك نائب القدس، وناظره، بعد موت أمين الدين عبد الرحمن بن الديرى الحنفى. وفى يوم الثلاثاء حادى عشرينه، تكلم الأمير الوزير تغرى بردى القلاوى مع السلطان، فى عزل فرج بن النحال عن نظر الدولة، فعزله وأبقى معه كتابة المماليك على عادته. ابتداء مرض موت السلطان ولما كان يوم الجمعة رابع عشرينه، حضر السلطان الملك الظاهر جقمق الصلاة بجامع القلعة على العادة، وهو متوعك، فلما انقضت الصلاة، وخرج من الجامع، غشى عليه، فأرجف فى القاهرة بموته، وتكلم الناس بذلك، فأصبح من الغد فى يوم السبت خامس عشرينه، وحضر الخدمة فى الدّهيشة من القلعة، وحضر جميع أكابر الأمراء والخاصكيّة بغير كلفتاة، وعلّم السلطان على قصص «3» كثيرة. ومن غريب الاتفاق ما وقع له، أنه لما خرج إلى الدّهيشة، ورأى» الناس وقوفا «5» ، قال: «سبحان الحى الذي لا يموت!» ، فحسن ذلك ببال الناس كثيرا، عفا الله عنه. ثم أصبح

ما وقع من الحوادث سنة 857

فى يوم الأحد سادس عشرين ذى الحجة، فركب من القلعة ونزل إلى بيت بنته زوجة الأمير أزبك من ططخ الساقى، أحد أمراء العشرات، ورأس نوبة، غير أنه لم يطل الجلوس عندها وعاد إلى القلعة من وقته، وكان سكن أزبك المذكور يومئذ فى الدار الذي خلف حمام بشتك، وهى الآن ملك شخص من أصاغر المماليك الأشرفية، لا أعرفه، إلا فى هذه الدوله. ثم فى يوم الاثنين سابع عشرين ذى الحجة، عمل السلطان الموكب بالحوش لقصّاد جهان شاه بن قرا يوسف، متملّك تبريز وغيرها، وكان قدوم القصّاد المذكورين، لإعلام السلطان بأن جهان شاه المذكور، كسر عساكر بابور «1» بن باى سنقر بن شاه رخ بن تيمورلنك، وأنه استولى على عدة بلاد من ممالكه، وأن عساكر جغتاى ضعف أمرهم لوقوع الوباء فى خيولهم ومواشيهم. ثم فى يوم الأربعاء تاسع عشرينه، ضرب السلطان بعض نواب الحكم الشافعية، بيده عشرة عصىّ، لأمر لا يستحق ذلك. وفرغت سنة ست وخمسين، بعد أن وقع بها فتن كثيرة ببلاد الشرق، قتل فيها خلائق لا تدخل تحت حصر، استوعبنا غالبها فى «حوادث الدهور» ، كونه موضوعا «2» لتحرير الوقائع، كما أن هذا الكتاب وظيفته الإطناب فى تراجم ملوك مصر. ومهما ذكرناه بعد ذلك من الوقائع يكون على سبيل الاستطراد وتكثير الفوائد لا غير. [ما وقع من الحوادث سنة 857] واستهلّت سنة سبع وخمسين وثمانمائة، بيوم الجمعة، والسلطان الملك الظاهر جقمق صاحب الترجمة، متوعك، غير أنه يتجلد ولا ينام على الفراش، وأيضا لم يكن.

على وجهه علامات مرض الموت إلا أنه غير صحيح البدن، وكان له على ذلك أشهر كثيرة، من أواخر سنة خمس وخمسين وثمانمائة-[انتهى] «1» . قلت: ويحسن ببالى أن أذكر فى أول هذه السنة، جميع أسماء أرباب الوظائف بالديار المصرية وغيرها، ليعلم بذلك فيما يأتى، كيف تقلبات الدهر، وتغيير الدول. فأقول: استهلت سنة سبع وخمسين وخليفة الوقت القائم بأمر الله حمزة، والقاضى الشافعى شرف الدين يحيى المناوى، والقاضى الحنفى سعد الدين سعد الديرى، والقاضى المالكى ولىّ الدين [محمد] «2» السنباطى، والقاضى الحنبلى بدر الدين محمد بن عبد المنعم البغدادى، وأتابك العساكر إينال العلائى الناصرى، وأمير سلاح جرباش الكريمى الظاهرى برقوق المعروف بقاشق «3» ، وأمير مجلس تنم من عبد الرزاق المؤيّدى، والأمير آخور الكبير قانى باى الجاركسى، ورأس نوبة النوب أسنبغا الناصرى الطّيارى، والدّوادار [164] الكبير دولات باى المحمودى المؤيّدى، وحاجب الحجاب خشقدم من ناصر الدين المؤيّدى، وباقى مقدمى الألوف أربعة: أعظمهم المقام الفخرى عثمان ابن السلطان، ثم الأمير تنبك البردبكى الظاهرى برقوق المعزول عن الحجوبية، والأمير طوخ من تمراز الناصرى «4» [فرج] «5» ، والأمير جرباش المحمدى الناصرى [المعروف] «6» بكرد، والجميع أحد عشر مقدما، بأقل من النصف عما كان قديما. وأرباب الوظائف من الطبلخانات، والعشرات: شادّ الشراب خاناه يونس الأقبائى البواب أمير طبلخاناة، والخازندار قراجا الظاهرى جقمق أمير طبلخاناة، والزّردكاش

لاجين الظاهرى جقمق أمير عشرة، ونائب القلعة يونس العلائى الناصرى أمير عشرة، والحاجب الثانى نوكار الناصرى [فرج أبو أحمد الماضى] «1» أمير عشرة، ووظيفة أمير جاندار بطالة، يليها بعض الأجناد، السكات عن ذكره أجمل؛ وأستادّار الصّحبة سنقر الظاهرى أمير عشرة. وهذه الوظائف كان قديما يليها مقدمو «2» الألوف، ويستدل على ذلك من خلعهم فى الأعياد وغيرها- انتهى. والأمير آخور الثانى يرشباى الإينالى المؤيّدى أمير طبلخاناة، ورأس نوبة ثانى جانبك القرمانى الظاهرى برقوق أمير طبلخاناة، والدّوادار الثانى تمربغا الظاهرى جقمق أمير عشرة، غير أن معه زيادات كثيرة، والمهمندار بعض الأجناد، ووالى القاهرة جانبك اليشبكى أمير عشرة، والزّمام والخازندار فيروز الطّواشى الرومى النّوروزى أمير طبلخاناة، ومقدم المماليك مرجان العادلى المحمودى الحبشى أمير عشرة، ونائبه عنبر خادم نور الدّين الطّنبذى، ومباشرو الدولة، كاتب السر القاضى محبّ الدين محمد بن الأشقر، وناظر الجيش والخاصّ عظيم الدولة ومدبرها الجمالى يوسف ابن كاتب جكم، والوزير الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم، والأستادّار زين الدين يحيى [ابن عبد الرزاق القبطى القاهرى ابن أخت نقيب الجيش محمد بن أبى الفرج] «3» الأشقر المعروف بابن كاتب حلوان، وبقريب ابن أبى الفرج وهو على زىّ الكتاب، ولهذا لم نذكره فى الأمراء، ومحتسب القاهرة ير على الخراسانى العجمى الطويل. ونواب البلاد الشامية «4» نائب الشام جلبان الأمير آخور، ونائب حلب قانى باى الحمزاوى، ونائب طرابلس يشبك النّوروزى، ونائب حماه حاج إينال اليشبكى، ونائب صفد بيغوت الأعرج المؤيدى، ونائب غزة جانبك التاجى المؤيدى، ونائب الكرك يشبك طاز المؤيدى، ونائب الإسكندرية برسباى السيفى تنبك البجاسى أمير

عشرة، وهؤلاء هم أعيان النواب، ومن يطلق فى حق كل منهم ملك الأمراء، ولا عبرة بولاية الوجه القبلى الآن، وباقى نواب القلاع والبلاد الشأمية فكثير- انتهى. ثم فى يوم الخميس سابع محرم، سنة سبع وخمسين المذكورة، أرجف فى القاهرة بموت السلطان، فلما كان يوم السبت تاسع المحرم، خرج السلطان من قاعة الدّهيشة، ماشيا على قدميه، حتى جلس على مرتبة، من غير أن يستعين بأحد فى مشيه، ولا استند فى مجلسه، بل جلس على مرتبته وعلّم على عدة مناشير، وأطلت أنا النظر فى وجهه، فلم أر عليه علامات تدل على موته بسرعة، ثم قام وعاد إلى القاعة، ولم يخرج بعدها إلى الدّهيشة، واستمر متمرضا بالقاعة المذكورة، والناس تخلط فى الكلام بسبب مرضه، والأقوال تختلف فى أحوال المملكة، على أن السلطان فى جميع مرضه غير منحجب عن الناس، وأرباب الدولة تتردد إليه بالقاعة المذكورة، وهو يعلّم فى كل يوم فى الغالب على المناشير والقصص، وينفذ بعض الأمور، إلا أن مرضه فى تزايد، وهو يتجلد. إلى أن كان يوم الأربعاء، العشرون «1» من المحرم، فوصل الأمير جانبك النّوروزى من مكة المشرفة، ودخل إلى السلطان وقبّل له الأرض، ثم قبّل يده وخرج وخرجنا جميعا من عنده، وقد اشتد به المرض، وظهر عليه أمارات رديئة «2» تدل على موته بعد أيام، غير أنه صحيح العقل والفهم والحركة، ثم بعد خروجنا من عنده، تكلم السلطان فى هذا اليوم مع بعض [165] خواصه فى خلع نفسه من السلطنة، وسلطنة ولده المقام الفخرى عثمان فى حياته، فروجع فى ذلك فلم يقبل، ورسم بإحضار الخليفة والقضاة والأمراء من الغد بالدّهيشة. فلما كان الغد، وهو يوم الخميس حادى عشرون محرم سنة سبع وخمسين وثمانمائة، حضر الخليفة والقضاة وجميع الأمراء؛ وفى ظن الناس أنه يعهد لولده عثمان بالملك من بعده كما هى عادة الملوك، فلما حضر الخليفة والقضاة عنده بعد صلاة الصبح، خلع نفسه

من السلطنة، وقال للخليفة والقضاة: «الأمر لكم، انظروا فيمن تسلطنوه» ، أو معنى ذلك، لعلمه أنهم لا يعدلون عن ولده عثمان، فإنه كان أهلا للسلطنة بلا مدافعة، وأراد أيضا بهذا القول، أنه قد خلع نفسه وأنه يموت غير سلطان، وأنه أيضا لا يتحمل بوزر ولاية ولده المذكور، فكان مقصده جميلا فى القولين، رحمه الله تعالى. فلما سمع الخليفة كلام السلطان، لم يعدل عن المقام الفخرى عثمان، لما كان اشتمل عليه عثمان المذكور من العلم والفضل، وإدراكه سنّ الشبيبة، وبايعه بالسلطنة، وتسلطن فى يوم الخميس المذكور، حسبما نذكره إن شاء الله تعالى فى أول ترجمته من هذا الكتاب. واستمر الملك الظاهر [مريضا] «1» ملازما للفراش، وابنه الملك المنصور يأخذ ويعطى فى مملكته، ويعزل ويولّى، والملك الظاهر فى شغل بمرضه، وما به من الألم فى زيادة، إلى أن مات فى قاعة الدّهيشة الجوّانيّة بين المغرب والعشاء من ليلة الثلاثاء ثالث صفر من سنة سبع وخمسين وثمانمائة المقدم ذكرها. وقرئ حوله القرآن العزيز، إلى أن أصبح، وجهز وغسل وكفن من غير عجلة ولا اضطراب، حتى انتهى أمره وحمل على نعشه، وأخرج به، وأمام نعشه ولده السلطان الملك المنصور عثمان ماشيا وجميع أعيان المملكة، وساروا أمام نعشه بسكون ووقار، إلى أن صلى عليه بمصلّاة باب القلعة من قلعة الجبل، وصلى عليه الخليفة القائم بأمر الله أبو البقاء حمزة، وخلفه السلطان والقضاة وجميع الأمراء والعساكر، ثم حمل بعد انقضاء الصلاة عليه وأنزل من القلعة، حتى دفن بتربة أخيه الأمير جاركس القاسمى المصارع، التى جددها مملوكه قانى باى الجاركسى، بالقرب من دار الضيافة تجاه سور القلعة، التى جددها مملوكه المنصور دفنه، وعاد إلى القلعة من المصلاة. وشهد دفنه خلائق، وقعد الناس فى الطرقات لمشاهدة مشهده، وكان مشهده عظيما إلى الغاية، بخلاف جنائز المملوك السالفة، ولعل

هذا لم يقع لملك قبله. كل ذلك لكونه سلطن ولده فى حياته، ثم مات بعد ذلك بأيام، فلهذا كانت جنازته على هذه الصورة. ومات الملك الظاهر وسنه نيف على ثمانين سنة تخمينا، ولم يخلّف بالحواصل ولا الخزائن إلا نزرا يسيرا من الذهب «1» يستحى من ذكره بالنسبة لما تخلفه الملوك، وكذلك [فى] «2» جميع تعلقات السلطنة، من الخيول والجمال والسلاح والقماش، كل ذلك من كثرة بذله وعطائه، وكانت مدة ملكه «3» امن يوم تسلطن بعد خلع الملك العزيز يوسف، فى يوم الأربعاء تاسع عشر شهر ربيع الآخر [من] «4» سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، إلى أن خلع نفسه بيده «5» لولده الملك المنصور عثمان، فى الثانية من نهار الخميس الحادى والعشرين من محرم سنة سبع وخمسين وثمانمائة، أربع عشرة سنة وعشرة شهور، ويومين، وتوفى بعد خلعه من السلطنة باثنى عشر يوما. ووقع له فى سلطنته غرائب لم تقع لأحد قبله إلا نادرا جدا «6» ، منها «7» ركوبه وهو أتابك على الملك العزيز يوسف وقتاله له وانتصاره عليه، ولا نعرف أحدا قبله من الأمراء ركب على السلطان، ووقف بالرملة والسلطان بقلعة الجبل، وانتصر عليه، غيره. فإن قيل: واقعة الناصرى ومنطاش «8» مع الملك الظاهر برقوق، فليس ذاك مما نحن فيه من وجوه عديدة، لا يحتاج إلى ذكرها. وإن قيل: نصرة منطاش وملكه لباب السلسلة

فنقول: كان ركوب منطاش على رفيقه يلبغا الناصرى، وليس للملك المنصور حاجى ذكر بينهما «1» . ومنها [166] أنه سلّم عليه بالسلطنة ثلاثة خلفاء من بنى العباس، ولم يقع ذلك لملك قبله من ملوك مصر. ومنها أنه اجتمع له قضاة أربعة «2» فى عصر واحد، لم يجتمع [مثلهم] «3» لغيره «4» من ملوك مصر، وهم قاضى القضاة شهاب الدين بن حجر الشافعى حافظ المشرق والمغرب، كان فردا فى معناه، لا يقاربه فى علم الحديث أحد فى عصره؛ وقاضى القضاة شيخ الإسلام سعد الدين سعد الديرى الحنفى، كان فقيه «5» عصره شرقا وغربا، لا يقاربه أحد فى حفظ مذهبه واستحضاره، مع مشاركته فى علوم كثيرة، والعلامة قاضى القضاة شمس الدين البساطى المالكى، كان إمام عصره فى [علمى] «6» المعقول والمنقول، قد انتهت إليه الرئاسة فى علوم كثيرة، ومات ولم يخلّف بعده مثله، وقاضى القضاة شيخ الإسلام محبّ الدين أحمد الحنبلى البغدادى، كان أيضا إمام عصره وعالم زمانه، انتهت إليه رئاسة مذهبه بلا مدافعة. ومنها أنه أقام فى ملك مصر هذه المدة الطويلة، لم يتجرد فيها تجريدة واحدة إلى البلاد الشامية، غير مرة واحدة، فى نوبة الجكمى فى أوائل سلطنته، وهذا أيضا لم يقع لملك قبله. ومنها أنه أذن للغرسى خليل ابن السلطان الملك الناصر فرج بالحج، فقدم القاهرة وحج وعاد مع عظم شوكته من مماليك أبيه وجده الملك الظاهر برقوق «7» ، وهذا شىء لم يقع مثله فى دولة من الدول.

ومنها ابنه المقام الناصرى محمد رحمه الله تعالى، من غزير علمه وكثرة فضائله، فإننا لا نعلم أحدا من ملوك الترك رزق ولدا مثله، بل ولا يقاربه ولا يشابهه مما كان اشتمل عليه من العلم والفضل والمعرفة التامة، وحسن السمت وجودة «1» التدبير، ولا نعرف أحدا من أولاد السلاطين من هو فى هذا المقام قديما وحديثا «2» ، حتى ولو قلت: ولا من بنى أيوب، ممن ملكوا مصر، لكان يصدق قولى؛ ومن كان من بنى أيوب له فضيلة تامة غير الملك المعظم عيسى ابن الملك الكامل، والملك المؤيد إسماعيل صاحب حماه، وهما كانا بالبلاد الشامية؟ - انتهى. وقد استوعبنا أحوال الملك الظاهر هذا من مبدأ أمره إلى آخره، محررا بالشهر واليوم فى جميع ما وقع له من ولاية وعزل وغريبة وعجيبة، فى تاريخنا «حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور» ، فلينظر هناك «3» ، [و] «4» ما ذكرناه هنا جميعه [نوع] «5» من تكثير الفائدة، لا القصة على جليتها، بل نشير بذكرها إعلاما لوقت واقعتها لا غير. وكان الملك الظاهر سلطانا ديّنا خيرا عفيفا صالحا [فقيها شجاعا] «6» مقداما، عارفا بأنواع الفروسية، عفيفا عن المنكرات والفروج، لا نعلم أحدا من ملوك مصر فى الدولة الأيوبية ولا التركية على طريقته [فى ذلك] «7» ، لم يشهر عنه فى صفره ولا فى كبره أنه تعاطى مسكرا ولا منكرا، حتى قيل إنه لم يكتشف حراما قط؛ وأما حب الشباب، فلعله كان لا يصدّق أن أحدا يقع فى ذلك لبعده عن معرفة هذا الشأن، وكان جلوسه فى غالب أوقاته على طهارة كاملة، وكان متقشفا فى ملبسه ومركبه إلى الغاية، لم يلبس

الأحمر من الألوان فى عمره «1» ، منذ علم بكراهيته، ولم أره منذ تسلطن لبس كاملية بفرو [و] «2» سمّور [و] «3» بمقلب سمور غير مرة واحدة؛ وأما «4» الركوب بالسرج الذهب والكنبوش الزّركش فلم يفعله إلا يوم ركوبه بأبهة السلطنة لا غير، وكان ما يلبسه أيام الصيف؛ وما على فرسه من آلة السرج وغيره، لا يساوى عشرة دنانير مصرية، وكان معظّما للشريعة محبا للفقهاء وطلبة العلم، وما وقع منه من الإخراق ببعضهم وحبسهم بحبس المقشرة، فلا تقول: كان ذلك بحق، بل نقول: الحاكم يجتهد، ثم يقع منه الصواب والخطأ، فإن كان ما فعله بحق فقد أصاب وإن كانت الأخرى فقد أخطأ وأعيب عليه ذلك [الطويل] ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلّها ... كفى المرء فخرا أن تعدّ معايبه وكان معظّما للسادة الأشراف، وكان يقوم لمن دخل عليه من الفقهاء والفقراء كائنا من كان، وإذا قرأ «5» [167] عنده [أحد] «6» فاتحة الكتاب، نزل عن مدوّرته، وجلس على الأرض إجلالا لكلام الله تعالى. وكان كريما جدا، يجود بالمال، حتى نسب إلى السرف، وكان ينعم بالعشرة آلاف دينار إلى ما دونها، وكان ممن أنعم عليه بعشرة آلاف دينار، الأتابك قرقماس الشعبانى، وأما دون ذلك من الألف إلى المائة، فدواما طول دهره، لا يملّ من ذلك، حتى أنه أتلف فى أيام سلطنته من الأموال، ما لا يدخل تحت حصر كثرة؛ ويكفيك أنه بلغت نفقاته على المماليك وصلات «7» الأمراء والتراكمين وغيرهم، وفى أثمان مماليك اشتراهم، وتجاريد جرّدها، فى مدة أولها موت الملك الأشرف برسباى، وآخرها سلخ سنة أربع وأربعين وثمانمائة، وذلك مدة ثلاث سنين، مبلغ ثلاثة آلاف ألف

دينار ذهبا مصريا، وذلك خلاف الخلع والخيول والقماش والسلاح والغلال، وخلاف جوامك المماليك ورواتبهم المعتادة. وكان لا يلبس إلا القصير من الثياب، ونهى الأمراء وأكابر الدولة وأصاغرها عن لبس الثوب الطويل، وأمعن فى ذلك، حتى أنه بهدل بسبب ذلك جماعة من أعيان الدولة، وعاقب جماعة من الأصاغر، وقصّ أثواب آخرين فى الملأ من الناس، وكان أيضا يوبخ من لا يحفّ شاربه من الأتراك وغيرهم؛ وفى الجملة أنه كان آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، مع سرعة استحالة، وحدة مزاج، وبطش. وكان غالب ما يقع منه من الإخراق بالناس، يكون بحسب الواسطة من حواشيه، فإنه كان مهما ذكروه «1» له قبله منهم، وأخذه على طريق الصدق والنصيحة، لسلامة باطنه، وأيضا على قاعدة الأتراك من كون الحق عندهم لمن سبق. وبالجملة فكانت محاسنه أكثر من مساوئه، وهو أصلح من ولى ملك مصر من طائفته، فى أمر الدين والتقوى، فإنه كان قمع المفسدين والجبارين من كل طائفة، وكسدت فى أيامه أحوال أرباب الملاهى والمغانى، وتصولح غالب أمرائه وجنده، وبقى أكثرهم يصوم الأيام فى الشهر، ويعف عن المنكرات؛ كل ذلك مراعاة لخاطره، وخوفا من بطشه، وهذا كله بخلاف ما كان عليه كثير من الملوك السالفة، فإنه كان غالبهم يقع فيما ينهى عنه، فكيف يصير للنهى عنه بعد ذلك محل «2» ؟ ومن عظم ذلك، قال بعض الفضلاء الظرفاء: «نابت هذه الدولة عن الموت، فى هدم اللذات والأيام الطيبة» . ولم يبق فى دولته ممن يتعاطى المسكرات إلا القليل، وصار الذي يفعل ذلك يتعاطاه فى خفية، ويرجفه فى تلك الحالة صفير الصافر. وكانت صفته قصيرا، للسمن أقرب، أبيض اللون مشربا بحمرة، صبيح الوجه، منوّر الشيبة، فصيحا باللغة التركية، وباللغة العربية لا بأس به بالنسبة لأبناء جنسه؛ وكان له

اشتغال فى العلم، ويستحضر مسائل جيدة، ويبحث مع العلماء والفقهاء، ويلازم مشايخ القراءات ويقرأ عليهم دواما، وكان يقتنى الكتب النفيسة، ويعطى فيها الأثمان الزائدة عن ثمن المثل، وكان يحب مجالسة الفقهاء، ويكره اللهو والطرب، ينفر منهما بطبعه، وكان يتجنب المزاح وأهله، ولا يميل للتجمل فى الملبس، ويكره من يفعله فى الباطن. وكانت أيامه آمنة من عدم الفتن والتجاريد، ولشدة حرمته. وخلّف من الأولاد الذكور واحدا، وهو ولده الملك المنصور عثمان، وأمّه أم ولد رومية، وابنتين: الكبرى أمها خوند مغل بنت القاضى ناصر الدين بن البارزى، وزوّجها السلطان لمملوكه أزبك من ططخ الساقى، والصغرى بكر، وأمها أم ولد جاركسية ماتت قديما. ذكر من عاصره من الخلفاء: أولهم أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو الفتح داؤد، إلى أن توفى يوم الأحد رابع شهر ربيع الأول، سنة خمس وأربعين، حسبما يأتى ذكره فى الوفيات هو وغيره؛ والمستكفى بالله سليمان، إلى أن مات فى يوم الجمعة [ثانى محرم] «1» سنة خمس وخمسين، والقائم بأمر الله حمزة؛ والثلاثة إخوة. ذكر قضاته بالديار المصرية: الشافعية: الحافظ شهاب الدين بن حجر، غير مرة، إلى أن توفى وهو معزول فى سنة اثنتين [168] وخمسين وثمانمائة، وقاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى غير مرة؛ ثم قاضى القضاة شمس الدين محمد القاياتى؛ إلى أن مات فى أوائل سنة خمسين؛ ثم قاضى القضاة ولىّ الدين محمد السّفطى، وعزل وامتحن؛ ثم قاضى القضاة شرف الدين يحيى المناوى. والحنفية: شيخ الإسلام سعد الدين سعد الديرى، ولى فى الدولة العزيزية ومات الملك الظاهر وهو قاض. والمالكية: العلامة قاضى القضاة شمس الدين محمد البساطىّ إلى أن مات فى ليلة ثالث عشر شهر رمضان سنة اثنتين وأربعين؛ ثم قاضى القضاة بدر الدين محمد

ابن التّنّسى، إلى أن مات بالطاعون فى أواخر يوم الأحد ثانى عشر صفر سنة ثلاث وخمسين؛ ثم قاضى القضاة ولى الدين محمد السنباطى، ومات وهو قاض. الحنابلة: شيخ الإسلام محبّ الدين أحمد البغدادى، إلى أن مات فى يوم الأربعاء خامس عشر جمادى الأولى سنة أربع وأربعين؛ ثم قاضى القضاة بدر الدين محمد بن عبد المنعم البغدادى، ومات وهو قاض رحمه الله. ذكر من ولى فى أيامه الوظائف السنية من الأمراء: وظيفة الأتابكية بالديار المصرية: وليها من بعده الأتابك قرقماس الشعبانى الناصرى أياما يسيرة دون نصف شهر، ثم من بعده الأتابك آقبغا التمرازى أشهرا، ونقل إلى نيابة دمشق، ومات فى سنة ثلاث وأربعين بدمشق. ثم الأتابك يشبك السودونى المعروف بالمشدّ، إلى أن مات فى سنة تسع وأربعين، ثم الأتابك إينال العلائى الناصرى. وظيفة إمرة سلاح: وليها آقبغا التمرازى أياما يسيرة، ثم من بعده يشبك السودونى المقدم ذكره أشهرا؛ ثم تمراز القرمشى أمير سلاح، إلى أن توفى بالطاعون فى صفر سنة ثلاث وخمسين؛ ثم جرباش الكريمى المعروف بقاشق. وظيفة إمرة مجلس: وليها يشبك السودونى أياما، ثم جرباش الكريمى قاشق سنين، ثم تنم من عبد الرزاق المؤيدى. وظيفة الأمير آخورية الكبرى: وليها تمراز القرمشى أشهرا، ثم الأمير قراخجا الحسنى سنين إلى أن مات بطاعون سنة ثلاث وخمسين، ثم قانى باى الجاركسى «1» وظيفة رأس نوبة النوب: [وليها تمراز القرمشى، ثم من بعده قراخجا الحسنى، ثم] «2» تمرباى التمربغاوى [إلى أن مات بطاعون سنة ثلاث وخمسين «3» ] ، ثم أسنبغا الناصرى الطيارى.

وظيفة حجوبية الحجاب: باشرها يشبك السّودونى أياما، ثم من بعده تغرى بردى البكلمشى المؤيّدى أشهرا، ثم تنبك البردبكى الظاهرى برقوق سنين، إلى أن نفى فى سنة أربع وخمسين إلى دمياط، ثم خشقدم من ناصر الدين المؤيدى. وظيفة الدوادارية الكبرى: باشرها فى أيام «1» أوائل دولته أركماس الظاهرى أشهرا إلى أن نفى إلى ثغر دمياط، ثم من بعده تغرى بردى المؤيدى البكلمشى، إلى أن مات فى سنة ست وأربعين، ثم إينال العلائى الناصرى، إلى أن نقل منها إلى الأتابكية، ثم قانى باى الجاركسى، إلى أن نقل إلى أمير آخورية، ثم دولات باى المحمودى المؤيدى إلى أن [قبض عليه فى دولة المنصور عثمان] «2» . ذكر أعيان مباشرى دولته: كتابة السر: باشرها الصاحب بدر الدين بن نصر الله أشهرا، ثم المقر الكمالى ابن البارزى إلى أن مات [فى] «3» يوم الأحد سادس عشرين صفر سنة ست وخمسين، ثم القاضى محب الدين بن الأشقر. وظيفة نظر الجيش: الزينى عبد الباسط بن خليل الدمشقى إلى أن مسك وصودر، ثم القاضى محب الدين بن الأشقر، ثم القاضى بهاء الدين محمد بن حجى، ثم ابن الأشقر ثانيا، إلى أن نقل إلى كتابة السر، ثم عظيم الدولة الجمالى يوسف مضافا إلى نظر الخاص وتدبير المملكة. وظيفة «4» الوزارة: باشرها الصاحب كريم الدين عبد الكريم ابن كاتب المناخات سنين، ثم الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم أيضا سنين، ثم الأمير تغرى بردى القلاوى الظاهرى جقمق.

وظيفة نظر الخاصّ: باشرها المقر الجمالى من الدولة الأشرفية برسباى إلى يوم تاريخه. وظيفة الأستادّارية: باشرها جانبك الزينى عبد الباسط أشهرا، ثم الناصرى محمد بن أبى الفرج نقيب الجيش، ثم الأمير قيزطوغان العلائى، ثم الزينى عبد الرحمن ابن الكويز، ثم زين الدين يحيى بن «1» الأشقر المعروف بقريب ابن أبى الفرج. ذكر أمرائه بمكة والمدينة: أمراء مكة [المشرفة] «2» : الشريف بركات بن حسن بن عجلان إلى أن عزل، ثم وليها أخوه الشريف على بن حسن بن عجلان، إلى أن قبض عليه وحمل إلى القاهرة، ثم وليها أخوه الشريف أبو القاسم بن حسن بن عجلان إلى أن عزل، وأعيد الشريف بركات بن حسن بن عجلان. ذكر «3» [169] [أمراء] «4» المدينة الشريفة «5» : [الشريف] «6» أميان إلى أن عزل، ثم الشريف سليمان بن غرير إلى أن قتل، ثم الشريف ضيغم إلى أن قتل أيضا، ثم أعيد الشريف أميان ثانيا إلى أن توفى سنة خمسين وثمانمائة؛ وولى بعده الشريف زبيرى بن قيس. ذكر نوابه بالبلاد الشامية: فبدمشق: الأمير إينال الجكمى إلى أن عصى «7» وقتل، ثم الأتابك آقبغا التمرازى إلى أن توفى سنة ثلاث وأربعين، ثم الأمير جلبان الأمير آخور. وبحلب: الأمير حسين بن أحمد المدعو تغرى برمش البهسنى «8» التركمانى إلى أن عصى وقتل، ثم جلبان الأمير آخور المقدم ذكره، ثم قانى باى الحمزاوى إلى أن عزل

ثم برسباى الناصرى الحاجب، ثم قانى باى البهلوان إلى أن مات، ثم تنم من عبد الرزاق المؤيدى إلى أن عزل، وأعيد قانى باى الحمزاوى ثانيا. وبطرابلس: الأمير جلبان الأمير آخور أشهرا، ونقل إلى نيابة حلب، ثم قانى باى الحمزاوى، ثم برسباى الناصرى الحاجب، ثم يشبك الصوفى المؤيدى إلى أن عزل ونفى إلى دمياط، ثم شبك النوروزى. وبحماه: قانى باى الحمزاوى أشهرا، ثم بردبك العجمى الجكمى إلى أن عزل وحبس بالإسكندرية، ثم الأمير قانى باى الناصرى البهلوان «1» ، ثم شاد بك الجكمى إلى أن عزل وتوجه إلى القدس بطالا، ثم الأمير يشبك الصوفى المؤيدى، ثم الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيّدى، ثم بيغوت الأعرج المؤيّدى، ثم سودون الأبوبكريّ المؤيّدى أتابك حلب إلى أن عزل، ثم حاج إينال الجكمى. وبصفد: الأمير إينال العلائى الناصرى الذي تسلطن، إلى أن عزل وقدم القاهرة أمير مائة ومقدّم ألف بها، ثم قانى باى الناصرى البهلوان أتابك دمشق، ثم بيغوت من صفر خجا الأعرج المؤيّدى، ثم يشبك الحمزاوى نائب غزة إلى أن توفى، ثم أعيد بيغوت ثانيا بعد أمور وقعت له. وبغزة: طوخ مازى الناصرى إلى أن مات، ثم طوخ الأبوبكريّ المؤيّدى إلى أن قتل، ثم يلخجا الساقى الناصرى إلى أن مات، ثم حطط [الناصرى فرج] «2» إلى أن عزل، ثم يشبك الحمزاوى دوادار السلطان بحلب، ثم طوغان العثمانى [ألطنبغا] «3» إلى أن توفى، ثم خير بك النّوروزى إلى أن عزل، ثم جانبك التاجى المؤيّدى. وبالكرك: الصاحب غرس الدين خليل [بن] «4» شاهين الشيخى إلى أن عزل،

ثم آقبغا من مامش الناصرى [فرج] «1» التركمانى، [إلى أن عزل] «2» وحبس، ثم مازى الظاهرى برقوق إلى أن عزل، ثم حاج إينال الجكمى، ثم طوغان السيفى آقبردى المنقار. ذكر زوجاته أيام سلطنته: أما قبل سلطنته فكثير جدا، وأولهم (كذا) فى أيام سلطنته، خوند مغل بنت البارزى، تزوجها قبل سنة ثلاثين، وطلقها فى سنة اثنتين وخمسين؛ ثم زينب جرباش الكريمى قاشق، ومات عنها؛ ثم شاه زاده بنت ابن عثمان ملك الروم، وطلقها فى سنة أربع وخمسين؛ ثم نفيسة بنت ناصر الدين [بك] «3» ابن دلغادر ماتت فى سنة ثلاث وخمسين بالطاعون؛ ثم بنت حمزة بك بن ناصر الدين ابن دلغادر؛ ثم بنت كرتباى الجاركسية، قدم بها أبوها من بلاد الجاركس، وأسلم على ما قيل، ثم عاد إلى بلاده؛ ثم بنت زين الدين عبد الباسط، ولم يزل بكارتها، تزوجها بعد موت أبيها فى سنة خمس وخمسين وثمانمائة.

ما وقع من الحوادث سنة 842

[ما وقع من الحوادث سنة 842] السنة الأولى من سلطنة الملك الظاهر «1» جقمق على مصر وهى سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة. على أن الملك العزيز يوسف بن الملك الأشرف برسباى، حكم منها إلى تاسع عشر شهر «2» ربيع الآخر، ثم حكم الملك الظاهر فى باقيها، وهى أول سلطنته على مصر على كل حال. وفيها، أعنى سنة اثنتين وأربعين، توفى حافظ الشام ومحدثه شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن مجاهد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن على القيسى الدمشقى الشافعى المعروف بابن ناصر الدين، بدمشق، فى ثامن عشر شهر ربيع الآخر، ومولده فى محرم سنة سبع وسبعين وسبعمائة، وسمع الكثير وطلب الحديث، ودأب وحصّل وكتب وصنّف، وصار حافظ دمشق ومحدثه إلى أن مات. وتوفى الأمير صفى الدين جوهر بن عبد الله الجلبانى، الحبشى الزّمام، المعروف باللالا، فى يوم الأربعاء ثالث عشرين جمادى الأولى، عن نحو ستين سنة تخمينا، وكان أصله من خدّام الأمير [عمر بن] «3» بهادر المشرف، وأنعم به على أخته زوجة الأمير [170] جلبان الحاجب، فأعتقه جلبان، ودام بخدمته حتى مات. وماتت ستّه، زوجة الأمير جلبان الحاجب، فاتصل بعدهما بخدمة الملك الأشرف برسباى قبل سلطنته، ودام عنده إلى أن تسلطن، فرقّاه وجعله لالاة ابنه [الأكبر] «4» المقام الناصرى محمد، ثم من بعده لالا ابنه الملك العزيز يوسف، ثم ولاه زماما، بعد موت الطّواشى خشقدم الرومى الظاهرى فى جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين وثمانمائة، فاستمر فى وظيفته زماما، إلى أن توفى الملك الأشرف، وملك ولده الملك العزيز

يوسف، ثم خلع العزيز وتسلطن الملك الظاهر جقمق، فأمسكه وهو مريض، وصادره وعزله، وولّى «1» عوضه زماما، الطواشىّ الرومىّ فيروز الساقى الجاركسى، فلم تطل أيام جوهر المذكور بعد ذلك، ومات؛ وكان من رؤساء الخدام حشمة وعقلا ودينا وكرما، وهو صاحب المدرسة والدار بالمصنع بالقرب من قلعة الجبل «2» . [و] توفى «3» قاضى القضاة علّامة عصره شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد ابن عثمان البساطى المالكى، قاضى قضاة الديار المصرية، وعالمها، فى ليلة الجمعة ثالث عشر شهر رمضان، ومولده [فى] «4» محرم سنة ستين وسبعمائة، ومات وقد انتهت إليه الرئاسة فى المعقول والمنقول، وكان منشأه بالقاهرة، وبها تفقّه، وطلب العلم، واشتغل على علماء عصره حتى برع فى علوم كثيرة، وأفتى ودرّس، وتصدّى للاشتغال سنين كثيرة، وبه تخرّج غالب علماء عصرنا، من سائر المذاهب، وأول ما وليه من الوطائف: تدريس المالكية بمدرسة جمال الدين الأستادّار، وناب فى الحكم عن ابن عمه قاضى القضاة جمال الدين البساطى سنين، ثم استقل بالقضاء فى الدولة المؤيّدية شيخ، بعد جمال الدين البساطى المذكور، فباشر القضاء نحو عشرين سنة، إلى أن مات قاضيا. [وفيه] «5» قتل الأمير سيف الدين قرقماس بن عبد الله الشعبانى الناصرى المعروف بأهرام ضاغ، بثغر الإسكندرية، حسبما يأتى ذكره. كان أصله من كتابية الملك الظاهر برقوق، فيما أظن، ثم أخذه الملك الناصر وأعتقه، وجعله خاصكيّا، ثم صار دوادارا فى الدولة المؤيّدية شيخ، من جملة الأجناد، إلى أن أمّره الأمير ططر عشرة، ثم صار أمير طبلخاناة ودوادارا ثانيا فى أوائل الدولة الأشرفية، وأجلس النقباء على بابه، وحكم بين الناس- ولم يكن ذلك بعادة: أن يحكم الدوادار الثانى

بين الناس- ثم أنعم عليه الملك الأشرف برسباى بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية فى سنة ست وعشرين، وتولى الدوادارية الثانية بعده جانبك الخازندار الأشرفى، ثم وجّهه إلى مكة المشرّفة شريكا لأميرها الشريف عنان ابن مغامس بن رميثة الحسنى، فأقام بمكة مدة، ثم عاد إلى القاهرة، بعد أن أعيد الشريف حسن بن عجلان إلى إمرة مكة، ومات حسن، وتولى ابنه الشريف بركات. وقدم قرقماس المذكور إلى مصر، على إمرته، أمير مائة ومقدم ألف، ودام على ذلك سنين، إلى أن استقر حاجب الحجاب بالديار المصرية، بعد الأمير جرباش الكريمى قاشق، بحكم انتقال جرباش إلى إمرة مجلس، فباشر الحجوبية بحرمة زائدة [وعظمة وبطش فى الناس بحيث هابه كل أحد] «1» ، وصار يخلط فى حكوماته ما بين ظلم وعدل، ولين وجبروت، إلى أن استقر فى نيابة حلب بعد الأمير قصروه من تمراز الظاهرى برقوق؛ بحكم انتقاله إلى نيابة دمشق، بعد موت الأمير جارقطلو، فى حدود سنة سبع وثلاثين وثمانمائة، فباشر نيابة حلب مدة تزيد على السنة، وعزل عنها، بعد أن أبدع فى المفسدين بها، وأشيع [الخبر] «2» عنه بالخروج عن الطاعة. وقدم إلى القاهرة على النّجب، بطلب من السلطان، وخلع عليه باستقراره أمير سلاح، بعد الأمير جقمق العلائى صاحب الترجمة، بحكم انتقال جقمق للأتابكية، عوضا عن إينال الجكمى، بحكم استقرار الجكمى فى نيابة حلب، عوضا عن قرقماس المذكور، فاستمر أمير سلاح مدة، وتجرد إلى البلاد الشامية مقدم العساكر، ومعه سبعة أمراء من مقدمى الألوف، فى سنة إحدى وأربعين؛ وقد تقدم ذكر ذلك كله، فى ترجمة الملك الأشرف وغيره من هذا الكتاب؛ [171] وإنما نذكره هنا ثانيا لينتظم سياق الكلام مع سياقه.

ومات الملك الأشرف فى غيبته، ثم قدم القاهرة مع رفقته، وقد ترشح الأتابك جقمق للسلطنة، وسكن باب السلسلة من الإسطبل السلطانى، وكان حريصا على حب الرئاسة، فلما رأى أمر جقمق قد استفحل كاد يهلك فى الباطن، وما أمكنه إلا الموافقة، وقام معه حتى تسلطن، ثم وثب عليه حسبما تقدم ذكره، بعد أربعة عشر يوما من سلطنة الملك الظاهر جقمق، وقاتله، وانكسر بعد أمور حكيناها فى أصل هذه الترجمة، وهرب ثم ظهر وأمسك وحبس «1» بسجن الإسكندرية، إلى أن ضربت رقبته بالشرع فى ثغر الإسكندرية، فى يوم الاثنين ثانى عشر جمادى الآخرة. وكان قرقماس أميرا ضخما شجاعا مقداما عارفا بفنون الفروسية، وعنده مشاركة بحسب الحال، إلا أنه كان فيه ظلم وعسف وجبروت، وكان مع شجاعته وإقدامه، لا ينتج أمره فى الحروب، لعدم موافقة رجليه ليديه، فإنه كان إذا دخل الحرب، يبطل عمل رجليه فى تمشية الفرس، لشغله بيديه، وهو عيب كبير فى الفارس؛ وشهر ذلك عن جماعة من الأقدمين من فرسان الملوك، مثل الأتابك إينال اليوسفى، ويونس بلطا نائب طرابلس وغيرهما- انتهى. ومعنى «أهرام ضاغ» أى جبل الأهرام، سمى بذلك قديما لتكبره وتعاظمه. وتوفى القاضى علم الدين أحمد بن تاج الدين محمد بن علم الدين محمد بن كمال الدين محمد بن قاضى القضاة علم الدين محمد بن أبى بكر بن عيسى بن بدر الإخنائى «2» المالكى، أحد فقهاء المالكية، ونواب الحكم بالقاهرة، فى يوم الأربعاء خامس عشرين شهر رمضان؛ وكان مشكور السيرة عفيفا عما يرمى به قضاة السوء. وتوفى قاضى القضاة بدمشق المالكى محيى الدين يحيى بن حسن بن محمد

[ابن عبد الواسع المحيوى] «1» الحيحانى «2» المغربى فى يوم الأربعاء حادى عشر ذى القعدة، وكان دينا عفيفا حسن السيرة فى أحكامه. وتوفى السيد الشريف أحمد بن [حسن] «3» بن عجلان، المكى الحسنى، بعد ما فارق أخاه الشريف بركات بن حسن، وسافر «4» إلى اليمن، فمات بزبيد. وتوفى الأتابك إينال بن عبد الله الجكمى نائب الشام قتيلا بقلعة دمشق، فى ليلة الاثنين ثانى عشرين ذى القعدة؛ وقد قدّمنا من ذكره فى أول ترجمة الملك الظاهر هذا وغيره نبذة كبيرة، تعرف منها أحواله؛ غير أننا نذكر الآن سبب ترقّيه لا غير: فأصله من مماليك الأمير جكم من عوض الظاهرى المتغلّب على حلب، وخدم من بعد «5» أستاذه المذكور «6» عند الأمير سودون [الظاهرى برقوق، ويعرف بسودون] «7» بقجة، وصار خازنداره، ثم اتصل بخدمة الملك المؤيّد شيخ، فلما تسلطن شيخ، جعله ساقيا، ثم أمسكه وعاقبه عقوبة شديدة لأمر أوجب ذلك؛ ثم نفاه إلى البلاد الشامية، ثم أعاده بعد وقعة قانى باى نائب الشام، وأنعم عليه بإمرة عشرة، ثم جعله أمير طبلخاناة وشادّ الشراب خاناة، ثم أنعم عليه الأمير ططر بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، وولّاه رأس نوبة النّوب، ثم نائب حلب، ثم عزله بعد شهر وأيام وجعله أمير سلاح. ثم قبض عليه مع «8» من قبض عليه من الأمراء المؤيّدية وغيرهم، كل ذلك فى مدة يسيرة؛ وحبس مدة سنين إلى أن أطلقه الملك الأشرف برسباى بشفاعة

الناصرى محمد بن منجك، ووجّهه إلى الحجاز، ثم عاد وأقام بالقدس بطالا، إلى أن طلبه الملك الأشرف إلى مصر، وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف، عوضا عن الأتابك بيبغا «1» المظفرى [التركى] «2» بحكم القبض عليه، وذلك فى سنة سبع وعشرين؛ ثم جعله أمير مجلس سنين، ثم نقله إلى إمرة سلاح بعد موت إينال النّوروزى، ثم جعله أتابكا بعد سودون من عبد الرحمن، وهو على إقطاعه، ولم ينعم السلطان عليه بإقطاع الأتابكية. فدام على ذلك مدة طويلة، إلى أن خلع السلطان عليه باستقراره فى نيابة حلب بعد عزل قرقماس الشعبانى، واستقر عوضه فى الأتابكية الأمير جقمق العلائى، فلم تطل مدته فى نيابة حلب، ونقل منها بعد أشهر إلى نيابة الشام بعد موت قصروه من تمراز، فدام فى نيابة دمشق إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق، فبايع له أولا، ولبس خلعته وباس الأرض، ثم عصى بعد ذلك، ووقع ما حكيناه من أمره [172] فى ترجمة الملك الظاهر جقمق من قتاله لعسكر السلطان وهزيمته والقبض عليه وقتله. وكان إينال أميرا جليلا شجاعا مقداما عاقلا سيوسا حشما وقورا كريما رئيسا، كامل الأدوات كثير الأدب، مليح الشكل معتدل القد للسّمن «3» أقرب، نادرة فى أبناء جنسه، قلّ أن ترى العيون مثله، عفا الله عنه، ومات وسنه نحو الخمسين «4» سنة «5» تخمينا. وتوفى الأمير سيف الدين يخشباى بن عبد الله المؤيّدى [شيخ] «6» ثم الأشرفى [برسباى] «7» ، أمير آخور الثانى قتيلا، بسيف الشرع، ضربت رقبته بثغر الإسكندرية، وقد تقدم ذكر سبب قتله فى أوائل ترجمة الملك الظاهر هذا، وقتل

يخشباى وسنه نحو الثلاثين سنة تخمينا. وكان شابا طويلا جميلا، مليح الشكل عاقلا، عارفا بأنواع الفروسية، وعنده فهم وذوق ومعرفة ومحاضرة حسنة، وتذاكر بالفقه وغيره بحسب الحال، عوّض الله شبابه الجنة بمنه وكرمه. وتوفى الأمير حسين «1» بن أحمد المدعو تغرى برمش نائب حلب مضروب الرقبة بحلب، فى يوم الأحد سابع عشر ذى الحجة؛ وأصل تغرى برمش هذا من مدينة بهسنا «2» وجفل هو وأخوه حسن- وكان حسن الأكبر- من بهسنا فى كائنة تيمور لنك، وقدما بعد ذلك بسنين إلى الديار المصرية، فخدم أخوه حسن تبعا عند الأمير قرا سنقر الظاهرى، وجلس حسين هذا عند بعض الخياطين بالمصنع من تحت القلعة، ثم انتقل أيضا إلى خدمة قرا سنقر [الجمالى] «3» لجمال صورته، ثم انتقل من عند قرا سنقر إلى الأمير إينال حطب [العلائى] «4» ، وصار عنده من جملة مماليكه الكتّابية، إلى أن مات إينال حطب، فأخذه دواداره الأمير فارس، وأتى به إلى الوالد. وكان الوالد من جملة أوصياء إينال حطب، فأخذه الوالد وجعله إنيا «5» لمملوكه شاهين أمير آخور، فجعله شاهين فى الطبقة، وسمّاه تغرى برمش؛ ثم أخرج له الوالد خيلا وقماشا، ثم جعله من «6» جملة مماليك أخر، وجعله جمدارا، فدام على ذلك، إلى أن تولى الوالد نيابة دمشق التى مات فيها، فأفسد تغرى برمش هذا من مماليك الوالد، مملوكين، وأخذهما «7» وهرب إلى طرابلس: أحدهما فى قيد الحياة إلى يومنا هذا من جملة المماليك السلطانية، واسمه أيضا تغرى برمش الصغير؛ وبلغ الوالد خبرهما،

فأمر أن يكتب إلى الأمير جانم نائب طرابلس بالقبض عليهم الثلاثة وإرسالهم إليه فى الحديد، فخشى أغانهم شاهين، الأمير آخور عليهم، من الضرب والإخراق، فسأل الوالد أنه يسافر إليهم ويقبض عليهم ويأتى بهم، فرسم له الوالد بذلك. وتوجه شاهين إليهم، فوجدهم بقاعة فى طرابلس، فنزل عن فرسه ودخل عليهم استخفافا بهم، فحال ما وقع بصرهم «1» عليه، هرب تغرى برمش الصغير ويوسف، ووثب تغرى برمش ليهرب، فلحقه شاهين، فجذب سيفه وضرب شاهين به فقتله، ثم هرب، فكتب الأمير جانم نائب طرابلس محضرا بواقعة الحال، وأرسله إلى الوالد، ومع المحضر يوسف وتغرى برمش الصغير؛ وهرب تغرى برمش هذا، فرسم الوالد بتحصيل تغرى برمش المذكور وشنقه. وكان الوالد مشغولا بمرض موته، ومات بعد مدة يسيرة. وخدم تغرى برمش هذا عند الأمير طوخ [الظاهرى برقوق، ويقال له طوخ] «2» بطيخ نائب حلب، وترقى عنده، وصار رأس نوبته، ثم خدم بعده عند جقمق الأرغون شاوى الدّوادار، وصار أيضا رأس نوبته ثم دواداره فى آخر أيامه؛ وكان لجقمق دوادار آخر، يسمى إينال [الحمار] «3» فكان جقمق يقول: «دوادارىّ: الواحد حمار والآخر ثور» . ثم مشى حال تغرى برمش بعد عند أبناء جنسه؛ وسببه أنه لما انكسر أستاذه جقمق فى دمشق، وتوجّه إلى بعض قلاع الشام، وتحصّن بها، إلى أن أنزل منها وقتل بدسيسة من تغرى برمش هذا، فأنعم عليه ططر بإمرة عشرة بالقاهرة، ثم جعله الملك الأشرف أمير طبلخاناة، ونائب قلعة الجبل، ثم أنعم عليه بتقدمة ألف فى سنة سبع وعشرين، ثم جعله نائب غيبته بديار مصر لما سافر لآمد، ثم جعله أمير آخور كبيرا بعد الأمير جقمق العلائى، بحكم انتقال جقمق إلى إمرة سلاح؛

ثم ولاه نيابة حلب بعد عزل قرقماس الشعبانى [173] عنها «1» فدام بحلب إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق، فبايعه ولبس خلعته، ثم عصى بعد ذلك- وليت الخمول عصى أولا قبل مبايعته، فكان يصير له عذر فى الجملة! - ثم وقع له بعد عصيانه ما حكيناه فى ترجمة الملك الظاهر جقمق، إلى أن انكسر وأمسك، ثم ضربت رقبته تحت قلعة حلب، وسنّه نحو الخمسين. وكان تغرى برمش رجلا طوالا مليح الشكل عاقلا مدبرا كثير الدهاء والمكر، وكان يجيد رمى النشاب ولعب الكرة، وكان عارفا بأمور دنياه وأمر معيشته، متجملا فى مركبه وملبسه ومماليكه، إلا أنه كان بخيلا شحيحا حريصا على جمع المال، قليل الدين لا يحفظ مسألة تامة فى دينه، مع قلة فهم وذوق، وغلاظة طبع، على قاعدة أوباش التركمان «2» ، وكان عاريا من سائر العلوم والفنون، غير ما ذكرنا، لم أره منذ «3» عمرى مسك كتابا بيده ليقرأه، هذا مع الجبن وعدم الثبات فى الحروب، وقلة الرأى فى تنفيذ العساكر؛ وما وقع له مع ناصر الدين بك بن دلغادر فى نيابته على حلب من الحروب والانتصار عليه، كل ذلك كان بكثرة الشوكة وسعد الملك الأشرف برسباى. وأما لما صار الأمر له، لم يفلح فى واقعة من الوقائع، بل صار كلما دبّر أمرا انعكس عليه، فإنه كان ظنّينا برأى نفسه، وليس له اطلاع فى أحوال السلف بالكلية، ولم يستشر «4» أحدا فى أمره، فحينئذ خمل وأخمل وتمزقت جميع عساكره وخانه حتى مماليكه مشترواته، ومع هذا كله، هو عند القوم فى رتبة عليا من العقل والمعرفة والتدبير؛ وعذرهم أنه لو لم يكن كذلك [ما] «5» صار أميرا- انتهى.

ومات تغرى برمش، والمحضر المكتتب عليه بسبب قتله لشاهين، عندنا. وقد طلبه منى غير مرة وأنا أسوّف به من وقت إلى وقت، وأبدى له أعذارا غير مقبولة، وأورّى «1» له فى كلامى، فيمشى عليه «2» ذلك ويطيب [خاطره] «3» . إلى أن عصى، فطلبنى الملك الظاهر جقمق، وسألنى عن المحضر، فقلت: «عندى» ، فكاد يطير فرحا. ثم أفحش أمر تغرى برمش فى الحلبيّين حتى أوجب ذلك قتله بغير محضر ولا حكم حاكم. وتوفى الملك الظاهر هزبر الدين عبد الله ابن الملك الأشرف إسماعيل بن على بن داؤد بن يوسف بن عمر بن على بن رسول، التركمانى الأصل، اليمنى، صاحب بلاد اليمن، فى يوم الخميس سلخ شهر رجب؛ وكانت مدة ملكه اثنتى عشرة «4» سنة؛ وفى أيامه ضعفت مملكة اليمن، لاستيلاء العربان على بلادها وأموالها؛ وأقيم بعده فى ملك اليمن: الملك الأشرف إسماعيل وله من العمر نحو العشرين سنة، فأساء السيرة، وسفك الدماء وقتل الأمير برقوقا «5» التركى القائم بدولتهم، فى عدة أخر من الأتراك، ووقع له أمور كثيرة، ليس لذكرها هنا فائدة. أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم خمسة أذرع وثلاثة وعشرون أصبعا؛ [مبلغ الزيادة: ثمانية عشر ذراعا وعشرون أصبعا] «6» .

ما وقع من الحوادث سنة 843

[ما وقع من الحوادث سنة 843] السنة الثانية من سلطنة الملك الظاهر أبى سعيد «1» جقمق على مصر وهى سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة. وفيها توفى الأمير علاء الدين آقبغا بن عبد الله من مامش الناصرى [فرج] «2» التركمانى، نائب الكرك، بعد أن عزل عنها وحبس بقلعتها فى أواخر هذه السنة، وله نحو سنين «3» سنة من العمر، ولم يشتهر فى عمره بدين ولا شجاعة ولا كرم. وتوفى الأتابك آقبغا التّمرازى نائب الشام بها فجاءة، وهو على ظهر فرسه، فى صبيحة يوم السبت سادس عشر «4» شهر ربيع الآخر، وسنه سبعون سنة تخمينا. وكان خبر موته: أنه ركب من دار السعادة بعد أن انفجر «5» الفجر من اليوم المذكور، وسار إلى الميدان، ولعب [به] «6» الرمح، وغيّر فيه عدة خيول، ثم ساق البرجاس «7» وغيّر فيه أيضا أفراسا كثيرة، ثم ضرب الكرة مع الأمراء على عدة خيول، يغيّرها «8» من تحته، إلى أن انتهى، وليس عليه ما يردّ البرد عنه، وسار إلى باب الميدان ليخرج منه، ومماليكه مشاة بين يديه، فقال الرأس نوبته: «مر المماليك ليأكلوا السماط» ، ثم مال عن فرسه، فاعتنقه رأس نوبته المذكور،

وحمله وأنزله إلى قاعة عند باب الميدان، فمات [174] من وقته، ولم يتكلم كلمة واحدة غير ما ذكرناه. وكان أصله من مماليك الأمير تمراز الناصرى نائب السلطنة فى دولة الناصر فرج، ونسبه تمراز أستاذه بالناصرى، لأستاذه خواجا ناصر الدين، وقد تقدم ذكره فى الدولة الناصرية، وخدم آقبغا هذا بعد موته عند الأتابك دمرداش المحمدى ثم اتصل بخدمة [الملك] «1» المؤيّد شيخ، فرقّاه المؤيّد لسيادة كانت له فى لعب الرمح، وأنعم عليه بإمرة عشرة، ثم طبلخاناة، وجعله أمير آخور ثانيا، ثم أنعم عليه الأمير ططر بإمرة مائة وتقدمة ألف، وجعله من الأمراء المقيمين بالقاهرة، لما سافر بالملك المظفر أحمد إلى دمشق، ثم صار أمير مجلس فى أوائل الدولة الأشرفية برسباى، ثم ولى نيابة الإسكندرية بعد أسندمر النّورى «2» الظاهرى [برقوق] «3» ، مضافا على تقدمته، ثم عزل بعد سنين وأعيد إلى إمرة مجلس، إلى أن جعله الملك الظاهر جقمق أمير سلاح، ثم أتابك العساكر بالديار المصرية، كلاهما بعد قرقماس الشعبانى، فباشر الأتابكية أشهرا، وتولى نيابة دمشق لما عصى الأتابك إينال الجكمى، وقد تقدم ذكر ذلك كله فى أول ترجمة الملك الظاهر جقمق. هذا ولم تطل مدة نيابته على دمشق سوى أشهر، ومات. وكان عارفا بأنواع الفروسية كلعب الرمح وضرب الكرة وسوق المحمل والبرجاس، رأسا فى ذلك جميعه، إمام عصره فى ركوب الخيل ومعرفة تقليبها فى أنواع الملاعيب المذكورة، انتهت إليه الرئاسة فى ذلك بلا مدافعة، لا أقول ذلك كونه صهرى، بل أقوله على الإنصاف، مع دين وعفة عن المنكرات والفروج، وقيام

ليل وزيارة الصالحين دواما، غير أنه كان مسّيكا، وعنده حدّة مزاج، ولم تكن شجاعته فى الحروب بقدر معرفته لأنواع الملاعيب والفروسية، رحمه الله تعالى. وتوفى الأمير سيف الدين طوخ بن عبد الله الناصرى المعروف بطوخ مازى «1» ، نائب غزة، فى ليلة السبت حادى «2» شهر رجب. وأصله من مماليك [الملك] «3» الناصر فرج، وتأمّر- بعد موت الملك المؤيّد شيخ- عشرة، وصار فى الدولة الأشرفية برسباى، من جملة رؤوس النّوب، ثم ترقى بعد سنين إلى إمرة طبلخاناة وصار رأس نوبة ثانيا، ثم ولى نيابة غزة بعد موت آقبردى القجماسى فى الدولة العزيزية يوسف، إلى أن مات، وكان متوسط السيرة منهمكا فى اللذات عاريا من كل علم وفن، عفا الله عنه. وتوفى الأمير سيف الدين يلبغا بن عبد الله البهائى الظاهرى نائب الإسكندرية بها، فى يوم الخميس ثالث عشر جمادى الأولى، وهو فى عشر السبعين، وكان أصله من مماليك [الملك] «4» الظاهر برقوق، وكان يعرف بيلبغا قراجا، لأنه «5» كان أسمر اللون تركى الجنس. وكان تأمّر قديما إمرة عشرة، ودام على ذلك سنين، إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر جقمق بإمرة طبلخاناة والحجوبية الثانية، عوضا عن أسنبغا الطّيّارى، ثم ولّاه نيابة الإسكندرية، إلى أن مات بها. وكان من خيار الناس عقلا ودينا وسكونا وعفة، مع مشاركة فى الفقه وغيره، ويكتب الخط المنسوب، وكان فصيحا باللغة العربية، حلو الكلام جيد المحاضرة، يذاكر بالأيام السالفة مذاكرة حسنة لذيذة، وهو «6» أحد من أدركناه من النوادر فى معناه، رحمه الله تعالى.

وتوفى الأمير سيف الدين قطج «1» بن عبد الله من تمراز الظاهرى، بطّالا بالقاهرة، فى يوم الاثنين ثامن عشرين شهر رمضان، وكان أصله من أصاغر مماليك الظاهر برقوق، وتأمّر أيضا- بعد موت الملك المؤيّد شيخ- عشرة، ثم ترقى إلى أن صار فى الدولة الأشرفية أمير مائة ومقدّم ألف، ودام على ذلك سنين، إلى أن أمسكه الأشرف وسجنه بثغر الإسكندرية مدة، ثم أفرج عنه وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بحلب، ثم نقله إلى أتابكيّه حلب، بعد نقل قانى باى البهلوان، إلى أتابكية دمشق، بحكم وفاة تغرى بردى المحمودى بآمد، فدام على ذلك سنين، إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق، فقدم القاهرة، واستعفى من أتابكية حلب، فأعفى، يريد بذلك أن يكون من جملة أمراء مصر؛ فلم يكترث [175] المالك الظاهر بأمره، ودام بطّالا إلى أن مات. وكان يتمفقر فى حياته ويطلب من الأمراء، فلمّا مات، ظهر له مال كبير «2» ، فأخذه من يستحقه، ولله درّ أبى الطيب المتنبى فيما قال فى هذا المعنى: [الطويل] ومن ينفق الساعات فى جمع ماله ... مخافة فقر فالذى فعل الفقر وتوفى الأمير سيف الدين سودون الظاهرى المغربى أحد أمراء العشرات والحجاب، ثم نائب ثغر دمياط، بطّالا بالقدس؛ وكان أيضا من مماليك [الملك] «3» الظاهر برقوق، وتأمّر عشرة، وصار من جملة الحجاب فى الدولة الأشرفية برسباى، ثم ولى نظر القدس فى بعض الأحيان، ثم ولى نيابة دمياط، إلى أن أمسكه الملك الظاهر وحبسه مدة، ثم أخرجه إلى القدس بطّالا، إلى أن مات.

وكان دينا خيرا عفيفا عن القاذورات، عارفا بأنواع الفروسية باجتهاده، فكان خطأه «1» فيه أكثر من صوابه، وكان يتفقّه، ويكثر من الاشتغال دواما، لا سيما لما اشتغل فى النحو فضيع فيه زمانه، ولم يحصل على طائل، لقصر فهمه وعدم تصوره، وكان يلح فى المسائل الفقيهة ويبحث فيها أشهرا، ولا يرضى إلا بجواب سمعه قديما من كائن من كان؛ وكان هذا سبب نفيه، فإنه بحث مرة مع الأمير بكتمر السعدى بحثا، فأجابه بكتمر بالصواب، فلم يرض بذلك سودون هذا، وألحّ فى السؤال على عادته، فنهره الملك الظاهر جقمق، وهو يوم ذاك أمير آخور، وقال له: «أنت حمار!» ، واحتدّ عليه، فقال سودون: «العلم ليس هو بالإمرة وإنما هو بالأعلم» . فحنق الملك الظاهر منه أكثر وأكثر، وانفض المجلس. وكان فيه أنواع ظريفة فى حكمه بين الناس، منها: أنه يتحقق فى عقله أن الحقّ لا يزال مع الضعيف من الناس، وأن القوىّ لا يزال يجبر الضعيف، فصار كلما دخل إليه خصمان فينظر إليهما، فيكون أحد الأخصام جنديا والآخر فلاحا، والحقّ مع الجندى، فلا يزال سودون يميل مع الفلاح ويقوّى كلامه وحجته، ويوهى كلام الجندى ودعواه، حتى يسأل الجندىّ فى المصالحة، أو يأخذ فلاحه ويذهب، إن كان له شوكة، هذا بعد أن يوبخ الجندىّ ويعظه ويحذره عقوبة الله عز وجل، ويذكر له أفعال أبناء جنسه من المماليك. وكان عنده كثرة كلام مع نشوفة، ولهذا سمى بالمغربى «2» ، فلما تكرر منه ذلك وعرف الناس طبعه، ترامى الضعفاء عليه من الأماكن البعيدة، فانتفع به أناس وتضرر به آخرون؛ على أنه كان غالب اجتهاده فى خلاص الحق على قدر ما تصل قدرته إليه، رحمه الله تعالى. وتوفى قاضى قضاة حلب علاء الدين على بن محمد بن سعد بن محمد بن على بن عثمان

الحلبى الشافعى، قاضى حلب، وعالمها ومؤرخها، المعروف بابن خطيب الناصرية «1» ، فى ليلة الثلاثاء تاسع ذى القعدة، بحلب. ومولده فى سنة أربع وسبعين وسبعمائة؛ وكان إماما عالما بارعا فى الفقه والأصول والعربية والحديث والتفسير، وأفتى ودرّس بحلب سنين، وتولى قضاءها، وقدم القاهرة غير مرة، وله مصنّفات منها: كتابه المسمى بالمنتخب فى تاريخ حلب، ذيّله على تاريخ ابن العديم، لكنه لم يسلك فيه ما شرطه فى الاقتداء بابن العديم، وسكت عن خلائق من أعيان العصر ممن ورد إلى حلب، حتى قال بعض الفضلاء: «هذا ذيل قصير إلى الركبة» . وكان، سامحه الله، مع فضله وعلمه، يتساهل فى تناول معالمه «2» فى الأوقاف بشرط الواقف وبغير شرط الواقف، وكان له وظائف ومباشرة فى جامع الوالد بحلب، فكان يأخذ استحقاقه واستحقاق غيره، وكان له طولة روح واحتمال زائد لسماع المكروه، بسبب ذلك، وهو على ما هو عليه، ولسان حاله يقول: «لا بأس بالذل فى تحصيل المال» . وكان يتولى القضاء بالبذل، ويخدم أرباب الدولة بأموال كثيرة. وملخص الكلام: أنه كان عالما غير مشكور السيرة، وكان به صمم خفيف. وتوفى قاضى المدينة النبوية جمال الدين محمد بن أحمد بن محمد بن محمود بن إبراهيم ابن أحمد الكازرونى الأصل [176] المدنى المولد والمنشأ والوفاة، الشافعى، فى يوم الأربعاء عاشر ذى القعدة، ودفن بالبقيع ومولده سنة سبع وخمسين وسبعمائة؛ وكان بارعا فى الفقه وله مشاركة فى غيره، وتولى قضاء المدينة فى بعض الأحيان، ثم ترك ذلك ولزم العلم إلى أن مات. وتوفى مجد الدين ماجد بن النّحّال الأسلمى القبطى كاتب المماليك السلطانية،

فى ليلة السبت سادس ذى الحجة، وكان أصله من نصارى مصر القديمة، وخدم فى عدة جهات وهو على دين النصرانية، ودام على ذلك إلى أن أكرهه الأمير نوروز الحافظى على الإسلام، فأظهر الإسلام وأبقى جميع ما عنده من النسوة والخدم على دين النصرانية، وهو والد فرج بن النحال وزير زماننا هذا وأستادّاره، ثم قدم ماجد عند الأمير جقمق الدّوادار، ثم ترقى إلى أن ولى كتابة المماليك السلطانية سنين، إلى أن مات. وكان فيه مروءة وخدمة لأصحابه، وأما غير ذلك فالسكات أجمل. وما أظرف ما قال الشيخ تقي الدين المقريزى رحمه الله، لما ذكر وفاته بعد كلام طويل، إلى أن قال: «وكان لا دين ولا دنيا» . أمر النيل [فى هذه السنة] «1» : الماء القديم أربعة أذرع وعشرة «2» أصابع؛ مبلغ الزيادة: عشرون ذراعا وأحد عشر إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 844

[ما وقع من الحوادث سنة 844] السنة الثالثة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة أربع وأربعين وثمانمائة. فيها توفى الأمير ناصر الدين محمد ابن الأمير صارم الدين إبراهيم، ابن الأمير الوزير منجك اليوسفى بدمشق، فى يوم الأحد خامس عشر شهر ربيع الأول، وهو فى عشر السبعين. وكان مولده بدمشق، وأعطى بها إمرة فى دولة الملك المؤيّد شيخ، وحظى عنده إلى الغاية، ثم صار على منزلته فى الرفعة وأعظم عند الملك الأشرف برسباى، حتى أنه كان يجلس فوق أمير سلاح، وكان إذا حضر مجلس السلطان لا يتكلم السلطان مع غيره إلا لحاجة، إجلالا له؛ وكان يقدم القاهرة فى كل سنة مرة فى مبادئ فصل الشتاء، ثم يعود إلى دمشق فى مبادئ فصل الصيف؛ وفى الجملة: أنه كان محظوظا من الملوك إلى الغاية من غير أمر يوجب ذلك. وقد حاضرته كثيرا فى مبادئ عمرى، فلم أجد له معرفة بعلم من العلوم، ولا فن من الفنون، غير لعب الكرة وأنواع الصيد بالجوارح فقط، والمال الكثير مع بخل وشح زائد يضرب به المثل؛ وكنت أراه يكثر السكوت؛ فأقول: «هذا لغزير عقله» «1» ، وإذا به من قلة رأس ماله. وقد حكى لى عنه بعض أكابر أعيان المملكة، قال: لما خرج قانى باى نائب الشأم عن طاعة المؤيّد، وعلم بذلك أعيان أهل دمشق، اجتمعوا بمكان يشتورون فيما يفعلون، لئلا يقبض عليهم قانى باى المذكور، وهم مثل القاضى: نجم الدين بن حجّىّ، والقاضى شهاب الدين بن الكشك، والشريف شهاب الدين، وخواجه شمس الدين ابن المزلق، وابن مبارك شاه، وابن منجك، وجماعة أخر من الأمراء وغيرهم، فأخذ ابن منجك يتكلم، فقال له القاضى شهاب الدين بن الكشك، متهكما عليه فى الباطن:

«يا أمير محمد، أنت رجل غزير العقل «1» والرأى، ونحن ضعفاء العقول. لا تكلمنا على قدر عقلك، وإنما تحدّث معنا بقدر عقولنا» ؛ فقال ابن منجك المذكور: «إذا لا أحدثكم إلا على قدر عقولكم» . فقالوا: «الآن تعمل المصلحة» . وتكلموا فيما هم بصدده؛ قلت: هذا هو الغاية فى الجهل والتفنن فى الجنون؛ فإن كل واحد ممن كان اجتمع فى ذلك المجلس، يمكن أن يدبر مملكة سلطان وينفذ أموره على أحسن وجه- انتهى. وتوفى قاضى القضاة شيخ الإسلام محبّ الدين أبو الفضل أحمد بن الشيخ الإمام العلامة جلال الدين نصر الله بن أحمد بن محمد بن عمر التّسترى «2» الأصل، البغدادى الحنبلى قاضى قضاة الديار المصرية، وعالم السادة الحنابلة فى زمانه، فى يوم الأربعاء خامس عشر جمادى الأولى بالقاهرة، وهو قاض؛ وتولى بعده قاضى القضاة بدر الدين محمد ابن عبد المنعم البغدادى، وكان مولد القاضى [177] محب الدين ببغداد فى شهر رجب سنة خمس وخمسين وسبعمائه، واشتغل بها وتفقه، وقدم القاهرة فى أول القرن واشتغل بها، حتى برع فى الفقه وأصوله والحديث والعربية والتفسير، وتصدى للإفتاء والتدريس سنين، وناب فى الحكم بالقاهرة عن القاضى علاء الدين بن مغلى، وبرع حتى صار المعوّل على فتواه، ثم ولى قضاء الحنابلة بعد موت قاضى القضاة علاء الدين بن مغلى فى يوم الاثنين سابع عشرين صفر سنة ثمان وعشرين وثمانمائة، ودام فى الوظيفة إلى أن

عزل بالقاضى عزّ الدين عبد العزيز بن على بن العز البغدادى، فى ثالث عشر جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين، فلم تطل ولاية عز الدين، وعزل، وأعيد القاضى محبّ الدين هذا فى يوم الثلاثاء ثانى عشر صفر سنة ثلاثين، واستمر قاضيا إلى أن مات، وقد ذكرنا أحواله ومشايخه فى تاريخنا «المنهل الصافى [والمستوفى بعد الوافى» ] بأوسع من هذا فلينظر هناك «1» . وتوفى سعد الدين إبراهيم القبطى المصرى، المعروف بابن المرة «2» ، فى يوم الخميس عاشر شهر ربيع الآخر بالقاهرة، وهو فى عشر السبعين، بعد أن افتقر واحتاج إلى السؤال، وكان ولى نظر ديوان المفرد [فى الأيام الأشرفية برسباى] «3» ، ونظر بندر جدّة سنين كثيرة، وحصل له ثروة وعزوجاه، ثم زال عنه ذلك كله، ومات فقيرا، صدّق عليه بالكفن. وتوفى الأمير ناصر الدين محمد المرداوى المعروف بابن بوالى، وهو اسم كردى غير كنية. مات بدمشق، بعد أن ولى أستادّارية السلطان بالديار المصرية، ثم عزل وولى أستادّارية السلطان بدمشق، إلى أن مات. وقد تقدم ذكره فى ترجمة الملك الأشرف برسباى، عند ما ولى الأستادّارية عوضا عن أرغون شاه النّوروزى؛ وكان من الظّلمة، يقضى عمره فى مظالم العباد. وتوفى الأمير علاء الدين ألطنبغا بن عبد الله المرقبى المؤيدى أحد أمراء الألوف بالديار المصرية، فى يوم الاثنين عاشر شهر رجب، وكان من كبار مماليك الملك المؤيد شيخ، من أيام جنديته، ورقاه بعد سلطنته، وعمله نائب قلعة حلب، ثم أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، ثم ولاه حجوبية الحجاب، إلى أن أمسكه الأمير ططر مع من أمسك من أمراء المؤيدية، وحبس مدة، ثم أطلق، ودام بطّالا دهرا طويلا،

إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر جقمق بإمرة مائة وتقدمة ألف بمصر، فى أوائل دولته، فدام على ذلك إلى أن مات رحمه الله تعالى. وتوفى زين الدين قاسم البشتكى فى يوم السبت ثانى شهر رجب، وكان يتفقّه ويترأس، وتزوج بنت الأشرف شعبان، وكان مقربا من الملوك، وهو من مقولة ابن منجك فى نوع من الأنواع، غير أنه كانت لديه فضيلة بالنسبة إلى ابن منجك. وتوفى الأمير سيف الدين ممجق «1» بن عبد الله النّوروزى أحد أمراء العشرات، ونائب قلعة الجبل فى يوم مستهل شهر رجب، وكان أصله من مماليك الأمير نوروز الحافظى، واتصل بخدمة السلطان، فدام على ذلك دهرا طويلا، لا يلتفت إليه، إلى أن أمّره الملك الظاهر جقمق عشرة، وجعله نائب قلعة الجبل؛ فاستمر على وظيفته إلى أن مات. وكان لا ذات ولا أدوات، وتولى تغرى برمش الجلالى المؤيّدى الفقيه نيابة قلعة الجبل بعده، وأنعم عليه أيضا بإمرته. وتوفى القاضى شهاب الدين أحمد بن أبى بكر بن رسلّان [بن نصير بن صالح بن شهاب بن عبد الخالق بن محمد بن مسافر الشهاب] «2» البلقينى «3» ، [ثم المحلى] «4» ، الشافعى المعروف بالعجيمى «5» ، قاضى المحلة [فى يوم الأربعاء] «6» رابع عشر جمادى الأولى، وكان من فضلاء الشافعية، وتولى قضاء المحلة سنين. وتوفى الأمير الطّواشى صفى الدين جوهر بن عبد الله القنقبائى الخازندار والزّمام، فى ليلة الاثنين أول شعبان، وله نحو سبعين» سنة، ودفن بمدرسته التى أنشأها بجوار

جامع الأزهر، قبل أن تتم؛ وكان أصله من خدام الأمير قنقباى الإلجائى اللالا، ثم خدم بعد موت أستاذه عند خوند قنقباى أم الملك المنصور عبد العزيز، ثم من بعدها عند جماعة أخر، ثم اتصل بخدمة علم الدين [178] داؤد بن الكويز، ودام عنده إلى أن مات. وبخدمته «1» حسنت حاله، ثم صار بعد ذلك بطّالا، إلى أن نوّه بذكره صاحبه جوهر اللّالا، ولا زال يعظم أمره عند الملك الأشرف برسباى إلى أن طلبه وولاه خازندارا دفعة واحدة، بعد خشقدم الظاهرى الرومى، ولم تسبق لجوهر المذكور قبل ولايته الخازندارية رئاسة فى بيت السلطان، فباشر الخازندارية بعقل وتدبير ورأى فى الوظيفة، وناله من العز والجاه ونفوذ الكلمة ما لم ينله طواشى قبله فيما رأينا. ومات الملك الأشرف وهو على وظيفته، لحسن سياسته، ثم أضاف إليه الملك الظاهر وظيفة الزّمامية بعد عزل فيروز الجاركسى «2» ، لما تسحّب الملك العزيز يوسف من الدّور السلطانية، حسبما تقدم ذكره، واستمر على وظيفة الزّمامية والخازندارية إلى أن مات من غير نكبة. ولم يخلّف ما لا له جرم بالنسبة لمقامه، فعظم ذلك على الملك الظاهر، فإنه كان فى عزمه أخذ ماله بوجه من الوجوه، وفطن جوهر بذلك وأدركته منيته ومات من غير أن يعلم أحدا بماله «3» ، وكان جوهر عفيفا دينا عاقلا مدبرا سيوسا فاضلا يقرأ القرآن الكريم بالسبع، وله صدقات ومعروف، غير أنه دخل فى الدنيا واقتحم منها جانبا كبيرا، وصار من المخلطين «4» ، وهو أحد من أدركناه من عقلاء الخدام، رحمه الله تعالى «5» . وتوفى القاضى شرف الدين أبو بكر بن سليمان الأشقر المعروف بابن العجمى، الحلبى الأصل والمولد والمنشأ المصرى الدار والوفاة، نائب كاتب السر الشريف

بالديار المصرية، فى يوم الأربعاء تاسع شهر رمضان، وهو فى عشر الثمانين، بعد أن رشّح لوظيفة كتابة سر مصر غير مرة، فلم يقبل؛ ثم ولاه الملك الأشرف كتابة سر حلب على كره منه، عوضا عن زين الدين عمر بن السفاح، فباشر ذلك مدة، ثم عزل بعد أن استعفى، وأعيدت إليه وظيفة نيابة كتابة السر، وولى كتابة سر حلب عوضه ولده القاضى معين «1» الدين عبد اللطيف. وكان شرف الدين «2» المذكور رجلا عاقلا سيوسا عارفا بصناعة الإنشاء، قام بأعباء ديوان الإنشاء عدة سنين، وخدم عدة ملوك، وكان مقربا من خواطرهم محببا إليهم، رحمه الله تعالى. وتوفى شمس الدين محمد بن شعبان، فى حادى عشرين شوال، عن نيف وستين سنة، بعد أن ولى حسبة القاهرة بالسعى مرارا كثيرة؛ وكان عاميا يتزيا بزى الفقهاء، حدثنى من لفظه، قال: «ولّيت حسبة القاهرة نيف وعشرين مرة» ، فقلت له: «هذا هجو فى حقك، لا تتكلم به بعد ذلك، لأنك تسعى وتلى ثم تعزل بعد أيام قلائل، وتكرر لك ذلك غير مرة، فهذا مما يدل على عدم اكتراث أهل الدولة بشأنك، وإهمالهم أمرك» ، فلم يعد إلى ذكرها بعد ذلك. وتوفى الشيخ الإمام العالم نور الدين على بن عمر بن حسن بن حسين بن على بن صالح الجروانى «3» الأصل، ثم التلوانى «4» ، الشافعى الفقيه العالم المشهور، فى يوم الاثنين ثالث عشرين ذى القعدة، وكان أصله من بلاد الغرب «5» ، وسكن والده جروان ولى قرية بالمنوفية من أعمال القاهرة بالوجه البحرى، فولد له بها ابنه نور الدين هذا بعد سنة ستين وسبعمائة، فنشأ بجروان، ثم انتقل إلى تلوانة [من قرى المنوفية] «6» ، فعرف بالتلوانى، ثم قدم القاهرة وطلب العلم، ولازم شيخ

الإسلام سراج الدين البلقينى، حتى أجازه بالفتوى والتدريس، فتصدى الشيخ نور الدين من تلك الأيام للإقراء والتدريس، وانتفع به جماعة من الطلبة، وتولّى عدة وظائف دينية، وتداريس عديدة، منها مشيخة الرّكنيّة «1» ، ثم تدريس قبة الشافعى بالقرافة. وكان دينا خيرا جهورىّ الصوت صحيح البنية، وله قوة، وفيه كرم وإفضال وهمة عالية، رحمه الله تعالى. [وتوفى الشيخ الإمام العلامة شمس الدين محمد بن عمّار بن محمد بن أحمد، أحد علماء المالكية، فى يوم السبت رابع عشر ذى الحجة، وقد أناف على السبعين، بعد أن أفتى ودرّس عدة سنين، رحمه الله تعالى] «2» . أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم، ستة أذرع وأربعة أصابع؛ مبلغ الزيادة: عشرون ذراعا وأحد وعشرون أصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 845

[ما وقع من الحوادث سنة 845] السنة الرابعة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة خمس وأربعين وثمانمائة. وفيها توفى الخليفة أمير المؤمنين [179] المعتضد بالله أبو الفتح داؤد، ابن الخليفة المتوكل على الله أبى عبد الله محمد، ابن الخليفة المعتضد بالله أبى بكر، ابن الخليفة المستكفى بالله أبى الربيع سليمان، ابن الخليفة الحاكم بأمر الله أبى العباس أحمد بن حسين بن أبى بكر بن على بن الحسين، ابن الخليفة الراشد بالله منصور، ابن الخليفة المقتدى بالله عبد الله، ابن الأمير ذخيرة الدين محمد، ابن الخليفة [القائم بأمر الله عبد الله، ابن الخليفة القادر بالله أحمد، ابن الأمير الموفق ولى العهد طلحة، ابن الخليفة المتوكل على الله جعفر، ابن الخليفة المعتصم بالله محمد، ابن] «1» الخليفة الرشيد بالله هرون، بن الخليفة المهدى «2» بالله محمد، ابن الخليفة أبى «3» جعفر المنصور عبد الله، ابن [محمد بن على، ابن عبد الله بن] «4» عباس بن عبد المطلب الهاشمى العباسى المصرى، فى يوم الأحد رابع «5» شهر ربيع الأول، بعد مرض تمادى به أياما؛ وحضر السلطان الملك الظاهر جقمق الصلاة عليه [بمصلّاة] «6» المؤمنى، ودفن بالمشهد النفيسى. وكانت خلافته تسعة وعشرين «7» سنة وأياما، وتولى الخلافة من بعده أخوه شقيقه المستكفى بالله سليمان، بعهد منه إليه. وكان المعتضد خليقا للخلافة، سيّد بنى العباس فى زمانه، أهلا للخلافة بلا مدافعة، وكان كريما عاقلا حليما متواضعا دينا خيرا

حلو المحاضرة كثير الصدقات والبر، وكان يحب مجالسة العلماء والفضلاء، وله مشاركة مع فهم وذكاء وفطنة. وقد أوضحنا أمره فى تاريخنا «1» «المنهل الصافى» بأوسع «2» من هذا «3» ، إذ هو كتاب تراجم على حدته «4» . وتوفى الشيخ محبّ الدين بن الأوجاقى الحنفى، فى يوم الاثنين ثالث عشرين شهر رجب، بعد مرض طويل؛ وكانت لديه فضيلة، وفيه تدين وخير، وللناس فيه اعتقاد. وتوفى الشيخ الأديب المعروف بابن الزين بالوجه البحرى فى مستهل شهر ربيع الأول، بعد أن مدح النّبيّ صلى الله عليه وسلم، بما ينيف على عشرة آلاف قصيدة؛ قاله غير واحد. وتوفى الشيخ الإمام العالم المحدث المفنن، عمدة المؤرخين، ورأس المحدثين، تقىّ الدين أحمد بن على بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن تميم بن عبد الصمد البعلبكى الأصل المصرى المولد والوفاة المقريزى الحنفى، ثم الشافعى؛ هذا «5» ما نقلناه من خطه، وأملى علىّ نسبه الناصرىّ محمد ابن أخيه بعد وفاته، إلى أن رفعه إلى علىّ بن أبى طالب من طريق الخلفاء الفاطميين، وذكرناه فى غير هذا المصنف- انتهى. وكانت وفاته فى يوم الخميس سادس عشر شهر رمضان ودفن من الغد بمقابر

الصوفية، خارج باب النصر، ووهم قاضى القضاة بدر الدين محمود العينى فى تاريخ وفاته، فقال: فى يوم الجمعة التاسع والعشرين من شعبان- انتهى. سألت الشيخ تقي الدين، رحمه الله، عن مولده فقال: «بعد الستين وسبعمائة بسنيّات» . وكان مولده بالقاهرة، وبها نشأ وتفقه على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة، وهو مذهب جده لأمه الشيخ شمس الدين محمد بن الصائغ الحنفى، ثم تحول شافعيا بعد مدة، [وذلك بعد موت والده فى سنة ست وثمانين] «1» [وسبعمائة] ، لأمر اقتضى ذلك، واشتغل على مذهب الشافعى؛ وسمع الكثير على عدة مشايخ، ذكرنا أسماء غالبهم فى ترجمته فى «المنهل الصافى» «2» مع مصنفاته باستيعاب يضيق هذا المحل عن ذلك «3» . وكان الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى إماما بارعا مفننا [متقنا] «4» ضابطا دينا خيرا محبا لأهل السنة، يميل إلى الحديث والعمل به، حتى نسب إليه مذهب الظاهر «5» ، وكان فيه تعصب على السادة الحنفية بغير لباقة؛ يعرف ذلك من مصنفاته، وفى الجملة هو أعظم من رأيناه وأدركناه «6» فى علم التاريخ وضروبه، مع معرفتى لمن عاصره من علماء المؤرخين، والفرق بينهم [ظاهر] «7» ؛ وليس فى التعصب فائدة. وتوفى قاضى الإسكندرية جمال الدين عبد الله بن الدّمامينى المالكى الإسكندرى بها فى يوم الأحد رابع ذى القعدة، وكان مشهورا بالسماحة، إلا أن بضاعته من العلوم كانت مزجاة «8» . أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم عشرة أذرع ونصف؛ مبلغ الزيادة عشرون ذراعا وخمسة عشر أصبعا؛ وكان الوفاء سادس عشرين أبيب.

ما وقع من الحوادث سنة 846

[ما وقع من الحوادث سنة 846] السنة الخامسة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة ست وأربعين وثمانمائة. وفيها توفى الشيخ الإمام العالم العامل العلامة، نور الدين عبادة بن على بن صالح بن عبد المنعم بن سراج بن نجم بن فضل [ابن فهد بن عمر، والعلامة زين الدين الأنصارى الخزرجى] «1» الزّرزاوى الفقيه المالكى المعروف بالشيخ عبادة [180] ، شيخ السادة المالكية، وعالمها بالديار المصرية، فى يوم الجمعة سابع شوال، وصلى عليه صاحبه الشيخ مدين بجامع الأزهر. ومات ولم يخلّف بعده مثله علما ودينا. وكان مولده فى جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين وسبعمائة ببلده زرزا «2» ، وطلب العلم وسمع الحديث واشتغل على علماء عصره، حتى برع فى الفقه والأصلين والعربية، وأفتى ودرّس، واشتغل سنين كثيرة، وانتفع به الطلبة، وسئل بالقضاء بعد موت العلامة شمس الدين البساطى المالكى، فامتنع، فألح عليه السلطان بالولاية، وألزمه بها غصبا، فلما رأى تصمّم السلطان على ولايته، وأنه لا يستطيع دفعه، قال: «حتى أستخير الله» . وفرّ من يومه من القاهرة، واختفى ببعض الأماكن، إلى أن ولّى السلطان القاضى بدر الدين محمد بن التّنسى، فلما بلغه ذلك حضر [إلى] «3» القاهرة بعد أيام كثيرة. وهذا شىء لم يقع لغيره فى عصرنا هذا، فإننا لا نعلم من سئل بالقضاء وامتنع غيره، وأما سواه فهم «4» على أقسام: قسم يتنزه عن الولاية، [و] «5» يظهر ذلك حيلة، حتى يشاع عنه ذلك، فإذا طلب بعد ذلك للقضاء يأخذ فى التمنع، وفى ضمن

تمنعه يشرط على السلطان شروطا، يعلم هو وكلّ أحد أنها لا تتم له، وإنما يقصد بذكرها إلا نوعا من الإجابة، لكونه كان امتنع أولا، فلا يمكنه القبول إلا بهذه الدورة، فلم يكن بمجرد ذكره للشروط، إلا وقد صار فى الحال قاضيا؛ ووقع ذلك لجماعة كثيرة فى عصرنا. وقسم آخر: [هم] «1» الذين يسعون فى الولاية سعيا زائدا، ويبذلون الأموال، ويتضرعون لأرباب الدولة، ويخضعون لهم، وهيهات! هل يسمح لهم بذلك أم لا! فلله درّ الشيخ عبادة فيما فعل، لأننا شاهدنا منه ما سمعناه عن السلف، ورأينا من زهده وعفته ما ورثه عنه الخلف. واستمر بعد ذلك سنين على حاله من ملازمة العلم والعمل، إلى أن مات رحمه الله تعالى «2» . وتوفى قاضى القضاة عزّ الدين عبد العزيز «3» بن العز البغدادى الحنبلى، قاضى قضاة الحنابلة بالديار المصرية، ثم بدمشق، [و] «4» بها مات فى أواخر هذه السنة؛ وتولى عوضه قضاء دمشق ابن مفلح [على عادته] «5» أولا، وكان القاضى عزّ الدين فقيها دينا متقشفا، عديم التكلف فى ملبسه ومركبه، مع دهاء ومكر ومعرفة تامة، وقد مرّ من ذكره، أنه لما ولى القضاء بالديار المصرية، صار يمشى فى الأسواق لحاجته ويردف عبده على بغلته، وأشياء من هذا النسق. وكانت «6» جميع ولاياته من غير سعى، وكان يصحب الوالد، واستمرت الصحبة بيننا إلى أن مات رحمه الله. وتوفى جمال الدين عبد الله [بن الحسن بن على بن محمد بن عبد الرحمن الدمشقى

الأصل] «1» الأذرعى «2» ، أخو الإمام شهاب الدين، بالقاهرة فى يوم الاثنين سابع عشر شوال؛ وكان عاريا من كل علم وفن. وتوفى الشيخ الواعظ جمال الدين السنباطى الشافعى، أحد نواب الحكم بالقاهرة، فى يوم الخميس تاسع عشرين شهر رمضان، بعد مرض طويل عن ثمانين سنة؛ وكان يعمل المواعيد «3» بالمساجد والجوامع، وعلى وعظه أنس ورونق، وكان يقرأ أيضا على الكرسى «4» بين يدى صهرى شيخ الإسلام جلال الدين عبد الرحمن البلقينى فى صبيحة كل يوم جمعة، فيقرأ ساعة ثم إذا سكت، ابتدأ شيخ الإسلام فى عمل الميعاد، وكان هذا دأبه إلى أن مات رحمه الله [تعالى] «5» . وتوفى الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله بن حسن بن محمد [بن أحمد بن عبد الكريم بن عبد السلام] «6» الأدكوى الأصل ثم الفوّىّ، كاتب سر الديار المصرية، وناظر جيشها وخاصّها، والوزير بها، ثم الأستادّار، ثم محتسب القاهرة، فى يوم الثلاثاء سلخ شهر ربيع الأول، ودفن بتربته بالصحراء، بعد ما كبر سنه، واختلط عقله. وكان

مولده بفوّة من المزاحميين، فى ليلة الثلاثاء ثالث عشر ربيع الأول سنة ست وستين «1» وسبعمائة، وبها نشأ وتعلق على الخدم الديوانية، فباشر فى عدة جهات، ثم انتقل إلى القاهرة، ولا زال يترقى حتى ولى نظر جيش مصر، ثم وزر بها، ثم ولى الخاصّ؛ كل ذلك فى الدولة الناصرية فرج. ثم ولى [181] الوزارة والخاصّ أيضا فى دولة الملك المؤيّد شيخ، ثم صودر ونكب غير مرة، ثم ولى الأستادّارية فى دولة الملك الصالح محمد، ثم عزل وولى الخاصّ ثانيا عوضا عن مرجان الخازندار، ثم ولى الأستادارية ثانيا فى دولة الأشرف برسباى، عوضا عن ولده صلاح الدين محمد، وعزل عن نظر الخاص بالقاهرة «2» [بالقاضى] «3» كريم عبد الكريم ابن كاتب جكم، فى أوائل جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وثمانمائة، وعزل بعد مدة وصودر هو وولده صلاح الدين، ثم ولى الأستادّاريّة بعد سنين ثالث مرة، فلم تطل مدته فيها، وعزل ولزم داره سنين، إلى أن ولى كتابة السر بعد موت ولده صلاح الدين، فباشر وظيفة كتابة السر مدة يسيرة، وعزله الملك الظاهر جقمق بصهره المقرّ الكمالى بن البارزى، فلزم الصاحب بدر الدين بيته، إلى أن مات فى التاريخ المقدم ذكره. وكان شيخا طوالا ضخما حسن الشكالة، مدوّر اللحية، كريما واسع النفس على الطعام؛ تأصل فى الرئاسة، وطالت أيامه فى السعادة، فصار هو وولده صلاح الدين من أعيان رؤساء الديار المصرية، على أنه كان لا يسلم فى كل قليل من مصادرة، ومع هذا كان له أنعام وأفضال على جماعة كبيرة، إلا أنه كانت فيه بادرة وخلق سيّىء، مع حدة مزاج، وصياح فى كلامه، وكان لا يتحدث إلا بأعلى صوته، ولهذا ملّه الملك الأشرف برسباى وأبعده. وكان أكولا، أقصى مناه الناب والنصاب لا غير، لم يشهر بدين ولا علم.

وتوفى الأمير سيف الدين تغرى بردى [الرومى] «1» بن عبد الله البكلمشى المعروف بالمؤذى «2» الدوادار الكبير، فى يوم الثلاثاء حادى عشر جمادى الآخرة، بعد مرض طويل؛ وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمنى، ودفن بتربة طيبغا الطويل [الناصرى حسن؛ وطيبغا الطويل] «3» هو أستاذ بكلمش، وبكلمش أستاذ تغرى بردى هذا، ثم ترقى [تغرى بردى هذا] «4» بعد موت أستاذه حتى صار من جملة أمراء العشرات فى الدولة الناصرية فرج، ثم أمسك ولزم داره مدة، إلى أن أنعم عليه بإمرة عشرة ضعيفة، ودام على ذلك دهرا طويلا لا يلتفت إليه فى الدول، حتى أننى أقمت سنين أحسبه من جملة الأجناد. ثم تحرّك له سعد بعد سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وغيّر السلطان الملك الأشرف أقطاعه بعد موت الأمير جوبان المعلم «5» ، وخلع عليه باستقراره من جملة رءوس النّوب، ثم لا زال يرقيه حتى صار أمير طبلخاناة ورأس نوبة ثانيا؛ فعند ذلك أظهر ما كان خفيا من لقبه بالمؤذى، فلله درّ القائل: «الظلم كمين فى النفس، العجز يخفيه والقوة تظهره» . وصار إذا مسك العصاة فى يده، لا يزال يضرب هذا وينهر هذا؛ والملوك تحب من يفعل ذلك بين يديهم، فأنعم عليه بعد سنين بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، ثم نقله الملك الظاهر جقمق إلى حجوبية الحجاب بعد يشبك السّودونى، ثم صار دوادارا كبيرا بعد [عزل] «6» أركماس الظاهرى، كل ذلك فى سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة. [و] «7» من يوم ولى الدوادارية، عظم وضخم، ونالته السعادة وعمّر مدرسة بالشارع الأعظم بالقرب من جامع ابن طولون [فى طرف سوق الأساكفة] «8» ، وسار فى

الدوادارية على طريق السلف من الحرمة وإقامة «1» الناموس، لا فى كثرة المماليك وجودة السماط، وكان يتفقّه ويكتب الخط بحسب الحال، ويعف عن المنكرات والفروج، وعنده شجاعة وإقدام مع بخل وفحش فى لفظه، وجبروت وسوء خلق وحدة مزاج، إلا أنه كان مشكور السيرة فى أحكامه، وينصف المظلوم من الظالم، ولا يسمع رسالة مرسل كائن من كان، فعدّ «2» ذلك من محاسنه. وكان رومى الجنس، ويدعى أنه تركى الجنس، رحمه الله تعالى. وتوفى الأمير سيف الدين أيتمش بن عبد الله الخضرى الظاهرى برقوق، أحد أمراء العشرات، وأستادّار، وهو بطّال، فى آخر ليلة السبت العشرين من شهر رجب، ودفن بتربة الأمير قطلو بك بالصحراء، بعد ما تعطل ولزم داره سنين، من بياض أصابه فى جسده. وكان أصله من مماليك الظاهر [182] برقوق. ثم صار من جملة الدوادارية فى الدولة الناصرية فرج، ثم [صار] «3» أمير عشرة فى دولة الملك المؤيد شيخ، ثم أنعم عليه الملك الظاهر ططر بإمرة طبلخاناة، فلم تطل مدته، ونفاه الملك الأشرف برسباى، ثم شفع فيه بعد أشهر، وأعيد من القدس إلى القاهرة، وأنعم عليه بإمرة عشرة، ثم ولى الأستادّارية، فلم ينتج أمره، وعزل عنها بعد أن باشر الأستادّارية نحو الشهرين. واستمر أمير عشرة على عادته إلى سنة نيف وثلاثين. فابتلى فى جسده بالبياض [بحيث كان يستره بالحمرة] «4» ، فأخرج [السلطان] «5» الملك الأشرف إقطاعه، ورسم له بلزوم داره، فصار يتردد إلى الجامع الأزهر، وكان يسكن بدار بشير

الجمدار [بالأبّارين] «1» بالقرب من الجامع المذكور، ويحضر «2» الدروس، ويشوّش على الطلبة، ويسأل الأسئلة التى لا محل لها من الدرس التى (كذا) هم بصدده، وكان قليل الفهم وتصوّره غير صحيح، مع جهل مفرط وعدم اشتغال قديما وحديثا، فإن أجابه أحد من الطلبة بجواب لا يفهمه، سفه عليه، وإن سكت القوم ازدراهم ووبخهم. وكان فصيحا باللغة العربية على قاعدة العامة، وكان قبل تاريخه ناب فى نظر الجامع الأزهر عن جرباش الكريمى قاشق، ووقع له مع أهل الجامع أمور أيام توليته، فلما زاد ذلك منه على الطّلبة [و] «3» بلغ الأشرف [أمره] «4» ، رسم بنقلته من داره المذكورة [و] «5» بسكنته بقرافة مصر، فشفع فيه بعد أيام، على أنه يسكن بداره، ولا يدخل الجامع إلا فى أوقات الصلوات. ولما سافر الملك الأشرف إلى آمد، أخرجه إلى القدس بطّالا، ثم أعيد إلى القاهرة بعد عود «6» السلطان [من آمد، ودام بها] «7» إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق، [ف] «8» داخله فى الأمور من غير أن بلى إمرة ولا وظيفة. وزاد وأمعن، وصار يتكلم فيما لا يعنيه، فغضب عليه الملك الظاهر جقمق، ونفاه إلى القدس [بطّالا] «9» ، ثم شفع فيه عديله الأمير إينال العلائى الناصرى، أعنى الملك الأشرف، فأعيد إلى القاهرة، ولزم داره إلى [أن سقط عليه جدار فغطاه، فأخرج من تحته مغشيا عليه، فعاش بعده قليلا] «10» [و] مات وهو فى عشر السبعين. وكان من مساوئ الدهر طيشا وخفة، مع كثرة كلام فى مالا يعنيه، ويخاطب الرجل بما يكره، ويوبخ الشخص بما فيه من المعايب من غير أن يكون بينه وبين ذلك الرجل

عداوة ولا صحبة، وفيه بادرة وجرأة «1» وإفحاش فى اللفظ، مع إسراف على نفسه. وفى الجملة أن بقاءه «2» كان عارا على بنى آدم. وتوفى الأمير ناصر الدين محمد بك بن دلغادر صاحب أبلستين وحمو الملك الظاهر جقمق، بأبلستين فى أوائل جمادى الآخرة، وقيل إنه قتل على فراشه، والأول أصح؛ وكان كثير الشرور والعصيان على الملوك، وقد مرّ من «3» ذكره فى ترجمة الملك الأشرف من عصيانه وموافقته مع الأتابك جانبك الصوفى، ثم فى ترجمة الملك الظاهر جقمق من دخوله فى طاعته وقدومه إلى القاهرة ما يغنى عن إعادته ثانيا هنا. أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ثمانية أذرع وخمسة أصابع، مبلغ الزيادة: عشرون ذراعا وأحد وعشرون أصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 847

[ما وقع من الحوادث سنة 847] السنة السادسة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة سبع وأربعين وثمانمائة. فيها توفى الشيخ الإمام العالم [الفقيه] «1» الربانى الصوفى [الشاذلى] «2» ، شمس الدين محمد بن حسن، المعروف بالشيخ الحنفى، بزاويته خارج قنطرة طقزدمر، من ظاهر القاهرة فى أوائل شهر ربيع الأوّل، وهو فى حدود الثمانين، ودفن بزاويته المذكورة. وكان ديّنا خيرا فقيها عالما مسلّكا؛ كان يعظ الناس ويعلمهم، وكان على وعظه رونق ولكلامه وقع فى القلوب، وأفنى عمره فى العبادة وطلب العلم وإطعام الطعام وبر الفقراء والقادمين عليه، وكان محظوظا من الملوك، ولهم فيه اعتقاد ومحبة زائدة، وصحب الوالد سنين كثيرة، ثم الملك الظاهر ططر، ونالته منه السعادة فى أيام سلطنته، واجتمعت به غير مرة، وانتفعت بمجالسته [183] ، وكان الناس فيه على قسمين: ما بين متغال إلى الغاية، وما بين منكر إلى النهاية. قلت: وهذا شأن الناس فى معاصريهم «3» ، رحمه الله تعالى «4» .

وتوفى الشيخ الإمام العالم العلامة، زين الدين أبو بكر إسحاق بن خالد الكختاوى «1» الحنفى، المعروف بالشيخ باكير، شيخ الشيوخ بخانقاه شيخون، فى ليلة الأربعاء ثالث عشر جمادى الأولى، وحضر السلطان الملك الظاهر جقمق الصلاة عليه بمصلاة المؤمنى، من تحت القلعة، ثم أعيد إلى الشّيخونية، فدفن بها، واستقر عوضه فى مشيخة الشيخونية العلامة كمال الدين محمد بن الهمام، وكان الشيخ باكير المذكور إماما عالما بارعا مفننا فى علوم كثيرة، [وولى قضاء حلب مدة طويلة، وحمدت سيرته، وأفتى ودرّس وأشغل سنين كثيرة بحلب، ثم بمصر، لما طلبه السلطان من قضاء حلب] «2» وولاه «3» مشيخة الشيخونية؛ غير أنه كان فى لسانه شبه لكنة، مع سكون وعقل زائد، يؤدى ذلك إلى عدم الانتصاف فى أبحاثه، ومع هذا كان تقريره للطلبة فى غاية الحسن والفصاحة؛ ومحصول أمره أنه كان عالما مفيدا للطلبة غير بحّاث مع أقرانه من العلماء، وكان مليح الشكل منوّر الشيبة طاهر اللون وقورا معظّما عند الخاص والعام؛ وكان مولده بمدينة كختا «4» فى حدود السبعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى. وتوفى فتح الدين صدقة المحرّقى «5» ناظر الجوالى، فى ليلة الخميس سلخ شوال، ودفن خارج باب الجديد «6» من القاهرة، وكان عاميا فى زى فقيه، لم أعرفه إلا فى دولة الملك الظاهر جقمق، لأنه كان بخدمته ورقاه فى سلطنته. وتوفى غرس الدين خليل [بن أحمد] «7» السخاوى، ناظر الحرمين: القدس

والخليل عليه السلام، فى ليلة العشر من جمادى الأولى، وكان أيضا من أطراف الناس، وهو «1» أحد من رقّاه الملك الظاهر جقمق، وكان فى مبدأ أمره يبيع الحلوى «2» ، ثم صار جابيا للأملاك، [يجبى وعلى كتفه خرج] «3» ، ثم خدم جماعة كبيرة، إلى أن حسنت حاله وصار يركب بغلة برحل «4» ، رأيته أنا على تلك الهيئة، ثم خدم الملك الظاهر جقمق أيام إمرته، ولازم خدمته إلى أن تسلطن، فقرّبه وولاه نظر الحرمين، وعدّه الناس من الأعيان، فلم تطل مدته، ومات. وكان يتديّن من صلاة وعبادة، إلا أنه كان عاريا سالبة كلية «5» ، [فكان صفته كقول من قال: ذقن وشاش على لاش] «6» . وتوفى المقام الناصرى محمد بن السلطان الملك الظاهر جقمق، فى ليلة السبت ثانى عشرين ذى الحجة بقلعة الجبل، بعد مرض طويل، وصلى عليه من الغد بباب القلة «7» من قلعة الجبل، وحضر والده السلطان الملك الظاهر جقمق الصلاة عليه، ودفن بتربة عمه جاركس القاسمى المصارع، التى «8» جددها مملوكه قانى باى الجاركسى عند دار الضيافة، تجاه سور القلعة. ومات وهو فى حدود الثلاثين تخمينا، وأمّه السّتّ قراجا بنت الأمير أرغون شاه أمير مجلس الملك الظاهر برقوق. وكان مولده بالقاهرة، وبها نشأ تحت كنف والده، وحج وسافر مع والده إلى آمد فى سنة ست وثلاثين، واشتغل اشتغالا يسيرا حتى برع فى المعقول وشارك فى المنقول، وساد فى فنون كثيرة من العلوم، يساعده فى ذلك جودة ذهنه وحسن تصوره وعظيم

حفظه، حتى صار معدودا من العلماء، ولا نعلم أحدا من أبناء جنسه من ابن أمير ولا سلطان وصل إلى هذه الرتبة غيره قديما ولا حديثا، بل ولا فى الدولة التركية قاطبة من المشاهير أولاد الملوك، هذا مع المحاضرة الحسنة والمذاكرة اللطيفة والنوادر الطريفة والاطلاع الزائد فى أخبار السلف وأيام الناس. وكان يسألنى عن مسائل دقيقة مشكلة فى التاريخ على الدوام، لم يسألنى عنها أحد من بعده إلى يومنا هذا، وأما حفظه للشعر باللعتين التركية والعربية، فغاية لا تدرك «1» ، وكان مجلسه لا يبرح مشحونا بالعلماء مشايخ الإسلام يتداولونه بالنوبة، فكان لقاضى القضاة شهاب الدين بن حجر وقت «2» يحضر فيه فى كل جمعة مرتين، ولقاضى القضاة سعد الدين بن الديرى الحنفى وقت غير ذلك يحضر فيه [أيضا] «3» فى الجمعة مرتين، وأما العلامة محيى الدين الكافيجى الحنفى، والعلامة قاسم الحنفى، فكانا يلازمانه فى غالب الأوقات ليلا ونهارا، وأما غير هؤلاء من الطلبة الأعيان، فكثير يطول [184] الشرح فى ذكرهم. [وكان] «4» مع هذه الفضيلة [التامة] «5» والرئاسة الضخمة والترشيح للسلطنة، متواضعا بشوشا هيّنا [لينا] «6» ، مع حسن الشكالة وخفة الروح والميل إلى الطرب، على قاعدة الصوفية والعقلاء من الرؤساء؛ وكان لا يمل من المحاضرة والمذاكرة بالعلوم والفنون؛ وكان رميه بالنشّاب فى غاية الجودة، ويشارك فى ملاعيب كثيرة، لولا سمن كان اعتراه، وكره هو ذلك، وأخذ يتداوى فى منع السمن بأشياء كثيرة، ربما كان بعضها

سببا لهلاكه، مثل شرب الخل على الريق، ومنع أكل الخبز سنين، وكثرة دخول الحمّام، حتى أنه كان غالب جلوسنا معه فى الخلوة فى مسلخ الحمام الذي ابتناه بطبقة الغور «1» من القلعة، ويداخله فى الحرارة، وأشياء غير ذلك؛ وكان بينى وبينه صحبة قديمة وحديثة ومحبة زائدة، ثم صار بيننا أيام سلطنة والده صهارة، فإنه تزوج ببنت الأتابك آقبغا التّمرازى، وهى بنت كريمتى؛ ولم يفرق بيننا إلا الموت، رحمه الله تعالى. ولقد كان حسنة من حسنات الزمان «2» ، خليقا للملك والسلطنة، ولو طال عمره إلى أن آل إليه الأمر، لما اختلف عليه اثنان غصبا ومروءة؛ فإنه كان هيّنا مع الهين فتّاكا على العسر، وأنا أعرف بحاله من غيرى؛ ولقد سمعت منه كلمات من أفعال يفعلها إن تمّ أمره فى الملك، تدل على معقول وتدبير عظيم وحدس «3» صائب، وإقماع المفسدين، لم أسمعها من أحد غيره كائنا من كان. وأنا أقول: لو ملك الديار المصرية [و] «4» تم أمره، نفقت فى أيامه بضائع أرباب الكمالات الكاسدة من كل علم وفن: وظهرت من الزوايا خبايا، وتجدّد ما بعد عهده من الطرائف، وأبدى كل أستاذ من فنه أعاجيب ولطائف؛ ومن أجله صنّفت هذا الكتاب من غير أن يأمرنى بتصنيفه، غير أنى قصدت بترتيب هذا الكتاب من ذكر ملك بعد ملك، أنه إذا تسلطن، أختم هذا الكتاب بذكره، بعد أن أستوعب أحواله وأموره على طريق السيرة، ولوّحت له بذلك، فكاد يطير فرحا، وبينا نحن فى ذلك، انتقل إلى رحمة الله تعالى، فكان حالى معه كقول مسعود بن محمد الشاعر: [الكامل]

بأبى، حبيب زارنى متنكّرا ... فبدا الوشاة له فولّى معرضا فكأنّنى وكأنّه وكأنّها ... أمل ونيل حال بينهما القضا وأحسن من هذا قول من قال، وهو فى معنى فقده: [الطويل] غدا يتنأى صاحب كان لى إنسا ... فلا مصبحا لى بالسرور ولا ممسا «1» أخ لى لو أعطى الدّنى باسم فقده ... بلا «2» فقده كانت به ثمنا بخسا أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم، ستة أذرع وعشرون أصبعا؛ مبلغ الزيادة: تسعة عشر ذراعا وثلاثة وعشرون أصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 848

[ما وقع من الحوادث سنة 848] السنة السابعة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة ثمان وأربعين وثمانمائة. فيها لهج المنجمون بأن فى هذه السنة يكون انقضاء مدة الملك الظاهر جقمق من ملك مصر، فإنهم كانوا أجمعوا على أنه لا يقيم فى الملك أكثر من سبع سنين؛ وكان هذا القول بعد أقوال كثيرة فى مدة ملكه، فلم يصدقوا فى واحدة منها، ومضت هذه السنة والسلطان فى خير وعافية. [و] «1» فيها كان الطاعون بالديار المصرية، وكان مبدأه فى ذى الحجة من السنة الخالية، وعظم فى المحرم من هذه السنة وأوائل صفر، ومات فيه عالم كبير جدا حسبما تقدم «2» ذكره فى أصل الترجمة «3» . وفيها، أعنى سنة ثمان وأربعين المذكورة، توفى الخطيب الواعظ شمس الدين محمد الحموى خطيب الجامع الأشرفى بالعنبريّين «4» ، فى يوم الأربعاء ثالث ذى القعدة، عن نيف وسبعين سنة تخمينا، وكان يعظ الناس فى الأماكن، ويعمل المواعيد، وكان له قبول من العامة والنسوة، وكان فصيحا فى خطبته [185] ويستحضر الكثير من الأحاديث والتفسير، رحمه الله تعالى. وتوفى الأمير الطّواشى فيروز بن عبد الله الجاركسى الرومى الساقى الزّمام، بطّالا بالقاهرة، فى يوم الأربعاء رابع عشر شعبان، ودفن بمدرسته التى أنشأها بالقرب من داره، عند سوق القرب [بالقرب من الحارة الوزيرية] «5» بالقاهرة.

وكان أصله من خدام الأمير جاركس القاسمى المصارع، المقدم ذكره فى دولة الملك الناصر فرج، وترقى بعد موته إلى أن صار ساقيا للسلطان، وحظى عند الملك المؤيّد شيخ، ثم عند الأشرف برسباى، ثم انحطّ قدره، وعزله الأشرف، وأخرجه إلى المدينة النبوية «1» ، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام «2» . ثم أعاده بعد مدة، واستقر به ساقيا على عادته، ودام على ذلك حتى غضب عليه فى مرض موته، بعد أن وسّط الحكيمين «3» ، وعزله عن وظيفة السّقاية، بعد أن هدّده بالتوسيط. فلزم فيروز هذا بيته، إلى أن مات الملك الأشرف، وصار الأمر إلى الملك الظاهر جقمق، فطلبه وولّاه زماما عوضا عن جوهر الجلبانى [اللالا] «4» بحكم عزله ومصادرته، وذلك فى أحد الرّبيعين من سنة اثنتين وأربعين، فظن كل أحد بطول مدة فيروز هذا فى وظيفة الزمامية، لكونه من خدام أخى السلطان الأمير جاركس، فلم يقم فى الوظيفة إلا نحو ستة أشهر. وعزل لكونه فرّط فى أمر الملك العزيز حين فرّ من الدّور السلطانية، وتقدم «5» ذكر ذلك كله فى أصل هذه الترجمة، وولّى السلطان عوضه زماما، جوهر الخازندار القنقبائى، ولزم فيروز هذا بيته خاملا إلى أن مات. وكان لا بأس به فى أبناء جنسه، لتجمل كان فيه ومحاضرة حسنة، وهو أحسن الثلاثة حالا ممن اسم كلّ واحد منهم فيروز، وهم فى عصر واحد [أولهم] «6»

فيروز هذا، وثانيهم فيروز النّوروزى، وثالثهم فيروز الرّكنى نائب مقدم [المماليك] «1» كان. وتوفى الأمير حمزة بن قرايلك، واسم قرايلك عثمان بن طرعلى، صاحب ماردين وغيرها من ديار بكر، فى أوائل شهر رجب، ووصل الخبر بموته إلى القاهرة فى العشرين من شعبان، وكان غير مشكور السيرة على قاعدة أوباش التركمان الفسقة. وتوفى الأمير سيف الدين طوخ بن عبد الله الأبوبكريّ المؤيّدى نائب غزة، خارج غزة؛ قتيلا بيد العربان الخارجة عن الطاعة؛ فى أواخر ذى الحجة؛ وتولى نيابة غزة بعده الأمير يلخجا من مامش الساقى الناصرى؛ وكان أصل طوخ هذا من مماليك الملك المؤيد شيخ وخاصكيّته، وتأمّر بعد موته بالبلاد الشأمية؛ ثم صار أتابك غزة سنين طويلة؛ إلى أن نقله الملك الظاهر جقمق إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق. ثم ولاه بعد مدة يسيرة نيابة غزة، بعد موت الأمير طوخ مازى الناصرى فدام على نيابتها إلى أن خرج من غزة، وواقع العربان وكسرهم؛ وبعد كسرتهم تهاون فى أمرهم، ونزل بمكان، فعادوا نحوه وهجموا عليه، فركب بمن معه وقاتلهم حتى قتل هو وجماعة من مماليكه وغيرهم. وكان شجاعا مقداما إلا أنه كثير الطمع. أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع وخمسة عشر إصبعا، مبلغ الزيادة: ثمانية عشر ذراعا وأربعة عشر إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 849

[ما وقع من الحوادث سنة 849] السنة الثامنة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة تسع وأربعين وثمانمائة. فيها توفى قاضى القضاة شمس الدين محمد بن إسماعيل بن محمد الونائى «1» ، الشافعى الفقيه العالم، معزولا عن قضاء دمشق، بالقاهرة، فى يوم الثلاثاء سابع عشر صفر، ودفن من الغد بالقرافة، وصلى عليه رفيقه فى الاشتغال، قاضى القضاة شمس الدين محمد القاياتى الشافعى. ومولده فى شعبان سنة ثمان وثمانين وسبعمائة ببلده، ثم انتقل إلى القاهرة، وطلب العلم وحفظ التنبيه فى الفقه، وعدة مختصرات، وأقبل على الاشتغال، ولازم علماء عصره. وأول اشتغاله كان فى سنة سبع وثمانمائة، وتكسّب بتحمّل الشهادة مدة، إلى أن برع فى الفقه والعربية والأصول، وتولى مشيخة التنكزية بالقرافة، ثم تدريس الفقه بالشّيخونية، ثم طلبه الملك الظاهر جقمق، وولّاه قضاء الشافعية [186] بدمشق، من غير سعى، فى سنة ثلاث وأربعين، فباشر قضاء دمشق بعفة، وعرف بالصيانة والديانة، إلى أن عزل وعاد إلى القاهرة؛ ثم وليها ثانيا، فباشرها أيضا مدة، ثم عزل وقدم القاهرة وتولى تدريس قبة الإمام الشافعى، إلى أن مات فى التاريخ المذكور. وكان معدودا من العلماء، وهو أحد من جمع بين معرفة المنقول والمعقول رحمه الله. وتوفى الأمير الكبير، سيف الدين يشبك بن عبد الله السّودونى، المعروف بالمشدّ، أتابك العساكر بالديار المصرية، فى يوم الخميس ثالث شعبان، وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمنى، وتولى الأتابكية من بعده الأمير إينال العلائى الناصرى الدّوادار الكبير. وكان أصل يشبك هذا من مماليك سودون الجلب نائب حلب،

ومات عنه، فباعه الأمير يشبك الساقى الأعرج، وهو يوم ذاك نائب قلعة حلب، للأمير ططر، فأعتقه ططر وجعله من جملة مماليكه، فنازعه بعد مدة الأمير أيتمش الخضرى، وهو يوم ذاك متحدث على أيتام الملك الناصر فرج، وطلبه منه فادعى ططر أنه اشتراه من يشبك الساقى الأعرج، وهو وصىّ سودون الجلب فقال أيتمش: بيع يشبك له غير صحيح، لأن سودون الجلب انحصر إرثه فى أولاد الملك الناصر، وأنا «1» المتحدث على أولاد الملك الناصر، فاشتراه ططر ثانيا منه بمائة دينار. ثم جعله ططرشادّ شراب خاناته، حتى تسلطن، فأنعم عليه بإمرة طبلخاناة، وجعله شادّ الشراب خاناة السلطانية، فدام على ذلك سنين، إلى أن أنعم عليه الملك الأشرف برسباى بإمرة مائة وتقدمة ألف بديار مصر، ثم جعله حاجب الحجاب بعد قرقماس الشعبانى بعد توجهه إلى نيابة حلب، ثم نقله الملك الظاهر جقمق فى أوائل سلطنته إلى إمرة مجلس، بعد آقبغا، [ثم] «2» إلى إمرة سلاح عوضا عن آقبغا التّمرازى أيضا، ثم بعد أشهر خلع عليه باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية، بعد قدومه من بلاد الصعيد، عوضا عن آقبغا التّمرازى أيضا بحكم انتقال آقبغا إلى نيابة دمشق، بعد خروج إينال الجكمى عن الطاعة. كل ذلك فى أشهر قليلة من سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، فدام يشبك فى الأتابكية سنين ونالته السعادة، وعظم وضخم فى الدولة، إلى أن اعتراه مرض تمادى به سنين، [ويقال إنه سمّ] «3» وحصل له ارتخاء فى أعضائه، ثم عوفى قليلا، وركب إلى الخدمة ثم نقض عليه ألمه، فمات منه بعد أيام يسيرة. وكان عاقلا ساكنا حشما، إلا أنه كان عاريا من كل علم وفن، غير أنه كان يحسن رمى النّشّاب، على عيوب كانت فى رميه؛ وكنت أظنه أولا ديّنا، إلى أن أخذ

إقطاع الأتابك آقبغا التّمرازى، وصار بيننا وبينه مستحقّ أيتام آقبغا فى الإقطاع المذكور، فإذا به لا يحلل ولا يحرم، وعنده من الطمع وقلة الدين ما يقبح ذكره عن كائن من كان، هذا مع حدة زائدة وشراسة خلق وظلم زائد على حواشيه وخدمه، حتى أنه كان يضرب الواحد منهم نحو ألف عصاة على الذنب اليسير، ولم يكن له مهابة فى النفوس، لكونه كان من مماليك سودون الجلب، وأيضا من قرب عهده بالفقر، وخدم الأمراء، مع من كان عاصره من أكابر الأمراء الظاهرية البرقوقية ممن كان أكبر من أستاذه سودون الجلب، وأعظم فى النفوس- انتهى. وتوفى الأمير سيف الدين قانى باى الجكمى حاجب حجاب حلب، على هيئة نسأل الله تعالى حسن الخاتمة، فى أواخر هذه السنة وكان من خبر موته أنه سكر ونام فى أيام الشتاء، وقد أوقد النار بين يديه على عادة الحلبيين وغيرهم فعظم الدخان عليه وعلى مملوكه فى البيت، وصارا من غلبة السكر لا يهتدى كل واحد «1» منهما إلى الخروج من باب الدار، من عظم الدخان وشدة السكر، فماتا على تلك الحالة؛ وكتب بذلك محضر وأرسل إلى السلطان [لئلا يتوهم خلافه] «2» . وكان أصل قانى باى هذا من مماليك الأمير جكم من عوض نائب حلب، ثم صار بعد موت الملك المؤيّد شيخ خاصكيّا، ودام على ذلك دهرا طويلا لا يلتفت إليه، إلى أن خلع عليه الملك الظاهر جقمق، باستقراره فى حجوبية حجاب حلب دفعة واحدة من الجندية؛ وعيب ذلك على الملك [187] الظاهر لكون قانى باى المذكور لم يكن من أعيان الخاصكيّة، ولا من المشاهير بالشجاعة والإقدام، ولا من العلماء «3» ولا من العقلاء العارفين بفنون الفروسية، بل كان مهملا مسرفا على نفسه عاريا من كل علم وفن، ولم يدر «4» أحد لأى معنى كان قدّمه الملك الظاهر جقمق، فرحمه الله تعالى وسامحه على

هذه الفعلة، فإنها عدت من غلطاته الفاحشة التى ليس لها وجه من الوجوه. قلت: وكما جاءته السعادة فجاءة جاءه الموت أيضا فجاءة، عفا الله عنه. أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم خمسة أذرع وخمسة عشر إصبعا؛ مبلغ الزيادة: تسعة عشر ذراعا وتسعة «1» أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 850

[ما وقع من الحوادث سنة 850] السنة التاسعة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة خمسين وثمانمائة. فيها توفى قاضى القضاة شمس الدين محمد بن على بن محمد بن يعقوب القاياتى، الشافعى، قاضى قضاة الديار المصرية فى العشر الأخير من المحرم، وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمنى من تحت القلعة، ودفن بتربة الصوفية خارج باب النصر؛ وكان مولده بقايات فى سنة خمس وثمانين وسبعمائة تخمينا، ثم نقل إلى القاهرة مع والده، وحفظ عدة مختصرات، وحضر دروس شيخ الإسلام «1» السراج البلقينى فى آخر عمره، ثم تفقّه بعمّه الشيخ ناصر الدين القاياتى وبجماعة أخر، حتى برع فى الفقه والعربية والأصلين وعلمى المعانى والبيان، وشارك فى عدة فنون، وسمع الحديث فى مبدأ أمره، وحدّث ببعض مسموعاته، وتكسّب مدة سنين بتحمل الشهادة بجامع الصالح خارج باب زويلة، [إلى أن قررّ طالبا بالجامع المؤيّدى داخل باب زويلة] «2» . ثم ولى تدريس الحديث بالمدرسة البرقوقية، عوضا عن الشيخ زين الدين القمنى، ثم استقر فى تدريس الفقه بالمدرسة الأشرفية بخطّ العنبريّين، ثم ولى مشيخة خانقاه سعيد السعداء، بعد موت القاضى شهاب الدين بن المحمّرة، وتصدّى للإفتاء والتدريس والإقراء سنين، وانتفع به الطلبة. وكان مع براعته فى العلوم، متقشفا فى ملبسه، ومركبه، بل كان يمشى على أقدامه فى غالب أوقاته «3» وحاجاته، إلى أن طلبه الملك جقمق ليوليه قضاء الشافعية، فطلع بحضرتى على حمار إلى باب القلعة، ثم نزل ودخل إلى السلطان، وكان السلطان يعرفه من دروس العلامة علاء الدين البخارى، فكلّمه

السلطان فى الولاية، وأنا أظن أنه لا يقبلها أبدا، فامتنع امتناعا ليس بذاك، ثم أجاب وأصبح تولّى القضاء، ونزل وبين يديه وجوه الدولة، وهو بغير خلعة بل بطيلسانه، وامتنع من لبس الخلعة، كونها تعمل من وجه غير مقبول عنده، وكان ذلك فى يوم رابع عشر محرم سنة تسع وأربعين. ونزل إلى المدرسة الصالحية بين القصرين، وقام بعض الرسل ليدّعى على شخص، فلم يسمع دعواه، وقال: «هذه حيلة واصطلاح» . ففرح الناس بولايته، وظنوا أنه يحملهم على الحق المحض، من طريق السلف، ويحيى «1» سنة قضاة العدل، فوقع خلاف ذلك كله، وسار على طريق القوم- وأكثر- من النّوّاب، وراعى «2» أرباب الدولة، وتعاظم، حتى فى سلامه، وحبّ المنصب حبّا، حتى لعله لو عزل منه لمات أسفا عليه؛ هذا مع ما كان عليه من العلم والعبادة والصيانة. ولما أن خطب بالسلطان فى يوم الجمعة على عادة قضاة الشافعية، ورقى المنبر، لم يخشع أحد لخطبته لمسكة كانت فى لسانه، وعدم طلاقة، وكانت هذه عادته، حتى فى تقرير دروسه «3» ؛ وكان يقرئ العلم على قاعدة الأعاجم من كتاب فى يده، وكان فيه بعض توسوس لا سيما فى تكرير النية عند دخوله إلى الصلاة؛ فلما ولى القضاء وخطب ونزل صلى بالسلطان، زال عنه ذلك ببركة المنصب، وأنا أقول: كانت حالته الأولى تعجبنى والناس، ولم تعجبنى أحواله بعد ولايته، رحمه الله وسامحه «4» . وتوفى القاضى بهاء الدين محمد بن قاضى القضاة نجم الدين عمر، بن حجى [ابن موسى] «5» الدمشقى المولد والمنشأ، الشافعى ناظر جيش دمشق بقاعة «6» البرابخية بخط بولاق على النيل، فى يوم ثالث عشرين صفر، وحضر السلطان الصلاة بمصلاة

المؤمنى من تحت قلعة الجبل، ودفن بالقرافة الصغرى تجاه شباك الإمام الشافعى وهو فى حدود [188] الأربعين من العمر تخمينا. وكان ولى قضاء دمشق بعد موت والده، ثم نقل إلى نظر جيشها، ثم قدم القاهرة وتولى نظر جيش مصر، بعد عزل القاضى محب الدين بن الأشقر، لوظيفة نظر جيش دمشق، فلم ينتج أمره، وعزل بعد أشهر، وخلع عليه باستقراره [على] «1» وظيفة نظر جيش دمشق. ثم قدم القاهرة بعد ذلك ودام بها عند حميه «2» المقر الكمالى بن البارزى كاتب السر، إلى أن مرض وطال مرضه، إلى أن مات فى التاريخ المذكور. وكان شابا طوالا جميلا جسيما طويل اللحية جدا، كريما مفرط الكرم، ومات وعليه جمل من الديون، فوفى «3» موجوده بقضائها، رحمه الله تعالى. وتوفى الشيخ عز الدين عبد العزيز شيخ الصّلاحية بالقدس الشريف، فى أوائل شهر رمضان، وتولّى عوضه مشيخة الصلاحية، جمال الدين عبد الله بن جماعة بمال بذله فى ذلك؛ وكان عزّ الدين فقيها عالما مفتيا، وتولى نيابة الحكم بالقاهرة سنين كثيرة، رحمه الله تعالى. وتوفى الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين أحمد بن رجب بن الأمير طيبغا المجدى الشافعى، فى ليلة العاشر من ذى القعدة. وصلى عليه بجامع الأزهر. وكان مولده بالقاهرة فى سنة سبع وستين وسبعمائة، وبها نشأ واشتغل حتى برع فى الفقه والعربية والحساب والفرائض. والهيئة والهندسة، وصنّف وأقرأ وأشغل وانتفع به الناس. وكان أجلّ علومه «4» الفرائض والحساب والهندسة «5» ، ويشارك فى غير ذلك.

وتوفى الشيخ الإمام «1» [الصالح] «2» المعتقد يوسف [بن محمد بن جامع] «3» البحيرى، نزيل جامع الأزهر، فى ليلة الأحد حادى عشر «4» ذى القعدة، وصلى عليه من الغد، فى جامع الأزهر، وحضرت غسله والصلاة عليه ودفنه، لصحبة كانت بيننا قديما. وكان شيخا جميل الطريقة قائما بقضاء حوائج الناس، ولأرباب الدولة والأكابر فيه اعتقاد كبير ومحبة، رحمه الله [تعالى] «5» . وتوفى الأمير سيف الدين سودون بن عبد الله السيفى سودون المحمدى الظاهرى. وكانت شهرته أيضا على شهرة أستاذه سودون المحمدى، وهو على نيابة قلعة دمشق، فى أوائل صفر. كان خاصكيّا فى دولة الأشرف برسباى، ورأس نوبة الجمدارية، وولى نظر الحرم بمكة المشرفة غير مرة، وهو الذي هدم سقف البيت الحرام وجدّده، وعظم ذلك على أرباب الصلاح وأهل العلم، بل ربما خرج بعضهم من مكة خشية من سخط [ينزل] «6» بها، لكون البيت صار بلا سقف عدة أيام، وكان هدمه لسقف البيت من غير أمر يوجب ذلك، أراد بذلك التقرب إلى الله تعالى «7» بهذه الفعلة، فوقع فى أمر كبير وهو لا يدرى- كعادة صلحاء الجهّال- فكان حاله فى هذا كقول القائل: [الخفيف] : رام نفعا فضرّ من غير قصد ... ومن البرّ ما يكون عقوقا «8» ومن يوم هدم سودون سقف الكعبة، صار الطير يجلس على البيت الشريف،

وكان لا يجلس فوقه أبدا قبل ذلك، وقد أتعب ذلك خدمة الكعبة. فلو لم يكن من فعله إلا هذه الفعلة «1» لكفاه إثما. كل ذلك لظن سودون المذكور بنفسه، فإنه لم يشاور فى ذلك أحدا من أعيان أهل مكة ولا تكلم مع من له خبرة بأحوال مكة، وقد قيل: «ما خاب من استشار» . وكان يتدين ويتمعقل ويعف عن الفواحش، غير أنه كان يقع فى أمور محذورة، منها: أنه كان إذا سلم عليه الشخص لا يرد عليه «2» [سلامه] «3» ، تكبرا وتعاظما، وإذا ردّ فيرد ردا هينا خلاف السنة، ومنها: أنه كان فيه ظلم عظيم على خدمه وحواشيه، هذا مع انخفاض قدره، فإنه لم يتأمّر إلا عشرة فى دولة الملك الظاهر جقمق، ثم عمل نيابة قلعة دمشق لا غير، على أن أستاذه سودون المحمدى لم يعدّ من الملوك فكيف هو! وتوفى الأمير سيف الدين يلخجا بن عبد الله من مامش الساقى الناصرى، الرأس نوبة الثانى، ثم نائب غزة، بعد مرض طويل، فى أوائل جمادى الآخرة، وسنه نيف على خمسين سنة. وكان أصله من مماليك الظاهر برقوق، أخذه مع أبيه وأمه، ثم أنعم به على ولده الملك المنصور عبد العزيز، ثم ملكه الملك الناصر فرج بعد أخيه عبد العزيز [189] المذكور ورقاه وجعله ساقيا، واختصّ به إلى الغاية، ورأس على جميع الناصرية، واستمر على رئاسته وتحشمه، إلى أن عزله الملك المؤيّد من وظيفة السقاية، ولم يبعده، بل صار عظيما أيضا فى الدوله المؤيدية، بل كان «4» فى كل دولة، لكرم نفسه ولعظمه فى النفوس.

وسافر أمير الرّكب الأول إلى الحجاز، فى الدولة المؤيّدية، واستمر على ذلك، إلى أن أنعم عليه الملك الأشرف برسباى بإمرة عشرة، وحج أيضا أمير الركب الأول ثانيا، ثم [توجه] «1» إلى شدّ بندر جدّة وصحبته الصاحب كريم الدين بن كاتب المناخ، بعد عزله عن الوزر والأستادّاريّة، ثم ترقى بعد ذلك إلى أن صار أمير طبلخاناة ورأس نوبة ثانيا فى دولة الملك الظاهر جقمق، ثم نقل إلى نيابة غزة بعد موت الأمير طوخ الأبوبكريّ المؤيّدى، فلم تطل مدته فى نيابة غزة، ومرض وطال مرضه، واستعفى وتوجه إلى القدس عليلا، فمات بعد أيام قليلة [ودفن بجامع ابن عثمان ظاهر غزة] . «2» وكان أميرا جليلا رئيسا وجيها معظما فى الدول، عريقا فى الرئاسة، متجملا فى مركبه وملبسه ومماليكه، وكان تركى الجنس مليح الشكل إلى الغاية، وعنده سلامة باطن، مع خفة روح وبشاشة وتواضع، مع شجاعة وإقدام وحرمة وافرة، وكلمة نافذة؛ ولم يكن فيه ما يعاب، غير انهما كه فى اللذات، وبعض سطوة على غلمانه، عفا الله عنه «3» . وتوفى الأمير الطّواشى صفىّ الدين جوهر بن عبد الله التّمرازى الخازندار، ثم شيخ الخدام بالحرم الشريف «4» النبوى، فى أواخر هذه السنة، وكان أصله من خدام الأمير تمراز الظاهرى النائب، وصار جمدارا فى أواخر دولة الملك المؤيّد شيخ، ودام على ذلك سنين، إلى أن استقر به الملك الظاهر خازندارا، بعد موت جوهر القنقبائى، فلم تطل مدته فى الخازندارية، وعزله السلطان بالطّواشى فيروز النّوروزى الرومى رأس نوبة الجمدارية؛ وصادره، ثم ولّاه مشيخة الخدّام بالحرم النبوى، إلى أن مات

[واستقر بعده فى مشيخة الحرم الطواشى فارس كبير الطواشية هناك] «1» . وكان حبشىّ الجنس مليح الشكل، كريما حشيما، متواضعا لطيفا؛ وعنده فهم وذوق؛ وله محاضرة، مع تجمل فى أحواله، وكان بخلاف أبناء جنسه فى تحصيل المال، بل كان يصرفه فى معايشه، ويقصد الترف والعيش الرغد، ويظهر النعمة ويبر أصحابه بحسب طاقته، رحمه الله تعالى. أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع وستة وعشرون أصبعا؛ مبلغ الزيادة: تسعة عشر ذراعا واثنان وعشرون إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 851

[ما وقع من الحوادث سنة 851] السنة العاشرة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة إحدى وخمسين وثمانمائة. فيها توفى الأمير أيتمش بن عبد الله من أزوباى الناصرى [فرج] «1» ثم المؤيّدى، أستادّار الصّحبة وأحد أمراء العشرات، فى يوم الأربعاء ثالث صفر، وتولى أستادّارية الصّحبة [190] بعده الأمير سنقر الظاهرى. وكان أيتمش المذكور من جملة من تأمّر بعد موت الملك الأشرف برسباى، ثم ولّاه الملك الظاهر جقمق أستادّارية الصّحبة، بعد مغلباى الجقمقى بحكم خروجه إلى دمشق أميرا، فدام أيتمش المذكور على وظيفته، إلى أن مات، وكان مسيكا مسرفا على نفسه، لم يشهر بشجاعة ولا كرم ولا تدين. وتوفى الأمير سيف الدين قانى باى بن عبد الله الأبوبكريّ الناصرى، المعروف بالبهلوان، نائب حلب بها، فى شهر ربيع الأول؛ وتولى عوضه نيابة حلب الأمير برسباى الناصرى نائب طرابلس. وكان أصل قانى باى المذكور من مماليك الملك الناصر فرج، ثم حطّه الدهر بعد موت أستاذه، وخدم عند جماعة من الأمراء، مثل الوزير أرغون شاه النّوروزى، ومثل بردبك الجكمى العجمى، ثم اتصل بخدمة ططر، فلما تسلطن، أنعم عليه بإمرة عشرة، ثم صار أمير طبلخاناة فى أوائل دولة الملك الأشرف برسباى، وثانى رأس نوبة، بعد قطج من تمراز، بحكم انتقال قطج إلى تقدمة ألف، فدام على ذلك سنين، إلى أن نقله الملك الأشرف إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، ثم ولاه نيابة ملطية مضافا على تقدمته، فباشر ذلك مدة، ثم أخرج السلطان تقدمته عنه، واستمر فى نيابة ملطية فقط؛ ثم عزله

وولاه أتابكية حلب، فدام على ذلك سنين، إلى أن نقله الملك الأشرف إلى أتابكية دمشق، بعد موت تغرى بردى المحمودى بآمد فى سنة ست وثلاثين وثمانمائة. والعجب أنه لما صار أتابك حلب، كان يوم ذاك، حاجب حجابها أستاذه بردبك العجمى؛ ثم لما صار أتابك دمشق، كان يوم ذاك أستادّار السلطان بدمشق، أستاذه أرغون شاه النّوروزى الأعور، فانظر إلى حركات هذا الدهر وتقلباته! واستمر قانى باى فى أتابكية دمشق، إلى أن خرج الأتابك إينال الجكمى نائب الشام عن طاعة الملك الظاهر جقمق، فوافقه قانى باى هذا، بل وحرّضه على «1» الخروج عن الطاعة ليصل بذلك لأغراضه، فلم تكن موافقته إلا مدة يسيرة، وأرسل إليه الملك الظاهر جقمق من مصر، يعده بأشياء إن ترك موافقة الجكمى وعاد إلى طاعته، ففى الحال عاد إلى طاعة السلطان وخذل إينال الجكمى، بعد أن كان هو أكبر الأسباب فى خروجه، فنقله السلطان إلى نيابة صفد، بعد عزل إينال العلائى الناصرى عنها، وقدومه إلى مصر أمير مائة [و] «2» مقدم ألف بها، ثم نقله إلى نيابة حماة، بعد عزل أستاذه بردبك العجمى عنها، ثم نقل إلى نيابة حلب بعد عزل الأمير قانى باى الحمزاوى عنها، وقدومه إلى القاهرة أمير مائة ومقدم ألف بها، على إقطاع شاد بك الجكمى «3» ، بحكم استقرار شاد بك فى نيابة حماة، عوضا عن قانى باى المذكور. واستقر قانى باى فى نيابة حلب، إلى أن مات، وهو فى عشر الستين. وكان مليح الشكل متوسط السيرة، مسرفا على نفسه، لم يشهر بشجاعة ولا معرفة بفن من الفنون، وكان يلقب بالبهلوان «4» على سبيل المجاز لا على الحقيقة، رحمه الله تعالى «5» .

وتوفى الأمير سيف الدين إينال بن عبد الله الششمانى الناصرى [فرج] «1» أتابك دمشق بها، فى جمادى الأولى، وهو فى عشر الستين، وكان أيضا من مماليك الملك الناصر «2» فرج، وتأمّر عشرة فى أيام أستاذه، ثم نكب وتعطل مدة سنين، إلى أن أنعم عليه الأتابك ططر بإمرة عشرة، وصار من جملة رؤوس النّوب، ثم ولاه الملك الأشرف حسبة القاهرة سنين، ثم عزله، ثم نقله بعد مدة إلى إمرة طبلخاناة، ثم صار ثانى رأس نوبة، وسافر أمير حاجّ المحمل، وكان سافر أمير الركب الأول قبل ذلك بسنين، ثم ولاه الأشرف نيابة صفد بعد موت الأمير مقبل الحسامى الدّوادار، فلم ينتج أمره فى صفد لرخو كان فيه، وعدم شجاعة، وعزله السلطان عن نيابة صفد. ثم أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، فدام على [191] ذلك سنين إلى أن أقرّه الملك الظاهر جقمق أتابكا بدمشق. بعد توجّه قانى باى البهلوان إلى نيابة صفد، فدام على ذلك إلى أن مات. وكان ديّنا عفيفا عن الفواحش [مع جبن وشح] «3» إلا أنه لم يشهر بشجاعة ولا كرم. وتوفى الأمير سيف الدين برسباى بن عبد الله من حمزة الناصرى، نائب حلب، بها أو بظاهرها، بعد أن استعفى عن نيابة حلب، لطول مرضه، وكان أيضا من مماليك الملك الناصر فرج ومن خاصكيّته، ثم صار من جملة أمراء دمشق، ثم أمسكه الملك المؤيّد شيخ وحبسه سنين، ثم أطلقه، فدام بطّالا، إلى أن أنعم عليه الأتابك ططر بإمرة بدمشق، ثم ولاه الملك الأشرف حجوبية الحجاب بدمشق، فدام على الحجوبية سنين طويلة، ونالته السعادة، إلى أن نقله الملك الظاهر جقمق إلى نيابة طرابلس، بعد

قانى باى الحمزاوى، بحكم انتقال الحمزاوى إلى نيابة حلب، بعد تولية جلبان على نيابة دمشق، بحكم موت آقبغا التمرازى؛ فدام برسباى فى نيابة طرابلس سنين، إلى أن نقل إلى نيابة حلب، بعد موت قانى باى البهلوان، فدام على نيابة حلب مدة، ومرض وطال مرضه، إلى أن استعفى، فأعفى، وخرج من حلب إلى جهة دمشق، فمات فى أثناء طريقه. وكان جليلا حشما دينا عفيفا عن المنكرات والفروج، وكان شديدا على المسرفين، فإنه كان يدخل إليه بالسارق أو قاطع الطريق فيقول: «خذوه إلى الشرع» ، ويدخل إليه بالسكران، فيضربه حدودا كبيرة. وفى الجملة أنه كان دينا خيرا، رحمه الله تعالى. وتوفى قاضى قضاة دمشق وعالمها ومفتيها وفقيهها، تقىّ الدين أبو بكر [بن أحمد بن محمد بن عمر بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن ذوبب بن مشرق] «1» ، الدمشقى الشافعى، المعروف بابن قاضى شهبة «2» ، فى ذى القعدة بدمشق فجاءة بطالا، بعد أن انتهت إليه الرئاسة فى فقه مذهبه وفروعه، وكان ولى قضاء دمشق، وخطب فى واقعة الجكمى للملك العزيز يوسف، فحقد عليه الملك الظاهر جقمق ذلك، وعزله، إنى أن مات، بعد أن تصدى للإفتاء والتدريس سنين كثيرة، وانتفع به غالب طلبة دمشق «3» ، وصنف التصانيف المفيدة، رحمه الله تعالى «4» . وتوفى الأمير الطّواشى صفى الدين جوهر المنجكى نائب مقدم المماليك السلطانية، معزولا، فى أول ذى الحجة. وكان أولا من جماعة طواشيّة الأطباق،

أعنى أنه كان مقدم طبقة المقدم، حتى ولّاه الملك الظاهر جقمق، نائب مقدم المماليك، بعد عزل فيروز الرّكنى الرومى عنها، فدام على ذلك سنين، ثم عزل بجوهر السيفى نوروز، إلى أن مات. وهو صاحب المدرسة التى أنشأها برأس سويقة منعم «1» ، تجاه مصلاة المؤمنى، وأوقف عليها وقفا بحسب حاله. وتوفى الشيخ المسند المعمر، القاضى عز الدين عبد الرحيم [بن محمد بن عبد الرحيم بن على بن الحسين بن محمد بن عبد العزيز] «2» ، بن الفرات الحنفى، أحد نواب الحكم، فى يوم السبت سادس عشرين «3» ذى الحجة. وكان له رواية وسند عال فى أشياء كثيرة سماعا وإجازة، وحدّث سنين كثيرة، وصار رحلة زمانه، ولنا منه إجازة بجميع سماعه ومروياته، وقد استوعبنا ترجمته فى غير هذا الكتاب، «4» [رحمه الله] «5» . أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم أحد عشر ذراعا واثنا عشر إصبعا، مبلغ الزيادة: تسعة عشر ذراعا وأربعة عشر إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 852

[ما وقع من الحوادث سنة 852] السنة الحادية عشرة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة. فيها توفى الشيخ برهان الدين إبراهيم بن خضر العثمانى الشافعى، أحد فقهاء الشافعية، فى ليلة خامس عشر المحرم. وكان فاضلا فقيها، تفقه بالقاضى شهاب الدين ابن حجر وبغيره ودرّس وأقرأ، وعدّ من الفضلاء، إلا أنه كان دنس الثياب، غير ضوئى «1» الهيئة، رحمه الله تعالى. وتوفى الشيخ شهاب الدين أحمد بن عثمان، [عرف بالكوم] «2» الرّيشىّ الشافعى، فى يوم الأربعاء حادى عشرين المحرم. وكان له اشتغال قديم، مع توقف فى ذهنه وفهمه، ثم ترك الاشتغال، وتردد إلى أرباب الدولة لطلب الرزق، على أنه كان دينا خيرا، وعنده سلامة باطن، رحمه الله تعالى. وتوفى الأمير سيف الدين آقطوه بن عبد الله الموساوى الظاهرى، بطّالا، فى ليلة الثلاثاء ثانى عشر صفر، ودفن من الغد. وكان أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق، وصار من جملة الدّوادارية، فى الدولة المؤيّدية شيخ، ثم تأمّر عشرة، [192] بعد موته، ودام على ذلك دهرا طويلا، وصار مهمندارا [فى الأيام الأشرفية] «3» ، ثم توجه فى الرسلية إلى القان معين الدين شاه رخ بن تيمور لنك «4» ، ثم عاد ودام على ما هو عليه، إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر جقمق، بإمرة طبلخاناة، ثم نفاه بعد سنين، ثم أعاده، وأنعم عليه

بإمرة عشرة، ثم نفاه ثانيا، وشفع فيه بعد مدة، فعاد إلى القاهرة بطالا، ودام بها إلى أن مات. كان تركى الجنس، ويتفقه ويشارك فى ظواهر مسائل، على قاعدة غالب فقهاء الأتراك، سألنى مرة سؤالا، وابتدأ فى سؤاله بقوله: «باب» ، فقبل أن يتم السؤال، قلت له: «باب مرفوع على أى وجه؟» ، فسكت، ثم قال: «هذا شىء لم أسمعه منذ عمرى» ، فضحك جميع من حضر، ولم يسألنى بعدها، إلى أن مات. وكان عفيفا عن الفواحش، إلا أنه كان فيه البخل وسوء الخلق وتعبيس الشكالة، رحمه الله. وتوفى الشيخ زين الدين عبد الرحمن [بن محمد بن محمد بن يحيى] السّندبيسى «1» الشافعى، أحد فقهاء الشافعية، فى ليلة الأحد سابع عشر صفر، ودفن من الغد «2» ، وكان معدودا من فقهاء الشافعية، رحمه الله تعالى «3» . وتوفى الأمير سيف الدين أسنباى بن عبد الله الظاهرى الزّردكاش، كان أحد أمراء العشرات، فى العشر الأخير من صفر، عن سنّ عال. وكان من أعيان مماليك الملك الظاهر برقوق، وممن صار فى أيام أستاذه، زردكاشا، وأسر فى كائنة تيمور، وحظى عنده، وجعله تيمورلنك زرد كاشه، ودام عنده إلى أن مات؛ فقدم القاهرة، ودام بها إلى أن استقر فى دولة الملك المؤيد أمير عشرة وزرد كاشا كبيرا، وصار مقربا عند الملك المؤيد إلى الغاية؛ ثم عزل عن الزردكاشية بعد موت الملك المؤيد، ودام على إمرة عشرة، وتولى نيابة دمياط غير مرة، إلى أن مات بالقاهرة على إمرته. وكان رجلا عاقلا عارفا بمداخلة الملوك وبصناعة الزردخاناة، وكان حلو المحاضرة أخباريّا، حافظا لما رأى من الوقائع والحروب وأحوال السلف، وكان حسن السمت، عليه أنس وخفر، ولكلامه رونق ولذة فى السمع؛ نقلت عنه كثيرا

فى «المنهل الصافى» وغيره من أخبار خجداشيته الظاهرية وغيرهم. وكان بينى وبينه صحبة أكيدة. ولقد بلغنى بعد موته، أنه كان سيدا شريفا من أشراف بغداد الأتراك، ونهب منها فى سبى فى بعض السنين، ولم أسأله أنا عن ذلك، والله أعلم بصحة هذا القول «1» . وتوفى الوزير الصاحب كريم الدين عبد الكريم ابن [الوزير] «2» الصاحب تاج الدين عبد الرزاق، بن شمس الدين عبد الله، المعروف بابن كاتب المناخات، بالقاهرة بطّالا، بعد مرض طويل فى يوم الأحد، لعشر بقين من جمادى الآخرة، وسنه نيف على الخمسين. وكان لا بأس به بالنسبة لأبناء جنسه الكتبة، وقد تقدم أنه ولى نظر ديوان المفرد، ثم الوزر غير مرة، ثم الأستادّارية مرتين، ثم كتابة السر، ثم الوزر، ونكب وصودر وضرب بالمقارع فى بعض تعطّله، وتولى الكشف بالوجه القبلى، ثم توجه إلى جدة، ثم أعيد إلى الوزر سنين، ثم استعفى، وتولى عوضه الوزر الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم، رحمه الله تعالى «3» . وتوفى الأمير سيف الدين شاهين بن عبد الله السيفى طوغان الحسنى الدّوادار، وهو على نيابة قلعة دمشق، فى جمادى الأولى: وكان أصله من مماليك طوغان الحسنى الدوادار، واتصل [بعده] «4» بخدمة الملك الظاهر جقمق، فى أيام إمرته، وصار دواداره، ولما تسلطن، جعله بعد مدة، دوادارا ثالثا، ثم ولّاه نيابة قلعة حلب؛ فوقع له بحلب أمور وعزل منها «5» ، ونقل إلى نيابة قلعة دمشق، إلى أن مات. وكان يصبغ لحيته بالحناء مع بخل وشح، حتى على نفسه، عفا الله تعالى «6» عنه. وتوفى الناصرى محمد بن على بن شعبان ابن السلطان حسن، بن محمد بن قلاوون،

أحد الأجناد، وندماء الملك الظاهر جقمق فى حياة أبيه وأمه، فى يوم الخميس سابع «1» جمادى الآخرة [ويعرف بابن السلطان حسن] «2» . وكان لا بأس به، إلا أنه كان فى مبدإ أمره فقيرا، وجاءته السعادة لصحبته الملك الظاهر جقمق، فجأة، فكان حاله كقول القائل: [الطويل] [ويا ويل] «3» من ذاق الغنا بعد حاجة ... يموت وقلبه من الفقر واجس فكان كذلك، إلا أنه كان بشوشا، ويحسن رمى النّشّاب على قدر حاله، ويجيد الغناء الموسيقى، وفى الجملة، كان له محاسن، مع أصل وعراقة، [رحمه الله] «4» . [وتوفى] «5» الشيخ زين الدين رضوان بن محمد بن يوسف العقبى الشافعى، مستملى الحديث، فى يوم الاثنين، ثالث شهر [193] رجب. وكان دينا فاضلا حسن السمت منور الشيبة، رحمه الله تعالى. وتوفى الشيخ الإمام العالم المعتقد، فتح الدين أبو الفتح محمد بن أحمد بن الشيخ وفاء الإسكندرى الأصل، المصرى المولد والمنشأ والوفاة، المالكى الواعظ، المعروف بابن أبى الوفا، فى يوم الاثنين أول شعبان. وكانت جنازته مشهودة ودفن عند آبائه بتربتهم بالقرافة، بعد أن صلى عليه بجامع عمرو بمصر القديمة. وكان أعلم بنى الوفاء قاطبة، وأشعرهم فى زمانه، ومات وسنه نيف على ستين سنة تخمينا، وكان له فضل غزير وشعر رائق كثير، ذكرنا منه قطعة جيدة فى «الحوادث» «6» ، ونذكر منه هنا قصيدة وهى التى أولها: [الكامل]

الرّوح منّى فى المحبة ذاهبه ... فاسمح بوصل لاعدمتك ذا هبه عرفت أياديك الكرام بأنّها ... تأسو الجراح من الخلائق قاطبه قد خصّك الرحمن منه خصائصا ... فحللت من أوج الكمال مراتبه وبنورك الوضّاح فى غسق الدّجى ... أطلعت فى فلك الوفاء كواكبه ما زلت بالمعروف تعرف دائما ... وتنيل من آوى إليك مطالبه لم يبق فى قلبى سواك من الورى ... كلّا، ولا فيه لغيرك شائبه بك يمنح الله الوجود بجوده ... ويبثّ فيه عطاءه ومواهبه وتطيب منك أصوله وفروعه ... وتعيش أرواح لبعدك ذائبه رجع الوفاء بنور وجهك غامرا ... أغذيت للورّاد منه مشاربه وجميل سترك بالوفا عمّ الورى ... فمن احتمى فيه سترت معايبه وشعره كله فى هذا النسق «1» ، رحمه الله تعالى «2» . وتوفى الشهابى أحمد بن الأمير نوروز بن عبد الله الخضرى الظاهرى، المعروف بشادّ الأغنام: فى يوم الأحد، رابع عشر شعبان. وكان أبوه نوروز، من مماليك الملك الظاهر برقوق، وتولى حجوبية حلب فى نيابة الوالد على حلب، ثم نقل بعد مدة طويلة إلى حجوبية دمشق، أو إلى إمرة بها، فلم تطل مدته بها، وقبض عليه الأمير تنم الحسنى نائب الشام، لما خرج عن الطاعة، فى سنة اثنتين وثمانمائة، ووسّطه. ونشأ ولده هذا يتيما على حالة رديئة من الفقر والإفلاس، إلى أن خدم الملك الظاهر جقمق فى أيام إمرته، وطالت أيامه فى خدمته، فلما تسلطن قرّبة وأنعم عليه بإمرة بالبلاد الشامية، فلم يسكن الشام، ودام بمصر، حتى أنعم عليه الملك الظاهر جقمق «3» أيضا بإمرة عشرة زيادة على ما بيده بالشام، ثم جعله شادّ الأغنام بالبلاد الشامية، فنالته السعادة من ذلك،

وصار له كلمة فى الدولة، وترأس واقتنى المماليك والخيول، وبقى له حاشية واسم فى المملكة، فعند ذلك انتهز أحمد المذكور الفرصة، وانهمك فى اللذات، فما عفّ ولا كفّ، وبينما هو فى ذلك، طرقه هادم اللذات، ومات بعد مرض طويل، وقد استقر أمير الركب الأول من الحاج، فاستقر الأمير قانم التاجر المؤيّدى عوضه، فى إمرة الركب. وكان أحمد المذكور مهملا، عاريا من كل علم وفن، أجنبيا عن كل فضيلة، وكان يتلفظ فى كلامه بألفاظ العامة السوقة، مثل: «أقاتل على حسبى» و «أخذت رحلى» ، وأشياء مثل ذلك «1» من هذا النسق. وكان مع ذلك يلثغ بالسين، ويرمى بعظائم، من: ترك الصلاة، وأخذ الأموال، وغير ذلك. وتوفى الأمير سيف الدين تغرى برمش بن عبد الله الجلالى الناصرى، ثم المؤيّدى الفقيه، نائب قلعة الجبل، بطالا بالقدس الشريف، فى يوم الجمعة ثالث شهر رمضان؛ وقد أناف على الخمسين سنة، هكذا ذكر لى من لفظه، وقال لى: إن أباه كان مسلما فى بلاده، واشتراه بعض التجار ممن سرقه، وابتاعه منه خواجا جلال الدين، وقدم به إلى حلب، فاشتراه الملك الظاهر جقمق منه، وقد توجه جقمق: وهو يوم ذاك خاصكيّا، إلى الأمير جكم نائب حلب بكامليّة الشتاء من السلطان على العادة فى كل سنة، وقدم به جقمق إلى القاهرة، [194] وقدّمه إلى أخيه جاركس القاسمى المصارع، فلما عصى جاركس، أخذه الملك الناصر فرج فيما أخذ الجاركس. ودام تغرى برمش بالطبقة بقلعة الجبل، حتى ملك الملك المؤيّد شيخ الديار المصرية فأخذه من جملة مماليك الملك الناصر فرج، وأعتقه، فادّعاه الظاهر جقمق، وهو يوم ذاك أمير طبلخاناة وخازندار، فدفع له الملك المؤيّد دراهم ومملوكا يسمى قمارى، وأبقى تغرى برمش على ملكه، ثم صار تغرى برمش بعد موت الملك المؤيد خاصكيّا، إلى أن أخرجه الملك الأشرف من الخاصكية مدة سنين، ثم أعاده بعد مدة، ودام على ذلك إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق، فنفاه إلى قوص، لكونه خاشنه فى الكلام

بسبب الإمرة، ثم شفع فيه بعد مدة، وأنعم عليه بإمرة عشرة، واستقر به فى نيابة قلعة الجبل، بعد موت ممجق النّوروزى، وقرّبه الملك الظاهر وأدناه، واختص به إلى الغاية وصار له كلمة فى الدولة، فلم يحسن العشرة مع من هو أقرب منه إلى الملك، وأطلق لسانه فى سائر أمور المملكة، حتى ألجأه ذلك إلى سفر الروم فى أمر من الأمور، ثم عاد فدام على ما هو عليه، ثم تكلم فى أمر المجاهدين وأنهم تراخوا فى أخذ رودس، فعيّنه السلطان إلى غزوة رودس، فسافر وعاد وهو على ما هو عليه، فنفاه السلطان إلى القدس بطّالا، فتوجه إليه ودام به إلى أن مات. وكان تغرى برمش المذكور فاضلا عالما بالحديث ورجاله، مفننا فى أنواعه، كثير الاطلاع، جيد المذاكرة بالتاريخ والأدب وأيام الناس، وله نظم باللغة العربية والتركية، ويكتب المنسوب، ويشارك فى فنون كثيرة، وله محاضرة حسنة ومذاكرة حلوة، هذا مع معرفته بفنون الفروسية المعرفة التامة كآحاد أعيان أمراء الدولة، بل وأمثل منهم، ولا أعلم فى عصرنا من يشابهه فى المماليك خاصة، لما اشتمل عليه من الفضيلة التامة من الطرفين: من فنون الأتراك وعلوم الفقهاء، ومن هو منهم فى هذه الرتبة، اللهم إن كان الأمير بكتمر السعدى فنعم، وإن فاقه بكتمر بأنواع العلاج والقوة، فيزيده تغرى برمش هذا فى الكتابة ونظم الشعر والاطلاع الواسع. وفى الجملة أنه كان من الأفراد فى عصره فى أبناء جنسه، لولا زهو كان فيه وإعجاب بنفسه، والتعاظم بفنونه، والازدراء بغيره، حتى أنه كان كثيرا ما يقول: «يأتى واحد من هؤلاء الجهلة يمسك كتاب فى الفقه فيحفظه فى أشهر قليلة، ثم يقول فى نفسه: أنا بقيت فقيها! الفقيه من يعرف العلم الفلانى ثم العلم الفلانى، إيش هؤلاء الذين لا يعرفون معنى باسم الله الرحمن الرحيم!» . فلهذا كان غالب من يتفقه من الأتراك يغض منه ويحط عليه؛ وليس الأمر كذلك، وأنا، الحقّ أقوله، وإن كان فيهم من هو أفقه منه، فليس فيهم أحد يدانيه لكثرة فنونه، ولاتساع باعه فى النظر والاطلاع والفصاحة والأدب، وسوف أذكر من شعره ما يؤيد ما قلته، فمن شعره فى مليح يسمّى شقير: [البسيط]

تفّاح خدّى شقير فيه ... مسكىّ لون زها وأزهر قد بان منه النّوى فأضحى ... زهرىّ لون بخدّ مشعر وقد ذكرنا من شعره أكثر من هذا فى تاريخنا «المنهل الصافى» «1» فى ترجمته، وأما نظمه باللغة التركية، فغاية لا تدرك، له قصيدة واحدة عارض بها شيخى شاعر الروم، يعجز عنها فحول الشعراء، وكان رحمه الله، من عظم إعجابه بنفسه، يقول: إن الأمر سيصير إليه، مع وجود من هو أمثل منه بأطباق، على أنه كان غير الجنس أيضا، ومن أصاغر الأمراء، ومع هذا كله كان لا يرجع عما فيه، قلت: هذه آفة معترضه للقول الصحيح، سامحه الله تعالى. وتوفى الأمير سيف الدين صرغتمش بن عبد الله القلمطاوى، أحد أمراء العشرات، فى يوم السبت رابع شهر رمضان. وكان أصله من مماليك الأمير قلمطاى الدّوادار، وكان صرغتمش المذكور، لا للسيف ولا للضيف، ولا ذات ولا أدوات. وتوفى الأمير سيف الدين طوغان بن عبد الله العثمانى، نائب القدس، ثم حاجب حلب، ثم نائب غزة بها، فى ذى القعدة. وأصله من مماليك الأتابك ألطنبغا العثمانى نائب الشام؛ وكان شجاعا مقداما كريما للسيف وللضيف، رحمه الله تعالى. وتوفى قاضى القضاة شيخ الإسلام، [195] حافظ المشرق والمغرب، أمير المؤمنين فى الحديث [علامة الدهر، شيخ مشايخ الإسلام، حامل لواء سنة الأنام، قاضى القضاة، أوحد الحفاظ والرواة،] «2» شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن الشيخ نور الدين على بن

محمد بن محمد بن على بن أحمد [بن حجر] «1» ، المصرى المولد والمنشأ والدار والوفاة، العسقلانى الأصل، الشافعى، قاضى قضاة الديار المصرية وعالمها وحافظها وشاعرها، فى ليلة السبت ثامن عشرين ذى الحجة، وصلى عليه بمصلاة المؤمنى، وحضر السلطان الصلاة عليه، ودفن بالقرافة. حتى قال بعض الأذكياء: أنه حزر من مشى فى جنازته نحو الخمسين ألف إنسان. وكان لموته يوم عظيم «2» على المسلمين، ومات ولم يخلّف بعد مثله شرقا ولا غربا، ولا نظر هو مثل نفسه فى علم الحديث. وكان مولده بمصر القديمة فى ثانى عشرين شعبان، سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، وقد أوضحنا أمره فى ترجمته فى «المنهل الصافى» من ذكر سماعاته ومشايخه وأسماء مصنفاته «3» وولاياته من ابتداء أمره إلى منتهاه، فى أوراق كثيرة يطول الشرح فى ذكرها فى هذا المحل «4» . وكان رحمه الله تعالى إماما عالما حافظا شاعرا أديبا مصنفا مليح الشكل منوّر الشيبة، حلو المحاضرة إلى الغاية والنهاية، عذب المذاكرة مع وقار وأبهة وعقل وسكون وحلم وسياسة ودربة بالأحكام، ومداراة الناس، قلّ أن كان يخاطب الرجل بما يكره، بل كان يحسن إلى من يسىء إليه، ويتجاوز عمن قدر عليه، هذا مع كثرة الصوم ولزوم العبادة والبر والصدقات؛ وبالجملة فإنه أحد من أدركنا من الأفراد ولم يكن فيه ما يعاب، إلا تقريبه لولده لجهل كان فى ولده، وسوء سيرته، وما عساه كان يفعل معه، وهو ولده لصلبه، ولم يكن له غيره؟ وأما شعره فكان فى غاية الحسن، ومما أنشدنى من لفظه لنفسه رحمه الله تعالى «5» : [الطويل] خليلىّ ولّى العمر منّا ولم نتب ... وننوى فعال الصالحات ولكنّا

فحتّى متى نبنى بيوتا مشيدة ... وأعمارنا منّا تهدّ وما تبنى «1» وله: [المنسرح] سألت من لحظه وحاجبه ... كالقوس والسّهم موعدا حسنا ففوّق السّهم من لواحظه ... وانقوس الحاجبان واقترنا وله: [الطويل] أتى «2» من أحبّائى رسول فقال لى: ... ترفّق وهن واخضع تفز برضانا فكم عاشق قاسى الهوان بحبّنا ... فصار عزيزا حين ذاق هوانا «3» أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع وثمانية عشر أصبعا؛ مبلغ الزيادة: ثمانية عشر ذراعا وثلاثة وعشرون أصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 853

[ما وقع من الحوادث سنة 853] السنة الثانية عشرة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة. فيها فشا الطاعون بالديار المصرية وظواهرها، وكان ابتدأ من أواخر سنة اثنتين وخمسين، فى ذى الحجة، وعظم إلى أن ارتفع فى شهر ربيع الأول، ومات فيه عالم كثير من الأعيان، من جملتهم ثلاثة أمراء مقدمى ألوف، وهم: الأمير تمراز القرمشى أمير سلاح، والأمير قراخجا الحسنى الأمير آخور، وكلاهما كان مرشحا «1» للسلطنة، والأمير تمرباى التّمربغاوى، رأس نوبة النوب، [ومن يأتى ذكره من الأعيان وغيرهم، رحمهم الله] «2» . وفيها توفى الشهابى [أحمد بن على بن إبراهيم] «3» النهيتى [ثم الأزهرى] «4» ، أحد فقهاء الشافعية، فى يوم الأحد رابع عشر المحرم، وكان مجاورا بجامع الأزهر. وتوفى القاضى شهاب الدين أحمد [بن على بن عامر بن العدل نور الدين] «5» المسطيهى [ثم القاهرى] «6» الشافعى، أحد نواب الحكم بالقاهرة، فى يوم الاثنين «7» خامس عشر «8» المحرم. وتوفى الشيخ الإمام العالم علاء الدين [على] «9» الكرمانى الشافعى، شيخ خانقاة سعيد السّعداء، فى يوم الخميس ثانى صفر بالطاعون، وكان دينا فقيها صالحا. وتوفى القاضى برهان الدين إبراهيم [بن محمد بن إبراهيم] بن ظهير الحنفى، ناظر

الإسطبلات السلطانية، فى يوم الاثنين سادس صفر بالطاعون ودفن من الغد. وكان أحد حواشى الملك الظاهر جقمق، وممن نشأ فى هذه الدولة. وتوفى السيد الشريف على بن حسن بن عجلان [بن رميثة] الحسنى «1» المكى، المعزول عن إمرة مكة قبل تاريخه، فى ثغر دمياط بالطاعون، فى أوائل صفر. وقد تقدم ذكر نسبه فى عدة أماكن من هذا الكتاب، وكان أحذق بنى حسن بن عجلان، وأفضلهم وأحسنهم محاضرة، وله ذوق وفهم ومذاكرة، رحمه الله [تعالى] «2» . وتوفى الأمير سيف الدين تمراز بن عبد الله القرمشى الظاهرى أمير سلاح، بالطاعون، فى يوم الجمعة عاشر صفر، ودفن من الغد. وتولى وظيفة إمرة سلاح [196] من بعده الأمير جرباش الكريمى قاشق، وكان تمراز من مماليك الملك الظاهر برقوق، ووقع له أمور، إلى أن تولى نيابة قلعة الروم. ثم نقل بعد مدة إلى نيابة غزة فى الدولة الأشرفية برسباى، فدام على نيابة غزة سنين، ثم عزل، وطلب إلى القاهرة على إمرة مائة وتقدمة ألف بها، وتولى نيابة غزة من بعده الأمير إينال العلائى الناصرى. ثم استقر بعد أشهر رأس نوبة النوب، بعد أركماس الظاهرى بحكم انتقال أركماس إلى الدوادارية الكبرى، بعد خروج أزبك الدوادار إلى القدس بطّالا، ودام تمراز رأس نوبة النّوب سنين كثيرة، إلى أن نقله الملك الظاهر جقمق إلى الأمير آخوريّة الكبرى، بعد مسك جانم الأشرفى. ثم صار أمير سلاح بعد أشهر، عوضا عن يشبك السّودونى المشدّ، بحكم انتقال يشبك إلى الأتابكية، بعد توجّه آقبغا التمرازى إلى نيابة الشام، عوضا عن إينال الجكمى، فدام تمراز على ذلك إلى أن مات.

وكان من محاسن الدنيا، لولا إسرافه على نفسه، وقد نسبه الشيخ تقي الدين المقريزى رحمه الله فى مواضع كثيرة، إلى الأمير دقماق المحمدى «1» ، فقال: تمراز الدّقماقى، وليس هو كذلك، وإنما تمراز تزوج السّت أردباى أم ولد دقماق لا غير. وتوفى قاضى القضاة بدر الدين محمد بن قاضى القضاة ناصر الدين أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عطاء الله بن عواض بن نجا بن أبى الثناء حمود بن نهار [الشمس] «2» ابن مؤنس بن حاتم بن نبلى بن جابر بن هشام بن عروة بن الزبير بن العوام رضى الله عنه، حوارىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، المعروف بابن التّنسى المالكى، قاضى قضاة الديار المصرية، فى يوم الاثنين ثالث عشر صفر بالقاهرة، وبها نشأ تحت كنف والده، وحفظ عدة متون وتفقه بعلماء عصره وبرع وأفتى ودرّس وناب فى الحكم سنين. ثم استقل بوظيفة القضاء، بعد موت قاضى القضاة شمس الدين البساطى، فى سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، ولما ولى القضاء أكبّ على الاشتغال والإشغال، وكان مفرط الذكاء، جيد التصور، مع الفصاحة وطلاقة اللسان وحسن السيرة إلى الغاية والنهاية، والتحرى والتثبت فى أحكامه، والحط على شهود الزور، حتى أبادهم. وكان يحلّف حواشيه بالأيمان المغلظة على الأخذ من الناس على بابه، ثم بعد ذلك يأخذ فى الفحص عليهم، ويبذل جهده فى ذلك، مع ذكاء وحذق ومعرفة، لا يدخل عليه مع ذلك تنميق منمق، ولا خديعة خادع. وكان يتأمل فى أحكامه ومستندات الأخصام الأيام الكثيرة، وبالجملة أنه أعظم من رأينا من القضاة فى العفة وجودة سيرة حواشيه الذين هم على بابه بلا مدافعة، مع علمى بأحوال من عاصره

من القضاة وغزير علمهم، ومع هذا كله، ليس فيهم أحد يدانيه فى ذلك، غير قاضى القضاة بدر الدين محمد بن عبد المنعم البغدادى الحنبلى، وإن كانت بضاعته مزجاة من العلوم، فهو أيضا كان من هذه المقولة، وليس حسن السيرة متعلقة بكثرة العلم وإنما ذلك متعلق: بالتحرى، والدين، والعقل، والحذق، والعفة. وقد حكى لى صاحبنا محمد بن تلتى، قال: غضب علىّ السلطان بسبب تعلقات الذخيرة من جهة ميراث، ورسم أن أتوجه إلى القاضى الحنبلى، وأن يدّعى علىّ عنده، ويرسّم علىّ، فادّعى علىّ، فأجبت بجواب مرضىّ، فقال القاضى: اذهب إلى حال سبيلك، ليس لأحد عندك شىء. فقلت: أخشى من سطوة السلطان، لا بد أن أقيم فى الترسيم، فامتنع من ذلك، فقلت: أقيم على باب القاضى كأننى فى الترسيم خشية من السلطان، فأقمت نحو الشهر على بابه أحضر سماطه فى طرفى النهار، ورسل السلطان تترد إليه، وهو يردّ الجواب بأن لا حقّ لهم عندى، فلما أعياهم أمره، نقلونى من عنده إلى بيت بعض أعيان قضاة القضاة، ففى اليوم المذكور غرمت لحاشيته ثلاثين دينارا، وقرّر علىّ نحو المائة ألف درهم للسلطان بغير وجه شرعى، ولم أر وجه القاضى المذكور فى ذلك اليوم غير مرة واحدة، وإنما صرت بين أيدى حواشيه، كالفريسة يتناهبونى من كل جهة، حتى هان علىّ أنى أزن، مهما أرادوا، وأتخلص من أيديهم- انتهى. قلت: وقد خرجنا عن المقصود بذكر هذه الحكاية عن القاضى الحنبلى، ووقع مثل هذا وأشباهه لقاضى القضاة بدر الدين هذا غير مرة، ومحصول الأمر: أنه كان عفيفا [197] ديّنا حسن السيرة مشكور الطريقة، بريّا عما يرمى به قضاة السوء، وكان رحمه الله، له سماع كثير فى الحديث وإلمام بالأدب، وله نظم جيد، ومما نظمه فى النوم فى طاعون سنة سبع وأربعين وأنشدنيه «1» قاضى القضاة بدر الدين المذكور، إجازة إن لم يكن سماعا: [الوافر]

إله الخلق قد عظمت ذنوبى ... فّسامح، ما لعفوك من مشارك أغث «1» يا سيدى عبدا فقيرا ... أناخ ببابك العالى ودارك قلت: وهذا يشبه قول الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر، لنفسه، [رحمه الله] : «2» [البسيط] سرت وخلّفتنى غريبا ... فى الدار أصلى هوى بنارك أدرك حشا حرّقت غراما ... فى ربعك المعتلى ودارك ومن شعر القاضى بدر الدين أيضا، فيما يقرأ على قافيتين، مع استقامة الوزن: [السريع] جفوت من أهواه لا عن قلى ... فظلّ يجفونى يروم الكفاح ثم وفى لى زائرا بعده ... فطاب نشر من حبيب وفاح ومثل هذا أيضا للحافظ شهاب الدين بن حجر العسقلانى «3» الشافعى: [السريع] نسيمكم ينعشنى فى الدّجى ... طال، فمن لى بمجيء الصبّاح ويا صباح الوجوه «4» فارقتكم ... فشبت همّا إذ فقدت الصّباح ومثله للشيخ شمس الدين محمد «5» [بن الحسن بن على] «6» النواجى «7» [الشاعر

المشهور] «1» : [الطويل] خليلىّ هذا ربع عزّة فاسعيا ... إليه وإن سالت به «2» أدمعى طوفان فجفنى جفا طيب المنام وجفنها ... جفانى فيا لله من شرك الأجفان ومثل ذلك، لقاضى القضاة صدر الدين على بن الأدمى «3» الحنفى، وهو عندى مقدم على الجميع: [السريع] يا متهمى بالسّقم كن منجدى ... ولا تطل رفضى فإنّى عليل «4» أنت خليلى فبحقّ الهوى ... كن لشجونى راحما يا خليل «5» وتوفى الأمير سيف الدين إينال بن عبد الله اليشبكى، أحد أمراء العشرات بالطاعون، فى يوم الأربعاء خامس عشر صفر. وكان أصله من مماليك الأتابك يشبك الشعبانى، وكان من المهملين، رحمه الله تعالى «6» .

وتوفى القاضى ولى الدين أبو اليمن محمد بن قاسم بن [عبد الله بن] «1» عبد الرحمن [بن محمد بن عبد القادر] «2» الشيشينى الأصل، المحلّى، الشافعى، المعروف بابن قاسم، فى يوم الجمعة سابع عشر صفر. وكان فيه خفة روح ودعابة، ونادم الملك الأشرف برسباى، ونالته السعادة، وكان أولا يلى الحكم بالمحلة وغيرها، فلما تسلطن الملك الأشرف، قرّبه ونادمه لصحبة كانت بينهما قديمة، ثم استقر شيخ الخدام بالحرم النبوى، إلى أن طلبه الملك الظاهر جقمق، وصادره، ثم نادمه بعد ذلك، إلى أن مات. وكان دينا خيرا، إلا أنه كان مسّيكا جمّاعا للأموال، وكان سمينا جدا، لا يحمله إلا الجياد من الخيل. وتوفى الأمير سيف الدين قراخجا بن عبد الله الحسنى الظاهرى، الأمير آخور الكبير، بالطاعون، فى يوم السبت ثامن عشر صفر، وتوفى ولده أيضا فى اليوم المذكور، فجهزا معا من الغد، وحضر السلطان الصلاة عليهما بمصلاة المؤمنى، ودفنا بالصحراء، وكان أصل قراخجا المذكور، من مماليك الملك الظاهر برقوق، وتأمّر بعد أمور وقعت له بعد موت الملك المؤيّد شيخ، وصار من جملة رؤوس النّوب، ثم نقله الملك الأشرف بعد سنين، إلى إمرة طبلخاناة، ثم صار رأس نوبة ثانيا، ثم مقدم ألف بالديار المصرية، إلى أن نقله الملك الظاهر جقمق، وجعله رأس نوبة النّوب، بعد الأمير تمراز القرمشى، بحكم انتقاله إلى الأمير آخوريّة، ثم نقل [198] قرا خجا بعد أشهر إلى الأمير آخورية بعد تمراز أيضا، فدام على ذلك حتى مات. وكان أميرا جليلا شجاعا مقداما معظما فى الدول، عارفا بأنواع الفروسية، رأسا فى ذلك، مع العقل والديانة والصيانة والحشمة والوقار وكثرة الأدب؛ وهو أحد من أدركنا من الملوك العقلاء الرؤساء، رحمه الله تعالى؛ وهو صاحب المدرسة بالقرب من قنطرة طقزدمر خارج القاهرة.

وتوفى السيد الشريف أبو القاسم بن حسن بن عجلان الحسنى المكّى المعزول عن إمرة مكة، قبل تاريخه، وكان قدم صحبة الحاج ليسعى فى إمرة مكة، فأدركته منيّته بالقاهرة، بالطاعون، فى ليلة الاثنين العشرين من صفر، وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمنى من تحت القلعة. وتوفيت «1» زوجة السلطان الملك الظاهر جقمق خوند نفيسة «2» بنت الأمير ناصر الدين بك بن دلغادر، بالطاعون فى يوم الثلاثاء حادى عشرين صفر. وتوفى الأمير سيف الدين بختك بن عبد الله الناصرى، أحد أمراء العشرات [وصهر يشبك الفقيه] «3» بالطاعون، فى يوم الأربعاء ثانى عشرين صفر؛ وكان لا بأس به. وتوفى الأمير مغلباى طاز بن عبد الله الساقى الظاهرى، بعد أن تأمّر بنحو العشرة أيام، فى يوم الأربعاء ثانى عشرين صفر، وكان من مماليك الملك الظاهر جقمق الأجلاب وأحد خواصّه، وكان لا ذات ولا أدوات. وتوفى الشيخ الإمام العالم المعتقد محمد بن عبد الرحمن بن عيسى بن سلطان، المعروف بالشيخ محمد بن سلطان الغزّى الأصل، المصرى الدار والوفاة، الشافعى [الصوفى القادرى] «4» ، فى يوم الأحد سادس عشرين صفر؛ وكان الناس فيه على قسمين: ما بين معتقد ومنتقد، والأول أكثر؛ وكان إماما عالما بفنون، وله اشتغال قديم، وله قدم فى العبادة والصلاح، وكان لا يتردد إلى أحد، والناس تتردد إليه من السلطان إلى من دونه [حتى وصفه غير واحد بالمنقطع ببيته] «5» ، وكان يتهمه بعض الناس بمعرفة الكيميا أو طرف منها، لأنه عمر طويلا فى أرغد عيش

ونعمة، ولم يقبل من أحد إلا نادرا، وكان شيخا منوّر الشيبة [عطر الرائحة] مفوّها فصيحا شاعرا عالما صوفيا، ومات وسنه أزيد من تسعين سنة فيما أظن، وهو متمتع بحواسه، رحمه الله تعالى. وتوفى الأمير سيف الدين تمرباى بن عبد الله التّمر بغاوى رأس نوبة النوب بالطاعون، فى يوم الأربعاء تاسع عشرين صفر، وهو فى عشر الستين. وكان أصله من مماليك الأمير تمربغا المشطوب نائب حلب. ثم خدم عند الأمير ططر؛ فلما تسلطن ططر جعله دوادارا ثالثا، فدام على ذلك مدة، إلى أن نقله الملك الأشرف إلى الدوادارية الثانية، بعد موت جانبك الدوادار الأشرفى، فباشر الدوادارية الثانية على الجندية أياما. ثم أنعم عليه بإمرة عشرة. ثم بعد مدة طويلة، بإمرة طبلخاناة، ودام على ذلك، إلى أن أنعم عليه الملك العزيز يوسف «1» بن السلطان الملك الأشرف برسباى «2» ، بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية. ثم صار نائب الإسكندرية مدة. ثم عزل واستقر رأس نوبة النّوب، بعد انتقال قراخجا الحسنى إلى الأمير آخورية، فدام على ذلك إلى أن مات. وكان يعف عن المنكرات ويتصدق كثيرا، غير أنه كان عاريا من كل علم وفن، مع حدة خلق وبذاءة لسان، رحمه الله تعالى. وتوفى الأمير سيف الدين أركماس بن عبد الله المؤيدى الأشقر. المعروف بالبواب. أحد أمراء العشرات ورأس نوبة فى يوم السبت سلخ شهر ربيع الآخر وكان مهملا [زائد الغفلة] «3» ، غير متجمل فى ملبسه ومركبه، إلا أنه كان مشهورا بالشجاعة والإقدام «4» .

وتوفى الأمير سيف الدين سودون بن عبد الله المؤيدى، الأمير آخور الثانى، المعروف بسودون أتمكجى، أى خبّاز، فى يوم الاثنين ثانى عشر شهر رجب، وهو فى عشر الخمسين أو أكثر. واستقر بعده [199] الأمير يرشباى الإينالى، الأمير آخور الثالث، أمير آخور ثانيا. وكان سودون المذكور شجاعا مقداما عارفا بأنواع الفروسية، كريما حشما معظما فى الدول، وعنده تواضع وأدب، رحمه الله تعالى، فإنه كان من محاسن أبناء جنسه. وتوفى الأمير سيف الدين بيسق اليشبكى نائب قلعة دمشق بها، فى شعبان، وكان من مماليك الأتابك يشبك الشعبانى، وتأمر فى دولة الملك الظاهر جقمق [خمسة ثم] «1» عشرة، ثم ولاه نيابة ثغر دمياط، ثم نيابة قلعة صفد. ثم عزله وأنعم عليه أيضا بإمرة عشرة بمصر، [ثم ولاه نيابة دمياط] «2» ثم ولاه نيابة قلعة دمشق بعد موت شاهين الطّوغانى، إلى أن مات. ونعم الرجل، كان [ذا] «3» شجاعة وكرم وعقل وتواضع، لا أعرف فى اليشبكيّة من يقاربه فى معناه، رحمه الله تعالى. وتوفى شرف الدين يحيى بن أحمد [بن عمر بن يوسف بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن إبراهيم بن محمد بن أبى بكر الشرف التنوخى الحموى الأصل الكركى المولد] «4» الشهير بابن العطار، الشاعر المشهور، فى يوم الخميس سادس عشر ذى القعدة، ولم يكن يحيى المذكور من الأعيان، ولا ممن له عراقة ورئاسة سابقة «5» لتشكر أفعاله أو تذم، وإنما كانت شهرته بصهارة أخيه، الأمير ناصر الدين محمد بن العطار، لبنى البارزى،

فعرف لهذا المعنى «1» بين الناس. وكان له شعر، ويكتب المنسوب بحسب الحال، وكان أولا يتزيّا بزىّ الجند، وخدم دوادارا عند الشهاب، أستادّار المحلّة، ثم عند القاضى ناصر الدين بن للبارزى، فلم ينتج أمره، وعزل، ثم بعد مدة، ترك الجنديّة، وتزيّا بزىّ الفقهاء، وخدم موقّعا عند الزينى عبد الباسط ناظر الجيش، فملأه سبّا وتوبيخا منذ مباشرته عنده، إلى أن ملّ ذلك، وترك التوقيع، وانقطع إلى المقر الكمالى بن البارزى، وصار يتردد إلى الأكابر، ثم تردد فى الدولة الظاهرية، لخدمة أبى الخير النحاس، ومات وهو ملازم لصحبته. وقد استوعبنا حاله بأوسع من هذا فى «المنهل الصافى» «2» ، وذكرنا من شعره نبذة كبيرة، ونذكر منه هنا نبذة يسيرة، ليعلم بذلك طبقته فى نظم القريض، فإنه كان لا يحسن غيره، فمن شعره قوله: [الخفيف] أهل بدر إن أحسنوا أو أساءوا ... أهل بدر فليفعلوا ما شاءوا «3» إن أفاضوا «4» دمعى فكم قد أفادوا ... منّة من ودادهم وأفاءوا وعيونى إن فجّروها عيونا ... بدموع «5» كأنّهنّ دماء لا تلمهم على احمرار دموعى ... فلهم عندى اليد البيضاء أنا راض منهم وإن هم رضونى ... فسواء عندى القلى والقلاء يا نزولا بمهجتى «6» فى رياض ... من وداد أغصانها لفّاء كلّ غصن عليه طائر قلبى ... صادح تقتدى به الورقاء صدحه كلّه حنين ووجد ... واشتياق ولوعة وبكاء منع السّهد طيفكم ولحظّى ... صار حتى من عندى الرّجاء وعذولى يرى سلوّى فرضا ... أنا من رأيه علىّ براء

يدّعى فى الهوى إخائى ونصحى ... ليت شعرى من أين هذا الإخاء؟ عينه عن محاسن الحبّ عميا ... ء وأذنى عن عذله صمّاء وهى أطول من هذا، تزيد على ستين بيتا، كلها على هذا النسق «1» ، «2» عفا الله تعالى عنه «3» : [200] وتوفى السيد الشريف سراج الدين عبد اللطيف الفاسى الأصل، المكى المولد والمنشأ، الحنبلى، قاضى قضاة الحنابلة بمكة، بها، فى أواخر هذه السنة، عن سن عال، وكان سيدا كريما متواضعا، رحل إلى بلاد الشرق غير مرة، وأقبل عليه [القان معين الدين] شاه رخ بن تيمور وابنه ألوغ «4» بك صاحب سمرقند، وعاد إلى مكة بأموال كثيرة، أتلفها فى مدة يسيرة، لكرم كان فيه، وهو «5» أول حنبلى تولى القضاء بمكة استقلالا، رحمه الله تعالى «6» . وتوفى قاضى القضاة أمين الدين أبو اليمن محمد [بن محمد بن على بن أحمد بن العزيز الهاشمى العقيلى] «7» النويرى الشافعى، قاضى قضاة مكة وخطيبها، فى ذى القعدة عن نحو ستين سنة تخمينا، وهو قاض، وكان فاضلا دينا خيّرا خطيبا فصيحا مفوها كثير الصوم والعبادة، مشكور السيرة فى أحكامه، فردا فى معناه، لم أر بمكة المشرفة فى مدة مجاورتى من يدانيه فى الطواف، وفى كثرة العبادة، رحمه الله تعالى «8» . أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم سبعة أذرع وخمسة عشر أصبعا، مبلغ الزيادة: ثمانية عشر ذراعا وثلاثة أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 854

[ما وقع من الحوادث سنة 854] السنة الثالثة عشرة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة أربع وخمسين وثمانمائة. فيها كان الشراقى العظيم «1» بمصر، والغلاء المفرط المتداول إلى سنة سبع وخمسين، وكان ابتداء الغلاء من السنة الخالية، لكنه عظم فى هذه السنة بوقع الشراقى، وتزايد، وبلغ سعر القمح إلى ألفى درهم الأردب، والحمل التبن إلى سبعمائة درهم، وقس على ذلك حسبما نذكره فى وقته، على طول السنين. [فيها] «2» توفى المسند «3» المعمر شمس الدين محمد بن الخطيب عبد الله الرشيدى، الشافعى، خطيب جامع الأمير حسين بحكر النّوبى «4» خارج القاهرة، فى يوم الجمعة حادى عشر شهر [ربيع الأول، ومولده فى ليلة رابع عشر] «5» شهر رجب سنة تسع وستين وسبعمائة، وكانت له مسموعات كثيرة، وحدّث سنين وتفرّد بأشياء كثيرة، ولنا منه إجازة، وكان شيخا منوّر الشيبة فصيحا مفوها خطيبا بليغا، رحمه الله. وتوفى الأمير سيف الدين شاد بك بن عبد الله الجكمى، أحد مقدمى الألوف بديار مصر، ثم نائب الرّها، ثم حماة، بطالا بالقدس، بعد مرض طويل، فى يوم الأربعاء ثانى شهر ربيع الأول؛ وكان أصله من مماليك الأمير جكم من عوض نائب حلب، وتنقل فى الخدم من بعده، إلى أن صار بخدمة الأمير ططر، فلما تسلطن ططر، قرّبه وأنعم عليه، ثم تأمّر عشرة بعد موته، وصار من جملة رؤوس النوب، ثم

صار أمير طبلخاناة، ثم ثانى رأس نوبة، ثم ولى نيابة الرّها، ثم عزل بعد سنين وصار بالقاهرة على طبلخاناته، إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر جقمق، بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، فى أوائل دولته، ثم نقله إلى نيابة حماة بعد سنين، فلم تطل مدته على نيابة حماة وعزل وتوجه إلى القدس بطّالا ثم تكلّم فيه، فقبض عليه وحبس مدة ثم أطلق وأعيد إلى القدس بطّالا، إلى أن مات. وكان متوسط السيرة [غير أنه كان قصيرا جدا] «1» وعنده سرعة حركة وإقدام، [متوسط السيرة فى فروسيته وأفعاله] «2» ، وله وجه فى الدول، رحمه الله تعالى. وتوفى الأمير سيف الدين على باى من دولات باى العلائى الساقى الأشرفى، فى يوم الثلاثاء تاسع عشرين شهر ربيع الأول، وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمنى. وكان أصله من مماليك الملك الأشرف برسباى، اشتراه فى سلطنته وربّاه وأعتقه، وجعله خاصكيّا، ثم ساقيا، ثم أمّره عشرة، وجعله خازندارا كبيرا، بعد إينال الأبوبكريّ الأشرفى، بحكم انتقاله إلى المشدّيّة، بعد قراجا الأشرفى، بحكم انتقاله إلى «3» تقدمة ألف، ودام علىّ باى على ذلك، إلى أن أنعم عليه الملك العزيز يوسف بإمرة طبلخاناة وجعله شادّ الشراب خاناة، بعد إينال الأبوبكريّ أيضا، بحكم انتقال [إينال] «4» إلى الدوادارية الثانية، بعد تمرباى التّمربغاوى المنتقل إلى تقدمة ألف، فلم تطل مدة على باى [بعد ذلك] «5» ، وقبض عليه مع من أمسك من خجداشيّة الأشرفية وغيرهم «6» وحبس سنين، [201] ثم أطلق وأنعم عليه بإمرة بالبلاد الشامية، وقدم القاهرة، [ثم] «7» حج وعاد إلى دمشق، ثم قدم القاهرة ثانيا، ودام بها إلى أن أنعم عليه السلطان بإمرة عشرة، ودام على ذلك إلى أن مات فى التاريخ المذكور. وكان

شابا مليح الشكل طوالا عاقلا عارفا بأنواع الفروسية خصيصا عند أستاذه الملك الأشرف إلى الغاية، لجمال صورته ولحسن سيرته، وأنعم السلطان بإقطاعه بعد موته على خجداشه تمراز الأشرفى الزّردكاش، فما شاء الله كان. وتوفى الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم [ابن أبى نصر محمد] «1» الدمشقى الحنفى المعروف بابن عرب شاه [وبالعجمى أيضا] ، «2» فى القاهرة بخانقاه سعيد السعداء فى يوم الاثنين خامس عشر شهر رجب، غريبا عن أهله وأولاده. سألته عن مولده فقال: فى ليلة الجمعة داخل دمشق، فى الخامس والعشرين من ذى القعدة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة. ونشأ بدمشق وطلب العلم ثم خرج إلى بلاد العجم فى كائنة تيمور وأقام بتلك البلاد سنين «3» كثيرة، ثم رحل إلى الروم، ثم قدم دمشق وتردد إلى القاهرة، إلى أن مات بعد أن ولى عدة وظائف دينية وولى قضاء حماة فى بعض الأحيان. وكان إماما بارعا فى علوم كثيرة مفننا فى الفقه والعربية، وعلمى المعانى والبيان والأدب والتاريخ، وله محاضرة حسنة ومذاكرة «4» لطيفة مع أدب وسكون وتواضع، وله النظم الرائق الفائق الكثير المليح «5» ، وكان يقول الشعر الجيد باللغات الثلاث: العربية والعجمية والتركية، وله مصنّفات كثيرة مفيدة فى غاية الحسن، ولما استجزته كتب لى بخطه بعد البسملة: «الحمد لله الذي زيّن مصر الفضائل بجمال يوسفها العزيز، وجعل حقيقة مجاز أهل الفضل، فحلّى به كل مجاز ومجيز، أحمده حمد من طلب إجازة كرمه فاجتاز، «6» وأشكره شكرا أوضح لمزيد نعمه علينا سبيل المجاز، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده

لا شريك له، إله يجيب سائله ويثيب آمله، ويطيب لراجيه نائله، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، سيد من روى عن ربه ومن «1» روى عنه، والمقتدى لكل من أخذ عن العلماءء أخذ منه، صلى الله عليه ما رويت الأخبار، ورؤيت الآثار، وظهرت أذكار الأبرار، فى صحائف الليل والنهار، وتابعيه وأحزابه، وسلم وكرّم وشرّف وعظّم. أما بعد، فقد أجزت الجناب الكريم العالى ذا القدر المنيف الغالى، والصدر الذي هو بالفضائل حال، وعن الرذائل خال، المولوىّ الأميرىّ الكبيرىّ العالىّ العاملىّ الأصيلىّ العريقىّ الفاضلىّ المخدومىّ الجمالىّ، أبا المحاسن، الذي ورد فواضله وفضائله غراس يوسف بن المرحوم المقر الأشرف الكريم العالى المولوى الأميرى الكبيرى الأتابكى [المالكى] «2» المخومى السفيرى تغرى «3» بردى الملكى الظاهرى، أعز الله جماله، وبلّغه من المرام كماله، وهو ممن تغذّى بلبان. الفضائل، وتربى فى حجر قوابل الفواضل، وجعل اقتناء العلوم دأبه، ووجّه إلى تدين الأحزاب ركابه، وفتح إلى دار الكمالات بابه، وصيّر أحرازها فى خزائن صدره اكتسابه، فجاز بحمد الله [تعالى] «4» حسن الصورة والسيرة، وقرّن بضياء الأسرّة صفاء السريرة، وحوى السماحة والحماسة والفروسية والفراسة، ولطف العبارة والبراعة، والعرابة واليراعة والشهامة والشجاعة، فهو أمير الفقهاء، وفقيه الأمراء، وظريف الأدباء، وأديب الظرفاء، فمهما تصفه صف وأكثر، فإنه لأعظم مما قلت فيه وأكثر، فأجزت له معوّلا عليه، أحسن الله إليه، أن يروى عنى مالى من منظوم ومنثور، ومسموع ومسطور، بشروطه المعتبرة، وقواعده المحررة عموما» . ثم ذكر ماله من تصنيف وتأليف وأسماء مشايخه ببلاد الشرق وبالبلاد «5» الشأمية،

وقد ذكرنا ذلك كله «1» برمته فى ترجمته فى تاريخنا «المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى» ، «2» أضربنا عن ذكره هنا خوف الإطالة، فكان مما قاله [202] فى أواخر هذه الإجازة، من النظم، أبيات مع ما «3» فى اسم يوسف: [الرمل] وجهك الزاهى كبدر ... فوق غصن طلعا واسمك الزّاكى كمشكا ... ة سناها لمعا فى بيوت أذن الا ... هـ لها أن ترفعا عكسها صحّفه يلفى ... الحسن فيه أجمعا وتوفى الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله النّوروزى، المعروف بنائب بيروت، بعد أن ابتلى وعزل عن نيابة صهيون، وعاد إلى القاهرة، فمات بالعريش. وكان أصله من مماليك الأميز نوروز الحافظى، وممن تأمّر- فى دولة الملك الظاهر جقمق- عشرة، ثم خرج إلى البلاد الشأمية وصار من [جملة] «4» أمراء طرابلس، ثم ولى نيابة صهيون، فابتلى بداء الأسد، واستعفى. وأراد قدوم القاهرة، فمات فى طريقه، وكان مشهورا بالشجاعة لا بأس به. وتوفى الأمير سيف الدين سودون السّودونى الظاهرى الحاجب، فى يوم الأحد العشرين من شعبان، وهو فى عشر التسعين، وأصله من مماليك [الملك] «5» الظاهر برقوق، ثم تأمّر بعد موت [الملك] «6» الناصر فرج، وصار فى الدولة الأشرفية من جملة

الحجاب؛ ثم صار حاجبا ثانيا فى الدولة الظاهرية جقمق، ونفى غير مرة، وهو يعود إلى دون رتبته أولا، ولا زال يتقهقر إلى أن صار من جملة الحجاب الأجناد، وكان شيخا مسرفا على نفسه مهملا لم يشهر بتدين ولا شجاعة ولا كرم، عفا الله عنه. وتوفى القاضى زين الدين عبد الباسط بن خليل بن إبراهيم الدّمشقى الأصل والمولد والمنشأ المصرى الدار والوفاة، ناظر الجيوش المنصورة بالديار المصرية، بطالا، بها فى يوم الثلاثاء رابع شوال بداره. فى وقت المغرب بخط الكافورى، ودفن من الغد بتربته التى أنشأها بالصحراء خارج القاهرة [فى قبر عيّنه لنفسه وأسند وصيته قاضى الحنابلة وغيره] «1» . ومولده بعد التسعين [وسبعمائة] «2» أو فى حدودها، ونشأ بدمشق، وخدم القاضى بدر الدين بن الشهاب محمود، وبه عرف بين الناس، ثم اتصل بخدمة [الملك] «3» المؤيد شيخ وهو على نيابة دمشق، ولازمه إلى أن قتل الملك الناصر وقدم معه إلى القاهرة، وسكن بالقرب منّا بالسبع قاعات، وهو فقير مملق. فلما تسلطن [الملك] «4» المؤيد شيخ، قرّبه وأدناه، وولاه نظر الخزانة، فانتقل من داره إلى دار أخرى بالقرب منها، ولما عظم أمره، سألنا فى السّكنى فى بعض دورنا، فأجبناه إلى ذلك، فسكنها عدة سنين، ومن يومئذ أخذ أمره فى نمو وزيادة، وعظم فى الدولة، وعمّر الأملاك الكثيرة، ثم أنشأ مدرسته بخط الكافورى تجاه داره، ثم ولى نظر الجيوش المنصورة [بالديار المصرية] «5» بعد عزل المقر الكمالى ابن البارزى فى الدولة الظاهرية ططر، ولما ولى نظر الجيش، بعد ابن البارزى، قال المقريزى، وتمثل بقول أبى العلاء المعرى: [الطويل]

* ويا «1» نفس جدّى إن دهرك هازل «2» * ودام عبد الباسط فى وظيفته نظر الجيش سنين، وعظم فى أوائل الدولة الأشرفية، ثم أخذ أمره فى إدبار عند الأشرف، وهو يحسن سياسته لا يظهر ذلك، ويبذل الأموال فى رضى الأشرف بكل ما تصل قدرته إليه، يعرف قولى هذا من كان له رتبة تلك الأيام وملازمة بخدمة الملك الأشرف برسباى، مع أنه لم يصف له الدهر فى خصوصيّته عند الأشرف السنة الواحدة، بل كان كلما زال عنه [واحد] «3» انتشأ «4» له آخر، فالأول جانبك الدوادار الأشرفى، كان عبد الباسط وغيره بين يديه كالأغنام فى حضرة الراعى، ثم انتشأ «5» له البدر بن مزهر كاتب السر، فحاشره فيما هو فيه، وضيّق خناقه، إلى أن مات. ثم جاءه الصفوىّ جوهر القنقبائى الخازندار، فكان عليه أدهى وأمر، ولا زال به حتى أوقعه فى أمور وغرمات، ثم حمّله الوزر ثم الأستادّاريّة، فلا زال يحجل فى الأستادّارية مع ما يلزمه من الكلف مع ذلك، إلى أن مات الأشرف، وتسلطن ولده الملك العزيز يوسف، فقاسى فى الدولة العزيزية خطوبا من بهدلة المماليك الأشرفية له بكل

ما تصل قدرتهم إليه، واستعفى فى تلك المدة غير مرة، إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق، وقبض عليه بعد أشهر وسجنه وصادره، وأبرز ما كان عنده من الكوامن منه فى الأيام الأشرفية، حسبما ذكرناه فى ترجمة الملك الظاهر جقمق، فكان ما «1» لقيه أولا كالمجاز بجنب هذه الحقيقة، [203] ولسان حاله ينشد: [الكامل] ما إن وصلت إلى زمان آخر ... إلا بكيت على الزمان الأوّل ثم أطلق عبد الباسط بعد أن حمّل جملة كبيرة من الذهب نحو الثلاثمائة ألف دينار، حررناها فى أصل الترجمة، وتوجه إلى الحجاز ثم إلى دمشق، ثم قدم إلى القاهرة مرة أولى وثانية، استوطن فيها القاهرة، إلى أن حج ثانيا، ومات فى التاريخ المقدم ذكره. وكان عبد الباسط مليح الشكل متجملا فى ملبسه ومركبه وحواشيه إلى الغاية، وله مآثر وعمائر فى أقطار كثيرة معروفة به، لا تلتبس بغيره «2» ، لأننا لا نعلم من سمى بهذا الاسم قبله، ونالته السعادة، [غيره] . وكان له كرم على أناس، وبخل على غيرهم «3» ، وبالجملة أنه كان عدّ بآخرة من الرؤساء الأعيان على شراسة خلق كانت فيه، وحدة، مع طيش وخفة وجبروت وظلم على مماليكه وأتباعه، مع بذاءة لسان، وسفه زائد، وشمم وجهل مفرط بكل علم وفن إلى الغاية، رحمه الله تعالى. وتوفى الأمير سيف الدين أركماس بن عبد الله الظاهرى الدوادار الكبير بطّالا، بالقاهرة، فى يوم الجمعة ثامن عشرين شوال، وسنه زيادة على سبعين سنة، وأصله من أصاغر مماليك الظاهر برقوق، وترقى فى دولة [الملك] «4» الظاهر ططر، وصار نائب قلعة دمشق، إلى أن أنعم عليه الملك الأشرف برسباى [بإمرة مائة] «5» وتقدمة ألف

بالديار المصرية، ثم ولاه رأس نوبة النّوب بعد القبض على الأمير تغرى بردى المحمودى، ثم نقله إلى الدوادارية الكبرى بعد [مسك] «1» الأمير أزبك المحمدى ونفيه إلى القدس بطّالا، فدام فى الدوادارية إلى أن عزله الملك الظاهر جقمق، ثم أخرجه بعد مدة إلى دمياط، ثم استقدمه بعد سنين [إلى] «2» مصر فأقام بها بطّالا إلى أن مات. وكان ساكتا عاقلا قليل الكلام فيما يعنيه وفيما لا يعنيه، متوسط السيرة فى غالب أحواله، كان لا يميل لخير ولا لشر، ولا يتكرم على أحد، ولا يطمع فى مال أحد، ولا ينهر أحدا، ولا يكرم أحدا، وقس على هذا فى غالب أموره، وكان عاريا مهملا منقادا فى أحكامه إلى دواداره ورأس نوبته، وموقّعه، فمهما قالوه طاوعهم، فإن قصدوا الجنة سار معهم، وإن دخلوا النار دخل معهم، ومهما أشاروا عليه به لا يخالفهم، وكان إذا كلمه من لا يعرفه يظنه أنه قدم فى أمسه من بلاد الجاركس، لغتمة كانت فى لسانه باللغة التركية، فلعمرى كيف يكون كلامه باللغة العربية! «3» غير أنه كان متدينا وبعف عن المنكرات والفروج، رحمه الله [تعالى] «4» . وتوفى قاضى القضاة ولى الدين محمد بن أحمد بن يوسف [بن حجاج ولى الدين أبو عبد الله] «5» السّفطى الشافعى، قاضى قضاة الديار المصرية، وصاحب العظمة فى أوله والأهوال فى آخره، فى يوم الثلاثاء مستهل ذى الحجة ودفن من الغد بعد أن مرض يوما واحدا؛ وقد تقدم من ذكره وما وقع له نبذة كبيرة فى ترجمة الملك الظاهر جقمق، تعرّف جميع أحواله بالقرائن، ونذكر الآن من أحواله شيئا يسيرا من أوائل أمره إلى آخره على سبيل الاختصار:

كان أصله من سقط الحنّاء «1» بالوجه البحرى من أعمال القاهرة، ونشأ بالقاهرة، وحفظ عدة متون، وطلب العلم، واشتغل فى مبادئ أمره. وناب فى الحكم عن قاضى القضاة جلال الدين البلقينى مدة سنين. ثم تنزه عن ذلك وتردد إلى الأكابر، ومال إلى طلب الدنيا وتحصيل الدرهم، واجتهد فى ذلك، مع ما ورثه من أبيه، حتى أثرى وكثر ماله، وصار كلما كثر ماله عظم حرصه؛ إلى أن جاوز الحد من زيادة المال وعظم البخل حتى على نفسه وعياله، وكان دأبه الركوب على فرسه، والتردد إلى الأكابر، لشبع بطنه، فكان من الناس من يأكل عنده ويتوجه إلى حال سبيله، ومنهم من كان يأتى عنده، ثم يأخذ بيده صحنا من الطعام ويرسله إلى عياله من غير أن يستقبح ذلك، وشوهد أخذه الطعام من بيت الصاحب بدر الدين بن نصر الله ناظر الخاص غير مرة. فلما تسلطن الملك الظاهر جقمق، ترك السّفطى من دونه، ولزمه، حتى عظم فى الدولة وصار له كلمة نافذة، وعظمة زائدة، وتردد الناس إلى بابه لقضاء حوائجهم فنال بذلك من الوجاهة وجمع المال ما لم ينله [204] غيره من أبناء جنسه، كل ذلك وهو على ما هو عليه من الشح والطمع وسقوط النفس، كما كان أولا، وزيادة، فإنه كان أولا لا يتوصل إلى مقصوده من الأخذ إلا بالتملق والإطراء «2» وغير ذلك، وقد صار الآن لا يأخذ إلا بالسطوة والمهابة والتهديد، هذا من أعيان الدولة وأكابرها، وأما ما أخذه من الأصاغر، فكان على شبه أخذ الجالية «3» . ثم تولى من الوظائف عدة كبيرة، مثل نظر الكسوة، ووكالة بيت المال، على ما كان بيده من مشيخة الجماليّة، وغيرها من الوظائف الدينية.

ثم ولى نظر البيمارستان المنصورى «1» ، وتدريس قبة الإمام الشافعى رضى الله عنه. ولما انتهى أمره، تولى قضاء الشافعية بالديار المصرية. بعد عزل قاضى القضاة شهاب الدين أحمد «2» بن حجر فى يوم الخميس رابع ذى القعدة من سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، فأساء السيرة فى ولايته، لا سيما على الفقهاء ومباشرى الأوقاف، فإنه زاد وأمعن فى أذاهم وبهدلتهم بالضرب والحبس والتراسيم، وقطع معاليم «3» جماعة كبيرة من الطلبة المرتبة على الأوقاف الجارية تحت نظره. ولقى الناس منه شدائد كثيرة، وصار لا يمكن المرضى من دخول البيمارستان للتمرّض به، إلا برسالة، ثم يخرج المريض بعد أيام قليلة. وأظهر فى أيام عزه وولايته من شراسة الخلق وحدة المزاج والبطش وبذاءات اللسان أمورا يستقبح ذكرها، هذا مع التعبد والاجتهاد فى العبادة ليلا ونهارا، من تلاوة القرآن، وقيام الليل والتعفف عن المنكرات والفروج، حتى أنه كان فى شهر رمضان، يحتم القرآن الكريم كل ليلة فى ركعتين، وأما سجوده وتضرعه فكان إليه المنتهى. وكانت له أوراد هائلة دواما، فكان بمجرد فراغه من ورده يعود إلى تسليطه على خلق الله وعباده، [و] «4» لا زال على ذلك حتى نفرت القلوب منه، وكثر الدّعاء عليه، حتى لقد شاهدت بعض الناس يدعو عليه فى الملتزم بالبيت العتيق فى هدوء «5» الليل. فلما زاد ذلك منه، سلّط الله عليه أقلّ خلقه، أبا الخير النحاس، مع توغر «6»

[خاطر] «1» السلطان عليه فى الباطن، فلا زال أبو الخير يذكر للسلطان مساوئه، ويعرفه معايبه، إلى أن كان من أمره ما ذكرناه فى أصل هذه الترجمة، من العزل والمصادرة والحبس بالمقشرة، والاختفاء المدة الطويلة، ثم ظهوره بعد نكبة النحاس، إلى أن مات، عفا «2» الله عنه. وقد ذكرنا أحواله فى تاريخنا «حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور» مفصلا باليوم والوقت «3» ، وذكرناه أيضا فى «المنهل الصافى» «4» ، بأطول من هذا، فلينظر هناك «5» . وتوفى العلامة قاضى القضاة بهاء الدين أبو البقاء محمد بن قاضى القضاة شهاب الدين أحمد بن الشيخ الإمام العلامة ضياء الدين محمد بن محمد بن سعيد بن عمر «6» بن يوسف ابن إسماعيل الصّاغانى الأصل، المكى المولد والدار والوفاة، الحنفى المذهب، قاضى قضاة مكة وعالمها ومفتيها ومصنفها، فى تاسع عشرين ذى القعدة. وتولى أخوه أبو حامد القضاء من بعده، وكان مولد القاضى بهاء الدين فى ليلة التاسع من محرم سنة تسع وثمانين وسبعمائة بمكة، ونشأ بها وطلب العلم، واشتغل حتى برع فى عدة علوم، وأفتى ودرّس [وصنّف] «7» وأفنى عمره فى الاشتغال والإشغال. حكى لى الشيخ أبو الخير بن عبد القوى، قال: أعرف القاضى بهاء الدين نحو الخمسين سنة، وأزيد، ما دخلت إليه فيها إلا وجدته إما يكتب، أو يطالع، رحمه الله [تعالى] «8» . وتوفى الأمير سيف الدين تغرى «9» برمش بن عبد الله الزّردكاش اليشبكى،

أحد أمراء الطبلخانات، وزردكاش السلطان بمكة، فى أواخر هذه السنة، وسنّه نيف على الثمانين سنة، وخلّف مالا كبيرا وأملا كا كثيرة ودورا «1» معروفة بأملاك الزّردكاش، وكان توجّه إلى مكة المشرفة مجاورا، وأصله من مماليك الأمير يشبك ابن أزدمر، وترقى من بعده حتى صار أمير عشرة، ثم زردكاشا فى الدولة الأشرفية برسباى، ودام على ذلك إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر جقمق «2» بزيادة على إقطاعه، وجعله من [جملة] «3» أمراء الطّبلخانات؛ إلى أن مات. وكان مسرفا على نفسه [ضخما مثريا بخيلا] «4» ، غير أن له غزوات كثيرة فى الفرنج؛ ومات بتلك البقعة الشريفة، فلعل الله يغفر له ذنوبه بمنه وكرمه. أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم: ستة أذرع وخمسة عشر [205] أصبعا؛ مبلغ الزيادة: خمسة عشر ذراعا وسبعة أصابع وهى سنة الشراقى العظيم «5» . (تم الجزء الخامس عشر من كتاب النجوم الزاهرة لابن تغرى بردى ويليه الجزء السادس عشر من الكتاب)

فهرس

فهرس «1» الجزء الخامس عشر من كتاب النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة

الملوك والسلاطين الذين تولوا مصر من سنة 836 - 854 هـ

الملوك والسلاطين الذين تولوا مصر من سنة 836- 854 هـ 1- السلطان الملك الأشرف برسباى الدّقماقى وسنوات حكمه (من 825 إلى 841 هـ) 2- السلطان الملك العزيز يوسف بن برسباى وسنوات حكمه (من 841 إلى 842 هـ) 3- السلطان الملك الظاهر أبو سعيد جقمق العلائى وسنوات حكمه (من 842 إلى 857 هـ) *** الخلفاء العباسيون المعاصرون 1- المعتضد بالله داود بن المتوكل على الله وسنوات خلافته (من 815 إلى 845 هـ) 2- المستكفى بالله سليمان بن المتوكل على الله وسنوات خلافته (من 845 إلى 855 هـ) 3- القائم بأمر الله حمزة بن المتوكل على الله وسنوات خلافته (من 855 إلى 859 هـ)

فهرس الأعلام

فهرس الأعلام اآق خجا بن عبد الله الأحمدى الظاهرى 112: 15 آقباى السيفى جارقطلو 438: 2 آقباى المؤيدى 117: 17- 130: 11- 184: 10 آقباى اليشبكى الجاموس 72: 8- 83: 1، 4 آقبردى الأشرفى 291: 2 آقبردى الظاهرى جقمق 373: 4 آقبردى القجماسى 87: 1- 217: 15- 226: 7- 228: 5- 477: 7 آقبردى المظفرى الظاهرى برقوق 231: 6- 354: 13 آقبردى المنقار 440: 16- 446: 25 آقبغا بن عبد الله الجمالى 24: 9- 35: 13، 14- 37: 1، 6- 38: 3- 186: 10 آقبغا التركمانى الناصرى 336: 7- 464: 1- 475: 4 آقبغا التمرازى 9: 2- 39: 7، 8، 10، 12، 18- 40: 5- 90: 3- 153: 9- 170: 11- 223: 5- 245: 4- 248: 14- 253: 11، 16- 254: 3- 262: 2، 4- 268: 13- 269: 1، 3، 11، 14- 270: 6- 271: 19- 272: 6- 275: 11، 13- 276: 14- 290: 9، 17- 304: 9، 11، 16- 305: 2، 18- 306: 3- 317: 15- 318: 3- 319: 19- 320: 2، 8- 322: 10- 329: 11- 335: 4- 436: 2- 460: 8، 12- 475: 6- 504: 5- 510: 11، 13- 511: 1- 523: 2- 536: 20 آقبغا من مامش الناصرى المعروف بالتركمانى 100: 1- 232: 9- 237: 21- 271: 5- 279: 12 آقطوه بن عبد الله الموساوى الظاهرى 525: 12 آلابغا 317: 11 إبراهيم، طباخ الملك العزيز يوسف بن الأشرف برسباى 297: 2، 18- 298: 6- 299: 6- 311: 15- 312: 21- 313: 11 إبراهيم بن أحمد بن على البيجورى الشافعى، برهان الدين 114: 15 إبراهيم بن بيغوت من صفر خحا 409: 23 إبراهيم بن خضر العثمانى الشافعى، برهان الدين 525: 4 إبراهيم بن الديرى، برهان الدين 371: 4- 379: 16- 381: 17، 24

(ح) «1» - 389: 12 إبراهيم بن شاه رخ بن تيمورلنك 203: 11 إبراهيم بن صوجى 323: 3 إبراهيم بن عبد الكريم بن بركة، سعد الدين (المعروف بابن كاتب جكم) - ناظر الخاص 43: 3، 4- 52: 1- 53: 4- 54: 4، 7- 55: 17- 56: 1- 83: 12- 85: 16- 158: 10- 210: 8 إبراهيم بن على بن إسماعيل، برهان الدين (المعروف بابن الظريف) 172: 9 إبراهيم بن غراب، سعد الدين 147: 8- 166: 8- 208: 2، 6، 10 إبراهيم بن قرمان، صارم الدين 61: 10، 12، 14- 62: 1، 18- 63: 21- 225: 1 إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن ظهير الحنفى، برهان الدين 381: 16- 389: 12- 535: 17 إبراهيم بن الهذبانى، صارم الدين 326: 5، 14، 19 إبراهيم بن الهيصم، أمين الدين- الصاحب 9: 10- 42: 5- 50: 9- 51: 14، 17- 52: 4، 6- 54: 7- 55: 13- 77: 6- 159: 2- 313: 17- 378: 10- 445: 5- 451: 13- 461: 18- 527: 12 إبراهيم السوبينى، برهان الدين 429: 17- 438: 6 إبراهيم على طرخان- الدكور 36: 23- 47: 26- 60: 24- 84: 27- 196: 28- 225: 26 إبراهيم القبطى المصرى، سعد الدين (المعروف بابن المرة) 484: 6، 22 ح ابن آقبرس- على بن محمد بن آقبرس، علاء الدين ابن أبى الفضائل 177: 14 ابن أبى الوفا- محمد بن أحمد بن وفاء الإسكندرى ابن الأثير 354: 19 ابن الأحمر (أبو عبد الله محمد بن نصر صاحب غرناطة) 225: 8 ابن أميلة 141: 9، 16 (ح) ابن إياس 8: 23- 9: 21- 11: 20- 12: 20- 15: 26- 19: 22- 20: 20- 37: 27- 76: 21- 157: 15- 163: 22- 349: 20- 388: 23- 396: 26- 426: 23 ابن البارزى- محمد بن البارزى، كمال الدين ابن البارزى- ناصر الدين بن البارزى ابن بطوطة 192: 21 ابن تغرى بردى، أبو المحاسن (المؤلف) 13: 25- 24: 5- 26: 10- 28: 7- 44: 21- 48: 14- 107: 5- 109: 15- 110: 4- 118: 20- 123: 12- 156: 14- 158: 6- 176: 18- 178: 23- 186: 15- 192: 21- 199: 17-

206: 21- 207: 17- 265: 15- 266: 12- 285: 10- 307: 15- 322: 20، 25- 328: 12- 400: 12- 404: 21- 409: 2، 17- 419: 15- 446: 18- 504: 3، 12- 516: 3- 524: 16- 532: 19- 540: 11، 13- 550: 7- 551: 18 ابن التنسى- محمد بن أحمد بن محمد ... ، بدر الدين (المعروف بابن التسى) ابن جانبك 440: 19 ابن الجيعان 166: 24 ابن الحاضرى 353: 1 ابن حبيب] 15: 26 ابن حجر- أحمد بن حجر العسقلانى، شهاب الدين ابن حجى- عبد الرحمن بن حجى بن عز الدين ابن حزم 321: 22- 491: 24 ابن حشبير 428: 22 ابن الخطير- تاج الدين عبد الوهاب (المدعو الخطير) ابن خلدون 141: 23- 197: 21 ابن دلغادر- محمد بن دلغادر، ناصر الدين بك ابن الديرى- إبراهيم بن الديرى، برهان الدين ابن زنبل الرمال 19: 22 ابن الزين، الشيخ 490: 7 ابن شاهين 8: 25- 15: 25- 19: 18، 21- 336: 17 ابن الشحنة- محمد بن الشحنة الحنفى، محب الدين ابن الطبلاوى- على بن الطبلاوى، علاء الدين ابن الظريف- إبراهيم بن على بن إسماعيل ابن عثمان- مراد بك بن عثمان (السلطان مراد الثانى) ابن العجمى- أبو بكر بن سليمان الأشقر، شرف الدين (المعروف بابن العجمى) ابن العجمى- أحمد بن محمود بن محمد بن عبد الله القيصرى (المعروف بابن العجمى) ابن العديم- محمد بن العديم ابن عرب شاه- أحمد بن محمد بن عبد الله ابن عربى 166: 1 ابن العز- عبد العزيز بن العز ابن العطار الشاعر- يحيى بن أحمد بن عمر (الشهير بابن العطار) ابن العفيف- عبد اللطيف بن عبد الوهاب بن العفيف الحكيم (الشهير بقوالح) ابن العماد الحنبلى 9: 25- 551: 25 ابن غراب- إبراهيم بن غراب، سعد الدين ابن الفرات- عبد الرحيم بن محمد بن عبد الرحيم، عز الدين ابن قاضى شهبة- أبو بكر بن أحمد بن محمد ابن كاتب جكم- إبراهيم بن عبد الكريم بن بركة، سعد الدين ابن كاتب المناخ- عبد الرزاق بن عبد الله، تاج الدين ابن كاتب المناخ- عبد الكريم بن عبد الرزاق بن عبد الله، كريم الدين ابن الكشك- محمد بن أحمد بن محمود، شمس الدين

ابن كشك- أحمد بن محمود بن أحمد بن أبى العز ابن كلبك 371: 19- 448: 5 ابن الكويز- داؤد بن عبد الرحمن بن الكويز، علم الدين ابن الكويز- محمد بن الكويز، صلاح الدين ابن الكويز- عبد الرحمن بن داؤد بن الكويز، زين الدين ابن ماجه 214: 14 ابن مبارك شاه 482: 19 ابن المحرقى- محمد بن المحرقى ابن المحمرة- أحمد بن محمد بن صلاح، شهاب الدين ابن المخلطة- ناصر الدين بن المخلطة ابن المرة (أو ابن المرأة) - إبراهيم القبطى المصرى ابن مسلم المصرى 163: 6 ابن مغلى- علاء الدين بن مغلى ابن مفلح 493: 12 ابن مماتى 30: 22 ابن منجك- محمد بن إبراهيم بن منجك ابن ناهض 500: 17 ابن النبيه- نجم الدين بن نبيه ابن نجيم 166: 26 ابن نصر الله- حسن بن نصر الله، بدر الدين- الصاحب ابن الهيصم- إبراهيم بن الهيصم، أمين الدين- الصاحب أبو إسحاق الشيرازى 428: 17 أبو بكر أحمد بن محمد ... تقي الدين (المعروف بابن قاضى شهبة) 289: 20- 523: 9، 20 (ح) أبو بكر بن سليمان الأشقر، شرف الدين (المعروف بابن العجمى) 486: 19 أبو بكر بن العجمى، شرف الدين 168: 7 أبو بكر بن على بن حجة، تقي الدين- الشاعر 189: 14- 191: 14 أبو بكر بن عمر بن عرفات القمنى 167: 5 أبو بكر بن عمر بن محمد الطرينى 124: 17 أبو بكر بن قاضى أكلّ 21: 23 أبو بكر بن محمد بن على الخافى الهروى العجمى، زين الدين 202: 3، 9 أبو بكر الصديق، رضىّ الله عنه 321: 15 أبو جعفر محمد الباقر 320: 25 أبو جعفر المنصور عبد الله- الخليفة 489: 11 أبو حامد بن أحمد بن محمد ... الصاغانى 558: 10 أبو الحسن ابن السلطان أبى فارس عبد العزيز- متولى بجاية 198: 3

أبو الحسن على بن منصور الطينى 185: 19 أبو حنيفة، الإمام 133: 7- 136: 7- 491: 4 أبو الخير بن عبد القوى 558: 14 أبو الخير النحاس 375: 16- 379: 15- 381: 13- 382: 6- 389: 4- 393: 10، 20- 394: 9- 395: 7- 396: 2- 397: 2- 398: 6- 399: 1، 6، 13، 16- 400: 5- 401: 7- 406: 6- 407: 15- 408: 11، 20- 410: 2، 17- 411: 2- 412: 1- 413: 1، 20- 414: 3- 415: 3، 10، 16- 416: 3- 417: 1، 4، 13- 418: 5، 15- 419: 11- 420: 4- 421: 1، 8- 422: 2، 5، 10، 11- 423: 5- 425: 1- 426: 11- 429: 11، 15- 434: 9- 441: 1، 14- 442: 2، 15- 443: 1- 545: 6- 557: 16- 558: 1، 3 أبو سليمان الدارانى 144: 18 أبو الطيب المتنبى 96: 1- 478: 12 أبو العباس الوفائى 96: 1- 478: 12 أبو عبد الله التريكى المغربى 442: 14- 443: 11- 444: 2 أبو عبيدة 354: 21 أبو العلاء المعرى 171: 12- 552: 19- 553: 14 أبو على الخراسانى العجمى 349: 23 أبو عمر وعثمان بن أبى عبد الله محمد ابن مولاى أبى فارس عبد العزيز الحفصى 197: 9، 12، 16- 198: 4- 225: 4 أبو فارس عبد العزيز- سلطان تونس 197: 7 أبو الفتح الطيبى 406: 6- 414: 2، 13- 420: 9- 429: 15 أبو فراس الحمدانى 14: 20- 79: 23 أبو الفضل محمد النويرى 123: 3، 4 أبو المحاسن- ابن تغرى بردى (المؤلف) أبو محمد عبد الحق بن عثمان بن أحمد بن إبراهيم ابن السلطان أبى الحسن المرينى صاحب فاس 225: 6 أبو محمد عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن المهندس 141: 19 أبو المطاوع وجيه الدولة بن حمدان 144: 24 أبو نواس 275: 5، 15 أبو يحيى بن أبى حمود 225: 4 أحمد بن أبى بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز 209: 5 أحمد بن أبى بكر بن رسلان البلقينى (المعروف بالعجيمى) 485: 12، 20 (ح)

أحمد بن إسماعيل بن عثمان الكورانى 344: 10 أحمد بن أويس- السلطان 173: 11 أحمد بن بدلاى، شهاب الدين- ملك المسلمين بالحبشة 225: 15، 23 (ح) أحمد بن تاج الدين محمد الإخنائى المالكى، علم الدين 146: 2- 468: 15، 21 (ح) أحمد بن حجر العسقلانى شهاب الدين 9: 13، 19 (ح) - 57: 14- 58: 2- 82: 14- 96: 12- 107: 2- 175: 12- 208: 12- 222: 15- 300: 9- 367: 9- 371: 6- 373: 3- 382: 3- 383: 11- 390: 1- 455: 5- 459: 14- 490: 19- 504: 8، 18، 20، 22- 525: 5- 533: 17- 534: 11- 539: 3، 11- 540: 16 أحمد بن حنبل، الإمام 193: 16 حمد بن رجب ابن الأمير طيبغا 515: 14 أحمد بن صلاح الدين صالح بن أحمد بن عمر، شهاب الدين (المعروف بابن السفاح) 174: 2، 14- 175: 3 أحمد بن صوجى 326: 3 أحمد بن طولون 58: 19- 122: 17- 269: 5 أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين، ولى الدين أبو زرعة 118: 4، 20 (ح) أحمد بن عثمان الكوم الريشى 525: 8، 20 (ح) أحمد بن على بن إبراهيم النهيتى 535: 10 أحمد بن على بن إينال اليوسفى 259: 6، 8- 279: 11- 350: 11- 369: 17- 438: 18 أحمد بن على بن عامر بن العدل، نور الدين المسطيهى 535: 12 أحمد بن على بن قرطاى 219: 11 أحمد بن عمر بن عبد الله، شهاب الدين (المعروف بالشاب التائب) 154: 3 أحمد بن غلام الله بن أحمد بن محمد الكوم ريشى 183: 6 أحمد بن محمد بن صلاح، شهاب الدين (المعروف بابن المحمرة) 206: 11، 22 (ح) - 207: 17 (ح) - 513: 15 أحمد بن محمد بن عبد الله ... الدمشقى الحنفى (المعروف بابن عرب شاه وبالعجمى أيضا) 139: 4، 11- 140: 23 (ح) - 549: 4، 5- 551: 18، 19، 24 أحمد بن محمد بن على بن العطار- الشيخ شهاب الدين (الشاعر) 131: 12، 16 (ح) أحمد بن محمد بن محمد الأموى المالكى، شهاب الدين 178: 6 أحمد بن محمد بن مدبر 121: 25

أحمد بن محمود بن أحمد بن أبى العز (المعروف بابن كشك) 185: 12- 482: 18، 20 أحمد بن محمود بن محمد بن عبد الله القيصرى الحنفى، صدر الدين (المعروف بابن العجمى) 167: 15 أحمد ابن الملك الأشرف برسباى 107: 12 أحمد بن موسى بن نصبر المتبولى، شهاب الدين 141: 6 أحمد بن نصر الله البغدادى الحنبلى، محب الدين 10: 1- 123: 2- 222: 17- 343: 10- 455: 11- 460: 3- 483: 7، 20 (ح) - 484: 2 أحمد بن نوروز بن عبد الله الخضرى الظاهرى (المعروف بشاد الأغنام) 529: 12- 530: 2، 6 أحمد بن يوسف بن محمد بن الزعيفرينى- الشيخ شهاب الدين 141: 10 أحمد الننسى، ناصر الدين 290: 4 أحمد جوكى بن شاه رخ بن تيمور لنك 65: 17، 24- 70: 3- 203: 9، 12 أحمد شاه بن أحمد بن حسن شاه بن بهمن- السلطان شهاب الدين أبو المغازى 194: 4، 7 أحمد يوسف نجاتى 182: 22 أخو قشتم- إينال المؤيدى أخو قصروه- تغرى بردى بن عبد الله المؤيدى أرتن بك بن أكسب التركمانى 200: 23 أرغون شاه النوروزى 51: 16- 52: 6- 54: 17- 165: 3- 207: 3- 246: 9- 484: 14- 520: 15- 521: 5 أركج باشا 66: 8 أركماش بن عبد الله المؤيدى الأشقر (المعروف بأركماس من صفر خجا المؤيدى، وبالبواب) 394: 2، 4- 543: 18، 24 أركماسى الجلبانى 56: 15 أركماس الظاهرى 8: 1- 69: 2، 4، 7- 76: 5- 90: 4- 223: 6- 243: 19- 248: 13- 262: 7- 267: 10، 12، 17- 301: 9- 304: 4- 305: 8- 309: 1- 356: 12- 461: 4- 496: 16- 536: 15، 16- 554: 16 أرنبغا اليونسى الناصرى 336: 2 أزبك بن عبد الله المحمدى الظاهرى برقوق 152: 9- 157: 8- 179: 14 15- 555: 2 أزبك البواب 239: 5- 246: 8- 331: 21- 333: 1 أزبك جحا- أزبك السيفى قانى باى أزبك الدوادار 536: 16

أزبك السيفى قانى باى (المعروف بجحا) 25: 8، 19 (ح) - 231: 16- 269: 2- 331: 19- 332: 11- 366: 8 أزبك من ططخ الساقى الظاهرى 383: 7، 9، 16 (ح) - 394: 4- 406: 3- 408: 4- 410: 14- 412: 4- 435: 6- 436: 3- 449: 2- 459: 8 أزدمر بن عبد الله (المعروف بأزدمر شايا) 150: 5 أزدمر الزردكاش 424: 3 أزدمر شايا- أزدمر بن عبد الله أزدمر المشد 297: 9- 298: 9- 299: 6- 312: 21- 313: 2، 11- 314: 9- 315: 2، 17 أزوباى الناصرى 291: 1 إسحاق بن إبراهيم الأذرعى 494: 19 إسحاق بن خالد الكختاوى الحنفى- الشيخ زين الدين أبو بكر (المعروف بالشيخ باكير) 501: 1، 2، 5 أسد الدين الكيماوى 388: 10، 17 (ح) إسفنديار بن أبى يزيد (أو با يزيد) ، مبارز الدين 62: 14، 21 (ح) - 225: 1 إسكندر بن قرا يوسف- صاحب تبريز 45: 9- 47: 1- 67: 6- 70: 2، 4، 10، 19- 71: 2، 10- 78: 10، 13- 89: 14، 16- 173: 14- 200: 10، 14- 220: 5، 9- 224: 12 أسلماس بن كلبك التركمانى 63: 3- 66: 10- 67: 8- 77: 2 إسماعيل بن أبى الحسن على بن عبد الله البرماوى 171: 14 أسنباى الجمالى الظاهرى جقمق 379: 20- 404: 18- 434: 6- 438: 20- 441: 18- 526: 11 أسنباى الزردكاش 278: 11 أسنبغا الطيارى 96: 8- 223: 12- 268: 18- 272: 2- 277: 2، 9، 11- 304: 5- 305: 14- 331: 17- 332: 3، 5- 336: 9- 344: 6- 350: 13- 391: 14- 392: 6- 412: 10- 413: 5- 450: 10- 460: 20- 477: 15 أسنبغا مملوك ابن كلبك 371: 19- 448: 5 أسندمر الجقمقى 394: 1 أسندمر النوروزى الظاهرى برقوق 476: 10 الأشرف احمد بن الملك العادل سليمان، صاحب حصن كيفا- الملك 22: 1، 7، 9، 13- 23: 4- 122: 14- 182: 6 الأشرف إسماعيل- ملك اليمن 145: 6، 7- 474: 11 الأشرف إينال- الملك 10: 8- 31: 10، 13، 18- 32: 5، 7- 33: 3- 43: 12، 15- 78: 3-

226: 6- 227: 3- 228: 2- 230: 7- 233: 2، 18 الأشرف برسباى- الملك 7: 1، 4- 11: 17- 13: 26- 20: 9- 22: 5، 9- 30: 9- 31: 2- 33: 5، 8، 13- 48: 24- 51: 11- 52: 11- 62: 24- 63: 12- 66: 14، 16- 69: 6- 71: 2- 73: 6، 15- 74: 10، 12، 15- 86: 10- 88: 16- 89: 2- 91: 13- 92: 2، 12- 94: 6- 97: 6- 101: 9- 105: 15- 106: 19- 107: 1- 109: 7- 110: 4- 111: 1، 11، 14- 112: 1- 113: 15- 116: 1- 119: 5- 120: 1، 6، 8، 17- 122: 6، 14- 123: 6، 7، 10- 126: 1، 4- 131: 10- 133: 2- 134: 1- 135: 2، 8، 15- 139: 1، 8- 145: 4، 23- 147: 1- 148: 6، 11- 150: 9، 12- 151: 2، 13- 152: 3- 153: 1- 155: 12- 156: 1، 5- 158: 14- 159: 11- 160: 8، 10، 12- 161: 9- 162: 10- 163: 11- 165: 6، 11، 14- 167: 1، 13- 170: 1، 9- 171: 9- 173: 1- 178: 1، 4- 180: 16- 181: 11- 182: 12، 14، 16- 184: 1- 185: 8- 187: 5- 188: 5، 7، 9، 20- 189: 3، 11- 194: 1- 195: 2، 9- 197: 1- 199: 14- 200: 4- 203: 1، 4- 205: 1، 6، 9- 207: 12- 210: 1، 15- 213: 13- 218: 2، 6، 16- 221: 8- 243: 19- 249: 13، 14- 256: 5- 261: 6- 278: 14، 18، 19- 279: 1- 284: 2- 299: 4- 302: 17- 312: 6- 313: 11- 318: 4- 323: 5- 333: 16- 337: 2- 338: 12- 339: 10، 20، 23- 343: 22- 347: 9- 360: 19- 364: 12- 407: 7- 457: 18- 465: 16- 467: 1، 20- 468: 1- 469: 17- 470: 2- 472: 13، 19- 478: 5- 482: 7- 484: 14- 486: 5، 10- 487: 2- 495: 7، 19- 496: 9- 497: 12، 17- 498: 8، 10، 16- 499: 5- 507: 3، 8، 20- 510: 9- 516: 8- 518: 2- 520: 7، 18- 521: 1- 522: 4، 7، 16- 530: 22- 537: 22- 541: 3، 14- 543: 8- 548: 10- 553: 3، 4، 5، 6، 12- 554: 19 الأشرف خليل بن قلاوون- الملك 48: 13- 332: 21- 366: 17 الأشرف شعبان- الملك 485: 4 أصبهان بن قرا يوسف 44: 9- 45: 4، 5، 8، 14- 46: 5، 11- 47: 1- 70: 1- 72: 13- 73: 3- 173: 12- 220: 10- 224: 13 الأفضل بن بدر الجمالى 273: 21 أقطاى 203: 18 أقطوه الموساوى 50: 2- 52: 15- 72: 10- 246:

17- 290: 17- 366: 3 ألطنبغا الشريفى 335: 11- 336: 13- 339: 4 ألطنبغا الظاهرى برقوق المعلم اللفاف 360: 2- 364: 5- 439: 11- 445: 7 ألطنبغا العثمانى 248: 23- 532: 13 ألطنبغا القرمشى 130: 13 ألطنبغا الماردانى 410: 20 ألطنبغا المرقبى المؤيدى 276: 17- 344: 21- 484: 16 ألوغ بك بن شاه رخ 196: 6، 7- 350: 17- 546: 8 امرؤ القيس 191: 8- 192: 2 أمير على بن إينال اليوسفى 55: 10- 258: 6، 7، 14، 16، 17- 259: 3، 11 أميرزه إبراهيم، صاحب شيراز 195: 11 أميرزه على 193: 9 أنص الجاركسى (والد الملك الظاهر برقوق) 162: 8 أهرام ضاغ- قرقماس الشعبانى الناصرى أورخان- السلطان 224: 24 إياس- خازندار آقبغا التمرازى 436: 2، 5 أيبك- السلطان 37: 18- 203: 19 أيتمش بن عبد الله الخضرى الظاهرى برقوق 347: 7- 497: 7- 510: 2 أيتمش بن عبد الله من أزوباى الناصرى فرج 355: 15- 373: 17- 520: 4، 6، 8 إينال الأبوبكريّ الأشرفى 55: 14- 82: 4، 6- 105: 2، 17- 106: 2- 108: 16- 223: 11- 228: 8، 10- 229: 4، 18، 19- 230: 2- 234: 11، 14- 235: 5، 8، 13- 236: 7- 238: 5- 241: 8، 12، 18- 276: 19- 277: 1، 12- 299: 11، 15- 303: 6- 304: 1- 310: 6- 312: 8، 19- 313: 9، 18- 316: 4، 12- 317: 1، 7- 331: 18- 332: 10- 380: 4- 384: 1- 420: 8- 548: 11، 14، 15 إينال الأحمدى الفقيه الظاهرى برقوق 106: 17- 227: 11- 231: 18 إينال باى 217: 16 إينال بن عبد الله النوروزى 134: 14- 199: 15- 470: 4 إينال الجكمى 20: 11- 39: 9، 18- 41: 1- 57: 3- 65: 2، 4، 6، 8، 10- 66: 2- 68: 8، 9- 71: 7- 85: 2، 4- 92: 2- 160: 17- 200: 7- 226: 3- 231: 17- 233: 16- 253: 18- 261: 2، 4، 5- 285: 9- 286: 9- 287: 6، 10- 288: 4، 14- 289: 1، 18- 290: 10- 291: 6، 9، 11، 18-

292: 3، 12- 294: 19- 295: 20- 299: 16- 300: 4، 10، 18- 302: 16- 303: 9، 13- 304: 16- 306: 1، 10، 20- 307: 2، 4- 310: 15- 311: 10- 313: 9- 316: 3- 317: 9، 14، 16- 318: 2، 8، 12، 18- 319: 7، 10- 320: 2، 7، 11- 321: 11- 325: 7- 462: 16- 463: 10- 464: 2- 467: 17- 469: 5- 476: 13- 510: 14- 521: 6، 9، 10- 536: 20 إينال حطب العلائى 471: 10، 13 إينال الحمار الدوادار 472: 14 إينال الخاصكى 231: 19 إينال الساقى (المعروف بإينال ضضع) 409: 14 إينال الششمانى الناصرى 9: 8- 36: 10- 78: 6- 329: 17- 339: 3- 378: 6- 522: 1 إينال الصصلانى 120: 13- 184: 11 إينال الظاهرى (المعروف بأبزى) 9: 6- 185: 8 إينال الظاهرى جقمق 383: 9- 410: 2 إينال العلائى الناصرى 10: 8- 80: 20- 82: 2، 3- 181: 8- 226: 6- 232: 2- 289: 4- 292: 1، 4- 294: 10- 318: 4- 322: 15- 326: 8- 329: 16- 331: 10- 351: 17- 355: 11- 360: 7، 21- 365: 17- 369: 10- 391: 2- 394: 13- 402: 1- 410: 8- 412: 10- 450: 8- 460: 10- 461: 6- 463: 11- 498: 15- 509: 18- 521: 12- 536: 14 إينال المؤيدى (المعروف بأخى قشتم) 141: 4- 332: 15- 378: 14- 380: 1 إينال اليشبكى 390: 9- 440: 11- 443: 7- 451: 18- 540: 8 إينال اليوسفى 258: 6- 468: 12 ب باباحاجى 65: 18- 70: 3 بابور بن باى سنقر بن شاه رخ 196: 3- 449: 8، 20 (ح) بادل نان- ملك الحبشة 196: 22 باى سنقر بن شاه رخ بن تيمور لنك 195: 15- 196: 1، 5، 6، 8- 196: 4، 5- 203: 12 با يزيد شاه، شهاب الدين 192: 25 بايزير من صفر خجا الأشرفى 246: 10- 291: 1- 331: 21- 332: 14 بتخاص العثمانى الظاهرى برقوق 379: 13 البجاسى- تنبك البجاسى بخت خجا 24: 13

بختك بن عبد الله الناصرى 391: 1- 542: 7 بدر الدين البدر بن ظهير 431: 18 بدر الدين بن الشهاب محمود 552: 9 بدر الدين بن محب الدين المشير 208: 14، 16 بدر الدين بن نصر الله- الصاحب 277: 6- 461: 10- 556: 10 بدر الدين الطوخى- الوزير 208: 4، 6، 10 بربغا التنمى 38: 14- 40: 18 بردبك بن عبد الله الإسماعيلى الظاهرى برقوق 9: 3- 48: 2، 5- 207: 10 بردبك التاجى 444: 17، 23 (ح) بردبك السيفى من يشبك بن أزدمر 161: 5- 165: 10 بردبك العجمى الجكمى 283: 2- 285: 18- 286: 1- 287: 1- 294: 16- 322: 14- 323: 7- 326: 8، 12، 22- 327: 2- 363: 14- 405: 10- 435: 1- 463: 6- 520: 15- 521: 4، 13 البردينى- حسن بن أحمد بن محمد برسباى الحاجب 288: 9 برسباى الساقى السيفى تنبك البجاسى 374: 7، 17- 440: 10- 451: 20 برسباى الناصرى 291: 9- 306: 15- 319: 14- 320: 5- 335: 6- 349: 17- 363: 9- 366: 4- 374: 13- 378: 15- 463: 401- 520: 13- 522: 12- 523: 2 برسبغا الدوادار 188: 18 برسبغا المحمدى 188: 18 برقوق التركى 474: 12 البرماوى- محمد بن عبد الدائم، شمس الدين برهان الدين أحمد، صاحب سيواس 201: 8، 20 (ح) البساطى- محمد بن أحمد البساطى، شمس الدين البشتكى- محمد بن إبراهيم بن محمد بشير الجمدار 497: 18 بكتمر بن عبد الله السعدى 147: 6- 148: 2، 4- 348: 18- 479: 6- 531: 14 بكتمرجلق 148: 4- 152: 8- 445: 24 بكتمر المؤيدى المصارع 379: 17 البلاطنسى 414: 1، 14 بلبان 61: 5- 320: 3، 10- 321: 3 بنت حمزة بك بن ناصر الدين بن دلغادر (زوجة السلطان الظاهر جقمق) 372: 16- 464: 8

بنت زين الدين عبد الباسط (زوجة السلطان الظاهر جقمق) 464: 10 بنت كرتباى الجاركسية (زوجة السلطان الظاهر جقمق) 464: 9 بهاء الدين أصلم 398: 26 بهاء الدين بن حجى- القاضى 358: 12 البهلوان- تنبك من سيدى بك الناصرى- قانى باى الأبوبكريّ الناصرى پوپر- وليام پوپر البوصيرى 209: 19 بيبرس الأشرفى الساقى 314: 11- 331: 20 بيبرس الجاشنكير 42: 26- 166: 18 بيبغا بن عبد الله المظفرى 120: 8- 137: 9- 159: 18- 160: 13- 161: 1- 212: 4- 470: 3 بيدرا- الأمير، نائب السلطنة 332: 23 بير عمر 201: 8 بير محمد بن عمر شيخ بن تيمور لنك 201: 24 بيرم خجا الناصرى 246: 10- 322: 1، 8 بيرم صوفى التركمانى 306: 18- 319: 4 بيسق اليشبكى 379: 12- 382: 19- 383: 1- 544: 7 البيضاوى 118: 23 بيغوت من صفر خجا المؤيدى الأعرج 364: 1- 378: 16- 409: 8، 23 (ح) - 432: 1- 433: 3- 434: 3، 12، 22- 435: 2- 437: 18- 438: 1- 439: 5- 451: 19- 463: 9، 13 ت التاج بن سيفا الشوبكى 48: 8- 59: 18- 198: 13- 199: 17 تاج الدولة تتش 200: 25، 26 تاج الدين بن فخر الدين بن بهاء الدين حنا 425: 25- 426: 16 تاج الدين عبد الوهاب الأسلمى (المدعو بالخطير) 56: 3، 5- 59: 11- 77: 1- 263: 20 تاج الدين فضل الله بن الرملى القبطى 116: 6 التريكى- أبو عبد الله التريكى المغربى تغرى بردى البكلمشى 8: 7- 48: 3- 76: 6- 223: 4- 230: 11- 241: 19- 262: 9- 268: 18- 271: 19- 305: 7- 329: 6- 348: 6- 355: 12- 461: 2- 496: 1 تغرى بردى بن بشبغا- الأتابك نائب الشام (والد المؤلف) 26: 11- 27: 12- 63: 16- 133: 10- 136: 9- 166: 2- 260: 12- 285: 11، 12- 294: 13- 319: 2- 324: 11- 372: 1- 471: 13، 15،

16- 472: 3- 493: 16- 527: 1- 529: 14- 550: 9 تغرى بردى بن عبد الله المؤيدى (المعروف بأخى قصروه) 120: 18- 126: 5 تغرى بردى الجاركسى 373: 5 تغرى بردى القلاوى 445: 3، 17 (ح) - 448: 7- 461: 18 تغرى بردى المحمودى 19: 6- 20: 7- 33: 12- 136: 1- 179: 5، 17- 180: 4- 432: 19- 478: 7- 521: 2- 555: 1 تغرى برمش (حسين بن أحمد البهسنى) 8: 9- 9: 1- 39: 12، 16- 68: 9، 10- 76: 9- 78: 16، 22- 79: 1- 81: 5- 87: 5- 88: 1، 10، 12- 92: 12- 113: 23- 223: 13- 226: 4- 233: 18- 254: 1- 261: 2- 278: 2- 283: 4- 284: 1، 10- 285: 4، 9، 11، 12، 13- 286: 3، 4، 11، 13- 288: 14، 19- 289: 5، 17- 291: 11- 292: 11- 293: 1، 2، 5، 9، 15- 294: 2، 3، 7، 9، 13- 295: 20- 302: 16- 303: 13- 316: 3- 319: 9- 323: 1، 5، 12- 324: 3، 16، 19- 325: 3- 326: 12، 14، 19، 21- 327: 5- 328: 6- 445: 1- 462: 18- 471: 4، 15- 472: 6- 473: 6- 474: 1، 5 تغرى برمش بن عبد الله الجلالى الناصرى ثم المؤيدى الفقيه 355: 4- 360: 10- 373: 19- 485: 10- 530: 10- 531: 8، 14- 532: 18، 20 تغرى برمش بن عبد الله الزردكاش اليشبكى 341: 11- 350: 20- 360: 10- 413: 9- 424: 2- 430: 8، 15- 558: 17 تغرى برمش الصغير 471: 18- 472: 5 التفتازانى- السعد (أو سعد الدين) التفهنى- عبد الرحمن التفهنى، زين الدين تقي الدين رجب 311: 24 تمراز الأشرفى الزردكاش 408: 8- 549: 3 تمراز البكتمرى المؤيدى المصارع 379: 17- 382: 10- 383: 5- 402: 16- 426: 3، 11- 427: 1، 16- 428: 2- 429: 2 تمراز الدقماقى 537: 3 تمراز القرمشى الظاهرى 8: 1- 90: 4- 188: 21- 199: 7- 223: 6- 229: 8- 244: 1- 250: 6- 251: 5- 262: 4، 9- 267: 18- 304: 21- 305: 3- 346: 19- 347: 1- 370: 1- 389: 15- 390: 2- 460: 13، 17، 19- 535: 6- 536: 7. 10، 17، 21- 541: 16، 17 تمراز المؤيدى 56: 15، 16- 78: 7، 8، 22- 81: 1- 86: 7، 9، 11، 16- 87: 2- 213: 7، 12- 217: 18- 335: 3- 337: 12- 388: 12- 389: 3

تمراز الناصرى 8: 18- 290: 16- 345: 1- 346: 19- 476: 3 تمراز النوروزى (المعروف بتعريص) 360، 14، 15، 22 (ح) تمرباى التمربغاوى 8: 5- 60: 2- 223: 17- 229: 10، 19- 246: 12- 247: 16- 281: 14- 282: 14- 290: 15- 305: 10، 18- 306: 8- 318: 14- 330: 2- 346: 16، 18- 351: 18- 392: 6- 460: 20- 535: 8- 543: 4- 548: 15 تمرباى الجقمقى 24: 12 تمرباى اليوسفى المؤيدى 80: 6- 82: 15 تمربغا الأفضلى (المعروف بمنطاش) نائب ملطية 84: 15، 18، 19، 22- 454: 14، 21 (ح) - 455: 1 تمربغا الظاهرى جقمق 360: 13- 370: 16- 372: 8- 390: 6- 399: 18- 400: 2- 401: 8، 21 (ح) - 402: 13- 412: 4، 19- 413: 2- 429: 19- 441: 17- 451: 7 تمربغا المشطوب 543: 6 تنبك الإينالى المؤيدى 332: 1، 11 تنبك البجاسى 66: 16، 17- 86: 11، 15- 117: 14- 120: 4، 6، 10، 14، 19- 121: 1، 4- 126: 10، 11- 148: 14- 158: 2- 179: 16- 188: 4، 5- 205: 11- 213: 11، 12- 221: 9 تنبك البردبكى الظاهرى برقوق 9: 6- 76: 6- 246: 16- 262: 10- 300: 17- 301: 2- 305: 9- 310: 1- 356: 7- 365: 17- 380: 12- 403: 4- 406: 12- 408: 3، 7- 429: 7- 438: 16- 450: 13- 461: 2 تنبك بن عبد الله العلائى الظاهرى (المعروف بتنبك ميق) 117: 12، 14- 121: 2، 4- 130: 11- 184: 12- 188: 6 تنبك السيفى نوروز الخضرى (المعروف بالجقمقى) 223: 12- 238: 1، 6- 246: 3- 262: 11 تنبك الفيسى المؤيدى 246: 9 تنبك من بردبك الظاهرى 223: 3 تنبك من سيدى بك الناصرى (المعروف بالبهلوان) 19: 8- 35: 15- 181: 18- 186: 6 تنبك ميق- تنبك بن عبد الله العلائى الظاهرى تنكز، نائب الشام 186: 1، 2، 15 (ح) تنم الحسنى 117: 2، 3- 529: 16 تنم رصاص 429: 1، 21 (ح) تنم الساقى 239: 5- 246: 7- 331: 20- 332: 16 تنم العلائى المؤيدى 306: 17- 307: 13- 319: 4- 325: 10 تنم من بخشاش الجركسى الظاهرى جقمق 429: 21

تنم من عبد الرزاق المؤيدى 262: 16- 290: 18- 364: 3- 374: 7، 16- 378: 14، 17- 382: 15- 385: 13- 389: 16- 391: 7- 402: 2- 410: 5- 412: 13- 450: 9- 460: 11- 463: 1، 8 تيمور كوركان 178: 23 تيمور لنك 12: 19- 19: 3- 44: 27- 73: 5- 136: 9- 152: 2- 178: 15، 23 (ح) - 195: 11- 201: 1- 232: 22- 324: 10- 364: 9- 471: 7- 526: 14- 549: 9 (ج) جارقطلو 10: 13- 20: 6- 21: 11- 24: 15- 25: 11، 12- 38: 15- 40: 10- 120: 18، 19- 152: 5- 187: 15- 188: 6- 189: 4، 6، 9- 200: 1- 221: 10- 467: 12 جاركس القاسمى المصارع 188: 21- 258: 11، 12، 13، 15- 260: 6، 8- 453: 18- 502: 12- 507: 1، 12- 530: 16، 17 جاك بن بيدو، متملك قبرس 176: 19 جاكم- جيمس الأول ملك قبرس جان بردى الغزالى 60: 14 جانبك الأشرفى 148: 6- 430: 12- 431: 2- 467: 2- 543: 8- 533: 7 جانبك التاجى المؤيدى 430: 4، 18 (ح) - 451: 19- 463: 18 جانبك الحمزاوى 8: 2- 20: 8- 33: 2، 3، 7- 180: 19- 181: 3، 9 جانبك الزينى عبد الباسط 327: 13- 328: 1- 329: 5- 334: 13- 462: 3 جانبك السيفى يلبغا الناصرى فرج (المعروف بالثور) 44: 7، 20 (ح) - 48: 4- 96: 9- 213: 19- 214: 6، 7 جانبك الصوفى 55: 4- 60: 7- 61: 2، 6- 62: 12، 13، 14، 18- 63: 2، 6، 7، 9، 12، 14- 65: 15، 17- 66: 3، 4، 11، 13، 15- 67: 1، 2، 7، 8، 9، 11- 68: 2، 3، 5- 71: 18- 75: 4، 6- 77: 3- 78: 14، 18- 79: 11، 13- 80: 3، 7، 16، 18- 82: 8- 83: 16- 84: 4، 6- 87: 3، 5، 13، 16- 88: 3، 4، 10، 11، 13- 89: 2- 92: 9، 11، 12، 16- 109: 8- 167: 2- 195: 2- 205: 4، 8، 15- 211: 5، 18- 212: 8 جانبك الظاهرى 368: 16- 369: 3- 387: 4- 397: 1- 403: 1- 426: 12- 427: 8- 428: 12- 429: 1- 430: 9- 431: 3- 434: 17- 439: 10- 441: 11

جانبك القرمانى 333: 12- 355: 15- 451: 7 جانبك قلق سير 231: 3- 246: 7- 331: 20- 332: 16 جانبك المحمودى المؤيدى 273: 2- 287: 4- 288: 11- 289: 3- 294: 17- 351: 5، 7، 14- 379: 2- 404: 10- 447: 16 جانبك مملوك عبد الباسط صورة 224: 4 جانبك الناصرى 363: 8- 405: 1- 436: 14 جانبك النوروزى 291: 4- 374: 3، 9- 444: 16، 23 (ح) - 445: 1- 452: 12- 551: 8 جانبك اليشبكى 319: 14- 368: 10- 391: 11- 399: 14- 403: 5- 406: 13- 410: 15- 415: 13- 423: 11- 451: 9 جانم الأشرفى 8: 2- 71: 8- 81: 3- 90: 5- 223: 7- 231: 4- 244: 1- 245: 2، 20- 262: 6- 266: 9- 269: 3- 331: 17- 332: 13- 407: 6- 472: 1- 536: 18 جانم الظاهرى جقمق 380: 2- 440: 9 الجبرتى 19: 23- 37: 29 جرباش الأشرفى 231، 5- 246: 6- 332: 11 جرباش الشيخى 199: 9 جرباش الكريمى الظاهرى برقوق (المعروف بقاشق) 86: 16، 17- 261: 1- 262: 13- 263: 12- 276: 1- 303: 16- 304: 1- 316: 9، 14- 317: 1- 331: 20- 347: 2- 370: 1- 381: 3- 385: 15- 389: 14- 402: 3- 405: 15- 450: 8، 19 (ح) - 460: 14- 467: 8- 498: 7- 536: 9 جرباش المحمدى الناصرى فرج (المعروف بكرت أو كرد) 304: 6- 305: 15- 374: 18- 375: 1، 18 (ح) - 391: 7- 424: 1- 450: 14 الجرجانى 216: 16- 217: 3 جغتاى بن جنكيزخان 45: 16، 22 (ح) - 195: 13، 20 (ح) - 328: 23 جقمق الأرغون شاوى 118: 1- 184: 9، 11- 185: 5- 472: 12- 481: 5 جقمق العلائى 7: 8، 26 (ح) - 18: 14- 20: 12- 30: 12- 35: 8- 39: 11، 13، 19- 40: 2- 47: 7- 57: 3- 62: 24- 65: 3، 5، 11- 69: 9- 76: 4- 81: 1- 103: 3، 11- 105: 15، 19- 106: 1، 7، 15- 113: 20- 130: 15، 16- 199: 16- 223: 3- 227: 8- 228: 7- 229: 3، 7، 17- 233: 10- 234:

4، 5، 15- 235: 13، 17- 236: 6- 237: 8- 238: 17- 239: 1، 3، 15- 240: 3- 241: 2، 13- 242: 3، 8، 10، 13- 243: 8، 15، 18- 244: 4، 12، 15، 19- 245: 5، 7، 10، 11، 15- 246: 21- 248: 17- 249: 5، 14، 18- 251: 1، 8، 11- 252: 1، 6، 11- 253: 1، 4، 6، 9- 254: 8- 256: 12- 258: 7، 11، 13- 259: 1، 8- 261: 7، 11- 467: 16- 470: 8- 472: 21 جكم الخازندار (خال الملك العزيز يوسف ابن الملك الأشرفى برسباى) 130: 4- 161: 16- 228: 11- 229: 4- 230: 13- 231: 5- 238: 2- 239: 4- 242: 7- 246: 6- 262: 21- 321: 13- 331: 19- 332: 16 جكم قلق سير 380: 7 جكم من عوض 445: 24- 469: 8- 511: 14- 530: 15- 547: 15 جكم النوروزى 231: 2- 270: 10 جلال الدين أبو السعادات محمد بن ظهيرة 127: 5 جلال الدين بن خطيب داريا 144: 3- 426: 18 جلبان الأمير آخور 11: 4- 59: 7- 226: 4- 231: 18- 286: 13، 15- 287: 1- 292: 10- 294: 5، 7، 10، 14- 318: 3- 319: 3- 322: 12- 326: 1، 8، 10- 335: 5- 336: 2- 344: 7، 19- 359: 1- 381: 2، 7- 451: 17- 462: 17، 19- 463: 3- 465: 15- 523: 1 جمال الدين الأستادار- يوسف بن أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن قاسم البيرى البجاسى جمال الدين البساطى، قاضى القضاة 466: 12 جمال الدين بن نباتة 143: 13- 190: 11 جمال الدين بن يوسف ناظر الجيش والخاص 374: 8- 385: 17- 389: 2، 7- 451: 12- 461: 15 جمال الدين السنباطى 494: 3 جمال الدين الشيال، الدكتور 84: 26 جنكيزخان 195: 20 جهان شاه بن قرايوسف 47: 2- 78: 9- 89: 15، 17- 220: 7- 420: 11- 431: 17- 432: 14- 433: 8، 19- 434: 16- 449: 7 جهان كير بن قرايلك 420: 12- 432: 2 جوبان المعلم 496: 10 جوهر التمرازى 314: 1- 345: 1- 355: 3، 7- 518: 13 جوهر الجلبانى (المعروف باللالا) 72: 1- 105: 3- 223: 20- 261: 15- 465: 12- 466: 3- 486: 5- 507: 9

جوهر الصفوى الساقى 413: 1- 414: 7، 18- 415: 2 جوهر الصقلى 7: 23 جوهر القنقبائى 223: 20- 313: 14- 345: 5- 377: 1- 485: 16- 486: 7، 15- 507: 15- 518: 16- 553: 9 جوهر المنجكى 248: 9- 348: 4- 523: 17 جوهر النوبى 547: 21 جوهر النوروزى 381: 9- 412: 2، 22 (ح) - 432: 8- 524: 3 الجويلى- زعيم عرب البحيرة 37: 21 جيمس الأول ملك قبرس 176: 19 جينوس بن جاك بن بيدو، متملك قبرس 176: 6، 16 (ح) ح الحاكم بأمر الله- الخليفة 91: 12- 489: 6 حزمان 332: 2 حسام الدين لاجين 184: 6 حسن إبراهيم 321: 23 حسن بن أحمد، بدر الدين (المعروف بابن بشارة) 115: 1 حسن بن أحمد بن أويس- السلطان 173: 11 حسن بن أحمد بن محمد البردينى الشافعى، بدر الدين 152: 15 حسن بن أحمد البهسنى 76: 8- 79: 7- 80: 2- 226: 8- 471: 6 حسن بن سالم الدوكرى 37: 1 حسن بن السيفى سودون، بدر الدين 114: 6، 10، 14 حسن بن نصر الله، بدر الدين- الصاحب 104: 10- 152: 6- 158: 15- 163: 8- 218: 13- 224: 1- 276: 9- 494: 9- 495: 13 حسن الرماح 26: 23 حسن العجمى 278: 14 حسن كانكو علاء الدين ظفرخان 194: 17 حسين بن أحمد البهسنى- تغرى برمش حسين الكردى 37: 5- 38: 2 حطط الناصرى فرج 285: 15، 18- 289: 7، 9، 13- 292: 17- 326: 19، 22- 327: 2- 373: 12- 463: 16 حماد بن مالك بن بسطام بن درهم الأشجعى الحرستانى 319: 22 حمزة بن على بن دلغادر 207: 8

حمزة بن قرايلك 89: 18- 92: 4، 8، 9، 11، 13، 14- 227: 14- 231: 8، 10- 508: 3 حميد الدين النعمانى 344: 9- 438: 11 حنا الثانى بن جانوس 343: 22 خ خجا سودون 8: 6- 39: 1- 59: 10- 76: 7- 79: 8، 10- 80: 3، 15- 90: 5- 205: 4، 13- 223: 8- 244: 2، 6، 9 خديجة خاتون 62: 4، 6، 16، 17- 63: 5، 8 خشقدم السيفى سودون من عبد الرحمن 379: 18- 383: 8 خشقدم الظاهرى الرومى 9: 5- 72: 2- 143: 10- 406: 15- 465: 19- 486: 6 خشقدم الناصرى المؤيدى 8: 9- 378:؟؟؟ 1- 407: 2- 408: 1، 6- 450: 12- 461: 3 خشقدم اليشبكى 103: 1، 13- 165: 1- 223: 21- 240: 4، 8- 246: 4- 277: 21- 282: 18 خشكلدى الزينى عبد الرحمن بن الكويز 440: 17 خشكلدى السيفى يشبك بن أزدمر 307: 7 خشكلدى من سيدى بك الناصرى 238: 1- 246: 5 خشكلدى الناصرى البهلوان 291: 5 الخضر، عليه السلام 144: 24 خضر الحكيم 100: 11- 101: 3- 102: 2- 507: 19 خليفة المغربى- الشيخ المعتقد 134: 10 خليل بن شاهين الشيخى، غرس الدين 44: 5- 72: 9- 76: 11- 77: 5- 85: 10- 226: 7- 279: 14- 318: 5- 335: 10- 358: 3- 363: 13- 371: 1- 373: 7- 463: 20 خليل بن فرج بن برقوق 446: 2، 18 (ح) - 455: 16 خواجا جلال الدين 530: 13 خواجا شمس الدين بن المزلق 482: 18 خواجا كزلك 258: 3، 5 خواجا كلال رسول شاه رخ 344: 1 خواجا ناصر الدين 476: 4 خوند جلبان بنت يشبك ططر 203: 1- 296: 8- 333: 6 خوند زينب بنت السلطان الملك الظاهر برقوق 117: 8

خوند شقزاء بنت الملك الناصر فرج 424: 1 خوند فاطمة (أخت المؤلف وزوجة إينال بن عبد الله النوروزى) 135: 7 خوند فاطمة بنت الملك الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون 169: 3 خوند فاطمة بنت الملك الظاهر ططر 60: 4- 123: 6- 162: 3- 537: 22 خوند قنقباى 486: 2 خوند كار محمد 434: 7 خوند كار مراد بك بن عثمان 116: 11 خوند الكبرى زوجة الملك الأشرف برسباى 203: 5، 6 خوند مغل بنت البارزى 313: 6- 315: 12- 333: 6- 372: 15- 382: 12- 406: 4- 464: 5- 509، 7 خوند نفيسة (بنت الأمير ناصر الدين بك بن دلغادر) 542: 5، 21 (ح) خوند هاجر (زوجة الملك الظاهر برقوق) 169. 1 خير بك الأجرود المؤيدى 378: 5- 446: 16- 447: 2 خير بك الأشرفى 312: 4 خير بك الأشقر المؤيدى 351: 12- 430: 1 خير بك القوامى 319: 5 خير بك النوروزى 387: 6- 425: 1- 430: 5- 438: 3- 463: 8 د داؤد بن عبد الرحمن بن الكويز الكركى، علم الدين 118: 16- 119: 6- 155: 11- 208: 15- 486: 3 داؤد التركمانى 35: 14 دقماق المحمدى 113: 18- 123: 8- 162: 4- 537: 2، 4، 22 (ح) دقماق اليشبكى 430: 10- 431: 1، 18 (ح) دمرداش الأشرفى 230: 3- 246: 10، 15 دمرداش الحسنى الظاهرى برقوق 244: 8، 9 دمرداش المحمدى 476: 5 دولات باى المحمودى الساقى المؤيدى 81: 2- 232: 1- 252: 16- 262: 14- 304: 7- 305: 13- 336: 1- 350: 5- 370: 14- 390: 1، 7- 391: 15- 446: 9- 450: 11- 461: 7 دولات خجا الظاهرى برقوق 35: 12- 36: 7- 48: 7- 55: 4- 94: 11، 14- 95: 2- 98: 6- 104: 13- 217: 19

دولات شاه الكردى 21: 13- 224: 17 ذ ذخيرة الدين محمد ابن الخليفة القائم بأمر الله 489: 8 ر راجه كانس شاه 192: 25 الراشد بالله- الخليفة 489: 7 رستم- مقدم عساكر جهان شاه 431: 17- 433: 5 رسول الله (النبي) صلى الله عليه وسلم 26: 22- 331: 8- 421: 13- 425: 25- 426: 16- 428: 26- 490: 8 الرشيد بالله هارون- الخليفة 489: 10 رضوان بن محمد بن يوسف العقبى، زين الدين 528: 8 ركن الدين بيبرس الجاشنكير 488: 11 ز زامباور 44: 28- 45: 23- 48: 28- 61: 21، 24- 62: 24- 66: 21- 71: 22- 82: 24- 173: 23- 193: 17، 27- 194: 13، 20- 195: 18- 197: 21- 201: 15، 24- 203: 14، 25- 332: 25- 339: 29- 420: 22- 449: 21- 501: 23- 546: 21 زرو (أو زرع) يعقوب ملك الحبشة 196: 25- 225: 25 الزمخشرى 118: 23 زيد بن على زين العابدين 320: 22 زين الدين عبد الرحيم 118: 7 زين الدين القمنى 513: 13 زينب جرباش الكريمى قاشق 464: 6 الزينى سرور الطربائى 438: 8 الزينى قاسم المؤذى الكاشف 384: 11 س سالم المقدسى الحنبلى، مجد الدين 117: 5 السامرى 428: 1 الست أردباى 537: 3 ست العرب 141: 9، 18 (ح) السخاوى (خليل بن أحمد بن على) 8: 20- 9: 21، 25- 12: 14- 112: 21- 182: 23- 334: 17- 340: 7- 349: 18، 19- 359: 21- 361: 23- 364: 20- 370: 20- 375: 19- 406: 17، 21- 409: 21- 428: 21- 446: 18- 478: 20- 484: 22- 490: 19- 501: 16- 514: 23- 529: 21- 532:

21- 534: 12- 546: 18- 551: 24- 552: 21- 554: 21- 555: 21- 557: 17 سر النديم الحبشية 296: 5- 312: 15 السراج الحمصى 439: 7 السعد (أو سعد الدين) التفتازانى 215: 3- 216: 16- 217: 4 سعد الديرى، سعد الدين 124: 10- 230: 15- 240: 11- 450: 6- 455: 7- 459: 19- 503: 9 سعد الدين، صاحب جبرت- السلطان 196: 15 السعيد بن بيبرس 97: 18 سعيد السعداء 132: 7 (ح) سعيد المغربى- الشيخ 149: 18 السفطى- محمد بن أحمد بن يوسف ... السفطى، ولى الدين سقمان بن أرتق، معين الدين 200: 24، 26- 201: 13 سلار، سيف الدين التترى 42: 25 سليم خان (السلطان العثمانى) 19: 22- 84: 24 سليمان بن ناصر الدين بن دلغادر 61: 14- 62: 11، 15- 63: 2، 4، 6- 67: 9، 11، 17، 18- 68: 3- 71: 17- 79: 14- 84: 6 سمام الحسنى الناصرى 332: 12- 337: 17- 372: 14 السنباطى- محمد السنباطى، ولى الدين سنجر الجاولى، علم الدين 268: 21 سنقر العزى الناصرى 56: 16 سودون، أخومامش المؤيدى 307: 12 سودون الأبوبكريّ المؤيدى 335: 8- 409: 10- 443: 8- 463: 9 سودون الإينالى المؤيدى (المعروف بقراقاس) 291: 3- 346: 17- 360: 13- 409: 5، 14 (ح) ، 17 (ح) سودون بن عبد الله الظاهرى (المعروف بالأشقر) 122: 2 سودون بن عبد الله الظاهرى (المعروف بسودون ميق) 19: 7- 20: 8- 180: 10 سودون الجلب 509: 19- 510: 4- 511: 5، 7 سودون الحمزاوى 181: 1 سودون السودونى الظاهرى 355: 18- 360: 2- 375: 5- 376: 11- 395: 4- 396: 8- 516: 6، 17- 517: 2- 551: 4 سودون الشيخونى 69: 8 سودون الطيار 96: 21

سودون الظاهرى برقوق (ويعرف بسودون بقجة) 469: 9 سودون العجمى النوروزى 291: 3، 19- 294: 15- 318: 16- 326: 10- 335: 7- 363: 10 سودون الفقيه 114: 9 سودون الماردانى 188: 2 سودون المحمدى المؤيدى (المعروف بأتمكجى) 279: 8، 12- 287: 7- 336: 3، 28 (ح) - 353: 3- 363: 7- 391: 9- 397: 7- 516: 7- 517: 9- 544: 1، 2 سودون من زاده 400: 1 سودون من سيدى بك الناصرى (المعروف بالقرمانى) 373: 13 سودون من عبد الرحمن 8: 16- 20: 12- 29: 8- 34: 14- 35: 17- 39: 10- 40: 9، 11، 12، 13- 120: 5، 15- 121: 2- 158: 1- 179: 15، 23- 188: 10- 221: 1- 470: 5 سونجبغا اليونسى الناصرى فرج 358: 10- 372: 12- 387: 2- 423: 19- 438: 14 السيدة رقية 348: 1 سيدى بك الناصرى 181: 18- 238: 2- 246: 5 سيف الدين أبو بكر، حاجب حجاب طرابلس 130: 3 سيف الدين جقمق 112: 22 السيفى يونس، الأمير آخور 342: 1 ش الشاب التائب- أحمد بن عمر بن عبد الله، شهاب الدين شاد الأغنام- أحمد بن نوروز بن عبد الله الخضرى الظاهرى شادبك الجكمى 39: 5- 71: 15، 18- 75: 5، 7، 11، 18- 78: 4- 113: 24- 304: 2، 5- 334: 6- 337: 16- 358: 8- 368: 4- 372: 3- 380: 4- 407- 20- 463: 7- 521: 15- 547: 13 الشافعى، الإمام 136: 7- 515: 1 شاه رخ بن تيمور لنك 48: 11، 22 (ح) - 49: 9، 13- 50: 1، 3- 52: 14، 16- 59: 14- 63: 19- 65: 16، 24- 67: 5- 68: 14- 70: 2- 72: 11، 13- 73: 7، 8- 74: 3، 9، 13، 16- 75: 14- 78: 8، 15- 89: 16- 193: 9- 195: 11، 14، 15- 196: 2، 6- 203: 10- 220: 8- 224: 9، 13- 337: 1- 338: 12- 342: 6، 12- 344: 2- 350: 16- 354: 16 (ح) - 364: 6، 11، 12، 15- 365: 1- 525: 17

شاه زاده بنت ابن عثمان ملك الروم 464: 6 شاه قوماط بن إسكندر بن قرايوسف 220: 6 شاه محمود بن بابر بن بايسنقر 449: 20 شاهين الأمير آخور 471: 14- 472: 2- 474: 1 شاهين الأيدكارى الناصرى 70: 4 شاهين بن عبد الله السيفى طوغان 383: 1- 527: 13- 544: 11 شاهين الظاهرى 380: 6 شرف الدين أبو بكر الأشقر 10: 3- 26: 10، 11، 14، 15- 27: 3، 5، 12- 28: 3، 7- 31: 16- 32: 4- 64: 4، 14- 102: 12- 103: 8- 105: 20- 276: 10 الشريف إبراهيم بن حسن بن عجلان 356: 5 الشريف أبو القاسم بن حسن بن عجلان 356: 3- 542: 10 الشريف أحمد بن حسن بن عجلان 469: 3 الشريف أحمد بن علاء الدين بن إبراهيم بن عدنان 164: 7 الشريف أحمد بن مصبح، شهاب الدين 418: 13- 421: 8- 422: 5- 423: 6- 482: 8 الشريف إميان بن مانع بن على الحسينى 225: 10- 462: 11 الشريف بدر الدين حسين بن أبى بكر الحسينى 348: 2 الشريف بركات بن حسن بن عجلان 136: 3- 225: 9- 349: 12- 353: 5- 379: 3- 426: 10- 462: 7- 467: 5- 469: 4 الشريف تاج الدين على 49: 2- 50: 4- 52: 14 الشريف حسن بن عجلان بن رميئة 135: 10- 152: 4- 159: 15- 164: 17- 179: 18- 467: 5 الشريف حيدر بن دوغان بن جعفر بن هبة الله بن جماز ابن منصور بن شيحة 202: 3 الشريف خشرم بن دوغان 155: 15- 202: 4 الشريف رميئة بن محمد بن عجلان 189: 13 الشريف زبيرى بن قيس 162: 14 الشريف زهير بن سليمان بن ريان بن منصور بن جماز ابن شيحة الحسينى 196: 8 الشريف سرداج بن مقبل بن نخبار 164: 16 الشريف سليمان بن غرير 462: 12 الشريف شهاب الدين أحمد 145: 1 الشريف صخرة بن مقبل بن نخبار 278: 6

الشريف ضيعم 462: 12 الشريف عبد الرحمن بن على بن محمد الحنفى الدمشقى، ركن الدين (المعروف بدخان) 198: 6 الشريف عجلان بن نعير بن منصور بن جماز 153: 11 الشريف عقيل بن زبير بن نخبار 225: 10- 278: 7 الشريف على بن حسن بن عجلان 349: 12- 353: 5- 355: 1- 356: 5- 462: 7- 536: 3 الشريف على بن عنان من مغامس بن رميئة 159: 14 الشريف عماد الدين أبو بكر 164: 12 الشريف عنان بن مغامس بن رميئة 467: 3 الشريف محمد بن بركات بن حسن بن عجلان 371: 11 الشريف معز بن هجار 440: 6، 21 (ح) شعبان بن حسين- السلطان 348: 19 شعبان بن محمد بن داؤد الآثارى، زين الدين 128: 7، 15 الشمس بن عامر 438: 6 شمس الدين أبو المنصور نصر الله (المعروف بالوزة) 333: 17- 334: 17- 353: 13 شمس الدين بن خيرة 443: 19- 444: 1 شمس الدين بن سعد الدين بن قطارة القبطى 51: 15- 54: 13 شمس الدين الدجوى 208: 17 شمس الدين القلمطاوى 227: 15- 231: 9 شمس الدين محمد الكاتب 382: 1 الشهاب بن إسحاق 394: 23 شهاب الدين أحمد (المعروف بابن الأقطع) شهاب الدين بن الحسن بن على بن محمد الدمشقى الأذرعى 494: 1 الشهرستانى 321: 21 الشيخ باكبر- إسحاق بن خالد الكختاوى الشيخ الحنفى- محمد بن حسن، شمس الدين شيخ الركنى 8: 6 الشيخ اصفا (رسول شاه رخ إلى السلطان الملك الأشرف) 72: 11- 73: 7، 9، 11، 14- 74: 2 الشيخ مدين 492: 8 الشيخان (أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضى الله عنهما) 321: 8، 15 شيخون العمرى 134: 17 «شيخى» شاعر الروم 532: 4

ص الصابونى، الشيخ 227: 20 صالح البلقينى، علم الدين 82: 13- 96: 12- 118: 12- 373: 2- 375: 8- 383: 13- 386: 1- 394: 15، 22 (ح) - 397: 5- 459: 16 صالح بن أحمد بن عمر، صلاح الدين 174: 2 الصالح طلائع بن رزيك 347: 12، 15 (ح) الصالح عماد الدين إسماعيل بن محمد بن قلاوون- الملك 102: 24 الصالح محمد ابن الملك الظاهر ططر- الملك 112: 3- 114: 7- 162: 18- 163: 2- 195: 2- 199: 13- 211: 17- 495: 6 الصالح نجم الدين أيوب- الملك 122: 12- 367: 20 صدقة المحرقى، فتح الدين 501: 13، 24 (ح) صرغتمش الأشرفى 58: 1، 19، 21- 143: 5- 294: 13- 319: 2- 386: 20- 532: 9 صفر خجا المؤيدى 231: 2- 291: 1- 378: 16- 539: 1- 409: 8 صلاح بن على بن محمد بن أبى القاسم، إمام الزيدية الملقب بالمهدى 209: 14 الصلاح الصفدى 156: 21- 190: 11- 191: 1 صلاح الدين الأيوبى 57: 26- 122: 18- 132: 6- 255: 3، 5- 286: 20- 335: 16 صلاح الدين بن نصر الله 411: 10 صلاح الدين محمد- الإمام الناصر ابن الإمام المنصور نجاح الدين 209: 11- 225: 13 صندل الهندى 296: 8- 297: 1، 3، 10- 298: 9، 11، 14- 299: 6- 312: 18- 313: 1 صوجى التركمانى 325: 21 ط طرباى بن عبد الله الظاهرى جقمق 20: 6- 59: 6، 7- 120: 15- 160: 9- 194: 9، 25 (ح) - 212: 1- 260: 17 طرعلى بن سقل سيز التركمانى 294: 4- 318: 10- 323: 2- 326: 5، 13، 19- 327: 9 طشتمر الدوادار 69: 8 ططر 466: 18- 472: 18- 476: 8- 484: 19- 497: 12- 500: 10- 510: 2- 520: 16- 522: 15- 543: 7- 547: 16، 17 طغرق 57: 1 طقتمر البارزى 446: 14- 447: 1

طوخ بطيخ- طوخ الظاهرى برقوق طوخ بن عبد الله الأبوبكريّ المؤيدى 331: 12- 337: 9- 368: 3- 463: 15- 508: 6، 9- 518: 6 طوخ بن عبد الله الناصرى (المعروف بطوخ مازى) 113: 22- 228: 4- 229: 13- 287: 14- 294: 11- 318: 5- 322: 15- 326: 9- 331: 11- 333: 3، 8- 463: 5- 473: 3- 477: 3، 20 (ح) - 508: 12 طوخ الظاهرى برقوق (المعروف بطوخ بطيخ) 472: 11 طوخ مازى- طوخ بن عبد الله الناصرى طوخ من تمراز الناصرى فرج (المعروف بينى بازق) 8: 17- 82: 1، 16 (ح) - 223: 17- 290: 16- 345: 1- 346: 19- 402: 15- 450: 14، 20 طوغان بن عبد الله 126: 9- 130: 6، 15، 16 طوغان الحسنى 527: 14 طوغان الزردكاش 297: 8، 12- 298: 9، 15- 299: 7- 308: 13- 309: 1، 4- 310: 2، 5، 16- 311: 1، 9، 12 طوغان السيفى آقبردى المنقار 281: 9، 13، 19- 440: 15- 446: 7، 25 (ح) - 447: 4، 464: 2 طوغان السيفى تغرى بردى 63: 16 طوغان العثمانى 226: 8- 291: 6- 294: 11- 312: 1، 6، 12- 318: 5- 322: 1- 331: 12- 371: 3- 378: 19- 387: 7- 463: 17- 532: 12 طولو الظاهرى 130: 7 طومان باى- السلطان 37: 24- 60: 15 طيبغا 33: 27 طيبغا الطويل الناصرى حسن 496: 3 ظ الظاهر برقوق- المالك 37: 20- 84: 13، 14- 89: 9، 10- 108: 15- 110: 5- 111: 11، 12- 113: 2، 18- 117: 8، 10، 15- 135: 16- 151: 6- 154: 10، 14- 162: 7- 165: 3- 169: 1- 178: 14- 180: 13- 188: 20- 211: 11- 218: 1- 279: 2- 303: 17- 341: 13- 424: 10- 454: 14، 21- 455: 17- 466: 17- 477: 12- 478: 2، 15- 483: 22- 497: 10- 502: 14- 517: 13- 525: 14- 526: 12- 529: 13- 536: 10- 541: 12- 551: 15- 554: 18 الظاهر بيبرس- الملك 36: 19- 48: 19- 97: 17- 311: 24- 433: 24 الظاهر جقمق- الملك 46: 6- 226: 11- 253: 16- 254:

13، 18- 256: 1، 3- 258: 1، 12، 14، 17- 259: 1، 3، 5، 16- 260: 1، 4، 5، 9- 261: 11، 12- 263: 8- 264: 3- 265: 1، 14- 266: 6، 3- 267: 4- 268: 1، 8، 9، 11- 270: 13- 271: 4- 272: 16- 276: 7- 278: 4- 279: 5- 285: 8، 10، 13- 290: 1- 295: 6- 303: 11، 12- 311: 5- 312: 7- 314: 14- 324: 14- 327: 5، 9- 329: 4- 338: 6- 339: 10، 26- 342: 4- 347: 3- 348: 11- 352: 8- 359: 17- 364: 14- 370: 6- 372: 15- 376: 8- 379: 4- 388: 4- 395: 16- 396: 21- 433: 20- 437: 3- 445: 17- 446: 19- 448: 11- 449: 18- 453: 9- 454: 3- 456: 8- 459: 20- 465: 1- 466: 1- 468: 2، 5- 469: 6- 470: 10- 473: 2- 474: 4- 475: 1- 476: 10- 477: 14- 478: 8- 479: 7- 482: 1- 485: 1، 9- 486: 10، 13- 489: 1، 14- 492: 1- 495: 12- 496: 15- 498: 12، 14- 499: 3، 6- 500: 1- 501: 3، 15- 502: 2، 5، 11- 506: 1، 4- 507: 9- 508: 10- 509: 1، 11- 510: 10- 513: 1، 17- 517: 8- 518: 5، 16- 520: 1، 7- 521: 5، 9- 522: 9، 17- 523: 13- 524: 1- 525: 1، 18- 527: 15- 528: 1، 3- 529: 17، 19- 530: 14، 16، 19، 23- 531: 2- 535: 1- 536: 2، 17- 541: 6، 15- 542: 7، 11، 22- 544: 8- 547: 1- 548: 2- 554: 1، 3- 555: 3، 17- 556: 11- 559: 5 الظاهر خشقدم- الملك 378: 8 الظاهر ططر- الملك 112: 10- 114: 6، 9، 11- 116: 13- 117: 18- 119: 3- 120: 16، 17- 121: 1- 122: 5- 126: 8، 10- 131: 9- 137: 7، 8- 151: 12- 157: 4، 13- 161: 8- 162: 18- 163: 10- 179: 13، 14- 181: 5- 184: 14- 188: 3- 199: 11- 211: 13، 16- 221: 7- 253: 12- 306: 19- 554: 18 الظاهر هزبر الدين يحيى- ملك اليمن 145: 8- 474: 7 الظاهر يحيى بن الملك الأشرف إسماعيل من بنى رسول- ملك اليمن 225: 11 ظفرشاه أحمد- السلطان 194: 6 ع العادل أبو بكر بن أيوب بن شادى بن مروان الأيوبى- الملك 122: 14 العادل سليمان بن الملك المجاهد غازى- الملك 182: 17- 432: 18 العادل فخر الدين أبو المفاخر سليمان- الملك 122: 9، 14- 123: 16 (ح)

العادل كتبغا- السلطان 480: 20 العادل مجير الدين محمد- الملك 122: 10 العاضد لدين الله- الخليفة 347: 16 عاقولة (زوج الملك الناصر فرج بن برقوق) 162: 10 عبادة بن على بن صالح، نور الدين 492: 4- 493: 7 عبد الباسط بن خليل بن إبراهيم الدمشقى، زين الدين 42: 12- 43: 5- 50: 8، 12، 13، 14- 51: 1، 5، 7، 9، 12- 52: 9، 10، 11، 12- 77: 7، 8، 10، 14- 81: 7- 83: 10، 11، 15- 103: 5- 106: 1- 110: 9- 145: 1- 149: 1- 224: 2- 228: 8، 15- 229: 18- 230: 6- 232: 4- 233: 4، 10، 12- 241: 5- 248: 12- 250: 7- 273: 15، 16- 274: 2- 327: 12، 19- 328: 2- 329: 1، 4- 330: 4، 16- 333: 5- 334: 11، 16- 357: 5، 18- 367: 1- 402: 5- 405: 17- 461: 13- 545: 4- 552: 4- 553: 2، 7- 554: 6، 10، 21 عبد الحميد العبادى 30: 18 عبد الرازق المؤيدى 290: 18 عبد الرحمن البلقينى، جلال الدين 118: 11- 128: 12- 494: 6، 22- 556: 3 عبد الرحمن بن حجى بن عز الدين، تقي الدين 447: 8 عبد الرحمن بن داؤد بن الكويز، زين الدين 83: 2- 246: 13- 345: 10- 350: 6- 353: 8- 354: 2، 6- 394: 6- 397: 10- 462: 4 عبد الرحمن بن الديرى الحنفى 389: 1، 3- 448: 6 عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن عبد الله، زين الدين (المعروف بابن الخراط) 205: 18 عبد الرحمن بن محمد بن صالح، ناصر الدين 116: 4 عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن يحيى السندبيسى 526: 8، 21 (ح) عبد الرحمن بن يحيى بن يوسف بن محمد بن عيسى السيرامى، عضد الدين 162: 15 عبد الرحمن التفهنى، زين الدين 134: 8- 175: 6 عبد الرحمن الظاهرى برقوق 8: 5 عبد الرحيم بن محمد بن عبد الرحيم ... بن الفرات الحنفى، عز الدين 28: 20- 524: 5، 17 عبد الرزاق بن إبراهيم بن الهيصم، تاج الدين- الصاحب الوزير 172: 1 عبد الرزاق بن أبى الفرج، تاج الدين- الوزير 164: 1

عبد الرزاق بن عبد الله، تاج الدين (المعروف بابن كاتب المناخ) 121: 12 عبد الصمد بن محمد بن محمد بن أبى الفضل الأنصارى الحرستانى 319: 21 عبد العزيز بن العز البغدادى، عز الدين 174: 13- 484: 1- 493: 10 عبد العزيز المتوكل بن أبى العباس، أبو فارس- ملك الغرب 192: 5 عبد العزيز المعزى (ابن أخى الخليفة القائم بأمر الله حمزة) 441: 15 عبد العظيم بن صدقة الأسلمي 55: 15- 341: 2- 353: 13 عبد الغنى بن تاج الدين عبد الرزاق- الأمير فخر الدين 163: 13 عبد القادر بن فخر الدين عبد الغنى- الأمير زين الدين 163: 13 عبد الكريم بن عبد الرزاق بن عبد الله، كريم الدين- الوزير الأستادار (المعروف بابن كاتب المناخ) 9: 9- 38: 1- 42: 3، 6، 7، 9- 43: 5- 50: 10- 51: 10، 18- 52: 4، 8، 9- 53: 6- 55: 7، 9، 11- 71: 13- 72: 4- 77: 11، 12، 14- 81: 6- 83: 12، 16- 121: 14- 158: 7، 12- 159: 3- 175: 3- 224: 2- 340: 17- 378: 10- 461: 17- 495: 9- 518: 4- 527: 5 عبد اللطيف بن شرف الدين أبى بكر سبط العجمى، معين الدين 346: 14- 487: 5 عبد اللطيف بن عبد الله الطواشى الرومى المنجكى، زين الدين (المعروف بالعثمانى) 248: 6- 356: 9- 380: 11- 381: 8 عبد اللطيف بن عبد الوهاب بن العفيف الحكيم (الشهير بقوالح) 387: 14، 25 (ح) عبد الله، كاشف الشرقية 364: 21 عبد الله بن جماعة، جمال الدين 515: 11 عبد الله بن الحسن بن على الأذرعى، جمال الدين 493: 17- 494: 14 (ح) عبد الله بن الدمامينى، جمال الدين 491: 14 عبد الله بن عابد بن شكر، صفى الدين- الصاحب 415: 23 عبد الله المستعصمى، جمال الدين أبو المجد 195: 21 (ح) عبد المنعم البغدادى، شرف الدين 343: 8 عبد الوهاب بن أفتكين الدمشقى، تاج الدين 183: 2 عبد الوهاب العينى 348: 1 عثمان ابن السلطان الظاهر جقمق 392: 10- 412: 15- 433: 21-

439: 13- 445: 7- 446: 22- 450: 13- 452: 17- 453: 2 عثمان بن صلاح الدين يوسف بن أيوب 255: 3 عثمان بن طرعلى (المدعو قرايلك) 12: 6، 18 (ح) - 14: 5- 16: 5- 17: 1، 4- 22: 6- 23: 5، 6، 9- 24: 1، 4، 7، 16- 25: 5، 11، 13- 26: 7، 8- 28: 2، 5، 8- 29: 11- 30: 2، 10، 14- 43: 11، 13- 44: 3- 47: 13، 24 (ح) - 55: 3- 63: 21- 66: 10- 67: 5، 6- 70: 3، 4، 5، 8، 11- 71: 3- 87: 16- 88: 3- 167: 9- 182: 11- 201: 22- 220: 8- 508: 3 العجيمى- أحمد بن أبى بكر بن رسلان البلقينى عدرا بن نعير بن حيار بن مهنا 147: 4 عز الدين البساطى 422: 6 عز الدين بن عبد العزيز 515: 10، 12 العزيز يوسف بن الأشرف برسباى- الملك 68: 16- 106: 16- 107: 3، 8، 11- 203: 2، 5- 221: 18- 222: 1، 3- 226: 16- 227: 13- 229: 6- 234: 20- 235: 19- 236: 5- 237: 16- 238: 3- 239: 5، 12، 16- 241: 11، 16- 242: 7- 243: 7، 13- 244: 18، 20- 246: 6، 10- 248: 1، 8، 11، 16- 250: 5- 251: 11- 252: 3، 12- 253: 7، 11- 254: 8، 10، 12، 15- 255: 1، 3- 256: 5- 261: 15- 262: 21- 266: 18- 289: 18- 291: 7- 295: 11، 17، 19- 296: 2، 3، 6، 11- 297: 1، 2، 7، 10، 18- 298: 2، 8- 299: 1، 6، 8، 14- 300: 6- 302: 3، 14- 303: 3، 10- 308: 14- 309: 12- 310: 5، 14، 17- 311: 3، 8، 15- 312: 9، 15- 313: 2، 8، 13- 314: 5، 11، 17- 315: 1، 5، 12، 18- 316: 2- 319: 9- 321: 14- 33؟؟؟ 3: 10، 13- 454: 12- 465: 4، 18- 486: 10- 507: 13- 523: 13- 543: 11- 548: 13- 553: 12 العفيف الأسلمى 100: 10- 101: 3- 507: 19 علاء الدولة بن باى سنقر 196: 3 علاء الدين البخارى 513: 19 علاء الدين بن عبد الرحمن 215: 2- 216: 16 علاء الدين بن مغلى 126: 4، 15- 127: 7، 8، 9، 16- 128: 2، 3- 483: 15 علاء الدين السيرامى 133: 18 علاء الدين مغلطاى الجمالى 375: 22

علاء جلق المؤيدى 19: 20- 403: 14- 404: 7- 407: 4 على باى الأشرفى 105: 3- 106: 2- 223: 18- 229: 12- 230: 1- 237: 17- 240: 2- 246: 2- 262: 19 على باى بار بن إينال 323: 3 على باى السيفى الساقى الخاصكى 82: 5 على باى العجمى المؤيدى 46: 5، 7، 8- 170: 8- 210: 1- 273: 2- 286: 18- 287: 2، 5- 288: 10- 368: 9- 372: 6 على باى من دولات باى العلائى الساقى الأشرفى 331: 18- 332: 11- 373: 14- 408: 9- 548: 8، 13، 16 على بن أبى طالب 135: 14- 153: 13- 490: 13 على بن الأدمى، صدر الدين 142: 6- 191: 7- 540: 4، 25 (ح) على بن إسكندر، علاء الدين 387: 11- 394: 7- 395: 6- 398: 2- 401: 4- 424: 6 على بن إينال باى بن قجماس 68: 7 على بن جلال الدين محمد الطنبذى، نور الدين 178: 9 على بن حسين بن عروة بن زكنون الحنبلى- الشيخ الإمام أبو الحسن 193: 14 على بن الطبلاوى، علاء الدين 55: 6- 59: 18- 301: 1 على بن عبد الرحمن الزبيرى الشافعى، علاء الدين 112: 12 على بن عبد الله، نور الدين (الشهير بابن عامرية) 53: 15 على بن عمر بن حسن الجروانى، نور الدين 487: 14، 18 على بن فحيمة السلاخورى 170: 12- 171: 1 على بن قرايلك 70: 11- 89: 18 على بن محمد بن آقبرس، علاء الدين 281: 4- 188: 1- 394: 9- 397: 12 على بن محمد بن سعد، علاء الدين 479: 21- 480: 1، 20 (ح) على بن محمد بن على بن محمد ... الإمام المنصور نجاح الدين أبو الحسن، صاحب صنعاء اليمن 209: 8، 15 على بن مفلح، نور الدين 220: 12 على بن موسى بن إبراهيم الرومى الحنفى، علاء الدين 216: 11- 217: 7 على زين العابدين 320: 26 على السويفى، نور الدين- إمام الملك الأشرف برسباى 104: 12- 224: 6- 262: 18- 306: 5 على الصفطى، نور الدين 153: 8 على العجمى الخراسانى 349: 22

على الكرمانى الشافعى، علاء الدين 535: 15 عماد الدين الكركى 173: 7 عمر البختى 224: 17 عمر البلقينى، سراج الدين 114: 20- 488: 1- 413: 8 عمر بن حجى بن موسى، نجم الدين 144: 11- 145: 2- 208: 14، 16 عمر بن حسن بن حسين الجروانى 487: 16 عمر بن الحسن بن مزيد 141: 7 عمر بن الخطاب، رضى الله عنه 321: 15- 490: 20 عمر بن السفاح 64: 5، 13- 337: 14- 487: 3 عمر بن سيفا 101: 2، 13- 102: 3 عمر بن على بن فارس، سراج الدين (المعروف بقارئ الهداية) 133: 5، 17 (ح) - 134: 1 عمر بن منصور البهادرى، سراج الدين 172: 5- 465: 14 عمر رضا كحالة 230: 22- 409: 21 عمر الشوبكى 224: 7- 230: 4 عمر الكردى 438: 21 عمرو بن موسى الحمصى 81: 17 العمرى 15: 27- 20: 22- 380: 25 عميرة بن تميم بن جزء التجيبى من بنى القرناء 335: 14 عنبر (الملقب بسعيد السعداء) 132: 7 عنبر الطواشى (خادم نور الدين الطنبذى) 432: 9- 451: 11 عنترة 308: 5 عيسى بن محمد بن عيسى الأقفهسى، شرف الدين 173: 4 عيسى العالية، شرف الدين (المعروف بعويس) 144: 3 العينى- محمود العينى الحنفى، بدر الدين غ غادر بن نعير 323: 3- 326: 3 الغزالى 490: 23 الغورى 19: 19- 60: 15 ف فارس الطواشى 289: 18- 438: 9- 519: 1 الفارقليط 390: 22 ؟؟؟؟ ثان؟؟؟؟ ثلوتن 321: 23

الفائز- الخليفة 347: 15 فخر الدين بن غراب 208: 3، 6، 10 فخر الدين عثمان (المدعو قرايلك بن الحاج قطلبك) 200: 8 فرج بن برد بك 261: 12 فرج بن برقوق- السلطان 301: 19 فرج بن صوجى 323: 4 فرج بن ماجد بن النحال، زين الدين 445: 11- 448: 8- 481: 4 فندو، سلطان بنجال 193: 1 فياض بن ناصر الدين محمد بن دلغادر 62: 5، 8، 17- 63: 5، 6 فيروز الجاركسى 261: 16- 313: 12- 314: 2- 466: 2- 486: 11- 506: 16- 507: 8- 508: 1 فيروز الركنى 165: 2- 223: 22- 246: 5- 248: 8- 277: 21- 282: 19- 508: 1- 524: 2 فيروز النوروزى 295: 15- 355: 5، 8، 9- 392: 3- 399: 3- 402: 12- 451: 9- 508: 1- 518: 17 ق القادر بالله أحمد- الخليفة 489: 8 قارئ الهداية- عمر بن على بن فارس قاسم البشنكى 485: 3 قاسم بن جمعة القساسى 404: 10 قاسم بن صوجى 326: 3 قاسم الحنفى 503: 10 قاسم الكاشف (الملقب بالمؤذى) 385: 2- 402: 8- 405: 13- 406: 10- 407: 17 قاشق- جرباش الكريمى قانبك الأبوبكريّ الأشرفى 231: 3- 352: 15 قانصوه بن قانصوه الأشرفى- السلطان 383: 19 قانصوه الظاهرى جقمق 447: 14 قانصوه (أو قنصوه) النوروزى 63: 5، 18- 76: 10- 288: 9- 306: 16- 318: 8- 346: 10- 363: 11 قانم من صفر خجا المؤيدى 231: 1- 387: 3- 395: 1- 407: 11- 433: 10- 434: 15- 530: 4 قانى باى الأبوبكريّ الأشرفى 262: 20 قانى باى الأبوبكريّ الناصرى (المعروف بالبهلوان) 33: 11، 14- 131: 7- 181: 2، 4،

20- 221: 4- 288: 8- 291: 8- 306: 13- 307: 1- 329: 14، 18- 332: 4- 368: 5- 374: 14- 463: 1، 7، 21 (ح) - 469: 12- 478: 6- 482: 15، 17- 520: 11، 13- 521: 6، 7، 18- 522: 9- 523: 3 قانى باى الجاركسى 229: 16- 262: 18- 345: 2- 347: 4- 355: 15- 369: 15- 370: 12- 391: 12، 16- 394: 13- 402: 2- 450: 10- 453: 19- 460: 18- 461: 7- 502: 12 قانى باى الجكمى 371: 3- 511: 8 قانى باى الحمزاوى 57: 4- 59: 8، 9- 78: 17- 180: 3- 226: 5- 232: 1- 283: 2- 268: 14، 16- 287: 5- 294: 17- 322: 12- 324: 8- 335: 6- 336: 3- 368: 6، 13- 382: 13، 15- 383: 3- 385: 15- 403: 14- 404: 8- 451: 17- 462: 19- 463: 2- 521: 14، 16- 523: 1 قانى باى السيفى يشبك بن أزدمر 385: 4 قانى باى طاز السيفى بكتمر جلق 445: 16، 24 (ح) قانى باى العلائى 120: 12 قانى باى المؤيدى (المعروف بقراسقل) 390: 8، 16 (ح) قانى باى اليوسفى 332: 12 قايتباى- السلطان 37: 21- 60: 15- 448: 20 قايتباى الظاهرى الخاصكى 431: 7 القائم بأمر الله حمزة- الخليفة 432: 11- 441: 15، 16- 450: 5- 453: 16- 459: 13- 489: 8 قجق بن عبد الله العيساوى 117: 9- 137: 4؟؟؟؟ 10- 151: 15 قجقار القردمى 184: 14- 211: 15 قراجا الأشرفى 8: 5- 31: 15- 82: 3، 4- 90: 6- 223: 8- 244: 2- 250: 7- 251: 5- 262: 12- 266: 10- 267: 7- 269: 2، 8- 276: 13- 301: 5، 9- 303: 14- 332: 2- 336: 11- 548: 12 قراجا بنت الأمير أرغون شاه 502: 13 قراجا الظاهرى جقمق 352: 14- 375: 2- 412: 20- 430: 11- 450: 17 قراجا العمرى الخاصكى الناصرى 246: 14- 300: 19- 380: 14 قراخجا الحسنى 76: 6- 158: 4- 223: 3- 262: 8- 268: 17- 290: 15- 295: 13- 305: 3، 5، 11، 18- 306: 7- 317: 18- 318: 14- 330: 1- 367: 7- 370: 1-

391: 6، 13- 460: 17- 535: 7- 540: 9، 11، 17- 543: 15 قراخجا الشعبانى الظاهرى برقوق 8: 4 قراسقل- قانى باى المؤيدى الساقى قراسنقر الجمالى 471: 9 قراسنقر الظاهرى 471: 8 قراسنقر من عبد الرحمن الظاهرى برقوق 8: 4- 12: 11 قراقاس- سودون الإينالى المؤيدى قرا محمد 23: 9، 11، 12- 44: 25 قرا مراد خجا الشعبانى 28: 1 قرايلك- عثمان بن طرعلى قرايوسف نويان بن محمد، أبو نصر 44: 23، 26- 46: 3، 13- 120: 14- 181: 4- 193: 9- 221: 6 قرقماس الأشرفى 107: 12 قرقماس بن عدرا بن نعير بن حيار بن مهنا 209: 3 قرقماس الشعبانى الناصرى (المعروف بأهرام ضاغ) 30: 5- 39: 3، 7، 18- 41: 15- 44: 2- 59: 12- 60: 9- 61: 1، 2، 8، 11- 62: 1، 9، 18- 63: 10، 14- 64: 7، 9، 11، 12، 14، 17- 65: 3، 5- 90: 3- 91: 18- 148: 16- 223: 5- 244: 3- 245: 11، 14، 18- 247: 1، 2، 5- 248: 4- 249: 3، 13- 250: 6، 13، 15، 19- 251: 1، 3، 5، 11، 14- 252: 1، 5، 11، 16، 18، 19- 253: 3، 8، 14، 17- 256: 8، 9، 17- 261: 5، 12- 262: 1- 264: 3، 8، 16- 265: 11، 20- 266: 12، 19- 267: 1، 15، 17، 21- 268: 2، 3، 5، 6- 269: 1، 6، 9، 13، 19- 270: 4، 8، 11، 17- 271: 1، 2، 6، 8، 15- 272: 4، 7، 11، 14- 273: 10- 274: 1، 3، 13- 275: 8، 12- 276: 2، 15، 16، 20- 281: 1، 5- 282: 4، 5، 7، 10- 457: 14- 460: 7- 466: 15- 467: 7- 468: 8، 14- 470: 8- 473: 1- 476: 13- 510: 10 قرمان بن نوره، كريم الدين 61: 22 القرمانى 12: 22- 44: 28- 61: 20- 67: 22- 197: 21- 201: 15 قرمش الأعور الظاهرى 66: 12، 14، 17، 19- 67: 2، 12، 17- 68: 2- 79: 12- 80: 8، 12- 151: 14- 205: 5، 7 قشتم المؤيدى 141: 1- 332: 15- 378: 14 قصروه من تمراز الظاهرى 12: 1- 18: 14- 20: 11- 38: 16- 39: 2، 4- 65: 7، 8- 68: 7- 71: 9- 120: 18- 141: 3- 157: 14-

199: 7، 12، 15، 16- 260: 19- 467: 11- 470: 9 قطج من تمراز 33: 14- 285: 19- 286: 1- 288: 18- 289: 10، 12- 326: 9- 335: 22- 478: 1، 20 (ح) - 520: 17، 18 قطلو، نائب الشام 24: 4- 497: 9 قطلو بغا بن عبد الله التنمى، علاء الدين 116: 17 قطلوبغا الكركى 242: 17 القلانسى 201: 14 قلاوون- السلطان 34: 21- 48: 13- 398: 27- 433: 25 القلقشندى- محمد بن محمد بن محمد بن إسماعيل قلمطاى الدوادار 532: 10 قنبر، من رجال الدولة الفاطمية 132: 7 قنقباى الإلجائى، اللالا 486: 1 قوالح- عبد اللطيف بن عبد الوهاب بن العفيف الحكيم قوام الدين، قاضى الحنفية بدمشق 438: 12 قيز طوغان العلائى 291: 2- 340: 15- 341: 4- 346: 2- 350: 3- 353: 15، 19- 354: 1- 358: 6- 363: 12- 373: 7- 381: 1، 4- 462: 4 ك كافور الإخشيدى 7: 22 كافور الصرغتمشى 143: 3 كافور الهندى 163: 20 كالو، الملقب مصباح خان ثم وزيرخان 204: 1 الكامل سيف الدين أبو بكر بن شادى- الملك 122: 10 الكامل شهاب الدين غازى- الملك 122: 9 الكامل صلاح الدين خليل الأيوبى- الملك 183: 1- 224: 16 الكامل محمد ابن السلطان الملك العادل أبى بكر بن أيوب- الملك 122: 12 كرت (أو كرد) - جرباش المحمدى الناصرى فرج كزل السودونى المعلم 238: 2 كسباى الششمانى المؤيدى 359: 16- 381: 3- 383: 1 كمال الدين بن عبد الغفار 421: 19 كمشبغا 326: 4- 387: 12 كمشبغا الأحمدى الظاهرى 33: 15، 24 (ح) - 79: 12- 80: 8، 13- 205: 6، 14 كمشبغا الجمالى الظاهرى 150: 14- 187: 1

كمشبغا الفيسى المزوق الظاهرى 159: 7 كهرشاه خاتون، زوجة شاه رخ 196: 4، 7- 203: 10 الكورانى- أحمد بن إسماعيل بن عثمان الكورانى كورخان (أو كوركان) 195: 12، 17 (ح) كيقباد السلجوقى، علاء الدين- السلطان 116: 16 ل لاجين الظاهرى 375: 2- 431: 1- 451: 1 لادسلاس، ملك المحبر 395: 18 الليث بن سعد، الإمام 166: 20 م ماجد (ويدعى أيضا عبد الله) بن السديد أبى الفضائل ابن سناء الملك، فخر الدين (المعروف بابن المزوق) 166: 5 ماجد بن النحال الأسلمى القبطى 480: 19- 481: 4 مازى الظاهرى برقوق 336: 6- 352: 11- 380: 15- 440: 14- 464: 2- 477: 20 ماماى السيفى بيبغا المظفرى 404: 12- 447: 10 مامش المؤيدى 307: 12 مانع بن عطية بن منصور بن جماز بن شيحة 196: 9- 202: 1 مبارك شاه البريدى 231: 10 المتنبى 291: 15- 417: 17 المتوكل على الله- الخليفة 489: 5، 9 المحب بن نصر الله البغدادى- أحمد بن نصر الله بن أحمد محب الدين بن الأوجاقى الحنفى 490: 4 محمد، رسول الله صلى الله عليه وسلم 255: 2 محمد أبو بكر بن عمر الدمامينى، بدر الدين 128: 18- 129: 18 محمد الأسود بن القاق 318: 9 محمد بن إبراهيم بن أحمد الصوفى، شمس الدين 154: 7 محمد بن إبراهيم بن عبد الله الشطنوفى، شمس الدين 155: 1 محمد بن إبراهيم بن محمد، بدر الدين (المعروف بالبشتكى) 143: 11- 144: 6، 7، 10 محمد بن إبراهيم بن منجك، ناصر الدين 287: 11، 14، 17- 357: 6- 470: 1- 482: 19، 20- 483: 2- 485: 5 محمد بن أبى عبد الله محمد، المنتصر أبو عبد الله- ملك الغرب 192: 11 محمد بن أبى الفرج- نقيب الجيش 340: 16- 353: 16- 384: 18

محمد بن أحمد، تاج الدين (المعرف بابن المكللة وبابن جماعة) 137: 13 محمد بن أحمد البساطى، شمس الدين 9: 14- 222: 17- 273: 8- 281: 5، 7- 290: 5- 455: 9- 459: 21- 461: 5- 492: 11- 537: 12 محمد بن أحمد بن عبد العزيز، بدر الدين 202: 12 محمد بن أحمد بن على، سعد الدين أبو البركات- السلطان 255: 15 محمد بن أحمد بن عمر، ناصر الدين (الشهير بابن العطار) 131: 3 محمد بن أحمد بن مجاهد، شمس الدين أبو عبد الله 465: 9 محمد بن أحمد بن محمد.. بدر الدين (المعروف بابن التنسى) 290: 3- 391: 19- 392: 1، 13- 459: 22- 492: 15- 537: 5 محمد بن أحمد بن محمد.. الصاغانى، بهاء الدين أبو البقاء 558: 7، 11، 14 محمد بن أحمد بن محمد ... الكازرونى، جمال الدين 480: 14 محمد بن أحمد بن محمود، شمس الدين (المعروف بابن الكشك) 198: 10- 206: 7 محمد بن أحمد بن معالى الحبتى الحنبلى الدمشقى، شمس الدين 113: 5 محمد بن أحمد بن وفاء الإسكندرانى، فتح الدين أبو الفتح (المعروف بابن أبى الوفا) 528: 11 محمد بن أحمد بن يوسف.. السفطى، ولى الدين 127: 7، 8، 9- 328: 15- 329: 1- 371: 8، 15- 375: 7- 377: 19- 381: 14- 382: 4- 384: 3، 9- 385: 1، 2، 3، 18- 386: 5، 10، 13- 388: 6، 8- 392: 12، 15- 393: 2، 6، 12، 14- 402: 9- 403: 4، 8- 405: 13- 420: 6- 431: 12- 459: 17- 555: 14- 556: 11 محمد بن أحمد البيرى الشافعى، شمس الدين 132: 1 محمد بن أرتنا، علاء الدين 201: 20 محمد بن أرغون شاه النوروزى 394: 7 محمد بن إسماعيل بن محمد الونائى الشافعى، شمس الدين 509: 4، 20 (ح) محمد بن الأشرف برسباى 203: 5- 465: 17 محمد بن الاشقر، محب الدين 74: 17- 83: 7- 219: 1- 327: 19- 328: 1- 356: 19- 358: 11- 371: 16- 439: 19- 451: 11- 461: 12- 515: 4 محمد بن البارزى، كمال الدين 10: 2- 14: 13- 75: 1- 81: 16- 119: 4- 155: 10- 251: 18- 277: 3- 330: 8، 10، 15- 331: 9- 333: 6- 344: 14- 356: 20- 372:

17- 408: 4- 440: 2- 461: 10- 495: 13- 515: 6- 545: 5- 552: 18 محمد بن باى سنقر 196: 3 محمد بن بلبان 321: 5 محمد بن تقي الدين عبد الرحمن بن بريطع، حسام الدين 448: 2 محمد بن تقي الدين عبد الله 122: 11 محمد بن تلتى 538: 5 محمد بن حسن، شمس الدين (المعروف بالشيخ الحنفى) 500: 5، 17 (ح) محمد بن الحسن بن على النواجى، شمس الدين 539: 14، 21 (ح) - 540: 11 محمد بن حسن بن نصر الله، صلاح الدين 60: 3- 83: 5- 94: 12- 100: 16- 102: 13- 103: 5- 104: 11- 218: 10، 17- 219: 6- 495: 8، 10، 12، 16 محمد بن حسن الفاقوسى الشافعى، ناصر الدين 217: 9، 13 محمد بن خضر بن داود بن يعقوب، شمس الدين (الشهير بالمصرى) 214: 12 محمد بن الخطيب عبد الله الرشيدى، شمس الدين 547: 8 محمد بن دلغادر، ناصر الدين بك 61: 13- 62: 3، 12، 16، 17- 63: 4، 5، 8، 21- 65: 14- 66: 9- 71: 16- 75: 4، 8، 11، 12، 18- 78: 20- 79: 1، 14- 82: 8- 84: 4، 5- 87: 14، 15- 337: 19- 338: 4- 339: 7- 473: 12- 499: 3- 542: 6 محمد بن زكى الدين عبد الواحد، تقي الدين 146: 1 محمد بن سعيد، شمس الدين (المعروف بسويدان) 154: 12 محمد ابن السلطان الملك الأشرف برسباى 23: 6- 162: 1، 5- 168: 9- 274: 2، 4، 13 محمد ابن الشحنة الحنفى، محب الدين 141: 20- 353: 2- 366: 10- 444: 10- 448: 2 محمد بن شعبان، شمس الدين 487: 8 محمد بن صارم الدين إبراهيم، ناصر الدين 482: 4 محمد بن الصائغ الحنفى، شمس الدين 491: 5 محمد بن طغلق 192: 22 محمد بن الظاهر جقمق 303: 15- 305: 4- 342: 7- 456: 1- 502: 9 محمد بن عبد الدائم بن موسى البرماوى الشافعى، شمس الدين 152: 11 محمد بن عبد الرحمن بن عيسى بن سلطان 542: 13

محمد بن عبد الله، شمس الدين (المعروف بابن كاتب السمرة وبابن العمرى) 137: 15- 138: 1 محمد بن عبد الله بن حسن بن المواز 154: 18 محمد بن عبد الله بن سعد العبسى الديرى الحنفى المقدسى، شمس الدين 124: 8 محمد بن عبد المنعم البغدادى، بدر الدين 386: 5، 11، 14- 392: 12- 402: 5- 405: 16- 460: 5- 483: 10- 538: 2، 17، 20- 539: 7 محمد بن عبد الوهاب بن محمد البارنبارى، ناصر الدين 153: 4 محمد بن عبد الوهاب بن نصر الله، شرف الدين أبو الطيب 156: 11 محمد بن عبدويه الفقيه 428: 16 محمد بن عثمان بن خيراش، أبو بكر الأذرعى 494: 20 محمد بن العديم، ناصر الدين 60: 12- 124: 13- 480: 6 محمد بن عطاء الله بن محمد، شمس الدين 136: 4 محمد بن العطار، ناصر الدين 544: 18 محمد بن على بن أبى بكر الشيبى الشافعى المكى، جمال الدين 186: 5 محمد بن على بن أحمد الحنفى، شمس الدين (المعروف بالزراتينى) 114: 2 محمد بن على بن شعبان بن حسن بن محمد بن قلاوون 527: 19- 528: 2 محمد بن على بن قرمان، ناصر الدين 82: 11- 85: 4- 116: 10، 12 محمد بن على بن محمد بن يعقوب القاياتى، شمس الدين 367: 9- 371: 7- 459: 16- 509: 6- 513: 4 محمد بن عمار بن محمد، شمس الدين 488: 6 محمد بن عمر بن حجى، بهاء الدين 289: 2- 307: 9- 337: 13- 356: 17- 461: 14- 514: 17 محمد بن فتح الله بدران 321: 21 محمد بن فندو، جلال الدين أبو المظفر- سلطان بنجالة 192: 14، 24- 193: 1 محمد بن قاسم بن عبد الله بن عبد الرحمن 541: 2 محمد بن قانصوه النوروزى 319: 5 محمد بن قايتباى 383: 18 محمد بن قرايلك 67: 3، 6- 87: 16- 88: 2- 92: 8، 10، 12، 14 محمد بن قرايوسف 45: 1، 6، 7- 46: 2- 47: 1- 193: 7- 220: 10- 224: 14

محمد بن فطبكى 63: 3- 66: 10- 67: 8 محمد بن كندغدى بن رمضان التركمانى 62: 12 محمد بن الكويز، صلاح الدين 208: 13، 15 محمد بن المحرقى، فتح الدين 329: 3- 371: 5 محمد بن محمد بن أحمد بن مزهر، بدر الدين 155: 4، 8- 168: 5- 553: 8 محمد بن محمد بن على ... النويرى، أمين الدين أبو اليمن 546: 11 محمد بن محمد بن على الخروبى، بدر الدين 114: 19 محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الملك الدميرى المالكى، زين الدين 168: 12 محمد بن محمد بن محمد ... البخارى العجمى الحنفى، علاء الدين 214: 15 محمد بن محمد بن محمد بن إسماعيل بن على البدر القرشى القلقشندى، بدر الدين أبو عبد الله 8: 25- 33: 25- 145: 1- 158: 19- 341: 16- 366: 23 محمد بن محمد بن مزهر، جلال الدين 168: 5 محمد بن المعلمة السكندرى المالكى، شمس الدين 168: 15 محمد بن ناصر الدين محمد، بدر الدين أبو المحاسن 343: 7 محمد بن الهمام، كمال الدين 501: 5 محمد بن يوسف بن صلاح الدمشقى، شمس الدين (المعروف بالحلاوى) 207: 15- 208: 8- 209: 1 محمد الحموى، شمس الدين 506: 11 محمد الخافى الحنفى، شمس الدين 350: 15 محمد رمزى 153: 19- 183: 27 محمد السنباطى، ولى الدين 391: 17- 418: 6- 460: 2 محمد شاه بن راجه كانس، جلال الدين 192: 26 محمد الصغير، معلم النشاب 55: 9- 278: 10 محمد الفاتح العثمانى، السلطان 62: 24 محمد مصطفى زيادة، الدكتور 7: 14- 9: 22، 27- 19: 23- 36: 22- 48: 28- 84: 26- 342: 17- 352: 21- 491: 21- 534: 14 محمد الهلالى- القائد 197: 14، 17- 198: 1 محمود بن الدكرى 323: 5 محمود بن قرايلك 88: 301- 92: 10 محمود بن محمد الأقصرانى، بدر الدين 112: 6

محمود العينتابى الحنفى، بدر الدين 9: 14، 24 (ح) محمود العينى الحنفى، بدر الدين 49: 14- 50: 1- 60: 12- 110: 13- 111: 1- 133: 17- 134: 9- 139: 9- 168: 22- 189: 5- 222: 16- 230: 17- 349: 6- 356: 10- 357: 2- 397: 13- 491: 1 محمود ناصف 275: 22 محيى الدين عبد الظاهر 366: 16 محيى الدين الكافيجى الحنفى 503: 10 مدلج بن على بن نعير 168: 18 مراد، قاصد الأمير حمزة بك بن قرايلك 231: 8 مراد بك بن عثمان، متملك الروم (السلطان مراد الثانى) 63: 20- 64: 1- 224: 19- 366: 6- 395: 2، 16 (ح) - 464: 7 مرجان العادلى المحمودى 381: 12- 413: 8- 432: 7، 18 (ح) - 451: 10- 495: 7 مرجان الهندى 143: 7- 163: 5، 18 (ح) مرعى، زعيم عرب البحيرة 37: 21 المسبحى 41: 12 المستعصم- الخليفة 195: 22 المستعين بالله- الخليفة 163: 1 المستكفى بالله- الخليفة 349: 9- 396: 22- 432: 12- 459 12- 489: 5، 16 المستنصر، الخليفة 132: 8 مسروق، الأمير- أخو الملك الظاهر ططر 306: 19 مسعود بن محمد (شاعر) 504: 18 المسيح، عليه السلام 390: 20، 22، 25 المظفر أحمد- الملك 120: 16- 141: 2- 162: 18- 185: 6- 260: 16- 476: 9 المظفر أحمد شاه، سلطان بنجالة 193: 6- 203: 14 المعتصم بالله- الخليفة 37: 13 المعتضد بالله- الخليفة 9: 12- 12: 10- 102: 11- 103: 3- 106: 14- 107: 3- 193: 4- 222: 8، 15- 227: 4- 235: 20- 256: 7- 276: 8- 349: 10- 459: 10- 489: 4- 490: 19 (ح) المعظم عيسى بن الكامل- الملك 456: 6 المعظم غياث الدين توران شاه- الملك 122: 11 مغلباى الجقمقى 223: 19- 265: 10- 266: 10-

267: 8- 269: 3، 8- 331: 13- 390: 6- 391: 3- 447: 5- 520: 8- 542: 10 مقبل بن عبد الله الحسامى 18: 14- 20: 7- 24: 9- 36: 11- 184: 4، 13، 14- 185: 3، 5- 522: 7 المقتدى بالله- الخليفة 489: 7 المقريزى (تقي الدين أحمد) 7: 13، 24- 8: 10- 24: 19- 34: 25- 37: 17، 27- 47: 10- 48: 14- 60: 12- 84: 26- 88: 15- 89: 1، 5- 102: 25- 109: 17- 110: 3، 9- 116: 8- 121: 24- 154: 9- 156: 25- 172: 15- 183: 19، 21- 196: 29- 198: 17- 199: 2- 207: 17- 237: 21- 301: 19- 311: 21- 322: 22- 335: 18- 480: 22- 481: 7- 483: 25- 490: 10- 491: 3، 9- 537: 1- 552: 19 المقوقس، صاحب مصر قبل الإسلام 72: 3 ملكشاه السلجوقى 200: 25 ممجق بن عبد الله النوروزى 301: 1- 485: 6- 531: 2 المنتصر بالله أبو عبد الله محمد الحفصى، ملك تونس 197: 4، 10، 14، 20 (ح) - 198: 5 منجد بن أبى نمى 135: 10- 159: 14 منجك اليوسفى 242: 18- 482: 4 المنصور حاجى- الملك 21: 23- 455: 1 المنصور عبد العزيز بن الظاهر برقوق- الملك 486: 2- 517: 14، 15 المنصور عبد الله- ملك اليمن 124: 6- 145: 6 المنصور عثمان بن الملك الظاهر جقمق- الملك 453: 9- 454: 8- 459: 6- 461: 8 منطاش- تمربغا الأفضلى منكلى بغا الشمسى 60: 13- 143: 5- 169: 1 منكلى بغا الصلاحى الظاهرى، علاء الدين 178: 12 المهدى بالله- الخليفة 489: 11 موسى التتائى الأنصارى 379: 10- 415: 1، 9، 14 (ح) - 416: 1- 417: 12 الموفق طلحة ابن الخليفة المتوكل 489: 9 المؤيد إسماعيل صاحب حماه 456: 6 المؤيد شيخ- الملك 11: 8، 13- 60: 13- 68: 21- 109: 6، 12- 112: 9- 113: 11- 114: 1، 116: 12، 13، 14- 117: 3، 9، 16- 119: 1- 120: 12- 121: 9- 124: 15- 126: 7- 127: 4، 12- 129: 19- 130: 8، 12، 14- 131: 8- 143: 7- 151: 11- 155: 7،

8، 9- 157: 11- 163: 1، 5، 7- 169: 9- 178: 6، 16- 179: 11- 180: 14- 184: 7، 13- 185: 10، 11- 190: 1، 2- 198: 16- 199: 10- 211: 12- 213: 9، 11- 221: 7- 259: 7، 8- 260: 14، 17- 285: 4، 6- 345: 20- 410: 25- 469: 10- 476: 6- 477: 5- 478: 3- 482: 6، 16- 484: 17- 495: 5- 497: 11- 500: 18- 507: 9- 508: 9- 511: 15- 517: 16- 518: 15- 522: 14- 526: 16- 530: 18، 20، 21- 541: 13- 552: 10، 13 المؤيد عماد الدين صاحب حماه 102: 26 الميمونى 175: 11، 12، 14- 176: 2 ن ناپليون 37: 27 الناصر أحمد ابن الملك الأشرف إسماعيل، صاحب بلاد اليمن 123: 11- 124: 5- 145: 6 الناصر حسن- الملك 156: 14 الناصر فرج بن برقوق- الملك 109: 5- 135: 18- 137: 6- 142: 1، 4- 143: 6- 151: 8- 154: 15- 155: 8- 159: 9- 162: 7- 166: 7- 176: 12- 178: 15- 179: 10- 218: 14- 260: 9، 10، 13- 273: 19- 285: 4- 345: 19- 466: 17- 476: 3- 477: 4- 507: 2- 510: 3، 5- 517: 14- 520: 13- 522: 2، 13، 14- 530: 17، 19- 551: 16- 552: 11 الناصر محمد بن حسين بن الطولونى 387: 12 الناصر محمد بن قلاوون- الملك 48: 14- 105: 23- 127: 20- 163: 21- 166: 16، 19- 237: 21- 311: 22- 316: 17- 335: 17- 348: 22- 375: 22- 380: 19- 410: 20- 433: 25- 480: 21 ناصر الدين بن البارزى 131: 7- 372: 16- 459: 7- 545: 3 ناصر الدين بن المخلطة 386: 11، 14 ناصر الدين القاياتى 513: 9 ناصر الدين محمد، والى الحجر بقلعة حلب 447: 6 الناصرى محمد (ابن أخى الشيخ تقي الدين المقريزى) 490: 13 الناصرى محمد بن الظاهر جقمق 439: 14 الناصرى محمد بن عبد الرزاق بن أبى الفرج 327: 20- 328: 1- 334: 2- 341: 3- 462: 3 الناصرى محمد بن مبارك 431: 16- 436: 13- 438: 1 نجم الدين أيوب بن حسن بن محمد بن نجم الدين بن بشادة 227: 19- 404: 3، 21 (ح)

نجم الدين بن حجى 482: 17 نجم الدين بن نبيه 443: 14- 444: 3 نصر الله أبو المنصور القبطى القاهرى، شمس الدين (المعروف بالوزة) 333: 17- 334: 1، 18 (ح) نصر الله بن أحمد التسترى، جلال الدين 483: 8 نصر الله بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل العجمى 165: 17- 166: 3 نظير حسان، الدكتور 30: 21 نغتاى، الأمير آخور 258: 9 نفيسة بنت ناصر الدين بك بن دلغادر 464: 7 نوح، عليه السلام 320: 14 نور الدين على الطنبذى 432: 9- 451: 11 نوروز الحافظى 11: 9، 14، 20- 129: 20- 135: 1- 151: 10، 11- 157: 11- 161: 16- 179: 11، 12- 237: 6- 285: 4، 6- 360: 22- 481: 2- 485: 7- 529: 13- 551: 10 نوكار الناصرى 360: 13- 451: 2 النويرى 20: 21 هـ هابيل بن عثمان المدعو قرايلك 167: 9، 11 الهروى، شمس الدين 128: 12- 393: 15 هشام بن عبد الملك 321: 20 هلال الطواشى 345: 7- 355: 10 هنيادى، نائب ترانسلقانيا 395: 19 وواصل بن عطاء 320: 27 الوالد (يعنى به المؤلف والده الأمير تغرى بردى بن بشبغا- الأتابك نائب الشام) ولى الدين الأسيوطى 403: 3- 431: 11 ولى الدين بن قاسم الشيشينى 10: 4 وليام پوپر 7: 18- 147: 21- 163: 16- 188: 23- 322: 23 ى يارعلى (أو: يرعلى) الخراسانى العجمى الطويل 338: 2- 349: 5، 22- 356: 11- 357: 1- 393: 18- 451: 16 ياقوت بن عبد الله الأرغون شاوى الحبشى، افتخار الدين 164: 19- 165: 2 ياقوت الحموى 14: 22- 21: 16- 59: 23- 67: 22- 79: 26- 121: 19- 144: 24- 153: 19- 167: 21- 173: 17- 175: 16-

178: 21- 185: 21- 380: 24- 428: 16 ياقوت المستعصمى 195: 14، 21 (ح) يحيى الأشقر، زين الدين الأستادار (المعروف بقريب ابن أبى الفرج) 278: 8- 334: 1- 341: 1- 346: 1- 350: 4- 353: 9- 354: 3- 381: 5- 401: 5- 405: 5- 410: 12- 412: 2- 417: 12- 433: 13- 434: 1- 462: 5 يحيى بن أحمد بن عمر.. شرف الدين (الشهير بابن العطار- الشاعر) 544: 14، 17 يحيى بن حسن الحيحانى المغربى، محيى الدين 468: 19- 469: 19 (ح) يحيى بن محمّد الكرمانى، تقي الدين 169: 6 يحيى بن المدنى، نجم الدين 183: 3 يحيى بن يوسف بن محمد بن عيسى السيرامى، نظام الدين 127: 2، 16- 162: 12 يحيى القبطى، علم الدين (المعروف بأبى كم) 176: 10 يحيى المناوى، شرف الدين 381: 18- 397: 4- 414: 19- 416: 15- 417: 8- 418: 5- 423: 14- 424: 9- 442: 20- 443: 13- 450: 6- 451: 13- 459: 17 يخشباى المؤيدى 113: 22- 223: 18- 229: 13- 237: 17- 240: 1- 242: 16، 17- 246: 2- 262: 16- 322: 3- 325: 12، 17- 470: 17- 471: 1 يرشباى الإينالى المؤيدى 397: 6- 451: 6- 544: 3 يرعلى الدكرى 318: 10- 323: 1 يشبك بزق الدوادار 331: 21- 332: 14 يشبك بن أزدمر 161: 7- 559: 3 يشبك بن عبد الله (أخو الملك الأشرف برسباى) 165: 6، 10، 14- 166: 15 يشبك بن عبد الله الساقى الظاهرى الأعرج 151: 4- 188: 9، 19- 510: 1، 4 يشبك الجكمى 212: 3، 6 يشبك الحمزاوى 373: 11- 378: 19- 379: 1- 437: 17- 463: 13 يشبك الخاصكى الظاهرى جقمق 398: 16- 399: 2، 6، 13 يشبك السودونى (المعروف بالمشدّ) 8: 1- 39: 6، 8، 19- 57: 3- 76: 5- 90: 5- 223: 8- 244: 12- 248: 18- 262: 3، 10- 275: 13- 276: 1- 282: 15- 299: 2، 10- 304: 18- 305: 1- 308: 9- 309: 3، 14- 310: 9، 19- 311: 7- 329: 9- 369: 12- 460: 9، 12- 461: 1- 496: 15- 509: 16، 19- 536: 19، 20

يشبك الشعبانى 544: 8 يشبك الصوفى المؤيدى 349: 14- 372: 4- 374: 14- 375: 1- 403: 11- 404: 13، 16- 431: 13- 440: 7- 446: 15- 447: 15- 463: 4، 8 يشبك طاز المؤيدى 380: 8- 447: 3- 451: 20 يشبك الفقيه 149: 7- 239: 6- 246: 8- 333: 1- 360: 14- 390: 12- 391: 10- 437: 19- 439: 4- 542: 8 يشبك من أزوباى الناصرى 291: 1 يشبك النوروزى 380: 9- 404: 15- 405: 2- 451: 18- 463: 5 يعقوب بن جلال الدين رسولا، شرف الدين 121: 6 يلباى الإينالى المؤيدى 314: 16- 315: 2، 19- 316: 1 يلبغا البهائى الظاهرى برقوق (ويعرف بيلبغاقراجا) 277: 10- 282: 12- 336: 10- 477: 10، 12 يلبغا الجاركسى 378: 19 يلبغا قراجا- يلبغا البهائى الظاهرى يلبغا الناصرى 84: 14، 15، 18، 20- 188: 21- 454: 14، 21 (ح) - 455: 1 يلخجا من مامش الساقى الناصرى 71: 14- 72: 5- 229: 15- 184: 14- 360: 8- 361: 12- 365: 15- 368: 1- 463: 16- 508: 8- 517: 11 ينى بازق- طوخ من تمراز الناصرى يوسف الباعونى 439: 7 يوسف البرصاوى 426: 7 يوسف بن أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن قاسم البيرى البجاسى، جمال الدين- الأستادار 132: 3- 142: 3- 260: 12- 364: 17- 365: 8- 366: 11- 423: 6 يوسف بن خالد بن نعيم، جمال الدين 136: 17 يوسف بن السلطان الملك الأشرف برسباى 9: 5- 34: 17- 41: 16- 102: 2- 103: 6، 11- 106: 5، 9، 16 يوسف بن الصفى الكركى، جمال الدين 119: 9- 289: 2 يوسف بن قلدر، جمال الدين 63: 17 يوسف بن كريم الدين عبد الكريم، جمال الدين- الصاحب 54: 5، 9- 55: 17- 56: 2- 85: 14- 211: 1- 224: 3- 241: 5 يوسف بن محمد بن جامع البحيرى 516: 1 يوسف بن يغمور، جمال الدين 446: 1 يونس بلطا 468: 13 يونس الدمشقى (المعروف بابن دكدوك) 439: 1 يونس السيفى آقباى (المعروف بالبواب) 351: 3- 369: 18- 390: 3- 450: 16 يونس العلائى الناصرى 360: 11- 374: 1- 382: 16- 451: 1

فهرس الأمم والقبائل والبطون والعشائر والأرهاط والطوائف والجماعات

فهرس الأمم والقبائل والبطون والعشائر والأرهاط والطوائف والجماعات اآل بهمان 129: 16 آل رسول، باليمن 339: 12 آل فضل 168: 18 آل مهنا 323: 4 الأتراك 131: 28- 161: 3- 171: 8- 173: 13- 174: 17- 396: 1- 458: 6، 10- 474: 13- 527: 2- 531: 13، 20 الأجناد 161: 22- 451: 3، 8- 466: 18- 496: 8 أرباب الأقلام 83: 9 أرباب التقويم والحساب 437: 1 أرباب الجرائم 385: 6، 22 أرباب الحرف 424: 23 أرباب الدولة 94: 16- 171: 11- 242: 11- 252: 2- 315: 9- 347: 10- 348: 12- 377: 16- 389: 7- 401: 14- 452: 10- 480: 12- 493: 6- 514: 8- 516: 4- 525: 10 أرباب الكمالات 504: 13 أرباب المعايش 289: 8 أرباب الوظائف 263: 2- 274: 16 أركان الدولة 292: 4 الأرمن 70: 24- 233: 19 الأسرة السليمانية 196: 22 أسرة لوزنيان 176: 16 الإسفندياريون 62: 22 الإسماعيلية 209: 11 الأشراف 193: 5- 196: 11- 348: 2 أشراف بغداد الأتراك 527: 2

أشراف المدينة 202: 18 الأشرفية (مماليك الأشرف برسباى) 297: 12- 298: 16- 299: 7- 304: 8- 311: 4- 312: 13- 332: 1- 370: 21 أصحاب الإقطاعات 301: 18 الأعاجم 136: 11- 278: 19- 514: 13 الأعاجم المولدة من الجغتاى 278: 19 الأعراب 232: 11 الأعوان 301: 20 الأعيان 84: 16- 245: 17- 273: 1- 319: 2- 362: 3- 412: 3- 424: 4- 431: 4- 502: 6- 535: 8- 544: 17 أعيان الأشرفية 312: 13 أعيان الأمراء 266: 14- 328: 13- 346: 11 أعيان أمراء دمشق 288: 7- 306: 16 أعيان أمراء الدولة 531: 11 أعيان أهل دمشق 185: 17 أعيان الخاصكية 258: 12- 360: 16- 362: 16- 511: 18 أعيان الدولة 102: 11- 222: 8- 256: 8، 16- 337: 21- 367: 11- 377: 17- 389: 11- 398: 8- 441: 8- 441: 17- 458: 5- 556: 16 أعيان الديار المصرية 277: 3 أعيان مباشرى الدولة 461: 9 أعيان المماليك السلطانية 265: 3- 271: 19 أعيان المملكة 256: 6- 453: 15- 482: 15 أعيان الناس 396: 22 أعيان النواب 452: 1 أعيان الوزراء 330: 19 الأقباط 116: 9- 131: 26 الأكابر 545: 6- 556: 4، 7 أكابر الأمراء 265: 5- 281: 7 الأكراد 320: 18 أمراء البلاد الشامية 360: 19

أمراء التركمان 62: 15، 21- 63: 3- 66: 10- 284: 8، 15 أمراء الحجاز 224: 8 أمراء حلب 278: 4- 283: 3- 284: 17- 285: 17، 19- 323: 8، 12 أمراء دمشق 24: 12، 13- 25: 2- 288: 5- 289: 1، 2، 3- 307: 3- 380: 9- 522: 14 أمراء الدولة 364: 17 أمراء طرابلس 379: 2 الأمراء الظاهرية البرقوقية 511: 6 أمراء مصر 478: 9 الأمراء المصريون 232: 3- 234: 1، 8 أمراء المماليك 181: 24 الأمراء المؤيدية 228: 17- 273: 1- 469: 16- 484: 20 أهل الأدب 347: 16 أهل بانقوسا 324: 7 أهل البحيرة 38: 2- 57: 6، 9 أهل بدر 545: 11 أهل الجامع الأزهر 498: 7 أهل الحرس 272: 10 أهل حلب 293: 5، 7، 11- 323: 17- 324: 9، 14- 327: 3- 420: 14 أهل حماه 363: 17 أهل الدولة 133: 13- 164: 4- 234: 10- 240: 10- 309: 18 أهل الذمة 416: 18- 556: 22 أهل رودس 343: 18 أهل السنة 209: 15- 320: 23- 491: 10 أهل العلم 167: 20- 338: 12- 344: 15- 494: 19 أهل القرافتين 91: 9 أهل الكوفة 321: 15 أهل المشهد 45: 14

أهل المغرب 85: 22 أهل مكة 72: 193 أهل ينبع 425: 26 أولاد السلاطين 456: 4 أولاد صوجى 327: 1 أولاد العرب 136: 10، 11 أولاد قرايلك 88: 10- 224: 16 أولاد قرايوسف 220: 9 أولاد الملوك 439: 16- 503: 3 الأئمة 321: 16 الأيوبيون 36: 18- 37: 12 ب الباعة 375: 14- 424: 23 البجاسية 121: 4 بدو الشام 115: 6 البرقوقيون 246: 17 بنو آدم 46: 9- 199: 3- 499: 2 بنو إبراهيم، من أهل ينبع 425: 26 بنو الأصفر 366: 7، 15 (ح) «1» بنو أمية 289: 21 بنو أيوب 37: 16- 456: 5 بنو البارزى 186: 3- 544: 18 بنو تنوخ 320: 18 بنو حسن بن عجلان 536: 5 بنو حسين 196: 2 بنو العباس 455: 3- 489: 16 بنو العديم الحلبيون 186: 3 بنو العز 186: 1، 3 بنو قرا يوسف 73: 5- 174: 1- 201: 9 بنو قرمان 61: 14، 22 (ح) بنو القرناء 335: 15

بنو مهدى 47: 10 بنو نصر الله 158: 10- 159: 1 بنو الوفاء 528: 14 البهمانيون 194: 15، 18 بيت دلغادر 320: 18 ت التتار 46: 1 تجار القرم 123: 8- 162: 4 تجار مكة 339: 17 التراكمين 457: 17 الترك 37: 14- 111: 2- 232: 20 التركمان 15: 3، 6- 22: 13- 24: 8، 11- 25: 8- 35: 7- 43: 15- 45: 16- 62: 15- 80: 1- 141: 3- 212: 18- 232: 20 (ح) - 254: 2- 284: 13- 292: 13- 293: 5- 318: 10- 320: 18- 323: 3، 5- 424: 20- 473: 10- 508: 5 التركمان الصوجية 325: 6، 22 (ح) تركمان الطاعة 80: 6- 323: 8 التكاررة 370: 25 تلاميذ المسيح 390: 19، 22 التمرية (جيش تيمور لنك) 232: 11 ج الجبلية 375: 10، 24- 443: 4، 22 الجراكسة 61: 23- 108: 13- 137: 21- 256: 4 الجغتاى 278: 19 الحغتية 328: 12، 23 (ح) لحقمقية 238: 16 الجكمية 161: 16 الجند السلطانى 183: 21 الجند العرب 37: 13 الجوارى 157: 16 ح حزب السلطان الملك الظاهر جقمق 270: 11

الحلبيون 323: 16- 324: 8- 326: 16- 474: 5- 511: 10 الحمويون 363: 17 الحنابلة 343: 9- 483: 9، 15، 26- 493: 11- 546: 6 الحنفية 168: 3- 438: 12- 459: 19- 491: 11 لحياك (القزازون) 38: 6 خ الخدام 261: 25 خدام الأطباق (او الطباق) بالقلعة 248: 10- 432: 20 خدام الحجرة النبوية الشريفة 526: 21 خدام قصر الخليفة المستنصر 132: 7 الخراربية 114: 19 الخصيان 261: 25 الخلفاء الفاطميون 335: 15- 490: 14 خواص السلطان 328: 16 د الدروز 115: 6 دولة آق قويونلو 12: 18 الدولة الأرتقية 200: 16، 23 (ح) الدولة الأشرفية برسباى 151: 1- 158: 1- 236: 13- 246: 19- 254: 11، 23- 260: 18- 263: 3- 330: 12- 369: 1- 462: 1- 466: 19- 476: 9- 477: 5- 478: 4، 16- 536: 12- 551: 16- 553: 2- 559: 4 الدولة الأيوبية 456: 15- 547: 21 دولة بنى أويس الأتراك بالعراق 173: 13 الدولة البيزنطية 366: 16 الدولة التركية 456: 15- 503: 2 الدولة الرومانية 366: 16 الدولة الرومانية القديمة 366: 23 دولة الشاة البيضاء 12: 18، 21- 44: 28 دولة الشاة السوداء 44: 23 الدولة الصالحية محمد 137: 8- 260: 18

الدولة الظاهرية برقوق 128: 8 الدولة الظاهرية جقمق 545: 6- 551: 10- 552: 1 الدولة الظاهرية ططر 552: 18 الدولة العزيزية يوسف 459: 19- 477: 7- 553: 12 الدولة الفاطمية 132: 6- 341: 17 دولة قراقيونلو 44: 23 الدولة المظفرية 131: 9- 218: 15- 260: 16 دولة المماليك الحراكسة 339: 30 الدولة المملوكية 12: 21، 22- 131: 26- 330: 17- 341: 18 الدولة المملوكية الأولى 42: 26- 97: 17- 105: 23- 115: 8- 127: 21- 156: 14- 163: 21- 166: 17- 348: 19- 480: 20- 509: 21- 526: 22 الدولة المملوكية الثانية 61: 23 الدولة المؤيدية (شيخ) 121: 1- 122: 4- 137: 7- 178: 7، 16- 188: 3- 221: 4- 259: 6- 276: 18- 466: 12، 18- 517: 17- 518: 1- 525: 15- 526: 15 الدولة الناصرية (فرج) 11: 13- 120: 11- 122: 4- 132: 3- 150: 18- 160: 1- 178: 15- 181: 1- 188: 2- 211: 11- 221: 6- 476: 5- 495: 4- 496: 6- 497: 11 ر الرافضة 320: 21- 321: 16 رجال الدولة 333: 20 رسل الشرع 415: 8، 12 الركب الأول 60: 3- 218: 19- 337: 17- 346: 17- 351: 3- 356: 8- 358: 9- 370: 15- 372: 14- 387: 3- 402: 13- 430: 1- 446: 12- 518: 1، 2- 522: 6- 530: 4 الركب الشامى 364: 10 الرهبان 302: 19 (ح) رؤساء الدولة 100: 12 الروم 62: 14- 63: 20- 79: 23- 216: 14- 224: 18- 225: 1- 366: 7- 532: 4- 549: 9 ز الزيدية 209: 13، 15- 320: 22

س السادة الأشراف 49: 3- 457: 10 سرارى السلطان الناصر محمد بن قلاوون 127: 21 سكان الحوانيت 289: 9 السلاجقة 70: 23- 200: 24 السلاطين المماليك 60: 11- 93: 21- 140: 13- 316: 19- 380: 21- 395: 21- 426: 25 سماسرة الغلال 207: 17 السّمرة 427: 7 سمرة دمشق 152: 7 ش الشافعية 152: 12- 153: 5- 167: 7- 367: 9- 373: 2- 383: 12- 415: 8- 459: 14- 485: 15- 509: 11- 557: 2 الشاميون 155: 9- 185: 17- 390: 21 الشيعة 321: 21 شيوخ العلم 323: 19 ص الصّلاح، الصلحاء 323: 19- 396: 22 الصليبيون 286: 20- 342: 16- 366: 16 الصوفية 154: 6- 268: 22- 424: 10- 494: 24- 503: 15 صوفية خانقاه شيخون 139: 14 الصيارف 340: 2 ط الطائفة المؤيدية- مماليك الملك المؤيد شيخ طائفة الناصرية- مماليك الملك الناصر فرج طلبة العلم 457: 5 ظ الظاهرية (برقوق) - مماليك الملك الظاهر برقوق ع عامة حلب 326: 22- 327: 3 العبيد 90: 7، 8- 157: 16 العثمانيون 15: 24- 224: 24- 383: 16- 395: 20 العرب، العربان 15: 3- 22: 13- 24: 11- 25: 8- 37: 7، 9 (ح) ، 19- 45: 13، 14- 80: 1- 131: 2- 185: 1، 5- 186: 11- 318: 7، 11- 320: 18- 375:

24- 409: 19- 443: 22- 474: 9- 508: 7، 13 عرب (أو عربان) البحيرة 37: 7، 19 (ح) ، 21، 22 عرب بلى 279: 9 عرب الجعافرة 37: 17 عرب الصعيد 282: 16- 299: 3 عرب لبيد 230: 11، 22 (ح) عرب محارب 409: 19 عرب هوارة 308: 10 عربان الشام 320: 18 عربان الطاعة 310: 20 عربان مهنا (أو: آل مهنا) 320: 18- 323: 4 عساكر الإسلام (عسكر الإسلام، العسكر الإسلامى) 14: 16- 109: 3- 362: 1- 363: 1 عساكر جغتاى 449: 10 عساكر السلطان (العساكر السلطانية، العسكر السلطانى) 14: 6- 24: 8- 25: 4- 267: 15- 269: 15- 270: 2، 6- 308: 10- 317: 17- 520: 5- 525: 1 العساكر الشامية (العسكر الشامى) 13: 14- 35: 2- 233: 17- 318: 17- 324: 17- 361: 1 العساكر المصرية (العسكر المصرى) 13: 14- 15: 3- 24: 5- 35: 1- 74: 11- 78: 19- 79: 9- 167: 11- 233: 17- 253: 19- 284: 4- 286: 11- 293: 18، 19- 318: 15، 18- 319: 10- 322: 12- 324: 17 العلماء 193: 11- 459: 1 علماء الحنفية 121: 11- 168: 3 علماء العصر 296: 14 علماء مصر (أو العلماء المصريون) 48: 26- 217: 17 علماء المؤرخين 491: 12 عوام مصر 153: 18 غ الغزاة 342: 4- 343: 5، 11- 360: 4- 362: 3- 363: 5 ف الفاطميون 122: 18 الفرس 30: 17 فرسان الإسبتارية 342: 16- 352: 20

الفرنج 334: 5- 341: 10- 442: 3، 16 ح- 343: 6، 16- 361: 14- 362: 9، 13، 17- 366: 15- 559: 7 فرنج رودس 363: 1 الفقراء 424: 10- 457: 10 الفقهاء 14: 12- 68: 14- 338: 14- 418: 1- 423: 17- 424: 10- 545: 4- 457: 5، 10- 459: 1- 531: 13- 557: 4 فقهاء الأتراك 526: 3 فقهاء الحنابلة 113: 6- 117: 6 الفقهاء الحنفية 58: 21 فقهاء الديار المصرية 216: 17 فقهاء السلف 134: 7 فقهاء الشافعية 152: 12- 153: 5- 167: 7- 202: 12- 525: 4- 526: 9، 10- 535: 11 فقهاء المالكية 468: 17 فقهاء مكة 123: 4 فلاحو القرى 41: 10 ق القرايلكية 24: 10- 25: 1، 4- 43: 16- 86: 13- 88: 7- 182: 15- 187: 6 القرقماسية (أصحاب قرقماس) 268: 12- 269: 15- 270: 7- 271: 12- 272: 8 القزّازون (الحيّاك) 38: 6 القضاة الأربعة 425: 5 القضاة الحنفية 172: 7 قضاة زمان المؤلف 173: 9 قضاة السوء 538: 18 القلعيون 271: 14 القلعية الأشرفية 240: 3 القيسية 115: 7 ك الكافورية 7: 23 كبار الأمراء 330: 17 الكتبة 55: 12- 119: 8- 172: 3- 527: 8

ل لبيد (قبيلة) 57: 5، 9 المالكية 178: 8- 325: 16- 415:؟؟؟ 21- 435: 7- 459: 21- 488: 7- 492: 7 المتصوفة 141: 24 المتعممون 119: 10- 418: 1- 423: 17 محارب (قبيلة) 57: 10 المرسمون 331: 3 المسلمون 60: 23- 68: 15- 95: 16- 110: 16- 256: 11- 384: 8- 427: 7- 441: 11 مسيحيو أوروبا 366: 21 مشايخ الإسلام 503: 7 مشايخ الحديث 209: 6 مشايخ العلم 396: 22 مشايخ القراءات 459: 1 مشايخ هوارة 308: 12 المصريون 174: 7- 364: 17 المطربون 348: 10 المطوّعة 342: 3- 351: 20- 360: 7، 18 المغاربة 47: 8- 315: 5- 370: 25 ملوك آل حفص بتونس 197: 20 ملوك الترك 222: 5- 256: 4- 456: 2 ملوك الجراكسة 222: 4 ملوك چغتاى 195: 13- 196: 3 ملوك حصن كيفا الأيوبية 201: 3 ملوك ديار بكر 201: 11- 224: 15 ملوك الروم 62: 14 ملوك الشرق 201: 1 ملوك كلبركة 194: 16 ملوك مصر 74: 9- 255: 3، 5- 449: 15- 455: 4- 456: 14 المماليك الأتراك 37: 18

مماليك الأشرف برسباى 90: 10- 105: 16، 18، 19- 107: 13- 148: 11- 223: 11- 228: 16- 229: 2- 230: 3، 5، 8- 232: 5- 233: 4- 234: 11، 13، 19- 235: 1، 4، 5، 9- 236: 14- 237: 13- 238: 3- 239: 16- 240: 1، 10، 13- 241: 9، 10- 242: 2، 11- 243: 4، 11، 19- 244: 14- 245: 6، 17- 251: 7، 9- 253: 18- 264: 5، 12، 21- 265: 9- 266: 13- 267: 3- 268: 6- 273: 3، 4- 275: 9، 10- 277: 14، 16- 279: 9، 15- 282: 16، 17- 297: 7، 9- 299: 3، 10- 300: 13- 301: 3- 302: 3، 11- 309: 8، 15- 311: 16- 312: 1- 329: 10- 337: 8- 372: 10- 449: 4- 553: 12 مماليك الأمراء 263: 17 مماليك الأمير كمشبغا الجمالى 187: 1، 20 المماليك البرقوقية 370: 2 مماليك تغرى بردى (والد المؤلف) 285: 11- 319: 2- 324: 12- 471: 16 مماليك تغرى برمش 293: 15 المماليك السلطانية 20: 19- 26: 11- 32: 5- 75: 3- 83: 12- 90: 8- 91: 20- 99: 17- 103: 2- 104: 4- 161: 14، 17- 164: 20- 218: 2- 226: 6، 8، 16- 230: 12- 234: 6- 238: 10، 15، 16، 18- 239: 3- 240: 5- 242: 1- 246: 17- 248: 7- 259: 8، 14، 17- 260: 6- 261: 14- 263: 10، 18- 264: 12- 265: 4- 266: 16- 269: 4- 270: 9، 12- 271: 19- 290: 6- 305: 19- 306: 9- 317: 19- 330: 1- 341: 11، 15- 342: 2- 349: 14- 351: 16- 354: 14- 356: 9- 360: 6، 17- 361: 13- 365: 3، 9- 366: 1- 387: 20- 398: 5- 410: 9- 411: 4- 428: 11- 429: 20- 432: 7- 433: 14- 435: 11، 17- 445: 11- 471: 18- 481: 5 المماليك الكتابية 471: 11 مماليك الملك الظاهر برقوق 105: 15- 107: 13- 113: 1- 118: 2- 137: 5- 150: 16- 151: 6- 157: 10- 159: 9، 19- 188: 1- 195: 7- 199: 8- 205: 7، 14- 211: 11- 218: 1- 221: 13- 235: 14 مماليك الملك المؤيد (شيخ) 105: 16- 188: 19- 235: 15- 236: 12- 240: 21- 250: 9- 252: 15، 17- 253: 15- 263: 5- 264: 9- 300: 4- 302: 3، 18- 303: 10- 313: 16- 315: 7- 370: 21

مماليك الملك الناصر (فرج) 105: 16- 234: 15- 240: 21- 252: 18- 270: 19 المنجمون 506: 4 مؤرخو مصر الإسلامية 121: 21 المؤرخون المسلمون 121: 21- 366: 15 ن الناصرية- مماليك الملك الناصر (فرج) ندماء الملك المؤيد 190: 1 النصارى 46: 3- 177: 1- 193: 11- 384: 4- 390: 10، 17، 19، 24، 26- 407: 13- 424: 2 نصارى مصر القديمة 481: 1 النوروزية 162: 16 ى اليشبكية 540: 10- 544: 12 اليمنية 115: 7 اليهود 384: 8- 407: 14- 424: 12

فهرس البلاد والأماكن والأنهار والجبال وغير ذلك

فهرس البلاد والأماكن والأنهار والجبال وغير ذلك االآثار النبوى 425: 18، 24 (ح) «1» آسيا الصغرى 14: 20- 61: 20، 22- 62: 21- 66: 21- 67: 21- 71: 22- 82: 23- 116: 19- 131: 23- 201: 21- 352: 20- 426: 26- 501: 17، 22 آق شهر (أو: أقجهر، أو: أقشهر) 82: 11، 23 (ح) - 104: 19 آمد 7: 2- 12: 8- 13: 16، 26- 14: 4، 6، 7، 8، 9، 15- 15: 10- 16: 2، 5، 8، 12، 14، 15، 16، 17- 17: 1، 3، 5، 7، 16- 18: 7، 10- 21: 7، 9- 22: 5، 11، 15- 23: 1، 3، 10، 16- 25: 6، 11- 26: 1، 3، 5، 6- 27: 9، 15- 28: 14- 29: 2، 5، 7- 31: 4- 32: 13- 33: 7: 12- 35: 2، 15- 36: 12- 43: 10- 47: 14- 86: 12- 89: 18- 178: 4- 179: 6، 7- 180: 4، 11، 20- 181: 7- 182: 1، 11، 12- 186: 5- 200: 9- 210: 15- 216: 8- 224: 15- 420: 12- 472: 20- 478: 7- 498: 10، 11- 502: 15- 521: 2 أبلستين 62: 13- 63: 4- 66: 10- 67: 11، 21 (ح) - 68: 1- 75: 6- 78: 22- 79: 2، 4- 104: 19- 337: 20- 338: 3- 499: 3، 4 أبواب حلب 323: 21 (ح) أحسن أباد 194: 16 أحمد أباد بيدر 194: 19 إخنا (أو: أخنو) 468: 21 أخنويه الزلاقة 468: 22 أدرنابولى 224: 119 أدرنة 224: 23 الأديرة 302: 19 (ح) أذربيجان 44: 25- 78: 9- 224: 11 أذرعات 494: 14، 17، 19 أرزن (أو: أرزن الروم) 70: 11، 14، 17، 19، 21 (ح) - 89: 18- 200: 9، 11، 12، 14- 224: 15- 227: 14

أرزنجان (أو: أرزنكان) 233: 1، 19 (ح) أرض البقاع 318: 19 أرض البلقاء 47: 11 أرفنين 14: 22 أرقنين 14: 7، 20 (ح) - 24: 1، 4، 7، 15- 25: 5- 26: 9- 29: 11- 30: 1- 224: 16 أرمناك 61: 24 أرمنت 341: 21 أرمينية 12: 19- 44: 25- 70: 21- 233: 19- 335: 24 أرمينية الصغرى 380: 18 الأزبكية 383: 18 الأزهر 418: 21- 444: 18 إسبانيا 366: 22 الإسطبل (الإسطبل السلطانى، الإسطبلات السلطانية) 71: 13- 73: 7، 13- 170: 6- 242: 15، 17- 244: 18، 20- 248: 15- 250: 11- 256: 9- 264: 1- 268: 11- 278: 9- 389: 12- 468: 2- 536: 1 الإسكندرية (أو: ثغر الإسكندرية) 38: 6- 50: 13- 51: 2، 8- 66: 5، 15- 107: 11، 14- 109: 8- 120: 8- 129: 2، 3- 131: 9- 141: 2- 160: 2، 10- 162: 10- 163: 2- 195: 3- 205: 8- 212: 5، 6- 213: 17- 241: 12- 246: 13، 14- 247: 16- 255: 1- 262: 8- 276: 3- 281: 9، 13، 14- 282: 14- 296: 12- 301: 7- 305: 11- 315: 16- 317: 2- 321: 14- 327: 15- 331: 16- 332: 5- 333: 12- 336: 10- 350: 12- 360: 5- 361: 3، 5- 363: 3، 16- 364: 4- 392: 1- 404: 13- 446: 2- 451: 20- 463: 7- 466: 16- 468: 7- 470: 18- 478: 5- 491: 14- 543: 14 إسنا 308: 10 أسيوط 309: 7 الأشمونين 445: 4 الأعمال البهنساوية 509: 20 الأعمال القليوبية 387: 20 إفريقية 197: 3- 225: 3

أفغانستان 504: 20 الأقفاص 173: 16 أقفهس (أو: أقفهص) 173: 16 (ح) أكلّ 21: 13، 23 (ح) إمارة بنى أيدين التركمانية 82: 24 إمارة دلغادر (أو: بنى دلغادر) التركمانية 67: 21- 71: 21- 501: 22 الإمبراطورية المملوكية 37: 24 أمحرة 196: 14 أملاك الزردكاش 559: 2 الأندلس 225: 6- 286: 21 أنطاكية 380: 18 أوروبا 366: 21 (ح) أوفات 226: 21 إيوان القلعة 365: 4- 435: 13 ب باب الأربعين (أحد أبواب حلب) 323: 22 باب أنطاكية (أحد أبواب حلب) 323: 22 باب الجديد (بقلعة الجبل) 501: 14، 25 (ح) باب الجنان 323: 22 باب الخرق (حاليا: ميدان أحمد ماهر) 384: 11، 22 (ح) باب الدهيشة (بقلعة الجبل) 102: 14، 23 (ح) باب زويلة 34: 17- 70: 8- 86: 8- 124: 15- 148: 9- 265: 3- 266: 12- 325: 9- 328: 7- 347: 12- 376: 18- 397: 18- 398: 3- 410: 20- 411: 16- 513: 12 باب الساقية 101: 13 باب السر (بقلعة الجبل) 39: 15، 24 (ح) باب السلسلة (بقلعة الجبل) 9: 1، 15 (ح) - 39: 16- 212: 4- 239: 11- 242: 15- 243: 4، 8، 9- 245: 10- 247: 11، 17- 250: 5- 256: 8- 267: 9، 16، 21- 268: 4- 269: 6، 16- 271: 3- 305: 5- 315: 6- 330: 3- 454: 15- 468: 2، 5 باب الستارة (بقلعة الجبل) 106: 8- 22: 7 باب الفتوح 385: 21

باب الفرج 323: 15 باب القراطين 203: 19 باب القرافة 127: 20- 238: 9- 269: 7 باب القلة (بقلعة الجبل) 433: 14، 24 (ح) - 453: 16- 502: 10 باب قنسرين (أحد أبواب حلب) 323: 22 باب القنطرة 86: 5 باب المحروق 203: 4، 18 (ح) باب المدرج (أحد أبواب القلعة) 264: 13- 360: 12- 410: 24 باب المقام (أحد أبواب حلب) 323: 6، 22 (ح) باب المندب 428: 4 باب الميدان 475: 13- 476: 1 باب النحاس 352: 6 باب النصر 34: 13- 91: 11- 323: 22- 342: 11- 343: 4- 345: 16- 491: 1- 513: 6 باب النيرب 323: 10، 21 (ح) باب الهجرة 330: 5 باب الوزير 233: 4- 398: 10 بارنبار 153: 18 بانقوسا 324: 7، 21 (ح) بانياس 332: 20 بجاية 198: 3- 225: 3 البحيرة 37: 22- 38: 2- 41: 7- 57: 2، 5، 7، 9- 230: 11- 242: 1- 367: 3- 394: 12- 397: 8- 401: 18- 409: 19 بحيرة وان 44: 24 بخارى 215: 2 البرج (بقلعة الجبل) 167: 13- 277: 15، 18- 315: 17- 330: 5- 331: 1- 332: 9- 333: 5- 351: 6- 441: 20- 442: 3- 443: 2- 447: 11 برزة 10: 14، 24 (ح) برصا 65: 13- 116: 12- 224: 19- 426: 26 برغلو 62: 22 بركة الجب 335: 14 (ح)

بركة الحاج 100: 2- 335: 1، 14 (ح) - 348: 22- 351: 1- 356: 8- 358: 8- 370: 15- 372: 13- 402: 4- 423: 20- 430: 1- 438: 15- 446: 11 بركة الحبش 227: 20 بركة الحجاج 335: 14 (ح) بركة الرطلى 348: 9، 21 (ح) بركة الطوابين 348: 21 بركة الفيل 237: 5 بروسا 165: 12 بريطانيا 428: 19 بزرجق 78: 19 البستان- أبلستين بعلبك 33: 6- 181: 12- 318: 9- 320: 14- 371: 19- 444: 17 بغداد 44: 8- 45: 1، 2، 3، 8، 9- 70: 1- 72: 13- 73: 1- 154: 11- 169: 8- 193: 7، 9- 224: 13- 483: 11- 527: 2 البقيع 480: 16 بلاد ابن قرمان 82: 9، 11 بلاد التركمان 285: 2 بلاد الجاركس 464: 9- 555: 11 البلاد الجيزية 445: 4 البلاد الحلبية 11: 2- 420: 13 بلاد الروم 60: 7- 61: 12- 65: 13- 66: 7- 87: 16- 212: 18- 366: 6- 395: 2- 407: 12- 434: 7- 438: 20- 531: 4 البلاد الساحلية 115: 8 بلاد الشام، البلاد الشامية- الشام بلاد الشرق، البلاد الشرقية، البلاد المشرقية- الشرق البلاد الشمالية 233: 17 بلاد الصعيد- الصعيد بلاد صيدا- صيدا بلاد العجم 215: 2- 549: 9 بلاد الغرب 487: 16 بلاد الغور 504: 20 بلاد الفرنج 225: 13

بلاد قرمان 116: 10، 19 (ح) بلاد اليمن- اليمن بلبيس 331: 16- 332: 6 البلقان 224: 23 بلقينة 485: 20 بنجالة (أو: بنغالة) 192: 13، 21 (ح) - 203: 14- 204: 2 بنى سويف 167: 21 بهسنا (أو: بهسنى) 71: 21- 78: 21- 462: 23- 471: 6، 20 (ح) البهنسا 178: 20 البوب 485: 20 بور سعيد 185: 21 بولاق 348: 9 بيت أصلم 398: 15 البيت الحرام 49: 5- 516: 10 البيت الشريف 516: 17 البيت العتيق 438: 13 بيت قاضى القضاة الحنفى 384: 4 بيت قاضى القضاة الشافعى 385: 1 بيت قوصون 267: 9- 268: 3 بيت الله الحرام 364: 9 بيت المقدس 286: 20 بيت والى القاهرة 53: 9، 12- 442: 15- 444: 6 بيدر 194: 16 بئر الاسطبل 311: 24 البيرة 13: 2، 9، 13، 15- 32: 8، 10- 286: 1، 19 (ح) - 431: 16- 436: 14 بيروت 430: 5- 551: 9 بيسان 318: 19 البيمارستان المنصورى بالقاهرة 36: 4- 37: 3- 41: 1- 65: 12- 154: 10- 220: 12- 370: 12- 382: 6- 557: 1، 17 (ح) بين السورين 164: 2 بين القصرين 133: 18- 134: 3- 364: 18- 367: 21- 444: 7- 514: 5

بيور نبارة 153: 19 ت تبان (توبن) 121: 18 (ح) تبريز 44: 25- 47: 3- 70: 10- 78: 9- 89: 15، 17- 220: 5، 23- 224: 12- 420: 12- 432: 15- 449: 7 تتامنوفية 415: 15 ترانسلفانيا 395: 20 التربة الأشرفية 165: 7 تربة الأمير طيبغا الطويل 441: 2 تربة خوندجلبان 333: 16 تربة الصوفية 513: 6 تربة الملك الأشرف برسباى 203: 3 تربة الملك الظاهر برقوق 279: 5- 424: 10 تعز 124: 3- 225: 12 تفهنا، تفهنا العزب، تفهنة 134: 25- 175: 16 (ح) - 430: 12، 20 (ح) تلمسان 192: 8- 225: 4 تلوانة 487: 18 تنيس 185: 19 توبن (تبان) 121: 18 (ح) توقات 66: 8، 21 (ح) - 67: 2 تونس 197: 3، 8، 11، 20- 225: 3 التيبر (نهر) 366: 24 ث الثغور الشامية 380: 16 ج جامع ابن طولون 58: 19- 496: 19 جامع ابن عثمان 518: 7 الجامع الأزهر 98: 13- 99: 12- 134: 10- 149: 18- 150: 1- 418: 21- 444: 18- 486: 1- 492: 8- 497: 18- 498: 6- 515: 15- 516: 2، 3- 535: 11 الجامع الأشرفى بالخانكاه 370: 21- 506: 12 جامع أصلم 398: 14، 26 (ح) الجامع الأفخر 348: 16

جامع الأمير حسين 547: 9 جامع بنى أمية 289: 21 جامع تغرى بردى بحلب 480: 9 جامع تنكز 186: 1، 15 (ح) الجامع الحاكمى 91: 11 الجامع الحسينى 242: 18 جامع السلطان حسن 267: 7 جامع سودون من زاده 400: 1 جامع الصارم 348: 4 جامع الصالح 513: 11 جامع الصوة 410: 25 جامع طلائع بن رزيك 347: 12 جامع الظافر 348: 16 جامع عمرو 415: 18- 528: 14 جامع الفاكهيين 348: 3، 16 (ح) جامع الفخر بخط سويقة الموفق 348: 3 جامع القلعة (قلعة الجبل) 106: 6- 252: 6- 273: 7- 300: 8- 439: 16- 448: 11 جامع الماردانى 410: 13، 20 (ح) الجامع المؤيدي 124: 8، 15- 230: 19- 513: 12 جامعة كاليفورنيا 322: 23 جبرت 196: 15- 226: 21 (ح) - 441: 12 الجبل الأقرع 326: 3 جبلة 124: 3 جدة (أو: بندر جدة) 44: 20- 59: 16- 71: 14- 77: 13، 16- 81: 6- 152: 3، 4- 214: 1، 3- 338: 11، 13، 16- 339: 13، 14، 15، 18، 19، 24- 368: 17- 387: 5- 397: 1- 403: 1- 426: 4- 427: 1- 428: 3- 429: 1- 439: 10- 441: 11- 484: 8- 518: 3- 527: 11 جرجان 224: 10 الجرف 273: 20 جروان 487: 17، 18 جزائر دهلك 339: 17

الجزيرة 12: 16- 224: 17- 273: 13 جزيرة ابن عمر 27: 15 جزيرة رودس 342: 16 جزيرة الصابونى 227: 5، 19 (ح) جزيرة قبرس 343: 13، 23 جزيرة قوسنيا 175: 16 جزيرة كمران 428: 5، 16 (ح) جسر يعقوب 287: 15 الجسور البلدية 301: 22 الجسور السلطانية 301: 12 الجمالية 375: 10، 22 (ح) الجوة 124: 3 الجوهرى 323: 6 الجيزة 114: 1- 346: 3- 501: 24 ح حارة الديلم 143: 9 حارة زويلة 386: 6، 9 الحارة الوزيرية 506: 18 حانوت الشهود 206: 14 حبس (أو: سجن) الديلم 418: 18- 420: 4- 422: 11 حبس الرحبة (أو: حبس باب الرحبة) 444: 6، 18 (ح) حبس المرقب 332: 15، 16- 447: 16 حبس المقشرة: 385: 6، 21 (ح) - 386: 9- 407: 17- 410: 6- 414: 15- 422: 9- 423: 10- 447: 9- 457: 6 الحبشة 196: 14، 22، 24- 225: 14، 24- 226: 22- 441: 11 الحجاز 76: 16- 135: 17- 154: 11- 196: 12- 224: 8- 279: 11- 299: 16- 327: 15- 334: 12- 335: 1- 356: 11- 357: 6- 373: 15- 405: 16- 413: 20- 446: 3- 470: 1- 518: 1- 554: 7 حجة 41: 3 الحدرة 101: 13 حدرة البقر 149: 7

الحديدة 428: 5، 22- 429: 2 الحراقة 242: 15- 244: 19- 245: 2- 248: 13- 249: 2- 250: 5، 11، 12- 256: 8، 15- 305: 5 حرستا 319: 7، 11، 20 (ح) حرض 124: 3 الحرم المكى 26: 23 الحرم النبوى الشريف 438: 9- 518: 14، 18- 541: 5 الحرة 318: 8 الحصن الأشهب 352: 19 حصن زياد 335: 24 حصن شنكان 193: 8 حصن قوارير 124: 5 حصن كيفا 122: 14- 182: 11، 12، 17، 23- 183: 1- 201: 2، 14- 224: 16- 432: 18 حكر النوبى 547: 9، 21 (ح) حلب 11: 5، 7، 12، 17- 12: 2، 3، 4، 5، 6، 9، 10- 13: 3- 24: 2- 32: 12- 33: 1، 14- 34: 2- 43: 13- 59: 13- 60: 9- 62: 3- 63: 10، 16- 64: 5، 17- 65: 8- 70: 5- 76: 9- 78: 16- 79: 7، 12، 22- 80: 6، 13- 83: 1- 84: 23- 85: 3- 87: 5- 92: 3- 126: 11- 141: 2- 150: 6، 8- 151: 10- 168: 19- 174: 6- 181: 7، 10- 233: 17- 234: 2، 7، 8- 254: 1- 261: 5- 278: 2، 5- 283: 3، 4- 284: 2، 3، 5، 7، 57- 286: 7، 13- 287: 1- 288: 11، 18- 289: 6، 15- 291: 12- 292: 10، 13- 293: 4، 5- 294: 2، 15- 302: 16- 309: 19- 318: 4- 319: 3- 322: 10- 323: 2، 7- 324: 18- 326: 6، 11، 15- 335: 5- 336: 3- 347: 5- 350: 9- 353: 1- 363: 12- 366: 10- 371: 3- 372: 5- 373: 6، 11- 383: 4- 385: 14- 403: 14- 404: 8- 409: 11- 410: 1- 420: 11- 433: 4- 444: 11، 12، 14- 445: 24- 448: 2- 451: 17- 454: 21- 462: 18، 23- 463: 6- 469: 8- 471: 20- 478: 6- 479: 21- 480: 2، 9- 487: 3- 501: 7- 509: 19- 511: 8، 14، 16- 521: 1، 3، 16- 523: 5- 527: 16- 529: 14- 530: 14- 547: 16

حمام بشتك 449: 4 حمام السفطى 402: 9 حماه 11: 4، 5، 6، 9، 13، 15، 17- 34: 4- 59: 7- 102: 26- 126: 17، 18- 131: 6- 135: 2- 188: 4- 189: 17- 190: 3- 283: 2- 286: 2، 14- 287: 1- 288: 19- 294: 16، 18- 322: 13- 323: 7- 324: 20- 326: 3- 363: 15- 372: 4- 378: 15- 405: 11- 409: 11، 23- 432: 2- 433: 3- 434: 4- 443: 8- 447: 14- 451: 18- 456: 7- 547: 14- 549: 11 حمص 11: 4- 319: 20 حوران 318: 9 الحوش، الحوش السلطانى 40: 1- 68: 20- 102: 14- 103: 2، 12- 106: 10- 135: 15- 227: 7- 233: 9- 234: 5- 263: 9، 14- 264: 8- 268: 3- 274: 18- 315: 15- 413: 14- 441: 12- 442: 1- 443: 10- 445: 13- 449: 6 حوش القلعة 365: 4- 433: 1 حوف مصر 485: 20 حيحانة 469: 19 خ خاف 202: 8 خان الخليلى بالقاهرة 166: 4 خان طومان 326: 6 الخانقاه 272: 6 خانقاه بيبرس الجاشنكير 418: 21 الخانقاه البيبرسية 382: 4 خانقاه ركن الدين بيبرس الجاشنكير 488: 3، 11 (ح) خانقاه سرياقوس 74: 17- 85: 17- 393: 19- 423: 11 خانقاه سعيد السعداء (أو الخانقاه السعيدية) 57: 25- 132: 1، 6 (ح) - 207: 1- 415: 18- 417: 14- 513: 14- 535: 15- 549: 6 خانقاه شيخون (أو الخانقاه الشيخونية) 121: 7، 10- 133: 6- 134: 17 (ح) - 139: 6، 9، 14- 140: 3- 167: 16- 168: 2- 269: 5- 501: 2، 4- 509: 11 خراسان 202: 8- 224: 10

الخربة 318: 1، 9 (ح) خربة الأثل 318: 21 خربة القطف 318: 21 خربة اللصوص 318: 19 خرت برت 335: 10، 24 (ح) خط بولاق 405: 5- 514: 19 خط رحبة باب العيد بالقاهرة 444: 18 خط سوق الغنم 398: 14 خط سويقة الصاحب 422: 14 خط سويقة الموفق 348: 3 خط الشوائين 376: 4، 18 (ح) خط الصلية 58: 1، 19- 348: 7 خط العنبريين بالقاهرة 34: 16، 21 (ح) - 123: 9- 162: 3- 216: 13- 513: 14 خط القربيين 148: 8 خط قنطرة طقز دمر 147: 8 خط الكافورى 552: 6، 12 خط الكعكيين 169: 2 خلاط 70: 22، 23 خليج أشموم 153: 18 خليج الزعفران 91: 2- 96: 16- 345: 14- 370: 4، 6 خليج السد 425: 13 الخليل 131: 5، 10- 136: 13- 340: 8- 502: 1 خوارزم 224: 10 الخيف 92: 7 د دار بشير الجمدار بالأبّارين 498: 18 دار السعادة 288: 2، 4- 293: 8، 14- 320: 1، 8- 475: 9 دار السلام 45: 13 دار الضرب 83: 8- 157: 5- 345: 4 دار الضيافة 453: 19- 502: 12

دار العدل 48: 10، 13 (ح) - 328: 16 دار الكتب المصرية 322: 21 دارة جلجل 191: 10 داريا 144: 3، 17 (ح) - 426: 18 دجلة 16: 6 الدرب الأصفر 418: 6، 21 (ح) درب الطنبذى بسويقة الصاحب 435: 7 درندا (أو: درندة) 61: 5، 20 (ح) الدكن 129: 15- 194: 15 دلوك 79: 14، 22 (ح) دلى 224: 11 دمشق 10: 11، 12، 14، 15، 16، 17، 23- 11: 1، 2، 6، 7، 18- 34: 3، 4، 5، 6، 8، 9- 38: 15- 40: 18- 51: 16- 54: 18- 55: 1- 56: 15- 57: 1- 63: 17- 65: 7، 9- 76: 10- 78: 7- 81: 17- 85: 3- 86: 12- 117: 1- 122: 3، 7- 130: 10- 131: 6- 144: 12، 13، 17، 23- 145: 2، 3- 152: 6، 7- 154: 4- 155: 6- 157: 11، 12- 158: 2- 159: 8- 163: 10- 164: 9، 10- 178: 6- 179: 6، 16- 181: 5- 184: 6، 24- 185: 13- 193: 15- 198: 9- 206: 8، 9- 207: 1، 4- 208: 2- 213: 11، 14- 215: 1، 15، 16- 216: 8- 234: 7- 242: 5- 251: 18- 277: 3- 287: 12، 16- 288: 1، 2- 289: 1، 2، 3، 18، 19، 20، 21- 290: 10- 291: 8- 304: 18- 306: 1، 10، 13، 15، 16، 17، 18- 307: 3- 313: 9- 316: 19- 318: 9- 318: 19- 319: 6، 7، 14، 17- 322: 9، 323: 1- 324: 18- 329: 1، 8، 11، 18- 331: 13- 335: 4، 11- 336: 7، 13- 337: 10، 11، 12- 339: 4- 344: 12- 356: 17- 357: 6- 359: 3- 363: 9- 364: 10- 366: 5- 367: 1- 368: 10- 371: 20- 372: 1- 373: 5- 374: 1- 378: 5- 380: 9، 14- 381: 7- 383: 6- 394: 6- 397: 9- 404: 12، 16- 405: 1، 12- 406: 7- 407: 3- 408: 2- 414: 1، 2، 14- 420: 9- 429: 16- 430: 6- 434: 12- 435: 2- 436: 14- 438: 1، 12- 439: 1- 440: 14، 16- 442: 14- 443: 8- 444: 3- 446: 16- 447: 1، 19- 460: 9- 462:

16- 465: 11- 467: 12- 468: 19- 472: 17- 476: 9- 478: 7- 482: 6، 10، 16- 484: 12، 13- 493: 11- 508: 11- 509: 5، 11- 510: 13- 520: 8- 521: 4، 6- 522: 2، 8، 9، 16- 523: 2، 5، 11، 13- 529: 15- 548: 18- 549: 6، 7، 8، 10- 552: 9- 554: 7 الدملوة 124: 4 دمياط (أو: ثغر دمياط) 40: 9، 17- 48: 3- 86: 17- 153: 7، 18- 160: 14- 180: 2- 220: 2- 221: 12- 262: 14- 263: 12- 278: 1، 11- 282: 19- 306: 6- 309: 11- 343: 12، 17- 356: 13- 360: 5- 361: 2، 5- 363: 3- 403: 13- 404: 13- 405: 11- 406: 14- 408: 3- 429: 8- 431: 15- 436: 21- 440: 8- 461: 3، 5- 463: 5- 526: 17- 536: 4- 544: 9- 555: 4 الدهتمون 166: 14 دهلى 192: 22 الدهليز السلطانى 10: 14 الدهيشة 412: 17- 413: 12، 16- 435: 16- 441: 15- 445: 13- 448: 14 الدور السلطانية 99: 17- 107: 1- 254: 15- 313: 13- 406: 1- 486: 12- 507: 13 دوركى 67: 4، 7 دويرة الصوفية 132: 8 ديار بكر 21: 14- 27: 15- 92: 5- 122: 14- 200: 10- 201: 3، 11- 211: 7- 224: 15- 508: 4 ديار مصر، الديار المصرية- مصر ديارات النصارى 302: 5، 19 (ح) ر رأس العين 12: 3، 16 رباط الآثار 227: 19- 425: 24 الرحبة 352: 6 رحبة باب العيد بالقاهرة 444: 18 رشيد 334: 5 الرصد 273: 12، 20 (ح) الرقة 191: 6، 21 الركنية- خانقاه ركن الدين بيبرس الجاشنكير الرملة 266: 11، 20- 267: 17- 268: 3-

270: 10- 292: 2، 6، 10- 294: 6، 10، 18- 317: 17- 372: 2- 411: 18- 412: 5- 454: 13 الرميلة 237: 15- 239: 11- 243: 5- 268: 4، 11- 269: 6، 22- 271: 12- 311: 24- 312: 4- 348: 5 رنكل 194: 16 الرها 13: 17- 14: 2، 8- 29: 10- 31: 9، 10، 17- 32: 2، 4، 6، 8- 43: 14، 15- 44: 2- 167: 11- 179: 8- 181: 8- 304: 3- 547: 14- 548: 1 رودس 343: 14، 17- 351: 16- 352: 1- 352: 20- 359: 13- 360: 6- 361: 6، 10، 18- 362: 1، 4- 363: 2- 531: 5 الريدانية 7: 6- 9: 11- 76: 4- 91: 19- 92: 1- 304: 12- 305: 18- 306: 3، 9- 334: 14، 16- 344: 22- 351: 2- 359: 2- 379: 4 ز زاوية تقي الدين رجب 311: 24 الزاوية الحمراء 183: 25 زبيد 124: 3، 5- 225: 12- 428: 16- 469: 4 زرزا 492: 9، 20 (ح) زفتى 134: 25- 430: 20 زقاق حلب 315: 1 الزيات 272: 7 س ساحل أثر النبي 227: 19- 425: 24 ساحل بولاق 207: 18- 342: 1، 2- 351: 19- 358: 9- 360: 5- 361: 4 السبع قاعات 127: 5، 20 (ح) - 552: 11 سجن الإسكندرية 60: 8- 86: 9- 162: 8- 180: 2- 212: 8- 213: 8- 247: 18- 254: 17- 255: 1- 278: 1- 296: 12- 315: 16- 317: 7- 321: 14- 322: 3- 332: 2- 336: 12- 351: 14- 431: 14- 468: 6 سجن الصبيبة 447: 2 سجن الكرك 336: 8- 407: 7

سحول 428: 24 السحىّ 428: 23 سحية 428: 9، 21 (ح) سد الخليج 425: 15 سراى الجوهرة 127: 22 سرحة سرياقوس 258: 14 سرياقوس 316: 1، 16 (ح) - 393: 19 سفط الحناء (أو: صفط الحنه) 556: 1، 20 (ح) السلسلة 243: 1 سلمية 126: 17 سمرقند 196: 6- 350: 16- 546: 8 سندبيس 526: 21 سواكن 339: 17 سوق الأساكفة 496: 19 سوق الحوائصيين 172: 16 سوق الخيل 39: 24- 105: 7- 235: 6 سوق الشرايحيين 376: 19 سوق الشوائين 376: 18 سوق العنبر 388: 3 سوق العنبريين 506: 12، 22 سوق القبو الحسينى 149: 6 سوق القرب 506: 18 سوق النحاس 376: 4 السويداء 190: 10- 191: 3- 316: 10 سويقة الصاحب 415: 7- 418: 6- 435: 5، 7 سويقة منعم 269: 10، 22 (ح) - 524: 3 سيس 131: 23- 380: 14، 18 (ح) - 405: 4- 438: 2 سيسية 380: 17 سينوب 62: 22 سيوط 309: 22 ش الشارع الأعظم 419: 1- 496: 19

شارع شيخون 269: 22 شارع القاهرة 443: 4 الشام 9: 12- 10: 13- 11: 7، 8- 15: 3- 33: 1- 34: 7- 35: 1- 43: 11- 44: 2- 52: 6- 58: 8- 65: 8، 16، 17- 66: 1، 8- 68: 12- 75: 3- 76: 8- 82: 9- 89: 19- 90: 1، 2- 92: 19- 104: 18- 109: 6- 115: 1- 119: 1- 120: 16- 121: 5- 122: 7- 128: 10- 130: 13، 14- 148: 14- 150: 7- 156: 4- 158: 23- 160: 2- 181: 2- 184: 6، 15، 20- 185: 5- 186: 2- 187: 16- 200: 26- 205: 10- 201: 2- 212: 17- 213: 10- 223: 1، 4- 224: 8- 227: 5، 11، 12- 229: 9- 231: 14، 17- 232: 11- 253: 12، 13- 266: 8- 272: 5- 285: 9- 286: 8- 287: 6، 9- 288: 6- 290: 1، 7- 292: 8- 294: 20- 302: 16- 304: 9- 305: 6- 306: 4، 9- 309: 19- 311: 17- 317: 12- 318: 3- 322: 11- 327: 15- 329: 20- 331: 16- 344: 17- 359: 1- 360: 19- 372: 11- 412: 16- 420: 16- 429: 14- 432: 20- 433: 5- 442: 11- 443: 2- 451: 17- 452: 2- 455: 14- 456: 7- 465: 7- 467: 18- 469: 12- 472: 17- 494: 14- 508: 9- 529: 19، 20- 548: 17- 550: 19- 551: 11 شبين القصر 387: 1، 19 (ح) شبين القناطر 387: 21 الشحر 124: 4 الشرف 273: 20 الشرق 44: 9- 120: 15- 211: 9- 221: 6- 344: 12- 409: 10- 449: 13- 546: 7- 550: 19 الشرقية 41: 6- 166: 14- 217: 13- 318: 21- 364: 21 شماخى 224: 18 شهبة السوداء 523: 20 الشيخونية- خانقاه شيخون شيراز 49: 1- 195: 12، 14- 203: 1 ص الصالحية 367: 11، 20 (ح) الصبيبة 372: 20 صعدة 209: 11- 213: 7، 15- 225: 13

الصعيد 48: 16- 57: 11- 91: 6- 173: 16- 178: 20- 282: 15- 299: 2، 9- 304: 19- 308: 9، 17- 309: 5- 310: 9- 312: 2- 322: 4- 329: 10، 12- 510: 13 الصعيد الأعلى 308: 22 الصعيد الأدنى 509: 20 صفد 151: 23- 279: 14- 289: 4- 292: 1، 5- 294: 10- 318: 4- 322: 15- 326: 9- 331: 10- 332: 4- 351: 18- 368: 10- 384: 2- 387: 7- 437: 17- 438: 3، 7- 439: 5- 451: 19- 463: 11- 521: 11- 522: 8 صفط الحنه 556: 1، 20 (ح) الصليبة 269: 22 صليبة أحمد بن طولون 269: 4 صنعاء 209: 8، 11- 225: 13 صهيون 551: 9 الصوة 270: 19- 410: 17، 24 (ح) صيدا 404: 21 ض ضواحى القاهرة 346: 3 ط الطائف 26: 22 الطبلخاناه السلطانية 270: 19- 410: 17، 24 طرابلس 59: 6- 130: 3، 17- 135: 2- 169: 9- 181: 6- 195: 9- 213: 10- 221: 5- 260: 20- 286: 13، 15- 287: 5- 288: 11- 294: 4، 5، 18- 322: 12- 332: 8- 335: 6- 336: 4- 350: 1- 356: 1- 361: 1، 5- 379: 2- 380: 9- 381: 3- 403: 11، 12- 404: 9، 16- 431: 14- 438: 6- 440: 8- 447: 3، 5، 8، 17- 451: 18- 463: 3- 471: 17- 472: 4- 551: 11 طرسوس 63: 15- 366: 4- 380: 18- 405: 4- 423: 11- 425: 3- 434: 10- 441: 7 طلخا 166: 15 طنبدى (أو: طنبذة) 178: 20، 21 الطيبرسية (وقف طيبرس) 376: 7، 17 الطينة 185: 4، 19 (ح) ، 20

(ع) عدن 124: 3- 225: 12- 338: 15- 339: 11، 13- 428: 4 العراق 73: 1- 173: 13- 196: 12- 201: 13 عراق العجم 173: 14- 224: 10 عراق العرب 173: 14- 224: 14 العريش 551: 9 العقبة 405: 17 عكا 366: 17 العلايا 343: 13 العمق 59: 13، 23 (ح) - 61: 1، 9، 17- 62: 1 عينتاب 61: 9- 62: 10، 18- 78: 18- 79: 8، 22- 288: 19 غ الغرب الأوسط 225: 4 الغربية 37: 22- 41: 6- 124: 18- 166: 15- 301: 4، 6- 485: 21- 539: 21 غرناطة 225: 8 غزة 10: 7، 9، 11- 33: 6، 8- 34: 8، 11- 135: 2- 181: 8، 12- 213: 7، 16- 221: 6- 244: 6، 8- 260: 16- 287: 14- 288: 11- 289: 4- 294: 11- 317: 11- 318: 5- 322: 16- 326: 9- 331: 12- 333: 3، 9- 337: 10- 373: 11- 387: 7- 425: 1- 430: 5- 438: 3- 451: 19- 463: 15- 508: 7، 13- 536: 12، 14 الغوطة 144: 17 الغوطتان 145: 15 ف فارسكور 341: 20 فارنا 395: 20 فاس 225: 5 الفرات 12: 20- 13: 2، 15- 32: 11- 191: 6، 21- 286: 19 الفرما 185: 19 الفقيرى 348: 6 فلسطين 200: 26- 201: 13

فم الخليج 273: 24 فوة 495: 1 ق قابس 192: 8 قاعة البرابخية 514: 18 قاعة البربرية 254: 15، 23 (ح) - 295: 14، 17- 296: 5 قاعدة الدهيشة 227: 7- 406: 4- 452: 4 قاعة الدهيشة الجوانية 453: 11 قاعة العواميد 203: 5 القاعة الكبرى بالدور السلطانية 406: 1 قاليقلا 70: 22، 24 قاليقوط 339: 14 القاهرة 7: 6، 20- 9: 2، 4، 9- 10: 6- 34: 11، 15- 35: 12- 36: 4، 8- 38: 15- 48: 7- 53: 10- 55: 5- 57: 2- 59: 18- 60: 4- 4- 64: 18- 66: 6، 13- 70: 8- 72: 6، 11- 76: 3- 77: 2- 78: 4- 80: 13- 81: 11- 85: 5- 86: 5، 8- 87: 5، 10- 90: 17- 91: 10، 20- 92: 18- 93: 12- 94: 4- 104: 17- 105: 6- 107: 5- 118: 9- 119: 1- 122: 6- 125: 1- 126: 17- 127: 4، 6- 128: 10، 13- 129: 18- 131: 8، 21- 132: 6- 135: 1، 15- 136: 1، 9- 137: 2- 143: 9- 145: 12- 146: 2- 151: 12- 153: 7- 154: 2، 10، 15- 156: 6، 15- 156: 6، 15- 157: 3- 162: 3- 164: 3- 166: 4- 167: 13- 169: 3، 10- 170: 5- 172: 7، 10- 183: 19، 20، 25- 184: 12، 14- 188: 7- 198: 14- 199: 15- 205: 19، 20- 206: 14- 207: 11، 13- 208: 2- 215: 10- 216: 12، 13- 217: 12- 218: 4، 5، 13- 219: 13- 221: 7- 222: 12- 224: 6- 230: 12- 232: 8، 15- 237: 22- 240: 15- 244: 13- 246: 10، 15- 249: 17- 254: 16- 258: 7- 261: 6، 13- 262: 17- 263: 13- 269: 23- 272: 8- 273: 10- 277: 18- 278: 17- 286: 9- 287: 7- 290: 18- 294: 19- 296: 12- 300: 4، 12، 15، 19- 302: 5- 303: 2- 304: 11- 308: 15- 309: 15، 18- 310: 2، 11- 311: 12- 312: 17، 19- 313: 16- 329: 15، 20- 335: 13، 15، 19- 338: 1- 340: 9- 342: 5، 6، 10- 343: 3-

344: 18- 345: 15- 347: 4، 11- 348: 3، 10- 349: 6، 16، 17، 350: 1، 13- 351: 2- 353: 4- 356: 2، 14- 357: 2، 7- 358: 4- 359: 1- 360: 4- 363: 3، 6، 13- 364: 4، 7- 367: 2، 21- 368: 15، 20- 370: 21- 371: 11، 12- 372: 11- 376: 18- 378: 7- 379: 4- 381: 24- 382: 15، 19- 388: 2- 389: 9- 391: 11- 392: 8- 394: 12- 397: 18- 398: 2، 9، 13- 399: 15- 400: 8- 401: 4، 10- 403: 5، 8، 12- 404: 2- 405: 13، 18- 406: 13- 407: 1، 3، 12، 18- 408: 1- 409: 10- 411: 16- 413: 1، 9- 414: 3- 415: 7، 13- 416: 19- 418: 7- 421: 1- 422: 18- 423: 20- 424: 6- 432: 14- 434: 4، 9، 16- 435: 4- 436: 9- 440: 4، 11- 441: 1- 442: 5- 443: 4- 444: 6، 11- 446: 16- 447: 9، 15- 448: 13- 452: 3- 455: 16- 462: 8- 463: 11- 466: 8- 467: 4، 15- 468: 1، 17- 472: 18- 476: 8- 478: 2، 8- 480: 4- 482: 9- 483: 10، 12، 14، 20، 21- 484: 7- 487: 9، 10، 19- 491: 4- 492: 14، 15- 494: 1، 3- 495: 3، 8- 497: 13- 498: 13- 498: 11، 16- 499: 7- 500: 5- 501: 14- 502: 15- 506: 17، 18- 508: 4- 509: 5، 7، 13- 513: 7- 515: 3، 6، 12، 16- 521: 14- 522: 5- 525: 20- 526: 1، 15، 17- 527: 7- 530: 16- 535: 13- 536: 13- 537: 9- 541: 22- 542: 3- 547: 9- 548: 2، 18- 549: 6، 10- 551: 9، 11- 552: 7، 11- 554: 8، 17- 556: 1 قايات 513: 7 قبرس (قبرص) 58: 7- 111: 5- 133: 4- 176: 6، 17- 179: 18- 180: 1- 360: 19 قبة الإمام الشافعى 227: 21- 371: 9- 381: 18- 448: 3- 509: 14- 557: 1 قبة النصر 298: 12- 424: 11 القدس (أو القدس الشريف) 27: 14- 35: 17- 59: 15- 78: 6- 82: 1- 124: 9، 10، 12- 130: 17- 131: 10- 136: 5- 152: 12- 157: 9- 158: 3، 4- 160: 14- 195: 3- 200: 25- 206: 12- 207: 2- 214: 13- 244: 9- 291: 6- 294: 11- 318: 5- 322: 10- 331: 12- 340: 8، 9- 371: 2- 372: 2- 374: 1- 380: 4- 382: 11- 383: 6- 384: 2- 407: 7، 20- 409: 20- 432: 8- 436: 15- 440: 8- 446: 15- 447: 15- 448: 5- 463: 8- 470: 1- 478: 15- 497:

13- 498: 10، 15- 501: 16- 515: 10- 518: 7- 530: 11- 531: 6- 536: 16- 547: 14- 548: 4، 5- 555: 3 قراباغ 72: 14 قراضاغ 29: 14 القرافة 91: 8- 154: 13- 158: 9- 210: 12- 488: 4- 509: 6، 10- 528: 14 القرافة الصغرى 515: 1 قرافة مصر 498: 9 القرم 123: 9 قرمان 61: 23- 116: 10، 19 (ح) قسطمونى 62: 22 قسم الخليفة 269: 22 قسنطينة 197: 13 قشتيل 363: 4- 352: 2، 19 (ح) قشتيل الروج 352: 19 قصر بكتمر الساقى 9: 3- 268: 14 قصر الخليفة المستنصر 132: 8 القصر السلطانى بقلعة الجبل 8: 24- 100: 13- 101: 13- 102: 23- 105: 5، 7- 106: 3، 14- 107: 2- 108: 4- 222: 10- 257: 1- 272: 21- 276: 7 قطيا 185: 1 قلا 445: 17 القلعة- قلعة الجبل بالقاهرة قلعة أرزن الروم 70: 17 قلعة أكلّ 224: 17 قلعة ألنجا 89: 17- 220: 5، 23 (ح) قلعة بهسنا 126: 11 قلعة الجبل بالقاهرة 7: 5- 9: 4، 6، 15- 34: 17- 35: 6، 11- 36: 9- 37: 4- 39: 24- 42: 2، 9- 48: 10، 20- 50: 6- 51: 8- 53: 7- 55: 1، 11- 62: 6- 64: 19- 81: 12، 15- 86: 4، 8- 90: 11- 91: 1، 3، 8، 10، 17- 93: 2، 21- 96: 6- 114: 8- 116: 13- 127: 20- 149: 5- 150: 18- 159: 16- 163: 2- 164: 12- 167: 10- 174: 17- 207: 8- 210: 12- 212: 5- 218: 19- 222: 14- 228:

14- 233: 6، 7- 234: 13- 235: 4، 19- 236: 14، 16- 237: 14، 16- 238: 12، 14- 239: 7- 240: 15، 19- 241: 3- 245: 7، 17- 246: 3، 18، 19- 248: 11- 249: 18- 254: 17، 23- 257: 1- 258: 15- 262: 11- 263: 17- 264: 6، 12- 265: 11- 267: 4- 268: 1، 6- 269: 7، 9، 11، 12، 22- 270: 3، 15- 271: 10، 11- 272: 5- 274: 13- 275: 10- 276: 2، 8- 277: 15- 295: 14- 297: 4- 298: 4، 9- 300: 5- 301: 2- 303: 7- 308: 15- 310: 5- 311: 4، 5، 13، 15، 22- 312: 5- 314: 8- 315: 8، 17- 316: 15- 317: 2- 330: 5- 333: 10- 334: 14- 338: 2، 3- 339: 6- 340: 16- 342: 11- 344: 20- 345: 13، 16، 19- 351: 6- 352: 5، 12- 355: 4- 356: 13- 357: 7- 358: 18- 360: 10- 363: 16- 365: 2- 370: 4- 374: 1- 377: 13- 379: 7- 382: 16- 384: 4- 397: 18- 398: 3، 7، 13- 401: 8- 403: 12- 405: 11- 406: 1- 408: 5- 410: 16، 24- 411: 1- 412: 1، 11- 413: 11، 19- 414: 4، 9، 10- 416: 10- 429: 8- 432: 15- 433: 1، 8، 17، 24- 435: 4- 441: 14- 442: 19- 446: 5- 447: 11، 16- 448: 14، 21- 449: 1- 453: 16- 454: 13- 466: 4- 471: 9- 472: 19- 485: 7، 9، 11- 501: 4، 26- 502: 10، 11- 504: 3، 20- 513: 6، 18- 515: 1- 530: 11، 18- 531: 1- 542: 4 قلعة جمركشك 67: 3 قلعة حلب 61: 2- 71: 18- 126: 6، 12- 285: 2، 15، 16، 18- 289: 7، 16- 292: 14، 17- 293: 2- 326: 19، 20- 327: 1، 8- 373: 4- 447: 6- 473: 5- 510: 1- 527: 16 قلعة دمشق 213: 13- 289: 18، 21- 307: 1- 319: 13، 17- 321: 11- 325: 8- 346: 10- 358: 17- 363: 8- 373: 7- 381: 1- 382: 19- 397: 10- 409: 23- 469: 5- 516: 8- 517: 9- 527: 14، 27- 544: 7، 11- 554: 19 قلعة الروم 447: 5- 536: 11 قلعة السبيبة (أو: الصبيبة) 332: 13، 20 (ح) - 443: 2 قلعة صرخد 130: 16 قلعة صفد 292: 5- 307: 8- 332: 10- 380: 4- 445: 16- 544: 9

قلعة صهيون 326: 5 قلعة طرسوس 441: 5 قلعة عين تاب 288: 19 قلعة الكرك 475: 5 قلعة المرقب 130: 7- 148: 12 قليقية 380: 18 القليوبية 36: 8- 183: 25- 316: 16- 387: 21- 526: 21 قمن (أو: قمن العروس) 167: 5، 20 (ح) قنا 308: 23- 341: 22 قناة حلب 324: 6 قنطرة طقزدمر 500: 5- 541: 22 قوارير 124: 4 قوص 279: 7- 308: 22- 356: 1- 360: 2- 530: 13 القوصية 341: 21 قونية 61: 12، 23- 225: 2 قويسنا 175: 16 قيصرية 61: 9، 13، 15، 17- 62: 2، 3- 63: 1 قيصرية الروم 85: 1 ك كالكوت 427: 6 كاليفورنيا 7: 17- 9: 17- 10: 19- 11: 19- 12: 26- 13: 18- 14: 26- 15: 29- 26: 22- 17: 20- 18: 17- 19: 12- 21: 15- 22: 16- 23: 18- 24: 20- 25: 15- 26: 19- 27: 20- 28: 21- 29: 18- 30: 28- 31: 22- 32: 18- 33: 16- 34: 20- 35: 19- 36: 13- 37: 8- 38: 18- 39: 23- 40: 22- 41: 17- 42: 15- 43: 19- 44: 10- 46: 19- 47: 16- 48: 12- 49: 16- 50: 15- 51: 20- 52: 20- 53: 14- 54: 19- 55: 21- 56: 17- 57: 16- 59: 22- 60: 29- 61: 19- 62: 19- 64: 22- 65: 19- 66: 19- 67: 19- 68: 22- 69: 20- 71: 20- 72: 16- 73: 17- 74: 18- 75: 21- 76: 13- 77: 20- 78: 23- 79: 16- 80: 23- 81: 22- 82: 18- 83: 18- 84: 31- 85: 26- 86: 19- 87: 18- 88: 21- 89: 22- 90: 21- 91: 21- 92: 21- 93: 18- 94: 20- 95: 18- 96: 18- 97: 25- 98: 19- 99: 18- 100: 19- 101: 16- 102: 15- 103: 19- 104: 21- 105: 21- 106: 21- 107: 17- 108: 17- 109: 18- 110: 21- 111: 16- 112: 16- 113: 26- 114: 22- 116: 18- 117: 19- 118: 19- 119: 14- 120: 20- 121: 17- 122: 23- 123: 23- 124: 19- 125: 6- 126: 19- 127: 18- 128: 20- 129: 17- 130: 18- 131: 13- 132: 11- 133: 15- 134: 15- 135: 22- 136: 20- 137: 16- 138: 6- 139: 18- 140: 12- 141: 13- 142: 23- 143: 18- 144: 15- 145: 20- 147: 17- 148: 19- 149: 19- 150: 20- 151: 19- 152: 21- 153: 16- 154: 20- 155: 19- 156: 12- 157: 15- 158: 17- 159: 20- 160: 18- 161: 24- 162: 19- 163: 14- 164: 21- 165: 20- 166: 29- 167: 18- 168: 21- 169: 14- 170: 14- 171: 18- 172: 19- 173: 15- 174: 18- 175: 18- 176: 13- 177: 6- 178: 17- 179: 20- 180: 21- 181: 21- 182: 21- 183: 18- 184: 16- 185: 18- 186: 12- 187: 21- 188: 14- 189: 18- 190: 15- 191: 18- 192: 14- 193: 20- 194: 11- 195: 16- 196: 19- 197: 18- 198: 18- 199: 19- 200: 17- 201: 25- 202: 18- 203: 16- 204: 6- 205: 21- 206: 16- 207: 20- 208: 20- 209: 18- 210: 18- 211: 20- 212: 19- 213: 20- 214: 17- 215: 17- 216: 22- 217: 21- 218: 20- 219: 19- 220: 20- 221: 17- 222: 19- 223: 24- 224: 20- 225: 16- 226: 20- 227: 23- 228: 21- 229: 21- 230: 20- 231: 21- 232: 16- 223: 22- 234: 21- 235: 21- 236: 21- 237: 18- 238: 19- 239: 18- 240: 23- 241: 20- 242: 22- 243: 20- 244: 23- 245: 21- 246: 22- 247: 20- 248: 20- 249: 20- 250: 21- 251: 20- 253: 20- 254: 19- 255: 6- 256: 19- 289: 23- 290: 19- 291: 22- 292: 19- 293: 21- 295: 22- 296: 18- 305: 22- 306: 23- 308: 18- 309: 22- 334: 17- 353: 21- 354: 25- 356: 21- 357: 21- 358: 21- 359: 25- 360: 20- 361: 20- 362: 20- 363: 19- 365: 25- 379: 21- 385: 20- 386: 21- 391: 22- 401: 19- 407: 22- 409: 16- 414: 20- 422: 22- 428: 13- 444: 20- 447: 20- 455: 21- 457: 21- 474: 17- 483: 17- 489: 18- 493: 18- 496: 22- 498: 20- 503: 26- 504: 24- 507: 18- 511: 21- 513: 20- 516:

18- 517: 19- 518: 19- 521: 21- 527: 21- 533: 20- 535: 19- 539: 16- 540: 24- 544: 20- 545: 21- 546: 20- 547: 18- 548: 20- 550: 20- 551: 17- 552: 21- 553: 13- 557: 22- 558: 18- 559: 14 الكبش 9: 3- 237: 5- 239: 13- 268: 15 كختا 501: 12، 17، 21 (ح) كختاصو 501: 21 كربرجه 194: 4، 6 كربركا 129: 1، 15 (ح) - 194: 12 الكرك 84: 16- 279: 13- 336: 7- 352: 12- 380: 15- 440: 12- 446: 8- 447: 4- 451: 20- 463: 20 كرك نوح 320: 3، 14 (ح) كرمان 196: 1- 203: 12 الكعبة 49: 5، 6، 13- 52: 16، 17- 95: 11- 186: 6- 364: 10، 12- 364: 16- 516: 17- 517: 1 كفر شبين القصر 387: 19 كفور العلاقمة 166: 14 كلبركه 129: 15- 194: 16- 215: 22 كورة بنا 485: 20 كورة البهنسا 173: 16 الكوفة 320: 21 كوم الريش 183: 19، 25- 525: 20 كيفا 22: 4 كيفى 27: 15 (ح) كينوك 78: 20- 79: 7 ل لارندة 61: 12، 23- 225: 2 م ماردين 21: 23- 29: 9- 89: 18- 200: 9- 201: 13- 224: 15- 227: 14- 508: 4 مازندران 224: 10 ما وراء النهر 45: 22- 121: 18- 224: 10 المجر 395: 19

محافظة الشرقية 556: 20 محافظة الغربية 430: 20 المحالب 124: 3 المحرقة 501: 24 المحلة (المحلة الكبرى) 124: 18- 301: 6- 485: 14، 21- 541: 4- 545: 2 المدابغ 265: 3 المدرسة الأشرفية 123: 9- 162: 3- 216: 13- 513: 14 مدرسة الأمير صرغتمش 58: 1، 19 (ح) مدرسة الأمير علاء الدين مغلطاى الجمالى 375: 22 المدرسة البرقوقية 133: 18- 513: 13 مدرسة جانبك بن عبد الله الأشرفى 148: 8 المدرسة الجاولية- مدرسة سنجر الجاولى مدرسة جمال الدين الأستادار 466: 11 المدرسة الجمالية 384: 9، 18- 403: 4- 431: 12 المدرسة الحسينية 273: 7 المدرسة الخروبية 114: 1، 19 (ح) مدرسة زين الدين الأستادار 405: 5 مدرسة السلطان حسن 267: 8- 271: 13 مدرسة سنجر الجاولى 268: 15، 21 (ح) المدرسة الصاحبية 415: 7، 23 (ح) المدرسة الصالحية 175: 11- 367: 20- 386: 1- 514: 5 المدرسة الصلاحية بقبة الشافعى 371: 9 المدرسة الصلاحية بالقدس الشريف 152: 12- 206: 12- 207: 1 المدرسة الظاهرية برقوق 114: 3- 134: 3 المدرسة الناصرية 480: 20 المدينة (أو المدينة الشريفة، أو المدينة المنورة، أو المدينة النبوية) 116: 4- 135: 17، 19- 153: 14- 155: 16- 196: 9- 202: 1، 2، 4- 225: 9- 282: 20- 373: 9- 413: 2- 414: 4- 480: 14- 490: 21- 507: 4 المرج 272: 6 مرج دابق 19: 19- 61: 9- 84: 23 مردّة 41: 3

مرعش 62: 8- 78: 18- 84: 5- 471: 20 المرقب 131: 1- 148: 12- 372: 20 مركز أبى حماد 556: 20 مسجد البئر 7: 20 مسجد التبن 7: 6، 22 (ح) مسجد الجميزة 7: 21 مسجد السلطان حسن 271: 12 المسطبة 10: 10 مشهد السيدة رقية 348: 1 المشهد النفيسى 269: 7- 348: 1- 489: 14 المشيرق 428: 23 مصر (ديار مصر، الديار المصرية) 9: 22، 24- 11: 7- 15: 4، 24- 19: 8- 20: 9، 14- 34: 1، 6، 19، 22- 35: 1- 36: 3، 13- 41: 11- 48: 25- 52: 14، 17، 18- 57: 9- 58: 8- 62: 7- 63: 5- 64: 12- 65: 2، 4، 18- 66: 13- 75: 1- 76: 12- 78: 16- 79: 5، 9- 81: 9، 21- 82: 14- 83: 7- 93: 12- 94: 4- 103: 4- 104: 15- 107: 7- 109: 4- 112: 2- 113: 12- 114: 5، 8- 116: 2، 17- 117: 18- 118: 17- 119: 2- 120: 2، 5- 121: 25، 26- 126: 2، 15- 127: 4- 128: 11- 130: 10- 132: 8- 133: 2، 10- 135: 3- 136: 10- 137: 1- 138: 1- 139: 2- 142: 4- 144: 12- 145: 2- 147: 2، 7- 150: 7، 9، 12- 151: 5- 153: 2، 18- 155: 5، 8، 12- 156: 2، 6، 17- 157: 13- 158: 23- 160: 2، 8- 161: 6، 10، 13- 164: 8، 11- 165: 8، 16- 166: 7، 20، 23- 170: 2- 172: 4- 173: 2، 5- 175: 16- 176: 7- 178: 2، 8، 13- 180: 4، 11- 181: 6- 184: 2- 185: 19- 187: 7، 16- 188: 8- 190: 2- 193: 3- 194: 2، 25- 196: 2- 203: 18- 205: 2، 8- 207: 5- 210، 2، 5- 211: 7، 9، 16- 212: 5، 17- 213: 17- 215: 8، 10، 12، 16- 216: 12، 14- 217: 10، 12، 14- 218: 11- 222: 5، 12- 223: 2- 230: 16- 231: 13- 237: 22- 244: 6، 11- 249: 6، 8- 254: 10- 255: 3- 256: 2، 4- 258: 1، 5- 260: 14- 261: 4، 13- 262: 2- 276: 4- 277: 3- 290: 5- 291: 20- 292: 4- 302: 6، 12، 19- 306: 12- 308: 8- 317: 17- 318: 20- 328: 13- 329: 11،

17- 331: 11، 17- 334: 7- 336: 11- 337: 20- 339: 12- 341: 17- 343: 9- 349: 13- 354: 4- 356: 18- 359: 12- 367: 9- 368: 6- 369: 11، 17- 370: 21، 25- 372: 5- 373: 2- 375: 8- 381: 15- 382: 14- 383: 14- 387: 9- 391: 18- 393: 14- 402: 15- 405: 3- 410: 2- 420: 16- 426: 8- 430: 3- 438: 4، 17- 441: 1- 445: 4، 6، 10- 450: 4- 455: 13- 456: 5- 458: 11- 459: 14- 460: 7- 465: 2- 467: 2، 7، 8- 469: 14- 470: 2- 471: 7- 472: 20- 475: 2- 476: 12- 482: 2- 483: 9- 484: 12، 17، 19- 485: 1- 487: 1، 2- 489: 2- 492: 2، 7- 493: 11، 14- 494: 10- 495: 3، 17- 496: 14- 500: 2- 501: 7- 504: 12- 506: 2، 5، 8- 509: 2، 17- 510: 9، 12- 513: 2- 5- 520: 2، 19- 521: 9، 12- 525: 2- 529: 19- 530: 18- 535: 2، 4- 537: 9- 541: 15- 543: 13- 544: 10- 547: 2، 4، 14- 548: 3- 549: 17- 552: 5، 17- 555: 1، 4، 15- 557: 2 مصر القديمة 273: 20- 349: 6- 394: 23- 481: 1- 528: 14- 533: 7 مصر المملوكية 37: 9- 44: 27 مصر الوسطى 167: 20 مصلاة باب القلة من قلعة الجبل 453: 16 مصلاة باب النصر 104: 16 مصلاة المؤمنى 139: 7- 158: 9- 210: 11- 237: 6- 348: 5، 18 (ح) - 489: 14- 496: 3- 501: 3- 509: 18- 513: 6- 514: 19- 524: 4- 533: 3- 541: 11- 542: 4- 548: 9 المصنع 311: 16، 20 (ح) المطبخ السلطانى 295: 18- 337: 20 المطرية 7: 20 مطعم الطير (أو الطيور) 344: 18، 22 (ح) - 348: 5- 350: 1- 359: 2- 379: 4 مغاغة 178: 21 المغرب 197: 3- 225: 2- 444: 8- 469: 19 مقابر الصوفية خارج باب النصر 490: 15 مقعد الإسطبل 272: 14 المقياس 425: 13، 18

المقير 206: 13 مكة (مكة المشرفة) 43: 7، 8- 49: 8- 53: 1- 72: 6- 4- 96: 10- 123: 2، 3، 4- 127: 6- 128: 1- 135: 16- 136: 1- 146: 3-؟؟؟ 11: 11- 177: 1- 189: 13- 193: 3- 194: 7- 214: 1- 215: 8- 225: 9- 249: 6- 279: 8- 338: 18- 339: 15- 349: 12- 353: 4، 5- 354: 14- 355: 1- 356: 5، 6- 371: 13- 374: 11- 379: 10- 407: 8- 413: 2- 426: 10- 430: 8- 431: 3- 444: 17، 23- 452: 13- 467: 3- 516: 9، 11- 517: 4- 536: 4- 542: 2- 546: 6، 8، 10، 14- 559: 1، 3 ملطية 63: 3- 67: 8، 17- 318: 6- 335: 10- 358: 4- 363: 12- 371: 2- 454: 22- 501: 22- 520: 19، 20 ممالك الشرق 224: 11 ممالك العجم 196: 3- 224: 9 ممالك اليمن 124: 6 مملكة بيت المقدس الصليبية 176: 17 المملكة الشامية- الشام مملكة عدال 225: 22 مملكة اليمن 474: 10 المنزلة 341: 20 المنصورة 124: 3 منفلوط 55: 5 المنوفية 36: 8- 41: 6- 318: 20- 415: 15- 487: 17، 19 المنيا 178: 21 منية الفاقوس 217: 14 المهجم 124: 3 موردة البلاط 273: 23 موردة الجبس 273: 14، 23 (ح) الموصل 45: 11، 13 الميدان (ميدان القلعة- ميدان قلعة الجبل) 127: 20- 238: 9- 248: 12، 15- 323: 13، 19- 324: 4- 476: 1 ميدان أحمد ماهر 384: 22 (ح)

ن نابلس 41: 4- 286: 20 نجد 196: 12- 494: 16، 17، 18 نجع حمادى 308: 23 النحريرية بالغربية 154: 1 نسف 121: 19 نهر الصفر 366: 23 نواج 539: 21 النيرب (وسماها ابن حمدان: النيربين، بلفظ التثنية) 144: 13، 23 (ح) ، 25- 145: 16 النيل 115: 4- 119: 12- 125: 6- 132: 4- 138: 4- 146: 5- 152: 18- 155: 17- 169: 12- 172: 12- 177: 5- 183: 10- 193: 17- 196: 16- 204: 4- 209: 16- 221: 15- 309: 16- 311: 22- 334: 4، 8- 343: 12- 424: 7- 425: 16- 426: 24- 474: 14- 481: 9- 488: 9- 491: 17- 499: 8- 505: 6- 508: 17- 512: 3- 514: 19- 519: 6- 534: 8- 546: 16- 559: 9 هـ هراة 49: 7- 136: 6- 202: 7، 8 هرمز 49: 8 همم 308: 22 الهند 129: 1، 4، 15- 154: 11- 192: 13- 193: 4- 194: 4، 15- 203: 14- 224: 11- 215: 6، 22- 426: 4- 427: 1 هوّ 308: 11، 22 (ح) والواحات 277: 16، 18 الواسطى 167: 21 الوجه البحرى 37: 1- 55: 10- 124: 18- 487: 17- 490: 7- 556: 1 الوجه القبلى 35: 13- 41: 7- 55: 8، 10- 57: 10- 113: 1، 3- 310: 20- 445: 18- 452: 2- 527: 11 ونا 509: 20 ى ياق 183: 19 اليمن 124: 2- 128: 9، 10- 145: 7، 10- 152: 4- 154: 11- 186: 9- 125: 11- 338: 15- 339: 12- 426: 9- 428: 4، 6، 24- 469: 4- 474: 9 الينبع (أو الينبوع) 135: 17- 225: 10- 278: 7- 339: 19- 440: 6

فهرس الألفاظ الاصطلاحية وأسماء الوظائف والرتب والألقاب التى كانت مستعملة فى عصر المؤلف

فهرس الألفاظ الاصطلاحية وأسماء الوظائف والرتب والألقاب التى كانت مستعملة فى عصر المؤلف اابن المحمرة 206: 12، 21 (ح) «1» الأتابك 20: 6- 71: 7- 120: 8- 167: 2- 179: 6- 188: 11- 200: 1- 205: 5- 226: 3- 229: 17- 230: 4- 234: 4، 5- 236: 11، 13- 241: 4، 13- 242: 1، 3، 8، 12- 243: 8، 15- 244: 4، 8، 12، 13، 19- 245: 4، 9، 11، 15- 247: 14- 249: 5، 19، 18- 250: 2، 5، 15، 19- 251: 1، 3، 8، 11، 13، 17- 252: 6، 13، 19، 20- 253: 1، 4- 258: 5- 261: 6- 264: 8، 15- 271: 1- 276: 14، 15- 290: 17- 363: 12- 410: 8- 436: 2- 446: 16- 454: 12- 457: 14- 468: 1، 12- 470: 5- 475: 7- 476: 5- 499: 6- 504: 5- 508: 10- 511: 1- 521: 6- 522: 9، 15- 540: 10- 544: 8 أتابك حلب 33: 14- 285: 19- 288: 18- 326: 9- 335: 12- 336: 13- 358: 5- 409: 11- 463: 10- 521: 3 أتابك دمشق 288: 8- 291: 8- 306: 13- 329: 15- 339: 4- 521: 4- 522: 1 أتابك صفد 438: 3 أتابك العساكر 15: 21- 20: 12- 29: 8- 39: 9- 65: 2، 4- 223: 2- 275: 12- 276: 15- 450: 8 أتابك العساكر بدمشق 19: 7- 447: 18 أتابك العساكر بالديار المصرية 137: 4، 9- 151: 5- 187: 15- 211: 15- 221: 2- 262: 1- 329: 10- 369: 11- 476: 12- 509: 17- 510: 12 أتابك غزة 331: 12- 337: 10 الأتابكية 41: 5- 65: 6- 152: 5- 160: 17- 221: 12- 276: 16- 277: 1- 304: 15، 17، 18- 305: 2- 329: 13، 18- 369: 12- 370: 3- 445: 10- 460: 7- 461: 7- 467: 16- 470: 6، 8- 476: 13- 509: 18- 510: 15- 536: 20

أتابكية حلب 409: 11- 478: 6، 8- 521: 1 أتابكية دمشق 33: 11- 180: 3- 378: 5- 478: 7- 521: 1، 6 أتابكية صفد 279: 14 أتابكية العساكر 151: 15 أتابكية العساكر بالديار المصرية 36: 2- 188: 8- 221: 10- 261: 3 أتمجكى 336: 4، 28 (ح) - 544: 2 الأنفال السلطانية 13: 16 إجازة 547: 12 الأجلاب- المماليك الأجلاب الأجناد البلاصية 20: 1، 17 (ح) - 187: 17 أجناد الحلقة 15: 20- 68: 12، 20- 365: 2- 438: 21 الأحباس المبرورة 166: 20 أحكام النجوم 183: 8 أرض عامرة 41: 11 الأستادار 9: 9- 38: 1، 8- 43: 2، 3- 50: 9- 51: 10، 16، 18، 19- 52: 3، 8، 9- 54: 18- 158: 16- 186: 10- 207: 4- 224: 4- 327: 13- 328: 1- 334: 14- 340: 15- 341: 4، 14- 346: 2- 350: 7- 364: 18- 381: 6- 401: 5- 405: 5- 410: 12- 417: 12- 423: 6- 433: 13- 434: 1- 451: 13- 481: 4- 494: 11- 497: 8 أستادار الذخيرة 345: 11 أستادار السلطان بدمشق 394: 6- 521: 4 أستادار الصحية 223: 19- 265: 10- 266: 11- 355: 16- 373: 17- 451: 3- 520: 5 الأستادار الكبير 350: 4 أستادار المحلة 545: 2 الأستادارية 24: 9- 35: 13- 42: 4، 11، 12- 51: 12- 55: 1- 77: 8- 164: 1، 4- 172: 2- 187: 2، 13- 207: 5- 218: 14- 224: 5- 333: 8، 14- 353: 15، 18- 354: 2، 4، 6- 358: 6- 412: 3- 462: 3- 484: 14- 495: 6، 10- 497: 14- 518: 4- 527: 9- 553: 10، 11 أستادارية السلطان بدمشق 439: 1، 2 أستادارية الصحبة 520: 5، 7

أستاذ 105: 17- 121: 4- 147: 8- 148: 7، 9- 150: 16- 151: 7- 153: 10- 161: 7، 16، 21- 162: 4، 178: 14- 179: 10، 11- 181: 2- 185: 10- 187: 4- 199: 10- 200: 5- 224: 4- 237: 2- 241: 14- 248: 1- 258: 12، 13- 259: 9- 279: 3- 293: 17، 19- 299: 8، 11- 303: 7- 310: 8- 311: 6- 312: 6- 320: 7- 322: 4- 348: 10- 352: 8- 410: 7- 432: 19- 469: 9- 476: 4- 486: 2- 496: 4- 504: 14- 516: 7- 517: 9- 521: 3، 5- 522: 3- 526: 13 الأستاذون المحنكون 132: 7 الاستسقاء 396: 21 (ح) - 424: 7- 425: 5، 10 استيفاء الدولة 158: 13، 18 (ح) الاسم الأعظم 331: 5 أشرفى (نقود) 436: 22 أطراف الناس 438: 4- 502: 1 الاعتزال 320: 27 أغا 120: 18، 19- 324: 12- 399: 2- 472: 2- 477: 20 الإقامات 90: 1- 337: 21- 343: 13 إقطاع، إقطاعات 15: 16- 36: 2- 39: 7، 8- 41: 3، 4- 48: 3- 59: 9- 69: 12، 16، 17- 78: 5- 82: 3- 86: 12- 157: 12- 165: 12- 166: 22- 187: 2، 6- 199: 15- 213: 10، 13- 221: 11- 229: 7، 13، 14، 16- 232: 13- 242: 20- 248: 7- 261: 5- 262: 12- 263: 6- 276: 14، 15- 277: 1، 14- 295: 2- 301: 18، 24- 302: 2- 303: 14- 304: 1، 2، 5، 6، 15- 306: 1- 321: 15- 329: 12- 331: 13- 336: 13، 20- 340: 12- 341: 14- 344: 21- 345: 2- 355: 16- 360: 2- 364: 6- 368: 6، 10- 369: 16- 372: 6- 373: 12- 374: 2- 380: 20- 382: 15- 383: 1، 7- 385: 15- 390: 2- 391: 1، 6- 404: 10- 407: 5- 408: 9- 417: 9- 429: 10- 430: 10- 431: 2- 434: 14- 435: 2- 438: 1- 439: 13- 443: 9- 444: 16- 445: 7، 18- 470: 5- 496: 10- 511: 1- 521: 15- 559: 6 إقطاع الأتابكية 276: 16- 277: 1- 470: 6 إقطاع تمليك 332: 22 إقطاع محلول 335: 13، 26 (ح)

الإقطاعات المملوكية 37: 20 أكابر الدولة 296: 1- 458: 3 أكديش، أكاديش 28: 6- 47: 14، 21 (ح) - 68: 1- 357: 14 الإمام 320: 24 إمام السلطان، أئمة السلطان 10: 4- 104: 12- 224: 6 إمام الملك الأشرف 306: 5 الإمامة 209: 10- 320: 23 الأمر الشريف 380: 3 الأمراء الأصاغر 107: 4 الأمراء المصريون (المقصود بهم أمراء المماليك والجيش المملوكى فى مصر) 15: 4- 24: 10- 25: 3- 234: 1 الأمراء المقدمون 394: 13 الإمرة 19: 18- 363: 4- 391: 4- 429: 10 إمرة أربعين 345: 2 إمرة البلاد الشامية 529: 18، 20 إمرة الحاج، إمرة حاج المحمل 299: 16- 301: 2 إمرة الركب 530: 5 إمرة سلاح 211: 13- 261: 2- 304: 19- 460: 12- 470: 4- 472: 21- 510: 11- 536: 9 إمرة طبلخاناه 15: 16- 81: 15- 114: 11- 148: 15- 157: 13- 161: 9- 165: 9- 179: 13- 260: 15- 404: 11- 430: 11- 476: 7- 477: 6، 14- 497: 12- 510: 7- 522: 5- 525: 18- 541: 14- 543: 11- 548: 14 إمرة عشرة 35: 14- 126: 7- 170: 10- 184: 8- 207: 13- 231: 1- 248: 7- 260: 14- 262: 19- 355: 16- 369: 19- 373: 14- 380: 1- 383: 7- 386: 20- 390: 5، 7، 9- 391: 2- 394: 1- 430: 10- 440: 10- 469: 12- 472: 18- 476: 7- 477: 5، 13- 478: 3- 497: 14- 518: 2- 520: 16- 522: 4- 526: 1، 17- 529: 19- 531: 1- 543: 10- 544: 10- 548: 19 إمرة عشرة ضعيفة 496: 6 إمرة عشرين 122: 6 الإمرة الكبرى 36: 5

إمرة مائة وتقدمة ألف 56: 15- 63: 17- 66: 16- 76: 10- 114: 12- 117: 17- 122: 7- 126: 8- 135: 2- 148: 16- 151: 13- 161: 10- 180: 16- 181: 6- 199: 12- 211: 14- 213: 13- 260: 16- 263: 13- 276: 19- 350: 9- 373: 7- 390: 1- 405: 12- 408: 2- 438: 17- 440: 14- 445: 6- 467: 1- 469: 13- 470: 2- 476: 8- 478: 6- 485: 1- 496: 14- 508: 11- 510: 9- 520: 18- 522: 8- 536: 13- 543: 12- 548: 2- 554: 19 إمرة مجلس 160: 16- 460: 15- 467: 9- 476: 11- 510: 11 إمرة مكة 136: 1، 2- 189: 14- 379: 10- 349: 12- 467: 5- 536: 4- 542: 2 إمرة الينبع (أو الينبوع) 278: 6- 440: 6 الأملاك المسقفة 121: 24 أمير آخور 7: 8- 18: 14- 20: 12- 39: 11، 13- 130: 6، 9- 161: 5، 8- 165: 10- 212: 3- 226: 4- 258: 8- 286: 13- 305: 12- 318: 14- 330: 1- 331: 18- 332: 14- 342: 1- 391: 6- 394: 14- 402: 2- 407: 7- 451: 17- 479: 7- 535: 7 أمير آخور ثالث 291: 2- 397: 6- 544: 4 أمير آخورثان 8: 6- 223: 18- 229: 14- 237: 17- 240: 1- 242: 16- 246: 2- 262: 15- 304: 7- 305: 14- 322: 3- 325: 12- 340: 15- 397: 7- 451: 6- 470: 18- 476: 7- 544: 1، 4 أمير آخور كبير 30: 12- 68: 9- 71: 6- 81: 4- 90: 5- 117: 16- 126: 8- 130: 11- 159: 10- 199: 13- 223: 7- 244: 2- 245: 20- 267: 18- 305: 1، 3- 306: 7- 367: 7- 370: 1- 391: 13- 450: 9- 472: 21 الأمير آخورية 40: 2، 4- 71: 7- 130: 12- 161: 9- 199: 16- 261: 1، 2- 391: 14- 461: 7- 541: 16- 543: 15 الأمير آخورية الثانية 180: 15- 305: 16- 391: 9 الأمير آخورية الكبرى 260: 18- 262: 5، 6- 460: 17- 536: 18 أمير أربعين 15: 15 أمير ألف، أمراء الألوف 116: 17- 165: 8- 180: 11- 262: 10- 269: 14- 270: 2- 290: 8، 14- 303: 15- 331: 17- 334: 7-

335: 11- 337: 10- 346: 18- 372: 5- 390: 2- 484: 16 أمير جاندار، أمراء جاندار 28: 1- 245: 18- 451: 3 أمير الحاج، أمير حاج المحمل 9: 8- 60: 2- 100: 1- 165: 4- 179: 17- 232: 8- 277: 13- 300: 18- 305: 9- 310: 1- 337: 16- 346: 16- 350: 19- 351: 2- 356: 7- 358: 8- 370: 14- 372: 12- 380: 12- 387: 1- 392: 4- 402: 12- 430: 1- 438: 14- 439: 9- 446: 9- 522: 6 أمير حاج الركب الشامى 373: 9 أمير خمسة، أمراء الخمساوات 19: 17 أمير الرجبية 423: 20 أمير الركب الأول 60: 3- 218: 19- 337: 17- 346: 17- 351: 3- 356: 8- 358: 9- 370: 15- 372: 14- 387: 3- 402: 13- 430: 1- 446: 12- 518: 1، 2- 522: 6- 530: 4 أمير سلاح 20: 11- 39: 8، 9، 18- 40: 3، 4، 6- 47: 7- 57: 3- 65: 3، 5- 90: 3- 137: 8- 151: 14- 160: 16، 17- 223: 5- 244: 4- 245: 11- 256: 8، 17- 262: 1، 3- 268: 14- 271: 19- 275: 11، 13- 282: 15- 299: 2- 303: 18- 304: 18- 305: 1- 308: 9- 329: 9- 346: 19- 370: 1- 376: 16، 18- 386: 12- 389: 15- 402: 4- 405: 16- 450: 8- 469: 15- 482: 8- 535: 6- 536: 7، 19 أمير طبلخاناه، أمراء طبلخانات 8: 3- 12: 11- 39: 1، 5- 48: 2- 71: 16- 76: 18- 78: 4- 113: 2- 150: 15- 151: 1- 180: 14- 184: 9- 187: 1- 207: 12- 214: 1- 223: 10، 14، 21- 235: 18- 259: 5- 270: 3- 282: 13- 290: 15، 18- 304: 3- 305: 19- 306: 17- 316: 2- 330: 3- 347: 1- 360: 8: 366: 4- 424: 3- 450: 17- 451: 6، 10- 466: 19- 469: 13- 472: 19- 496: 11- 518: 4- 520: 16- 530: 20- 548: 1- 559: 1، 6 (وظائف أمراء الطبلخاناه: ص 223) أمير عشرة، أمراء عشرات 8: 9- 9: 4، 8- 19: 9- 33: 15- 50: 2- 72: 5- 79: 12- 81: 3- 87: 1- 106: 18- 157: 12- 181: 19- 199: 10- 205: 6، 14- 207: 11- 217: 17- 223: 10، 14، 19، 20، 22- 227: 11- 229: 16- 231: 16- 232: 9- 235: 18- 246: 5، 6، 7، 17- 262: 15، 17- 263: 1- 266: 8، 9- 270: 3، 10- 276: 19- 277: 10- 279: 11، 13- 286: 18- 287: 4- 290: 17- 291: 20- 301: 2-

305: 20- 314: 11، 16- 318: 16- 330: 3- 332: 12، 15- 333: 12- 337: 18- 340: 15- 346: 18- 378: 347: 1- 349: 14- 350: 12- 351: 3، 6- 354: 14- 358: 10- 360: 9- 363: 8- 368: 9- 372: 2، 9، 13- 378: 7، 18- 379: 13، 18- 382: 19- 409: 6- 430: 2- 433: 10- 434: 7- 435: 7- 438: 20- 449: 2- 451: 1، 4، 10- 478: 14- 485: 6- 496: 5- 497: 8، 11، 16- 520: 5- 526: 12، 15- 532: 9- 540: 8- 542: 19- 559: 4 أمير عشرين 372: 22 الأمير الكبير، أكابر الأمراء 11: 10، 11- 41: 1، 4- 57: 3- 65: 1، 11- 76: 4- 103: 3، 11- 105: 5، 15، 19- 106: 1، 6، 14- 187: 15- 223: 2- 227: 7- 228: 7- 233: 9، 12- 235: 8، 9، 17- 236: 6- 237: 2، 3، 7، 12، 13- 238: 5، 8- 239: 1، 3، 8، 15، 17- 240: 3، 5، 10، 13، 15- 241: 23، 15- 242: 10، 14- 243: 1، 4، 6، 10- 245: 2- 246: 16، 21- 247: 2، 7، 10- 248: 3، 9، 13، 17، 22- 249: 1- 250: 2، 8، 11، 13- 252: 1، 8، 11- 253: 9- 254: 8- 256: 12، 13- 290: 9- 369: 11- 375: 11- 412: 9، 13، 16- 448: 14- 509: 16 أمير مائة ومقدم ألف 15: 19- 114: 10- 117: 15- 130: 10- 150: 7- 157: 10، 14- 160: 1، 1، 15- 184: 12- 188: 7- 205: 8، 10- 211: 12- 350: 13- 369: 17- 463: 12- 467: 7- 478: 4- 484: 18- 521: 12، 14 أمير مجلس 9: 2- 39: 7، 12، 19- 40: 3، 5- 90: 4- 122: 4- 135: 3- 137: 8- 153: 10- 160: 15- 188: 8- 223: 5- 245: 4- 248: 14- 462: 2، 4، 5- 275: 13- 276: 1- 303: 16- 316: 9، 14- 347: 3- 370: 1- 383: 21- 385: 15- 389: 14- 402: 2- 410: 6- 450: 9- 470: 4- 476: 10- 502: 14 أمير المدينة الشريفة 462: 11 أمير مكة المشرفة 356: 5- 462: 6- 467: 3 أمير المماليك السلطانية 374: 10 أمير المؤمنين 12: 10 أمين الحكم بالقاهرة 172: 10 الأنظار المتعلقة بالدوادارية 370: 13، 20 (ح) إنى (الزميل الصغير فى خدمة السلطان أو الأمير. الجمع: إنيات) 188: 2، 4، 5، 16 (ح) - 199: 9-

228: 15- 229: 2- 235: 2، 8- 258: 15- 471: 13 أهرام ضاغ 39: 3، 20 (ح) - 244: 4- 262: 1 الأوباش 16: 16- 45: 16- 171: 1- 187: 9، 19- 218: 1- 278: 19- 284: 13- 295: 2- 473: 10- 508: 5 الأوباش الأطراف 439: 3 الأوجاقى 27: 2، 18 (ح) - 170: 6 أول خمسين النصارى 390: 10، 17 (ح) أولاد الناس 366: 1- 440: 18 إيقاع الحوطة (بمعنى الحجز) 327: 14، 23 إيوان 48: 13 (ح) ب باب سر البيت 267: 13 باش 76: 18 باش المماليك السلطانية 444: 23 باشة (من آلات التعذيب) 443: 3، 21 (ح) البجمقدار، أو البشمقدار 412: 5، 23 (ح) البجمقدارية 295: 4 بختى، بخاتى (إبل) 61: 16، 26 (ح) - 85: 9- 343: 1، 19 (ح) - 357: 17- 433: 19 البداء 321: 18 بدلات مينة 357: 15 البذل (الرشوة) 198: 11- 217: 17، 25 (ح) - 438: 4- 439: 3- 480: 12 البراطيل (الرشوة) 189: 10 البرجاس 181: 16- 475: 11، 21 (ح) - 476: 17 برشوم، براشم 15: 8، 28 (ح) بركستوانات ملونة 357: 15 البريد 30: 2، 16 (ح) البريدى 231: 10 البشارة، البشائر 227: 12- 294: 8- 308: 8- 309: 3- 315: 10- 317: 13، 15- 319: 7- 324: 16- 327: 6 البشتكى (نوع من المسكرات) 144: 7

بطال، بطالون (بدون وظيفة) 28: 1، 16 (ح) - 36: 1- 78: 7- 82: 1- 86: 18- 117: 1- 130: 7- 150: 15- 151: 12- 157: 9- 158: 4- 160: 14- 180: 2- 221: 2، 12- 244: 9- 262: 14- 276: 19- 309: 11- 317: 3- 347: 8- 356: 2، 14- 336: 5- 365: 11- 368: 10- 372: 8- 373: 12- 374: 1- 384: 2- 395: 5- 403: 13- 404: 9- 406: 15- 409: 20- 430: 6- 431: 15- 432: 8- 434: 13- 436: 15- 440: 8- 447: 17- 463: 8- 470: 1- 478: 1، 10، 18- 484: 20- 486: 4- 497: 8- 498: 11، 15- 506: 17- 522: 15- 523: 12- 526: 1- 527: 7- 530: 11- 531: 7- 536: 16- 547: 14- 548: 4- 552: 6- 554: 16- 555: 3، 4 البطريرك 390: 24 البطة 436: 21 بغا (فى مثل كمشبغا) 33: 26 (ح) بلّان 199: 18 البلص، بلاصى، بلاصية 59: 1، 21 (ح) - 187: 18، 20 (ح) - 375: 10- 388: 7 البهلوان (لقب) 181: 19، 24 (ح) - 187: 7- 463: 1، 7، 21 (ح) البهموت 400: 12، 24 (ح) البواب 239: 5- 246: 8 بوس الأرض 470: 11 بوس رجل السلطان 357: 7 بوق، بوقات 15: 2 بياض العامة، أو بياض الناس 84: 8، 9- 172: 11، 15 (ح) ، 17- 220: 14 بيت المال 208: 1- 328: 17- 375: 15 ت تأمّر (صار أميرا) 260: 10- 262: 18- 264: 9- 477: 5، 13- 478: 3- 520: 7- 522: 3- 541: 13- 551: 10 تجريدة، تجاريد 57: 2، 7، 12- 75: 3- 90: 2- 92: 1، 2- 103: 4- 109: 4- 223: 4- 232: 3- 248: 3- 290: 1- 305: 12- 310: 9- 334: 4- 341: 10- 342: 3- 351: 16- 359: 13- 367: 6- 394: 11- 397: 8- 401: 18- 409: 18- 420: 17- 457: 18- 459: 5

تحمل الشهادة 509: 9- 513: 11 تحويل السنين 177: 5، 9 (ح) تخت الملك 257: 1، 3- 261: 11- 287: 10 تخفيفة، تخافيف 180: 6، 8 تخليق المقياس 425: 13، 21 (ح) تدبير الملك 211: 16 تدبير الممالك 211: 2 تدبير المملكة 461: 16 تدريس الشافعى 375: 9 تدريس قبة الشافعى 381: 18 تدريس المالكية 466: 11 الترسيم (الوضع تحت المراقبة) 12: 11، 12- 358: 8- 375: 12- 386: 3، 5- 416: 15- 418: 17- 423: 8- 432: 3- 442: 18- 444: 8، 15- 557: 5 تسلطن (صار سلطانا) 260: 3- 272: 15- 287: 8- 340: 12- 348: 11- 388: 5- 468: 4- 469: 10- 470: 10- 473: 1- 478: 8- 502: 5- 504: 16- 510: 7- 520: 16- 527: 16- 529: 18- 530: 23- 541: 4- 543: 7- 552: 13- 553: 11 تسليك 215: 5 تسمير (تعذيب) 404: 3 تشريف، تشاريف 39: 2، 14- 54: 8- 81: 2- 193: 5- 231: 10- 242: 14- 245: 1- 278: 3- 287: 5، 18- 374: 18- 378: 18- 404: 18- 437: 19 التشطيب على فلان بمبلغ كذا 329: 6 تطليب 28: 13، 26 (ح) تعزير 443: 16، 19، 20 تقبيل الأرض 49: 3- 76: 20- 81: 12- 101: 9- 104: 4- 222: 11- 239: 12- 244: 17، 21- 245: 1- 248: 16، 18- 249: 18- 257: 1- 269: 12- 274: 14، 15- 278: 4- 287: 18- 332: 15- 338: 2- 357: 7- 363: 15- 385: 14- 403: 12- 408: 2- 429: 9- 434: 4- 447: 16- 452: 13 تقبيل الرجل 248: 17- 274: 16- 441: 19- 446: 20 تقبيل اليد 106: 2- 240: 3، 5- 278: 15-

304: 13- 389: 6- 446: 20- 452: 13 تقبيل اليد والرجل 317: 3 تقدمة 59: 10- 62: 4- 85: 4، 5- 306: 2- 337: 11- 345: 1- 355: 13- 357: 11، 22- 358: 14- 365: 5، 21- 371: 11- 380: 14- 410: 1- 434: 2- 439: 14- 476: 11 تقدمة ألف، تقادم ألوف 81: 16- 179: 14- 180: 3- 221: 6- 229: 10- 304: 4- 336: 11- 355: 14- 373: 13- 472: 19- 520: 11، 19- 548: 13، 16 تقدمة المماليك السلطانية 381: 9- 412: 2 تقليد، تقاليد 39: 2- 73: 4- 81: 2- 148: 14- 231: 15، 17- 287: 5- 288: 11- 294: 17- 335: 13- 372: 8- 374: 18- 375: 1- 378: 17- 404: 18- 437: 19 تقليد شريف 332: 23 التقية 321: 18 التكحيل 296: 13- 302: 15 التكفور 380: 20 تكفية الدولة 52: 5 تكفية يومه 51: 15 التمربغاوى (نوع من المسكرات) 144: 7 تمفقر 436: 7- 478: 11 التوسيط (القطع نصفين) 23: 9، 13، 19 (ح) - 80: 13- 101: 2، 11، 14- 102: 5- 312: 5- 404: 4- 441: 21- 507: 7 التوقيع 57: 25- 545: 5 توقيع السلطان 105: 22 ث ثانى حاجب- حاجب ثان ثانى رأس نوبة- رأس نوبة ثان ثياب بعلبكى 358: 15- 359: 7 ج جابى أملاك: 502: 3 جاليش 201: 2، 17 (ح) - 317: 19- 318: 7، 8 الجالية، الجوالى 556: 17، 22 (ح) جامكية، جامكيات، جوامك (مرتب) 50: 7- 161: 18- 260: 7- 264: 5- 341: 15- 458: 2

جبن مقلى 436: 23 جحا 25: 8، 18 (ح) جراريف 301: 17 جرافى 301: 16 جرائحى 58: 16 جعيدى، جعيدية 97: 2، 7، 16- 397: 7 جلب (مماليك) 509: 19- 510: 4 الجلبان- المماليك الجلبان جمدار، جمدارية 184: 8- 246: 9- 248: 6- 295: 4- 446: 15- 471: 15- 516: 9- 518: 15، 18 جنزير (من أدوات التعذيب) 389: 2- 414: 3- 418: 15- 421: 5- 422: 19- 442: 19- 443: 3- 444: 7 جنويات 323: 15، 24 (ح) جوالى دمشق 406: 7 جوقة، أجواق 154: 14، 16، 17 ح حاجب، حجاب 9: 4- 93: 16- 161: 13- 178: 13، 16- 288: 10- 291: 10- 335: 3- 360: 2- 375: 5- 465: 15- 478: 15- 551: 14- 552: 1 حاجب ثالث 38: 14 حاجب ثان 9: 3- 48: 2- 96: 9- 113: 2- 207: 12- 214: 1- 223: 12- 277: 2، 10- 282: 13- 337: 12- 552: 1 حاجب الحجاب 30: 6- 39: 19- 49: 4، 6- 57: 4- 76: 5- 79: 7- 90: 5- 223: 7- 244: 12- 248: 18- 260: 17- 262: 3، 9- 268: 17- 272: 1- 283: 3- 305: 7- 356: 8- 365: 18- 380: 12- 406: 12- 450: 11- 510: 9 حاجب حجاب حلب 326: 10- 335: 8- 371: 3- 379: 1- 511: 8- 521: 3 حاجب حجاب دمشق 306: 15- 319: 14- 335: 7- 404: 16- 438: 1 حاجب الحجاب بالديار المصرية 467: 8 حاجب حجاب طرابلس 130: 3- 181: 6 حاجب حلب 285: 19- 532: 12 حاجب حماه 335: 8

حاجب صفد 387: 7 حاجب غزة 317: 1 حانوت الشهود 206: 14 الحبوس 160: 2 الحجاب الأجناد 552: 2 الحجوبية 44: 6- 218: 14- 260: 20- 276: 4- 305: 10- 403: 6- 450: 13- 467: 9- 522: 16 الحجوبية الثانية 375: 5- 477: 14 حجوبية الحجاب 63: 15- 76: 9- 137: 7- 276: 18- 407: 3- 408: 7- 429: 7- 438: 17- 461: 1- 484: 19- 496: 15 حجوبية حجاب حلب 335: 9- 404: 7- 511: 16 حجوبية الحجاب بدمشق 363: 9- 522: 16 حجوبية حلب 294: 16- 379: 2- 403: 14- 404: 9- 407: 4- 529: 14 حجوبية حماه 131: 6 حجوبية دمشق 130: 9- 185: 7- 335: 7- 405: 1- 436: 14- 529: 15 حجوبية طرابلس 380: 9- 447: 4 حراقة، حراريق، حراقات 333: 11، 20 (ح) حرامى 385: 12 حرفوش، حرنفش، حرافيش 84: 9- 97: 2، 15 (ح) ، 18- 218: 2 الحريم 261: 23 الحريم السلطانى 295: 14 الحسبة 60: 11 (ح) - 94: 9- 393: 18- 401: 5 حسبة القاهرة 83: 7- 89: 10- 94: 12- 137: 2، 14- 154: 15- 168: 1، 13، 16- 178: 16- 218: 4، 17- 349: 6- 356: 11- 357: 2- 364: 4- 388: 2- 294: 9- 401: 4- 403: 6- 487: 9، 10- 522: 5 حسبة مصر القديمة 148: 8- 349: 6 الحطى (ملك الحبشة) 196: 14، 22 (ح) - 225: 14 الحفير 301: 15

حماية، حمايات 322: 1، 17 (ح) - 417: 9 الحوطة على موجوده 415: 9 حياصة ذهب 263: 4 خ خاتون 62: 4- 63: 8 خازندار 82: 4، 6- 105: 3- 106: 2- 109: 1- 143: 7، 10- 148: 14- 163: 5، 8، 19- 223: 18، 20- 229: 12- 230: 1- 238: 2- 239: 5- 259: 6- 262: 20- 313: 14- 326: 4- 331: 19- 345: 6، 12- 355: 4، 6- 377: 1- 392: 4- 402: 13- 430: 11- 431: 9- 436: 2- 450: 17- 451: 9- 469: 10- 485: 16- 486: 6- 495: 7- 507: 15- 518: 13، 16- 530: 20- 552: 9 خازندار كبير 260: 15- 352: 14- 375: 2- 548: 11 الخازندارية 313: 15- 314: 2- 355: 10- 486: 7، 12- 518: 17 الخاص 210: 13- 495: 3 خاصكى، خاصكية 19: 9- 24: 13- 82: 6- 100: 17- 101: 12- 107: 4- 108: 9- 126: 7- 147: 16- 148: 18- 151: 6- 180: 13- 184: 7- 212: 12- 213: 9- 227: 3- 229: 2- 231: 1، 9- 238: 4- 244: 8- 246: 1، 7، 14- 247: 18- 260: 8- 262: 3- 268: 4، 12- 270: 5- 272: 3- 275: 9- 280: 1- 281: 9- 290: 7، 12- 292: 8- 298: 5- 300: 19- 301: 4- 311: 14- 331: 3، 20- 345: 14- 360: 6- 362: 3- 368: 11، 16- 413: 14- 429: 1، 20 (ح) - 430: 10- 448: 15- 466: 17- 508: 9- 511: 15- 516: 8- 522: 14- 530: 14، 22- 548: 11 خافقية 298: 2 خانقاه، خانكاه، خوانق، خوانك 34: 18- 57: 15، 23 (ح) ، 25- 58: 16- 132: 8- 316: 18- 494: 12 خاوند- خوند ختم البخارى 93: 10، 21 (ح) ختم القرآن الكريم 557: 11 خجداش، خشداش، خجداشية، خشداشية 161: 1، 20 (ح) ، 22- 188: 16، 22- 234: 11- 235: 4، 9، 14- 241: 8، 12، 14- 252: 18- 265: 5- 268: 7- 271: 1- 298: 16- 299: 7- 300: 1- 303: 6- 307: 13- 310: 4، 10، 13، 14- 312: 7، 10- 314: 19- 317: 7- 351:

7، 12- 372: 6- 399: 4- 527: 1- 548: 16- 549: 2 خجداش السلطان 316: 14 الخدم الديوانية 495: 2 الخدمة 295: 12- 315: 9- 352: 6- 365: 4- 377: 16- 441: 12- 510: 17 خدمة الحوش 234: 5 الخدمة السلطانية 48: 9- 83: 13- 105: 4- 232: 5- 233: 3- 234: 3- 237: 3- 241: 6- 242: 10، 14- 243: 10، 11- 251: 19- 252: 3، 8، 10، 12- 253: 3، 5، 7- 272: 21- 273: 3- 281: 3- 397: 17- 429: 10- 433: 14- 439: 16- 445: 13- 448: 14 خراج 341: 20 خراج الإقطاعات 341: 19 الخزانة السلطانية 334: 14 الخزانة الشريفة 96: 13- 406: 8 الخط المنسوب 195: 13، 22 (ح) - 219: 6- 477: 16- 531: 10 الخلافة 489: 15، 16، 17 خلعة، خلع 27: 1- 28: 2- 31: 17- 33: 4- 39: 14- 42: 10- 52: 6، 10- 63: 22- 64: 1، 2- 73: 3، 9، 11- 74: 13- 81: 13- 85: 2- 93: 10- 107: 3- 181: 11- 193: 5- 223: 16- 245: 7- 248: 8- 287: 15- 338: 1- 367: 10- 382: 5- 401: 6- 458: 1- 470: 11- 473: 2- 514: 2 خلعة الأتابكية بالديار المصرية 445: 10 خلعة الاستقرار 349: 12- 356: 4- 358: 5- 363: 7- 368: 2- 447: 19- 467: 15- 496: 10 خلعة الاستمرار 64: 19- 287: 11- 338: 2- 344: 19- 347: 5- 352: 12- 358: 4- 359: 2- 417: 12- 440: 12 خلعة الأنظار المتعلقة بالدوادارية 370: 13 خلعة الحجوبية 305: 9 الخلعة الخليفتية السوداء 256: 15 خلعة الرضى والاستمرار 40: 6- 54: 4

خلعة السفر 77: 4- 248: 19- 304: 12- 333: 9- 339: 7- 344: 2- 358: 17 خلعة السلطنة 222: 7، 9 خلعة كتابة السر 164: 13 خلعة نظر البيمارستان المنصورى 370: 12 خلعة نيابة القلعة (قلعة الجبل) 374: 4 خلعة هائلة 438: 13 خلعة الوزارة 445: 9 خلفاء الحكم المالكية 290: 4 الخليفة 261: 11- 341: 17 خميس الأربعين 390: 21 خميس العدس 390: 26 خميس العهد 390: 24 خواجا 258: 3، 5- 344: 1- 476: 4- 482: 18- 530: 13 خوند 60: 4، 26 (ح) - 117: 8- 123: 6- 135: 7- 162: 3- 169: 1، 3- 186: 19- 203: 1، 5، 6- 259: 9- 281: 20- 296: 8- 313: 6- 315: 12- 333: 6- 372: 15- 382: 12- 406: 4- 424: 1- 464: 5- 486: 2- 509: 7- 537: 22- 542: 5، 21 خوندكى 60: 27 د داء الأسد (الجذام) 352: 15، 25 (ح) دادة 296: 5- 312: 15، 18- 313: 6 دار الضرب 83: 8- 157: 5- 345: 4 دبوس، دبابيس 398: 12- 410: 13 الدراهم الأشرفية من الفضة 339: 9 الدراهم الظاهرية الجقمقية 340: 1، 3 دراهم الكسوة 435: 11 درج الورق 137: 22 الدرك 320: 16 درهم نقرة 140: 15 الدست 137: 15، 18 (ح) دقن المرأة 237: 1، 8

الدقيق العلامة 436: 20 دلال العقارات 418: 14 الدنانير الأشرفية 340: 5 دنانير مصرية 457: 4 دهرى 388: 26 دوادار 8: 1- 36: 11- 43: 1- 55: 9- 62: 12- 72: 8- 76: 5- 80: 6- 83: 1- 118: 1- 130: 4- 135: 1- 141: 1- 166: 19- 180: 14- 184: 4- 221: 8- 239: 6- 294: 14، 15- 306: 17- 312: 8- 319: 3- 326: 4- 348: 6- 363: 9- 399: 18- 431: 8- 440: 17- 446: 12- 466: 18- 472: 13- 522: 7- 527: 13، 15- 532: 10 دوادار ثالث 527: 16- 543: 7 دوادار ثان 8: 6- 60: 3- 148: 6- 170: 8- 184: 9- 223: 16- 229: 10، 19- 234: 12، 14- 304: 5- 305: 14- 336: 2- 350: 5- 370: 15- 390: 1، 7- 402: 14- 412: 4- 429: 19- 441: 17- 451: 7- 466: 19 دوادار السلطان 373: 11- 463: 17 دوادار كبير 69: 2- 90: 4- 152: 9- 157: 9- 181: 1- 223: 6- 244: 1- 248: 14- 262: 7- 267: 10- 305: 8- 329: 6- 355: 12- 356: 12- 360: 7- 369: 10، 16- 391: 12، 16- 446: 9- 450: 11- 496: 2، 16- 509: 19- 554: 16 الدوادارية 36: 20- 83: 3- 131: 7- 158: 2- 231: 2- 262: 8- 309: 11- 370: 3، 13، 22- 385: 5- 430: 13- 447: 11- 496: 18- 497: 1، 11- 525: 14- 555: 3 الدوادارية الثالثة 440: 18 الدوادارية الثانية 148: 15- 277: 1، 9- 467: 2- 543: 8، 9- 548: 15 دوادارية السلطان بدمشق 440: 16 الدوادارية الصغار 170: 9- 178: 14- 308: 14- 351: 12- 359: 17- 404: 12 الدوادارية الكبرى 158: 1- 179: 15- 184: 10، 11- 461: 4- 301: 9- 536: 16- 555: 2 دوران المحمل 128: 3- 337: 6- 366: 8 الدولبة 129: 3

دينار ذهب مصرى 458: 1 ديوان الأحباس 166: 20 ديوان الإنشاء 137: 20، 22- 168: 8- 336: 21- 424: 21- 487: 6 ديوان الجيش 37: 13- 41: 11- 166: 21- 336: 21 الديوان السلطانى 161: 15 ديوان المرتجع أو المرتجعات 335: 27- 336: 15 الديوان المفرد 36: 2- 55: 15- 341: 2، 13 (ح) - 350: 4- 353: 9، 17- 354: 3- 484: 8- 527: 9 ديوان النظر 158: 24 ذ الذهب الظاهرى الأشرفى 440: 4 ر رأس الميسرة 303: 18 رأس نوبة، رؤوس نوب 8: 7، 8- 9: 7، 8- 19: 9- 33: 1- 39: 1، 5- 48: 4- 55: 10- 71: 16- 72: 5- 81: 3- 107: 12- 158: 4- 180: 15- 181: 19- 227: 12- 229: 15- 231: 4- 232: 9- 238: 2- 245: 18- 246: 5- 262: 15، 17- 263: 4- 269: 2- 273: 2- 279: 13- 286: 18- 287: 4- 290: 18- 291: 1، 2، 3، 4- 314: 12، 17- 318: 16- 331: 19- 349: 15- 351: 6- 354: 14- 355: 15- 358: 10- 360: 13، 14- 368: 9- 372: 13- 378: 7، 18- 394: 4- 409: 6- 435: 7- 449: 2- 472: 12- 475: 13- 477: 6- 496: 10- 522: 4- 541: 14- 543: 19- 547: 17 رأس نوبة ثان 8: 4- 36: 10- 78: 5- 223: 17- 228: 5- 290: 16- 345: 1- 360: 9- 365: 15- 368: 2- 451: 6- 477: 7- 496: 11- 517: 12- 518: 5- 520: 17- 522: 6- 541: 15- 548: 1 رأس نوبة الجمدارية، رؤوس نوب الجمدارية 184: 8- 231: 5، 6- 246: 9- 295: 4- 355: 5- 390: 4- 446: 14- 516: 8- 518: 18 رأس نوبة النوب 8: 1- 19: 6- 90: 4- 117: 16- 122: 4- 157: 14- 179: 5، 14- 199: 12- 211: 12- 223: 6- 229: 9- 244: 1- 250: 6- 251: 5- 262: 5، 8- 268: 17- 290: 15- 295: 13- 305: 3، 11- 306: 8- 318: 14- 330: 2- 346: 16- 351: 18- 392: 6- 412: 10- 413: 5- 450: 10- 460: 19- 469: 14- 535: 8-

536: 15- 541: 16- 543: 4، 15- 555: 1 الربعات 323: 19 رجال السيف 60: 12- 330: 29 رجال القلم 60: 11- 84: 7- 330: 21 رخت 30: 8، 25 (ح) - 242: 16 رزقة، رزق 166: 2، 10 (ح) - 341: 19- 346: 4 الرزق الإحباسية 166: 18- 346: 2 الرزق الجيشية 346: 2 رستاق 79: 23 الرسل 514: 5 رسلية 46: 6- 433: 10- 434: 16 رصم، رسوم 337: 5- 341: 23- 344: 12- 356: 1- 378: 18- 384: 4، 10 رسوم المرور 339: 10 الرفض 320: 13، 21 (ح) الرق 259: 3 الركوب على 264: 10، 18- 272: 17- 285: 17- 289: 14- 293: 7- 306: 12، 20- 454: 11 الرماحة 76: 2، 16 (ح) - 366: 8 رنك 36: 4، 16 (ح) رواتب اللحم 264: 5 الروك الناصرى 316: 17- 387: 19- 430: 20- 509: 21 رئاسة الطب والكحل 387: 15 رئيس الأطباء 507: 19 ز زخمة 271: 5 الزردخانة 170: 18- 235: 20- 238: 13- 352: 7- 431: 18- 526: 18 زردكاش 170: 10، 18 (ح) - 223: 13- 297: 8- 298: 9- 308: 13- 310: 2- 312: 7- 341: 11- 413: 9- 424: 3- 430: 8- 431: 1- 450: 18- 526: 11، 13، 15- 549: 3- 558: 17- 559: 1، 3، 4 زردكاش كبير 430: 15

الزردكاشية 170: 18- 526: 16 زرديات 433: 19 زعر، زعارة 84: 9- 237: 12، 19 (ح) - 270: 12، 13- 272: 8 الزمام 105: 3- 163: 10، 19- 223: 19- 261: 17- 313: 14- 314: 2- 345: 6- 355: 9- 392: 4- 398: 17- 399: 3- 465: 12، 20- 466: 2- 485: 16- 507: 9، 14 زمام الدار 72: 2- 143: 3، 6- 261: 16، 23 ح الزمامية 143: 9- 163: 11، 12- 313: 13- 486: 12- 507: 11 زنان دار 261: 23 زى الجند 218: 13- 219: 3- 354: 7 زى الفقهاء 219: 3- 545: 4 زى الكتاب أو الكتبة 354: 8- 451: 15 الزيج 183: 8 س الساقى، السقاة 36: 20- 82: 6- 151: 6- 229: 12، 15- 231: 3- 246: 7، 8، 9- 260: 9- 262: 14، 20- 295: 4- 305: 13- 352: 15- 383: 9- 390: 5- 394: 4- 410: 20- 435: 6- 436: 3- 440: 9- 469: 11- 507: 2- 508: 8- 517: 15- 548: 8، 11 ستارة السلطان 261: 25 سحلية 179: 7 السراخورى 170: 21 سرج ذهب 385: 16 سرموزة، سرامير أو سراميج 56: 9، 11، 19 (ح) سروج مغرّقة 357: 16 سرياقات 128: 14 سفارة 76: 9- 81: 3- 166: 8- 260: 8- 333: 6- 356: 19- 366: 11- 374: 8- 387: 15- 391: 11- 406: 7 السقاية 380: 1- 507: 6- 517: 17 سلاح خاناة 170: 19 السلاح دار 36: 20- 291: 4- 394: 1- 398: 26 سلاح دارية 295: 4

السلاخورى 170: 12، 21 (ح) - 171: 1 سلارى 42: 9، 25 (ح) - 434: 5 السلّاق 390: 21 سلطان الحرافيش 97: 2 السلطنة 260: 9، 15- 261: 8، 13- 265: 18- 272: 17- 341: 14- 344: 19- 348: 11- 369: 13- 468: 2- 503: 13- 504: 7- 520: 1- 525: 1- 535: 1، 7- 547: 1- 548: 10 السماط، أسمطة 91: 2- 108: 8، 9- 135: 5- 149: 15- 253: 6- 293: 15- 370: 5- 475: 14- 497: 2- 538: 10 سمر تسمير سلامة 326: 13 سمر تسمير عطب 326: 14 سنجق 270: 2- 272: 4 سنجق السلطان، السنجق السلطانى 24: 14- 318: 14، 15 السنة الخراجية 177: 9، 10، 17، 19، 21 السنة الشمسية 177: 9، 10، 11، 12، 17، 21 السنة القمرية 177: 10، 11، 12 السنة الهلالية 177: 16، 17 السواد الخليفتى 222: 9 السوقة 340: 9 السيبة 30: 7، 19 (ح) السيفى، السيفية 105: 16- 161: 1، 14 (ح) - 229: 16- 235: 15- 240: 21- 244: 8- 436: 2- 438: 2- 444: 17- 445: 16- 446: 7- 447: 10- 451: 20- 464: 3- 524: 3- 527: 13 ش شاد الأغنام بالبلاد الشامية 529: 20 شاد بندر جدة 426: 4 شاد الحوش السلطانى 345: 8 شاد الدواوين 8: 11- 53: 10 شاد الشرابخاناة 8: 5- 31: 16- 82: 3، 5- 105: 3- 122: 3- 223: 10- 228: 8- 230: 2- 240: 2- 246: 2- 262: 19- 345: 2- 369: 15- 373: 15- 390: 3- 450: 16- 469: 13- 510: 7- 548: 14 شاد الشون السلطانية 371: 19

شاد العمائر بمكة 444: 24 الشحنة 74: 4، 19 (ح) شد أمور الدولة 77: 6 شد بندر جدة 214: 1- 518: 3 شد الدواوين 403: 6 شد الشراب خاناه 355: 14 الشرابخاناه 8: 24 (ح) - 262: 19- 331: 18 الشراقى العظيم 547: 4 الشريف العالى 330: 18 شريف مكة 339: 15 الشش (نوع من المسكرات) 144: 7 شعار السلطان، شعار السلطنة 34: 13- 105: 22 شعار الملك 256: 16 الشهادة 153: 9 شونة 32: 7 شيخ الإسلام 124: 10- 133: 5- 343: 9- 455: 7، 11- 459: 19- 460: 3- 483: 7- 487: 19- 494: 6- 513: 8- 532: 15 شيخ الإسلام قاضى القضاة 118: 10 شيخ الحجبة بباب الكعبة 186: 6 شيخ خانقاه 57: 24، 25 شيخ خانقاه سعيد السعداء 535: 15 شيخ الخدام بالحرم النبوى الشريف 518: 14- 541: 5 شيخ الشيوخ 57: 24- 74: 17- 132: 9- 133: 6- 230: 15- 501: 2 شيخ شيوخ خانقاه شيخون 121: 7- 167: 16 شيخ الشيوخ بالمدرسة الظاهرية البرقوقية 162: 13 شيخ الصلاحية 515: 10 شيخ الطوائف 97: 2 شيخ مشايخ الإسلام 532: 16 شينى، شينية، شوان 334: 5، 21 (ح) ص الصاحب 51: 14- 52: 3، 4، 8، 9- 55: 7، 9، 11، 13- 56: 2، 12- 71: 13- 72: 4- 77: 6، 10، 12، 14- 83:

6- 85: 14- 104: 10- 158: 15- 224: 1، 2- 276: 9- 277: 6- 279: 14- 366: 11- 371: 2- 378: 10- 385: 16- 451: 13- 461: 10، 17، 18- 463: 20- 494: 9- 527: 5، 12- 556: 10 صاحب آمد 420: 12 صاحب أبلستين 499: 3 صاحب بلاد اليمن 124: 2 صاحب تبريز 420: 12- 432: 15 صاحب جبرت 441: 12 صاحب جدة 427: 2 صاحب حصن كيفا 122: 3- 182: 11، 23 صاحب حماه 456: 7 صاحب سمرقند 350: 17- 546: 8 صاحب الشحنة 74: 19 الصاحب الشريف 158: 23 صاحب ماردين 508: 3 صاحب مكة 353: 5- 355: 1- 426: 10 صاحب اليمن 145: 7 صورة 168: 7 صوفى، الصوفية 57: 24، 27- 58: 13- 139: 14- 154: 6 ض ضرب الطبل 15: 7، 13 (ح) ط الطالع 257: 5 الطبائعى (طبيب باطنى) 58: 16 طبقة، أطباق، طباق القلعة 50: 6- 90: 11- 161: 18- 188: 20- 240: 6، 9، 16، 18- 241: 10- 248: 10- 352: 5- 365: 11- 413: 18- 432: 20- 448: 21- 471: 14- 523: 18- 530: 18 طبقة الرفرف 199: 9 طبقة الزمامية 260: 4، 6 طبقة الغور 504: 2، 20 (ح) طبلخاناه 48: 21- 56: 16- 59: 10- 82: 4- 148: 4- 229: 15- 258: 15- 268: 18- 304: 7- 306: 18- 355: 14-

394: 14- 397: 7- 412: 11- 450: 16- 548: 2 طبول بازات 357: 13- 359: 9 طرز زركش 344: 3- 445: 9 الطشتدار 36: 21 طلب (- الفرقة من الجيش، الجمع: أطلاب) 7: 5، 13 (ح) - 13: 4- 15: 1، 2، 4- 29: 12، 13- 30: 5، 7- 244: 15- 249: 24- 267: 16- 269: 13، 14- 270: 3، 4- 318: 3، 12، 17 طواشى، طواشية 164: 19- 165: 2- 223: 19، 20، 21- 240: 4- 246: 4- 261: 15، 17- 282: 18- 296: 8، 11- 313: 12، 14- 345: 7، 11- 355: 5- 356: 9- 380: 11- 381: 9- 392: 3- 480: 23- 485: 16- 486: 8- 506: 16- 518: 13، 17- 523: 17 طواشية الأطباق 523: 18 ع العامة، العوام 84: 1، 7 (ح) - 171: 1، 2، 8- 172: 15- 173: 16- 237: 12- 238: 17- 261: 25- 270: 13- 274: 20- 293: 7، 14- 321: 1- 323: 8، 13- 324: 3- 340: 9، 10- 365: 9، 20- 377: 14- 385: 8- 396: 25- 397: 18- 398: 11، 14- 399: 6- 401: 1، 6، 10- 416: 15- 494: 25- 498: 6- 506: 14- 530: 7 عبد الله (مصطلح) 112: 15، 20 (ح) عبد مأمور 281: 20 عراب (إبل) 85: 9 العزيز 255: 3 عشر، عشور 338: 13، 16- 339: 25- 426: 5 عشير، عشران 115: 1، 7 (ح) - 318: 7، 10، 11- 320: 4، 12- 321: 1- 368: 3 عظيم الدولة 385: 16- 389: 2- 439: 7- 451: 12- 461: 15 العلامة (توقيع السلطان) 105: 8، 22 (ح) علم الحرف 141: 11، 23 (ح) - 166: 1 علم النجوم 249: 10 عليق (ما تعلف به الخيل والدواب) 341: 15 عمارية 197: 11، 23 (ح) عمامة، عمائم 354: 7- 407: 14 العمامة المدورة 83: 8

عمل المواعيد بالمساجد والجوامع 494: 5، 21 (ح) - 506: 13 العنبريون 34: 16، 21 (ح) العياق 84: 9 عيد الخميس 390: 17 عيد العنصرة 390: 17 غ غتمى 69: 4 غراب (سفينة حربية) 342: 2- 343: 14- 360: 16 ف فرجية 83: 9- 354: 7 الفضة الأشرفية 340: 2 فوقانى 27: 1- 262: 12- 445: 9 فوقانى الإمرة 263: 4 ق قارىء الكرسى 494: 5، 24 (ح) قارىء الهداية (لقب) 133: 6، 17 (ح) قاش 450: 19 القاصّ 494: 25 قاصد، قصّاد 12: 6- 44: 8- 45: 14- 47: 13- 49: 7- 50: 3- 52: 14- 70: 4- 71: 2، 10- 73: 8- 228: 3- 231: 8- 295: 18- 311: 9- 364: 7، 10، 11، 14- 365: 1، 5، 12- 366: 2- 395: 2- 432: 14- 433: 4، 8، 20- 441: 11- 449: 6 قاضى الإسكندرية 491: 14 قاضى حلب 480: 1 القاضى الحنبلى، قاضى الحنابلة 538: 6، 16- 540: 7- 552: 8 القاضى الحنفى 450: 6 القاضى الشافعى، قاضى الشافعية 415: 8- 418: 5- 422: 6، 13، 18- 423: 12- 425: 6- 443: 12، 15- 450: 5 القاضى المالكى 384: 6- 418: 6، 13- 421: 11، 16- 422: 14- 442: 15- 450: 7 القاضى المالكى بدمشق 429: 15 قاضى المحلة 485: 14 قاضى المدينة النبوية 480: 14

قاضى القضاة، قضاة القضاة 9: 13، 14- 10: 1- 49: 13- 57: 14- 68: 13- 82: 13- 93: 2- 96: 11- 107: 2- 110: 13- 117: 5- 118: 4، 12- 124: 13- 127: 5، 9، 16- 128: 12- 173: 7- 174: 13- 240: 11- 300: 9- 349: 6- 371: 6- 373: 2- 382: 3- 383: 13- 385: 10- 386: 2- 394: 15- 397: 5، 13- 402: 4- 405: 16- 423: 13- 424: 9، 13- 442: 20- 443: 13- 468: 17، 19- 483: 7، 10، 15- 491: 1- 493: 10- 503: 7، 8- 509: 4- 514: 17- 532: 15، 16- 537: 5، 12- 538: 1، 17- 540: 4، 17- 555: 14- 556: 3- 557: 2- 558: 7 قاضى قضاة حلب 366: 10- 444: 10- 479: 21 قاضى قضاة الحنابلة بالديار المصرية 343: 9- 493: 10- 546: 6 قاضى قضاة الحنفية 124: 13- 230: 16- 384: 4- 455: 7 قاضى قضاة الحنفية بحلب 353: 1- 448: 2 قاضى قضاة دمشق 81: 17- 144: 12- 198: 7- 206: 8- 289: 20- 523: 9 قاضى قضاة الديار المصرية 118: 10- 126: 15- 290: 4- 375: 8- 513: 5- 533: 2- 537: 9- 555: 15 قاضى قضاة الشافعية بالديار المصرية 367: 9- 373: 2- 397: 4- 414: 19- 422: 12- 455: 5- 459: 14- 513: 4 قاضى قضاة الشافعية بطرابلس 447: 8 قاضى القضاة وشيخ الشيوخ بالجامع المؤيدى 124: 8 قاضى قضاة المالكية بالديار المصرية 391: 18- 455: 9 قاضى القضاة بالمدينة النبوية 116: 4 قاضى قضاة مكة 186: 6- 546: 12- 558: 9 قاقم 359: 5 القان 48: 10- 59: 14- 72: 13- 224: 9- 337: 1- 342: 6- 350: 16- 364: 7- 525: 16- 546: 7 قبطان، قباطنة 339: 14، 17، 20 القبة والطير 10: 13- 11: 10، 18، 21 (ح) - 34: 13- 256: 16 القرافة 533: 4 القرانيص- المماليك القرانيص قرضية، قرضيات 359: 6

قرقل، قرقلات 18: 1، 15 (ح) - 417: 6، 21 (ح) قصة، قصص 137: 20- 448: 15، 20 (ح) - 452 11 القضاء 392: 1- 492: 11، 16، 18- 514: 2- 537: 12 قضاء حلب 501: 6 قضاء حماه 127: 3- 549: 11 قضاء الحنابلة 483: 15 قضاء الحنفية بدمشق 185: 14- 438: 12 قضاء دمشق 207: 1، 4- 439: 7- 442: 14- 493: 12- 509: 5، 12- 515: 2- 523: 12 قضاء الديار المصرية 137: 1- 381: 15- 383: 14 قضاء الشافعية بالديار المصرية 136: 9- 164: 10- 383: 12- 509: 11- 513: 18- 557: 2 قضاء طرابلس 438: 6 قضاء القضاة 82: 14 قضاء المالكية بالديار المصرية 178: 8 قضاء المالكية بصفد 438: 7 قضاء المدينة النبوية 480: 17 قضاء مصر 393: 14 القضاة الأربعة 9: 12- 49: 12- 102: 11- 106: 14- 256: 7- 276: 8- 396: 22 القضاة الثلاثة 58: 2 قضاة حلب 289: 15 القضاة الشافعية 388: 5- 514: 11 قضاة الشرع 14: 12 قضاة القضاة الأربعة 240: 9- 338: 18 قطار 13: 8 قطع الشطرنج 354: 15 قلم الديونة 119: 8 قماش ذهب 261: 12- 268: 5 قماش الموكب 345: 13، 18 القيام 390: 18، 22

ك كاتب السر، كتّاب السر 10: 2- 14: 13- 31: 17- 36: 20- 94: 13- 100: 16- 102: 13- 103: 5- 224: 1- 276: 9- 424: 22- 451: 11- 515: 6- 553: 8 كاتب سر حلب 174: 3- 366: 11 كاتب سر دمشق 152: 6- 183: 2- 289: 3- 307: 9 كاتب سر الديار المصرية 494: 10 كاتب سر الرها 31: 17 كاتب سر السلطان 277: 8 كاتب السر الشريف بالديار المصرية 83: 6- 118: 17- 144: 12- 155: 4- 164: 8- 218: 11- 356: 20- 372: 17- 440: 21 كاتب سر مصر 174: 3 كاتب المماليك 104: 6- 435: 14 كاتب المماليك السلطانية 445: 11- 480: 19 كاشف، كشاف 37: 1، 6- 55: 8، 9- 57: 11- 187: 17، 20 كاشف البحيرة 409: 20 كاشف حوران 318: 9 كاشف الشرقية 364: 21 كاشف الوجه القبلى 37: 6- 310: 20 كافل، كفالة 33: 2- 41: 15- 65: 10- 71: 7 كافل المملكة الشامية 187: 16 كاملية، كوامل 27: 1- 28: 2- 38: 1- 242: 8- 295: 7- 356: 14- 357: 9- 367: 3- 382: 7- 386: 17- 401: 9- 405: 18- 457: 1 كاملية سابورى 357: 9 كاملية الشتاء 530: 15 كان 53: 10، 23 (ح) - 54: 10- 76: 6- 332: 3- 373: 15- 380: 5- 408: 9- 434: 4- 447: 5- 508: 2 كبير الطواشية 519: 1 كتّاب الأموال 158: 18 كتّاب الدرج 137: 22، 24 كتّاب الدست 137: 19، 23، 24- 330: 20

كتّاب الديوان 424: 22 كتّاب ديوان الإنشاء 137: 20، 22 كتّاب السر 330: 19 كتابة الإنشاء بدمشق 155: 7 كتابة السر 32: 4- 75: 1- 104: 11- 119: 3، 6، 8- 136: 12- 155: 10- 164: 10، 12، 13- 165: 19- 166: 7- 175: 3- 183: 3- 208: 3- 219: 1، 4، 5- 277: 7- 461: 10، 15- 495: 11، 12- 527: 9 كتابة سر حلب 64: 4- 174: 5- 444: 12- 487: 2، 4 كتابة سر دمشق 152: 8- 155: 6 كتابة السر بالديار المصرية 168: 7 كتابة السر الشريف بالديار المصرية 277: 5 كتابة سر مصر 145: 4- 164: 11- 174: 6- 185: 15- 487: 2 كتابة المماليك 445: 12- 448: 8 الكحّال (طبيب العيون) 58: 27 الكحل 387: 16 كرسى الإسلام 174: 1 الكسّارات (من أدوات التعذيب) 212: 12 الكسوة، كسوة الكعبة 50: 1- 52: 16، 18، 19- 76: 16- 121: 9- 364: 10- 435: 11- 438: 13 كشاف 341: 23 كشاف التراب 301: 15، 18 كشاف الجسور 301: 6، 12 (ح) كشافة 318: 1 الكشف 55: 9- 113: 3- 187: 3- 218: 3 كشف الأشمونين والبلاد الجيزية 445: 4 كشف البحيرة 186: 10 كشف البر 159: 11 كشف الوجه البحرى 187: 8 كشف الوجه القبلى 187: 7- 527: 11 كفالة 65: 10- 71: 7- 332: 4- 333: 9- 347: 6- 381: 7- 383: 4

كفوى 27: 1، 15 (ح) الكفيات 271: 14 كلف الدولة 445: 8 الكلفة 55: 23 الكلفتاه 55: 12، 23 (ح) - 180: 8- 345: 19- 448: 15 الكلفتة 55: 23 كلوته 55: 23 كميت 130: 2، 20 (ح) كنبوش، كنابيش 39: 16- 85: 7، 20 (ح) - 344: 4- 359: 10- 379: 6- 385: 16- 457: 3 كوسات 15: 1- 222: 14، 22 (ح) ل اللالا (المربى) 72: 2، 17 (ح) - 261: 15- 465: 13، 17- 486: 1، 5- 507: 9 اللعب بالرمح 76: 16- 337: 7- 366: 8- 475: 10- 476: 6، 16 اللعب بالكرة 264: 7- 475: 11- 476: 16 (م) المال الخراجى 121: 23- 122: 16 المال الهلالى 121: 23- 122: 16 المبارزة 76: 16 مباشرو الأوقاف 375: 13- 557: 4 مباشر الدولة، مباشرو الدولة (لفظ يطلق على أصحاب الوظائف المختلفة مثل كاتب السر وناظر الجيش وناظر الخاص والوزير والأستادار والمحتسب ووالى القاهرة) 10: 2- 14: 11- 50: 6، 7- 58: 3- 105: 4- 110: 3- 224: 1- 243: 13- 288: 5، 7- 418: 2- 451: 11 المتحدث على الأيتام 510: 3 متحصل 69: 11 متصولح 406: 21 متمر 445: 9 متملك برصا 116: 11 متملك بلاد الروم 366: 6- 395: 2 متملك بلاد قرمان 116: 10

متملك تبريز 449: 7 متملك سيس 380: 21 متملك قبرس 176: 6- 343؟؟؟ 1، 22 (؟؟؟ ح) متملك ماردين وأرزن 89: 18 متولى بجاية 198: 3 متولى الصدقة 97: 1 المجامعة (ضريبة) 60: 20 مجلس الشرع 415: 1 مجنزر 422: 12 المحتسب 60: 16 (ح) - 395: 6- 424: 23 محتسب القاهرة 60: 3- 98: 6- 104: 13- 217: 19- 224: 6- 262: 11- 290: 18- 398: 2- 451: 16- 494: 11 محتسب مكة 444: 24 محضر، محاضر 289: 15- 444: 3- 447: 10- 472: 7- 474: 1، 4، 6 المحلولات 335: 27 المحمل 277: 13- 337: 6، 16، 17- 346: 17- 350: 19- 351: 1- 356: 7، 8- 358: 9- 370: 15- 372: 13- 380: 12- 387: 3- 402: 13- 430: 1- 438: 14- 439: 9- 446: 10، 13- 476: 16 مدبر المملكة، مدبرو الممالك 211: 19- 241: 17- 261: 8 المدرّكون 320: 6، 16 (ح) مدّة هائلة 433: 8 مدوّرة 457: 11 مدر، مدراء 424: 7، 21 (ح) المذاهب الأربعة 127: 1، 9- 134: 18- 480: 22 مذهب ابن حزم 491: 22 مذهب الظاهر 491: 10، 24 (ح) المراعى 122: 15 المرافق 122: 16 المرتجعات 335: 27 المرسمون 331: 3، 22 (ح)

مرسوم، مراسيم 381: 5- 429: 13- 434: 10- 442: 10 مرسوم السلطان، المراسيم السلطانية 281: 15- 289: 14 مرسوم شريف 40: 7- 244: 9- 309: 7- 378: 4، 13- 397: 9- 409: 8- 430: 4 مستملى الحديث 528: 8 مستوفى الدولة 158: 18 (ح) مستوفى ديوان المرتجع 336: 15 مسطور 388: 18 مسفّر 39: 5- 82: 2- 158: 4- 290: 16- 332: 12- 333: 12- 336: 2، 3، 4- 375: 2- 382: 16- 406: 15 المسلّك 124: 17- 202: 6- 500: 7 المسند 524: 5- 547: 8 المشاعلى 87: 10، 22 (ح) - 281: 18- 282: 1، 3، 4، 6- 443: 4 المشاهرة (ضريبة) 60: 19 المشتروات، أو المشتريات- المماليك المشتروات أو المشتريات 20: 17- 161: 17- 259: 1- 352: 4 مشدّ 8: 2، 10 (ح) - 39: 6- 76: 5- 105: 17- 106: 2- 109: 2- 229: 4، 18، 19- 231: 5- 246: 6- 297: 9- 298: 9- 460: 10- 509: 17 المشديّة 548: 12 مشدية بندر جدة 403: 1 مشورة 82: 7 مشى الخدمة 439: 16 المشى فى الخدمة السلطانية 429: 9 مشيخة التنكزية 509: 10 مشيخة الجامع المؤيدى 124: 15 مشيخة الحرم النبوى الشريف 519: 1 مشيخة الخانقاه البيبرسية 382: 4 مشيخة خانقاه سعيد السعداء 207: 1- 513: 14 مشيخة خانقاه شيخون 134: 1، 8- 168: 2- 501: 4، 8 مشيخة الخدام بالحرم النبوى الشريف 438: 9- 518: 18 مشيخة الركنية 488: 3

مشيخة الصلاحية 206: 12- 207: 1- 515: 11 مشيخة المدرسة الأشرفية 216: 13 مسيخة المدرسة الجمالية 375: 10، 22 (ح) - 384: 9، 18- 403: 4- 431: 12- 556: 19 مشيخة المدرسة الظاهرية 162: 14 المصادرة 558: 2 مصاففة 325: 2 المصايد 122: 15 مطالعة، مطالعات 233: 1- 326: 1- 433: 4 المعاددة 140: 5، 13 (ح) معاليم 557: 6، 23 (ح) المعاون 122: 16 معصرة، معاصير 53: 8، 18 (ح) - 311: 14 معلم الرماحة 76: 17 معلم النشاب 278: 10 مفتى دار العدل 328: 16 مقدم، مقدمون 76: 18- 223: 1، 9- 288: 9- 380: 14- 391: 8- 407: 3 مقدم ألف، مقدمو الألوف 8: 3- 9: 5- 19: 7- 28: 1- 33: 2، 14- 59: 9- 66: 12- 78: 7- 81: 20- 90: 3- 114: 7- 161: 6، 15- 223: 8، 15، 16- 230: 11- 235: 18- 241: 19- 244: 7- 246: 12، 16- 250: 7- 261: 5- 262: 12- 266: 10- 268: 17- 270: 3- 276: 14- 300: 18- 301: 5- 305: 21- 306: 17- 318: 8- 329: 17، 18- 331: 11، 13- 332: 3، 10- 336: 9- 337: 17- 339: 4- 340: 11- 351: 17- 358: 9- 368: 4، 15- 378: 5- 382: 14- 402: 15- 424: 1- 435: 2- 439: 12- 443: 7- 450: 12- 451: 4- 467: 19- 535: 6- 541: 15- 547: 13 مقدم الجبلية 375: 11، 24 (ح) مقدم طبقة المقدم 524: 1 مقدم العساكر، مقدم العسكر 57: 3- 91: 19- 223: 4- 305: 4- 367: 6- 431: 17- 467: 18 مقدم العشير 115: 1- 404: 21 مقدم المماليك 39: 15- 103: 1، 13- 223: 21- 246: 4- 277: 21- 451: 10

مقدم المماليك السلطانية 164: 20- 165: 4- 240: 5- 248: 7- 356: 9- 380: 11- 432: 7 المقر 330: 8، 17 (ح) - 345: 4- 374: 17- 379: 8- 383: 2- 387: 15- 391: 11- 393: 18- 401: 7- 408: 14- 417: 11- 423: 1- 433: 17- 434: 1- 435: 5- 436: 5- 438: 12- 440: 2- 462: 1 المقر الأشرف 330: 18 المقر الشريف العالى 330: 18 المقر الصاحبى 408: 11 المقر العالى 330: 19 المقر الكريم العالى 330: 19 مقرر الجسور 301: 18 مقرعة، مقارع 53: 7- 278: 17- 366: 1- 527: 10 مقشراوى 385: 12 المقطع، المقطّعون 301: 23- 336: 23- 509: 21 المقيرة 147: 11، 21 (ح) مكحلة، مكاحل النفط 26: 1، 16 (ح) - 238: 14- 289: 8- 292: 14- 323: 15- 361: 7 مكس، مكوس 59: 16- 121: 21 (ح) - 122: 18- 322: 17- 338: 13- 339: 13 مكس الفاكهة 121: 16، 21 (ح) الملطفات السلطانية 278: 4- 284: 16- 307: 3، 7 ملك الأمراء 288: 6- 452: 1 ملك الشرق 59: 14 المماليك الأجلاب 20: 1، 17 (ح) - 50: 6- 161: 17- 352: 4- 542: 2 المماليك الجلبان 20: 17- 60: 22- 103: 2، 13- 104: 2- 161: 17- 412: 5، 13- 413: 10- 418: 1- 423: 17 المماليك القرانيص 19: 11، 17 (ح) - 103: 2- 104: 2- 235: 7- 264: 4 المماليك المجلوبون 504: 20 المماليك المشتروات أو المشتريات 20: 17 (ح) - 108: 11- 161: 17- 259: 1- 352: 4- 473: 18 مملوك عبد الباسط صورة، بمعنى أستاذه عبد الباسط 224: 4

من (مصطلح) 8: 4، 15 (ح) - 12: 1- 19: 8- 20: 12- 29: 8- 34: 15- 35: 17- 38: 17- 39: 10- 40: 9- 100: 1- 120: 5، 15- 121: 3- 157: 14- 158: 1- 161: 5- 179: 15، 23- 181: 18- 184: 15- 188: 10- 199: 7- 221: 1- 223: 3، 17- 229: 14- 231: 2- 246: 5- 260: 19- 262: 16- 279: 12- 285: 19- 290: 16، 18- 291: 1- 335: 12- 345: 1- 346: 19- 355: 16- 360: 9- 364: 3- 368: 1- 372: 4- 373: 13، 17- 374: 7- 378: 14- 379: 17، 19- 383: 7، 8- 385: 13- 394: 4- 395: 1- 400: 1- 402: 14- 406: 3- 409: 8- 429: 21- 432: 1- 434: 3- 435: 6- 445: 24- 450: 12، 14- 459: 8- 461: 3- 463: 13- 469: 8- 470: 5، 10- 508: 8- 520: 4، 17- 522: 12- 543: 24- 547: 15 منادمة السلطان 83: 8 المنادون 424: 23 منادى البحر 425: 8 المنجنيق، المجانيق 26: 2، 19 (ح) - 293: 1- 361: 7 منسر الحرامية، مناسر 84: 10 منشور، مناشير 336: 1، 20 (ح) - 452: 6، 11 مهم (حفل) 408: 3 مهمندار 451: 8- 525: 16 موقّع- موقعو- الدست 137: 15، 18 (ح) - 205: 19- 214: 13- 217: 10- 231: 9 موقعو حلب 231: 9 موكب، مواكب 48: 1- 52: 6- 53: 3- 83: 8- 108: 4- 237: 4- 239: 14- 246: 21- 252: 4- 263: 11- 288: 1، 4، 16- 336: 14- 433: 1- 434: 18- 441: 12- 442: 3- 444: 10- 449: 6 الموكب السلطانى 228: 6- 410: 8 المولد النبوى 263: 14 مياسير التجار 84: 8- 172: 15 ميسرة السلطان 304: 17 ميمنة السلطان 304: 17 ن ناظر الأحباس 166: 19، 20- 397: 13

ناظر الإسطبل السلطانى 56: 4- 264: 1- 278: 9- 334: 1- 535: 17 ناظر الإسكندرية 44: 6 ناظر البيمارستان المنصورى 220: 12- 382: 6 ناظر الجوالى 329: 3- 501: 13 ناظر الجيش 50: 8- 54: 10- 131: 23- 224: 2- 228: 8- 230: 6- 248: 12- 250: 7- 327: 13- 330: 20- 371: 17- 440: 1- 451: 12- 494: 11- 545: 4 ناظر جيش حلب 183: 4- 366: 11 ناظر جيش دمشق 152: 6- 289: 2- 356: 18- 514: 18 ناظر الجيوش المنصورة بالديار المصرية 356: 17- 440: 3- 552: 5 ناظر الحرم 444: 24 ناظر الحرمين 501: 16 ناظر الخاص، ناظر الخاص الشريف، ناظر الخواص 10: 3- 43: 3- 52: 2، 13- 53: 4، 7، 10- 55: 17- 83: 12- 85: 15- 158: 8- 210: 9- 224: 3- 330: 20- 345: 4- 374: 9، 17- 379: 8- 383: 2- 385: 17- 387: 15- 389: 2، 4- 391: 12- 393: 18- 401: 15- 403: 7- 408: 11- 417: 11- 433: 17- 434: 1- 435: 5، 18- 436: 5- 438: 13- 440: 2- 451: 12- 494: 11- 556: 10 ناظر دار الضرب 83: 8- 157: 5- 345: 4 ناظر الدواوين 158: 21 (ح) ناظر الدولة 8: 11- 9: 10- 42: 6- 54: 13، 14، 15- 116: 6- 158: 21 (ح) - 330: 20- 378: 10 ناظر ديوان المفرد 346: 1- 350: 4- 353: 9 ناظر الزردخاناه 431: 18 ناظر القدس 388: 12- 448: 5 ناظر القدس والخليل 131: 10- 136: 13- 340: 8، 13 ناظر الكسوة 153: 8 ناظر النظار 158: 23 الناموس 497: 1 نائب، نواب 63: 13، 22- 84: 3- 92: 3- 120: 13- 231: 15- 232: 2- 253: 13- 287: 9- 294: 6- 317: 18- 318: 3، 11، 17- 322: 11- 326: 2- 367: 14- 514: 8

نائب أبلستين 78: 20 نائب الإسكندرية 83: 2- 170: 4، 11- 247: 16- 281: 9، 14- 451: 20- 477: 10- 543: 14 نائب بعلبك 318: 9- 374: 4، 10- 444: 17 نائب البيرة 431: 16- 436: 14 نائب بيروت 430: 5- 551: 8 نائب ترانسلقانيا 395: 20 نائب جدة 339: 19- 397: 1- 427: 8- 434: 17- 439: 10- 441: 11 نائب الحكم، نواب الحكم 146: 2- 202: 13- 443: 20- 468: 17- 494: 3- 535: 13 نائب حلب 11: 12- 12: 2- 15: 5- 18: 14- 27: 8- 38: 17- 39: 18- 41: 15- 44: 2- 59: 12- 60: 9- 61: 8، 11، 17- 62: 9- 63: 10- 65: 5- 66: 2- 68: 8- 71: 6- 76: 9- 79: 3- 80: 15- 85: 3- 88: 2- 92: 12- 117: 14- 120: 13- 126: 5- 226: 4- 231: 18- 233: 18- 234: 7- 254: 1- 278: 2- 283: 4- 288: 11- 232: 14- 289: 5- 291: 12- 292: 11- 302: 16- 309: 19- 318: 4- 322: 12- 323: 2- 326: 1، 6- 335: 5- 336: 3- 347: 4- 403: 14- 404: 8- 451: 17- 454: 21- 462: 18- 469: 14- 471: 4- 472: 12- 509: 19- 511: 14- 520: 12- 522: 12- 530: 15- 543: 6- 547: 15 نائب حماه 11: 10، 21 (ح) - 15: 6- 59: 7- 78: 17- 226: 5- 232: 1- 283: 2- 286: 14- 323: 12- 326: 8، 12- 363: 15- 372: 4- 378: 15- 433: 3- 434: 4- 451: 18- 463: 6 نائب حمص 56: 16- 364: 2 نائب خرت برت 335: 9 نائب درندة 61: 5 نائب دمشق 15: 5- 152: 8- 155: 7- 199: 7- 226: 3- 288: 2- 371: 20- 381: 2- 462: 16 نائب دمياط 478: 15 نائب دوركى 84: 2- 85: 1- 87: 14 نائب الرها 43: 13- 78: 3- 547: 14 نائب السلطان 228: 1

نائب السلطنة 42: 25- 62: 5- 332: 23- 476: 3 نائب الشام، نواب الشام 10: 13- 11: 11- 20: 6- 24: 4- 38: 15- 65: 8- 68: 7- 82: 10- 85: 2، 3- 86: 11- 92: 3- 117: 13- 120: 10، 13- 131: 7- 181: 3، 20- 186: 16- 221: 1، 4- 231: 17- 233: 16- 266: 8- 285: 9- 287: 6- 302: 16- 304: 9- 309: 19- 317: 12- 318: 3- 322: 11- 336: 2- 344: 17- 359: 1- 451: 17- 469: 5، 12- 475: 7- 482: 15- 521: 7- 529: 16- 532: 14 نائب صفد 15: 6- 18: 14- 20: 7- 24: 9- 117: 1- 130: 8- 184: 4- 213: 7- 226: 6- 232: 2- 289: 4- 292: 1- 294: 10- 318: 4- 322: 15- 326: 9- 332: 4- 364: 1- 378: 17- 437: 17- 439: 5- 451: 19- 463: 11 نائب طرابلس 15: 6- 20: 7- 59: 6- 194: 10- 221: 5- 226: 4- 231: 18- 286: 13- 322: 12- 335: 6- 336: 4- 350: 1- 403: 11- 451: 18- 463: 3- 468: 13- 472: 1- 520: 13 نائب طرسوس 429: 11- 434: 10 نائب غزة 15: 6- 31: 11، 18- 86: 7- 213: 7- 217: 15- 226: 7- 287: 14- 294: 11- 318: 5- 322: 15- 326: 9- 333: 3، 9- 378: 19- 425: 1- 451: 19- 463: 13، 15- 477: 4- 508: 6- 517: 12- 532: 13 نائب غيبة السلطان بديار مصر 472: 20 نائب قاضى القضاة 443: 14 نائب القدس 76: 9- 226: 8- 291: 6- 294: 11- 318: 5- 322: 10- 331: 12- 388: 12- 448: 5- 532: 12 نائب القلعة (قلعة الجبل) 9: 6- 76: 6- 223: 11- 238: 1- 246: 3- 355: 4- 360: 10- 374: 1- 382: 16- 445: 1- 451: 1- 472: 19- 485: 7، 9- 530: 10 نائب قلعة حلب 285: 15- 289: 7- 292: 17- 326: 19- 484: 18- 510: 1 نائب قلعة دمشق 289: 18- 319: 13- 544: 7، 18 نائب قلعة الروم 447: 5 نائب قلعة صفد 307: 8 نائب قلعة صهيون 326: 5

نائب كاتب السر 10: 3- 26: 10- 31: 16- 64: 4- 102: 12- 103: 9- 105: 20- 168: 8- 276: 10 نائب كاتب السر الشريف بالديار المصرية 486: 20 نائب الكرك 226: 7- 352: 12- 380: 15- 440: 12- 446: 8- 451: 19- 463: 20- 475: 5 نائب مقدم المماليك 248: 8- 277: 21- 348: 5- 381: 10- 508: 1- 524: 1 نائب مقدم المماليك السلطانية 432: 7- 523: 17 نائب ملطية 113: 18- 226: 8- 318: 6- 358: 4- 454: 22 نائب مملوكى 339: 19 نجاب، نجب 64: 11- 77: 13- 325: 7- 429: 13- 441: 2- 442: 9- 467: 15 نديم السلطان، ندماء السلطان 10: 4- 111: 7- 278: 10، 14 النشاب 271: 14- 278: 10- 346: 11- 473: 7- 503: 16- 510: 20- 528: 6 نظام الملك 211: 18- 233: 10- 236: 6- 241: 17 نظر الأحباس بالديار المصرية 370: 21 نظر الإسطبل السلطانى 155: 9- 166: 8- 353: 13- 371: 5- 381: 16- 389: 12 نظر الأوقاف 58: 10- 83: 8- 388: 6 نظر أوقاف الأشراف 157: 5 نظر بندر جدة 484: 8 نظر البيمارستان المنصورى بالقاهرة 154: 10- 168: 14- 169: 10- 370: 12- 371: 16- 375: 9- 415: 18- 417: 13- 557: 1 نظر جامع عمرو 415: 18 نظر الجوالى 371: 4- 379: 16- 415: 18- 417: 14 نظر الجيش 119: 2، 5- 152: 9- 157: 4- 164: 10- 166: 7- 211: 2- 233: 7- 327: 19- 358: 12- 461: 13- 552: 18- 553: 2 نظر جيش حلب 337: 14- 444: 12 نظر جيش دمشق 167: 17- 185: 15- 337: 14- 356: 8- 358: 13- 515: 3 نظر جيش مصر 495: 3- 515: 3

نظر الجيوش المنصورة بالديار المصرية 552: 17 نظر الحرم بمكة المشرفة 516: 9 نظر الحرمين 502: 6 نظر الخاص، نظر الخاص الشريف، نظر الخواص 54: 5- 158: 10، 15- 163: 8- 211: 1- 440: 3- 461: 15- 462: 1- 495: 8 نظر الخانقاه السعيدية 415: 18- 417: 14 نظر الخزانة 552: 13 نظر الخليل 131: 5 نظر دار الضرب 83: 8- 157: 5- 345: 4 نظر الدولة 51: 15- 52: 4- 116: 7- 158: 13، 21 (ح) - 159: 21- 445: 12- 448: 8 نظر ديوان المفرد 172: 2- 341: 2- 353: 12، 15- 354: 3- 484: 8- 527: 9 نظر القدس 478: 17 نظر القدس والخليل 131: 10- 136: 13- 340: 8، 13 نظر قلعة دمشق 358: 17 نظر الكسوة 121: 9- 157: 5- 328: 17- 375: 9- 381: 13- 415: 18- 417: 14- 556: 18 نظر المفرد 350: 8 نظر مكة المشرفة 279: 8 النفقة 261: 14- 263: 10، 18- 435: 18 النفوط 271: 11 نقابة الجيش 341: 7 نقيب الأشراف 348: 2 نقيب الجيش 327: 20- 385: 1- 414: 18- 415: 3- 451: 14- 462: 4 نواب البلاد الشامية 181: 3- 224: 8- 226: 3- 232: 15- 286: 11- 287: 8- 433: 5- 442: 11- 451: 17- 462: 15 نواب الحكم الحنابلة 343: 8 نواب الحكم بالديار المصرية 173: 5 نواب الحكم الشافعى 152: 23- 281: 4- 325: 13- 449: 11 نواب الحكم المالكى 422: 6

نواب دمشق 304: 18 نواب القاضى الحنبلى 280: 4 نواب القاضى الحنفى 280: 3 نواب القاضى الشافعى 280: 3 نواب القاضى المالكى 280: 4 نواب القضاة الشافعية 152: 16 نواب القلاع 15: 6 نواب المماليك 292: 4 النوبة 24: 3- 242: 12 نيابة أبلستين 338: 3 نيابة الإسكندرية 44: 6- 48: 5- 72: 8- 76: 12- 83: 3- 85: 11- 141: 1- 170: 11- 246: 13- 282: 14- 305: 11- 336: 10- 350: 12- 364: 4- 374: 7، 16- 476: 10- 477: 15 نيابة بعلبك 371: 19- 372: 11 نيابة بغداد 73: 3 نيابة الحكم 118: 9- 515: 12 نيابة حلب 64: 20- 65: 2، 6، 9- 68: 9- 120: 17- 126: 9، 10- 184: 10- 188: 5، 6- 261: 4- 284: 6- 286: 7، 13- 287: 1- 292: 10- 335: 6- 368: 6- 374: 13- 378: 15- 382: 14- 385: 14- 389: 15- 463: 3- 467: 11، 13، 17- 470: 7، 9- 473: 1- 510: 10- 520: 12- 521: 13، 16- 522: 13- 523: 1، 3، 4 نيابة حماه 59: 9- 120: 12، 18، 19- 135: 2- 188: 3، 4- 287: 1- 294: 16- 322: 14- 323: 7- 364: 1- 368: 5- 372: 4، 8- 374: 14، 16- 375: 2- 380: 4- 405: 11- 407: 20- 409: 9، 11- 432: 2- 443: 8- 521: 13، 15- 548: 3، 4 نيابة حمص 57: 1 نيابة حمص 57: 1 نيابة دمشق 38: 16- 65: 7- 68: 8- 117: 13، 17- 118: 1- 120: 4- 130: 11- 158: 2- 179: 16- 188: 10، 11- 200: 1، 2، 7- 221: 9، 10- 287: 12- 290: 10- 329: 11- 335: 5- 359: 2- 460: 9- 467: 12- 470: 10- 471: 16- 510: 14- 523: 2- 552: 10

نيابة دمياط 278: 11- 379: 13- 478: 17- 526: 17- 544: 9، 10 نيابة الرها 31: 11، 16- 32: 3- 33: 3- 78: 5- 81: 20- 181: 8- 548: 1 نيابة السلطنة 92: 4- 231: 11 نيابة سيس 438: 2 نيابة الشام 40: 10، 15- 71: 8- 121: 1، 3- 184: 12- 188: 6- 470: 9- 536: 20 نيابة صفد 36: 11- 78: 6، 7- 80: 22- 81: 1، 21- 86: 13- 130: 10- 185: 8، 9- 188: 3- 213: 14، 15- 329: 15- 331: 11- 351: 18- 364: 2- 378: 19- 437: 18، 20- 521: 11- 522: 8، 10 نيابة صهيون 551: 9، 12 نيابة طرابلس 35: 7- 59: 7- 135: 2- 188: 4- 194: 27- 195: 4- 199: 4- 260: 19- 286: 15- 287: 5- 294: 18- 335: 7- 374: 12، 15- 375: 1- 404: 16، 18- 431: 14- 440: 7- 522: 17- 523: 2 نيابة طرسوس 63: 15، 18 نيابة غزة 20: 9- 33: 2- 80: 22- 86: 14، 17- 87: 1- 135: 2- 180: 19- 181: 7، 10- 213: 15- 221: 6- 228: 5- 229: 13- 260: 16- 337: 10- 368: 2- 373: 11- 379: 1- 387: 7- 430: 5- 438: 3- 477: 7- 508: 8، 12- 518: 5، 6- 536: 13 نيابة الغيبة 9: 1 نيابة القدس 371: 2- 379: 18- 382: 11- 383: 6،؟؟؟ 80 نيابة القدس والرملة 372: 2 نيابة القلعة (قلعة الجبل) 150: 18- 246: 18- 262: 11- 301: 2- 374: 2- 485: 11- 531: 1 نيابة قلعة حلب 151: 10- 373: 4- 527: 16 نيابة قلعة دمشق 363: 8- 382: 19- 516: 7- 517: 9- 527: 14، 17- 544: 11 نيابة قلعة الروم 447: 6- 536: 10 نيابة قلعة صفد 445: 16- 544: 9 نيابة كتابة السر 346: 15- 487: 4 نيابة الكرك 85: 12- 279: 13- 336: 7- 440: 15- 447: 4

نيابة مصر 73: 9- 74: 4 نيابة مقدم المماليك 432: 9 نيابة ملطية 150: 8- 335: 10- 358: 6- 363: 12- 371: 1- 520: 19، 20 هـ هدية 49: 4، 9- 52: 15- 62: 7- 193: 3- 227: 15- 228: 2- 231: 11 هدية جهان شاه إلى السلطان الظاهر جقمق 433: 1، 19 (ح) هيئة أرباب الأقلام 83: 9 ووالى القاهرة 53: 10، 25- 93: 15- 101: 2، 11- 198: 13- 217: 17- 224: 6- 230: 4- 246: 10- 281: 18- 300: 19- 368: 10- 391: 11- 399: 15- 403: 5- 406: 13- 407: 1- 411: 12- 415: 13- 418: 7- 422: 12، 18- 425: 14- 443: 11- 451: 8 الوزارة 42: 4، 18 (ح) - 51: 14، 17، 18- 52: 5، 13- 53: 5- 54: 7، 18- 56: 2، 4، 5، 7- 77: 6، 8، 11، 13، 15، 17- 85: 11- 116: 7- 121: 15- 172: 2- 176: 11- 207: 5- 341: 13- 347: 15، 24- 378: 10- 445: 5- 461: 17- 495: 4 الوزر 42: 17 (ح) - 121: 14- 378: 12- 518: 4- 527: 9، 10، 11، 12- 553: 10 وزن النقود 140: 10، 13 (ح) الوزير 8: 11- 9: 9- 38: 1- 42: 6، 19 (ح) - 50: 9- 51: 19- 54: 6، 14- 76: 12- 77: 5- 81: 7- 83: 12، 16- 121: 12- 158: 22- 163: 13- 201: 20- 208: 4- 224: 2- 445: 14- 451: 13- 481: 4- 482: 4- 494: 11- 520: 15- 527: 5 وسائل تعذيب 80: 13- 87: 5 وشق 359: 5 وصيفة مولدة 127: 22 وطء البساط 338: 5 الوطاق 23: 1- 25: 6- 29: 2- 325: 5 الوطاق السلطانى 24: 6 وكالة بيت المال 121: 9- 328: 17- 375: 9، 15- 377: 20- 406: 7- 415: 18- 417: 14- 556: 18 وكالة بيت مال دمشق 414: 2

وكلاء شريف مكة 339: 16 وكيل بيت المال 153: 8- 208: 1- 220: 12 وكيل السلطان 417: 15 الولاية 403: 6- 492: 12، 17- 493: 5- 514: 1 ولاية القاهرة 59: 18- 94: 11- 246: 15 ولاية مكة 371: 13 ولاية الوجه القبلى 452: 2 ى يتمعقل 517: 4 يتمفقر 478: 11 اليزك 24: 3، 19 (ح) - 30: 13 ينى بازق (لقب) 82: 2، 16 (ح)

فهرس وفاء النيل من سنة 825 هـ - 854 هـ

فهرس وفاء النيل من سنة 825 هـ- 854 هـ وفاء النيل فى سنة 825 هـ 115 4 « « « «826 «/119 12 « « « «827 «/125 4 « « « «828 «/132 4 « « « «829 «/138 4 « « « «830 «/146 5 « « « «831 «/152 18 « « « «832 «/1552 17 « « « «833 «/1692 12 « « « «834 «/1722 12 « « « «835 «/1772 5 « « « «836 «/1832 10 « « « «837 «/1932 17 « « « «838 «/1962 16 « « « «839 «/2042 4 « « « «840 «/2092 16 « « « «841 «/2212 15 « « « «842 «/4742 14 « « « «843 «/4812 9

وفاء النيل فى سنة 844 هـ 488 9 « « « «845 «/4912 17 « « « «846 «/4992 8 « « « «847 «/505 6 « « « «848 «/508 17 « « « «849 «/512 3 « « « «850 «/519 6 « « « «851 «/524 11 « « « «852 «/534 11 « « « «853 «/546 16 « « « «854 «/559 9

فهرس أسماء الكتب الواردة بالمتن والهوامش

فهرس أسماء الكتب الواردة بالمتن والهوامش ا «أحسن التقاسيم» ، للبشارى 428: 27 «إحياء علوم الدين» ، للغزالى 490: 23 «أخبار الأعيان فى جبل لبنان» ، لابن الشدياق 320: 19 «أخبار الدول وآثار الأول» ، للقرمانى 12: 22- 44: 28- 61: 20، 24- 67: 22 «الإسلام والممالك الإسلامية بالحبشة فى العصور الوسطى» ، للدكتور إبراهيم طرخان 196: 28- 225: 26- 226: 22 «الإطراف بأوهام الأطراف» ، لأبى زرعة 118: 21 «الاعتماد فى الرد على أهل العناد» ، للصالح طلائع ابن رزيك 347: 17 «البيان والإعراب عمن بأرض مصر من الأعراب» ، للمقريزى 37: 17، 27 «إغاثة الأمة بكشف الغمة» ، للمقريزى 84: 26- 140: 20- 156: 25 «أقرب الموارد» ، للشرتونى 428: 27 «الألطاف الخفية من السيرة الشريفة السلطانية الملكية الأشرفية» ، لابن عبد الظاهر 332: 24 «الإلمام بأخبار من بأرض الحبشة من ملوك الإسلام» ، للمقريزى 196: 28- 225: 26- 226: 20 «إنباء الغمر بأبناء العمر» ، لابن حجر العسقلانى 140: 22- 380: 25 ب) «بدائع الزهور فى وقائع الدهور» ، لابن إياس 8: 21- 9: 21- 11: 20- 12: 20- 15: 26- 19: 22- 20: 20- 28: 19- 37: 27- 42: 27- 60: 24- 76: 21، 23- 84: 27- 87: 23- 97: 20- 113: 19- 157: 21- 163: 22- 166: 25- 230: 21- 301: 27- 336: 18- 341: 25- 349: 21- 383: 23- 396: 27- 448: 23- 454: 24 «بديع المعانى فى أنواع التهانى» ، للشهابى أحمد بن العطار 131: 20 «بذل الماعون فى فصل الطاعون» 359: 24 ت «تاج العروس من شرح القاموس» ، للزبيدى 26: 23- 130: 22- 354: 22 «تاريخ ابن العديم» 480: 5 «تاريخ بيروت وأخبار الأمراء البحتريين» . لابن يحيى- نشره الأب لويس شيخو اليسوعى 115: 9- 320: 19

«تاريخ السلطان سليم خان وفتح مصر» ، لابن زنبل الرمال 19: 22 «تاريخ المسبحى» 41: 12 «تاريخ المقريزى» 48: 27 «تاكيتوس والشعوب الجرمانية» ، للدكتور إبراهيم طرخان 36: 24 «التبر المسبوك فى ذيل السلوك» ، للسخاوى 8: 21- 9: 21، 25- 82: 17- 113: 25- 336: 28- 348: 18، 19- 350: 22، 23، 24- 351: 21- 352: 25- 355: 20- 356: 22- 357: 22- 358: 22- 359: 21- 364: 25- 365: 21- 370: 20، 25- 372: 20، 21، 22- 373: 20- 374: 19، 20- 375: 20، 21- 378: 23- 379: 23، 25- 380: 27- 381: 19، 21- 387: 17- 390: 28- 394: 26- 395: 22- 397: 21- 402: 19- 24، 25- 404: 25- 405: 20- 406: 16، 17، 20، 21، 23- 407: 21، 23- 410: 22، 23- 411: 20- 415: 21- 418: 23، 25- 423:؟؟؟ 22- 426: 27- 431: 20- 433: 22- 434: 25- 436: 27- 438: 2- 440: 21، 22، 24- 442: 22- 443: 23، 24- 444: 25- 445: 17، 19- 446: 19- 447: 24- 448: 18- 489: 18، 22- 490: 23- 491: 19، 21، 24- 492: 19- 493: 19، 20- 494: 13، 28- 495: 22- 496: 20- 497: 22- 498: 25- 500: 15، 26- 501: 17، 19، 24، 26- 502: 20- 503: 24- 506: 23- 509: 21- 510: 23- 511: 22- 514: 23، 24، 25- 516: 20، 21- 518: 20- 519: 8- 520: 21- 522: 18، 20- 523: 19، 21، 22- 524: 14، 15، 18- 525: 20، 21- 526: 23- 527: 20- 528: 18، 19- 529: 21- 532: 21، 24- 534: 13- 535: 20، 21- 536: 22- 537: 24- 539: 15، 18- 541: 23- 542: 22، 24- 544: 19- 546: 18، 25- 549: 21- 551: 24- 552: 20، 21- 554: 21- 557: 21- 558: 22، 23- 559: 16 «التحفة السنية بأسماء البلاد المصرية» ، لابن الجيعان 166: 24- 316: 20- 318: 21- 341: 26- 387: 17- 415: 22- 430: 22- 468: 22- 492: 20، 21- 509: 21- 526: 22 «التعريف بالمصطلح الشريف» ، للعمرى 320: 19- 336: 25- 380: 25 «الجوهر الثمين فى سير الملوك والسلاطين» ، لابن دقماق 454: 24 «حسن الاقتراح فى وصف الملاح» ، للشهابى أحمد ابن العطار 131: 20 حسن المحاضرة فى أخبار مصر والقاهرة» ، للسيوطى 367: 23- 426: 21- 480: 23- 488: 12- 490: 24

«حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور» ، لابن تغرى بردى 9: 20، 26- 171: 25- 322: 21- 363: 20- 369: 8- 375: 23- 376: 17- 378: 2، 20- 388: 11- 393: 23- 394: 16- 397؛ 11- 404: 6، 25- 405: 9، 20- 407: 2، 21- 409: 7، 9، 17، 24- 419: 13، 14، 15- 420: 1، 18- 421: 24- 425: 17- 426: 23- 428: 29- 429: 22، 24- 430: 17- 431: 20- 432: 4، 17- 434: 20، 21- 436: 11- 444: 13- 446: 6- 449: 14- 456: 9، 21- 516: 22- 524: 16، 18- 528: 16، 21- 545: 22- 558: 4، 20 خ «خطط المقريزى» (المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار) 7: 24- 8: 12- 9: 16- 30: 22- 34: 25- 39: 24- 48: 21- 58: 18، 22- 102: 27- 114: 21- 122: 21- 127: 23- 132: 10- 134: 20- 161: 19- 166: 25- 172: 18- 177: 22- 183: 25- 203: 21- 227: 21- 237: 22- 268: 23- 269: 13- 273: 22- 301: 25- 311: 21- 316: 20- 333: 21- 335: 19- 347: 25- 348: 17، 24- 367: 23- 375: 22- 376: 19- 385: 24- 410: 21- 415: 25- 418: 21- 433: 25- 488: 12- 504: 22- 506: 22- 534: 13- 547: 21 د «دائرة المعارف الإسلامية» (الترجمة العربية) 12: 24 «الدر الثمين فى حسن التضمين» ، للشهابى أحمد ابن العطار 131: 20 «درة الأسلاك فى دولة الأتراك» ، لابن حبيب 15: 26 «الدليل الجغرافى» ، لمصلحة المساحة 167: 21- 178: 21- 183: 26- 539: 21 «الدليل القويم على صحة جمع التقديم» ، لأبى زرعة 118: 21 «دول الإسلام الشريفة البهية وذكر ما ظهر لى من حكم الله الخفية فى جلب طائفة الأتراك إلى الديار المصرية» ، للقدسى 97: 19- 454: 25 «ديوان أبى العلاء» 553: 13 «ديوان أبى نواس» 275: 15، 22 «ديوان شعر ابن نباتة» 143: 16 «ديوان الملك الأشرف شهاب الدين أحمد» 182: 23 ذ «ذيل تاريخ دمشق» ، للقلانسى 201: 14

ر «رسالة فى بيان الإقطاعات ومحلها ومن يستحقها» ، لابن نجيم 166: 26 ز «زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك» ، لابن شاهين 8: 25- 15: 25- 19: 21- 20: 21- 72: 19- 93: 23- 161: 19- 170: 23- 301: 26- 318: 25- 336: 17، 26- 341: 25- 504: 21 س «السلوك لمعرفة دول الملوك» ، للمقريزى- تحقيق الدكتور محمد مصطفى زيادة 7: 14، 24- 8: 26- 10: 23- 12: 23- 18: 16- 24: 19- 27: 18- 28: 19- 30: 25- 36: 21- 37: 29- 47: 24- 53: 20- 55: 24- 56: 19- 60: 23، 28- 70: 24- 72: 18- 74: 20- 79: 16- 85: 22- 87: 23- 115: 9- 122: 21- 134: 25- 137: 24- 158: 20، 24- 161: 22- 166: 26- 170: 20، 24- 177: 22- 201: 14، 17- 203: 20- 222: 23- 254: 23- 261: 26- 301: 26- 308: 23- 318: 22- 322: 18، 21- 323: 24- 332: 25- 333: 21- 334: 22- 335: 20- 336: 18- 341: 26- 366: 25- 367: 23- 380: 24- 430: 21- 501: 22- 526: 22- 547: 22 «السيادة العربية والشيعة والإسرائيليات فى عهد بنى أمية» ، تأليف ثان ثلوتن وترجمة حسن إبراهيم وزميله 321: 23 «سيرة الملك المؤيد» ، لابن ناهض 500: 18 ش «شذرات الذهب فى أخبار من ذهب» ، لابن العماد الحنبلى 9: 25- 113: 14، 20، 24- 214: 24- 551: 25 «شرح الكرمانى على صحيح البخارى» 169: 8 «شروح سقط الزند» ، لأبى العلاء المعرى 8- 171: 25- 553: 24 ص «صبح الأعشى فى صناعة الإنشاء» ، للقلقشندى 8: 25- 26: 13- 30: 21، 25- 33: 28- 36: 21- 58: 17- 122: 22- 140: 20- 166: 25- 170: 23- 177: 21- 203: 21- 226: 22- 261: 25- 292: 21- 301: 27- 323: 23- 330: 23- 335: 24- 336: 17- 341: 25- 390: 27- 401: 22- 417: 22- 424: 22- 448: 22 «صحيح البخارى» 93: 2، 22- 113: 6- 169: 8 ض «ضحى الإسلام» ، لأحمد أمين 321: 22

«الضوء اللامع» للسخاوى 8: 20- 12: 14- 44: 17، 19- 82: 16- 94: 22- 112: 23- 113: 22، 23- 137: 17- 141: 20- 181: 25- 214: 24- 215: 18، 21- 334: 17- 336: 28- 349: 20- 355: 21- 360: 21، 23- 374: 21- 375: 18- 381: 19- 383: 23- 387: 25- 388: 13- 390: 13- 402: 26- 406: 21، 23- 409: 25- 415: 21- 424: 19- 428: 21- 429: 21- 430: 18، 19- 432: 16، 17، 21- 439: 20، 23- 440: 21- 445: 17- 446: 18- 450: 20، 22- 456: 20- 461: 21- 463: 21، 23- 465: 22- 466: 22- 469: 18- 470: 21، 25- 471: 22- 472: 23- 475: 15- 476: 21، 22- 477: 20- 478: 20- 479: 23- 483: 18- 484: 21، 22، 23- 485: 18، 19، 21، 23- 486: 23- 489: 18، 22- 490: 23- 491: 19، 21، 24- 492: 19- 493: 19، 20- 494: 22- 496: 20، 23، 25- 497: 22- 501: 26- 502: 20، 24- 514: 24، 25- 524: 15، 19- 532: 20- 534: 12- 535: 21- 543: 23، 24- 544: 21- 546: 18- 548: 21- 549: 20- 551: 24- 555: 21 ع «العبر» ، للذهبى 118: 22 «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار» ، للجبرتى 19: 23- 37: 29 «عجائب المقدور فى أخبار تيمور» ، لابن عربشاه 12: 22 «عطية الرحمن فى صحة إرصاد الجوامك والأطيان» ، للصفتى 166: 27 «عقد الجمان» ، للعينى 10: 22- 102: 19- 133: 16- 136: 24- 145: 27- 155: 23- 168: 22- 186: 24- 192: 27- 198: 19- 201: 30- 202: 6- 206: 23- 207: 19- 225: 22- 269: 20- 294: 22- 343: 23- 395: 22- 443: 21 «عنوان السعادة فى المدائح النبوية» ، للشهابى أحمد ابن العطار 131: 18 ف «فتح البارى فى شرح البخارى» ، لابن حجر العسقلانى 48: 26 «فجر الإسلام» ، لأحمد أمين 321: 22 «الفروسية والمناصب الحربية» ، لحسن الرماح 26: 23 «الفصل فى الملل والأهواء والنحل» ، لابن حزم 321: 22 «فوائد الأعصار فى مدالح النبي المختار» ، للشهابى أحمد بن العطار 131: 19

ق «القاموس الجغرافى للبلاد المصرية، من عهد قدماء المصريين إلى سنة 1944» ، لمحمد رمزى 153: 19- 183: 27- 318: 23- 468: 23 «القاموس الفارسى» 60: 28 «القاموس المحيط» ، للفيروزآبادي 11: 23- 15: 28- 23: 19- 26: 23- 34: 24- 44: 11- 53: 17- 59: 21- 61: 26- 73: 22- 79: 26- 85: 25- 97: 20- 102: 17- 114: 23- 130: 22- 147: 22- 232: 20- 237: 22- 308: 20- 311: 25- 343: 19- 354: 22- 376: 24- 389: 21- 405: 20- 475: 22 «قوانين الدواوين» ، لابن ممانى 30: 22 ك «الكاشف» ، للحافظ الذهبى 118: 22 «الكشاف، للزمخشرى» 118: 23 ل «لسان العرب» ، لابن منظور 354: 22 «لطائف الظرفاء» ، للشهابى أحمد بن العطار 131: 19 م مجلة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية 19: 24 مجلة الرسالة 36: 22 «مراصد الاطلاع» ، لياقوت الحموى 173: 17- 175: 17- 428: 23 «مرجز فى أمر النصارى واليهود» ، للشهابى أحمد ابن العطار 131: 19 «مسالك الأبصار» ، للعمرى 15: 27- 20: 22- 140: 21- 336: 25 «المسلك الفاخر» ، للشهابى أحمد بن العطار 131: 19 مسند الإمام أحمد 193: 16 «مصر فى عصر السلاطين الچراكسة» ، للدكتور إبراهيم طرخان 36: 23- 47: 26- 60: 25- 61: 21، 24- 84: 28- 336: 27- 342: 18- 395: 22- 455: 19 «معجم البلدان» ، لياقوت الحموى 10: 24- 12: 17- 14: 12- 21: 26- 59: 23- 67: 22- 79: 26- 121: 19- 144: 19- 145: 18- 153: 19- 167: 21- 173: 17- 175: 16- 178: 21- 185: 22- 233: 20- 286: 21- 308: 23- 316: 20- 319: 22- 320: 15- 324: 21- 380: 24- 387: 21- 415: 21- 428: 18- 430: 21- 468: 22- 471: 20- 485: 21- 492: 21- 494: 20

«معجم قبائل العرب القديمة والحديثة» ، لعمر رضا كحالة 210: 22- 409: 21 «معجم ما استعجم» ، للبكرى 428: 25 «معيد النعم ومبيد اللقم» ، للسبكى 84: 26- 336: 26- 494: 26 مقدمة ابن خلدون 141: 23 «الملل والنحل» ، للشهرستانى 321: 20 «المنتخب فى تاريخ حلب» ، لعلى بن محمد بن سعد، قاضى حلب 480: 5 منهاج البيضاوى 118: 23 «المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى» ، لابن تغرى بردى 8: 22- 9: 20، 26- 25: 18- 44: 22- 47: 5، 19- 80: 19- 94: 22- 96: 20- 113: 14، 19- 118: 14، 18، 20، 23- 123: 1، 12- 128: 23- 129: 24- 130: 19- 131: 29- 136: 25- 140: 10، 23- 141: 16- 142: 25- 178: 23- 182: 19، 22- 186: 15- 191: 16، 18- 194: 26- 195: 18- 199: 1، 17، 18- 201: 30- 206: 21، 24- 207: 17، 18- 214: 22- 219: 20- 220: 19- 248: 23- 321: 25- 369: 7، 24- 378: 1- 409: 15- 419: 12- 456: 21- 484: 4، 21- 290: 2، 18- 491: 8، 20- 524: 16، 17- 527: 1- 532: 3، 18، 19- 533: 8- 539: 20، 21- 540: 11، 23، 25- 545: 8- 551: 1، 18- 555: 22- 558: 5، 21 «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار» . للمقريزى- خطط المقريزى المؤرخون فى مصر فى لقرن الخامس عشر، للدكتور محمد مصطفى زيادة 9: 22، 27- 48: 28- 491: 21- 534: 14 ن «نزهة الأنام فى تاريخ الإسلام» ، لابن دقماق 177: 23- 454: 24 «نزهة الناظر فى المثل السائر» ، للشهابى أحمد بن العطار 131: 18 «نشق الأزهار فى عجائب الأقطار» ، لابن إياس 426: 24 «نظام البريد فى الدولة الإسلامية» ، للدكتور نظير السعداوى 30: 21 «نهاية الأرب فى فنون الأدب» ، للنويرى 8: 24- 20: 21- 336: 18 «نهاية سلاطين المماليك» ، للدكتور محمد مصطفى زيادة (مقال فى مجلة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية) 19: 23 «النهج السديد والدر الفريد فيما بعد تاريخ ابن العميد» ، لابن أبى الفضائل 177: 23 هـ الهداية فى مذهب الحنفية 133: 6، 17، 18، 19

المراجع التى اعتمد عليها المحقق

المراجع التى اعتمد عليها المحقق أالمراجع العربية: 1- ابن أبى الفضائل (المفضل القبطى) : النهج السديد والدر الفريد فيما بعد تاريخ ابن العميد (ويشمل من سنة 658 هـ إلى 741 هـ، وله ترجمة فرنسية) - باريس 1912 2- ابن إياس (أبو البركات محمد بن أحمد. ت 930 هـ) :. 1- نشق الأزهار فى عجائب الأقطار- باريس 1800 2- بدائع الزهور فى وقائع الدهور فى ثلاثة مجلدات- المطبعة الأميرية 1311 هـ 3- ابن تغرى بردى (أبو المحاسن يوسف. ت 874 هـ) : 1- النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة (ا) الأجزاء المطبوعة (إلى الجزء الثانى عشر) ، نشر دار الكتب المصرية (ب) نسخة كاليفورنيا، تحقيق وليام بوبر) W.PIPPER كاليفورنيا 1920- 1923، 1926) 2- المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى (1) الجزء الأول، تحقيق الأستاذ أحمد يوسف نجاتى (نشر دار الكتب المصرية 1375/1956) (ب) الأجزاء المخطوطة (ثلاثة أجزاء) 3- حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور (مخطوط) (يبدأ من حوادث 845 هـ وينتهى بحوادث 861 هـ وهو غير كامل) (توجد نسخة مطبوعة نشرها بوبر W.POPPER لكنها غير كاملة، فهى منتخبات من التراجم التى لم يذكرها المؤلف فى كتاب النجوم- فى أربعة أجزاء- طبعة كاليفورنيا 1930) 4- ابن الجيعان (شرف الدين أبو البقاء يحيى. ت 900 هـ) : التحفة السنية بأسماء البلاد المصرية نشر ب. موريتز) B.MORITZ بولاق 316 هـ/ 1898)

5- ابن حبيب (الإمام الحسن بن عمر. ت 779 هـ) : درة الأسلاك فى دولة الأتراك (مخطوط فى ثلاثة مجلدات) 6- ابن حجر (شهاب الدين أحمد. ت 852 هـ) : 1- إنباء الغمر بأبناء العمر (مخطوط فى مجلدين) 2- الدرر الكامنة فى أعيان المائة الثامنة (حيدر أباد 1348 هـ) 7- ابن حزم (أبو محمد على بن أحمد بن حزم. ت 456 هـ) : الفصل فى الملل والأهواء والنحل، فى خمسة أجزاء (مصر 1317 هـ) 8- ابن خلدون (عبد الرحمن. ت 808 هـ) : 1- تاريخه المعروف بالعبر وديوان المبتدأ والخبر، فى سبعة أجزاء (مصر 1284 هـ) 2- المقدمة (مصر 1957) 9- ابن دقماق (غرس الدين إبراهيم بن محمد. ت 809 هـ) : 1- نزهة الأنام فى تاريخ الإسلام (مخطوط فى مجلدين) 2- الجوهر الثمين فى سير الملوك والسلاطين (مخطوط فى مجلدين) 3- الانتصار لواسطة عقد الأمصار المطبوع منه ح 4، ح 5 (مصر 1309 هـ) 10- ابن زنبل الرمال (أحمد بن على نور الدين المحلى الشافعى. ت 960 هـ) : تاريخ السلطان سليم خان وفتح مصر (مصر 1278 هـ) 11- ابن شاهين (غرس الدين خليل بن شاهين الظاهرى. ت 872 هـ) : ؟؟؟ عدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك، فى مجلد (باريس 1894) 12- ابن الشدياق (الشيخ ابن يوسف الشدياق الحدثى المارونى. ت 1859) : أخبار الأعيان فى جبل لبنان (بيروت 1859) 13- ابن عبد الظاهر (محيى الدين عبد الله ت 692 هـ) : الألطاف الخفية من السيرة الشريفة السلطانية الملكية الأشرفية. (وهى سيرة السلطان خليل بن قلاوون) - (طبع ليبسك) 14- ابن عربشاه (شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد الله. ت 854 هـ) : عجائب المقدور فى أخبار تيمور (مصر 1305 هـ)

15- ابن العماد الحنبلى) أبو الفلاح عبد الحى. ت 1089 هـ) : شذرات الذهب فى أخبار من ذهب، فى 8 مجلدات (مصر 1350 هـ) 16- ابن الفرات (ناصر الدين محمد. ت 807 هـ) : تاريخ الدول والملوك، المجلد التاسع فى جزءين (نشر الدكتور قسطنطين بالجامعة الإمريكية ببيروت- بيروت 1936) 17- ابن القلاسى (أبو يعلى. ت 555 هـ) ذيل تاريخ دمشق (بيروت 1908) 18- ابن مماتى (القاضى الوزير شرف الدين أبو المكارم بن أبى سعيد. ت 606 هـ) : قوانين الدواوين (نشر الدكتور عطية سوريال، مصر 1943) 19- ابن نجيم (زين الدين إبراهيم. ت 970 هـ) : رسالة فى بيان الإقطاعات ومحلها ومن يستحقها (مخطوطة) 20- ابن يحيى (الأمير صالح أمير العزب من علماء القرن التاسع الهجرى) : تاريخ بيروت وأخبار الأمراء البحتريين (نشره الأب لويس شيخو اليسوعي- بيروت 1927) 21- الجبرتى (عبد الرحمن. ت حوالى 1237 هـ) : عجائب الآثار فى التراجم والأخبار، فى أربعة مجلدات (مصر 1322 هـ) 22- أحمد أمين: 1- فجر الإسلام فى مجلد (مصر 1928) 2- ضحى الإسلام فى ثلاثة مجلدات (مصر 1936) 23- الخطيب: شرح الخطيب المسمى الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع (فقه شافعى فى جزءين- مصر 1344 هـ) 24- زيادة (الدكتور محمد مصطفى) : 1- المحاولات الحربية للاستيلاء على رودس زمن سلاطين المماليك فى القرن الخامس عشر (ترجمة منصور والشيال- مجلة الجيش- مصر 1946) 2- المؤرخون فى مصر فى القرن الخامس عشر الميلادى (مصر 1949) 25- السبكى (تاج الدين عبد الوهاب. ت 771 هـ) : معيد النعم ومبيد النقم (مصر 1349 هـ)

26- السخاوى (شمس الدين محمد بن عبد الرحمن. ت 902 هـ) : 1- التبر المسبوك فى ذيل السلوك فى مجلد (مصر 1896) 2- الضوء اللامع فى أعيان القرن التاسع فى 12 مجلدا (مصر 1954) 27- السيوطى (عبد الرحمن بن أبى بكر جلال الدين. ت 911 هـ) : 1- حسن المحاضرة فى أخبار مصر والقاهرة فى جزءين (مصر 1327 هـ) 2- تاريخ الخلفاء وأمراء المؤمنين القائمين بأمر الله (مصر 1351 هـ- له ترجمة إنجليزية) 28- الشهرستانى (أبو الفتح محمد بن عبد الكريم. ت 548 هـ) : الملل والنحل- فى خمسة أجزاء (مصر 1317 هـ) وبهامش ابن حزم، ونشر محمد فتح الله بدران (مصر 1947) 29- الشيزرى (عبد الرحمن بن نصر) : نهاية الرتبة فى طلب الحسبة نشر الدكتور الباز العرينى (مصر 1946) 30- الصفتى (الشيخ عيسى) : عطية الرحمن فى صحة إرصاد الجوامك والأطيان، فى مجلد (مصر 1314 هـ) 31- طرخان (الدكتور إبراهيم على) : 1- الإسلام والممالك الإسلامية بالحبشة فى العصور الوسطى (مجلة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية- العدد الثامن، 1959) 2- تاكيتوس Tacitus والشعوب الجرمانية (مصر 1959) 3- مصر فى عصر السلاطين الچراكسة (1382- 1517 م) - مصر 1959 32- العمرى (شهاب الدين أحمد بن يحيى بن فضل الله ت 749 هـ) : 1- مسالك الأبصار (الجزء الأول مطبوع بتحقيق أحمد زكى باشا 1342 هـ- 1924 م، وبقية أجزائه لم تزل مخطوطة) 2- التعريف بالمصطلح الشريف (مصر 1312 هـ) 33- العينى (بدر الدين محمود. ت 855 هـ) : عقد الجمان (مخطوط فى 23 جزءا، 69 مجلدا) 34- الغزالى (أبو حامد محمد بن محمد بن محمد ت 505 هـ) : كتاب إحياء علوم الدين (فى مجلدين، مصر 1289 هـ)

35- ثان ثلوتن:G.VAN VLOTEN السيادة العربية والشيعة والإسرائيليات فى عهد بنى أمية (ترجمة الدكتور حسن إبراهيم ومحمد زكى إبراهيم- مصر 1933) 36- القدسى (محمد أبو اسحاق، من علماء القرن التاسع الهجرى) : دول الإسلام الشريفة البهية وذكر ما ظهر لى من حكم الله الخفية فى جلب طائفة الأتراك إلى الديار المصرية. (فرغ من تأليفه 881 هـ ورفعه إلى الأمير يشبك الدوادار زمن السلطان قايتباى) - مخطوط. 37- القرمانى (أبو العباس أحمد بن يوسف. ت 939 هـ) : أخبار الدول وآثار الأول (بغداد 1282 هـ) 38- القلقشندى (أبو العباس أحمد بن على. ت 821 هـ) : صبح الأعشى فى صناعة الإنشاء (فى 14 مجلدا نشر دار الكتب المصرية 1913- 1917) 39- الكرملى (الأب أنستاس) : النقود العربية وعلم النميات (مصر 1939) 40- المقريزى (تقي الدين أحمد بن على. ت 845 هـ) : 1- المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (فى مجلدين- بولاق 1270 هـ) 2- النقود الإسلامية (ضمن ثلاث رسائل- القسطنطينية 1298 هـ/ 1881 م) 3- الإلمام بأخبار من بأرض الحبشة من ملوك الإسلام (مصر 1895 م) 4- البيان والإعراب عمن بأرض مصر من الأعراب (نشر إبراهيم رمزى- مصر 1916) 5- إغاثة الأمة بكشف الغمة (نشر زيادة والشيال- مصر 1940) 6- السلوك لمعرفة دول الملوك (نشر الدكتور محمد مصطفى زيادة- وصل إلى نهاية الجزء الثانى فى سنة مجلدات، وصدر القسم الثالث من الجزء الثانى، وهو نهاية ذلك الجزء، عام 1958 م، وينتهى هذا الجزء بحوادث السنة الخامسة والخمسين بعد السبعمائة من الهجرة) 7- الأجزاء المخطوطة من السلوك

41- نظير (الدكتور نظير السعداوى) : نظام البريد فى الدولة الإسلامية (مصر 1953) 42- النويرى (شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب. ت 733 هـ) : نهاية الأرب فى فنون الأدب (ويقع فى ثلاثين جزءا مخطوطة بدار الكتب، نشرت منها الدار 18 جزءا) ب المراجع الأجنبية: 1. ALASTRO, D., Cyprus in History (Lond., 1955) 2. ARTIN, Y., Contriution a l'Etude du Blazon en Orient. (Lond., . (1902 3. BARKER, E., The Crusades (Lond., 1925) . (له ترجمة عربية أخرجها الدكتور الباز العرينى- مصر 1960) 4. BUDGE, Sir E. A. W., A Hietory of Ethiopia, Nubia and Abyssinia Vol. I (Lond., 1928) . 5. GANSHOFF, F. L. feudalism (Lond, 1950) . 6. KAMMERER, A., Essai sur L'Histoire Antique d'Abyssinie (Paris, . (1926 7. LA MONTE, J. L., Feudal Monarchy in the Latin Kingdom of Jeru- salem, 1100- 1291. (Cambr. Mass., 1932) . 8. LANE- POOLE, S., (1) History of Egypt in the Middle Ages, (Lond., . (1925 (2) The Muhammadan Dynasties (Paris, 1925) . 9. MALCOLM, Sir J., The History of Persia (OXf., 1933) . 10. MAYER, L. A., Saracenic Heraldry (Oxf. 1933) 11. POLIAK, A. N., (1) Les Revoltes Populaires en Egypte a L'Epoque des Mamlukes et leurs Causes Economiques (Ex 1 trait de la Revue des Etu des Islamiques, . (1934 (2) Feudalism in Egypt, Syria, Palestine and Le- banon, 1250- 1900, (Lond., 1939) . 12. RUNCIMAN, S., A History of the Crusades, 3 Vols., (Cambr., 1951- . (54 13. SYKES, Sir, P. M., History of Persia (Lond., 1915) . 14. TRIMMINGHAM, J. S., Islam in Ethiopia (Oxf., 1952) . 15. WIET, G., L'Egypte Arabe (Historie de la Nation Egyptienne, T. II) (Paris, 1937) .

ج المعاجم: 1- ابن منظور (جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقى المصرى) : لسان العرب 2- البشارى (شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد) : أحسن التقاسيم فى معرفة الأقاليم (ليدن 1877) 3- البكرى (أبو عبيد الله عبد الله بن عبد العزيز البكرى الأندلسى. ت 487 هـ) : معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع (تحقيق الأستاذ مصطفى السقا- مصر 1368 هـ/ 1949 م) 4- دوزى: (DOZY) الذيل على المعاجم العربيةSupplement aux Dictionnaires Arabes (Leyden ,1881) 5- ردهوس: (J.W.REDHOUSE) القاموس التركىRedhouse s Turkish Dictionary 6- رمزى (محمد رمزى) : القاموس الجغرافى للبلاد المصرية من عهد قدماء المصريين إلى سنة 1945 م. (نشر دار الكتب المصرية- مصر 1953/1954) 7- زامباور: (ZAMBAUR) معجم الأنساب والأسرات الحاكمة فى التاريخ الإسلامى (ترجمة المرحوم الدكتور زكى محمد حسن، والدكتور حسن محمود والدكتورة سيدة الكاشف وآخرين) - فى مجلدين (مصر 1951) 8- الزبيدى: تاج العروس من شرح القاموس 9- الشرتونى (سعيد الخورى اللبنانى) : أقرب الموارد فى فصح اللغة والشوارد 10- الفيروزآبادي: القاموس المحيط 11- كحالة (عمر رضا) : معجم قبائل العرب القديمة والحديثة، فى ثلاثة أجزاء (دمشق 1368 هـ/ 1949 م)

12- (مصلحة المساحة) : الدليل الجغرافى 13- ياقوت الحموى (شهاب الدين أبو عبد الله الحموى الرومى. ت 626 هـ) : 1- معجم البلدان (مصر 1323 هـ) 2- مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع (ليدن 1852 م) د دواويين الشعر: 1- ديوان أبى العلاء المعرى المعروف باسم «شروح سقط الزّند» : ج لأبى زكريا يحيى التبريزى (ت 502 هـ) ج وأبى محمد عبد الله البطليوسى (ت 521 هـ) ج وأبى الفضل قاسم الخوارزمى (ت 617 هـ) ج (السفر الثانى- نشر لجنة إحياء آثار أبي العلاء- مصر 1946) ج 2- ديوان أبى نواس: ج (نشر محمود أفندى ناصف- مصر 1898 م) ج ج ج ج ج جا جا جا جا جا جا جا جر جك جلبا جمى

فهرس الموضوعات

فهرس الموضوعات الموضوع/ الصفحة ذكر سفر السلطان الملك الأشرف برسباى إلى آمد 7 مقبل الحسامى 24 المرسوم بإخراج الأمير سودون الكبير إلى القدس بطالا 35 ولاية إينال الششمانى صفد بعد الأمير مقبل 36 عدة القزازين بالإسكندرية 38 قدوم سيف جارقطلو نائب الشام 38 ولاية قرقماس حلب 39 استقرار يشبك المشد حاجب الحجاب 39 استقرار إينال الجكمى فى الإمرة الكبرى 39 استقرار تغرى برمش أمير آخور 39 تقرير الخيول على البلاد 41 عدة قرى مصر العامرة 41 ختان الملك العزيز 41 تحرك عزم السلطان على سفر آمد ثانيا 43 قدوم الخبر من بلاد الشرق 44 ترجمة أولاد قرا يوسف 45 كائنة امرأة التى طلقها زوجها وهى حامل 47 عمل الخدمة بالإيوان لقدوم قصاد شاه رخ 48 تعيين أقطوه المهمندار لرسلية شاه رخ 50 نهب بيت عبد الباسط 50 استقرار جانبك مملوك عبد الباسط فى المهمندارية 52 ضرب إبراهيم ابن كاتب جكم ناظر الخواص وأيضا ضرب ابن كاتب المناخ 53 استقرار يوسف ابن كاتب جكم فى الوزارة 54 استقرار ابن كاتب المناخ كاشف الوجه القبلى 55 وزارة الخطير وترجمته 56 وصول سيف طراباى 59 خروج قرقماس بسبب ابن قرمان وابن دلغادر 59

قدوم كتاب شاه رخ 59 ظهور جانبك الصوفى ببلاد الروم 60 كائنة ابن قرمان مع ابن دلغادر 61 لبس ابن عثمان وغيره خلع شاه رخ 63 استقرار إينال الجكمى أتابك العساكر فى نيابة حلب 65 استقرار جقمق العلائى أتابك مصر، وتسلطن فيما بعد 65 ورود الخبر بالقبض على جانبك الصوفى 65 استقرار إينال الجكمى فى نيابة الشام 68 جمع القضاة لأخذ أموال الناس للنفقة 68 وصول رأس عثمان بن قرايلك 70 استقرار تغرى برمش فى نيابة حلب 71 توجه الأمير شادبك إلى ناصر الدين بن دلغادر 71 استقرار أقباى فى نيابة الإسكندرية 72 وصول أقطوه وصحبته رسل شاه رخ بن تيمور لنك 72 ورود الخبر بتوجه رسل أصبهان إلى شاه رخ 72 ثم أحضر السلطان شيخ صفا وقرئ كتابه 73 استقرار ابن الأشقر فى كتابة السر 74 قدوم الأمير شاد بك من عند ابن دلغادر 75 بروز الأمراء المجردين إلى الريدانية 76 نقل حسين أخى تغرى برمش إلى حجوبية حلب 76 استقرار خليل بن شاهين وزيرا 76 عزل إينال العلائى من نيابة الرها، واستقرار شاد بك نائبها 78 ولاية تمراز المؤيدى صفد 78 مملكة أذربيجان وهى تبريز 78 عزل تمراز عن نيابة صفد ونقل يونس إليها 80 بروز الأمر الشريف بطلب الأمراء المجردين 81 ولاية الأشرف إينال نيابة صفد 81 استقرار نصر الله كاتب السر 83 ورود الخبر بما فعله نائب ديركى من طرق بيوت ابن دلغادر 84 استقرار الجمالى يوسف ابن كاتب جكم ناظر الخواص 85

كائنة تمراز المؤيدى 86 قدوم مملوك نائب حلب برأس جانبك الصوفى 87 كائنة جانبك الصوفى 88 ابتداء مرض الأشرف من أوائل شعبان 89 قلعة ألنجا من عمل تبريز 89 رسم بإخراج تجريدة إلى البلاد الشمالية 90 توعك السلطان الملك الأشرف برسباى 91 خبر الوباء بالصعيد 91 ظهور الطاعون بالقاهرة أول شهر رمضان 92 بيان الزنا 93 استقرار أسنبغا الطيارى حاجب ثانى 96 اتفاق حادثة غريبة 98 توسيط الحكماء 100 رابع القعدة 102 العهد بالسلطنة للملك العزيز يوسف 103 النفقة على جميع المماليك السلطانية 104 ضعف الشهوة للأكل 105 موت الملك الأشرف برسباى 106 مدة سلطنة الأشرف برسباى 107 السنة الأولى من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة خمس وعشرين وثمانمائة 112 بدر الدين بن بشارة 115 السنة الثانية من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة ست وعشرين وثمانمائة 116 ناصر الدين بك بن قرمان 116 خوند بنت الظاهر برقوق 117 تنبك ميق 117 ابن الكويز 118 السنة الثالثة من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة سبع وعشرين وثمانمائة 120 تنبك البجاسى 120 الوزير ابن كاتب المناخ 121 خوند زوج الأشرف 123 السنة الرابعة من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة ثمان وعشرين وثمانمائة 126

تغرى بردى أخو قصروه 126 طوغان 130 السنة الخامسة من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة تسع وعشرين وثمانمائة 133 فتح قبرس 133 إينال النوروزى 134 قجق 137 السنة السادسة من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة ثلاثين وثمانمائة 139 قشتم 141 البشتكى 143 السنة السابعة من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة 147 بكتمر السعدى 147 جانبك الدوادار 148 يشبك الأعرج 151 السنة الثامنة من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة 153 بدر الدين بن مزهر 155 السنة التاسعة من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة 156 أزبك الدوادار 157 كريم الدين بن كاتب جكم والد يوسف ناظر الخاص 158 كمشبغا القيسى 159 بردبك أمير آخور 161 عاقولة والدة المقام الناصرى محمد بن الناصر فرج بن برقوق 162 مرجان الهندى 163 ترجمة عبد القادر بن أبى الفرج 163 يشبك أخو السلطان 165 شيخ نصر الله صاحب المدرسة بالقرب من خان الخليلى 165 هابيل بن قرايلك 167 خوند هاجر 169 السنة العاشرة من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة أربع وثلاثين وثمانمائة 170 السنة الحادية عشرة من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة خمس وثلاثين وثمانمائة 173 السلطان أويس 173

ابن السفاح 174 ولاية ابن كاتب المناخ كتابة السر 175 جينوس 176 السنة الثانية عشرة من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة ست وثلاثين وثمانمائة 178 فيها سافر السلطان إلى آمد 178 التاجر الطنبذي 178 تغرى بردى المحمودى وهو أول من لبس التخافيف الكبار العالية 179 جانبك الحمزاوى 180 تنبك البهلوان 181 السنة الثالثة عشرة من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة سبع وثلاثين وثمانمائة 184 مقبل نائب صفد 184 جقمق الأرغون شاه 184 أقبغا الجمالى 186 جارقطلو 187 سلطان الغرب 192 صاحب بغداد ابن قرا يوسف 193 السنة الرابعة عشرة من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة 194 طراباى الظاهرى 194 أميرزه بن شاه رخ 195 السنة الخامسة عشرة من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة تسع وثلاثين وثمانمائة 197 قصروه 199 عثمان بن قرايلك 200 خوند جلبان 203 السنة السادسة عشرة من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة أربعين وثمانمائة 205 السنة السابعة عشرة من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة إحدى وأربعين وثمانمائة 210

سعد الدين كريم بن كاتب جكم 210 جانبك الصوفى 211 تمراز المؤيدى 213 جانبك الثور 213 وفاة إسكندر بك بن قرا يوسف، وملك بعده أخوه جهان 220 سودون من عبد الرحمن 221 ذكر سلطنة الملك العزيز بن السلطان الملك الأشرف برسباى الدقماقى 222 العزيز يوسف 222 الأجرود 226 نودى بالنفقة 226 قدوم رسول ابن قرايلك 227 استقرار إينال شاد الشرابخاناه دوادارا ثانيا 229 قدوم خبر عرب لبيد 230 الإنعام على سبعة أنفار من الخاصكية كل واحد إمرة عشرة 231 كائنة عبد الباسط مع المماليك 232 كائنة الحاج وما حل بهم من البلاء 232 قدوم الخبر بأخذ مدينة أرزن 232 قدوم الأمير تغرى بردى المؤيدى من تجريدة البحيرة بغير طائل 241 وصول الأمراء المجردين إلى مصر 244 مدة سلطنة العزيز على مصر أربعة وتسعون يوما 254 ذكر سلطنة الملك الظاهر أبى سعيد جقمق على مصر 256 الظاهر جقمق 258 ذكر ما وقع للملك الظاهر جقمق 260 استقرار تغرى برمش أمير آخور كبيرا عوض الملك الظاهر جقمق 261 المناداة بالنفقة 263 عمل المولد النبوى 263 النفقة على مماليك الأمراء من السلطان 263 المناداة من قرقماس للمماليك السلطانية بالنفقة 270 رمى السلطان المال للزعر 270 وكان من خبر قرقماس 273 زيادة قرقماس تقدمة ألف على الأتابكية 276

استقرار الأمير إينال أمير حاج 277 استقرار زين الدين فى نظر الإسطبلات 278 طلب الشيخ حسن العجمى 278 تجهيز سودون المحمدى لنظر مكة وندبه لقتال عرب بلى 279 استقرار خليل أتابك صفد 279 نفقة الكسوة 279 قتل قرقماس 281 عصيان تغرى برمش 284 القبض على أمراء دمشق من نائب الشام إينال الجكمى 288 أمر إينال الجكمى بالدعاء للملك العزيز على المنابر 289 استقرار آقبغا التمرازى نائب الشام 290 وثوب عوام حلب على تغرى برمش وإخراجه من حلب 293 فرار الملك العزيز 295 تسحب الأمير إينال 299 استقرار تنبك فى إمرة الحاج عوض إينال 300 القبض على قراجا 301 عزل دوادار كبير 301 استقرار المقام الناصرى من المقدمين 303 نفى إمام الملك الأشرف 306 كائنة طوغان الزردكاش 309 القبض على طوغان 310 توسيط طوغان 312 القبض على دادة الملك العزيز 312 القبض على صندل الطواشى الذي هرب الملك العزيز 312 عزل فيروز الزمام 313 خبر الملك العزيز يوسف 314 ظهور إينال من اختفائه والقبض عليه 316 خبر إينال الجكمى 317 الوقعة بين العسكر المصرى والعربان والتركمان 317 القبض على إينال الجكمى 317

كائنة بلبان شيخ الكرك 320 رسم بقتل إينال الجكمى 321 عقوبة جكم خال العزيز 321 عقوبة يخشباى أمير آخور ثانى 322 وقعة تغرى برمش الأولى 323 الوقعة بين عسكر السلطان وبين تغرى برمش 324 قدوم النجاب برأس إينال الجكمى 325 الحكم بقتل يخشباى وتمنع القاضى المالكى 325 القبض على تغرى برمش 326 وكتب بقتل تغرى برمش 327 القبض على عبد الباسط 327 استقرار ابن الأشقر فى نظر الجيش فى طرابلس 327 قدوم رأس تغرى برمش إلى الديار المصرية 328 استقرار الأمير يشبك أتابك العساكر بمصر 329 استقرار قانباى البهلوان فى نيابة صفد 329 استقرار إينال العلائى من المقدمين 329 قدوم الأمير إينال نائب صفد كان 331 المرسوم بنقل الأمراء من سجن الإسكندرية 331 توجه الملك العزيز إلى الإسكندرية 333 توجه الغزاة لرشيد 334 المرسوم بتوجه عبد الباسط إلى الحجاز الشريف 334 قدوم سيف آقبغا التمرازى نائب الشام 335 استقرار أسنبغا الطيارى فى نيابة إسكندرية على ما بيده من التقدمة 336 استقرار قراجا أتابك حلب 336 حضور قاصد شاه رخ بن تيمور لنك 337 استقرار طوخ فى نيابة غزة 337 قدوم ناصر الدين بك بن دلغادر وصحبته ابنته التى تزوج بها الملك الظاهر 337 سفر ابن دلغادر 339 المناداة بسبب الفضة الأشرفية 339 استقرار السخاوى فى نظر القدس والخليل 340 استقرار قيزطوغان فى الأستادارية 340 تجهيز تجريدة لغزو الفرنج 341

قدوم رسل شاه رخ 342 ولاية قاضى القضاة عبد المنعم الحنبلى 343 قدوم الغزاة 343 توجه رسل شاه رخ 344 استقرار هلال زماما 345 ركوب السلطان ونزوله إلى خليج الزعفران بغير قماش الموكب 345 استقر الحال على أن يجبى من الرزق فى كل سنة عن كل فدان مائة درهم 346 ترجمة قنصوه النوروزى 346 قدوم قانباى الحمزاوى نائب حلب إلى القاهرة 347 طرد أيتمش الخضرى من مجلس السلطان 347 تجديد الجوامع 347 استقرار الشيخ على فى الحسبة 349 تولية الشريف على بن حسن 349 القبض على قيز طوغان الأستادار 350 تولية أحمد بن إينال نيابة الإسكندرية 350 أمير الحاج تغرى برمش الزردكاش 350 سفر الغزاة 351 كائنة الأجلاب 352 استقرار قراجا فى الخازندارية 352 استقرار زين الدين فى الاستادارية 353 استقرار فيروز خازندارا 355 استقرار إينال دوادارا 355 استقرار قانباى الجركسى شاد الشرابخاناه مع تقدمة ألف 355 تولية الشريف أبى القاسم عوضا عن أخيه على 356 استقرار ابن حجى فى نظر الجيش بدمشق 356 قدوم عبد الباسط أول مرة إلى القاهرة 357 قدوم خليل نائب ملطية 358 عزل ابن حجى من نظر الجيش 358 قدوم جلبان نائب الشام 359 الطاعون 359 خروج الغزاة لغزو رودس 360

استقرار قانباى البهلوان فى نيابة حماه 363 قدوم قاصد شاه رخ وكسوة الكعبة 364 ورود الخبر بنصرة ابن عثمان 366 قدوم عبد الباسط ثانى مرة 367 ولاية القاياتى 367 استقرار شاد بك فى نيابة حماه 368 تكلم جانى بك الظاهرى على بندر جدة وقيام حرمته 368 استقرار قانباى الجركسى دوادارا كبيرا 369 استقرار إينال فى الأتابكية 369 نزول السلطان خليج الزعفران 370 قدوم الشريف محمد بن بركات 371 تولية السفطى نظر البيمارستان وسوء سيرته 371 توجه خوند بنت دلغادر إلى الحجاز 372 مبدأ أمر أبى الخير النحاس 375 تولية نائب حماه حلب 378 تولية أبى الخير النحاس نظر الجوالى 379 طلاق السلطان خوند بنت البارزى 382 منع السفطى من الطلوع للقلعة 384 منع اليهود والنصارى من طب أبدان المسلمين 384 الدعوى على السفطى بسبب الحمام 384 حبس السفطى بالمقشرة 385 المرسوم الشريف لقاضى القضاة الحنبلى لطلب السفطى وسماع الدعوى عليه 386 استقرار على بن إسكندر معلم العمائر 387 ضرب رقبة أسد الدين الكيماوى 388 استقرار تمربغا دوادارا ثانيا 390 الإنعام على الشهابى أحمد بن إينال العلائى بإمرة يشبك الفقيه 391 استقرار قانباى الجركسى أمير آخور 391 استقرار دولات باى دوادارا كبيرا 391 استقرار أسنبغا الطيارى رأس نوبة 392 موت أولاد السلطان وهم أربعة ذكور 392

أخذ مال السفطى 392 استقرار الأمير أزبك بن ططخ رأس نوبة 394 استقرار على بن إسكندر محتسبا 394 نفى سودون السودونى، وكان السبب فى ذلك أبو الخير النحاس 395 مرسوم شريف للشام بضرب ابن الكويز 397 حادثة غريبة لأبى الخير النحاس 397 رجم العامة للمحتسب 398 اختفاء السفطى 402 موت الأغنام والأبقار 403 قتل نجم الدين بن بشارة 404 الأرض التى خسفت بين سيس وطرسوس 405 عقد الأمير أزبك على بنت الملك الظاهر 406 ظهور الرجل المتصولح 406 خشقدم الناصرى المؤيدى، تولى السلطنة فيما بعد 407 المناداة بسبب عمائم اليهود والنصارى 407 إطلاق العبد المتصولح من المقشرة 407 عمل مهم أزبك بن ططخ 408 نكبة أبى الخير النحاس وركوب المماليك الجلبان 410 استقرار موسى التتائى فى وظائف أبى الخير النحاس 417 منع ركوب الفقهاء والمعممين الخيل 418 ظهور السفطى 420 تجنن أبى الخير النحاس 421 دعوى الشريف على أبى الخير النحاس بالكفر 421 سفر الحاج وتوجه خوند شقراء بنت الناصر 423 خروج الناس للاستسقاء لزيادة النيل 424 خروج الناس ثانيا للاستسقاء 425 وثالثا 425 ورود الخبر بفرار تمراز من جدة 426 استقرار جانبك فى جدة 426 توجه تنم رصاص لإحضار موجود تمراز 429

مبايعة الخليفة حمزة 432 وصول قصاد ابن قرا يوسف 432 توجه قانم التاجر مع قصاد جهان شاه بن قرا يوسف 433 امتناع الجلبان من أخذ الكسوة وطلب الزيادة 435 الغلاء 435 ما حدث به ابن إياس من تمراز 436 أجمعوا (كذا) أهل التقويم بزوال السلطان بسبب القران ولم يقع شىء 437 زيادة تقدمة للمقام الفخرى على ما بيده من التقدمة الأولى 439 مشى المقام الفخرى فى الخدمة على عادة أولاد الملوك 439 المناداة على الذهب 440 قدوم أبى الخير النحاس 441 كائنة التريكى المغربى 442 نفى التريكى المغربى إلى بلاد المغرب 444 توعك السلطان 448 حضور قصاد جهان شاه 449 زين الدين يحيى 451 موت الظاهر جقمق 453 مدة سلطنته 454 وظيفة رأس نوبة النوب للأمير تمرباى التمربغاوى ثم للأمير أسنبغا الطيارى 460 قانباى الجركسى 461 قبض عليه فى دولة المنصور عثمان 461 السنة الأولى من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة 465 وفاة قاضى القضاة البساطى المالكى 466 وفاة وترجمة قرقماس الشعبانى 466 وفاة إينال الجكمى 469 وفاة يخشباى قتيلا بسيف الشرع 470 وفاة تغرى برمش نائب حلب مضروب الرقبة 471 وتوفى الظاهر صاحب اليمن 474 السنة الثانية من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة 475 وفاة آقبغا التمرازى نائب الشام فجأة 475 قطج 478

وفاة قاضى قضاة حلب ابن خطيب الناصرية 479 السنة الثالثة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة أربع وأربعين وثمانمائة 482 ممجق 485 وفاة ابن العجمى الحلبى 486 السنة الرابعة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة خمس وأربعين وثمانمائة 489 وفاة الخليفة داود 489 وفاة الشيخ المقريزى 490 السنة الخامسة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة ست وأربعين وثمانمائة 492 وفاة كاتم سر مصر وناظر جيشها وخاصها والوزير بها ثم الأستادار ثم محتسب القاهرة 494 وفاة المؤذى الدوادار الكبير 496 أيتمش الخضرى 497 ناصر الدين بك بن دلغادر 499 السنة السادسة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة سبع وأربعين وثمانمائة 500 السخاوى 501 وفاة المقام الناصرى 502 السنة السابعة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة ثمان وأربعين وثمانمائة 506 شمس الدين الواعظ الحموى 506 وفاة ابن قرايلك 508 السنة الثامنة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة تسع وأربعين وثمانمائة 509 يشبك أمير كبير 509 وفاة قانباى الجكمى وهو بحلب سكرانا من الدخان 511 السنة التاسعة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة خمسين وثمانمائة 513 وفاة سودون الظاهرى الذي هدم سقف البيت الحرام وجدده من غير أمر يوجب ذلك 516 السنة العاشرة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة إحدى وخمسين وثمانمائة 520 قانباى البهلوان نائب حلب 520 الوزير أرغون شاه 521 إينال الششمانى 522 وفاة ابن قاضى شهبة 523 السنة الحادية عشرة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة 525

وفاة ابن كاتب المناخات 527 تغرى برمش نائب القلعة 530 السنة الثانية عشرة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة 535 قراخجا الحسنى أمير آخور كبير 535 خوند الدلغادرية 542 تمر باى رأس نوبة النوب 543 السنة الثالثة عشرة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة أربع وخمسين وثمانمائة 547 على باى الساقى 548 النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 16، ص: 1 [الجزء السادس عشر] بسم الله الرحمن الرحيم تقديم يتناول الجزء السادس عشر من كتاب النجوم الزاهرة التأريخ للسنوات من 855 إلى 872 هجرية (1451- 1467 ميلادية) وتشمل هذه الحقبة:- وفيات السنوات الثلاث الأخيرة من فترة حكم السلطان الملك الظاهر جقمق. ثم فترة حكم السلطان الملك المنصور عثمان بن جقمق. ثم فترة حكم السلطان الملك الأشرف إينال العلائى. ثم فترة حكم السلطان الملك المؤيد أبى الفتح أحمد بن إينال. ثم فترة حكم السلطان الملك الظاهر خشقدم. ثم فترة حكم السلطان الملك الظاهر أبى نصر يلباى المؤيدى. ثم فترة حكم السلطان الملك أبى سعيد تمربغا الظاهرى. ثم ابتداء سلطنة السلطان الملك الأشرف قايتباى المحمودى الظاهرى. وبنهاية هذا الجزء ينتهى كتاب النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة. وقد تميزت هذه الحقبة التاريخية بقصر فترات الحكم للسلاطين الذين حكموا مصر وما والاها من البلاد. فمثلا السلطان الملك المنصور عثمان بن جقمق حكم شهرا وثلاثة عشر يوما، والسلطان الملك المؤيد أبو الفتح أحمد بن إينال حكم أربعة أشهر وأربعة أيام. النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 16، ص: 2 والسلطان الملك الظاهر أبى نصر يلباى الإينالى المؤيدى حكم شهرين إلا أربعة أيام، والسلطان الملك أبو سعيد تمربغا الظاهرى حكم شهرين. ولم تعرف البلاد نوعا من الاستقرار إلا في فترة حكم الظاهر جقمق- مع اضطراب الأحوال بسبب المماليك السلطانية- وفترة حكم الأشرف إينال العلائى، وفترة حكم الظاهر خشقدم، ثم فترة حكم الأشرف قايتباى المحمودى. وقد تناولها مؤلفنا تناول المؤرخ المعاصر للأحداث القريب منها اللصيق بحكامها، ولذلك فقد أصبح كتاب «النجوم الزاهرة» بالنسبة لهذه الحقبة أوثق مصدر تاريخى لها، ولولا أنه شجب كثيرا من التفصيلات التي وردت فى كتاب آخر له هو كتاب «حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور» لقلنا بأنه أوسع مصدر تاريخى تناول هذه الحقبة؛ ذلك لأن كتاب «بدائع الزهور» لابن إياس عالج التأريخ لهذه الحقبة فى اختصار شديد، وكتاب «إنباء الغمر» لابن حجر مع اختصاره وقف بالأحداث عند سنة 850 هجرية فقط، وكتاب «عقد الجمان» للبدر العينى مع بسطه واتساعه وصل بالتأريخ إلى سنة 850 هجرية أيضا، وفوق ذلك فهو لم يحقق أو يطبع بعد، كذلك كتاب «التبر المسبوك» للسخاوى ليست له ميزة كتابنا هذا؛ لأنه يعالج الأحداث فى اختصار شديد أيضا، ومن هنا تجىء أهمية مؤلفات ابن تغرى بردى لهذه الحقبة. ولا ندرى إن كان ابن تغرى بردى قد توقف عند هذا الحد من التأريخ أم أنه كتب شيئا بعد ذلك لكنه لم يضمّ إلى هذا الكتاب أو غيره فلم يصل إلينا، ولعل المرض الذي أصيب به المؤلف (مرض القولنج) قد حال بينه وبين مواصلة التأريخ إلى الوقت الذي وافته فيه منيته. ويقول السخاوى فى كتابه الضوء اللامع «1» «وتعال قبل موته بنحو سنة بالقولنج النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 16، ص: 3 واشتد به الأمر من أواخر رمضان بإسهال دموى بحيث انتحل وتزايد كربه، وتمنى الموت لما قاساه من شدة الألم إلى أن قضى فى يوم الثلاثاء خامس ذى الحجة سنة أربع وسبعين» وإننا لنتساءل: فلم لم يؤرخ لبقية سنة 872 هـ وسنة 873 هـ ولم يكن قد دهمته شدة المرض بعد؟! وكم كنا نود أن نعرف سببا قاطعا لتوقف مؤرخنا عن مواصلة التأريخ حتى الوقت الذي اشتد به المرض، ولكن المراجع التى بين أيدينا لم توضح لنا ذلك، فضلا عن أن كتاب المؤلف «حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور» قد توقف هو الآخر خلال أحداث سنة 872 هـ. وإذا كان لنا أن نستنتج ونرجح فإننا نستنتج أن المؤلف قد طال به المرض وأن وطأته اشتدت عليه منذ الفترة التي انقطع فيها عن التأليف حتى وافته المنية. ومهما يكن من شىء فالمؤلف- وقد صحبنا على هذه الرقعة الشاسعة من تاريخ مصر- لا بد أن نقول: إن كتابه كان جديرا بتلك التسمية الرائعة «النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة» . وإذا كان سيودعنا بهذا الجزء فإن الذي لا شك فيه أن اسمه سيظل قادرا على التجول فى كل العصور، وأن نشر كتابه- فى هذه الطبعة- قد جاء فى فترة تحتاج إليها مصر لتتكامل معرفتنا بها، وليزيدنا العلم بها حبا وإعزازا، وتعلقا وتقديسا. ولقد كان من الطبيعى أن يعمق جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغرى بردى الإحساس بالمنهج التاريخى الذي سار عليه من قبل المؤرخون المسلمون، فنجد عنده التتبع والدقة، والأمانة، وصحة الإسناد، والاستنباط، ووجهة النظر الخاصة، وإذا كان هذا الذي نسميه وجهة نظر خاصة ينكر أحيانا على أتباع هذه المدرسة إلا أننا نراها واضحة عنده. النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 16، ص: 4 ولنتأمل تعليقه على كلام كثير مثل «لله دره فيما قال» «1» . ولنتأمل هذا النص «قلت: هو كما قالوا وزيادة «2» » ثم يضع هذه الزيادة التي تدين هؤلاء التركمان الذين أساءوا السيرة وسلبوا الناس أموالهم، وخربوا البلاد. وهو حين ينقل رأيا يخالف رأيه- وبخاصة ما ينقله عن المقريزى- وكما ألمحنا إليه فى مقدمة الجزء الرابع عشر- يسوق الرأى بحذافيره حتى ولو كان فى رجل يعزه ويجله، فهو مثلا ينقل رأيه عن الملك المؤيد شيخ المحمودى الذي يقول فيه « ... إلا أنه كان بخيلا مسيكا يشح حتى بالأكل، لحوحا غضوبا، نكدا حسودا معيانا، فحاشا سبابا «3» ... الخ» فهو بعد هذا الرأى المصادم له يقول «وكان يمكننى الرد عليه فى جميع ما قاله بحق غير أننى لست مندوبا إلى ذلك فلهذا أضربت عن تسويد الورق وتضييع الزمان «4» » . وقد تكون هناك دعوى تقول إنه كان يقف إلى جانب السلطة العليا فى الدولة، وإنه كان يرى أن كل خروج على النظام غير مقبول ويجب أن ترسل إثره الجيوش تجريدة بعد تجريدة؛ على حد ما نعرف من رأيه فى حركات الرفض بين عرب البحيرة «5» أو بين العربان فى الشرقية «6» ، أو بين الهوارة فى صعيد مصر «7» . ونحن- ابتداء- لا نملك إلا التسليم بشىء من هذا، لكننا نعرف عنه غيرته على تماسك البلاد، وعدم تعرضها للهزات فى عصر كثرت فيه الهزات، ونعرف عنه أيضا الصدق فى الأحكام والشجاعة فى إعلانها، ولنتأمل هذا الجانب الذي يطالعنا كثيرا فى مؤلفاته ... فهو يقول- مثلا- فى زوج أخته القاضى كمال الدين عمر بن العديم قاضى النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 16، ص: 5 قضاة الحنفية بالديار المصرية «كان عالما فطنا مع طيش وخفة» «1» ويقول عن الأمير سيف الدين آقبردى بن عبد الله المؤيدى أحد أمراء الألوف بالديار المصرية «كان شجاعا مقداما كريما مع جهل وظلم وجبروت وخلق سيىء، وبطش وحدة مزاج، وقبح منظر. قلت: وعلى كل حال مساوئه أكثر من محاسنه» «2» ويقول فى شأن تولية جمال الدين الصفى لكتابة السر «وعدّت ولاية هذا الجاهل لمثل هذه الوظيفة العظيمة من غلطات الملك الأشرف [برسباى] وقبح جهله» «3» ويقول فى شأن الملك الظاهر خشقدم حينما ولّى شمس الدين محمدا البباوىّ نظر الدولة ثم الوزارة «وسمع الملك الظاهر خشقدم بسعة ماله- وكان من الخسة والطمع فى محل كبير- فاحتال على أخذ ماله بأن ولّاه نظر الدولة ... فشق ذلك على الناس قاطبة، وعدوا ذلك من قبائح الملك الظاهر خشقدم ... وشغر الوزر ... فطلب السلطان البباوىّ وولّاه الوزر» «4» . وصحيح أنه منحدر من سلالة المماليك، وصحيح أنّا نحس إعجابه بالعظام منهم، ولكنه فى الوقت نفسه يقدم فى موضوعية تامة عمليات الغدر والخديعة والوقيعة التي غص بها هذا العصر الذي يؤرخ له. ولعمرى ماذا يراد من المؤرخ غير هذا؟! نحن نعتقد أن الذي عصمه هو تقاليد «المدرسة التاريخية الإسلامية» التي ألمحنا من قبل إلى مميزاتها، والتي كان مؤرخنا واحدا من عمدها. ثم يأتى أخيرا بيانه الواضح، ووصوله إلى ما يريد بأقل الألفاظ مع سلامة تركيب الجملة العربية، إذا قيس بغيره من مؤرخى عصره، ومع اعتبار ما كان طاغيا على أساليب هذا العصر من خروج على قواعد اللغة. النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 16، ص: 6 وقد عاب عليه السخاوى استخدامه بعض الكلمات التى تخرج على مقاييس اللغة مثل أخرب، وأخلع. ولعمرى فإن هذا القليل- الذي رآه المؤلف صادق الدلالة على معناه- لا يعد خطيرا إلى جانب الفيض الكثير من الأساليب المنسقة السهلة الفصيحة. وأخيرا فنحن حين ترفع القلم عن الحرف الأخير من هذا الكتاب، أو بعبارة شاعرية عن هذه النجوم الزاهرة نحسّ بأنه من أجل مصر، بل ومن أجل الوطن العربى يجب أن يقرأ هذا الكتاب، ونحسّ أنه كان من حسن حظنا أن أتاحت لنا «الهيئة المصرية العامة للكتاب» أن نقابل القارئ العربى بهذا الجزء الذي نرجو أن يحمله على متابعة قراءة الكتاب من أوله جزءا جزءا، أو كما يحب أن يقول مؤلفه «نجما نجما» . منهج التحقيق: وقد اعتمد فى تحقيق هذا الجزء على نسخة أيا صوفيا المصورة والمحفوظة بدار الكتب بالقاهرة تحت رقم 1343 تاريخ، واعتبرت أصلا للتحقيق ورمز لها بالأصل أو بحرف «ص» وقوبل على طبعة كاليفورنيا التى حققها المستشرق وليم پوپر معتمدا على مخطوطة المكتبة الأهلية بباريس رقم 1788 معتبرا إياها أصلا، ومقابلا لها على مخطوطة أخرى بنفس المكتبة برقم 1789 وأيضا على المصورة الشمسية لنسخة أيا صوفيا. وقد اعتمد پوپر أيضا على كتاب «حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور» للمؤلف واعتبره نسخة معاونة رمز لها بحرف «H» وأضاف كثيرا من تفصيلاته فى هوامشه. وقد روجع هذا الجزء على ما جاء فى هذا الكتاب الذي توجد منه نسختان بدار الكتب بالقاهرة. إحداهما مصورة عن نسخة أياصوفيا ومحفوظة برقم 2397 تاريخ، والأخرى مصورة عن نسخة الفاتيكان ومحفوظة برقم 2404 تاريخ تيمور، وقد حققت الجزء الأول منه وينشره حاليا المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. وقد سبق أن نشر النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 16، ص: 7 المستشرق وليم پوپر مقتطفات منه تهتم بالتفصيلات التى لم ترد فى كتاب «النجوم الزاهرة» واعتبر المنشور ملحقا بالجزء السابع من كتاب النجوم طبعة كاليفورنيا. وسيجد القارئ أن مؤلفنا كثيرا ما يشير إلى التفصيلات والتفريعات التى أوردها فى كتاب «حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور» وشجبها فى كتاب «النجوم الزاهرة» . ذاكرا أنه أغفلها فى «النجوم» ويحيل القارئ فى معرفتها إلى كتاب «الحوادث» ذاكرا أن «الحوادث» يعنى بتفصيل الأحداث وعرضها أكثر من عناية «النجوم» بها. ولقد تتبعنا المنهج الذي قام عليه تحقيق الأجزاء السابقة من كتاب «النجوم» وجعلناه أساسا لتحقيق هذا الجزء، وأضفنا إلى هوامشه ما رأينا إضافته من كتاب «الحوادث» مما يوضح النص أو يوثقه أو يضيف إليه جديدا. ورجعنا فى تحقيق الأحداث وتراجم الأعلام إلى المصادر المعتمدة والمطروقة فى هذا الميدان، والتى رجع إليها السادة المحققون للأجزاء الأخرى من هذا الكتاب. وإذا كان هذا الجزء قد صدر بعد فقدنا لل

الجزء السادس عشر

[ما وقع من الحوادث سنة 855] السنة الرابعة عشرة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة خمس وخمسين وثمانمائة: وفيها كان تزايد الغلاء حتى خرج عن الحدّ، وبيع القمح بنحو ألف وخمسمائة درهم الإردب، والفول والشعير بألف درهم الإردب، ثم تزايد بعد ذلك على ما حرّرناه فى الحوادث «1» . وفيها توفّى الخليفة أمير المؤمنين المستكفى بالله أبو الربيع سليمان ابن الخليفة المتوكل على الله أبى عبد الله محمد بالقاهرة، فى يوم الجمعة ثانى المحرم، وقد تقدّم ذكر نسبه إلى العباس فى ترجمة أخيه المعتضد داود من هذا الكتاب. وتولى الخلافة بعدة أخوه حمزة بغير عهد منه، ولقّب بالقائم بأمر الله. ونزل السلطان الملك الظاهر للصلاة عليه بمصلاة المؤمنى «2» ، ومشى فى جنازته إلى أن شهد دفنه، وربما أراد حمل نعشه فى طريقه، ومات المستكفى وهو فى عشر الستين، بعد أن أقام فى الخلافة تسع سنين ونحو عشرة أشهر. وكان ديّنا خيّرا، منجمعا عن الناس بالكلّيّة، كثير الصّمت، قليل الكلام، ذكر عنه أخوه أمير المؤمنين المعتضد داود- وكان شقيقه- عند ما عهد له بالخلافة فى مرض موته، أنه لا يعرف عليه كبيرة فى مدة «3» عمره- رحمه الله تعالى.

وتوفّى القاضى جمال الدين عبد الله بن هشام «1» الحنبلى الفقيه، أحد نوّاب الحكم بالقاهرة، فى العشر الأخير من المحرم، وكان فقيها فاضلا مشكور السّيرة فى أحكامه- رحمه الله تعالى. وتوفّى الرئيس مجد الدين عبد الرحمن بن الجيعان «2» ، ناظر الخزانة الشّريفة السّلطانية وكاتبها، فى يوم الخميس تاسع عشرين المحرم، بعد قدومه من الحجاز متمرّضا، وخلّف عدّة أولاد، أمّهاتهم أمهات «3» أولاد جوار بيض مسلمات. وتوفّى القاضى شمس الدين محمد المعروف بابن زبالة «4» الشّافعى المصرى الأصل والمولد، قاضى قضاة مدينة الينبع، بها فى هذه السنة. وكان مولده بباب البحر خارج القاهرة، ثم انتقل إلى الينبع بعد أمور، وولى قضاءها إلى أن مات، وكان له سمعة وصيت بتلك البلاد. وتوفّى السلطان خوندكار مراد «5» بك ابن السلطان محمد بك كرشجى بن أبى يزيد ابن عثمان، متملّك برصا «6» وأدرنابولى «7» ، وما والاهما من ممالك الرّوم، فى سابع المحرم بمملكة الروم. وتولّى الملك من بعده ولده السلطان محمد بن مراد بك، واقتدى بسنّة أبيه فى الجهاد والغزو، ونكاية العدوّ، وأخذ البلاد والقلاع من يد الفرنج، ومات السلطان مراد

بك وهو فى أوائل الكهولية، وكان خير ملوك زمانه شرقا وغربا؛ مما اشتمل عليه من العقل والحزم والعزم والكرم والشجاعة والسؤدد. وأفنى عمره فى الجهاد فى سبيل الله تعالى، وغزا عدّة غزوات، وفتح عدّة فتوحات، وملك الحصون المنيعة، والقلاع والمدن من العدوّ المخذول. على أنه كان منهمكا فى اللذات التى تهواها النفوس، ولعل حاله كقول بعض الأخيار- وقد سئل عن دينه- فقال: أمزّقه بالمعاصى، وأرقّعه بالاستغفار. فهو أحقّ بعفو الله وكرمه، فإن له المواقف المشهورة، وله اليد البيضاء فى الإسلام ونكاية العدوّ، حتى قيل عنه إنه كان سياجا للإسلام والمسلمين- عفا الله عنه، وعوّض شبابه الجنة- فلقد كان بوجوده «1» غاية التجمل فى جنس بنى آدم- رحمه الله تعالى. وتوفّى الشيخ شمس الدين محمد بن حسّان «2» ، الفقيه الشافعى، شيخ خانقاه سعيد السعداء «3» ، فى يوم السبت أول شهر ربيع الأول، وكان فقيها ديّنا مشكور السّيرة، وتولّى مشيخة سعيد السّعداء من بعده الشيخ خالد. وتوفّى الشيخ شمس الدين محمد الحلبى «4» ، المعروف بالحجازى، ابن أخت السخاوى، فى يوم الخميس ثالث عشر ربيع الأول، وكان أديبا، وهو ممن عرف فى هذه الدولة بخاله خليل السخاوى «5» ، وعدّ من بياض الناس، على أنه كان قليل البضاعة من العلوم والفضيلة.

وتوفّى الشيخ شمس الدين محمد الحنفى الرومى «1» الأصل والمولد، المصرى الدّار والوفاة، المعروف بالكاتب، فى يوم الأحد ثالث عشرين شهر ربيع الأوّل، بعد أن نال حظّا من ملوك مصر، لا سيما من الملك الظاهر جقمق؛ فإنه عظم فى دولته إلى الغاية ونالته السعادة، وعدّ من الرؤساء، ولم يكن لذلك أهلا، غير أن ملوك زماننا كالعميان، يضع الواحد يده على كتف الواحد، فمهما تحرّك الأوّل بحركة تحرّك الثانى بمثله. فأول من قرّب شمس الدين هذا الظاهر ططر، فاقتدى جميع من جاء بعده من السلاطين به من تقريب شمس الدين هذا، ولا يعرف أحدهم لم قرّبه واختصّ به غير الظاهر ططر، فإنه كان له مقاصد لا يعرفها هؤلاء، ثم انحطّ قدره، ونكب وصودر، وادّعى عليه عند القضاة بدعاوى اقتضت تعزيره وحبسه بسجن الرّحبة، وقاسى أهوالا، كلّ ذلك بأمر السلطان الملك الظاهر جقمق لمّا تغيّر عليه، نكالا من الله، فإنه كان واسطة سوء مع دهاء ومكر، وعقل تام، فإنه اتصل لما اتصل، ولم يقتن دابة يركبها، بل كان كلما أراد أن يطلع القلعة ركب من الشيخونية «2» حمارا مكاريا بالكرى، وطلع إلى القلعة، واجتمع بالسلطان ثم نزل وعاد على الحمار المذكور إلى داره بالشيخونية، فى كل يوم على ذلك. وكان قليل العلم، إلا أنه كان له مشاركة ومحاضرة ومعرفة بمداخلة الملوك، محظوظا عندهم. كان مرتّبه فى اليوم على الجوالى «3» فقط دينارين، وله أشياء غير ذلك، وكان شكلا مهولا، طوالا، ذا لحية كبيرة، وعلى رأسه عمامة هائلة، وقبّع

جوخ كبير جدا، ويلفّ عليه أزيد من ثوب بعلبكى رفيع، وقيل ثوبان عوضا من الشاش. ومع تقربه من الملوك كان عنده عفّة عن أموال الناس، وعدم طمع بالنسبة إلى غيره- رحمه الله. وتوفّى الشيخ المعتقد محمد السفارى، نزيل جامع عمرو بن العاص، فى يوم الجمعة حادى عشر جمادى الأولى وقد ذكرنا واقعته مع الملك الظاهر جقمق فى الحوادث، وملخصها أنه كان وقع من بعض فقرائه ما أوجب إحضاره، فامتنع، فألحّ السلطان على الوالى بإحضار الشيخ محمد المذكور، فلما حضر إليه ثانيا أفحش فى الجواب للوالى، ثم تكلم فى الملأ بكلام يدل على موت السلطان فى سابع عشر جمادى الأولى، وشاع ذلك بين الناس، فمات الشيخ قبل ذلك اليوم، أعنى يوم سابع عشر جمادى الأولى بستة أيام، فتعجّب الناس من ذلك. والذي أظنّه أن الشيخ ما قال إلا عن نفسه، فتوهمت العامة أن الشيخ يشير بذلك عن السلطان، والله أعلم، وعلى كل حال واقعة غريبة- رحمه الله. وتوفّى السيّد الشريف هلمان بن وبير بن نخبار» أمير مدينة الينبع بها فى أواخر جمادى الأولى، وهو فى أوائل الكهولية، وكان شابا مليح الوجه، مشكور السّيرة، لولا أنه على مذهب القوم- عفا الله عنه. وتولى بعده إمرة الينبع أخوه سنقر، وكانت ولاية هلمان المذكور، بعد عزل ابن أخية معز بن هجّان بن وبير بن نخبار فى سنة تسع وأربعين وثمانمائة- اهـ. وتوفّى السيد الشريف أميان بن مانع الحسينى «2» المدنى، أمير المدينة الشريفة

النبوية- على ساكنها أفضل الصلاة والسلام- فى جمادى الآخرة بها، وتولّى إمرة المدينة من بعده زبير بن قيس بن ثابت. وتوفّى الأمير ناصر الدين محمد الحلبى الحاجب الثانى بحلب المعروف بابن ألتغا، فى يوم السبت سابع عشرين شهر رمضان بالقاهرة، غريبا عن أهله وعياله، وكان أصله من بعض قرى حلب، وترقّى فى الخدم حتى لبس زىّ الجند، وخدم أستادارا عند بعض أعيان حلب، وتموّل، وترقّى بالبذل حتى صار حاجبا ثانيا بحلب، وهو لا يعرف كلمة مركّبة باللغة التركية، ويتلفظ فى كلامه بألفاظ فلاحى القرى إلى أن مات، غير أنه كان مشكور السيرة، كريم النفس- رحمه الله. وتوفّى القاضى تاج الدين محمد ابن «1» قاضى القضاة جلال الدين عبد الرحمن ابن شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني الشافعى فى يوم السبت سابع عشرين «2» شهر رمضان ودفن من الغد عن ثمان وستين سنة، وخلّف مالا كثيرا، وكان مسيكا بخيلا، وإليه أشار الحافظ بن حجر بقوله [السريع] مات جلال الدين، قالوا: ابنه ... يخلفه، أو فالأخ الراجح فقلت: تاج الدين لا لائق ... لمنصب الحكم، ولا صالح أراد «3» بتاج الدين هذا فى الأول ثم بالتورية (4) قاضى القضاة علم الدين صالح البلقني «4» .

وتوفّى الأمير سيف الدين يشبك بن عبد الله السيفى «1» سودون الحمزاوى نائب صفد بها فى ليلة السبت تاسع عشرين شهر رمضان، وكان يشبك المذكور ولى «2» دواداريّة السلطان بحلب سنين، ثم ولى نيابة غزّة؛ ثم نقل إلى نيابة صفد إلى أن مات بها، وكان مشكور السّيرة، لم تسبق له رئاسة بالديار المصرية، وتولّى الأمير بيغوت المؤيّدى بعده نيابة صفد ثانى مرّة- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير شهاب الدين أحمد بن أمير على بن إينال اليوسفى الأتابكى، أحد مقدّمى الألوف بالديار المصرية، فى ليلة الثلاثاء سابع عشرين ذى القعدة، وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمنى، ودفن بتربة جدّه الأتابك إينال، ومات وسنّة نحو خمسين سنة- تخمينا- وإلى والده أمير على ينتسب الملك الظاهر جقمق بالعلائى وقد تقدّم ذكر ذلك كله فى أوّل ترجمة الملك الظاهر جقمق، وكيف أخذه الملك الظاهر برقوق منه. وكان أحمد المذكور أميرا ضخما عاقلا، رئيسا ديّنا خبيّرا، متواضعا، عارفا بأنواع الفروسية، وعنده محبة للفقراء وأرباب الصلاح، وكان سمينا جدا، لا يحمله إلا الجياد من الخيل، وكان ممّن رقّاه الملك الظاهر حقمق، وأمّره عشرة فى أوائل سلطنته، ثم ولّاه نيابة الإسكندرية، وزاده عدّة زيادات على إقطاعه، ثم أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف، عوضا عن الأمير إينال العلائى بحكم انتقاله إلى الأتابكيّة بعد موت

يشبك السودونى المشدّ، فدام على ذلك إلى أن مات، وتأسّف الناس عليه لحسن سيرته بالنسبة إلى أخيه محمد؛ وإلى الشهابى أحمد بن نوروز، شادّ الأغنام، فإنهما كانا أسوأ حواشى الملك الظاهر جقمق سيرة، بخلاف الشّهابى أحمد فإنه لم يكن له كلمة في الدولة إلا بخير- رحمه الله تعالى. وتوفّى السيّد الشريف إبراهيم بن حسن بن عجلان الحسنى، المقبوض عليه مع أخيه على بن حسن قبل تاريخه بمكة، وحمل إلى القاهرة، وحبس بالبرج من القلعة مدّة طويلة، ثم أخرج مع أخيه إلى ثغر دمياط، فدام به بعد موت أخيه علىّ إلى أن مات فى هذا التاريخ. وتوفّى الأمير سيف الدين تمراز بن عبد الله من بكتمر المؤيدى، المصارع شادّ بندر جدّة قتيلا بالحديدة من بلاد اليمن، فى خامس عشرين «1» شهر رمضان، بعد أن فرّ من جدّة بمال السلطان عاصيا عليه، فلم يحصل له ما قصد، وقد أوضحنا أمره وما وقع له من يوم خروجه من جدة إلى يوم موته في أصل هذه الترجمة، سياقا في أواخر ترجمة الملك الظاهر هذا. وتوفّى قاضى القضاة شيخ الإسلام بدر الدين أبو الثناء، وقيل أبو محمد بدر الدين محمود ابن القاضى شهاب الدين أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود العينتابى «2» الحنفى، قاضى قضاة الديار المصرية، وعالمها ومؤرخها، فى ليلة الثلاثاء رابع ذى الحجة، ودفن من الغد بمدرسته التي أنشأها تجاه داره بالقرب من جامع الأزهر، ومولده بعينتاب في سنة اثنتين وستين وسبعمائة، ونشأ بها، وتفقّه بوالده بعد حفظه القرآن الكريم، وكان أبوه قاضى عينتاب، وتوفّى بها في شهر رجب سنة أربع وثمانين

وسبعمائة، ثم رحل ولده القاضى بدر الدين هذا بعد موته إلى حلب، وتفقّه بها، وأخذ عن العلامة جمال الدين يوسف بن موسى الملطى الحنفى وغيره، ثم قدم لزيارة بيت المقدس فلقى به العلامة علاء الدين العلاء بن أحمد بن محمد السيرامى الحنفى شيخ المدرسة الظاهرية- برقوق- وكان أيضا توجّه لزيارة بيت المقدس، فاستقدمه معه إلى القاهرة فى سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، ونزّله في جملة الصوفية بالمدرسة الظاهرية- برقوق- ثم قرّره خادما بها، ثم وقع له بعد ذلك أمور حكيناها في ترجمته في المنهل الصافى، إلى أن عرف بين الطلبة، وفضل في علوم، وصحب الأمير جكم من عوض «1» ، والأمير قلمطاى العثمانى الدّوادار، وتغرى بردى القردمى إلى أن توفّى الملك الظاهر برقوق في سنة إحدى وثمانمائة، فولى حسبة القاهرة في مستهل ذى الحجة من السنة، بسفارة هؤلاء الأمراء عوضا عن الشيخ تقي الدين أحمد المقريزى، فمن يومئذ وقعت العداوة بينهما «2» إلى أن ماتا، ثم صرف بعد أشهر، وتولى حسبة القاهرة غير مرّة، وآخر ولايته للحسبة فى سنة ست وأربعين وثمانمائة عوضا عن يرعلى الخراسانى- انتهى. فنعود إلى ما كنا يصدده: ثم ولى القاضى بدر الدين هذا نظر الأحباس في الدولة المؤيّدية، ولما تسلطن الملك الأشرف برسباى صحبه وعظم عنده إلى الغاية، وصار ينادمه، ويقرأ له التواريخ من أيام السلف من الوقائع والأخبار، ويعلمه دينه، كان يقرأ له

التاريخ باللغة العربية ثم يفسره له باللغة التركية، وكان فصيحا في اللغتين «1» ، وكان الملك الأشرف يسأله كثيرا عن دينه وعما يحتاج إليه من العبادات وغيرها، فيجيبه القاضى بدر الدين المذكور بعبارة تقرب من فهمه، حتى لقد سمعت الأشرف يقول غير مرة: «لولا العينتابى لكان في إسلامنا شىء» . وولّاه قضاء الحنفية مرّتين، ومات الأشرف وهو قاض، فعزل في الدولة العزيزية بالشيخ سعد الدين سعد الدّيرى، ولزم داره على نظر الأحباس مدة سنين إلى أن سعى علاء الدين علىّ بن آقبرس فيها ووليها، فاستقبح الناس عليه ذلك من وجوه عديدة، ثم مات بعد ذلك بمدة يسيرة. وكان إماما فقيها أصوليا، نحويا، لغويا، بارعا في علوم كثيرة، وأفتى ودرّس سنين، وصنّف التصانيف المفيدة النافعة، وكتب التاريخ، وصنّف فيه مصنفات كثيرة «2» ذكرناها مع جملة مصنفاته في المنهل الصافى، يطول الشرح في ذكرها هنا. ولما انتهينا من الصلاة على قاضى القضاة بدر الدين هذا بجامع الأزهر، وخرجنا إلى مشاهدة دفنه، قال لى قاضى القضاة بدر الدين محمد بن عبد المنعم البغدادى الحنبلى. «خلا لك البرّ فبض وأصفر «3» » فلم أردّ عليه، وأرسلت إليه بعد عودى إلى منزلى ورقة بخط العينى هذا يسألنى فيه عن شىء سئل عنه في التاريخ من بعض الأعيان، ويعتذر عن الإجابة بكبر سنه وتشتت ذهنه، ثم أبسط القول في الشكر والمدح والثناء إلى أن قال: «وقد صار المعوّل عليك الآن في هذا الشأن، وأنت فارس ميدانه، وأستاذ زمانه، فاشكر الله على ذلك» .

وكان تاريخ كتابة الورقة المذكورة في سنة تسع وأربعين وثمانمائة- انتهى. وتوفّى السيد الشريف عفيف الدين أبو بكر محمد الأيكى العجمى الشافعى نزيل مكة المشرفة بمنى في ثانى يوم من التّشريق، وحمل إلى مكة، ودفن بها، وكانت جنازته مشهودة، وكان الناس في أمره وصلاحه على أقسام، رأيته بمكة واجتمعت به مجلسا خفيفا- رحمه الله. وتوفّى الشيخ المعتقد الصالح أحمد التّرابى «1» المصرى فجأة، فى يوم الجمعة حادى عشر ذى الحجة، ودفن بزاويته من الغد، بالقرب من تربة الشيخ جوشن خارج باب النصر. وكان رجلا صالحا دينا خيرا معتقدا، وكنت أصحبه، وكان لى فيه اعتقاد ومحبة- رحمه الله تعالى. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم أربعة أذرع وخمسة عشر إصبعا، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا وثمانية أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 856

[ما وقع من الحوادث سنة 856] السنة الخامسة عشرة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة ست وخمسين وثمانمائة. فيها أخذ الغلاء في انحطاط من الديار المصرية وأعمالها. وفيها توفّى الشيخ الإمام العلّامة علاء الدين علىّ ابن الشيخ قطب الدين أحمد القلقشندى «1» الشافعى، أحد فقهاء الشافعية، فى يوم الاثنين مستهل المحرم، ودفن من الغد في يوم الثلاثاء خارج القاهرة، ومولده بالقاهرة في ذى الحجة سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، ونشأ بها، وحفظ عدّة متون في مذهبه، وتفقّه بعلماء عصره، مثل شيخ الإسلام السّراج البلقينى، وولده قاضى القضاة جلال الدين، والعلّامة عز الدين بن جماعة، أخذ عنه المعقول، وعن الشيخ الإمام العلّامة فريد عصره علاء الدين محمد البخارى الحنفى، وقاضى القضاة شمس الدين محمد البساطى «2» المالكى، وغيرهم، وبرع في عدة علوم «3» وأفتى ودرّس، وتولّى عدّة تداريس، ورشّح لقضاء الديار المصرية غير مرّة، وسئل بقضاء دمشق فامتنع، وتصدّى للاشتغال سنين، وانتفع به جماعة من الطلبة- رحمه الله تعالى. وتوفّى الإمام المقرئ ناصر الدين محمد بن كزل بغا «4» الحنفى، إمام المدرسة الأشرفية «5» بالعنبريّين «6» ، فى يوم الأحد تاسع عشر صفر، وهو في عشر الخمسين،

ومات ولم يخلف بعده مثله في القراءات وحسن التأدّى، لا سيما في قراءة المحراب فإنه كان من الأفراد في ذلك، وكان أبوه من مماليك الأمير ألطنبغا الجوبانى نائب دمشق- رحمه الله تعالى. وتوفّى عظيم الديار المصرية وعالمها ورئيسها كمال الدين أبو المعالى محمد ابن العلّامة القاضى ناصر الدين أبى المعالى محمد ابن القاضى كمال الدين محمد بن عثمان بن عثمان بن محمد بن عبد الرحيم بن هبة الله البارزى «1» الحموى الجهنى الشافعى، كاتب السرّ الشريف بالديار المصرية، وابن كاتب سرّها، وصهر السلطان الملك الظاهر جقمق، بداره بخط الخرّاطين «2» من القاهرة، فى يوم الأحد سادس عشرين صفر، وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمنى، ودفن عند والده بالقرافة الصّغرى تجاه شباك الإمام الشافعى- رضى الله عنه. سألته عن مولده، فقال: بحماة في ذى الحجة سنة ستّ وتسعين وسبعمائة. قلت: ونشأ بها تحت كنف والده، وحفظ القرآن العزيز، وصلى التراويح بالناس فى الدّيار المصرية لما قدم مع والده سنة تسع وثمانمائة، ثم عاد مع والده إلى حماة، وحفظ التمييز «3» فى الفقه، وقرأه على الحافظ برهان الدين إبراهيم الحلبى المعروف بالقوف «4» .

ثم قدم إلى الديار المصرية مع والده أيضا بعد قتل الملك الناصر فرج في سنة خمس عشرة وثمانمائة، وتفقّه بقاضى القضاة ولى الدين أحمد العراقى «1» ، وأخذ المعقول عن العلّامة عز الدين بن جماعة «2» ، وعن تلميذه ابن الأديب، وأخذ أيضا عن قاضى القضاة شمس الدين البساطى المالكى، وعن العلّامة البارع الزاهد علاء الدين محمد البخارى الحنفى، ولازمه كثيرا وانتفع بدروسه، وأخذ النحو في مبادئ أمره عن الشيخ يحيى العجيسى المغربى «3» وغيره، وسمع البخارى من عائشة بنت عبد الهادى «4» ، واجتهد فى طلب العلم وساعده في ذلك الذكاء المفرط، والذهن المستقيم والتصور الصحيح، حتى برع في المنطوق والمفهوم، وصارت له اليد الطولى في المنثور والمنظوم، لا سيما في الترسل والإنشاء والمكاتبات، فإنه كان إمام عصره في ذلك، هذا مع ما اشتمل عليه من العقل والعراقة والسكون والسؤدد والكرم والإكرام وسياسة الخلق وحسن الخلق، والرئاسة الضخمة، والفضل الغزير. وباشر كتابة السّر في أيام والده نيابة عنه، وعمره نيف على عشرين سنة. ثم استقل بالوظيفة نيفا على ثلاثين سنة، على أنه صرف عنها غير مرة المدّة الطويلة.

وأول ولايته لكتابة السرّ في يوم السبت خامس عشرين شوال سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة في الدولة المؤيّديّة شيخ؛ تلقّاها عن والده القاضى ناصر الدين بعد موته، واستمرّ فى الوظيفة إلى أن صرف عنها بصهره علم الدين داود بن الكويز ناظر الجيوش بالديار المصرية، واستقرّ القاضى كمال الدين هذا في الوظيفة ونظر الجيش عوضا عن علم الدين المذكور- أعنى أن كلّا منهما أخذ وظيفة الآخر- وذلك في محرم سنة أربع وعشرين، فباشر وظيفة نظر الجيش إلى أن صرف عنها بعبد الباسط بن خليل الدمشقى في يوم الاثنين سابع ذى القعدة من سنة أربع وعشرين المذكورة، فلزم القاضى كمال الدين هذا داره على هيئة عمله من الحشم والخدم والإحسان لمن يرد عليه من كلّ طائفة، وأكبّ على الاشتغال وطلب العلوم مدّة سنين إلى أن طلبه الملك الأشرف برسباى في يوم سابع شهر رجب سنة إحدى وثلاثين، وخلع عليه باستقراره في كتابة سرّ دمشق بعد موت بدر الدين حسين، فتوجه إلى دمشق وباشر كتابة سرّها مدّة إلى أن قدم القاهرة صحبة الأمير سودون من عبد الرحمن نائب دمشق، وعزل سودون وتولّى جار قطلو نيابة دمشق، فخلع السلطان عليه بقضاء دمشق مضافا لكتابة سرّها، وكان ذلك في يوم الأربعاء مستهل شعبان سنة خمس وثلاثين، فباشر الوظيفتين معا، وحسنت سيرته وأحبّه أهل دمشق. ومن غريب ما اتفق في ولايته لقضاء دمشق أن العلّامة علاء الدين البخارى «1» كان إذا ولى أحد من طلبته القضاء أو الحسبة يغضب عنه ويمنعه من دروسه، فلمّا بلغه ولاية القاضى كمال الدين هذا فرح، وقال: «الآن أمن الناس على أموالهم ونفوسهم» ، وناهيك بقول الشيخ علاء الدين هذا في حقّه. واستمر على وظيفتيه بدمشق إلى أن طلب إلى الديار المصرية، وولى كتابة سرّها بعد عزل الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن كاتب المناخ في يوم السبت العشرين

من شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وثمانمائة «1» ، فباشر الوظيفة مدّة إلى أن صرف عنها بالشيخ محبّ الدين بن الأشقر في يوم الخميس سابع شهر رجب سنة تسع وثلاثين.. ولزم المقرّ الكمالى داره إلى أن أعيد إلى قضاء دمشق مسئولا في ذلك في يوم الثلاثاء مستهل شهر رجب سنة أربعين وثمانمائة، فباشر قضاء دمشق ثانيا، وخطب بالجامع الأموى، وكتب إليه الشّرفى يحيى بن العطّار «2» وهو بدمشق: [البسيط] يا سيّدا جدّ بالنّوى لى ... وطال ما جاد بالنّوال من منذ سافرت زاد نقصى ... يا طول شوقى إلى الكمال فأجابه القاضى كمال الدين المذكور وأنشدنيها من لفظه لنفسه- رحمه الله تعالى. [الطويل] خيالك في عينىّ يؤنس وحدتى ... على أنّ داء الشوق في مهجتى أعيا فإن مات من فرط اشتياقى تصبّرى ... أعلله بالوصل من سيدى يحيى ومن شعره- رحمه الله- أيضا ما كتبه على سيرة ابن ناهض بعد كتابة والده القاضى ناصر الدين [الرجز] مرّت على فهمى، وحلو لفظها ... مكرّر، فما عسى أن أصنعا ووالدى دام بقا سؤدده ... لم يبق فيها للكمال موضعا وله أشياء غير ذلك ذكرناها في غير هذا المحل. واستمر [القاضى كمال الدين] «3» على قضاء دمشق إلى أن طلب من دمشق إلى

الدّيار المصرية في الدّولة العزيزية- يوسف- فحضر بعد سلطنة صهره الملك الظاهر جقمق، وطلع إلى القلعة بعد أن احتفل وجوه الدولة إلى ملاقاته، وخلع عليه باستقراره فى كتابة السرّ على عادته بعد عزل الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله، وذلك في يوم الثلاثاء سابع عشر شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعين، وهذه ولايته الثالثة لكتابة السرّ. واستمر في الوظيفة على «1» أمور وقعت له- ذكرناها في الحوادث- إلى أن مات في التاريخ المقدم ذكره بعد أن باشر الوظيفة «2» على طريق وزراء السّلف من الملوك في الإنعام والعطايا والبرّ والصدقات والرواتب والإحسان للفقهاء والفقراء، بل وإلى غالب من ورد عليه وتردّد إلى بابه كبيرا كان أو صغيرا، غنيّا كان أو فقيرا، حتى شاع ذكره وبعد صيته، وقصده الناس من الأقطار، وهو مع ذلك لا يكلّ ولا يملّ، بل يجود بما هو في حاصله، وبما عساه يدخل إليه. ولقد حدّثنى غير مرّة أنه لم يستحقّ عليه منذ حياته زكاة عين، قلت: «فلله درّه، لقد استحق قول الشيخ جمال الدين بن نباتة في ممدوحه الملك المؤيّد إسماعيل صاحب حماة حيث قال: [الرجز] لا ظلم يلقى في حماه العالى ... إلا على العداة والأموال ولما حجّ في سنة خمسين وثمانمائة، وحجت في تلك السنة أيضا كريمته خوند زوجة السلطان الملك الظّاهر جقمق، وسافرا معا في الرّكب الأوّل، فظهر للناس من علوّ همّته، وغزير مروءته، وعظيم إحسانه، ما لعلّه يذكر إلى الأبد، ولقد حدثنى بعض أعيان مكة أنه كان إذا وقف على أخبار البرامكة وغيرهم ينكر ذلك بقلبه، حتى رأى ما فعله القاضى كمال الدين هذا من الإحسان إلى أهل مكة وغيرهم، فعند ذلك تحقّق ما قيل في سالف

الأعصار، قلت: «وهو أعظم من رأينا وأدركنا، ولله الحمد والمنّة على إدراكنا لمثل هذا الرّجل الذي مات ولم يخلف بعده مثله- رحمه الله تعالى وعفا عنه. وتوفّى الشيخ الإمام العالم زين الدين طاهر بن محمد بن على النّويرىّ «1» المالكى أحد فقهاء المالكية بالقاهرة، فى يوم الاثنين خامس شهر ربيع الأول، وسنّة نيّف على ستّين سنة تقريبا، وكان إماما عالما فقيها ديّنا صالحا- رحمه الله تعالى. وتوفّى الملك الكامل «2» خليل بن الملك الأشرف أحمد بن الملك العادل سليمان، صاحب حصن كيفا «3» من ديار بكر، قتيلا بيد ولده في شهر ربيع الأول. وتولى ولده المذكور الملك من بعده، ولقّب بالملك النّاصر «4» ، ودام في مملكة الحصن إلى شهر رمضان من السنة المذكورة، فوثب عليه ابن عمه الملك حسن وقتله، وسلطن أخاه أحمد، ولقّبه بلقب أبيه المقتول الملك الكامل. وكان الملك الكامل خليل- صاحب الترجمة- ملك الحصن بعد قتل أبيه الملك الأشرف في سنة ست وثلاثين وثمانمائة، وقد ذكرنا واقعة أبيه الأشرف في ترجمة الملك الأشرف برسباى لما أراد القدوم عليه، وقتل بيد أعوان قرايلك- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين «5» ألطنبغا بن عبد الله الظاهرى المعلم اللفّاف، أحد أمراء الألوف بالدّيار المصرية- بطّالا- فى يوم الاثنين عاشر شهر ربيع الآخر، وكان أصله من صغار مماليك الملك الظاهر برقوق، وطالت أيّامه في الجنديّة إلى أن

عمّر وتسلطن الملك الظاهر جقمق، فقرّبه وأنعم عليه بإقطاع هائل، بعد مسك قلمطاى الإسحاقى «1» ، ثم بعد مدة يسيرة أمّره عشرة، ثم زاده زيادات كثيرة، وولّاه «2» نيابة الإسكندرية، ثم عزله بعد مدّة، وجعله من جملة مقدّمى الألوف بالديار المصرية، فباشر ذلك إلى أن عجز عن الحركة لكبر سنّه واستعفى، فأخرج السلطان إقطاعه لولده المقام الفخرى عثمان زيادة على ما بيده، فلم تطل مدّة ألطنبغا هذا بعد ذلك ومات، وكان عاقلا ديّنا خبيرا عارفا بأنواع الفروسيّة «3» ، رأسا في لعب الرّمح معلّما فيه، ولهذا كان شهرته بالمعلّم- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين برسباى بن عبد الله السّاقى المؤيّدى أحد أمراء العشرات، فى يوم الجمعة سابع عشرين جمادى الأولى، وأنعم السلطان بإمرته على الأمير جانم الظاهرىّ السّاقى «4» ، وكان برسباى رجلا عاقلا ساكنا حشما وقورا «5» - رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير جمال الدين يوسف بن يغمور «6» نائب قلعة صفد بها في أوائل شعبان، وكان مولده بالقاهرة «7» ، وتشتّت بالبلاد إلى أن قدم القاهرة بعد موت الملك المؤيّد

شيخ، وترقّى إلى أن ولى نيابة قلعة صفد، ثم نقل إلى أتابكية صفد، ثم «1» أعيد إلى نيابة قلعتها «2» ثانيا، إلى أن مات، وكان عارفا مدبّرا سيوسا عاقلا- رحمه الله تعالى. وتوفّى الإمام العالم العلّامة زين الدّين عمر ابن الأمير سيف الدين قديد القلمطاوى «3» بمكّة المشرّفة في مجاورته في ثامن «4» عشر شهر رمضان، وسنّة ثمان وستون سنة، وكان إمام عصره في النحو والعربيّة والتّصريف، وله مشاركة كبيرة في فنون كثيرة، وكان يتزيّا بزىّ الأجناد، ويتقلّل في ملبسه، ولا يتعاظم في أحواله، ويركب الحمار مع عراقته في الرّياسة وتبحّره في العلوم، حتى إنه مات ولم يخلف بعده مثله في علم العربيّة والتّصريف. وتوفّى الأمير الطواشى زين الدين خشقدم الرّومى اليشبكى «5» ، مقدم المماليك السّلطانيّة- بطّالا- بداره التي أنشأها بالقرب من قنطرة «6» طقز دمر خارج القاهرة، فى ليلة الأربعاء ثامن عشر شوال، وسنّه نيف على سبعين سنة، وكان أصله من خدّام الوالد «7» ، وقدّمه في سنة تسع وتسعين إلى الملك الظّاهر برقوق في جملة خدّام ومماليك، فأنعم به الظاهر على فارس الحاجب، ثم ملكه بعد فارس الأمير يشبك الشّعبانى الأتابكى وأعتقه، ثم اتّصل بعد موت أستاذه بخدمة السلطان، وصار من جملة الجمداريّة الخاص، ثم نقل إلى نيابة المقدم «8» ، ودام بها سنين إلى أن ولى تقدمة

المماليك السلطانية بعد موت الافتخارى ياقوت الأرغون شاوى، فى سنة ثلاث وثلاثين «1» ، فدام على ذلك الى أن قبض عليه الأتابك جقمق العلائى، وحبسه بثغر الإسكندرية مع من حبس من الأمراء الأشرفية وغيرهم. ثم أطلق، وتوجّه إلى دمياط، فدام بها مدّة، ثم نقل إلى المدينة الشريفة، وبعد مدّة قدم إلى القاهرة فدام بطّالا إلى أن مات. وكان طوالا حشما متعاظما، صاحب سطوة ومهابة وحرمة زائدة، مع طمع كان فيه وشمم، مع عدم فضيلة- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين طوغان «2» السّيفى آقبردى المنقار نائب الكرك قتيلا بيد العريان في هذه السّنة، وهو من الأصاغر الذين أنشأهم الملك الظاهر جقمق في أوائل دولته، ولم أعرفه قبل ذلك ولا أعرف معتقه، بل قيل إنه من مماليك آقبردى المنقار، وقيل نوروز الحافظىّ، والأوّل أقرب. وتوفّى القاضى جمال الدين يوسف بن الصّفىّ الكركىّ المالكى القبطى «3» بطّالا بدمشق في هذه السّنة، عن سنّ عال، بعد أن ولى نظر جيش طرابلس وكتابة سرّ مصر في بعض الأحيان بعد موت علم الدين داود بن الكويز، ثم عزل عنها لعدم أهليّته، وولى عدة وظائف بالبلاد الشّاميّة إلى أن كبر سنّه وعجز عن المباشرة، فتعطّل إلى أن مات، وقد قدّمنا من ذكره نبذة عند ولايته كتابة السّرّ بمصر في ترجمة الملك الأشرف برسباى، فلينظر هناك.

وفرغت هذه السّنة والملك الظاهر جقمق مريض مرضه الذي مات منه بعد خلعه في صفر حسبما تقدّم ذكره، رحمه الله تعالى، وتسلطن ولده الملك المنصور عثمان فى حياته. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم خمسة أذرع وأربعة وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعا واثنا عشر إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 857

[ما وقع من الحوادث سنة 857] ذكر سلطنة الملك المنصور عثمان على مصر السّلطان الملك المنصور أبو السّعادات فخر الدين عثمان ابن السلطان الملك الظاهر سيف الدين أبى سعيد جقمق العلائى الظاهرىّ. وهو الخامس والثلاثون من ملوك مصر الأتراك، والحادى عشر من الچراكسة. تسلطن بعد أن خلع أبوه الملك الظاهر جقمق نفسه عن الملك، وحضر الخليفة القائم بأمر الله حمزة، والقضاة الأربعة، وجميع الأمراء، وأعيان الدولة بقاعة الدّهيشة «1» من قلعة الجبل، وبايعوه بالسلطنة في الثانية من نهار الخميس الحادى والعشرين من محرم سنة سبع وخمسين وثمانمائة، وكانت البيعة له بالسلطنة في الثانية من نهار الخميس بعد طلوع الشمس بخمس وعشرين درجة، ولبس الخلعة على العادة، وركب من الدهيشة وعليه السواد الخليفتى بشعار الملك وأبهة السلطنة على نحو ثلاثين درجة من طلوع الشمس «2» . وسار وبين يديه الأمراء وأعيان المملكة «3» إلى أن نزل بالقصر السلطانى، وحمل الأمير الكبير إينال العلائى الناصرى القبّة والطّير على رأسه، إلى أن جلس على تخت الملك، وقبّل الأمراء الأرض بين يديه، وخلع على الخليفة القائم بأمر الله حمزة، وعلى الأمير الكبير إينال المذكور، على كل منهما أطلسين متمّرا» ، وفرسا بسرج ذهب، وكنبوش «5» زركش، وأنعم على الخليفة بألف دينار، وبإقطاع هائل زيادة على ما بيده.

وتمّ أمره في السلطنة، ولقّب بالملك المنصور، وعمره يومئذ نحو الثمانى عشرة سنة تخمينا. وكان الطالع عند بيعته بالسلطنة سبعا وعشرين درجة من برج الحوت، والغارب برج السّنبلة، والمتوسط برج القوس، والسّاعة ساعة المرّيخ، والقمر بالوجه الثالث من برج العقرب. واستمرّ الملك المنصور بالقصر السلطانى ساعة، ثم عاد إلى منزله بالحوش السلطانى من قلعة الجبل، وهذا بخلاف عادة الملوك، لأن العادة جرت أنّ السّلطان إذا تسلطن يمكث بالقصر ثلاثة أيام بلياليها، وعنده أعيان الأمراء والخاصّكيّة، فأبطل ذلك كلّه الملك المنصور، وعاد من يومه، لكون والده على خطة وهو حاضر الحس، وفعل ذلك مراعاة لخاطره. ثم في يوم السبت ثالث عشرين «1» المحرم جلس الملك المنصور على الدكّة بالحوش السلطانى «2» ، وحضر الأمير دولات باى المحمودى «3» الدّوادار الكبير أمير حاج المحمل إلى بين يديه، وقبّل الأرض، وخلع عليه، ونزل إلى داره «4» . ثم أصبح يوم الأحد طلع المقام الغرسى خليل ابن السلطان الملك الناصر فرج «5» إلى القلعة، وقد حضر أيضا من الحج، وسلّم على الملك المنصور، فأقبل عليه المنصور، وخلع عليه كامليّة صوف بنفسجى بمقلب بفرو سمّور «6» ، ثم خرج من عنده ودخل إلى

الملك الظاهر جقمق، وعاده وسلّم عليه بقاعة الدّهيشة «1» ، وقبل أن ينزل رسم له الملك المنصور بالتوجّه من يومه إلى ثغر دمياط. وكان الملك الظاهر جقمق لما استقدمه من الإسكندرية للحج أطمعه بالسّكنى في القاهرة، فنزل خليل المذكور إلى تربة جدّه الملك الظاهر برقوق بالصحراء، وسافر منها ليلته إلى دمياط. ثم في يوم الاثنين خامس عشرين المحرّم أنعم السّلطان الملك المنصور بإقطاعه الذي كان بيده أيام أبيه على الأمير تنم من عبد الرزّاق أمير مجلس. وأنعم بإقطاع تنم- وهو أيضا تقدمة ألف- على الأمير يونس الأقبائى شاد الشّراب خاناه. وأنعم بإقطاع يونس على الأمير جانبك القرمانى- الظاهرىّ برقوق- ثانى رأس نوبة، والإقطاع إمرة أربعين طبلخاناه. وأنعم بإقطاع جانبك القرمانى على الأمير يشبك الناصرى «2» ، وهو أيضا إمرة أربعين. وأنعم بإقطاع يشبك الناصرى- وهو إمرة عشرة- على الأمير كزل السودونى المعلّم، وكان بطّالا. ثم في يوم الثلاثاء سادس عشرينه حضر الملك المنصور خدمة القصر على العادة قديما، لأن والده الملك الظاهر كان أبطل خدمتى السبت والثلاثاء من القصر.

وخلع على الأمير لاجين الظاهرىّ الزّرد كاش ولالاة «1» الملك المنصور باستقراره شاد الشّراب خاناه عوضا عن يونس المقدّم ذكره. وخلع على جانبك قرا الظاهرىّ- جقمق- أحد أمراء العشرات ورأس نوبة باستقرارة زرد كاشا عوضا عن لاجين المذكور. ثم توجّه الملك المنصور من القصر إلى البحرة بالحوش السلطانى، وطلب به مباشرى الدولة، وحضر الأمير قانى باى الچاركسى الأمير آخور الكبير، والطّواشى فيروز الرّومى النّوروزى الزّمام والخازندار، وكلّمهم في أمر المماليك السلطانيّة، ومن أين تكون النفقة عليهم، لأن الملك الظاهر لم يدع في الخزائن شيئا، وطال جلوسهم عنده إلى قريب الظهر، وانفضّ المجلس بعد كلام طويل، واختلفت الأقوال فيما وقع فيه من الكلام، ومحصول ذلك كله أن السلطان شكا للجماعة قلّة وجود المال بالخزانة السلطانية، وسألهم في المساعدة في أمر النفقة، فدار الكلام بينهم في ذلك، إلى أن التزم كلّ منهم بحمل شىء مساعدة له في نفقة المماليك، وانفضّ المجلس بعد أمور حكيناها فى الحوادث. ثم في يوم الخميس ثامن عشرين المحرّم خلع السلطان على الأمير جانبك الظّاهرىّ بالتكلم على بندر جدّة على عادته في كل سنة، وخلع على عدّة من الخاصّكيّة بالتوجّه إلى البلاد الشامية بالبشارة بسلطنة الملك المنصور عثمان «2» ، وهم: جانم الأشرفىّ السّاقى البهلوان، توجّه إلى نائب الشام الأمير جلبّان. وطوخ النّوروزى رأس نوبة الجمداريّة إلى نائب حلب الأمير قانى باى الحمزاوى. وبرسباى الأشرفى الأمير آخور إلى نائب طرابلس الأمير يشبك النّوروزى.

وقايتباى الأشرفى الأمير آخور إلى نائب حماة الأمير حاج إينال اليشبكى. ودولات باى إلى نائب صفد الأمير بيغوت الأعرج المؤيّدى. وتمر الأشرفى الخاصّكىّ إلى نائب قلعة دمشق وقضاتها وغيرهم. وسودون يكرك «1» إلى نائب غزة جانبك التاجىّ. وخشقدم مملوك قراجا الأشرفى إلى نائب الكرك والقدس. وإينال الظاهرى- جقمق- إلى نائب الإسكندرية برسباى البجاسى. ثم في يوم السبت سلخ المحرم أعاد السلطان الجمع بقاعة البحرة من قلعة الجبل بسبب نفقة المماليك «2» السلطانية، وأعاد على مباشرى الدولة الكلام في أمر النفقة، فكثر الكلام بسبب ذلك، وكان زين الدين الأستادار قد تقرّب إلى الملك المنصور أيام والده، وصار أستاداره واختصّ به، ومهّد أموره معه، فلما تسلطن ظنّ أنه سيكون من أمره في دولته أضعاف ما كان له في دولة والده الملك الظاهر جقمق، وأخذ في هذا الجمع يمتنع من حمل ما قرّر عليه من الذهب برسم نفقة المماليك، وأنه في «3» حمله بوظيفة الاستادارية، وأوسع وصمّم على مقالته، وكان في المجلس الأمير جانبك الظاهرى. نائب جدّة- والناصرى محمد بن أبى الفرج نقيب الجيش- وهو أعدى عدوّ لزين الدين الأستادار- مع من حواه المجلس من الأمراء وأعيان المملكة، وكثر الكلام بسبب امتناع زين الدين من حمل المال، وتغيّر السلطان عليه بسبب ذلك، فأمر يمسكه وعزله، وتولية الأمير جانبك الظاهرى نائب جدّة للأستاداريّة، وأحضر في الحال

خلعة الأستاداريّة وألبسها للأمير جانبك المذكور، ونزل إلى داره وبين يديه وجوه الدّولة، وسرّ الناس قاطبة بعزل زين الدين المذكور عن الأستادارية «1» ، فإنه كان طال واستطال، وظلم وعسف، وأخذ عدّة إقطاعات من أخباز «2» المماليك السلطانية والأمراء؛ استولى عليها بالشّوكة، وأضافها إلى الديوان المفرد «3» ، وحجر على غالب الأشياء، واستولى عليها من معايش الفقراء وأرباب التكسّب، وصار هو يأخذها ثم يبيعها بأضعاف ما أخذها، حتى جمع من هذا المال الخبيث أموالا كثيرة، وعمّر منها الجوامع والمساجد والسّبل، فكان حاله في ذلك كقول القائل: [الطويل] بنى جامعا لله من غير ماله ... فكان بحمد الله غير موفّق كمطعمة الأيتام من كدّ فرجها ... لك الويل، لا تزنى ولا تتصدّقى وقد حرّرنا أحواله من ابتداء أمره إلى يوم عزله في غير هذا المحل- والمقصود هنا الآن أخبار الملك المنصور- ثم رسم الملك المنصور بحبس زين الدين وإلزامه بخمسمائة ألف دينار. ثم أنعم الملك المنصور على الأمير بردبك الظاهرى- جقمق- البجمقدار «4» ، أحد أمراء الخمسات بإمرة عشرة من الديوان السلطانى، وأنعم بإقطاع بردبك على سودون من سلطان الظاهرى البجمقدار حسابا عن إمرة عشرة ضعيفة، وأنعم على جانبك القجماسى الأشرفى المعروف بدوادار سيّدى بإمرة عشرة أيضا من الذخيرة من المتوفر «5» .

وفي عصر هذا النهار سلّم السلطان زين الدين يحيى الأستادار المنفصل إلى الأمير جانبك الظاهرى الأستادار المستقر في الأستادارية، وأمره بمعاقبته «1» ، فنزل به من القلعة على أقبح وجه «2» ، فنعوذ بالله من زوال النّعم، وما ربّك بظلّام للعبيد، وازدحم الناس تحت القلعة لرؤيته، فما منهم إلا شامت أو متهكّم، فتفضّل عليه الأمير جانبك، وتنزّه عن عقوبته، رحمة عليه لا خوفا من عاقبته، وأعاده إلى القلعة في يوم الأربعاء، وقد حرّرنا ذلك كلّه في الحوادث. ثم في يوم الاثنين ثانى صفر خلع السلطان على الأمير فيروز النّوروزىّ الزّمام الخازندار بإعادة الذخيرة «3» إليه. وخلع على الأمير قشتم الناصرىّ باستقراره في نيابة البحيرة على عادته أوّلا على كره منه، وهو أيضا أحد أعداء «4» زين الدين الأستادار، وكان قشتم من محاسن الدهر. وفيه أنعم الملك المنصور على السّيفى قانصوه المحمدى الساقى الأشرفى بإمرة عشرة من الذخيرة أيضا، وقانصوه أيضا من نوادر الدهر ومحاسنه. ومات السلطان الملك الظاهر جقمق في تلك الليلة حسبما ذكرناه في خمس مواطن من مصنفاتنا، لا حاجة في ذكره هنا ثانيا. ثم في يوم الأربعاء ثانى يوم دفن الملك الظاهر جقمق نودى بالقاهرة بالأمان والنّفقة فى المماليك السلطانيّة في آخر صفر.

وفيه نقل زين الدين الأستادار إلى طبقة الخازندار فيروز «1» على حمل ما قرّر عليه. وفيه «2» خلع السلطان على جانبك الأشرفى «3» اليشبكى والى القاهرة، وعلى ير على محتسب القاهرة، وعلى الناصرىّ محمّد بن أبى الفرج نقيب الجيوش المنصورة باستمرارهم «4» . وخلع «5» على الأمير قراجا العمرى الناصرىّ «6» كاشف الشرقيّة بالوجه البحرى، بعد عزل عبد الله عنها، فتزايد سرور الناس بعزل هذا الظالم أيضا. ثم في هذا اليوم عوقب زين الدين الأستادار بالعصىّ والمعاصير، وضرب على سائر أعضائه، وحضر الناصرىّ محمد بن أبى الفرج عقوبته، وكان السلطان ألزمه باستخراج الخمسمائة ألف دينار منه. ثم في يوم الثلاثاء استقرّ الزينى فرج بن النحّال «7» كاتب المماليك في نظر الدولة «8» وخلع السلطان على تنم «9» الخاصّكىّ الظاهرى المعروف برصاص باستقراره في التّكلم على بندر جدّة عوضا عن الأمير جانبك الظاهرى الأستادار بسفارة جانبك. ثم في يوم الخميس ثانى عشر صفر أمسك السلطان الملك المنصور- برأى مماليك أبيه- جماعة من الأمراء المؤيدية، وهم: الأمير دولات باى المحمودىّ المؤيدى

الدّوادار الكبير، والأمير يرشباى «1» الإينالى المؤيدى أحد أمراء الطّبلخانات وأمير آخورثان، والأمير يلباى «2» الإينالى أحد أمراء الطّبلخانات ورأس نوبة؛ وكان القبض على دولات باى بقاعة الدّهيشة، وعلى يرشباى بالإسطبل السلطانى، وعلى يلباى من سوق الخيل، وقيّدوا الجميع إلى بعد أذان الظهر، فأنزلوا بالقيود على البغال إلى النّيل، وحملوا إلى الإسكندرية، فسجنوا بها، وكان مسفّر دولات باى الأمير جانبك قرا الذي استقرّ زردكاشا، وقد تولّى نيابة الإسكندرية في الباطن عوضا عن برسباى البجاسى، وحمل إليه التقليد بعد يومين «3» ، فاتّضع بمسك هؤلاء قدر المؤيدية، وارتفع أمر الأشرفية. ثم في يوم الاثنين سادس عشر صفر أنعم السلطان على الأمير قرقماس الأشرفى الجلب، أحد أمراء الطّبلخانات وقريب الأشرف برسباى بإمرة مائة وتقدمة ألف بالدّيار المصرية، عوضا عن دولات باى المحمودى بحكم حبسه، وأنعم بإمرة قرقماس المذكور على الأمير جانبك النّوروزى، المعروف بنائب بعلبك والقادم من مكة قبل تاريخه «4» . وفيه استقرّ الأمير تمربغا الظّاهرىّ الدّوادار الثانى وأحد أمراء العشرات دوادارا كبيرا، عوضا عن دولات باى، وأنعم عليه بإمرة أربعين، وهو إقطاع يرشباى الإينالى، وأنعم بإقطاعه على يشبك الظاهرى بعد أيام. وفيه أيضا استقرّ الأمير أسنباى الجمالى الظاهرى أحد أمراء العشرات دوادارا ثانيا،

عوضا عن تمربغا على إقطاعه إمرة عشرة من غير زيادة، واستقرّ «1» الأمير سنقر العائق الأمير آخور الثالث أمير آخور ثانيا عوضا عن يرشباى «2» ، واستقرّ الأمير يردبك البجمقدار أمير آخور ثالثا، عوضا عن سنقر المذكور، واستقرّ الأمير جانبك اليشبكى والى القاهرة زردكاشا عوضا عن جانبك قرا المتوجّه إلى نيابة الإسكندرية، مضافا إلى ما بيده من الولاية والحجوبيّة وشدّ الدواوين، فعظم ما وقع في هذا اليوم من الولاية والتغايير على أعيان الأمراء، ونفرت القلوب من الظاهريّة في الباطن بسبب تولية تمربغا الدوادارية الكبرى، وكان الأمير أسنبغا الطّيّارى رأس نوبة النّوب رشّح لولايتها، وأن يكون الأمير جرباش المحمدى كرد رأس نوبة النّوب عوضه. وبات الناس على ذلك، فأصبح وقع ما حكيناه، ومن يومئذ وقع الكلام في الدّولة ووجد من له غرض في إثارة الفتنة مدخلا يدخل منه، وترقّب الناس وقوع الفتنة، غير أن الناس في سكون، والبواطن مشغولة إلى ما سيأتى ذكره. ثم في يوم الثلاثاء سابع عشره أنعم السلطان على الأمير سونجبغا اليونسى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة بإقطاع «3» الأمير يلباى الإينالى بحكم حبسه بالإسكندرية وأنعم «4» بإقطاع سونجبغا المذكور وإقطاع جانبك النّوروزى نائب بعلبك على قانى بك السّيفى يشبك بن أزدمر أحد الدوادارية، وعلى قوزى الظاهرى الساقى، واستقرّ سنطباى الظاهرى ساقيا عوضا عن قوزى، وخير بك الأشرفى صاحب تمراز المصارع دوادارا عوضا عن قانى بك. وفيه أيضا عوقب زين الدين أشدّ عقوبة بحضرة الأمير جانبك الظاهرى الأستادار وغيره، وهو لا يظهر ماله من الذخائر غير ما أخذ له، وهو دون المائة ألف دينار، ذكرنا تفصيلها في غير هذا المحل.

وفي هذه الأيام أشيع بوقوع فتنة، ووثوب المماليك السلطانية بسبب النفقة عليهم. وفيه استعفى الأمير الوزير تغرى بردى القلاوى «1» الظاهرى من الوزر، فأعفى على أنّه يقوم بالكلف السلطانية في يومه ومن الغد. ثم في يوم الأربعاء ثامن عشر صفر عقد مجلس بين يدى السلطان بالقضاة الأربعة بسبب أملاك زين الدين الأستادار الموقوفة عليه وعلى جوامعه ومساجده، ووقع بسبب ذلك أمور آل الأمر إلى بيعها. ثم في يوم الخميس تاسع عشره خلع السلطان على الصاحب أمين الدين بن الهيصم «2» باستقراره وزيرا على عادته، قلت: إذا أعطى القوس لراميه «3» . ثم في يوم السبت حادى عشرينه عمل السلطان الخدمة بالحوش السلطانى بسبب قصّاد ملك الحبشة، وكان أشاع أهل الفتن في أمسه أن السلطان يريد يعمل الخدمة بالحوش ليقبض على جماعة كبيرة من الأعيان، فانفضّ الموكب، ولم يقع شىء من ذلك. ثم في يوم الاثنين ثالث عشرين صفر المذكور رسم السلطان للأمير جرباش الكريمى الظاهرى- برقوق- أمير سلاح بلزوم بيته بحكم كبر سنّه وعجزه عن الحركة، وكان جرباش من القبائح، وأنعم السلطان بإقطاعه على الأمير قراجا الظاهرى- جقمق- الخازندار، وصار من جملة أمراء الألوف، وقراجا المذكور من خيار أبناء جنسه دينا وعفّة وكرما، وأنعم بإقطاع قراجا ووظيفته على الأمير أزبك من

ططخ الظاهرى- جقمق- الساقى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، وأنعم بإقطاع أزبك على الأمير بتخاص العثمانى الظاهرى برقوق، وكان بطّالا. وفيه أيضا استقر الأمير تنم من عبد الرّزاق المؤيدى أمير مجلس أمير سلاح عوضا عن جرباش الكريمى قاشق «1» بحكم لزومه داره. وفيه خلع السلطان على الأمير تمربغا الظاهرى «2» الدّوادار الكبير خلعة الأنظار المتعلقة بالدّواداريّة، ونزل بخلعته في موكب جليل، ولسان حاله ينشد:-[البسيط] من راقب الناس مات غمّا ... وفاز باللذّة الجسور ثم في يوم الثلاثاء رابع عشرينه خلع السلطان على الأمير تنبك البردبكى الظاهرى المعزول عن حجوبيّة الحجّاب «3» قبل تاريخه، باستقراره أمير مجلس عوضا عن تنم المنتقل إلى إمرة سلاح، ومن الغريب أنه لما ولى إمرة مجلس، وطلع إلى القلعة بعد ذلك، وجلس في الموكب، قعد قانى باى الچاركسى الأمير آخور الكبير فوقه، وهذا شىء لم يعهد من أن أمير آخور يجلس فوق أمير مجلس، فعدّ ذلك من جنون قانى باى وقلّة أدبه، إذ [أن] «4» تنبك المذكور في مقام أستاذه، لأنه خچداش چاركس،

وأيضا أنه كان في الدّولة الأشرفيّة أمير مائة ومقدّم ألف، وقانى باى جندى بحياصة، فما ثمّ وجه من الوجوه لجلوسه فوقه. وفيه أيضا عزل السلطان جماعة كبيرة من الخاصّكيّة البوّابين من المؤيّديّة، وولّى عوضهم جماعة من حواشيه، فزاد ما بالمؤيّديّة، وأخذوا في عمل الرّكوب فلم يكن لهم طاقة لذلك لقلّتهم؛ فلم يجدوا بدّا من مصالحة الأشرفية ليكونوا معا، فسعوا في ذلك في الباطن إلى ما يأتى ذكره. ثم في يوم الأربعاء خامس عشرينه وصل إلى القاهرة مملوك الأمير قانى باى الحمزاوى نائب حلب، ومملوك نائب قلعتها، وحاجبها، وقبّلوا الأرض، وأخبر مملوك نائب حلب عن مخدومه أنه قبّل الأرض، وسرّ بسلطنة الملك المنصور إلى الغاية، فرحّب السلطان بهم وخلع عليهم. ثم في يوم الخميس سادس عشرين صفر قرى تقليد السلطان الملك المنصور بالسلطنة بالقصر الكبير السلطانى من قلعة الجبل، فجلس السلطان على كرسى الملك، وجلس الخليفة القائم بأمر الله حمزة على الأرض على يمينه، فعظم ذلك على الخليفة، ولم يبده إلا بعد ركوب الأتابك إينال، وحضر القضاة الأربعة «1» وتولّى قراءة التقليد القاضى محبّ الدين بن الأشقر كاتب السّرّ، وبعد فراغ القراءة خلع السلطان الملك المنصور على الخليفة «2» وعلى كاتب السّر، وخلع على القضاة الأربعة «3» . ثم في يوم السبت ثامن عشرين صفر خلع السلطان على قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى «4» الشافعى بإعادته إلى قضاء القضاة، بعد عزل شرف الدين يحيى المناوى «5»

وفيه استقرّ السيفى يشبك القرمى الظاهرى والى القاهرة بحكم عزل جانبك اليشبكى، بحكم انتقاله إلى الزرد كاشية، حسبما تقدّم ذكره. هذا وقد أخذت المؤيّدية في استمالة الأشرفيّة من يوم قبض الملك المنصور على خچداشيتهم «1» دولات باى ورفقته (2) ، ولا زالوا بهم حتى وافقوهم لحزازة كانت في نفوس الأشرفيّة أيضا من الملك الظاهر جقمق قديما، وقد تجدّد مع ذلك أيضا قول بعض أمراء الظاهرية للأشرفيّة في أخذ ابن أستاذهم الشّهابى أحمد ابن الملك الأشرف برسباى من عند عمّه زوج أمّه الأمير قرقماس الأشرفى، وإرساله إلى ثغر الإسكندرية ليقيم بها عند أخيه الملك العزيز يوسف، فعظم ذلك على أم الشّهابى أحمد، وعلى زوجها الأمير قرقماس، فكان ذلك من أكبر الأسباب لموافقة الأشرفيّة للمؤيّدية، ثم ساعدهم أيضا من له غرض في تغيير الدّول، لا رغبة في أحد بعينه بل حتى يناله ما قد أمّل، وقد صار ذلك عادة عند موت كلّ سلطان من عهد الملك المؤيد شيخ إلى يومنا هذا، بل إلى يوم القيامة؛ لعدم أهلية الملوك، ولغفلتهم عن هذا المعنى في أيام عزّهم، وأعجب من هذا أنّ أحدهم لا يزال في غفلة عن ذلك حتى يشرف على الموت، فيعهد «2» لولده بالسلطنة مع معرفته وتحقّقه بما يفعلونه مع ولده من بعده، كما فعل بأمثاله، وقد قيل في المثل: «إذا أردت أن تنظر الدنيا بعدك انظرها بعد غيرك» ؛ فلما انتظم الصلح بين الطائفتين سرّا تحالفوا واتفقوا على الركوب في يوم بعينه. كلّ ذلك والمنصور ومماليك أبيه وحواشيه في غفلة عن ذلك، وأكبر همّهم في تفرقه الإقطاعات والوظائف، وفي ظنّهم أن دولتهم تدوم، وأن الملك قد صار بيدهم، هذا مع عدم التفاتهم لتقريب العقلاء، ومشاورة ذوى التدبير وأرباب التجارب ممن مارس تغيير الدّول والحروب والوقائع، وصار أحدهم إذا لوّح له بعض أصحابه بشىء مما

يدلّ على ذلك يستخفّ عقله ويهزأ به، حتى لقد بلغنى من بعض أصحابنا الثقات أنه قال للأمير تمربغا مشافهة. «بلغنى أن الأشرفيّة في عزم الرّكوب على السلطان» فضحك تمربغا وقال: «هم نقطوا بعقلهم» ؛ ازدراء بأمرهم واستخفافا بشأنهم، وليس هذا من شأن من قد صار أمور المملكة بيده في سائر أحوالها، وإنما شأن الذي يكون في هذه الرتبة أن يفحص دائما عن أخبار أصدقائه وأعدائه، ولا يكذّب مخبرا ولا ينهر منذرا، بل يسمع كلام كلّ ناصح نصحه، فيأخذ ما صلح بباله، ويترك ما لم يعجبه، من غير أن يفهم عنه لأحد من نصحائه عدم قبول كلامه، بل يشكره على ذلك ويثنى عليه، ويحرّضه على ما هو فيه، ويصغى لكلام كلّ قائل حتى يفهمه، ثم يفعل ما بدا له، هذا مع الاحتراز والتحرّى في أموره، واستجلاب الخواطر، وتأليف القلوب له ولسلطانه، ما دامت الدولة مضطربة كما هى عادة أوائل الدّول، فيصير بذلك فى غالب أموره على يقظة، فإن كان خيرا فيحمد الله على التوفيق، وإن كان شرّا فيتأهب لذلك قبل وقوعه، ثم بلقاه بعد استحكام واستعداد بقوة جنان، وبذل النفوس والأموال، وهيهات بعد ذلك إن تم الأمر أو لم يتم، فإن كان النصر فهو من عند الله، وإن كانت الأخرى فيكون لما سبق في الأزل، فيزول ملكه، وهو معذور مشكور، لاندمان مقهور، فأين هذا مما كان فيه هؤلاء القوم، وقد صار الناس عند الأمير الكبير إينال، ولبسوا السلاح، وأجمعوا على قتالهم، وهم إلى الآن في تكذيب الأخبار واستبعاد ما سيكون، فمن أساء لا يستوحش، والمفرّط أولى بالخسارة، وعدم التدبير هو أصل التدمير، وهو كما قيل:-[السريع] ما يفعل الأعداء في جاهل ... ما يفعل الجاهل في نفسه وبات الملك المنصور وأمراؤه في ليلة الاثنين مستهل شهر ربيع الأوّل على تفرقة النفقة على المماليك السلطانية في غده، وقد انبرم أمر القوم، وتجهزوا لما عساه يكون.

ذكر (ابتداء الوقعة بين السلطان الملك المنصور عثمان وبين الأتابك إينال العلائى)

ذكر ( «1» ابتداء الوقعة بين السلطان الملك المنصور عثمان وبين الأتابك إينال العلائى «2» ) وأهلّ شهر ربيع الأول يوم الاثنين، وفيه كان ابتداء الوقعة بين السلطان الملك المنصور عثمان وبين الأتابك إينال العلائى حسبما نذكره هنا على سبيل الاختصار، وقد حرّرنا ذلك في تاريخنا «حوادث الدهور» باستيعاب. فلما كان وقت السّحر من يوم الاثنين مستهل شهر ربيع الأوّل من سنة سبع وخمسين وثمانمائة ركب جماعة كبيرة من أعيان «3» المماليك الأشرفية، ورافقهم جمع كبير من المؤيّديّة والسّيفيّة وغيرهم من غير لبس سلاح، ووقفوا بالرّميلة «4» من تحت القلعة لمنع الأمراء من طلوع الخدمة، وكان بالصّدف بات تلك الليلة جميع الأمراء فى بيوتهم، لكون السلطان كان في أمسه لم يتوجّه إلى القصر، وأمر بعمل الخدمة من الغد بالحوش السّلطانىّ، ليبدأ بنفقة المماليك «5» فى اليوم المذكور، فلم يكن إلّا ساعة يسيرة من وقوفهم، وقدم الأمراء جميعا إلى الرّميلة «6» يريدون طلوع القلعة، فتكاثرت المماليك عليهم واحتاطوا بهم، وأخذوهم غصبا بأجمعهم «7» ، وعادوا بهم إلى بيت الأمير الكبير إينال العلائى، وهو من جملتهم، وكان سكنه بالدّار التي على بركة الفيل الملاصقة لقصر بكتمر السّاقى تجاه الكبش، وأخذوا من جملة الأمراء الأمير قراجا الخازندار الظاهرىّ، وقد صار من جملة أمراء مقدمى الألوف، وهو أحد أركان

مملكة الملك المنصور عثمان، وأخذوا معه أيضا من الظّاهريّة الوزير تغرى بردى القلاوى الظاهرىّ، وبردبك البجمقدار «1» الأمير آخور الثالث. وفات المماليك من أعيان الأمراء الأمير تنم من عبد الرزّاق أمير سلاح، فإنه قد أحسّ بالأمر في أمسه، فلم يحسن بباله إلّا موافقة السّلطان، لأمر يريده الله عزّ وجلّ، فركب سحرا، وقصد القلعة، ووافاه الأمير تمربغا الظاهرى الدوّادار الكبير في طريقه، فطلعا معا إلى الملك المنصور، واجتمع المماليك ومعهم الأمراء في بيت الأمير الكبير وقد كثر جمعهم، وتزايد عددهم وهم بغير سلاح، وصار جميع الأمراء معهم فى صفة التّرسيم «2» ، ولم يبق عند الملك المنصور من أعيان الأمراء غير الأمير تنم أمير سلاح، والأمير قانى باى الچاركسىّ الأمير آخور الكبير، والأمير تمر بغا الدوّادار الكبير «3» الظاهرى، والأمير جانبك الأستادار؛ وكان أيضا من أمراء الظاهرية بالقلعة برد بك البجمقدار «4» فهؤلاء مقدمو الألوف، وإن كان تمر بغا إقطاعه طبلخاناة، فمنزلته تقدمة، «5» وكذلك جانبك الظاهرى «6» . وكان عند الملك المنصور من الأمراء غير مماليك أبيه جماعة منهم يونس العلائى الناصرى نائب قلعة الجبل، وكزل السّودونى المعلّم، ومغلباى الشهابى أحد أمراء العشرات، وقطّى الدّوكارى نائب البحيرة، وعبد الله كاشف الشّرقية، ومن مماليك أبيه الأمير لاجين شادّ الشراب خاناه، وأسنباى الجمالى الدّوادار الثانى، وأزبك من ططخ «7» الخازندار الكبير، وهو صهر الملك المنصور وزوج أخته، وسنقر العائق الأمير

آخور الثانى، وسنقر أستادار الصّحبة، وجماعة أخر تأمّروا في الدولة المنصورية لا يعتدّ بهم؛ كونهم إلى الآن صفة الخاصّكيّة، فهؤلاء [هم «1» ] الأمراء. وأما من كان عنده من مماليك أبيه الخاصّكيّة والجمداريّة وغيرهم فكثير جدا، على أنه كان بالقلعة جماعة كثيرة غير الظاهرية [الجقمقية] «2» من الظاهرية [البرقوقية] «3» والناصرية والمؤيدية والأشرفيّة والسّيفيّة. وأما من كان مع المماليك من أعيان الأمراء ببيت الأمير الكبير من المقدمين، الأمير الكبير إينال، وتنبك أمير مجلس، وأسنبغا الطيّارى رأس نوبة النّوب، وخشقدم المؤيدى حاجب الحجاب، وطوخ من تمراز الناصرى، وجرباش المحمدى الناصرى كرد، ويونس الاقبائى، وقرقماس الأشرفى الجلب، وأما من أمراء الطبلخانات والعشرات فكثير ذكرناهم في غير هذا المحل، يطول الشرح في ذكرهم. ولما اجتمع القوم في بيت الأمير الكبير، وعظم جمعهم، أتاهم الأمراء والخاصّكيّة والأعيان من كل فجّ، حتى بقوا في جمع موفور، فأعلنوا عند ذلك بالخروج عن طاعة الملك المنصور، والدّخول في طاعة الأمير الكبير إينال، والأمير الكبير يمتنع من ذلك بلسانه، فلم يلتفتوا لتمنّعه، وأخذوا في لبس السلاح، فلبسوا في الحال عن آخرهم، وطلبوا الخليفة القائم بأمر الله حمزة، فحضر قبل تمام لبسهم السلاح، واحتفظوا بالأمير قراجا الظاهرىّ، وتغرى بردى القلاوى، وبردبك البجمقدار «4» ، كونهم ظاهرية جقمقيّة. ولما حضر الخليفة أظهر الميل الكلىّ للأتابك إينال، وأظهر كوامن كانت عنده من الملك المنصور وحواشيه، منها: أنّ المنصور جلس يوم قرئ تقليده على الكرسىّ وجلس الخليفة مع القضاة أسفل، وأشياء من هذا، وقام مع الأمراء في خلع

المنصور أتمّ قيام، كلّ ذلك والمماليك في احتراز عظيم على جماعة من الأمراء؛ خوفا من فرارهم إلى الملك المنصور حتى على الأمير الكبير. ولما تكامل لبس المماليك والأمراء السلاح طلبوا من الأمير الكبير الرّكوب معهم والتوجّه إلى بيت قوصون تجاه باب السلسلة، فامتنع تمنّعا ليس بذاك، ثم أجابهم في الحال، وركب هو والأمراء وحولهم العساكر محدقة بهم إلى أن أوصلوهم إلى بيت قوصون المذكور، ودخلوه من باب سرّه الذي بالشارع الأعظم، ونزل الأمير الكبير بمن معه من الأمراء بالمقعد من الحوش، وجلس الخليفة بالقصر الفوقانى بالبيت المذكور، ورسم على قراجا وتغرى بردى القلاوى وبردبك بالقصر أيضا، كل ذلك والقوم في غير ثقة من الأمير الكبير وغيره من الأمراء، حتى كلّم الأمير الكبير بعض أصحابه العقلاء بكلام معناه قول القائل: [البسيط] إذا وترت امرءا فاحذر عداوته ... من يزرع الشوك لا يحصد به عنبا إن العدوّ وإن أبدى مسالمة ... إذا رأى منك يوما فرصة وثبا وأظن القائل له الأمير أر نبغا الناصرى أحد أمراء الطبلخانات، فإنه كان أمثل القوم وأقواهم بأسا وأفرطهم شجاعة. وأما الملك المنصور لما بلغه ما وقع من القوم في بيت الأمير الكبير تحقق من عنده من الأمراء والأعيان ركوب الأمير الكبير وخروجه عن الطاعة، فأمروا في الحال يشبك القرمى والى القاهرة أن ينادى بطلوع المماليك السلطانيّة لأخذ النفقة، وأن النفقة لكل واحد مائة دينار، فنزل يشبك من القلعة والمنادى بين يديه ينادى بذلك، إلى أن وصل إلى الرّميلة «1» تجاه باب السلسلة، فأخذته الدّبابيس من المماليك، فتمزقوا، وذهب القرمى إلى حال سبيله، ثم أمر الملك المنصور لأمرائه وحواشيه بلبس السلاح، فلبسوا بأجمعهم، ولبس هو أيضا، كل ذلك وآراؤهم مفلوكة، وكلّمهم غير منضبطة «2» ،

وصرت أنا أنظر إليهم من أسفل القلعة، فلم أجد عندهم انزعاجا ولا هرجا مع جمودة «1» حركاتهم، ولم ينزل من القلعة أحد لحفظ المدرسة الحسنيّة «2» مع معرفتهم أنها مسلّطة على القلعة غاية التسليط، هذا مع كثرتهم وقوّة بأسهم بالقلعة والسلاح والرجال، وعندهم السلطان وشوكته إلى الآن منقامة «3» - فما شاء الله كان. وأما الأمير الكبير فإنه حال ما استقرّ به الجلوس ندب دواداره وصهره بردبك، ومعه الأمير سونجبغا اليونسى رأس نوبة، ونوكار الناصرى أحد أمراء العشرات وثانى حاجب إلى القلعة رسالة إلى الملك المنصور يطلب منه إخماد الفتنة بإرسال جماعة من أمرائه، وهم: تمربغا الدّوادار الكبير، ولاجين شادّ الشّراب خاناه، وأسنباى الدوادار الثانى، فطلعوا إلى الملك المنصور وكلّموه في ذلك، وعادوا إلى الأمير الكبير بأجوبة طويلة مضمونها أنه امتنع من تسليمهم، فأرسلهم الأمير الكبير ثانيا، وصحبتهم بردبك دواداره وصهره، فتوجهوا إلى القلعة، وطلعوا إلى المنصور ثانى مرّة، وطلبوا منه ما ذكرناه، فامتنع، وعوّق عنده سونجبغا ونوكار، وأرسل بردبك بالجواب. وابتدأ القوم في القتال من يوم الاثنين المذكور، واشتدّ الحرب، وجرح من الطائفتين جماعة، ثم خرج جماعة من أصحاب الأمير الكبير، لأخذ مدرسة السلطان حسن فامتنع من بها من فتح أبوابها، فنقبوا حائطا من جوارها مما يلى حدرة البقر «4» ، ودخلوا منه إلى المدرسة المذكورة، وعمّروا سلالم سطحها، وطلعوا منه إلى مآذنها، ورموا منها بالمدافع على قلعة الجبل، وقوى أمر أصحاب الأمير الكبير بأخذ المدرسة المذكورة إلى الغاية، غير أن الأمير الكبير إلى الآن يقدّم رجلا ويؤخّر أخرى في الخلاف على

المنصور، ويحسب العواقب، وصار يظهر أنه مكره على ذلك، فلم يقبل المنصور منه ما أظهره، وتحقّق كل أحد ما القصد بالركوب. ثم نزل الملك المنصور من القصر السلطانى بأمرائه وعسكره إلى الإسطبل السلطانى، وجلس بالمقعد المطل على الرّميلة «1» ، ونزل من عساكره جماعة مشاة من باب السلسلة إلى الرّميلة «2» ؛ لقلة وجود الخيل بالقلعة، فإنه كان أيام الربيع والخيول غالبها مربوطة على القرط بالبرّ الغربى من الجيزة، حتى إنه كان جميع ما بالقلعة من الخيول أقل من مائة فرس، ومنعوا من إحضار خيولهم التي بالربيع، وعزّ توصلهم إليها، وقاتلوا القوم وهم مشاة غير مرّة. وصار أمر الأمير الكبير في نمو بمن يأتيه من المماليك السلطانيّة، وجميعهم فرسان غير مشاة، فإنه صار كل واحد منهم يرسل غلامه فيأتيه بفرسه من مربطه بالربيع بخلاف القلعيين، فإنهم ممنوعون من ذلك؛ من حجر أصحاب الأمير الكبير عليهم لهذا السبب وغيره. ولما رأى الملك المنصور أمر الأمير الكبير في زيادة أراد النزول إليه بعساكره في الحال من أوّل وهلة، فمنعه قانى باى الچاركسى من ذلك بسوء تدبيره لأمر سبق، وكان في نزوله غاية المصلحة من وجوه عديدة. ومضى نهار الاثنين بعد قتال كبير وقع فيه، وبات الفريقان في ليلة الثلاثاء على أهبة القتال، وأصبحا يوم الثلاثاء على ما هم عليه من القتال والرمى بالمدافع والنفوط والسهام من الجهتين، والجراحات فاشية في الفريقين، إلا أن فيمن هو أسفل أكثر، غير أنه لا يؤثّر فيهم لكثرتهم، ولم يكن وقت الزّوال حتى كثر عسكر الأمير الكبير إينال بمن يأتيه أرسالا من المماليك السلطانية، واستفحل أمره، لا سيما لما نزل الأمير جانبك الظاهرى أستادار العالية إليه داخلا في طاعته، ومعه خجداشه الأمير بردبك

البجمقدار، أحد أمراء العشرات، ورأس نوبة، وسرّ الأمير الكبير بنزوله إلى الغاية، وكان لنزول جانبك المذكور من القلعة أسباب خفيّة «1» . ثم في هذا اليوم لهج الخليفة أمير المؤمنين القائم بأمر الله حمزة بخلع الملك المنصور عثمان من الملك غير مرّة في الملأ، فقوى بذلك قلب «2» أصحاب الأمير الكبير وجدّوا في القتال، وتفرّقوا على جهات القلعة، وجدّوا في حصارها، ومنعوا من يطلع إليها بالميرة وغيرها، وخفّ التّرسيم عن جماعة من الأمراء من أصحاب الأمير الكبير ممّن كانت المماليك تخاف من ذهابهم إلى الملك المنصور، وكانوا قبل ذلك يحتفظون بهم بطريق التحشم، وهو أن الأمير منهم كان إذا ركب للقتال أو غيره دار حوله جماعة من المماليك الأشرفيّة وغيرهم وساروا معه حيث سار كأنهم في خدمته حتى يعود إلى مكانه، فمن آخر يوم الثلاثاء هذا ومن صبيحة يوم الأربعاء تركوا ذلك لعلمهم أن جميع الأمراء والعساكر صاروا في طاعة الأمير الكبير، وشرع الجميع في القتال بمماليكهم وحواشيهم، وفي عمل التدبير في أخذ الملك المنصور وخلعه من السلطنة، وباتوا تلك الليلة على ما هم عليه. وأصبحوا يوم الأربعاء ثالث شهر ربيع الأوّل والقتال عمّال، وأصحاب الملك المنصور تنسّل منه إلى الأمير الكبير واحدا بعد واحد، ومن بقى منهم عند الملك المنصور لا يلتفت إلى من ذهب، بل هو على ما هو عليه من القتال لكثرة عددهم، وللقيام بنصرة ابن أستاذهم، فكان في يوم الأربعاء هذا وقعات بين الطائفتين بالمناوشات لا بالمقابلة وباتوا على ذلك. فلما كان يوم الخميس رابع شهر ربيع الأوّل أرسل الملك المنصور إلى الأمير الكبير بالأمير سونجبغا، والأمير نوكار، والزينى عبد الرحمن بن الكويز، وشهاب الدين

الإمام الإخميمى، ومعهم منديل الأمان للأمير الكبير ومن معه من الأمراء ليطلعوا إلى طاعة السلطان، وترددوا بين الملك المنصور والأتابك إينال غير مرّة في عمل الصلح، وكثر الكلام بينهم إلى أن انفضّ المجلس على غير طائل، ولم ينبرم صلح، ومنع الأمير الكبير سونجبغا ونوكار من الطلوع إلى القلعة، وعاد الإخميمى بالجواب إلى السلطان، وفي الحال عاد القتال على ما كان عليه، فإنه كان بطل الرّمى من القلعة ومن المدرسة لعمل الصلح، فلما انفضّ الأمر على غير صلح عاد كلّ أحد من الطائفتين إلى ما كان بصدده. وأعلن الخليفة في هذا اليوم أيضا بين الملأ بخلع الملك المنصور من السلطنة، وسلطنة الأتابك إينال، والأتابك إينال يمتنع من ذلك في ذلك الوقت حتى ينظر ما يكون من أمر الملك المنصور ومحاصرته «1» . ثم تكلّم الخليفة في اليوم أيضا بين الناس بأعلى كلامه: «قد خلعت الملك المنصور من الملك» ، هذا وقد ضعف أمر الملك المنصور واستفحل أمر الأتابك إينال، غير أن الرّمى من القلعة بالمدافع وغيرها مستمرّ، وهلك من ذلك جماعة كبيرة من عساكر الأمير الكبير ومن الأجناد والعامة والمتفرجين. وأصبح يوم الجمعة خامسه حضر المقرّ الجمالى ناظر الجيش والخاص وعظيم الدّولة عند الأمير الكبير، فقام له الأمير الكبير واعتنقه وأجلسه بإزائه فوق الأمير خشقدم حاجب الحجاب، فعند قدومه تحقّق كل أحد بزوال دولة المنصور وإقبال دولة الأتابك إينال، وتكلّم المقرّ الصحابى مع الأتابك كلاما كثيرا لا يشاركهما في ذلك أحد إلا في النادر، ثم رسم الأمير الكبير بطلب القاضى محب الدين بن الأشقر كاتب السّرّ والقضاة الأربعة، فحضروا في الحال وقد نزل الخليفة من القصر أيضا، وجلس عند الأمير

الكبير هو والقضاة وشاهدوا المدافع التي ترمى عليهم من القلعة، وكان أهل القلعة في يومى الأربعاء والخميس قد أمعنوا في الرمى «1» من القلعة على «2» الأمير الكبير وأصحابه حتى كان المدفع يصل إلى باب سرّ بيت قوصون الذي فيه الأمير الكبير، وربما عدّى الباب ووقع بالشارع على المارّ إلى صليبة ابن طولون، ولما حضرت القضاة عند الأمير الكبير تكلّموا مع الخليفة في خلع الملك المنصور عثمان بكلام طويل، ثم طلبوا بدر الدين ابن المصرى «3» الموقّع فأملاه قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى الشافعى ألفاظا كتبها تتضمن القدح في الملك المنصور وخلعه من السلطنة، وكان ذلك في أوائل الساعة الثالثة من نهار الجمعة. وخلع الملك المنصور في اليوم المذكور من الملك وحكم القضاة بذلك. فكانت مدة سلطنة الملك المنصور من يوم تسلطن بعد خلع أبيه الملك الظاهر جقمق في يوم الخميس حادى عشرين المحرم من سنة سبع وخمسين هذه إلى يوم الجمعة هذا شهرا واحدا وثلاثة عشر يوما، ولا نعرف أن سلطانا أقام هذه المدّة اليسيرة في ملك مصر في الدّولة التركية غيره، هذا مع كثرة عساكره ومماليك أبيه وحاشيته، وما أرى هذا إلا نوعا من المجازاة- انتهى. ولما فرغ بدر الدين المصرى من كتابة الورقة أمره قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى أن يقرأ ما في الورقة على من حضر المجلس من الأمراء وغيرهم، وقرئت عليهم إلى آخرها، ثم سأل قاضى القضاة من حضر المجلس عن سلطنة الأمير الكبير إينال عليهم، فصاحوا بأجمعهم: «نحن راضون بالأمير الكبير» ، وكرّر القاضى عليهم القول غير مرّة، وهم يردون الجواب كمقالتهم أوّلا، وفرحوا بذلك، وسرّوا غاية السرور، وانفضّ المجلس على خلع الملك المنصور وسلطنة الأتابك إينال، غير أنه لم يلبس خلعة

السلطنة، ولا ركب بشعار الملك؛ ترك ذلك لوقته، وصار الناس في خطابه من يومئذ على أقسام وألفاظ مختلفة، فمن الناس من صار يقول له: «يا خوند» ومنهم من يقول: «أغاه» ، ومنهم من يقول: «الأمير الكبير» ، ومنهم من يقول: «السلطان» كلّ ذلك وهو على حالة جلوسه كأوّل يوم دخل إلى بيت قوصون المذكور، أعنى من أوّل يوم الوقعة ولم يتغيّر عليه شىء مما كان عليه، ولم يركب من المقعد المذكور من يوم قدم بيت قوصون غير مرة واحدة في يوم الثلاثاء، وعاد من وسط الحوش قبل أن يصل إلى باب البيت النافذ إلى الرّميلة «1» ، ردّه أصحابه إجلالا لقدره، وإنما كان يجلس هو بالمقعد، والأمراء عن يمينه ويساره جلوسا ووقوفا بين يديه، والمماليك والعساكر تخرج من بين يديه للقتال طائفة بعد أخرى باجتهاد وعمل جد في مدة هذه الأيام من غير أن يستحثهم أحد لذلك، وهذا شىء عظيم إلى الغاية. [الخفيف] وإذا سخّر الإله أناسا ... لسعيد فإنهم سعداء وكنت أنظر في تلك الأيام إلى وجه الأمير الكبير لأتحقّق هل هو مسرور أم محزون، فلا أعرف هذا منه لثباته في سائر أحواله، وسكونه وعقله، فإنه كان ينفذ الأمور على أحسن وجه من غير اضطراب ولا هرج، بتأنّ وتؤدة، وكلما وقع من أصحابه ما يخالف ذلك يأخذ في تسكينهم وثباتهم على القتال من غير عجلة، ثم يقول لهم: «القلاع ما تؤخذ إلا بالصّبر والثبات والتأنى» . ثم إن الأمير الكبير أمر في اليوم المذكور بعمل منبر ليخطب عليه قاضى القضاة بالبيت المذكور لصلاة الجمعة، فصنع ذلك في الحال، وتهيأ القوم لصلاة الجمعة، فلما دخل وقت الصلاة خطب قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى وصلّى بالأمير الكبير والخليفة وجميع العساكر بمقعد البيت المذكور، ثم انصرف القضاة بعد الصلاة إلى منازلهم.

هذا والقتال مستمرّ أشد ما يكون بين الطائفتين، وقد تداول نزول الخاصكية والمماليك من عند الملك المنصور إلى الأتابك إينال، وهم مع ذلك كل يوم في زيادة في القتال لا يلتفتون إلى من يذهب من عندهم، ويقول بعضهم لبعض: «نحسبه أنه جرح ومات، وما علينا ممّن يتوجّه من عندنا، ونحن نقاتل إلى أن نموت، والملك المنصور جالس بالقصر السلطانى، وعنده من أكابر الأمراء الأمير تنم أمير سلاح، والأمير قانى باى الچاركسى. هذا مع مبالغة أصحاب الأمير الكبير في القتال أيضا لا سيما من يوم حضر المقرّ الجمالى ناظر الجيوش والخاص، ثم حضر القضاة، وخلع الملك المنصور في يوم الجمعة، فمن يومئذ بذلوا نفوسهم لنصرة الأمير الكبير، وخوفا من أن يصير للملك المنصور عليهم دولة، فسيكون فناؤهم على يديه، وأيضا إنهم تحققوا سلطنة الأتابك إينال، فاشتاقت نفوسهم لما عساه ينالهم من الإقطاعات والوظائف وغير ذلك، فاقتحموا الأهوال لذلك من غير صبر ولا تأنّ:-[الوافر] وأعظم ما يكون الشوق يوما ... إذا دنت الخيام من الخيام هذا والجراحات فاشية في كلّ من الطائفتين، ويقتل أيضا منهم في اليوم الواحد والاثنان وأكثر وأقل. ولما كان يوم الجمعة المذكور توعّك فيه الأمير أسنبغا الطيّارى رأس نوبة النّوب، ومات من ليلته شبه الفجاءة من غير سابق مرض، وصلّى عليه من الغد بالمقعد من بيت قوصون، وحمل ودفن بالصحراء، وكان من محاسن الدنيا، يأتى التعريف بحاله في الوفيات كما هى عادة هذا الكتاب. ثم أصبح يوم السبت سادس شهر ربيع الأول حضر المقرّ الجمالى الصاحبى ناظر الجيش والخاص «1» عند الأمير الكبير، وصحبته غالب مباشرى الدولة والقضاة، وكتبوا محضرا

يتضمّن ما وقع في أمسه من خلع الملك المنصور من السلطنة ومبايعة العساكر للأمير الكبير بالسلطنة، وكتب في المحضر جماعة كبيرة من أمراء الظاهرية وغيرهم، وفيه قوادح في الملك المنصور. ذكرناها في غير هذا المحل. وجدّ في هذا اليوم كلّ من العسكرين في القتال، ورتّب الأمير الكبير جماعة من أعيان الأمراء على المواضع التي يتوصل منها إلى القلعة، وحرّض الوالى وغيره على مسك من يطلع إلى القلعة من الغلمان والخدم بالمآكل وغيرها، ومسك بسبب ذلك جماعة وضرب آخرون. وفي هذا اليوم والذي قبله صارت أمراء الألوف تخاطب الأمير الكبير وهم وقوف، وصار لا يقوم لأحد منهم عند ذهابه وإيابه، وكان الأمير أسنبغا الطيّارى رأس نوبة النّوب- رحمه الله- فى يوم الجمعة الذي مرض فيه رمّل على كتابة الأمير الكبير على المراسيم وغيرها، وناهيك بأسنبغا، فإنه كان يوم ذلك أمثل الأمراء وأجلّهم، رأيته أنا وهو يرمّل على علامته من غير أن يحتشم معه الأمير الكبير في ذلك ولا تجمّل معه، بل صار كلما علّم العلامة ورمى بها أخذها أسنبغا ورمّل عليها كما كان يفعله مع السلطان، فإن العادة لا يرمّل على السلطان إلا رأس نوبة النّوب «1» . هذا وقد تحقّق أهل القلعة زوال ملك الملك المنصور، وهم على ما هم عليه من الشدّة فى القتال، والقيام بنصرة ابن أستاذهم، غير أنهم كما قيل في الأمثال: «سلاح حاضر وعقل غائب» ، لكونهم شبابا لم تمرّ بهم التجارب، ولا لهم ممارسة بالحروب، ولا يعرفون نوعا من أنواع الخديعة والمكر بأخصامهم، وأيضا لم يكن عندهم من الأمراء وغيرهم ممن له خبرة بهذه الأنواع غير أمير واحد وجندى، وكل منهما غير مقبول الكلمة عندهم. فالأمير كزل المعلّم، والجندى السيفى كمشبغا الظاهرى- برقوق- المعلم، وأما من عداهما من الأمراء فحالهم معروف لا يحتاج إلى بيان، وأعظم من كان هناك من الأمراء

الأمير تنم أمير سلاح، وقانى باى الچاركسى الأمير آخور، فأما تنم فإنه لم يأت بشىء إما تقصيرا منه لمعنى من المعانى، أو لقلة دربته بالحروب والخطوب، وأما قانى باى فحاله معروف لا يحتاج للتعريف به. وأصبح الناس في يوم الأحد سابع شهر ربيع الأول والقتال مستمرّ بين الفريقين، وكلّ منهم في أشد ما يكون من القيام بنصرة صاحبهم إلى قريب الظّهر، فنزل من القلعة جماعة كبيرة مشاة إلى عند سبيل المؤمنىّ، فخرج إليهم جماعة كبيرة من عسكر الأمير الكبير، وتقاتلوا بالرّماح والسيوف والأطبار، وافترقوا ثم التقوا غير مرّة حتى أردف عسكر الأمير الكبير طوخ من تمراز الناصرى من مكانه الذي كان مقيما به عند زاوية قانى باى الچاركسى بجماعته، ثم أردفهم جماعة أخر من عند الأمير الكبير «1» ، والتحم القتال بينهم وقتل جماعة من عسكر الأمير الكبير «2» ، منهم: طقتمر الناصرى رأس نوبة الجمداريّة تهبيرا، لأنه كان هرب من عند الملك المنصور ونزل إلى الأمير الكبير فى يومه، فلما ظفروا به قتلوه، لما كان في نفوسهم منه، ثم ممجق اليشبكى الخاصكى أخذ سحبا إلى القلعة، فمات من جراحه، وأيتمش المؤيدى الخاصكى، وقانى باى الأشرفى الخاصكى وغيرهم. ودام القتال بينهم حتى ملك أصحاب الأمير الكبير سبيل المؤمنى بعد أمور وحروب، ثم أطلقت أصحاب الأمير الكبير النّار في البيوت التي بجوار الميدان برأى تمراز الأشرفى الزّردكاش «3» ، فتعلقت النار فيهم حتى وصلت إلى سقف المسجد من سبيل المؤمنى وأحرقته عن آخره، وكان بسطحه جماعة كبيرة من السلطانية فنزلوا عنده، فحينئذ وجد أصحاب الأمير الكبير طريقا لهدم سور الميدان، فهدموا جانبا منه، ودخلوا منه إلى الميدان الذي تحت قلعة الجبل.

هذا وقد انحاز السلطانيّة إلى باب السلسلة، فكان في هذا اليوم حرب بين الطائفتين لم يقع مثله في الستة أيام الماضية. فلما دخل القوم إلى الميدان ولّت المنصورية الأدبار، وقام السلطان الملك المنصور عثمان من مجلسه بمقعد الإسطبل السلطانى، وطلع إلى القصر الأبلق من قلعة الجبل، ومعه جماعة كبيرة من مماليك أبيه وغيرهم من الأمراء والخاصكيّة، ودخل قانى باى الچاركسى إلى مبيت الحرّاقة من الإسطبل، ودام الأمير تنم بالمقعد مستعزّا بخچداشيّته المؤيديّة وغيرهم، وتمزّقت عساكر المنصور في الوقت كأنها لم تكن، من غير أمر أوجب ذلك، وتركوا باب السلسلة وفرّوا منه قبل أن يطلع إليه واحد من أصحاب الأتابك إينال، ثم فعلوا ذلك أيضا بقلعة الجبل وتركوها وأبوابها مفتّحة، ولم يقاتلوا بها ساعة واحدة، وتمزّقوا كلّ ممزّق. وكان هذا بعكس ما كان منهم في السبعة أيام الماضية من شدّة القتال وعظم الثّبات وقوّة البأس، إلى أن كان من أمرهم ما كان في هذا اليوم، وتركوا باب السلسلة والقلعة وانصرفوا في الحال على أقبح وجه، وكان يمكنهم أن يقاتلوا القوم بالميدان أيّاما؛ فإن الميدان لا فرق بينه وبين الرّميلة «1» ، وليس بينه وبين باب السلسلة تعلق، وأيضا ولو ملكت أصحاب الأمير الكبير باب السلسلة والإسطبل السلطانى كان يمكنهم القتال من القلعة أياما، إذ ليس للقلعة تعلّق بالإسطبل، وقد ملك المؤيّد شيخ أيام إمرته الإسطبل من الأمير أرغون الأمير آخور نائب غيبة الملك الناصر فرج، ودام به أياما، ولم يقدر على أخذ القلعة ولا توصل إليها بوجه من الوجوه، وكان مع الملك المؤيد أقوام هم هم، وأيضا لم يكن بالقلعة يوم ذاك بعض من كان بها الآن، ووقع ذلك لخلائق من الملوك أنهم ملكوا باب السلسلة ولم يقدروا على أخذ القلعة. والمقصود من هذا الكلام أن ليس للقلعة علاقة بباب السلسلة إلا في الأمن والرّخاء

لا غير، كل ذلك لما تقدم ذكره أنه ليس عندهم من يدبّر أمورهم، وإلا فكان يمكنهم أن يطلعوا إلى القلعة ويحصنوها ويقاتلوا بها أياما حتى تعمل مصالحهم، وإذا سلّموها يعطوها بالأمان والرّضا، هذا إذا لم يكن لهم نهضة للهروب والخروج من الدّيار المصرية، والاختفاء في مكان من الأمكنة من القاهرة، كما فعل غيرهم من الملوك السالفة، على أن أصحاب الأمير الكبير كان أخذ منهم التعب والجهد في هذا اليوم والذي قبله أمرا كبيرا، وكلّ أكثرهم من القتال، فلو امتنعت السلطانيّة بباب السلسلة يوما أو يومين لطال أمرهم بعد ذلك، ووقع لهم أمور ليس في ذكرها الآن فائدة، وكان أمر المماليك الظاهرية فى مبدأ الأمر عجيبا من شدّة بأسهم أولا، وفي تهاونهم آخرا، وقد قيل في الأمثال: «على قدر الصعود يكون الهبوط» . ولما بلغ الأمير الكبير إينال طلوع الملك المنصور من الإسطبل السلطانى إلى القصر الأبلق ندب في الحال الأمير جرباش المحمدى الناصرى المعروف بكرد إلى الطلوع إلى باب السلسلة وتسليم الإسطبل السلطانى، ولم يتحرك الأمير الكبير من مكانه، ولا ظهر عليه فرح ولا كآبة، فهذا أيضا مما تعجبت منه، وطلع الأمير جرباش إلى باب السلسلة بعد أن استولى أصحاب الأمير الكبير عليها. وكان من خير أخذهم لباب السلسلة أن الأمير تنم من عبد الرزّاق المؤيدى أمير سلاح لما قام الملك المنصور وطلع إلى القصر، وتشتت عساكره ثم دخل قانى باى الچاركسى مبيت الحرّاقة من الإسطبل قام تسم المذكور ومشى إلى المقعد الذي كان يجلس به الملك المنصور في أيام الوقعة، وأشار إلى القوم بمنديل كان بيده كمن يطلب الأمان، ثم ركب في الحال وفي زعمه أن الجماعة تتلقاه بالرحب والقبول، لأياد كانت له، وصحبة عند الأمير الكبير قديما وحديثا، وأيضا أن غالب من كان من أصحاب الأمير الكبير هو خچداشه أو صاحبه، فركب فرسه ونزل حتى وقف عند باب السلسلة أسفل الحدرة، وفتحت خوخة باب السلسلة ودخل القوم، فحال ما وقع بصرهم عليه تناولته الألسن والأيدى بالسب والضرب، حتى أخذ وأنزل بغير تخفيفة على حالة غير مرضية،

ولولا أن بعض خچداشيّته المؤيدية حماه لكان أمره ربما وصل إلى التلاف، وكذلك وقع للأمير كزل المعلّم، وأما عبد الله كاشف الشرقية فإنه أخذ ورأسه مكشوفة وشيبته قد تضمخت بالدماء السائلة على وجهه من الضرب بالدبابيس، والقوم تهجم عليه كرّة بعد أخرى لهلاكه، لولا قائل كفّهم عنه وهو يقول: «لا تقتلوه؛ يروح مال السلطان، دعوه حتى يأخذ السلطان أمواله» ، ثم وقع ذلك بجماعة من الخاصكية يطول الشرح فى ذكرهم من الأخذ والسلب مما عليهم والإخراق بهم. وأما الأمير تنم فإنه لما أخذوه ودخلوا به إلى الأمير الكبير، وعلى رأسه قبّع «1» أخضر من غير تخفيفة، ومعه كزل المعلّم، وعبد الله الكاشف، فأوقف بين يدى الأمير الكبير على بعد، فكان أول ما تكلّم به تنم أن قال: «بينى وبين الأمير الكبير عهود» أو معنى ذلك، فقال الأمير الكبير: «أنت نقضت العهد» ، يعنى بتركه وطلوعه إلى الملك المنصور، ثم أمر به وبرفقته فحبسوا بالقصر عند الأمير قراجا وغيره، ثم نقلوا بعد ساعة إلى ركبخاناة الإسطبل السلطانى، وأضيف إليهم قانى باى الچاركسى وغيره ممن يأتى ذكرهم عند توجههم إلى سجن الإسكندرية. ولما طلع الأمير جرباش إلى الإسطبل وملك باب السلسلة، قام الأمير الكبير عند ذلك من مقعد بيت الأمير قوصون، وركب فرسه، وخرج منه في موكب عظيم إلى الغاية، والخليفة عن يمينه، وتنبك البردبكى أمير مجلس عن يساره، والعساكر بين يديه محدقة به، وقد وقفت الخلائق دهليزا لرؤيته، حتى سار من بيت قوصون تجاه باب السلسلة إلى أن طلع إليها، وجلس بالحرّاقة من باب السلسلة، فحال جلوسه تفرّقت العساكر «2» فى قبض أعيان الأمراء الظاهرية وغيرهم، فقبضوا منهم على جماعة كثيرة يأتى ذكرهم بعد ذلك.

ثم أخذ قانى باى الچاركسى من مبيت الحرّاقة، وأنزل به عند رفقته المقبوض عليهم، وقيّدوا الجميع بركبخاناة الإسطبل، ولم ينج أحد من أمراء الظاهرية غير أسنباى الجمالى الدّوادار الثانى فإنه فرّ من القلعة، واختفى على ما سيأتى ذكره. ثم أمر السلطان في الوقت بالإفراج عن الأمير قراجا الظاهرى، وعن الأمير تغرى بردى القلاوى، وعن الأمير بردبك الأمير آخور الثالث، ورسم لهم بلبس الكلفتاه «1» من الغد، وحضور الخدمة السلطانية. ثم رسم الأمير الكبير في الحال بقلع السلاح، وقلع هو قبل الناس ما كان عليه، وكان لبسه في تلك الأيام كلها قرقل «2» مخمل أحمر بغير أكمام، وقلعت العساكر في الحال السلاح من عليهم، وسكنت الفتنة كأنها لم تكن، وبات الناس في أمن وسلامة، على أن القاهرة كانت في مدّة هذه الأيام والقتال عمال في كل يوم في غاية الأمن، والحوانيت مفتّحة، والناس في بيعهم وشرائهم، وأكثرهم جالس بالدكاكين للفرجة على من يمرّ عليهم من العساكر الملبّسة، بل كان يتوجه منهم أيضا جماعة كبيرة إلى الرّميلة للفرجة على القتال كما كان يتوجه بعضهم للفرجة على المحمل وغيره، ولم تقفل أبواب القاهرة في هذه المدة، ولا شوّشت الزّعر «3» على أحد، بل كان كل واحد يمضى إلى حال سبيله، والقتال عمّال بين الطائفتين لا يصيب من العامة إلا من توغّل منهم بين المقاتلة، فهذا أيضا من الغرائب، على أنّنا لا نعلم وقعة كانت بمصر تطول هذه المدة، ولا حوصرت قلعة الجبل سبعة أيام إلا في هذه الواقعة. وأما وقعة يشبك الشعبانى ورفقته مع الملك الناصر المقدم ذكرها ليس هى كهذه الوقعة، ومع هذا قفّلت القاهرة «4» فى تلك الكائنة أياما ونهبت الزّعر عدّة أماكن، فكانت هذه الوقعة بخلاف جميع الوقائع «5» فى هذا المعنى- انتهى.

وبات الأمير الكبير إينال بمبيت الحرّاقة من الإسطبل السلطانى حتى أصبح وتسلطن منه على ما يأتى ذكره مفصلا في ترجمته عقيب هذه الترجمة. وزالت دولة الملك المنصور عثمان كأنها لم تكن، فسبحان من لا يزول ملكه. فكانت مدة سلطنة الملك المنصور من يوم تسلطن بعد خلع أبيه حسبما تقدّم ذكره إلى يوم خلعه الخليفة يوم الجمعة خامس شهر ربيع الأول شهرا واحدا وثلاثة عشر يوما، وإلى يوم تسلطن الملك الأشرف إينال في صبيحة يوم الاثنين ثامن شهر ربيع الأول المذكور شهرا وستة عشر يوما، ولا نعلم أحدا من ملوك مصر من الأتراك كانت مدّته فى الملك أقصر من مدة الملك المنصور هذا، مع عظم شوكته، وثبات قدمه في الملك، فما شاء الله كان، وما هذا إلا نوع من القصاص، وقد ورد في الإسرائيليات: يقول الله سبحانه وتعالى: «يا داود أنا الربّ الودود، أعامل الأبناء بما فعلت الجدود» وقد رأينا هذه المكافأة في واحد بعد واحد من يوم خلع الملك المنصور حاچى بالملك الظاهر برقوق من السلطنة إلى يومنا هذا، والجميع يشربون هذا الكأس من يد أتابكتهم، ويرد عليهم هذا الشراب بتدبير مماليك أبيهم، وقد تقدم ذكر هذا المعنى في مواطن كثيرة، والإضراب عن ذكر هذا أجمل. ولما طلع الملك المنصور من الإسطبل إلى القصر ودّعه مماليك أبيه وفارقوه، فلا قوة إلا بالله، وتوجه هو إلى الحريم السلطانى عند والدته، وأقام عندها إلى أن طلبه منها الملك الأشرف إينال، فخرجت معه إلى قاعة البحرة بالحوش السلطانى من قلعة الجبل، فأقام الملك المنصور بالبحرة من يوم خلع هو ومن يخدمه مع والدته وأولاده والجميع في التّرسيم إلى يوم الأحد ثامن عشرين شهر ربيع الأول، فأخذ منها بجميع خدمه ووالدته وأولاده، وأنزلوا الجميع في حرّافة إلى ثغر الإسكندرية، وكانت هيئة نزول الملك المنصور من القلعة أنه أركب على فرس بوزبقيد، من غير أن يركب أحد من الأوجاقيّة خلفه كما هى عادة الملوك من الأمراء، ومضوا به من باب القرافة في وقت القائلة، وقد خرجوا الناس للفرجة عليه بخارج القاهرة، وساروا به وحوله الخاصكية بالسيوف والرّماح، وجماعة

كبيرة من أعيان الأمراء، وقد ازدحم الناس بالكيمان للفرجة عليه، حتى اجتاز بقرافة مصر القديمة إلى أن وصل إلى نيل مصر، وأنزل في الحرّاقة، وسافر من وقته في بحر النيل إلى الإسكندرية، «1» فسجن بها، وهذا أيضا من الغرائب من أن ملك مصر يخلع ويتوجّه مقيّدا إلى «2» الإسكندرية نهارا، ولم يقع ذلك لغيره في السنين الخالية، وكان مسفّره خير بك الأشقر المؤيّدى الأمير آخور الثانى. واستمر الملك المنصور مسجونا بثغر الإسكندرية وعنده والدته وجواريه وأولاده إلى ما يأتى ذكره- أحسن الله عاقبته بمحمد وآله «3» .

ذكر سلطنة الملك الأشرف إينال العلائى على مصر

ذكر سلطنة الملك الأشرف إينال العلائى على مصر «1» السلطان الملك الأشرف سيف الدين أبو النصر إينال بن عبد الله العلائى الظاهرى ثم الناصرى، ملك الديّار المصرية بعد انهزام الملك المنصور عثمان في يوم الأحد سابع شهر ربيع الأوّل من سنة سبع وخمسين وثمانمائة، وطلع إلى باب السلسلة وبات بمبيت الحراقة حسبما ذكرنا إلى أن تسلطن من الغد، وقد ذكرنا طلوعه وما وقع له في حرب الملك المنصور في ترجمته مفصلا، ويأتى ذكر سلطنته أيضا في أوّل ترجمته كما هى عادة هذا الكتاب. والملك الأشرف هذا هو السلطان السادس والثلاثون من ملوك الترك وأولادهم بالديار المصرية، والثانى عشر من ملوك الچراكسة وأولادهم بها. ولما كان صبيحة يوم الاثنين ثامن شهر ربيع الأوّل من سنة سبع وخمسين المذكورة طلع أعيان الدولة والعساكر إلى الإسطبل السلطانى بقماش الموكب وانضموا الجميع بالحرّاقة من باب السّلسلة، وقد حضر الخليفة والقضاة الأربعة وسائر أمراء الدّولة، وبويع الأمير الكبير إينال بالسلطنة، ولقب بالملك الأشرف، ولبس خلعة السلطنة من مبيت الحرّاقة بالإسطبل السلطانى في أوّل ساعة من النهار المذكور، بعد طلوع الشمس بنحو ست درجات، فى ساعة القمر، والطالع الحمل، وكان بويع بالسلطنة حسبما تقدم ذكره في بيت قوصون قبل أن يملك قلعة الجبل في يوم الأربعاء ثالثة، ثم في يوم الجمعة حسبما ذكرنا ذلك في وقته، ثم في يوم السبت سادسه، ثم في عصر أمسه بعد طلوعه إلى باب السلسلة، والعهدة في سلطنته من وقت لبسه الخلعة السوداء الخليفتية وركوبه بشعار الملك «2» .

ولما تمّ لبسه خلعة السلطنة من المبيت المذكور خرج منه، ومشى حتى ركب فرس النوبة، بأبهة السلطنة وشعار الملك. وحمل ولده المقام الشهابىّ أحمد القبّة والطير على رأسه حتى طلع إلى القصر السلطانى، والأمراء والعساكر مشاة بين يديه، ما خلا الخليفة. وسار على تلك الهيئة إلى أن وصل إلى باب القصر، فنزل عن فرسه، ودخل القصر الكبير، وجلس بإيوانه على تخت الملك، وقبّلت الأمراء الأرض بين يديه، وخلع على الخليفة القائم بأمر الله فوقا نياكمخا حريرا بوجهين أخضر وأبيض، بطرز يلبغاوى زركش، وقدّم له فرسا بسرج ذهب، وكنبوش زركش، وتمّ جلوسه بالقصر السلطانى إلى يوم الجمعة «1» على ما سنذكره بعد ذكر نسبه فنقول: أصله چاركسىّ الجنس، أخذ من بلاده، فاشتراه خواجا علاء الدين، وقدم به إلى القاهرة، هو وأخيه طوخ، وطوخ كان الأكبر، وكان اسم إينال غير إينال، فاستقرّ إينال، فاشتراهما الملك الظاهر برقوق- أعنى إينال وطوخ- من الخواجا علاء الدين المذكور في حدود سنة تسع وتسعين [وسبعمائة] «2» تخمينا، فأعتق الظاهر أخاه طوخ المذكور، ودام إينال هذا كتابيّا بطبقة الزّمام، إلى أن ملكه الملك الناصر فرج بن برقوق وأعتقه، وأخرج له خيلا على العادة، واستمرّ من جملة المماليك السلطانيّة، إلى أن صار في آخر الدّولة الناصريّة خاصكيّا، فدام على ذلك إلى أن أنعم عليه الأمير الكبير ططر في الدّولة المظفرية [أحمد] «3» بإمرة عشرة في أوائل سنة أربع وعشرين، ثم نقل إلى إمرة طبلخاناة في أوائل دولة الأشرف برسباى في سنة خمس وعشرين وثمانمائة، ثم صار بعد انتقال قانى باى الأبوبكرى البهلوان إلى تقدمة ألف، ثانى رأس نوبة النّوب، ثم نقل إلى نيابة غزّة بعد عزل الأمير تمراز القرمشى وقدومه إلى الدّيار المصرية، وذلك في يوم الثلاثاء ثامن عشرين شوال سنة إحدى وثلاثين

وثمانمائة، فباشر نيابة غزّة إلى أن سافر «1» صحبة الملك الأشرف برسباى إلى آمد في سنة ست وثلاثين وثمانمائة. ولما عاد الأشرف من آمد ونزل بمدينة الرّها- وقد «2» استولى عليها وهى خراب- طلبه الملك الأشرف ليستقرّ في نيابة الرّها «3» فامتنع، ورمى بسيفه وأغلظ للأشرف فى الكلام، فاستثاط الأشرف غضبا ولم يسعه إلا أن طلب مملوكه قراجا شادّ الشّراب خاناه، وخلع عليه بنيابة الرّها، وقال: «أنا ما يمتثل أوامرى إلا مماليكى» . وانفضّ الموكب، وذهب إينال هذا إلى مخيّمه، فندم على ما وقع منه، وخوّف عواقب ذلك، فأذعن، وطلبه السلطان في عصر النهار المذكور، وخلع عليه أطلسين متمرّا، ووعده بأن يمده بالسلاح والعليق وغير ذلك، وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، زيادة على نيابة الرّها، عوضا عن جانبك الحمزاوى المستقر في نيابة غزّة عوضه. وخرج إينال وهو متغيّر اللون- رأيته لما سلمت عليه- ودام في نيابة الرّها، إلى أن عزله الأشرف عنها بالأمير شاد بك الجكمى ثانى رأس نوبة في يوم الثلاثاء سبع عشرين شوال سنة سبع وثلاثين، واستقدمه إلى القاهرة على إمرة مائة وتقدمة ألف، وهو الإقطاع الذي كان بيده زيادة على نيابة الرّها. فدام بمصر إلى أن خلع عليه الأشرف في يوم الخميس عاشر رجب سنة أربعين وثمانمائة بنيابة صفد بعد عزل الأمير يونس الركنى الأرغونى الأعور عنها، فاستمر في صفد إلى أن طلبه الملك الظاهر جقمق في سنة ثلاث وأربعين، وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية في صفر السنة المذكورة، وولّى صفد عوضه قانى باى البهلوان أتابك دمشق.

وكان قدوم إينال هذا إلى القاهرة في يوم السبت ثالث عشر صفر، فدام بالقاهرة من جملة أمراء الألوف إلى أن نقله الملك الظاهر جقمق إلى الدوادارية الكبرى بعد موت تغرى بردى البكلمشى المؤذى في يوم الخميس ثالث عشر جمادى الآخرة سنة ست وأربعين، فباشر الدواداريّة إلى أن نقله الظاهر إلى أتابكيّة العساكر بالديار المصرية دفعة واحدة بعد موت الأتابك يشبك السّودونى المشدّ في سنة تسع وأربعين وثمانمائة، فدام أتابكا إلى أن مات الظاهر جقمق، وملك بعده ابنه المنصور عثمان، ووقع ما حكيناه من الفتنة بينه وبين المنصور حتى خلع المنصور وتسلطن حسبما ذكرناه في أول هذه الترجمة- انتهى ذكر نسبه. ولنعد لما كنا فيه من جلوسه بعد قلعه خلعة السلطنة بالقصر فنقول: ولما تمّ جلوسه بالقصر طلب خچداشه يونس العلائى الناصرى نائب قلعة الجبل، وخلع عليه باستقراره في نيابة الإسكندرية بعد عزل يشبك قرا وحبسه، وأمر السلطان الأمير قانى باى الأعمش الناصرى- أحد أمراء العشرات ورأس نوبة- أن يجلس مكان يونس المذكور. ثم أصبح السلطان الملك الأشرف إينال هذا في يوم الثلاثاء تاسع ربيع الأول خلع على جماعة كبيرة بعدّة وظائف: فخلع على ولده المقام الشهابى أحمد باستقراره أتابك العساكر عوضا عن نفسه. وعلى الأمير تنبك البردبكى الظاهرى أمير مجلس بإمرة سلاح عوضا عن الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيّدى بحكم القبض عليه وسجنه. وخلع على الأمير طوخ من تمراز الناصرى غليظ الرقبة بإمرة مجلس عوضا عن تنبك المذكور وخلع على الأمير خشقدم الناصرى المؤيّدى حاجب الحجاب باستمراره على وظيفته.

وخلع على الأمير جرباش المحمدى الناصرى المعروف بكرد باستقراره أمير آخور كبيرا عوضا عن قانى باى الچاركسى بحكم القبض عليه. وخلع على الأمير يونس الأقبائى دوادارا كبيرا عوضا عن تمر بغا الظاهرى بحكم القبض عليه، لكن يونس هذا ولى الدّواداريّة على تقدمة، وكان تمر بغا وليها على إمرة طبلخاناه. وخلع على الأمير قرقماس الأشرفى الجلب باستقراره رأس نوبة النّوب عوضا عن الأمير أسنبغا الطيّارى بحكم وفاته. وخلع على الأمير جانبك الظاهرى نائب جدّة خلعة الاستمرار على وظيفته الأستادارية الكبرى. «1» ثم أمر السلطان في يوم الأربعاء عاشره بالمناداة في المماليك السلطانية بأن النفقة فى يوم الاثنين «2» . ثم في يوم الأربعاء هذا حملت الأمراء المسجونون من القلعة على البغال إلى بحر النيل وسفّروا من وقتهم إلى الإسكندرية، وهم: الأمير تنم المؤيّدى أمير سلاح المقدّم ذكره، وقانى باى الچاركسى الأمير آخور الكبير، والأمير تمربغا الدوادار، والأمير لاچين شادّ الشراب خاناه، وأزبك الساقى الخازندار، وسنقر العائق الأمير آخور الثانى، وجانم الساقى الظاهرى، وسودون الأفرم الظاهرى، وجانبك الظاهرى البوّاب- وهما ممن تأمّر في الدولة المنصورية-، والجميع ظاهرية ما عداتنم وقانى باى. وفي يوم الأربعاء هذا أشيع كلام بسبب تولية السلطان ولده أحمد أتابكا عوضه، وأن ذلك بخلاف العادة، فخارت طباع الأشرف من غير أمر يوجب ذلك، وأصبح من

الغد في يوم الخميس خلع على الأمير تنبك البردبكى الذي كان استقرّ في إمرة سلاح باستقراره أتابك العساكر عوضا عن ولده الشهابى أحمد، وأنعم على ولده المذكور بإمرة مائة وتقدمة ألف- على عادة أولاد السلاطين- وجعله يجلس رأس الميسرة. قلت: وهذا أول وهن وقع في دولة الأشرف إينال من كونه يولّى ولده أتابكا فى الأمس، ثم يعزله في الغد من غير أمر يقتضى ذلك، ولو صمّم على بقاء ولاية ولده لتمّ له ذلك ولم ينتطح في ذلك عنزان. ثم خلع على الأمير خشقدم الناصرى حاجب الحجّاب باستقراره أمير سلاح عوضا عن تنبك المذكور. وخلع على قراجا الخازندار الظاهرى باستقراره حاجب حجّاب عوضا عن خشقدم المؤيّدى المذكور. ثم استقرّ الأمير تمراز الإينالى الأشرفى «1» دوادارا ثانيا عوضا عن أسنباى الجمالى بحكم تسحّبه، وأنعم عليه بإمرة عشرين. ثم استقرّ جانبك من قجماس الأشرفى «2» شادّ الشّراب خاناه عوضا عن لاجين بحكم حبسه. واستقرّ خير بك الأشقر المؤيّدى أمير آخور ثانيا عوضا عن سنقر العائق بحكم سجنه. وأنعم على خير بك المذكور بإمرة عشرين، وكانت العادة إمرة طبلخاناة. واستقر قانى باى الأعمش الناصرى نائب قلعة الجبل عوضا عن يونس العلائى نائب الإسكندرية- كما تقدّم ذكره-

ثم أنعم السلطان على الأمير جانبك القرمانى الظاهرى «1» رأس نوبة ثانى بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية عوضا عن الأمير أسنبغا الطيّارى بعد وفاته. «2» واستقرّ يشبك الناصرى رأس نوبة ثانيا عوضا عن جانبك القرمانى المذكور «3» . ثم أنعم على الأمير أرنبغا اليونسى الناصرى بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية عوضا عن قانى باى الچاركسى بحكم القبض عليه وحبسه. وأنعم على برسباى البجاسى المعزول عن نيابة الإسكندرية بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية عوضا عن الأمير طوخ «4» بحكم انتقال طوخ إلى تقدمة أخرى أكثر خراجا منها- وهو إقطاع تنبك المنتقل إلى الأتابكية-. ثم أنعم السلطان على جماعة كثيرة بإمرة طبلخانات، وعشرات، باستحقاق وبغير استحقاق، كما هى عوائد أوائل الدّول، يطول الشرح في تسميتهم. ثم خلع السلطان على جماعة كبيرة بعدة وظائف، منهم: البدرى حسن بن الطولونى باستقراره معلّم المعمارية «5» ، وأميرزة بن حسن الدّوكارى «6» التركمانى بكشف الوجه القبلى على عادته، وعلى جماعة أخر. ثم في يوم السبت ثالث عشر ربيع الأول المذكور استقرّ الأمير جانبك من أمير الأشرفى «7» الظريف أمير طبلخاناه خازندارا كبيرا عوضا عن الأمير أزبك من ططخ الظاهرى بحكم سجنه بالإسكندرية.

واستقرّ بردبك دوادار السلطان قديما وزوج ابنته دوادارا ثالثا بإمرة عشرة وهذا شىء لم نعهده كون الدوادار الثالث يكون أمير عشرة، وما عادته إلا خاصكيّا، وكان حق بردبك هذا الدواداريّة الثانية لكونه مملوك السلطان ودواداره وزوج ابنته، غير أن السلطان لما رأى أن تمراز الأشرفى غرضه في الدوادارية الثانية لم يسعه إلا الإنعام عليه بها، لعظم شوكة الأشرفية يومئذ. ثم استقرّ يشبك الأشقر الخاصكى الأشرفى أستادار الصّحبة بعد عزل سنقر الظاهرى عنها من غير إمرة. ثم في يوم الاثنين خامس عشر ربيع الأول ابتدأ السلطان بالنفقة على المماليك السلطانية على أقسام متعددة نفقة كاملة، وهى «1» مائة دينار، ونصف نفقة، وربع نفقة، وعشرة دنانير، وهذا لم يقع قبل في الدّولة التركية، ولام السلطان بعض أعيان الأمراء على ذلك، فقال: «هذا الذي كان رتّبه تمربغا للتفرقة في الدولة المنصورية» ، فكلم ثانيا، فاعتذر بقلة المتحصل في الخزانة السلطانية. قلت: «والعذر الثالث أن كلمة الشّحّ مطاعة» . قلت: «والذي فرّق في المماليك السلطانية إنما هو الذي جمعه الملك المنصور عثمان من السّلف والمصادرات في أيّام سلطنته، وإلا فما ترك والده الملك الظاهر جقمق في الخزانة شيئا يذكر، لكرم نفسه وكثرة عطاياه- رحمه الله تعالى-» . ثم في يوم الثلاثاء سادس عشره خلع السلطان على جماعة «2» من الأمراء خلع الأنظار المتعلقة بالوظائف المقدم ذكرها «3» . ثم في يوم الأربعاء سابع عشره وصل الأمير دولات باى المحمودى الدّوادار من

سجن الإسكندرية، ووقع في خروج دولات باى المذكور ومجيئه من ثغر الإسكندرية غريبة فيها عبرة لمن اعتبر، وهو أنّ الأمراء الذين قبض عليهم الملك الأشرف إينال هذا كان غالبهم هو الذي حسّن للمنصور القبض على دولات باى هذا وسجنه بثغر الإسكندرية فلما أمسكهم الملك الأشرف وسيّرهم إلى الثغر، رسم بإطلاق دولات باى من السجن، فتوافوا خارج الإسكندرية، وقد أفرج عن دولات باى، ورسم بحبسهم عوضه، فانظر إلى هذا الدّهر وأفعاله بالمغرمين به، لتعلم أن الله على كل شىء قدير. وفي يوم الخميس ثامن عشره أنعم السلطان على الأمير يونس العلائى نائب الإسكندرية بإقطاع الأمير جانبك اليشبكى الوالى ثم الزّردكاش بعد وفاته، وأنعم بإقطاع يونس المذكور على قانى باى الأعمش الذي استقرّ عوضا عن يونس في نيابة القلعة. وفي يوم الجمعة تاسع عشره أفرج السلطان عن الأمير زين الدين يحيى الأستادار من محبسه بالبرج من قلعة الجبل، وخلع عليه كامليّة «1» بمقلب سمّور، ونزل إلى داره. وفي يوم السبت العشرين من ربيع الأول المذكور استقر نوكار الناصرى الحاجب الثانى زردكاشا بعد موت جانبك اليشبكى، واستقرّ سمام الحسنى الظاهرى حاجبا ثانيا عوضا عن نوكار. وفي هذه الأيام خلع السلطان على جماعة كبيرة بعدّة وظائف حتى تجاوز عدد رءوس النّوب على خمسة وعشرين نفرا، والدّوادارية صاروا عشرة نفر بعد ما كانوا خمسة، وكذلك البجمقدارية والبوّابون، وقس على ذلك. ثم قبض السلطان على نيف وثلاثين مملوكا من مماليك الظاهرية، وحبسوا بالبرج من القلعة، وكان نفى قبل تاريخه جماعة أخر، وشيّع شاهين الفقيه الظاهرى، وهو ممن لا يلتفت إليه، وسنقر أستادار الصّحبة، كلاهما إلى القدس الشريف. ثم أخرج أيضا يشبك الظاهرى، وكان تأمّر في الدولة المنصورية عشرة، ويشبك

الساقى، وسنطباى رأس نوبة الجمداريّة إلى طرابلس، ثم أخرج بعدهم أيضا جماعة أخر. وفي يوم الاثنين ثانى عشرينه استقرّ الأمير زين الدين يحيى أستادارا على عادته أوّلا، بعد عزل الأمير جانبك نائب جدّة عنها برغبة من جانبك المذكور. وفيه وصل الأمير برشباى الإينالى المؤيّدى الأمير آخور الثانى- كان- والأمير يلباى الإينالى المؤيدى من ثغر دمياط «1» ، بطلب من السلطان. وفي يوم الخميس خامس عشرينه وصل الأمير سودون الإينالى المؤيّدى قراقاش من القدس الشريف بطلب «2» . ثم في يوم الثلاثاء سلخ ربيع الأوّل ظهر الأمير أسنباى الجمالى الظاهرى الدّوادار الثانى- كان- وكان مختفيا من يوم ملك السلطان باب السلسلة فرسم له بالتوجه إلى القدس بطّالا. وفي يوم الخميس ثانى شهر ربيع الآخر وصل الأمير جانم الأمير آخور «3» - كان- قريب الملك الأشرف برسباى من حبس قلعة صفد وخلع السلطان عليه «4» كامليّة مخمل أخضر بمقلب سمّور، ووعده بكل جميل، نذكر ذلك في تاريخنا الحوادث مفصلا هذا وغيره لكونه محلّ ضبط الحوادث، وما نذكره هنا ليس هو إلا على سبيل الاستطراد والأمور المهمة لا غير، وأما جميع الوقائع ففى الحوادث تطلب هناك- انتهى. وفي يوم الجمعة أوّل جمادى الأولى قبض السلطان على الأمير قراجا الخازندار

الظاهرى، وهو يومئذ حاجب الحجّاب، وحبسه بالبحرة من قلعة الجبل من غير أمر أوجب مسكه، وإنما هى مندوحة لأخذ إقطاعه «1» . وفي يوم السبت ثانى جمادى الأولى أنعم السلطان بإقطاع قراجا المذكور وهو إمرة مائة وتقدمة ألف على الأمير جانم الأمير آخور الأشرفى، وخلع على الأمير جانبك القرمانى باستقراره حاجب الحجّاب عوضا عن قراجا المذكور، ورسم السلطان بتوجّه قراجا إلى القدس بطّالا، فسافر يوم الاثنين رابعه. وفي يوم الثلاثاء خامسه قرئ تقليد السلطان الملك الأشرف إينال بالقصر الكبير من قلعة الجبل، وحضر الخليفة والقضاة الأربعة، وجلس السلطان على الأرض من غير كرسىّ على مرتبة، وجلس على يمينه الخليفة القائم بأمر الله حمزة، ثم جلست القضاة الأربعة كل واحد في منزلته، وقرأ القاضى محب الدين بن الأشقر كاتب السر التقليد إلى أن تمّت قراءته، فخلع عليه السلطان، وعلى الخليفة، وانفضّ الموكب. وفي يوم الجمعة ثامنه عقد السلطان عقد الأمير يونس الأقبائى الدوادار الكبير على ابنته بجامع القلعة بحضرة السلطان. وفي يوم السبت تاسع جمادى الأولى خلع السلطان على الشيخ عز الدين أحمد الحنبلى باستقراره قاضى قضاة الحنابلة بالديار المصرية، بعد وفاة قاضى القضاة بدر الدين بن عبد المنعم. وفيه رسم السلطان أن يحطّ عن البلاد بالوجه القبلى والبحرى وسائر الأعمال ربع ما كان يطرح عليهم قبل ذلك من الأطرون، وسرّ الناس بذلك وتباشروا بزوال الظلم وإزالة المظالم.

وفي يوم الأحد سابع عشره ورد الخبر على السلطان بقتل الأميرين سونجبغا وتغرى بردى القلاوى المعزول عن الوزر قبل تاريخه، قتل الواحد الآخر، ثم قتل الآخر في الوقت، ذكرنا أمرهما مفصلا في تاريخنا الحوادث، فأنعم السلطان بإقطاع تغرى بردى القلاوى على الأمير يرشباى الإينالى المؤيّدى، وأنعم على الأمير يلباى الإينالى المؤيّدى بإقطاع سونجبغا، وكان إقطاعه قديما قبل أن يمسك، وأنعم بإقطاع عبد الله الكاشف على سودون الإينالى المؤيّدى قراقاش، وأنعم على تنم الحسينى وعلى قلمطاى الإسحاقى الأشرفيّين «1» بإقطاع يلبغا الچاركسى بحكم تعطّله ولزومه داره، لكل واحد منهما إمرة عشرة. وفي يوم الاثنين ثالث جمادى الآخرة أنعم السلطان على خير بك الأجرود المؤيدى أتابك دمشق- كان- بعد قدومه من السجن بإقطاع دولات باى المحمودىّ الدّوادار- كان- بعد موته، والإقطاع إمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، وكان دولات باى الدّوادار أخذ هذا الإقطاع بعد موت أرنبغا، وأرنبغا أخذه بعد قانى باى الچاركسى، كلّ ذلك في دون ثلاثة أشهر «2» . وفي يوم الأربعاء خامس جمادى الآخرة ورد الخبر من الشام بموت قانصوه النّوروزىّ، أحد أمراء دمشق، فأنعم السلطان بتقدمته على الأمير فانى بك المحمودى المؤيدى، وكان فانى بك بطّالا بدمشق. ثم في يوم الاثنين رابع عشر «3» شهر رجب أدير المحمل على العادة، ولعبت الرمّاحة، وكان الملك الظاهر جقمق أبطل ذلك، فأعاده الملك الأشرف هذا، وسرّ الناس بعمله غاية السرور.

وفي يوم الخميس سابع عشر «1» رجب المذكور ندب السلطان الأمير قانم طاز الأشرفى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة بنقل الأمراء المسجونين من ثغر الإسكندرية إلى جيوش البلاد الشامية، فتوجّه إليهم، ونقل الجميع ما خلا الأميرين تنم المؤيّدى أمير سلاح، وقانى باى الچاركسى، فإنهما داما في سجن الإسكندرية. وفي يوم السبت رابع شهر رمضان استقرّ الزينى فرج بن ماجد بن النحّال كاتب المماليك السلطانية وزيرا بعد تسحّب الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم «2» . وفي يوم الأربعاء ثامن شهر رمضان المذكور ورد الخبر على السلطان بموت الأمير بيغوت الأعرج المؤيدى نائب صفد، فرسم السلطان بانتقال الأمير إياس المحمّدى الناصرى «3» أتابك طرابلس إلى نيابة صفد دفعة واحدة، وحمل إليه التقليد والتشريف على يد الأمير خشكلدى القوامى الناصرى أحد أمراء العشرات، واستقرّ حطط الناصرى المعزول قبل تاريخه عن نيابة غزّة أتابك طرابلس عوضا عن إياس المذكور، وأنعم بإقطاع حططإمرة عشرين بطرابلس- «4» على جانبك المحمودى المؤيدى، وكان بطّالا بطرابلس «5» . ثم استهلّ شوال يوم الجمعة، فصلى السلطان صلاة العيد بجامع القلعة الناصرى «6» على العادة، ثم صلّى من يومه أيضا الجمعة بالجامع المذكور، فكان في هذا اليوم خطبتان فى يوم واحد، وكثر كلام الناس في هذا الأمر، فلم يقع إلا كل جميل من سائر الجهات، وصار كلام الناس من جملة الهذيان، وأنت تعلم مقدار ما أقام الأشرف بعد ذلك فى الملك.

ثم في يوم الاثنين حادى عشر شوال المذكور خلع السلطان على الأمير جانبك الظاهرى المعزول قبل تاريخه عن الأستادارية باستقراره في التكلم على بندر جدّة بعد أن أنعم عليه بزيادة على إقطاعه، وجعله من جملة أمراء الطبلخانات بالديار المصرية، ثم رسم بنفى الأمير بردبك التاجى الأشرفى- الذي كان تكلم على بندر جدّة في السنة الماضية- إلى القدس بطالا، وأخرج السلطان إمرة بردبك المذكور إلى جكم الأشرفى خال الملك العزيز يوسف، والإقطاع إمرة عشرة. وفي يوم الاثنين ثامن عشر شوال المذكور تسحّب الأمير زين الدين الأستادار، واختفى؛ مما حمل للديوان السلطانى من الكلف، وبلغ السلطان ذلك، فأرسل السلطان خلف على بن الأهناسى البرددار بخدمة زين الدين المذكور [سابقا «1» ] ، وهو يومذاك أستادار المقام الشهابى أحمد بن السلطان، واستقرّ به أستادارا عوضا عن زين الدين دفعة واحدة، وعلم السلطان أن عليّا هذا ليس هو في هذه الرّتبة، ولا فيه أهلية لأن يكون من جملة كتّاب ديوان المفرد، فتكلم في الملأ بكلام معناه أن السلطان إذا أقام كائنا من كان من أقلّ الناس في أىّ وظيفة شاء- وكان للسلطان به عناية- سدّ تلك الوظيفة على أحسن الوجوه، فسكت كلّ أحد، لعلمهم أن السلطان يعلم حاله، كما يعلمونه هم، واختاره لهذه الرّتبة. ثم في يوم السبت ثالث عشرين شوال ورد إلى الدّيار المصرية قاصد خوندكار محمد بك ابن مرادبك بن عثمان، متملّك «2» بلاد الرّوم «3» ، لتهنئة السلطان بالملك، وأيضا يخبره بما منّ الله عليه من فتح مدينة إسطنبول، وقد أخذها «4» عنوة بعد قتال عظيم في يوم الثلاثاء العشرين من جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وثمانمائة، بعد ما أقاموا على حصارها من يوم الجمعة سادس عشرين شهر ربيع الأوّل من هذه السنة- أعنى سنة سبع وخمسين المذكورة- إلى أن أخذها في التاريخ المقدم ذكره.

قلت: ولله الحمد والمنة على هذا الفتح العظيم. وجاء القاصد المذكور ومعه أسيران من عظماء إسطنبول، وطلع بهما إلى السلطان وهما من أهل قسطنطينية، وهى الكنيسة العظمى بإسطنبول، فسرّ السلطان والناس قاطبة بهذا الفتح العظيم سرورا زائدا، ودقّت البشائر لذلك، وزيّنت القاهرة بسبب ذلك أياما، ثم طلع القاصد المذكور وبين يديه الأسيران المذكوران إلى القلعة في يوم الاثنين خامس عشرين شوال، بعد أن اجتاز القاصد المذكور ورفقته بشوارع القاهرة، وقد احتفلت الناس بزينة الحوانيت والأماكن، وأمعنوا في ذلك إلى الغاية، وعمل السلطان الخدمة بالحوش السلطانى من قلعة الجبل، وقد استوعبنا طلوع القاصد المذكور فى غير هذا المحل من مصنفاتنا بأطول من هذا. وبالجملة فكان لمجىء هذا القاصد بهذه البشارة الحسنة أمير كبير، وعيّن السلطان من يومه الأمير يرشباى الإينالى المؤيّدى الأمير آخور الثانى- كان- بالتوجّه إلى ابن عثمان صحبة القاصد بالجواب السلطانى، وقد كتبنا صورة الكتاب الذي جاء من ابن عثمان على يد القاصد المذكور بفتح مدينة إسطنبول، والجواب الذي أرسله السلطان صحبة يرشباى هذا، كلاهما مثبوت في تاريخنا حوادث الدهور، إذ هو محل ضبط هذه الأمور- انتهى. ثم رسم السلطان بالمناداة على زين الدّين يحيى الأستادار، وتهديد من أخفاه عنده بالشنق والتنكيل، ووعد من أحضره بألف دينار إن كان متعمما، «1» وبإقطاع إن كان جنديا «2» . ثم في يوم الاثنين ثالث ذى القعدة استقرّ القاضى محب الدين بن الشّحنة الحنفى كاتب سرّ مصر. بعد عزل القاضى محب الدين بن الأشقر «3» .

ما وقع من الحوادث سنة 858

ثم في يوم الاثنين ثانى ذى الحجة خلع السلطان على الأمير جانبك النّوروزىّ نائب بعلبك باستقراره في نيابة الإسكندرية بعد عزل يونس العلائى وقدومه إلى القاهرة من جملة أمراء الطبلخانات. ثم في يوم الثلاثاء رابع عشرين ذى الحجة ظهر الأمير زين الدين الأستادار من اختفائه، وطلع إلى القلعة وعلى رأسه منديل الأمان، صحبة عظيم الدولة الصاحب جمال الدين بن كاتب جكم، وكان هو الساعى لزين الدين في رضاء السلطان عليه، وقبّل زين الدين الأرض بين يدىّ السلطان، فرسم له السلطان أن يلزم داره، ولا يجتمع بأحد، ولا يكاتب أحدا من أعيان الدولة. وفرغت سنة سبع وخمسين، وما ذكرناه فيها إنما هو على سبيل الاختصار؛ علم خبر لا غير. [ما وقع من الحوادث سنة 858] واستهلت سنة ثمان وخمسين وثمانمائة. وأول السنة يوم الثلاثاء «1» ، فأحببت أن أذكر في أوّل هذه السنة أسماء أعيان أرباب الوظائف من الأعيان والأمراء والقضاة والمباشرين، ليعلم الناظر في هذه الترجمة كيف تكون تقلبات الدهر، وتغيير الدولة بعد أن ينظر المتأمل في ترجمة الملك المنصور عثمان في السنة الخالية، ولم يمض بين من سمى في تلك السنة وبين من سمى فى هذه السنة إلا بعض أشهر، لأن المنصور والأشرف هذا كلا منهما ولى في هذه السنة، أعنى سنة سبع وخمسين وثمانمائة، وما قلناه في السنة الخالية معناه في ترجمة المنصور عثمان، على أنا لا نذكر إلا جماعة الأعيان لا غير، ولو ذكرنا كلّ من تغير من أرباب الوظائف من الخاصكيّة والأجناد الذين أخذوا الإقطاعات والوظائف لطال الشرح في ذلك، وخرجنا عن المقصود، ولنعد إلى ما هو المقصود فنقول:

أما الخليفة فهو القائم بأمر الله حمزة، وهو المذكور أيضا في [السنة] «1» الخالية. وكذلك القضاة الأربعة فهم على حالهم كما ذكرناه في ترجمة المنصور أيضا «2» وكذلك نواب البلاد الشاميّة، فالجميع على حالهم كما ذكرناه في ترجمة المنصور أيضا. وتغيّر نائب الإسكندرية، فإنه كان في تلك السنة برسباى البجاسى، والآن هو جانبك النّوروزىّ. وأما أرباب الوظائف من أمراء مائة «3» . فالأمير الكبير تنبك البردبكى الظاهرى. وأمير سلاح خشقدم الناصرى المؤيّدى. وأمير مجلس طوخ من تمراز الناصرى غليظ الرّقبة. والأمير آخور الكبير جرباش المحمدى الناصرى كرد. والدّوادار الكبير يونس السيفى آقباى نائب الشام. ورأس نوبة النّوب قرقماس الأشرفى الجلب. وحاجب الحجّاب جانبك القرمانى الظاهرى. فهؤلاء هم أرباب الوظائف من مقدمى الألوف. وبقية مقدمى الألوف هم: المقام الشهابى أحمد بن السلطان، وهو يجلس رأس ميسرة فوق أمير سلاح.

والأمير جانم الأمير آخور- كان- وهو يجلس تحت أمير سلاح فوق بقية الأمراء. ثم خيربك الأجرود المؤيّدى «1» . ثم برسباى البجاسى. فهؤلاء جميع مقدمى الألوف بالديار المصرية، وهم أقل من النصف من أمراء الظاهر برقوق. وأما أرباب الوظائف من أمراء الطبلخانات وغيرهم: فشاد الشراب خاناه جانبك من قجماس الأشرفى المعروف بدوادار سيّدى. والخازندار «2» جانبك من أمير الأشرفى الظريف. ونائب القلعة قانى باى الناصرى الأعمش أمير عشرة. والزّردكاش نوكار الناصرى أمير عشرة والتّجمّل به هتكة «3» . والحاجب الثانى بتخاص العثمانى الظاهرى- برقوق- أمير عشرة. وأستادار الصحبة يشبك الأشقر الأشرفى من جملة الأجناد. وكانت هذه الوظائف المذكورة في سالف الأعصار لا يليها إلا أمير مائة مقدّم ألف، ولهذا قدمنا ذكرها على غيرها مما سنذكره، فتنازل ملوك زماننا هذا حتى ولى بعضها الأجناد، وقد أبطل الملوك أيضا عدّة وظائف جليلة كان لا يليها إلا أمير مائة مقدّم ألف، مثل نيابة السلطنة، لأن آخر من وليها من العظماء تمراز الناصرى الظاهرى في دولة الناصر فرج.

ورأس نوبة الأمراء، وآخر من وليها نوروز الحافظى في دولة الناصر فرج أيضا، وكانت هذه الوظيفة تضاهى الأتابكيّة. ومثل أمير جاندار، فإن الأمير ألجاى اليوسفى صاحب الوقعة مع الأشرف شعبان انتقل إليها من وظيفة رأس نوبة النّوب. وأما ما ذهب من الوظائف التي كان يليها أمراء الطبلخانات والعشرات مثل شاد الدواوين، وأمير منزل، وشادّ القصر السلطانى، والمهمندار، ومقدّم البريدية، وشادّ العمائر- وإن كان بعض هذه الوظائف مستمرة- فإنه لا يليها إلا الأحداث من الناس، بحيث إنها صارت كلا شىء «1» ، وقد خرجنا عن المقصود في نوع الاستطراد، ولنعد إلى ما كنا فيه. ورأس نوبة ثان يشبك الناصرى، وتعد سبعة من طبلخانات رءوس النوب، وأما العشرات من رءوس النّوب فكثير جدا، وكان جميع رءوس النّوب في أوائل سلطنة برقوق أربعة لا غير، ثم صاروا في دولة الناصر فرج بعد تجريدة الكرك سبعة، فنقول: ما تجدّد من كثرة رءوس النّوب يكون عوضا عما ذهب من تلك الوظائف، فيقول القائل لا نسلم، وأين رونق تلك الوظائف المتعددة كثرة من [رونق] «2» وظيفة واحدة؟! وكذلك كانت الحجّاب ثلاثة: حاجب الحجّاب، وحاجب ميسرة، وهو أيضا مقدم ألف، والحاجب الثالث. فأول من زادهم الظاهر برقوق، وجعلهم خمسة حجاب أمراء عشرات، لا هذه الحرافيش الذين يلونها اليوم «3» الجهلة الفسقة «4» . الدوادار الثانى تمراز الإينالى الأشرفى بإمرة عشرين، وهو من مساوى الدهر. والأمير آخور الثانى خيربك الأشقر المؤيدى أمير عشرين أيضا.

والزّمام والخازندار الطواشى الرومى فيروز النّوروزى أمير طبلخاناه. ومقدّم المماليك السلطانية الطّواشى لؤلؤ الرّومى الأشرفى أمير عشرة. ونائبه عنبر، عتيق التاجر نور الدين الطّنبذى، جنديا بغير إمرة. ونقيب الجيش الأمير ناصر الدين محمد بن أبى فرج بعد أن ولى الأستادارية قبل تاريخه. ووالى القاهرة على بن إسكندر، ووليها بالبذل.

ذكر أعيان مباشرى الدولة من المتعممين

ذكر أعيان مباشرى الدولة من المتعممين كاتب السّرّ محبّ الدين بن الشّحنة الحنفى. وناظر الجيش والخاص معا، عظيم الدولة الصاحب جمال الدين يوسف بن كاتب جكم. والوزير سعد الدين فرج بن النحّال. والأستادار على البرددار بن الأهناسى ووظيفة نظر الدولة ونظر المفرد كل منهما تلاشى أمرهما حتى صارت كلا شىء، سكتنا عن ذكر ذلك لوضاعة قدر من يليها. قلت: ولو سكتنا عن ذكر من يلى الوزر «1» أيضا لكان أجمل، غير أنه لا يسعنا إلا ذكرها لمحلها الرّفيع في سائر الأقطار- فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم. وأما ذكر نظر الجوالى، والإسطبل السلطانى، والبيمارستان، والكسوة، وخزائن السلاح، والخزانة الشريفة، وأشباههم ليس لذكرهم هنا محل، لكونهم في غير هذه الرّتبة. وفي مثل هذا المحل لا يذكر إلا أعيان الوظائف المعدود أصحابها من ذوى الرياسات، وقد ذكرنا تلك الوظائف كلها في تاريخنا الحوادث، إذ هو محل ضبط الولايات والعزل- انتهى. وفي يوم الأحد سادس محرم سنة ثمان وخمسين وثمانمائة ورد الخبر على السلطان من حلب بوفاة الأمير على باى بن طرباى العجمى المؤيّدى أتابك حلب، فرسم السلطان باستقرار الأمير آقبردى السّاقى الظاهرى نائب قلعة حلب أتابكا بحلب عوضه.

واستقرّ في نيابة قلعة حلب الزّينى قاسم بن جمعة القساسى «1» ، وأنعم بتقدمة قاسم المذكور- وكان أخذها قبل ذلك عن سودون القرمانى بمدة يسيرة- على الأمير يشبك البجاسى «2» . واستقرّ مكان يشبك البجاسى في دوادارية السلطان بدمشق خشكلدى الزينى عبد الرحمن بن الكويز. وفي يوم الاثنين حادى عشرين المحرم أيضا وصل إلى القاهرة تقدمة الأمير قانى باى الحمزاوى نائب حلب، تشتمل على جماعة يسيرة من المماليك ومائة فرس لا غير «3» . قلت: وهذا كثير ممن أشيع عنه العصيان ثم أظهر الطاعة في الظاهر، والله متولى السّرائر، وقد أوضحنا أمر قانى باى هذا في غير هذا المحل مع السلطان الملك الأشرف إينال بأوسع من هذا. ثم في صفر رسم بسفر الأمير زين الدين الأستادار إلى القدس بطالا، فلما خرج إلى ظاهر القاهرة قبض عليه، وأخذ إلى القلعة، وصودر ثانيا، وعوقب ووقع له أمور، آخرها أنه ولى الأستادارية- مسئولا في ذلك- فى يوم الثلاثاء رابع عشر صفر، وعزل علىّ بن الأهناسى. وفي يوم الثلاثاء سادس عشرين شهر ربيع الأوّل من سنة ثمان وخمسين المذكورة ركب السلطان الملك الأشرف إينال من قلعة الجبل بغير قماش الخدمة «4» ، ونزل إلى جهة

قبّة النصر خارج القاهرة، ثم عاد من باب النصر، وشقّ القاهرة وخرج من باب زويلة حتى طلع إلى القلعة، وهذا أوّل ركوبه من يوم تسلطن. وفي يوم الاثنين سادس عشر «1» شهر ربيع الآخر ثارت فتنة بسوق الخيل بين المماليك الظاهرية- جقمق- وبين المماليك الأشرفية- برسباى- بالدبابيس «2» ، وأصبح كل من الطائفتين مستعدة للأخرى، فلم يقع شىء ولله الحمد، وقد ذكرنا كيفية الفتنة المذكورة في تاريخنا الحوادث. وفي يوم الاثنين ثالث عشرينه عزل السلطان لؤلؤ الأشرفى عن تقدمة المماليك السلطانية، وأعاد إليها الطواشى مرجانا المحمودى «3» بمال أخذه من مرجان، وإلا فأيش هو الموجب لعزل الرئيس بالوضيع إلا هذا المعنى؟! ثم في يوم الأحد سادس جمادى الأولى عزل السلطان تمراز الأشرفى عن الدّواداريّة الثانية لأمر اقتضى ذلك، وقد أراح الله الناس منه؛ لسوء خلقه، وحدّة مزاجه، وقد ذكرنا من أحواله نبذة كبيرة في غير هذا المحل. وفي يوم الخميس سادس «4» عشر جمادى الأولى المذكورة وصل الأمير جلبّان الأمير آخور نائب الشام إلى القاهرة بعد أن احتفل أرباب الدّولة به، وطلع إلى ملاقاته كلّ أحد، حتى المقام الشهابى أحمد، وطلع إلى القلعة ودخل إلى السلطان بالقصر الأبلق المطلّ على الرّميلة بالخرجة، فلما رآه السلطان قام إليه واعتنقه، بعد أن قبل جلبّان الأرض بين يديه، ثم أجلسه السلطان على ميسرته فوق ولده المقام الشهابى أحمد، ولم يطل جلوسه حتى طلب السلطان خلعته، وخلع عليه خلعة الاستمرار بنيابة دمشق على

عادته «1» فى مكان جلوسه بالخرجة المذكورة، ولم يقع ذلك لأحد من النواب، لأن العادة أنه لا يخلع السلطان على من يخلع عليه إلا بالقصر الأبلق من داخل الخرجة. ثم قام السلطان وخرج إلى القصر، ولم يدع جلبّان المذكور أن يقف، بل أمره أن يتوجّه إلى حيث أنزله السلطان، فنزل محمولا لضعف به ولكبر سنه أيضا، ونزل غالب الأمراء الأكابر وأرباب الدولة بين يديه إلى أن أوصلوه إلى الميدان الكبير بطريق بولاق تجاه بركة الناصرى، ومدّ له مدّة هائلة، وترددت الناس إليه نهاره كلّه، واستمر إلى يوم الأحد عشرينه، فقدّم إلى السلطان تقدمة، وكانت تقدمة هائلة، تشتمل على: عشرة مماليك، ومائتى فرس، منها اثنان بقماش ذهب، والباقى على العادة، وعدة حمالين، منها ستون حمالا عليها قسىّ، كل حمال خمسة أقواس، ومنها مائة وعشرون حمالا بعلبكيا، على كل حمال خمسة أثواب، النصف منها عال موصلى، وستون حمالا عليها أبدان سنجاب «2» ، وعشرة حمالين وشق «3» ، وعدّة حمالين عليها أثواب صوف ملوّنة، وعدة حمالين عليها شقق حرير ملوّن، وأثواب مخمل تزيد على مائة حمال، وطبق مغطى فيه ذهب مبلغ عشرة آلاف دينار على ما قيل. فقبل السلطان ذلك، وخلع على أرباب وظائف جلبّان المذكور خلعا سنيّة، وفرّق السلطان من الخيول على أمراء الألوف جميعهم على قدر مراتهم.

وفي هذا اليوم أيضا رسم السلطان لنقيب الجيش أن يخرج الأمير تمراز الإينالى الأشرفى الدوادار الثانى إلى القدس بطّالا، فنزل وتوجّه به من يومه إلى خانقاه سرياقوس، قلت «1» : [السريع] ما يفعل الأعداء في جاهل ... ما يفعل الجاهل في نفسه فإن تمراز هذا كان في الدولة الظاهرية- جقمق- من جملة الأمراء والعشرات وكان ممن لا يؤبه إليه، حتى مات الظاهر، وثار مع الملك الأشرف إينال لما وثب على الملك المنصور عثمان مع من انضم إليه من المماليك الظاهرية والأشرفية وغيرهم، فلما تسلطن الأشرف قرّب تمراز هذا، وجعله دوادارا ثانيا، وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه، وصار له كلمة في الدولة وحرمة وافرة، وهابته الناس لشراسة خلقه وحدة مزاجه، وباشر الدوادارية أقبح مباشرة من الظلم والعسف والإخراق بالناس والبطش بحواشيه وأرباب وظائفه ومماليكه، حتى تجاوز الحد، وما كفاه ذلك حتى صار يخاطب السلطان بما يكره، وبقى في كل قليل يغضب ويعزل نفسه، ووقع ذلك غير مرّة، فلما زاد وخرج عن الحد عزله السلطان، ولزم داره أياما، ثم خرج إلى القدس بطّالا «2» . وفي «3» يوم الاثنين حادى عشرين جمادى الأولى خلع السلطان على الصاحب

أمين الدين بن الهيصم باستقراره وزيرا على عادته أولا، بعد عزل فرج بن النّحال، وكان أحقّ بها وأهلا لها. وفي يوم الاثنين هذا أيضا خلع السلطان على مملوكه صهره الأمير بردبك الدوادار الثانى باستقراره في الدواداريّة الثانية عوضا عن تمراز الأشرفى المقدّم ذكره. وفي يوم الأربعاء خامس عشر جمادى الآخرة استقرّ القاضى تاج الدين عبد الله ابن المقسى كاتب المماليك السلطانية عوضا عن الصاحب سعد الدين فرج بن النّحال. قلت: وتاج الدين هذا مستحق لأعظم الوظائف؛ لما اشتمل عليه من حسن الخلق والخلق. وفي يوم الجمعة ثانى عشرين شهر رجب سافر الأمير بردبك الدوادار الثانى إلى القدس الشريف، وصحبته كسوة مقام سيدنا الخليل إبراهيم عليه السلام التي صنعها السلطان الملك الأشرف هذا، وخرج بردبك المذكور من القاهرة بتجمل زائد، ومعه جماعة من الأعيان، مثل القاضى شرف الدين الأنصارى، ناظر الكسوة ووكيل بيت المال، والسيفى شاهين الساقى وغيرهما. وفي يوم الخميس سادس شعبان وصل إلى القاهرة الأمير برشباى الإينالى المؤيّدى، أحد أمراء الطبلخانات المتوجّه قبل تاريخه في الرسلية إلى ملك الروم السلطان محمد بن عثمان، وعليه خلعة ابن عثمان المذكور، وهو لابس لبس الأروام وخلعهم على العادة «1» . وفيه رسم السلطان بتعويق جوامك أولاد الناس والمرتبين من الضعفاء والأيتام على ديوان السلطان، وعرضهم السلطان وقطع جماعة كبيرة، وبينما هو في ذلك وصل

الأمير بردبك من القدس، وحذّر السلطان من الدعاء عليه، ونهاه عن هذه الفعلة فانفعل «1» له، وترك كل واحد على حاله، ونودى بذلك بشوارع القاهرة، فعدّ من محاسن بردبك المذكور. وفي يوم السبت حادى عشر ذى القعدة اختفى الوزير أمين الدين بن الهيصم، لعجز متحصّل الدولة عن القيام بالكلف السلطانية، فتغيّر السلطان بسبب ذلك على جماعة «2» ، وقبض على الأمير زين الدين الأستادار في يوم الاثنين وحبسه بالقلعة، وخلع على الأمير ناصر الدين محمد بن أبى فرج نقيب الجيش «3» باستقراره في الأستادارية عوضا عن زين الدين على كره منه في الوظيفة، مضافا إلى نقابة الجيش، وخلع على سعد الدين فرج بن النحال باستقراره وزيرا على عادته، وهذه ولاية فرج الثانية للوزر، وأنعم عليه بكتابة المماليك، وعزل القاضى تاج الدين المقسى. ثم في يوم الأربعاء خامس عشر ذى القعدة ضرب السلطان زين الدين الأستادار، وألزمه بجملة كبيرة من المال، فأخذ زين الدين في بيع قماش بدنه وأثاث بيته، ثم أخذه الصاحب جمال الدين ناظر الجيش والخاص، وتسلمه من السلطان، ونزل به إلى بيته، فدام عنده أيّاما، ثم رسم له بالتوجه إلى داره، وأنه يسافر إلى القدس، فتجهّز زين الدين وخرج إلى القدس في يوم الجمعة ثانى ذى الحجة. ثم في يوم الاثنين خلع السلطان على شخص من الأقباط يعرف بابن النجار «4» ، واستقرّ به ناظر الدّولة «5» بعد شغورها مدة «6» طويلة، وصار رفيقا للوزير فرج «7» .

ما وقع من الحوادث سنة 859

وفي يوم الاثنين سادس عشرين ذى الحجة نزلت المماليك الجلبان الأشرفية من الأطباق، وهجمت دار الأستادار الأمير ناصر الدين محمد بن أبى الفرج، ونهبوا جميع ما كان له في داره «1» من غير أمر أوجب ذلك، فلم يسع الأستادار إلا الاستعفاء، فأعفى بعد أمور. وخلع السلطان على قاسم الكاشف بالغربية وغيرها بالأستادارية عوضا عن ابن أبى الفرج المذكور. قلت: وهذا أول ظهور أمر «2» مماليك الأشرف الجلبان «3» ، وما سيأتى فأعظم. [ما وقع من الحوادث سنة 859] وفي يوم الأحد ثانى محرم سنة تسع وخمسين وثمانمائة أشيع بين الناس وقوع فتنة، وكثر كلام الناس في هذا المعنى حتى بلغ السلطان ذلك، فلم يلتفت السلطان لقول من قال. وفي يوم الأربعاء رابع عشرين صفر من سنة تسع وخمسين المذكورة وصل مملوك الأمير جانبك الناجى للمؤيّدى نائب غزّة يخبر بموت الأمير جلبّان نائب الشام، ثم وصل بعد ذلك سيف جلبّان المذكور على يد يشبك المؤيّدى الحاجب الثانى. ثم في يوم الخميس خامس عشرين صفر رسم السلطان للأمير قانى باى الحمزاوى- نائب حلب- بأن يستقرّ في نيابة الشّام عوضا عن جلبّان بحكم وفاته، وحمل إليه التقليد والتشريف الأمير يونس العلائى الناصرى، المعزول قبل تاريخه عن نيابة الإسكندرية. وخلع السلطان في اليوم المذكور على الأمير جانم الأشرفى باستقراره في نيابة

حلب عوضا عن قانى باى الحمزاوى على كره من جانم المذكور في ذلك «1» ، واستقرّ مسفّر جانم الأمير بردبك الدّوادار الثانى وصهر السلطان مع توجه بردبك أيضا إلى تركة الأمير جلبّان بدمشق. وأنعم السلطان بإقطاع جانم المذكور على الأمير يونس العلائى المقدم ذكره، وهو إمرة مائة وتقدمة ألف. وأنعم بإقطاع يونس المذكور على الأمير بردبك الدوادار، وصار «2» بردبك أمير طبلخاناه، وأنعم بإقطاع بردبك المذكور على أرغون شاه وتنبك الأشرفيين، كل واحد منهما أمير خمسة. وفي يوم الاثنين تاسع عشرين صفر من سنة تسع وخمسين وثمانمائة المذكورة استقرّ شمس الدين نصر الله بن النجار ناظر الدّولة وزيرا عوضا عن سعد الدين فرج بن النحال بحكم عزله، فلم تر عينى فيما رأيت ممن لبس خلع الوزارة أقبح زيّا منه، حتى إنه أذهب رونق الخلعة مع حسن زىّ خلعة الوزارة وأبّهة صفتها، ولو منّ الله سبحانه وتعالى بأن يبطل اسم الوزير من الديار المصرية في هذا الزمان كما أبطل أشياء كثيرة منها لكان ذلك أجود وأجمل بالدولة، ويصير الذي بلى هذه الوظيفة يسمى ناظر الدولة، لأن هذا الاسم عظيم وقد سمى به جماعة كبيرة من أعيان الدنيا قديما وحديثا في سائر الممالك والأقطار، مثل جعفر بن يحيى بن خالد البرمكى وغيره، إلى الصاحب إسماعيل بن عبّاد، وهلم جرا، إلى القاضى الفاضل عبد الرحيم، ثم بنى حنّاء وغيرهم من العلماء والأعيان، إلى أن تنازلت ملوك مصر في أواخر القرن الثامن حتى وليها في أيامهم أوباش الناس وأسافل الكتبة الأقباط، وتغير رسومها، وذهب بهم أبّهة هذه الوظيفة الجليلة التي لم يكن في الإسلام بعد الخلافة أجل منها ولا أعظم، وصارت بهؤلاء

الأصاغر في الوجود كلا شىء، وليت مع ذلك كان يلى هذه الوظيفة من هؤلاء الأسافل من يقوم بما هو بصدده، بل يباشر ذلك بعجز وضعف وظلم وعسف، مع ما يمدّه السلطان بالأموال «1» من الخزانة الشريفة «2» ، فليت شعرى لم لا كان ذلك مع من هو أهل للوزارة وغيرها- فلا قوة إلا بالله. وباشر ابن النجّار الوزر أشرّ مباشرة، وأقبح طريقة، ولم تطل أيّامه، وعجز وبلغ السلطان عجزه، فلما كان يوم الخميس أول شهر ربيع الآخر طلب السلطان الوزراء الثلاثة ليختار منهم من يوليه، وهم: ابن النجّار الذي عجز عن القيام بالكلف السلطانية، والصاحب أمين الدين بن الهيصم، وسعد الدين فرج بن النحّال، فوقع في واقعة طريفة، وهى أن السلطان لما أصبح وجلس على الدكّة من الحوش استدعى أوّلا ابن النجّار، فقيل له: هرب واختفى، فطلب أمين الدين بن الهيصم، فقيل له: مات فى هذه الليلة، وإلى الآن لم يدفن، فطلب فرج بن النحّال، فحضر، وهو [الذي] «3» فضل من الثلاثة، فكلّمه السلطان أن يستقرّ وزيرا على عادته، فامتنع واعتذر بقلّة متحصّل الدّولة، وفي ظنّه أن السلطان قد احتاج إليه بموت ابن الهيصم وتسحّب ابن النجّار، وشرع يكرّر قوله بأن «4» لحم المماليك السلطانية المرتب لهم في كل يوم ثمانية عشر ألف رطل، خلا تفرقة الصّرر التي تعطى لبعض المماليك السلطانية وغيرهم، عوضا عن مرتب اللحم، فلما زاد تمنّعه أمر به السلطان فحطّ إلى الأرض وتناولته رءوس النّوب بالضرب المبرح «5» إلى أن كاد يهلك، ثم أقيم ورسم عليه بالقلعة عند الطواشى فيروز الزّمام والخازندار إلى أن عملت مصالحة وأعيد للوزر. وفي يوم الخميس تاسع عشرين شهر ربيع الآخر أنعم السلطان على الأمير قانم من صفر خجا المؤيّدى المعروف بالتّاجر بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية بعد موت

خيربك الأجرود المؤيّدى، وأضيف إقطاع المذكور وهو إمرة طبلخاناه إلى الدّولة. ثم في يوم الاثنين سلخ جمادى الآخرة كانت وقعة المماليك الظاهرية الجقمقيّة مع الملك الأشرف إينال، وسبب هذه الفتنة ثورة المماليك الأجلاب أوّلا، وأفعالهم القبيحة بالناس، ثم عقب ذلك أن السلطان كان عيّن تجريدة إلى البحيرة، نحوا من خمسمائة مملوك، وعليهم من أمراء الألوف الأمير خشقدم المؤيّدى أمير سلاح، والأمير قرقماس رأس نوبة النّوب، وعدّة من أمراء الطبلخانات والعشرات، ورسم لهم السلطان بالسفر فى يوم الاثنين، هذا ولم يفرّق السلطان على المماليك المكتوبة «1» للسفر الجمال على العادة، فعظم ذلك عليهم، وامتنعوا إلى أن أخذوا الجمال. وسافر الأمير خشقدم في صبيحة يوم الاثنين المذكور، وتبعه الأمير قرقماس فى عصر نهاره، وأقاما ببرمنبابة تجاه بولاق، فلم يتبعهم أحد من المماليك المعيّنة معهم بل وقف غالبهم بسوق الخيل تحت القلعة ينتظرون تفرقة الجمال عليهم «2» ، إلى أن انفضّ الموكب السلطانى، ونزلت الأمراء إلى جهة بيوتهم، فلما صار الأمير يونس الدوادار بوسط الرّميلة احتاطت به المماليك الأجلاب، وعليه الكلفتاة وقماش الخدمة وداروا حوله وهم في كثرة «3» ، وأرادوا الكلام معه بسبب زيادة جوامكهم، وأنه يكلّم السلطان، فتبين لمماليك يونس الغدر بأستاذهم، فتحلّقوا عليه ومنعوهم من الوصول إليه، فصار يونس في حلقة من مماليكه، ومماليكه في حلقة كبيرة من المماليك الأجلاب، وطال الأمر بينهم، ويونس لا يستطيع الخروج، وتحقق الغدر، فأمر مماليكه بأشهار سيوفهم ففعلت ذلك، ودافعت عنه، وجرح من المماليك الأجلاب جماعة، وقطع أصابع بعضهم، وشقّ بطن آخر على ما قيل، فعند ذلك انفرجت ليونس فرجة خرج منها غارة إلى جهة داره، ونزل بها، ورمى عنه قماش الموكب، ولبس قماش الرّكوب،

وطلع من وقته إلى القلعة من أعلى الكبش، ولم يشق الرّميلة، وأعلم السلطان بخبره، فقامت لذلك قيامة المماليك الأجلاب، وقالوا: «نحن ضربناهم بالدبابيس فضربونا بالسيوف» ، وثاروا على أستاذهم ثورة واحدة، وساعدهم جماعة من المماليك القرانيص وغيرهم لما في نفوسهم من السلطان لعدم تفرقة الجمال وغيرها، ووقفوا بسوق الخيل وأفحشوا في الكلام في حقّ السلطان، وهددوه إن لم يسلم لهم الأمير يونس، والسلطان لا يتكلم إلى أن حرّكه بعضهم، فأرسل إليهم بالأمير جانبك الناصرى المرتد، والطواشى مرجان مقدّم المماليك السلطانية، فسألاهم عن غرضهم، فقالوا بلسان واحد: «نريد غريمنا الأمير يونس» ، وخشّنوا في القول، فعاد جانبك بالجواب، فأرسل السلطان إليهم ثانيا بنو كارالزردكاش، فأعادوا له القول الأول، ثم ساقوا غارة إلى بيت يونس الدّوادار «1» ، فمنعوهم مماليكه من الدخول إلى دار يونس، فجاءوا بنار ليحرقوا الباب، فمنعوهم من ذلك أيضا، فعادوا إلى سوق الخيل، فوافوا المنادى ينادى من قبل السلطان بالأمان، فمالوا على المنادى بالدبابيس، فسكت من وقته، وهرب إلى حال سبيله. هذا وقد طلعت جميع أمراء الألوف إلى عند السلطان، والسلطان على حالة السكوت غير أنه طلب بعض مماليكه الأجلاب الأعيان، وكلمه بأنه يعطى من جرح من الأجلاب ما يكفيه، وأنه يعطى للذي قطعت أصابعه إقطاعا ومائة دينار «2» ، فلم يقع الصلح، وانفضّ الأمر على غير طائل لشدة حرّ النهار. ولما تفرّقت المماليك نزلت الأمراء إلى دورهم، ما خلا الأمير يونس الدوادار، فإنه بات في القلعة. فلما أصبح يوم الثلاثاء أول شهر رجب ضرب السلطان الكرة مع الأمراء بالحوش السلطانى من القلعة، وفرغ من ذلك، وأراد كل أمير أن ينزل إلى داره، فبلغهم أن

المماليك الأجلاب وقوف على حالهم الأول بسوق الخيل «1» بغير سلاح كما كانوا في أمسه «2» ، فلما تضحّى النهار أرسل إليهم السلطان بأربعة أمراء، وهم: الأمير يونس العلائى أحد مقدمى الألوف، وسودون الإينالى المؤيّدى قراقاش رأس نوبة ثان، ويلباى الإينالى المؤيّدى أحد أمراء الطبلخانات، ورأس نوبة، وبردبك البجمقدار أحد الطبلخانات أيضا ورأس نوبة، فنزلوا إليهم من القلعة فما كان إلا أن وقع بصر المماليك الأجلاب على هؤلاء الأمراء احتاطوا بهم، وأخذوهم بعد كلام كثير، ودخلوا بهم إلى بيت الأمير خشقدم أمير سلاح تجاه باب السلسلة، ورسّموا عليهم بعضهم. كل ذلك والمماليك الظاهرية الجقمقية وقوف على بعد، لا يختلطون بهم، لينظروا ما يصير من أمرهم، فلما وقع ما ذكرناه تحققوا خروجهم على أستاذهم، وثار ما عندهم من الكمائن التي كانت كامنة في صدورهم من الملك الأشرف إينال لما فعل بابن أستاذهم الملك المنصور عثمان، وحبس خچداشيتهم، وتقريب أعدائهم الأشرفية مماليك الأشرف برسباى، فانتهزوا الفرصة، وانضافوا إلى المماليك الأجلاب، وعرّفوهم أن الأمر لا يتم إلا بحضرة الخليفة ولبس السلاح، فساق قانى باى المشطوب أحد المماليك الظاهرية من وقته إلى بيت الخليفة القائم بأمر الله حمزة، وكان في الخليفة المذكور خفة وطيش، فمال إليهم، ظنا أنه يكون مع هؤلاء وينتصر أحدهم ويتسلطن، فيستفحل أمره ثانيا أعظم من الأوّل، وسببه أنه كان لما ولّاه الظاهر جقمق الخلافة بعد أخيه المستكفى بالله سليمان صار تحت أوامر الظاهر، لأنه هو الذي استخاره وولاه الخلافة، فلما ثار إينال على المنصور عثمان وطلبه وجاء إلى عنده قوى أمر إينال بمجيء الخليفة عنده، فلما تسلطن عرف إينال له ذلك، ورفع محلّه أضعاف ما كان أوّلا، وزاده عدة إقطاعات، وصارت

له حرمة وافرة في الدولة إلى الغاية، فلما كانت هذه الفتنة ظن في نفسه أنه يوافقهم، فإذا تسلطن أحد منهم رفع محلّه زيادة على ما فعل إينال، ويصير الأمر كلّه بيده، وما يدرى بأن لسان الحال يقول له: [الرجز] خير الأمور الوسط ... حبّ التناهى غلط ما طار طير وارتفع ... إلا كما طار وقع ولما حضر الخليفة عندهم تكامل لبسهم السلاح، وانضافت إليهم خلائق من المماليك السيفية، وأوباش الأشرفية، وغيرهم من الجياع الحرافيش، فلما رأت الأجلاب أمر الظاهريّة حسبوا العواقب، وخافوا زوال ملك أستاذهم، فتخلوا عن الظاهريّة قليلا بقليل، وتوجّه كل واحد إلى حال سبيله، فقامت الظاهرية بالأمر وحدهم، وما عسى يكون قيامهم من غير مساعدة، وقد تخلّى عنهم جماعة من أعيانهم وخافوا عاقبة هذه الفتنة؟!. هذا وقد تعبأ السلطان لحربهم، ونزل من القلعة إلى باب السّلسلة من الإسطبل السلطانى، وتناوش القوم بالسهام، وأرادوا المصاففة، فتكاثر عليهم السلطانية، وصدموهم صدمة واحدة بددوا شملهم، بل كانوا تشتتوا قبل الصدمة أيضا، وهجموا السلطانية في الحال إلى بيت الأمير خشقدم أمير سلاح، وأخذوا الأمراء المرسّم عليهم، وأخذوا فيمن أخذوا الخليفة معهم، وطلعوا بهم إلى السلطان. فلما رأى السلطان الخليفة وبخه بالكلام الخشن، وأمر بحبسه بالبحرة من قلعة الجبل، وخلعه من الخلافة بأخيه يوسف في يوم الخميس ثالث شهر رجب المذكور، ثم سفّر الخليفة القائم بأمر الله المذكور في يوم الاثنين سابع رجب إلى سجن الإسكندرية فسجن بها مدة سنين، ثم أطلق من السجن، وسكن بالإسكندرية إلى أن مات بها في أواخر سنة اثنتين وستين وثمانمائة.

ولما بلغ الأمير خشقدم أمر هذه الفتنة عاد من برّمنبابة، وطلع إلى القلعة، ومعه رفيقه قرقماس رأس نوبة النوب في يوم الأربعاء، وحضرا الموكب في باكر يوم الخميس، ثم عادا إلى برّمنبابة بمخيّمهما، ثم فرّق السلطان الجمال على المماليك السلطانيّة، وسافروا صحبة الأميرين المذكورين «1» إلى ما عيّنوا إليه، وتفرقت من يوم ذاك أجلاب السلطان فرقتين: فرقة وهم الذين اشتراهم من كتابية الظاهر جقمق وابنه، وفرقة اشتراهم هو في أيام سلطنته. وقويت الفرقة الذين اشتراهم على الفرقة الظاهرية، ومنعوهم من الطلوع إلى القلعة، والسكنى بالأطباق، وقالوا ما معناه: إنكم سوّدتم وجوهنا عند أستاذنا، وأظن ذلك كلّه زورا وبهتانا مع أن الأشرف كان هو لا يقطع فيهم قربته بهذا ولا بغيره، وهو مستمر على محبتهم كما كان أولا، فلعمرى إذا كان هذا فعلهم به وهو راض، فما عساه يرجعهم عن ظلم غيره؟! فهذا مستحيل. ولما انتهت الوقعة وخلع السلطان الخليفة أمسك جماعة من المماليك الظاهرية وحبسهم بالبرج من قلعة الجبل، ونفى بعضهم واختفى بعضهم، وأخرج قوزى السّاقى الظاهرى- وكان تأمر عشرة- ومعه عشرين مملوكا من المماليك الظاهرية إلى البلاد الشامية، مع أن قوزى المذكور لا في العير ولا في النّفير، وسافروا في يوم الجمعة تاسع شهر شعبان، وسكن الأمر كأنه لم يكن، لحسن سياسة السلطان فى تسكين أخلاط الفتن- انتهى. وفي يوم الأربعاء حادى عشرين شعبان ورد الخبر على السلطان بمسك الأمير يشبك النّوروزى نائب طرابلس بأمر السلطان، لأن السلطان كان قبل تاريخه أرسل إينال الجلبّانى القجقى الخاصكى إلى طرابلس، وعلى يده ملطفات في الباطن،

بمسك يشبك المذكور وحبسه بالمرقب «1» ، وتولى عوضه نيابة طرابلس الأمير حاج إينال اليشبكى نائب حماة، وحمل إليه التقليد والتشريف الأمير يشبك الفقيه المؤيدى، واستقر في نيابة حماة عوضه الأمير إياس المحمدى الناصرى نائب صفد، وحمل إليه التقليد والتشريف الأمير قانصوه المحمدى الأشرفى، واستقر في نيابة صفد عوضا عن إياس الأمير جانبك التاجى المؤيدى نائب غزة، وحمل إليه التقليد تمرباى من حمزة المعروف بططر الناصرى «2» ، واستقر في نيابة غزة عوضا عن جانبك التاجى خيربك النوروزى أحد أمراء صفد، ومسفّره سنقر قرق شبق الأشرفى الخاصكى. ثم رسم السلطان أيضا بنقل الأمير آقبردى الساقى الظاهرى من أتابكية حلب إلى نيابة ملطية، بعد عزل قانى باى الناصرى، واستقر في أتابكية حلب عوضا عن آقبردى سودون من سيدى بك الناصرى القرمانى أتابك طرابلس، وصار مغلباى البجاسى أحد أمراء طرابلس وحاجب حجابها أتابك طرابلس عوضا عن سودون القرمانى المذكور، وولى حجوبية طرابلس يشبك دوادار قانى باى البهلوان- وهو رجل من الأوباش، لم تسبق له رئاسة- بالبذل، انتقل إليها من نيابة المرقب، ثم أخرج السلطان سنطباى الظاهرى رأس نوبة الجمداريّة- كان- منفيّا إلى طرابلس فى أوائل شهر رمضان «3» . ثم في يوم الأحد عاشر شهر رمضان المذكور ورد الخبر على السلطان من مكة بموت الشريف بركات بن حسن بن عجلان أمير مكة، فأقرّ السلطان ولده الشريف محمدا في

إمرة مكة عوضه، بسفارة الأمير جانبك الظاهرى نائب جدّة بمكاتبته، ثم وصل نائب جدّة بعد ذلك إلى القاهرة، وتم أمر ولاية محمد بقدومه بخمسين ألف دينار، يحمل منها عاجلا عشرين ألف دينار، وما بقى آجلا على نقدات «1» متفرقة، هكذا حكى لى الأمير جانبك من لفظه، هذا غير ما يدفعه الشريف محمد المذكور لأرباب الدّولة بالدّيار المصرية ولولد السلطان وزوجته، فإن زوجة السلطان وولده صار لهما نصيب وافر مع السلطان في كل هدية ورشوة. ثم رسم السلطان أيضا بعزل أبى السعادات قاضى مكّة «2» ، وولاية الإمام محب الدين الطبرى «3» إمام مقام إبراهيم عليه السلام بغير سعى. ورسم أيضا باستقرار الشيخ برهان الدين إبراهيم بن ظهيرة «4» فى نظر حرم مكّة، بعد عزل الشيخ طوغان الأشرفى «5» عنها، وخرج إليها الأمر صحبة الحاج في الموسم. وكان أمير حاج المحمل في هذه السنة الأمير بردبك البجمقدار الظاهرى، أحد أمراء الطبلخانات ورأس نوبة، وأمير الرّكب الأول الناصرى محمد ابن الأمير جرباش المحمدى الأمير آخور الكبير، وصحبته والدته خوند شقراء بنت الناصر فرج بن برقوق،

ما وقع من الحوادث سنة 860

وسافر أيضا في هذه السنة إلى الحجاز الأمير بيبرس الأشرفى- خال العزيز يوسف- باشا [ليكون مقدما] «1» للمماليك السلطانية المجاورين بمكة المشرفة. وفي أوائل ذى القعدة رسم السلطان بهدم «2» تربته التي كان أنشأها أيّام إمرته «3» وإعادتها مدرسة، وخلع على الصاحب جمال الدين يوسف ناظر الجيش والخاص بالنظر على عمارتها. وفي عشر ذى الحجة- وهو يوم عيد الأضحى- صلى السلطان صلاة العيد بالجامع الناصرى بقلعة الجبل، ثم خرج من الجامع بسرعة، وذهب إلى الحوش السلطانى، ونحر ضحاياه به. وكانت العادة أن السلطان إذا خرج من صلاة العيد جلس بالإيوان ومعه الأمراء وذبح به، ثم «4» يتوجّه من الإيوان إلى باب الستارة وينحر به أيضا ويفرّق ما يذبحه «5» ثم بعد ذلك يتوجه إلى الحوش ويذبح به، فلم يفعل السلطان شيئا من ذلك، خوفا من مماليكه الأجلاب، فإنهم رجموه في العام الماضى وأخرقوا به وبأمرائه غاية الإخراق، ورجموه وهجموا عليه حيث كان ينحر الضحايا حتى إنه قام من مقامه فزعا بعد أن أصاب جماعة من الأعيان الرجم. وفرغت هذه السنة وقد قوى أمر المماليك الأجلاب. [ما وقع من الحوادث سنة 860] واستهلت سنة ستين وثمانمائة. فلما كان يوم الاثنين خامس المحرم نزلت المماليك الأجلاب من الأطباق، وقصدوا بيت الوزير فرج بن النحال لينهبوا ما فيه، وكأنه أحسّ بذلك وشال ما كان في بيته،

فلما دخلوا البيت لم يجدوا فيه ما يأخذونه، فمالوا على من هو ساكن بجوار بيت فرج المذكور فنهبوهم بحيث إنهم أخذوا غالب متاع الناس، ولا قوة إلا بالله. وفي يوم الأربعاء حادى عشرين المحرم ورد الخبر على السلطان بموت الأمير آقبردى الساقى نائب ملطية بها، فرسم السلطان لجانبك الجكمى المعزول عن نيابة ملطية قبل ذلك بنيابة ملطية على عادته أولا، ورسم بأن يستقرّ في نيابة طرسوس عوضا عن جانبك الجكمى آقباى السيفى جار قطلو، وكان آقباى أيضا ولى نيابة طرسوس قبل ذلك. وفي يوم الأربعاء ثالث عشر صفر من سنة ستين المذكورة أخرق المماليك الأجلاب بعظيم الدولة الصاحب جمال الدين ناظر الجيش والخاص بغير سبب أوجب ذلك، وشقّ ذلك على كل أحد، ولم تنتطح في ذلك شاتان. وفي يوم السبت ثامن عشر جمادى الأولى من سنة ستين أيضا وصل قاصد السلطان محمد بن مراد بك بن عثمان متملّك بلاد الرّوم، وهو جمال الدين عبد الله القابونى، وطلع إلى السلطان في يوم الثلاثاء وعلى يده كتاب مرسله، يتضمن البشارة بفتح قسطنطينيّة، والكتاب نظم ونثر، وقفت عليه وعلى جوابه من السلطان من إنشاء القاضى معين الدين عبد اللطيف بن العجمى «1» نائب كاتب السّرّ، وأثبتّ الكتاب الوارد والجواب كليهما في تاريخنا «حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور» إذ هو محل ضبط هذه الأشياء. وفي يوم الخميس خامس عشر جمادى الآخرة من السنة أمسك السلطان الأمير زين الدين الأستادار، ووضع في عنقه الجنزير، وحطّه إلى الأرض ليضربه، ثم رفع من على الأرض بغير ضرب، وحبس عند الطواشى فيروز الزّمّام

والخازندار، واستقرّ عوضه في الأستادارية سعد الدين فرج بن النحّال الوزير، واستقرّ علىّ بن الأهناسى البرددار وزيرا عوضا عن فرج المذكور، فلما سمعت المماليك الأجلاب بهذا العزل والولاية نزلوا من وقتهم غارة إلى بيت الأستادار لينهبوه، فمنعهم مماليك زين الدين، وقاتلوهم وأغلقوا الدروب، فلما عجزوا عن نهب بيت زين الدين نهبوا بيوت الناس من عند بيت زين الدين إلى قنطرة أمير حسين «1» ، فأخذوا ما لا يدخل تحت حصر كثرة. واستمروا في النهب من باكر النّهار إلى قريب العصر، وفعلوا بالمسلمين أفعالا لا تفعلها الكفرة ولا الخوارج مبالغة، وهذا أعظم مما كان وقع منهم من نهب جوار بيت الوزير فرج، فكانت هذه الحادثة من أقبح الحوادث الشنيعة التي لم نسمع بأقبح منها في سالف الأعصار. ومن ثم دخل في قلوب الناس من المماليك الأجلاب من الرجيف والرّعب أمر لا مزيد عليه، لعلمهم أنه مهما فعلوا جاز لهم، وأن السلطان لا يقوم بناصر من قهر منهم. ووقعت حادثة عجيبة مضحكة، وهى أنه لما عظم رجيف الناس والعامة من هذه المماليك الأجلاب انفق أن جهاز بنت الناصرى محمد بن الثّلّاج الأمير آخور خرج من بيت أبيها إلى بيت زوجها الأمير جانبك قرا الأشرفى، وحمل ذلك على رءوس الحمّالين والبغال كما هى عادة المصريين، وسارت الحمالون بالمتاع فوقع من على رأس بعضهم قطعة نحاس، فجفل من ذلك فرس بعض الأجناد، فحنق الجندى من فرسه وضربه، ثم ساقه، فلم تشك العامة أن المماليك نزلوا إلى نهب

حوانيت القاهرة، فأغلقت القاهرة في الحال، وماحت الناس، وتعطلت المعايش، وحصل على الرعية من الانزعاج أمر كبير من غير موجب- انتهى. وفي هذه الأيام كان الفراغ من مدرسة السلطان التي هدمها وبناها بالصحراء، وقرئ بها ختمة شريفة، وحضرت الأعيان من الأمراء وغيرهم ما خلا السلطان. ثم في يوم الاثنين ثالث شهر رجب من سنة ستين المذكورة أفرج السلطان عن زين الدين [يحيى] «1» الأستادار، ورسم له بأن ينزل إلى بيت الصّاحب جمال الدين ليحمل ما تقرّر عليه إلى الخزانة الشريفة- وهو مبلغ عشرة آلاف دينار- ثم ينفى بعد تغليقه المال إلى حيث يأمر به السلطان، ولما غلّق ما ألزم به من المال، سافر في يوم الاثنين أول شعبان إلى المدينة الشريفة من على طريق الطّور. ثم سافر قاصد ابن عثمان إلى جهة مرسله في يوم الجمعة خامس شعبان، وتبعه قاصد السلطان إلى ابن عثمان المذكور، وهو السّيفى قانى باى اليوسفى المهمندار. وفيه ورد الخبر على السلطان بأن السلطان إبراهيم بن قرمان صاحب لارندة «2» وغيرها من بلاد الرّوم طرق معاملة السلطان، واستولى على مدينة طرسوس وأذنة «3» وكولك «4» ، فغضب السلطان من ذلك، وأمر بخروج تجريدة من الدّيار المصريّة لقتال ابن قرمان المذكور، وعيّن جماعة من الأمراء والمماليك يأتى ذكرهم عند سفرهم من القاهرة.

وفي يوم الأربعاء ثالث عشرين شهر رمضان نودى بالقاهرة من قبل السلطان بعدم تعرّض المماليك الأجلاب إلى الناس والباعة والتجار، فكانت هذه المناداة كضرب رباب أو كطنين ذباب، واستمرّوا على ما هم عليه من أخذ أموال الناس والظلم والعنف حتى غلت الأسعار في سائر الأشياء من المأكول والملبوس والغلال والعلوفات، وصاروا يخرجون إلى ظواهر القاهرة، ويأخذون ما يجدون من الشّعير والتّبن والدّريس بأبخس الأثمان إن أعطوا ثمنا، وإن شاءوا أخذوه بلا ثمن، وكلّ من وقع له ذلك معهم لم يعد ثانيا إلى بيع ذلك الصنف إلا أن يكون محتاجا لبيعه، فعزّت لذلك هذه الأصناف بحيث إنها صارت أقل وجودا من أيّام الغلاء، فصار هذا هو الغلاء بعينه، وزيادة على الغلاء عدم الشيء. ثم شرعوا في نهب حواصل البطيخ الصيفى وغيره، ثم تزايد أمرهم، وشرعوا يفعلون ذلك مع تجار القماش وغيره، فغلت جميع الأسعار مع كثرتها عند أربابها، فضرّ ذلك بحال الناس قاطبة، رئيسها وخسيسها، وهذا أول أمرهم «1» ، وما سيأتى فأهول. وفي يوم الاثنين تاسع عشر شوال خرج أمير حاج المحمل بالمحمل من بركة الحاج «2» ، وهو الأمير قائم من صفر خجا أحد مقدّمى الألوف، وسار إلى البركة دفعة واحدة، فكان عادة أمراء المحمل النزول بالمحمل إلى الريدانية، فبطل ذلك، وصاروا يتوجهون إلى البركة في مسير واحد، وأمير الرّكب الأوّل عبد العزيز بن محمد الصغير أحد الأجناد. وفي هذه الأيّام كانت عافية الصاحب جمال الدين ناظر الجيش والخاص من مرض

ما وقع من الحوادث سنة 861

أشرف فيه على الموت، وطلع إلى القلعة، وخلع السلطان عليه ونزل إلى داره في يوم مشهود لم ير مثله إلا نادرا. وفي يوم الخميس سابع عشرين ذى القعدة استقرّ الأمير سودون النوروزى السلاح دار أحد أمراء الطبلخانات في نيابة قلعة الجبل بعد موت قانى باى الأعمش النّاصرى، وأنعم السلطان بإقطاع قانى باى المذكور على ولده الصغير المقام الناصرى محمد، والإقطاع إمرة عشرة. [ما وقع من الحوادث سنة 861] واستهلت سنة إحدى وستين وثمانمائة يوم الاثنين الموافق لثالث كيهك أحد شهور القبط. فلما كان يوم السبت سادس المحرم ضرب السلطان والى القاهرة خيربك القصروى، وعزله عن ولاية القاهرة، وحبسه بالبرج على حمل عشرة آلاف دينار، فدام في البرج إلى أن أطلق في يوم عاشره، واستقر عوضه في ولاية القاهرة على بن إسكندر، واستقرّ في نقابة الجيش الأمير ناصر الدين بن أبى الفرج- على عادته أوّلا- عوضا عن على بن إسكندر المذكور «1» . وفي يوم السبت هذا نودى أيضا على الذّهب بأن يكون صرف الدّينار الذي هو وزن درهم وقيراطين ثلاثمائة درهم نقرة، وكان بلغ صرفه قبل ذلك إلى ثلاثمائة وسبعين نقرة، وأضرّ ذلك بحال الناس زيادة على ما هم فيه من أمر المماليك الأجلاب. وفي يوم الاثنين خامس عشر المحرم المذكور ورد الخبر على السلطان بموت يشبك «2» حاجب حجّاب طرابلس، فرسم باستقرار شادبك الصارمى «3» عوضه في حجوبية الحجاب، والمتوفى والمولّى كلاهما ولى بالبذل.

وفي يوم الخميس ثالث صفر ثارت المماليك الأجلاب على السلطان، وأفحشوا فى أمره إلى الغاية. وخبر ذلك أن السلطان لما كان في يوم الخميس المذكور وهو جالس بقاعة الدهيشة، وكانت الخدمة بطّالة في هذا اليوم، وذلك قبل أن يصلى السلطان الصبح، وإذا بصياح المماليك، فأرسل السلطان يسأل عن الخبر، فقيل له إن المماليك أمسكوا نوكار الزّردكاش وهددوه بالضرب، وطلبوا منه القرقلات «1» التي وعدهم السلطان بها من الزّردخاناه السلطانية، فحلف لهم أنه يدفع لهم ذلك في أوّل الشّهر، فتركوه ومضوا، فلقوا الشيخ عليا الخراسانى الطويل محتسب القاهرة، وهو داخل إلى السلطان فاستقبلوه بالضّرب المبرح المتلف، وأخذوا عمامته من على رأسه، فرمى بنفسه إلى باب الحريم السلطانى حتى نجا. وأما السلطان لما فرغ من صلاة الصّبح نزل وقعد على الدّكة بالحوش على العادة، ثم قام بعد فراغ الخدمة وعاد إلى الدّهيشة، وإذا بالصّياح قد قوى ثانيا، فعلم أن ذلك صياح الأجلاب، فأرسل إليهم الأمير يونس الدّوادار، فسألهم يونس المذكور عن سبب هذه الحركة، فقالوا: نريد نقبض جوامكنا، كل واحد سبعة أشرفيّة ذهبا «2» ، وكانت جامكيّة الواحد منهم ألفين قبل تاريخه يأخذها ذهبا وفضة، بسعر الذهب تلك الأيام، فلما غلا سعر الذهب تحيّلوا على زيادة جوامكهم بهذه المندوحة، ثم قالوا: ونريد أن تكون تفرقة الجامكية في ثلاثة أيام، أى على ثلاث نفقات «3» كما كانت قديما، ونريد أيضا أن يكون عليقنا السلطانى الذي نأخذه من الشّونة مغربلا، ويكون مرتبنا من اللحم سمينا، فعاد الأمير يونس إلى السلطان بهذا الجواب، ولم يتفوّه به إلى السلطان، وتربّص عن ردّ الجواب على السلطان حتى يفرغ السلطان من أكل السّماط، فأبطأ الخبر لذلك عن الأجلاب، فندبوا مرجانا مقدّم المماليك للدخول بتلك المقالة إلى السلطان، فدخل مرجان أيضا ولم يخبر السلطان بشىء حتى فرغ من أكل

السّماط، فعند ذلك عرّفه الأمير يونس بما طلبوه، فقال السلطان: لا سبيل إلى ذلك، وأرسل إليهم مرجانا المقدّم يعرّفهم مقالة السلطان، فعاد مرجان ثانيا إلى السلطان بالكلام الأوّل، وصار يتردّد مرجان بين السّلطان والمماليك الأجلاب نحو سبعة مرار، وهم مصممون على مقالتهم، والسّلطان ممتنع من ذلك. وامتنع الناس من الدّخول والخروج إلى السلطان خوفا من المماليك لما فعلوه مع العجمى المحتسب، فلما طال الأمر على السّلطان خرج هو إليهم بنفسه، ومعه جماعة من الأمراء والمباشرين، وتوجّه إلى باب القلّة حيث يجلس مقدّم المماليك والخدّام، فوجد المماليك قد اجتمعوا عند رحبة باب طبقة المقدّم، فلما علموا بمجيء السلطان أخذوا في الرجم فجلس السلطان بباب القلّة مقدار نصف درجة، ثم استدرك أمره لمّا رأى شدّة الرّجم، وقصد العود إلى الدّهيشة، ورسم لمن معه من الأمراء أن ينزلوا إلى دورهم، فامتنعوا إلا أن يوصّلوه إلى باب الحريم، فعاد عليهم الأمر فنزلوا من وقتهم، وبقى السلطان فى خواصّه وجماعة المباشرين وولده الكبير المقام الشهابى أحمد. فلما سار السلطان إلى نحو باب الستارة، ووصل إلى باب الجامع أخذه الرّجم المفرط من كلّ جهة، فأسرع في مشيته والرّجم يأتيه من كل جانب، وسقط الخاصكى الذي كان حامل ترس السلطان من الرّجم، فأخذ التّرس خاصكىّ آخر فضرب الآخر فوقع وقام، وشجّ دوادار ابن السلطان في وجهه وجماعة كثيرة، وسقطت فردة نعل السلطان من رجله فلم يلتفت إليها لأنه محمول من تحت إبطيه مع سرعة مشيهم إلى أن وصل إلى باب الستارة، وجلس على الباب قليلا، فقصدوه أيضا بالرّجم فقام ودخل من باب الحريم وتوجّه إلى الدّهيشة. واستمرّ وقوف المماليك على ما هم عليه إلى أذان المغرب، فبعد صلاة المغرب نزل الصاحب جمال الدين ناظر الجيش والخاص من باب الحريم إلى القصر، وتوصل منه إلى الإسطبل السلطانى، وخرج من باب السّلسلة، وتوجّه إلى داره، ونزل الأمير بردبك الدّوادار الثانى وصهر السلطان من الميدان ماشيا، فوجد فرسه تحت القلعة،

فركبه وتوجّه إلى داره، وكذلك فعل جانبك المشدّ، وجانبك الخازندار وغيرهما، وبات القوم وهم على وجل، والمماليك يكثرون من الوعيد في يوم السبت؛ فإنهم زعموا أن لا يتحركوا بحركة في يوم الجمعة مراعاة لصلاة الجمعة. وأصبح السلطان وصلى الجمعة مع الأمراء على العادة، فتكلم بعض الأمراء مع السلطان فى أمرهم بما معناه إنه لا بد لهم من شىء يطيّب خواطرهم به، ووقع الاتفاق بينهم وبين السلطان على زيادة كسوتهم التي يأحذونها في السّنة مرّة واحدة، وكانت قبل ذلك ألفين، فجعلوها يوم ذاك ثلاثة آلاف «1» ، وزادوهم أيضا في الأضحية، فجعلوا لكل واحد ثلاثة من الغنم الضأن، فزيدوا رأسا واحدا على ما كانوا يأخذونه قبل ذلك، ثم رسم لهم أن تكون تفرقة الجامكيّة على ثلاث نفقات «2» فى ثلاثة أيام من أيام المواكب، فرضوا بذلك وخمدت الفتنة، وقد انتفعت جميع المماليك السلطانية بهذه الزيادات؛ فإنها ليست بمختصة بالأجلاب فقط، وإنما هى لجميع مماليك السلطان كائنا من كان، فحمدت المماليك والناس جميعا فعلهم لماجر إليهم من المنفعة. قلت: هذا هو الاحتمال الذي يؤدى إلى قلة المروءة، فإنه لو أراد لفعل بهم ما شاء، غير أنه كما ورد: «حبّك للمرء يعمى ويصم» انتهى. وفي هذه الأيام ترادفت الأخبار من الأمير جانم الأشرفى نائب حلب بحركة ابن قرمان، فلهج السلطان بخروج تجريدة لقتاله بعد انفصال فصل الشتاء. ثم في يوم الاثنين خامس شهر ربيع الأوّل أبطل السلطان الخدمة من القصر، وجلس بالحوش السلطانى، وجمع القضاة والأعيان وناظر دار الضّرب، وسبكت الفضة المضروبة في كل دولة، وقد حرّرنا وزن ضرب كلّ دولة، وما نقص منها في تاريخنا «حوادث الدهور» - انتهى. وانفضّ الجمع وقد نودى في يومه بشوارع القاهرة بأن أحدا لا يتعامل بالفضّة

المضروبة بدمشق في هذه الدّولة، فشقّ ذلك على الناس قاطبة؛ لكثرة معاملاتهم بهذه الفضة التي داخلها الغشّ، ولهجت العامة في الحال فيما بينهم: «السلطان من عكسه أبطل نصفه» و «إذا كان نصفك إينالى لا تقف على دكانى» وأشياء من هذه المهملات التي لا وزن ولا قافية، وانطلقت الألسن بالوقيعة في السلطان. هذا والصاحب جمال الدين عظيم الدّولة بلّغ السلطان من الغد أنّ المماليك تريد إثارة فتنة أخرى بسبب ذلك، فخشى السلطان من مساعدة العوامّ لهم، فأبطل ما كان نودى به. قلت: والمصلحة ما كان فعله السلطان، غير أنك تعلم أن السّواد الأعظم من العامة ليس لهم ذوق ولا خبرة بعواقب الأمور، فإنهم احتاجوا بعد ذلك إلى أن سألوا في إبطال ذلك، فلم يسمح لهم السلطان به إلّا بعد أمور وأشهر حسبما يأتى ذكره، وهو معذور في ذلك. وفي يوم الخميس خامس عشر شهر ربيع الأوّل المذكور من سنة إحدى وستين عمل السلطان المولد النبوىّ بالحوش من قلعة الجبل على العادة في كل سنة، غير أنه فرّق الشّقق الحرير على القرّاء والمدّاح، كل شقّة طولها خمسة أذرع إلى ثلاثة أذرع ونصف، ولم يفرق على أحد شقة كاملة إلا نادرا. قلت: كل ذلك من سوء تدبير أرباب وظائفه وحواشيه، وإلا فما هو هذا النزر اليسير حتى يشحّ به مثل هذا الملك الجليل، ونفرض أنه عزم على ذلك فكان يمكنهم الكلام معه في ذلك، فإن عجزوا عن مدافعته كان أحد من أولاده وخواصه يقوم بهذا الأمر عنه من ماله، وليس في ذلك كبير أمر. وفي يوم الأحد ثامن عشر شهر ربيع الأوّل المذكور وصل إلى القاهرة سنقر الأشرفى الدّوادار المعروف بقرق شبق، وكان توجّه قبل تاريخه إلى البلاد الحلبيّة لكشف أخبار ابن قرمان، وتجهيز العساكر الشّاميّة والحلبية، فوقع له هناك أمور وحوادث ذكرناها في غير هذا المحل، من قتل جماعة من تركمان ابن قرمان وغير ذلك.

وكان سنقر المذكور من مساوىء الدّهر، وعنده طيش وخفة مع ظلم وجبروت، وما سيأتى من أخباره عند عمارته لمراكب الغزاة فأعظم. ثم في يوم الأحد هذا نودى بالقاهرة من قبل السلطان بأن يكون سعر الدّرهم من الفضّة الشاميّة المقدم ذكرها التي داخلها الغش ثمانية عشر درهما نقرة «1» ، فقامت قيامة العامّة من ذلك خوفا من الخسارة، وأكثروا من الوقيعة بالسلطان وأرباب دولته، ولا سيما في الصاحب جمال الدين ناظر الجيش والخاص، فأنهم نسبوا هذا كله إليه- رحمه الله. وكان السلطان خلع على ولده المقام الشهابى أحمد باستقراره أمير حاجّ المحمل فلما نزل ابن السلطان وعليه الخلعة من القلعة إلى داره- وهى قصر بكتمر الساقى تجاه الكبش- وبين يديه جميع أعيان الدولة استغاثت إليه العامة بلسان واحد، وقالوا: «نخسر بهذه المناداة ثلث أموالنا» ، وسألوه في إبطال ذلك، فوعدهم بإبطاله، وأرسل إلى والده يسأله في إبطال ما نودى به، فأجابه السلطان، ونودى في الحال مناداة ثانية بإبطال ما نودى به. قلت: وهذه فعلة العامة الثانية من طلبهم عدم المناداة بإبطال هذه الفضّة المغشوشة خوفا من الخسارة، فاحتاجوا بعد ذلك إلى المناداة، وخسروا أكثر مما كانوا يخسرونه عندما غلت الأسعار بسبب هذه الفضّة، ووصل صرف الدينار إلى أربعمائة درهم كما نذكره إن شاء الله تعالى. وفي يوم السبت أول شهر ربيع الآخر نودى في المماليك السلطانية المعينين إلى تجريدة البلاد الشامية لقتال ابن قرمان- قبل تاريخه- بأنّ النفقة فيهم في يوم الخميس الآتى، فلما كان يوم الخميس سادس ربيع الآخر المذكور جلس السلطان بالحوش السلطانى، وشرع في تفرقة النّفقة على المماليك المذكورين، لكل واحد منهم مائة دينار،

وسعر الذهب يوم ذاك أربعمائة الدينار، فوصل لكل واحد منهم- أعنى المماليك المعينين- أربعون ألفا، وهذا شىء لم نسمع بمثله، وأكثر ما فرّق الملوك السالفة في معنى النفقة مائة دينار، وسعر الدينار في ذلك الوقت ما بين مائتين وعشرين درهما الدينار إلى مائتين وثمانين الدينار، لا بهذا السعر الزائد، فشكر كل أحد السّلطان على هذه الفعلة. وكان عدة من أخذ النفقة من المماليك المذكورين أربعمائة مملوك وثلاثة مماليك، ثم أرسل السلطان بالنفقة إلى الأمراء المجرّدين، فحمل إلى الأمير خشقدم الناصرى المؤيّدى أمير سلاح- وهو مقدّم العسكر يوم ذاك- بأربعة آلاف دينار، ثم أرسل لكل من أمراء الألوف لكل واحد بثلاثة آلاف دينار، وهم: قرقماس الأشرفى رأس نوبة النّوب، وجانبك القرمانى الظاهرى حاجب الحجّاب، ويونس العلائى الناصرى، ثم حمل لكل من أمراء الطبلخانات بخمسمائة دينار، ولكل أمير عشرة مائتى دينار. يأتى ذكر أسماء الجميع عند خروجهم من الديار المصرية إلى جهة ابن قرمان. ثم في يوم الخميس العشرين من شهر ربيع الآخر المذكور عزل السلطان علىّ ابن إسكندر عن ولاية القاهرة، وأعاد خيربك القصروى لولاية القاهرة كما كان أوّلا. ثم في يوم الخميس خامس جمادى الأولى برز الأمير خشقدم أمير سلاح ومقدّم العسكر بمن معه من الأمراء والعساكر من القاهرة إلى الرّيدانيّة خارج القاهرة، والأمراء هم: الأربعة من مقدمى الألوف المقدم ذكرهم. والطبلخانات: جانبك الناصرى المرتدّ، وخيربك الأشقر «1» المؤيّدى الأمير آخور الثانى، وبردبك البجمقدار الظاهرى رأس نوبة. ومن أمراء العشرات ستة أمراء وهم: تمرباى من حمزة الناصرى المعروف بططر،

وقانصوه المحمدى الأشرفى، وقلمطاى الإسحاقى الأشرفى رأس نوبة، وقانم طاز الأشرفى «1» رأس نوبة، وجكم النورى المؤيدى «2» رأس نوبة، وجانم المؤيدى المعروف بحرامى شكل «3» . وقد تقدّم ذكر عدة المماليك السلطانية فيما تقدم. وأقاموا بالرّيدانيّة إلى ليلة الاثنين تاسعه فاستقلوا فيه بالمسير من الرّيدانيّة إلى جهة البلاد الشاميّة. ثم في يوم الخميس سادس عشرين جمادى الأولى المذكورة سافر الأمير نوكار الزّردكاش، ومعه عدّة من الرّماة والنّفطيّة وآلات الحصار وهو مريض، ورسم له أن يأخذ من قلعة دمشق ما يحتاج إليه أيضا من أنواع [الآلات وغيرها] «4» للحصار، ويلحق العساكر المتوجهة لقتال ابن قرمان. ثم في يوم الخميس عاشر جمادى الآخرة استقرّ الأمير أسندمر الجقمقى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة أمير المماليك السلطانية المجاورين بمكّة المشرّفة عوضا عن الأمير بيبرس الأشرفى، خال الملك العزيز يوسف، ورسم بمجيء بيبرس المذكور عند توجه أسندمر الجقمقى في موسم الحج. ثم في يوم الجمعة ثالث شهر رجب من سنة إحدى وستين المذكورة ورد الخبر على السلطان بموت الأمير نوكار الزّردكاش بمدينة غزّة. فأنعم السلطان بإقطاعه- وهو إمرة عشرة- ووظيفة الزّردكاشيّة على سنقر الأشرفى الدوادار المعروف بقرق شبق. وفي يوم الخميس تاسع رجب المذكور وقعت حادثة غريبة: وهى أن جماعة من

العربان قطّاع الطريق جاءوا من جهة الشرقية حتى وصلوا إلى قرب باب الوزير، ثم عادوا من حيث جاءوا، وصاروا في عودهم يسلبون من وقعوا به من الناس، فعرّوا جماعة كبيرة من بين فقهاء وأعيان وغيرهم، وكان الوقت بعد آذان العصر بدرجات وقت حضور الخوانق «1» . وفي يوم الأحد ثانى عشره، خلع السلطان على السيد الشريف حسام الدين محمد ابن حريز «2» ، باستقراره قاضى قضاة المالكية بعد موت القاضى ولى الدين السّنباطى «3» . وفي يوم الثلاثاء رابع عشر رجب المذكور ورد الخبر على السلطان بوصول العساكر المتوجهة لقتال ابن قرمان إلى حلب، وأنهم اجتمعوا في حلب بالأمير قانى باى الحمزاوى نائب الشام هناك؛ لأن قانى باى المذكور كان خرج من دمشق قبل وصول العسكر إليها بثلاثة أيام، فتكلم الناس بأنه ظن أن سفر العساكر ما هو إلا بسبب القبض عليه في الباطن، والتوجّه لابن قرمان في الظاهر. قلت: وللقائل بهذا القول عذر بين، وهو أن قانى باى المذكور من يوم تسلطن الملك الأشرف إينال هذا- وهو نائب حلب- لم يحضر إلى الديار المصرية ولا داس بساط السلطان، غير أنه يمتثل أوامر السلطان ومراسيمه حيث كان أولا بحلب، ثم بعد انتقاله إلى نيابة دمشق؛ فعلم بذلك كلّ أحد أن قانى باى المذكور

يتخوّف من السلطان ولا يحضر إلى الدّيار المصرية، ومتى طلبه السلطان أظهر العصيان. وفطن الملك الأشرف إينال لذلك، فلم يطلبه البتة، وصار كل واحد منهما يعلم ما في ضمير الآخر في الباطن ويظهر خلاف ذلك؛ السلطان يخفى ذلك لتسكين الفتنة، وقانى باى لما هو فيه من النعمة بولاية نيابة دمشق، وكلّ منهما يترقب موت الآخر، فمات قانى باى قبل، حسبما يأتى ذكره في الوفيات بعد فراغ الترجمة. وقد خرجنا عن المقصود ولنعد إلى ما نحن بصدده فنقول: وأخبر المخبر أن العساكر اجتمعوا بالأمير قانى باى الحمزاوى بحلب، وأنه «1» اجتمع رأى الجميع على السير من حلب إلى جهة ابن قرمان في يوم السبت سادس عشرين جمادى الآخرة، فسرّ السلطان بذلك؛ كون الذي أشيع عن قانى باى الحمزاوى من العصيان ليس بصحيح، بل هو قائم بالمهمّ السلطانى أحسن قيام. وفي يوم الجمعة سابع عشره سافر الأمير جانبك الظاهرى نائب جدّة إلى جهة جدّة على عادته في كل سنة، وسافر معه خلائق من الناس صفة الرّجبيّة. وفي يوم السبت ثامن عشر رجب المذكور ورد الخبر على السلطان بأنه كان بين حسن الطويل بن على بك بن قرايلك صاحب آمد وبين عساكر جهان شاه بن قرا يوسف صاحب العراقين- عراق العرب وعراق العجم- وقعة هائلة، انكسر فيها عسكر جهان شاه وانتصر حسن المذكور، وأن حسن قتل من أعيان عساكر جهان شاه جماعة، مثل الأمير رستم، وابن طرخان، وعربشاه، وغيرهم، فسرّ السلطان بذلك غاية السرور؛ كون أن حسنا المذكور ينتمى إليه، ويظهر له الصّداقة. ثم في يوم الاثنين رابع شعبان وصل الخبر من الأمير خشقدم أمير سلاح ومن

رفقته النواب بالبلاد الشامية بأنهم وصلوا إلى بلاد ابن قرمان، وملكوا قلعة دوالى «1» ، ونهبوها وأخربوها، وأنهم جهّزوا الأمير بردبك البجمقدار رأس نوبة ومعه عدّة من المماليك السلطانية والأمراء بالبلاد الشامية إلى جهة من جهات بلاد ابن قرمان، فصدفوا في مسيرهم عسكرا من أصحاب ابن قرمان فواقعوهم وهزموهم، وأنه قتل من المماليك السلطانية أربعة في غير المصاف «2» ، بل من الذين صدفوهم في أثناء الطريق. وفي يوم السبت أوّل شهر رمضان سافرت الأمراء المعينون إلى الجورن «3» ببرّ التركية، لأجل قطع الأخشاب، وسافروا من بولاق، ومقدّم العسكر الأمير يشبك الفقيه المؤيّدى أحد أمراء الطبلخانات ورأس نوبة، ومعه الأمير أزبك المؤيّدى أحد أمراء العشرات، والأمير نوروز الأعمش الأشرفى، وجماعة أخر من الخاصكية «4» . ثم في يوم الأحد تاسع شهر رمضان وصل نجّاب من خير بك نائب غزّة يخبر بمجيء سودون القصروى الدّوادار بكتاب مقدّمى العساكر الأمير خشقدم المؤيّدى أمير سلاح وغيره من الأمراء، وحضر سودون القصروى المذكور من الغد، وأخبر السلطان بأن العساكر المتوجهة إلى بلاد ابن قرمان قصدت العود إلى جهة حلب بعد أن أخذوا أربع قلاع من بلاد ابن قرمان، وأخربوا غالب قرى ممالكه، وأحرقوا بلاده وسبوا ونهبوا وأمعنوا في ذلك، حتى أنهم أحرقوا عدّة مدارس وجوامع؛ وذلك من أفعال أوباش العسكر، وأنهم لم يتعرضوا إلى مدينة قونية ولا مدينة قيصريّة لنفود زادهم، ولضجر العسكر من طول مدتهم بتلك البلاد، مع غلو الأسعار في المأكول وغيره من سائر الأشياء، ولولا هذا لا ستولوا على غالب بلاد ابن قرمان، وأن ابن

قرمان لم يقاتل العسكر السلطانى، بل إنه انحاز إلى جهة منيعة من جهاته وتحصّن بها هو وأعيان دولته، وترك ما سوى ذلك من المتاع والمواشى وغيرها مأكلة لمن يأكله، فحصل له بما أخذ له وهن عظيم في مملكته، فدقّت البشائر لهذا الخبر بالقاهرة أيّاما، ورسم السلطان من وقته بعود العسكر المذكور إلى الديار المصرية، وخرج النجّاب بهذا الأمر «1» . ثم في يوم الأحد سادس عشر شهر رمضان المذكور ركب المقام الشهابى أحمد بن السلطان من داره- قصر بكتمر تجاه الكبش- النّجب كما هى عادة أمراء الحج فى الركوب إلى المسايرة، وخرج من الصّليبة، وشقّ الرّميلة، وبين يديه هجّانة السلطان أمراء العرب، بالأكوار الذهب، والكنابيش الزّركش المغشاة بالأطلس الأصفر، وركب معه جماعة من الأمراء غير من يسافر معه، مثل: الأمير برد بك الدوادار الثانى، وسودون الإينالى المؤيّدى قراقاش ثانى رأس نوبة، وجماعة أخر، ولم يركب معه أحد من أمراء الألوف، ولا أعيان مباشرى الدّولة، حتى ولا كاتب السّرّ القاضى محب الدين ابن الأشقر، وهو ممن يسافر في هذه السّنة إلى الحج. وسار ابن السلطان في موكبه المذكور من تحت القلعة إلى جهة خليج الزّعفران خارج القاهرة، ووصل هناك قبيل المغرب، وأفطر هناك، ثم عاد بعد صلاة العشاء، وشقّ الرّميلة ثانيا في عوده في زىّ بهيج إلى الغاية. ثم في يوم الجمعة ثانى عشر شوال وصلت إلى القاهرة رمّة الأمير جانبك القرمانى الظاهرى حاجب الحجّاب، وقد مات بالقرب من منزلة الصالحيّة في عوده من تجريدة ابن قرمان، ثم عقب الخبر بموت جماعة كبيرة أيضا من العسكر المذكور، من مرض فشا فيهم من مدينة الرّملة كالوباء، مات منه خلائق بمرض واحد، ولم يعلم أحد ما سبب هذا العارض.

ثم في يوم السبت ثالث عشره ورد الخبر بموت الأمير جكم النّورى المؤيّدى- المعروف بقلقسيز- أحد أمراء العشرات ورأس نوبة. ثم في يوم الاثنين خامس عشر شوال المذكور وصلت العساكر المجرّدة لبلاد ابن قرمان على أسوأ حال من الضّعف الذي حصل لهم في أثناء الطريق، وطلع مقدّم العسكر الأمير خشقدم المؤيّدى أمير سلاح، ورفقته من الأمراء المقدّم ذكرهم عند توجههم والمماليك السلطانية إلى القلعة، وقبّل الأرض فأكرمه السلطان وخلع عليه وعلى رفقته، فنزل الأمير خشقدم إلى داره وبين يديه أعيان الدّولة وقد نقص من رفقته اثنان من المقدمين: جانى بك القرمانى المتوفى، ويونس العلائى لضعف بدنه، وقد دخل إلى القاهرة في محفّة. ثم في يوم الاثنين هذا «1» أنعم السلطان على الأمير بايزيد التمربغاوى أحد أمراء الطبلخانات بإمرة مائة وتقدمة ألف عوضا عن جانبك القرمانى المقدم ذكره «2» ، وأنعم بطبلخانات بايزيد على الأمير برسباى الإينالى المؤيّدى. ثم في يوم الخميس ثامن عشر شوال المذكور خرج المقام الشهابى أحمد بن السلطان- وهو يومئذ أمير حاج المحمل- بالمحمل من القاهرة إلى بركة الحاجّ دفعة واحدة- وقد صار ذلك عادة- وترك النّزول بالمحل في الرّيدانيّة خارج القاهرة، وسافرت معه أمّه خوند الكبرى زينب بنت البدرى حسن بن خاص بك، وإخوته الجميع الذكور والإناث، والإخوة الجميع ثلاثة: ذكر واحد وهو أصغر منه- يسمى محمدا- مراهق، وأخته الكبرى زوجة الأمير بردبك الدّوادار الثانى، والصغرى وهى زوجة الأمير يونس الدّوادار الكبير، ورحل من البركة في ليلة الاثنين ثانى عشرين شوال بعد أن رحل قبله أسندمر الجقمقى رأس المجاورين، وأمير الركب الأول يشبك الأشقر الأشرفى، وقد استقرّ أمير عشرة قبل تاريخه.

ووصل من الغد في يوم الثلاثاء الأمير جانبك الظاهرى نائب جدّة من جدّة وقبّل الأرض، وحضر معه من الحجاز الأمير زين الدين الأستادار، وكان مقيما بمكة. وفي يوم الخميس خامس عشرين شوال المذكور أنعم السلطان بإقطاع جكم النّورى المؤيّدى على الأمير جانبك الإسماعيلى المؤيّدى المعروف بكوهية، وعلى الأمير يشبك الظاهرى نصفين بالسويّة، لكل واحد منهما إمرة عشرة. ثم في يوم الاثنين تاسع عشرينه استقرّ الأمير برسباى البجاسى أحد مقدّمى الألوف حاجب الحجّاب بالديار المصرية بعد وفاة الأمير جانبك القرمانى. ثم في يوم السبت خامس عشرين ذى القعدة ثارت المماليك الأجلاب بالأطباق من قلعة الجبل، ومنعوا الأمراء ومباشرى الدّولة من النّزول من قلعة الجبل، فكلموهم بسبب ذلك. فقالوا: «نريد أن تكون تفرقة الأضحية لكل واحد منا ثلاثة من الغنم» . أعنى زيادة على ما كانوا يأخذونه قبل ذلك برأس واحد، وكان وقع في تلك المدّة هذا القول، وسكت عنه، فتوقّف السلطان في الزيادة «1» ، ثم أذعن بعد أمور، واستمرّ ذلك إلى يومنا هذا. وفي يوم الاثنين سابع عشرين ذى القعدة استقرّ القاضى صلاح الدين أمير حاج بن بركوت المكينى «2» فى حسبة القاهرة بعد عزل يار على الخراسانى العجمى الطويل «3» بمال كثير بذله صلاح الدين في ذلك. وفي أوائل ذى الحجة ورد الخبر على السلطان من جهة مكّة أنه وقع في الحاج عطشة

فيما بين منزلة أكرة» والوجه «2» ، ومات بالعطش خلائق كثيرة. وفي يوم الجمعة سادس عشر ذى الحجة- الموافق لثامن هاتور- لبس السلطان القماش الصوف الملوّن المعتدّ لأيام الشتاء، وألبس الأمراء على العادة. وفي يوم الاثنين تاسع عشر ذى الحجة المذكور وصلت الأمراء المتوجهون إلى بلاد الجون «3» ببرّ التركية، ومقدّمهم الأمير يشبك الفقيه، ورفقته المقدّم ذكرهم عند سفرهم، وخلع السلطان عليهم. وفي يوم الخميس ثانى عشرينه وصل مبشر الحاج دمرداش الطويل الخاصكى بعد ما قاسى شدائد من العرب قطّاع الطريق، فضايقوه وأخذوا منه عدّة رواحل وغيرها، ثم أخبر دمرداش المذكور بسلامة ابن السلطان ووالدته وإخوته، فدقّت البشائر لذلك ثلاثة أيام بالديار المصرية. وفي يوم الاثنين سادس عشرين ذى الحجة المذكور أخرج السلطان إقطاع الأمير طوخ من تمراز الناصرى- المعروف بينى بازق «4» - أمير مجلس؛ لمرض تمادى به مدّة طويلة، وأنعم بإقطاع المذكور على الأمير برسباى البجاسى حاجب الحجّاب، وأنعم بإقطاع برسباى البجاسى المذكور على الأمير بيبرس الأشرفى خال الملك العزيز يوسف [بالحجاز] «5» ، وكلاهما تقدمة ألف، غير أن الواحد يزيد عن الآخر في الخراج لا غير، وأنعم بإقطاع بيبرس على ولده الصغير محمد وهو في الحجاز أيضا، وهذا أيضا تقدمة ألف. «6»

ما وقع من الحوادث سنة 862

ثم في يوم الخميس تاسع عشرينه استقرّ الأمير جرباش المحمدى الأمير آخور الكبير أمير مجلس عوضا عن طوخ المقدم ذكره بحكم مرضه، واستقر عوضه في الأمير آخورية يونس العلائى أحد مقدّمى الألوف. وفي هذه السنة كان فراغ الرّبع والحمامين الذين بناهم السلطان الملك الأشرف إينال هذا بخط بين القصرين. وفرغت هذه السنة وقد انحلّ أمر حكّام الدّيار المصريّة أرباب الشرع الشريف والسياسة أيضا؛ لعظم شوكة المماليك الأجلاب، وصار من له حقّ عند كائن من كان من الناس قصد مملوكا من المماليك الأجلاب في تخليص حقّه، فما هو إلا أن أعلم ذلك المملوك بقصده خلّص من غريمه في الحال، فإن هؤلاء المماليك صاروا في أبواب أعيانهم شكل رأس نوبة ونقباء، ولبعضهم دوادار، فيرسل خلف ذلك الرجل المطلوب، ويأمره بإعطاء حق ذلك المدّعى- حقّا كان أو باطلا- بعد أن يهدّده بالضرب والنّكل، فإن أجاب وإلا ضرب في الحال ونكّل به، وعلم بذلك كل أحد، فصار كلّ أحد يستعين بهم فى قضاء حوائجه، وترك الناس الحكّام، فقوى أمر الأجلاب، وضعفت شوكة الحكّام، وتلاشى أمرهم إلى الغاية والنهاية. وفي هذه السنة كانت زلزلة عظيمة بمدينة أرزنكان «1» ، هدّمت معظمها. وفي هذه السنة أيضا كان بالشرق فتن كبيرة بين جهان شاه بن قرا يوسف، وبين أولاد باى سنقر بن شاه رخّ بن تيمور لنك، أصحاب ممالك العجم «2» [ما وقع من الحوادث سنة 862] ثم استهلت سنة اثنتين وستين وثمانمائة. ففى يوم الاثنين ثالث محرم من السنة المذكورة أنعم السلطان على قايتباى

المحمودى الظاهرى الدّوادار بإمرة عشرة، وعيّن السلطان الأمير جانبك الإسماعيلى المؤيدى المعروف بكوهية أن يتوجّه إلى حلب، وعلى يده تشريف تغرى يردى بن يونس حاجب حلب بنيابة ملطية، وتشريف جانبك الجكمى نائب ملطية إلى حجوبية حلب، كل منهما عن الآخر، وذلك لكلام وقع بين تغرى بردى هذا وبين الأمير جانم الأشرفى نائب حلب. ثم في يوم الاثنين رابع عشرين المحرم «1» وصل أمير حاج المحمل بالمحمل إلى القاهرة، وهو المقام الشهابى أحمد بن السلطان، وصحبته والدته وإخوته، وطلع إلى القلعة ومعه أخوه محمد، وبين يديهما وجوه الدّولة، وخلع السلطان عليه وعلى أخيه محمد المذكور، وكانت خلعة المقام الشهابى أطلسين متمرّا، وعلى الأطلسين فوقانى حرير بوجهين بطرز زركش، ثم خلع السلطان على من له عادة بلبس الخلع في عود الحاج إلى الدّيار المصرية. ثم في يوم الاثنين سادس عشر صفر وصل الأمير أزبك من ططخ الظاهرى الخازندار- كان- من القدس الشريف بطلب من السلطان، وطلع إلى القلعة، وخلع السلطان عليه سلّاريّا «2» من ملابيسه بفرو سنجاب، ووعده بكل خير، ثم رسم له بالمشى فى الخدمة السلطانية بعد أيام. وفي أوّل شهر ربيع الأوّل من سنة اثنتين وستين المذكورة نودى من قبل السلطان على الذّهب بأن يكون سعر الدينار الذهب بثلاثمائة درهم نقرة، بعد ما كان وصل سعر الدينار لأربعمائة وستين درهما الدينار، وأن يكون سعر الفضة المغشوشة كل درهم بستة عشر درهما، وأن يكون سعر الدرهم من الفضة الطيبة التي رسم السلطان بضربها بدار الضرب بأربعة وعشرين درهم نقرة، وحكم السلطان بذلك، ونفذ حكمه

القضاة، وسرّ الناس بهذا الأمر غاية السرور؛ فإنه كان حصل بتلك الفضّة المغشوشة غاية الضرر في المعاملات وغيرها. غير أنه ذهب للناس بهذا النقص في سعر الفضة المغشوشة مال كثير، وصار كل أحد يخسر ثلث ما كان معه من المال من هذه الفضة المذكورة، فانحسر «1» كل من كان عنده من هذه الفضة لوقوع النقص في ماله، فرسم السلطان في اليوم المذكور بالمناداة بنقص ثلث ثمن جميع البضائع في المأكول والملبوس كما نقص سعر الدرهم الثلث، وكذلك في نقص الذهب، فهان عند ذلك على الناس ما وقع من خسارة الذهب والفضة بهذه المناداة الثانية التي هى بنقص ثلث أثمان جميع الأشياء، وقال كل واحد في نفسه: «كما نقص من مالى الثلث نقص من ثمن ما كنت أبتاعه الثلث» ، فكأنه لم ينقص له شىء. ثم في يوم الخميس سابع عشره عمل السلطان المولد النبوى بالحوش من القلعة على العادة في كل سنة. ثم في يوم الأربعاء ثامن شهر ربيع الآخر أنعم السلطان على الأمير أزبك من ططخ الظاهرى المقدّم ذكره بإمرة عشرة، عوضا عن الأمير جانم الأشرفى البهلوان، بحكم وفاته كما سيأتى ذكر وفاته ووفاة غيره في ذكر الوفيات بعد فراغ الترجمة، على عادة هذا الكتاب. وفي يوم الاثنين ثالث عشر شهر ربيع الآخر المذكور وجد السلطان نشاطا في نفسه من مرض كان حصل له أياما، وخرج إلى قاعة الدّهيشة، ودقّت البشائر لذلك بقلعة الجبل وغيرها ثلاثة أيام. ثم في يوم الأحد سادس عشرين ربيع الآخر مات الأمير سودون السلحدار نائب قلعة الجبل، فأنعم السلطان من إقطاعه بنصف قرية كوم أشفين «2» على شريكه الأمير يشبك الفقيه المؤيدى، ليكون من جملة أمراء الطبلخانات، وأنعم بباقى إقطاع سودون

المذكور على الأمير أرغون شاه «1» الأشرفى ليكون من جملة أمراء العشرات، وأنعم بإقطاع أرغون شاه «2» المذكور على شريكه الأمير تنبك الأشرفى ليكون تنبك أيضا أمير عشرة، واستقر كسباى المؤيدى السمين نائب قلعة الجبل «3» عوضا عن سودون المذكور على إمرة عشرة ضعيفة، واستقرّ الأمير جانبك الإسماعيلى المؤيّدى المعروف بكوهية من جملة رؤوس النّوب عوضا عن كسباى المقدّم ذكره، ولبسا الخلع بعد ذلك بأيام. ثم في سلخ شهر ربيع الآخر المذكور خلع السلطان على الأمير برسباى البجلسى حاجب الحجاب باستقراره أمير حاج المحمل. وفيه خلع السلطان على الحكماء لعافيته من مرضه، وحضر السلطان موكب «4» القصر مع الأمراء والخاصكية على العادة. ثم في يوم الاثنين رابع جمادى الأولى استقر [الطواشى] «5» مرجان [الحصنى] «6» مقدّم المماليك السلطانية أمير حاج الرّكب الأول، فحصل بتولية مرجان هذا إمرة الحاج الأول على أهل مكة مالا خير فيه؛ لأنه كان في نفسه وضيعا «7» ، لم تشمله تربية مربّ، لأنه نشأ ببلاد الحصن، وخرج منها على هيئة المكدّين من فقراء العجم، ودار البلاد على تلك الهيئة سنين كثيرة، إلى أن اتصل بخدمة جماعة كثيرة من الأمراء، ثم آل أمره إلى بيت السلطان، وغلط الدهر بولايته النيابة ثم التّقدمة، ثم بولايته إمرة الركب الأول في هذه السنة، فلما سافر أخذ معه جماعة كبيرة من إنياته «8» المماليك الأجلاب، ففعلوا في أهل مكة أفعالا ما تفعلها الخوارج، من الظلم وأخذ أموال الناس له ولأنفسهم، كما سيأتى ذكر ذلك عند عوده من الحج إن شاء الله تعالى.

وفي يوم الخميس سابع جمادى الأولى «1» استقرّ شمس الدين منصور بن الصّفّى ناظر ديوان المفرد. وفي يوم الثلاثاء ثانى عشر ركب السلطان الملك الأشرف إينال من قلعة الجبل باكر النهار في أمرائه وأرباب دولته، وشق خط الصّليبة بغير قماش الموكب، وتوجّه إلى ساحل بولاق، ودام سيره بساحل بولاق إلى أن وصل إلى مدرسة السعدى إبراهيم ابن الجيعان التي أنشأها على النيل، ورأى ما أنشئ بالجزيرة وساحل بولاق من العمائر والبيوت، ثم عاد إلى جهة القاهرة، ومرّ من الشارع الأعظم إلى أن خرج من باب زويلة، وطلع إلى القلعة «2» . وأصبح من الغد في يوم الأربعاء أمر بالمناداة بأن أحدا من الناس لا يعمّر عمارة بجزيرة أروى المعروفة بالوسطى، ولا بساحل بولاق؛ لما رأى من ضيق الطريق من كثرة العمائر والأخصاص، وأمر أيضا بهدم أماكن كثيرة فهدمت في اليوم المذكور، واستمر والى القاهرة بعد ذلك مستمرا للهدم أياما كثيرة، وأما الأخصاص والدكاكين التي بالطريق فهدمت عن آخرها، وكلّم السلطان في الكفّ عن ذلك جماعة كثيرة فلم يسمع لأحد، واستمر على ما رسم به من هدم الأماكن المذكورة، قلت: ولا بأس بهذه الفعلة؛ لأن كل أحد له في الساحل حق كحق غيره، فلا يجوز استقلال أحد به دون غيره. وفي يوم الأحد سابع عشر جمادى الأولى المذكور خاشنت المماليك الأجلاب الصاحب جمال الدين ناظر الجيش والخاص في اللفظ بسبب غلو سعر أثواب البعلبكى، فأجابهم «بأن هذا ليس هو داخل في حكمى ولا من تعلقاتى، بل ذلك راجع إلى محتسب القاهرة» وبلغ السلطان ذلك، فأصبح السلطان أمر بعزل صلاح الدين أمير حاج بن

بركوت المكينى عن حسبة القاهرة، واستقرّ عوضه بالحاج خليل المدعو قانى باى اليوسفى المهمندار، مضافا إلى المهمنداريّة «1» . ثم في يوم الخميس ثامن عشرينه وصل إلى القاهرة قصّاد الصارمى إبراهيم بن قرمان، صاحب قونية وغيرها، وعلى يدهم كتب ابن قرمان المذكور تتضمن الترقق والاستعطاف، وأنه داخل تحت طاعة السلطان، وأنه إن كان وقع منه ما أوغر خواطر السلطنة، فقد جرى عليه وعلى بلاده من العساكر السلطانية ما فيه كفاية من النهب والسّبى والإحراق وغير ذلك، وأنه يسأل الرّضى عنه، وأشياء غير ذلك مما ذكرناه بالمعنى، فعفا السلطان عنه بعد توقّف كبير. وفي يوم الجمعة تاسع عشرين جمادى الأولى المذكور سافر الأمير بردبك الدّوادار الثانى صهر السلطان زوج ابنته إلى دمشق، لينظر جامعه الذي أنشأه بها. ثم في يوم الاثنين عاشر جمادى الآخرة خلع السلطان على «2» أيدكى الأشرفى الخاصكى ليسافر إلى ابن قرمان صحبة قصّاده، لتقرير الصلح بين السلطان وبينه. وفي يوم الجمعة رابع عشره- الموافق لثالث بشنس أحد شهور القبطلبس السلطان القماش الأبيض البعلبكىّ، المعد لأيام الصيف على العادة في كل سنة. ثم في يوم الخميس خامس شهر رجب من سنة اثنتين وستين المذكورة شفع الصاحب جمال الدين ناظر الجيش والخاص عند السلطان في الأمير تمربغا أن يفرج عنه من حبس الصّبيبة، فسمح السلطان له بذلك، ورسم له أن يتوجّه من الصّبيبة إلى دمشق، ويقيم بها لعمل مصالحه لأيّام الحج، ويسافر إلى مكة ويقيم بها بطالا، فوقع ذلك. ثم في يوم الجمعة سادس شهر رجب المذكور كان الحريق العظيم بساحل بولاق

الذي لم نسمع بمثله في سالف الأعصار إلا قليلا، بحيث إنه أتى على غالب أملاك بولاق من ساحل النيل إلى خط البوصة التي هى محل دفن أموات أهل بولاق، وعجزت الأمراء والحكام عن إخماده. وكان أمر هذا الحريق أنه لما كان صبيحة يوم الجمعة سادس رجب من سنة اثنتين وستين المذكورة هبّت ريح عظيمة مريسىّ «1» ، وعظمت حتى اقتلعت الأشجار وألقت بعض مبان، واستمرت في زيادة ونموّ إلى وقت صلاة الجمعة، فلما كان وقت الزّوال أو بعده بقليل احترق ربع الحاج عبيد البرددار بساحل البحر «2» ، وذهب الرّبع في الحريق عن آخره ومات فيه جماعة من الناس، كلّ ذلك في أقلّ من ساعة رمل، ثم انتقلت النار إلى ربع القاضى زين الدين أبى بكر بن مزهر وغيره، وهبّت الرّياح وانتشرت النيران على الأماكن يمينا وشمالا «3» ، هذا وحاجب الحجّاب «4» وغيره من الأمراء والأعيان وكلّ أحد من الناس في غاية الاجتهاد في تخميد النار بالطفى والهدم، وهى لا تزداد إلا قوّة وانتشارا على الأماكن، إلى أن وصلت النار إلى ربع الصاحب جمال الدين ناظر الجيش والخاص، وإلى الحواصل التي تحته، وأحرقت أعلاه وأسفله، وذهب فيه من بضائع الناس المخزونة فيه ما لا ينحصر كثرة «5» ، وسارت النار إلى الدّور والأماكن من كل جهة. هذا وقد حضر الحريق جميع أمراء الدولة بمماليكهم وحواشيهم، شيئا بعد شىء،

والأمر لا يزداد إلا شدّة، إلى أن صار الذي حضر من الناس لأجل طفى النار كالمتفرج من عظم النار والعجز عن إخمادها، وصارت النار إذا وقعت بمكان لا تزال به حتى يذهب جميعه، ويضمحل عن آخره، فعند ذلك فطن كل أحد أن النار تسير من دار إلى دار إلى أن تصل إلى القاهرة؛ لعظم ما شاهدوا من هولها، والريح المريسى يتداول هبوبها من أول النهار إلى نصف الليل، ولشدة هبوب الريح صارت رياحا لأنها بقت تارة تهب مريسيّا، وهو الأكثر، وتارة شمالا، وتارة غير ذلك من سائر الجهات، فيئس كل من كان له دار تحت الرّيح، وتحقّق زوالها، وشرع في نقل متاعه وأثاثه، وهو معذور في ذلك، لأننا لم نشاهد في عمرنا مثل هذا الحريق؛ لما اشتمل عليه من الأمور الغريبة، منها سرعة الإحراق، حتى إن الموضع العظيم من الأماكن الهائلة يذهب بالحريق في أسرع وقت، ومنها أن المكان العظيم كان يحترق وبجانبه مكان آخر لم تلحقه شرارة واحدة، وربما احترق الذي كان بالبعد عن تلك الدار المحروقة من شرارها، والتي بالقرب سالمة، ووقع ذلك بعدة أماكن، أعجبها وأغربها مسجد كان بالقرب من ساحل البحر وبه منارة من غرد «1» قصيرة، وكان هذا المسجد في وسط الحريق والشرار يتطاير من أعلاه من الجهات الأربع من أوّل الحريق إلى آخره، لم تتعلق به شرارة واحدة، وفي المسجد المذكور قبر رجل صالح مدفون فيه قديما يعرف بالشيخ محمد المغربى. واستمر الأمراء والأعيان يشاهدون الحريق، ويطفئون ما قدروا عليه من أطراف المواضع المنفردة، وأمّا الحريق العظيم فلا يستجرئ أحد أن يقربه لعظمه بل يشاهدونه من بعد، واستمروا على ذلك إلى بعد أذان عشاء الآخرة، ثم ذهب كل واحد إلى داره والنار عمّالة إلى نصف الليل، فأخذ أمر الريح في انحطاط. فلما كان باكر نهار السبت سابع شهر رجب المذكور نزل المقام الشهابى أحمد بن

السلطان من قلعة الجبل، وتوجّه إلى بولاق لأجل الحريق، فوجد جميع أمراء الدّولة هناك كما كانوا في أمسه، فلم يؤثر حضور الجميع في النار شيئا، غير أن الريح كان سكن وأخذت النار حدّها في الإحراق من كل مكان كانت به، فعند ذلك اجتهد كل أحد في إخمادها، وهدم ما تعلق به النار من الأماكن، وأقاموا على ذلك أيّاما كثيرة، والنار موجودة في الأماكن والجدر والحيطان، والناس تأتى لبولاق أفواجا أفواجا للفرجة على هذا الحريق العظيم، حتى صارت تلك الأماكن كبعض المفترجات، وعملت الشعراء والأدباء في هذا الحريق عدّة قصائد وقطع، وقد أنشدنى الشيخ علم الدين الإسعردىّ الحصنى «1» قصيدة من لفظه لنفسه في هذا المعنى أولها: [البسيط] أتتهم الذاريات ذروا ... وتلوها العاصفات عصفا أثبتّ هذه القصيدة في تاريخنا «الحوادث» كونه محل ذكر هذه الأشياء، والقصيدة المذكورة نظم عالم لا شاعر، وقد حرّرنا أيضا في تاريخنا «الحوادث» ما ذهب في هذا الحريق من الأماكن تخمينا، فكان عدة ما احترق فيه من الأرباع زيادة على ثلاثين ربعا، كلّ ربع يشتمل على مائة سكن وأكثر، أعنى أعاليه وأسفله، وما به من الحوانيت والمخازن ذكرناها في «الحوادث» بأسمائها، ماخلا الدور والأماكن والأفران والحوانيت وغير ذلك. وقد اختلف في سبب هذا الحريق على أقوال كثيرة. منهم من قال: إنها صاعقة نزلت من السماء والخطيب على المنبر. ومنهم من قال: إنه نزلت من جهة السماء نوع شرارة فاحترق المكان الأول منها. ومنهم من قال: إن الأرض كأنّ النار تنبع منها.

والأقوال كلّها على أن سبب هذه النار آفة سماوية. ثم بعد ذلك بأيام أشيع أن الذي كان يفعل ذلك- أعنى يلقى النار في الأماكن- هم جماعة من القرمانيّة ممن أحرق العسكر المصرى أمكنّهم لما توجهوا إلى تجريدة ابن قرمان، وشاع القول في أفواه الناس. ثم ظهر للناس بعد ذلك أن الذي صار يحرق من الأمكنة بالقاهرة وغيرها بعد حريق بولاق إنما هو من فعل المماليك الجلبان؛ لينهبوا ما في بيوت الناس عندما تحرق، فإنه تداول إحراق البيوت أشهرا- والله أعلم «1» . وقد افتقر من هذا الحريق خلائق كثيرة، وعلى الله العوض. وفي يوم الثلاثاء ثالث عشر شهر رجب المذكور وصل الأمير بردبك الدّوادار الثانى من الشّام. وفيه أيضا نودى بزينة القاهرة لدوران المحمل، ونهى السلطان المماليك الأجلاب عن أن «2» يعمل أحد منهم عفاريت المحمل. وسببه أنهم فعلوا ذلك في السنة الخالية وأفحشوا في الطلب من الناس، وصاروا يدخلون إلى دور الأمراء والأعيان، ويكلفونهم الكلفة الزائدة، وما كفاهم ذلك حتى صار العفريت منهم إذا مرّ بالشارع على فرسه بتلك الهيئة المزعجة يجبى الدكاكين، وإذا صدف رئيسا من بياض الناس أمسكه وأخذ منه ما شاء غصبا، وإن لم يعطه أخرق به ورماه عن فرسه، حتى صار الرّجل إذا رأى واحدا من هؤلاء أسرع في مشيه بالدخول في زقاق من الأزقة، أو بيت من البيوت، فضرّ ذلك بحال الناس كثيرا، وتركوا فرجة المحمل.

بل صاروا يترقّبون فراغ المحمل، ليستريحوا من هذه الأنواع القبيحة. فلما جاء أوان المحمل في هذه السّنة دخل على قلوب الناس الرّجيف بسبب ما وقع من المماليك في العام الماضى، فكلّم أعيان الدّولة السلطان في إبطال المحمل، أو نهى الجلبان عن تلك الفعلة القبيحة، فلهذا رسم السلطان في هذه السنة بإبطال عفاريت المحمل بالكليّة. ثم في يوم الاثنين سادس عشر شهر رجب هذا أدير المحمل على العادة في كل سنة، ولم يقع من الأجلاب شىء مما وقع منهم في السنة الماضية. ثم تداول الحريق بعد ذلك بخط بولاق والقاهرة، وقوى عند الناس أن الذي يفعل ذلك إنما هو من تركمان ابن قرمان. ثم وقع الحريق أيضا في شعبان بأماكن كثيرة، وداخل الناس جميعا الرّعب من هذا الأمر. فلما كان يوم السبت ثانى عشر شعبان نودى بشوارع القاهرة ومصر بتوجّه كل غريب إلى أهله، وكذلك في يوم الأحد، فلم يخرج أحد لعدم التفات السلطان لإخراجهم. ثم وقع حريق آخر وآخر، فنودى في آخر شعبان بخروج الغرباء بسبب الحريق من الدّيار المصرية، فلم يخرج أحد. وتداول وقوع الحريق بالقاهرة في غير موضع. ثم في أول شهر رمضان مرض السلطان مرضا لزم منه الفراش، وأرجف بموته، وطلع إليه أكابر الأمراء، فتكلم معهم في العهد لولده أحمد بالسلطنة من غير تصريح، بل في نوع النكر «1» من ولده، ويقول ما معناه: إن ولده ليس كمن مضى من أولاد الملوك الصغار، وإن هذا رجل كامل يعرف ما يراد منه، وما أشبه هذا المعنى، فصار هو

يتكلم وجميع الأمراء سكوت، لم يشاركه أحد فيما هو فيه إلى أن سكت، وانفضّ المجلس، ثم عوفى بعد ذلك، ودقّت البشائر بقلعة الجبل وغيرها أياما. ثم في يوم الاثنين سادس شهر رمضان أخرقت المماليك الأجلاب بالأمير قانم التاجر المؤيّدى «1» أحد مقدمى الألوف، وهو نازل من الخدمة بعير قماش الموكب، وضربه بعضهم على رأسه وظهره، جاءوا بجموعهم إلى داره من الغد ليهجموا عليه، فمنعهم مماليكه من الدخول عليه، فوقع القتال بينهم، وجرح من الفريقين جماعة، فأخذ قانم المذكور يتلافى أمرهم بكل ما تصل القدرة إليه، فلم يفد ذلك إلا أنه صار يركب وحده من غير مماليك، ويطلع الخدمة وينزل على تلك الهيئة، واستمرّ على ذلك نحو السنتين «2» . ثم في هذه الأيام أيضا تداول الحريق بالقاهرة وظواهرها، وضرّ ذلك كثيرا بحال الناس، وقد قوى عندهم أن ذلك من فعل القرمانية والمماليك الأجلاب، يعنون بالقرمانية والأجلاب أن القرمانية إذا فعلوا ذلك مرة ويقع الحريق، فتنهب المماليك الأقمشة وغيرها لما يطلعون الدور المحروقة للطفى، فلما حسن ببال المماليك ذلك صاروا يفعلون ذلك. قلت: ولا أستبعد أنا ذلك لقلة دينهم وعظم جبروتهم، عليهم من الله ما يستحقونه من العذاب والنكال- انتهى. ثم استهل شوال، أوّله الجمعة، فوقع فيه خطبتان، وتشاءم الناس بذلك على الملك، فلم يقع إلا الخير والسلامة، وكذبت العادة. ثم في يوم الجمعة خامس عشره ورد الخبر على السلطان بموت چاك الفرنجى صاحب قبرس، وأنهم ملّكوا عليهم ابنته مع وجود ولد ذكر، لأمر أجاز تقديم البنت

على الصّبى، على مقتضى شريعتهم، ووقع بسبب ذلك أمور وغزوات يأتى ذكرها في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى، وقد حررنا ذلك كله في «الحوادث» . وفي يوم الاثنين ثامن عشره خرج أمير حاج المحمل بالمحمل من القاهرة، وهو الأمير برسباى البجاسى حاجب الحجاب، وأمير الركب الأول [الطواشى] «1» مرجان [الحصنى] «2» مقدّم المماليك السلطانية. ثم في العشر الأخير من هذا الشهر ورد الخبر من الإسكندرية بموت الخليفة القائم بأمر الله حمزة بها، كما سيأتى ذكره في الوفيات إن شاء الله. ثم في يوم الخميس سابع عشرين ذى القعدة خلع السلطان على ولده المقام الشهابى أحمد باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية، عوضا عن الأمير الكبير تنبك البردبكى بحكم وفاته، وأنعم السلطان بإقطاع ولده أحمد على ولده الصغير المقام الناصرى محمد، وصار محمد أمير مائة ومقدّم ألف، وأنعم بإقطاع محمد المذكور- وهو إمرة طبلخاناه- على الأمير جانبك الصوفى الناصرى المرتد «3» أحد أمراء الطبلخانات، زيادة على ما بيده؛ ليكون جانبك أيضا أمير مائة ومقدّم ألف. ثم في يوم الاثنين ثانى عشرين ذى الحجة خلع السلطان على القاضى شرف الدين التتائى «4» الأنصارى باستقراره ناظر الجيوش المنصورة، عوضا عن الصاحب جمال الدين يوسف بن كاتب جكم، بحكم وفاته في يوم الخميس ثامن عشر ذى الحجة. وخلع السلطان أيضا على الأمير زين الدين عبد الرحمن بن الكويز، باستقراره ناظر الخاص الشريف، عوضا أيضا عن الصاحب جمال الدين يوسف المقدّم ذكره

ما وقع من الحوادث سنة 863

ثم في يوم السبت سابع عشرين ذى الحجة أيضا استقرّ القاضى زين الدين أبو بكر بن مزهر ناظر جوالى دمشق، وأنه يتوجه إلى دمشق لضبط تعلقات الجمالى ناظر الخاص، ثم بطل ذلك قبل أن يلبس الخلعة. [ما وقع من الحوادث سنة 863] ودخلت سنة ثلاث وستين وثمانمائة: فى أولها كانت الزلزلة المهولة بمدينة الكرك، أخربت أماكن من قلعتها ودورها وأبراجها. فكان أول المحرم الأربعاء. فى يوم ثانيه استقر القاضى علاء الدين على بن مفلح «1» قاضى الحنابلة بدمشق وكاتب سرّها، بعد عزل القاضى قطب الدين محمد الخيضرى «2» ، بمال كثير بذله فى الوظيفتين. ثم في يوم الثلاثاء استقر القاضى تاج الدين عبد الله بن المقسى ناظر الدولة كاتب المماليك السلطانية، بعد عزل سعد الدين بن عبد القادر. وفي رابع صفر استقرّ على بن إسكندر محتسب القاهرة، بعد عزل بدر الدين ابن البوشى. وفيه استقرّ إياس البجاسى نائب القدس، بعد عزل البدرى حسن بن أيوب، ثم عزل إياس المذكور في يوم الاثنين ثالث شهر ربيع الأوّل بشاه منصور بن شهرى ثم في يوم الأربعاء خامس شهر ربيع الأول المذكور ورد الخبر بموت الأمير يشبك من جانبك المؤيدى الصوفى أتابك دمشق بها، فاستقر في أتابكيّة دمشق عوضه الأمير علّان شلق المؤيدى أحد أمراء دمشق، بمال بذله في ذلك نحو العشرة

آلاف دينار، وأنعم بتقدمة علّان المذكور على شادبك السّيفى جلبّان، مضافا إلى دوادارية السلطان بدمشق، وذلك أيضا بالبذل. ورسم بإقطاع «1» شادبك المذكور للأمير قراجا الظاهرى، وهو بالقدس- بطالا- ليكون بيده وهو طرخان، ثم بطل ذلك. ثم في يوم الخميس حادى عشر شهر ربيع الآخر رسم السلطان بنقل الأمير جانم الأشرفى نائب حلب من نيابة حلب إلى نيابة دمشق، بعد موت الأمير قانى باى الحمزاوى بحكم وفاته، وحمل إليه التقليد والتشريف الأمير جانبك من أمير الظريف الأشرفى أحد أمراء الطبلخانات وخازندار. ورسم بانتقال الأمير حاج إينال اليشبكى من نيابة طرابلس إلى نيابة حلب، عوضا عن جانم الأشرفى المذكور، وصار مسفّره الأمير سودون الإينالى المؤيدى قراقاش ثانى رأس نوبة. ورسم باستقرار الأمير إياس المحمدى الناصرى الطويل نائب حماة في نيابة طرابلس، عوضا عن حاج إينال، ومسفّره الأمير جانى بك الإينالى الأشرفى، المعروف بقلقسيز أحد أمراء العشرات ورأس نوبة. ورسم باستقرار الأمير جانبك التاجى المؤيدى نائب صفد في نيابة حماة، عوضا عن إياس المحمدى، ومسفّره جانم المؤيّدى المعروف بحرامى شكل، أحد العشرات ورأس نوبة. ورسم باستقرار خيربك النّوروزىّ نائب غزّة في نيابة صفد، عوضا عن جانبك التاجى، ومسفّره قانم طاز الأشرفى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة. ثم استقرّ- بعد مدّة- الأمير بردبك العبد الرحمانى «2» أحد أمراء الألوف بدمشق في

نيابة غزة عوضا عن خيربك النّوروزى المقدّم ذكره، وصار مسفّره السّيفى خيربك من حديد الأجرود أحد الدّوادارية الخاصّكيّة. قلت: وجميع ولاية هؤلاء النوّاب المذكورين بالبذل، ماخلا الأمير جانم نائب الشام. ثم أنعم السلطان بتقدمة بردبك العبد الرحمانى الذي بدمشق على الأمير قراجا الظاهرىّ المقدّم ذكره. ثم في يوم الخميس عاشر جمادى الأولى استقرّ الأمير بردبك الأشرفى الدّوادار الثانى وصهر السلطان أمير حاج المحمل، واستقر الأمير كسباى الشّشمانى المؤيّدى أحد أمراء العشرات أمير الركب الأول. واستقر الأمير يرشباى الإينالى المؤيّدى الأمير آخور الثانى كان، وأحد أمراء الطبلخانات الآن أمير المماليك المجاورين بمكة، ورسم لأسندمر الجقمقى بالمجيء من مكة إلى مصر. ثم في يوم السبت ثانى عشر جمادى الأولى المذكور استقر القاضى محب الدين ابن الشحنة الحلبى الحنفى كاتب السر الشريف بالديار المصرية، بعد عزل القاضى محب الدين بن الأشقر. ثم في يوم الثلاثاء خامس شهر رجب أمسك السلطان القاضى شرف الدين موسى الأنصارى ناظر الجيش، وسلّمه إلى الطواشى فيروز النوروزى الزمام والخازندار، فدام عنده إلى أن صودر وأخذ منه جمل من الأموال بغير استحقاق، بعد أن عزل عن وظيفة نظر الجيش كما سيأتى ذكره. ثم ورد الخبر على السلطان من حلب أن الطاعون فشابها وكثر. ثم في يوم الخميس رابع عشر شهر رجب استقرّ القاضى برهان الدين إبراهيم ابن الدّيرى ناظر الجيوش المنصورة عوضا عن الأنصارى المقدّم ذكره، بمال كثير بذله فى ذلك.

ثم في يوم السبت سادس عشر رجب تعرّض جماعة من المماليك الأجلاب للأمير زين الدين الأستادار، فهرب منهم، فضربوا الوزير وبهدلوه إلى الغاية، ولم ينتطح في ذلك عنزان؛ لقوة شوكة الأجلاب في هذه الأيام، حتى تجاوزت الحدّ، وبطل أمر حكام الدّيار المصرية قاطبة، وصار من كان له حق أو شبه حق لا يشتكى غريمه إلا عند الأجلاب، ففى الحال يخلص حقه من غريمه، إمّا على وجه الحق أو غيره، فخافهم كلّ أحد، لا سيما التّجار والبيعة «1» من كل صنف، وترك غالب الناس معايشهم؛ خوفا على رأس مالهم، فعزّ بسبب ذلك وجود أشياء كثيرة، ووقع الغلاء في جميع الأشياء، لا سيما في الأصناف المتعلقة بالأجناد، مثل الشعير والتبن والدريس، وما أشبه ذلك من أنواع أقمشة الخيل والبغال والمتعلقة بذلك، حتى صار لا يوجد بالكليّة إلا بعد عسر كبير، وصار من له ضيانة من تبن أو دريس أو شعير من الأجناد يسافر من القاهرة وبلاقيه ويمشى معه حتى يصل إلى بيته «2» إن قدر على ذلك «3» ، وإن كان أميرا أرسل إلى ملاقاته بعض مماليكه، وربما أخذوا ممن استضعفوه من الأجناد أو مماليك الأمراء، وزاد هذا الأمر حتى أضرّ بجميع الناس قاطبة، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وفي يوم الأحد سابع عشر شهر رجب تعرّض بعض المماليك الأجلاب للقاضى محب الدين بن الشّحنة كاتب السّرّ، وهو طالع إلى الخدمة السلطانية، وضربه من غير أمر يوجب ضربه أو الكلام معه. وفي يوم الثلاثاء تاسع عشره استقرّ الأمير ناصر الدين بن محمد القسّاسى، المعروف بمخلع، دوادار السلطان بحلب. وفي يوم الخميس حادى عشرين رجب «4» أيضا استقر البدرى حسن بن أيوب في نيابة القدس بعد عزل [شاه] «5» منصور بن شهرى.

وفيه رسم السلطان بطلب أبى الخير النّحاس من البلاد الشامية على يد ساع. وفي يوم السّبت أوّل شعبان وقع حريق عظيم ببندر جدّة بالحجاز. وف يه توفى خيربك المؤيّدى الأشقر الأمير آخور الثانى، وأنعم السلطان بإقطاعه على الأمير بردبك المحمدى الظاهرى المعروف بالهجين الأمير آخور الثالث، وأنعم باقطاع بردبك المذكور على تغرى بردى الأشرفى، وأنعم باقطاع تغرى بردى على قراجا الأشرفى [الطويل «1» ] الأعرج، وتغرى بردى وقراجا كلاهما من مماليك السلطان القديمة أيام إمرته. ثم في يوم الاثنين ثالث شعبان المذكور استقرّ الأمير يلباى الإينالى المؤيّدى أحد أمراء الطبلخانات أمير آخور ثانيا عوضا عن خيربك الأشقر المقدم ذكره. وفيه استقر دولات باى الظاهرى نائب رأس نوبة الجمداريّة رأس نوبة الجمدارية عوضا عن قراجا الطويل الأعرج الذي تأمّر. واستقرّ في نيابة رأس نوبة الجمداريّة شخص يسمى قايتباى الأشرفى، فوثب شخص من الخاصّكيّة الأجلاب يسمى برسباى، وجذب سيفه بالقصر السلطانى، بسبب ولاية هذين لهاتين الوظيفتين، ولكونه لم لا ولى هو «2» إحداهما، ثم وقع منه أمور أضربنا «3» عن ذكرها، خوفا على ناموس ملك مصر. ثم في يوم السبت ثامن شعبان رسم بإطلاق القاضى شرف الدين الأنصارى من مكانه بقلعة الجبل بعد أن أخذ منه جملة مستكثرة من الذّهب العين وغيره. ثم في يوم الأحد تاسعة ضرب السلطان مملوكين من مماليكه الأجلاب وحبسهما، لأجل قتلهما نانق الظاهرى، ولم يقتلهما به كما أمر الله تعالى.

ثم في يوم ثانى شهر رمضان وصل أبو الخير النحاس من البلاد الشامية إلى القاهرة وخلع السلطان عليه كامليّة بمقلب سمّور «1» . وفي يوم الثلاثاء تاسعه قدّم أبو الخير النحاس إلى السلطان اثنين وسبعين فرسا، وثلاثين بغلا. وفي يوم الجمعة ثانى عشر شهر رمضان المذكور نهبت العبيد والمماليك الأجلاب النسوة اللاتى حضرن صلاة الجمعة بجامع عمرو بن العاص- رضى الله عنه- بمصر القديمة، وأفحشوا في ذلك إلى الغاية، وكل مفعول جائز. ثم في يوم الاثنين خامس عشر، استقر أبو الخير النّحاس ناظر الذخيرة السلطانية ووكيل بيت المال. وفي يوم الأحد حادى عشرينه أغلقت المماليك الأجلاب باب القلعة، ومنعوا الأمراء والمباشرين من النزول إلى دورهم بسبب تعويق عليق خيولهم، وفعلوا ذلك أيضا من الغد إلى أن رسم لهم- عوضا عن كل عليقة- مائتا درهم. ثم في يوم الخميس خامس عشرين شهر رمضان المقدّم ذكره استقر خشقدم السّيفى أرنبغا «2» الذي كان دوادار القانى باى الحمزاوى [نائب الشام] «3» فى حجوبية طرابلس على سبعة آلاف دينار، بعد عزل شادبك الصارمى. وفي يوم الأحد ثامن عشرينه وصل إلى الدّيار المصرية جاكم الفرنجى ابن جوان «4» صاحب جزيرة قبرس، «5» بطلب من السلطان، ليلى- عوضا عن أبيه- ملك قبرس «6» ، وكان

أهل قبرس ملّكوا عليهم أخته مع وجوده؛ كونه ابن زنا، أو غير ذلك، لأمر لا يجوّز ولايته في ملتهم. وفي هذا الشهر أخذ الطاعون في انحطاط من مدينة حلب، وانتشر فيما حولها من البلدان والقرى بعد أن مات منها نحو من مائتى ألف إنسان. ثم في يوم الخميس ثالث شوال ضربت المماليك الأجلاب أبا الخير النحاس، وأخذوا عمامته من على رأسه، فتزايد ما كان به من الضعف، فإنه كان مستضعفا قبل ذلك بمدّة وأخذ أمره يومئذ في انحطاط، ولزم الفراش، إلى أن مات حسبما يأتى ذكره إن شاء الله تعالى. وفي يوم السبت خامس شوال عمل السلطان الموكب بالحوش السلطانى من قلعة الجبل، وأحضر جاكم بن جوان الفرنجى، وخلع عليه كامليّة، وخلع على اثنين أخر من الفرنج الذين قدموا معه، وأعطاه السلطان فرسا بسرج ذهب، وكنبوش زركش، وركب الفرس المذكور وغيره مدّة إقامته بالديار المصرية، وولّاه نيابة قبرس، ووعده بالقيام معه، وتخليص قبرس له. ثم في يوم الخميس سابع عشر شوال خرج أمير حاج المحمل بالمحمل، وهو الأمير بردبك الدّوادار الثانى، وأمير الركب الأول الأمير كسباى من ششمان أحد أمراء العشرات. وفي يوم الخميس أوّل ذي القعدة شرع السلطان في عمارة مراكب برسم الجهاد، وإرسال جاكم صحبتهم إلى قبرس، وجعل المتحدث على عمارة المراكب المذكورة سنقر الأشرفى الزّردكاش، المعروف بقرق شبق، فباشر سنقر المذكور عمل المراكب أقبح مباشرة، من ظلم وعسف، وأخذ الأخشاب بأبخس الأثمان إن وزن ثمنا، وفعل هذا الشقىّ أفعالا لا يفعلها الخوارج، عليه من الله ما يستحق من الخزى والنكال، بحيث

ما وقع من الحوادث سنة 864

أنه جمع من هذا المال الخبيث جملة كبيرة خرجت منه بالمصادرة والنّهب والحريق، وما ربّك بظلام للعبيد. ثم في يوم الاثنين خامس ذى القعدة سافر تغرى بردى الطيّارى الخاصكى قاصدا قبرس، ليخبر أهلها أن السلطان يريد ولاية جاكم هذا على قبرس مكان والده، وعزل أخته، ويلومهم على عدم ولاية جاكم هذا وتقديم أخته عليه. وفي يوم الثلاثاء ثامن ذى الحجة مات الأمير بايزيد التّمربغاوى أحد أمراء الألوف بالديار المصرية، وأنعم السلطان بتقدمته وإقطاعه على الأمير سودون الإينالى المؤيدى [قراقاش] «1» رأس نوبة ثان، بمال بذله سودون في ذلك «2» ، وأنعم بإقطاع سودون المذكور وهو إمرة طبلخاناه على الأمير خشكلدى القوامى الناصرى. [ما وقع من الحوادث سنة 864] واستهلت سنة أربع وستين وثمانمائة بيوم الأحد. وفي يوم الثلاثاء سابع عشر المحرم من السنة المذكورة وصلت الغزاة المتوجهة قبل تاريخه إلى بلاد الجون ببرّ التركيّة لإحضار الأخشاب «3» ، وكان مقدّم هذا العسكر أربعة من الأمراء العشرات، وهم: قانى باى قراسقل المؤيّدى. والأمير جانبك الإسماعيلى المؤيدى المعروف بكوهية. والأمير معلباى طاز المؤيدى. والأمير بردبك اليشبكى المشطوب «4» .

وفي يوم سابع عشرينه- الموافق لسادس عشر هاتور- لبس السلطان القماش الصوف الملون، وألبس الأمراء على العادة في كل سنة. وفي هذا الشهر عظم الطاعون بمدينة غزّة، وأباد الموت أهلها «1» . وفي يوم السبت ثانى عشر صفر خلع السلطان على فارس مملوك الطواشى فيروز الرّكنى باستقراره وزيرا بعد تسحّب على بن الأهناسى، فلم يحسن فارس المذكور المباشرة سوى يوم واحد، وعجز وكاد أن يهلك، وكان لولايته أسباب منها: أنه كان يبرق ويرعد ويوسع في الكلام في نوع المباشرة وغيرها، فحسب السامع أن في السويداء رجالا، واستسمن ورمه فولّاه، فما هو إلا أن أرمى الخلعة على «2» أكتافه [حتى] «3» ظهر عليه العجز الفاضح في الحال، وضاق عليه فضاء الدنيا، وخسر في اليوم المذكور جملا مستكثرة، واستعفى، وترامى على أكابر الدّولة، وكاد أن يهلك لولا أعفى وعزل «4» ، بعد أن ألزم بشىء له جرم على ما قيل، وولى الصاحب شمس الدين منصور الوزر عنه. قلت: ما أحسن الأشياء في محلها، وحينئذ أعطى القوس لراميه. وفي يوم الخميس سابع عشر صفر ورد الخبر من الشام بموت الأمير علّان شلق المؤيّدى أتابك دمشق. وفي يوم ثامن شهر ربيع الأول استقرّ الحاج محمد الأهناسى البرددار وزيرا بعد عزل الصاحب شمس الدين منصور من غير عجز بل لمعنى من المعانى، والحاج محمد هذا هو والد على بن الأهناسى المقدم ذكره في الوزر والأستادارية، وولى الوزر قبل أن

تسبق له رئاسة في نوع من الأنواع؛ لأن كلا الوالد والولد عار عن الكتابة ومعرفة قلم الديونة، ولم يكن لهما صنعة غير الرّسليّة والبردداريّة لا غير، فباشر الحاج محمد هذا الوزر أحد عشر يوما وعزل، وأعيد الصاحب شمس الدين منصور للوزر ثانيا. وفي يوم الاثنين ثانى عشر شهر ربيع الأول استقر الأمير تغرى بردى الأشرفى أحد أمراء العشرات نائب الكرك، وأنعم بإقطاعه على ابن الأمير بردبك الدّوادار الثانى والمنعم عليه هو ابن بنت السلطان. ثم في يوم الخميس ثانى عشرينه استقر الأمير تمرباى ططر الناصرى أحد أمراء العشرات أمير حاج المحمل. ثم في يوم الأحد خامس عشرين شهر ربيع الأول المذكور عمل السلطان المولد النبوى بالحوش السلطانى على العادة في كل سنة، وأحضر السلطان جاكم الفرنجى ابن صاحب قبرس، وأجلسه عند أعيان مباشرى الدّولة، فعظم ذلك على الناس قاطبة. قلت: ولعلّ السلطان ما أحضره في هذا المجلس إلا ليريه عزّ الإسلام وذلّ الكفر. ثم في أول شهر ربيع الآخر ظهر الطاعون بمدينة بلبيس وخانقاه سرياقوس من ضواحى القاهرة. وكان أول الشهر يوم الجمعة الموافق لأول طوبة من شهور القبط. فتخوّف كلّ أحد من مجىء الطاعون إلى القاهرة، هذا مع ما الناس فيه من جهد البلاء من غلوّ الأسعار وظلم المماليك الأجلاب الذي خرج عن الحد، وعدم الأمن، وكثرة المخاوف فى الأزقّة والشوارع، بحيث إن الشخص صار لا يقدر على خروجه من داره بعد أذان عشاء الآخرة، حتى ولا لصلاة الجماعة، ولو كان جار المسجد، وإن أذّن مؤذن العشاء والشخص خارج عن داره هرول في مشيه وأسرع لئلا تغلق عليه الدروب التي عمرتها رؤساء كلّ حارة؛ خوفا على بيوتهم من المناسر والحرامية، لأن والى القاهرة خيربك القصروى حطّ عنه أمور الناس «1» ، وانعكف على ما هو عليه من المفاسد، وسببه

أنه علم أن الذي يتعبث على الناس أو يسرق إنما هو من المماليك الأجلاب أو من أتباعهم، وعلم مع ذلك ميل السلطان إلى الأجلاب، واتفق بعد ذلك كثرة السّراق، وفتح البيوت، وهجم المناسر على الحارات، وكلّمه السلطان- فى ذلك- بكلام خشن، ووبّخه في الملأ، وكاد أن يفتك به، فأوهم الوالى السلطان- بالتلويح في كلامه- أن الذي يفعل ذلك إنما هو من المماليك الأجلاب، وكان الذي لوّحه الوالى إلى السلطان قوله: «يا مولانا السلطان أنا مالى شغل ولا حكم على من يلبس طاقية- يعنى المماليك- وما حكمى إلا على العوام والحرامية» ، فسكت السلطان، ولم يكلمه بعد ذلك إلا في غير هذا المعنى، فوجد الوالى بذلك مندوحة لسائر أغراضه، وحطّ عنه واستراح، وانحل النظام، وضاعت حقوق الناس، وأخذ كل مفسد يتزيا بزى الجند، ويفعل ما أراده، وصار الوالى هو كبير الحراميّة، ولا قوة إلا بالله. وفي يوم السبت تاسع شهر ربيع الآخر اختفى الصاحب شمس الدين منصور، وتعطّل- بسبب غيابه- رواتب المماليك السلطانية، فاستغاثوا المماليك الأجلاب، ومنعوا الأمراء يوم الأربعاء من طلوع القلعة، وامتنعوا من طلوع الخدمة يوم الخميس أيضا رابع عشره، وطلع الأمير يونس الدّوادار إلى القلعة بغير قماش الخدمة، فلما وصل إلى باب القلعة احتاطت به المماليك الأجلاب، وسألوه أن يكلم السلطان في أمرهم، فدخل الأمير يونس المذكور إلى السلطان، وذكر له ذلك، ثم ترددت الرّسل بين السلطان وبينهم إلى أن آل الأمر إلى طلب سعد الدين فرج بن النحّال، واستقرّ وزيرا على عادته أولا على شروط، ونزل من وقته، وباشر الوزر، وسكن الأمر، وقد ذكر لى الصاحب شمس الدين: أنه لم يختف إلا بإذن السلطان. وفي هذه الأيام فشا الطاعون بالقاهرة، وكان عدّة من ورد اسمه الديوان من الأموات فى يوم الثلاثاء تاسع عشر شهر ربيع الآخر المذكور- الموافق لسابع عشر أمشير، وهو يوم تنتقل الشمس إلى برج الحوت- خمسة وثلاثين نفرا، ولها تفصيل، وذلك خارج عن البيمارستان المنصورى والأوقاف والقرافتين والصحراء وبولاق ومصر القديمة.

وأمّا ضواحى القاهرة وإقليم الشرقية والغربية من الوجه البحرى فقد تزايد الطاعون فيها حتى خرج عن الحد، وهو إلى الآن في زيادة. وكان أمر الطاعون في القرى أنه إذا وقع بقرية يفنى غالب من بها، ثم ينتقل إلى غيرها وربما اجتاز ببعض القرى ولم يدخلها، فسبحانه يفعل في ملكه ما يريد. وفي يوم الخميس حادى عشرينه ضرب المماليك الأجلاب الأمير زين الدين الأستادار بسبب عليق الخيول ضربا مبرحا، وانقطع بسبب ذلك عن الخدمة أياما كثيرة. وفي يوم السبت ثالث عشرينه وقع من بعض المماليك الأجلاب إخراق في حق الأمير يونس الدّوادار، والشخص المذكور يسمى قانصوه، وكان ذلك في الملأ من الناس، ونزل الأمير يونس إلى داره وهو في غاية ما يكون من الغضب، فما كفى قانصوه المذكور ما وقع منه في القلعة في حق الأمير يونس، حتى نزل إليه بداره وأساء عليه ثانيا بحضرة مماليكه وحواشيه، فلم يسع الأمير يونس المذكور إلا أن قام من مجلسه وعزل نفسه عن الدّوادارية، ودخل إلى داره من وقته، وأقام بها من يومه. ثم في الغد لم يقع من السلطان على قانصوه المذكور- بسبب ما وقع منه في حق الأمير يونس- كبير أمر، ولا كلّمه الكلام العرفى، غير أن ابن السلطان الشهابى أحمد أرسل سأل الأمير يونس في الطلوع إلى القلعة وحضور الخدمة. ثم إنّ بعض الأمراء أخذ قانصوه المذكور وأتى به إلى الأمير يونس حتى قبّل يده، ولا زال ذلك الأمير وغيره بالأمير يونس حتى رضى عنه بعد أن أوسعه سبّا وتوبيخا، وذلك حيث لم يجد يونس له ناصرا ولا معينا. وأغرب من هذا أنه بلغنى أن قانصوه لما أفحش في أمر الأمير يونس أولا ربما أضاف إليه السلطان في بعض الإساءة، والسلطان يسمع كلامه. قلت: إن صح هذا فهو مما يهوّن على الأمير يونس ما وقع في حقه من قانصوه.

وفي يوم الاثنين خامس عشرينه عجز الأمير زين الدين الأستادار عن القيام بجامكية المماليك السلطانية، فقام إلى السلطان شخص من الخاصكية الأجلاب يسمى جانبيه المجنون، وقال للسلطان: «الملوك التي كانت قبلك كانوا ينفقون الجوامك، لأى شىء أنت ما تعطى مثلهم؟» . فغضب السلطان من كلامه، وطلب العصى ليضربه، فخرج جماعة من الأجلاب من خچداشيته، وجذبوه من بين يدى السلطان، وتوجهوا به إلى الطبقة، ولم يتكلم السلطان بكلمة واحدة. هذا والطاعون أمره في زيادة، فلما استهلّ جمادى الأولى الموافق لتاسع عشرين أمشير كان فيه التعريف: أعنى عدة من يرد اسمه الديوان من الأموات ستين نفرا، وهذا خلاف الأماكن المقدم ذكرها من البيمارستان والطرحى والقرافتين والصحراء ومصر وبولاق، وأما نواحى أرياف الوجه البحرى ففى زيادة، حتى قيل إنه كان يموت من خانقاه سريا قوس في اليوم ما يزيد على مائتى نفر، ووصل في هذه الأيام عدة من يموت بالمحلة الكبرى- إحدى قرى القاهرة «1» - كل يوم زيادة على مائتين وخمسين إنسانا، وهذا أمر كبير؛ كون أن المحلة وإن كانت مدينة هى قرية من القرى، ومثلها كثير من أعمال الديار المصرية. غير أن ذلك كان نهاية الطاعون بها وابتداءه بالقاهرة؛ فإن الطاعون كان وقع بالأرياف قبل القاهرة بمدّة، فلما أخذ الطاعون في انحطاط من الأرياف أخذ في الزيادة بالقاهرة ومصر وضواحيها، كما هى عادة الطاعون وانتقاله من بلد إلى أخرى. وفي يوم الثلاثاء عاشر جمادى الأولى من سنة أربع وستين المذكورة أنعم السلطان

على سودون الأفرم الظاهرى الواصل قبل تاريخه من البلاد الشامية بإمرة عشرة بعد موت الأمير أسندمر الجقمقى. وفي هذا اليوم أيضا كان عدة من ورد التعريف «1» بهم من الأموات بالقاهرة فقط مائة وعشرة نفر ولها تفصيل- ما بين رجال ونساء وصبيان وموال- وليس لذكر التفصيل هنا محل. وكان من شأن هذا الطاعون أنه ينقص في اليوم نقصا قليلا عن أمسه، ثم يزيد في الغد كثيرا إلى أن انتهى ونقص وهو على هذه الصفة. وفي هذه الأيام بلغ عدة من يموت في اليوم بخانقاه سرياقوس أكثر من ثلاثمائة نفر، ويقول المكثر أربعمائة، وبالمحلة ثلاثمائة، وفي مدينة منف في يوم واحد نحوا من مائتين، وقس على هذا في سائر القرى، وهذا نهاية النهاية الآن. وفي يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الأولى- يوم تنتقل الشمس فيه إلى برج الحمل- كان فيه عدة من ورد اسمه التعريف «2» مائة وسبعين نفرا، وجاء في هذا اليوم عدة من صلى عليه من الأموات بمصلاة باب النصر على حدتها مائة نفر، فكيف يكون التعريف كله مائة وسبعين، وبالقاهرة مصلوات كثيرة نذكرها بعد ذلك في محلها. وأبلغ من هذا أن الأمير زين الدين الأستادار ندب جماعة من الناس بأجرة معينة إلى ضبط جميع مصلوات القاهرة وظواهرها، وكان ما حرروه ممن صلى عليه في اليوم ستمائة إنسان، فعلى هذا لا عبرة بذكر التعريف المكتتب من ديوان المواريث، غير أن فائدة ذكر التعريف تكون لمعرفة زيادة الوباء ونقصه لا غير، ففى ذكره فائدة ما. وفي يوم الجمعة عشرين جمادى الأولى كان فيه التعريف مائتين وتسعة نفر. ثم في يوم السبت حادى عشرينه أنعم السلطان على قانى باى الأشرفى المعروف بأخى قانصوه النّوروزى بإمرة عشرة بعد موت الأمير يشبك الظاهرى.

ثم في يوم الخميس سادس عشرينه استقر الأمير برسباى البجاسى حاجب الحجاب أمير آخور كبيرا بعد موت يونس العلائى بالطاعون، واستقر سودون الإينالى المؤيدى المعروف بقراقاش في حجوبية الحجاب عوضا عن برسباى البجاسى المقدم ذكره. وفيه أيضا أنعم السلطان بإقطاع يونس العلائى على الأمير جرباش المحمدى أمير مجلس، وأنعم بإقطاع جرباش المذكور على الأمير جانبك الظاهرى نائب بندر جدّة، وصار جانبك من جملة أمراء الألوف بالديار المصرية، وذلك زيادة على ما بيده من التحدث على بندر جدّة، بل على جميع الأقطار الحجازية، والإقطاع الذي استولى عليه الأمير جرباش، والذي خرج عنه كلاهما تقدمة ألف، لكن متحصل خراجهما يتفاوت. وفي يوم الخميس هذا كان عدة من ورد اسمه الديوان من الأموات نحوا من مائتين وخمسة وثلاثين نفرا، وكان عدة المضبوط بالمصلاة ألفا ومائة وثلاثة وخمسين نفرا، وذلك خارج عما ذكرنا من مصر وبولاق والقرافتين والصحراء والأوقاف وزاوية الخدّام خارج الحسينية. وفي يوم السبت ثامن عشرين جمادى الأولى المقدم ذكرها أستقرّ الشهابى أحمد بن قليب «1» أستادار السلطان بمدينة طرابلس في حجوبية حجاب طرابلس، زيادة على ما بيده من الأستادارية وغيرها، وكانت ولايته للحجوبية بعد موت خشقدم الأرنبغاوى «2» دوادار قانى باى الحمزاوى: ثم استهل جمادى الآخرة- أولها يوم الثلاثاء- وقد كثر الوباء بالديار المصرية، وانتشر بها وبظواهرها، هذا مع الغلاء المفرط في الأسعار وظلم المماليك الأجلاب، فصارت الناس بين ثلاثة أمور عظيمة: الطاعون، والغلاء، والظلم، وهذا من النوادر- وقوع الوباء والغلاء معا في وقت واحد- فوقع ذلك وزيد ظلم الأجلاب، ولله الأمر.

وكان التعريف في هذا اليوم ثلاثمائة وستة عشر نفرا، وكان الذي حرروه في السبع عشرة مصلاة ألف إنسان وتسعمائة إنسان وعشرة، وأنكر ذلك غير واحد من الناس استقلالا، بل قال بعضهم وبالغ: بأن عدة من يموت في اليوم بالقاهرة أكثر من ثلاثة آلاف نفر، واعتل بقوله إن الذين ندبوا لضبط المصلوات اشتغل كل منهم بنفسه وبمن عنده وبغلمانه «1» ، قلت: الصواب بل الأصح مقالة الثانى لما شاهدناه من كثرة الجنائز، وازدحام الناس بكل مصلاة- والله أعلم. وأما أمر الغلاء ففى هذا الشهر أبيع فيه القمح كل إردب بستمائة درهم، والبطة من الدقيق العلامة بمائة وسبعين درهما، والرطل الخبز بأربعة دراهم، وهو عزيز الوجود بالحوانيت في كثير من الأوقات، والشعير والفول وكلاهما بأربعمائة درهم الإردب، وهما في قلة إلى الغاية والنهاية، والحمل التبن بأربعمائة درهم ولا بدّ له من حارس من الأجناد يحرسه من المماليك الأجلاب، هذا والموت فيهم بالجريف «2» - وصلوات الله على سيدنا عزرائيل- وما سوى ذلك من المأكل فسعره متحسن، لا كسعر الشعير والتبن والقمح والفول؛ كون هذه الأشياء يحتاج إليها الأجلاب، فيأخذونها بأبخس الأثمان، فترك الناس بيع هذه الأصناف إلا المحتاج، فعز وجودها لذلك. ووقع للأجلاب في هذا الوباء أمور عجيبة؛ فإنهم لما فرغوا من أخذ بضائع الناس ظهر منهم في أيام الوباء أخذ إقطاعات الأجناد، فصاروا إذا رأوا شخصا على حانوت عطار أخذوه، وقالوا له: لعل الضعيف يكون له إقطاع، فإن كان له إقطاع عرفهم به؛ وإن لم يكن للضعيف إقطاع طال أمره معهم إلّا أن يخلصه منهم أحد من الأعيان. ثم بدا لهم بعد ذلك أن كل من سمعوا له إقطاعا من أولاد الناس أو الأجناد القرانيص أخذوا إقطاعه، فإن كان صحيحا يرتجون مرضه، وإن كان ضعيفا ينتظرون

موته، فعلى هذا الحكم خرج إقطاع غالب الناس- الحى والميت- حتى إنهم فعلوا ذلك بعضهم مع بعض، فصار السلطان والناس في شغل شاغل، لأن الأجلاب صاروا يزدحمون عليه لأخذهم إقطاعات الناس، وعند ما يتفرغ من المماليك الأجلاب يتظلم كل أحد إليه ممن خرج إقطاعه وهو في قيد الحياة، فلم يسعه إلا ردّه عليه، فصار الإقطاع يخرج اليوم ويردّ إلى صاحبه في الغد، فصار يكتب في اليوم الواحد عدة مناشير ما بين إخراج وردّ، واستمر الناس على ذلك من أوّل الفصل إلى آخره. وأغرب من هذا أن بعض الأجلاب اجتاز في عظم أيّام الوباء بالصحراء، فحازى جنازة امرأة على نعشها طرحة زركش، فاختطفها وساق فرسه فلم يوقف له على أثر. ووقع لبعض الأجلاب أيضا أنه صدف في بعض الطرقات جنازة وهو سكران، فأمره المدير بالوقوف لتمر الجنازة عليه، فحنق منه، وأراد ضرب المدير، فهرب منه، فضرب الميت على رأسه، وقد شاهد ذلك جماعة كثيرة من الناس. وفيما حكيناه كفاية عن فعل هؤلاء الظّلمة- ألا لعنة الله على الظالمين. وفي يوم الثلاثاء مستهل جمادى الآخرة وصل إلى القاهرة تغرى بردى الطيّارى الخاصكى المتوجه في الرّسلية إلى جزيرة قبرس، وصحبته جماعة كثيرة من ملوك الفرنج وأهل قبرس. والقادمون من الفرنج على قسمين: فرقة تسأل إيقاء ملك قبرس على الملكة المتولية، وفرقة تسأل عزلها وتولية أخيها جاكم الفرنجى الذي قدم إلى القاهرة قبل تاريخه، فلم يبت السلطان الأمر من ولاية ولا عزل في هذا اليوم، وأحال الأمر إلى ما سيأتى ذكره. وفي يوم الخميس ثالث جمادى الآخرة المذكورة عظم الطاعون بالقاهرة وظواهرها، واختلفت كلمة الحسّاب؛ لاشتغال كل أحد بنفسه وبمن عنده، فمنهم من قال: يموت في اليوم أربعة آلاف إنسان، ومنهم من قال: ثلاثة آلاف وخمسمائة، وقاس

صاحب القول الثانى على عدّة من صلّى عليه في هذا اليوم المذكور بمصلاة باب النصر، وقال: إن كل مائة ميت بمصلاة باب النصر بثلاثمائة وستين ميتا، وجاءت مصلاة المؤمنى في هذا اليوم أربعمائة وسبعة عشر ميتا، وهذا كله تقريبا لا تحريرا على الأوضاع. ثم في يوم الثلاثاء ثامن جمادى الآخرة عمل السلطان الموكب بالحوش السلطانى لأجل قصّاد الفرنج، وحضرت الفرنج وقبلوا الأرض ونزلوا أيضا على غير طائل. وفي يوم الجمعة حادى عشره كان فيه التعريف مائتين وثمانين، وجاءت مصلاة باب النصر على حدتها خمسمائة وسبعين. وفيه ضربت المماليك الأجلاب الوزير سعد الدين فرج بن النحّال ضربا مبرحا؛ لكونه لم يزد راتب لحمهم. وفي يوم الاثنين رابع عشر جمادى الآخرة كان فيه التعريف نحو ثلاثمائة إنسان، منهم مماليك خمسة وسبعون، منهم خمسة وثلاثون من مماليك الأمراء وغيرهم، ومن بقى سلطانية، وأما الذي ضبط في هذا اليوم ممن صلى عليه من الأموات باثنتى عشرة مصلاة أربعة آلاف إنسان، وفي ذلك نظر؛ لأن مصلاة باب النصر وحدها جاءت في هذا اليوم خمسمائة وسبعين، ومصلاة البياطرة أربعمائة وسبعين، وجامع الأزهر ثلاثمائة وستة وتسعين، فمجموع هذه المصليات الثلاث من جملة سبع عشرة مصلاة أو أكثر ألف وأربعمائة وستة نفر، فعلى هذا كيف يكون جميع من مات في هذا اليوم أربعة آلاف؟! فهذا محال، وهذا خارج عن القرافتين والحسينية والصحراء وبولاق ومصر القديمة، إلا أن غالب من يموت صغار وعبيد وجوار. غير أن هذا الطاعون كان أمره غريبا، وهو أن الذي يطعن فيه قلّ أن يسلم، حتى قال بعضهم: لعل إن من كل مائة مريض يسلم واحد، فأنكر ذلك غيره وقال: ولا كل ألف- مبالغة.

وفي يوم الأربعاء سادس عشره- الموافق لرابع عشر برمودة- ارتفع الوباء من بولاق، وكان الذي مات بها في اليوم «1» ثلاثة نفر، وقيل سبعة وقيل عشرة. هذا بعد أن كان يموت في اليوم «2» ثلاثمائة وأربعمائة، ويقول المكثر خمسمائة- فسبحانه وتعالى فاعلا مختارا يفعل في ملكه ما يشاء. وأخذ الطاعون في هذه الأيّام يخف من ظواهر القاهرة، مثل الحسينيّة وغيرها، وعظم في القاهرة وما حولها من جهة الصّليبة والقلعة وقناطر السّباع، وكان الذي مات من المماليك الأجلاب الإيناليّة في هذا الطاعون- إلى يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الآخرة- ستمائة مملوك وثلاثين مملوكا. إلى لعنة الله وسقر، إلى حيث ألقت. ومما وقع لى من أوائل هذا الفصل قولى على سبيل المجاز: [السريع] قد جاءنا الفصل على بغتة ... مستجلبا حلّ مجدّ الطلب من كثرة البغى وظلم بدا ... يخصه الله بمن كان جلب وفي يوم الاثنين حادى عشرين جمادى الآخرة- الموافق لتاسع عشر برمودة، وهو أول خمسين «3» النصارى- فيه ظهر نقص الطاعون بالقاهرة، وكان ابتداء النقص من يومى الخميس والجمعة. وفي يوم الاثنين هذا كان عدة من صلى عليه بمصلاة باب النصر ثلاثمائة وخمسين إنسانا، وبجامع الأزهر ستمائة إنسان، وهو أكثر ما وصل إليه العدة بالجامع المذكور، لأن غالب الطاعون الآن هو بالقاهرة، وكان عدّة من صلى عليه بمصلاة البياطرة مائتين وأربعة، وهو بحكم النصف مما كان صلى عليه بها قبل ذلك، وكان عدّة من صلى عليه بمصلاة المؤمنى مائتين وثمانين نفرا، وهو أقل من النصف أولا، ونحن نذكر- إن شاء الله تعالى- عدة هذه المصلوات في يوم الاثنين القابل؛ ليعلم الناظر في هذا الكتاب كيفية انحطاط الطاعون عند زواله من اليوم إلى مثله.

فلما كان يوم الخميس ثامن عشرينه الموعود بذكره كان فيه عدّة من صلى عليه بمصلاة باب النصر مائة وتسعين، وبالجامع الأزهر زيادة على مائة وثلاثين، وبمصلاة البياطرة مائة وأربعة عشر، وبمصلاة المؤمنى مائة وسبعة وثلاثين، ونذكر- إن شاء الله تعالى- فى يوم الاثنين الآتى عدّة ذلك أيضا. وفي يوم الأربعاء تاسع شهر رجب فيه فشا نقص «1» الطاعون، وانحط سعر الغلال، وظهر الشعير والتين والدريس لموت تلك الجبابرة الأجلاب. وفيه طعن جامعه «2» ، ثمّ منّ الله تعالى بالعافية بعد أمور، ولله الحمد على المهلة. وفي يوم الجمعة ثالث شهر رجب المذكور- الموافق لسلخ برمودة- لبس السلطان القماش الأبيض البعلبكى المعتد لبسه لأيام الصيف. ثم في يوم الاثنين سادسه كان فيه عدّة من صلى عليه من الأموات بمصلاة باب النصر مائة، وقيل تسعين، وبمصلاة البياطرة زيادة على الخمسين، وبمصلاة المؤمنى زيادة على التسعين: ثم في يوم السبت حادى عشره استقر الأمير أرغون شاه الأشرفى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة أستادار الصحبة السلطانية، بعد موت يشبك الأشرفى الأشقر. ثم في يوم الاثنين ثالث عشر شهر رجب كان فيه عدّة من صلى عليه من الأموات بمصلاة باب النصر نحوا من خمسة وعشرين نفرا، وبمصلاة البياطرة ثلاثة وعشرين، وبالجامع الأزهر خمسة نفر، وبمصلاة المؤمنى نيفا وثلاثين نفرا، هذا والعلة موجودة في الأكابر والأعيان إلى آخر رجب. ثم في يوم الثلاثاء رابع عشره استقر القاضى تقي الدين بن نصر الله ناظر ديوان المفرد عوضا عن الصاحب شمس الدين منصور [بن الصفى] «3» .

وفيه استقر الشيخ سراج الدين [عمر] «1» العبادى الشافعى ناظر الأحباس بعد موت القاضى زين الدين عبد الرحيم العينىّ: واستهل شعبان يوم الخميس وقد خفّ الطاعون من الديار المصرية بالكلية، فكان عدّة من مات في هذا الطاعون من المماليك الأجلاب الإينالية فقط ألفا وأربعمائة نفر- فالله يلحق بهم من بقى منهم- وهذا خلاف من مات في هذا الطاعون من المماليك السلطانية الذين هم من سائر الطوائف «2» . ثم في يوم الثلاثاء سادس شعبان المذكور من سنة أربع وستين وقع في المملكة «3» أمر شنيع؛ وهو أن السلطان جمع أعيان الفرنج القبارسة في الملأ بالحوش السلطانى، وأراد بقاء الملكة صاحبة قبرس على عادتها، وخلع على قصادها أعيان الفرنج، واستقر تغرى بردى الطيّارىّ مسفرها، وعلى يده تقليدها وخلعتها. وكان الفرنجى جاكم أخوها حاضر الموكب، وقد جلس تحت مقدمى الألوف، فعزّ عليه ولاية أخته وإبقاؤها على ملك الأفقسية من جزيرة قبرس مع وجوده، فقام على قدميه واستغاث، وتكلم بكلام معناه أنه قد جاء إلى مصر، والتجأ إلى السلطان، ودخل تحت كنفه، وله عنده هذه المدّة الطويلة، وأنه أحقّ بالملك من أخته وبكى، فلم يسمع السلطان له وصمم على ولاية أخته، وأمره بالنزول إلى حيث هو سكنه، فما هو إلا أن قام جاكم المذكور وخرج من باب الحوش الأوسط ثم خرج بعده أخصامه حواشى أخته، وعليهم الخلع السلطانية مدّت الأجلاب أيديها إلى أخصام جاكم من الفرنج، وتناولوهم بالضرب

والإخراق، وتمزيق الخلع، واستغاثوا بكلمة واحدة، أنهم لا يريدون إلا تولية جاكم هذا مكان والده، وعظمت الغوعاء، فلم يسع السلطان إلا أن أذعن في الحال بعزل الملكة وتولية جاكم، فتولى جاكم على رغم السلطان بعد أن أمعنوا المماليك الأجلاب في سب الأمير بردبك الدّوادار الثانى، وقالوا له: «أنت إفرنجى «1» وتحامى للفرنج» فاستغاث بردبك المذكور، ورمى وظيفة الدّوادارية، وطلب الإقالة من المشى في الخدمة السلطانية، فلم يسمع له السلطان، وفي الحال خلع على جاكم، ورسم بخروج تجريدة من الأمراء إلى غزو قبرس، تتوجّه مع جاكم المذكور إلى قبرس، حسبما يأتى ذكره إن شاء الله تعالى في وقته. وفي يوم الاثنين ثانى عشره رسم السلطان باستقرار الأمير قراجا الظاهرى الخازندار حاجب الحجّاب- كان- أتابك عساكر دمشق بعد موت الأمير علّان المؤيّدى بمال وعد به نحو عشرة آلاف دينار. وفي يوم السبت سابع عشره استقرّ القاضى ولى الدين أحمد ابن القاضى تقي الدين محمد البلقينى «2» قاضى قضاة دمشق الشّافعيّة بعد عزل القاضى جمال الدين يوسف الباعونى «3» . وفيه استقرّ القاضى زين الدين أبو بكر بن مزهر ناظر الجيوش المنصورة بعد عزل القاضى برهان الدين إبراهيم الدّيرى. وفي يوم الأحد ثامن عشره عرض السلطان المماليك السلطانية بالحوش، وعيّن منهم جماعة للجهاد: أعنى للسفر صحبة جاكم الفرنجى إلى قبرس، وقد تعيّن من يسافر إلى قبرس من الأمراء قبل ذلك.

وفيه ورد الخبر من مكّة المشرّفة بموت الأمير برشباى الإينالى المؤيدى رأس المماليك المجاورين بها، فأنعم السلطان بإقطاعه في يوم الثلاثاء على دولات باى «1» الأشرفى السّاقى، وعلى خيربك من حديد الأشرفى الدّوادار، نصفين بالسّويّة، لكل منهما إمرة عشرة. واستهلّ شهر رمضان- أوله الجمعة- فى يوم السبت ثانيه خلع السلطان على الأمير جانبك الظاهرى أحد أمراء مقدمى الألوف بسفره إلى بندر جدّة على عادته في كل سنة، وخرج من الغد متوجها إلى جدّة في غاية التجمل والحرمة. وفي يوم الثلاثاء خامس شهر رمضان المذكور عيّن السلطان الأمير خشقدم الناصرى المؤيدى أمير سلاح إلى سفر الوجه القبلى؛ لقتال العرب الخارجة عن الطاعة، وعيّن معه مائتى مملوك، وسافروا يوم الثلاثاء ثانى عشره. وفي هذا الشهر قوى الاهتمام بسفر المجاهدين، وقاست الناس من أعوان سنقر الزّردكاش شدائد يطول الشرح في ذكرها، حتى قال بعض الشعراء الموالة بلّيقا، تعرّض فيه لظلم سنقر الزّردكاش وحواشيه، بقوله: قبل الغزا جاهد في الناس ... فصار الظلم أنواع وأجناس من طلب هذا الغزا واحتاج لواس ووقع بسبب عمارة هذه المراكب مظالم لا تحصى، من قطع أشجار الناس عسفا، وأخذهم ما يحتاجون إليه ظلما، وزاد ظلم سنقر هذا على الناس حتى جاوز الحد، فلا جرم أن الله تعالى عامله بعد ذلك من جنس فعله في الدنيا، بما قاساه من النفى والحبس وأخذ المال، مع الذل والهوان والصغار، وحلّ به كل مصيبة، حتى أحرقت داره بجميع ما فيها، ثم نهب ما فضل من الحريق، وتشتّت في البلاد على أقبح وجه، هذا في الدنيا وأما الأخرى فأمره إلى الله تعالى.

وفي يوم الأحد أول شوال عيّن السلطان الأمير كزل السودونى المعلّم، والأمير برسباى الأشرفى الأمير آخور للتوجّه إلى الإسكندرية وصحبتهما مائة وخمسون مملوكا من المماليك السلطانية، لأخذ ما هناك من المراكب، والتوجّه بها إلى ثغر دمياط من البحر الملح، ليكون سفر جميع المجاهدين من مينة واحدة، وهى مينة دمياط. ثم في يوم الأربعاء رابع شوال أنفق السلطان في المجاهدين من المماليك السلطانية، للفارس والراجل سواء، لكل واحد مبلغ خمسة عشر دينارا، وأنفق على كل مملوك من المماليك الذين يتوجّهون مع كزل وبرسباى المقدم ذكرهما عشرة دنانير الواحد. ثم في يوم الاثنين تاسعه نزل السلطان الملك الأشرف إينال في موكب هائل من قلعة الجبل بأمرائه وخاصكيته وأعيان دولته إلى جزيرة أروى المعروفة بالوسطى بساحل النّيل؛ لينظر ما عمّر من المراكب، فسار إلى هناك في موكب عظيم، ونظر المراكب، وخلع على سنقر قرق شبق الزّردكاش المقدّم ذكره، وعلى جماعة أخر ممن باشر عمل المراكب، ثم عاد من حيث جاء من قناطر السباع، فلم يبتهج الناس لنزوله، لعظم ما قاسوه من الظلم في عمل هؤلاء المراكب، من قلة الإنصاف والجور في حقّ العمال من أرباب الصنائع وغيرهم، ولولا أن الأمر منسوب إلى نوع من أنواع الجهاد لذكرنا من فعل سنقر هذا ما هو أقبح من أن نذكره. ثم في يوم الثلاثاء سابع عشر شوال سافر المجاهدون في بحر النيل إلى ثغر دمياط، ومقدم العساكر يوم ذاك في البر الأمير يونس الأقبائى الدوادار الكبير، وفي البحر الأمير قائم من صفر خجا «1» المؤيدى التاجر أحد مقدمى الألوف بالديار المصرية، ومعهما بقية الأمراء، وهم: الأمير سودون الإينالى المؤيدى المعروف بقراقاش حاجب الحجاب وغيره، وخلع السلطان على هؤلاء الثلاثة المذكورين، وخلع أيضا على جاكم

الفرنجى خلعة نخّ «1» بقاقم، ونزل جميع الغزاة في خدمتهم إلى بحر النيل، وسافر هؤلاء الأمراء الثلاثة إلى دمياط من يومهم، وبقى من عداهم يسافرون أرسالا في كل يوم، إلى يوم الثلاثاء القابل؛ لكثرة عدة العساكر. وأما مقدار عدد من سافر في هذه الغزوة من الأمراء والجند فعدّة كبيرة. فأولهم أمراء الألوف الثلاثة المقدم ذكرهم. ثم من أمراء الطبلخانات ثلاثة أيضا، وهم: الأمير بردبك البجمقدار الظاهرى ثانى رأس نوبة، وجانبك من أمير الخازندار الأشرفى، ويشبك من سلمان شاه الفقيه المؤيّدى رأس نوبة. ومن أمراء العشرات جماعة، وهم: جكم الأشرفى خال الملك العزيز يوسف، ودقماق اليشبكى، وكسباى الشّشمانى المؤيدى، وطوخ الأبوبكريّ المؤيدى رأس نوبة، وقانم نعجة الأشرفى رأس نوبة، وسنقر قرق شبق الأشرفى الزردكاش المقدم ذكره، وقراجا الأعرج الطويل أحد مماليك السلطان القديمة. وأما المماليك السلطانية فعدتهم تزيد على خمسمائة نفر تخمينا. وهذا خلا المطوّعة وغيرهم من الخدم والمراكبية وأنواعهم. وفي يوم الخميس تاسع عشر شوال خرج أمير حاج المحمل بالمحمل، وهو الأمير تمرباى من حمزة الناصرى المعروف بططر أحد أمراء العشرات، وأمير الركب الأوّل تنم الحسينى الأشرفى رأس نوبة. وفي يوم الجمعة سابع عشرينه أمسك السلطان زين الدين الأستادار، وجنزره «2» وحبسه بالبحرة من الحوش السلطانى، وندب الصاحب شمس الدين منصور [بن الصفى] «3» لمحاسبته فقامت المماليك الأجلاب على منصور حمية لزين الدين، فراج أمر زين الدين

ما وقع من الحوادث سنة 865

لذلك، لعلم الناس أن السلطان مسلوب الاختيار مع مماليكه الأجلاب، واستمر زين الدين بالبحرة إلى يوم الأحد، فأخرجه السلطان واستقرّ به أستادارا على عادته، ولبس خلعة الأستادارية من الغد في يوم الاثنين أول ذى القعدة. ثم في يوم الأربعاء ثالث ذى القعدة وصل الأمير خشقدم أمير سلاح من الوجه القبلى بمن معه من المماليك السلطانية. وفي يوم الأربعاء سابع عشره قتل ابن غريب البدوى. وفي يوم الاثنين هرب زين الدين الأستادار واختفى بحيث إنه لم يعرف له مكان، واستقرّ الصاحب شمس الدين في الأستاداريّة عوضه. [ما وقع من الحوادث سنة 865] ثم استهلت سنة خمس وستين وثمانمائة فكان أول المحرم الخميس. ثم في يوم السبت ثالثه وصل الأمير جانبك الظاهرىّ أحد مقدّمى الألوف من بندر جدّة إلى الديار المصرية، بعد أن حجّ وحضر الموسم بمكة، وبات بتربة الملك الأشرف إينال بالصحراء، وطلع إلى القلعة من الغد في يوم الأحد، وخلع السلطان عليه ونزل إلى داره في موكب عظيم. وفي يوم الخميس ثانى عشرين المحرّم وصل أمير الرّكب الأوّل الأمير تنم الحسينى الأشرفى، وخلع عليه السلطان، وأصبح في يوم الجمعة وصل أمير حاج المحمل تمر باى ططر بالمحمل، وخلع السلطان عليه أيضا. وفي يوم الجمعة سلخ المحرم وصل إلى القاهرة جماعة من الغزاة وأخبروا أن العساكر الإسلامية بأجمعها خرجوا من جزيرة قبرس في يوم الجمعة ثالث عشرين المحرم وساروا على ظهر البحر الملح يريدون السواحل الإسلامية، فهبّت عليهم ريح عظيمة شتّتت شملهم وتوجهوا إلى عدّة جهات بغير إرادة، وكانت مركب هؤلاء وصلت إلى ساحل الطينة،

وأخبروا أيضا بموت الأمير سودون قراقاش حاجب الحجاب «1» ، ثم وصل من الغد بردبك عرب الأشرفى «2» الخاصكى، وأخبر بنحو ما أخبر به هؤلاء المماليك، وأعلم السلطان أيضا أن الأمير يونس الدّوادار ترك بجزيرة قبرس جماعة من المماليك السلطانية ومماليك الأمراء قوة لجاكم صاحب قبرس، وجعل مقدمهم جانبك الأبلق الظاهرى الخاصكى، وأن جماعة كبيرة توفوا إلى رحمة الله تعالى من عظم الوخم. واستهل صفر يوم السبت. ثم في يوم الأربعاء خامسه استقر الأمير كسباى المؤيدى السمين نائب القلعة في نيابة الإسكندرية بعد الأمير جانبك- نائب بعلبك- النّوروزى، فاستقر خير بك القصروى والى القاهرة نائب القلعة عوضا عن كسباى المذكور، بمال بذله في ذلك. ثم في يوم الخميس سادس صفر استقرّ على بن إسكندر «3» والى القاهرة، واستقر تنم من نخشباى «4» الظاهرى الخاصكى المعروف برصاص في حسبة القاهرة، عوضا عن على بن إسكندر، وكلاهما ولى بالبذل، وتنم هذا هو أوّل تركى ولى الحسبة «5» بالبذل، ولم نسمع ذلك قبل تاريخه، لا قديما ولا حديثا. وفي يوم الجمعة سابعه- الموافق لخامس عشرين هاتور- لبس السلطان القماش الصّوف الملوّن، المعتد لبسه لأيام الشتاء، وألبس الأمراء على العادة. ثم في يوم السبت خامس عشره وصل المجاهدون جميعا إلى ساحل بولاق، وباتوا بالميدان الكبير عند بركة الناصرية، وطلعوا إلى القلعة من الغد في يوم الأحد، وقبلوا

الأرض، وخلع السلطان على الأمير يونس الدّوادار أطلسين متمرّا، وفوقانيا بطرز زركش، كما هى عادة خلعة الأتابكية، فتعجّب الناس من ذلك، وقيّد له فرسا بسرج ذهب، وكنبوش زركش. ثم خلع على الأمير قانم المؤيدى أحد مقدمى الألوف فوقانيا بطرز زركش. وكذلك خلع على جميع الباشات «1» من الأمراء. ونزل الجميع في خدمة الأمير يونس الدّوادار إلى بيته تجاه الكبش «2» ، ثم عاد كل واحد إلى داره. ثم في يوم الاثنين رابع عشرين صفر أنعم السلطان على الأمير يلباى الإينالى المؤيدى الأمير آخور الثانى بإمرة مائة وتقدمة ألف، بعد موت سودون قراقاش بقبرس، وأنعم بإقطاع يلباى المذكور- وهو إمرة طبلخاناه- على الأمير تمرباى من حمزة المعروف بططر، وأنعم بإقطاع تمرباى ططر على جانبك الأشرفى قلفسيز، فلم يقبله جانبك المذكور، وأنعم به على الأمير قانى بك السيفى يشبك بن أزدمر، وأنعم بإقطاع قانى بك المذكور- وهو إمرة عشرة أيضا- على دولات باى الخاصكى الأشرفى المعروف بدولات باى سكسن، أعنى ثمانين، ولم يكن دولات هذا أهلا لذلك، وإنما هى أرزاق مقسومة إلى البرّ والفاجر. وفي يوم الخميس سابع عشرين صفر استقر الأمير بيبرس الأشرفى خال الملك العزيز يوسف حاجب الحجاب بالديار المصرية، عوضا عن سودون قراقاش بحكم وفاته بقبرس، واستقر الامير بردبك المحمدى الظاهرى الهجين الأمير آخور الثالث أمير

آخور ثانيا عوضا عن الأمير يلباى المقدم ذكره، واستقر قراجا الطويل الأعرج الأشرفى أمير آخور ثالثا عوضا عن بردبك الهجين. ثم في يوم الخميس رابع شهر ربيع الأول أستقر الأمير مغلباى طاز الأبوبكرى المؤيدى أمير حاج المحمل، واستقر تنبك البوّاب الأشرفى الخاصكى أمير الرّكب الأوّل. ثم في يوم الأحد سابع شهر ربيع الأوّل المذكور عمل السلطان المولد النبوى على العادة في كل سنة بالحوش السلطانى. ثم سافر المقام الشهابى أحمد بن السلطان إلى السّرحة، ومعه أخوه محمد من الغد في يوم الاثنين ثامنه إلى جهة الوجه البحرى شرقا وغربا، وسافر معه جماعة من الأعيان وأمراء العشرات. ثم في يوم الخميس سادس عشره استقرّ على بن الأهناسى وزيرا بعد استعفاء الصاحب فرج بن النحّال. ثم في يوم السبت حادى عشرينه حبس السلطان القاضى صلاح الدين أمير حاج المكينى بحبس الرحبة، وسبب ذلك أنه كان استبدل وقفا فشكى عليه بسبب ذلك الوقف، فرسم السلطان بحبسه فحبس إلى آخر النهار، ثم أطلق من يومه بعد أن قرّر عليه بلغ من الذهب. ثم في يوم السبت رابع عشر شهر ربيع الآخر نودى بزينة القاهرة لقدوم أولاد السلطان من السّرحة، ووصلا في يوم الثلاثاء ثامن عشر ربيع الآخر المذكور، وشقّا القاهرة في موكب هائل، وطلعا إلى القلعة، وخلع عليهما والدهما السلطان الملك الأشرف إينال، ثم نزلا في وجوه الدّولة إلى بيت «1» المقام الشهابى أحمد، وهو الأخ الأكبر، وأتابك العساكر بالديار المصرية.

وفي يوم الاثنين خامس عشرينه استقرّ إينال الأشقر الظاهرى الخاصكى والى القاهرة بعد عزل على بن إسكندر. واستهل جمادى الأولى يوم الخميس. فى ثالثه يوم السبت مرض السلطان الملك الأشرف إينال مرض الموت، ولزم الفراش. فلما كان يوم الاثنين خامسه وصل الأمير بردبك الدّوادار الثانى، والأمير ناصر الدين نقيب الجيش من الطّينة، وكان توجها قبل تاريخه لينظرا مكان البرج الذي يريدون عمارته هناك. ثم في يوم الاثنين ثانى عشره أرجف بموت السلطان، ولم يصح ذلك، وأصبح الناس في هرج، وماجوا ووقف جماعة من العامة عند باب المدرّج- أحد أبواب القلعة- فنزل إليهم الوالى وبدّد شملهم. ثمّ نودى في الحال بالأمان والبيع والشراء، وأن أحدا لا يتكلم بما لا يعنيه، فسكن الأمر إلى يوم الأربعاء رابع عشر. فلما كان ضحوة يوم الأربعاء المذكور طلب الخليفة والقضاة الأربعة إلى القلعة، وطلعت الأمراء والأعيان، واجتمعوا الجميع بالدهيشة، فلم يشك أحد في موت السلطان «1» ، فلم يكن كذلك، بل كان الطلب لسلطنة المقام الشهابى أحمد قبل موته. فلما تكامل الجمع خلع السلطان نفسه من السلطنة بالمعنى؛ لأنه ما كان إذ ذاك يستطيع الكلام، بل كلمهم بما معناه أن الأمر يكون من بعده لولده، فعلموا من ذلك أنه يريد خلع نفسه وسلطنة ولده، ففعلوا ذلك كما سيأتى ذكره في محله، فى أوّل ترجمة الملك المؤيد أحمد إن شاء الله تعالى.

ومات الأشرف إينال في الغد حسبما نذكره. وكانت مدة تحكم الملك الأشرف إينال هذا- من يوم تسلطن بعد خلع الملك المنصور عثمان إلى هذا اليوم، وهو يوم خلع نفسه من السلطنة- ثمانى سنين وشهرين وستة أيام. ومات في يوم الخميس خامس عشر جمادى الأولى بعد خلعه بيوم واحد بين الظهر والعصر، فجهّز من وقته، وغسّل وكفن، وصلى عليه بباب القلة من قلعة الجبل، ودفن من يومه بتربته التي عمّرها بالصحراء، وقد ناهز الثمانين من العمر، وكان چاركسى الجنس، وقد تقدّم الكلام على أصله، وجالبه إلى القاهرة، وكيفية ترقيه إلى أن تسلطن فى أول ترجمته من هذا الكتاب. وكانت صفته- رحمه الله- أخضر اللون للسمرة أقرب، طوالا، غالب طوله من وسطه ونازل، قصير البشت «1» ، رقيق الوجه نحيف اليد؛ لحيته في حنكه، وهى شعرات بيض، ولهذا كان لا يعرف إلا بإينال الأجرود، وفي كلامه رخو مع خنث كان في لهجته، ولهذا لما لبس السّواد خلعة السلطنة كان فيها غير مقبول الشكل، لكونه أسمر اللون، والخلعة سوداء، فلم تبتهج الناس برؤيته، ولذلك أسباب: السبب الأول. ما ذكرناه من صفته وسواد الخلعة، والسبب الثانى وهو الأغلب لقرب عهد الناس من شكل الملك المنصور عثمان «2» الشكل الظريف «3» البهى، والفرق واضح لأن المنصور كان سنه دون العشرين سنة من غير لحية، وهو في غاية الحسن والجمال- أحسن الله عونه- والأشرف إينال هذا سنه فوق السبعين، وقد علمت صفته مما ذكرناه، فلا لوم على من لا يعجبه شكل الأشرف إينال ولا عتب، وكان له محاسن ومساوى، والأول أكثر. فأما محاسنه، فكان ملكا جليلا، عاقلا رئيسا سيوسا، كثير الاحتمال، عديم

الشّر، غير سبّاب ولا فحّاش في حال غضبه ورضاه، وكان عارفا بالأمور والوقائع والحروب، شجاعا مقداما، كثير التجارب للخطوب والقتال، عظيم التروى في أفعاله، ثابتا فى حركاته ومهماته، له معرفة تامة بملوك الأقطار في البلاد الداخلة في حكمه، وفي الخارجة عن حكمه أيضا، عارفا بجهات ممالكه شرقا وغربا، فهما بفنون الفروسية وأنواعها، لا يحبّ تحرك ساكن ولا إثارة فتنة، وعنده تؤدة في كلامه واحتمال زائد، يؤديه ذلك إلى عدم المروءة عند من لا يعرف طباعه، ومن محاسنه أنه منذ سلطنته ما قتل أحدا من الأمراء ولا من الأجناد الأعيان، على قاعدة من تقدمه من الملوك، إلا من وجب عليه القتل بالشرع أو بالسياسة، وأيضا أنه كان قليلا ما يحبس أحدا ولا ينفيه، سوى من حبس في أوائل دولته من أعيان الأمراء كما هى عوائد أوائل الدولة، ثم بعد ذلك لم يتعرض لأحد بسوء، إلا أنه نفى جماعة عندما ركبوا عليه ثانيا في حدود سنة ستين، وخلع الخليفة القائم بأمر الله حمزة بسبب موافقته لهم على قتاله، ثم حبسه بالإسكندرية، وهو معذور في ذلك، ولو كان غيره من الملوك لفعل أضعاف ذلك، بل وقتل منهم جماعة كثيرة، وبالجملة فكانت أيّامه سكونا وهدوءا ورياقة وحضور بال، لولا ما شان سؤدده [من] «1» مماليكه الأجلاب، وفسدت أحوال الديار المصرية بأفعالهم القبيحة، ولولا أن الله تعالى لطف بموته، لكان حصل الخلل بها، وربما خربت وتلاشى أمرها، هذا ما أوردناه من محاسنه، بحسب القوة والباعثة. وأما مساوئه، فكان بخيلا شحيحا مسيكا، يبخل ويشح حتى على نفسه، وكان عاريا من العلوم والفنون المتعلقة بالفضائل، كان أميّا لا يعرف القراءة والكتابة حتى كان لا يحسن العلامة على المناشير والمراسيم إلا برسم الموقع له بالنقط على المناشير، فيعيد هو على النقط بالقلم. هذا مع طول مكثه في السعادة والرياسة والولايات الجليلة ثم السلطنة، ومع هذا لم يهتد إلى معرفة الكتابة على المناشير ولا غيرها، فهذا دليل على بلادة ذهنه وجمود

فكره، ولعله كان لا يحسن قراءة الفاتحة ولا غيرها من القرآن العزيز فيما أظن، وكانت صلاته للمكتوبات صلاة عجيبة، نقرات ينقر بها، لا يعبأ الله بها، وكان مع هذه الصلاة العجيبة لا يحب التملق، ولا إطالة الدّعاء بعد الصلاة، بل ربما نهى الداعى عن تطويل الدعاء، ولم يكن بالعفيف عن الفروج، بل ربما اتهمه بعض الناس بحب الوجوه الملاح والصباح من الغلمان- والله تعالى أعلم بحاله- إلا أنه كان يعف عن تعاطى المنكرات المسكرات. وكان- فى الغالب- أموره وأحكامه مناقضة للشريعة، لا سيما لما أنشئت مماليكه الأجلاب، فإنهم قلبوا أحكام الشريعة ظهرا لبطن، وهو راض لهم بذلك، وكان يمكنه إرداعهم بكل ممكن، ومن قال غير ذلك فهو مردود عليه، وأحد أقوال الردّ عليه قول من يقول: فكيف سطوة السلطنة مع عدم «1» قوته لرد هؤلاء الشرذمة القليلة مع بغض العالم لهم، وضعفهم عن ملاقاة بعض العوام؟! فكيف أنت بهم وقد ندب لهم طائفة من طوائف المماليك؟! ومثل هذا القول فكثير، وأيضا رضاه بما فعله سنقر قرق شبق الزردكاش عند عمارته لمراكب الغزاة، لأن سنقر فعل أفعالا لا يرتضيها من له حظ في الإسلام، وكان يمكنه ردّه عن ذلك بكل طريق، بل كان يخلع عليه في كل قليل، ويشكر أفعاله، فرضاه بفعل مماليكه الأجلاب، وبفعل سنقر هذا وأشباه ذلك هو أعظم ذنوبه، وما ساء منه النّاس وأبغضته الخلائق وتمنوا زوال ملكه إلا لهذا المعنى، ومعنى آخر وهو ليس بالقوى وهو ثقل وطأة ولده وزوجته ومملوكه بردبك الدوادار. قلت: والأصح عندى هو الذنب الأوّل، وأما هؤلاء فكان ثقلهم على مباشرى الدولة أو على من يسعى عندهم في وظيفة من ولاية أو عزل، أو أمر من الأمور، فعلى هذا كان ضررهم خصوصا لا عموما، وأيضا لا يشمل ضررهم إلا لمن جاء إلى بابهم

أو قصدهم في حاجة دنيويّة، فهو أحق بما يحل به، لأنه هو الساعى في إيذاء نفسه، والمثل يقول: «من قتلته يديه لا بكاء عليه» . نعم وكان من مساوئه مخافة السبل في أيامه بالقاهرة والأرياف، حتى تجاوز الحدّ، وعمّرت الناس على بيوتهم الدروب لعظم خوفهم من دقّ المناسر وقطّاع الطريق بالأرياف، مع أنه كان قاطعا للمفسدين، غير أن الحمايات كانت كثيرة في أيامه، وهذا أكبر أسباب خراب الدّيار المصرية وقراها، ومن يوم تجددت هذه الحمايات فسدت أحوال الأرياف قبليها وبحريها، وهذا البلاء ما كثر وفشا في الدّولة إلا بعد الدّولة المؤيّديّة شيخ، واستمرت هذه السنة «1» القبيحة إلى يومنا هذا، والعجب أنه ليس لها نفع على السلطان ولا على بلاده، وإنما هى ضرر محض على السلطان والناس قاطبة، والملك لا يلتفت إلى إزالتها، مع أنه لو منع ذلك لم يضر أحد من الناس، وانتفع الناس جميعا بمنعها، وعمرت غالب البلاد، وتساوت الناس، وبالمساواة تعمر جميع الممالك، غير أن الفهم والعقل والتدبير منح إلاهية، فلا يفيد الكلام في ذلك، ولله در القائل: [الوافر] . لقد أسمعت لو ناديت حيّا ... ولكن لا حياة لمن تنادى ونار لو نفخت بها أضاءت ... ولكن أنت تنفخ في الرماد وقد خرجنا عن المقصود. ولما كثر فساد المماليك الأجلاب عمل بعض الظرفاء بلّيقا «2» ، ذكر فيه أفعال الأجلاب ومساوئهم، واستطرد إلى إلى أن قال في آخره: حاشا لله دوام هذى النقمه ... ونحن أفضل برية من أمه نبينا ما حدّ مثلو

أزاح عنا كيد الكفار ... وقد رمينا بيد الأشرار فكل حد ماسك ديلو متى يزيح عنا هذى الدولة ... ويحكم الناس من لوصوله وترتاح البرية في عدلو فالله بجاه سيد عدنان ... عوّض لنا منك بإحسان هذا الجميل إننا أهلو فو الله العظيم لم تمض عليه سنة بعد ذلك، بل ولا ستة أشهر حتى مرض ومات، فهذا ما ذكرناه من محاسن الملك الأشرف إينال ومساوئه، ونرجو الله تعالى أن يكون ذلك على الإنصاف لا على التحامل.

ما وقع من الحوادث سنة 857

[ما وقع من الحوادث سنة 857] السنة الأولى من سلطنة الملك الأشرف إينال على مصر وهى سنة سبع وخمسين وثمانمائة. على أن الملك المنصور عثمان حكم منها إلى ثامن شهر ربيع الأول. وفيها- أعنى سنة سبع وخمسين المذكورة- توفّى الشهابى أحمد ابن الأمير فخر الدين عبد الغنى بن عبد الرّزّاق بن أبى الفرج متولى قطيا، فى أوائل المحرم، وهو فى الكهولية. وتوفّى السلطان الملك الظاهر أبو سعيد جقمق العلائى الظاهرى في ليلة الثلاثاء، ثالث صفر، ودفن من يومه حسبما تقدم ذكره في ترجمته مستوفاة في هذا الكتاب، فلتنظر في محله. وتوفّى الأمير أسنبغا بن عبد الله الناصرى «1» الطيّارى رأس نوبة النوب في ليلة السبت سادس شهر ربيع الأول، فى أيام الفتنة، وهو في بيت الأمير قوصون، وعليه آلة السلاح، شبه الفجاءة، وكانت مدة مرضه يوما واحدا، وصلّى عليه الأتابك إينال العلائى بدار قوصون المذكورة، وجميع الأمراء وعليهم آلة السلاح، ثم حمل ودفن من يومه في الصحراء، ومات وهو في عشر الثمانين تخمينا، وكان من محاسن الدّنيا كرما وعقلا وشجاعة وتواضعا ومعرفة، كان كامل الأدوات، قلّ أن ترى العيون مثله- رحمه الله تعالى.

وتوفّى الأمير جانبك بن عبد الله اليشبكى والى القاهرة، ثم الزردكاش، فى ليلة الخميس ثامن عشر شهر ربيع الأوّل، وهو في أوائل الكهولية، ودفن من الغد، وكان أصله من مماليك الأمير يشبك الجكمى الأمير آخور، ثم اتصل بعد موته بخدمة السلطان، ثم صار خاصّكيّا في الدولة الأشرفية برسباى، وصحب الصاحب جمال الدين يوسف بن كاتب جكم ناظر الخواص، فروّجه في المملكة، حتى صار ساقيا في الدولة الظاهرية جقمق، ثم تأمر عشرة بعد مدة طويلة، وصار من جملة رءوس النوب، ثم استقر والى القاهرة، ثم أضيف إليه حسبة القاهرة في سنة أربع وخمسين، ثم انفصل من الحسبة، واستمر في الولاية سنين كثيرة، إلى أن نقل إلى وظيفة الزّردكاشيّة في الدولة المنصورية عثمان، بعد انتقال الأمير لاجين الظاهرى إلى شد الشراب خاناه، وتولى عوضه ولاية القاهرة يشبك القرمى الظاهرى، فلم تطل أيّامه زردكاشا، ومات فى أوائل الدولة الأشرفية إينال، حسبما تقدم وفاته؛ وكان مليح الشكل متجملا، «1» حسن المحاضرة «2» - رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين أرنبغا اليونسىّ الناصرى أحد مقدمى الألوف بالدّيار المصريّة في ليلة الجمعة تاسع عشر شهر ربيع الأوّل، وسنّه زيادة على السبعين، وأنعم السلطان بتقدمته على الأمير دولات باى المحمودى الدّوادار بعد مجيئه من السّجن بمدّة، وكان أرنبغا هذا تترىّ الجنس من مماليك الملك الناصر فرج، وهو أخو سونجبغا الناصرى، وأرنبغا هذا هو الأكبر، وتنقلت بأرنبغا هذا الأحوال إلى أن تأمّر في دولة الملك الأشرف برسباى عشرة، وصار من جملة رءوس النّوب، وطالت أيّامه، وحجّ وجاور في مكّة غير مرّة، ثم نقل في الدّولة الظاهريّة جقمق إلى إمرة طبلخاناه، ثم صار في أوائل دولة الأشرف إينال أمير مائة ومقدّم ألف، فلم تطل مدّته، ومات في التاريخ المقدم ذكره، وكان أميرا شجاعا مقداما عارفا

بالحروب وأنواعها، إلا أنه كان مسرفا على نفسه مع قلّة تجمّل في ملبسه ومماليكه وخدمه- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين سمام الحسنى الظاهرى الحاجب الثانى، وأحد العشرات فى ليلة الاثنين سادس شهر ربيع الآخر، ودفن من الغد، وسنه نيّف على السبعين، وكان رجلا ساكنا قليل الخير والشر، لا للسيف ولا للضيف. وتوفّى الشيخ الإمام المعتقد الواعظ شهاب الدين أحمد ابن الشيخ الإمام العارف بالله محمد وفاء الشاذلى المالكى المعروف بابن أبى الوفاء، فى يوم الأربعاء ثامن شهر ربيع الآخر، ودفن بتربتهم بالقرافة الصغرى، وكان جلس للوعظ والتذكير على عادتهم، وصار على وعظه أنس وقبول من الناس إلى أن مات- رحمه الله تعالى. وتوفّى قاضى القضاة بدر الدين محمد ابن القاضى ناصر الدّين محمد ابن العلّامة شرف الدين عبد المنعم البغدادى «1» الحنبلى، قاضى الديار المصرية ورئيسها، فى ليلة الخميس سابع جمادى الأولى، ودفن من الغد، وحضر الخليفة القائم بأمر الله حمزة الصلاة عليه بمصلّاة باب النصر، ودفن بالتّربة الصوفية، وكانت جنازته مشهودة، كثر أسف الناس عليه، لحسن سيرته ولعفتة عما يرمى به قضاة السوء، ومات وهو في أوائل الكهولية، وكان له اشتغال ومعرفة تامة بصناعة القضاء والشروط والأحكام، وأما سياسة الناس ومحبته لأصحابه وكرمه وسؤدده فكان إليه المنتهى في ذلك، وكان قامعا لشهود الزور والمناحيس، وبالجملة فكان بوجوده نفع للمسلمين- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير الوزير سيف الدين تغرى بردى القلاوى الظاهرى قتيلا في واقعة كانت بينه وبين سونجبغا الناصرى، وهى واقعة عجيبة، لأنهما تماسكا على الفرسين، فقتل الواحد الآخر، ثم قتل الآخر في الحال، كلاهما مات على فرسه، وذلك في يوم السبت سادس عشر جمادى الأولى، وقد ذكرنا واقعتهما في تاريخنا «حوادث الدهور» مفصلا، فلينظر هناك، وكانت نسبته بالقلاوى إلى ناحية قلا، لما كانت إقطاعا لأستاذه الملك الظاهر جقمق

لما كان أميرا، ولم يكن تغرى بردى هذا مشكور السّيرة في ولايته- عفا الله تعالى عنا وعنه. وتوفّى الأمير سونجبغا اليونسى الناصرى ببلاد الصعيد في وقعته مع تغرى بردى القلاوى في يوم واحد حسبما تقدم ذكره، وسنه زيادة على الستين، وهو أخو أرنبغا المقدم ذكره، غير أن أرنبغا كان مشهورا بالشجاعة والإقدام، وسونجبغا هذا لا شجاعة ولا كرما. وتوفّى الشيخ عز الدين محمد الكتبى «1» ، المعروف بالعز التّكرورى، فى يوم الأربعاء سابع عشر بن جمادى الأولى، وكان معدودا من بياض الناس، له حانوت يبيع فيه الكتب بسوق الكتبيين، وكانت له فضيلة بحسب الحال. وتوفّى الأمير سيف الدين دولات باى المحمودى المؤيدى الدوادار كان، وهو أحد مقدّمى الألوف في يوم السبت أوّل جمادى الآخرة، ودفن بالصحراء خارج القاهرة من يومه، وسنه أزيد عن خمسين سنة، وكان چاركسى الجنس جلبه خواجا محمد إلى الإسكندرية، فاشتراه منه نائبها الأمير آقبردى المنقار، وبلغ الملك المؤيّد شيخا ذلك، فبعث طلبه منه، فأرسله إليه، فأعتقه المؤيد- أن كان آقبردى ما كان أعتقه- وجعله خاصكيا ثم ساقيا في أواخر دولته، فلما تسلطن الملك الأشرف برسباى عزله عن السّقاية، ودام خاصكيا دهرا طويلا، إلى أن صحب الأمير جانم الأشرفى قريب الملك الأشرف برسباى، ثم صاهره فتحرك سعده بصهارة جانم المذكور، ولا زال جانم به إلى أن نفعه بأن توجّه بتقليد نائب صفد وخلعته بعد أن كان خلص له إمرة عشرة من الملك الأشرف، مع بغض الأشرف في دولات باى هذا، فلما أمسك جانم مع من أمسك من أمراء الأشرفية لم ينفعه دولات باى المذكور بكلمة واحدة، هذا إن لم يكن حط عليه فى الباطن، ولا أستبعد أنا ذلك لقرائن دلّت على ذلك.

ولما تسلطن الملك الظاهر جقمق استقر بدولات باى هذا أمير آخور ثانيا، بعد مسك الأمير نخشباى الأشرفى وحبسه. ثم نقل [دولات باى] «1» بعد أيام إلى الدوادارية الثانية، بعد الأمير أسنبغا الطّيّارى، بحكم انتقاله إلى إمرة مائة وتقدمة ألف، كلّ ذلك فى سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة. فباشر [دولات باى] «2» الدّواداريّة بحرمة وافرة، ونالته السعادة، وأثرى وجمع الأموال الكثيرة، وعمّر الأملاك الهائلة، إلى أن أنعم عليه السلطان بإمرة مائة وتقدمة ألف في صفر سنة ثلاث وخمسين، بعد موت الأمير تمراز القرمشى الظاهرى، فلم تطل أيامه في التقدمة. وولى [دولات باى] «3» الدّواداريّة الكبرى- بمال بذله، نحو العشرة آلاف دينار- عوضا عن قانى باى الچركسى، بحكم انتقاله إلى الأمير آخورية الكبرى، بعد موت الأمير قراخجا الحسنى. ولما ولى الدّواداريّة الكبرى خمدت ريحه، وانحطت حرمته، بالنسبة إلى ما كانت عليه أيام دواداريّته الثانية، والسببية واضحة؛ وهى أنه كان أوّلا مطلوبا، والآن صار طالبا. ثم سافر [دولات باى] «4» أمير حاج المحمل بعد مدّة، وكان وليها مرّة أولى في سنة تسع «5» وأربعين، فهذه المرّة الثانية في سنة ست وخمسين، وعاد في سنة سبع وخمسين، وقد خلع الملك الظاهر جقمق نفسه من الملك وسلطن ولده الملك المنصور عثمان، فأقام فى دولة المنصور دوادارا على حاله، وقد خاف من صفير الصافر، فلم يكن بعد أيام إلا وقبض عليه في يوم الخميس ثانى عشر صفر من السنة المذكورة، وحمل إلى الإسكندرية، فحبس بها شهرا وأياما، وأطلقه الملك الأشرف إينال، وأحضره إلى القاهرة، ثم أنعم عليه بعد مدة بإقطاع الأمير أرنبغا اليونسى، فلم تطل أيّامه إلا نحو الشهر، ومرض ومات في التاريخ المقدّم ذكره.

ولقد قال لى بعض الحذّاق إن سبب موته إنما كانت طربة «1» يوم أمسك، ودامت الطّربة إلى أن قتلته. قلت: وأنا لا أستبعد هذا، لما كان عنده من الجبن والحذر، وعدم الإقدام، على أنه كان مليح الشكل، متجملا في ملبسه ومركبه، وقورا في الدول، إلا أنه لم يشهر بشجاعة ولا كرم في عمره. وتوفّى الأمير سيف الدين قانصوه بن عبد الله النّوروزى أحد أمراء دمشق بها في أواخر جمادى الأولى، وله من العمر نحو الستين سنة تخمينا، وكان أصله من مماليك الأمير نوروز الحافظىّ نائب الشّام، وصار خاصّكيّا بعد موته في الدولة المؤيّديّة شيخ، ثم تأمّر عشرة بعد موت المؤيّد، ثم صار أمير طبلخاناه في دولة الظاهر ططر، ودام على ذلك سنينا كثيرة إلى أن أخرجه الملك الأشرف برسباى إلى نيابة طرسوس، ثم نقله إلى حجوبية حلب، ثم تقدمة ألف بدمشق، ثم خرج على الملك الظاهر جقمق، ووافق الأمير إينال الجكمى على العصيان، فلما كسر الجكمى اختفى قانصوه مدة، ثم ظهر وتنقّل أيضا في عدة أماكن، وهو في جميع ما يتحرّك فيه مخمول الحركات إلى أن مات، وكان مليح الشكل، وعنده شجاعة ومعرفة برمى النشّاب، إلا أنه كان خاملا، ما أظنه ملك في عمره ألف دينار، ولولا الحياء لقلت ولا سلّاريّا ثانيا، وفي هذا كفاية. وتوفّى الأمير سيف الدين قشتم بن عبد الله المحمودى الناصرى نائب البحيرة قتيلا في واقعة كانت بينه وبين العربان الخارجة عن الطاعة في أواخر شهر رجب، وقد ناهز الستين من العمر، وكان أميرا جليلا عاقلا حشما وقورا شجاعا مقداما كريما

متواضعا مليح الشكل، وهو ممن جمع بين الشجاعة والكرم والتواضع- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين بيغوت بن عبد الله من صفر خجا المؤيّدى الأعرج نائب صفد بها في أواخر شعبان، وقد جاوز الستين، وكان أصله من مماليك المؤيّد شيخ في أيام إمرته، وصار خاصّكيّا بعد موته، إلى أن نفاه الملك الأشرف برسباى إلى الشام، ثم أنعم عليه بإمرة طبلخاناه بدمشق، ثم ولى نيابة حمص في أوائل دولة الملك الظاهر جقمق مدّة، ثم نقل إلى نيابة صفد دفعة واحدة، بعد الأمير قانى باى الأبوبكرى الناصرى البهلوان، بحكم توجهه إلى نيابة حماة، ثم نقل بيغوت هذا إلى نيابة حماة، ووقع له مع أهل حماة أمور وشكاو آلت إلى تسحّبه من حماة وتوجّهه إلى ديار بكر، بعد أن أمسك ولده إبراهيم بالقاهرة وحبس، ووقع له أيضا بديار بكر أمور ومحن، وأمسك وحبس بقلعة الرّها، ثم أطلق وعاد طائعا إلى السلطان الملك الظاهر جقمق، وقدم القاهرة، ثم عاد إلى دمشق بطالا، إلى أن أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بها، بعد موت الأمير بردبك العجمى الجكمى، فدام على ذلك إلى أن نقله الظاهر إلى نيابة صفد ثانيا، بعد موت يشبك الحمزاوى، فدام بصفد إلى أن مات- رحمه الله- فى التاريخ المقدّم ذكره، وكان رجلا ديّنا مشهورا بالشجاعة والإقدام، وقورا في الدّول، وتولّى نيابة صفد بعده إياس المحمدى الناصرى الطويل. وتوفّى الشيخ المعتقد الصالح درويش- وقيل محمد، وقيل غيبى- الرومى، بظاهر خانقاه سرياقوس، فى يوم الاثنين ثالث ذى القعدة، ودفن شرقى الخانقاه المذكورة، وكان أصله من آقصراى «1» ، وكان مليح الشكل، منوّر الشّيبة، لا يدّخر شيئا،

وحجّ غير مرة من غير زاد ولا راحلة، وهو أحد من أدركناه من الفقهاء الصلحاء- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين حطط بن عبد الله الناصرى أتابك طرابلس بها فى أوائل ذى الحجة، وكان ولى نيابة قلعة حلب، ثم نيابة غزّة، كل ذلك بالبذل، فإنه كان لا للسيف ولا للضيف. وتوفّى الأمير سيف الدين على باى بن طراباى العجمى «1» المؤيّدى أتابك حلب بها في أواخر ذى الحجة، وهو في عشر الستين، وكان أصله من مماليك المؤيّد شيخ، وبقى خاصّكيّا أيام المؤيّد، ودام خاصّكيّا عدّة دول إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر جقمق في أوائل دولته بإمرة عشرة، وجعله من جملة رءوس النوب، وصار له كلمة في الدولة، وتوجّه في الرّسليّة من السلطان إلى أصبهان بن قرايوسف صاحب بغداد، ثم بعد عوده إلى القاهرة بمدّة نفاه الملك الظاهر إلى حلب على إمرة مائة وتقدمة ألف، ثم نقل إلى أتابكيّة حلب بعد سودون الأبوبكريّ المؤيّدى لما ولى نيابة حماة، فدام على باى على ذلك إلى أن توفّى، وكان مليح الشكل، فصيح العبارة، عارفا بأنواع الفروسية، كريما جوادا إلا أنه كان مجازفا كذوبا مسرفا على نفسه- عفا الله عنه. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم- أعنى القاعدة- ثمانية أذرع وخمسة أصابع- مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا واثنان وعشرون إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 858

[ما وقع من الحوادث سنة 858] السنة الثانية من سلطنة الملك الأشرف إينال على مصر وهى سنة ثمان وخمسين وثمانمائة فيها توفّى الأمير سيف الدين يلبغا بن عبد الله الچاركسى، أحد أمراء الطبلخانات- بطّالا- بعد مرض طويل في يوم السبت رابع شهر ربيع الآخر، وكان تركى الجنس أصله من مماليك چاركس القاسمى المصارع، ثم صار بعد موت أستاذه خاصكيّا، ودام على ذلك سنين «1» طويلة لا يلتفت إليه في الدولة، وقد شاخ وصار يخضب لحيته بالسواد، إلى أن تحرّك سعده وسعد خچداشه قانى باى الچاركسى بسلطنة الملك الظاهر جقمق، فإنه كان أخا چاركس أستاذ هؤلاء المخاميل. فلما تسلطن جقمق أمّر يلبغا هذا إمرة عشرة، وجعله رأس نوبة لولده المقام الناصرى محمد. ثم ولّاه نيابة دمياط، ثم عزله وجعله أمير طبلخاناه، فدام على ذلك إلى أن أخرج الملك الأشرف إينال إقطاعه- فنعم ما فعل- فاستمرّ بطّالا إلى أن مات كما تقدّم ذكره، وكان من مساوئ الدهر- رحمه الله تعالى. وتوفّى القاضى ناصر الدين محمد ابن قاضى القضاة فخر الدين أحمد بن عبد الله الشهير بابن المخلّطة «2» ، أحد أعيان فقهاء المالكية ونوّاب الحكم، وناظر البيمارستان المنصورى «3» ، فى يوم الأحد تاسع عشرين شهر ربيع الآخر، وكان

فقيها عالما بمذهبه، عارفا بصناعة القضاء والشروط والأحكام، ناب في الحكم من سنة سبع عشرة وثمانمائة إلى أن مات، وحمدت سيرته- رحمه الله تعالى. وتوفى المقام الغرسى خليل ابن السلطان الملك الناصر فرج ابن السلطان الملك الظاهر برقوق بن الأمير آنص الچاركسى الأصل، بثغر دمياط في يوم الثلاثاء ثانى عشر جمادى الأولى، ومولده بقلعة الجبل في سنة أربع عشرة وثمانمائة، وأمه أم ولد تسمى «لا أفلح من ظلم» مولّدة، وبقى بقلعة الجبل إلى أن أخرجه الملك المؤيد شيخ مع أخيه محمد ابن الناصر فرج إلى الإسكندرية فحبسا بها إلى أن سألت عمتهما خوند زينب بنت الملك الظاهر برقوق زوجها الملك المؤيد شيخا في إحضارهما من الإسكندرية إلى قلعة الجبل لتختهما فحضرا إلى الديار المصرية، وختنا بقلعة الجبل، ثم أعيدا إلى الإسكندرية، وداما بها بسجنها إلى أن مات أخوه محمد في طاعون سنة ثلاث وثلاثين، فأخرج خليل هذا من السجن، ورسم له بأن يسكن حيث شاء بثغر الإسكندرية، وأن يركب لصلاة الجمعة لا غير، فبقى على ذلك إلى أن رسم له الملك الظاهر جقمق- بعد أن تأهل بكريمتى- أن يركب إلى جهة باب البحر «1» ، ويسير. ثم أذن له بعد ذلك بالحج، وقدم القاهرة في شوال سنة ست وخمسين، وحج فى موسم السنة المذكورة. ثم عاد وقد خلع الملك الظاهر نفسه، وتسلطن ولده الملك المنصور عثمان، فرسم له المنصور في يوم دخوله من الحج بالتوجه إلى الإسكندرية، فطلب هو دمياط، فرسم له بها. وخرج إليها من يومه قبل أن يحل عن أحماله، فلم تطل مدّته بثغر دمياط ومات في التاريخ المذكور، ودفن بدمياط أيّاما، ثم نقل إلى بولاق.

ثم نقل إلى القاهرة، ودفن عند جدّه الملك الظاهر برقوق بالصحراء، وكان فى نفسه أمور توفاه الله قبل أن ينالها، وأنا أعرف بحاله من غيرى، غير أننى لا أشكر ولا أذم، وفي هذا كفاية. وتوفّى القاضى شمس الدين محمد بن عامر قاضى قضاة المالكية بصفد، فى أوائل جمادى الآخرة، وكان معدودا من فقهاء المالكية، وناب في الحكم بالقاهرة سنين كثيرة، وولى قضاء الإسكندرية غير مرة- رحمه الله تعالى وتوفّى الشريف معز [بن هجار بن وبير] «1» أمير ألينبع في أواخر جمادى الآخرة وتوفى بعده ابن أخيه مقبل وتوفّى الأمير جانبك بن عبد الله الزّينى عبد الباسط «2» بالقاهرة في يوم الأربعاء لعشر بقين من شهر رجب، وكان من مماليك الزّينى عبد الباسط «3» بن خليل، وولى الأستادارية فى أيام أستاذه» حسّا، ومعناه أستاذه، ولولا أنه في الجملة ولى الأستادارية لما ذكرناه في هذا المحل. وتوفّى قاضى القضاة الحنابلة بحلب، مجد الدين سالم بن سلامة الحنبلى «5» خنقا بقلعة حلب بالشرع في الظاهر، لكونه قتل رجلا بيده ممن اتهم بالزندقة، والفتل من قبل الحكم- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سليمان بن ناصر الدين بك بن دلغادر نائب ابلستين «6» بها في باكر يوم الأربعاء ثالث شهر رمضان، وتولى أبلستين بعده ابنه ملك أصلان. وتوفّى الأمير سودون بن عبد الله الجكمى، أحد أمراء العشرات، بطّالا بالقاهرة

فى يوم السبت رابع ذى القعدة، وهو أخو إينال الجكمى نائب الشام، «1» وهو الأصغر، وبسببه تخومل حتى مات، وكان من أعيان الدّولة، وممّن له ذكر وسمعة- رحمه الله تعالى. وتوفّى قاضى القضاة الحنفية بدمشق قوام الدين محمد الدمشقى المولد والوفاة، الحنفى المذهب، بدمشق في ثامن ذى القعدة، ومولده في ثامن ذى القعدة، ومولده في ثامن ذى القعدة سنة ثمانمائة، وكان فقيها فاضلا ديّنا خيّرا مشكور السيرة، وهو من القضاة الذين ولوا من غير بذل، ومات غير قاض- رحمه الله. وتوفّى المعلم ناصر الدين محمد الصغير القازانى، المعروف بمحمد الصغير، معلم رمى النشاب، فى ليلة الجمعة ثالث عشرين ذى الحجة، وقد زاد سنه على الثمانين، ومات ولم يخلف بعده مثله في حسن الرمى وتعليمه وعلومه، وهو أحد الأفراد الذين أدركناهم من أرباب الكمالات- رحمه الله تعالى. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم سبعة أذرع وخمسة عشر إصبعا، مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعا وأحد عشر إصبعا «2»

ما وقع من الحوادث سنة 859

[ما وقع من الحوادث سنة 859] السنة الثالثة من سلطنة الملك الأشرف إينال على مصر وهى سنة تسع وخمسين وثمانمائة. فيها توفى الأمير سيف الدين مغلباى بن عبد الله الشهابى، أحد أمراء العشرات- بطالا بالقاهرة- فى ليلة الخميس عاشر المحرم، وكان أصله من مماليك الشهابى أحمد بن جمال الدين «1» الأستادار، ثم أعتقه الملك الناصر فرج، ثم صار خاصّكيّا في الدولة الأشرفية برسباى، ثم تأمر في دولة الملك الظاهر جقمق، وصار من حزب ولده الملك المنصور في الفتنة مع الأشرف إينال، فأخرج إينال إقطاعه بهذا المقتضى ودام بطّالا إلى أن مات، وكان عاقلا ساكنا لا بأس به- رحمه الله تعالى. وتوفى الأمير سيف الدين جلبّان بن عبد الله الأمير آخور نائب الشام بها في يوم الثلاثاء سادس عشر صفر، وقد ناهز الثمانين من العمر تخمينا، وفي معتقه وجنسه أقوال كثيرة، أما معتقه فقيل إنه من عتقاء الأمير تنبك الأمير آخور الظاهرى، وقيل سودون طاز، وقيل إينال حطب، وأما جنسه فالمشهور أنه چاركسى الجنس، وقيل غير ذلك، ثم خدم جلبّان المذكور عند الأمير چاركس القاسمى المصارع، ثم عند الوالد «2» ، ثم عند الملك المؤيّد شيخ أيام إمرته، فلما تسلطن المؤيد جعله أمير آخور ثالثا، ثم أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالدّيار المصريّة، ثم خرج إلى البلاد الشّاميّة مجرّدا إليها مع من خرج من الأمراء، صحبة الأتابك ألطنبغا القرمشى، وقبض عليه مع من قبض عليه من الأمراء المؤيّدية، وحبس بالبلاد الشّامية إلى أن أطلقه الملك الأشرف برسباى، وجعله أمير مائة ومقدّم ألف بدمشق.

ثم نقله إلى نيابة حماة بعد الأمير جارقطلوا بحكم انتقاله إلى نيابة حلب بعد الأمير تنبك البجاسى المنتقل إلى نيابة الشّام، بعد موت الأمير تنبك ميق العلائى، فى رجب سنة ست وثلاثين وثمانمائة، «1» ودام جلبّان على نيابة حماة سنين كثيرة إلى أن نقله الملك الأشرف برسباى إلى نيابة طرابلس بعد موت الأمير طرباى في شعبان سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة «2» وتولّى بعده الأمير قانى باى الحمزاوى. ثم نقله الملك الظاهر جقمق إلى نيابة حلب بعد عصيان الأمير تغرى برمش التركمانى في سلخ شهر رمضان سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة. «3» وتولى بعده طرابلس قانى باى الحمزاوى أيضا «4» فلم تطل مدته بحلب، ونقل إلى نيابة دمشق بعد موت الأتابك آقبغا التّمرازى في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين، وتولى بعده حلب الأمير قانى باى الحمزاوى. فدام في نيابة دمشق عدّة سنين إلى أن مات في التاريخ المذكور، وتولى بعده نيابة دمشق قانى باى الحمزاوى، وكانت مدة نيابته على دمشق خمس عشرة سنة، وهذا شىء لم يقع لغيره من نواب دمشق بعد الأمير تنكز الناصرى. وفي ترجمته غريبة أخرى، وهى أنه لم ينتقل من نيابة إلى الأخرى في هذه المدة التي تزيد على ثلاثين سنة إلا ويستقر بعده قانى باى الحمزاوى ومع أن قانى باى الحمزاوى لم تطل مدته في الولايات، وحضر إلى الديار المصرية أميرا، وأقام بها سنين، ثم عاد إلى نيابة حلب بعد أن وليها غير واحد بعده، فلما تولّى قانى باى الحمزاوى حلب ثانيا مات جلبّان هذا بعد مدّة، فنقل قانى باى إلى نيابة دمشق بعده على العادة. فهذا اتفاق غريب لعله لم يقع لغيرهما في هذه السنين الطويلة والولايات الكثيرة، وكان جلبّان المذكور من أجلّ الملوك، طالت أيامه في السعادة، وتنقل في ولايات جليلة، إلى أن مات- رحمه الله تعالى. وتوفّى الصاحب أمين الدين إبراهيم ابن الرئس مجد الدين عبد الغنى بن الهيصم- بطّالا- فى ليلة الخميس مستهل شهر ربيع الآخر، وقد قارب الستين من العمر، وكان معدودا من

رؤساء الدّيار المصرية، من بيت رئاسة وكتابة، وجدّهم الهيصم ينسب إلى المقوقس صاحب مصر، وقد ولى الصاحب أمين الدين هذا الوزر غير مرة، وحج وتفقّه على مذهب الحنفية، وكان محبا للفقراء وأهل الخير محبة زائدة، وكان مشهورا بالصلاح، وكان يتجنّب النصارى، ولا يتزوج إلا من المسلمات، وبالجملة فإنه نادرة في أبناء جنسه، وله محاسن كثيرة- رحمه الله تعالى. وتوفى الأمير يشبك بن عبد الله الناصرى أحد أمراء الطّبلخانات ورأس نوبة ثان، فى يوم الأحد ثامن عشر صفر، وقد ناهز السبعين، وكان من مماليك الناصر فرج، وخدم فى أبواب الأمراء بعد موت أستاذه، وانحط قدره إلى أن عاد إلى خدمة السلطان بعد موت الملك المؤيّد شيخ، وصار خاصّكيّا إلى أن تأمر عشرة في أوائل سلطنة الملك الظاهر جقمق، وصار من جملة رءوس النّوب، ودام على ذلك إلى أن نقله الملك المنصور عثمان إلى إمرة طبلخاناه بعد انتقال جانبك القرمانى إلى طبلخاناه الأمير يونس الأقبائى المشد بحكم انتقال يونس إلى تقدمة ألف. ثم صار في دولة الملك الأشرف إينال ثانى رأس نوبة النّوب، فدام على ذلك إلى أن مات في التاريخ المقدم ذكره، وكان يشبك المذكور من مساوئ الدهر، لا دنيا ولا دينا، ولا ذاتا ولا أدوات- عفا الله عنا وعنه. وتوفى الأمير سيف الدين خير بك بن عبد الله المؤيدى الأجرود، أحد مقدمى الألوف بالديار المصرية في يوم الاثنين تاسع عشرين شهر ربيع الآخر، وهو فى حدود الستين، وحضر المقام الشهابى أحمد بن السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمنى، وكان أصله من مماليك الملك المؤيّد شيخ، وترقى بعده حتى صار خاصّكيّا فى دولة الملك الأشرف برسباى. ثم نفاه الأشرف إلى الشّام، وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه، ثم صار أمير مائة ومقدّم ألف بدمشق، ثم صار أتابكا بها، ثم أمسك وحبس إلى أن أطلقه الأشرف إينال، فقدم القاهرة.

ثم صار أمير مائة ومقدّم ألف بها إلى أن مات، واستريح منه، لأنه كان أيضا من مقولة يشبك المقدّم ذكره، بل يزيده سوء الخلق والجنون. وتوفّى شاعر العصر الشيخ شمس الدين محمد بن حسن بن على بن عثمان الشافعى الفقيه النّواجى «1» ، الشاعر المشهور في يوم الأربعاء سادس عشرين جمادى الأولى، ومولده بالقاهرة في سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، وأصله من نواج- قرية بالغربية، من عمل الوجه البحرى من القاهرة- ونشأ بالقاهرة، وقرأ واشتغل إلى أن مهر وبرع فى عدة علوم وفنون، وغلب عليه نظم القريض، حتى قال منه أحسنه، وأنشدنى كثيرا من شعره، ومما أنشدنى من لفظه لنفسه- رحمه الله تعالى قوله: [الوافر] طلبت وصاله، فدنا لحربى ... يهزّ من القوام اللّدن رمحا وسلّ من اللواحظ مشرفيّا ... ليضرب، قلت: لا بالله صفحا ومما أنشدنى لنفسه أيضا: [الطويل] خليلىّ: هذا ربع عزّة، فاسعيا ... إليه وإن سالت به أدمعى طوفان فجفنى جفا طيب المنام وجفنها ... جفانى، فيالله من شرك الأجفان وقد استوعبنا من لفظه وشعره قطعة جيدة في ترجمته في تاريخنا «المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى» ، وأيضا في تاريخنا «حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور» إذ هما محل الإطناب- انتهى. وتوفّى الشيخ المعتقد المجذوب محمد المغربى «2» فى صبيحة يوم الجمعة خامس جمادى الآخرة، ودفن من يومه قبل صلاة الجمعة بتربة السلطان الملك الأشرف إينال التي أنشأها

بالصحراء، وكان يجلس داخل باب النصر على باب قاعة البغاددة تحت الساباط، تجاه الرّبع المعروف قديما بدار الجاولى، بالقرب من باب جامع الحاكم، وأقام بالموضع سنين كثيرة، لا يقوم منه صيفا ولا شتاء وهو جالس على مكان عال، وتحته حجارة، وتأتيه الناس بالمأكل والمشرب، ولهم فيه اعتقاد حسن، وكنت أزوره من بعد، خوفا مما كان حوله من النجاسة، وكانت جذبته مطبقة، والغريب أنه وجد له بعد موته فى المكان الذي كان يجلس عليه جملة كبيرة من الذهب والفضة، وهذا من الغريب العجيب، فإنه لم يكن في جذبته شكّ، فكيف يهتدى لجمع المال، وأنا أقول شيئا، وهو أن المغاربة في الغالب يميلون «1» لجمع المال، فلعله كان هو أيضا يميل لجمع المال بالطبع على قاعدة المغاربة، والله أعلم. وتوفّى القاضى الرئيس صلاح الدين محمد المعروف بابن السابق الحموى الشافعى، كاتب سر حلب ثم دمشق، وبها مات بطّالا بعد مرض طويل في يوم الأحد ثامن عشرين جمادى الآخرة عن أربع وثمانين سنة، ومولده بحماة، وبها نشأ، وتنقل لعدّة وظائف سنية، وكان مشكور السيرة في ولايته مع الدين والتقوى والأدب والحشمة والرياسة- رحمه الله تعالى. وتوفى القاضى محبّ الدين محمد ابن الشيخ الإمام زين الدين أبى بكر القمنى «2» الشافعى، فى يوم الاثنين رابع عشر شهر رجب- رحمه الله. وتوفيت خوند شاه زاده بنت الأمير أرخن بك بن محمد بك كرشجى بن عثمان ملك الروم، فلما كبرت تزوجت الملك الأشرف برسباى، ثم تزوجها بعده الملك الظاهر جقمق، ثم تزوجها بعده الأمير برسباى البجاسى، فماتت تحته- رحمها الله تعالى. وتوفى السيد الشريف زين الدين أبو زهير بركات بن حسن بن عجلان بن رميئة ابن منجد بن أبى نمى محمد بن أبى سعيد حسن بن على بن أبى غرير قتادة بن إدريس ابن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى بن حسين بن سليمان بن على بن عبد الله بن محمد

ابن موسى بن عبد الله المحض بن موسى بن الحسن بن على بن أبى طالب المكى الحسنى أمير مكّة في بطن مرّ خارج مكة، فى يوم الاثنين تاسع شعبان، وحمل إلى مكة فصلى عليه بالحرم، وطيف به على النعش أسبوعا على عادة أشراف مكة، ودفن بالمعلاة وولى إمرة مكة بعده ابنه الشريف محمد. وكان مولد بركات بمكة سنة إحدى وثمانمائة، وأمّه أم كامل بنت النصيح من ذوى عمر، وولى إمرة مكة شريكا لأبيه وأخيه أحمد سنة عشر وثمانمائة، ثم استقل بإمرة مكة في سنة تسع وعشرين من قبل الملك الأشرف برسباى «1» ، فدام على إمرة مكة إلى أن عزله الملك الظاهر جقمق بأخيه على بن حسن في سنة خمس وأربعين. وخرج بركات هذا إلى البر من جهة اليمن، ووقع له أمور ذكرناها في «الحوادث» ، ثم عزل على عن إمرة مكة بأخيه أبى القاسم بن حسن بن عجلان- كل ذلك وبركات مخرج- إلى أن قدم بركات الديار المصرية، وولّاه الملك الظاهر جقمق إمرة مكة على عادته. وكان لقدومه القاهرة يوم مشهود، وأقام بالقاهرة مدة ثم عاد إلى مكة، فدام بها إلى أن مات في التاريخ المذكور، وكان رجلا عاقلا ساكنا شجاعا مشكور السيرة، أهلا للإمرة- إن لم يكن زيديا على عادة أشراف مكة- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله الشمسى المؤيدى أحد أمراء دمشق، فى أواخر ذى القعدة أو أوائل ذى الحجة، وكان أصله من مماليك المؤيد شيخ، اشتراه قبل سلطنته وأعتقه، وصار بعد موت أستاذه من جملة أمراء طرابلس، ثم نقل إلى حجوبية حجاب حلب، ثم عزل، وصار من أمراء الطبلخانات بدمشق إلى أن مات. وتوفّى الشيخ الإمام العالم العلامة محب الدين محمد ابن العلامة زادة- واسم زادة أحمد- بن أبى يزيد محمد السيرامى الحنفى المصرى سبط الأقصرائى المعروف بابن مولانا

زادة، إمام السلطان، وشيخ المدرسة الأيتمشية بمكة المشرفة، في يوم الجمعة ثالث ذى الحجة، ومولده بالقاهرة في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة- هكذا ذكر لى، وكتب بخطه. قلت: ونشأ بالقاهرة، وقرأ القرآن الكريم وعدة مختصرات في فنون كثيرة، وتفقه بجماعة من علماء عصره، مثل الشيخ عز الدين بن جماعة وغيره، ذكرنا غالبهم في تاريخنا «الحوادث» وبرع في عدة علوم، وأفتى ودرّس، وتولى الوظائف الدينية، ثم ولى [وظيفة] «1» إمام السلطان الملك الأشرف برسباى، فدام على ذلك مدة سنين وأمّ بعدة ملوك إلى أن رغب هو عن ذلك وتركه، وقعد بداره ملازما الأشغال والاشتغال إلى أن قصد المجاورة في هذه السنة بمكة المشرفة، وكانت منيته بها بمرض البطن- رحمه الله تعالى- وهو ابن أخت العلامة فريد عصره أمين الدين الأقصرائى الحنفى. وتوفّى الأمير سيف الدين آقبردى بن عبد الله الساقى الظاهرى نائب ملطية بها في يوم الخميس خامس عشرى ذى الحجة، وحمل من ملطية إلى حلب، ودفن بتربته التي عمّرها، ومات وله من العمر نحو ثلاثين سنة، وأصله من مماليك الملك الظاهر جقمق الصّغار، وصار ساقيا في أيّامه، ثم نائب قلعة حلب دفعة واحدة، فدام على ذلك إلى أن نقله الملك الأشرف إينال إلى أتابكيّة حلب في سنة ثمان وخمسين، ثم نقل إلى نيابة ملطية، فمات بها في التاريخ المقدم ذكره، وكان لا بأس به، ولم تطل أيّامه لتشكر أفعاله أو تذمّ- رحمه الله تعالى. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم سبعة أذرع وخمسة أصابع، مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعا وأربعة عشر إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 860

[ما وقع من الحوادث سنة 860] السنة الرابعة من سلطنة الملك الأشرف إينال العلائى على مصر وهى سنة ستين وثمانمائة: فيها توفّى القاضى شهاب الدين أحمد المحلى «1» الشافعى قاضى الإسكندرية بقرية إدكو بالمزاحمتين في ليلة الثلاثاء ثالث عشر جمادى الآخرة، ودفن برشيد، وهو في عشر السبعين، وكان كثير المال قليل العلم- رحمه الله. وتوفّى القاضى ظهير الدين محمد ابن قاضى القضاة أمين الدين عبد الوهاب ابن قاضى القضاة شمس الدين محمد بن أبى بكر الطرابلسى «2» الحنفى أحد نوّاب الحكم بمصر- معزولا- بعد مرض طويل، فى يوم الجمعة سادس عشرين شعبان، ودفن من الغد، وكان مشكور السيرة في أحكامه، محبا لأصحابه- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير أسنباى بن عبد الله الجمالى الظاهرى الدّوادار الثانى كان، بطّالا بالقدس في شعبان، وسنّه دون الأربعين، وكان الملك الظاهر جقمق اشتراه في أيام سلطنته، وجعله خاصكيا، ثم سلاحدارا، «3» ثم ساقيا «4» ، ثم أمّره عشرة، ثم صار في الدولة المنصورية عثمان دوادارا ثانيا عوضا عن تمربغا الظاهرى، فلم تطل مدته غير أيام، ووقعت الفتنة بين المنصور وبين الأتابك إينال، وهرب أسنباى واختفى، ثم ظهر ورسم له بالتوجّه إلى القدس، فدام بالقدس بطالا إلى أن مات، وهو من مقولة آقبردى المقدّم ذكره- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير قانى باى بن عبد الله الناصرى الأعمش نائب قلعة الجبل بها في ليلة الخميس سابع عشرى ذى القعدة، وعمره زيادة على الستين، وكان أصله من مماليك

الناصر فرج، وصار خاصّكيّا بعد موت المؤيّد شيخ، ثم تأمّر عشرة في دولة الملك الظاهر جقمق، وصار من جملة رءوس النوب، إلى أن ولّاه الملك الأشرف إينال نيابة القلعة بعد توجّه يونس العلائى الناصرى إلى نيابة الإسكندرية في شهر ربيع الأوّل سنة سبع وخمسين، فدام في نيابة القلعة إلى أن مات في التاريخ المذكور، وكان من المهملين المرزوقين. وتوفّى الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله المحمودى المؤيّدى، أحد أمراء طرابلس بها في أواخر ذى القعدة وقد قارب الستين من العمر، وهو أخو قانى بك «1» المحمودى المؤيّدى، كان من عتقاء الملك المؤيّد شيخ، وصار خاصّكيّا في دولة المظفر أحمد أو في دولة الظاهر ططر، ثم تأمّر عشرة في أوائل دولة الملك الظاهر جقمق، وصار من جملة رءوس النوب، وبقى له كلمة في الدّولة، وزادت حرمته إلى أن كان منها زوال نعمته، وأمسك وحبس بقلعة الجبل، ثم أخرج أميرا بحلب، ثم حبس أيضا بحلب ثانيا مدّة، ثم أطلق وأعطى إمرة طبلخاناه بطرابلس، فدام بطرابلس إلى أن مات، وأحواله وأخلاقه مشهورة لا حاجة لنا في ذكر شىء من ذلك- عفا الله عنا وعنه. وفي هذه السنة زالت دولة بنى رسول ملوك اليمن من اليمن بعد ما حكموا ممالك اليمن نحوا من مائتين وثلاثين سنة، وقد ذكرنا أسماء جميع ملوك اليمن منهم، من أولهم الملك المنصور أبى الفتح عمر بن على بن رسول إلى آخر من ملك منهم، وهو الملك المسعود، وقد ملك اليمن جميعه الآن شخص من العرب يسمى عبد الوهاب بن طاهر، واستوثق أمره بها. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم سبعة أذرع وستة عشر إصبعا، مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعا واثنا عشر إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 861

[ما وقع من الحوادث سنة 861] السنة الخامسة من سلطنة الملك الأشرف إينال العلائى على مصر وهى سنة إحدى وستين وثمانمائة: فيها توفّى الأمير سيف الدين جانم بن عبد الله المؤيّدى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة في يوم الخميس رابع المحرم، وقد جاوز السبعين من العمر، وكان أصله من مماليك الملك المؤيّد شيخ قبل سلطنته، وصار رأس نوبة السقاة بعد موت أستاذه المؤيّد، ثم تأمّر عشرة في دولة الملك الأشرف إينال، ثم صار من جملة رءوس النوب، فدام على ذلك إلى أن مات، وكان هينا لينا حشما- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين جرباش بن عبد الله الكريمى الظاهرى أمير سلاح بطالا بداره بسويقة الصاحب داخل القاهرة في ليلة السبت ثالث عشر المحرم، وقد شاخ وكبر سنّه حتى عجز عن الحركة إلا بعسر، ودفن بتربته التي أنشأها بالصحراء، وكان يعرف بقاشق، وكان أصله من مماليك الظاهر برقوق، أعتقه قبل واقعة الناصرى ومنطاش في سلطنته الأولى، هكذا ذكر لى من لفظه. ثم صار سلاحدارا في دولة الناصر فرج، ثم أمير عشرة ورأس نوبة، ثم صار أمير طبلخاناه في دولة الملك المؤيّد شيخ، ثم أمير مائة ومقدّم ألف، ثم صار في دولة الأشرف برسباى حاجب الحجاب بالديار المصرية، بعد انتقال الأمير جقمق العلائى إلى الأمير آخورية الكبرى، بعد توجه قصروه من تمراز إلى نيابة طرابلس، بعد عزل إينال النّوروزى وقدومه إلى القاهرة أمير مائة ومقدّم ألف، كل ذلك في سنة ست وعشرين وثمانمائة، ثم نقله الأشرف إلى إمرة مجلس في يوم الاثنين خامس عشر شوال سنة تسع وعشرين، عوضا عن الأمير إينال الجكمى، وقد انتقل الجكمى إلى إمرة سلاح بعد انتقال الأتابك يشبك الساقى الأعرج إلى أتابكية العساكر، بعد موت الأتابك قجق، واستقرّ الأمير قرقماس الشّعبانى حاجب الحجاب بعد موت جرباش هذا، ثم ولى جرباش هذا نيابة طرابلس، بعد انتقال قصروه إلى نيابة حلب،

بعد عزل الأمير جارقطلو وقدومه إلى مصر أمير مائة ومقدّم ألف وأمير مجلس عوضا عن جرباش المذكور، فلم تطل مدة جرباش بطرابلس، وعزل عنها بالأمير طراباى الظاهرى، وقدم إلى القاهرة في سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة أمير مجلس على عادته أولا. وقد انتقل جارقطلو عن إمرة مجلس إلى أتابكية العساكر بالديار المصرية، بعد موت الأتابك يشبك الساقى الأعرج، فلم تطل مدّة جرباش بالقاهرة، وقبض عليه، ونفى إلى ثعر دمياط بطّالا، فدام بالثغر دهرا طويلا إلى أن طلبه الملك الظاهر جقمق في أوائل سلطنته، وجعله أمير مجلس ثالث مرّة، عوضا عن الأمير يشبك السودونى المنتقل إلى إمرة سلاح، بعد انتقال الأمير آقبغا التمرازى إلى أتابكية العساكر بالديار المصرية بعد عصيان قرقماس الشّعبانى والقبض عليه وسجنه بالإسكندرية، وذلك في سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، فدام على إمرة مجلس إلى سنة ثلاث وخمسين، فنقل إلى إمرة سلاح بعد موت الأمير تمراز القرمشى «1» . وتولّى بعده إمرة مجلس تنم من عبد الرزّاق المؤيدى المعزول عن نيابة حلب، فلم يزل على ذلك إلى أن أخرج الملك المنصور عثمان إقطاعه إلى الأمير قراجا الخازندار الظاهرى- ووظيفته إمرة سلاح- إلى الأمير تنم المقدم ذكره، فلزم جرباش من يوم ذلك داره إلى أن مات، وكان رحمه الله تعالى وقورا في الدول، طالت أيامه في السعادة، ودام أميرا أكثر من خمسين سنة، بما فيها من العطلة، وكان منهمكا في اللذات التي تهواها النفوس مع عدم شهرته بالشجاعة، وذلك خرج الملوك لطلب الراحة- انتهى. وتوفّى الأمير سيف الدين يشبك بن عبد الله حاجب حجّاب طرابلس في يوم الأربعاء ثالث المحرم، وكان من مماليك الأمير قانى باى البهلوان، وسعى بعد موت

أستاذه إلى أن ولى حجوبيّة طرابلس بالبذل، فلم تطل أيامه، ومات ولم تكن فيه أهلية لتشكر أفعاله أو تذمّ. وتوفّى الأمير الطواشى الرومى زين الدين عبد اللطيف المنجكى ثم العثمانى، مقدّم المماليك السلطانية- كان- بطالا، فى ليلة الجمعة رابع عشرين صفر وقد أسنّ، وكان من خدّام الست فاطمة بنت الأمير منجك اليوسفى وعتيقها، ثم اتّصل بخدمة الأتابك ألطنبغا العثمانى، وبه عرف بالعثمانى، ثم صار من جمدارية السلطان الخاص «1» ، إلى أن ولّاه الملك الظاهر جقمق تقدمة المماليك السلطانية بعد القبض على الأمير الطواشى خشقدم اليشبكى «2» ، فدام على ذلك عدّة سنين، وحجّ مرتين أمير الركب الأوّل، ولما عاد من الثانية في سنة اثنتين وخمسين عزله السلطان بنائبه الأمير جوهر النّوروزى الحبشى، فدام بطالا إلى أن مات، وكان ديّنا خيّرا لا بأس به، رحمه الله تعالى. وتوفّى قاضى القضاة سراج الدين عمر بن موسى الحمصى «3» الشافعى في صفر بطالا، وقد أناف على الثمانين، وكان مولده بحمص وبها نشأ وطلب العلم، وقدم القاهرة وحضر دروس السّراج البلقينى، وناب في الحكم عن ولده قاضى القضاة جلال الدين عبد الرحمن سنين كثيرة، ثم ولى القضاء بالوجه القبلى، ثم نقل إلى قضاء طرابلس، ثم قضاء حلب، ثم قضاء دمشق غير مرّة، ورشّح هو نفسه لقضاء الديار المصرية وكتابة السرّ بها فلم يقع له ذلك، ثم ولى في أواخر عمره تدريس مقام الإمام الشافعى، ثم عزل وأخرج إلى البلاد الشاميّة فمات بها، وكان يستحضر من فروع مذهبه طرفا، وله نظم بحسب الحال، وهو الذي كان نظم صداق كريمتى «4» على قاضى القضاة جلال الدين البلقينى أكثر من ثلاثمائة بيت- رحمه الله تعالى.

وتوفّى قاضى قضاة مكة وعالمها جلال الدين أبو السعادات محمد بن أبى البركات محمد بن أبى السعود محمد بن الحسين بن على بن أبى أحمد بن عطية بن ظهيرة «1» المكى المخزومى الشافعى بمكة، وهو قاض، فى تاسع صفر، ودفن من الغد. وتولّى قضاء مكة بعده ابنه محب الدين محمد، وكان مولده في سلخ شهر ربيع الأول سنة خمس وتسعين وسبعمائة بمكة، وبها نشأ وتفقه بعلماء عصره، إلى أن برع فى عدة علوم، وشارك في عدة فنون، ونعت بعالم الحجاز، وتولى قضاء مكة غير مرة، وقد ذكرنا مشايخه وعدة وقائعه في تاريخنا «حوادث الدهور» ، وذكرنا أيضا مصنفاته، وكان له نظم جيد، ومما أنشدنى من لفظه لنفسه في القاضى كمال الدين ابن البارزى كاتب السّرّ الشريف بالديار المصرية: [السريع] أبرزه الله بلا حاجب ... يحجبه عنا ولا حاجز فكلّ فضل من جميع الورى ... مكتسب من ذلك البارزى وتوفّى الأمير سيف الدين إينال بن عبد الله الأشرفى «2» الطويل أحد أمراء الخمسات، فى يوم الجمعة ثالث عشر جمادى الأولى- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين نوكار بن عبد الله الناصرى، أحد أمراء العشرات، والزّردكاش، فى أواخر جمادى الآخرة- مجردا إلى بلاد ابن قرمان- بمدينة غزة، وكان من مماليك الناصر فرج وتخومل من بعده، واحتاج إلى أن خدم في أبواب الأمراء، وقاسى خطوب الدهر ألوانا، إلى أن عاد إلى باب السلطان بعد موت الملك المؤيد شيخ وصار خاصكيا، وأقام على ذلك سنين كثيرة إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر جقمق بإمرة عشرة بعد سؤال كثير، ثم صار حاجبا ثانيا، فدام على ذلك لا يلتفت إليه في الدول إلى أن ولّاه الملك الأشرف إينال الزردكاشية بعد موت جانبك الوالى، فاستمر على

ذلك إلى أن مات، وكان مهملا يعيش بين الأكابر بالدعابة والمضحكة، وليس فيه أهلية لحرب ولا ضرب، ولا لنوع من الأنواع سوى ما ذكرناه- رحمه الله. وتوفّى قاضى القضاة ولى الدين محمد السنباطى «1» المالكى قاضى قضاة الديار المصرية فى يوم الجمعة عاشر شهر رجب، ودفن من يومه، وقد زاد سنه على السبعين، وكانت لديه فضيلة مع لين جانب وتدين، ومع هذا لم تشكر سيرته في القضاء؛ لسلامة باطنه، ولحواشيه «2» - رحمه الله تعالى. وتوفّى شيخ الإسلام، علّامة زمانه كمال الدين محمد ابن الشيخ همام الدين عبد الواحد ابن القاضى حميد الدين «3» عبد الحميد «4» ابن القاضى سعد الدين مسعود الحنفى السيرامى الأصل «5» المصرى المولد والدار والوفاة، العالم المشهور بابن الهمام، فى يوم الجمعة سابع شهر رمضان، ودفن من يومه، وكانت جنازته مشهودة، ومات ولم يخلف بعده مثله فى الجمع بين علمى المنقول والمعقول، والدين والورع والعفة والوقار في سائر الدول، ومولده في سنة ثمان أو تسع وثمانين وسبعمائة بالقاهرة، وبها نشأ، واشتغل على علماء عصره إلى أن برع، وصار أعجوبة زمانه في علوم كثيرة بلا مدافعة، وولى مشيخة المدرسة الأشرفية برسباى من الأشرف قبل سنة ثلاثين وثمانمائة، ثم تركها رغبة منه، ودام ملازما للأشغال، وحج وجاور غير مرة، إلى أن ولّاه الملك الظاهر جقمق مشيخة خانقاه شيخون، واستمر بها مدة طويلة من السنين، ثم تركها أيضا وسافر إلى مكة، وقد قصد المقام بها إلى أن يموت، فلما حصل له ضعف في بدنه عاد إلى مصر

ولزم الفراش إلى أن مات، وقد ذكرنا من مصنفاته وأحواله ما هو أطول من هذا في تاريخنا «المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى» إذ هو محل الإطناب- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله القرمانى «1» الظاهرى حاجب الحجاب بالديار المصرية، بعد عوده من تجريدة ابن قرمان بالقرب من منزلة الصالحية، فحمل إلى القاهرة ودفن بالقرافة الصغرى، فى يوم الجمعة ثانى عشر شوال، وقد أناف على الثمانين، وكان من عتقاء الملك الظاهر برقوق؛ ووقع له محن في الدولة الناصرية فرج إلى أن تأمر بعد الملك المؤيد شيخ عشرة، وصار من جملة معلمى أرمح؛ إلى أن نقله الملك الظاهر جقمق إلى إمرة طبلخاناه، وصار بعد ذلك رأس نوبة ثانيا، واستمر على ذلك إلى أن نقله الملك الأشرف إينال إلى إمرة مائة وتقدمه ألف، ثم ولّاه حجوبية الحجاب، ثم تجرّد من جملة من تجرد من الأمراء إلى بلاد ابن قرمان، فمات في عوده حسبما تقدم، وكان ساكنا عاقلا إلا أنه كان لا يتجمل في نفسه ولا في مركبه- رحمه الله تعالى. وتوفى الأمير سيف الدين جكم بن عبد الله النّورى «2» المؤيدى، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة بمدينة غزة، وهو عائد من تجريدة ابن قرمان في يوم الاثنين ثامن شوال، وقد قارب الستين، وكان من مماليك المؤيد شيخ، وتأمر في دولة الأشرف إينال عشرة وصار من جملة رءوس النوب، وكان من المهملين يعيش تحت ظلّ خچداشيته. وتوفّى القاضى زين الدين أبو العدل قاسم ابن قاضى القضاة جلال الدين عبد الرحمن ابن شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقينى «3» الشافعى في يوم الأحد حادى عشرين شوال، وهو في عشر السبعين، وكان نشأ تحت كنف والده، غير أن اشتغاله كان

بالفقيرى، وناب في الحكم سنين، وتولّى نظر الجوالى، وكان فيه كرم أفقره في أواخر عمره، واحتاج منه إلى تحمل ديون والحاجة للناس، فكان حاله كقول القائل: كم من فتى أفقره جوده ... وعاش في الناس عيش الذليل فاشدد عرى مالك واستبقه ... فالبخل خير من سؤال البخيل وتوفّى الأمير سيف الدين أزبك بن عبد الله الشّشمانى المؤيّدى أحد أمراء الخمسات في يوم السبت رابع عشرين ذى الحجة، وسنه نحو الثمانين، وكان أصله من مماليك الملك المؤيّد شيخ قبل سلطنته، وطالت أيامه في الجندية إلى أن تأمّر خمسة فى دولة الملك الأشرف إينال، ومات بعد سنين، وكان مكفوفا عن الناس إمّا لخيره أو لشره- رحمه الله تعالى. وتوفّى خشكلدى الزينى عبد الرحمن بن الكويز أحد أمراء الطبلخاناه بدمشق، وكان أصله من مماليك صاحبنا الأمير زين الدين عبد الرحمن بن الكويز، ثم صار من جملة دواداريّة السلطان، ثم سعى في دوادارية السلطان بدمشق حتى وليها بمال بذله في ذلك، فلم تطل مدته، فعزل وقدم القاهرة، وسعى ثانيا إلى أن أعطى إمرة بدمشق، فتوجه إليها ودام بها إلى أن مات، وكانت لديه فضيلة في الفقه على قدر حاله- رحمه الله تعالى. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم سبعة أذرع وثمانية أصابع، مبلغ الزيادة عشرون ذراعا وإصبع واحد.

ما وقع من الحوادث سنة 862

[ما وقع من الحوادث سنة 862] السنة السادسة من سلطنة الملك الأشرف إينال العلائى على مصر وهى سنة اثنتين وستين وثمانمائة: فيها توفّى القاضى شهاب الدين أحمد بن يوسف الشيرجى «1» الشافعى أحد نوّاب الحكم بالدّيار المصرية في يوم الجمعة رابع عشر المحرم، ودفن من يومه بعد صلاة الجمعة، وقد أناف عن الثمانين، وكان حضر دروس السّراج البلقينى، وله إلمام بعلم الفرائض، وناب في الحكم سنين، وأفتى ودرّس، وكان غير محبب إلى أصحابه. وتوفّى الأمير سيف الدين أزبك بن عبد الله الأشرفى البواب، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، فى يوم الثلاثاء ثامن عشر المحرم، وأصله من مماليك الأشرف برسباى، ثم امتحن بعد موت أستاذه وحبس، ثم أطلق، وقدم القاهرة وتأمّر فى أول دولة الأشرف إينال خمسة، شريكا لأزبك الشّشمانى المقدم ذكر وفاته في السنة الخالية، فلما مات أزبك المذكور أنعم بنصيبه من الإقطاع على شريكه أزبك هذا لتتمّة إقطاعه إمرة عشرة، فعاش أزبك هذا بعد ذلك دون الشهر ومات، فكان حاله كالمثل السائر: «إلى أن يسعد المعثر فرغ عمره» . وتوفّى القاضى علاء الدين على بن محمد بن آقبرس «2» الشافعى أحد نواب الحكم، فى يوم الأحد خامس عشر صفر بطالا، وهو في عشر السبعين، وكان مولده بالقاهرة، وبها نشأ، وتكسّب بعمل العنبر في حانوت بالعنبريين مدة سنين، ثم اشتغل بالعلم، وناب في الحكم، وصحب الملك الظاهر جقمق قبل سلطنته، فلما تسلطن قرّبه، أو هو قرّب نفسه، وولى نظر الأوقاف، ثم حسبة القاهرة «3» ، ثم نظر الأحباس، وتحرك له بعيض سعد،

إلا أنه تبهدل غير مرّة من السلطان لسوء سيرته، فإنه لما ولى ما ولى ما عفّ ولا كفّ، بل مدّ يدا للأخذ، إلى أن ساءت القالة فيه، وانحط قدره لذلك كثيرا، فلما مات الملك الظاهر امتحن وصودر، وتخومل، ولزم داره إلى أن مات، وكان له نظم أحسنه في الهجو، ومما هجا به عبد الرحمن ابن الدّيرى ناظر القدس [الطويل] أقول لمن وافى إلى القدس زائرا ... وصلت إلى الأقصى من الفضل والخير تقرّب إلى مولاك فيه عبادة ... وبع بيع الرهبان وابعد عن الدّيرى وتوفّى عبد الكريم شيخ مقام الشيخ أحمد البدوى بظاهر القاهرة في صبيحة ثامن عشر صفر، وجد ميتا، وقد اختلفت الأقوال في موتته، فمنهم من قال: تردّى من سطح وهو ثمل، ومنهم من قال: دسّ عليه شيخ العرب حسن بن بغداد من قتله، وهو الأشهر، وأنا أقول: قتله سرّ الشيخ أحمد البدوى لانهماكه على المعاصى وسوء سيرته، فأراح الله الشيخ أحمد البدوى منه ولله الحمد- وتولى عوضه شيخ المقام صبىّ أقاربه دون البلوغ. وتوفّى الشيخ العارف بالله القدوة المسلك «1» مدين الصوفى المالكى بزاويته بخط المقس «2» بظاهر القاهرة، فى يوم الأربعاء تاسع شهر ربيع الأول بزاويته، وكان له شهرة عظيمة، وللناس فيه اعتقاد ومحبة، لم يتفق لى مجالسته، غير أننى رأيته غير مرّة- رحمه الله ونفعنا ببركته. وتوفّى الأمير جانم بن عبد الله الأشرفى البهلوان، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة في يوم الاثنين سادس شهر ربيع الآخر، ودفن من يومه، وهو في الكهولية، وكان من مماليك الملك الأشرف برسباى وخاصكيته، وتأمر بعد أمور في الدّولة الأشرفية إينال، وكان مليح الشكل مشهورا بالشجاعة والإقدام- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين طوخ بن عبد الله من تمراز الناصرى أمير مجلس بطّالا

بعد مرض طويل، فى ليلة الثلاثاء سابع شهر ربيع الآخر، ودفن من الغد، وكان من مماليك الناصر فرج، وتأمر في أوّل الدولة الأشرفية برسباى عشرة، وصار من جملة رءوس النّوب «1» ، وكان يعرف بينى بازق، أى غليظ الرّقبة، وكان قليل الخير والشرّ مكفوفا عن الناس، ليس له كلمة في الدّولة، وكان السلطان أنعم بإقطاعه قبل موته على الأمير برسباى البجاسى حاجب الحجاب- ووظيفته إمرة مجلس- على الأمير جرباش المحمدى المعروف بكرد الأمير آخور. وتوفّى القاضى شهاب الدين أحمد الدماصى «2» الحنفى قاضى بولاق، وكان يعرف بقرقماس، فى يوم الخميس سادس عشر شهر ربيع الآخر، ودفن من الغد- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين سودون بن عبد الله النّوروزى المعروف بالسلاحدار، نائب قلعة الجبل بها، فى ليلة الأحد سادس عشرين شهر ربيع الآخر، ودفن من الغد، وله نحو سبعين سنه، وكان من مماليك نوروز الحافظى نائب الشام، وصار بعد موته سلاحدارا في الدولة الأشرفية برسباى، ثم تأمر عشرة في دولة الملك الظاهر جقمق، وصار من جملة رءوس النوب، ثم جعله الملك الأشرف إينال نائب قلعة الجبل بعد موت قانى باى الناصرى الأعمش، فدام في نيابة القلعة إلى أن مات، وكان لا بأس به، لولا إسراف كان فيه على نفسه- عفا الله عنه. وتوفّى الأستاذ المادح المغنى ناصر الدين محمد المازونى «3» الأصل، المصرى، أحد الأفراد في إنشاد القصيد وعمل السماع، فى ليلة الجمعة ثامن جمادى الأولى، بعد أن ابتلى بمرض الفالج، وبطل نصفه وسكت حسه، وكان من عجائب الدنيا في

فنونه، كان صوته صوتا كاملا أوازاوئما «1» ، مع شجاوة ونداوة وحلاوة، كان رأسا فى إنشاد القصيد على الضروب والحدود، سافر غير مرة إلى الحجاز حاديا في خدمة الأكابر، وكان له تسبيح هائل على المآذن؛ ففى هذه الثلاثة كان إليه المنتهى، وكان يشارك في الموسيقى جيدا، ويعظ في عقود الأنكحة، وليس فيه بالماهر، وفي الجملة إنه لم يخلف بعد مثله، وفي شهرته ما يغنى عن الإطناب في ذكره. وتوفّى الشرفى موسى ابن الجمالى يوسف بن الصفى الكركى ناظر جيش طرابلس بها، فى ليلة الأحد ثامن شهر رجب «2» ، وخلف مالا كثيرا وعدة أولاد، وكان من مساوئ الدهر دميم الخلق مذموم الخلق. وتوفّى الشيخ الإمام العالم العلّامة شرف الدين يحيى [بن صالح بن على بن محمد ابن عقيل] «3» العجيسى المغربى الأصل والمولد والمنشأ، المصرى الدار والوفاة، المالكى، فى يوم الأحد سابع عشرين شعبان، ومولده في سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، وكان إماما فى النحو والعربية ومعرفة تاريخ الصحابة، وله مشاركة في فنون كثيرة، مع حدة كانت فيه وسوء خلق- رحمه الله. وتوفّى الخليفة أمير المؤمنين القائم بأمر الله أبو البقاء حمزة ابن المتوكل على الله أبى عبد الله محمد العباسى المصرى «4» بثغر الإسكندرية مخلوعا من الخلافة، فى سابع عشر شوال، وقد مرّ ذكر نسبه في تراجم أسلافه في عدة مواطن من مصنفاتنا، مثل «مورد اللطافة فى ذكر من ولى السلطنة والخلافة» وغيره، وكان القائم بأمر الله هذا ولى الخلافة بعد موت أخيه المستكفى سليمان بغير عهد- اختاره الملك الظاهر جقمق- فدام في الخلافة إلى أن خرج

الأتابك إينال العلائى صاحب الترجمة على الملك المنصور عثمان بن الملك الظاهر جقمق، فقام الخليفة هذا مع إينال على الملك المنصور عثمان أشد قيام، فلما تسلطن إينال عرف له ذلك، ورفع قدره ومحله إلى الغاية، ونال في أيامه من الحرمة والوجاهة ما لا يقاربه أحد الخلفاء من أسلافه، فاتفق بعد ذلك ركوب جماعة من صغار المماليك الظاهرية على الأشرف إينال، وطلبوه فحضر عندهم، ووافاهم أفضل موافاة، فلم ينتج أمرهم، وسكنت الفتنة في الحال، وقد ذكرناها في أصل هذه الترجمة مفصلة، فلما سكن الأمر طلبه السلطان إلى القلعة، ووبخه على فعله وحبسه بالبحرة بقلعة الجبل، وخلعه من الخلافة بأخيه المستنجد يوسف، ثم أرسله إلى سجن الإسكندرية فحبس به مدة ثم أطلق من السجن، ورسم له بأن يسكن حيث شاء من الثغر، فسكن به إلى أن مات- رحمه الله تعالى. وتوفّى الحاج خليل المدعو قانى باى اليوسفى المهمندار محتسب القاهرة بها، فى عشرين شوال، وهو مناهز السبعين «1» ، وكان أصله من مماليك قرايوسف بن قرامحمد، صاحب بغداد على ما زعم، ثم قدم القاهرة في دولة الأشرف برسباى، وسأله الأشرف عن أصله وجنسه فقال: أنا من مماليك قرايوسف، جنسى چاركسى، واسمى الأصلى قانى باى، فمشى ما قاله على الأشرف؛ لضعف نقده، وعدم معرفته، وسماه قانى باى اليوسفى، وجعله خاصكيا؛ ثم امتحن بعد موت الأشرف برسباى، وحبس إلى أن عاد إلى رتبته في الدولة الأشرفية إينال، وجعله مهمندارا، ثم محتسبا إلى أن مات. وتوفّى يار على بن نصر الله العجمى الخراسانى الطويل «2» ، محتسب القاهرة بطالا، بعد مرض طويل، فى سادس عشرين ذى القعدة، ودفن من الغد، وسنه نيف على الثمانين، وكان هو يدّعى أكثر من ذلك، وليس بصحيح، وكان أصله فقيرا مكديا على عادة فقراء العجم، وخدم الأمير سودون من عبد الرحمن نائب الشام لما كان

هاربا من الملك المؤيّد شيخ بالعراق، فلما عاد سودون إلى رتبته بالديار المصرية، وصار دوادارا كبيرا في دولة الأشرف برسباى، قدم عليه يار عليه هذا ماشيا على قدميه من بلاد العجم، فأحسن إليه سودون، ولما عمّر مدرسته بخانقاه سرياقوس جعله شيخا، ودام على ذلك وقد حسنت حاله، وركب فرسا بحسب الحال، إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق، فتحرك سعده لا لأمر أوجب ذلك بل هى حظوظ وأرزاق، تصل لكل أحد «1» . ولا زال جقمق يرقّيه حتى ولّاه حسبة القاهرة غير مرّة، ثم نكبه وصادره، وأمر بنفيه؛ لسوء سيرته، ولقبيح سريرته، فإنه لما ولى حسبة القاهرة سار فيها أقبح سيرة، وفتح له أبواب الظلم والأخذ، فما عفّ ولا كفّ، وجدّد في الحسبة مظالم تذكر به، وإثمها وإثم من يعلم بها عليه إلى يوم القيامة، وصار يأخذ من هذه المظالم ويخدم الملوك بها، فانظر إلى حال هذا المسكين «2» الذي ظلم نفسه، وظلم الناس لغيره، فلا قوّة إلا بالله، اللهم اغننا بحلالك عن حرامك، وبفضلك عن سواك. وتوفّى الشيخ المعتقد المجذوب إبراهيم الزيات «3» بحيث هو إقامته بقنطرة قديدار «4» ، ودفن من يومه، وهو اليوم الذي مات فيه الشيخ على المحتسب المقدّم ذكره، وكان للناس فيه اعتقاد، ويقصد للزيارة، وكانت جذبته مطبقة، لا يصحو، ويكثر من أكل الموز- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير الكبير سيف الدين تنبك [بن عبد الله] «5» البردبكى

[الظاهرى] «1» أتابك العساكر بالديار المصرية، فى يوم الاثنين رابع عشرين ذى القعدة، ودفن من الغد، وقد ناهز التسعين من العمر، لأنه كان من مماليك الظاهر برقوق، وتزوج في أيامه، وكان من إنيات الوالد، وترقّى في أوائل دولة الأشرف برسباى إلى أن صار أمير عشرة- أو في أيام دولة الملك المظفر أحمد- ومن جملة رءوس النوب، ثم صار في سنة سبع وعشرين نائب قلعة الجبل بعد تغرى برمش البهسنى «2» التركمانى، بحكم انتقاله إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، وأنعم على تنبك بإمرة طبلخاناه عوضا عن تغرى برمش المذكور أيضا، فدام على ذلك مدة طويلة إلى أن نقل إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية في أواخر الدولة الأشرفية. ثم ولى نيابة قلعة الجبل ثانيا في أوائل دولة الملك الظاهر جقمق، وهو أمير مائة ومقدم ألف، ثم صار أمير حاج المحمل، ثم ولى حجوبية الحجاب بالديار المصرية، ودام على ذلك سنين كثيرة، وحجّ أمير حاج المحمل غير مرّة، إلى أن أمسكه السلطان الظاهر ونفاه إلى ثغر دمياط، وأنعم بإقطاعه وحجوبيته على الأمير خشقدم الناصرى المؤيّدى، أحد أمراء الألوف بدمشق، فأقام بدمياط مدّة. ثم طلبه الملك الظاهر إلى الديار المصرية، ورسم له بالمشى في الخدمة السلطانية، فمشى في الخدمة أياما كثيرة من غير إقطاع، إلى أن مات الشهابى أحمد بن على بن إينال أحد مقدمى الألوف بالديار المصرية، فأنعم بإقطاعه على تنبك هذا، ثم صار أمير مجلس في دولة الملك المنصور عثمان بعد انتقال تنم المؤيدى إلى إمرة سلاح، بعد جرباش الكريمى بحكم لزومه بيته لكبر سنه وضعف بدنه، فلم تطل أيامه. واستقرّ أمير سلاح في ثانى يوم من سلطنة الملك الأشرف إينال، عوضا عن تنم المذكور، بحكم القبض عليه وحبسه بسجن الإسكندرية، فلم يتمّ له ذلك غير يوم واحد وأصبح استقر أتابك العساكر لما كثرت القالة في تولية الشهابى أحمد ابن الملك الأشرف

إينال أتابك العساكر عوضا عن أبيه، فعزله وجعله من جملة أمراء الألوف واستقر تنبك هذا عوضه؛ فدام في الأتابكية مدة طويلة إلى أن مات في التاريخ المذكور، وتولّى المقام الشهابى أحمد عنه الأتابكية ثانيا. وكان أمر تنبك هذا في ولايته الأتابكية غريبة، وهو أن الذي أخذ عنه ولّى عنه، ولعل هذا لم يقع لأحد أبدا، وكان تنبك المذكور رجلا ديّنا خيرا، هيّنا ليّنا، سليم الفطرة، شحيحا «1» ، لا يتجمل في بركه ولا حواشيه- رحمه الله تعالى. وتوفّى عظيم الدّولة الصاحب جمال الدين أبو المحاسن يوسف- مدبر المملكة، وصاحب وظيفتى نظر الجيش والخاص معا- ابن الرئيس كريم الدين عبد الكريم ناظر الخاص ابن سعد الدين بركة المعروف بابن كاتب جكم، فى ليلة الخميس- وقت التسبيح- الثامن عشر من ذى الحجة، ودفن من الغد بالصحراء في تربته التي أنشأها، وكانت جنازته مشهودة إلى الغاية، وحضر المقام الشهابى أحمد أتابك العساكر الصلاة عليه بمصلاة باب النصر، وحضر دفنه أيضا، ومات وسنه زيادة على أربعين سنة؛ لأن مولده في سنة تسع عشرة وثمانمائة، هكذا كتب لى بخطه- رحمه الله. ومات ولم يخلف بعده مثله رئاسة وسؤددا بلا مدافعة، وهو آخر من أدركنا من رؤساء الديار المصرية؛ لأنه كان فردا في معناه، لعظم ما ناله من السعادة والوجاهة ووفور الحرمة، ونفوذ الكلمة والعظمة الزائدة، وكثرة ترداد الناس إليه، وأعيان الدولة وأكابرها إلى بابه، بل الوقوف في خدمته، وهذا شىء لم ينله غيره في الدولة التركية، مع علمى بمنزلة كريم الدين الكبير عند الناصر محمد بن قلاوون، وبما ناله سعد الدين إبراهيم بن غراب في الدولة الناصرية فرج، ثم بعظمة جمال الدين يوسف البيرى الأستادار في دولة الناصر فرج أيضا، ثم بخصوصية عبد الباسط بن خليل الدمشقى في دولة الأشرف برسباى، ومع هذا كله ليس فيهم أحد وصل إلى ما وصل إليه جمال

الدين هذا «1» ، وقد برهنّا عما قلناه في تاريخنا «حوادث الدهور» ، وأيضا في تاريخنا «المنهل الصافى» ، فلينظر هناك، وليس هذا الموطن محل إطناب- رحمه الله تعالى. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم سبعة أذرع وثمانية أصابع، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا وخمسة عشر إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 863

[ما وقع من الحوادث سنة 863] السنة السابعة من سلطنة الملك الأشرف على مصر وهى سنة ثلاث وستين وثمانمائة: فيها توفّى الأمير يشبك بن عبد الله النّوروزى نائب طرابلس- كان- بطالا بالقدس، فى يوم الاثنين تاسع المحرم، وهو في عشر السبعين تخمينا، وهو من عتقاء الأمير نوروز الحافظى. وتنقّل بعد موت أستاذه في خدم الأمراء، وقاسى خطوب الدهر ألوانا، إلى أن صار في أواخر دولة الأشرف برسباى من صغار أمراء دمشق، ثم تنقل في دولة الملك الظاهر جقمق إلى أن صار حاجب حجاب طرابلس بالبذل، ثم نقل إلى حجوبية دمشق، ثم إلى نيابة طرابلس بعد عزل يشبك الصوفى عنها؛ كل ذلك ببذل المال، فدام على نيابة طرابلس إلى أن أمسكه الملك الأشرف إينال في حدود سنة ستين، وحبسه بقلعة المرقب إلى أن أطلقه في سنة اثنتين وستين وثمانمائة، ورسم له بالتوجه إلى القدس بطالا، فاستمر بالقدس إلى أن مات في التاريخ المقدم ذكره. وكان وضيعا في الدول، لم تسبق له رئاسة بالدولة المصرية، حتى إنه لم يخدم في باب سلطان أبدا، بل كان يخدم بأبواب الأمراء، إلى كان من أمره ما كان، وكان مع ذلك عنده طيش وخفة وتكبر، ولم أدر لأى معنى من المعانى- رحمه الله تعالى. وتوفّى الشيخ الإمام العالم العامل المحقق الفقيه الصوفى شمس الدين أبو عبد الله محمد ابن عبد الله بن خليل البلاطنسى «1» الشافعى؛ نزيل دمشق بها في ليلة سابع عشرين صفر، ودفن في صبيحة يوم الأربعاء، وكانت جنازته مشهودة، وكثر أسف الناس عليه، ومولده ببلاطنس من أعمال طرابلس، بعد سنة تسعين وسبعمائة، ونشأ بها، وقرأ العربية واشتغل، ثم قدم طرابلس، ولازم الشيخ محمد بن زهرة وبه تفقّه، وأخذ

الأصول عن الشيخ سراج الدين، وقرأ الحديث أيضا بطرابلس على ابن البدر، ثم رحل إلى دمشق قبل سنة عشرين، واشتغل بها على العلماء، ثم عاد إلى طرابلس. ثم قدم إلى دمشق ثانيا بأهله واستوطنها ولازم علّامة زمانه ووحيد دهره الشيخ علاء الدين محمد البخارى الحنفى، وأخذ عنه فنونا كثيرة، إلى أن برع في الفقه والتصوف، وجلس للإفادة والتدريس والأشغال إلى أن مات، وكان قوّالا بالحق، قائما في أمر الملهوفين، لا تأخذه في الله لومة لائم، وقد استوعبنا من أحواله نبذة كبيرة فى تاريخنا «الحوادث» وغيره- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين يشبك بن عبد الله من جانبك المؤيدى الصوفى أتابك دمشق بها، فى يوم الثلاثاء سابع عشرين صفر وهو اليوم الذي مات فيه البلاطنسى المقدم ذكره، وقد ناهز الستين من العمر، كان من صغار مماليك الملك المؤيّد شيخ، وصار خاصكيا بعد موت أستاذه، وامتحن في دولة الملك الأشرف برسباى بالضرب والعصر والنفى؛ بسبب الأتابك جانبك الصوفى. ثم عاد بعد سنين إلى رتبته، وصار خاصكيا على عادته إلى أن تأمّر عشرة في دولة الملك الظاهر جقمق، وصار من جملة رءوس النوب، وسافر إلى مكة مقدّم المماليك السلطانية بمكة، ثم عاد إلى القاهرة، ودام بها مدّة، ثم نفى إلى حلب بعد سنة خمسين وثمانمائة، ثم نقله الملك الظاهر جقمق إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بحلب، ثم نقله بعد ذلك إلى نيابة حماة ببذل المال، ثم إلى نيابة طرابلس كذلك، بعد انتقال الأمير برسباى الناصرى إلى نيابة حلب في سنة اثنتين وخمسين، فدام على نيابة طرابلس إلى سنة أربع وخمسين، فطلب إلى القاهرة، فلما حضر أمسكه السلطان الملك الظاهر، وأرسله إلى دمياط بطالا، ثم نقل بعد مدّة من دمياط إلى سجن الإسكندرية؛ لأمر بلغ السلطان عنه، فلم تظل مدّته بسجن الإسكندرية وأطلق وأرسل إلى دمياط ثانيا، ثم نقل إلى القدس، ثم طلب إلى الديار المصرية، فأنعم عليه بأتابكية العساكر بدمشق، بعد القبض على الأتابك خيربك المؤيدى الأجرود.

فدام يشبك هذا على أتابكية دمشق إلى أن حجّ أمير حاج المحمل الشامى في سنة اثنتين وستين، وعاد إلى دمشق، ومات بعد أيّام، وكان رجلا طوالا، حسن الشكل، حلو اللسان، بعيد الإحسان، عادلا في الظاهر، ظالما في الباطن، متواضعا لمن كانت حاجته إليه، مترفّعا على من احتاج إليه، كثير الخدع والتّملّق لأصحاب الشّوكة، بألف وجه وألف لسان، مع كثرة أيمان الله والطلاق، وشحّ وبخل. وتوفّى الشيخ بهاء الدين أحمد بن على التّتائى «1» الأنصارى الشافعى نزيل مكّة بها فى ليلة الثلاثاء سابع عشرين صفر، وحضرت أنا الصلاة عليه بالحرم بعد صلاة الصّبح، ودفن بالمعلاة، وهو أخو القاضى شرف الدين موسى الأنصارى الأكبر. كان مولده بتتا- قرية بالمنوفية بالوجه البحرى من أعمال القاهرة- فى سنة ثمان وثمانمائة، وكان فيه محاسن ومكارم أخلاق، وخط منسوب، وفضيلة- رحمه الله تعالى. قلت: وكانت وفاة بهاء الدين هذا ويشبك الصوفى والبلاطنسى المقدّم ذكرهما فى ليلة واحدة، وهذا من النوادر- رحمهم الله. وتتا بتاء مثناة مكسورة وتاء مثناة أيضا مفتوحة، وبعدهما ألف ممدودة. وتوفّى الأمير سيف الدين قانى باى بن عبد الله الحمزاوى نائب دمشق بها فى يوم الأربعاء ثالث شهر ربيع الآخر، وقد قارب الثمانين، ودفن من الغد في يوم الخميس، وكان أصله من مماليك «2» سودون الحمزاوى الظاهرى الدّوادار، ثم خدم بعد موته عند الوالد هو وجماعة كثيرة من خچداشيته مدّة طويلة، ثم صار في خدمة الملك المؤيّد شيخ المحمودى قبل سلطنته، فلما تسلطن أمّره عشرة، ثم صار أمير طبلخاناه، ثم صار أمير مائة ومقدّم ألف بعد موت الملك المؤيّد شيخ، وتولّى نيابة الغيبة بالدّيار المصريّة للملك المظفر أحمد بن شيخ لما سافر مع الأتابك ططر إلى دمشق، ثم قبض عليه الملك الظاهر ططر لمّا عاد من دمشق وحبسه مدّة، إلى أن أطلقه الملك

برسباى، وجعله أتابك دمشق، ثم طلبه بعد سنين إلى الدّيار المصريّة، وجعله بها أمير مائة ومقدّم ألف. واستقرّ الأمير تغرى بردى المحمودى بعده أتابك دمشق، فدام قانى باى بالقاهرة إلى أن ولّاه الأشرف نيابة حماة بعد انتقال الأمير جلبّان إلى نيابة طرابلس، بعد موت الأتابك طرباى في سنة سبع وثلاثين، ثم نقل بعد مدّة إلى نيابة طرابلس بعد الأمير جلبّان أيضا، بحكم انتقاله إلى نيابة حلب بعد عصيان تغرى برمش [التركمانى البهسنى] «1» وخروجه عن الطاعة في سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، فلم تطل مدته بها. ونقل إلى نيابة حلب بعد انتقال جلبّان أيضا إلى نيابة دمشق بعد موت الأتابك آقبغا التّمرازى في سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة، فدام في نيابة حلب إلى سنة ثمان وأربعين وثمانمائة، فطلبه الملك الظاهر جقمق إلى الديار المصرية، وعزله عن نيابة حلب بالأمير قانى باى البهلوان الناصرى، وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، عوضا عن الأمير شادبك الجكمى المتولى نيابة حماة بعد انتقال قانى باى البهلوان المقدّم ذكره إلى نيابة حلب. فاستمرّ قانى باى الحمزاوى من أمراء الدّيار المصريّة إلى أن أعاده الملك الظاهر جقمق ثانيا إلى نيابة حلب، بعد عزل الأمير تنم من عبد الرزّاق المؤيّدى وقدومه إلى مصر على إقطاع قانى باى هذا، فدام في نيابته هذه على حلب إلى أن نقله الملك الأشرف إينال إلى نيابة دمشق بعد موت الأمير جلبّان في سنة ستين وثمانمائة. فاستمرّ على نيابة دمشق إلى أن مات بها، وهو عاص على السلطنة في الباطن، مقيم على الطاعة في الظاهر. وقد وقع في أمر قانى باى هذا غرائب منها: أنه من يوم خرج من مصر إلى ولاية حلب ثانيا في دولة الملك الظاهر جقمق عصى على السّلطان في الباطن، وعزم على أنّه لا يعود إلى مصر أبدا، فلما مات الظاهر وتسلطن ابنه المنصور عثمان، ثم الأشرف

إينال قوى أمر قانى باى هذا بحلب، وفشا أمره عند كل أحد، فلم يكشف الأشرف إينال ستر التغافل بينه وبين قانى باى المذكور، بل صار كل منهما يتجاهل على الآخر، فذاك يظهر الطاعة وامتثال المراسيم من غير أن يطأ بساط السلطان، أو يحضر إلى القاهرة، وهذا يرضى منه بذلك، ويقول: هذا داخل في طاعتى، ولا يرسل خلفه أبدا، بل يغالطه، حتى لو أراد قانى باى الحضور إلى القاهرة مامكنه إينال؛ لمعرفته منه أن ذلك امتحان، وصار كل منهما يترقب موت الآخر إلى أن مات قانى باى قبل، وولّى الأشرف إينال عوضه في نيابة دمشق الأمير جانم الأشرفى. ومن الغرائب التي وقعت له أيضا أن قانى باى هذا لم يل ولاية بلد مثل حماة وطرابلس حلب والشام إلا بعد الأمير جلبّان، مع طول مدّة جلبّان في نياباته الشّاميّة أزيد من ثلاثين سنة، فهذا من النوادر الغريبة، كون أن قانى باى يعزل عن نيابة حلب ويصير أميرا بمصر مدّة سنين وبلى حلب بعده غير واحد، ثم يعود إلى نيابة حلب، ويقيم بها إلى أن ينتقل منها إلى نيابة الشام «1» بعد موت جلبّان، كما انتقل قبل ذلك بعده في كل بلد، فهذا هو الاتفاق العجيب. وتوفّى الأمير شرف الدين عيسى بن عمر الهوارى أمير عرب هوارة ببلاد الصعيد فى ليلة الخميس رابع شهر ربيع الآخر، بعد عوده من الحج، وولى بعده ابنه، ثم عزل بعد أمور، وكان عيسى هذا مليح الشكل، ديّنا خيرا بالنسبة إلى أبناء جنسه، وله مشاركة بحسب الحال، ويتفقه على مذهب الإمام مالك- رضى الله عنه. وتوفّى الشيخ الإمام الفقيه العالم أبو عبد الله محمد بن سليمان بن داود الجزولى «2» المغربى المالكى نزيل مكة، بها في يوم الأحد ثامن عشر شهر ربيع الآخر، وحضرت الصلاة عليه بحرم مكة، ودفن بالمعلاة، وكان مولده في سنة سبع وثمانمائة بجزولة من بلاد

المغرب، وكان فقيها عالما بفروع مذهبه، عارفا بالنحو، مشاركا في التفسير والحديث، وسمع ببلاده أشياء كثيرة، وحدّث ببعضها في مكة، ودرّس وأفتى، وانتفع أهل مكة بدروسه، وكان كريم النفس بخلاف المغاربة- رحمه الله تعالى. وتوفّى القاضى محبّ الدين أبو البركات محمد بن عبد الرحيم الهيتمى «1» الشافعى، أحد نوّاب الحكم الشافعية بالديار المصرية، في يوم الثلاثاء ثامن جمادى الأولى، وحضرت الصلاة عليه بحرم مكة، ودفن بالمعلاة، وقد زاد عمره على الستين، وكان فقيها نحويا، مشاركا في فنون كثيرة، كان يحفظ التوضيح لابن هشام في النحو، وكان مستقيم الذهن، جيد الذكاء، ناب في الحكم [بالديار المصرية] «2» أزيد من ثلاثين سنة، ودرّس وخطب، وجاور بمكة غير مرّة إلى أن مات في مجاورته هذه الأخيرة- رحمه الله تعالى. وتوفّى القاضى ناصر الدين محمد بن النبراوى «3» الحنفى أحد نواب الحكم بالقاهرة، فى يوم الثلاثاء تاسع عشرين جمادى الأولى، وكان عاريا من العلم، عارفا بصناعة القضاء. وتوفّى القاضى محبّ الدين محمد ابن الإمام شرف الدين عثمان بن سليمان بن رسول ابن أمير يوسف بن خليل بن نوح الكرادى «4» - بفتح الراء المهملة- القرمشى الأصل، الحنفى، المعروف بابن الأشقر، شيخ شيوخ خانقاه سرياقوس، ثم ناظر الجيوش المنصورة بالديار المصرية، ثم كاتب السّر بها، فى يوم الثلاثاء ثانى عشر شهر رجب بالقاهرة بطّالا، ودفن من الغد بتربته بالصحراء خارج القاهرة، وكانت وفاته بعد عزله من كتابة السّر بشهرين، وبعد وفاة ولده إبراهيم بدون الشهر. وكان مولده بالقاهرة قبل سنة ثمانين، ونشأ بها واشتغل في مبدأ أمره قليلا، ثم

ولى مشيخة خانقاه سرياقوس في سنة أربع عشرة وثمانمائة، ثم بعد سنين كثيرة ولى كتابة السّرّ بمصر في دولة الملك الأشرف برسباى، عوضا عن القاضى كمال الدين بن البارزى، بحكم عزله في رجب سنة تسع وثلاثين، وباشر الوظيفة إلى أن عزل عنها بالقاضى صلاح الدين بن نصر الله في ذى الحجة من سنة أربعين، فلزم داره بطالا، إلى أن ولّاه الملك الظاهر جقمق ناظر الجيوش المنصورة عوضا عن الزينى عبد الباسط بحكم القبض عليه ومصادرته في سنة اثنتين وأربعين، ثم عزل عن وظيفة نظر الجيش غير مرّة، ثم ولى كتابة السر ثانيا بعد وفاة القاضى كمال الدين بن البارزى في سنة ست وخمسين، فباشر الوظيفة إلى أن عزل عنها بالقاضى محب الدين بن الشّحنة، ثم أعيد إليها بعد أشهر، ودام بها مدّة طويلة إلى أن عزل عنها ثانيا بابن الشّحنة في سنة ثلاث وستين وثمانمائة، ومات بعد ذلك بشهرين حسب ما تقدم ذكره، وكان معدودا من رؤساء الديار المصرية، وكان عنده حشمة وأدب وتواضع ومحاضرة حسنة، إلا أنه كان رأسا في البخل- رحمه الله تعالى. وتوفّى القاضى محب الدين محمد ابن القاضى ناصر الدين محمد الفاقوسى أحد أعيان موقعى الدّست بالديار المصرية، فى ليلة الاثنين خامس عشرين شهر رجب- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين خيربك بن عبد الله المؤيّدى الأشقر الأمير آخور الثانى، فى يوم السبت مستهل شعبان [وقد جاوز السبعين] «1» وكان من مماليك المؤيّد شيخ، صار خاصّكيّا في دولة الملك الظاهر جقمق، ومن جملة الدّوادارية الصّغار، إلى أن أنعم عليه بإمرة عشرة، بعد مسك جانبك المحمودى المؤيّدى، وجعله جقمق من جملة رءوس النوب، وحجّ أمير الركب الأول، ثم نقل إلى الأمير آخوريّة الثانية في أوائل دولة الملك الأشرف إينال، عوضا عن سنقر العائق الظاهرى، فباشر الوظيفة بغير حرمة،

وصار فيها كل شىء إلى أن مات، وتولىّ الأمير يلباى الإينالى المؤيّدى الأمير آخورية الثانية من بعده. وكان خيربك هذا كثير الفتن بين الطوائف، وليس عنده همّة لإثارة الحرب إلا بالكلام. وتوفّى الإمام شهاب الدين أحمد الإخميمى أحد أئمة السلطان في يوم السبت تاسع عشرين شعبان «1» - رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير زين الدين قاسم بن جمعة القساسى الحلبى نائب قلعة حلب بها في شهر رمضان، وكان ولى قبل ذلك حجوبية حلب وغيرها، الجميع بالبذل. وتوفّى القاضى معين الدين عبد اللطيف بن أبى بكر [بن سليمان سبط] «2» ابن العجمى نائب كاتب السر بالديار المصرية، يوم الجمعة رابع شوال وعمره نيف عن خمسين سنة، «3» وكان ولى في الدولة الأشرفية كتابة سر حلب، ثم ولى نيابة كتابة السرّ بمصر بعد وفاة أبيه القاضى شرف الدين إلى أن مات، وكان هو القائم بأعباء ديوان الإنشاء. لمعرفته بصناعة الإنشاء، ولما فيه من الفضيلة- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين سودون بن عبد الله من سيدى بك الناصرى القرمانى أتابك حلب بطريق الحج في شوال، وكان من مماليك الناصر فرج، وانحط قدره، وخدم في أبواب الأمراء إلى أن صار خاصكيا في دولة الملك الظاهر ططر، ثم صار ساقيا في دولة الملك الظاهر جقمق، ثم تأمّر عشرة، ثم نقل إلى تقدمه ألف بحلب، ثم صار أتابكا في دولة الأشرف إينال، ثم نقل إلى أتابكية طرابلس، ثم أعيد بعد مدة إلى أتابكية حلب إلى

أن مات، وكان مهملا مسرفا على نفسه، وعنده فشار كبير «1» ومجازفات في كلامه- رحمه الله. وتوفّى الشيخ الإمام الفقيه الواعظ الصوفى شمس الدين محمد الحموى الأصل الحلبى الشافعى المعروف بابن الشماع، فى ذى القعدة بالمدينة الشريفة قاصدا الحج، ودفن بالمدينة يوم دخول الحاج الشامى إليها، وكان حلو اللسان، مليح الشكل، طلق العبارة والمحاضرة، ولكلامه طلاوة ورونق وموقع في النفوس- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين قانى باى المؤيدى المعروف بقراسقل أحد أمراء العشرات بمدينة طرابلس في توجهه من الديار المصرية في البحر إلى الجون «2» صحبة الأمراء المصريين وقد ناهز الستين من العمر أوجاوزها بيسير، وكان من مماليك الملك المؤيد شيخ، ممن صار خاصكيا في دولة الظاهر جقمق وساقيا، ثم تأمّر عشرة إلى أن مات، وكان ساكنا مهملا مع إسراف على نفسه- عفا الله عنا وعنه. وتوفّى الأمير سيف الدين بايزيد «3» بن عبد الله التمربغاوى أحد مقدمى الألوف بالديار المصرية، فى يوم الثلاثاء ثامن عشر ذى القعدة، ودفن من يومه، وقد ناهز السبعين، وكان من مماليك الأمير تمربغا المشطوب الظاهرى [برقوق] «4» وخدم بعده عند جماعة من الأمراء [وتشتت في البلاد] «5» إلى أن اتصل بخدمة الملك الظاهر ططر قبل سلطنته، فلما تسلطن جعله خاصكيا، ثم ساقيا في أوائل دولة الأشرف برسباى، ودام على ذلك دهرا طويلا، إلى أن أمّره الأشرف [عشرة] «6» فى أواخر دولته، فدام على تلك العشرة أيضا دهرا طويلا إلى أن أنعم عليه الملك الأشرف إينال بإمرة طبلخاناه، ثم نقله إلى تقدمة ألف في حدود سنة ستين؛ للين جانبة لا لمحله الرفيع، ولا لعظم شوكته، فدام على

ذلك سنيّات ومات، وكان رجلا ساكنا عاقلا، لم يشهر في عمره بشجاعة ولا كرم، وكان إذا توجّه في مهم إلى السلطان مع من سافر من الأمراء ووقع الحرب يدعونه في الوطاق ليحرس «1» الخيم، وكذلك جعله الأشرف إينال في يوم الواقعة مع الملك المنصور عثمان يجلس على الباب- رحمه الله تعالى. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم لم يحرر لغيابى بمكة المشرفة، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا وأصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 864

[ما وقع من الحوادث سنة 864] السنة الثامنة من سلطنة الملك الأشرف إينال على مصر وهى سنة أربع وستين وثمانمائة. فيها توفى الشيخ الإمام المحقق الفقيه العلامة جمال الدين محمد بن أحمد المحلى الشافعى المصرى بالقاهرة في يوم الأحد مستهل المحرم، وسنه نحو السبعين تخمينا، وكان إماما علامة متبحرا في العلوم، كان بارعا في الفقه والأصلين والعربية وعلمى المعانى والبيان، وأفتى ودرس عدة سنين، وانتفعت الطلبة به، وله عدّة مصنفات، ولم يكمل بعضها، ورشح لقضاء الديار المصرية غير مرة، وكان في طباعه حدّة، مع عدم التكلف في ملبسه ومركبه إلى الغاية، بحيث إنه كان إذا رآه من لا يعرفه يظنه من جملة العوام- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين قيز طوغان العلائى الأستادار، ثم نائب ملطية، ثم أتابك حلب، ثم أحد أمراء دمشق- بطالا- بدمشق بالطاعون وقد شاخ، فى العشر الأوسط من محرم، وكان من عتقاء الأمير علّان شلق الظاهرى، وخدم بعده عند الملوك إلى أن اتصل بخدمة السلطان، وصار في دولة المؤيد شيخ رأس نوبة الجمدارية دهرا طويلا، إلى أن تأمر عشرة في دولة الملك الظاهر جقمق، وصار أمير آخور ثالثا، ثم ولى الأستادارية بعد عزل الناصرى محمد بن أبى الفرج، فباشر أشهرا، ثم عزل وأخرج إلى البلاد الشامية، وتنقل فيها إلى ما أشرنا إليه، ثم حجّ [وسافر أمير] «1» حاج المحمل الشامى، فوقع منه بالمدينة الشريفة ما أوغر خاطر السلطان عليه، وأمسك بعد عوده وحبس مدة بقلعة دمشق أو غيرها، ثم أطلق ودام بطالا إلى أن مات. وكان أميرا جليلا عارفا شجاعا مقداما، وفيه حشمة وأدب ومكارم «2» - رحمه الله تعالى.

وتوفّى الشيخ المقرئ إمام جامع الأزهر في يوم الأحد خامس عشر المحرم، وكان دينا خيرا من بيت قراءة وفضل ودين- رحمه الله تعالى. وتوفّى زين الدين أبو الخير محمد ابن المعلّم شمس الدين محمد ابن المعلم أحمد، المعروف بالنحّاس، شهرة وصناعة ومكسبا، فى يوم الجمعة العشرين من المحرّم، ودفن من يومه بالصحراء، وقد تقدّم من ذكره في أصل هذا الكتاب ما يغنى عن التعريف به في هذا المحل ثانيا، وسقنا أمره محرّرا من ابتداء أمره إلى آخره باليوم والشهر في تاريخنا «المنهل الصافى» ، ثم في مصنفنا أيضا «حوادث الدهور» ، وذكرنا كيفيته، وكيف كان تقرّبه إلى الملك الظاهر جقمق، وعرّفنا بحاله وتكسّبه في دكان النحاسين، ثم ما وقع له مع أبى العباس الوفائى، ثم ترقّيه وتولّيه الوظائف السنيّة شيئا بعد شىء، ثم انحطاط قدره، ونكبته ومصادرته، وضربه ونفيه بعد حبسه بحبس الرّحبة مدّة طويلة، والإخراق به من العوامّ والمماليك السلطانية، ثم خروجه من الديار المصرية على أقبح وجه، بعد أن ادّعى عليه عند القاضى المالكى بالكفر، وأشيع ضرب رقبته، ووضع الجنزير في رقبته، ثم ما وقع له من الإخراق بمدينة طرسوس في مدّة طويلة، ثم حضوره إلى الدّيار المصرية بغير إذن الملك الظاهر جقمق خفية، ثم طلوعه إلى السلطان، وضرب السلطان له ثانيا بالحوش في الملأ العام ذلك الضرب المبرّح، ثم إخراجه ثانيا من القاهرة على أقبح وجه [منفيا] «1» إلى طرابلس، ثم إقامته بطرابلس إلى أن مات الصاحب جمال الدين يوسف بن كاتب جكم، ثم طلبه الحضور إلى الديّار المصريّة غير مرّة إلى أن حضر، وظن المخمول أن الذي مضى سيعود، وقدّم عدة كبيرة من الخيول، وولّى الذخيرة ووظائف أخرى، فلم يتحرك له سعد ولانتج أمره، بل صار كلما قام أقعده الدهر، وكلما أراد القوة ضعف، وزاد به القهر إلى أن مرض واشتد مرضه، وترادفت رسل السلطان إليه بطلب المال، فعظم ما به من المرض من الخالق ومن

المخلوق، إلى أن مات واستراح وأراح بعد أن قاسى أهوالا في مرضه، وحمل على قفص حمال على رأس رجل للمحاسبة لما ثقل في الضعف، وقد حثّه الطلب، كل ذلك تأديبا من الله عز وجل. لتعلم أن الله على كل شىء قدير. وكانت صفته رجلا طوالا، أسمر جسيما عامّيا، كانت صفته مشبهة لصناعته وأهلها في الكثافة، إلا أنه كان يكتب المنسوب بحسب الحال، ليس فيه بالماهر، ويحفظ القرآن على طريق قراء الأجواق من مواظبته «1» لليالى جمع الإمام الليث، لا يحفظه على طريق القراء، وبالجملة فإن ابتداء ترقّية كان عجيبا، وانحطاطه كان أعجب- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين علّان بن عبد الله المؤيّدى أتابك دمشق المعروف بعلّان جلّق «2» بدمشق، فى يوم الأربعاء تاسع صفر وقد زاد سنه على السّبعين تخمينا، وكان أصله من مماليك الملك المؤيّد شيخ، وصار في أيّامه من جملة الأمير آخورية الأجناد، ثم صار بعد موت أستاذه من جملة أمراء دمشق، ثم بعد مدّة نقل إلى نيابة ألبيرة، ثم إلى حجوبيّة حلب الكبرى، ثم عزل من حلب بسبب شكوى نائبها قانى باى الحمزاوى عليه، وتوجّه إلى طرابلس بطالا، ثم أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق بعد انتقال الأمير خشقدم الناصرى المؤيدى عنها إلى حجوبيّة الحجاب بالدّيار المصريّة، ثم نقل إلى أتابكيّة دمشق بعد موت يشبك الصّوفى المؤيّدى في سنة ثلاث وستين، فلم تطل مدّته ومات، وكان مشهورا بالشجاعة والإقدام- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين طوغان من سقلسيز التركمانى أمير التركمان، فى شهر ربيع الأول، واستقرّ ولده في إمرة التّركمان من بعده «3» . وتوفّى القاضى سعد الدين إبراهيم ابن فخر الدين عبد الغنى ابن علم الدين شاكر

ابن رشيد الدين خطير الدّمياطى المصرى القبطى المعروف بابن الجيعان «1» ناظر الخزانة الشريفة، فى ليلة الجمعة ثالث عشرين شهر ربيع الأول، وسنه نيف عن خمسين سنة، وكان حشما وقورا، وجيها عند الملوك، وهو بانى الجامع على بحر بولاق بالقرب من منظرة الحجازية- رحمه الله تعالى. وتوفّى عبد الله التركمانى «2» البهسنى كاشف الشرقيّة بالوجه البحرى من أعمال القاهرة «3» - بطالا- فى يوم الأحد ثالث شهر ربيع الآخر، وقد كبر سنه وشاخ، وكان في أوّل قدومه إلى الديار المصرية يخدم شادّا في قرى القاهرة إلى أن اتصل بخدمة الملك الظاهر جقمق قبل سلطنته، فلما تسلطن ولّاه كشف الشرقية، فلما ولّى ما كفّ عن قبيح ولا عفّ عن حرام إلا فعلهما، فساعت سيرته في ولايته، وحصل للناس منه شدائد، لا سيما أهل بلبيس وفلاحى الشرقية؛ فإنه كان عليهم أشدّ من إبليس، وشكاه غير واحد مرّات عديدة إلى الملك الظاهر، فلم يسمع فيه كلاما، وبالجملة فإنه كان من أوحاش «4» الظّلمة- ألا لعنة الله على الظالمين. وتوفّى الشيخ أبو الفتح [محمد] «5» الكاتب المجوّد صاحب الخط المنسوب وأحد نواب الحكم الشافعية وإمام الشهابى أحمد ابن الملك الأشرف إينال في يوم الأحد عاشر شهر ربيع الآخر- رحمه الله. وتوفّى الأمير أسندمر بن عبد الله الجقمقى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة بعد عوده من مجاورته بمكة بمرض البطن، فى يوم الثلاثاء تاسع جمادى الأولى وقد ناهز الستين من العمر، وكان رومىّ الجنس، وكان أصله من مماليك جقمق الأرغون شاوى

الدّوادار «1» نائب الشام، وكان أسندمر هذا يجيد الرّمى بالنشاب، وفيه إسراف على نفسه- سامحه الله تعالى بفضله. وتوفّى سيف الدين خشقدم بن عبد الله الأرنبغاوى «2» حاجب حجّاب طرابلس فى جمادى الأولى، وكان أصله من مماليك أردبغا نائب قلعة صفد، ثم خدم عند قانى باى الحمزاوى وصار في اواخر عمره دوادارا، ثم سعى بعد الحمزاوى في حجوبيّة طرابلس حتى وليها، فلم تطل مدّته، ومات في التاريخ المذكور، وكان من الأوباش الذين لا أعرف لهم حالا. وتوفى الأمير سيف الدين يشبك بن عبد الله الظاهرى أحد أمراء العشرات بالطاعون في يوم السبت حادى عشرين جمادى الأولى، وأخرج هو وولده معا في جنازة واحدة، وكان أصله من مماليك الملك الظاهر جقمق، اشتراه في سلطنته، وتأمر في أيامه عشرة ثم نكب، ثم تأمر ثانيا في دولة الملك الأشرف عشرة إلى أن مات، وكان لا بأس به- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين يونس بن عبد الله العلائى الناصرى الأمير آخور الكبير بالطاعون في باكر يوم الاثنين ثالث عشرين جمادى الأولى، وقد جاوز السبعين من العمر، ودفن بتربته التي أنشأها بالصحراء، وكان أصله من مماليك الظاهر برقوق الكتابية، ثم ملكه الملك الناصر فرج وأعتقه، ودام من جملة المماليك السلطانية سنين كثيرة لا يلتفت إليه في الدول إلى أن تأمر عشرة في أوائل دولة الملك الظاهر جقمق، مراعاة لخاطر الأمير إينال العلائى الأجرود، أعنى عن الأشرف هذا صاحب التّرجمة؛ لكونه كان خچداشه من تاجر واحد، ودام من جملة أمراء العشرات أياما كثيرة، إلى أن نقله الملك الظاهر إلى نيابة قلعة الجبل بعد عزل «3» تغرى برمش الفقيه وإخراجه إلى القدس في سنة تسع وأربعين. قلت: وبئس البديل، وهذا من عدم الإنصاف، كيف يكون هذا المهمل العارى

من كل علم وفن موضع ذلك العالم الفاضل الذكى العارف بغالب فنون الفروسية مع ماحواه من العلوم، وقد أذكرتنى هذه الواقعة قول بعض الأدباء الموّالة، حيث قال: شاباش يا فلك شاباش ... تحط عالى وترفع في الهوا أوباش وتجعل الحرّ الذكى الوشواش ... يحكم عليه ردىء الأصل يبقى لاش واستمر يونس هذا في نيابة القلعة إلى أن تسلطن خچداشه الملك الأشرف إينال صاحب الترجمة، وخلع عليه في صبيحة يوم السلطنة بنيابة الإسكندرية، فتوجه إليها وأقام بها مدة، ثم عزل وقدم إلى القاهرة على إمرته، ثم يعد مدة من قدومه، صار أمير مائة ومقدّم ألف بالديار المصرية بعد خروج الأمير جانم الأشرفى إلى نيابة حلب وذلك في أواخر صفر سنة تسع وخمسين، وتوجه لتقليد الأمير قانى باى الحمزاوى نائب حلب بنيابة دمشق بعد موت الأمير جلبّان فقلده وعاد، وقد استغنى يونس بما أعطاه قانى ياى الحمزاوى في حقّ طريقه من الذهب اثنى عشر ألف دينار، ومن القماش والخيول نحو خمسة آلاف دينار، ثم نقل بعد ذلك إلى الأمير آخورية الكبرى بعد انتقال الأمير جرباش المحمدى إلى إمرة مجلس، بعد تعطّل الأمير طوخ من تمراز ولزومه داره من مرض تمادى به، وذلك في أوائل ذى الحجة سنة إحدى وستين وثمانمائة. وعظم يونس عند خچداشه الملك الأشرف، لكونه كان خچداشه، وأنا أقول: ما كانت محبته له إلا لجنسية كانت بينهما في الإهمال؛ لأن الجنسية علة الضم، فلم يزل يونس المذكور في وظيفته إلى أن مات في التاريخ المقدم ذكره، قلت: وما عسى أذكر من أمره، والسكوت «1» والإضراب عن الذكر أجمل، وفي التلويح ما يغنى عن التصريح. وتوفى الأمير زين الدين هلال بن عبد الله الرومى الطواشى الظاهرى الزمام بطالا بالطاعون، فى يوم الأحد تاسع عشرين جمادى الأولى، وقد شاخ وناهز عشر المائة

من العمر، لكونه كان من خدّام الملك الظاهر برقوق ومن أعيان طواشيته، ثم صار شادّ الحوش السلطانى مدّة طويلة، إلى أن بدا له أن يبذل المال في وظيفة الزّماميّة، فوليها بعد موت الأمير جوهر القنقبائى، فباشر الوظيفة بقلّة حرمة، فلم ينتج أمره، وعزل وتخومل إلى أن مات، وهو مجتهد في الزراعة والدولاب لتحصيل المال، فلم ينل من ذلك شيئا، ومات فقيرا- رحمه الله تعالى. وتوفّى القاضى زين الدين عبد الرحيم ابن قاضى القضاة بدر الدين محمود ابن القاضى شهاب الدين أحمد العينى الحنفى ناظر الأحباس، فى يوم الثلاثاء ثانى عشرين جمادى الآخرة بالطاعون، وهو في الكهولية، وكان من بيت علم ورئاسة. وتوفيت خوند زينب بنت الأمير جرباش الكريمى المعروف بقاشق، فى يوم السبت سادس عشرين جمادى الآخرة، بالطاعون «1» ، وسنّها فوق الثلاثين، وكان الملك الظاهر جقمق تزوّجها في أوائل سلطنته، فى حدود سنة اثنتين وأربعين أو التي بعدها، ومات عنها فتزوجها القاضى شرف الدين موسى الأنصارى ناظر الجيوش المنصورة، فماتت عنده «2» - رحمها الله تعالى. وتوفّى الأمير قرم خجا بن عبد الله الظاهرى، أحد أمراء العشرات بطالا في العشر الأول من شهر رجب، وهو في عشر المائة من العمر، كان من مماليك الظاهر برقوق وخاصكيته، وكان فقيها ديّنا خيّرا تركىّ الجنس- رحمه الله تعالى. وتوفّى السيفى يشبك بن عبد الله الأشرفى الأشقر أستادار الصّحبة وأحد الخاصكية بالطاعون، فى يوم الثلاثاء سابع شهر رجب، ومستراح منه؛ لأنه كان مهملا مسرفا على نفسه، لا يرتجى لدين ولا لدنيا «3» - عفا الله عنه.

وتوفّى الأمير سيف الدين يشبك بن عبد الله الساقى الظاهرى بالطاعون، فى يوم الأحد تاسع عشر شهر رجب بعد أن تأمر بأيام، وكان مشهورا بالشجاعة والإقدام، قلعت عينه في واقعة الملك المنصور عثمان مع الأشرف إينال، وكان من حزب ابن أستاذه الملك المنصور- رحمه الله وعفا عنه. وتوفّى الأمير سيف الدين يرشباى بن عبد الله الإينالى المؤيدى الأمير آخور الثانى- كان- وأحد أمراء الطبلخانات الآن، وهو مجاور بمكّة المشرفة، فى شهر رجب، وقد ناهز الستين من العمر، وكان من مماليك الملك المؤيّد شيخ، اشتراه بعد سلطنته، وصار خاصكيا بعد موته إلى أن تأمر عشرة في دولة الملك الظاهر جقمق، وصار أمير آخور ثالثا، ثم نقل بعد مدّة إلى الأمير آخوريّة الثانية وإمّرة طبلخاناه بعد موت خچداشه سودون المحمدى المعروف بأتمكجى، فدام على ذلك إلى أن قبض عليه الملك المنصور عثمان مع دولات باى الدّوادار ويلباى الإينالى المؤيّديّين، وحبس يرشباى هذا بسجن الإسكندرية إلى أن أطلقه الملك الأشرف، وأرسله مع خچداشه يلباى إلى دمياط، ثم استقدمهما بعد أيّام يسيرة إلى القاهرة، وأنعم على يرشباى المذكور بإمرة عشرة، ثم بإمرة طبلخاناه بعد انتقال الأمير بايزيد التّمربغاوى إلى تقدمة ألف، ثم سافر إلى مكّة رأسا على المماليك السلطانية بها في سنة ثلاث وستين فمات بمكة- رحمه الله تعالى. وكان رجلا طوالا مليح الشكل والهيئة، حشما وقورا، مع إسراف على نفسه- عفا الله عنه بمنّه وكرمه. وتوفّى القاضى كمال الدين أبو الفضل محمد بن ظهيرة المكى المخزومى الشافعى، قاضى جدّة، وهو معزول عنها بعد مرض طويل بالمدينة الشريفة «1» ، وكان من خيار

أقاربه «1» ، ولديه فضيلة ومشاركة حسنة ومحاضرة جيّدة بالشعر وأيام الناس، وكان محبوبا فى قومه وأهل بلده- رحمه الله تعالى- ولقد عزّ علينا فراقه «2» . وتوفّى الأمير سيف الدين يشبك بن عبد الله المؤيّدى أتابك دمشق بها في شعبان، وقد جاوز الستين، وكان يعرف بيشبك طاز، وكان مشكور السيرة، لا بأس به- رحمه الله. وتوفّى الشيخ الإمام العالم الفقيه زين الدين عبد الرحمن بن عنبر الأبوتيجى «3» الشافعى، أحد فقهاء الشافعية في صبيحة يوم الاثنين ثالث عشرين شوال، وقد زاد سنه عن التسعين، وكان عالما، وله اليد الطولى في علمى الفرائض والحساب، وتصدّر للإقراء بجامع الأزهر مدة طويلة، وكان يعجبنى حاله، إلا أنه ما حجّ حجة الإسلام- عفا الله تعالى عنه. وتوفيت خوند آسية بنت الملك الناصر فرج ابن الملك الظاهر برقوق في أوائل ذى الحجة «4» ، وأمها أم ولد حبشية تسمى ثريّا. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع سواء، مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعا وخمسة عشر إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 865

[ما وقع من الحوادث سنة 865] ذكر سلطنة الملك المؤيد أبى الفتح أحمد [بن إينال] «1» على مصر هو السلطان السابع والثلاثون من ملوك التّرك وأولادهم بالديار المصرية، والثالث عشر من الجراكسة وأولادهم. تسلطن في يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الأولى من سنة خمس وستين وثمانمائة الموافق لأول برمهات، فلما كان ضحوة النهار المذكور نزل الزينى خشقدم الأحمدى الطواشى الساقى الظاهرى بطلب القضاة الأربعة إلى القلعة، ونزل غيره إلى الخليفة المستنجد بالله يوسف، فبادر كلّ منهم بالطلوع إلى القلعة، حتى تكامل طلوع الجميع، وجلس الكل بقاعة دهليز الدهيشة من قلعة الجبل، وجلس الخليفة والمقام الأتابكى أحمد المذكور في صدر المجلس، وجلس كلّ من القضاة في مراتبهم، ودار الكلام بينهم في سلطنة الملك المؤيد هذا؛ لكون أن والده الملك الأشرف إينال ما كان عهد إليه قبل ذلك بالسلطنة، فتكلم القاضى كاتب السر محب الدين بن الشّحنة في أن تكون ولايته في السلطنة نيابة عن والده مدة حياته، ثم استقلالا بعد وفاته، أو معناه، فلم يحسن ذلك ببال من حضر، وقام الجميع ودخلوا إلى قاعة الدهيشة، وبها الملك الأشرف إينال مستلق على خطة «2» ليسمعوا كلامه بالعهد لولده أحمد هذا، فكلّمه الأمير يونس الدوادار غير مرة في معنى العهد، وهو لا يستطيع الرد، وطال وقوف الجميع عنده وهو لا يتكلّم، فخرجوا إلى ولده المؤيد هذا وهو جالس بدهليز الدهيشة عند الشباك وعرفوه الحال، ثم رجعوا إلى الملك الأشرف ثانيا، وكرروا عليه السؤال، وهو ساكت، إلى أن تكلم بعد حين، وقال باللغة التركية: «أغلم، أغلم» ، يعنى

«إبنى، إبنى» ، فقال من حضر: «هذا إشارة بالعهد لولده» ، فإنه لا يستطيع من الكلام أكثر من هذا، وخرجوا من وقتهم إلى الدهيشة، وانتدب كاتب السّرّ لتحليف الأمراء، فحلف من حضر من الأمراء الأيمان المؤكدة، ولم ينهض أحد منهم أن يورّى في يمينه ولا يدلس، لأنهم أجانب من معرفة ذلك، وأيضا المحلف له فطن وكاتب سرّه رجل عالم، وكان من جملة اليمين: المشى إلى الحاج كذا كذا مرة، والطلاق والعتق وغير ذلك. فلما انقضى التّحليف وتمّت البيعة قام كل أحد من الأمراء والخاصكية والأعيان وبادر إلى لبس الكلفتاة «1» والتترى الأبيض، كما هى العادة، وأحضرت خلعة السلطنة الخليفتية السوداء، ولفت له عمامة سوداء حرير، وقام المقام الشهابى المذكور ولبس الخلعة والعمامة على الفور، وركب من باب الدهيشة فرس النوبة بسرج ذهب وكنبوش «2» زركش، ومشت الأمراء والأعيان بين يديه من باب الحوش إلى أن اجتاز بباب الدور السلطانية فتلقته الجاووشية «3» والزردكاش ومعه القبة والطير وأبهة السلطنة، فتناول الأمير خشقدم الناصرى المؤيدى أمير سلاح القبة والطير بإذن السلطان وحملها على رأسه وهو ماش، وسار في موكب «4» الملك بعظمة زائدة خارجة عن الحد، وصار جميع الأمراء والقضاة مشاة بين يديه إلا الخليفة المستنجد بالله فإنه ركب فرسا من خيل السلطان، ومشى بها خطوات، ثم نزل عنها لقوتها عليه، ولا زال على تلك الهيئة، حتى نزل على باب القصر السلطانى من قلعة الجبل، ودخل وجلس

على سرير الملك، فلم تر العيون فيما رأت أحسن ولا أجمل منه في الخلعة السوداء، لأنه كان أبيض اللون، والخلعة سوداء، مع حسن سمته، وطول قامته، حتى إنه لعله لم يكن أحد في العسكر يوم ذاك يدانيه في طول القامة. ولما جلس على تخت الملك قبّلت الأمراء الأرض بين يديه، ودقّت الكئوسات، ونودى في الحال بالدعاء للملك المؤيد أبى الفتح أحمد بشوارع القاهرة. ثم في الوقت خلع على الخليفة فوقانى حرير بوجهين أبيض وأخضر بطرز زركش، وأنعم عليه بفرس بسرج ذهب، وكنبوش زركش، وأنعم عليه بقرية منبابة بالجيزة. ثم خلع على الأمير خشقدم أمير سلاح أطلسين متمّرا، وفوقانيا بطرز زركش، بسرج ذهب وكنبوش زركش. وأقام الملك المؤيّد يومه وليلته بالقصر، وأصبح حضر الخدمة حسبما يأتى ذكره، بعد أن نذكر وقت سلطنته. وكان الطالع وقت مبايعته ولبسه خلعة السلطنة وجلوسه على سرير الملك السرطان، وصاحب الطالع بالسنبلة- وهو القمر- قطع اثنتين وعشرين درجة وخمسين دقيقة، والرأس بالسرطان أيضا ست عشرة درجة وثلاثين دقيقة راجعا، والمشترى بالقوس صفرا وسبعا وعشرين دقيقة، وزحل بالجدى أيضا ثمانيا وعشرين درجة وستا وأربعين دقيقة، والذنب بالجدى أيضا ست عشرة درجة وثلاثين دقيقة، والزّهرة في الدلو ثلاث درجات وتسع عشرة دقيقة، والليلة بالدلو أيضا ثمانى درج وثمانيا وخمسين دقيقة، وعطارد أيضا بالدلو اثنتين وعشرين درجة وخمسين دقيقة، والشمس في الحوت خمس عشرة درجة وأربعا وخمسين دقيقة، والساعة «1» السادسة، وهى للزّهرة- انتهى.

ولما كان صبيحة نهار الخميس المقدّم ذكره، وهو ثانى يوم من يوم سلطنته، وهو عشر جمادى الأولى، وقد عمل السلطان فيه الخدمة السلطانية، وخلع على جماعة كثيرة من الأمراء بعدة وظائف، فاستقرّ بالأمير خشقدم أمير سلاح أتابك العساكر عوضا عن نفسه، ولكن لم يجد له في ذلك اليوم خلعة الأتابكية، لكونه كان لبسها في أمسه، لما حمل القبة والطير على رأس السلطان، فجددت له أخرى لم يفرغ عملها في هذا اليوم. ثم أنعم السلطان على الأمير خشقدم المذكور بإقطاع نفسه، وهو إقطاع الأتابكيّة. ثم خلع على الأمير جرباش المحمدى أمير مجلسه باستقراره في إمرة سلاح عوضا عن الأمير خشقدم بحكم استقراره أتابك العساكر. واستقر الأمير قرقماس الأشرفى رأس نوبة النّوب أمير مجلس عوضا عن جرباش المقدّم ذكره. واستقرّ الأمير قانم من صفرخجا المؤيّدى التاجر رأس نوبة النّوب عوضا عن قرفماس المذكور. وأنعم السلطان بإقطاع الأتابك خشقدم على الأمير بيبرس الأشرفى خال الملك العزيز يوسف حاجب الحجاب، لكون متحصل هذا الإقطاع يزيد عن متحصل الإقطاع الذي كان بيده أولا، وطلب الأمير جانبك من أمير الأشرفى الخازندار إقطاع بيبرس، فتوقّف السلطان فيه، ووقع- بسبب توقّف السلطان في الإنعام على جانبك به- بين جانبك المذكور وبين الأمير يونس الدّوادار الكبير كلام، فأفحش الدّوادار في الرّدّ على جانبك، ودام الإقطاع موقوفا لم ينعم به على أحد، وانفض الموكب، وقام السلطان الملك المؤيد أحمد من القصر، وتوجه إلى الدهيشة، وجلس بالشباك المطل على الحوش، وأمر المنادى فنادى بين يديه بالحوش، بأن النفقة في المماليك السلطانية تكون لكل واحد مائة دينار، وتكون أول التفرقة يوم الثلاثاء عشرين الشهر، فضج الناس له بالدعاء.

ثم قام ودخل إلى عند أبيه وهو في السياق، فمات في اليوم، وهو يوم الخميس المقدم ذكره بين الظهر والعصر، فجهز من وقته، وصلى عليه بباب القلّة من قلعة الجبل، ثم حمل حتى دفن من يومه بتربته التي أنشأها بالصحراء خارج القاهرة- حسبما تقدم ذكر ذلك كله في ترجمته. ثم أصبح الملك المؤيد يوم الجمعة صلى الجمعة بجامع الناصرى بالقلعة مع الأمراء على العادة، وخلع بعد انقضاء الصلاة على الأمير خشقدم الناصرى المؤيدى خلعة الأتابكية على العادة، واستمر السلطان إلى يوم الأحد ثامن عشره- أعنى جمادى الأولى- فأنفق على الأمراء نفقة السلطنة، فحمل إلى الأمير الكبير أربعة آلاف دينار، تفصيلها: ألف دينار بسبب حمله القبة والطير على رأس السلطان يوم سلطنته، والبقية نفقة السلطنة، وحمل إلى أمير سلاح جرباش وغيره من أمراء الألوف من أصحاب الوظائف لكلّ واحد ألفين وخمسمائة دينار، وإلى غير أرباب الوظائف من مقدمى الألوف لكلّ ألفى «1» دينار فقط، وحمل لكل أمير من أمراء الطبلخانات خمسمائة دينار، ولكل أمير من أمراء العشرات مائتى دينار «2» . ثم في يوم الاثنين تاسع عشر جمادى الأولى خلع السلطان على الأتابك خشقدم، وعلى قانم رأس نوبة النوب خلع الأنظار المتعلقة بوظائفهما على العادة، وأنعم السلطان على الأمير يشبك البجاسى الأشرفى إينال أحد مقدمى الألوف بحلب بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، وهو إقطاع بيبرس الذي وقع بين يونس الدوادار وبين جانبك [الظريف] «3» الخازندار بسببه، وأنعم بتقدمة يشبك المذكور التي بحلب على الأمير تمراز [الأشرفى] «4» الدّوادار، [- كان-] «5» وأنعم بإقطاع تمراز، وهو إمرة

طبلخاناه بطرابلس، على الأمير لاچين الظاهرى، ويشبك هذا المنعم عليه بالتقدمة كان أصله من مماليك الأمير تنبك البجاسى نائب الشام، وملكه بعد موت تنبك الأشرف إينال، وهو من جملة الأمراء، وأعتقه ورقّاه حتى صار دواداره، ثم أخذ له من الملك الظاهر جقمق إمرة بصفد، فلما تسلطن رفع قدره إلى أن صار من جملة أمراء الألوف بحلب، واتفق مجيئه إلى مصر لينظر أستاذه، فاتفق في مجيئه ضعف أستاذه ثم موته. وفيه أيضا خلع السلطان على جماعة من الأمراء والخاصكية لتوجههم بحمل تقاليد نوّاب البلاد الشّاميّة. فكان الأمير مغلباى الأبوبكرى المؤيّدى المعروف بطاز، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، يتوجّه إلى نائب الشام الأمير جانم الأشرفى. والأمير بيبرس الأشرفى الأشقر أحد أمراء العشرات ورأس نوبة يتوجّه إلى الأمير حاج إينال اليشبكى نائب حلب. والسيفى برقوق الناصرى الظاهرى الساقى [يتوجه] «1» إلى إياس المحمدى الناصرى نائب طرابلس. والسيفى آقبردى الساقى الأشرفى [يتوجه] «2» لجانبك التاجى المؤيّدى نائب حماة. وتنم الفقيه الأبوبكرى المؤيّدى [يتوجه] «3» لخيربك النّوروزى نائب صفد، ولبردبك العبد الرحمانى نائب غزّة معا. وخلع على جماعة أخر من الخاصكية بتوجههم إلى جماعة أخر إلى البلاد الشامية، والجميع خاصّكيّة ما عدا مغلباى طاز وبيبرس الأشقر. ثم في يوم الثلاثاء العشرين من جمادى الأولى المذكورة ابتدأ السلطان بالنفقة في المماليك السلطانية من غير تسوية، فأعلى من أخذ مائة دينار، وأدنى من أخذ ثلاثين دينارا،

وأعطى لكل مملوك من الكتابية عشرة دنانير، «1» فاستمرت النفقة على المماليك السلطانية فى كل يوم سبت وثلاثاء إلى ما يأتى ذكره. ثم بعد أيام وصل القاهرة كتاب جانبك الأبلق الظاهرى من قبرس أنه هو ومن معه من المماليك السلطانية وغيرهم من الفرنج واقعوا أهل شرينة في عاشر شهر ربيع الآخر، وحصروا قلعتها، وقتلوا من الفرنج بشرينة ثمانية نفر، وأسروا مثلهم، ثم ذكر أيضا أنه واقع ثانيا أهل شرينة، وقتل صاحب الشرطة بقلعتها، وآخر من عظمائها أرمى نفسه إلى البحر فغرق، قلت: «مما خطاياهم أغرقوا فأدخلوا نارا «2» » ثم ذكر جانبك أيضا: أنه قبض على خمسة منهم، وأن الملكة صاحبة شرينة أخت جاكم صاحب قبرس قد توجّهت من شرينة إلى رودس تستنجد بهم، ثم ذكر أيضا أنه ظفر بعدة مراكب ممن كان قدم من الفرنج نجدة للملكة المذكورة، وأنه أسر منهم خلائق تزيد عدتهم على مائة نفر، وأنه أخذ بالحصار عدّة أبراج من أبراج قلعة باف «3» بعد أن قاسوا منه شدائد، وأنه يستحث السلطان في إرسال عسكر بسرعة قبل مجىء نجدة لهم من الفرنج أهل الماغوصة الجنوية، وإلى أهل شرينة من غير الجنوية- انتهى. وفي يوم الأربعاء ثامن عشرينه استقر عميرة بن جميل بن يوسف شيخ عربان السخاوة بالغربية «4» بعد موت أبيه. قلت: والشيء بالشيء يذكر، وقد أذكرنى ولاية عميرة هذا حال أرياف الديار المصرية الآن، فإنه من يوم تسلطن الملك المؤيد أحمد هذا حصل الأمن في جميع الأعمال برّا وبحرا، شرقا

وغربا، من غير أمر يوجب ذلك، ووقع رعب السلطان في قلوب المفسدين حتى صار أحدهم لا يستطيع أن يخرج من داره فكيف يقطع الطريق، فانطلقت الألسن بالدعاء للملك المؤيد هذا، وتبارك كل أحد بقدومه واستيلائه على الأمر، ومالت النفوس إلى محبته ميلا زائدا خارجا عن الحد؛ فإنه أول ما تسلطن قمع مماليك أبيه الأجلاب عن تلك الأفعال التي كانوا يفعلونها أيام أبيه، وهدّدهم بأنواع النكال إن لم يرجعوا، فرجع الغالب منهم عن أشياء كثيرة مما تقدم ذكرها، وعلم الناس من السلطان ذلك، فطمع كل أحد في الأجلاب فانحطّ قدرهم، حتى صار أحدهم لا يستطيع أن يزجر غلامه ولا خدمه، فزاد حبّ الناس للملك المؤيّد لذلك، فكل من أحبه فهو معذور؛ لما قاست الناس منهم أيام أبيه من تلك الأفعال القبيحة، على أن الملك المؤيّد أيضا كان له في أيام والده مساوئ كثيرة من جهة حماياته البلاد والمراكب بساحل النيل، وأشياء أخر غير ذلك، فقاست الناس من حماياته أهوالا، فلما تسلطن ترك ذلك كله كأنه لم يكن، وأقبل على العدل وإرداع المفسدين، فبدّل في أيامه الجور بالعدل، والخوف بالأمن، والراحة بعد التعب- ولله الحمد. وفيه عزل السلطان الصاحب شمس الدين منصورا عن الأستادارية، وخلع من الغد على مجد الدين أبى الفضل البقرى كامليّة بمقلب سمّور، باستقراره في الأستادارية، عوضا عن الشمسى منصور، ووعد بأنه يلبس خلعة وظيفة الأستادارية في يوم السبت أول جمادى الآخرة، فوقع ذلك «1» . ثم في يوم الخميس سادس جمادى الآخرة خلع السلطان على الصفوى جوهر النّوروزىّ الطواشى الحبشى بإعادته إلى تقدمة المماليك السلطانية، بعد موت الطواشى مرجان الحصنى الحبشى. وفي هذه الأيام أشيع «2» بين الناس «3» بركوب المماليك السلطانية على السلطان بعد النفقة،

ولم يعلم أحد من هو القائم بالفتنة، فلم يلتفت السلطان لهذا الكلام. ثم في يوم الخميس ثالث عشر جمادى الآخرة قرئ تقليد السلطان الملك المؤيد بين يديه بالقصر الأبلق، تولى قراءته القاضى محبّ الدين بن الشّحنة كاتب السّرّ، وهو من إنشائه، وحضر الخليفة المستنجد القراءة والقضاة الأربعة، وغالب أركان الدّولة وأمرائها، فلما تمت القراءة خلع السلطان على الخليفة فوقانى حرير [بوجهين] «1» أخضر وأبيض بطرز زركش، وقيّد له فرسا بسرج ذهب، وكنبوش زركش، ثم خلع على القضاة كوامل بمقالب سمور، وانفضّ الموكب. وفي يوم السبت خامس عشر وصل إلى القاهرة قاصد الأمير جانم الأشرفى نائب الشام، وعلى يده كتاب مرسله يتضمن أنه حصل له سرور زائد بسلطنة الملك المؤيد، وأنه مستمرّ على طاعته، ممتثل أوامره. وفيه أيضا ورد الخبر بأن عرب لبيد العصاة نزلوا البحيرة، ونهبوا الأموال، [وشنوا الغارات] «2» ، فعيّن السلطان تجريدة من الأمراء، وأمرهم بالتجهيز والسفر إلى البحيرة. ثم في يوم الأربعاء رابع شهر رجب وصل الأمير تمراز الإينالى الأشرفى الدوادار- كان- من طرابلس إلى الديار المصرية بغير إذن السلطان، ولم يجتز بمدينة قطيا، ونزل عند الأتابك خشقدم، وأرسل دواداره إلى الملك المؤيد، أعلمه بمجئ تمراز المذكور، فقامت قيامة السلطان لمجيئه على هذه الصورة، وغضب غضبا شديدا، ورسم بإخراجه من القاهرة لوقته، فأخذ تمراز في أسباب الردود والخروج إلى خانقاه سرياقوس، فشفعت الأمراء فيه في عصر يومه بالقصر، فقبل السلطان شفاعتهم على أنه يقيم بالقاهرة ثلاثة أيام لعمل مصالحه، ثم يسافر إلى حيث جاء منه، فعاد تمراز من جهة الخانقاه إلى القاهرة، فترقّب كلّ أحد وقوع فتنة، لأن تمراز هذا شرّ مكانا، ودأبه الفتنة وإثارة الفتن، وهو

من أوخاش «1» بنى آدم، فقام تمراز إلى يوم الجمعة سادسه فطلع إلى القلعة، وقبّل الأرض بين يدى السلطان، وأخذ في الاعتذار الزائد لمجيئه بغير إذن، فقبل السلطان عذره، وخلع عليه كاملية بمقلب سمّور، وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، ورسم له أن يقيم بالقاهرة ثلاثة أيام من يومه هذا ويسافر، فنزل إلى داره، والناس على ما هم عليه من أن تمراز هذا لا بد له من إثارة فتنة وتحريك ساكن، هذا والأمراء تكرر الشفاعة فيه ليقيم بالديار المصرية، وخچداشيته الأشرفية في غاية ما يكون من الاجتهاد في ذلك، والسلطان مصمم على سفره، إلى أن سافر حسبما يأتى ذكره. وفي يوم الجمعة هذا- الموافق لثانى عشرين برمودة- لبس السلطان القماش الأبيض البعلبكى، أعنى كشفا من غير لبس صوف كما هى العادة أيام الصيف «2» . وفي يوم الثلاثاء عاشر شهر رجب المذكور خلع السلطان الملك المؤيد على تمراز المذكور خلعة السفر، وسافر من يومه إلى دمشق، بعد أن أنعم السلطان عليه بخمسمائة دينار وعدة خيول وبغال، وتوجّه تمراز ولم يتحرك ساكن. وفي يوم الخميس ثانى عشره استقر القاضى شرف الدين الأنصارى ناظر الجوالى بعد عزل [ناصر الدين] «3» بن أصيل «4» . وفيه وصل الأمير مغلباى طاز الأبوبكرى المؤيدى بعد أن بشّر الأمير جانم نائب الشام بسلطنة المؤيد وعاد. وفيه وصل السّيفى شاهين الطواشى الساقى الظاهرى المتوجّه قبل تاريخه لإحضار تركة زوجة الأمير قانى باى الحمزاوى من دمشق، وأحضر شيئا كثيرا جدا من الجواهر واللآلئ والأقمشة وغير ذلك، حتى إنه أبيع في أيام كثيرة.

ثم في يوم الجمعة العشرين من شهر رجب المذكور نزل السلطان الملك المؤيد أحمد من قلعة الجبل إلى جهة العارض «1» خلف القلعة، وعاد بسرعة إلى القلعة، وهذا أول نزوله من يوم تسلطن، قلت: وآخر نزوله؛ فإنه لم ينزل بعدها إلا بعد خلعه إلى الإسكندرية. وفيه أمطرت السماء بردا، كل واحد مقدار بيضة الحمام، فأتلفت غالب الزرع، وأهلكت كثيرا من ذوات الجناح، وكان معظم هذا المطر بقرى الشرقية من أعمال القاهرة، وببعض بلاد من المنوفية والغربية، وقليلا بإقليم البحيرة. وفي يوم الخميس سادس عشرينه رسم السلطان بنفى سنطباى قرا الظاهرى إلى البلاد الشامية، وسببه أن سنطباى هذا كان من المنفيين إلى طرابلس في دولة الملك الأشرف إينال، فلما سمع بموت الأشرف قدم القاهرة بغير إذن واختفى بها نحو الشهر عند بعض خچداشيته، ففطن السلطان به فرسم بنفيه، فاجتهدت خچداشيته الظاهريّة في إقامته، فلم تقبل فيه شفاعة، فخرج من يومه، وعظم ذلك على خچداشيته الظاهرية في الباطن، قلت: ولا بأس بما فعله السلطان في إخراج سنطباى المذكور على هذه الهيئة، فإنه أخرج قبله تمراز من الأشرفية، ثم أخرج هذا من الظاهرية، فكأنه ساوى بين الطائفتين، هذا والناس في رجيف من كثرة الإشاعة بوقوع فتنة. ثم في يوم الاثنين سابع شعبان استقر شادبك الصارمى- أحد أمراء الألوف بدمشق- أتابكا بحلب، على مال بذله في ذلك، نحو العشرة آلاف دينار. وفيه وصلت رسل السلطان إبراهيم بن قرمان إلى القاهرة بهديّة إلى السلطان، وقبل هديّة مرسلهم، ورحّب بهم. ثم في يوم الخميس سابع عشر شعبان وصل إلى القاهرة الشرفى يحيى ابن الأمير جانم نائب الشام، وطلع إلى السلطان من الغد، وقبّل الأرض نيابة عن أبيه، وسأل

السلطان في إطلاق الأمير تنم من عبد الرزّاق المؤيدى أمير سلاح- كان- والأمير قانى باى الچاركسى الأمير آخور- كان- من سجن الإسكندرية، فلم يقبل السلطان شفاعته، وسوّف به إلى «1» وقت غير معلوم، وعلم السلطان أن مجىء ابن جانم هذا ليس هو بصدد الشفاعة فقط، وإنما هو لتجسس الأخبار وعمل مصلحة والده مع خچداشيته الأشرفية، وغيرهم من الظاهرية والمؤيدية، وكذا كان، ولم يظهر الملك المؤيد لأحد، وإنما أخذ في حساب جانم نائب الشام في الباطن، والتدبير عليه بكل ما تصل القدرة إليه، ولم يسعه يوم ذلك إلا أن تجاهل عليهم. وهذا الأمر أحد أسباب حضور جانم إلى الديار المصرية حسبما يأتى ذكره مفصلا- إن شاء الله تعالى- فى ترجمة الملك الظاهر خشقدم، لأن يحيى ولد جانم لما حضر هذه الأيام إلى الديار المصرية اتفق مع أعيان المماليك الظاهرية بعد أن اصطلحوا مع المماليك الأشرفية- على عداوة كانت بينهم قديما وحديثا- ورضوا الظاهرية بسلطنة جانم عليهم، وهم أكره البرية فيه، حيث لم يجدوا بدا من ذلك؛ وما ذاك إلا خوفا من الملك المؤيد هذا، فكان أمرهم في هذا كقول القائل: [الوافر] وما من حبّه أحنو عليه ... ولكن بغض قوم آخرين وسافر الشرفى يحيى بن مصر إلى جهة أبيه في يوم الجمعة خامس عشرين شعبان، بعد أن خلع عليه السلطان، وأنعم عليه بخمسمائة دينار، وقد مهّد لأبيه الأمور بالدّيار المصرية مع الظاهرية، وأما الأشرفية خچداشيته فهم من باب أولى لا يختلف على جانم منهم اثنان، وما كان قصد جانم إلا رضاء الظاهريّة، وقد رضوا. وسار يحيى وهو يظن أن أمر أبيه قد تم في سلطنة مصر، ولم يفطن إلى تقلبات الدهر، فلما أن وصل يحيى إلى والده حدّثه بما وقع له بمصر مع زيد وعمرو، وكان عند جانم- رحمه الله تعالى- خفّة لما كان أوحى إليه الكذابون من أقوال الفقراء، ورؤية

المنامات، وعبارات المنجمين، فتحقّق المسكين أنه لا بد له من السلطنة، ووافق ذلك صغر سن ولده يحيى، وعدم معرفته بالمكايد والتجارب، وحاله كقول من قال: [الطويل] ويا دارها بالخيف إنّ مزارها ... قريب، ولكن دون ذلك أهوال وقوّى أمر يحيى وخفة جانم اجتماع تمراز الأشرفى الدّوادار المقدم ذكره بجانم في دمشق، وقد صدق هذا الخبر لما في نفسه من الملك المؤيد هذا، ومن أبيه الأشرف إينال لما عزله من الدّوادارية الثانية، وأخرجه من مصر بطالا إلى القدس، ثم وقع له معه ما حكيناه، هذا مع كثرة فتن تمراز، وقلة عقله، وسوء خلقه، وشؤم طلعته، فوافق تمراز يحيى، وتسلطا معا على جانم، ولا زالا به حتى وافقهما في الباطن، وأخذ في أسباب ذلك، فلم يمض إلا القليل، ووقع لجانم ما سنذكره مع عوام «1» دمشق من النهب والفتك به، وإخراجه من دمشق على أقبح وجه، حسبما هو مقول في ترجمة الملك الظاهر خشقدم بعد خلع المؤيّد. وأما أمر الملك المؤيد هذا فإنه بعد خروج يحيى بن جانم، أخذ يوسع الحيلة والتدبير في أخذ جانم بكل طريق، فلم ير أحسن من أن يرسل بكاتب أعيان دمشق بالقبض على جانم المذكور إن أمكن، وهذا القول لم أذكره يقينا، ولكن على قول من قال عنه ذلك، وليس هو ببعيد لأن أهل دمشق وحكامها ما في قدرتهم القيام على نائب الشام إلا بدسيسة من السلطان، والله أعلم بحقيقة الأمر. واستمر الملك المؤيّد على ما هو عليه بالديار المصرية، وأمره في انحطاط من عدم تدبيره في أواخر أمره، وأيضا من قلة المساعدة بالقول والفعل، وإلا فتدبيره هو كان فى غاية الحسن في أوائل أمره، غير أنه كان لا يعرف مداخلة الأتراك، ولا رأى تقلب «2» الدّول، ولا حوله من رأى؛ لأنه أبعد الناس عنه قاطبة، وقرّب الأمير بردبك

الدوادار الثانى، لكونه صهره زوج أخته، مملوك أبيه، بل قيل إن تقريبه لبردبك أيضا ما كان على جليته، فعلى هذا ضعف الأمر من كل جهة، ونفرض أنّ أمر بردبك كان على حقيقة، فما عساه كان يفعل، وهو أيضا أجنبىّ عن معرفة ما قلناه؟ فإنه ما ربّى إلا عند أستاذه الأشرف إينال وهو أمير، فلا يعرف أحوال المملكة إلا بعد سلطنة أستاذه أيام الأمن والسعادة- انتهى. وفي يوم الخميس تاسع شهر رمضان خلع السلطان الملك المؤيد على شرف الدين البقرى باستقراره ناظر الإصطبلات السلطانية، بعد عزل محمود بن الديرى. وفي يوم الجمعة عاشره أخذ قاع النيل، فجاءت القاعدة- أعنى الماء القديم- ستة أذرع ونصفا. وفي ليلة الثلاثاء رابع عشر شهر رمضان المذكور خسف جميع جرم القمر، وغاب في الخسف تسعين درجة، وصارت النجوم في السماء كليلة تسع وعشرين الشهر، ولعلّ ذلك يكون نادرا جدا، فإنى لم أر في عمرى مثل هذا الخسف. هذا وأمر الملك المؤيد آخذ في اضطراب من يوم عيّن تجريدة إلى البحيرة، ولم تخرج التجريدة وخالفه من كتب إليها من المماليك السلطانية، فإنه لما عين التجريدة إلى البحيرة لم يعين من المماليك السلطانية أحدا من مماليك أبيه الأجلاب، فعظم ذلك على من عين من غيرهم، وعلى من لم يعيّن أيضا، لمعرفتهم أنه كلموه في أمر مماليك أبيه واستمالوه لهم؛ فإنه استفتح سلطنته بإبعادهم ومقتهم وإرداعهم، فأحبه كل أحد، فلما فطنوا الآن بميله إليهم، نفرت القلوب منه، وخافوا من أفعال الأجلاب القبيحة التي فعلوها في أيام أبيه أن تعود، فصممت المماليك المعينة إلى البحيرة في عدم الخروج إلا إن عين معهم جماعة من أجلاب أبيه، وساعدهم في ذلك المماليك السلطانية من كل طائفة؛ مخافة من تقريب الأجلاب، فأساء المؤيد التدبير من أنه لم يبت أمرا لا بقوة ولا بلين، بل سكت وسمع قول من أملاه المفسود من قوله: إذا أرسلت مماليك أبيك من يبقى حولك،

وإذا أبعدت مماليك والدك فمن تقرب؟ فكأنه مال لهذا القول الواهى واستحسنه، وهذا نوع مما كنا فيه أولا من أنه ما كان عنده من يرشده إلى الطريق. ثم كلم الملك المؤيد المماليك أيضا في السفر، فاعتلّوا بطلب الجمال، فأراد تفرقة الجمال، فلم يأخذوها، واستمروا على ذلك، وسكنت «1» حركة السفر بسكات السلطان، وبذلك فشا انحطاط قدره وتلاشى أمره، بعد أن كان له حرمة عظيمة، ورعب في القلوب. فلقد رأيت في تلك الأيام شخصا من أوباش المماليك الظاهرية يكلم الأمير بردبك الدوادار الثانى بكلام لو كلّمه لمن يكون فيه شهامة لحمل السلطان على شنقه في الحال، وكان ذلك هو الحزم على قول بعض النّهابة: «إما إكديش، أو نشابة للريش» ، وتلافى الأمور إما يكون بها أو عليها، والحزم إنما هو الشد على من عين وسفرهم غصبا، فإن تم ذلك فقدها به كل أحد، وقد قيل «من هاب خاف «2» » أو اللين والتلطف بمن كتب «3» والاعتذار لهم عن عدم كتابته لمماليك أبيه الأجلاب، بقوله: ما منعنى أن أكتب هؤلاء معكم إلا أنهم ليسوا بأهل لمرافقتكم، فحيثما أحببتموا ذلك فأنا أكتب منهم جماعة، ثم يكتب منهم عدة، فإن تم ذلك ومشى فالأمر إليك بعد سفرهم دبّر ما شئت، وإن لم يتم فبادر للفعل الأول بكل ما تصل قدرتك إليه واستعمل قول المتنبى فى قوله من قصيدته المشهورة: [الكامل] لا يخدعنك من عدوّك دمعه ... وارحم شبابك من عدو ترحم لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ... حتى يراق على جوانبه الدم فلم يقع منه ذلك، ولا ما يشبهه، ولا أشار «4» عليه أحد من أصدقائه بشىء يكون فيه مصلحة لثبات ملكه، بل سكت كل أحد عنه، وصار كالمتفرج، إما لبغض فيه، أو لقلة معرفة بالأمور.

ذكر نكبة الملك المؤيد أحمد ابن الملك الأشرف إينال وخلعه من الملك

ذكر نكبة الملك المؤيد أحمد ابن الملك الأشرف إينال وخلعه من الملك لما كان آخر يوم الجمعة سابع عشر شهر رمضان من سنة خمس وستين المذكورة رسم السلطان الملك المؤيد أحمد لنقيب الجيش الأمير ناصر الدين محمد بن أبى الفرج أن يدور على الأمراء مقدمى الألوف، ويعلمهم أن السلطان رسم بطلوعهم من الغد في يوم السبت إلى الحوش السلطانى من قلعة الجبل بغير قماش الموكب، ولم يعلمهم لأى معنى يكون طلوعهم واجتماعهم في هذا اليوم بالقلعة، وهو غير العادة، فدار دوادار نقيب الجيش على الأمراء وأعلمهم بما رسم به السلطان من طلوعهم إلى القلعة، وأخذ الأمراء من هذا الأمر أمر مريج «1» ، وخلا كل واحد بمن يثق به، وعرفه الخبر، وهو لا يشك أن السلطان يريد القبض عليه من الغد، وماجت الناس وكثر الكلام بسبب ذلك، وركبت الأعيان بعضها على بعض، وأما الأمراء فكل منهم تحقق أنه مقبوض عليه من الغد، ووجد لذلك من كان عنده كمين من الملك المؤيّد أو يريد إثارة فتنة فرصة، وحرّض بعضهم بعضا؛ إلى أن ثارت المماليك الظاهريّة في تلك الليلة، وداروا على رفقتهم وإخوانهم وعلى من له غرض في القيام على الملك المؤيّد، وداموا على ذلك ليلتهم كلها. فلما كان صبح نهار السبت تفرّقوا على أكابر الدّولة والأمراء في بيت الأتابك خشقدم لعمل المصلحة، فداروا على الأمراء، وأمسكوا منهم جماعة كبيرة، وأحضروهم إلى بيت الأتابك خشقدم، على كره من خشقدم، وسارت فرقة في باكر النهار إلى

بيت الأمير بردبك الأشرفى الدّوادار الثانى الملاصق لمدرسة السلطان حسن، وأحضروه إلى بيت الأمير الكبير خشقدم، بعد أن أخرقوا به. هذا وقد اجتمعت طوائف المماليك، مثل الناصريّة فرج، والمؤيدية شيخ، والأشرفية برسباى، والظاهرية جقمق، والسيفية، الجميع في بيت الأمير الكبير، ولم يطلع إلى القلعة في هذا اليوم أحد من الأمراء والأعيان إلا جماعة يسيرة جدا. فلما تكامل جمعهم في بيت الأمير الكبير، وأكثر الطوائف يوم ذاك الأشرفية والظاهرية، وكبير الأشرفية الأمير قرقماس أمير مجلس، ولا كلام له، بل الكلام لجانبك القجماسى الأشرفى المشدّ، ولجانبك من «1» أمير الخازندار، والظاهرية كبيرهم جانبك نائب جدّة، أحد مقدمى الألوف، وقد صارت خچداشيته يوم ذاك في طوع يده وتحت أوامره؛ لحسن سياسته وجودة تدبيره، فانضمت كلمة الظاهريّة به، حتى صارت كلمة واحدة، وهم حسّ «2» وهو المعنى، وهذا بخلاف الأشرفية، فإنهم وإن كانوا هم أيضا متفقين فالاختلاف بين أكابرهم موجود بالنسبة إلى هؤلاء، وعدم اكتراثهم بهذا الأمر المهم، ولتطلّعهم على مجىء خچداشهم الأمير جانم نائب الشام، ولو أنّ أمر المؤيد طرقهم على بغتة ما طاوعوا على الرّكوب في مثل هذا اليوم قبل مجىء خچداشهم. فأخذ الأمير جانبك نائب جدّة المذكور في تأليف الأشرفية على الظاهرية بحسن تدبير، حتى تمّ له ذلك، وصاروا على كلمة واحدة، ثم شرعوا في الكلام بحضرة الأمراء في الاجتماع بسببه، فتكلم بعض من حضر من الأمراء بأن قال: «أيش المقصود بهذا الجمع؟» أو معنى هذا الكلام، فأجاب الجميع بلسان واحد: «نريد خلع الملك المؤيد أحمد من السلطنة، وسلطنة غيره» .

وكان الباعث لهذه الفتنة ما قدّمناه، وأيضا الظاهرية، فإن الملك المؤيد لما تسلطن لم يحرك ساكنا «1» ولم يتغير أحد مما كان عليه، فشقّ ذلك على الظاهريّة، وقال كل منهم في نفسه: كأنّ الملك الأشرف إينال مامات، فإن الغالب كل «2» منهم كان أخذ ما بيده من الإقطاعات، وحبس ونفى في أوّل سلطنة الأشرف إينال، كما هى عادة أوائل الدّول، وبقى منهم جماعة كثيرة بلا رزق ولا إمرة ولم يجدوا عندهم قوة ليخلعوا الملك المؤيد هذا ويسلطنوا غيره وحدهم، فكلموا الأشرفيّة في هذا المعنى غير مرّة، وترققوا لهم، فلم يقبلوا منهم ذلك، لنفرة كانت بين الطائفتين قديما وحديثا، وأيضا فلسان حال الأشرفية يقول عندما سألوهم الظاهريّة: نحن الآن في كفاية من الأرزاق والوظائف، فعلام نحرك ساكنا «3» ، ونخاطر بأنفسنا؟ فعجزوا فيهم الظاهرية وقد ثقل عليهم الملك المؤيد، وكثر خوفهم منه، فإنه أوّل ما تسلطن أبرق وأرعد، فانخزى كل أحد، وحسبوا أنّ في السويداء رجالا، ولهذا قلت فيما تقدّم: لو فعل ما فعل لمشى له ذلك، لمعرفتى بحال القوم وشجاعتهم. وكان دخول المؤيد السلطنة بحرمة وافرة، لأن سنّه كان نحو الثلاثين سنة يوم تسلطن، وكان ولى الأتابكية في أيّام أبيه، وأخذ وأعطى، وسافر أمير حاج المحمل، وحجّ قبل ذلك أيضا وسافر البلاد، ومارس الأمور في حياة والده وهذا كله بخلاف من تقدّمه من سلاطين أولاد الملوك، فإن الغالب منهم حدث السّنّ يريد له من يدبّره، فإنه ما يعرف ما يراد منه، فيصير في حكم غيره من الأمراء فتتعلّق الآمال بذلك الأمير، وتتردّد الناس إليه، إلى أن يدبّر في سلطنة نفسه، بخلاف المؤيّد هذا. فإنه ولى السلطنة وهو يقول في نفسه: «إنه يدبر مع مملكة مصر ممالك العجم زيادة على تدبير مصر» . قلت: وكان كما زعم، فإنه تقدم أنه كان عارفا عاقلا مباشرا، حسن التدبير،

عظيم التنفيذ شهما، وكان هو المتصرف في الأمور أيّام أبيه في غالب الولايات والعزل وأمور المملكة، فلما تسلطن ظنّ كل أحد أن لا سبيل في دخول المكيدة على مثل هذا، لمعرفة الناس بحذقه وفطنته. وكان مع هذه الأوصاف مليح الشكل، وعنده تؤدة في كلامه، وعقل وسكوت خارج عن الحد، يؤديه ذلك إلى التكبّر، وهذا كان أعظم الأسباب لنفور خواطر الناس عنه، فإنه كان في أيام سلطنته لا يتكلم مع أحد حتى ولا أكابر الأمراء إلا نادرا، ولأمر من الأمور الضروريات، وفعل ذلك مع الكبير والصغير، وما كفى هذا حتى صار يبلغ الأمراء أنّه في خلوته يسامر الأطراف الأوباش الذين يستحى من تسميتهم، فعظم ذلك على الناس، فلو كان عدم الكلام مع الناس قاطبة لهان على من صعب سكاته عليه، من كون الرفيع يكون مبعدا والوضيع مقربا، فهذا أمر عظيم لا تحمله النفوس إلا غصبا، فلما وقع ذلك وجد من عنده حقد فرصة، وأشاع عنه هذا المعنى وأمثاله، وبشّع في العبارة وشنّع، وقال هذا وغيره: إنه لا يلتفت إلى المماليك ويزدريهم، وهو مستعزّ بمماليك أبيه الأجلاب وأصهاره وحواشيه وخچداشية أبيه وبالمال الذي خلّفه أبوه، ومنهم من قال أيضا: إنما هو مستعز «1» بحسن تدبيره، فإنه قد عبّأ «2» لكل سؤال جوابا، ولكل حرب ضربا، وكان مع هذا قد قمع مباشرى الدّولة وأبادهم، وضيّق عليهم، ودقّق في حسابهم كما هو في الخاطر وزيادة، فما أحسن هذا لو كان دام واستمر!! فنفرت قلوب المباشرين أيضا منه، وحقّ لهم ذلك، واستمرت هذه الحرمة من يوم تسلطن إلى مجىء يحيى بن جانم نائب الشام إلى القاهرة، ثم إلى أن عيّن التجريدة إلى البحيرة، فأخذ أمره في إدبار، لعدم مثابرته على سير طريقه الأوّل من سلطنته، فلو جسر لكسر، لكنه هاب فخاب، ولكلّ أجل كتاب- ولنعد إلى ذكر ما كنا بصدده:

فلما تكامل الجمع في بيت الأمير الكبير خشقدم الناصرى المؤيدى، ومتكلم الأشرفية جانبك المشدّ، وجانبك الظريف الخازندار، ومن معهم من خچداشيتهم الأعيان؛ ومتكلم الظاهرية الأمير جانبك نائب جدّة أحد مقدّمى الألوف، وأعيان خچداشيته، مثل: الأمير أزبك من ططخ الظاهرى، والأمير بردبك البجمقدار ثانى رأس نوبة جدّة، وقد وافقه الأشرفيّة، وهم يظنون أن الجمع ما هو إلا لسلطنة الأمير جانم نائب الشام؛ لأنهم كانوا اتفقوا على ذلك حسبما تقدم ذكره، وهو أن الظاهريّة كانوا إذا شرعوا في الكلام مع الأشرفيّة في معنى الركوب، يقولون بشرط أن لا يكون السلطان منا ولا منكم، وإنما يكون من غير الطائفتين، فيقع بذلك الخلف بينهم، ويتفرقون «1» بغير طائل، إلى أن استرابت الظاهريّة من الملك المؤيّد أحمد هذا، وعظم تخوّفهم منه، فوافقوهم على سلطنة جانم لما جاء ولده يحيى كما تقدم ذكره. ثم وقع هذا الأمر بغتة، وعلم جانبك نائب جدة أن الأمر خرج عن جانم لغيابه، ولا بد من سلطنة غيره لأن الأمر ما فيه مهلة، فلم يبد للأشرفية شيئا من ذلك، وأخذ فيما هو بصدده إلى أن يتمّ الأمر لغير جانم، ثم يفعل له ما بدا له، وكذا وقع حسبما يأتى ذكره في مجىء جانم، وفي سلطنة الملك الظاهر خشقدم. هذا وقد جلس جميع الأمراء بمقعد الأمير الكبير خشقدم، فعندما تكامل جلوسهم قام الأمير جانبك نائب جدّة إلى مكان بالبيت المذكور، ومعه الأمير جانبك الأشرفى المشدّ، والأمير جانبك الأشرفى الظريف الخازندار، والأمير أزبك من ططخ الظاهرى، والأمير بردبك البجمقدار الظاهرى، وجماعة أخر من أعيان الطائفتين، وتكلموا فيمن يولونه السلطنة، وغرض جانبك نائب جدّة في سلطنة الأتابك خشقدم، لا في سلطنة جانم نائب الشام، غير أنه لا يسعه الآن إظهار ما في ضميره، خوفا من نفرة الأشرفية، وقال لهم ما معناه: «نحن قد كتبنا للأمير جانم بالحضور، وبايعناه بالسّلطنة، وأنتم تعلمون ذلك عن يقين، وقد دهمنا هذا الأمر على حين غفلة،

فما تكون الحيلة في ذلك، ولا بدّ من قتال الملك المؤيّد في يومنا، والسلطان ما يقاتل إلا بسلطان مثله، ومتى تهاونّا في ذلك ذهبت أرواحنا» ، فعلم كلّ أحد ممن حضر أن كلام جانبك نائب جدّة صواب، وطاوعه كلّ من حضر على مقالته هذه، فلما وقع ذلك أجمع رأى الجميع على سلطنة أحد من أعيان الأمراء. ثم تكلموا فيمن يكون هذا السلطان، فدار الكلام بينهم في هذا المعنى، إلى أن قال بعضهم: «سلطنوا الأمير جرباش المحمدى الناصرى أمير سلاح» ، فلم تحسن هذه المقالة ببال الأمير جانبك، ولم يقدر على منعه تصريحا «1» وقال: «جرباش أهل لذلك بلا مدافعة، غير أنه متى تسلطن لا يمكنكم صرفه من السلطنة بغيره- يعنى بالأمير جانم- تلويحا- لأنه رجل عظيم، ومن الجنس، وصهر خچداشنا بردبك البجمقدار، وصهر خچداشكم خيربك البهلوان الأشرفى وغيره، وقد قارب مجىء الأمير جانم من الشام، والأمر إليكم، ما شئتم إفعلوا» . فكان هذا كله إبعادا لجرباش المذكور، وأخذا بخواطر الأشرفية، فمال كلّ أحد إلى كلامه، ثم قال جانبك: «الرأى عندى سلطنة الأمير الكبير خشقدم المؤيدى، فإنه من غير الجنس، يعنى كونه رومى الجنس، وأيضا إنه رجل غريب ليس له شوكة، ومتى أردتم خلعه أمكنكم ذلك، وحصل لكم ما تقصدونه من غير تعب» . فأعجب الجميع هذا الكلام، وهم لا يعلمون مقصوده ولا غرضه؛ فإن جلّ قصد جانبك كان سلطنة خشقدم، فإنه مؤيّدى، وخچداشيّته جماعة يسيرة، وأيضا يستريح من جانم نائب الشام وتحكّم أعدائه الأشرفيه فيه وفي خچداشيته الظاهريّة، ويعلم أيضا أنه متى تمّ سلطنة الأتابك خشقدم، وأقام أياما عسر خلعه، وبعدت السلطنة عن جانم وغيره، فدبّر هذه المكيدة على الأشرفية، فمشت عليهم أولا، إلى أن ملكوا القلعة، وخلع الملك المؤيّد بسرعة فتنبّهوا لها.

وكانت الأشرفية لما سمعوا كلام جانبك، وقالوا: «نعم نرضى بالأمير الكبير» كان في ظنهم أن قتالهم يطول مع الملك المؤيّد أيّاما كثيرة، كما وقع في نوبة المنصور عثمان، ويأتيهم جانم وهم في أشد القتال، فلا يعدلون عنه لخشقدم، فيتمّ لهم ما قصدوه، فاتفقت كل طائفة مع الأخرى «1» فى الظاهر، وباطن كل طائفة لواحد، فساعد الدّهر الظاهريّة، وانهزم الملك المؤيّد في يوم واحد حسبما نذكره الآن. فلما وقع هذا الكلام جاءت الطائفتان الأشرفيّة والظاهريّة إلى الأمراء وهم جلوس بمقعد الأمير الكبير خشقدم، والجميع جلوس بين يدى خشقدم، فافتتح الأمير جانبك نائب جدّة الكلام وقال: «نحن- يعنى الظاهرية والأشرفية- نريد رجلا نسلطنه، يكون لا يميّز طائفة على أخرى، بل تكون جميع الطوائف عنده سواء في الأخذ والعطاء، والولاية والعزل، وأن يطلق الأمراء المحبوسين من سائر الطوائف، ويرسم في سلطنته بمجيء المنفيّين من البلاد الشّاميّة وغيرها إلى البلاد المصريّة، ويطلق الملك العزيز يوسف ابن الملك الأشرف برسباى، والملك المنصور عثمان ابن الملك الظاهر جقمق من برجى الإسكندرية، ويسكنا الإسكندرية في أى دار شاءا، ويأذن لهما في الرّكوب إلى الجامع وغيره بثغر الإسكندرية من غير تحفّظ بهما. وكان كلام الأمير جانبك لجميع الأمراء لم يخص أحدا منهم بكلام دون غيره، فبادر الأتابك خشقدم بالكلام وقال: «نعم» ثم التفت جانبك إلى الجمع، وقال: «فمن يكون السلطان على هذا الحكم؟» فبدأ سنقر قرق شبق الأشرفى الزّردكاش، وقال ما معناه: «ما نرضى إلا بالأمير جانم نائب الشام، أنتم كتبتم «2» له بالحضور، وأذعنتمو بسلطنته، فكيف تسلطنوا غيره؟ فنهره الأمير خيربك من جديد الأشرفى لنفس كان بينهما قديما، وقال:

«لست بأهل الكلام في مثل هذا المجلس» فعند ذلك قال الأمير قائم التاجر المؤيّدى أحد مقدمى الألوف ما معناه «يا جماعة إن كنتم كاتبتم الأمير جانم نائب الشام فلا تسلطنوا غيره إلى أن يحضر وسلطنوه، فإنه لا يسعكم من الله أن تسلطنوا غيره الآن ثم تخلعوه عند حضور جانم، فهذا شىء لا يكون» فلم يسمعوا كلامه، وسمع في الغوغاء قول قائل لا يعرف: «سلطنوا الأمير جرباش» : فامتنع جرباش من ذلك وقال ما معناه: «إن هذا شىء راجع إلى الأمير الكبير» ، وقبّل الأرض من وقته، «1» فقام الأمير جانبك الأشرفى الظريف الخازندار وبادر بأن قال: «السلطان الأمير الكبير» ، وقبّل الأرض «2» ، ثم فعل ذلك جميع من حضر من الأمراء، ونودى بالحال بسلطنته بشوارع القاهرة، ثم شرعوا بعد ذلك في قتال الملك المؤيّد أحمد هذا. كل ذلك والملك المؤيّد في القلعة في أناس قليلة من مماليكه ومماليك أبيه الأجلاب، ولم يكن عنده من الأمراء أحد غير مملوك والده قراجا الطويل الأعرج، أحد أمراء العشرات، وهو كلا شىء، والأمير آخور الكبير برسباى البجاسى، وليته لا كان عنده «3» ، وخيربك القصروى نائب قلعة الجبل وكان أضرّ عليه من كل أحد حسبما يأتى ذكر فعله، كلّ ذلك والملك المؤيد لا يعلم حقيقة ما العزم فيه، غير أنه يعلم باجتماع المماليك والأمراء في بيت الأمير الكبير خشقدم، وأنهم في أمر مريج، غير أنه لا يعرف نص ما هم فيه، وصار الملك المؤيّد يسأل عن أحوالهم، وينتظر مجىء أحد من مماليك أبيه إليه، فلم يطلع إليه أحد منهم، بل العجب أن غالبهم كان مع القوم عند الأمير الكبير مساعدة على ابن أستاذهم، وليتهم كانوا من المقبولين، وإنما كانوا من المذبذبين

لا غير، على أن الملك الظاهر خشقدم لما تسلطن أبادهم، وشوّش عليهم بالمسك وإخراج أرزاقهم أكثر مما عمله مع الذين كانوا عند المؤيد- فلا شلّت يداه- وبقى الملك المؤيد كلما فحص عن أمر الفتنة لا يأتيه «1» أحد بخبر شاف، بل صارت الأخبار عنده مضطربة، وآراؤه مفلوكة، وهو في عدم حركة، ويظهر عدم الاكتراث بأمر هذا الجمع، إلى أن تزايد الأمر، وخرج عن الحد، وصار اللعب جدّا، فعند ذلك تأهّب من كان عنده من المماليك، وقام الملك المؤيّد من قاعة الدهيشة، ومضى إلى القصر السلطانى المطلّ على الرّميلة «2» ، ثم نزل بمن معه إلى باب السلسلة، وقبل أن يصل إلى الإسطبل جاءه الخبر بأن القوم أخذوا باب السلسلة، وملكوا الإسطبل السلطانى، وأخذوا الأمير برسباى البجاسى الأمير آخور الكبير أسيرا إلى الأمير الكبير خشقدم، وكان أخذ باب السلسلة مكيدة من برسباى المذكور، فلما سمعت الأجلاب أخذ باب السلسلة نزل طائفة منهم وصدموا من بها من عساكر الأتابك خشقدم صدمة هزموهم فيها، واستولوا على باب السلسلة ثانيا، وهو بلا أمير آخور. وجلس السلطان الملك المؤيد بمقعد الإسطبل المطل على الرّميلة، وكان عدم نزول المؤيّد إلى الإسطبل بسرعة له أسباب، منها: أنه كان مطمئن الخاطر على باب السلسلة؛ لكون الأمير آخور برسباى ليس هو من غرض أحد من الطائفتين، وأيضا كونه صهره زوج بنت أخته من الأمير بردبك الدّوادار الثانى، وقد صار بردبك من الممسوكين عند الأتابك خشقدم، وأيضا أن والده إينال هو الذي رقّاه وخوّله في النعم، فلم يلتفت برسباى لشىء من ذلك، وأنشد قول من قال: [الوافر] لعمرك والأمور لها دواع ... لقد أبعدت ياعتب الفرارا ومنها: أنه صار ينتظر من يأتيه من أصحابه وحواشيه وخچداشية «3» أبيه ومماليكه،

فلم يأته أحد منهم، فلما يئس منهم قام من الدّهيشة بعد أن جاءه الخبر بأخذ باب السلسلة واسترجاعها بيد مماليك أبيه الأجلاب، ولما جلس بالمقعد ورأى القوم قد تكاثف جمعهم وكثر عددهم، وهو فيما هو فيه من قلّة العساكر والمقاتلة، لم يكترث بذلك، وأخذ في الدفع عن نفسه بمن عنده، غير أن الكثرة غلبت الشجاعة، وما ثمّ شجاعة ولا دربة بمقاومة الحروب، وصار كذلك خذلانا من الله تعالى، فإنه لم يطلع إليه في هذا اليوم واحد من مماليك أبيه القديمة ولا خچداشيته، وما كان عنده من الأمراء غير قراجا المقدم ذكره، ومن أعيان الخاصكية فارس البكتمرى أحد الدّوادارية الأجناد، ومقبل دواداره قديما قبل سلطنته، وهؤلاء الثلاثة كلا شىء، ولولا ذكر أسماء من كان عنده علم خبر ما ذكرت مثل هؤلاء الأصاغر، وكان عنده مع هؤلاء أجلاب أبيه الذين بالأطباق، وهم عدة كبيرة نحو الألف أو دونها بيسير، أو أكثر منها بقليل، وهم الذين اشتراهم والده الأشرف بعد سلطنته من التجار، وأما الذين اشتراهم من تركة الظاهر جقمق ومن مماليك ولده الملك المنصور عثمان- وعدتهم تزيد على المائتين، وهم أعيان مماليك الأشرف إينال وأصحاب الوظائف والإقطاعات- فقد استمالهم الأمير جانبك نائب جدّة قبل ذلك، وقال لهم: «أنتم ظاهرية وشراء الأشرف لكم غير صحيح» فمالوا إلى كلامه وإحسانه وعطاياه الخارجة عن الحدّ في الكرم، وصاروا من حزب الظاهرية، وركبت الجميع معه في هذا اليوم، وقاتلوا ابن أستاذهم أشدّ قتال، وصاروا هم يوم ذلك أعيان العسكر بالشبيبة والإمكان والكثرة، هذا مع من كان مع الأتابك خشقدم من الناصرية والمؤيديّة والظاهرية والسيفية. فلما رأى الملك المؤيّد كثرة هذه العساكر وميل مماليك والده معهم تعجّب غاية العجب، وعلم أن ذلك أمر ربّانىّ ليس فيه حيلة، وما هو إلا بذنب سلف من دعوة مظلوم غفلوا عنها لم يغفل الله عنها، أو للمجازاة؛ لأن الجزاء من جنس العمل، وقد ركب أبوه الملك الأشرف إينال على الملك المنصور عثمان بعد أن تخوّل فى نعم الظاهر جقمق، فإنه هو الذي رقّاه وولّاه الأتابكية، فغدر به وخلعه من الملك، وتسلطن مكانه، وحبسه إلى أن مات.

وأغرب من هذا كله أن الملك المؤيد هذا كان له أيام والده جماعة كبيرة من أعيان الظاهريّة والأشرفيّة والسيفية يصحبونه ويمشون في خدمته، ويتوجهون معه في الرّمايات والأسفار، وإحسانه متصل إليهم من الإنعام والمساعدة في الأرزاق والوظائف، فلم يطلع إليه واحد منهم، وأيضا فانضافوا «1» الجميع للأتابك خشقدم ومن معه قبل أن يستفحل أمر خشقدم ويضعف أمر المؤيد، فماذاك إلا عدم موافاة لا غير. وأعجب من هذا أن أصحاب المؤيد ومماليك أبيه الذين تقدم ذكرهم ممّن انضاف مع الأتابك خشقدم كانوا يوم الواقعة من المقوتين لا من المتأهلين، وذلّ الإبعاد لائح عليهم، وكان يمكنهم «2» تلافى الأمر والطلوع إلى الملك المؤيد ومساعدته، فلم يقع ذلك، فهذا هو السبب لقولى: إن هذا كله مجازاة لفعل والده السّابق، وقد ورد في الإسرائيليات، يقول الرب: «يا داود، أنا الرّب الودود، أعامل الأبناء بما فعل الجدود» ثم التحم القتال بين الطائفتين مناوشة لا مصاففة، غير أن كلا من الطائفتين مصرّ على قتال الطائفة الأخرى، والملك المؤيد في قلة عظيمة من المقاتلة ممن يعرف مواقع الحرب وليس معه إلا أجلاب، وهذا شىء لم يقع لأحد غيره من السلاطين أولاد السلاطين؛ فإن الناس لم تزل أغراضا، ووقع ذلك للعزيز مع الملك الظاهر جقمق، فكان عند العزيز جماعة كثيرة من الأمراء والأعيان لا تدخل تحت حصر، وكذلك للمنصور عثمان مع الملك الأشرف إينال، وكان عنده خلائق من أعيان الأمراء، مثل الأمير تنم المؤيدى أمير سلاح، ومثل الأمير قانى باى الچاركسى الأمير آخور الكبير، وغيرهما من أعيان أمراء أبيه، ولا زالت الدنيا بالغرض، فقوم مع هذا، وقوم مع هذا، غير أن الملك المؤيد هذا لم يكن عنده أحد البتة، فانقلب الموضوع في شأنه؛ فإنه كان يمكن الذي وقع له يكون للعزيز والمنصور؛ فإنهما كانا حديثى سن، والذي وقع لهما-

أعنى العزيز والمنصور- كان يكون للمؤيّد؛ لأنه كبير سن، وصاحب عقل وتدبير- فسبحان الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. قلت: ولهذا لم تطل وقعة المؤيد هذا، فإنه علم بذلك زوال ملكه، وتركه برسباى البجاسى الأمير آخور، وخيربك القصروى نائب قلعة الجبل، ونزلا إلى الأتابك خشقدم، فإن العادة في الحروب إذا كان كل من الطائفتين يقابل الأخرى في القوة والكثرة يقع القتال بين الطائفتين، وكلّ من الطائفتين يترجّى النّصرة، إلى أن يؤول النصر لإحدى الطائفتين، وتذهب الأخرى، إلّا هذه الوقعة لم يكن عند المؤيّد إلّا من ذكرناه. وأما عساكر الأتابك خشقدم فانتشرت على مفارق الطرق، فوقف الأمير جانبك الظاهرى نائب جدّة بجماعة كثيرة من خچداشيته ومماليكه برأس سويقة منعم، وتلقّى قتال الملك المؤيد بنفسه وبحواشيه المذكورين، وعظم أمر الأمير الكبير خشقدم به حتى تجاوز الحدّ «1» ، واجتهد جانبك المذكور في حرب المؤيد حتى أباده. وكان الملك المؤيّد أولا يقرّب جانبك هذا في ابتداء سلطنته تقريبا هيّنا مع عدم التفات إليه ولا إلى غيره؛ لأنه كان يقول في نفسه: إن ابتداءه كانتهاء أبيه في العظمة، ولما تسلطن أخذ في الأمر والنهى أولا بغير حساب عواقب، استعزازا بكثرة ماله وبحواشيه ومماليك أبيه، فسار في الناس بعدم استمالة خواطرهم، وسار على ذلك مدّة أيام، وجعل جانبك هذا في أسوة من سلك معهم هذه الفعلة، فاستشارنى جانبك في أن يداخله لعله يرقّع عليه أمره، فإنه ما كان «2» حمولا للذّل، وإنما كان طبعه أن يبذل

المال الجزيل في القدر اليسير في قيام الحرمة، فأشرت عليه بالمداخلة، فداخله، وكنت أنا قبل ذلك داخلته أياما، فإذا به جامد نفور بعيد الاستمالة إلا لمن ألفه، وحدّثته «1» بما رأيته منه قبل أن أشير عليه بصحبته، فقال ما معناه: إنى أنا آخذ الشيء بعزة وتمهل، وهو يدور مع الدهر كيفما دار، ثم اجتمع بى بعد مدّة أيام في يوم الجمعة بعد أن صلّى معه الجمعة، وقلع ما عليه من قماش الموكب، ودخل إليه في الخلوة بقاعة الدهيشة، ثم خرج من عنده وهو غير منشرح الصدر، وقال لى: «القول ما قلته» ، ثم شرعنا فيما نحن في ذكره مجلسا طويلا، وقمنا على غير رضاء من الملك المؤيّد. ووقع في أثناء ذلك ما ذكرناه من أمر الوقعة والفتنة، ووقوف جانبك ومن معه برأس سويقة منعم، هذا مع ما كان بلغ المؤيد في هذا اليوم وفي أمسه أن القائم بهذا الأمر كله جانبك نائب جدّة، وأنه هو أكبر الأسباب في زوال ملكه، وفي اجتماع الناس على الأتابك خشقدم، ثم رأى في هذا اليوم بعينه من قصر القلعة وقوف جانبك على تلك الهيئة، فعلم أن كل ما قيل عنه في أمسه ويومه صحيح، فأخذ عند ذلك يعتذر وكتب كتابا للأمير جانبك بخطّه يعده فيه بأمور، منها: أنه يجعله إن دخل في طاعته أتابك العساكر بالدّيار المصريّة، وأنه لا يخرج عن أوامره، وأنه يكون هو صاحب عقده وحلّه، ويترقّق له، وبسط الكلام في معنى ما ذكرناه أسطرا كثيرة، وهو يكرّر السؤال فيه، ويحلف له فيما وعده به، ورأيت أنا الكتاب بعينى، وفيه لحن كثير، كأنه كان مامارس العربيّة، ولا له إلمام بالمكاتبات، على أنه كان حاذقا فطنا، غير أن الفضيلة نوع آخر، كما كانت رتبة المقام الناصرى محمد ابن الملك الظاهر جقمق- رحمهما الله تعالى- فلم يرث جانبك لما تضمن هذا الكتاب، ودام على ما هو عليه، ونهر قاصده الحامل لهذا الكتاب، وقال له: «إن عدت إلىّ مرّة أخرى أرسلتك إلى الأمير الكبير» ، واستمر على ما هو عليه من الاجتهاد في القتال، وصار أمر الملك المؤيد في إدبار، وعساكر الأتابك خشقدم في نموّ وزيادة.

هذا والمناوشة بالقتال مستمرّة بين الطائفتين، وقد أفطر في هذا اليوم خلائق من شدة الحر، وتعاطى القتال من الطائفتين؛ وجرح جماعة كثيرة من الفريقين، فلم ينقض النهار حتى آل أمر الملك إلى زوال، وهو مع ذلك ينتظر من يجيء إليه لمساعدته، وهو بين عسى ولعلّ، وكاتب جماعة من أصحابه ممن كان عند الأتابك خشقدم؛ فلم يلتفت إليه أحد لتحقق الناس زوال ملكه. وبينما الناس في ذلك وإذا بخير بك القصروى نائب قلعة الجبل ترك باب المدرّج، ونزل إلى الأمير الكبير خشقدم، وصار من حزبه، فعلم كلّ أحد أنه قد ذهب أمر الملك المؤيّد، ولو كان فيه بقية ما نزل نائب القلعة منها وانضاف إلى جهة الأمير الكبير، وبقى باب القلعة بغير ضابط، فأرسل الملك المؤيد في الحال بعض أصحابه وجلس مكان خيربك هذا، فلم يشكر أحد خيربك المذكور على فعلته هذه. كل ذلك وأمر المؤيّد في انحطاط فاحش، وصارت العامة تسمعه المكروه من تحت القلعة: لا سيما لما دخل الليل، فإنه بات بالقصر في قلّة من الناس إلى الغاية؛ لأن غالب من كان عنده تركه ونزل إلى تحت، وكانوا في الأصل جمعا يسيرا، وبات من هو أسفل وقد استفحل أمرهم، وتأهبوا للقتال في غد، وهمتهم قد عظمت من كثرة عددهم، وتكاثف عساكرهم من كل طائفة، حتى من ليس له غرض عند أحد بعينه جاء إلى الأمير الكبير مخافة على رزقه ونفسه؛ لما علم من قوّة شوكة الأمير الكبير وما يؤول أمره إليه. هذا مع حضور الخليفة والقضاة الأربعة عند الأمير الكبير وجميع أعيان الدولة من المباشرين وأرباب الوظائف وغيرهم، والملك المؤيد في أناس قليلة جدا، ومضت ليلة الأحد المذكور، والملك المؤيد في أقبح حال، هذا وقد عدم ترجّى من كان عنده بالقلعة من نصرته، وتقاعد غالب من كان عنده عن القتال، وهم الأجلاب من مماليك أبيه لا غير. فلما أصبح نهار الأحد تاسع عشر شهر رمضان من سنة خمس وستين وثمانمائة

ظهر ذلك عليهم، وبردت همتهم، وركضت ريح عزائمهم، وأخذ كل واحد من أصحابه فى مصلحة نفسه، إما بالإذعان للأمير الكبير خشقدم، أو بالتّجهّز للهرب والاختفاء، وظهر ذلك للملك المؤيد عيانا، فأراد أن يسلّم نفسه، ثم أمسك عن ذلك من وقته. كلّ ذلك وأصحاب الأمير الكبير لا يعلمون بذلك، فقد أصبحوا في أفحل أمر، وأقوى شوكة، وأكثر عدد، وقد تهيئوا في هذا اليوم للقتال ومحاصرة قلعة الجبل، زيادة على ما كانوا عليه في أمسه، وفي نفوسهم أن أمر القتال يطول بينهم أيّاما، وبيناهم في ذلك ورد عليهم خبر الملك المؤيد مفصلا، وحكى لهم انحلال برمه وانفلاك أمره، وما هو فيه من أنه أراد غير مرّة تسليم نفسه، وزاد الحاكى وأمعن لغرض ما، فقوى بذلك قلوب من هو أسفل، وتشجّع كلّ جبان، فطلب المبارزة كلّ مولّ، وتقدّم كل من كان خاف هذا من هؤلاء، فكيف أنت بالشجاع المقدام؟! فعند ذلك اجتمعوا على القتال، وزحفوا على القلعة بقلب رجل واحد، فقاتلهم عساكر الملك المؤيد قتالا ليس بذاك ساعة هيّنة، فلما رأى الملك المؤيد أن ذلك لا يفيده إلا شدّة وقسوة أمر عساكره ومقاتلته بالكفّ عن القتال، وقام من وقته وطلع القلعة بخواصه، وأمر أصحابه بالانصراف إلى حيث شاءوا. ثم دخل هو إلى والدته خوند زينب بنت البدرى حسن بن خاص بك، وترك باب السّلسلة لمن يأخذه بالتسليم، وتمزّقت عساكره في الحال كأنها لم تكن، وزال ملكه في أقلّ ما يكون، فسبحان من لا يزول ملكه وبقاؤه الدائم الأبدى. فلما بلغ الأمير الكبير خشقدم الخبر قام من وقته بمن معه من أصحابه وعساكره، وطلع إلى باب السلسلة، واستولى على الإسطبل السلطانى، وملك قلعة الجبل أيضا في الحال من غير مقاتل ولا مدافع، وأمر الأمير الكبير في الحال بقلع السّلاح وآلة الحرب وسكن الأمر، وخمدت الفتنة كأنها لم تكن، ثم أرسل الأتابك خشقدم في الحال جماعة من أصحابه قبضوا على الملك المؤيد أحمد هذا من الدّور السلطانية، فأمسك من غير ممانعة، وسلم نفسه، وأخرج من الدّور إلى البحرة من الحوش السلطانى، وحبس

هناك بعد أن قيّد واحتفظ به، وأمسك أخوه محمد أيضا، وحبس معه بالبحرة، فخرجت والدتهما خوند زينب المقدّم ذكرها معهما، وأقامت عندهما بالبحرة المذكورة، وقد علمت وعلم كلّ أحد أيضا بأن الذي وقع لهم من زوال ملكهم في أسرع وقت إنما هو بدعوة مظلوم غفلوا عنها، لم يغفل الله عنها، ولله در القائل: [الوافر] أرى الدّنيا تقول بملء فيها ... حذار حذار توبيخى وفتكى «1» ولا يغرركم منّى ابتسام ... فقولى مضحك، والفعل مبكى قلت: «على قدر الصّعود يكون الهبوط، وكما تدين تدان، وما ربّك بظلّام للعبيد، والجزاء من جنس العمل» وكأنّ لسان حال إسكندرية قبل ذلك يقول: «كل ثان لا بدّ له من ثالث» ، فالأوّل ممّن كان فيها من السّلاطين أولاد الملوك: الملك العزيز يوسف ابن الملك الأشرف برسباى، وقد خلعه الملك الظاهر جقمق، وتسلطن مكانه، ثم الملك المنصور عثمان ابن الملك الظاهر جقمق، خلعه الملك الأشرف إينال، وتسلطن عوضه، وهو الثانى، فاحتاجت الإسكندرية إلى ثالث، ليجازى كلّ على فعله، فكان المؤيد هذا، خلعه الملك الظّاهر خشقدم، وتسلطن مكانه، واستولى على جميع حواصل الملك المؤيد وذخائره، فلم يجدوا فيها ما كان في ظنّهم، فطلبوا منه المال، فذكر أنّه أصرف جميع ما كان في خزانة والده في نفقة المماليك السّلطانية لما تسلطن، ولم يبق في الخزانة إلا دون المائة ألف دينار. ثم تتّبعوا حواصله وحواشيه بعد ذلك، فأخذوا منهم زيادة على مائة ألف دينار، وبعض متاع، وصينى وقماش. واستمرّ الملك المؤيّد محتفظا به بالبحرة إلى ما سنذكره.

وكانت مدّة تحكمه من يوم تسلطن إلى يوم خلع من السلطنة بالملك الظاهر خشقدم أربعة أشهر وستة أيام بغير تحرير، وبتحرير الأوقات والساعات: وخمسة أيام. ولما نكب الملك المؤيد وخلع من السلطنة على هذا الوجه كثر أسف الناس عليه إلى الغاية والنهاية، فإنه كان سار في سلطنته سيرة حسنة جميلة، وقمع أهل الفساد وقطّاع الطريق بجميع إقليم مصر، وأمنت السّبل في أيامه أمنا زائدا، واطمأنّت النفوس من تلك المخاوف التي كانت في أيام أبيه، وزالت أفعال الأجلاب بالكليّة مما أردعهم في أوائل سلطنته بالإخراق والوعيد وأبعدهم عنه، ثم سلك الطريق الجميلة فى الرعيّة فعظم حبّ الناس له، وانطلقت الألسن له بالدعاء والابتهال سرّا وعلانية، وسر بسلطنته كلّ أحد من الناس، ومالت القلوب إليه، لولا تكبّر كان فيه وعدم التفات إلى الأكابر، حسبما تقدّم ذكره، وهذا كان أكبر الأسباب لتوغّر خواطر الأمراء منه، وإلا فكان أهلا للسلطنة بلا نزاع، فلو أنّه سار مع الأمراء سيرة والده الأشرف من الملق، وأخذ الخواطر مع إرادة الله تعالى، لدامت أيّامه مقدار المواهب الإلهية، لأنه كان ملكا عارفا سيوسا، فطنا عالى الهمة يقظا، لولا ما شان سؤدده من التكبّر، ومصاحبة الأحداث، ولله در القائل: [الطويل] ومن ذا الّذى ترضى سجاياه كلّها؟ ... كفى المرء فخرا أن تعدّ معايبه «1» ودام الملك المؤيد هذا بالبحرة من الحوش السلطانى بقلعة الجبل إلى يوم الثلاثاء حادى عشرين شهر رمضان فرسم السلطان الملك الظاهر خشقدم بتوجّهه وتوجّه أخيه محمد إلى سجن الإسكندرية، فأنزلا في باكر النهار المذكور، وأخرج الملك المؤيد هذا مقيّدا، وحمل على فرس، ولم يركب خلفه أحد من الأوجاقية «2» - كما هى عادة

من يحمل من أعيان الأمراء إلى سجن الإسكندرية- فنزّهوا مقامه عن ذلك، وأنا أقول: لعل أنه ما قصدوا بذلك إجلاله، فإنه «1» ليس في القوم من هو أهل لهذه المعانى. وإنما الملك المنصور عثمان كان لما أنزل من القلعة إلى الإسكندرية على هذه الهيئة لم يركب خلفه أوچاقى، فظن القوم أن العادة لا يركب خلف السلطان أوچاقى ففعلوا بالمؤيد كذلك، ولقد سمعت هذا المعنى من جماعة من أكابر الجهلة المشهورين بالمعرفة، فلو قيل له: وأى سلطان أنزل من القلعة بعد خلعه من السلطنة إلى الإسكندرية على هذا الوجه، لما كان يسعه أن يقول رأيت ذلك في بلاد الچاركس- انتهى. وحمل أخوه محمد أيضا على فرس آخر بغير قيد فيما أظن، ونزل أمامه، وبين يديهما مملوك أبيهما قراجا الأشرفى الطويل الأعرج على بغل بقيد، وخلفه أوچاقى- على عادة الأمراء- بسكين، وأنا أقول: عظم قراجا بهذا النزول مع هؤلاء الملوك في مثل هذا اليوم، والذي أراه أنا أنه كان يتوجّه بين يدى هؤلاء ماشيا إلى أن يصل إلى البحر، وإلا فهذا إجلال لقدر هذا الوضيع، وإن كان فيه ما فيه من النكد، ففيه ثوع من رفع مقامه. وسار الجميع والعساكر محتفظة بهم، وعلى أكثرهم السلاح وآلة الحرب، وجلست الناس بالحوانيت والطّرقات والبيوت لرؤية الملك المؤيد هذا، كما هى عادة العوامّ وغيرهم من المصريين، وتوجهوا بهم من الصليبة إلى أن اجتازوا بالملك المؤيد وأخيه محمد على تلك الهيئة بدار أخته شقيقته زوجة الأمير يونس الدّوادار الكبير، وهو في حياض الموت، لمرض طال به أشهرا تجاه الكبش، فلما وقع بصر زوجة الأمير يونس على أخويها وهما في تلك الحالة العجيبة المهولة صاحت بأعلى صوتها هى ومن حولها من الجوارى والنسوة، فقامت عيطة عظيمة من الصّياح واللّطم والرءوس المكشوفة، فحصل للناس من ذلك أمر عظيم من بكاء وحزن وعبرة «2» على ما أصاب هؤلاء من النّكبة

والهوان بعد الأمن والعزّ الذي لا مزيد عليه، وما أحسن قول من قال في هذا المعنى: [البسيط] جاد الزّمان بصفو ثمّ كدّره ... هذا بذاك، ولا عتب على الزمن ودام سيرهم على هذه الصفة إلى أن وصلوا بهم إلى البحر بخط بولاق بساحل النّيل، فأنزل الملك المؤيد وأخوه ومعهما قراجا المذكور في مركب واحد، وسافروا من وقتهم على الفور إلى الإسكندرية، وقد كثر تأسّف الناس عليهم إلى الغاية، ما خلا المماليك الظاهرية فإنهم فرحوا به لما كان فعل الملك الأشرف إينال بابن أستاذهم الملك المنصور كذلك، فجازوه بما فعلوه الآن مع ابنه الملك المؤيد هذا، قلت: هكذا فعل الدهر، يوم لك ويوم عليك. ودام الملك المؤيد ومن معه مسافرا في البحر إلى ثغر رشيد، فسافروا على البر إلى أن وصلوا إلى الإسكندرية، فسجنوا بها، واستمر الملك المؤيد مسجونا بقيده إلى أن استهلّت سنة ست وستين فرسم السلطان الملك الظاهر خشقدم بكسر قيده فكسر، وتوجهت والدته خوند زينب إليه وسكنت عنده بالثغر ومعها ابنتها زوجة الأمير يونس بعد موته، ثم مرض ولدها محمد في أثناء السّنة أيّاما كثيرة، ومات بالثغر، ودفن به في ذى الحجة، وقبل موته ماتت ابنته بنت أشهر، ولم يتهم أحد لموته، لأن مرضه كان غير مرض المتهومين، ولما وقع ذلك أرسلت والدته خوند زينب تستأذن السّلطان في حمل رمّة ولدها محمد المذكور من الإسكندرية إلى القاهرة لتدفنه عند أبيه الأشرف إينال، فأذن لها في ذلك، فحملته بعد أشهر، وجاءت به إلى القاهرة في شهر ربيع الأوّل من سنة سبع وستين وثمانمائة، ودفن محمد المذكور على أبيه في فسقية واحدة- رحمهما الله تعالى والمسلمين- ولم تحضر والدته المذكورة مع رمّة ولدها محمد، وإنما قامت عند ولدها الملك المؤيد أحمد بالإسكندرية، لمرض كان حصل للملك المؤيد أبطل بعض أعضائه، ثم عوفى بعد ذلك بمدّة، وحضرت بعد ذلك إلى القاهرة بطلب من السلطان بسبب المال، وصادفت

وفاة الأمير يونس المؤيدى الدوادار الكبير صهره زوج أخته بعد يوم، ثم تزوّجها الأمير كسباى الخشقدمى الدّوادار الثانى، فقبل دخولها ماتت معه. وكان عمره وقت سلطنته نيفا وثلاثين سنة، فإن مولده وأبوه نائب بغزة. وكانت مدة سلطنة الملك المؤيّد أحمد على مصر أربعة أشهر وأربعة أيام، مرّت أيامه كالدقائق، لسرعتها وحسن أوقاتها، ودام في الإسكندرية، وقد كمل له بها الآن مدّة عشر سنين سواء. ولما مات الظاهر خشقدم وتسلطن الملك الظاهر تمربغا الظاهرى، ففى أوّل يوم رسم بإطلاق الملك المؤيّد أحمد من سجن الإسكندرية، ورسم له بأن يسكن في الإسكندرية في أى بيت شاء، وأنه يحضر صلاة الجمعة راكبا، وأرسل إليه خلعة وفرسا بقماش ذهب، فاستمرّ يركب، ولما تسلطن صهره الملك الأشرف قايتماى زاد فى إكرامه، وبقى يسافر، وصاهره على ابنته الأمير يشبك من مهدى الظاهرى الدّوادار الكبير، ودام «1» . وهذه السنة وهى سنة خمس وستين وثمانمائة هى التي اتفق فيها أن حكم فيها ثلاثة ملوك؛ حكم الملك الأشرف إينال من أوّلها إلى نصف جمادى الأولى، وحكم ولده الملك المؤيّد هذا من نصف جمادى الأولى المذكورة إلى تاسع عشر شهر رمضان فقط، وحكم الملك الظاهر خشقدم من تاسع عشر شهر رمضان فقط إلى آخرها. وسنذكر وفيات هذه السنة بتمامها في محلها في أول سنين سلطنة الملك الظاهر خشقدم- حسبما اصطلحنا عليه في مصنفنا هذا- إن شاء الله تعالى.

ذكر سلطنة الملك الظاهر خشقدم على مصر

ذكر سلطنة الملك الظاهر خشقدم على مصر هو السلطان الملك الظاهر أبو سعيد سيف الدين خشقدم بن عبد الله الناصرى المؤيّدى، وهو السلطان الثامن والثلاثون من ملوك التّرك وأولادهم بالديار المصرية، والأوّل من الأروام بعد أن تسلطن من الچراكسة وأولادهم ثلاثة عشر ملكا، أعنى من أول دولة الظاهر برقوق وهو القائم بدولة الچراكسة ابتداء، وأما من سلف من ملوك التّرك الچراكسة والأروام ففيهم اختلاف كثير، لعدم ضبط المؤرخين هذا المعنى، والذي تحرّر منهم من دولة الملك الظاهر برقوق إلى يومنا هذا، فأوّل الچراكسة برقوق، وأول الأروام خشقدم، هذا وبينهما إحدى وثمانون سنة لا تزيد يوما ولا تنقص يوما، لأن كلّا منهما تسلطن في تاسع عشر شهر رمضان، فذاك- أعنى برقوقا- فى سنة أربع وثمانين وسبعمائة، وخشقدم هذا في سنة خمس وستين وثمانمائة، تسلطن يوم خلع الملك المؤيّد أبو الفتح أحمد ابن السلطان الملك الأشرف إينال الأجرود، فى يوم الأحد تاسع عشر شهر رمضان سنة خمس وستين وثمانمائة بعد الزوال، وهو يوم ملك القلعة من الملك المؤيّد أحمد. فلما كان وقت الزّوال طلب الخليفة المستنجد بالله يوسف والقضاة والأعيان، وقد حضر جميع الأمراء في الإسطبل السلطانى بباب السّلسلة بالحرّاقة «1» ، وبويع بالسلطنة، وكان قد بويع بها من بكرة يوم السبت ثامن عشر شهر رمضان قبل قتال الملك المؤيّد أحمد حسبما تقدّم ذكره في ترجمة الملك المؤيّد أحمد، ولقب بالملك الظاهر، وكنى بأبى سعيد. ولما تمّ له الأمر لبس خلعة السلطنة السّواد من مبيت الحرّاقة وركب فرس النوبة،

وطلع إلى القصر السلطانى «1» بشعار الملك «2» والأمراء والعساكر مشاة بين يديه، ماخلا الخليفة فإنه راكب معه، وقد حمل القبّة والطير على رأسه الأمير جرباش المحمدى الناصرى المعروف بكرد أمير سلاح، وجلس على تخت الملك، وقبّلت الأمراء والعساكر الأرض بين يديه، ودقّت البشائر في الوقت، فازدحمت الناس لتهنئته وتقبيل يديه إلى أن انتهى كلّ أحد، ونودى في الحال بسلطنته في شوارع القاهرة، وخلع على الخليفة المستنجد بالله يوسف فوقانيا حريرا بوجهين أبيص وأخضر بطرز زركش، وقدّم له فرسا بسرج ذهب وكنبوش زركش، ثم خلع على الأمير جرباش المحمدى أطلسين متمّرا وفوقانيا بوجهين بطرز زركش، وأنعم عليه بفرس بقماش ذهب، وهذه الخلعة لحمله القبّة والطير على رأس السلطان، وخلعة الأتابكيّة تكون بعد ذلك، غير أن جرباش المذكور علم أنه قد صار أتابكا لحمله القبّة والطير على رأس السلطان. ثم خلع السلطان على الأمير قرقماس الأشرفى أمير مجلس باستقراره أمير سلاح عوضا عن جرباش. وكانت سلطنة الملك الظاهر خشقدم وجلوسه على تخت الملك وقت الظهر من يوم الأحد المقدم ذكره، «3» وكان الطالع وقت سلطنته وجلوسه على تخت الملك «4» . واستمرّ جلوس السلطان الملك الظاهر خشقدم بالقصر السلطانى من قلعة الجبل إلى الخميس، وعنده جميع الأمراء على العادة، ثم أصبح السلطان في يوم الاثنين العشرين من شهر رمضان خلع على الأمير جرباش المحمدى خلعة الأتابكية، وهى كخلعته بالأمس. وفيه رسم السلطان بإطلاق الأميرين من سجن الإسكندرية، الأمير تنم من عبد الرزّاق المؤيدى أمير سلاح كان، والأمير قانى باى الچاركسى الأمير آخور الكبير كان، وتوجههما إلى ثغر دمياط بطّالين.

وفي يوم الثلاثاء حادى عشرينه الثانية من النهار حمل الملك المؤيّد أحمد وأخوه محمد من قلعة الجبل إلى جهة الإسكندرية ليحبسا بها. قلت: وقبل أن نشرع في ذكر الحوادث نبدأ بالتّعريف بأصل الملك الظاهر خشقدم هذا وسبب ترقّيه إلى السلطنة فنقول: أصله رومىّ الجنس، جلبه خواجا ناصر الدين إلى الديار المصرية في حدود سنة خمس عشرة وثمانمائة، أو في أوائل سنة ست عشرة، هكذا أملى علىّ من لفظه بعد سلطنته، وسنّه يوم ذلك دون البلوغ، فاشتراه الملك المؤيّد شيخ، وجعله كتابيا سنين كثيرة، ثم أعتقه وجعله من جملة المماليك السلطانية، إلى أن مات الملك المؤيّد فصار خشقدم هذا خاصكيا في دولة ولده الملك المظفر أحمد بن شيخ، بسفارة أغاته الأمير تغرى بردى قريب قصروه، ودام خاصكيا مدة طويلة إلى أن صار ساقيا في أوائل دولة الملك الظاهر جقمق، ثم أمّره الملك الظاهر إمرة عشرة، وجعله من جملة رءوس النوب فى حدود سنة ست وأربعين، فدام على ذلك إلى سنة خمسين، فأنعم عليه الملك الظاهر أيضا بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، واستمرّ بدمشق إلى أن تغيّر خاطر الملك الظاهر جقمق على الأمير تنبك البردبكى حاجب الحجاب بسبب عبد قاسم الكاشف الذي نعتوه «1» الناس بالصلاح، ونفاه إلى ثغر دمياط بطّالا، فرسم السلطان الملك الظاهر جقمق بطلب خشقدم هذا من مدينة دمشق، ليكون عوضا عن تنبك المذكور فى حجوبية الحجاب، وعلى إقطاعه أيضا دفعة واحدة، وذلك في صفر سنة أربع وخمسين وثمانمائة، وكان مجىء خشقدم هذا إلى الديار المصرية بسفارة الأمير تمربغا الظاهرى الدّوادار الثانى، وقيل على البذل على يد أبى الخير النحاس، وأنعم السلطان بتقدمة خشقدم هذا التي بدمشق على الأمير علّان جلّق المؤيدى، فاستمرّ خشقدم المذكور على الحجوبية إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق، فخلع عليه بإمرة سلاح عوضا عن الأمير تنبك البردبكى الذي كان أخذ عنه الحجوبية بعد أن وقع لتنبك المذكور دورات

وتنقلات، فدام على وظيفة إمرة سلاح إلى أن سافر مقدم العساكر السلطانية إلى بلاد ابن قرمان، ثم عاد واستمرّ على حاله إلى أن تسلطن الملك المؤيّد أحمد ابن الأشرف إينال، فخلع عليه باستقراره أتابك العساكر عوضا عن نفسه، وذلك في يوم الجمعة سادس عشر جمادى الأولى سنة خمس وستين، فلم تطل أيّامه، وثار القوم بالملك المؤيّد أحمد وقاتلوه حتى خلعوه حسبما ذكرنا أمر الوقعة في تاريخنا «حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور» . وتسلطن الملك الظاهر خشقدم هذا، ووقع في سلطنته نادرة غريبة، وهى أن الملك الظاهر برقوقا كان أول ملوك الچراكسة بالديار المصرية- إن كان الملك المظفر بيبرس الجاشنكير غير چاركسى- وكانت سلطنة برقوق في يوم الأربعاء تاسع عشر شهر رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة، ولقب بالملك الظاهر؛ وكانت سلطنة الملك الظاهر خشقدم هذا في يوم الأحد تاسع عشر شهر رمضان سنة خمس وستين وثمانمائة، فتوافقا في اللقب والشهرة والتاريخ والشهر، وذلك أوّل ملوك الچراكسة، وهذا أول دولة الأروام، فبينهما إحدى وثمانون سنة لا تزيد يوما ولا تنقص يوما، لأن كلا منهما تسلطن بعد أذان الظهر في تاسع عشر شهر رمضان- انتهى. ثم في يوم الخميس ثالث عشرينه خلع السلطان على الأمير جانبك الظاهرى نائب جدّة باستقراره دوادارا كبيرا بعد موت الأمير يونس. وخلع على الأمير جانبك من أمير الظريف الخازندار باستقراره دوادارا ثانيا عوضا عن بردبك الأشرفى بحكم القبض عليه، وولى الدّوادارية الثانية على تقدمة ألف ولم يقع ذلك لغيره، واستقرّ قانم طاز الأشرفى خازندارا عوضا عن جانبك من أمير. وفي يوم الجمعة رابع عشرينه تواترت الأخبار بوصول الأمير جانم الأشرفى نائب الشام إلى منزلة الصالحية، وأشيع هذا الخبر إلى وقت صلاة الجمعة، فتحقق السلطان

الإشاعة، فحصل عليه من هذا الخبر أمر كبير، وعظم مجىء جانم على السلطان إلى الغابة؛ لأن جانم كان رشّح لسلطنة مصر قبل ذلك عند مجىء ولده يحيى بن جانم إلى مصر في دولة الملك المؤيد أحمد، وقد ذكرنا ذلك في وقته. وخارت طباع الملك الظاهر خشقدم، وما ذلك إلا لعظم جانم في النفوس، وأيضا لكثرة خچداشيته الأشرفية، وزيادة على ذلك من كان كاتبه وأذعن لطاعته من أعيان الظاهرية الجقمقية. ثم طلب السلطان الأمير جانبك الدّوادار، وكلمه بما سمعه من مجىء جانم، وكان جانبك قد استحال عن جانم، ومال بكليته إلى الملك الظاهر خشقدم، وصار من جهته ظاهرا وباطنا، فهوّن جانبك مجيئه على السلطان، وأخذ في التدبير وقام وخچداشيته بنصرة الملك الظاهر خشقدم، ووقع بسبب مجىء جانم أمور كثيرة وحكايات ذكرناها في تاريخنا «حوادث الدهور» ، ملخصها: أن جانم قام بالخانقاه أياما، وعاد إلى نيابة الشام ثانيا، بعد أن أمدّه السلطان بالأموال والخيول والقماش، حسبما يأتى ذكره يوم سفره. وفي يوم السبت خامس عشرينه نودى بنفقة المماليك السلطانية، «1» فى يوم السبت الآتى «2» . وفيه أيضا «3» ، أنعم السلطان على عدة من الأمراء بتقادم ألوف، وهم: الأمير أزبك من ططخ الظاهرى، وبردبك الظاهرى الرأس نوبة الثانى، وجانبك من قجماس الأشرفى المشد زيادة على إقطاعه الأول ووظيفته. وأنعم السلطان أيضا على جماعة من الخاصكية، لكل واحد إمرة عشرة باستحقاق وغير استحقاق، كما هى عادة أوائل الدول.

واستقرّ الأمير قايتباى المحمودى الظاهرى أمير طبلخاناه وشاد الشراب خاناه، عوضا عن جانبك الأشرفى. وأما ما جدّده الملك الظاهر خشقدم من الوظائف مثل الدّوادارية والسقاة والسلحدارية فكثير جدا لا يدخل تحت حصر لعسر تحريره. واستقرّ الأمير دولات باى النجمى مسفّر الأمير جانم نائب الشام، واستقر تمراز الأشرفى أحد مقدمى الألوف بدمشق في نيابة صفد بعد عزل خيربك النّوروزى عنها وتوجهه إلى دمشق مقدّم ألف، وأنعم السلطان أيضا على تمراز المذكور بمبلغ كبير من المال وغيره. وفي يوم الاثنين سابع عشرين رمضان استقرّ يشبك البجاسى أحد مقدّمى الألوف بمصر في حجوبية حلب، وأنعم بتقدمته على الأمير جانبك الإينالى الأشرفى المعروف بقلقسيز، انتقل إليها من إمرة عشرة بسفارة الأمير جانبك الدّوادار. وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرينه توجّه القاضى محب الدين بن الشّحنة كاتب السّرّ إلى خانقاه سرياقوس لتحليف جانم نائب الشام المقدّم ذكره. وسافر جانم في يوم الجمعة ثانى شوال إلى محل كفالته على أقبح وجه، وسافر بعده تمراز الذي استقرّ في نيابة صفد، كل ذلك بتدبير عظيم الدولة جانبك الدوادار، وقد انتهت إليه يوم ذلك رئاسة المماليك الظاهريّة بديار مصر. وأما الملك الظاهر فإنه لما سافر جانم أخذ في مكافأة العسكر واستجلاب خواطرهم، ووجد عنده حاصلا كبيرا من الإقطاعات، ليس ذلك مما كان في ديوان السلطان، وإنما هو إقطاعات الأجلاب مماليك الأشرف إينال، وأضاف إلى ذلك شيئا كثيرا من الذخيرة السلطانية، ومن أوقاف الملك الأشرف إينال، وأوقاف حواشيه، حتى إنه صار يأخذ البلد العظيمة من ديوان المفرد وغيره وينعم بها على جماعة لكل واحد إمرة عشرة، وتارة ينعم بها على خمسين مملوكا من المماليك السلطانية، وأكثر وأقل، وقاسى الملك الظاهر

من طلب المماليك أمورا عظيمة وأهوالا، ولما قلّ ما عنده من الضياع بالديار المصرية مدّ يده إلى ضياع البلاد الشّامية، ففرّق منها على أمراء مصر وأجنادهم ما شاء الله أن يفرّق. فلما كان يوم السبت ثالث شوال شرع السلطان في تفرقة نفقة المماليك السلطانية، ففرقت في كل يوم طبقة واحدة- لقلة متحصل الخزانة الشريفة- لكل واحد مائة دينار، ولمن يستخفّون به خمسون دينارا، وبالجملة إنها فرّقت أقبح تفرقة، لعجز ظاهر، وقلة موجود، ومصادرات الناس. ولما كان يوم الاثنين خامس شوال أنعم السلطان بالخلع على جميع أمراء الألوف، وأنعم على كل واحد بفرس بسرج ذهب وكنبوش زركش، ورسم لهم بالنّزول إلى دورهم، وكان لهم من يوم قدم جانم نائب الشام إلى خانقاه سرياقوس مقيمين بجامع القلعة، وكذلك القضاة، فنزل الجميع إلا الخليفة فإنه دام بقلعة الجبل إلى يوم تاريخه، وأظن ذلك صار عادة ممّن يلى الملك بعده. وفي هذه الأيام استقرّ خيربك القصروى نائب قلعة الجبل في نيابة غزّة بعد عزل بردبك السيفى سودون من عبد الرحمن، ورسم السلطان أن يفرج عن الملك العزيز يوسف ابن الملك الأشرف برسباى، وعن الملك المنصور عثمان ابن الملك الظاهر جقمق من محبسهما ببرج الإسكندرية، ورسم لهما أن يسكنا بأى مكان اختارا بالثغر المذكور، ورسم أيضا بكسر قيد الملك المؤيّد أحمد ابن الأشرف إينال. وفي يوم الأربعاء سابعه ماجت مماليك الأمراء، ووقفوا في جمع كبير بالرّميلة، يطلبون نفقات أستاذيهم، لينفق أستاذ كل واحد منهم في مماليكه، وكان السلطان أخّر نفقات الأمراء إلى أن تنتهى نفقة المماليك السلطانية، وكانت العادة تفرقة النفقة على الأمراء قبل المماليك، فلما بلغ السلطان ذلك شرع في إرسال النفقة إلى الأمراء، وقد ذكرنا قدر ما أرسل لكل واحد منهم في تاريخنا «الحوادث» . ثم في يوم الخميس ثامن شوال استقر الأمير قانم المؤيّدى أمير مجلس عوضا عن قرقماس الأشرفى، بحكم انتقاله إلى إمرة سلاح قبل تاريخه، واستقرّ الأمير بيبرس

خال العزيز رأس نوبة عوضا عن قانم، واستقرّ يلباى الإينالى المؤيّدى حاجب الحجاب عوضا عن بيبرس المذكور، ولبس الأمير جانبك الدوادار خلعة الأنظار المتعلقة بوظيفته، ونزل في موكب هائل. ثم في يوم الأحد حادى عشره وصل الأمير تمربغا الظاهرى الدّوادار الكبير- كان- من مكة المشرفة بطلب إلى القاهرة، وأظنه كان خرج من مكة قبل أن يأتيه الطلب، وطلع إلى القلعة، وقبّل الأرض، وخلع السلطان عليه كامليّة بمقلب سمّور، ونزل إلى داره التي بناها وجدّدها المعروفة قديما بدار منجك، وكان الأمير جانبك الدّوادار قبل مجىء الأمير تمربغا عظيم المماليك الظاهرية، فلما حضر تمربغا هذا وجلس فوق الأمير جانبك، لكونه كان أغاته بطبقة المستجدة أيام أستاذه، ولعظمته في النفوس وسبقه للرئاسة، صار هو عظيم المماليك الظاهرية، وركضت ريح جانبك قليلا، واستمر على ذلك. وفي يوم الأربعاء رابع عشره تسحّب الأمير زين الدين عبد الرحمن بن الكويز ناظر الخاص الشريف بعد أن قام «1» بالكلف السلطانية أتمّ قيام، أعنى بذلك عن الخلع التي خلعها السلطان في أول سلطنته، وكانت خارجة عن الحد كثرة، ثم عقيب ذلك خلع عيد الفطر بتمامها وكمالها، وبينهما مسافة يسيرة من الأيام، ولم يظهر العجز في ذلك جميعه يوما واحدا إلى أن طلب منه السلطان من ثمن البهار مائة ألف دينار لأجل النفقة السلطانية، فعجز حينئذ وهرب. واستقرّ عوضه في نظر الخاص القاضى شرف الدين الأنصارى، وباشر هو أيضا أحسن مباشرة، وقام بالنفقة السلطانية هو والأمير جانبك الدّوادار، وتنم رصاص أتمّ قيام، أعنى أنهم اجتهدوا في تحصيل المال من وجوه كثيرة. هذا ما وقع للملك الظاهر خشقدم من يوم تسلطن إلى يوم تاريخه محررا.

ومن الآن نشرع في ذكر نوادر الحوادث إلى أن تنتهى ترجمته خوفا من الإطالة والملل فنقول: ولما كان يوم الاثنين ثالث ذى القعدة استقرّ القاضى نجم الدين يحيى بن حجّى في نظر الجيش بعد أن صرف القاضى زين الدين بن مزهر عنها. وفي يوم خامس عشر ذى القعدة عيّن السلطان تجريدة إلى قبرس نجدة لمن بها من العساكر الإسلامية، ثم بطل ذلك بعد أيام. وفي يوم الخميس سابع عشرينه استقرّ الصفوى جوهر التركمانى زماما وخازندارا عوضا عن لؤلؤ الأشرفى الرومى. وفي يوم الخميس سادس عشرين ذى الحجة أمسك السلطان بالقصر السلطانى بالقلعة جماعة من أمراء الألوف وغيرهم من الأشرفية، وهم: بيبرس خال العزيز رأس نوبة النوب، وجانبك من أمير الظريف الدّوادار الثانى وأحد أمراء الألوف، وجانبك المشد أحد أمراء الألوف أيضا. وأمسك من أمراء الطبلخانات والعشرات جماعة أيضا، مثل: قانم طاز الخازندار الكبير، ونوروز الإسحاقى، وبرسباى الأمير آخور، وكرتباى، ودولات باى سكسن، وأبرك البچمقدار، وكلّهم عشرات إلا قانم طاز [فإنه] «1» أمير طبلخاناه. فلما سمعت خچداشيتهم بذلك ثاروا، ووافقهم المماليك الأشرفية الإينالية، وجماعة من الناصرية، وتوجهوا الجميع إلى الأمير الكبير جرباش المحمدى الناصرى، وهو مقيم يوم ذاك بتربة الملك الظاهر برقوق التي بالصحراء، وكان في التربة في مأتم ابنته التي ماقت قبل تاريخه بأيّام، واختفى جرباش المذكور منهم اختفاء ليس بذاك، فظفروا به وأخذوه، ومضوا به إلى بيت قوصون الذي سدّ بابه الآن من الرّميلة تجاه باب السلسلة، ومروا به من باب النصر من شارع القاهرة، وبين يديه جماعة من أمراء الأشرفية وغيرهم، وعليهم آلة الحرب، وقد لقبوه بالملك الناصر على لقب أستاذه الناصر فرج بن برقوق، ولما وصلوا إلى بيت قوصون أجلسوه بمقعد البيت.

وعند ما جلس بالمقعد ظهر على الأشرفية وغيرهم اختلال أمرهم لاختلاف كلمتهم من سوء آرائهم المفلوكة، ولعدم تدبيرهم، فإن الصّواب كان جلوسه بالتربة المذكورة، إلى أن يستفحل أمرهم، وأيضا إنهم لما أوصلوه إلى بيت قوصون ذهب غالبهم ليتجهز للقتال، وبقى جرباش في أناس قليلة. وأما الملك الظاهر خشقدم فإنه لما بلغ الملك الظاهر والظاهرية أمرهم طلعوا بأجمعهم إلى القلعة، وانضم عليهم أيضا خلائق، لعظم شوكة السلطنة من خچداشية السلطان المؤيدية وغيرهم، وأخذوا السلطان ونزلوا به من القصر إلى مقعد الإسطبل السلطانى أعلى باب السلسلة، وعليهم السلاح، ودقت الكئوسات بالقلعة، وشرعوا في القتال. وبينما هم في تناوش قتال جرباش، وقد رأى جرباش أن أمره لا ينتج منه شىء، تدارك فرطه، وقام من وقته، وركب وطلع إلى القلعة طائعا إلى السلطان، وقبّل الأرض واعتذر بالإكراه، فقبل السلطان منه عذره «1» ، وفي النفس من ذلك شىء، وانهزمت الأشرفية الكبار. وهذا ذنب ثان للأشرفية عند السلطان- والذنب الأول قصة خچداشهم جانم والثانى هذا- وانهزم جميع من كان انضم على جرباش المذكور، وتوجّه كلّ منهم إلى حال سبيله، فتجاهل السلطان عليهم، وزعم أنه قبل أعذارهم إلى أن تمّ أمره، فمدّ يده يمسك وينفى، ويكتب إلى التجاريد والسّخر، إلى أن أبادهم. ثم في يوم الجمعة سابع عشرين ذى الحجة المذكور أخذوا الأمراء الممسوكين، ونزلوا بهم إلى حبس الإسكندرية. وفي يوم الاثنين سلخ ذى الحجة خلع السلطان على جميع أمراء الألوف، كل واحد كاملية بمقلب سمّور، وأنعم على الأمير تمربغا الظاهرى القادم من مكّة بإمرة مائة وتقدمة

ألف بالديار المصرية، عوضا عن جانبك المشد، بحكم حبسه، وخلع عليه باستقراره رأس نوبة النوب، عوضا عن بيبرس خال العزيز، وأنعم بإقطاع بيبرس على يلباى المؤيّدى الحاجب لكونه أكثر متحصلا من إقطاعه، وأنعم بإقطاع يلباى على خچداشه قانى بك المحمودى المؤيدى، أحد أمراء دمشق الألوف كان. وفيه أيضا استقرّ الأمير جانبك الإسماعيلى المؤيدى المعروف بكوهيّة دوادارا ثانيا، عوضا عن جانبك الظريف على إمرة عشرة، وكان جانبك الظريف وليها على تقدمة ألف.

ما وقع من الحوادث سنة 866

[ما وقع من الحوادث سنة 866] ثم استهلت سنة ست وستين وثمانمائة ففى يوم الأربعاء ثانى المحرم وصل الخبر بأن الأمير إياسا المحمدى الناصرى نائب طرابلس وصل من جزيرة قبرس إلى ثغر دمياط بغير إذن السلطان. وفيه نفى السلطان خيربك البهلوان، وقانم الصغير الأشرفيين إلى البلاد الشامية، وكلاهما أمير عشرة. وفي يوم الخميس ثالث المحرم عيّن السلطان مع سليمان بن عمر الهوّارى تجريدة من المماليك السلطانية، وعليهم ثلاثة أمراء أشرفية: جكم خال العزيز، وأيدكى، ومغلباى، فتأمل حال الأشرفية من الآن. ثم في يوم الاثنين سابع المحرم استقرّ الأمير طوخ الأبوبكرى المؤيدى زردكاشا عوضا عن سنقرقرق شبق الأشرفى بحكم القبض عليه، واستقرّ سودون الظاهرى الأفرم خازندارا كبيرا، عوضا عن قانم طاز، بحكم القبض عليه أيضا، وأنعم السلطان في هذا اليوم على جماعة كثيرة بأمريات وإقطاعات ووظائف باستحقاق وغير استحقاق، كما هى عوائد أوائل الدول. ثم في ليلة الثلاثاء ثامن المحرم سافر الأمير قانى باى المحمودى الظاهرى المشد إلى ثغر دمياط للقبض على الأمير إياس الناصرى نائب طرابلس وإيداعه السجن، لكونه حضر من قبرس، وترك من بها من عساكر المسلمين. ثم عين السلطان جماعة من الأشرفية الكبار والأشرفية الصغار إلى سفر قبرس، وأميرهم مغلباى البجاسى أتابك طرابلس، وكان مغلباى حضر مع إياس. وفي يوم الاثنين رابع عشر المحرم استقرّ قراجا العمرى ثانى رأس نوبة وأمير مائة ومقدم ألف بدمشق على إقطاع هين، وقراجا هذا أيضا ممن كان انضم على جرباش من خچداشيته، واستقرّ تنم الحسينى الأشرفى عوضه رأس نوبة ثانيا.

وفي يوم الخميس سابع عشر المحرم استقرّ برسباى البجاسى الأمير آخور الكبير نائب طرابلس عوضا عن إياس المقبوض عليه، واستقرّ عوضه في الأمير آخورية الكبرى يلباى المؤيدى حاجب الحجاب، واستقرّ في حجوبية الحجاب عوضه الأمير بردبك الظاهرى البچمقدار، وأنعم السلطان بإقطاع برسباى البجاسى على قانى بك المحمودى، وأنعم بإقطاع قانى بك المحمودى على تمرباى ططر الناصرى، وكلاهما تقدمة ألف لكن الزيادة في المتحصل، وفرّق السلطان إقطاع تمرباى ططر على جماعة. وفي يوم الاثنين حادى عشرين المحرم استقرّ الخواجا علاء الدين على بن الصابونى ناظر الإسطبل السلطانى بعد عزل شرف الدين بن البقرى وأضيف إليه نظر الأوقاف. وفي يوم الثلاثاء ثانى عشرينه وصل مغلباى طاز أمير حاج المحمل بالمحمل وأمير الركب الأول تنبك الأشرفى «1» . وفي يوم الخميس ثانى صفر أعيد القاضى زين الدين بن مزهر إلى وظيفة نظر الجيش، بعد عزل القاضى نجم الدين يحيى بن حجى. وفي يوم الثلاثاء سابع صفر وصل إلى القاهرة رأس نوبة الأمير جانم نائب الشام، ومعه تقدمة إلى السلطان- تسعة مماليك لا غير- من عند مخدومه، واعتذر عن مخدومه أنه ليس له علم بتسحّب الأمير تمراز نائب صفد، وأنه باق على طاعة السلطان، وكان السلطان أرسل قبل تاريخه بمسك تمراز المذكور، فهرب تمراز من صفد، وله قصة حكيناها في «حوادث الدهور» . ثم في يوم الثلاثاء رابع عشره وصل أيضا الزينى عبد القادر بن جانم نائب الشام، يستعطف خاطر السلطان على أبيه، وكان عبد القادر حديث السن، وقد حضر معه الأمير قراجا الظاهرى أتابك دمشق ليتلطف السلطان في أمر نائب الشام، ولما وصل

قراجا المذكور إلى منزلة الصالحية رسم السلطان بعوده إلى دمشق، ومنعه من الدخول إلى مصر، ورسم لعبد القادر المذكور بالمجىء، فجاء الصبى وردّ قراجا إلى الشام. وفي هذا اليوم رسم السلطان بإحضار الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيدى أمير سلاح- كان- من ثغر دمياط، وقد رشّح لنيابة الشّام عوضا عن جانم المذكور. ثم في ليلة الخميس سادس عشر صفر المذكور سافر الأمير تنم من نخشايش الظاهرى المعروف برصاص محتسب القاهرة إلى دمشق على النجب والخيل، ومعه جماعة كثيرة من الخاصكية، مقدار ثلاثين نفرا، ليمسك الأمير جانم نائب الشام، قلت: [الطويل] أيا دارها بالخيف إن مزارها ... قريب، ولكن دون ذلك أهوال «1» ثم في يوم الأربعاء عشرينه وصل الأمير تنم من ثغر دمياط، وقبّل الأرض وأجلسه السلطان فوق الأمير قرقماس أمير سلاح، وخلع عليه. ثم في يوم الاثنين سابع عشرينه، خلع عليه بنيابة الشّام، واستقرّ مسفّره الأمير بردبك هجين الظاهرى الأمير آخور الثانى، وخلع السلطان على الأمير قانصوه اليحياوى الظاهرى بتوجهه إلى الأمير جانبك الناصرى المعزول قبل تاريخه عن حجوبيّة دمشق، وعلى يده تقليده وتشريفه بنيابة صفد عوضا عن تمراز الأشرفى. وفي يوم الأربعاء سادس شهر ربيع الأول وصل إلى القاهرة الأمير أزدمر الإبراهيمى وخچداشه قرقماس، وقد كان مسافرا مع الأمير تنم رصاص المحتسب إلى دمشق، وأخبر أزدمر المذكور أن الأمير جانم نائب الشام خرج منها بمماليكه وحشمه بعد دخول تنم رصاص إلى دمشق ومراسلته، ولم يقدر تنم على مسكه، بل ولا على قتاله، وكان خروج جانم من دمشق قبيل العصر من يوم الأحد

سادس عشرين صفر، ولم يكترث بأحد من الناس، وتوجّه إلى جهة حسن بك ابن قرايلك. ثم في يوم الجمعة ثانى عشرين ربيع الأول ركب السلطان من قلعة الجبل ببعض أمرائه وخاصته، ونزل إلى بيت الأمير تنم المستقر في نيابة الشّام وسلّم عليه، وهذا أوّل نزوله من قلعة الجبل من يوم تسلطن، ثم نزل السلطان بعد ذلك بقماش الموكب في يوم الاثنين تاسع شهر ربيع الآخر، وسار إلى تربته التي أنشأها بالصحراء بالقرب من قبة النصر، وخلع على البدرى حسن بن الطولونى معلّم السلطان وغيره، ثم توجه إلى مطعم الطير، وجلس به واصطاد أمير شكار بين يديه، ثم ركب وعاد إلى القلعة بعد أن شقّ القاهرة، ودخل في عوده إلى بيت إنيّه الأمير تنبك الأشرفى المعلم. وفي يوم الثلاثاء رابع عشره استقرّ شرف الدين يحيى بن الصنيعة «1» أحد الكتاب وزيرا بالديار المصرية، بعد عزل على بن الأهناسى. وفي يوم الاثنين أول جمادى الأولى أنعم السلطان على الأمير بردبك هجين الظاهرى أمير آخورثان بإمرة مائة وتقدمة ألف بعد موت تمرباى ططر، وأنعم بإقطاع بردبك المذكور على مغلباى طاز المؤيدى، وأنعم بإقطاع مغلباى على سودون الأفرم الظاهرى الخازندار، وأنعم بإقطاع سودون الأفرم على سودون البردبكى المؤيّدى الفقيه. وفي يوم السبت سادس جمادى الأولى وصل تنم رصاص. ثم في يوم السبت «2» استقر إينال الأشقر الظاهرى والى القاهرة في نيابة ملطية بعد موت قانى باى الجكمى. وفي يوم الخميس ثامن عشره استقرّ الصارمى إبراهيم بن بيغوت نائب قلعة دمشق بعد موت سودون قندوره التركمانى اليشبكى بحكم انتقاله إلى تقدمة ألف بدمشق.

وفي يوم الاثنين ثانى عشرين جمادى الأولى المذكورة خرج الأمير تنم نائب الشّام إلى محل كفالته. وفي آخر هذا الشهر وصل قاصد حسن بك بن على بك بن قرايلك [صاحب آمد] «1» وأخبر السلطان أن الأمير جانم نائب الشام جاء إليه واستشفع عند السلطان له. وفي هذا الشهر ترادفت الأخبار بأن جانم نائب الشام أرسل يدعو تركمان الطاعة «2» إلى موافقته، وأن حسن بك المقدم ذكره دعا لجانم على منابر ديار بكر. ثم في يوم الأربعاء سابع شهر رجب نودى بشوارع القاهرة بالزينة لدوران المحمل، ونودى أيضا بأن أحدا من المماليك ولا غيرهم لا يحمل سلاحا ولا عصاة في الليل، فدامت الزينة إلى أن انتهى دوران المحمل في يوم الاثنين ثانى عشره، ولم يحدث إلا الخير والسلامة، وكان معلّم الرماحة في هذه السنة الأمير قايتباى المحمودى الظاهرى المشد، والباشات الأربعة أمراء عشرات: برقوق الناصرى، ثم طومان باى الظاهرى، ثم جانبك الأبلق الظاهرى، ثم برسباى قرا الظاهرى. ثم في يوم الخميس خامس عشره عيّن السلطان تجريدة إلى الوجه القبلى- أربعمائة مملوك من المماليك السلطانية- ومقدم العسكر الأمير جانبك الدّوادار، وصحبته من أمراء الألوف جانبك قلقسيز الأشرفى، ومن أمراء الطبلخات والعشرات نحو عشرين أميرا، وخرجوا بسرعة في ليلة السبت سابع عشر رجب. وفي يوم الجمعة سادس عشره- الموافق لحادى عشرين برمودة- لبس السلطان القماش الأبيض البعلبكى المعد لبسه لأيام الصيف، وابتدأ في يوم السبت سابع عشره يلعب الكرة على العادة في كل سنة. وفي يوم الخميس تاسع عشرينه عاد الأمير جانبك الدّوادار بمن كان معه من بلاد

الصعيد إلى الجيزة، وطلع إلى السلطان من الغد بغير طائل ولا حرب، وخلع السلطان عليه. وفي ليلة الثلاثاء ثامن عشر شعبان سافرت خوند الأحمدية زوجة السلطان في محفة إلى ناحية طندتا «1» بالغربية «2» لزيارة سيدى أحمد البدوى. وفي يوم الجمعة ثامن عشرينه «3» ، سافرت الغزاة المعينون قبل تاريخه إلى قبرس- انتهى. وفي يوم الأحد ثامن شهر رمضان ورد الخبر بموت الحاج «4» إينال اليشبكى نائب حلب، فخلع السلطان في يوم الخميس ثانى عشره على الأمير قايتباى شاد الشراب خاناه بتوجهه إلى حماة، وعلى يده تقليد جانبك التاجى المؤيدى نائب حماة وتشريفه بنيابة حلب، عوضا عن الحاج إينال. واستقرّ مغلباى طاز مسفّر الأمير جانبك النّاصرى نائب صفد باستقراره في نيابة حماة. واستقرّ في نيابة صفد خيربك القصروى نائب غزّة، وتوجّه بتقليده الأمير تمرباى الظاهرى السلاحدار. واستقر في نيابة غزّة أتابك حلب شادبك الصّارمى ومسفّره طومان باى الظاهرى. واستقرّ يشبك البجاسى حاجب حجّاب حلب أتابكا بها عوضا عن شادبك الصّارمى.

واستقرّ تغرى بردى بن يونس نائب قلعة حلب في حجوبية حلب عوضا عن يشبك البجاسى. واستقرّ كمشبغا السيفى نخشباى أحد المماليك السلطانية بمصر في نيابة قلعة حلب دفعة واحدة، من قبل أن تسبق له رئاسة، مع عدم أهلية أيضا، وكانت ولايته بالمال- ولا قوة إلا بالله. وفي يوم الأربعاء تاسع شوال خرجت تجريدة إلى البحيرة وعليها ثلاثة أمراء من أمراء الألوف: قرقماس أمير سلاح، ويشبك الفقيه، وبردبك هجين الظاهرى، ومن أمراء الطبلخانات: خشكلدى القوامى الناصرى، وتنم الحسينى الأشرفى ثانى رأس نوبة، ومن أمراء العشرات: قانى باى السيفى يشبك بن أزدمر، وقلمطاى الإسحاقى، وقنبك الصغير الأشرفيان، وسنطباى قرا الظاهرى. وفيه ورد الخبر بأن جانم نائب الشام كان عدّى الفرات في جمع كثير من المماليك وتركمان حسن بك بن قرايلك، وسار بعساكره حتى وصل إلى تل باشر من أعمال حلب، وتجهّز جانبك نائب حلب لقتاله، ففى الحال عيّن السلطان تجريدة إلى حلب لقتال جانم: أربعمائة مملوك. ثم أضاف إليهم مائتين، وعليهم أربعة أمراء من مقدمى الألوف، وهم: جانبك الظاهرى الدّوادار الكبير، ويلباى المؤيدى الأمير آخور الكبير، وأزبك الظاهرى، وجانبك قلقسيز الأشرفى، وثلاثة عشر أميرا من أمراء الطبلخانات والعشرات. ثم نودى في يوم الثلاثاء خامس عشر شوال بالنفقة فيمن عيّن إلى التجريدة المذكورة. ثم أصبح من الغد في يوم الأربعاء رسم بإبطال التجريدة، وسبب ذلك ورود الخبر من نائب حلب بعود جانم على أقبح وجه، وأن جماعة كثيرة من مماليكه فارقوه، وقدموا إلى مدينة حلب.

وأمر رجوع جانم أنه كان لما وصل إلى تلّ باشر وقع بينه وبين تركمان حسن بك الذين كانوا معه كلام طويل، ذكرناه في «الحوادث» ، فتركوه وعادوا، فتلاشى أمر جانم لذلك وعاد. وفي يوم الخميس سابع عشر شوال خرج الأمير بردبك الظاهرى أمير حاج المحمل بالمحمل إلى بركة الحاج دفعة واحدة، وكانت العادة قديما أن ينزل بالرّيدانية، ثم يرحل إلى بركة الحاج، وكان أمير الركب الأول في هذه السنة الناصرى محمد ابن الأتابك جرباش المحمدى. وفي يوم الاثنين حادى عشرينه استقرّ القاضى محب الدين بن الشّحنة قاضى قضاة الحنفية بالديار المصرية بعد استعفاء شيخ الإسلام سعد الدين سعد بن الدّيرى، لضعف بدنه وكبر سنه، واستقرّ أخوه القاضى برهان الدين إبراهيم بن الدّيرى كاتب السّرّ الشريف عوضا عن قاضى القضاة محب الدين بن الشّحنة المقدم ذكره. وفي يوم الخميس رابع عشرينه استقرّ القاضى نور الدين بن الإنبابى عين موقعى الدست الشريف في نيابة كتابة السّرّ، بعد عزل لسان الدين حفيد القاضى محب الدين ابن الشّحنة، فحينئذ أعطى القوس لراميه، والقلم لباريه، فإنه حق لهذه الوظيفة وأهل لها. ثم في رابع ذى القعدة توفيت بنت خوند الأحمدية زوجة السّلطان، وهى بنت أيرك الجكمى، أحد أمراء دمشق، وقد تزوجها الزينى عبد الرحيم ابن قاضى القضاة بدر الدين العينى، فولدت منه الشهابى أحمد بن العينى الآتى ذكره في محله «1» . وفي يوم الاثنين سادس ذى القعدة عزل السلطان القاضى برهان الدين إبراهيم بن الديرى عن وظيفة كتابة السّر بعد أن باشرها خمسة عشر يوما، وكان سبب عزله أنه

لما ماتت بنت خوند المقدم ذكرها في يوم السبت قال ابن الديرى: ورد في الأخبار المنقولة عن الأفاضل أنه ما خرج من بيت ميّت في يوم السبت إلا وتبعه اثنان من أكابر ذلك البيت «1» ، وشغرت كتابة السّرّ بعده مدّة، وباشر الوظيفة القاضى نور الدين الإنبابى نائب كاتب السّرّ. وفي يوم الخميس سادس عشره ورد الخبر من البحيرة بأن العساكر واقع عرب لبيد وقتل من عسكر السلطان أميران: تنبك الصغير الأشرفى، وسنطباى قرا الظاهرى، وجماعة من المماليك، وسبب قتلهم أمر ذكرناه في «الحوادث» ، إذ هو محل إطناب فى الواقع، وحاصل الخبر أن الذين قتلوا هؤلاء هم عرب الطاعة في الغوغاء لا عرب لبيد. ثم في يوم الاثنين عشرين من ذى القعدة خلع السلطان على القاضى زين الدين أبى بكر بن مزهر ناظر الجيش باستقراره في وظيفة كتابة السّرّ مسئولا في ذلك، مرغوبا في ولايته، واستقرّ القاضى تاج الدين عبد الله بن المقسى في وظيفة نظر الجيش عوضا عنه. وفي يوم الخميس ثانى عشرين ذى الحجة توعّك السلطان في بدنه من إسهال حصل له، ولم ينقطع عن صلاة الجمعة بجامع القلعة الناصرى مع الأمراء على العادة، واستمرّ به الإسهال إلى يوم سادس عشرينه خرج من الدهيشة إلى الحوش، وجلس على الدكة. وحضرت أكابر الأمراء الخدمة بالحوش المذكور، وعلى وجه السلطان أثر الضعف، كل ذلك وهو ملازم للفراش غير أنه يتجلّد، ويجلس على الفرش بقاعة البيسريّة، والناس تدخل إليه بها للخدمة على العادة.

وفي هذا اليوم حضر إلى القاهرة مبشر الحاج، وهو غير تركى، رجل من العرب وهذا غير العادة، وما ذاك إلا مخافة السبل، وعدم الأمن بالطريق، فأعاب الناس ذلك على أرباب المملكة. وفي هذه السنة أخذ حسن بك بن على بك بن قرايلك مدينة حصن كيفا «1» ، ثم أخذ قلعتها في ذى القعدة بعد ما حاصرها سبعة أشهر، وانقطع من الحصن ملك الأكراد الأيوبية، بعد ما ملكوها أكثر من مائتى سنة، وذلك بعد قتل صاحبها الملك خلف بيد بعض أقاربه، فاختلف الأكراد فيما بينهم، فوجد حسن بك بذلك فرصة في أخذها، فحاصرها حتى أخذها، وقوى أمر حسن بأخذها، فإنه أخذ بعد ذلك عدة قلاع ومدن من أعمال ديار بكر من تعلقات الحصن وغيره.

ما وقع من الحوادث سنة 867

[ما وقع من الحوادث سنة 867] واستهلت سنة سبع وستين وثمانمائة وجميع نواب البلاد الشامية مقيمون بحلب مخافة هجوم جانم عليها، والسلطان ملازم الفراش، فلما كان أوّل المحرم دقّت البشائر لعافية السلطان ثلاثة أيام. وفي يوم الخميس سادس المحرم خلع السلطان على الأطباء وعلى السّقاة وعلى من له عادة. ثم في يوم الأربعاء تاسع عشره «1» وصل أمير الركب الأول الناصرى محمد ابن الأتابك جرباش، ودخل أمير حاج المحمل الأمير بردبك من الغد، ومن غريب الاتفاق أنى سألت الناصرىّ محمد ابن الأتابك جرباش: «متى بلغكم مرض السلطان؟» فقال: «فى المدينة الشّريفة» ، فحسبنا الأيام، فكان يوم سمعوا فيه خبر مرضه قبل أن يمرض بيوم أو يومين. وفي يوم الخميس حادى عشر صفر استقرّ علىّ بن الأهناسى في وظيفتى الوزر والخاص، ولبس في هذا اليوم وظيفة الخاص عوضا عن القاضى شرف الدين موسى الأنصارى، والوزر عوضا عن شرف الدين يحيى بن صنيعة. وفي يوم الثلاثاء أوّل شهر ربيع الأوّل استقرّ القاضى علم الدين بن جلود كاتب المماليك السلطانية. وفي يوم الأحد ثالث عشره عمل السلطان المولد النبوى بالحوش من قلعة الجبل، على العادة من كل سنة، وأصبح من الغد عمل مولدا آخر لزوجته خوند الأحمدية. ثم في يوم السبت سادس عشرينه «2» ، استقرّ الزينى قاسم الكاشف أستادارا، بعد أن اختفى الأمير زين الدين الأستادار. ثم في يوم الثلاثاء ثالث عشر «3» شهر ربيع الآخر ورد الخبر من جانبك التّاجى

نائب حلب أن جانم نائب الشّام قتل بمدينة الرّها «1» ، وقد اختلف في قتله على أقاويل ذكرناها في «الحوادث» . وفي يوم الاثنين ثالث جمادى الأولى استقرّ بلاط دوادار الحاج إينال في نيابة صفد دفعة واحدة من غير تدريج- ببذل المال- عوضا عن خيربك القصروى، وتوجه خيربك على إمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق عوضا عن يشبك آس قلق المؤيّدى، بحكم استقرار يشبك المذكور في نيابة عزّة بعد موت شادبك الصارمى، ثم تغيّر ذلك بعد أيام؛ لامتناع يشبك من نيابة غزّة، واستمرّ يشبك على إمرته بدمشق، فصار خيربك بطّالا بالشام، ثم رسم السلطان أن يستقر شاد بك الجلبّانى في نيابة غزّة بعشرة آلاف دينار، وإن امتنع شادبك من نيابة غزّة حمل إلى قلعة دمشق، ويؤخذ منه العشرة آلاف دينار. وفيه استقرّ أزدمر الإبراهيمى مسفّر بلاط نائب صفد، واستقرّ سودون البردبكّى الفقيه المؤيّدى مسفّرا لمن يستقر في نيابة غزّة. ثم في يوم الاثنين ثانى جمادى الآخرة استقرّ الصاحب شمس الدين منصور أستادارا عوضا عن قاسم الكاشف. وفي يوم السبت رابع عشره رسم السلطان بعزل إينال الأشقر عن نيابة ملطية بالأمير يشبك البجاسى أتابك حلب، واستقرّ إينال الأشقر أتابك حلب عوضه. وفي سلخ هذا الشهر سافرت خوند الأحمدية زوجة السلطان إلى زيارة الشيخ أحمد البدوى «2» . وفي يوم الاثنين أول شهر رجب سافرت الغزاة في بحر النيل إلى ثغر دمياط، ليتوجهوا من الثغر إلى جزيرة قبرس، وكان على هذه الغزاة الأمير بردبك الظاهرى

حاجب الحجاب، والأمير جانبك قلقسيز الأشرفى، واثنا عشر أميرا آخر، هم: بردبك التاجى، وقانصوه المحمدى، وقانصوه الساقى، ويشبك الأشقر، ثم خيربك من حديد، وقلطباى، وكلهم أشرفية برسبائية، ثم تنم الفقيه المؤيّدى، ثم يشبك القرمى وتمرباى السلاح دار، وقانصوه، وهؤلاء الثلاثة ظاهرية جقمقيّة، ثم من السّيفيّة مغلباى الجقمقى، وتنبك السّيفى جانبك النور، ونحو خمسمائة مملوك من المماليك السلطانية وهذا خلاف المطوعة والخدم، وأرباب الصنائع وغيرهم. وفيه ظهر الأمير زين الدين، وطلع إلى السلطان، ولبس كامليّة، واستقرّ أستادارا على عادته، بعد عزل منصور والتّرسيم عليه. وفي يوم الاثنين خامس عشره أدير المحمل «1» على العادة. وفي يوم الثلاثاء سادس عشره استقرّ الأمير جكم الأشرفى خال الملك العزيز في نيابة غزّة، بعد ما شغرت مدة طويلة. وفي يوم الاثنين تاسع عشرين رجب استقرّ بدر الدين حسين بن الصواف قاضى الحنفية بالديار المصرية، عوضا عن قاضى القضاة محب الدين بن الشحنة بحكم عزله. وفيه جهّز السلطان تجريدة إلى البحيرة عليها أميران من أمراء الألوف، وهما جانبك الناصرى المرتد، وقانى بك المحمودى المؤيّدى، وجماعة أخر من أمراء الطبلخانات والعشرات. وفيه ثارت مماليك السلطان الأجلاب عليه، ومنعوا أرباب الدّولة والأمراء وغيرهم من الطلوع إلى القلعة للخدمة السلطانية، وضربوا الأمير جوهرا مقدّم المماليك، وهجموا على سودون القصروى نائب القلعة، ثم بطلت الفتنة، لأمر حكيناه في «الحوادث» .

وفي يوم الخميس خامس عشر شهر رمضان استقرّ الزّينى مثقال الظاهرى المعروف بمثقال الحبشى، نائب مقدم المماليك، بعد عزل صندل الظاهرى بحكم عزله. وفي ليلة السبت ثامن شوال تسحّب على بن الأهناسى، وشغرت عنه وظيفتا الخاص والوزر، فاستقرّ عوضه في الوزر الصاحب مجد الدين بن البقرى، وفي الخاص القاضى تاج الدين بن المقسى، مضافا للجيش. وفي يوم الاثنين سابع عشره خرج الأمير بردبك هجين الظاهرى أمير حاج المحمل بالمحمل إلى بركة الحاج، وأمير الركب الأول الشهابى أحمد بن الأتابك تنبك. وفي يوم الخميس العشرين من ذى القعدة أعيد قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى لمنصب القضاء، بعد عزل قاضى القضاة شرف الدين المناوى. وفي ليلة الجمعة سادس عشرين ذى القعدة عمل عظيم الدولة الأمير جانبك الظاهرى الدّوادار وليمة عظيمة بالقبّة التي بناها تجاه جزيرة الروضة، وقد احتفل لهذه الوليمة احتفالا عظيما وحضرها جميع أعيان الدولة بأسرهم، ما خلا بعض أمراء الألوف، لعدم طلبهم، وقد حكينا أمر هذه الوليمة في تاريخنا «حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور» ومن عظم هذه الوليمة لهج الناس بأنها تمام سعده، فلما كان يوم الثلاثاء أوّل ذى الحجة قتل الأمير جانبك المذكور بقلعة الجبل، داخل باب القلّة، تجاه باب الجامع الناصرى الشرقى فى الغلس قبل تباين الوجوه، وقتل معه خچداشه الأمير تنم رصاص الظاهرى محتسب القاهرة وأحد أمراء الطبلخانات، وكان قتلهما بيد المماليك الأجلاب الذين أنشأهم الملك الظاهر خشقدم. ولما أن طلع النهار المذكور قبض السلطان في الحال على ستة أمراء من الظاهرية، وهم: سودون الشمسى [المعروف بالبرقى] «1» الأمير آخور الثانى، وقانصوه اليحياوى، وأزدمر، وطومان باى، ودمرداش، وتغرى بردى ططر، والجميع رءوس نوب،

فحمل سودون البرقى من الغد إلى سجن الإسكندرية، وأطلق طومان باى وأزدمر ودمرداش، وأخرج قانصوه وتغرى بردى إلى البلاد الشامية، واضطرب لهذه الواقعة أمور المملكة، وتخوّف كلّ أحد على نفسه، ويأبى الله إلا ما أراد. وفي يوم الاثنين سابع ذى الحجة استقرّ يشبك من سلمان شاه «1» المؤيّدى الفقيه دوادارا كبيرا، بعد قتل الأمير جانبك، فولى يشبك وظيفته، ولم يل مجده ولا ثناءه ولا همته ولا حرمته ولا شهامته ولا عظمته، ولقد كان به تجمل في الزمان، ولا قوة إلا بالله. واستقرّ سودون البردبكى المؤيّدى في حسبة القاهرة، عوضا عن تنم رصاص بعد قتله أيضا، واستقرّ نانق الظاهرى أمير آخور ثانيا عوضا عن سودون الشمسى، بحكم حبسه. وفي يوم السبت ثالث عشره استقرّ المعلم محمد البباوى- أحد معاملى اللحم- ناظر الدولة دفعة واحدة، وترك زىّ الزّفورية «2» السوقة، ولبس زىّ المباشرين الكتاب، ولبس خفّا ومهمازا، وركب فرسا، وهو أمىّ لا يحسن القراءة ولا الكتابة، فكانت ولايته لهذه الوظيفة من أقبح ما وقع في الدولة التركية بالديار المصرية، وقد استوعبنا من حال البباوى هذا نبذة كبيرة في تاريخنا «الحوادث» ، لا سيما لما ولى الوزارة، فكان ذلك أدهى وأمرّ، وبالجملة إن ولاية البباوى للوزر كان فيها عار على مملكة مصر إلى يوم القيامة. وفي صبيحة يوم الاثنين ثامن عشرين ذى الحجة أمسك السلطان أربعة أمراء من أكابر أمراء الظاهرية بالقصر السلطانى، وكان الذي تولى قبضهم جماعة أيضا من المماليك الأجلاب «3» ، وحبسوا بالبرج من قلعة الجبل، وقيدوا إلى الرابعة من النهار المذكور،

وحملوا على البغال على العادة إلى سجن الإسكندرية، والأمراء المذكورون أعظمهم تمربغا الظاهرى رأس نوبة النوب، وأزبك من ططخ الظاهرى أحد مقدّمى الألوف، وبرقوق الناصرى ثم الظاهرى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، وقانى باى الساقى الظاهرى أيضا أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، ولما انفضّ الموكب منع السلطان الأمراء من النزول إلى دورهم، ورسم بإقامتهم بالحوش السلطانى مخافة أن يحدث منهم أمر لا سيما ممن بقى من أمراء الظاهرية، ولهج الناس بزوال الظاهرية، وتهيأ من بقى منهم وأوصى، وكثرت المقالة بمصر، وأرجف بالركوب والفتنة، واستمرّ الأمراء بالحوش جلوسا يومهم كله، إلى أن دخلت ليلة الثلاثاء تاسع عشرين ذى الحجة ولم يتحرك أحد بحركة، وقد عمّ الخوف الناس جميعا؛ لأن السلطان صار يخاف من وثوب الظاهرية عليه، والظاهرية تخاف من قبض السلطان عليهم، والناس خائفون من الفتنة، هذا والهرج موجود بين الناس. فلما كان بعد صلاة عشاء الآخرة بلغ السلطان أن مماليكه الأجلاب الذين ملكهم من مماليك الملك الأشرف إينال، وأجرى عليهم العتق وقرّبهم وجعلهم خاصكية، وهم الذين قتلوا جانبك الدّوادار وتنم رصاص، وهم أيضا الذين تولوا قبض الأمراء الأربعة، قد اتفقوا مع بقية خچداشيتهم على قتل السلطان في هذه الليلة، ثم على قتل جميع الأمراء بالحوش السلطانى، ما خلا واحدا منهم، يبقوه ليسلطنوه عوضا عن أستاذهم الملك الظاهر خشقدم، ثم يصير بعد ذلك أمر المملكة بيدهم، فلم يكذب السلطان هذا الخبر، وحار فى نفسه كيف يفعل، وضاق عليه فضاء الأرض؛ لكون الذي طرقه إنما هو من مماليكه، وهم الذين يستعزّ بهم على غيرهم من جنده، فلم يجد بدّا من الاعتذار مع الظاهرية، وأن يصطلح معهم، ويعتذر إليهم في الليل، ويطيّب خاطرهم، فأرسل من طلب الأمير قايتباى الظاهرى شاد الشراب خاناه في الليلة المذكورة، فحضر هو وجماعة كثيرة من خچداشيته وأصحابه، وطلع من باب السلسلة إلى الحوش السلطانى راكبا، هو وجميع من حضر معه، وكانوا خلائق، ودخل قايتباى إلى السلطان بقاعة الدهيشة،

ما وقع من الحوادث سنة 868

فقام إليه السلطان وعانقه واعتذر إليه؛ وأمر في الحال بإحضار خچداشيته الذين أرسلهم إلى سجن الإسكندرية، وطلع النهار فخرج السلطان من القاعة إلى مقعد البحرة بالحوش السلطانى، وفعل ما أرضى به الظاهرية. قلت: كان في تدبير الملك الظاهر في إحضار الظاهرية على الوجه المحكى وهم بالسلاح والرجال، زوال ملكه لو قدر لغيره، فإنه لما أرسل إلى الأمير قايتباى، وجاء الأمير قايتباى ومعه تلك الخلائق وعليهم السلاح، وليس عند السلطان سوى الأمراء الذين كانوا بالحوش، وليس عند الأمراء أحد من مماليكهم ولا عليهم آلة الحرب، ولا عند السلطان أيضا بالقاعة من مماليكه إلا جماعة قليلة جدا، وجميع من كان عند السلطان بأسرهم لا يقدرون على دفع بعض من كان مع الأمير قايتباى، بل لو أراد قايتباى المذكور الوثوب على الأمر والفتك بالسلطان لأمكنه ذلك، ولم أدر ما طرق السلطان من الأمر العظيم حتى فعل ذلك، وكان يمكنه أن يفعل ما شاء ولو كان ما طرقه أهم من ذلك وأعظم، وما عسى أن تصل يدهم من الفعل به من شهامة السلطنة وعز الملك وعنده أمراؤه وأعيان مملكته، ولم يملك أحد منه الزردخاناه ولا بابا من أبواب القلعة، وباب السلسلة والإسطبل السلطانى بيده، والمماليك السلطانية ملء الديار المصرية من سائر الطوائف، ولكن ليقضى الله أمرا كان مفعولا. [ما وقع من الحوادث سنة 868] ثم أرسل السلطان في الحال بالإفراج عن الأمير تمربغا الظاهرى، وعن خچداشيته الذين أمسكوا معه، ومجيئهم إلى الديار المصرية بعزّ وإكرام، فأفرج عنهم وحضروا إلى الديار المصرية في يوم الاثنين خامس المحرم من سنة ثمان وستين وثمانمائة، وباتوا تلك الليلة في بيت يشبك الدّوادار، وطلعوا إلى القلعة من الغد وقبّلوا الأرض، فخلع السلطان على كل من تمربغا وأزبك كاملية بمقلب سمّور «1» ، ورسم لهم باستقرارهم على إقطاعاتهم ووظائفهم؛ لأن السلطان ما كان أخرج عن أحد منهم إقطاعه ولا وظيفته فإن غضبه عليهم كان يوما واحدا، وكذلك كان سجنهم بالإسكندرية.

وفي هذا اليوم استقرّ يونس بن عمر بن جربغا العمرى دوادار الطواشى فيروز النّوروزى وزيرا، وكانت خلعته أطلسين بخلاف خلعة الوزر؛ لكونه يتزيا بزى الجندى. وفي يوم الخميس ثامن المحرم سنة ثمان وستين أعيد قاضى القضاة محب الدين بن الشّحنة إلى قضاء الحنفية بالديار المصرية، بعد موت بدر الدين حسن بن الصواف. وفي يوم الاثنين ثانى عشره نودى بشوارع القاهرة: أن أحدا من الأعيان لا يستخدم ذميّا في ديوانه- أعنى من الكتبة وغيرهم- قلت: ما أحسن هذا لو دام أو استمرّ، فمنعت هذه المناداة أهل الذمّة قاطبة من التصرّف والمباشرة بقلم الديونة بوجه من الوجوه بأعمال مصر، وكتب بذلك إلى سائر الأقطار، ثم عقد السلطان بالصالحية [ببين القصرين] «1» عقد مجلس بالقضاة الأربعة، وحضره الدوادار الكبير، وجماعة من الأعيان بسبب هذا المعنى، وقرئت العهود المكتتبة قديما على أهل الذّمة، فوجدوا فى بعضها أن أحدا من أهل الذمة لا يباشر بقلم الديونة عند أحد من الأعيان، ولا في عمل من الأعمال، وأشياء من هذه المقولة، إلى أن قال فيها: ولا يلف على رأسه أكثر من عشرة أذرع، وأن نساءهم يتميزن من نساء المسلمين بالأزرق والأصفر على رءوسهن في مشيهن بالأسواق، وكذلك بشىء في الحمامات، فحكم قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى الشافعى بإلزام أهل الذمة بذلك جميعه، ما عدا الصرف والطبّ بشروطه، وصمم السلطان على هذا الأمر، وفرح المسلمون بذلك قاطبة، فأسلم بسبب ذلك جماعة من أهل الذمة من المباشرين، وعظم ذلك على أقباط مصر، ودام ذلك نحو السنة، وعاد كلّ شىء على حاله أوّلا، وبلغ السلطان ذلك فلم يتكلم بكلمة واحدة، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلى العظيم، وأين هذا من همّة الملك المظفر بيبرس الجاشنكير- رحمه الله- لما قام في بطلان عيد شبرا، ولبس النصارى

الأزرق واليهود الأصفر، فلله درّه ما كان أعلى همته، وأغزر دينه- رحمه الله تعالى ورضى عنه. وفي يوم السبت رابع عشرين المحرم نفى السلطان مملوكه أزبك، الذي كان من جملة مسفّرى الأمراء المتوجهين إلى الإسكندرية، وكان نفيه لأمر يعلمه السلطان. وفيه طلب السلطان جماعة من أمراء الألوف إلى داخل قاعة الدهيشة، وحلّفهم على طاعته بأيمان مغلظة. وفي يوم السبت ثانى صفر استقرّ أبو بكر بن صالح نائب ألبيرة في حجوبية حجّاب حلب، بعد استقرار تغرى بردى بن يونس في نيابة قلعة حلب، واستقرّ كمشبغا السيفى نخشباى نائب قلعة حلب في نيابة ألبيرة. وفي يوم الاثنين رابع صفر رسم السلطان أن يفرج عن الأمير سودون الشمسى المعروف بالبرقى من سجن الإسكندرية، وحضوره إلى القاهرة، بعد أن أنعم السلطان عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق. ثم في يوم السبت أمسك السلطان برسباى الخاصكى أحد المماليك الذين أخذهم من تركة الملك الأشرف إينال، وهو أحد من تولّى قتل جانبك الدّوادار، ثم ممن أراد قتل السلطان بعد ذلك في تلك الليلة المقدم ذكرها، وضربه بين يديه ضربا مبرحا، ثم أمر بتوسيطه، فوسّط بين يديه بالحوش، وكان السلطان وسّط قبله آخر من مماليكه يسمى قانم. ثم في يوم الاثنين حادى عشره أعيد الصاحب مجد الدين بن البقرى إلى الوزر بعد تسحّب يونس بن جربغا. وفي يوم الخميس استقرّ شرامرد العثمانى المؤيّدى أحد أمراء العشرات بالديار المصرية دوادار السلطان بدمشق، وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه عوضا عن أزدمر الإبراهيمى بحكم القبض عليه. وفي يوم الثلاثاء ثالث شهر ربيع الأول أشيع بمجيء الغزاة من قبرس إلى سواحل

البلاد الشامية وغيرها بغير إذن السلطان، فغضب السلطان من ذلك غضبا شديدا، ولم يسعه إلا السكات. وفي يوم الأحد ثامنه عمل السلطان المولد النبوى على العادة، وعمل من الغد مولدا آخر لزوجته. وفي يوم الاثنين سادس عشره خلع السلطان على الشهابى أحمد بن عبد الرحيم ابن العينى ابن بنت زوجة السلطان باستقراره أمير حاج المحمل، بسفارة حج جدته زوجة السلطان في هذه السنة. وفيه استقر الصاحب مجد الدين بن البقرى أستادارا بعد اختفاء الأمير زين الدين، وطلب السلطان المعلم محمدا البباوى اللّحام «1» الذي كان استقرّ ناظر الدولة، وقرّره وزيرا بالدّيار المصرية، ولبس خلعة الوزر في يوم الثلاثاء سابع عشره. فيا نفس جدّى إنّ دهرك هازل «2» وقد ذكرنا أصل هذا البباوى، وسبب استقراره في «الحوادث» . ثم في يوم الجمعة سابع عشرينه وصلت الغزاة من سواحل متعددة، وخلع السلطان على الأمير بردبك، وعلى الأمير جانبك قلقسيز، وأنعم على كل واحد منهما بفرس بسرج ذهب وكنبوش زركش، وخلع على جميع من كان معهما من الأمراء، فأقام الأمير بردبك إلى يوم الاثنين سادس جمادى الأولى، وخلع عليه باستقراره في نيابة حلب، بعد عزل جانبك التاجى المؤيّدى، ومجيئه إلى القاهرة على إقطاع بردبك. وفي يوم الخميس تاسعه استقرّ الأمير أزبك من ططخ الظاهرى حاجب الحجاب عوضا عن بردبك المذكور.

وفي يوم سلخه ورد الخبر بموت الأمير تنم نائب الشام، وأحضر سيفه قانصوه الجلبّانى الحاجب الثانى بدمشق، فرسم السلطان للأمير جانبك التاجى المعزول عن نيابة حلب باستقراره في نيابة دمشق، عوضا عن تنم، وتعيّن قانى باى الحسنى المؤيّدى مسفّره، وأنعم السلطان بإقطاع بردبك- الذي كان عيّن «1» لجانبك التاجى «2» - على الأمير يشبك الدّوادار، وأنعم بإقطاع يشبك على مغلباى طاز المؤيدى، وكلاهما تقدمة ألف، لكن التفاوت في كثرة المتحصل، وأنعم بإقطاع مغلباى طاز على الأمير قايتباى شاد الشرابخاناه زيادة على إقطاعه، ليكون قايتباى أيضا من جملة مقدمى الألوف، فزيدت المقدمون تقدمة أخرى، واستقرّ نانق الظاهرى الأمير آخور الثانى شاد الشرابخاناه عوضا عن قايتباى، واستقرّ جانبك من ططخ الفقيه أمير آخور ثانيا عوضا عن نانق «3» . وفي يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى الآخرة عيّن السلطان إلى البحيرة تجريدة عليها الأمير أزبك حاجب الحجّاب، وصحبته من أمراء الطبلخانات جانبك الإسماعيلى كوهية الدوادار الثانى، وكسباى الشّشمانى الناصرى ثم المؤيدى، ومن العشرات أرغون شاه أستادار الصحبة، وقانم نعجة، وجانم أمير شكار، وتنبك الأشقر، والجميع أشرفية، وتغرى بردى الطيّارى، وقانصوه، وقانى باى الساقى، وهما ظاهريان، وأربعمائة مملوك من المماليك السلطانية. وفي يوم الأحد ثامن عشره ركب السلطان ونزل إلى بيت الأمير بردبك نائب حلب، ثم «4» خرج من عند بردبك «5» ودخل إلى برقوق الناصرى فلم يجده.

وفي يوم الاثنين تاسع عشره وصل سيف الأمير جانبك التاجى المعزول عن نيابة حلب والمتولى نيابة الشام بحلب قبل أن يخرج منها، فلما كان يوم الثلاثاء العشرون من جمادى الآخرة المذكورة رسم السلطان لبرسباى البجاسى نائب طرابلس بنيابة دمشق عوضا عن جانبك التاجى، وصار قانى باى الحسنى مسفّره أيضا، فإنه وافى قانى باى الحسنى موت جانبك وهو بقطيا متوجها إليه بتقليد نيابة الشام وتشريفه، فقرره السلطان مسفّر برسباى هذا، كما كان مسفّر جانبك، ثم رسم السلطان بانتقال جانبك الناصرى نائب حماة إلى نيابة طرابلس عوضا عن برسباى البجاسى، واستقرّ مسفّره الأمير لاجين الظاهرى، واستقرّ بلاط نائب صفد في نيابة حماة ومسفّره الأمير طوخ الأبوبكرى المؤيّدى الزردكاش، واستقر يشبك أوش «1» قلق المؤيّدى أحد أمراء الألوف بدمشق عوضا عن بلاط في نيابة صفد، واستقر الأمير خشكلدى البيسقى مسفّر يشبك هذا، وأنعم بإقطاع هذا على خچداشه شرامرد العثمانى المؤيّدى دوادار السلطان بدمشق. وفي يوم الجمعة ثالث عشرينه وصل قاصد صاحب قبرس جاكم، وأخبر أنه أخذ مدينة الماغوصة «2» وقلعتها من يد الفرنج، وأنّه سلّمها للأمير جانبك الأبلق المقيم بجزيرة قبرس بمن بقى معه من المماليك السلطانية، فأساء جانبك المذكور السيرة في أهل الماغوصة، ومدّ يده لأخذ الصبيان الحسان من آبائهم أعيان أهل الماغوصة فشقّ ذلك عليهم، وقالوا: نحن سلمناكم البلد بالأمان، وقد حلفتم لنا أنكم لا تفعلوا معنا بعد أخذكم المدينة إلا كل خير، وأنتم مسلمون، فما هذا الحال؟ فلم يلتفت جانبك الأبلق إلى كلامهم، واستمرّ على ما هو عليه، فأرسل أهل الماغوصة إلى جاكم عرفوه الخبر، فأرسل جاكم إلى جانبك ينهاه عن هذه الفعلة، فضرب جانبك القاصد المذكور، بعد أن أوسعه سبّا،

فأرسل إليه قاصدا آخر، فضربه جانبك بالنشّاب، فركب جاكم إليه من الأفقسية «1» مدينة قبرس، وجاء إليه وكلّمه، فلم يلتفت إليه، وخشّن عليه الكلام، فكلمه جاكم ثانيا، فضربه بشىء كان في يده، فسقط جاكم مغشيا عليه، فلما رأت الفرنج ذلك مدت أيديها إلى جانبك ومن معه من المسلمين بالسيوف، فقتل جانبك وقتل معه خمسة وعشرون مملوكا من المماليك السلطانية، وهذا معنى ما حكاه يعقوب الفرنجى قاصد جاكم الذي حضر إلى القاهرة رسولا من عند جاكم- والله أعلم- هذا مع اختلاف الروايات فى قتل جانبك ورفقته، واستولى جاكم على الماغوصة على أنه نائب بها عن السلطان، وعلى كل حال صارت الماغوصة بيد جاكم صاحب قبرس. ثم عيّن السلطان سودون المنصورى الساقى إلى رواح «2» قبرس مع يعقوب المذكور، فسافر سودون المذكور، ووقع له أمور ذكرناها في موضعها من تاريخنا «الحوادث» ثم في يوم السبت ثامن شهر رجب أعيد قاضى القضاة شرف الدين يحيى المناوى إلى منصب قضاء الشافعية «3» بعد موت قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى. ثم في يوم الاثنين عاشر رجب أدير المحمل، فلعبت الرمّاحة على العادة. وفي يوم السبت ثانى عشرينه عيّن السلطان تجريدة إلى البحيرة يردف بها الأمير قرقماس لأمر وقع له مع العرب، قتل فيه جماعة من المماليك السلطانية. ثم في يوم الأحد سابع شعبان وصل الأمير قرقماس بمن معه من البحيرة. وفي هذا الشهر ورد الخبر بأخذ قلعة كركر «4» ، وقتل نائبها جكم بحيلة من الأكراد.

وفي يوم الاثنين سادس شوال استقرّ الأمير بردبك هجين أمير جاندار «1» ، وكان لهذه الوظيفة مدة طويلة لا يليها إلا الأجناد، وكانت في القديم أجل الوظائف. ثم في يوم الجمعة تاسع عشرين ذى القعدة الموافق لعاشر مسرى أو في النيل، ونزل السلطان بنفسه، وخلّق المقياس وفتح خليج السد، ثم ركب وعاد إلى القلعة وبين يديه أربعة من أمراء الألوف، وعليهم الخلع التي خلعها السلطان عليهم، وقيد لكل واحد فرسا بسرج ذهب وكنبوش زركش، وهم: الأتابك جرباش، وقرقماس أمير سلاح، وقانم أمير مجلس، وتمربغا رأس نوبة النّوب، وباقى الأمراء عليهم الخلع لا غير، وتعجب الناس لنزول السلطان لكسر البحر، لبعد عهد الناس من نزول السلاطين إلى هذا المعنى، لأنه من سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة ما نزل سلطان، وكان الذي نزل في سنة ثلاث وثلاثين الملك الأشرف برسباى- رحمه الله. وفرغت هذه السنة.

ما وقع من الحوادث سنة 869

[ما وقع من الحوادث سنة 869] واستهلت سنة تسع وستين وثمانمائة ففى يوم السبت العشرين من المحرم أنعم السلطان على الأمير قانصوه المحمدى الساقى الأشرفى أحد أمراء العشرات بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، وأنعم ببعض إقطاع قانصوه هذا على الأمير قانصوه اليحياوى الظاهرى. وفي يوم الثلاثاء ثالث عشرينه وصل الشرفى يحيى بن يشبك الفقيه الدّوادار، وهو أمير الركب الأول إلى القاهرة، وأصبح من الغد وصل الشهابى أحمد بن العينى أمير حاج المحمل بالمحمل، وصحبته جدته خوند زوجة السلطان. وفي يوم الاثنين تاسع عشرينه استقرّ شرامرد العثمانى حاجب حجاب دمشق. وفي يوم الاثنين سابع عشرين صفر استقرّ الأمير منصور أستادارا عوضا عن الأمير زين الدين. وفي يوم الاثنين رابع عشرين شهر ربيع الآخر استقر ألماس الأشرفى دوادار السلطان بحلب في نيابة ألبيرة، بعد موت قانى باى طاز البكتمرى، واستقرّ على بن الشيبانى عوضه في دوادارية حلب. وفي ثامن جمادى الأولى ورد الخبر بتسليم كركر إلى أعوان حسن بك ابن قرايلك. وفي يوم الاثنين ثالث عشر شهر رجب أدير المحمل على العادة، وقاست الناس من الأجلاب شدائد. ثم في يوم الخميس سلخ رجب قدم الخبر بموت الأمير جانبك الناصرى نائب طرابلس. وفي يوم الخميس سابع شعبان استقر سودون الأفرم الخازندار مسفّر الناصرى محمد ابن المبارك من نيابة حماة إلى نيابة طرابلس، واستقرّ الأمير كسباى الشّشمانى

المؤيّدى مسفّر يشبك البجاسى أحد أمراء حلب باستقراره في نيابة حماة، وكلاهما صولح ولم يسافر. وفي يوم السبت ثالث عشرينه نفى السلطان يشبك الساقى أحد مماليكه الأجلاب إلى الشام. ثم في يوم الثلاثاء ثامن عشر رمضان رسم السلطان بنفى الأمير الكبير جرباش المحمدى الناصرى المعروف بكرد إلى ثغر دمياط بطّالا، فخرج من الغد. وفي يوم الخميس العشرين من رمضان استقرّ الأمير قانم من صفر خجا المؤيّدى المعروف بالتاجر أمير مجلس أتابك العساكر عوضا عن جرباش المذكور. ثم في يوم الاثنين رابع عشرينه استقر الأمير تمربغا رأس نوبة النّوب أمير مجلس بعد الأتابك قانم، واستقرّ الأمير أزبك حاجب الحجاب عوضه رأس نوبة النّوب، واستقرّ الأمير جانبك قلقسيز الأشرفى حاجب الحجاب عوضا عن أزبك، وأنعم السلطان بإقطاع الأتابك قانم على الشهابى أحمد بن العينى. قلت: هنا نكتة طريفة، وهى أن يوم رابع عشرين من الأيام السبعة المكروهة «1» عند الناس، وهؤلاء الأربعة الذين تولوا فيه لم يلقوا إلا كل خير، فإن الأمير تمربغا لا يزال أمره ينمو ويزداد في هذه الوظيفة إلى أن صار سلطانا، وأزبك إلى أن صار أتابك العساكر، وجانبك قلقسيز إلى أن صار أيضا أتابك العساكر، وابن العينى إلى إمرة مجلس، والعجب أنهم من يوم تاريخه صاروا في خير وسلامة إلى أن كان من أمرهم ما كان، فأى شؤم حصل بولايتهم في هذا اليوم؟! والحق هو ما أقوله: إن كل شىء لم يأت به كتاب الله ولا سنة رسول الله فهو مردود على قائله، والسلام. ودام جرباش كرد هذا بدمياط نحو سبع سنين. ثم في يوم الثلاثاء ثالث عشر ذى الحجة أو في النيل «2» ، ونزل السلطان خلّق المقياس، وفتح السّدّ كما السنة الخالية.

ما وقع من الحوادث سنة 870

[ما وقع من الحوادث سنة 870] واستهلت سنة سبعين وثمانمائة ففى أولها رسم السلطان الظاهر خشقدم بتحويل السنة الخراجية على العادة «1» . وفي يوم السبت أول المحرم وصل نجّاب، وهو مبشر الحاج، وأخبر بالأمن والسلامة. وفي يوم الأربعاء ثانى عشره وصلت الأمراء الخمسة بمن معهم من أمراء الطبلخانات والعشرات والمماليك السلطانية من البحيرة. وفيه استقرّ القاضى علاء الدين بن الصابونى قاضى قضاة دمشق الشافعية، بعد عزل القاضى جمال الدين الباعونى، وأضيف إليه نظر جيش دمشق، عوضا عن البدرى حسن ابن المزلق، وباشر علاء الدين المذكور قضاء دمشق سنين كثيرة، وهو مقيم بديار مصر، ونوّابه تحكم بدمشق، وهذا شىء لم يقع لغيره في دولة من الدول. وفي يوم السبت ثانى عشرينه وصل الأمير خشكلدى القوامى أمير الركب الأول، ووصل من الغد أمير حاج المحمل جانبك قلقسيز بالمحمل، وكان وصل قبلهما الأمير قانى بك المحمودى المؤيّدى أحد مقدّمى الألوف بالديار وكان حج في هذه السنة. وفي هذه الأيام زاد فساد المماليك الأجلاب، وعظم شرهم وظلمهم. فلما كان يوم السبت ثالث عشر صفر نودى بالقاهرة بأن أعيان التجار والسوقة تطلع من الغد إلى القلعة، وطلعوا وقد ظن كل أحد منهم أن السلطان ينظر في أمرهم مع المماليك الأجلاب، فعند طلوعهم ركب السلطان ونزل إلى جهة القرافة وغيرها، ثم طلع إلى القلعة، وجلس على الدكة، وحضر التجار المطلوبون وغيرهم، فلما تمثلوا بين يديه كلمهم السلطان بكلام معناه: أنهم لا يشترون شيئا من القماش بالجريدة، وأن يخبروا

المشترى بالحق، وأشياء من هذه المقولة، ولم يبد في أمر الأجلاب بشىء، فراحوا مثل ما جاءوا. وفي يوم الخميس ثالث ربيع الأول استقر الأمير خيربك الخازندار الظاهرى أمير حاج المحمل، واستقر الأمير كسباى الشّشمانى المؤيّدى أمير الركب الأوّل. وفي يوم الاثنين سابع شهر ربيع الأول استقر الأمير خشكلدى البيسقى محتسب القاهرة بعد عزل سودون البردبكى المؤيّدى الفقيه. وفي هذه الأيام عزل يشبك آس قلق المؤيّدى عن نيابة صفد بجكم الأشرفى خال الملك العزيز يوسف نقلا من نيابة غزّة، وتوجه يشبك المذكور على إمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، واستقرّ في نيابة غزّة الأمير إينال الأشقر الظاهرى أتابك حلب، واستقر في أتابكية حلب بعده ألماس الأشرفى نائب ألبيرة، واستقر في نيابة ألبيرة شادبك الصغير الجلبّانى، وهو رجل من الأحداث قدّمه المال. وفي يوم الجمعة حادى عشره ثارت المماليك الجلبان على السلطان، وأفحشوا في طلب تتريات «1» صوف المعدة للأسفار والصيد، ولهم حكاية طويلة ذكرناها في «الحوادث» ، وكان السلطان عزم على التوجّه إلى الصيد، فما وسعه إلا أنه أبطل الرّواح إلى الصيد. وفي يوم الأحد ثالث عشره عمل السلطان المولد النبوى بالحوش على العادة. وفي يوم الخميس سابع عشره استقر الأمير برسباى قرا الظاهرى مسفّر جكم نائب صفد، واستقرّ كسباى الظاهرى خشقدم أحد الدوادارية الصغار مسفّر نائب غزّة. وفي يوم الاثنين ثامن عشرينه أمسك السلطان منصورا الأستادار وحبسه بقلعة الجبل، وأمسك عن سداد لا عن عجز، وأعيد الأمير زين الدين إلى الأستادارية،

ودام منصور في الحبس والعقوبة إلى أن آل أمره إلى ضرب الرقبة بالشّرع على ما زعموا. وفي يوم السبت وصل سيف ملك أصلان بن سليمان بن ناصر الدين بك بن دلغادر نائب أبلستين، وذكروا أنه قتله فداوىّ، ولا يلزمنى ذكر اسم من أرسل إليه الفداوى. وفي يوم الخميس تاسع عشرينه عزل السلطان الأمير جوهرا النّوروزىّ مقدّم المماليك السلطانيّة بنائبه الأمير مثقال الظاهرى الحبشى، واستقرّ عوضه في نيابة المقدم خادم أسود دكرورى من أصاغر الخدّام لا أعرفه قبل ذلك، يسمى خالصا. وفي يوم السبت ثامن جمادى الآخرة عقد السلطان عقده على جاريته سوارباى الچاركسية أم ابنته، وجعلها خوند الكبرى صاحبة القاعة، وذلك بعد موت زوجته خوند شكرباى الأحمدية الناصرية فرج بن برقوق، وكان العاقد القاضى الحنفى محب الدين ابن الشّحنة. وفي يوم الخميس ثالث عشره ولى القاضى صلاح الدين المكينى قضاء الشافعية بالديار المصرية بعد عزل قاضى القضاة شرف الدين يحيى المناوى. وفيه أيضا استقرّ القاضى برهان الدين إبراهيم بن الدّيرى قاضى قضاة الحنفية أيضا بالديار المصرية بعد عزل قاضى القضاة محب الدين بن الشّحنة الحنفى. وفيه استقر الأمير أرغون شاه الأشرفى أستادار الصحبة أمير حاج الرّكب الأوّل بعد موت الأمير كسباى المؤيّدى- رحمه الله تعالى. وفي يوم الخميس ثالث عشره استقرّ قاسم صيرفى اللحم المعروف بجغيتة وزيرا بالدّيار المصريّة، وقلع لبس العوام والسّوقة، وتزيّا بزى الكتاب، وركب فرسا. واستقرّ في نظر الدّولة شخص آخر من مقولة قاسم جغيتة، اسمه عبد القادر، لم أعرفهما قبل تاريخه، وكان لبسهما لهاتين الوظيفتين عارا كبيرا على ملوك مصر إلى يوم القيامة، ولى على من ولّاهما حجج لا يقوم أحد بجوابها، وليس لأحد في ولايتهما عذر مقبول، وآفة هذا كلّه عدم المعرفة وقلّة التدبير، وإلا ما ضيّق الله على ملك

مصر حتى يكون له وزير مثل هذا، ومثل أستاذه محمد البباوى المقدّم ذكره، وقد تكلمنا في ولاية البباوى للوزر كلاما طويلا فيه كفاية عن الإعادة هنا، وذلك فى تاريخنا «حوادث الدهور» ، وقد أنشدنى بعض رؤساء ديار مصر في يوم ولاية قاسم للوزر أبيات الطّغرائى من قصيدته لامية العجم- رحمه الله تعالى: [البسيط] . ما كنت أوثر أن يمتدّ بى زمنى ... حتى أرى دولة الأوغاد والسّفل هذا جزاء امرئ أقرانه درجوا ... من قبله، فتمنى فسحة الأجل وفي هذه الأيّام عيّن السلطان تجريدة إلى البلاد الحلبية نجدة لشاه بضع بن دلغادر نائب أبلستين، ليعينوه على قتال أخيه شاه سوار بن دلغادر، وفي التجريدة سبعة «1» أمراء من أمراء الألوف، وهم: الأتابك قانم، وتمربغا أمير مجلس، ويلباى الأمير آخور الكبير، وقانى بك المحمودى المؤيّدى، وبردبك هجين أمير جاندار، وقايتباى المحمودى الظاهرى، وجماعة كبيرة أخر من أمراء الطبلخانات والعشرات يأتى ذكر «2» أسمائهم عند سفرهم إن تم ذلك، ثم بطلت التجريدة بعد أيام. وفي يوم الثلاثاء أول شعبان استقرّ الكاتب شرف الدين بن كاتب غريب أستادارا عوضا عن الأمير زين الدين يحيى الأستادار. وفي يوم الجمعة أول شوال خطب فيه خطبتان بالقاهرة وغيرها، وتشاءم الناس بذلك على الملك فلم يقع إلا خير. وفي يوم السبت سادس عشر شوال استقرّ الأمير جانبك الإسماعيلى المعروف بكوهيّة الدوادار الثانى أمير مائة ومقدّم ألف، عوضا عن الأمير جانبك الناصرى المعروف بالمرتد، بحكم كبر سنه وعجزه عن الحركة، وخلع السلطان على مملوكه الأمير خيربك الخازندار باستقراره دوادارا ثانيا، عوضا عن جانبك كوهيّة، وخيربك هذا هو أمير حاج المحمل في هذه السنة، وسافر خيربك المذكور بالمحمل في يوم الاثنين ثامن عشره.

وفي يوم الأربعاء العشرين منه ضربت رقبة الأمير منصور الأستادار بسيف الشرع، وكانت هذه الفعلة من غلطات الملك الظاهر خشقدم؛ فإنه كان في بقائه له خاصة منفعة كبيرة من وجوه عديدة، ولعله ندم على قتله بعد ذلك. ثم في يوم الاثنين خامس عشرينه استقر الأمير رستم بن ناصر الدين بك بن دلغادر فى نيابة الأبلستين، عوضا عن ابن أخيه شاه بضع، بحكم ضعف شاه بضع عن دفع أخيه سوار، وأظن أن رستم هذا أضعف من شاه بضع في دفع شاه سوار. وفي يوم الخميس العشرين من ذى القعدة استقرّ الأمير قانى باى الحسنى المؤيدى أحد أمراء الطبلخانات في نيابة طرابلس دفعة واحدة، بعد عزل الناصرى محمد بن المبارك، وكانت ولاية قانى باى هذا لطرابلس أيضا من الأمور المنكرة الخارجة عن العادة، لأننا لا نعلم أن أحدا ولى نيابة طرابلس غير مقدّم ألف بالديار المصرية، بل غالب من يلى نيابة طرابلس ينتقل إليها من وظيفة عظيمة جليلة، إما أمير مجلس، أو أمير آخور كبير أو رأس نوبة النّوب، أو ينتقل إليها من نيابة حماة، بل إن الأتابك طرباى الظاهرى وليها بعد الأتابكية، ومع هذا كله ليته أهل لذلك، بل هو من كبار المهملين- انتهى.

ما وقع من الحوادث سنة 871

[ما وقع من الحوادث سنة 871] واستهلت سنة إحدى وسبعين وثمانمائة بيوم الأربعاء ويوافقه عشرون مسرى. فيه أوفى النيل «1» ، وفتح الخليج، وخلّق المقياس الأتابك قانم بإذن السلطان. وفي يوم الاثنين سادسه أعيد قاضى القضاة محب الدين بن الشّحنة إلى قضاء الحنفية بعد عزل قاضى القضاة برهان الدين إبراهيم بن الدّيرى. وفي يوم السبت حادى عشره استقرّ القاضى أبو السعادات البلقينى قاضى قضاة الشافعية بالديار المصرية، بعد عزل صهره صلاح الدين المكينى. وفي يوم الخميس سابع صفر استقرّ القاضى كمال الدين محمد ابن الصاحب جمال الدين يوسف بن كاتب جكم ناظر الجيوش المنصورة، عوضا عن القاضى تاج الدين عبد الله ابن المقسى، وأبقى على ابن المقسى وظيفة نظر الخاص. وفيه استقرّ الأمير زين الدين يحيى أستادارا على عادته. وفي يوم الاثنين ثامن عشر صفر استقر الأمير يلباى الإينالى المؤيّدى الأمير آخور الكبير أتابك العساكر بالديار المصرية، بعد موت الأتابك قانم المؤيدى الآتى ذكره فى الوفيات- إن شاء الله تعالى، وأنعم السلطان بإقطاع يلباى على الأمير بردبك هجين أمير جاندار، وأنعم بإقطاع بردبك هجين على الأمير نانق شاد الشراب خاناه. وفي يوم الخميس حادى عشرين صفر استقر الشهابى أحمد بن العينى أمير آخور كبيرا بعد الأتابك يلباى. وفيه استقر الأمير خشكلدى البيسقى أحد أمراء العشرات شاد الشراب خاناه بعد نانق المحمدى المقدّم ذكره، قلت: وعلى كل حال خشكلدى أليق لهذه الوظيفة من نانق.

وفي يوم الأحد رابع عشرينه ورد الخبر بموت الأمير برسباى البجاسى نائب الشام الآتى ذكره في الوفيات. وفي يوم الخميس ثامن عشرينه رسم السلطان بانتقال الأمير بردبك الظاهرى نائب حلب من نيابة حلب إلى نيابة الشّام، عوضا عن برسباى البجاسى، واستقرّ نانق الظاهرى أحد المقدمين مسفّره. واستقرّ في نيابة حلب عوضا عن بردبك يشبك البجاسى نائب حماة، واستقرّ مسفّره الشرفى يحيى بن يشبك الفقيه الدّوادار الكبير. واستقرّ تنم الحسينى الأشرفى ثانى رأس نوبة في نيابة حماة، عوضا عن يشبك البجاسى، واستقرّ مسفّره تمر من محمود شاه الظاهرى والى القاهرة. واستقر الأمير تنبك المعلّم الأشرفى عوضه رأس نوبة ثانيا. واستقرّ الأمير مغلباى مملوك السلطان قديما في حسبة القاهرة، عوضا عن خشكلدى. وفي يوم الأحد ثامن شهر ربيع الأول عمل السلطان المولد النبوى على العادة، وقاسى من حضر المولد من الأجلاب شدائد. وفي يوم الاثنين سادس عشر «1» ربيع الأول استقر نانق المحمدى المقدّم ذكره أمير حاج المحمل، واستقر الأمير سيباى الظاهرى الأمير آخور الثالث أمير الركب الأوّل، واستقرّ الأمير دمرداش السّيفى تغرى بردى البكلمشى نائب قلعة حلب بعد عزل الشّيبانى. وفي يوم السبت ثالث عشرينه ابتدأ السلطان بالحكم بين الناس بالإسطبل السلطانى فى يومى السبت والثلاثاء، على قاعدة ملوك السلف، ولم يقع له ذلك من يوم تسلطن، لأن سلاطين زماننا هذا صاروا يجلسون بالدّكة من الحوش السلطانى بقلعة الجبل، ويتعاطون الأحكام بين الناس، فلم يحتج الملك مع جلوسه بالحوش إلى النزول بالإسطبل

للحكم، وكانت قاعدة ملوك السلف ممن أدركنا وسمعنا الاحتجاب عن الناس بالكلية، ولم يقدر أحد من المماليك السلطانية أن يدخل الحوش- بحاجة أو غير حاجة- إلا بقماش الموكب، ولا يجتمع أحد بالسلطان بالدهيشة والحوش إلا الخصيصين به لا غير، ومن كان له مع السلطان حاجة يجتمع به في القصر السلطانى ليالى المواكب وأيام المواكب، فبهذا المقتضى كان يحتاج السلطان إلى النزول إلى الإسطبل السلطانى للحكم بين الناس، وإنصاف المظلوم من الظالم، ويكون ذلك في الغالب أيّام الشتاء، وتكون مدة الحكم فى يومى السبت والثلاثاء نحو شهرين، وقد فهمت الآن معنى قولنا: «ولم يحكم السلطان بين الناس من يوم تسلطن» ، أعنى بذلك نزوله إلى الإسطبل- انتهى. ثم في يوم الاثنين خامس عشر شهر ربيع الآخر نزل السلطان إلى رماية البركة «1» لصيد الكراكى وغيرها على العادة، وهذا أيضا أول نزوله إلى الصيد من يوم تسلطن وعاد من يومه، وشقّ القاهرة، ثم تكرر من السلطان نزوله إلى الصيد في هذه السنة غير مرة. وفي هذه الأيام كانت واقعة أصباى «2» البواب مع القتيلين اللذين قتلهما، وقد حكينا واقعته في «الحوادث» . وفي يوم الأربعاء خامس عشر «3» جمادى الأولى ثارت المماليك الأجلاب بالقلعة في الأطباق، ومنعوا الناس من الطلوع إلى الخدمة السلطانية، وطلبوا زيادة جوامك وكسوة وعليق، ووقع أمور، ثم وقع الأمر على شىء حكيناه بعد وهن في المملكة. وفي يوم الخميس سادس عشره استقرّ القاضى ولى الدين الأسيوطى أحد نواب الحكم قاضى قضاة الشافعية بالديار المصريّة، بعد شغور القضاء عن أبى السعادات البلقينى أياما كثيرة.

وفي يوم الثلاثاء سادس جمادى الآخرة استقر جانبك الظاهرى أحد الدوادارية الصغار في نيابة قلعة دمشق، بعد عزل الصارمى إبراهيم بن بيغوت. وفي يوم الخميس تاسع عشرين جمادى الآخرة خرج الحاج الرجبى من القاهرة وأميره علّان الأشرفى، والعمدة في الركب المذكور على القاضى زين الدين بن مزهر كاتب السر الشريف «1» ، لعظمة سار فيها، وتجمل زائد إلى الغاية، وفعل في هذه السفرة أفعالا جميلة، حكيت عنه وشكرت. وفي يوم الاثنين حادى عشر «2» رجب أدير المحمل، ولعبت الرّماحة على العادة. واستهلّ شعبان، نذكر فيه نادرة، وهى أن أرباب التقويم كانوا اجتمعوا على أن آخر مدّة الملك الظاهر خشقدم في السلطنة تكون إلى ثامن عشر شهر رجب من هذه السنة، فمضى رجب ولم يحصل للسلطان تكدير ولا نكد مؤلم، ولا ضعف لزم منه الفراش، ولا نوع من الأنواع المشوشة، واستهل شعبان هذا وهو في أحسن حال، وأخزى الله هؤلاء الكذبة الفسقة المدعين علم الغيب «3» ، تعالى الله أن يظهر على غيبه إلا من أراد من أصفيائه وأوليائه. ثم استهلّ شوال يوم الثلاثاء، ففيه أيضا نكتة نذكرها، وهي أنه كان في العام الماضى أول شوال يوم الجمعة، فتشاءم الناس بذلك على الملك من وقوع خطبتين في نهار واحد، ولم يقع إلا الخير والسلامة، فاعتمد على أن هذا الكلام من الهذيان، وما أعلم الذي قال ذلك، أوّلا ما دليله؟ مع أن الخطبة من أعظم السنن، ويحصل بها التذكير والخير، والأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، والخشوع ورقة القلب، فعلى هذا كلما

تكررت في اليوم تكرّر الخير والبركة والأجر، وما أظن قائل هذا- أولا- إلا رجلا منافقا يكره السّنة والاقتداء بها- انتهى. وفي يوم الاثنين سابع شوال استقرّ الأمير شرف الدين موسى بن كاتب غريب أستادارا عوضا عن الأمير زين الدين يحيى. وفي يوم السبت تاسع عشره خرج أمير حاج المحمل بالمحمل، وهو نانق الظاهرى وسيباى أمير الركب الأول.

ما وقع من الحوادث سنة 872

[ما وقع من الحوادث سنة 872] واستهلت سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة بيوم الأحد ويوافقه تاسع مسرى. ففى يوم السبت سابعه- الموافق لخامس عشر مسرى- أو في النيل «1» ، ونزل السلطان الملك الظاهر خشقدم، وعدّى النيل، وخلّق المقياس، وعاد وفتح خليج السّدّ على العادة. وفي يوم الخميس ثانى عشره ورد الخبر من نائب حلب يشبك البجاسى أن شاه سوار نائب أبلستين خرج عن طاعة السلطان، ويريد المشى على البلاد الحلبية، فرسم السلطان في الحال بخروج نائب طرابلس ونائب حماة إلى جهة البلاد الحلبية لمعاونة نائب حلب إن حصل أمر، ثم عيّن السلطان تجريدة من مصر إلى جهات البلاد الحلبية إن ألجأت الضرورة إلى سفرهم، والذين عينهم في هذه التجريدة من أمراء الألوف: الأتابك يلباى، وأمير سلاح قرقماس، وأمير مجلس تمربغا، وقانى بك المحمودى، ومغلباى طاز المؤيّدى، وذكر أنه تعيّن عدة كبيرة من أمراء الطبلخانات والعشرات، وألف مملوك من المماليك السلطانية، هذا والسلطان قد بدأ فيه التوعّك من يوم عاشوراء، وهذا المرض الذي مات فيه، ثم لهج السلطان بعزل يشبك البجاسى نائب حلب وتولية الأمير مغلباى طاز المؤيّدى المقدّم ذكره عوضه في نيابة حلب «2» . ثم في يوم الخميس تاسع عشره ورد الخبر بأن إقامة الحاج التي جهّزت من القاهرة أخذت عن آخرها، أخذها مبارك شيخ بنى عقبة بمن كان معه من العرب، وأنه قتل جماعة ممن كان مع الإقامة المذكورة، منهم جارقطلو السّيفى دولات باى أحد أمراء آخورية السلطان، فعظم ذلك على السلطان- وزاد توعّكه- وعلى الناس قاطبة، وضر أخذ إقامة الحاج غاية الضرر، وأشرف غالبهم على الموت.

فلما كان يوم الجمعة العشرين من المحرم وصل الحاج الرجبى، وعظيم من كان فيه زين الدين بن مزهر كاتب السّرّ المقدم ذكره، وأمير حاج الركب الأول الأمير سيباى إلى بركة الحاج معا، بعد أن قاست الحجاج أهوالا وشدائد من عدم الميرة والعلوفة وقلّة الظهر، ودخل نانق أمير الحاج من الغد. فلما كان يوم الاثنين ثالث عشرين المحرم عيّن السلطان الأمير أزبك رأس نوبة النّوب الظاهرى، والأمير جانبك حاجب الحجّاب الأشرفى المعروف بقلقسيز، وصحبتهما أربعة من أمراء العشرات، وهم دولات باى الأبوبكرى المؤيّدى، وقطلباى الأشرفى، وتنبك الأشرفى، وتغرى بردى الطيّارى، وعدّة مماليك من المماليك السلطانية، لقتال مبارك شيخ عرب بنى عقبة ومن معه من الأعراب، وكتب السلطان أيضا لنائب الكرك الأمير بلاط، ونائب غزّة الأمير إينال الأشقر، بالمسير إلى جهة الأمير أزبك بعقبة أيلة، ومساعدته على قتال مبارك المذكور، وخرج الأمير أزبك بمن عيّن معه من القاهرة في يوم الاثنين سابع صفر. كل ذلك والسلطان متوعك بالإسهال، وهو لا ينقطع عن الخروج إلى الحوش، بل يتجلّد غاية التجلّد، حتى إنه عمل الموكب في هذا اليوم بالقصر لأجل خروج الأمير أزبك، وهذا آخر موكب عمله الملك الظاهر خشقدم بالقصر السلطانى. فلما كان يوم الخميس عاشر صفر أرجف بموته، وأشيع ذلك إشاعة خفيفة في ألسنة العوام. فلما كان يوم الجمعة حادى عشره خرج السلطان الملك الظاهر خشقدم إلى صلاة الجمعة من باب الحريم ماشيا على قدميه من غير مساعدة، وعليه قماش الموكب الفوقانى، والسيف والكلفتاة على العادة، وصلى الجمعة وسنّتها قائما على قدميه، هذا وقد أخذ منه المرض الحدّ المؤلم، وهو يستعمل التجلّد وإظهار القوة، إلى أن فرغت الصلاة، وعاد إلى الحريم ماشيا أيضا، ولكن القاضى الشافعى أسرع في الخطبة والصلاة إلى الغاية حسبما كان أشار إليه السلطان بذلك، بحيث إن الخطبة والصلاة كانتا على نحو ثلاث درج رمل وبعض دقائق.

فلما عاد السلطان من الصلاة إلى الحريم سقط مغشيا عليه لشدة ما ناله من التعب وعظم التجلد، وهذه أيضا آخر جمعة صلاها، ولم يخرج بعدها من باب الحريم لا لصلاة ولا إلى غيرها، وصارت الخدمة بعد ذلك في الحريم بقاعة البيسرية «1» ثم أصبح السلطان في يوم السبت ثانى عشره رسم بالمناداة بشوارع القاهرة بأن أحدا لا يخرج بعد صلاة المغرب من بيته ولا يفتح سوقىّ دكانه، وهدّد من خالف ذلك، فلم يلتفت أحد إلى هذه المناداة، وعلم أن المقصود من هذه المناداة عدم خروج المماليك فى الليل، وتوجه بعضهم لبعض لإثارة فتنة. وفي هذه الأيام ورد الخبر من دمشق بأن الأمير بردبك نائب الشام خرج من دمشق بعساكرها في آخر المحرم إلى جهة حلب لمعاونة نائب حلب على قتال شاه سوار. ثم في يوم الاثنين رابع عشر صفر عمل السلطان الخدمة بقاعة البيسريّة من الحريم السلطانى، لضعفه عن الخروج إلى قاعة الدهيشة، وحضرت الأمراء المقدمون وغيرهم الخدمة السلطانية بالبيسرية، ولكن بغير قماش، وعلّم السلطان على عدة مناشير ومراسيم دون العشرين علامة، ولكن ظهر عليه المرض، لكنه يتجلد ويقوم لمن دخل إليه من القضاة والعلماء. فلما كان يوم الجمعة ثامن عشره لم يشهد «2» فيه صلاة الجمعة وصلّت الأمراء بجامع القلعة على العادة، وبعد أن فرغت الصلاة دخلوا عليه وسلّموا عليه، واستوحشوا منه، وجلسوا عنده إلى أن أسقاهم مشروب السّكر، وانصرفوا. ثم في آخر يوم الاثنين حادى عشرينه وجد السلطان في نفسه نشاطا، فقام وتمشّى

خطوات فتباشر الناس بعافيته، كل هذا وهو مستمرّ في أول النهار وفي آخره يعلّم على المناشير والمراسيم، لكن بحسب الحال، تارة كثيرا، وتارة قليلا. فلما كان يوم الجمعة خامس عشرينه لم يحضر السلطان فيه الصلاة أيضا لثقله في المرض، ودخلوا إليه الأمراء بعض صلاة الجمعة، وجلسوا عنده، وفعل معهم كفعله فى الجمعة الماضية. واستهل شهر ربيع الأوّل يوم الخميس والسلطان ملازم للفراش، والناس في أمر مريج من توقف الأحوال، لا سيما أرباب الحوائج الواردون من الأقطار، هذا وجميع نوّاب البلاد الشاميّة قد خرجوا من أعمالهم إلى البلاد الحلبية، لقتال شاه سوار ابن دلغادر، ما خلاجكم نائب صفد، ونائب غزّة قد خرج أيضا إلى جهة العقبة لقتال مبارك شيخ عرب بنى عقبة، فبهذا المقتضى خلا الجو للمفسدين وقطّاع الطريق وغيرهم بالدرب الشامى والمصرى، ومع هذا فالفتن لم تزل قائمة بأسفل مصر الشرقية والغربية، وأيضا بأعلى مصر، الصعيد الأدنى والأعلى، وتزايد ذلك بطول مرض السلطان. وبينما الناس في ذلك ورد الخبر من يشبك من مهدى الظاهرى الكاشف بالصعيد أن يونس بن عمر الهوّارى خرج عن طاعة السلطان، وقاتل يشبك المذكور، وقتل من عسكره عدّة كبيرة وانكسر يشبك منه بعد أن جرح في بدنه، ثم أنهى يشبك أنه يريد ولاية سليمان بن الهوّارى عوضا عن ابن عمه يونس، وأنه يريد نجدة كبيرة من الديار المصرية، فرسم السلطان في الحال بولاية سليمان بن عمر، وتوجّه إليه بالخلعة قجماس الظاهرى، ورسم السلطان بتعيين تجريدة إلى بلاد الصعيد. فلما كان يوم السبت ثالثه عيّن السلطان التجريدة المذكورة إلى بلاد الصعيد، وعليها الأمير قرقماس الجلب الأشرفى أمير سلاح، ويشبك من سلمان شاه الفقيه الدّوادار الكبير، ومن أمراء العشرات خمسة نفر: قلمطاى الإسحاقى، وأرغون شاه أستادار الصحبة، ويشبك الإسحاقى، وأيدكى، ويشبك الأشقر، والخمسة أشرفية،

وجماعة كبيرة من المماليك السلطانية أشرفية كبار وأشرفية صغار، ونزل الأمير نقيب الجيش إلى المعينين، وأمرهم على لسان السلطان بالسفر من يومهم إلى الصعيد، فاعتذروا بعدم فراغ حوائجهم؛ لكون الوقت يوما واحدا. فلما كان آخر هذا النهار أرجف بموت السلطان فماجت الناس، وكثر الهرج بشوارع القاهرة، ولبس بعض المماليك آلة الحرب، فاستمرت الحركة موجودة في الناس إلى قريب الصباح. وأصبح في يوم الأحد رابع ربيع الأوّل والسلطان في قيد الحياة، غير أنه انحطّ فى المرض انحطاطا يشعر العارف بموته، ونودى في الحال بالأمان والبيع والشراء، ودقّت البشائر بعافية السلطان في باكر النهار وفي آخره أياما كثيرة، وصار السلطان أمره إلى التلف وهم على ذلك. فلما كان عصر نهار الأحد المذكور نزل الأمير تنبك المعلم الأشرفى الرأس نوبة الثانى إلى الأمير قرقماس أمير سلاح على لسان السلطان وأمره بالخروج إلى السّفر من وقته بعد أن ذكر له كلاما حسنا من السلطان، فخرج قرقماس من وقته، وكذلك يشبك الفقيه الدّوادار، وتبعهما من بقى ممن عيّن إلى السفر، ونزلوا إلى المراكب، ووقفوا بساحل النيل ينتظرون من عيّن معهم من المماليك السلطانية فلم يأتهم أحد، كل ذلك والسلطان صحيح الذهن والعقل، يفهم الكلام ويحسن الرد، وينفذ غالب الأمور، ويولى ويعزل، والناس لا تصدّق ذلك، وأنا أشاهده بالعين، هذا والسلطان يستحثّ من ندب إلى الصعيد بالسّفر في كل يوم. وأصبح السلطان في يوم الاثنين على حاله، وحضر عنده بعض أمراء، وعلّم على دون عشرة مناشير ومراسيم، وهو في غاية من شدة المرض، فلما نجزت العلامة استلقى على قفاه، فرأيت وجهه كوجه الأموات، وانفضّ الناس وخرجوا، فلما كان بعد الظهر طلع إلى السلطان بعض أمراء الألوف والأعيان، وسلّم عليه، فشكا إليه السلطان ما أشيع عنه من الموت، ثم قال: أنا ما أموت حتى أموّت خلائق، وأنا أعرف من

أشاع هذا عنى، يعنى بذلك الأشرفية الكبار والأشرفية الصغار، قلت: قد عرّفت الأشرفية الكبار والأشرفية الصغار وأمرهما وما وقع في مرض السلطان من أوّله إلى آخره فى تاريخنا «الحوادث» ، وليس ما نذكر هنا إلا علم خبر لا غير- انتهى. ثم طلع القاضى كاتب السّرّ بعد ظهر يوم الأحد المذكور وأحضر آلة العلامة، فلم يطق السلطان أن يعلّم شيئا، وقيل: إنه علّم على أربعة مناشير، وقيل غير ذلك، وقيل إنه لم يطق الجلوس إلا بشدّة، هذا مع التجلد الذي لا مزيد عليه، وكان هذا دأبه من أوّل مرضه إلى أن مات- التجلد وعدم إظهار العجز- ولله دره ما كان أجلده. وبات السلطان في تلك الليلة على حاله، والناس في أمره على أقوال كثيرة، هذا وهو يستحث على سفر الأمراء المعينين إلى الصعيد، والقصاد منه ترد إليهم، وهم يعتذرون عن السفر بعدم حضور من عيّن معهم من المماليك السلطانية، فيأمر بالمناداة بسفرهم، فلم يخرج أحد. فلما كان صبيحة يوم الثلاثاء سادسة طلع الأمير الكبير يلباى إلى السلطان ومعه خچداشه قانى بك المحمودى، وجانبك كوهيّة، والثلاثة أمراء ألوف مؤيديّة، فلما دخلوا على السلطان لم ينهض إليهم للجلوس، بل استمر على جنبه؛ لشدة مرضه، وشكا إليهم ما به، فتألموا لذلك ودعوا له، ثم أمر السلطان وهو على تلك الحالة أن ينادى بسفر العسكر إلى الصعيد، ثم خلع على يوسف بن فطيس أستادار السلطان بدمشق بمشيخة نابلس، وخرج الناس من عند السلطان، ولم يعلّم شيئا، وهذا أوّل يوم منع السلطان فيه العلامة من يوم مرض إلى هذا اليوم. وأصبح يوم الخميس ثامنه وقد اشتدّ به المرض، ويئس الناس منه، وكذلك يوم الجمعة، ولكن عقله واع، ولسانه طلق، وكلامه كلام الأصحاء. وأصبح يوم السبت عاشر شهر ربيع الأول وهو في السياق، فلما كان ضحوة النهار المذكور حدثت أمور ذكرناها في تاريخنا «الحوادث» ، واجتمع الأمراء الأكابر بمقعد الإسطبل السلطانى عند الأمير آخور الكبير، والأمير آخور المذكور حسّ بلا

معنى، ليس له في المجلس إلا الحضور بالجثة، وجلس الأتابك يلباى في صدر المجلس وبإزائه الأمير تمربغا أمير مجلس، وهو متكلّم القوم، ولم يحضر قرقماس أمير سلاح لإقامته بساحل النيل كما تقدّم، وحضر جماعة من أمراء الألوف وكبير الظاهرية الخشقدميّة يوم ذاك خيربك الدّوادار الثانى، وأخذوا في الكلام إلى أن وقع الاتفاق بينهم على سلطنة الأتابك يلباى، ورضى به عظيم الأمراء الظاهرية الكبار الأمير تمربغا أمير مجلس، وكبير الظاهرية الصغار الخشقدميّة خيربك الدّوادار، وجميع من حضر، وكان رضاء الظاهرية الكبار بسلطنة يلباى بخلاف الظنّ، وكذلك الطاهريّة الصغار. ثم تكلّم بعضهم بأن القوم يريدون من الأمير الكبير أن يحلف لهم بما يطمئن به قلوبهم وخواطرهم، فتناول المصحف الشريف بيده، وحلف لهم يمينا بما أرادوه، ثم حلف الأمير تمربغا أمير مجلس، وشرح اليمين وكيفيته معروفة، فإنه يمين لتمشية الحال، وأرادوا خيربك أن يحلف، فقال ما معناه. «نحن نخشاكم فحلّفناكم، فنحن نحلف على ماذا؟» . ثم انفضّ المجلس ونزل الأتابك يلباى إلى داره وبين يديه وجوه الأمراء، ولم يحضر الأمير قايتباى الظاهرى معهم عند الاتفاق واكتفى عن الحضور بكبيرهم الأمير تمربغا الظاهرى، كل ذلك قبل الظهر بيسير، فلم يكن بعد أذان الظهر إلا بنحو ساعة رمل لا غير ومات السلطان بقاعة البيسرية، بعد أذان الظهر بدرجات، وفي حال وفاته طلعت جميع الأمراء إلى القلعة، وأخذوا في تجهيز السلطان الملك الظاهر خشقدم رحمه الله تعالى، وغسلوه وكفنوه، وصلوا عليه بباب القلّة من قلعة الجبل، كل ذلك قبل أن تبايع العساكر يلباى المذكور بالسلطنة كما سنذكره في سلطنة الأتابك يلباى، وهذا الذي وقع من تجهيز السلطان وإخراجه قبل أن يتسلطن سلطان بخلاف العادة، فإن «1» العادة جرت أنه «2» لا يجهّز سلطان إلا بعد أن يتسلطن سلطان غيره، ثم يأخذون بعد ذلك في تجهيزه- انتهى.

ولما صلّى عليه بباب القلّة، وحمل نعشه، وعلى نعشه مرقّعة الفقراء، ساروا به إلى أن أنزلوه من باب المدرج، ولم يكن معه كثير خلق، بل جميع من كان معه أمام نعشه، وحوله وخلفه من الأمراء والخاصكية دون العشرين نفرا، والأكثر منهم أجناد؛ فإنه لم ينزل معه أحد من أمراء الألوف كما هى العادة، ولا أحد من المباشرين غير الأمير شرف الدين بن كاتب غريب الأستادار وجماعة من أمراء الطبلخانات والعشرات، وساروا به وقد ازدحمت الناس والعوام حول نعشه، إلى أن وصلوه إلى تربته ومدرسته التي أنشأها بالصحراء بالقرب من قبة النّصر، ودفن بالقبة التي بالمدرسة المذكورة، وحضرت أنا دفنه- رحمه الله تعالى- ولم تتأسف الناس عليه يوم موته ذاك التأسّف العظيم، لكن تأسّفوا عليه بعد ذلك تأسّفا عظيما لما تسلطن بعده الأتابك يلباى، بل عظم فقده عند سلطنة يلباى على الناس قاطبة. ومات الملك الظاهر خشقدم- رحمه الله تعالى- وسنه نحو خمس وستين سنة تخمينا، هكذا أملى علىّ من لفظه بعد سلطنته. وكان الملك الظاهر خشقدم- رحمه الله تعالى- سلطانا جليلا عظيما، عاقلا مهابا، عارفا صبورا، مدبرا سيوسا، حشما متجملا في ملبسه ومركبه وشأنه إلى الغاية، بحيث إنه كان لا يعجبه من البعلبكى الأبيض إلا ما تزيد قيمته على ثلاثين دينارا، فما بالك بالصوف والسمّور وغير ذلك، وكان يقتنى من كل شىء أحسنه، وكان مع هذا التأنق لائقا في شكله وملبسه ومركبه، نشأ على ذلك عمره كله، أعرفه جنديا إلى أن صار سلطانا، وهو متجمل في ملبسه على ما حكيناه. وكان مليح الشكل للطول أقرب، أعنى معتدل القامة، نحيف البدن، أبيض اللون، تعلوه صفرة ذهبية حسنة، كبير اللحية، تضرب إلى شقرة، قد شاب أكثرها، حسن فيها، وكان رشيق الحركات، خليقا للملك، عارفا بأنواع الملاعيب، كالرّمح والكرة، وسوق المحمل، له عمل كبير في ذلك أيام شبوبيّته، وله مشاركة في غير ذلك من أنواع الملاعيب جيدة.

وكان له إلمام ببعض القراءات، ويبحث مع الفقهاء، وله فهم وذوق بحسب الحال، وكان كثير الأدب، ويجلّ العلماء ويقوم لغالبهم إن قدم أحد منهم عليه، مع حشمة كانت فيه وأدب في كلامه ولفظه، وكان يتكلم باللغة العربية كلاما يقارب الفصاحة على عجمة كانت في لسانه قليلة، وذلك بالنسبة إلى أبناء جنسه. وكان يميل إلى جمع المال ويشره في ذلك من أى وجه كان جمعه، وله في ذلك أعذار كثيرة مقبولة وغير مقبولة، وعظم في أواخر عمره من سلطنته، وضخم وكبرت هيئته في قلوب عساكره ورعيته لبطن صار فيه، وإقدام على المهولات مع دربة ومعرفة فيما يفعله، فإن كان المسىء ممن يتلافى أمره زجره ولقنه حجته بدربة ولباقة، وإن كان ممن لا يخاف عاقبته قاصصه بما يردع به أمثاله، من الضرب المبرح والنفى، وعدّ ذلك من معايبه، يقول من قال: «القوة على الضعيف ضعف في القوة» . ومن ذلك أيضا أنه كان في الغالب يقدم على ما يفعله من غير مشورة ولا تأن، ولهذا كانت أموره تنتقض في بعض الأحيان، بل في كثير من الأحيان، ومما كان يعاب به عليه إمساكه، وتشويش المماليك الذين كان اشتراهم في أيام سلطنته الأجلاب، مع أنه- رحمه الله تعالى- كان كثيرا ما ينهاهم عن أفعالهم القبيحة، ويردع بعضهم بالحبس والضرب والنفى وأنواع النّكال، وهذا بخلاف من كان قبله من الملوك، وكان له عذر مقبول في إنشائه هذه المماليك الأجلاب، لا ينبغى لى ذكره؛ يعرفه الحاذق، ومن كل وجه فالمال محبوب على كل حال، وبالجملة إنه كانت «1» محاسنه أضعاف مساوئه، وأيامه غرر أيام، لولا ما شان سؤدده وممالكه «2» ، ولله در القائل: [الطويل] ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلّها ... كفى المرء فخرا أن تعدّ معايبه «3» وعلى كل وجه هو من عظماء الملوك وأجلّائهم وأخفهم وطأة، مع شدة كانت فيه

ولين، وتكبر واتضاع، وبخل وكرم، فمن أصابه شرّه يلجأ لله، ويجعل أجره على الله تعالى، ومن أمطره خيره ورفده فليترحّم عليه، وأنا ممن هو بين النوعين، لم يطرقنى شرّه ولا أمطرنى خيره، غير أنه كان معظما لى، وكلامى عنده مقبول، وحوائجى عنده مقضية، وما قلته فيه فهو على الإنصاف- إن شاء الله تعالى- وبعد كل شىء، فرحمه الله تعالى، وعفا عنه. وكانت مدة سلطنته على مصر ستّ سنين وخمسة أشهر واثنين وعشرين يوما بيوم سلطنته- انتهى.

ما وقع من الحوادث سنة 865

[ما وقع من الحوادث سنة 865] السنة الأولى «1» من سلطنة الملك الظاهر خشقدم على مصر وهى سنة خمس وستين وثمانمائة: على أن السنة المذكورة حكم فيها ثلاثة ملوك. حكم الأشرف إينال من أوّلها إلى أن خلع نفسه، وولى ولده الملك المؤيّد أحمد في يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الآخرة، ومات من الغد في يوم الخميس، وحكم ولده الملك المؤيّد أحمد من رابع عشر جمادى الآخرة إلى يوم الأحد تاسع عشر شهر رمضان. ثم حكم في باقى السنة الملك الظاهر خشقدم إلى آخرها. فيها توفّى الأمير سيف الدين سودون بن عبد الله الإينالى المؤيّدى المعروف بقراقاش حاجب الحجاب بجزيرة قبرس في الغزاة من غير جراح، بل مرض نحو عشرة أيام، ومات في أول المحرم، وقد عرفنا أحواله في تاريخنا «المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى» ، وأيضا في تاريخنا «حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور» بما فيه كفاية عن ذكره ثانيا هنا، ومات وقد زاد سنّه على الستين، وكان مخلّطا في أموره، يقبل المدح والذم. وتوفّى الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله النّوروزى، أحد أمراء الطبلخانات، ونائب الإسكندرية بها في يوم السبت مستهل صفر وقد ناهز الثمانين من العمر، وكان من مماليك الأمير نوروز الحافظى المتغلب على دمشق، وولى أيام أستاذه

نيابة بعلبك، ولهذا كان يعرف بنائب بعلبك، وكان من خيار أبناء جنسه، كان شجاعا مقداما كريما متواضعا، ديّنا خيّرا، قلّ أن ترى العيون مثله. وتوفّى الشيخ الصالح الزاهد العابد المعتقد عمر اليمنى «1» نزيل مكة في سحر ليلة الأربعاء ثالث شهر ربيع الأوّل بمكة، ودفن بمقابر باب شبيكة، وكان فردا في كثرة العبادة والزهد، وقد سألت عنه بمكة من صاحبنا القدوة أحمد الفوّى، أعاد الله علينا من بركاته فقال: «هذا يشبّه بعبّاد بنى إسرائيل» . وتوفّى الشيخ الإمام العالم العلّامة أبو الفضل محمد بن أبى القاسم المشدّالى البجائى «2» المغربى المالكى غريبا ببعض أعمال حلب، وهو في الكهولية، وكان إماما فى المعقول والمنقول، وشهرته القوية بالأول، كان إماما في النحو والمنطق وعلم المعانى والبيان والأصلين والطب والحكمة وعلوم الأوائل، وكان إذا حقق مسألة فقهية كان إلى كلامه المنتهى، وبالجملة إنه كان نادرة من النّوادر- رحمه الله. وتوفّى الشيخ الإمام العالم الفقيه عزّ الدين محمد بن محمد بن عبد السلام «3» أحد نواب الشافعية، فى ليلة الثلاثاء رابع عشر ربيع الآخر، وكان آخر من حضر دروس الشيخ سراج الدين عمر البلقينى- رحمه الله تعالى. وتوفّى السلطان الملك الأشرف سيف الدين أبو النصر إينال العلائى ثم الظاهرى سلطان الديار المصرية في يوم الخميس خامس عشر جمادى الأولى وقد تقدّم ذكره. وتوفّى جمال الدين جميل بن أحمد بن عميرة بن يوسف المعروف بابن يوسف، شيخ العرب ببعض إقليم الغربية والسخاوية بالوجه البحرى، فى جمادى الأولى وقد جاوز الستين.

وتوفّى الزينى مرجان بن عبد الله الحصنى الحبشى الطواشى، مقدّم المماليك السلطانية، فى آخر يوم الأحد ثانى جمادى الآخرة، ودفن من الغد، وقد ناهز الستين من العمر، كان وضيعا في مبدأ أمره، وقاسى خطوب الدهر ألونا وتغرّب واحتاج في غربته إلى التكدّى والسؤال، ثم حسنت حاله، وخدم عند خلائق من الأمراء، إلى أن تحرّك له بعيض سعد، وترقّى إلى أن ولى نيابة المقدم، ثم التّقدمة، فلما ولى لم يراع النعمة، بل أخذ في الإسراف على نفسه فما عفّ ولا كفّ، ودام على ذلك إلى أن مات، وعلى كل حال فمستراح منه، وهو ممن يقال في حقه: «يأكل ما كان ويضيق بمكان» . وتوفّى الوزير الصاحب سعد الدين فرج ابن مجد الدين ماجد بن النحّال القبطى المصرى بطّالا بالقاهرة، فى ليلة الثلاثاء حادى عشر جمادى الآخرة، وقد جاوز الستين من العمر، بعد أن ولى كتابة المماليك والوزر والأستادارية غير مرة- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين كزل بن عبد الله السّودونى المعلّم، أحد أمراء العشرات فى يوم السبت ثانى عشرين جمادى الآخرة، ودفن من الغد بتربته التي أنشأها بالصحراء، وسنه نحو التسعين سنة تخمينا، وقد انتهت إليه رئاسة الرّمح وتعليمه في زمانه، وكان أصله من مماليك سيّدى سودون نائب الشام قريب الملك الظاهر برقوق، وقد ذكرنا من أمره نبذة في ترجمة الملك الظاهر في «المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى» - رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير زين الدين فيروز بن عبد الله الطواشى الرومى النّوروزى الزّمام والخازندار، فى يوم الخميس رابع عشرين شعبان، وقد شاخ وجاوز الثمانين من العمر، وكان من عتقاء الأمير نوروز الحافظى نائب الشام، ثم وقع له بعد موت أستاذه محن وخطوب ذكرناها في غير موضع من مصنفاتنا، وليس هذا المحل محل إطناب في التراجم، وإنما هو إخبار بما وقع وحدث على سبيل الاختصار في هذه الترجمة وغيرها، ومات فيروز هذا بعد مرض طويل، ودفن بتربته التي أنشأها بالصحراء، وخلّف مالا

كثيرا لم يظفر السلطان إلا ببعضه، وهو نحو المائة ألف دينار أو أزيد، وكان رأسا في البخل والشّح، يمشى من طبقته بقلعة الجبل إلى السلطان بالدهيشة، وإذا صلى الفريضة صلى جالسا إن صلى. وتوفّى الأمير شرف الدين يونس الأقبائى الدّوادار الكبير بعد مرض طويل في يوم الأربعاء ثانى عشرين شهر رمضان، ودفن من يومه بتربته التي أنشأها بالصّحراء، وقد جاوز الستين من العمر، ولم يخلف بعده مثله سؤددا وكرما، وحشمة وشجاعة ورئاسة، وبالجملة إنه كان به تجمل في الزّمان- رحمه الله تعالى- وكان أصله من عتقاء الأمير آقباى المؤيّدى نائب الشام، حسبما ذكرنا محاسنه في غير موضع من تواريخنا. وتوفّى الأمير سيف الدين سودون بن عبد الله الأبوبكرى المؤيدى أتابك حلب بها في أواخر شهر رمضان، وهو مناهز الستين من العمر، وأصله من عتقاء الملك المؤيّد شيخ، وقد ولى أتابكية حلب غير مرّة، وولى في بعض الأحيان نيابة حماة، ثم نقل إلى تقدمة ألف بدمشق، ثم إلى أتابكية حلب، وكان عاقلا حشما، حسنة من حسنات الدنيا. وتوفّى الأمير سيف الدين خشكلدى بن عبد الله الكوجكى، أحد أمراء طرابلس، فى أواخر شهر رمضان، وكان له شهرة، وولى نيابة حمص في وقت من الأوقات. وتوفّى الوزير تاج الدين بن عبد الوهاب ابن الشمس نصر الله ابن الوجيه توما القبطى الأسلمى، الشهير بالشيخ الخطير- وهو لقب لوالده نصر الله- بعد ما شاخ، فى يوم الأربعاء خامس ذى القعدة، وكان معدودا من الكتبة، وباشر الوزر بعجز، لكنه كفّ عن المظالم، فهو أحسن الوزراء سيرة- والسّداد ميسّر. وتوفّى قاضى القضاة ولىّ الدين أحمد ابن القاضى تقي الدين ابن العلّامة بدر الدين محمد ابن شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقينى «1» الشافعى، قاضى قضاة دمشق معزولا

بها، بعد مرض طويل، فى ذى القعدة، ومولده بالقاهرة في سنة أربع عشرة وثمانمائة، وكان- رحمه الله تعالى- عالما فاضلا ذكيا، فصيح العبارة، مستقيم الذهن، طلق اللسان جهورى الصوت، مليح الشكل، خطيبا بليغا مفوها، كثير الاستحضار للشعر وأنواعه، نادرة في أقاربه وأبناء جنسه، إلا أنه كان قليل الحظ عند الملوك والأكابر، كما هى عادات الدّهر من تقديم الجهلاء وتأخير الفضلاء. وتوفّى الأمير سيف الدين خيربك بن عبد الله النّوروزى بعد عزله عن نيابة صفد وتوجهه إلى دمشق أميرا بها، وكان بلى المناصب الجليلة بالبذل لعدم أهليته، فإنه كان لا للسيف ولا للضيف. وتوفّى الشيخ المعتقد الصالح المجذوب أحمد السطوحى، المعروف بالشيخ خروف «1» ، فى يوم السبت سابع ذى الحجة، ودفن بزاويته عند جامع ملكتمر الشيخونى، المعروف بالجامع الأخضر بطريق بولاق، وكان للناس فيه اعتقاد، وكان يعجبنى حاله في المجاذيب- رحمه الله تعالى. وتوفّى القاضى أفضل الدين محمود بن عمر «2» القرمى الأصل، الحنفى الفقيه المشهور، أحد نوّاب الحكم الحنفية بالديار المصريّة، وهو عائد من مجاورته بمكة بالقاع الكبير، فى ليلة الثلاثاء سابع عشر ذى الحجة، وحمل إلى منزلة بدر فدفن بها، وهو في عشر السبعين، وكان معدودا من فقهاء السّادة الحنفية، وله اشتغال قديم، وفضل ومشاركة، وناب في الحكم زيادة على ثلاثين سنة، مع أدب وحشمة. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ستة أذرغ ونصف، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وواحد وعشرون إصبعا، وثبت إلى أيام من توت، ومع هذا الثبات شرق بلاد كثيرة من عدم إتقان الجسور- ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

ما وقع من الحوادث سنة 866

[ما وقع من الحوادث سنة 866] السنة الثانية من سلطنة الملك الظاهر خشقدم على مصر وهى سنة ست وستين وثمانمائة: فيها توفّى الأمير سيف الدين بيبرس بن أحمد بن بقر، شيخ العربان بالشّرقية من أعمال القاهرة بالوجه البحرى، وقد ناهز السبعين من العمر، فى يوم الأربعاء مستهل صفر بالقاهرة، وكان مشكور السّيرة نادرة في أبناء جنسه- رحمه الله تعالى. وتوفّى الشيخ الرّبانىّ الصّوفىّ المعتقد أبو عبد الله محمد الفوىّ «1» الشافعى، نزيل القاهرة بها، فى ليلة السبت سلخ شهر ربيع الأول، وهو في الثمانين تخمينا، ودفن من الغد بالصحراء، وكان من تلامذة الشيخ المسلك إبراهيم الإدكاوى، وخدم غيره أيضا من الصالحين، وكان رحمه الله تعالى أحد من أدركنا من أرباب الصلاح والخير- عفا الله تعالى عنه. وتوفّى الأمير سيف الدين قانى باى بن عبد الله الچاركسى الأمير آخور الكبير- كان- بثغر دمياط بطّالا في يوم السبت رابع عشر شهر ربيع الآخر، وحمل ميتا من دمياط إلى القاهرة، فغسّل بها وكفن وصلى عليه بمصلاة المؤمنى، وحضر السلطان الملك الظاهر خشقدم الصلاة عليه، ودفن بتربته التي جددها وبناها بالقرب من دار الضيافة «2» ، وكان أستاذه الأمير چاركس القاسمى المصارع مدفونا بها، ومات قانى باى هذا وقد ناهز الثمانين من العمر، وكان أصله من مماليك الأتابك يشبك الشعبانى، وأنعم به على الأمير چاركس القاسمى المصارع، فأعتقه چاركس، واستمر بخدمته إلى أن قتل في سنة عشر وثمانمائة، وصار من جملة المماليك السلطانية، ثم صار

خاصكيا بعد موت الملك المؤيد شيخ، وعاش على ذلك دهرا طويلا، إلى أن صار أمر الملك إلى الملك الظاهر جقمق في دولة الملك العزيز يوسف ابن الملك الأشرف برسباى وأنعم عليه بإمرة عشرة؛ لكونه من مماليك أخيه چاركس القاسمى، وكان چاركس أكبر في السن من أخيه الملك الظاهر جقمق، فلم يكن إلا مدّة يسيرة وتسلطن الملك الظاهر جقمق، وقرّب قانى باى هذا ورقّاه، وجعله شاد الشراب خاناه، وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف، ودام على وظيفته وهو من جملة المقدمين، ثم جعله دوادارا كبيرا، ثم أمير آخور كبيرا، ونالته السعادة، وعظم في الدولة الظاهرية حسبما ذكرنا أموره مفصلة في تاريخنا «الحوادث» ، ودام على ذلك إلى أن مات الملك الظاهر جقمق وتسلطن ولده الملك المنصور عثمان، وخرج عليه الأتابك إينال العلائى وتسلطن عوضه، فأمسك قانى باى هذا وحبسه بالإسكندرية سنين كثيرة إلى أن أخرجه الملك الظاهر خشقدم في أول سلطنته وسيّره إلى دمياط بطّالا، فدام بها إلى أن مات في التاريخ المذكور، وكان خيّرا ديّنا سليم الباطن مع طيش وخفة- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين تمرباى بن عبد الله من حمزة الناصرى المعروف بتمرباى ططر، أحد مقدمى الألوف، فى ليلة السبت ثامن عشرين جمادى الآخرة وقد ناهز الثمانين، وكان تركى الجنس من مماليك الملك الناصر فرج، ونزل به الدهر، ثم عاد إلى بيت السلطان وترقى ثانيا إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف في دولة الملك الظاهر خشقدم، وكان من المهملين المساكين. وتوفّى الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله الجكمى نائب ملطية بها في شهر ربيع الآخر وقد أسنّ؛ لأنه من مماليك الأمير جكم من عوض نائب حلب- كان. وتوفّى غيث بن ندى بن نصير الدّين، شيخ العربان بأحد جهات إقليم مصر «1» ، ودفن خارج القاهرة في يوم الاثنين خامس شهر رجب، وكان موته بعد قتل ابنه

حمزة وسلخه باثنين وعشرين يوما، ومستراح منه ومن ابنه حمزة- ولله الحمد على موتهما. وتوفّى الأمير سيف الدين حاج إينال اليشبكى نائب حلب بها في ليلة الخميس سابع عشرين شعبان بحلب، ودفن في يوم الخميس، وقد قارب الستين من العمر أو جاوزها، وكان أصله من مماليك الأمير يشبك الجكمى أمير آخور، وولى حلب عوضه الأمير جانبك التاجى المؤيّدى، وكان إينال هذا ولى عدّة أعمال بالبلاد الشّامية: حماة، وطرابلس، وحلب، غير أنه لم تسبق له رئاسة بمصر قط، وكان لا بأس به، لكنه لم يحمده الحلبيون في ولايته عليهم. وتوفّى الأمير سيف الدين تنبك بن عبد الله الأشرفى المعروف بالصغير، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، قتيلا بيد العربان بالبحيرة، وقد ذكرنا واقعته وكيفية قتله في «الحوادث» ، وكذلك الأمير سنطباى قرا الظاهرى- رحمه الله تعالى. وتوفّى المقام الناصرى محمد ابن السلطان الملك الأشرف إينال العلائى بثغر الإسكندرية في يوم الخميس مستهل ذى الحجة، وعمره نحو سبع عشرة «1» سنة، وهو شقيق الملك المؤيد أحمد، أمهما خوند زينب بنت بدر الدين بن خاص بك. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع وعشرة أصابع، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا وستة أصابع، وثبت إلى أواخر توت على نحو ثمانية عشر ذراعا.

ما وقع من الحوادث سنة 867

[ما وقع من الحوادث سنة 867] السنة الثالثة من سلطنة الملك الظاهر خشقدم على مصر وهى سنة سبع وستين وثمانمائة: فيها توفّى الأمير الطواشى عنبر الطنبذى الحبشى نائب مقدم المماليك السلطانية بطالا في يوم السبت ثامن المحرم، وكان من أصاغر أبناء طائفته، كان من عتقاء التاجر نور الدين على الطّنبذى «1» ، وبنى مدرسة بخط سوق الغنم قبل موته بمدة يسيرة- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين جانم بن عبد الله الأشرفى نائب الشام قتيلا بيد بعض مماليكه بمدينة الرّها، فى ليلة الثلاثاء تاسع عشرين شهر ربيع الأوّل، وهو نزيل حسن بك صاحب ديار بكر، وقد تقدّم من ذكره في أول سلطنة الملك الظاهر هذا ما يغنى عن التعريف بأموره ثانيا هنا، وكان جانم رجلا للقصر أقرب، وفيه حدّة مزاج، وسرعة حركة، مع تديّن وجودة، ومحبة للفقهاء والفقراء وأرباب الصلاح، مع كرم وأدب وحشمة ورئاسة وعفة عن القاذورات والفواحش- رحمه الله تعالى. وتوفّى قاضى القضاة شيخ الإسلام سعد الدين سعد ابن قاضى القضاة شيخ الإسلام شمس الدين محمد بن عبد الله بن سعد بن أبى بكر بن مصلح بن أبى بكر بن سعد العبسى الدّيرى «2» المقدسى الحنفى، قاضى قضاة الديار المصرية وعالمها، معزولا عن القضاء بداره بمصر القديمة، فى ليلة الجمعة تاسع شهر ربيع الآخر، وحضر السلطان الصلاة

عليه بمصلاة المؤمنى، ودفن بتربة السلطان الملك الظاهر خشقدم بالصحراء، ومولده ببيت المقدس في شهر رجب سنة ثمان وستين وسبعمائة، وبها نشأ وسمع الحديث على جماعة ذكرناهم في ترجمته في تاريخنا «المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى» ، وحفظ القرآن العزيز وعدّة متون في الفقه، وتفقّه بأبيه وغيره إلى أن برع في الفقه وأصوله، وأما فروع مذهبه والتّفسير فكان فيهما آية من آيات الله، ومات وقد انتهت إليه رئاسة الفقه في مذهبه شرقا وغربا، مع أنه كان رأسا أيضا في حفظ التفسير، وله مشاركة فى عدة فنون، وبالجملة فإنه مات ولم يخلف بعده مثله- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين شادبك بن عبد الله الصارمى نائب غزّة بها في يوم الثلاثاء ثالث عشر شهر ربيع الأوّل، وقد قارب الستين، وكان من عتقاء المقام الصارمى إبراهيم ابن الملك المؤيّد شيخ المحمودى، وكان ولى غزّة بالبذل، ومات قبل أن يستوفى ما بذله في ولايتها، وخلف عليه ديونا- عفا الله تعالى عنه. وتوفّيت خوند بنت السلطان الملك الظاهر جقمق، زوجة الأمير أزبك من ططخ الظاهرى، أحد مقدّمى الألوف بالديار المصرية، فى عصر يوم الاثنين عاشر جمادى الأولى، وحضر السلطان الصلاة عليها بمصلاة المؤمنى، ودفنت عند أبيها بتربة الأمير قانى باى الچاركسى، وكان موتها في غياب زوجها، كان مسافرا في السّرحة، وماتت وسنها دون ثلاثين سنة، وأمها خوند مغل أخت القاضى كمال الدين بن البارزى، وهى في قيد الحياة. وتوفّى الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله القوامى المؤيدى، أحد أمراء العشرات بالقاهرة، فى يوم الجمعة ثامن عشرين جمادى الأولى، وحضر السلطان الملك الظاهر خشقدم الصلاة عليه بمصلاة المؤمنى وقت العصر، وكان من عتقاء الملك المؤيّد شيخ، وكان من الخيرين الساكنين. وتوفّى الإمام علاء الدين على المغربى الحنفى، إمام الملك الأشرف إينال، فى يوم الاثنين ثالث عشر جمادى الآخرة، وهو في عشر الستين من العمر، وكانت لديه

فضيلة مع وسوسة وطيش وخفة، وإسراف في الحال، وبالجملة إنه كان من المخلّطين- رحمه الله تعالى. وتوفّى عظيم الدّولة ومدبّر المملكة الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله الظاهرى الدّوادار الكبير، المعروف بنائب جدّة قتيلا بيد المماليك الأجلاب بباب القلّة داخل قلعة الجبل، وقت صلاة الصبح من يوم الثلاثاء مستهل ذى الحجة، وقد ذكرنا قصة قتلته في «الحوادث» مستوفاة، لكن نذكرها هنا جملة «1» ، وهى أنه ركب من بيته سحر يوم الثلاثاء المذكور بغلس بعد صلاة الصبح بغير قماش الموكب، ومعه نحو خمسة نفر، وطلع إلى القلعة، ومشى بمن كان معه إلى أن وصل إلى باب القلّة، فسلّم على مقدم المماليك ثم مشى إلى أن جاوز العتبة الثانية من باب القلّة، والتفت عن يمينه إلى الجهة الموصلة إلى القصر السلطانى، فوجد هناك جماعة من المماليك السلطانية الأجلاب، فظن أن وقوفهم هناك لأجل أخذ الأضحية السلطانية على العادة فى كل سنة، فسلّم عليهم فردّوا عليه السلام بأعلى أصواتهم، كما يفعلون ذلك مع أعيان الأمراء بطريق التجمل، ثم مشى إلى أن التفت إلى نحو العتبة التي تكون على شماله تجاه باب الجامع الناصرى، فرأى على درجات الباب المذكور جماعة من المماليك الأجلاب من أوّل الدّرج إلى آخرها، فسلّم عليهم كما فعل مع من صدفه منهم قبلهم، فلم يردّ أحد منهم السلام، وحال أن وقع بصرهم عليه نزلوا إليه دفعة واحدة، وأحاطوا به، ونزلوا عليه من جهاته الأربع بالسيوف وغيرها، وهرب من كان معه إلى جهة الحوش السلطانى والدهيشة، ولما ضرب على رأسه سقط في الحال من وقته، وضربه آخر في خاصرته بالسيف، ثم نهض وارتكن بحائط الجامع، ثم سقط من وقته، فسحبه بعضهم برجله إلى طريق المطبخ، فوجد به رمقا، فألقى على رأسه حجرا هائلا رضخ رأسه، فمات من وقته، وكان مقدار قتلته كلها من أول الإحاطة به إلى أن خرجت روحه دون نصف درجة رمل، ولما تحققوا قتله أخذوا ما كان عليه من

القماش وغطّوه بحصير ورجعوا إلى جهة باب القلّة، ليلقوا من ندبوا إلى قتله أيضا من خچداشيته، فوافوا الأمير تنم رصاص الظاهرى المحتسب، وأحد أمراء الطبلخانات، قد أقبل في أثر الأمير جانبك المذكور فقصدوه، فاستجار بمقدّم المماليك أو بجماعة من إنّياته، فلم يغنوا عنه شيئا، وتناولته الأيدى بالضرب، فهجّ فيهم، وخرج من بينهم، وهو بغير سلاح، ومضى إلى جهة القصر، وهم في أثره في الظلام، ثم عاد وهم فى أثره إلى جهة الجامع حيث قتل الأمير جانبك، وقد ظفر منهم بعصاة، فضربهم بها، ودفع عن نفسه مع كثرة عددهم، وكاد أن ينجو منهم، فبادره بعضهم، وضربه بسيف ضربة طارت يده منها، ثم تكاثروا عليه بالضرب حتى ظنوا أنه مات، فحملته إنّياته إلى طبقته وبه رمق، وأخذوا في مداواة جراحه، فمات بعد قليل، ذلك والنجوم ظاهرة بالسماء. ولما وقع هذا أغلقت أبواب القلعة، وماجت الناس، وذهب كلّ واحد من الأمراء والخاصكية إلى جهة من جهات القلعة، وأما السلطان فإنه كان جالسا بقاعة الدّهيشة والشمعة تقد بين يدية بعد أن صلّى الصبح، فدخل إليه جانم دوادار الأمير جانبك المذكور، ولم يعلم جانم بقتل أستاذه، وعرّف السلطان أن المماليك الأجلاب منعت أستاذه من الدخول إلى السلطان، فسكت السلطان، لعلمه بباطن الأمر، ثم قال بعد ساعة: «أيش الخبر؟» فقال له بعض من حضر من الأمراء: «خير» فقال غيره: «وأى خير» والقائل الأول جانبك كوهيّة، والثانى مغلباى طاز وكلاهما مؤيّدى، ثم سكتوا فقال الأمير يلباى المؤيّدى الأمير آخور الكبير: «ما بقى اليوم خدمة؟» فقال السلطان: بلى نخرج إلى الحوش، وخرج إلى الحوش، وجلس على الدّكة، وذلك بعد طلوع الشمس، وجميع أبواب الحوش والقلعة مغلقة، فجلس السلطان ساعة وليس عنده الصحيح من خبر جانبك، إلى أن جاءه نائب المقدم وغيره، وأعلموا السلطان سرّا بواقعة الأمير جانبك وقتله، فقال السلطان إلى الخازندار: «أخرج ثوبين بعلبكيا لتكفين الأمير جانبك وتنم رصاص» .

ثم أمر السلطان الأمير جانبك كوهيّة الدوادار الثانى أن يخرج ويتولّى أمرهما وتجهيزهما والصلاة عليهما، فخرج وفعل ذلك وصلى عليهما بباب القلّة ووجّههما على نعوشهما إلى محل دفنهما، وليس معهما كثير ناس بل جميع من كان معهما دون عشرة نفر، فدفن الأمير جانبك بتربته التي أنشأها خارج باب القرافة، ودفن الأمير تنم عند ليث ابن سعد «1» . وكثر أسف الناس على الأمير جانبك إلى الغاية، وعظمت مصيبته على أصحابه وخچداشيته، وانطلقت الألسن بالوقيعة في السلطان، ورثاه بعضهم، وقالت المذاكرة في أمره قطعا في كيفية قتلته «2» ، وفي عدم وفاء السلطان على ما كان قام بأمره حتى سلطنه وثبّت قواعد ملكه، واضطرب ملك الملك الظاهر خشقدم بقتله، وخاف كل أحد من خچداشيته وغيرهم على نفسه، وماجت المملكة وكثر الكلام في الدولة، ووقع أمور بعد ذلك ذكرناها في وقتها، ليس لذكرها هنا محل- انتهى. ومات الأمير جانبك- رحمه الله تعالى- وهو في أوائل الكهولية، غير أنه كان بادره الشيب ببعض لحيته، وكان- رحمه الله تعالى- أصله چاركسى الجنس وجلب إلى الديار المصرية، وتنقّل من ملك واحد إلى آخر- ذكرنا أسماءهم في ترجمته فى غير موضع من مصنفاتنا- إلى أن ملكه الملك الظاهر جقمق في أيام إمرته وأعتقه، فلما تسلطن جعله خاصكيا وقرّبه، ولا زال يرقيه حتى أمّره وولاه بندر جدّة، ونالته السعادة في أيام أستاذه، وعظم وضخم ونهض في إمرة جدّة، بحيث إنه صار في وقته حاكم الحجاز جميعه حتى مات- فى دولة أستاذه وفي دولة غيره- وقد حررنا ذلك جميعه في «الحوادث» وغيره، وعظم بآخره عظمة زائدة، لا سيما لما ولى الدّوادارية الكبرى في دولة الملك الظاهر خشقدم، وصار هو مدبّر المملكة، وشاع ذكره، وبعد صيته، حتى كاتبه ملوك الأقطار من كل جهة وقطر.

وأما ملوك اليمن والحجاز والهند فإنه أوقفنى مرّة على عدّة كثيرة من مكاتبات ملوك الهند، وبعضها مشتمل على نظم ونثر وفصاحة وبلاغة، وأماما كان يأتيه من ملوك الهند من الهدايا والتحف فشىء لا يحصر كثرة، وتضاعفت الهدايا له في هذه الدولة أضعاف ما كان يهدى إليه أوّلا، وقال له الدهر: خذ، فأخذ وأعطى حتى أسرف وبذّر، بحيث إنه لم يكن أحد من خچداشيته وغيرهم مع كثرتهم [له مال] «1» إلا من إنعامه عليه، أو هو ساكن في بيت أنعمه عليه، والذي أعرف أنا: أنه وهب تسعة دور من بيوت مقدمى الألوف بالدّيار المصريّة على تسعة نفر من خچداشيته الأكابر الأمراء وغيرهم، وقس على هذا من الخيول والقماش، وكان في مجاورتى بمكة في سنة ثلاث وستين يلازمنى وألازمه في الحرم كثيرا، ولم أنظره تصدّق على أحد فيما تصدّق به أقل من عشرة أشرفية، هذا مع اقتنائه من كل شىء أحسنه وأجمله وأكثره، لا سيما بركه «2» وخيمه، فكان إليها المنتهى في الحسن، يضرب بها المثل. وبكفيك من علو همته أنه أنشأ بداره بستانا أزيد من مائة فدان، بابه الواحد «3» من داره قريب من خط قناطر السباع «4» ، وبابه الآخر تجاه الروضة، ثم أنشأ به تلك القبة العظيمة والرصيف الهائل تجاه الروضة، وبالجملة والتفصيل إن بابه كان محط «5» الرحال، وملجأ الطالبين الملهوفين، ونصرة المظلومين، وكثرة المحتاجين، فإنه كان يعطى الألفين دينارا دفعة واحدة إلى مادونها، وكان يعطى من المغلّ ألف أردب دفعة واحدة أيضا فى يوم واحد إلى ما دونها إلى عشرة أرادب، وأعطى في يوم واحد لبعض أعيان خچداشيتة مائة ناقة بأتباعها، يعرف هذا كلّ أحد، فقس على كرمه أيها المتأمل

ما شئت أن تقيس، ثم أعلم أنه لم يخلف بعده مثله، وإن أشكل عليك هذا القول، فسل من أحد من أمرائك العصريّين عشرة من الإبل، فإن أعطاك فاشكر مولاك، واعلم أنّ الناس فيهم بقية كرم، وإن لم يعطك فاشهد بصدق مقالتى. وعلى كل حال إنه كان ملكا كريما جليلا، مهابا شهما، عارفا حاذقا فطنا، فصيح العبارة في اللغة العربية والتركية بالنسبة لأبناء جنسه، وكان قصير القامة مع كيس فى قدّه، وظرف في تناسب أعضائه بعضها لبعض، وكان سيوسا حسن التدبير، ومن حسن سياسته أنه لم ينحطّ قدره بعد زوال دولة أستاذه الملك الظاهر جقمق، بل زادت حرمته أضعاف ما كانت في أيّام أستاذه، مع كثرة حكّام الدولة الأشرفية الإينالية وتفرّق كلمتهم، فساس كل واحد بحسب حاله، وأقام في دولتهم عظيما مبجّلا، وبوجوده كان أكبر الأسباب في إعادة دولة خچداشيته بعد موت الملك الأشرف إينال، وبالجملة إنه كان نادرة من نوادر دهره- رحمه الله تعالى- وقد استوعبت أحواله في غير هذا المصنف بأطول من هذا بحسب الباعثة والقريحة، ورثيته بقصيدة نونية في غاية الحسن- عفا الله عنه وصالح عنه أخصامه بمنّه وكرمه. وتوفّى الأمير سيف الدين تنم رصاص من نخشايش الظاهرى المحتسب، أحد أمراء الطبلخانات، قتيلا بيد المماليك الأجلاب مع الأمير جانبك الدّوادار، وقد تقدّم ذكر قتله فيما تقدم. وكان تنم هذا من عتقاء الملك الظاهر جقمق وخاصكيته، وترقّى بعد موته إلى أن ولى حسبة القاهرة في أواخر دولة الملك الأشرف إينال، ثم صار أمير عشرة في أوائل دولة الملك الظاهر خشقدم، ثم نقل إلى إمرة طبلخاناه، ودام على ذلك إلى أن قتل فى التاريخ المذكور في قصة الأمير جانبك، وهو يوم الثلاثاء أول ذى الحجة، وكان شابا مليح الشكل، شجاعا عارفا، كريما لسنا، متحركا حاضر الجواب، وكان أحد أعوان الأمير جانبك الدّوادار في مقاصده- رحمهما الله تعالى، وعفا عنهما أجمعين.

وتوفّى القاضى شمس الدين محمد بن أحمد القرافى «1» المالكى أحد نواب الحكم المالكية وأعيان الفقهاء بالديار المصرية، فى ليلة الاثنين رابع عشر ذى الحجة، ودفن صبيحة يومه بالقرافة وقد جاوز السبعين من العمر، وكان له اشتغال كثير في ابتداء أمره، وعمل جيد مع ذكاء وحسن تصوّر، لا سيما في باب التوريق «2» وصناعة القضاء والشروط رحمه الله تعالى وعفا عنه. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم- سبعة أذرع وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة تسعة [عشر] «3» ذراعا وسبعة أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 868

[ما وقع من الحوادث سنة 868] السنة الرابعة من سلطنة الملك الظاهر خشقدم على مصر وهى سنة ثمان وستين وثمانمائة. فيها توفّى قاضى القضاة بدر الدين حسن بن محمد بن أحمد بن الصّوّاف الحنفى «1» الحموى قاضى قضاة حماة، ثم الديار المصرية، إلى أن مات في يوم الأحد رابع المحرم ودفن من الغد في يوم الاثنين، وسنه نحو الستين سنة تخمينا، وكان أصله من حماة من أولاد التجار، واشتغل بالعلم في مبدأ أمره يسيرا، ثم مال إلى المتجر وتحصيل المال إلى أن حصل على جانب كبير منه، وولى قضاء حماة بالبذل سنين كثيرة، وطال تكراره إلى القاهرة غير مرّة، وأخذ منه- بوسائطجمل مستكثرة من المال غصبا ورضا، ثم قدم القاهرة في سنة ست وستين لأمر من الأمور، وحصل بينه وبين قاضى القضاة محب الدين بن الشّحنة الحنفى شنآن بواسطة صهارة، فسعى عليه وعزله، وولى عوضه في ثانى عشرين شهر رجب من سنة سبع وستين إلى أن مات في المحرم من هذه السنة، بعد أن مرض نحو الشهر، فكانت مدته كلها في القضاء خمسة أشهر وأياما بما فيها أيام مرضه، ولقد تعب بولايته وأتعب، واستراح بموته وأراح. وتوفّى السلطان الملك العزيز أبو المحاسن جمال الدين يوسف ابن السلطان الملك الأشرف أبى النصر برسباى الدقماقى الظاهرى، بعد خلعه من السلطنة بسنين كثيرة، بثغر الإسكندرية في يوم الاثنين تاسع عشر المحرم، وهو في أوائل الكهولية؛ لأن مولده بقلعة الجبل في سلطنة أبيه في سنة سبع وعشرين وثمانمائة، وأمه خوند جلبّان أم ولد لأبيه چاركسية، تزوّجها أستاذها الملك الأشرف بعد أن ولدت الملك العزيز هذا،

ومانت أيام والده الأشرف، ونشأ الملك العزيز تحت كنف والده بالدّور السلطانية، إلى أن عهد له أبوه الأشرف بالسلطنة في مرض موته، ومات بعد أيّام. وتسلطن العزيز هذا بعد عصر نهار السبت ثالث عشر ذى الحجة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وهو السلطان الثالث والثلاثون من ملوك الترك بالديار المصرية وأولادهم، والتاسع من الچراكسة وأولادهم، وتم أمره في الملك، وصار الأتابك جقمق مدبّر مملكته وفرّق النفقة على المماليك السلطانية كل واحد مائة دينار، لا يتنفّل أحد على أحد كائنا من كان، على قاعدة الملوك العظام، بخلاف من جاء بعده من الملوك، ودام في الملك إلى أن وقع بين الأتابك جقمق وبين مماليك أبيه الأشرفية أمور آلت إلى خلعه من السلطنة، وسلطنة الأتابك جقمق عوضه في يوم الأربعاء تاسع عشر شهر ربيع الأوّل سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، فكانت مدة ملكه نحوا من خمسة وتسعين يوما، ليس له فيها إلّا مجرّد الاسم فقط. وبعد خلعه من الملك رسم له بالسكن في قاعة من الحريم السلطانى بقلعة الجبل، فسكن بها إلى أن حسّن له بعض حواشيه التسحّب منها والنزول من القلعة إلى القاهرة لتثور مماليك أبيه به على الملك الظاهر جقمق، ففعل ذلك، وتزيّا في نزوله في زى بعض صبيان الطّباخين، ونزل بعد الفطر وقت صلاة المغرب إلى القاهرة من باب المدرج «1» وكانت أيام شهر رمضان، فنزل ولم يفطن به أحد، لاشتغال الخدام وغيرهم بالفطر، فلما نزل إلى تحت القلعة لم ير شيئا مما قيل له، فندم على نزوله، وبقى لا يمكنه العود إلى مكانه، فاختفى من وقته هو ومملوكه أزدمر وطواشيه صندل، وطباخه إبراهيم، ووقع له وللناس في اختفائه أمور ومحن، ونكبت جماعة كثيرة من الناس بسببه وضرب جماعة من مماليك أبيه بسببه بالمقارع والكسّارات، ووسّط بعضهم، وقلق الملك الظاهر جقمق بسببه قلقا زائدا. وضاقت الدنيا على الملك العزيز يوسف، وتفرقت عنه أصحابه إلى أن ظفر به

الملك الظاهر جقمق في أواخر شوال، وكان الذي أمسكه الملك الظاهر يلباى، وكان يوم ذاك أمير عشرة، فأنعم عليه الملك الظاهر جقمق بقرية سرياقوس، زيادة على ما بيده لكونه قبض على الملك العزيز في الليل، وطلع به إلى السلطان، ولما ظفر به الملك الظاهر جقمق حبسه بالدّور السلطانية، ثم بعثه إلى سجن الإسكندرية، فحبس بها إلى أن أطلقه الملك الظاهر خشقدم في أوائل سلطنته، هو والملك المنصور عثمان ابن الملك الظاهر جقمق، وسكن العزيز بدار في الإسكندرية إلى أن مات بها في التاريخ المقدّم ذكره، بعد أن قضى من عمره أياما عجيبة من حبس وقهر وتنغّص عيش- عوّضه الله الجنة بمنه وكرمه. وتوفّى الشيخ الصالح المعتقد المجذوب عمر الببانى «1» الكردى بسكنه بجامع قيدان «2» على الخليج بالقرب من قناطر الأوز «3» خارج القاهرة، فى ليلة الجمعة سلخ محرم هذه السنة، وصلى عليه ثلاث مرار، مرّة بجامع قيدان حيث كان سكنه ووفاته، ومرّة في الطريق، ومرّة حيث دفن بتربة الملك الظاهر خشقدم في الصحراء، وكانت جنازته مشهودة إلى الغاية، بحيث إن نعشة رفع على الأصابع من كثرة الناس مع هذا المدى البعيد، ومات وقد جاوز الستين، وكان أصله ببانيّا- طائفة من الأكراد- ولد هناك وقدم القاهرة، ونزل صوفيا بخانقاه سعيد السعداء، ودام على ذلك دهرا إلى أن ظنّ منه نوع من الجنون الذي يسميه الفقراء جذبة، فنقله أهل الخانقاه عنهم، فسكن بدار، ثم انتقل إلى جامع قيدان، فدام به سنين كثيرة، وبه اشتهر بالصّلاح، وقصدته الناس للزيارة والتّبرّك بدعائه، مع أنه كان لا يقبل من أحد شيئا إلا نوع الأكل، وكانت جذبته غير مطبقة،

لأنه كان لا يخل بالمكتوبة بل يغتسل في الغالب لكل صلاة صيفا وشتاء، وكان له في مبدأ أمره اشتغال ببلاده، ولم يبلغنى من كراماته شئ، وببان ببائين ثانى «1» الحروف مفتوحين وبعدهما ألف ونون ساكنة- أظنها قبيلة في الأكراد- رحمه الله تعالى. وتوفّى المقام الشهابى أحمد ابن الملك الأشرف برسباى الدقماقى الظاهرى بدار عمّه زوج أمه الأمير قرقماس الأشرفى أمير سلاح، بخط التبّانة خارج القاهرة، فى يوم السبت سابع شهر ربيع الأول، حضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمنى، ودفن بتربة والده الملك الأشرف برسباى بالصحراء في فسقيّة واحدة، وبموت أحمد هذا انقرضت «2» ذرية الملك الأشرف برسباى لصلبه، لأن أحمد المذكور خلّف بنات صغارا. وكان سيدى أحمد هذا أصغر أولاد الملك الأشرف، تركه حملا، وأمه أم ولد چاركسية، تزوجها الأمير قرقماس الأشرفى الجلب، وهو الذي تولّى تربيته إلى أن كبر، وماتت أمه، فلم يتركه قرقماس، واستمر عنده، وبهذا المقتضى لم يقدر أحد من السلاطين أن يأخذه منه وبرسله إلى ثغر الإسكندرية، ولما كبر أراد غير واحد من الملوك أن يرسله إلى الإسكندرية عند أخيه الملك العزيز يوسف المقدم ذكر وفاته في هذه السنة، فقال قرقماس: «إذا خرج أحمد هذا إلى جهة من الجهات أخرج أنا أيضا معه» فسكت القائل. ولا زال الشهابى مقيما بالقاهرة إلى أن صار في حدود الرجال غير أنه لم ينظره أحد قط، ولم يخرج من بيته قط لأمر من الأمور حتى ولا إلى صلاة الجمعة ولا إلى العيدين، بل يسمع الناس به ولا يرونه إلى أن مات، ومع هذا كاء كانت الملوك مطمئنة بإقامته بالقاهرة لحسن طاعة قرقماس للسلاطين، وكان على ما قيل شابا طوالا جميلا فاضلا عارفا، وله محبة في الفضيلة ومطالعة الكتب، ويكتب المنسوب، وكان موته بعد أخيه العزيز من النوادر، فإنه عاش بعد موت أخيه العزيز شهرا وثمانية عشر يوما، والعجيب

أنهما شابان كاملان ماتا في هذه المدّة اليسيرة من غير طاعون، وإنما هى آجال متقاربة، ومحل الظن بالملك، وأظنه برئ من ذلك، اللهم إن كان وقع شيء من غير الملك من جهة النسوة أو غيرها فيمكن- رحمه الله تعالى. وتوفّى الشيخ جمال الدين عبد الله ابن الشيخ الإمام القدوة المسلك الرّبانى نور الدين أبى الحسن على بن أيّوب «1» الدمشقى الأصل والمولد والمنشأ، المصرى الدار والوفاة، خادم خانقاه سعيد السعداء، فى ليلة الأربعاء سابع عشر شهر ربيع الآخر، وصلّى عليه بعد أذان العصر من يوم الأربعاء المذكور بمصلاة باب النصر، ودفن بمقابر الصوفية. وكان رحمه الله تعالى له اشتغال وفضيلة مع فصاحة وطلاقة لسان، ومحاضرة حسنة، وكرم نفس، مع العزلة والقناعة، مع التجمل في ملبسه وشأنه، وكان الناس في أمن من يده ولسانه- عفا الله عنه. وتوفّى الأمير سيف الدين تنم بن عبد الله من عبد الرزاق المؤيدى نائب الشام بها فى يوم الأربعاء ثانى عشرين جمادى الأولى، ودفن بدمشق بعد يومين لأمر اقتضى ذلك، لتعلق كان عليه، ومات وهو في عشر السبعين، وكان چاركسى الجنس، من عتقاء الملك المؤيد شيخ وخاصكيته الصغار، ثم جعله خازندارا صغيرا، ومات الملك المؤيّد وهو على ذلك، ثم صار في دولة الملك الأشرف برسباى رأس نوبة الجمدارية، ثم أمير عشرة، ثم ولى حسبة القاهرة في أوائل دولة الملك الظاهر جقمق، ثم نقل إلى نيابة إسكندرية، ثم عزل وقدم القاهرة، وبعد عزله بمدّة يسيرة ولى نيابة حماة، فلم تطل مدّته بحماة، ونقل إلى نيابة حلب، فلم ينتج أمره في نيابة حلب، ورجم من أهلها، فعزله الملك الظاهر جقمق، واستقدمه إلى مصر أمير مائة ومقدّم ألف بها، ثم صار أمير مجلس، ثم صار في دولة الملك المنصور عثمان أمير سلاح بعد جرباش الكريمى قاشق، بحكم عزله وعجزه، ودام على ذلك إلى أن كانت الفتنة

بين الملك المنصور عثمان وبين أتابكه إينال العلائى، فكان تنم هذا من حزب الملك المنصور بالقلعة، فلما تسلطن الأتابك إينال حبس تنم المذكور بثغر الإسكندرية، إلى أن أطلقه الملك الظاهر خشقدم، وأطلق معه الأمير قانى باى الچاركسى، وسيّرهما إلى ثغر دمياط بطّالين، ثم بعد مدة يسيرة أحضره الظاهر خشقدم إلى القاهرة، وولّاه نيابة دمشق بعد عزل الأمير جانم الأشرفى، فتوجّه تنم إلى دمشق وحكمها، فلم تحمد سيرته وتشكر طريقته، إلى أن مات في التاريخ المذكور. وكان- رحمه الله تعالى- له مساوئ ومحاسن، وأظن الأول أكثر، ومن غريب ما اتفق في أمره أنه لما كان محبوسا كان رجل من أصحابه ملتفتا إلى أمره ولما يصير من شأنه، فقصد الرجل بعض المشهورين بعلم النّجوم وأرباب التّقويم، فعمل الرجل لتنم المذكور زايرجاة، وأتقن عملها، فخرج له أبيات تشعر بسلطنة تنم المذكور، فجاءنى الرجل وهو مسرور، وحكى لى ذلك، فأجبته بكلام معناه: إن هؤلاء كذبة، ليس لهم معرفة بهذه الأمور، وكل ما يقولونه كذب وبهتان واختلاق، نصبة على أخذ الأموال، فعظم ذلك عليه، فقلت له: «لى معك شرط، أكتب الأبيات، فإن تسلطن فهو كما تقول، وإن كانت الأخرى فأكتبها في ترجمة وفاته ليكون ذلك عبرة لمن يصدّق كذب هؤلاء الفسقة» فقال: نعم، الأبيات هى «1» [الطويل] وإنّ الذي في السجن لا بدّ أنه ... يكون مليكا للأنام عزيزا فأوله تاء وآخر اسمه ... على القطع ميم، كن عليه حريزا وذلك كهل يا أخىّ وإنه ... لضخم القفا والصدر فاصغ مميزا ولا بد أن يأتى الزمان بقوة ... ويعلو رقابا للعداة محيزا فزايرجة في نظمها نطقت بذا ... فكن لى بهذا العلم منك مجيزا وهذا الذي عمل هذه الزّابرجة الناس مجمعون على معرفته، فما العجب من كذب

هؤلاء الكذبة الجهلة الأوقاح، وإنما العجب من تصديق الناس لكلامهم، وقد رأيت جماعة من ذوى العقول تقول: «صدق فلان في قوله كذا وكذا» فأقول له: «ما صدق بل حزر مرّة وثانية وثالثة ورابعة فأخطأ، ثم أصاب في الخامسة، وكل أحد يقدر على أن يقول مثل ذلك، لان الخير والشر والولاية والعزل «1» واقع في كل أوان وزمان، وكل منتصب لا بدّ له من العزل أو الموت، فالفرق في هذا المعنى بين العارف والجاهل بباب الحزر واضح لا يحتاج إلى بيان» . وتوفّى الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله التاجى المؤيدى المعزول عن نيابة حلب، والمرشح لنيابة الشّام بعد موت تنم المقدم ذكره، قبل أن يخرج من حلب بدار سعادتها، فى يوم الخميس ثامن جمادى الآخرة بعد أن مرض أياما يسيرة، وهو في عشر السبعين، وكان چاركسى الجنس، من صغار مماليك الملك المؤيّد شيخ، وصار خاصكيا بعد موته إلى أن صار نائب بيروت في أوائل دولة الملك الظاهر جقمق، ثم نقل إلى نيابة غزة، ثم ولى نيابة صفد، ثم حماة، كل ذلك ببذل المال لاتّضاع قدره، ثم ولى نيابة حلب بعد موت الحاج إينال اليشبكى، فباشر ذلك إلى هذه السنة، فرسم له أن يقدم إلى القاهرة «2» أمير مائة ومقدّم ألف بالديار المصرية، فتهيأ للخروج من حلب فمات الأمير تنم نائب الشام، فأقره الملك الظاهر خشقدم عوضه في نيابة الشام، فمات جانبك هذا قبل أن يصل إليه الخبر بولاية دمشق، وقيل بعد وصول الخبر بيوم، وكان متوسط السّيرة في ولايته، ولم تسبق له رئاسة بالديار المصرية غير الخاصكية، وكان غالب ولايته ببذل المال، والذي يبذل المال لا بد له من الظلم، وقد بلغنا عنه أنه كان يستعمل لقيمة الفقراء «3» الخضراء، والله أعلم بصحة ذلك.

وتوفّى الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله الأبلق أحد أمراء العشرات قتيلا بيد الفرنج في الماغوصة بجزيرة قبرس في إحدى الجمادين، وقد ذكرنا سبب قتله فى «الحوادث» وحاصل الأمر: أنه لما ملك الماغوصة، مدّ يده لأولاد أهل الماغوصة من الفرنج، فعزّ على الفرنج ذلك، لأنه كان أخذها بالأمان: فشكوا ذلك إلى صاحب قبرس جاكم الفرنجى، فنهاه عن ذلك فلم ينته، فوقع بينهم تشاجر أدّى ذلك إلى قتله، ولم ينتطح في ذلك شاتان، وبالجملة إن جانبك المذكور كان غير مشكور السيرة في مدّة إقامته بقبرس- رحمه الله تعالى. وتوفّى شيخ الإسلام قاضى القضاة علم الدين صالح ابن شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان بن نصير البلقينى الكنانى «1» الشافعى، قاضى قضاة الديار المصرية وعالمها، فى يوم الأربعاء وقت الزوال خامس شهر رجب، بعد أن مرض نحو عشرة أيام، ودفن من الغد بمدرسة والده تجاه داره بحارة بهاء الدين، بعد أن صلى عليه بالجامع الحاكمى، وتوجهوا بجنازته من طريق الجملون العتيق، ودخلوا بها من باب الجامع الذي بالشارع عند باب النصر، وعادوا بنعشه من الباب الذي بالقرب من باب الفتوح، وأعيد إلى مدفنه، وكانت جنازته مشهودة إلى الغاية. ومات وسنه سبع وسبعون سنة، لأن مولده بعد عشاء ليلة الاثنين ثالث عشر جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وهو من جملة الفقهاء الذين قرأت عليهم القرآن في صغرى، لأن أختى كانت تحت أخيه قاضى القضاة جلال الدين البلقينى، فكنّا بهذا المقتضى كشىء واحد، وكان إماما عالما فقيها، درّس وأفتى سنين كثيرة، وناب في الحكم عن أخيه جلال الدين المذكور، ثم ولى القضاء بعد ذلك غير مرّة، وطالت أيّامه في المنصب، وانتهت إليه رئاسة مذهبه في زمانه، وقد استوعبنا حاله في عدة مواضع من مصنفاتنا، ليس لذكرها في هذا المختصر محل، وفي شهرته ما يغنى عن الإطناب في ذكره هنا- رحمه الله تعالى ورضى عنه.

وتوفّى الأمير سيف الدين كمشبغا بن عبد الله السيفى نخشباى نائب ألبيرة بها فى أواخر شوال، وكان من عتقاء الأمير نخشباى الذي ضرب الملك الظاهر جقمق رقبته، ثم خدم كمشبغا هذا في بيت السلطان، ثم صار خاصكيا، ودام على ذلك دهرا إلى أن سعى في نيابة قلعة حلب فوليها دفعة واحدة بالبذل، فلم تشكر سيرته وعزل، ونقل إلى ألبيرة، فلم تطل مدته بها، ومات في التاريخ المذكور، وكان لا ذات ولا أدوات، ولولا أنه ولى هاتين الولايتين ما ذكرناه هنا. وتوفّى الشيخ أبو الفضل محمد ابن الشيخ الإمام الفقيه الصالح القدوة المسلك شمس الدين محمد بن حسن المعروف والده بالشيخ الحنفى، فى ليلة السبت ثامن ذى الحجة بجزيرة أروى المعروفة بالوسطانية، بعد مجيئه من الوجه البحرى، وحمل من الجزيرة في باكر نهار «1» السبت المذكور، وصلّى عليه ودفن بزاوية أبيه خارج قنطرة طقزدمر «2» ، وهو في عشر الستين من العمر، وكانت لديه فضيلة، وله اشتغال بحسب الحال، ولكنه لم يكن أمينا على الأوقاف- عفا الله تعالى عنه بمنه وكرمه. وتوفّى الوزير علاء الدين على ابن الحاج محمد الأهناسى «3» بمكة المشرفة بطالا في حياة أبيه، فى ثانى عشرين ذى القعدة، ومات وهو في أوائل الكهولية، وقد ولى على هذا الوزر والأستادارية والخاص غير مرّة، وعلىّ هذا وأبوه محمد هما من أطراف الناس الأوباش المعدودة رئاستهم من غلطات الدّهر، وقد ذكرنا من أحوال على هذا وولاياته نبذة كبيرة في تاريخنا «الحوادث» تغنى عن العيادة هنا- انتهى- رحمه الله تعالى. وتوفّى السلطان صارم الدين إبراهيم بن محمد بن على بن قرمان صاحب بلاد الرّوم- قونية، ولا رنده وقيسارية وغيرها- فى أواخر ذى القعدة أو أوائل ذى الحجة

وقد ناهز الستين من العمر، بعد أن ولى بلاد قرمان أكثر من خمس وأربعين سنة، وتولى بعده ابنه إسحاق، وفي لغتهم إسحاق أيسق، ووقع الخلف بسبب ولاية إسحاق بين أولاده. وبنو قرمان هؤلاء من أصلاء الملوك كابرا عن كابر، أبا عن جد فصاعدا إلى السلطان علاء الدين السّلجوقى، وقيل إن بنى قرمان هؤلاء من ذرية بايندر أحد أكابر أمراء جانكزخان ملك التّرك الأعظم. وتوفّى القاضى شمس الدين محمد ابن الشيخ بدر الدين محمد بن السّحماوى «1» الشافعى أحد أعيان موقعى الدست الشريف بالديار المصرية، فى ليلة السبت خامس عشر ذى الحجة، ودفن صبيحة يوم السبت المذكور عن اثنتين وثمانين سنة، وكانت لديه فضيلة وعنده حشمة وأدب وتواضع، وباشر التوقيع أزيد من خمسين سنة، وخدم بالتوقيع عند جماعة من أعيان الأمراء، آخرهم الملك الظاهر خشقدم إلى أن تسلطن- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين طوخ بن عبد الله الجكمى الرأس نوبة الثانى- كان- وأحد أمراء الطبلخانات بطالا بعد ما كفّ بصره، فى ليلة الأربعاء تاسع عشر ذى الحجة، ودفن من الغد بالصحراء، وقد زاد سنه على الثمانين ولم يحج حجة الإسلام، وكان أصله من مماليك جكم المتغلب على حلب، وكان من مساوئ الدهر لا يصلح لدين ولا لدنيا، وكان مسرفا على نفسه، ما أظنه ترك الشرب إلا في مرض موته، ولم يحج حجة الإسلام مع طول عمره وسعة ماله- ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، اللهم وفقنا لما تحب وترضى يا رب العالمين. وتوفّى الأمير سيف الدين بردبك بن عبد الله الأشرفى الدّوادار الثانى- كان-، قتيلا بيد العربان بالقرب من منزلة خليص «2» فى عوده من الحج في يوم

الاثنين سادس عشر ذى الحجة، وقد ناهز الخمسين أو جاوزها، وكان أصله من سبى قبرس قبيل سنة ثلاثين وثمانمائة مراهقا، وملكه الملك الأشرف إينال أيّام إمرته، وربّاه وأعتقه وجعله خازنداره، وزوّجه بابنته الكبرى، ثم جعله دواداره، ولما تسلطن أمّره وجعله دوادارا ثالثا ثم جعله دوادارا ثانيا، ونالته السعادة، وعظم في الدولة وقصده الناس لقضاء حوائجهم، وشاع ذكره وبعد صيته، وحمدت سيرته، وعمّر الجوامع في عدّة بلاد، وله مآثر وذكر في الصدقات والإعطاء، ودام على الدّوادارية إلى أن نكب ابن أستاذه السلطان الملك المؤيّد أحمد ابن الملك الأشرف إينال، وخلع من السلطنة، وأمسك بردبك هذا وصودر، وأخذ منه نحو من مائتى ألف دينار، ووقع له أمور. وبالجملة إنه كان لا بأس به لولا محبته لجمع المال من أى وجه كان- رحمه الله تعالى. وتوفّى الشيخ الفقيه العالم المقرئ تاج الدين محمد بن أحمد الفطويسى «1» الإسكندرى المالكى إمام السلطان، ومدرس الحديث بالظاهرية العتيقة، مات في نصف ذى القعدة، ومولده سنة خمس عشرة وثمانمائة، واشتغل كثيرا في عدّة علوم، لكنه لم يكن ماهرا فى غير القراءات، وحصلت له وجاهة آخر عمره. وتوفّى الأمير سيف الدين سودون بن عبد الله اليشبكى التركمانى المعروف بسودون قندورة، أحد مقدمى الألوف بدمشق وأمير حاج المحمل الشامى، بعد خروجه من المدينة الشريفة إلى جهة الشام، فى أواخر ذى الحجة، أو في أوائل المحرم، وقد زاد سنه على الستين، وكان من مماليك الأمير يشبك الجكمى الأمير آخور، وبقى بعد أستاذه من جملة مماليك السلطان، ودام على ذلك دهرا طويلا لا يلتفت إليه، إلى أن تحرك له بعيض سعد، وانتمى للصاحب جمال الدين ناظر الخاص ابن كاتب جكم بواسطة خچداشه جانبك اليشبكى والى القاهرة، فولى بعض قلاع البلاد الشامية:

قلعة صفد، وقلعة الشام، ثم تنقل في البلاد بالبذل إلى أن صار من أمره ما كان، ولم يكن سودون هذا من أعيان الأمراء لتشكر أفعاله أو تذم. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع وخمسة عشر إصبعا، مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعا وثلاثة عشر إصبعا.

ما وقع من الحوادث سنة 869

[ما وقع من الحوادث سنة 869] السنة الخامسة من سلطنة الملك الظاهر خشقدم على مصر وهى سنة تسع وستين وثمانمائة: فيها توفّى الأمير سيف الدين قانى باى طاز بن عبد الله البكتمرى نائب ألبيرة بها، فى أواخر شهر ربيع الأول أو أوائل شهر ربيع الآخر، وهو في الثمانين تخمينا، وكان أصله من مماليك بكتمر جلّق الظاهرى نائب الشام، وصار بعد موت أستاذه من مماليك السلطان، ثم نقل في أواخر عمره إلى نيابة قلعة صفد، ثم إلى نيابة ألبيرة، إلى أن مات، وهو من مقولة سودون تركمان المقدم ذكره في السنة الخالية. وتوفّى الأمير موسى [بن محمد بن موسى «1» ] صاحب حلى ابن يعقوب «2» من بلاد اليمن في شهر ربيع الآخر بمدينة حلى ابن يعقوب، وكان معدودا من أعيان الأمراء ومن ذوى البيوت في الممالك، ولجده موسى مع الشريف حسن بن عجلان صاحب مكّة وقائع ذكرناها في ترجمة حسن المذكور في تاريخنا «المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى» . وتوفّى الشهاب بديد بن شكر «3» وزير الشريف محمد بن بركات صاحب مكّة، فى ليلة السبت السابع من جمادى الأولى بوادى الآبار من عمل مكة، وحمل بقية ليلته على الرقاب إلى بطن مكة، فغسّل بالبيت الذي أنشأه الشريف محمد بن بركات بمكة، وصلى عليه صلاة الصبح بالحرم، ودفن بالمعلاة على والده، وكانت جنازته مشهودة،

وأسف الناس عليه؛ لأنه كان مقصودا للخير، ومن بقية الشيوخ والأكابر المشار إليهم، وبديد بباء موحدة ثانية الحروف مضمومة وبعدها دال مهملة مفتوحة، ثم ياء آخر الحروف ثم دال ساكنتين. وتوفّى القاضى بدر الدين محمد ابن قاضى القضاة شيخ الإسلام شهاب الدين أحمد ابن على بن حجر «1» العسقلانى الشافعى في يوم الأربعاء سادس عشر جمادى الآخرة وقد جاوز الخمسين من العمر، ولم يخلف قاضى القضاة ولدا ذكرا غيره ولا أنثى، وبموته انقطع نسل ابن حجر من الذكور «2» . وتوفّى الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله الناصرى نائب طرابلس بها في يوم الأربعاء حادى عشرين شهر رجب، وقد جاوز السبعين من العمر، وكان من صغار مماليك الملك الناصر فرج وعتقائه، ثم خدم بعد موت أستاذه عند خچداشه الأمير برسباى حاجب حجاب دمشق، وبخدمته عرف بين الناس، ودام بخدمته إلى أن خرج الأمير إينال الجكمى نائب الشام على الملك الظاهر جقمق وانهزم، فقبض جانبك عليه، وقد ذكرنا كيفية القبض عليه في غير موضع من مصنفاتنا، ليس لذكرها في هذا المختصر محل، فأنعم عليه الملك الظاهر جقمق بإمرة طبلخاناه بدمشق، ثم تنقل بعد ذلك بعدّة وظائف وأعمال غالبها بالبذل، إلى أن مات رحمه الله تعالى. وتوفى الأمير عجل بن نعير أمير عرب آل فضل «3» بالبلاد الشامية، وهو بطّال بالقرب من أعمال حلب. وتوفى السلطان خليل بن إبراهيم «4» صاحب مملكة شماخى وما والاها في السنة

الخالية، فيما أظن بمدينة شماخى «1» ولم تحرّر وفاته إلا في هذه السنة لبعد المسافة، ومات بعد أن ملك نحو أربعين سنة، وكان من أجلّ ملوك الشرق قدرا وأحسنهم سيرة، وأجودهم بضاعة وأكثرهم سياسة، وأحزمهم رأيا، وهو آخر من كان بقى من أكابر الملوك، وهو أحد من أوصاه السلطان مرادبك بن محمد بن عثمان ملك الرّوم على ولده محمد صاحب الروم في زماننا هذا، وقد ذكرنا أمره محررا فى «الحوادث» - رحمه الله تعالى. وتوفّى الوزير شمس الدين محمد البباوى، غريقا ببحر النيل بساحل بولاق بالقرب من فم الخور، وقت المغرب من يوم الأربعاء ثامن عشرين ذى الحجة، وهو في الكهولية؛ وكان سبب موته أنه توجه في مركب عقيبة «2» إلى ناحية طناش بالجيزية أو غيرها، وعاد فغرق من شردريح وافى مركبه قلبتها، ولله الحمد. وكان اللباوى هذا أصله من بباالكبرى بالوجه القبلى، كان بها خفيرا، وقيل راعيا، وقيل غير ذلك، وقدم القاهرة، وصار بخدمة بعض الطباخين مرقدارا، ثم صار صبيا عند بعض معاملى اللحم، ولا زال ينتقل في هذه الصناعات إلى أن صار معاملا، وحسنت حاله، وركب حمارا، ولا زال أمره ينمو في صناعته إلى أن أثرى، وحصّل مالا كثيرا، وصار معوّل الوزراء عليه في حمل اللحم المرتب للمماليك السلطانية، وبقى يركب بغلا بنصف رحل بسلخ جلد خروف «3» ، ويلبس قميصا أزرق كأكابر المعاملين. وسمع الملك الظاهر خشقدم بسعة ماله- وكان من الخسّة والطمع في محل كبير- فاحتال على أخذ ماله بأن ولّاه نظر الدّولة في أوائل ذى الحجة من سنة سبع وستين، ولبس البباوى العمامة والفرجيّة والخفّ والمهماز، وتزيّا بزى الكتاب، وترك زىّ المعاملين «4» ، فشقّ ذلك على الناس قاطبة، وعدّوا ذلك من قبائح الملك الظاهر خشقدم،

لأن البباوى هذا مع انحطاط قدره وجهله ووضاعته وسفالة أصله، مع عدم معرفته بالكتابة والقراءة، فإنه كان أمّيّا لا ينطق بحرف من حروف الهجاء، إلا إن كان تلقينا، ومع هذا كله كان غير لائق في زيّه، فباشر نظر الدّولة مدّة يسيرة، واختفى الأمير زين الدين الأستادار وولى الأستادارية من بعده المجد بن البقرى، وشغر الوزر عنه، وطلب السلطان البباوىّ هذا وولّاه الوزر في يوم الثلاثاء سابع عشر شهر ربيع الأول من سنة ثمان وستين وثمانمائة، وصار وزير الديار المصرية، فلم نعلم بأقبح حادثة وقعت في الديار المصرية قديما وحديثا من ولاية البباوى هذا للوزر؛ لأنه كان أحد الأعوام الأوباش الأطراف السّوقة، ووثب على هذه الوظيفة العظيمة التي هى أجلّ وظائف الدنيا بعد الخلافة شرقا وغربا، وقد وليها قديما جماعة كثيرة بالديار المصرية وغيرها من سادات الناس من زمن عبد الملك بن مروان إلى أيام الملك الظاهر بيبرس البندقدارى، وهى إلى الآن أرفع الوظائف قدرا في سائر بلاد الله، وفي كل قطر من الأقطار إلا الديار المصرية فإنه انحطّ بها قدرها، ووليها من الأوباش وصغار الكتبة جماعة من أوائل القرن التاسع إلى يومنا هذا، فالذى وليها في عصرنا هذا ممن لا يصلح لولايتها ابن النجّار، وعلى بن الأهناسى البرددار، وأبوه الحاج محمد المقدّم [ذكره] «1» ، ويونس بن جربغا دوادار فيروز النّوروزى، وغيرهم من هذه المقولة، ومع هذا كله بلاء أعظم من بلاء، وأعظم الكل ولاية البباوى هذه، فإن كل واحد ممن ذكرنا من الذين ولّوا الوزر كان لكل واحد ميزة في نفسه، وقد تقدّم له نوع من أنواع الخدم والمباشرات، إلا البباوى هذا فإنه لم يتقدّم له نوع من أنواع الرئاسة، ومع هذه المساوئ باشر بظلم وعسف وعدم حشمة وقلة أدب مع الأكابر والأعيان، وساءت سيرته، وكثر الدعاء عليه، إلى أن أخذه الله تعالى أخذ عزيز مقتدر، وأراح الله المسلمين منه؛ وقد هجاه الشعراء بأهاج كثيرة، ذكرنا بعضها في تاريخنا «الحوادث» ، وأنا أستغفر الله من لفظة وقعت منى في ترجمته، فإنى قلت في آخر ترجمته: ما ولى الوزر في الدنيا أحد أخسّ

من البباوى هذا، ولا يليها أيضا أحد قبح منه إلى يوم القيامة، فوليها بعد مدة شخص من غلمانه يقال له قاسم جغيتة، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم سبعة أذرع سواء، مبلغ الزيادة لم يتحرّر، نذكره في السنة الآتية عند انتهاء النيل.

ما وقع من الحوادث سنة 870

[ما وقع من الحوادث سنة 870] السنة السادسة من سلطنة الملك الظاهر خشقدم على مصر وهى سنة سبعين وثمانمائة. فيها توفّى الأمير زين الدين «1» قراجا بن عبد الله العمرى الناصرى أحد أمراء الألوف بدمشق بها في المحرم، وقد ناهز الثمانين من العمر، وهو من مماليك الناصر فرج بن برقوق، وطالت أيامه في الجندية إلى أن استقرّ به الملك الظاهر جقمق والى القاهرة، ثم تنقّل بعد ذلك في عدّة ولايات إلى أن صار أحد أمراء الألوف بدمشق، إلى أن مات في هذه السنة، وكان من المهملين المسرفين على أنفسهم مع شهرة بالشجاعة. وتوفّى الأمير إسحاق بن إبراهيم بن قرمان ملك الروم، غريبا عن بلاده بديار بكر عند حسن بك بن قرايلك في أوائل المحرم، بعد أن وقع له أمور وحروب لما ملك الروم وخالفه إخوته، وقد ذكرنا أمره في تاريخنا «الحوادث» مفصلا. وتوفّى الأمير سيف الدين جانم بن عبد الله المؤيّدى، المعروف بحرامى شكل، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، بعد مرض طويل وعمر طويل أيضا، وكان من أوباش مماليك الملك المؤيّد شيخ، وطالت أيامه في الخمول والفقر إلى أن جعله الملك الظاهر جقمق بوّابا، وأنعم عليه بإقطاع كبير، فحسن حاله، وامتنع عن الشحاتة من الأكابر، ودام على ذلك إلى أن تسلطن الملك الأشرف إينال، فطلب منه إمرة، فلم يعطه شيئا، فقام بين يديه في الملأ وقال: «إما توسطنى أو تعطينى إمرة» ، فضحك الناس وشفعوا له حتى أعطاه إمرة عشرة، ثم صار من جملة رءوس النوب،

ودام على ذلك إلى أن مات، وكان له حكايات في البخل والجنون والنذالة نستحى من ذكرها، وبالجملة إنه كان بوجوده عارا على جنس بنى آدم. وتوفّى القاضى بدر الدين حسن الرهونى المالكى «1» أحد نوّاب الحكم المالكية بالقاهرة، فى يوم الثلاثاء أوّل شهر ربيع الأوّل، وقد قارب الستين من العمر، وكانت لديه فضيلة، إلا أنه كان متهوّرا في أحكامه. وتوفى القاضى نور الدين على الشيشينى الحنبلى «2» ، أحد نوّاب الحكم الحنابلة فى صفر، وقد جاوز الكهولية، وكان فاضلا معدودا من فقهاء الحنابلة. وتوفى القاضى بدر الدين محمد ابن القاضى ناصر الدين محمد، المعروف بابن المخلّطة «3» ، المالكى السكندرى الأصل، المصرى المولد والمنشأ والوفاة، فى ليلة السبت تاسع عشر ربيع الأول، ودفن من الغد بالصحراء، وهو في عنفوان الشبيبة، وكان ولى نيابة الحكم بالقاهرة، ثم ولى قضاء الإسكندرية، وحسنت سيرته، إلى أن مرض وقدم القاهرة مريضا، ولازم الفراش إلى أن مات، وكان فاضلا عالما فقيها أديبا، حسنة من حسنات الدهر- رحمه الله تعالى. وتوفّى الشيخ المعتقد إبراهيم الغنام «4» بداره بالحسينية خارج القاهرة، فى يوم الخميس مستهل ربيع الآخر، وصلى عليه برحبة بالقرب من داره، ودفن بها، وكان من المعمرين، وللناس فيه اعتقاد حسن، وكان يبيع لبن المعز، يسوقها أمامه بالطرقات على عادة باعة «5» اللبن، وكان مشهورا بالصلاح. وتوفى الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله من أمير الأشرفى المعروف

بالظريف «1» ، محبوسا بقلعة صفد في هذه السّنة، وقد جاوز الكهولية، وكان من صغار مماليك الملك الأشرف برسباى، وصار خاصكيا في دولة الملك الظاهر جقمق، ثم خازندارا صغيرا «2» ثم دوادارا صغيرا «3» ثم تأمّر عشرة، ثم صار خازندارا كبيرا في دولة الملك الأشرف إينال، ثم صار في دولة الملك الظاهر خشقدم دوادارا ثانيا بإمرة مائة وتقدمة ألف، فلم تطل أيامه فيها، وقبض عليه مع من قبض عليه من خچداشيته الأشرفية، وحبس سنين إلى أن مات في السجن، وكان شابا خفيفا، وفيه طيش مع تكبّر وتعاظم وبخل زائد، لكنه كان عارفا بأنواع الملاعيب كالرّمح والبرجاس وغير ذلك، وعلى كل حال كانت مساوئه أكثر من محاسنه. وتوفّى الأمير سيف الدين ملك أصلان بن سليمان بن ناصر الدين بك بن دلغادر نائب أبلستين قتيلا بها بيد فداوى في صلاة الجمعة بالجامع، وثب عليه الفداوى وضربه بسكين كان في يده إلى أن قتله، وقتل الفداوى في الوقت، وقيل إن الفداوى كان أرسله الملك الظاهر خشقدم، وحضر سيفه إلى الديار المصرية في عاشر ربيع الآخر، وولى بعده شاه بضع أخوه، ووقع بعد ذلك أمور وفتن قائمة إلى يومنا هذا. وتوفّى الشيخ الإمام الخطيب البليغ الأديب المفنن برهان الدين إبراهيم ابن قاضى القضاة شهاب الدين أحمد بن ناصر بن خليفة بن فرج بن عبد الله بن عبد الرحمن «4» الباعونى الأصل، الدّمشقى المولد والمنشأ والوفاة، فى يوم الخميس ربع عشرين شهر ربيع الأوّل، ودفن من يومه، وقد عمّر، ومولده في سابع عشرين شهر رمضان سنة سبع وسبعين وسبعمائة، ونشأ بدمشق، وطلب العلم، وقرأ على علماء عصره إلى أن برع في عدّة فنون من فقه وعربية وأدب، وغلب عليه الأدبيات والشعر، وله نظم رائق ونثر فائق، وقفت على عدّة كتب من مكاتباته تدلّ على فضل كبير

وعلم غزير، واتساع باع في الأدب وأنواعه، وله رسالة عاطلة من النقط، أبدع فيها وأتى بغرائب، مع عدم التكلّف، وخمّس ألفية ابن مالك في النحو، وله غير ذلك من المصنفات، وولى خطابة دمشق، ومشيخة الباسطية، وسئل بقضاء دمشق فامتنع، ووليها أخوه القاضى جمال الدين يوسف الباغونى، ولم يزل الشيخ برهان الدين على أحسن طريقة إلى أن مات- رحمه الله تعالى. وتوفّيت خوند شكرباى الناصرية الأحمدية زوجة السلطان الملك الظاهر خشقدم فى يوم الأربعاء سادس جمادى الأولى، وصلى عليها تحت طبقة الزّمام تجاه باب الستارة، ودفنت بتربة زوجها السلطان الملك الظاهر خشقدم التي أنشأها بالصحراء، وأنزلت من القلعة، ولم يغطّ نعشها ببخشاناه «1» على عادة الخوندات، بل جعل على نعشها خرقة مرقعة للفقراء، وجعل أمام نعشها أعلام أحمدية «2» ، وكان ذلك بوصية منها، وكان أصلها چاركسية الجنس، من عتقاء الملك الناصر فرج ابن الملك الظاهر برقوق، وتزوجت بعد موت أستاذها بالأمير أبرك الجكمى، واستولدها أبرك أولادا، منهم: خاتون أم الشهابى أحمد ابن العينى، وماتت خاتون المذكورة في سلطنة الملك الظاهر خشقدم، ولم يتزوّج السلطان الملك الظاهر غيرها إلا بعدها. وتوفّى الأمير سيف الدين كسباى بن عبد الله الششمانى الناصرى ثم المؤيدى، أحد أمراء الطبلخانات في ليلة الاثنين ثالث «3» جمادى الآخرة، ودفن بتربته التي أنشأها خارج القاهرة، وكان أصله من مماليك الملك الناصر فرج، ثم ملكه الملك المؤيّد شيخ وأعتقه، وصار خاصكيا بعد موته ودام على ذلك إلى أن جعله الملك الظاهر جقمق دوادارا صغيرا، ووقع له معه أمور ومحن، إلى أن صار أميرا في دولة الملك

الأشرف إينال، ثم صار من أمراء الطبلخانات في دولة خچداشه الملك الظاهر خشقدم إلى أن مات في التاريخ المذكور، وكان رأسا في فنون الفروسية، عارفا بأنواع الملاعيب، كالرمح والنشاب والبرجاس وغير ذلك، لكنه كان عنده خفة وطيش، مع سلامة باطن- رحمه الله تعالى وعفا عنه. وتوفّى القاضى فخر الدين محمد الأسيوطى الشافعى «1» أحد نواب الحكم الشافعية، فى يوم الخميس ثالث عشر جمادى الآخرة، وسنه أزيد من سبعين سنة، وقد ناب فى الحكم أزيد من أربعين سنة، على أنه كان قليل العلم والعمل- عفا الله عنه. وتوفّى الشيخ الواعظ المذكّر أبو العباس أحمد بن عبد الله المقدسىّ «2» الشافعى الواعظ، بعد مرض طويل، بالقاهرة في ليلة الأربعاء سادس عشرين جمادى الآخرة، ودفن من الغد بالقرافة الصّغرى، ومولده في سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، هكذا ذكر لى عند ما استجارنى، وكان له اشتغال قديم، وغلب عليه الوعظ والتّذكير، وعمل المواعيد «3» ، وكان لتذكيره تأثير في القلوب، وعليه أنس، وله باع واسع فى الحفظ للأحاديث والتفسير وكرامات الصالحين، وكان له في التذكير القبول الزائد من كل أحد، وأثرى من ذلك وجمع المال الكثير، والناس فيه على قسمين، ما بين معتقد ومنتقد، والظن الثانى أكثر، وكنت أنا من القسم الأول، لولا ما وقع له مع الحافظ العلّامة برهان الدين البقاعى ما وقع، وحكايته معه مشهورة أضربت عن ذكرها لقرب عهد الناس منها. وتوفّى الخادم الرئيس صفىّ الدين جوهر بن عبد الله الأرغون شاوى «4»

الظاهرى، الساقى الحبشى الجنس، رأس نوبة الجمدارية، فى ليلة الخميس عاشر شعبان، ودفن من الغد بتربة الأمير قانى باى الچاركسى، وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلّاة المؤمنى، ومات وهو في عشر الستين، ولم يخلف بعده مثله دينا وأدبا وحشمة ورئاسة وتواضعا وعقلا، وبالجملة إنه كان من حسنات الدّهر- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين سودون بن عبد الله المؤيّدى الفقيه الأشقر، أحد أمراء العشرات، بعد مرض طويل، فى يوم الخميس سابع شهر رمضان، وكان من عتقاء الملك المؤيّد شيخ، وتأمّر في دولة الملك المؤيّد أحمد ابن الملك الأشرف إينال- فيما أظن- ودام على ذلك إلى أن مات، وكان فقيها ديّنا خيرا فاضلا- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأديب الفاضل أبو العباس أحمد بن أبى السعود إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن سعيد بن على المنوفى «1» الشافعى، المعروف بابن أبى السعود الشاعر المشهور بالمدينة الشريفة في خامس عشرين شهر رمضان، ومولده في شوال سنة أربع عشرة وثمانمائة بمنوف العليا، ومن شعره في مليح منجم: [الوافر] لمحبوبى المنجّم قلت يوما ... فدتك النّفس يا بدر الكمال برانى الهجر، فاكشف عن ضميرى ... فهل يوما أرى بدرى وفى لى وقد ذكرنا من شعره قطعة جيدة في «الحوادث» وغيرها. وتوفّى القاضى جلال الدين عبد الرحمن ابن الشيخ نور الدين على ابن العلّامة سراج الدين عمر بن الملقّن «2» الشافعى، فى صبيحة يوم الجمعة ثامن شوال، وقد جاوز الثمانين بأيام قليلة، ومات فجأة، وكان من بيت علم وفضل، وناب في الحكم سنين، وولى

عدّة وظائف دينية، ودرّس بعدّة مدارس، وكان مشكور السّيرة ديّنا عاقلا، مليح الوجه حسن السّمت- رحمه الله تعالى. وتوفّى الشيخ زين الدين خالد بن أيوب بن خالد «1» ، شيخ خانقاه سعيد السعداء، فى يوم الأربعاء ثالث عشر شوال، بعد مرض طويل، وولى المسجد بعده الشيخ تقي الدين عبد الرحمن القلقشندى- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير الوزير الصاحب شمس الدين منصور بن الصفى «2» قتيلا، ضربت رقبته تجاه الصالحية بحكم قاضى القضاة حسام الدين بن حريز المالكى، فى يوم الأربعاء العشرين من شوال، وسنّه دون الأربعين سنة، بعد أن قاسى شدائد من الضرب والعصر والمصادرات والسجن «3» ، لتحامل أهل الدولة عليه، وقد سقنا حكايته بتطويل في تاريخنا «الحوادث» - رحمه الله تعالى. وتوفّى الشيخ شمس الدين محمد بن على بن محمد المعروف بابن الفألاتى «4» الفقيه الشافعى، فى يوم الجمعة رابع عشر ذى القعدة، وهو في أوائل الكهولية، والفألاتى «5» كانت صناعة أبيه، وكان أبوه وأعمامه ثلاثة إخوة، كان عمه الواحد أديبا حكما لأدباء العوام، عاميا، يجلس على الطرقات في وسط حلقة، وعمه الآخر في قيد الحياة بتكسب بالتنجيم بالرّمل، وكان والد شمس الدين حكويّا يجلس على الطرقات، وعليه حلقة كعادة العوام، وكان مع هذا حكما للمصارعين، ونشأ شمس الدين هذا على هيئة العوام، إلا أنه حفظ القرآن العزيز، فلما كبر حبّب إليه الاشتغال بالعلم، فاشتغل على جماعة من العلماء في فنون كثيرة، وعدّ من أعيان الفقهاء- رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير سيف الدين تغرى برمش السيفى قراخجا الحسنى، أحد أمراء

العشرات ورأس نوبة، فى ليلة الخميس ثامن عشر ذى الحجة، وقد ناهز الستين أو جاوزها بقليل، ودفن من الغد، وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمنى- رحمه الله تعالى. وتوفّى بير بضع بن جهان شاه بن قرايوسف بن قرا محمد، التركمانى الأصل، صاحب بغداد والعراق، قتيلا بسيف والده جهان شاه، بعد أن حصره ببغداد نحو ثلاث سنين، وكان كآبائه وأجداده سيىء الاعتقاد، محلول العقيدة، راحت روحه إلى سقر، ويلحق الله به من بقى من أقاربه. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم سبعة أذرع ونصف، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا وستة أصابع.

ما وقع من الحوادث سنة 871

[ما وقع من الحوادث سنة 871] السنة السابعة من سلطنة الملك الظاهر خشقدم على مصر وهى سنة إحدى وسبعين وثمانمائة: فيها توفّى أتابك العساكر بالديار المصرية الأمير قانم من صفر خجا المؤيّدى، المعروف بالتاجر، فجاءة في ليلة الاثنين حادى عشر صفر، وسنه نحو السبعين، وكان أصله من مماليك المؤيّد شيخ وأعتقه، وصار خاصّكيّا في دولة ولده المظفر أحمد ابن شيخ، ولا زال على ذلك إلى أن تأمّر عشرة في دولة الملك العزيز يوسف ابن السلطان الملك الأشرف برسباى. واستمرّ في دولة الملك الظاهر جقمق كلها على ذلك، وحجّ أمير الركب الأوّل غير مرّة، وتوجّه في الرّسليّة إلى جهان شاه ابن قرايوسف ملك الشرق، ثم إلى خوندكار بن عثمان متملك بلاد الرّوم، ثم عاد ودام بمصر إلى أن صار في دولة الملك الأشرف إينال من جملة أمراء الطبلخانات، ثم صار أمير مائة ومقدّم ألف بعد موت خيربك النّوروزى المؤيّدى الأجرود، ثم صار في دولة الملك المؤيّد أحمد بن إينال رأس نوبة النّوب، بعد الأمير قرقماس الأشرفى، بحكم انتقاله إلى إمرة مجلس، واستمرّ على ذلك إلى أن نقله خچداشه الملك الظاهر خشقدم إلى إمرة مجلس، بعد انتقال قرقماس أيضا إلى إمرة سلاح، بعد انتقال الأمير جرباش إلى الأتابكية، عوضا عن الملك الظاهر خشقدم، وعظم قانم في دولة خچداشه خشقدم المذكور، ونالته السعادة زيادة على ما كان أولا، ودام على ذلك إلى أن نقله إلى الأتابكية بعد إخراج الأتابك جرباش المحمدى إلى ثغر دمياط بطّالا، فدام على الأتابكية إلى أن مات فجاءة في التاريخ المقدم ذكره، وكان من أجلّ الملوك وأعظمهم، لولا تكبّر كان فيه- رحمه الله تعالى وعفا عنه.

وتوفّى الأمير سيف الدين برسباى بن عبد الله البجاسى نائب الشام بها في يوم الاثنين ثامن عشر صفر، وقد زاد سنه على الستين، بعد مرض طويل، وكان من عتقاء الأمير تنبك البجاسى نائب دمشق، الذي كان خرج على الملك الأشرف برسباى وقتل في سنة سبع وعشرين وثمانمائة، فكان بين وفاة برسباى هذا ووفاة أستاذه تنبك نحو من أربع وأربعين سنة، ولما قتل أستاذ برسباى هذا تنقّل في الخدم حتى صار من جملة المماليك السلطانية، وترقى إلى أن صار أمير عشرة في دولة الملك الظاهر جقمق، ثم جعله نائب الإسكندرية، ثم صار في دولة الأشرف إينال أمير مائة ومقدّم ألف. ثم لما مات حاجب الحجاب جانبك القرمانى الظاهرى في شوال سنة إحدى وستين جعل هذا موضعه حاجب الحجاب، ثم نقل إلى الأمير آخورية الكبرى في سنة أربع وستين بعد موت يونس العلائى، وذلك بعد أن صاهر السلطان وتزوج بنت الأمير بردبك الدوادار الثانى، وهى بنت بنت السلطان، فلم يكن مكافأة برسباى هذا للأشرف إينال على ما خوّله من النعم إلا أنه لمّا خرج القوم على ولده الملك المؤيّد أحمد بن إينال غدره ومال إلى الملك الظاهر خشقدم، فعابه كلّ أحد على ذلك، وليت الملك الظاهر خشقدم عرف له ذلك، بل أخرجه بعد قليل إلى نيابة طرابلس، ثم تنقّل بعد نيابة طرابلس إلى نيابة الشام ببذل المال، ولم يتهنأ بدمشق بل مرض وطال مرضه إلى أن مات، وكان رجلا عاقلا عفيفا عن المنكرات والفروج، ولم يعفّ عن الأموال، وكان بخيلا جدا- عفا الله عنه. وتوفى شيخ مكة ومحدّثها ومسندها تقىّ الدين أبو الفضل محمد بن نجم الدين محمد ابن أبى الخير محمد بن عبد الله بن فهد الهاشمى «1» المكى الشافعى، بمكة في يوم السبت سابع شهر ربيع الأول؛ ومولده بأصفون الجبلين «2» من صعيد مصر، فى يوم الثلاثاء

خامس شهر ربيع الأول سنة سبع وثمانين وسبعمائة، وقد استوعبنا ترجمته في تاريخنا «الحوادث» . وتوفى الأمير سيف الدين قانم بن عبد الله الأشرفى؛ المعروف بقانم نعجة، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، شبه الفجاءة، فى ليلة الأحد سادس عشر جمادى الأولى، وقد جاوز الستين، وكان من مماليك الملك الأشرف برسباى وتأمّر في دولة الملك الأشرف إينال إلى أن مات، وكان مسرفا على نفسه منهمكا في اللذات، وعنده بطش وظلم. وتوفّى الأمير سيف الدين تمراز بن عبد الله الإينالى الأشرفى الدّوادار الثانى- كان- مقتولا بسيف الشرع بقلعة المرقب، فى يوم السبت تاسع عشر جمادى الأولى، ومات وقد زاد سنّه على الستين، وحكاية تمراز هذا طويلة، وما وقع له من الحبس والنفى والمحن يطول الشرح في ذكره، استوعبنا غالب أموره في وقتها في تاريخنا «حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور» وبالجملة إن تمراز هذا كان من مساوئ الدهر لفظا ومعنى- عفا الله تعالى عنه. وتوفّى الخواجا التاجر بدر الدين حسن الطّاهر اليمنى الأصل والمولد والمنشأ، المكى الدار والوفاة، شاه بندر جدّة، بمكة في جمادى الأولى، وقد عمّر وشاخ، وانتهت إليه رئاسة التجار بمكة في كثرة المال والبخل، وقيل إنه كان زيدىّ المذهب مع جهل مفرط، وبعد عن كل علم وفن. وتوفّى قاضى القضاة شرف الدين يحيى ابن سعد الدين محمد بن محمد المناوى «1» الشافعى، قاضى قضاة الديار المصرية وعالمها- معزولا- فى ليلة الثلاثاء ثالث عشر جمادى الآخرة، ودفن من الغد بالقرافة الصغرى، وقد زاد سنه على السبعين، وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلّاة المؤمنى، وكانت جنازته مشهودة، وكثر

أسف الناس عليه، لغزير فضله ودينه وحسن سيرته، ومات ولم يخلف بعده مثله- رحمه الله تعالى. وتوفّى القاضى زين الدين عبد الغفار بن مخلوف السمديسى المالكى «1» ، أحد نواب الحكم بالديار المصرية، وهو في أواخر الكهولية، وكان معدودا من فضلاء المالكية. وتوفّى الإمام نور الدين على السويفى «2» المالكى إمام السلطان، فى يوم الخميس رابع عشر شهر رجب، وهو في عشر المائة من العمر، بعد أن خدم عدّة ملوك، وولى حسبة القاهرة- رحمه الله تعالى. وتوفّى الحافظ تقي الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن قطب الدين أحمد القلقشندى «3» الشافعى، شيخ خانقاه سعيد السعداء الصلاحية في ليلة الثلاثاء ثالث شعبان، ومولده في شهر رجب سنة سبع عشرة وثمانمائة، وكان من الفضلاء، وصحبنى سنين كثيرة، وسمعت أشياء عالية من الحديث بقراءته، ذكرنا ذلك كله في ترجمته في «الحوادث» - رحمه الله تعالى. وتوفّى الأمير شهاب الدين أحمد ابن ناصر الدين محمد، المعروف بابن قليب، حاجب حجّاب طرابلس وأستادار السلطان بها، فى يوم الخميس خامس شعبان. وتوفّى أميرزة ابن شاه أحمد بن قرايوسف في يوم السبت رابع ذى القعدة، بالقاهرة بسكنه بباب الوزير خارج القاهرة، وسنه زيادة على ثلاثين سنة، وأظنه حفيد شاه أحمد بن قرايوسف لا ولده «4» - رحمه الله تعالى.

وتوفّى الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله الناصرى المعروف بالمرتدّ أحد مقدمى الألوف بالديار المصرية- بطالا- بعد ما شاخ وكبر سنه، وكان من المهملين فى أيام عمله وبطالته- رحمه الله تعالى. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعا سواء.

ما وقع من الحوادث سنة 872

[ما وقع من الحوادث سنة 872] ذكر سلطنة الملك الظاهر أبى نصر يلباى الإينالى المؤيدى على مصر وهو السلطان التاسع والثلاثون من ملوك الترك وأولادهم، والرابع عشر من الچراكسة وأولادهم. تسلطن في آخر نهار السبت عاشر شهر ربيع الأول من سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، قبل الغروب بنحو ثلاث درج رمل، وسبب تأخيره إلى هذا الوقت أنه لما مات الملك الظاهر خشقدم بعد أذان ظهر يوم السبت المقدّم ذكره طلع الأتابك يلباى المذكور وجميع الأمراء إلى القلعة، وقبل أن يتكلموا في ولاية سلطان أخذوا في تجهيز الملك الظاهر خشقدم والصلاة عليه، فغسّلوا وأخرجوه وصلوا عليه عند باب القلّة، ونزلوا به إلى حيث دفن بمدرسته التي أنشأها بالصحراء بالقرب من قبة النصر، وحضرت أنا دفنه، ولم يحضره من أعيان الأمراء إلا جماعة يسبرة حسبما تقدّم ذكره في وفاته، وهذا كله بخلاف العادة، فإن العادة سلطنة سلطان ثم يؤخذ في تجهيز السلطان الذي مات. ولما أنزل نعش الملك الظاهر خشقدم من القلعة شرعوا عند ذلك في سلطنة الأتابك يلباى، وكان قد انبرم أمره في ضحوة نهار السبت هذا مع الأمراء ومماليك الملك الظاهر خشقدم، وكبيرهم يوم ذاك خيربك الدّوادار الثانى، وخشكلدى البيسقى أحد مقدّمى الألوف، ولما أذعن مماليك الظاهر الأجلاب بسلطنة يلباى لم يختلف عليه يومئذ أحد؛ لأن الشوكة كانت للأجلاب، وهم أرادوه، والظاهرية الكبار تبع لهم، وأما المؤيّدية فخچداشيته، فتمّ أمره. وكيفية سلطنته أنه لما عادوا من الصلاة على الملك الظاهر خشقدم جلسوا عند باب

الستارة وقتا هيّنا، وإذا بالأمير خيربك خرج من باب الحريم ومعه جماعة من خچداشيته وأخذوا الأتابك يلباى وأدخلوه من باب الحريم، ومضوا به إلى القصر السلطانى، وخاطبوه بالسلطنة، فامتنع امتناعا هينا، فلم يلتفتوا إلى كلامه، وأرسلوا إلى الأمراء أحضروهم إلى القصر من خارج، فوجدوا القصر قد سقط بابه، فدخلوا من الإيوان إلى القصر، فتفاءل الناس زواله بسرعة؛ لغلق باب القصر، فدخلت الأمراء قبل أن يحضر الخليفة والقضاة، وطال جلوسهم عنده، وقبّلت الأمراء الأرض قبل المبايعة وهم في هرج لإحضار الخليفة والقضاة إلى أن حضروا بعد مشقة كبيرة؛ لعسر طريق القصر، إذ المصير إليه من الإيوان السلطانى، وأيضا حتى لبست الأمراء قماش الموكب وتكاملوا بعد أن فرغ النهار، وقد أخذوا في بيعته وسلطنته ولبّسوه خلعة السلطنة بالقصر، وجلس على تخت الملك من غير أن يركب فرسا بأبهة الملك على العادة، وقبلوا «1» الأمراء الأرض بين يديه وتمّ أمره «2» ، فكان جلوسه على كرسى السلطنة قبل الغروب بثلاث درج حسبما تقدم ذكره. وخلع على الأمير تمربغا أمير مجلس بالأتابكية، ثم خلع على الخليفة، فدقّت البشائر، ونودى بسلطنته، وتلقب بالملك الظاهر يلباى. والآن نشرع في التعريف به قبل أن نأخذ فيما وقع له في سلطنته من الحوادث فنقول: أصله چاركسى الجنس، جلبه الأمير إينال ضضع من بلاد الچاركس إلى الديار المصرية في عدة مماليك، فاشتراه الملك المؤيد شيخ قبل سنة عشرين وثمانمائة، وأعتقه وجعله من جملة المماليك السلطانية، وأسكنه بالقلعة بطبقة الرفرف «3» ثم صار خاصكيا

بعد موت أستاذه، ودام على ذلك إلى أن صار من أعيان الخاصكية، وأنعم الأشرف برسباى عليه بثلث قرية طحورية «1» ، ثم نقله الملك العزيز يوسف ابن السلطان الملك الأشرف برسباى إلى نصف بنها العسل بعد أيتمش المؤيدى، ثم صار ساقيا في أوائل دولة الملك الظاهر جقمق، فلم تطل أيامه في السقاية، وأمّره عشرة وجعله من جملة رءوس النوب، فدام على ذلك إلى أن تسحّب الملك العزيز يوسف ابن الملك الأشرف برسباى من قلعة الجبل واختفى إلى أن ظفر به يلباى هذا في بعض الأماكن، وطلع به إلى الملك الظاهر جقمق، فأنعم عليه الملك الظاهر جقمق بقرية سرياقوس زيادة على ما بيدة، وصار أمير طبلخاناه، ودام على ذلك إلى أن تسلطن الملك المنصور عثمان ابن السلطان الملك الظاهر جقمق، فقبض على يلباى هذا وعلى اثنين من خچداشيته: دولات باى الدّوادار الكبير ويرشباى الأمير آخور الثانى؛ وذلك في سنة سبع وخمسين، وحبس بثغر الإسكندرية إلى أن أطلقه الملك الأشرف إينال من سجن الإسكندرية، وأطلق خچداشيته المذكورين، ووجّهه إلى دمياطبطّالا- ثم أحضره إلى القاهرة بعد أيام قليلة، فاستمر بطالا مدة يسيرة. وقتل الأمير سونجبغا اليونسى «2» الناصرى ببلاد الصعيد، وكان سونجبغا هو الذي أخذ إقطاع يلباى هذا بعد مسكه، فأعاده الملك الأشرف إينال إليه، وصار على عادته أولا أمير طبلخاناه إلى أن مات الأمير خيربك المؤيّدى الأشقر الأمير آخور الثانى، فنقل يلباى هذا إلى الأمير آخورية الثانية من بعده، فدام على ذلك إلى أن أنعم عليه الملك الأشرف إينال بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، فدام على ذلك إلى أن نقله الملك الظاهر خشقدم إلى حجوبية الحجاب بالديار المصرية، عوضا عن بيبرس خال العزيز، بحكم انتقاله إلى وظيفة رأس نوبة النّوب، بعد انتقال الأمير قانم إلى

إمرة مجلس بعد انتقال قرقماس إلى إمرة سلاح؛ بحكم انتقال جرباش إلى الأتابكية، عوضا عن الملك الظاهر خشقدم، وذلك في يوم الأربعاء سابع شوال. فاستمرّ يلباى هذا على الحجوبية إلى أن نقله الملك الظاهر خشقدم إلى الأمير آخورية الكبرى، بعد توجه برسباى البجاسى إلى نيابة طرابلس، بعد القبض على الأمير إياس المحمدى الناصرى، وذلك في يوم الخميس سابع عشر المحرم سنة ست وستين. فدام يلباى هذا في هذه الوظيفة إلى أن نقل إلى أتابكية العساكر بالديار المصرية بعد موت الأتابك قانم دفعة واحدة، بعد أن كان يجلس في مجلس السلطان خامس رجل، وذلك في يوم الاثنين ثامن عشر صفر سنة إحدى وسبعين وثمانمائة، واستمرّ على ذلك إلى أن مرض الملك الظاهر خشقدم، وثقل في مرضه، وتكلّم الناس فيمن يتسلطن فيما بينهم، فرشح جماعة، فاختارت الأجلاب يلباى هذا، كونه أتابك العساكر وأيضا خچداش أستاذهم، فتسلطن، وتمّ أمره حسبما تقدّم ذكره- انتهى. قلت: ولما استمر جلوسه بالقصر السلطانى رسم في الحال بسفر الأمير قرقماس أمير سلاح بمن كان عيّن معه من الأمراء والمماليك السلطانية إلى الصعيد، وكان له أيام مقيما بالمركب، وكذلك جميع من كان عيّن معه، وسافروا من يومهم أرسالا. ثم خلع الملك الظاهر يلباى على الأتابك تمربغا في يوم الاثنين ثانى عشره خلعة نظر البيمارستان المنصورى. وخلع على خچداشه الأمير قانى بك المحمودى المؤيدى بإمرة مجلس عوضا عن الأتابك تمربغا، وأنعم عليه بإقطاع تمربغا أيضا. وخلع على تمر المحمودى والى القاهرة خلعة الاستمرار، وكذلك على القاضى علم الدين كاتب المماليك. وفيه ورد كتاب يشبك من مهدى كاشف الوجه القبلى يتضمن أنّه ولّى سليمان

ابن عمر الهوارى عوضا عن ابن عمه، وأنه لا حاجة له بتجريدة، فلم يلتفت السلطان إلى مقالته في عدم إرسال تجريدة إلى بلاد الصعيد لغرض يأتى بيانه. ثم في يوم الخميس خامس عشره خلع السلطان على جميع مباشرى الدولة باستمرارهم على وظائفهم. وفيه نودى بأن نفقة المماليك تكون من أول الشهر، يعنى أول ربيع الآخر. وفيه عمل المولد النبوى بالحوش على العادة، وقبل أن يفرغ المولد ندب السلطان الأمير برسباى قرا الظاهرى، والأمير جكم الظاهرى، وطرباى الظاهرى البواب، أن يتجهزوا إلى الصعيد لمسك الأمير قرقماس أمير سلاح والأمير قلمطاى رأس نوبة، والأمير أرغون شاه، ويتوجهوا بهم إلى حبس الإسكندرية، ولم يعلم أحد ما الموجب لذلك. وفي يوم السبت سابع عشره «1» أعاد السلطان القاضى قطب الدين الخيضرى إلى كتابة السّرّ بدمشق، بعد عزل الشريف إبراهيم بن السيد محمد. وفيه أيضا استقرّ الصارمى إبراهيم بن بيغوت الأعرج حاجب الحجّاب بدمشق عوضا عن شرامرد العثمانى المؤيدى. وفيه وصل الخبر بقدوم الأمير أزبك رأس نوبة النّوب من تجريدة العقبة، بعد أن أمسك مباركا شيخ بنى عقبة، الذي قطع الطريق على إقامة الحجاج. ثم وصل الأمير أزبك في يوم الاثنين تاسع عشره، وخلع السلطان عليه وعلى رفيقه الأمير جانبك قلقسيز حاجب الحجاب، ورسم بتسمير مبارك شيخ بنى عقبة المقدّم ذكره ورفقته، وكانوا أزيد من أربعين نفرا، فسمّروا الجميع، وطيف بهم الشوارع، ثم وسّطوا في آخر النهار عن آخرهم. وفي يوم الخميس ثانى عشرينه ورد الخبر على الملك الظاهر يلباى بعصيان الأمير

بردبك نائب الشام، وأنه قتل جميع النوّاب المجردين معه لقتال شاه سوار بن دلغادر، وكان الأمر غير ذلك، ووقع أمور حكيناها مفصلة في تاريخنا «حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور» محصولها أن بردبك المذكور كان تهاون في قتال شاه سوار المذكور، وخذل العسكر الشامى لما كان في قلبه من الملك الظاهر خشقدم رحمه الله، فكان ذلك سببا لكسر العسكر الشامى والحلبى وغيرهم ونهبهم، وقتل في هذه الواقعة نائب طرابلس قانى باى الحسنى المؤيدى، ونائب حماة تنم خوبى الحسينى الأشرفى، وأتابك دمشق قراجا الخازندار الظاهرى، وأتابك حلب قانصوه المحمدى الأشرفى، وغيرهم من أمراء البلاد الشامية، وغيرهم حسبما يأتى ذكرهم في الوفيات على عادة هذا الكتاب- انتهى. قلت: وجاء هذا الخبر والديار المصرية غير مستقيمة الأحوال لعدم المدبر، والطرق «1» مخيفة، والسبل غير آمنة، وما ذاك إلا أن الملك الظاهر يلباى لما تسلطن وتمّ أمره غطّاه المنصب، وصار كالمذهول، ولزم السّكات وعدم الكلام، وضعف عن بتّ الأمور، وردع الأجلاب، بل صارت الأجلاب في أيامه كما كانت أولا وأعظم، فلم يحسن ذلك ببال أحد، وصار الأمير خيربك الدّوادار الثانى هو صاحب الحل والعقد في مملكته، وإليه جميع أمور المملكة، وشاع ذلك في الناس والأقطار، وسمّته العوام: «أيش كنت أنا؟ قل له» يعنون أن السلطان لما يسأل «2» فى شىء يقول: «أيش كنت أنا، قل لخير بك» فبهذا وأشباهه اضطربت أحوال الديار المصرية. هذا مع ما ورد من البلاد الحلبية من أمر شاه سوار، وقتل أكابر أمراء البلاد الشامية، ونهبه للبلاد الحلبية، وأخذه قلاع أعمالها وأن نائب الشام بردبك فى أسره، وأن يشبك البجاسى نائب حلب دخل إلى حلب على أقبح وجه، فصار الناس بهذا المقتضى كالغنم بلا راع.

فلما كان يوم الاثنين سادس عشرين ربيع الأول المذكور خلع الملك الظاهر يلباى على الأمير أزبك من ططخ الظاهرى رأس نوبة النوب باستقراره في نيابة الشام عوضا عن بردبك الظاهرى، بحكم انضمامه على شاه سوار. وفيه استقرّ الأمير قانى بك المحمودى المؤيّدى أمير مجلس أمير سلاح عوضا عن قرقماس الأشرفى بحكم القبض عليه وحبسه بالإسكندرية، واستقرّ قانى بك المذكور مقدم العساكر لقتال شاه سوار بن دلغادر. وعيّن السلطان في هذا اليوم عدة أمراء تجريدة لقتال شاه سوار، فعيّن من أمراء الألوف قانى بك المقدم ذكره، وجانبك الإينالى الأشرفى المعروف بقلقسيز حاجب الحجاب، وبردبك هجين أمير جاندار، وهؤلاء من أمراء الألوف، وعيّن أيضا عدة كثيرة من أمراء الطبلخانات والعشرات يأتى ذكر أسمائهم يوم سفرهم من القاهرة، ثم عيّن صحبتهم ستمائة مملوك من المماليك السلطانية. وفيه استقرّ الأمير إينال الأشقر الظاهرى نائب غزّة في نيابة حماة، عوضا عن ابن المبارك، وكان الناصرى محمد بن المبارك قد استقرّ في نيابة حماة قبل تاريخه عوضا عن الأمير تنم الحسينى الأشرفى، بحكم مرضه وعوده من تجريدة شاه سوار إلى حلب، وكان الناصرى محمد بن المبارك إلى الآن لم يخرج من الديار المصرية، فعزل عنها قبل أن يحكمها أو يتوجّه إليها، وكان إينال الأشقر قدم إلى القاهرة مع الأمير أزبك من تجريدة العقبة، ثم رشح ابن المبارك إلى نيابة غزّة، فامتنع عن ولايتها. ثم في يوم الخميس تاسع عشرين شهر ربيع الأول لبس إينال الأشقر خلعة السفر. ثم في يوم السبت ثانى شهر ربيع الآخر ابتدأ السلطان بالنفقة على المماليك السلطانية لكل واحد مائة دينار، ففرّقت هذه النفقة على أقبح وجه، وهو أن القوى يعطى، والغائب يقطع، والمسنّ يعطى نصف نفقة أو ربع نفقة، ومنع أولاد الناس والطواشية من الأخذ، وعاداتهم أخذ النفقة، فأحدث الظاهر يلباى هذا الحادث، وكثر الدعاء عليه بسبب ذلك، وتفاعل الناس بزوال ملكه لقطعه أرزاق الناس، فكان كذلك.

ومنع السلطان أيضا أمراء الألوف وغيرهم من النفقة، ولم يعط إلا من كتب منهم إلى السّفر لا غير، فبهذا المقتضى وأمثاله نفرت القلوب من الظاهر يلباى، وعظمت الوقيعة في حقه، وكثرت المقالة في بخله، وعدّت مساوئه، ونسيت محاسنه- إن كان له محاسن- وصارت النفقة تفرّق في كل يوم سبت وثلاثاء طبقة واحدة أو أقل من طبقة؛ حتى تطول الأيام في التفرقة. وبالجملة فكانت أيام الملك الظاهر يلباى نكدة، قليلة الخير، كثيرة الشر، وعظم الغلاء في أيامه، وتزايدت الأسعار، وهو مع ذلك لا يأتى بشىء، ووجوده فى الملك وعدمه سواء؛ فإنه كان سالبة كليّة، لا يعرف القراءة ولا الهجاء، ولا يحسن العلامة على المناشير والمراسيم إلا بالنّقط «1» ، مع عسر في الكتابة، وكان الناس قد أهمّهم أمر الجلبان أيام أستاذهم الملك الظاهر خشقدم، فزادوا بسلطنة الملك الظاهر يلباى هذا همّا على همهم. ثم في يوم الاثنين حادى عشر ربيع الآخر استقرّ الأمير جانبك قلقسيز أمير مجلس عوضا عن قانى باى «2» المحمودى المنتقل إلى إمرة سلاح، واستقر الأمير بردبك هجين عوضه حاجب الحجاب. وفيه أنعم السلطان على الأمير قايتباى المحمودى الظاهرى بإقطاع الأمير أزبك نائب الشام واستقرّ عوضه أيضا رأس نوبة النّوب، وأنعم بإقطاع الأمير قايتباى على الأمير سودون القصروى نائب القلعة، والإقطاع تقدمة ألف. وفيه أيضا استقرّ الأمير خشكلدى البيسقى في تقدمة الألوف عوضا «3» عن قانى باى المحمودى المؤيّدى «4» .

ثم في يوم الثلاثاء ثانى عشر ربيع الآخر «1» استقر الأمير سودون البردبكى الفقيه المؤيّدى نائب قلعة الجبل بعد سودون القصروى. وفي يوم الأربعاء ثالث عشر ربيع الآخر «2» رسم السلطان أن ينتقل الأمير إينال الأشقر المقدّم ذكره من نيابة حماة إلى نيابة طرابلس بعد فقد نائبها الأمير قانى باى المؤيدى الحسنى في واقعة شاه سوار، وذلك بسعى من إينال المذكور، وذلك قبل أن يصل إينال المذكور إلى حماة. ثم في يوم الخميس رابع عشره استقرّ الناصرى محمد بن المبارك في نيابة حماة كما كان وليها أولا. وفيه استقرّ مغلباى الظاهرى المحتسب شاد الشراب خاناه بعد الأمير خشكلدى البيسقى، واستقر طرباى البواب محتسب القاهرة عوضا عن مغلباى المذكور، واستقرّ سودون السيفى أحمد بن إينال أمير عشرة وأستادار الصّحبة، وسودون هذا من الأوباش الأطراف. وفيه أنعم السلطان على جماعة من الأجلاب وغيرهم كل واحد بإمرة عشرة، والذين أعطوا أزيد من خمسة عشر نفرا، فالذى أخذ من الأجلاب أركماس البواب، وقايت البواب، وطرباى البواب الذي ولى الحسبة، وأصباى البواب الذي كان قتل قتيلين أيام أستاذه ولم ينتطح في ذلك عنزان، وأصطمر البواب، وجانم الدوادار، ومغلباى الساقى ابن أخت الأمير قايتباى، والذي أخذ الإمرة منهم من الظاهرية الكبار: أزبك الساقى، وجانم قشير، وقانم أمير شكار، وجكم قرا أمير آخور الجمال، وسودون الصغير الخازندار، وقرقماس أمير آخور. والذي أخذ من السيفية: تمرباى التمرازى المهمندار، وبرسباى خازندار يونس الدّوادار. وفيه ورد الخبر بأن الأمير بردبك نائب الشام فارق شاه سوار، وقدم إلى مرعش «3» طائعا ثم سار إلى منزلة قارا «4» فى يوم الخميس سابع عشر ربيع الآخر.

ثم في يوم السبت سادس عشره تواترت الأخبار أن الأمير بردبك جاوز مدينة غزّة، فندب السلطان الأمير تمرباى المهمندار، والأمير جكم الظاهرى أن يخرجا إليه ويأخذاه، ويتوجها به إلى القدس الشريف بطالا. ثم في يوم الأحد سابع عشر ربيع الآخر أضاف السلطان الأمير أزبك نائب الشام، وخلع عليه كاملية بفرو سمّور بمقلب سمّور، وهى خلعة السّفر، فسافر في بكرة يوم الاثنين ثامن عشره. وفي يوم الاثنين هذا قرئ تقليد السلطان الملك الظاهر يلباى بالسلطنة، وخلع السلطان على الخليفة وكاتب السّرّ والقضاة، وعلى من له عادة بلبس الخلعة في مثل هذا اليوم. وأما أمر بردبك نائب الشام، فإن السلطان لما أرسل تمرباى وجكم إلى ملاقاته وأخذه إلى القدس، وسارا إلى جهته، فبينماهم في أثناء الطريق بلغهم أنه توجه إلى جهة الديار المصرية من على البدوية «1» ، ولم يجتز بمدينة قطيا، وقيل إنه مرّ بقطيا لكنه فاتهم وأنه قد وصل إلى القاهرة، فعادا من وقتهما؛ فلما وصل بردبك إلى ظاهر القاهرة أرسل إلى خچداشه الأمير تمر والى القاهرة يعرفه بمكانه، فعرّف تمر السلطان بذلك، فرسم السلطان في الحال للأمير أزدمر تمساح الظاهرى أن يتوجه إليه ويأخذه إلى القدس بطالا، ففعل أزدمر ذلك، وقيل في مجىء بردبك غير هذا القول، واللفظ مختلف والمعنى واحد. وفي يوم الثلاثاء تاسع عشره استقر الأمير جانبك الإسماعيلى المؤيّدى المعروف بكوهية أحد مقدمى الألوف أمير حاج المحمل، واستقرّ تنبك المعلّم الأشرفى ثانى رأس نوبة النوب أمير الركب الأول. ثم استهلّ جمادى الأولى، أوله الأحد، والقالة موجودة بين الناس بركوب المماليك الأجلاب، ولم يدر أحد صحة الخبر، غير أن الأمراء المؤيدية خچداشية السلطان امتنعوا

فى «1» هذه الأيام من طلوع الخدمة؛ مخافة من الأمير خيربك «2» الدّوادار الثانى وخچداشيته الأجلاب أن يقبضوا عليهم بالقصر السلطانى، واتفقت المؤيدية في الباطن مع الأشرفية الكبار والأشرفية الصغار، كل ذلك والأمر خفى على الناس إلا السلطان فإنه يعلم بأمره بل هو المدبر لهم فيما يفعلونه في الباطن حسبما يأتى ذكره من الوقعة وهى الواقعة التي خلع فيها الملك الظاهر يلباى من السلطنة.

ذكر خلع الملك الظاهر يلباى من سلطنة مصر

ذكر خلع الملك الظاهر يلباى من سلطنة مصر ولما كان عصر يوم الأربعاء رابع جمادى الأولى المقدم ذكره وطلعت أمراء الألوف إلى القلعة ليبيتوا بالقصر على العادة امتنعت المؤيدية عن الطلوع بمن وافقهم ما خلا الأمير جانبك الإينالى الأشرفى المعروف بقلقسيز أمير مجلس، وهو كبير الأشرفية الكبار يومئذ، فإنه طلع إلى القلعة ووافق الظاهرية الكبار والظاهرية الصغار الأجلاب، فلما تكامل طلوع من طلع من الأمراء في عصر يوم الأربعاء المذكور امتنع الأمير يشبك الفقيه المؤيدى الدّوادار الكبير وخچداشيته، وهم: الأمير قانى بك المحمودى المؤيدى أمير سلاح، ومغلباى طاز الأبوبكرى المؤيدى، وجانبك الإسماعيلى المؤيدى المعروف بكوهية، وهؤلاء الأربعة مقدمو ألوف، وجماعة أخر من خچداشيتهم من أمراء الطبلخانات والعشرات، أجلّهم الأمير طوخ الزّردكاش، وهو الذي حوّل غالب ما كان بزردخانات السلطان من آلات الحرب والنّفوط وغير ذلك إلى بيت الأمير يشبك الدّوادار، وانضم عليهم جماعة كثيرة من أمراء العشرات من الأشرفية الكبار وخچداشيتهم أعيان الخاصكية، وغيرهم، بل غالب المماليك الأشرفية الكبار والأشرفية الصغار وجماعة كثيرة أيضا من أمراء السيفية وأعيان خاصكيتهم، فصاروا فى عسكر كبير وجمع هائل إلى الغاية، لكن صار أمرهم لا ينتج في القتال لعدم من يقوم بأمرهم، لأن يشبك الدّوادار كان الملك الظاهر يلباى قد وعده عند ما أملاه ما يفعله من شأن هذه الوقعة أنه ينزل إليه ومعه الظاهرية الكبار، وفاته الحزم فإنه لم يحسب أنه يصير هو كالأسير في أيدى الأجلاب إذا تحققوا وثوب الأمير يشبك وقتاله، فصار يشبك بسبب ذلك كالمقيّد عن القتال لمّا وقع القتال الآتى ذكره.

وكان الملك الظاهر يلباى لما وافق يشبك الدوادار على ما فعله قد ضاقت حصيرته، وتغلّب مع خيربك والأجلاب، وخاف إن شرع في القبض عليهم لا يتم له ذلك، فرمّ هذه المرمة ليأخذ الثأر بيد غيره، وأنهم إذا استفحل أمرهم يسألهم الملك الظاهر يلباى ما الغرض من ركوبهم؟ فيقولون: غرضنا نزول الأجلاب من الأطباق وإبعاد خيربك وغيره من خچداشيته، ويكون هذا القول عند ما تنغلب الأجلاب فإذا أذعنوا بالنزول من الأطباق، وخلت القلعة منهم فعل فيهم الملك الظاهر يلباى عند ذلك ما أراد. وكان هذا التدبير لا بأس به لو أنه «1» نزل إليهم في أوائل الأمر واجتمع بهم، أو طلعوا عنده وصاروا يدا واحدة، ففاته ذلك، وأقام هو بالقلعة، وفهم خير بك والأجلاب أنّ ذلك كله مكيدة منه لأخذهم، فاحتاطوا به، واحتاجوا إلى الإذعان للظاهرية الكبار ومطاوعتهم على أنهم يخلعون يلباى من السلطنة، ويولون أحدا من كبار أمراء الظاهرية، فوافقتهم الظاهرية على ذلك، ومالوا إليهم، واستمالت الظاهرية أيضا الأمير جانبك قلقسيز الأشرفى أمير مجلس، فمال إليهم، ووعدهم بممالأة خچداشيته الأشرفية إليهم، وخذلان يشبك الدّوادار، فعند ذلك صار الملك الظاهر يلباى وحده أسيرا في أيدى القلعيّين. فلما أصبحوا يوم الخميس خامس جمادى الأولى أعلن الأمير يشبك الفقيه، ولبسوا آلة الحرب، وركب بمن معه من المؤيدية والأشرفية الكبار والأشرفية الصغار، والسيفية، ولبسوا آلة الحرب، واجتمع عليهم خلائق من كل طائفة، ومالت زعر الديار المصرية إليهم، وبلغ من بالقلعة أمرهم، فخافوهم خوفا شديدا، ولبسوا هم أيضا آلة الحرب، ونزلوا بالسلطان الملك الظاهر يلباى إلى مقعد الإسطبل السلطانى المطل على الرّميلة، وشرعوا في قتال الأمير يشبك «2» بمن معه في الأزقّة والشوارع بالصليبة، وهم لا يعلمون حقيقة أمر يشبك «3» ، ولم يقع بين الأجلاب والظاهرية الاتفاق المذكور إلى

الآن، فإن الاتفاق بما ذكرناه لم يقع بين الأجلاب والظاهرية بالقلعة إلا في آخر يوم الخميس، وكذلك الاحتراز على السلطان لم يقع إلا في آخر يوم الخميس. وأما أول نهار الخميس ما كانت القلعيّون إلا كالحيارى، ولما وقع القتال بين أصحاب يشبك وبين القلعيّين تقاعد يشبك عن القتال، ولم يركب بنفسه البتة، بل صار يترقّب نزول السلطان إليه، هذا والقتال واقع بين الفريقين بشوارع الصّليبة من أول النهار إلى آخره، وقتل بين الفريقين جماعة كثيرة، فلما رأى الناس تقاعد يشبك بنفسه عن القتال ظنوا أن ذلك عجز منه عن مقاومة القلعيّين فنفر لذلك عنه خلائق، ووافق ذلك اتفاق الظاهريّة الكبار مع الأجلاب بالقلعة. وأصبح يوم الجمعة سادس جمادى الأولى والقتال عمّال بين الفريقين بشارع الصّليبة من أول النهار إلى آخره، فلما مالت الأشرفية الكبار إلى القلعيّين وفارقت يشبك خارت طباع الأشرفية الصغار ومالوا أيضا للقلعيّين، وكانت القلعيّون استمالتهم أيضا، فما أمسى الليل إلا ويشبك الدّوادار بقى وحده مع خچداشيته المؤيّديّة لا غير، فلما رأى أمره آل إلى ذلك قام من وقته واختفى، وكذلك فعل غالب خچداشيته المؤيدية لا غير، وأما الملك الظاهر يلباى فإنه لما نزل إلى المقعد بالإسطبل السلطانى في باكر يوم الخميس وشرع القتال بين القلعيّين وبين يشبك وأصحابه كان حينئذ إلى ذلك الوقت في عز السلطان، ولم يظهر إلى ذلك الوقت أن الذي فعله يشبك كان صادرا عنه وبتدبيره، فلما فهموا ذلك وأبرموا أمرهم مع الظاهرية الكبار حسبما ذكرناه في أول الكلام أخذوا في مقته والازدراء به والتلويح له بما يكره، بل ربما صرّح له ذلك بعضهم فى الوجه. وطال هذا الأمر والحصر عليه يومى الخميس والجمعة وليس له فيها إلا الجلوس على المدوّرة، والأتابك تمربغا جالس بين يديه وقد رشح للسلطنة عوضه، وهو يعرف هذا بالقرائن، لأن الذي بقى يطلع إلى القلعة من الطوائف طائعا يبوس له الأرض ثم يقبّل يد الأتابك تمربغا، هذا والأمير قايتباى المحمودى رأس نوبة النوب، والأمير جانبك

قلقسيز أمير مجلس بمن معهم من خچداشيتهم الظاهرية والأشرفية ركّاب على خيولهم، لإرسال الأمداد لقتال يشبك الدوادار. فلما جاء الليل ليلة السبت أدخل يلباى إلى مبيت الحرّاقة، وبات به على هيئة عجيبة، إلى أن أصبح النهار وأخذوه وطلعوا به إلى القصر الأبلق، وحبسوه في المخبأة التي تحت الخرجة، بعد أن طلعوا به ماشيا على هيئة الخلع من السلطنة، وأخذوا الناس في سلطنة الملك الظاهر تمربغا، وزال ملك يلباى هذا كأنه لم يكن، فسبحان من لا يزول ملكه. وكانت مدة ملكه شهرين إلا أربعة أيام، ليس له فيها إلا مجرد الاسم فقط، ولم نعلم أحدا من أكابر ملوك الترك في السن، خاصة من مسّه الرق، خلع من السلطنة فى أقل من مدة يلباى هذا، وبعده الملك المظفر بيبرس الجاشنكير، فإن مدة بيبرس أيضا كانت سنة تنقص ثلاثة وعشرين يوما، ثم الملك العادل كتبغا المنصورى كانت مدة سلطنته سنتين وسبعة عشر يوما، وأما الملك الظاهر برقوق فإنه خلع بعد سلطنته بنحو سبع سنين، ثم أعيد. ومع هذه المدة اليسيرة كانت أيّامه: أعنى الملك الظاهر يلباى، أشرّ الأيام وأقبحها، فى أيامه زادت الأجلاب في الفساد، وضيقت السبل، وعظم قطع الطرقات على المسافرين مصرا وشاما، وما برحت الفتنة في أيّامه قائمة في الأرياف قبليّها وبحريّها، وتوقفت أحوال الناس لا سيما الواردين من الأقطار، وزادت الأسعار في جميع المأكولات، وضاعت الحقوق، وظلم الناس بعضهم بعضا، وصار في أيامه كل مفعول جائزا، وما ذلك إلا لعدم معرفته، وسوء سيرته، وضعفه عن تدبير الأمور، وبت القضايا وتنفيذ أحوال الدولة، وقلة عقله، فإنه كان في القديم لا يعرف إلا بيلباى تلى، أى يلباى المجنون، فهذه كانت شهرته قديما وحديثا في أيام شبيبته، فما بالك به وقد شاخ وكبر سنه، وذهل عقله، وقلّ نظره وسمعه. وقد حكى الأمير برسباى قرا الخازندار الظاهرى أنه لما أخذه من مخبأة القصر

الأبلق وتوجّه به إلى البحرة ليحبس بها فاجتاز به من طريق الحريم السلطانى، أنه عيى في الطريق وجلس ليستريح، ثم سأل الأمير برسباى المذكور: «إلى أين أروح «1» ؟» فقال له: «إلى البحرة يا مولانا السلطان معزوزا «2» مكرّما» ، فقال: «والله ما أنا سلطان، أنا أمير، وما كنت أفعل بالسلطنة، وقد كبر سنى وذهل عقلى، وقلّ نظرى وسمعى؟! بالله سلّم على السلطان وقل له إنى لست بسلطان، وسله أن يرسلنى إلى ثغر دمياط أو موضع آخر غير حبس، فأكون فيه إلى أن أموت وأنا مأمون العاقبة، لأنى ما عرفت أدبّر المملكة وأنا مولّى سلطانا، فكيف يقع منى ما يكرهه السلطان؟!» . ثم بكى أولى وثانية. قال برسباى: «فشرعت أزيد في تعظيمه، وأسليه، وأعده بكل خير» . والمقصود من هذه الحكاية اعترافه بالعجز عن القيام بأمور المملكة. وبالجملة كانت سلطنته غلطة من غلطات الدهر. ودام الملك الظاهر يلباى بالبحرة إلى ليلة الثلاثاء عاشر جمادى الأولى من سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، فحمل إلى سجن الإسكندرية في بحر النيل، ومسفّره الأمير قانصوه اليحياوى الظاهرى المستقر في نيابة الإسكندرية بعد عزل كسباى المؤيّدى، وتوجّه إلى دمياط بطالا، فحبس الملك الظاهر يلباى ببعض أبراج الإسكندرية إلى أن توفّى بحبسه من البرج بإسكندرية في ليلة الاثنين مستهلّ شهر ربيع الأوّل من سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة، وقد جاوز السبعين من العمر. وكان ملكا ضخما، سليم الباطن مع قلّة معرفته بأمور المملكة، بل بغالب الأمور، أمّيّا لا يحسن الكتابة ولا القراءة ولا الكلام العرفىّ إلا بمشقّة، وكان في

ابتداء أمره يعرف بيلباى تلّى أى مجنون، وكان عديم التجمّل في ملبسه ومركبه ومماليكه وسماطه، مشهورا بالبخل والشّحّ، نالته السعادة في ابتداء أمره إلى يوم تسلطن، تنقّل في أوائل أمره من منزلة سنيّة إلى منزلة أخرى إلى يوم تسلطن، فلما تسلطن كان ذلك نهاية سعده، وأخذ أمره من يوم جلس على تخت الملك فى إدبار، واعتراه الصمت والسّكات، وعجز عن تنفيذ الأمور، وظهر عليه ذلك؛ بحيث إنه علمه منه كلّ أحد، وصارت أمور المملكة جميعها معذوقة «1» بالأمير خيربك الدوادار، وصار هو في السلطنة حسّا والمعنى خيربك، وكل أمر لا يبتّه خيربك المذكور فهو موقوف لا يقضى، وعلم منه ذلك كل أحد، ولهجت العوامّ عنه بقولهم «أيش كنت أنا؟ قل له» ، يعنون بذلك أنه إذا قدمت له مظلمة أو قصة بأمر من الأمور يقول لهم: «قولوا لخيربك» وأشياء من هذا النمط يطول شرحها، ذكرنا غالبها في تاريخنا «الحوادث» مفصلة، كل واقعة في وقتها. وبالجملة إنه كان رجلا ساكنا غير أهل للسلطنة- رحمه الله تعالى، وعفا عنه.

ذكر سلطنة الملك الظاهر أبى سعيد تمربغا الظاهرى على مصر

ذكر سلطنة الملك الظاهر أبى سعيد تمربغا الظاهرى على مصر وهو السلطان الذي تكمل به عدّة أربعين ملكا من ملوك الترك وأولادهم بالديار المصرية، والثانى من الأروام إذا لم يكن الملك المعز أيبك التركمانى من الروم، والملك المنصور لاچين المنصورى، فإن كانا من الأروام، فيكون الملك الظاهر تمربغا هذا الرابع منهم. وكان وقت سلطنته باكر نهار السبت سابع جمادى الأولى من سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة- الموافق لثامن كيهك- بعد أن اتّفق جميع أكابر الأمراء من سائر الطوائف على سلطنته، وقد جلس بصدر المقعد بالإسطبل السلطانى المعروف بالحرّاقة، وحضر الخليفة المستنجد بالله أبو المظفر يوسف، والقاضى الشافعى والقاضى الحنفى، وتخلّف المالكى لتوعكه، والحنبلى لإبطائه، وحضر غالب أرباب الدّولة والأعيان وبايعوه بالسلطنة، فقام من وقته ودخل مبيت الحرّاقة، ولبس خلعة السلطنة- السواد الخليفتى- ثم خرج من المبيت المذكور وركب فرس النوبة من سلم الحرّاقة بأبهة الملك، وركب الخليفة أمامه، ومشت أكابر الأمراء بين يديه، وجميع العسكر، وحمل السنجق السلطانى على رأسه الأمير قايتباى المحمودى رأس نوبة النّوب، ولم تحمل القبّة والطّير على رأسه؛ فإنهم لم يجدوها في الزّردخاناه، وكانت أخذت فيما أخذ يوم الوقعة لما نقل طوخ الزّردكاش ما في الزّردخاناه، فجعلوا السنجق عوضا عن القبّة والطير، وسار الملك الظاهر تمربغا في موكب السلطنة «1» إلى أن طلع من باب سرّ القصر السلطانى، وجلس على تخت الملك، وقبّلت الأمراء الأرض بين يديه، وخلع على

قايتباى رأس نوبة النّوب باستقراره أتابك العساكر عوضا عن نفسه، ولقّب بالملك الظاهر أبى سعيد تمربغا، وهذا ثالث سلطان لقّب بالملك الظاهر واحدا بعد واحد لم يكن بينهم أحد، ولم يقع ذلك في دولة من الدّول بسائر الأقطار. ودقّت البشائر ونودى باسمه بشوارع القاهرة ومصر، وكان حين سلطنته الثانية من النهار والساعة للمشترى، والطالع الجدى وزحل. وتمّ أمر الملك الظاهر في الملك، وزالت دولة الملك الظاهر يلباى كأنها لم تكن، وطلع الأعيان لتهنئته أفواجا، وسرّ الناس بسلطنته سرورا زائدا، تشارك فيه الخاص والعام قاطبة؛ لكونه أهلا للسلطنة بلا مدافعة، فإننا لا نعلم في ملوك مصر في الدولة التركية أفضل منه ولا أجمع للفنون والفضائل؛ مع علمى بمن ولى مصر قديما وحديثا كما مرّ ذكره في هذا الكتاب، من يوم افتتحها عمرو بن العاص- رضى الله عنه- إلى يوم تاريخه، ولو شئت لقلت: ولا من بنى أيوب؛ مع علمى محاسن السلطان صلاح الدين السعيد الشهيد، وماله من اليد البيضاء في الإسلام، والمواقف العظيمة والفتوحات الجليلة، والهمم العالية- أسكنه الله الجنة بمنه وكرمه «1» . غير أن الملك الظاهر تمربغا هذا في نوع تحصيل الفنون والفضائل أجمع من الكل؛ فإنه يصنع القوس بيده وكذلك النشاب، ثم يرمى بهما رميا لا يكاد يشاركه فيه أحد شرقا ولا غربا، انتهت إليه رئاسة الرمى في زمانه، وله مع هذا اليد الطولى فى فنّ الرمح وتعليمه، وكذلك البرجاس، وسوق المحمل، وتعبئة العساكر، وأما فن اللجام ومعرفته، والمهماز وأنواع الضرب به فلا يجارى فيهما، ويعرف فنّ الضرب بالسيف، وأما فن الدّبّوس فهو فيه أيضا أستاذ مفتن، بل تلامذته فيه أعيان الدنيا، هذا مع معرفة الفقه على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان- رضى الله عنه- معرفة جيدة، كثير الاستحضار لفروع المذهب وغيرها، ثم مشاركة كبيرة في التاريخ والشعر

والأدب والمحاضرة الحسنة والمذاكرة الحلوة، مع عقل تام وتؤدة في كلامه ولفظه، غير فحّاش ولا سبّاب. وكان فيه أولا في مبدأ أمره بعيض شمم وتعاظم، فلما نقل إلى المناصب الجليلة تغيّر عن ذلك كله، لا سيما لما تسلطن صار كالماء الزلال، وأظهر من الحشمة والأدب والاتّضاع مالا عين رأت ولا أذن سمعت، وبقى يقوم لغالب من يأتيه من أصاغر طلبة العلم ذهابا وإيابا، ويجلّ العلماء والفقراء، وسلك مع الناس مسالك استجلب بها قلوب الخاص والعام. ولما دام جلوسه يومه كله بالقصر السلطانى جلوسا عاما لتهنئة الناس، وهنّأه الناس على قدر منازلهم، فصار يلقى كلّ من دخل إليه بالبشاشة والإكرام وحسن الردّ بلسان فصيح مع تؤدة ورئاسة وإنصاف، فتزايد سرور الناس به أضعاف مسرتهم أولا، وبالله أقسم إنى لم أر فيما رأيت أطلق وجها ولا أحسن عبارة ولا أحشم مجلسا في ملوك مصر منه. ولما كان عصر نهار السبت المذكور أخذ الأمير قانى بك المحمودى المؤيّدى أمير سلاح من اختفائه ببيت الشيخ سيف الدين الحنفى، فقيّد وحبس بعد أن نهبت العامة بيته، وأخذت أمواله من غير إذن السلطان ولا إذن أحد من أرباب الدولة، بل بأمر الغوغاء والسواد الأعظم يوم الوقعة عند انهزام يشبك الفقيه الدّوادار واختفائه، وكان هذا المسكين جميع ماله من المال والسكر والقنود والأعسال والقماش في داره، فنهب ذلك جميعه، وما ذاك إلا لصدق «1» الخبر: «بشّر مال البخيل بحادث أو وارث» ، وكذلك فعلته العامة والغوغاء في بيت الأمير يشبك الفقيه الدّوادار، ولكن ما أخذ من بيت قانى بك من المتاع والمال أكثر. وفيه شفع الأمير قايتباى المحمودى في الأمير مغلباى طاز المؤيّدى، فقبل السلطان شفاعته ورسم له بالتوجه إلى دمياط بطّالا.

وفيه رسم السلطان بإطلاق الملك المؤيّد أحمد ابن السلطان الملك الأشرف إينال من حبس الإسكندرية، ورسم أن يسكن في الإسكندرية في أى بيت شاء، وأنه يحضر صلاة الجمعة راكبا، وأرسل إليه فرسا بقماش ذهب. ثم رسم السلطان أيضا للملك المنصور عثمان ابن الملك الظاهر جقمق بفرس بقماش ذهب وخلعة عظيمة، ورسم له أن يركب ويخرج من أى باب شاء من أبواب الإسكندرية وأنه يتوجه حيث أراد من غير مانع يمنعه من ذلك، قلت: وفعل الملك الظاهر تمربغا هذا مع الملك المنصور عثمان كان من أعظم المعروف، فإنه ابن أستاذه وغرس نعمة والده. وفيه أيضا رسم السلطان بإطلاق الأمير قرقماس أمير سلاح، ورفيقيه قلمطاى، وأرغون شاه [الأشرفيين] «1» من سجن الإسكندرية، وكتب أيضا بإحضار دولات باى النجمى وتمراز الأشرفيين من ثغر دمياط. وكتب أيضا عدّة مراسيم إلى البلاد الشامية والأقطار الحجازية بإطلاق من بها من المحابيس «2» ، ومجىء البطالين. وفيه رسم السلطان بأن كل من كانت له جامكية في بيت السلطان من المماليك الإينالية الأشرفية وقطعت قبل تاريخه، تعاد إليه من غير مشورة، فعمّ الناس السرور بهذه الأشياء من وجوه كثيرة، وتباشرت الناس بيمن سلطنته. قلت: وقبل أن نشرع في ذكر حوادث السلطان نذكر قبل ذلك التعريف به ثم نشرع في ذكر حوادثه، فنقول: أصل الملك الظاهر تمربغا هذا رومى الجنس من قبيلة أرنؤط «3» ، وجلبه بعض

التجار في صغره إلى البلاد الشامية في حدود سنة أربع وعشرين وثمانمائة، فاشتراه الأمير شاهين الزّردكاش نائب طرابلس كان، ثم نقل إلى ملك غيره إلى أن ملكه الملك الظاهر جقمق وهو يوم ذاك الأمير آخور الكبير، فربّاه الملك الظاهر وأدّبه وأعتقه وجعله من جملة مماليكه الخواص به، ودام على ذلك إلى أن تسلطن فقرّبه وأدناه، وجعله خاصكيا سلاحدارا مدة، ثم جعله خازندارا، ثم أمّره في أواخر سنة ست وأربعين وثمانمائة إمرة عشرة عوضا عن آقبردى الأمير آخور الأشرفى، واستمر على ذلك مدة طويلة، وهو معدود يوم ذاك من خواص الملك، إلى أن نقله إلى الدوادارية الثانية عوضا عن دولات باى المحمودى المؤيدى، بحكم انتقاله إلى تقدمة ألف، فباشر تمربغا هذا الدوادارية الثانية بحرمة وعظمة زائدة، ونالته السعادة، وعظم في الدولة، وشاع اسمه في الأقطار، وبعد صيته، وقصدته أرباب الحوائج من البلاد والأقطار، وصار أمر المملكة معذوقا به، والدوادار الكبير بالنسبة إليه في الحرمة ونفوذ الكلمة كآحاد الدوادارية الصغار الأجناد. واستمرّ على ذلك إلى أن مات الملك الظاهر جقمق رحمه الله تعالى، وتسلطن بعده ولده الملك المنصور عثمان، فصار تمربغا عند ذلك هو مدبر المملكة وصاحب عقدها وحلها، والملك المنصور معه حسّ في الملك والمعنى هو، لا سيما لما أمسك الملك المنصور الأمير دولات باى الدّوادار والأمير يلباى المؤيّدى هذا الذي تسلطن، والأمير يرشباى المؤيدى الأمير آخور الثانى، واستقر تمربغا هذا دوادارا كبيرا عوضا عن دولات باى المذكور وبقى ملك مصر وأموره معذوقا به، والناس تحت أوامره، فلم تطل أيامه بعد ذلك، ووقعت الفتنة بين الملك المنصور عثمان وبين أتابكه الأشرف إينال، وهى الواقعة التي خلع فيها الملك المنصور عثمان وتسلطن من بعده الأشرف إينال. ودام القتال بين الطائفتين من يوم الاثنين إلى يوم الأحد، أعنى سبعة أيام والقتال عمال بين الطائفتين، وكان القائم بحرب إينال بالقلعة هو الملك الظاهر تمربغا مع خچداشيته الظاهرية، والمعول عليه فيها، مع علمى بمن كان عند الملك المنصور غير

تمربغا من أكابر الأمراء، مثل تنم من عبد الرزاق أمير سلاح، والأمير قانى باى الچاركسى الأمير آخور الكبير، ومع هذا كله كان أمر القتال وتحصين القلعة والقيام بقتال الأتابك إينال متعلقا بالملك الظاهر تمربغا هذا، فلما تسلطن إينال وانتصر أمسك الملك الظاهر تمربغا هذا وسجنه بالإسكندرية أشهرا، ثم نقله إلى حبس الصّبيبة بالبلاد الشامية، فحبس بالصّبيبة أكثر من خمس سنين. وكانت مدة سجنه بالإسكندرية والصّبيبة نحو ست ستين، إلى أن أطلقه الملك الأشرف إينال في أواخر سنة اثنتين وستين، وأمره أن يتوجّه إلى دمشق ليتجهز بها، ويتوجه مع موسم الحاج الشامى إلى مكة ويقيم بها، فسار إلى مكة وجاور بها سنة ثلاث وستين، وكنت أنا أيضا مجاورا بمكة في تلك السنة، فتأكدت الصحبة بينى وبينه بها، ووقعت لنا محاضرات ومجالسات، ودام هو بمكّة إلى أن تسلطن الملك الظاهر خشقدم في سنة خمس وستين وثمانمائة، فقدم القاهرة، فأجلّه الملك الظاهر، وزاد في تعظيمه وأجلسه فوق جماعة كثيرة من أمراء الألوف الأعيان، ثم أنعم عليه فى يوم الاثنين سلخ ذى الحجة من سنة خمس وستين وثمانمائة المذكورة بإمرة مائة وتقدمة ألف عوضا عن جانبك الأشرفى المشد بحكم القبض عليه، وخلع عليه في اليوم المذكور باستقراره رأس نوبة النوب، عوضا عن بيبرس الأشرفى خال الملك العزيز يوسف، بحكم القبض عليه أيضا، فدام على ذلك إلى أن أخرج الملك الظاهر خشقدم «1» الأتابك جرباش إلى ثغر دمياط بطالا، واستقرّ عوضه في الأتابكية الأمير قانم أمير مجلس، فنقل الملك الظاهر تمربغا إلى إمرة مجلس عوضا عن قانم المذكور، وذلك في شهر رمضان سنة تسع وستين وثمانمائة، فدام على إمرة مجلس إلى أن مات الملك الظاهر خشقدم «2» فى عاشر شهر ربيع الأول. وتسلطن الملك الظاهر يلباى، فصار الملك الظاهر تمربغا هذا أتابك العساكر عوضا «3» عن الملك الظاهر يلباى المذكور، فعند ذلك تحقق كل أحد أن الأمر

يؤول إليه، فكان كذلك حسبما تقدم ذكره، ولنعد الآن إلى ما وعدنا بذكره من الحوادث: ولما كان يوم الاثنين تاسع جمادى الأولى أنعم السلطان الملك الظاهر تمربغا على جماعة من الأمراء بعدة وظائف: فاستقرّ الأمير جانبك قلقسيز أمير مجلس أمير سلاح عوضا عن قانى بك المحمودى المؤيّدى بحكم القبض عليه. واستقرّ الشهابى أحمد بن العينى الأمير آخور الكبير أمير مجلس عوضا عن جانبك قلقسيز. واستقرّ الأمير بردبك هجين الظاهرى حاجب الحجاب أمير آخورا كبيرا عوضا عن ابن العينى. واستقرّ الأمير خيربك الظاهرى الدوادار الثانى دوادارا كبيرا عوضا عن يشبك الفقيه بحكم القبض عليه وإخراجه إلى القدس الشريف بطالا. واستقرّ الأمير كسباى الظاهرى أحد أمراء العشرات دوادارا ثانيا، عوضا عن خيربك. واستقرّ الأمير خشكلدى البيسقى «1» رأس نوبة النوب، عوضا عن الأتابك قايتباى. واستقر الأمير قانصوه اليحياوى الظاهرى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة فى نيابة الإسكندرية عوضا عن كسباى المؤيدى السمين بحكم عزله وتوجهه إلى دمياط بطالا، بعد أن أنعم الملك الظاهر على قانصوه المذكور بإمرة طبلخاناه عوضا عن طوخ الزردكاش، بحكم توجهه إلى دمياط بطالا. وفي ليلة الثلاثاء عاشره حمل الملك الظاهر يلباى في النيل إلى إسكندرية

ليسجن بها، ومسفرّه قانصوه اليحياوى، وقد تقدم ذكر ذلك كله في ترجمة الظاهر يلباى. وفي يوم الثلاء عاشره فرقت نفقة المماليك السلطانية، وهى تمام تفرقة يلباى التي كان أنفق غالبها ولم يتم، ولم يفرق الملك الظاهر تمربغا نفقة على المماليك السلطانية لقلة الموجود بالخزانة الشريفة. ورسم الملك الظاهر تمربغا في هذا اليوم بإعطاء أولاد الناس النفقة، الذين هم من جملة المماليك السلطانية، وكان الملك الظاهر يلباى منعهم، فكثر الدعاء عليه بسبب ذلك حتى خلع، وأحوجه الله إلى عشر من أعشارها، فلما أمر الملك الظاهر تمربغا بالنفقة عليهم كثر الدعاء له بذلك، فلم يسلم من واسطة سوء- وكلمة الشح مطاعة- فتغير بعد ذلك، فقرأ بعض أولاد الناس هذه الآية الشريفة: «إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم «1» » بذل وخشوع وكسر خاطر، فلم يفلح بعدها، ولم يقع للظاهر تمربغا في سلطنته ما يعاب عليه إلا هذه القضية، فما شاء الله كان، قلت: «وا عجباه من رجل يملك تخت ملك مصر، ثم تضعف همته عن إعطاء مثل هذا النزر اليسير الذي يعوضه الملك العارف المدبر من أى جهة شاء من الجهات الخفية عن العارى الضعيف التدبير، وتطلق عليه بعدم الإعطاء ألسنة الخاص والعام، وتكثر الشناعة والقالة فى حقه بسبب ذلك ولكن العقول تتفاوت» . وفيه أيضا قدم الأمير أزدمر تمساح إلى القاهرة بعد ما أوصل الأمير بردبك الظاهرى نائب الشام إل القدس ليقيم به بطالا. وفي يوم الخميس ثانى «2» عشره خلع السلطان على الأتابك قايتباى خلعة نظر

البيمارستان المنصورى «1» ، وكذلك خلع على خيربك الدوادار الكبير، وعلى كسباى الدوادار الثانى، كليهما خلعة الأنظار «2» المتعلقة بوظائفهما. وفيه أنعم السلطان على ستة نفر بتقادم ألوف بالدّيار المصريّة، فرّق عليهم من الإقطاعات الشاغرة، وأضاف إليها بلادا أخر من الذخيرة السلطانية وغيرها، وهم: الأمير لاجين الظاهرى، وسودون الأفرم الظاهرى الخازندار، وجانبك من ططخ الظاهرى الفقيه الأمير آخور الثانى، وتمر من محمود شاه الظاهرى والى القاهرة. واستقرّ تمر المذكور حاجب الحجاب بالدّيار المصرية دفعة واحدة عوضا عن الأمير بردبك هجين المنتقل إلى الأمير آخورية الكبرى، وهؤلاء الأربعة مماليك الملك الظاهر جقمق. ثم أنعم على الأمير تنبك المعلم الأشرفى رأس نوبة ثان أيضا بتقدمة ألف، ثم مغلباى الظاهرى شاد الشراب خاناه. فهؤلاء الستة المقدم ذكرهم، منهم تنبك مملوك الأشرف برسباى، ومغلباى مملوك الظاهر خشقدم. ثم استقرّ برقوق الناصرى «3» الظاهرى شاد الشراب خاناه عوضا عن مغلباى. واستقرّ تغرى بردى ططر الظاهرى نائب قلعة الجبل بعد عزل سودون البردبكى الفقيه المؤيدى ونفيه. واستقر آصباى الظاهرى- أحد أمراء الأجلاب- الذي كان قتل قتيلين أيام أستاذه الملك الظاهر خشقدم، ولم ينتطح في ذلك شاتان- والى القاهرة عوضا عن تمر الظاهرى.

وفي يوم السبت رابع عشر جمادى الأولى المقدم ذكره استقر الأمير تنبك المعلّم أحد المقدمين أمير حاج المحمل، عوضا عن جانبك كوهيّة، وكان تنبك هذا قد ولى قبل تاريخه إمرة الركب الأول، فلما صار أحد مقدّمى الألوف استقرّ أمير الحاج، وولى بعده بمدّة تنبك الأشقر الأشرفى أمير الركب الأوّل. وفيه كان تمام نفقة المماليك السلطانية بعد أن فرقت على أقبح وجه وأظهر عجز، لأنهم لم ينفقوا على أحد من الأمراء إلا من ندب إلى السفر، ولا على أولاد الناس، ولا على الخدّام الطواشية، ولا على أحد من المتعممين، ومع هذا كله فرقت النفقة في مدة طويلة كإعطاء المديون المماطل لغريمه، ولما فرقت النفقة خلع السلطان على القاضى علم الدين كاتب المماليك، وعلى ولده بالتحدث عن خوند زوجة السلطان فى تعلقاتهما. وفيه استقرّ الأمير جكم الظاهرى أحد الأمراء الأجلاب حاجبا ثانيا عوضا عن الأمير قانى بك السيفى يشبك بن أزدمر بحكم استعفائه عن الإمرة والوظيفة معا. وفي يوم الاثنين سادس عشره استقرّ الأمير دولات باى حمام الأشرفى أحد أمراء العشرات رأس نوبة ثانيا عوضا عن تنبك المعلّم على إمرة عشرة كما كان أولا. وفيه استقرّ الأمير برسباى قرا الظاهرى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة خازندارا عوضا عن سودون الأفرم المنتقل إلى تقدمة ألف. واستقرّ فارس السيفى دولات باى أحد أمراء العشرات زردكاشا عوضا عن طوخ الأبوبكرى المؤيدى على إمرة عشرة. وفي آخر هذا النهار وصل الأمير قرقماس أمير سلاح ورفيقاه «1» قلمطاى وأرغون شاه من سجن الإسكندرية، وباتوا بالميدان الناصرى، وطلعوا من الغد إلى القلعة، فقام السلطان إلى قرقماس المذكور واعتنقه وأجلسه فوق أمير سلاح على ميسرته ثم خلع عليه كاملية بمقلب سمّور، ونزل هو ورفيقاه «2» إلى دورهم.

وفيه فرّق الملك الظاهر تمربغا نحو سبعين مثالا، أعنى سبعين إقطاعا على جماعة من المماليك السلطانية، الكثير والقليل. وفي يوم الأربعاء ثامن عشره نفى السلطان خمسة أمراء من أمراء المؤيّدية إلى البلاد الشامية، وأخرج إقطاع بردبك الشمسى أحد أمراء العشرات وأبقى بالقاهرة بطالا، والذين أخرجوهم: سودون البردبكى الفقيه نائب القلعة، وجقمق، وجانم كسا، وقانى باى ميق، وجانبك البوّاب، ومعهم جندى من المؤيدية غير أمير يسمى خشكلدى قرا الحسنى، وما على خشكلدى المذكور في نفيه أضر من كثرة متحصل إقطاعه لا غير، وشفع في «1» جانبك الزينى وتنم الفقيه وطوغان ميق [العمرى] «2» ودولات باى الأبوبكرى فهؤلاء الذين بقوا بمصر من أمراء المؤيدية، ثم بعيض أجناد لم يلتفت إليهم، وهم نحو من عشرين نفرا أو أقل «3» . وفي يوم الخميس تاسع عشره أنعم السلطان الملك الظاهر تمربغا على نحو عشرين نفرا بإمريات عشرة: من الأشرفية الكبار «4» ، ومن الظاهرية الكبار «5» ، ومن الأشرفية الصغار «6» ، ومن الظاهرية الصغار «7» الأجلاب ثم على بعض سيفية. وفيه وصل دولات باى النجمى وتمراز [الساقى الأشرفيان] «8» من ثغر دمياط، وطلعا إلى السلطان «9» فى يوم السبت. وفي يوم السبت حادى عشرينه «10» أشيع بالقاهرة بإثارة فتنة وركوب الأمراء على السلطان، ولم يعين أحد.

وفيه أشيع بموت جهان شاه بن قرايوسف ملك الشرق والعراقين. وفي يوم الثلاثاء رابع عشرين جمادى الأولى المذكور استقرّ الأمير أرغون شاه الأشرفى في نيابة غزّة عوضا عن دمرداش العثمانى قبل أن يصل دمرداش المذكور إليها أو يحكمها. ثم استهل جمادى الآخرة- أوله الاثنين، ويوافقه أول طوبة. فى يوم الثلاثاء ثانيه نودى من قبل السلطان بأن السلطان ينزل إلى الإسطبل السلطانى في يومى السبت والثلاثاء للحكم بين الناس وإزالة المظالم. وفي يوم الخميس رابعه استقر الأمير خيربك الدوادار ناظر خانقاه سرياقوس وناظر خانقاه سعيد السعداء وناظر قبّة الصالح، وذلك عوضا عن الشهابى أحمد بن العينى أمير مجلس لأمر قصده السلطان في الوقوع بينهما «1» . وفيه وصل رأس جهان شاه بن قرايوسف ملك العراقين والشرق على ما زعم حسن بك بن على بك بن قرايلك متملك ديار بكر، وعلّقت الرأس على باب الملك الأفضل بن شاهنشاه «2» المدعو الآن بباب زويلة أيّاما، وفي قتل حسن بك لجهان شاه المذكور روايات كثيرة مختلفة يناقض بعضها بعضا. وفي ليلة السبت سادسه سافر الأمير قرقماس أمير سلاح كان، إلى ثغر دمياط بطّالا برغبته لذلك. وفي يوم الاثنين ثامنه خلع الظاهر تمربغا على الأمير أزدمر تمساح بتوجهه إلى القدس الشريف وعلى يده تقليد الأمير بردبك وتشريفه وعوده لنيابة حلب، عوضا عن يشبك البجاسى بحكم عزله وحبسه بقلعة دمشق. وفي يوم الخميس حادى عشره خلع السلطان على الأمير أزدمر الطويل الإبراهيمى القادم قبل تاريخه من دمشق بتوجهه إلى حلب، وعلى يده مرسوم شريف بتوجه

الأمير يشبك البجاسى نائب حلب إلى القدس بطالا، ثم آل أمره إلى حبس دمشق، وأزدمر هذا خلاف أزدمر تمساح المقدّم ذكره. وفي يوم السبت ثالث عشره وصل الأمير سودون الشمسى البرقى أحد أمراء الألوف بدمشق إلى خانقاه سرياقوس، فمنعه السلطان من الدخول إلى الديار المصرية، وأرسل إليه بفرس بسرج ذهب وكنبوش زركش وكاملية بمقلب سمّور، وطيّب خاطره. وفي يوم السبت العشرين من جمادى الآخرة ضرب السلطان القاضى تقي الدين بن الطيورى الحلبى الحنفى المعروف بخروف بالإسطبل السلطانى في الملأ ضربا مبرحا؛ لسوء سيرته وقبح سريرته، وأرسله في الجنزير إلى بيت القاضى المالكى ليدّعى عليه بأمور، فاستمر في الجنزير إلى يوم الأحد ثامن عشرينه، فأحضروه إلى بيت القاضى كاتب السّرّ الشريف، فادعى عليه بأمر ذكرناه في «الحوادث» «1» ، فحكم القاضى بدر الدين محمد ابن القطّان الشافعى فيه، وضربه ثلاثين عصاة، وكشف رأسه، وأشهره وهو مكشوف الرأس مقطع الأكمام إلى الحبس، ثم نفى بعد ذلك إلى جهة البلاد الشامية. وفي هذه الأيام قويت الإشاعة بأن الأمير خيربك يريد القبض على السلطان وعلى الأتابك قايتباى المحمودى إذا طلع إلى القلعة في ليالى الموكب، وأنه قد اتفق مع خچداشيته الأجلاب على ذلك، الذين هم من جنسه جنس أبزة، وأن خچداشيته الچراكسة تخالفه وتميل إلى الأمير كسباى الدّوادار الثانى، وكسباى المذكور هو صهر الملك الظاهر تمربغا أخو زوجة السلطان، وأما الأتابك قايتباى فإنه أخذ حذره من هذه الإشاعة، واحترز على نفسه، وامتنع في الغالب من الطلوع إلى القلعة فى ليالى الموكب وصلاة الجمعة مع السلطان، وصار يعتذر عن طلوع القلعة بأمور مقبولة وغير مقبولة، لكن كان يطلع أيام الموكب في باكر النهار بقماش الموكب وينزل

فى الحال، وكانت أعذاره عن الطلوع إلى القلعة بأنه تارة يتوجه إلى الربيع وتارة بغير ذلك. والسلطان يسمع هذه الإشاعة ويعلم من الأتابك قايتباى ما يفعله ولا ينكر عليه عدم طلوعه، ولا يجبره على الطلوع، بل يتخوّف هو أيضا على نفسه، ويأخذ فى إصلاح أمره بما هو أخف، فلا يسلم ممن يسكّن روعه وينفى عن خيربك المذكور هذه الإشاعة ممن له غرض في الباطن مع خيربك، ثم يقوّى جأش السلطان الأمير كسباى الدوادار مع كثرة خچداشيته، فإنه مخالف لخچداشه خيربك الدوادار، ويميل إلى صهره الملك الظاهر تمربغا، واستمر هذا الحال جمادى الآخرة كلها، إلى أن استهل شهر رجب- أوله يوم الأربعاء. فيه سأل الأتابك قايتباى السلطان أن يتوجّه إلى ناحية مربط جماله على الربيع ببعض قرى القليوبية من أعمال مصر، فأذن له السلطان في ذلك، فسافر الأتابك إلى تلك الجهة، وغاب بها إلى يوم الأحد خامس رجب، فحضر إلى القاهرة في آخر النهار المذكور ولم يطلع تلك الليلة إلى القلعة كعادة طلوعه قبل تاريخه في ليالى الموكب، وامتنع أيضا من الطلوع في تلك الليلة جماعة أخر من مقدمى الألوف، ولم يطلع إلا الأمير جانبك قلقسيز أمير سلاح، والشهابى أحمد بن العينى أمير مجلس، وسودون القصروى، وتنبك المعلّم الأشرفى، والأمير تمر حاجب الحجاب، وخشكلدى البيسقى رأس نوبة النّوب، وهو من أعظم أصحاب خيربك، وكذلك الأمير مغلباى الظاهرى. فهؤلاء الستة «1» الذين طلعوا إلى القلعة في تلك الليلة من مقدمى الألوف، وأذّن المغرب وهم بالقلعة، وصلّوا مع السلطان الملك الظاهر تمربغا صلاة المغرب، ثم دخل الملك الظاهر إلى الخرجة المطلّة على الرميلة على العادة، وجلس بها.

ذكر الوقعة التي خلع فيها السلطان الملك الظاهر أبو سعيد تمربغا من الملك

ذكر الوقعة التي خلع فيها السلطان الملك الظاهر أبو سعيد تمربغا من الملك ولما دخل الملك الظاهر تمربغا إلى الخرجة المقدم ذكرها وجلس بها سمع بالقصر بعض هرج بخارج القصر، فسأل عن الخبر، فقيل له ما معناه: الأجلاب بينهم كلام، فراب السلطان ذلك، فطلب خيربك الدّوادار، فدخل عليه، فأخذ السلطان يتكلم معه وهو يتبرّم من وجع رجليه على ما زعم، ولم يطل جلوسه عند السلطان، وخرج إلى خارج القصر، فعظم الهرج بالقصر، فأزعج السلطان ذلك، فقام وخرج إلى القصر، فلم يجلس به إلا يسيرا وأشار عليه بعض أصحابه بالدخول إلى الخرجة، فعاد إليها، وطلب الأمير خشكلدى البيسقى رأس نوبة النوب وسأله عن أمر هؤلاء، فذكر أنه لا يعرف ما هم فيه. وقام السلطان وصلى العشاء داخل الخرجة، وهذا بخلاف العادة، وصلى خشكلدى معه، ثم خرج وقد عظم الهرج، وضرب أصحاب خيربك الأمير طرباى المحتسب أحد أصحاب كسباى الدّوادار ضربا مبرّحا أشفى منه على الهلاك، ونالوا من كسباى أيضا، وضربوه ضربا ليس بذاك، كل ذلك لدفع كسباى وطرباى المكروه عن السلطان. وكان من الاتفاق الغريب أن الچراكسة أصحاب كسباى لم يطلع منهم في تلك الليلة إلا أناس قليلة، وطلع من أصحاب خيربك جنس أبزة خلائق باتفاق من خيربك، فلما وقع ذلك تحقّق الملك الظاهر تمربغا وقوع شىء، ولم يسعه إلا السكات. وكان عند السلطان جماعة من خچداشيته الأمراء، والسلطان ومن عنده كالمأسورين في يد الأجلاب، ثم تفرقت الأجلاب إلى الأطباق بقلعة الجبل، ولبسوا آلة

الحرب وعادوا إلى القصر بقوّة زائدة وأمر كبير، وتوجه بعضهم لإحضار الخليفة، وتوجه بعضهم انهب الحريم السلطانى بداخل الدور، ثم أغلق باب الخرجة من قبل السلطان كأنه مخافة من هجوم بعض الأجلاب عليه. ثم وقعت «1» أمور سمعناها بالزائد والناقص على قدر الروايات؛ فإننا لم نحضر شيئا من ذلك، وآل الأمر إلى الدخول على السلطان وإخراج خچداشيته من عنده، ثم أرادوا إخراج من بقى عنده من السقاة، فمنعهم السلطان من ذلك قليلا، ثم سكت، فأخرجوهم، وبقى السلطان في جماعة يسيرة من مماليكه وغيرهم. ثم بعد ساعة دخل على السلطان ثلاثة أنفار من الجلبان ملبسة وهم ملثمون، وأرادوا منه أن يقوم وينزل إلى المخبأة التي تحت الخرجة، فامتنع قليلا، ثم قام معهم مخافة من الإخراق، وأخذوه وأنزلوه إلى المخبأة من غير إخراق ولا بهدلة، وأنزلوا فرشا ومقعدا، ونزل معه بعض مماليكه وبعض الأجلاب أيضا، وأغلقوا عليه الطابقة، وأخذوا النّمچة والدرقة والفوطة ودفعوهم إلى خيربك، بعد أن أطلقوا عليه اسم سلطان، وباس له الأرض جماعة من أعيان الأمراء، وقيل إنهم لقبوه بالملك العادل، كل ذلك بلا مبايعة ولا إجماع الكلمة على سلطنته، بل بفعل هذه الأجلاب الأوباش، غير أن خيربك لما أخذ النّمچة والدّرقة حدثته نفسه بالسلطنة، وقام وأبعد في تدبير أمره وتحصين القلعة. وأما الملك الظاهر تمربغا لم يتمّ جلوسه بالمخبأة حتى أنزلوا عنده جماعة كبيرة من خچداشيته الأمراء واحدا بعد واحد حتى تكمل عدتهم ثمانية أو تسعة، وهم: الأمير تمر حاجب الحجاب، وبرقوق المشد، وبرسباى قرا الخازندار، وأزبك ناظر الخاص، وتغرى بردى ططرنائب القلعة، وقانى باى الساقى، وقانى بك، وقجماس، واثنان آخران «2» وقعد عندهم جماعة من الأجلاب كما تقدم ذكره.

وأما الأمير بردبك هجين الأمير آخور الكبير فإنه بلغه الخبر في أوائل الأمر فلم يكذب ما سمع، ونزل من الإسطبل السلطانى من وقته، وأرسل أعلم الأتابك قايتباى بما وقع، فركب الأتابك في الحال هو وأصحابه وخچداشيته وقد انضم عليه الأشرفية الكبار والأشرفية الصغار بعد أمور وقعت، فحضر الأتابك قايتباى إلى بيت قوصون الذي سدّ بابه من تجاه القلعة، فلم يكد جلوس السلطان الملك الظاهر تمربغا بالمخبأة إلا وقد انتشر أصحاب قايتباى بالرملة «1» ، ورآهم السلطان الملك الظاهر تمربغا من شباك المخبأة المطل على الرملة في جمع كثير، وذلك قبل نصف الليل، لأن إنزال الملك الظاهر تمربغا إلى المخبأة كان بالتقريب قبل ثلث الليل الأخير «2» ، والخبر الذي ورد على الأمير بردبك هجين كان بعد عشاء الآخرة. وأما خيربك الدوادار الكبير فإنه لما أخذ النّمچة والدّرقة شرع في إصلاح أمره ليتم له ما أراد من ملك مصر، ونزل إلى الإسطبل السلطانى في جمع كبير من خچداشيته الأجلاب، ووقف بداخل باب السلسلة يترقّب من يجيء إليه من الرملة. والذي بلغنى من غير ثقة أن جماعة من الطوائف المشهورة كانوا وافقوه على أن يفعل ما فعل، وأنهم معه على السراء والضراء وفي كل ما يرومه، فلما طال وقوف خيربك ولم يطلع إليه أحد، علم أنهم خذلوه وغرروا «3» به، فندم حيث لا ينفعه الندم ولم يسعه إلا إتمام ما فعل، فعاد خيربك إلى القلعة بعد أن أمر الأجلاب أن يصعدوا على سور القلعة ويقاتلوا من بالرّملة من أصحاب قايتباى، ففعلوا ذلك، وقاتلوا قتالا جرح فيه جماعة من الفريقين، وقتل جماعة، وطلع خيربك إلى القصر وقد علم أنّ أمره تلاشى وأدبرت سعادته، وبينما هو في ذلك فرّ عنه غالب أصحابه الكبار مثل خشكلدى ومغلباى وغيرهما، فعند ذلك لم يجد خيربك بدّا من الإفراج عن الملك

الظاهر تمربغا ومن معه من خچداشيته ومماليكه، فأخرجوهم ونزل خيربك على رجل الملك الظاهر تمربغا يقبلها، ويبكى ويسأله العفو عنه، وقد أبدى من التضرّع أنواعا كثيرة، فقبل السلطان عذره، هذا وقد جلس السلطان الملك الظاهر تمربغا موضع جلوس السلطان على عادته، وأخذ النّمچة والدّرقة وقد انهزم غالب الأجلاب، ونزلوا من القلعة لا يلوى أحد منهم على أحد، كل ذلك والأتابك قايتباى بمن معه من الأمراء بالرّملة. فلما تمّ جلوس الملك الظاهر تمربغا بالقصر على عادته أمر من كان عنده من أكابر الأمراء بالنزول إلى الأتابك قايتباى لمساعدته، والذين أرسلهم هم: الأمير جانبك قلقسيز أمير سلاح، وسودون القصروى، وتنبك المعلّم، فهؤلاء الثلاثة وأمثالهم كانوا عند خيربك في وقت مسك الملك الظاهر تمربغا وفي قبضته، وقد أظهروا له الطاعة إما غصبا على ما زعموا، وإما رضى على ما زعم بعضهم. ثم أرسل [السلطان] «1» بمن كان عنده ومحبوسا «2» معه مثل الأمير تمر حاجب الحجاب وبرقوق شاد الشراب خاناه وغيرهما، وكان إنزال هؤلاء الأمراء إلى الأتابك قايتباى هفوة من الملك الظاهر تمربغا، فإنه لو لم يكن نزولهم ما كان ينبرم للأتابك قايتباى في غيبتهم أمر. كل ذلك والخلائق تطلع إلى الملك الظاهر تمربغا أفواجا أفواجا تهنئه بالنصر وبعوده إلى ملكه، والعساكر وقوف بين يديه. وطلع السيفى تنم الأجرود الظاهرى الخاصكى إلى السلطان، فلما رأى خيربك الدّوادار واقفا بين يدى السلطان أراد قتله بالسّيف، فمنعه الملك الظاهر من ذلك، ثم أمر بحبسه داخل خزانة الخرجة فحبس بها. ولما تم أمر الأتابك قايتباى من قتال الأجلاب وانتصر طلع بمن معه إلى باب

السّلسلة، وجلس بمقعد الإسطبل، وكان لهج بعض الأمراء عند طلوع قايتباى إلى الإسطبل بأن قال: «الله ينصر الملك الناصر قايتباى» ، وسمع بعض الناس ذلك. ولما جلس الأتابك قايتباى بمقعد الحرّاقة بتلك العظمة الزائدة كلمه بعض الأمراء في السّلطنة، وحسّنوا له ذلك، فأخذ يمتنع امتناعا ليس بذاك، إلى أن قام بعضهم وقبّل الأرض له، وفعل غيره كذلك، فامتنع بعد ذلك أيضا، فقالوا: «ما بقى يفيد الامتناع، وقد قبّلنا لك الأرض فإما تذعن وإما نسلطن غيرك» . فأجاب عند ذلك. فقال بعض الظّرفاء: «جلوسه بالمقعد والملك الظاهر تمربغا بالقصر كان ذلك إجابة منه، وإلا لو لم يكن له غرض في ذلك كان طلع إلى القصر عند السلطان دفعة واحدة» . فلما تمّ أمر الأتابك قايتباى في السلطنة طلع الأمير يشبك من مهدى الظاهرى الكاشف بالوجه القبلى إلى الملك الظاهر تمربغا، وعرّفه بسلطنة قايتباى، وأخذه ودخل به إلى خزانة الخرجة الصغيرة، وقد حبس بها خيربك قبل ذلك كما تقدم. ولما استقرّ الملك الظاهر تمربغا بالخزانة المذكورة كلّمه يشبك من مهدى في أنه يتوجه إلى البحرة أو هو أراد، فقبل أن يقوم من مجلسه تناول يشبك من يده النّمچة والدّرقة ودفعهما إلى تمراز الأشرفى، فأخذهما تمراز وتوجّه إلى الأتابك قايتباى، وقام الملك الظاهر تمربغا وتوجّه في الحال إلى البحرة مكرما مبجلا، وبين يديه يشبك من مهدى المذكور وغيره، وسار إلى البحرة من داخل الحريم السلطانى، وجلس بالبحرة. وتمّ أمر قايتباى في السلطنة حسبما يأتى ذكره إن شاء الله تعالى. واستمرّ جلوس الملك الظاهر تمربغا بالبحرة وأصحابه وحواشيه تتردّد إليه من غير مانع يمنعهم من ذلك، والملك الأشرف قايتباى يظهر تعظيمه وإكرامه بكل ما تصل قدرته إليه.

فلما كان ليلة الأربعاء ثامن شهر رجب المذكور رسم السلطان الملك الأشرف بسفره إلى ثغر دمياط برغبة الملك الظاهر تمربغا في ذلك، فلما كان بين العشاءين من ليلة الأربعاء خرج الملك الظاهر تمربغا من قاعة البحرة وفي خدمته الخدّام وغيرهم، وسار من الحوش السلطانى إلى داخل الحريم، وعرف الملك الأشرف قايتباى وقت خروجه من البحرة، فقام من خرجة القصر مسرعا في مشيه إلى أن وافى الملك الظاهر تمربغا بدهليز الدّور السلطانية عند الشيخ البردينى، فبادره السلطان الملك الأشرف قايتباى بالسّلام، فاعتنقه وأهوى إلى يده ليقبلها، فمنعه الملك الظاهر تمربغا من ذلك، ثم أخذ الأشرف في الاعتذار له مما وقع منه، والملك الظاهر يقبل منه عذره «1» ، ويظهر له الفرح التام بسلطنته، لأنه خچداشه، وآمن على نفسه في دولته، هذا والملك الأشرف مستمرّ على إكرامه وتعظيمه إلى غاية ما يكون، ثم تكلّم معه سرّا في خلوة؛ لأن السلطان كان حضر معه الأتابك جانبك قلقسيز، ويشبك من مهدى، وتمر حاجب الحجاب، وجماعة أخر من خواصّ الملكين وخچداشيتهما، وطال الوقوف بينهما ساعة جيدة، ثم تعانقا وتباكيا، وافترقا على أحسن وجه وأجمل حال. ثم نزل الملك الظاهر تمربغا وركب فرسا كعادته من خيله الجياد بعد أن ودعه أيضا الأمراء الذين كانوا جاءوا مع الملك الأشرف، ولما قبّل الأمير يشبك من مهدى يد الملك الظاهر تمربغا دفع له ألفى دينار، وقنطارى سكر مكرر، وغير ذلك. وسار الملك الظاهر تمربغا من القلعة إلى ساحل النيل وهو في غاية الحشمة في مسيره من غير أوجاقى يركب خلفه بالسكين كما هى عادة الأمراء ولا غير ذلك، والذين ساروا معه غالبهم كالمودعين له، فلما وصل إلى المركب نزل إليها بعد أن ودعه من كان وصل معه إلى البحر من أعيان خچداشيته الأمراء، وسافر من وقته من غير

أن يتوجه معه مسفّر من الأمراء ولا غيرهم، بل سار هو بنفسه كما يسافر الشخص إلى جهة تعلقه، وهذا بعد أن رسم له الملك الأشرف بالركوب بثغر دمياط إلى حيث أراد من سائر الجهات برّا وبحرا، وأشياء كثيرة من هذه المقولة حتى سيّر معه السلطان فرسا في المواكب. وسافر الملك الظاهر تمربغا حتى وصل إلى ثغر دمياط ونزلها، وسكن بأحسن دورها ومعه حشمه وخدمه وبعض حرمه، ودام بالثغر إلى «1» ...

ذكر سلطنة الملك الأشرف قايتباى المحمودى على مصر

ذكر سلطنة الملك الأشرف قايتباى المحمودى على مصر وهو السلطان الحادى والأربعون من ملوك الترك وأولادهم بالديار المصرية، والخامس عشر من الچراكسة وأولادهم، وأمر سلطنته وكيفيتها: أنه لما خلع الملك الظاهر تمربغا وتمّ أمر قايتباى هذا بالإسطبل السلطانى جلس بمبيت الحرّاقة من الإسطبل المذكور، وحضر الخليفة والقضاة، وبايعوا الأتابك قايتباى بالسلطنة ولبس خلعة السلطنة- السواد الخليفتى- من مبيت الحرّاقة، وركب فرس النوبة بقماش ذهب بأبهة الملك، وحمل الأمير جانبك الإينالى الأشرفى المعروف بقلقسيز أمير سلاح السنجق على رأسه، وذلك لفقد القبّة والطير من الزردخاناه السلطانية في واقعة الملك الظاهر يلباى، وسار وجميع العسكر بين يديه إلى أن طلع من باب سرّ القصر، ودخل إلى القصر الكبير، وجلس على تخت الملك، وقبّلت الأمراء الأرض بين يديه على العادة، وتمّ أمره، ونودى في الحال بسلطنته بشوارع القاهرة، وتلقّب بالملك الأشرف، ودقّت البشائر، وخلع على الخليفة على العادة، وعلى جانبك قلقسيز أمير سلاح باستقراره أتابك العساكر عوضا عن نفسه. وكانت العادة أن الأمير الكبير يلبس اليوم خلعة حمل القبة والطير على رأس السلطان، ثم بعد ذلك يلبس خلعة الأتابكية فيما بعد، فالآن اقتصروا على خلعة واحدة، ووفّر غيرها، ثم دخلت الناس لتهنئته بالسلطنة أرسالا إلى أن انتهى ذلك.

وكان وقت بيعته بالسلطنة قبل أذان الظّهر من يوم الاثنين سادس رجب من سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة بثمانى عشرة درجة، والساعة للشمس، والطالع الثور والزهرة، وهو أيضا يوم سادس أمشير لأن الشهر العربى والقبطى توافقا في هذا الشهر والشهر الخارج أيضا. وفي هذه السنة حكم فيها أربعة سلاطين، وقبل أن نشرع في ذكر حوادثه وأموره نشرع في التعريف به فنقول: أصل الملك الأشرف قايتباى هذا أنه چاركسى الجنس، جلب من بلاده إلى الديار المصرية في حدود سنة تسع وثلاثين وثمانمائة، فاشتراه الملك الأشرف برسباى، ولم يجر عليه عتقا، وجعله بطبقة الطّازية من أطباق قلعة الجبل إلى أن ملكه الملك الظاهر جقمق، وأعتقه وجعله خاصكيا، ثم دوادارا صغيرا، ثم امتحن بعد خلع ابن أستاذه الملك المنصور عثمان، ثم تراجع أمره عند الملك الأشرف إينال، وصار دوادارا صغيرا كما كان أولا «1» ، ثم أمّره إمرة عشرة، فدام على ذلك إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر خشقدم بإمرة طبلخاناه، وجعله شاد الشراب خاناه بعد جانبك الأشرفى المشد، فدام فى المشدية أياما كثيرة، وتوجه إلى تقليد نائب حلب، ثم بعد عوده بمدة أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، فاستمر على ذلك إلى أن جعله الملك الظاهر يلباى رأس نوبة النوب بعد خروج الأمير أزبك الظاهرى إلى نيابة الشام، وأنعم عليه بإقطاعه أيضا، فلم تطل أيام قايتباى هذا فيما ذكرناه، ونقله الملك الظاهر تمربغا إلى الأتابكية عوضا عن نفسه لما تسلطن، فلم تطل أيّامه أيضا في الأتابكيّة، وتسلطن حسبما ذكرناه.

ولما استقر جلوسه بالقصر، وخلع عليه خلعة السلطنة أمر بحبس الأمير خيربك الدوادار بالركبخاناه، وكذلك الأمير أحمد العينى أمير مجلس، واختفى الأمير خشكلدى البيسقى رأس نوبة النّوب، ثم ظهر فرسم بنفيه «1» . تم الجزء السادس عشر، وبه ينتهى كتاب النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة

فهرس

فهرس «1» الجزء السادس عشر من كتاب النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة

فهرس الملوك والسلاطين الذين تولوا حكم مصر

فهرس الملوك والسلاطين الذين تولوا حكم مصر من سنة 855- 872 هجرية 1- السلطان الملك الظاهر جقمق 1- 22 2- السلطان الملك المنصور عثمان بن جقمق 23- 56 3- السلطان الملك الأشرف إينال العلائى 57- 217 4- السلطان الملك المؤيد أبو الفتح أحمد بن إينال 218- 252 5- السلطان الملك الظاهر خشقدم 253- 355 6- السلطان الملك الظاهر أبو نصر يلباى الإينالى المؤيدى 356- 372 7- السلطان الملك الظاهر أبو سعيد تمربغا الظاهرى 373- 393 8- السلطان الملك الأشرف قايتباى المحمودى 394- 396

فهرس الأعلام

فهرس الأعلام اآقباى السيفى جارقطلو:- 95: 6 آقباى المؤيدى- نائب الشام:- 313: 8 آقبردى بن عبد الله الظاهرى الساقى- سيف الدين:- 77: 19- 92: 9، 11- 95: 3- 180: 11- 181: 17 آقبردى الأشرفى الساقى- سيف الدين:- 223: 14- 377: 6- 396- 14 آقبردى المنقار- نائب الكرك:- 21: 8، 10- 165: 12، 13 آقبغا التمرازى:- 175: 9- 184: 9- 202: 9 إبراهيم- عليه السلام:- 82: 10 إبراهيم بن أحمد بن فرج بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن الباعونى- الشيخ الأديب المفتن:- 345: 14 إبراهيم بن أحمد- نور الدين:- 275: 23 إبراهيم بن حسن بن عجلان الحسنى- السيد الشريف:- 8: 5 إبراهيم بن الديرى- قاضى القضاة برهان الدين:- 129: 20- 148: 15- 271: 10، 19- 292: 14- 295: 5 إبراهيم بن السيد محمد:- 360: 12 إبراهيم بن شيخ المحمودى- صارم الدين:- 319: 10 إبراهيم بن ظهيرة (إبراهيم بن على بن محمد بن محمد ابن حسين بن على بن أحمد بن عطية بن ظهيرة- برهان الدين) :- 93: 9، 21 إبراهيم بن عبد الغنى بن شاكر بن رشيد الدين خطير الدمياطى:- 211: 20 إبراهيم بن عبد الغنى بن الهيصم- أمين الدين:- 33: 7- 69: 7- 82: 1- 83: 4- 86: 8، 10- 175: 21- 176: 2 إبراهيم بن غراب- سعد الدين:- 197: 18 إبراهيم بن قرمان- صارم الدين:- 97: 16- 102: 16- 103: 22، 23- 104: 19- 105: 13- 106: 10- 107: 9، 12- 108: 9- 109: 1، 3، 4، 13، 14- 110: 1، 19- 119: 3، 4، 12، 23- 123: 4- 188: 4، 10، 14، 21- 228: 18 إبراهيم بن محمد بن خليل- البرهان أبو الوفاء الطرابلسى:- 13: 25 إبراهيم بن محمد بن عثمان بن سليمان بن رسول ابن يوسف بن خليل بن نوح الكرادى القرشى:- 204: 18

إبراهيم الإدكاوى- الشيخ المسلك:- 315: 10 إبراهيم الحلبى- برهان الدين:- 13: 14 إبراهيم زكى خورشيد:- 376: 23 إبراهيم الزيات- الشيخ المعتقد المجذوب:- 195: 13 إبراهيم طباخ الملك العزيز يوسف:- 327: 18 إبراهيم على طرخان- الدكتور:- 108: 18- 290: 22 إبراهيم الغنام- الشيخ المعتقد:- 344: 14 أبرك البجمقدار:- 261: 15 أبرك الجكمى:- 271: 17- 346: 12، 13 ابن أبى السعود- أحمد بن أبى السعود إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن سيد بن على المنوفى. ابن أبى الوفا- أحمد بن محمد بن وفا الشاذلى. ابن أخت الغرس خليل السخاوى- محمد بن محمد بن إسماعيل بن يوسف بن عثمان بن عماد الحلبى- شمس الدين. ابن الأديب:- 14: 3 ابن الأشقر- محمد بن عثمان بن سليمان بن رسول ابن أمير يوسف بن خليل بن نوح الكرادى القرشى. ابن ألتبغا- محمد الحلبى- الأمير ناصر الدين. ابن إياس (محمد بن أحمد بن إياس) :- 33: 20 ابن البلقينى- سراج الدين عمر:- 112: 20 ابن تغرى بردى- أبو المحاسن يوسف- مؤلف هذا الكتاب:- 7: 24 ابن الجيعان- عبد الغنى بن شاكر بن خطير الدمياطى المصرى القبطى:- ابن حريز- محمد بن أبى بكر بن محمد بن حريز ابن أبى القسم بن عبد العزيز بن يوسف- حسام الدين. ابن حسان- محمد بن محمد بن على بن محمد بن حسان. ابن الحلبى- محمد بن محمد بن إسماعيل بن يوسف ابن عثمان بن عماد الدين الحلبى- شمس الدين. ابن الديرى:- 272: 1 ابن زبالة- محمد بن أحمد بن محمد- القاضى شمس الدين. ابن الشماع- محمد الحموى- شمس الدين. ابن طولون (أحمد بن طواون) :- 46: 4 ابن عثمان- خوندكار محمدبك بن مراد بك بن عثمان ملك الروم. ابن العراقى- أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحيم بن إبراهيم. ابن غريب البدرى:- 152: 6 ابن قرمان- إبراهيم بن قرمان- صارم الدين. ابن قليب- أحمد بن ناصر الدين محمد- ابن كاتب جكم- يوسف بن عبد الكريم بن بركة- كريم الدين. ابن مالك (محمد بن عبد الله) :- 346: 2

ابن المخلطة- محمد بن أحمد بن عبد الله- ناصر الدين. ابن مولانا- محمد بن أحمد بن أبى يزيد السيرامى الحنفى المصرى. ابن النجار- شمس الدين نصر الله:- 83: 16، 21- 86: 5، 7، 10، 14- 341: 14 ابن هشام (صاحب التوضيح) :- 204: 7 ابن الهمام- محمد بن عبد الواحد بن عبد المجيد بن مسعود السيرامى- شيخ الإسلام كمال الدين. ابن واصل (جمال الدين محمد بن سالم) :- 79: 21- 219: 24 أبو بكر بن صالح- نائب ألبيرة:- 282: 7 أبو بكر بن مزهر- القاضى زين الدين:- 120: 9- 127: 1- 148: 14- 272: 10 أبو حنيفة النعمان- الإمام الأعظم:- 374: 20 أبو الخير النحاس:- 131: 1- 132: 1، 3، 8- 133: 5- 255: 19 أبو السعادات البلقينى- قاضى قضاة الشافعية:- 295: 6- 297: 19 أبو سليم فرج الخادم:- 97: 21 أبو العباس الوفائى:- 210: 9 أبو العلاء المعرى:- 283: 23 أبو الفتح البستى:- 132: 20 أبو الفرج الساوى المخزومى:- 248: 22 أبو الفضل بن الحكيم:- 30: 21 أبو الفضل البقرى- مجد الدين:- 225: 14، 21 أبو القاسم بن حسن بن عجلان:- 179: 10 أتمكجى- سودون المحمدى. أحمد بن إينال- المقام الشهابى:- 58: 2- 61: 18- 70: 10- 73: 16- 79: 15، 17- 101: 12- 104: 8- 110: 6- 115: 7- 121: 21- 124: 18- 126: 8، 10- 138: 15- 155: 8- 156: 16- 176: 18- 196: 21- 197: 3، 11- 212: 14- 218: 10- 219: 9 أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن سيد بن على المنوفى الشافعى- المعروف بابن أبى السعود:- 348: 10 أحمد بن برسباى- الدقماقى الظاهرى- المقام الشهابى:- 36: 6، 8- 329: 4، 7، 8، 9، 14، 16 أحمد بن تنبك- الشهابى:- 277: 7 أحمد بن جقمق- المقام الشهابى:- 60: 16 أحمد بن حسن بن عجلان بن رميثة الشريف:- 179: 6 أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحيم بن إبراهيم بن أبى بكر بن إبراهيم- ولى الدين

أبو زرعة بن الزين المهرانى القاهرى:- 4: 2، 15 أحمد بن عبد الرحيم بن العينى- الشهابى:- 271: 18- 283: 5- 288: 6- 289: 12، 16- 295: 16- 379: 7، 10- 384: 9، 22- 386: 15- 396: 1 أحمد بن عبد الغنى بن عبد الرزاق بن أبى الفرج- شهاب الدين:- 162: 5 أحمد بن عبد الله المقدسى الشافعى- الشيخ الواعظ المذكر- أبو العباس:- 347: 8 أحمد بن على بن إينال اليوسفى الأتابكى- شهاب الدين:- 7: 6، 12- 196: 15 أحمد بن على بن محمد بن مكى بن محمد بن عبيد بن عبد الرحيم الأنصارى الدماصى- القاضى شهاب الدين:- 192: 7، 21 أحمد بن على التتائى الأنصارى الشافعى- بهاء الدين:- 201: 6، 11 أحمد بن محمد بن عمر البلقينى- ولى الدين قاضى قضاة دمشق:- 148: 12، 21- 313: 21 أحمد بن محمد بن قليب- الشهابى:- 141: 14- 354: 13 أحمد بن محمد بن وفاء الشاذلى- الإمام المعتقد الواعظ شهاب الدين:- 164: 6 أحمد بن نوروز- الشهابى شاد الأغنام:- 8: 2، 3 أحمد بن يوسف البيرى- الشهابى:- 174: 5 أحمد بن يوسف الشيرجى الشافعى- قاضى القضاة شهاب الدين:- 190: 4، 20 أحمد الإخميمى- الإمام شهاب الدين:- 45: 1، 4- 206: 5 أحمد البدوى- ولى الله:- 275: 18، 23- 269: 4- 346: 23 أحمد الترابى- المعتقد الصالح:- 11: 6 أحمد الحنبلى- عز الدين قاضى قضاة الحنابلة:- 67: 14 أحمد السطوحى، المعروف بالشيخ خروف- المعتقد المجذوب:- 314: 9 أحمد الفوى- الشيخ القدوة:- 311: 5 أحمد المحلى الشافعى- شهاب الدين:- 181: 4، 20 أرغون شاه الأشرفى:- 51: 17- 85: 7- 117: 1، 2- 146: 14- 292: 16- 303: 22- 360: 9- 376: 10- 382: 20- 384: 2، 14 أركماس البواب:- 364: 13 أرنبغا اليونسى الناصرى- سيف الدين:- 41: 13- 63: 5- 68: 12- 163: 13، 16، 17- 165: 3، 4- 166: 21 أزبك بن عبد الله الأشرفى البواب:- 190: 8 أزبك بن عبد الله الششمانى المؤيدى- سيف الدين:- 109: 8- 189: 5- 190: 11، 12، 13

أزبك من ططخ الظاهرى الساقى:- 33: 17- 34: 2- 39: 16- 61: 15- 63: 16- 115: 12- 116: 12- 237: 4، 17- 257: 15- 270: 16- 279: 2- 281: 20- 282: 3- 283: 18- 284: 12- 289: 10، 11، 15- 301: 5، 11، 15- 319: 12- 360: 15، 17- 362: 2، 16- 363: 15- 365: 4- 388: 19- 395: 16- أزدمر الإبراهيمى الطويل:- 266: 16، 18- 275: 11- 282: 21- 384: 20 أزدمر الظاهرى تمساح:- 277: 22- 278: 1- 365: 15، 16- 380: 17- 384: 17- 385: 2 أزدمر مملوك الملك العزيز يوسف:- 327: 18 إسحاق بن إبراهيم بن قرمان- ملك الروم:- 343: 11 إسماعيل بن عباد:- 85: 16 أسنبا بن عبد الله الجمالى الظاهرى:- 31: 17- 39: 16- 42: 8- 54: 3- 62: 11- 66: 7- 181: 11، 15. أسنبغا بن عبد الله الناصرى الطيارى:- 32: 7- 40: 7- 48: 16- 49: 9، 11، 13- 61: 7- 63: 2- 162: 11، 18- 166: 3 أسندمر بن عبد الله الجقمقى:- 106: 11، 14- 111: 20- 129: 10- 140: 2- 212: 16- 213: 1 أصباى البواب:- 297: 13، 22- 364: 4 أصباى الظاهرى:- 381: 17 أصبهان بن قرايوسف:- 169: 10- 354: 24 أصطمر البواب:- 364: 15 ألطنبغا بن عبد الله الظاهرى- المعلم اللفاف- سيف الدين: 18: 15- 19: 5 ألطنبغا الجوبانى- نائب دمشق:- 13: 2 ألطنبغا العثمانى:- 185: 6 ألطنبغا القرمشى (ألطنبغا بن عبد الله القرمشى الظاهرى- سيف الدين) :- 174: 17 ألماس الأشرفى:- 288: 11- 291: 10 أم كامل بنت النصيح من ذوى عمر:- 179: 5 أميان بن مانع بن على بن عطية بن منصور بن جماز بن شيحة الحسينى المدنى- الشريف:- 5: 19، 22 أمير حاج بن بركوت المكينى (أحمد بن محمد بن بركوت) القاضى صلاح الدين:- 112: 14، 16، 19- 118: 20- 155: 13 أميرزة بن حسن بك بن سالم الدوكارى التركمانى:- 63: 13، 23

أميرزة بن شاه أحمد بن قرايوسف:- 354: 15 أمين الدين بن الهيصم- إبراهيم بن عبد الغنى بن إبراهيم القبطى. أمين الدين الأقصرائى الحنفى:- 180: 10 إياس البجاسى:- 127: 15، 16 إياس المحمدى الطويل الناصرى- فرج بن برقوق:- 69: 8، 11- 92: 3، 5- 128: 12، 16- 168: 16- 223: 12- 264: 2، 15، 18- 265: 2- 359: 5 أيتمش المؤيدى الخاصكى:- 50: 13- 358: 3 أيدكى الأشرفى الخاصكى:- 119: 11- 274: 7- 303: 23 إينال بن عبد الله الأشرفى الطويل- سيف الدين:- 186: 12 إينال الأشقر الظاهرى الخاصكى:- 156: 1- 267: 19- 275: 3، 15، 16- 301: 10- 362: 12، 18- 364: 3، 5. إينال الجكمى:- 167: 11- 173: 1- 183: 20- 399: 12 إينال الجلبانى القجقى:- 91: 20 إينال حطب:- 174: 13 إينال ضضع:- 357: 17 إينال الظاهرى جقمق:- 27: 6 إينال العلائى- الأمير الكبير ثم الملك الأشرف:- 7: 8، 16- 23: 13، 15- 35: 14- 38: 2، 4، 14- 39: 6- 40: 7، 13، 18- 43: 9، 11، 13، 19- 44: 1، 4، 6، 11، 15، 19- 45: 1، 2، 4، 13، 14، 16، 18، 19- 46: 2، 3، 5، 17، 18، 20- 47: 3، 13، 18، 20- 48: 2، 7، 9، 10، 21- 49: 1، 4، 8، 10، 12- 50: 6، 9، 10، 11، 15، 16، 19- 51: 8- 52: 5، 10، 12، 14، 20- 53: 7، 8، 9، 10، 14- 54: 7- 55: 1- 57: 14- 59: 7، 12- 60: 1، 14- 89: 17، 18، 19- 90: 2- 181: 15- 213: 18- 331: 1، 2- 378: 3 إينال النوروزى:- 183: 18 إينال اليشبكى (حاج إينال) :- 27: 1- 128: 9، 13- 223: 11- 269: 7، 10- 317: 3، 6- 332: 13 ب بايزيد بن عبد الله التمر بغاوى- سيف الدين:- 111: 10، 12- 134: 6- 207: 12- 216: 14 باى سنقر بن شاه رخ بن تيمور لنك:- 114: 17 بايندر- أحد أكابر أمراء جانكيزخان:- 335: 5 بتخاص العثمانى الظاهرى برقوق:- 24: 2- 74: 12 بدر الدين بن البوشى:- 127: 13

بدر الدين عبد المنعم البغدادى- قاضى قضاة الحنابلة:- 67: 15 بدر الدين بن المصرى:- 46: 6، 15 بدر الدين حسين- كاتب سردمشق:- 15: 11 البدر العينى (أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى ابن الحسين ابن يوسف بن محمود- قاضى القضاة) :- 190: 23 بديد بن شكر- وزير الشريف محمد بن بركات:- 338: 15- 339: 2 بردبك- بن عبد الله- الأشرفى- سيف الدين:- 42: 5، 11، 12- 43: 21- 64: 1، 3- 83: 3- 85: 2، 6، 7، 9، 11- 101: 23- 110: 10- 111: 18- 119: 9- 120: 20- 123: 9- 129: 6- 133: 15- 136: 5- 148: 4، 5- 156: 6- 159: 18- 230: 21- 231: 1، 2- 232: 6- 241: 16- 256: 19- 335: 20- 336: 8- 352: 12 بردبك الأمير آخور:- 54: 5 بردبك التاجى الأشرفى:- 70: 4، 5- 276: 1 بردبك الشمسى:- 383: 4 بردبك الظاهرى جقمق:- 28: 13، 14- 32: 3- 39: 1، 11- 40: 16- 41: 8- 44: 1- 89: 4- 93: 11- 105: 21- 109: 2- 151: 6- 237: 4، 18- 265: 4- 271: 4- 275: 20- 283: 14، 16، 17، 19- 284: 4، 17، 18- 296: 3، 6- 302: 8- 361: 1، 3، 19- 362: 3- 364: 20- 365: 1، 10، 13، 16- 380: 17- 384: 18 بردبك العبد الرحمانى- أى المنسوب لسيف الدين سودون بن عبد الرحمن:- 128: 20، 22- 129: 4- 223: 15- 259: 13 بردبك العجمى الجكمى:- 168: 13- 169: 18 بردبك عرب الأشرفى الخاصكى:- 153: 2 بردبك هجين (بردبك المحمدى الظاهرى المعروف بالهجين) :- 39: 18- 40: 23- 131: 4، 5- 154: 18- 155: 2- 257: 15- 266: 13- 267: 13- 270: 7- 277: 6- 287: 1، 12- 293: 10- 295: 14- 362: 9- 363: 14- 379: 9- 381: 8- 389: 1، 9 بردبك اليشبكى المشطوب:- 134: 17 برسباى بن عبد الله الساقى المؤيدى- سيف الدين:- 19: 8، 10 برسباى الأشرفى:- 26: 20- 150: 2، 7- 261: 14 برسباى البجاسى:- 27: 6- 31: 7- 63: 7- 73: 4- 74: 4- 112: 6- 113: 13، 14- 117: 7- 120: 22- 126: 4- 141: 1، 3- 178: 19- 192: 5- 240:

22- 241: 9، 10، 15، 18- 244: 3- 265: 1، 4- 285: 3، 6، 7- 296: 3، 4، 6- 359: 4 برسباى خازندار يونس الدوادار:- 364: 19 برسباى الحاصكى:- 282: 13 برسباى قرا الظاهرى:- 268: 12- 291: 16- 360: 7- 370: 23- 371: 1، 8- 382: 15- 388: 19 برسباى المؤيدى:- 377: 17 برسباى الناصرى:- 200: 18 برقوق شاد الشراب خاناه- المشد:- 388: 19- 390: 13 برقوق الناصرى الظاهرى الساقى- سيف الدين:- 223: 12- 268: 11- 279: 3- 280: 23- 284: 18- 381: 14 البرقى- سودون الشمسى. بركات بن حسن بن عجلان بن رميثة بن منجد بن أبى نمى محمد بن أبى سعيد- الشريف أمير مكة:- 178: 20- 179: 5، 9، 10، 11 برهان الدين البقاعى:- 346: 4- 347: 16 البستانى (بطرس البستانى) :- 224: 24- 332: 22 بكتمر بن عبد الله المؤمنى- سيف الدين:- 1: 22 بكتمر جلق الظاهرى (بكتمر بن عبد الله الظاهرى- المعروف بجلق- سيف الدين) :- 338: 7 بكتمر الساقى الناصرى:- 38: 15- 155: 20 بلاط دوادار الحاج إينال:- 275: 3- 285: 8، 10- 301: 10 پوپر (وليم پوپر) : 19: 16، 17، 20، 25- 20: 24- 24: 18، 20، 22- 25: 18، 19- 26: 22- 27: 18- 28: 25- 29: 18، 19، 22- 30: 15، 16، 17، 18، 21، 23- 31: 22، 24- 38: 24- 39: 18، 21، 23- 33: 22- 35: 19، 21- 40: 22- 42: 22- 44: 21- 45: 21- 46: 21- 48: 22- 50: 22- 53: 24- 61: 20- 63: 20، 21- 64: 21- 66: 19، 21- 67: 20- 69: 20، 21، 23- 70: 24- 71: 22- 73: 18- 74: 19، 20، 21- 77: 20- 78: 18، 20- 79: 23، 24- 80: 16، 21- 81: 15، 22- 82: 20- 83: 19، 20، 21، 23- 84: 19- 85: 21- 86: 23، 24- 87: 22، 24- 88: 21، 23- 89: 20، 22- 92: 19، 22، 24- 94: 19، 20، 21- 97: 18- 98: 20- 99: 20، 22- 100: 23- 102: 22- 104: 22- 105: 23- 106: 20، 21، 24- 107: 17- 109: 22، 25- 110: 22- 113: 23، 24، 25- 114: 22- 117: 21، 23- 118: 21، 23- 119: 21، 23- 120: 19، 20، 23- 123: 20، 23- 125: 22- 126: 20- 128: 21، 22- 130: 23، 25- 131: 19- 132:

18، 23، 24- 134: 18، 19، 22، 24- 135: 17- 21- 136: 23- 139: 21- 141: 22- 146: 24- 147: 22، 25- 149: 23- 150: 21- 151: 22، 23- 153: 18، 21- 154: 21- 154: 21- 155: 20- 169: 18- 170: 18- 172: 21، 23- 173: 14، 15- 179: 22- 184: 21- 185: 20، 22، 25- 186: 22- 188: 22- 190: 23- 191: 21- 192: 19- 193: 23- 194: 23- 195: 25- 196: 22- 198: 5- 200: 21، 22- 201: 23- 202: 23- 204: 21- 205: 22- 206: 19، 20، 22- 207: 20، 22، 24- 209: 21: 22، 210: 22- 212: 20، 21، 23- 213: 23- 215: 22- 216: 22- 217: 18- 218: 21- 222: 22- 224: 18- 225: 21- 226: 21، 22- 227: 23- 228: 22- 244: 18- 268: 20- 271: 21- 272: 20- 278: 22- 280: 23- 281: 22- 284: 20، 21- 290: 20- 295: 21- 297: 21- 298: 19- 316: 23- 325: 10- 332: 23- 339: 19- 347: 26- 354: 23- 361: 23- 376: 20، 21- 383: 18، 19، 20، 25- 385: 22 بيبرس بن أحمد بن بقر:- بير بضع بن جهان شاه بن قرايوسف بن قرامحمد التركمانى:- 350: 4 بيسق اليشبكى:- 20: 17 بيغوت بن عبد الله من صفر حجا المؤيدى الأعرج:- 7: 4- 27: 2- 69: 8- 168: 3، 8 بينى بازق- طوخ من تمراز الناصرى: ت تاج الدين بن المقسى:- 29: 19- 83: 10- 277: 5 تانى بك المعلم:- 244: 22 تغرى بردى الأشرفى:- 131: 5، 6- 136: 4 تغرى بردى بن يونس:- 115: 2، 4- 270: 1، 282: 8 تغرى بردى البكلمشى المؤذى:- 60: 3 تغرى بردى ططر الظاهرى:- 277: 22- 278: 2- 381: 15- 388: 20 تغرى بردى الطيارى الخاصكى:- 134: 3- 143: 13- 147: 10- 284: 15- 301: 8 تغرى بردى القردمى:- 9: 8 تغرى بردى القلاوى الظاهرى:- 33: 2، 22- 39: 2- 40: 16- 41: 8- 54: 4- 68: 1، 3- 164: 18- 165: 1، 3 تغرى بردى قريب قصروه:- 255: 10 تغرى بردى المحمودى:- 202: 3 تغرى بردى من بشبغا- المقر الأتابكى:- 20: 24 تغرى برمش البهسنى التركمانى:- 175: 6- 196: 5، 7- 202: 6

تغرى برمش السيفى قراخجا الحسنى- سيف الدين:- 349: 19 تغرى برمش الفقيه:- 213: 20 تقي الدين بن الطيورى الحلبى- المعروف بخروف:- 385: 8 تقي الدين بن نصر الله- ناظر ديوان المفرد:- 146: 20 تمراز [بن عبد الله] الاينالى الأشرفى الدوادار:- 62: 11- 64: 4- 75: 18- 79: 10- 81: 1، 5، 8، 18- 82: 4- 222: 19- 226: 13، 15، 17، 19، 20- 227: 5، 10، 12- 228: 14- 230: 5، 8، 9- 265: 16، 17، 18- 266: 15- 353: 8، 10، 12 تمراز بن عبد الله بن يكتمر المؤيدى المصارع- سيف الدين:- 32: 16 تمراز الأشرفى الزردكاش:- 50: 16 تمراز الأشرفى الساقى:- 376: 11- 383: 14 تمراز الأشرفى اللفاف:- 227: 5، 10، 12 تمراز القرشى الظاهرى:- 58: 19- 166: 7- 184: 12- 206: 24 تمراز الناصرى الظاهرى:- 50: 8، 74: 17 تمر الأشرفى الخاصكى:- 27: 3 تمرباى بن عبد الله بن حمزة الناصرى المعروف بتمرباى ططر- سيف الدين:- 92: 6- 105: 22- 136: 7- 151: 16- 152: 16- 154: 10، 11- 265: 5، 6- 267: 14- 316: 13 تمرباى التمرازى المهمندار:- 364: 19- 365: 2، 10، 14 تمرباى الظاهرى السلحدار:- 269: 14- 276: 4- 381: 19 تمربغا الظاهرى (الدوادار الكبير) :- 31: 14- 32: 1، 7- 34: 5- 37: 2، 3- 39: 5، 9، 11- 42: 8- 61: 3، 4، 14- 64: 11- 119: 16- 181: 14- 200: 11- 207: 14- 255: 18- 260: 4، 8- 262: 20- 279: 2- 280: 16، 20- 287: 7- 289: 9، 14- 293: 9- 306: 2، 5، 10، 14- 357: 13- 359: 16، 19- 369: 21، 23- 377: 9، 14، 17 تمر حاجب الحجاب:- 388: 18- 390: 12- 392: 12 تمر المحمودى:- 359: 20- تمر بن محمود شاه الظاهرى:- 296: 9- 381: 6، 7- 386: 16 تخبك بن عبد الله الأشرفى المعروف بالصغير- الأمير سيف الدين 272: 6- 301: 8- 317: 9 تنبك بن عبد الله البرديكى- سيف الدين- 195: 17- 196: 6- 16- 197: 2، 4، 5 تنبك الأشرفى إينال:- 85: 7- 117: 2- 223: 2 تنبك الأشرفى القصير البواب المعروف بخينكات:- 265: 11

تنبك الأشقر الأشرفى:- 284: 14- 382: 4 تنبك- الأمير آخور الظاهرى:- 174: 12 تنبك أمير مجلس- ثم الأتابك:- 40: 7- 63: 9 تنبك البجاسى:- 175: 2- 223: 2- 352: 3، 5 تنبك البردبكى الظاهرى (الأمير الكبير) :- 34: 9- 14- 53: 16- 60: 17- 20- 62: 1، 8- 73: 7- 126: 9- 255: 14، 16- 255: 21 تنبك البواب الأشرفى الخاصكى:- 155: 4 تنبك السيفى جانبك النور:- 276: 5 تنبك المعلم الأشرفى:- 296: 10- 304: 11- 365: 19- 371: 10- 381: 12- 382: 1، 2، 14- 386: 16- 390: 9 تنبك ميق العلائى:- 175: 2 تنكز الناصرى:- 175: 13 تنم بن عبد الله من عبد الرزاق المؤيد الفقيه (أمير سلاح) سيف الدين:- 25: 7، 8- 34: 3، 10- 38: 24- 39: 3، 8- 52: 15، 17- 53: 7، 9- 60: 18- 61: 13، 17- 69: 3- 184: 13، 15- 196: 17- 202: 15- 223: 15- 229: 1- 243: 18- 254: 21- 266: 3- 268: 1- 276: 3- 330: 12- 331: 1، 2، 5، 10- 332: 8، 15- 378: 1- 383: 8 تنم الأجرود الظاهرى:- 390: 18 تنم الحسينى الأشرفى سباى (المعروف بخوبى) :- 48: 5- 50: 1- 51: 6- 68: 6- 151: 17- 157: 15- 196: 19- 264: 21- 267: 4- 270: 8- 284: 1، 3، 21- 296: 8- 362: 14- 361: 7 تنم بن نخشباى الخاصكى الظاهرى المحتسب (المعروف برصاص) :- 30: 11- 153: 10- 260: 19- 266: 5 17: 17، 19- 267: 18- 277: 16- 278: 7- 279: 14- 321: 2، 23- 322: 4- 324: 14، 17 ث ثريا (زوجة الملك الناصر فرج ابن الملك الظاهر برقوق) :- 217: 17 ج جارقطلو السيفى:- 175: 1- 184: 1، 5- 200: 18 جاركس القاسمى المصارع:- 170: 6، 9- 174: 14- 315: 17، 19- 316: 3 جاك الفرنجى:- 125: 18 جاكم بن جوان الفرنجى صاحب قبرس:- 132: 16، 24- 133: 10، 18- 134: 4، 5- 136: 10- 143: 17- 147: 11، 16، 18- 148: 2، 3، 6، 7، 17- 153: 4- 224: 9- 285: 13، 19- 286: 1، 2، 3، 5، 6، 7، 8- 333: 5

جان بلاط:- 109: 21 جانبك بن عبد الله الأبلق الظاهرى الخاصكى- سيف الدين- 153: 4- 221: 16، 18، 19- 224: 3، 8- 229: 1- 238: 7- 239: 16، 17- 244: 12، 16، 19- 245: 8، 10، 11، 13، 19- 260: 1، 6- 268: 12- 278: 5- 284: 21- 285: 14، 15، 18، 20- 286: 1، 4، 7- 333: 1، 6 جانبك بن عبد الله التاجى المؤيدى- سيف الدين:- 27: 4- 84: 12- 92: 5، 7- 93: 4- 128: 15، 18- 223: 14- 269: 9- 274: 19- 283: 17- 284: 2، 4، 21- 285: 1، 4، 5، 6- 317: 6- 332: 16 جانبك بن عبد الله الجكمى:- 95: 4، 6- 115: 3- 316: 18 جانبك بن عبد الله الزينى عبد الباسط الأمير:- 172: 9، 10- 383: 8 جانبك بن عبد الله الشمسى المؤيدى:- 179: 16 جانبك بن عبد الله الصوفى الناصرى المعروف بالمرتد: 88: 6، 8- 105: 20- 126: 12، 13- 200: 12- 266: 14- 269: 11- 276: 6- 285: 7- 288: 18- 293: 18- 355: 1- 339: 8، 13: جانبك بن عبد الله القرمانى الظاهرى- سيف الدين- الدوادار الكبير المعروف بنائب جده:- 22: 4، 6، 12- 26: 14- 27: 13، 17- 28: 1- 29: 2، 4، 20- 30: 12 - 32: 18- 39: 10، 12- 43: 20- 61: 8، 16- 66: 4- 68: 22- 70: 1 93: 1- 108: 12- 112: 1- 141: 5، 6- 149: 6- 152: 11- 188: 3- 224: 3، 8، 9- 238: 3- 239: 7- 256: 17- 257: 7، 8، 9- 258: 2، 11، 15- 268: 14، 20- 270: 16- 277: 11، 16- 279: 14- 282: 14 - 298: 1- 320: 3- 321: 3، 6، 14، 17، 21، 22، 23- 324: 15، 20، 22 جانبك بن عبد الله القوامى المؤيدى- سيف الدين:- 391: 18 جانبك بن عبد الله المحمودى المؤيدى:- سيف الدين:- 69: 12- 182: 6- 205: 19 جانبك بن عبد الله من أمير الأشرفى الظريف- الخازندار- سيف الدين:- 63: 15، 24- 74: 9- 102: 1- 128: 7- 222: 17- 237: 2، 17- 240: 8- 256: 18، 20- 261: 11- 263: 6- 344: 18 جانبك بن عبد الله النوروزى:- 31: 12- 32: 14- 72: 1- 73: 5- 153: 8- 310: 17 جانبك بن عبد الله اليشبكى:- 30: 3- 32: 3- 36: 1- 44: 2- 65: 8، 13- 163: 1- 336: 22 جانبك الإسماعيلى المؤيدى المعروف بكوهية:- 112: 4- 115: 1- 117: 4- 134: 15- 263: 5- 284: 12- 293: 17، 20- 305: 13- 321: 17- 322: 1- 365: 18- 367: 10- 382: 2

جانبك الأشرفى المشد:- 261: 11- 263: 1- 378: 15 جانبك الإينالى الأشرفى المعروف بقلقسيز:- 128: 13- 151: 7- 154: 11- 221: 16، 17، 18، 19- 258: 2، 10- 268: 15- 270: 17- 276: 1- 283: 14- 289: 11، 16- 290: 12- 360: 18- 362: 8- 363: 12- 367: 13- 369: 23- 379: 5، 7- 386: 15- 390: 9- 392: 11- 394: 9، 14 جانبك البواب:- 383: 6 جانبك الحمزاوى:- 59: 10 جانبك قرا الأشرفى:- 31: 6- 96: 16- 301: 6 جانبك قرا الظاهرى- جقمق:- 26: 3- 32: 4 جانبك القرمانى الظاهرى- برقوق- حاجب الحجاب:- 25: 10، 12- 63: 1، 3- 67: 4- 73: 13- 105: 10- 110: 17- 111: 8- 11- 112: 7- 176: 11- 352: 9 جانبك من ططخ الفقيه:- 284: 9- 381: 5 جانبك من قجماس المعروف بدوادار سيدى:- 28: 15، 26- 62: 13، 17- 74: 8- 102: 1- 234: 8، 9، 16، 21- 234: 8، 9، 16، 21- 237- 2، 16- 257: 16 جانبك نائب حلب:- 270: 13 جانبك نائب عمدة جدة:- 237: 3، 11، 16، 19- 242: 14 جانبك الوالى:- 186: 20 جانبيه المجنون:- 139: 3 جانكيزخان (ملك الترك الأعظم) :- 335: 6 جانم بن عبد الله الأشرفى نائب الشام- سيف الدين: 66: 12- 67: 4- 74: 1- 84: 18- 85: 1، 2، 4- 102: 15- 115: 5- 128: 10- 165: 15، 16، 18- 203: 7- 214: 8- 223: 9- 226: 8- 227: 15- 229: 6، 8، 11، 18، 19، 22- 230: 5، 9، 10، 14، 15- 234: 13- 237: 6، 10، 11، 13، 14، 20، 21- 239: 3، 19- 240: 1، 4- 256: 22- 257: 1، 2، 4، 7، 8، 10، 11- 258: 5، 13، 14، 17- 259: 9- 262: 13- 265: 14- 266: 4، 7، 18، 20- 268: 4، 5، 6- 270: 11، 14 22- 271: 1، 3- 274: 2- 275: 1- 331: 5 جانم بن عبد الله المؤيدى المعروف بحرامى شكل:- 106: 2، 22- 128: 16- 129: 3- 183: 4- 343: 14 جانم الأشرف الساقى البهلوان:- 26: 17- 116: 13- 191: 16- 318: 9، 11

جانم أمير شكار:- 284: 14 جانم الدوادار:- 364: 15 جانم الظاهرى الساقى:- 19: 9- 61: 16 جانم قشير:- 364: 17 جانم كسا:- 383: 5 ألجاى اليوسفى- الأمير:- 75: 3 جرباش بن عبد الله الكريمى الظاهرى المعروف بقاشق- سيف الدين:- 33: 5، 13- 34: 4- 183: 9- 330: 22 جرباش المحمدى الناصرى- المعروف بكرد:- 4: 8- 32: 8- 52: 11، 13- 53: 14- 61: 1- 73: 10- 114: 1- 141: 4، 5، 8- 183: 23- 184: 2، 6، 15، 21- 192: 6- 196: 18- 214: 13- 221: 8، 10- 222: 10- 238: 6، 7- 240: 6، 7- 254: 2، 7، 10، 13، 18- 261: 17، 19- 262: 4، 9، 14، 21، 22- 264: 21- 271: 7- 287: 6- 289: 5، 8، 20- 351: 16- 19- 359: 1- 378: 17 جعفر بن يحيى بن خالد البرمكى:- 85: 16 جقمق الأرغون شاوى:- 212: 18 جقمق العلائى:- 183: 16 جقمق المؤيدى:- 383: 5 جكم بن عبد الله النورى المؤيدى- المعروف بقلقسيز:- 106: 2- 111: 1- 112: 3- 188: 13 جكم الأشرفى (خال الملك العزيز يوسف) :- 70: 5- 264: 7- 276: 10- 291: 7، 16- 303: 9 جكم الظاهرى:- 360: 7- 365: 2، 10- 382: 11 جكم قرا أمير آخور الجمالى يوسف:- 364: 17 جكم من عوض:- 9: 7- 316: 19- 335: 16 جكم نائب كركر:- 286: 17 جلبان بن عبد الله- سيف الدين:- 26: 17- 79: 13، 16- 80: 3- 81 16- 84: 12، 13، 15- 85: 3- 202: 4، 6، 8، 17- 174: 10، 13- 202: 10، 13- 214: 10 جمال الدين بن كاتب جكم (الصاحب جمال الدين ناظر الخاص) :- 83: 13- 98: 19- 101: 21- 103: 5- 104: 6- 132: 19- 336: 21 جمال الدين بن نباتة:- 17: 13 جمال الدين الأستادار:- 13: 19

جمال الدين الباعونى:- 290: 8 جمال الدين السنباطى:- 347: 24 الجمالى يوسف:- 162: 20، 23 جميل بن أحمد بن عميرة بن يوسف- المعروف بابن يوسف- جمال الدين:- 311: 17 جهان شاه بن قرايوسف بن قرامحمد:- 108: 15، 17- 114: 16، 22- 350: 5- 351: 10- 384: 1، 11، 13 جوشن (الشيخ جوشن) :- 11: 7 جوهر بن عبد الله الأرغون شاوى الخادم- الرئيس صفى الدين:- 347: 18، 22 جوهر القنقبائى:- 215: 3 جوهر (مقدم المماليك) :- 276: 19 جوهر النوروزى الحبشى (الطواشى الصفوى) :- 185: 9- 225: 17، 261: 7- 292: 5 ح حاج إينال اليشبكى:- 92: 1 حاجى خليفة:- 13: 23 الحاج محمد:- 136: 2 حسام الدين بن حريز- المالكى: قاضى القضاة:- 349: 7 حسن بن أيوب البدرى:- 127: 15- 130: 19 حسن بن بغداد- شيخ العرب:- 191: 9 حسن بك- صاحب ديار بكر:- 318: 10 حسن بن الطولونى- بدر الدين:- 63: 12- 267: 7 حسن بن عجلان (الشريف) :- 338: 12، 13 حسن الطويل بن على بك بن قرايلك:- 108: 15، 17، 19- 114: 23- 267: 1- 268: 3، 6- 270: 12- 271: 1- 273: 4، 7، 8- 288: 14- 343: 12- 384: 12، 13 حسن بن محمد بن أحمد بن الصواف- بدر الدين:- 281: 5- 326: 5 حسن بن المزلق- بدر الدين:- 290: 8 حسن بن نصر الله- الصاحب بدر الدين:- 17: 3 حسن الرهونى المالكى- القاضى بدر الدين:- 344: 3، 20 حسن الطاهر اليمنى- بدر الدين:- 353: 14

حسين بن أبى بكر بن إسماعيل بن حيدر الرومى- سيف الدين:- 96: 21 حسين بن الصواف (قاضى الحنفية بالديار المصرية) - بدر الدين:- 276: 12 حسين نصار (الدكتور حسين نصار) 160: 23 حطط بن عبد الله الناصرى- سيف الدين:- 69: 10، 12- 169: 3 خ خاتون (بنت أبرك الجكمى) :- 346: 12 خالد بن أيوب بن خالد (الشيخ زين الدين) :- 349: 3 خالص التكرورى (نائب مقدم المماليك السلطانية) :- 292: 7 خشقدم بن عبد الله الأرنبغاوى- سيف الدين:- 132: 13، 22- 141: 16- 23- 213: 3 خشقدم بن عبد الله الناصرى المؤيدى:- 40: 7- 45: 16- 49: 9- 60: 21- 62: 7- 62: 9- 73: 8- 87: 5- 89: 7- 90: 16- 91: 1، 21- 105: 16- 108: 20- 109: 11- 111: 5، 7- 152: 4- 196: 12- 211: 14- 219: 13- 220: 9- 221: 3، 6، 9، 14- 222: 6، 14- 226: 15- 223: 19- 237: 1، 15، 20- 239: 3، 7، 17- 242: 18- 243: 4، 5، 7- 244: 4، 8، 10، 18، 20- 245: 11، 22- 246: 4، 7- 247: 2، 18، 21- 255: 16، 18، 20 خشقدم الأحمدى الطواشى الساقى الظاهرى- زين الدين:- 218: 6 خشقدم الرومى اليشبكى- (الأمير الطواشى) زين الدين:- 20: 10- 185: 8 خشقدم مملوك قراجا الأشرفى:- 27: 5 خشكلدى بن عبد الله الكوجكى:- 313: 14 خشكلدى البيسقى:- 285: 11- 291: 5- 295: 18- 19- 296: 12- 363: 18- 356: 17- 364: 8- 379: 15- 386: 17- 387: 10،- 12- 389: 21- 396: 2 خشكلدى الزينى عبد الرحمن بن الكويز- بدر الدين:- 78: 4- 189: 10 خشكلدى قرا الحسنى:- 383: 7 خشكلدى القوامى الناصرى:- 69: 10- 270: 8- 134: 9- 290: 11 خشكلدى المحتسب:- 244: 22 الخليفة القائم بأمر الله أبو البقاء حمزة ابن المتوكل على الله أبى عبد الله محمد العباسى المصرى:- 1: 10- 23: 7، 14- 35: 13- 40: 15- 44: 3- 58: 6- 67: 9- 89: 14- 90: 20- 126: 7- 158: 10- 164: 12- 193: 14-

الخليفة المستكفى بالله أبو الربيع سليمان ابن الخليفة المتوكل على الله أبى عبد الله محمد:- 1: 7، 12- 89: 16- 193: 18 الخليفة المستنجد بالله يوسف ابن المتوكل على الله أبى عبد الله محمد العباسى:- 90: 19- 194: 8: 218: 8- 219: 15- 226: 4- 253: 15- 254: 6- 373: 11 الخليفة المعتضد بالله داود:- 1: 9، 14 خليل بن إبراهيم صاحب مملكة شماخى:- 339: 18 خليل ابن السلطان الملك الناصر فرج بن برقوق بن آنص الجركسى:- 24: 14- 25: 4- 171: 3، 11 خليل السخاوى- غرس الدين:- 3: 14، 15، 23 الخواجا ططج:- 39: 25 الخواجا على بن الصابونى- علاء الدين:- 58: 9، 11، 265: 7 خواجا محمد:- 165: 11 خواجا ناصر الدين:- 255: 5 خورشيد (إبراهيم زكى خورشيد) :- 2: 28 خوند آسية بنت الملك الناصر فرج ابن الملك الظاهر برقوق:- 217: 11 خوند الأحمدية (زوجة السلطان) :- 269: 3- 271: 16- 272: 1- 274: 16- 275: 17- 346: 6 خوند بنت السلطان الملك الظاهر جقمق:- 319: 12 خوند جلبان (زوجة الأشرف برسباى) :- 326: 19 خوند (زوجة السلطان أبى سعيد تمربغا الظاهرى) :- 382: 9 خوند (زوجة السلطان الملك الظاهر خشقدم) :- 288: 7 خوند زينب بنت بدر الدين بن خاص بك:- 247: 15- 248: 2- 251: 13- 317: 14 خوندشاه زادة بنت الأمير أرخن بك بن محمد بك كرشجى بن عثمان:- 178: 17 خوند شقراء بنت الناصر فرج بن برقوق:- 93: 13 خوند كار بن عثمان (متملك بلاد الروم) :- 351: 11 خوند كار محمد بك بن مراد بك بن عثمان:- 70: 16 خوند مغل (أخت القاضى كمال الدين بن البارزى) :- 319: 16 خيربك بن عبد الله المؤيدى النوروزى من حديد الأجرود الأشقر- سيف الدين- 56: 5- 62: 15، 17- 68: 9- 74: 3، 22- 75: 19- 87: 1- 92: 7- 105: 20- 128: 18- 129: 1- 131: 3، 9- 149: 3- 176: 16- 200: 23-

205: 16- 206: 3- 205: 16- 258: 6- 276: 2- 314: 6- 223: 15- 351: 13- 358: 16 خيربك الأشرفى (صاحب تمراز) المصارع:- 32: 16 خيربك البهلوان:- 264: 4 خيربك الخازندار الظاهرى:- 290: 3- 293: 20، 21- 379: 11، 14 خيربك الدوادار:- 306: 4، 6، 11- 356: 17- 357: 1- 361: 14، 17- 366: 1- 368: 2، 4، 5، 9- 372: 6، 7، 10- 381: 1- 384: 8- 385: 14- 386: 5، 6، 7، 17- 387: 6، 13، 17، 18- 388: 12- 389: 1، 16، 17، 19، 21- 390: 1، 10، 18- 391: 13- 396: 1 خيربك القصروى (نائب غزة) :- 99: 9، 21- 105: 15- 136: 21- 153: 8- 239: 20- 240: 15- 244: 4- 246: 6، 10- 259: 12- 269: 13- 275: 4، 5، 7 د داود (النبي عليه السلام) :- 55: 10 داود بن الكويز- علم الدين:- 15: 3، 4- 21: 14 درويش الرومى- الشيخ المعتقد الصالح:- 168: 18 دمرداش السيفى تغرى بردى البكلمشى:- 296: 17 دمرداش الطويل الخاصكى:- 113: 7، 9 دمرداش الظاهرى:- 277: 22- 278: 78 دمرداش العثمانى:- 384: 3 دوزى:- 219: 23- 227: 21- 283: 20- 346: 22- 349: 24 دولات باى الأبوبكرى المؤيدى (الدوادار) :- 216: 11- 301: 7- 358: 10- 383: 9 دولات باى الأشرفى الساقى:- 149: 2، 23 دولات باى حمام الأشرفى:- 382: 13 دولات باى الخاصكى الأشرفى (المعروف بدولات باى سكسن) :- 154: 13- 261: 15 دولات باى الظاهرى:- 131: 10 دولات باى المحمودى المؤيدى الدوادار (سيف الدين) 24: 12- 25: 18- 27: 2- 30: 14- 31: 3، 5، 11، 15- 36: 4- 64: 19- 65: 1، 3، 4، 5- 68: 10، 12- 163: 15، 165: 9، 18، 19- 166: 1، 2، 5، 9، 15- 377: 8، 16، 18 دولات باى النجمى الأشرفى:- 258: 5- 376: 10- 383: 14 ر رستم بن ناصر الدين بك بن دلغادر:- 294: 4

رستم- الأمير- من أعيان عساكر جهان شاه:- 108: 18 رضا محمد باقر بن على:- 248: 23- 249: 22 ز زبير بن قيس بن ثابت- أمير المدينة:- 6: 2 زينب بنت البدرى حسن بن خاص بك- خوند الكبرى:- 111: 16 زينب بنت جرباش الكريمى المعروف بقاشق- خوند زينب:- 215: 9 زين الدين بن الكويز (الزينى بن الكويز) :- 130: 23 زين الدين بن مزهر:- 261: 4- 265: 12- 298: 4- 301: س سالم بن سلامة الحنبلى- مجد الدين:- 172: 13 السبكى (تاج الدين عبد الوهاب) :- 14: 19 السخاوى (محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبى بكر بن عثمان- شمس الدين أبو الخير) :- 2: 16- 18، 20، 22- 3: 19، 23- 4: 19- 5: 20، 23- 6: 18- 8: 22- 9: 21، 22- 11: 13- 12: 16، 19، 20، 21- 13: 16، 27: 14: 17، 22، 26- 15: 23- 16: 21- 18: 18، 19، 24- 19: 15، 24- 20: 26- 21: 19، 20- 30: 18، 23- 31: 18- 20- 33: 18، 20- 34: 15، 17- 35: 24، 26- 39: 24- 78: 17- 93: 16- 93: 19، 22، 24- 95: 23- 106: 21: 22- 107: 20، 23- 112: 21، 23- 122: 21- 125: 20- 126: 22، 24- 127: 21، 23- 141: 23- 147: 20- 148: 22، 24- 164: 23- 165: 22- 170: 20- 172: 19، 22- 177: 21، 22- 178: 24- 181: 21، 22- 185: 24- 186: 21- 187: 18، 23- 188: 23، 24- 190: 21، 22- 191: 21- 192: 23 24- 193: 24- 195: 20- 199: 22- 201: 22- 203: 23- 204: 20، 22، 24: 206: 20- 211: 22- 212: 19- 217: 16، 17- 227: 25- 234: 21- 252: 20- 278: 21- 311: 20، 22، 24- 313: 23- 314: 21، 22- 315: 21- 318: 19، 21- 325: 8- 326: 21- 328: 19- 330: 23- 333: 23- 334: 24- 335: 22- 338: 20، 23- 339: 18، 21، 22- 344: 19، 21- 23، 24- 345: 21، 23- 347: 19، 21- 348: 20، 22- 349: 20، 21، 23- 352: 22- 353: 22- 354: 18، 20، 22- 379: 22 السراج البلقينى:- 12: 9- 185: 13- 190: 6 سعد بن محمد بن عبد الله سعد بن أبى بكر بن مصلح بن أبى بكر بن سعد العبسى الديرى المقدسى الحنفى- سعد الدين:- 10: 6- 73: 19- 271: 9

سعيد عاشور (الدكتور محمد سعيد عاشور) :- 346: 21 سلار (الأمير سلار المنصورى- سيف الدين) :- 115: 22 السلطان إبراهيم بن محمد بن على بن قرمان:- 334: 19 السلطان حسن بن محمد بن قلاوون 42: 14، 20، 24 السلطان خوندكار مرادبك ابن السلطان محمد بك كرشجى بن أبى يزيد بن عثمان:- 2: 10، 14 السلطان صلاح الدين الأيوبى:- 374: 11 السلطان علاء الدين السلجوقى:- 335: 5 السلطان محمد بن مراد بك بن محمد بك كرشجى ابن أبى يزيد بن عثمان:- 2: 13- 82: 16- 95: 12- 339: 5 السلطان مراد بك بن محمد بن عثمان (ملك الروم) :- 340: 4 سليمان بن دلغادر:- 172: 16 سليمان بن عمر الهوارى:- 264: 6- 303: 17، 18- 359: 22 سمام الحسنى الظاهرى- الأمير سيف الدين:- 65: 13- 164: 3 سنطاى قرا الظاهرى (رأس نوبة الجمدارية) :- 32: 16- 66: 1- 92: 15- 228: 8، 9، 13- 270: 10- 272: 6- 317: 11 سنقر بن وبير بن نخبار:- 5: 17 سنقر أستادار الصحبة:- 40: 1 سنقر العائق الظاهرى (الأمير آخور الثانى) :- 32: 1، 3- 39: 17- 61: 15- 62: 15- 64: 6- 65: 20- 205: 21 سنقر قرق شبق الأشرفى الخاصكى الزردكاش:- 92: 7- 103: 20- 104: 1- 106: 17- 133: 19- 149: 11، 13، 18- 150: 11: 15- 151: 11- 159: 13، 15، 239: 18- 264: 10 سوارباى الجاركسية:- 292: 8 سودون بن عبد الله الأبوبكرى المؤيدى- الأمير سيف الدين:- 169: 12- 313: 9 سودون بن عبد الله الإينالى المؤيدى- المعروف بقرقاش حاجب الحجاب:- 66: 7- 68: 6- 89: 3- 110: 11- 128: 10- 134: 7، 8، 20- 141: 2- 150: 19- 153: 1- 154: 9، 17- 310: 11 سودون بن عبد الله الجكمى- الأمير سيف الدين:- 172: 18 سودون بن عبد الله من سيدى بك الناصرى- القرمانى:- 92: 11، 12- 206: 14 سودون بن عبد الله المؤيدى الفقيه الأشقر- الأمير سيف الدين:- 348: 5 سودون بن عبد الله النوروزى السلحدار- الأمير سيف الدين:- 99: 3- 116: 19، 21- 117: 3- 192: 9- 195: 1، 3

سودون بن عبد الله اليشبكى قندورة التركمانى- سيف الدين:- 267: 22- 336: 16- 338: 9 سودون الأفرم الظاهرى الخازندار:- 61: 16- 140: 1- 264: 10- 267: 16- 288: 20- 381: 5- 382: 16 سودون البردبكى المؤيدى الفقيه:- 267: 16- 275: 11- 278: 7- 291: 6- 364: 1- 381: 15- 383: 5 سودون السيفى أحمد بن إينال:- 364: 10 سودون السيفى دمرداش:- 7: 23 سودون الشمسى المعروف بالبرقى:- 277: 21- 278: 1، 8- 282: 10- 337: 2- 385: 3 سودون الصغير الخازندار:- 364: 18 سودون طاز:- 174: 12 سودون الطيار:- 162: 20 سودون قريب الملك الظاهر برقوق (سيدى سودون) 312: 15 سودون القصروى الدوادار:- 109: 11، 12- 276: 20- 363: 17- 364: 2- 386: 16- 390: 9 سودون المحمدى- المعروف بأتمكجى:- 216: 10 سودون من سلطان الظاهرى:- 28: 15- 31: 22 سودون المنصورى الساقى:- 286: 9، 10 سودون من عبد الرحمن- سيف الدين:- 15: 12- 128: 22- 194: 21 سودون يكرك 27: 4 سونجبغا اليونسى الناصرى:- 32: 12، 14- 42: 6، 12- 44: 20- 45: 4- 68: 1، 5- 163: 17- 164: 19- 165: 2، 4- 358: 14 سيباى الظاهرى:- 296: 16- 299: 6- 301: 2 السيد الباز العرينى- الدكتور:- 7: 25 السيد البدوى (ولى الله) :- 275: 23، 24 سيف الدين الحنفى:- 375: 14 السيوطى (جلال الدين) :- 8: 23 ش شادبك بن عبد الله الصارمى- الأمير سيف الدين:- 99: 18- 132: 15- 228: 16- 319: 8 شادبك الجكمى:- 59: 13- 202: 12 شادبك السيفى الجلبانى:- 128: 1، 3- 275: 8، 9 شادبك الصغير الجلبانى:- 291: 11

شاه أحمد بن قرايوسف:- 354: 17 شاه (أخو الأمير سيف الدين ملك أصلان بن سليمان ابن ناصر الدين بك بن دلغاور) :- 345: 13 شاه سوار بضع بن دلغادر:- 293: 7- 294: 5، 6- 302: 9- 303: 8- 361: 1، 3- 362: 3، 6، 7، 14- 364: 4، 20 شاه منصور بن شهرى:- 127: 16- 130: 20 شاهين الزردكاش:- 377: 2 شاهين الطواشى الساقى الظاهرى:- 82: 13- 227: 17 شاهين الفقيه الظاهرى:- 65: 19 شرامراد العثمانى المؤيدى:- 282: 20- 285: 12- 288: 8- 360: 14 شرف الدين بن البقرى:- 231: 6- 265: 8 شرف الدين بن كاتب غريب:- 293: 13- 307: 5 شرف الدين الأنصارى:- 82: 12- 131: 16- 227: 13- 260: 18 شرف الدين المناوى- قاضى القضاة:- 277: 10 الشريف بركات بن حسن بن عجلان:- 92: 18 الشريف محمد ابن الشريف بركات بن عجلان:- 93: 4 الشعشاع الزنديق:- 114: 24 شكرباى الأحمدية الناصرية فرج بن برقوق:- 292: 10 شمس الدين البساطى المالكى:- 14: 4 شمس الدين سامى:- 154: 19 شمس الدين منصور:- 225: 13، 15 الشيال: (جمال الدين الشيال) :- 79: 22- 219: 24- 267: 21 الشيبانى (نائب قلعة حلب) :- 296: 18 الشيخ خروف- أحمد السطوحى الشيخ المعتقد الصالح المجذوب:- الشيخ الخطير، تاج الدين عبد الوهاب بن الشمسى نصر الدين ابن الوجيه توما القبطى. الشيخ على- يار على بن نصر الله العجمى الخراسانى الطويل. شيخون العمرى:- 4: 20 ص الصاحب جمال الدين بن كاتب جكم:- 72: 5 الصارمى إبراهيم بن بيغوت الأعرج:- 267: 21- 298: 2- 360: 13 صالح بن عمر بن رسلان بن نصر البلقينى الكنانى- قاضى القضاة- شيخ الإسلام علم الدين:- 6: 14، 15- 35: 17، 23- 46: 6،

15- 47: 20- 277: 9- 281: 16- 286: 12- 333: 8 صالح الشيتى:- 53: 22- 78: 24 صلاح الدين بن نصر الله:- 205: 4 صلاح الدين المكينى:- 292: 12- 295: 7 صندل (طواشى الملك العزيز يوسف) :- 327: 18 صندل الظاهرى:- 277: 2 ط طاز- مغلباى الأبوبكرى المؤيدى:- طاهر بن محمد بن على النويرى المالكى- الشيخ الإمام- زين الدين:- 18: 3 طرباى الظاهرى البواب:- 175: 4- 184: 2- 294: 12- 360: 7- 364: 9، 14 طرباى المحتسب:- 387: 13، 15 طرفة بن العبد:- 10: 22 ططر- تمرباى بن حمزة الناصرى. الطغرائى (الشاعر) :- 293: 4 طقتمر الناصرى:- 50: 10 طوخ بن الله الجكمى- سيف الدين:- 335: 13 طوخ بن عبد الله من تمراز الناصرى- الأمير سيف الدين:- 40: 8- 50: 8- 60: 19- 73: 9- 113: 12- 191: 20- 214: 2، 13 طوخ الأبوبكريّ المؤيدى الزردكاش:- 151: 10- 264: 9- 285: 9- 367: 12- 373: 18- 379: 19- 382: 18 طوخ- أخو إينال العلائى:- 58: 10، 11، 13- 63: 8 طوخ النوروزى:- 26: 18 طوغان الأشرفى- طوغان شيخ الأحمدى. طوغان إنى تغرى بردى القلاوى:- 109: 22 طوغان السيفى آقبردى المنقار- سيف الدين:- 21: 8 طوغان من سقلسيز التركمانى- الأمير سيف الدين:- 211: 18 طوغان ميق العمرى:- 383: 8 طومان باى الظاهرى:- 268: 11- 269: 15- 277: 22- 278: 1- ظ الظريف- جانبك من أمير الأشرفى برسباى:- ع عائشة بنت عبد الهادى:- 14: 6، 24 العباس- بن عبد المطلب الهاشمى:- 1: 9 عبد الباسط بن خليل الدمشقى- زين الدين:- 15: 6- 197: 20- 205:- 5

عبد الرحمن بن أحمد القلقشندى الشافعى- تقي الدين أبو الفضل:- 349: 5- 354: 8 عبد الرحمن بن الديرى- ناظر القدس:- 191: 4 عبد الرحمن بن عمر بن رسلان البلقينى- جلال الدين: 6: 13- 12: 9- 185: 19- 333: 18 عبد الرحمن بن عبد الغنى بن شاكر بن ماجد بن عبد الوهاب ابن يعقوب بن الجيعان- الرئيس مجد الدين: 2: 4، 17 عبد الرحمن بن عنبر الأبوتيجى الشافعى الفقيه- زين الدين:- 217: 6 عبد الرحمن بن الكويز- زين الدين:- 44: 50- 126: 17- 189: 11- 260: 12 عبد الرحمن بن نصر الله- تقي الدين:- 35: 20 عبد الرحيم بن على بن الحسن بن محمد اللخمى البيسانى العسقلانى ثم المصرى- القاضى الفاضل محيى الدين:- 85: 17 عبد الرحيم بن محمود بن أحمد العينى- القاضى زين الدين:- 9: 23- 10: 16- 20- 147: 2- 215: 6- 244: 22- 271: 17 عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد بن جماعة:- 12: 9- 14: 3، 18- 180: 5 عبد العزيز بن محمد الصغير:- 98: 17 عبد الغفار بن مخلوف السمديسى- القاضى زين الدين:- 354: 3 عبد القادر بن جانم- زين الدين نائب الشام:- 265: 19، 20- 266: 2- 292: 20 عبد قاسم الكاشف:- 255: 14 عبد الكريم بن بركة [بن كاتب المناخ] كريم الدين:- 15: 21- 197: 8، 18 عبد الكريم- شيخ مقام سيدى أحمد البدوى:- 191: 7 عبد اللطيف بن أبى بكر بن سليمان بن إسماعيل بن يوسف ابن عثمان بن عماد- معين الدولة:- 95: 15، 21- 206: 9 عبد اللطيف المنجكى- الطواشى- زين الدين:- 185: 3 عبد الله بن على بن أيوب الدمشقى- الشيخ جمال الدين:- 330: 4 عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله ابن أحمد بن عبد الله بن هشام:- جمال الدين أبو محمد القاضى الحنبلى:- 2: 1، 15 عبد الله بن المقسى- تاج الدين:- 82: 5، 7- 127: 11- 272: 12- 295: 9 عبد الله التركمانى البهسنى:- 212: 5 عبد الله القابونى- جمال الدين:- 95: 12 عبد الله- كاشف الشرقية:- 30: 6- 39: 15- 53: 2، 8- 63: 22- 68: 5 عبد الملك بن مروان:- 341: 10

عبد الوهاب بن الشمس نصر الله بن الوجيه توما القبطى الأسلمى:- 313: 17 عبد الوهاب بن طاهر:- 182: 18 عثمان بن جقمق- المقام الفخرى:- 19: 5 عجل بن نعير أمير عرب آل فضل:- 339: 16 عجيس بن امرئ القيس بن معبد بن المقداد:- 14: 21 عربشاه من أعيان عساكر جهان شاه:- 108: 18 العز التكرورى- محمد بن أحمد بن عثمان بن عبد الله ابن سليمان بن عمر الكتبى التكرورى:- عز الدين بن جماعة- عبد العزيز بن محمد بن ابراهيم ابن سعد الدين بن جماعة:- العز العسقلانى- الحنبلى:- 73: 19 العزيز يوسف (ابن أخت الأمير بيبرس) الأشرفى:- 94: 1- 244: 1- 260: 1- 261: 10 العلاء بن أحمد بن محمد السيرافى الحنفى- علاء الدين: 9: 3 علاء الدين بن الصابونى- القاضى:- 290: 7، 9 علاء الدين السلجوقى:- 109: 19 علان بن عبد الله المؤيدى المعروف بعلان جلق- الأمير سيف الدين:- 148: 10- 211: 8- 55: 20 علان الأشرفى:- 298: 4 علان شلق الظاهرى:- 209: 13 علان شلق المؤيدى:- 127: 19- 128: 1- 135: 14 علم الدين بن جلود:- 274: 13 علم الدين الإسعردى الحصنى:- 122: 7، 21 علم الدين البلقينى:- 73: 19 علم الدين- القاضى كاتب المماليك:- 382: 9- 359: 21 على باى بن طرباى العجمى المؤيدى- سيف الدين:- 77: 18- 169: 6، 13، 18 على بن محمد بن آقبرس الشافعى- القاضى علاء الدين:- 10: 7- 190: 15 على بن أحمد بن على السويفى المالكى- الإمام نور الدين:- 354: 20 على بن أحمد القلقشندى- الإمام العلامة علاء الدين:- 12: 5، 6 على بن إسكندر:- 76: 6- 99: 11، 12- 105: 12- 127: 13- 453: 10، 12- 156: 2 على بن الأهناسى (البرددار) :- 70: 6، 11- 77: 6- 78: 14- 96: 2- 135: 5، 16- 155- 11- 267- 12-

274: 12: 10- 277: 3- 334: 13- 334: 13- 341: 14 على بن إينال الأتابكى:- 7: 9 على بن حسن بن عجلان الحسنى (بن رميثة) :- 8: 6- 179: 8 على بن الشيبانى:- 288: 12 على بن مفلح- علاء الدين:- 127: 8، 20 على الخراسانى العجمى:- 101: 6 على الشيشينى الحنبلى- القاضى نور الدين:- 344: 6 على الطنبذى- نور الدين:- 318: 7 على الطويل- يار على بن نصر الله الخرسانى العجمى الطويل. على مبارك:- 1: 24- 12: 23- 13: 21- 352: 24 على المحتسب:- 195: 14 على المغربى الحنفى- الإمام علاء الدين:- 319: 22 العماد الأصفهانى:- 219: 21 عمر بن إبراهيم بن أبى بكر البانياسى- الشيخ المعتقد المجذوب:- 328: 9، 19 عمر بن على بن شعبان بن محمد يوسف التتائى:- 126: 14، 23 عمر بن قديد القلمطاوى- الإمام العلامة زين الدين:- 20: 4 عمر بن موسى الحمصى الشافعى- قاضى القضاة- سراج الدين:- 185: 11 عمر البلقينى- سراج الدين:- 200: 1 عمر العبادى- سراج الدين:- 147: 1، 19 عمرو بن العاص:- 374: 10 عميرة بن جميل بن يوسف شيخ عربان السخاوة:- 224: 14، 16 عنبر الطنبذى الحبشى- الأمير الطواشى:- 318: 5 عيسى بن عمر الهوارى- أمير عربان الوجه القبلى- الأمير شرف الدين:- 24: 21- 203: 6، 14 غ غيث بن ندى بن نصر الدين- شيخ العربان:- 316: 21 ف الفارابى (إسحاق بن إبراهيم) :- 193: 20 فارس البكتمرى:- 242: 7 فارس الحاجب:- 19: 14

فارس السيفى دولات باى:- 382: 17 فارس مملوك الطواشى فيروز الركنى:- 135: 4، 5 فاطمة بنت الأمير منجك اليوسفى:- 185: 5 فخر الدولة بن بويه:- 248: 22 فرج بن ماجد النحال القبطى المصرى- الوزير الصاحب- سعد الدين:- 30: 10- 69: 5- 77: 5- 82: 1، 6- 83: 9- 85: 10- 86: 8، 11- 94: 18 96: 1، 2- 137: 17- 144: 9- 155: 12- 312: 9 فريد وجدى:- 285: 24 فهيم محمد شلتوت:- 10: 21- 174: 22 فيروز بن عبد الله الرومى النوروزى الزمام الخازندار الطواشى- زين الدين:- 26: 7- 29: 7- 30: 1- 76: 1- 86: 18- 95: 20- 129: 16- 281: 1- 312: 18- 341: 15 فيليپ حتى:- 8: 23 ق قاسم بن جمعه القساسى الحلبى- زين الدين:- 78: 1- 206: 7 قاسم بن عبد الرحمن بن عمر البلقينى الشافعى- القاضى زين الدين أبو العدل:- 188: 18 قاسم جغيته صيرفى اللحم:- 292: 18، 20- 293: 3- 342: 2 قاسم الكاشف- زين الدين:- 84: 5- 274: 17- 275: 14 قاشق- جرباش الكريمى. قانصوه بن عبد الله النوروزى- سيف الدين:- 68: 14- 138: 9، 11، 14، 17، 20، 23- 167: 5، 11 قانصوه الجلبانى:- 284: 1 قانصوه المحمدى الساقى الأشرفى:- 29: 12، 13- 92: 4- 106: 1- 276: 2، 4- 288: 2، 4- 361: 7- قانصوه اليحياوى الظاهرى:- 266: 13- 277: 21- 278: 2- 284: 15- 288: 4- 371: 14- 379: 17، 19- 380: 1- 396: 14، 15 قانم أمير شكار:- 364: 17 قانم (إنى قانباى الجركسى) :- 109: 21 قانم بن عبد الله الأشرفى:- 353: 3 قانم الصغير:- 264: 4 قانم طاز الأشرفى:- 69: 1- 106: 1- 128: 19- 256: 20 قانم طاز الخازندار الكبير:- 261: 13، 15- 264: 11 قانم- قريب أبرك:- 109: 21

قانم من صفر خجا المؤيدى الجاركسى المعروف بالتاجر- أتابك العساكر بالديار المصرية:- 86: 19- 98: 15- 125: 4، 7، 20- 150: 18- 154: 4، 21- 221: 12- 222: 15- 240: 1- 260: 1- 282: 17- 287: 7- 289: 7، 10، 12- 293:- 9- 295: 3، 13، 22- 351: 5، 17-: 358: 20- 359: 8- 378: 17، 18 قانم نعجة الأشرفى:- 151: 11- 284: 14 قانى باى- ابن أخت الظاهر برقوق:- 215: 21 قانى باى بن عبد الله الأعمش الناصرى:- 60: 12- 62: 18- 65: 9- 74: 10- 92: 4، 5- 181: 18- 192: 14 قانى باى بن عبد الله الجاركسى- الأمير آخور الكبير- سيف الدين:- 26: 6- 34: 12، 13- 35: 1- 39: 43: 14- 48: 6- 50: 1، 2، 9- 51: 5- 52: 16- 53: 12- 54: 1- 61: 2، 14- 63: 6- 68: 12- 69: 4- 166: 10- 170: 8- 229: 2- 243: 18- 2 254: 21- 315: 13، 18- 316: 5، 10- 319: 15- 331: 3- 378: 1 قانى باى بن عبد الله الحمزاوى- الأمير سيف الدين:- 26: 18- 35: 7- 78: 7، 9- 84: 5 14- 85: 1- 107: 10، 13، 16- 108: 3 6، 8، 10، 12، 15، 17، 18- 201: 14- 202: 14، 16، 20- 211: 13- 213: 4، 5- 214: 9، 10- 227: 18 قانى باى الأبوبكرى البهلوان:- 58: 18- 59: 19- 168: 7- 184: 20- 202: 3، 11، 12، 16، 20- 203: 1، 2، 5، 6، 8، 10 قانى باى الأشرفى الخاصكى:- 50: 13 قانى باى الأشرفى (المعروف بأخى قانصوه النوروزى) : 140: 20 قانى باى الجكمى:- 267: 20 قانى باى الحسنى المؤيدى:- 284: 3- 294: 7، 9- 285: 4- 361: 6- 364: 4 قانى باى الساقى الظاهرى:- 279: 3- 280: 23- 284: 15- 388: 20 قانى باى طاز بن عبد الله البكتمرى- الأمير سيف الدين 288: 12- 338: 5 قانى باى المحمودى الظاهرى المشد:- 264: 14- 363: 13، 19، 22 قانى باى المشطوب:- 89: 13 قانى باى المؤيدى (المعروف بقراسقل- الأمير سيف الدين) :- 28: 25- 61: 17- 134: 14- 207: 7 قانى باى ميق:- 383: 6 قانى باى اليوسفى- الحاج خليل:- 119: 1 قانى باى اليوسفى المهمندار:- 97: 12- 194: 10، 14، 15 قانى بك السيفى يشبك من أزدمر:-

32: 14، 17- 154: 12- 270: 9- 382: 12 قانى بك المحمودى المؤيدى:- 68: 15، 16- 182: 7- 200: 11- 263: 3- 265: 5- 276: 16- 290: 13- 293: 10- 305: 13- 359: 18- 362: 4، 5، 8- 367: 9- 375: 13، 20- 379: 6- 388: 20 قايتباى الأشرفى:- 27: 1 قايتباى المحمودى الظاهرى المشد:- 114: 19- 258: 1- 268: 10- 269: 8- 279: 21، 23- 280: 5، 6، 9، 10- 284: 7، 9- 293: 10- 306: 14- 363: 15، 16- 369: 23- 369: 23- 373: 16- 374: 1- 375: 21- 379: 16- 380: 19- 385: 15، 18- 386: 3، 10- 389: 2، 4، 6- 390: 5، 8، 14، 21 قايت- البواب:- 364: 13 قجماس الظاهرى:- 303: 19- 388: 20 قديدار- الأمير سيف الدين:- 195: 13، 22 قراجا بن عبد الله العمرى الناصرى- الأمير زين الدين: 30- 5- 264: 19، 20- 343: 5 قراجا الأشرفى الطويل الأعرج:- 57: 5- 131: 6، 11- 151: 12: 12- 155: 1- 240: 13- 250: 10، 11 قراجا الظاهرى جقمق:- 33: 15، 16، 17- 38: 16- 40: 16- 8- 54: 4- 59: 5- 62: 9- 66: 18- 67: 3، 5، 6- 67: 22- 128: 3- 148: 9- 129: 4- 184: 14- 242: 7- 251: 5- 265: 21- 266: 1، 2- 361: 7 قراخجا الحسنى:- 166: 11 قراسقل- قانى باى المؤيدى- الأمير سيف الدين. قراقاش- سودون بن عبد الله الإينالى المؤيدى قراقوش (الطواشى بهاء الدين) :- 328: 21 قرايلك:- 18: 13 قرايوسف بن قرامحمد:- 194: 11، 13 قرق شبق- سنقر الأشرفى الزردكاش. قرقماس- أحمد بن محمد بن مكى بن محمد بن عبيد بن عبد الرحيم الأنصارى- القاضى شهاب الدين. قرقماس الأشرفى الجلب:- 31: 9، 11- 36: 7، 9- 40: 9- 61: 6- 73: 12- 87: 5، 9- 91: 2، 21- 105: 9- 221: 10، 13- 234: 7- 254: 12- 259: 13- 266: 11، 17- 270: 7- 286: 15، 16- 287: 7- 303: 21- 304: 12، 13- 306: 2- 329: 5، 10، 11، 14، 19- 351: 14- 359: 1، 13- 360: 8- 362: 5- 364: 18- 376: 9- 382: 19، 21- 384: 15 قرقماس الشعبانى:-

183: 22- 184: 10 قرم خجا بن عبد الله الظاهرى:- 215: 14 قشتم بن عبد الله المحمودى الناصرى- سيف الدين:- 29: 9، 10- 167: 16 قصروه من تمراز:- 183: 17، 23- 255: 10 قطب الدين الخيضرى:- 360: 11 قطلباى الأشرفى:- 301: 7 قطى الدوكارى:- 39: 15 قلقسيز- جانبك الإينالى الأشرفى قلقسيز- جكم النورى المؤيدى قلطباى الأشرفى:- 276: 2 القلقشندى (أبو العباس أحمد بن على) :- 7: 25- 28: 23- 49: 23- 97: 24- 109: 24- 113: 19، 21- 249: 22 قلمطاى الإسحاقى الأشرفى- برسباى:- 19: 1، 14- 68: 6- 81: 23- 106: 1- 270: 9- 303: 22- 360: 8- 376: 9- 382: 19 قلمطاى العثمانى الدوادار:- 9: 8 قليج بن أرسلان:- 168: 21 قنبك الصغير الأشرفى:- 270: 9 قوزى الظاهرى الساقى:- 32: 15، 16- 91: 14، 15 قوصون: 53: 15، 17- 389: 4 القوف- إبراهيم الحلبى- برهان الدين. قيدان الرومى- مظفر الدين:- 328: 21 قيز طوغان العلائى الأستادار- الأمير سيف الدين:- 209: 11 ك الكاتب- محمد الحنفى الرومى شمس الدين. كرتباى الأشرفى:- 261: 14 كزل بن عبد الله السودونى المعلم- سيف الدين:- 25: 14- 39: 14- 53: 2، 8- 81: 23- 150: 1، 7- 312: 12 كسباى بن عبد الله الششمانى الناصرى ثم المؤيدى- سيف الدين:- 129: 7- 133: 15- 151: 9- 284: 13- 288: 21- 291: 4- 292: 17- 346: 15 كسباى الظاهرى الخشقدمى الدوادار:- 252: 2- 291: 17- 379: 13- 381: 1- 385: 17- 386: 7- 387: 14، 15، 16 كسباى المؤيدى السمين:- 117: 3، 5- 153: 7، 9- 371: 14- 379: 18 كمال الدين بن البارزى:-

15: 18- 16: 8- 17: 20- 186: 8- 205: 2، 7- 319: 16 كمشبغا بن عبد الله السيفى نخشباى- سيف الدين:- 270: 3- 282: 9- 334: 1، 3 كمشبغا الظاهرى- برقوق- المعلم:- 49: 20 كمشبغا الفيسى:- 153: 21 كوهية- جانبك الإسماعيلى المؤيدى. ل لاجين الظاهرى جقمق:- 26: 1، 4- 39: 16- 42: 8- 61: 15- 62: 13- 163: 9- 223: 1- 285: 8- 381: 5 لسان الدين- حفيد القاضى محب الدين بن الشحنة:- 271: 13 لسترنج:- 97: 19: 109: 20- 114: 21- 168: 21 لؤلؤ الرومى الأشرفى:- 76: 2- 79: 7- 261: 8 الليث بن سعد بن عبد الرحمن المصرى- الإمام أبو الحارث:- 211: 6- 322: 4، 22 م مالك بن أنس- الإمام:- 203: 17 ماير (ل. ا. ماير) :- 53: 22- 65: 23- 78: 23 مبارك- شيخ عرب بنى عقبة:- 200: 17- 301: 9، 11- 303: 10- 360: 16، 18 المتنبى (أبو الطيب أحمد بن الحسين) :- 232: 14 مثقال الظاهرى الحبشى- زين الدين:- 277: 1- 292: 6 مجد الدين بن البقرى- الصاحب:- 225: 14، 21- 277: 4- 282: 18- 283: 8- 341: 4 محب الدين الأشقر- كاتب السر:- 16: 1- 35: 15- 45: 19- 67: 10- 71: 20- 110: 12- 129: 13 محب الدين بن الشحنة قاضى القضاة وكاتب السر:- 71: 19- 77: 2- 129: 12- 130: 14- 205: 8، 9- 218: 12- 226: 3- 258: 12- 271: 8، 11- 13- 276: 12- 281: 4- 292: 10، 15- 295: 4- 326: 12 محب الدين الطبرى (محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن أبى بكر بن محمد بن إبراهيم بن أبى بكر) :- 93: 7، 18 محمد (صلى الله عليه وسلم) :- 56: 7 محمد بن أبى بكر القمنى- محب الدين:- 178: 15 محمد بن أبى بكر بن محمد بن حريز بن أبى القاسم بن عبد العزيز بن يوسف- حسام الدين:- 107: 5، 18 محمد بن أبى الفرج الناصرى- ناصر الدين:- 27: 14- 30: 4، 8- 76: 4- 83: 7- 84: 2- 209: 16- 233: 5:

محمد بن أبى القاسم الشدالى البجائى المغربى- أبو الفضل: 311: 7 محمد ابن الأتابك جرباش المحمدى:- 93: 12- 271: 6- 274: 5، 7 محمد بن أحمد بن أبى بكر الفوى- الشيخ الربانى المعتقد الصوفى:- 179: 20 محمد بن أحمد بن حسين:- 204: 12 محمد بن أحمد بن عبد الله بن المخلطة- ناصر الدين:- 170: 15 محمد بن أحمد بن عثمان بن عبد الله بن سليمان بن عمر الكتبى التكرورى:- 165: 6، 21 محمد بن أحمد بن عثمان بن تعيم بن مقدم بن محمد بن حسن بن محمد بن عليم- القاضى شمس الدين أبو عبيد الله البساطى:- 12: 11، 17 محمد بن أحمد بن على بن حجر العسقلانى- القاضى بدر الدين:- 339: 4، 7 محمد بن أحمد بن محمد بن عثمان بن أيوب- ناصر الدين بن أصيل:- 227: 14، 24 محمد بن أحمد بن محمد- القاضى شمس الدين المعروف بابن زباله:- 2: 7، 21 محمد بن أحمد الفطويسى الإسكندرى- تاج الدين:- 336: 12 محمد بن أحمد القرافى- شمس الدين:- 325: 1 محمد بن أحمد المحلى الشافعى المصرى:- 209: 4 محمد بن الأهناسى- البرددار:- 135: 16، 17- 334: 15- 341: 14 محمد بن إينال:- 99: 6- 111: 17- 113: 16- 115: 8- 155: 8- 248: 1- 249: 20- 250: 9، 17- 251: 14، 17، 19، 20- 255: 2 محمد بن بركات بن حسن بن عجلان- الشريف صاحب مكة:- 92: 18- 93: 2- 338: 15، 18 محمد بن الثلاج- ناصر الدين:- 96: 15 محمد بن جقمق- المقام الناصرى:- 170: 11- 245: 18 محمد بن حسن بن على بن عثمان النواجى- شمس الدين: 177: 4 محمد بن زهرة:- 199: 21 محمد بن السابق الحموى الشافعى:- 178: 10 محمد بن سليمان بن داود الجزولى- الإمام الفقيه العالم المغربى:- 203: 18، 22 محمد بن ظهيرة المخزومى- كمال الدين أبو الفضل:- 216: 20 محمد بن عامر- القاضى شمس الدين:- 172: 4 محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن رسلان البلقينى- القاضى تاج الدين:- 6: 9، 14، 17

محمد بن عبد الرحيم الهيثمى- محب الدين أبو البركات: 204: 4 محمد بن عبد الله بن خليل البلاطنسى- شمس الدين أبو عبد الله:- 199: 17- 200: 9 محمد بن عبد المنعم البغدادى الحنبلى- بدر الدين:- 10: 14 محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد بن مسعود السيرامى- كمال الدين:- 187: 7 محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن أبى بكر الطرابلسى- القاضى ظهير الدين:- 181: 7 محمد بن عثمان بن سليمان بن رسول بن أمير يوسف ابن خليل بن نوح الكرادى القرشى- القاضى محب الدين:- 204: 13 محمد بن على بن محمد- المعروف بابن الفألاتى- شمس الدين:- 349: 11، 24 محمد بن على الأنصارى- بهاء الدين:- 13: 23 محمد بن فرج بن برقوق:- 171: 7، 10 محمد بن القطان الشافعى- بهاء الدين:- 385: 11 محمد بن كزل بغا الحنفى- ناصر الدين:- 12: 14 محمد بن كلبك- ناصر الدين:- 162: 18 محمد بن المبارك الناصرى- ناصر الدين:- 288: 20- 294: 8- 362: 13، 15، 17- 364: 6 محمد بن محمد بن أبى الخير محمد بن عبد الله بن فهد الهاشمى- تقي الدين أبو الفضل:- 352: 19، 22 محمد بن محمد بن أحمد- المعروف بالنحاس- زين الدين أبو الخير:- 210: 3 محمد بن محمد بن إسماعيل بن يوسف بن عثمان بن عماد الحلبى- شمس الدين:- 3: 13، 22 محمد بن محمد بن حسن- أبو الفضل- المعروف والده بالشيخ الحنفى:- 334: 7 محمد بن محمد بن السحماوى- شمس الدين:- 335: 7 محمد بن محمد بن عبد السلام- الإمام العالم الفقيه عز الدين:- 311: 12 محمد بن محمد بن عبد اللطيف بن اسحاق بن أحمد ابن اسحاق بن إبراهيم- ولى الدين أبو البقاء:- 107: 6، 22 محمد بن محمد بن عبد المنعم البغدادى الحنبلى- بدر الدين 164: 10 محمد بن محمد بن عثمان بن البارزى- القاضى ناصر الدين:- 15: 2- 16: 13 محمد بن محمد بن على بن محمد بن حسان الموصلى المقدسى ثم القاهرى- المعروف بابن حسان- شمس الدين:- 3: 10، 18

محمد بن محمد بن محمد بن عثمان بن عثمان بن محمد بن عبد الرحيم بن هبة الله البارزى الحموى الجهنى- كمال الدين أبو المعالى:- 13: 4- 15: 4- 16: 17 محمد بن محمد بن محمد بن الحسين بن على بن أبى أحمد ابن عطية بن ظهيرة المكى المخزومى الشافعى- جلال الدين أبو السعادات:- 93: 7، 15- 186: 1 محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسين- محب الدين 186: 4 محمد بن محمد بن محمد- العلاء أبو عبد الله البخارى العجمى الحنفى:- 15: 16، 19، 22 محمد بن محمد الفاقوسى- القاضى محب الدين:- 205: 13 محمد بن محمد المالكى السكندرى- المعروف بابن المخلطة- القاضى بدر الدين:- 344: 8 محمد بن النبراوى الحنفى- القاضى ناصر الدين:- 204: 10 محمد بن يوسف بن كاتب جكم- ناظر الجيوش- كمال الدين:- 295: 8 محمد الأسيوطى الشافعى- القاضى فخر الدين:- 347: 5 محمد الأيكى العجمى الشافعى- الشريف عفيف الدين أبو بكر:- 11: 2 محمد البباوى- المعلم ثم الوزير شمس الدين:- 242: 1- 278: 10، 14، 15- 283: 9، 12، 20- 293: 1- 340: 7، 11، 19- 341: 1، 5، 7، 16، 18 محمد البخارى الحنفى- العلامة علاء الدين:- 12: 10- 14: 4، 5- 200: 4 محمد الحلبى- المعروف بابن ألتغا- ناصر الدين:- 6: 3 محمد الحموى- الإمام الواعظ شمس الدين:- 207: 3 محمد الحنفى الرومى- شمس الدين:- 4: 1، 6، 7 محمد الخيضرى- قطب الدين:- 127: 8، 22 محمد الدمشقى- قوام الدين:- 173: 4 محمد رمزى:- 358: 21 محمد السفارى- المعتقد:- 5: 5، 8 محمد السنباطى- قاضى القضاة ولى الدين:- 187: 3، 18 محمد الصغير القازانى- ناصر الدين:- 173: 8 محمد القساسى- ناصر الدين:- 130: 17 محمد الكاتب- أبو الفتح:- 212: 13 محمد المازونى- الأستاذ المادح المغنى ناصر الدين:- 192: 16، 24 محمد مصطفى زيادة- الدكتور:- 9: 24- 39: 20 محمد المغربى- الشيخ المعتقد المجذوب:- 121: 16- 177: 19 محمود بن الديرى:- 231: 7

محمود بن عمر القرمى- القاضى أفضل الدين:- 314: 13، 21 محمود أبو رية:- 275: 24 مخلع- محمد القساسى. مدين الصوفى المالكى- العارف بالله:- 191: 12 المرتد- جانبك بن عبد الله الناصرى. مرجان الحبشى الطواشى:- 100: 20، 21- 101: 3 مرجان الحصنى الحبشى الطواشى- زين الدين:- 117: 11، 12- 126: 5- 225: 18- 312: 1 مرجان العادلى المحمودى الطواشى:- 79: 8، 23- 88: 7 معز بن هجان بن وبير بن نخبار- الشريف:- 5: 18- 172: 7 مغلباى بن عبد الله الشهابى:- 39: 14- 174: 4 مغلباى البجاسى:- 92: 11، 20- 264: 8، 18 مغلباى الساقى- ابن أخت الأمير قايتباى:- 364: 16 مغلباى طاز الأبوبكرى المؤيدى:- 134: 16- 155: 3- 200: 11، 15- 223: 8، 18- 227: 15- 265: 10- 267: 15- 269: 11- 284: 5، 6- 296: 11- 321: 17- 367: 10- 375: 21 مغلباى الظاهرى:- 276: 5- 364: 8، 9- 381: 11، 12، 14- 386: 18- 389: 21 مقبل بن هجار بن وبير:- 172: 8- 242: 8 المقريزى (أحمد بن على- تقي الدين) :- 9: 10- 12: 26- 13: 20- 19: 23: 23- 22 - 39: 20- 42: 21- 96: 22- 98: 22 - 195: 22- 276: 21- 287: 14- 302: 22- 322: 23- 328: 23، 25- 334: 22- 357: 24 المقوقس:- 176:- الملك الأشرف أحمد بن الملك العادل سليمان:- 18: 12 الملك الأشرف إينال العلائى الظاهرى:- 55: 6، 17- 57: 1، 3، 14- 58: 10، 11، 13- 61: 19- 62: 4- 65: 2، 4- 67: 7- 68: 18- 69: 17- 72: 16- 78: 9، 16- 81: 6، 8- 82: 11- 87: 3- 89: 10- 91: 9- 107: 14- 108: 3- 114: 4- 118: 3- 150: 8- 152: 13- 155: 17- 156: 4- 157: 1، 2، 12، 18، 19- 161: 8- 162: 163: 20- 166: 20- 170: 13- 174: 1، 8- 176: 13، 22- 177: 20- 180: 15- 181: 1- 182: 2- 183: 1، 7- 186: 20- 188: 9، 16- 189: 8- 190: 1، 11- 192: 14- 194: 1، 2، 4، 12، 14، 15- 196: 19- 197: 1- 199: 1، 11- 202: 4، 17- 203: 1، 2، 5، 7- 205: 21- 206: 18- 207: 18- 208: 3- 209: 1- 213: 11، 18- 214: 5، 15- 216: 3، 12- 218: 11، 14، 18- 223: 2-

224: 19- 228: 9، 10- 230: 6- 231: 4- 235: 241: 17: 4- 242: 11: 14، 22- 243: 17- 248: 13- 249: 13- 251: 7، 17- 252: 14- 258: 20- 282: 14- 291: 9- 310: 6- 311: 15- 316: 9- 319: 22- 324- 10، 18- 336: 2- 343: 18- 345: 4- 347: 1- 351: 12- 352: 7، 13- 353: 6- 358: 11- 358: 15، 18- 365: 11- 376: 1- 377: 19، 20، 22- 378: 7 الملك الأشرف برسباى الدقماقى:- 9: 14- 10: 1، 3، 5- 12: 22- 15: 9- 18: 13- 21: 17، 18- 31: 10- 58: 17- 59: 1، 3، 4، 13، 16- 62: 21- 66: 13- 68: 20- 162: 21- 163: 18- 165: 14، 15، 17- 167: 9- 168: 5- 174: 18- 175: 4- 176: 21- 178: 18- 179: 7- 180: 7- 183: 16، 19- 186: 22- 187: 14- 190: 9- 191: 18- 192: 12- 195: 2- 196: 3- 199: 8- 200: 11- 202: 1- 205: 2- 207: 16، 17- 287: 10- 326: 20- 327: 1، 2- 329: 7، 8، 9- 330: 16- 345: 2، 21- 351: 9- 353: 5- 358: 1- 381: 12- 395: 9 الملك الأشرف خليل بن قلاوون:- 357: 21 الملك الأشرف شعبان بن قلاوون:- 75: 3 الملك الأشرف قايتباى المحمودى:- 252: 10- 391: 1، 2، 3، 11، 12، 17، 20، 22- 392: 4، 7، 8، 10، 16- 393: 2- 394: 2، 6، 7، 13- 395: 7، 17- 396: 10، 14، 16، 17 ملك أصلان بن سليمان بن ناصر الدين بك بن دلغادر:- 172: 17- 292: 3- 345: 9 الملك الأفضل بن شاهنشاه:- 384: 13، 23 الملك خلف الكردى- صاحب حصن كيفا:- 273: 6، 13 الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن محمد بن قلاوون:- 23: 18 الملك الظاهر برقوق:- 7: 10- 9: 4، 5، 8- 18: 17- 20: 13: 14- 24: 22- 25: 4، 10- 34: 24- 55: 11- 58: 11، 12- 74: 6- 75: 12، 16- 188: 6- 196: 2- 213: 15- 215: 1، 15، 21- 253: 6- 256: 8، 9- 261: 18- 312: 15، 16- 370: 12 الملك الظاهر بيبرس البندقدارى:- 341: 10 الملك الظاهر تمربغا الظاهرى:- 252: 7- 370: 6- 371: 15- 373: 2، 6، 19- 374: 2، 6، 14- 376: 6، 19- 377: 22- 378: 1، 3، 4- 379: 3- 379: 19- 380: 4، 6، 8، 12- 383: 1، 11- 384: 17- 385: 18- 386: 8، 20، 21- 387: 2، 4، 8- 388: 17- 379: 6، 7- 390: 1، 2، 3، 7، 10، 14، 16، 19- 391: 8، 12، 14، 17، 21- 392: 2، 3،

7، 8، 15، 17، 19- 393: 5- 394: 6، 10- 395: 17 الملك الظاهر جقمق العلائى الظاهرى:- 1: 1، 11- 4: 3، 10- 5: 6- 7: 9، 10، 14- 8: 3، 13- 12: 1- 13: 7- 17: 1، 17- 19: 1- 20: 26- 21: 2، 9- 22: 1- 23: 6- 25: 1، 3، 17- 26: 8- 27: 11- 29: 14، 16- 36: 5- 46: 11- 59: 18- 60: 2، 4، 6- 64: 15- 68: 18- 79: 4- 89: 16، 17- 92: 25- 123: 21- 162: 8، 22- 164: 22- 166: 1، 17- 167: 10- 168: 7، 12، 14- 169: 9، 11- 170: 9، 10- 171: 13، 16- 172: 1- 174: 7- 175: 6- 176: 108- 178: 18- 179: 8، 11- 180: 13- 181: 12- 182: 2، 9- 184: 7- 185: 7- 186: 18- 187: 15- 188: 8- 190: 18- 191: 2- 192: 12- 193: 18- 195: 4، 7- 196: 9، 12، 14- 200: 14، 16، 19- 202: 10، 14، 21، 22- 205: 5، 18، 19- 206: 16- 207: 10- 209: 15- 210: 8، 14- 212: 8، 11- 213: 10، 17، 20- 215: 11- 216: 8- 223: 4- 242: 12، 23- 243: 15- 248: 11- 255: 11، 12، 13- 255: 15، 21- 316: 2، 4، 5، 8- 324: 7، 17، 19- 327: 5، 8، 9، 14، 20- 328: 1، 2، 4- 330: 17، 20- 332: 11، 15- 334: 2- 339: 12، 14- 343: 7، 16- 345: 2- 346: 18- 351: 9- 352: 6- 354: 24- 358: 4، 7، 9- 376: 4- 377: 2، 3، 13- 381: 8- 395: 9 الملك الظاهر خشقدم:- 31: 20- 226: 15- 229: 9- 230: 12- 237: 14، 15، 19- 241: 1، 9، 11، 17- 249: 1، 19- 251: 12- 252: 7، 16، 17- 253: 1، 3، 9، 11- 254: 14، 16- 255: 3، 9، 11- 256: 7، 10- 257: 4، 8، 10- 258: 3، 17، 18، 22- 260: 21- 262: 5- 277: 18- 279: 16- 280: 4- 290: 2- 294: 2- 298: 9- 300: 4- 301: 15، 17- 306: 17- 307: 11، 13- 310: 2، 10- 315: 2، 16- 316: 10، 16- 318: 2، 11- 319: 1، 20- 322: 9، 15، 20- 326: 2- 328: 12- 331: 3، 4- 335: 11- 338: 2- 340: 17، 20- 343: 2- 345: 4، 12- 346: 6، 8، 13، 14- 347: 1- 351: 2، 15، 17، 18- 352: 14، 15- 356: 8، 10، 15، 17، 21- 358: 19- 359: 2، 3، 10- 361: 4- 363: 10- 378: 11، 16، 18، 20- 381: 13، 18- 395: 12 الملك الظاهر ططر:- 4: 6، 7- 58: 16- 167: 8- 182: 9- 192: 20- 201: 20، 21- 206: 16- 207: 15 الملك الظاهر يلباى المؤيدى:- 328: 1- 356: 2، 8، 16- 357: 14-

359: 16- 360: 21- 361: 11- 362: 1، 23- 363: 2، 6، 11- 365: 7- 366: 5- 367: 2، 18- 368: 1، 3، 6، 11، 14، 20- 369: 14- 370: 3، 6، 8، 14، 21- 374: 6- 378: 21- 379: 21- 380: 2- 390: 3، 7- 395: 15 الملك العادل كتبغا المنصورى 370: 11- 388: 13 الملك العزيز يوسف بن برسباى:- 36: 8- 70: 6- 106: 13- 221: 14، 15- 239: 12- 243: 15، 16، 21- 248: 11- 259: 14- 276: 10- 291: 8- 316: 2- 326: 16، 20- 327: 1، 3، 22- 328: 3، 6- 329: 13، 21- 351: 8- 358: 2، 5- 378: 15 الملك الكامل خليل ابن الملك الأشرف أحمد ابن الملك العادل سليمان:- 18: 6، 11 الملك المسعود بن رسول- ملك اليمن:- 182: 17 الملك المظفر أحمد بن شيخ المحمودى:- 58: 16- 1823: 9- 196: 4- 201: 20- 255: 9- 351: 7 الملك المظفر بيبرس الجاشنكير:- 256: 9- 281: 20- 369: 17 الملك المعز أيبك التركمانى:- 373: 5 الملك المنصور حاجى بن قلاوون:- 55: 11 الملك المنصور عثمان بن جقمق:- 22: 2- 23: 1، 3- 24: 1، 6، 9، 11، 15- 25: 2، 6، 16- 26: 1، 5، 16- 27: 9- 28: 11، 13- 29: 12- 30: 13- 35: 9، 11، 15- 36: 17- 37: 20- 38: 2، 4- 39: 1، 6، 8، 13، 17- 40: 13، 19- 41: 1، 2، 15، 20- 42: 7، 9، 11- 43: 1، 3، 13- 44: 3، 7، 12، 14، 15، 19، 23- 45: 2، 8، 10، 11، 12، 17- 46: 5، 7، 8، 10، 20- 48: 2، 4، 8، 9- 49: 1، 3، 15- 50: 11- 51: 3، 7- 52: 10، 16، 18- 53: 11- 55: 3، 4، 8، 15، 18، 20- 56: 6- 57: 4، 7- 60: 6، 7- 64: 14- 65: 3- 72: 15، 16، 17- 73: 2، 3- 81: 7- 89: 11، 18- 157: 3، 16، 17- 162: 4- 166: 17- 171: 16، 17- 174: 7- 176: 11- 181: 15- 184: 14- 194: 1، 2- 196: 17- 202: 22- 208: 3- 216: 3، 4، 11- 239: 2، 13- 242: 12، 22- 243: 17، 21- 244: 1- 248: 12- 250: 3- 259: 14- 316: 9- 328: 5- 330: 21- 331: 1، 2- 358: 8- 376: 4، 7- 377: 14، 15، 19، 20، 23- 395: 11 الملك المنصور عمر بن على بن رسول:- 182: 17 الملك المنصور قلاوون:- 12: 25 الملك المنصور لاجين المنصورى:- 373: 6 الملك المؤيد أحمد بن إينال:- 156: 21- 218: 1، 9، 15، 17- 220:

5، 11- 221: 20- 222: 5- 224: 17- 225: 3، 8، 9- 226: 2، 9، 15- 227: 10، 16- 228: 1- 229: 5، 12- 230: 6، 12، 13، 18- 231: 6، 13، 21- 232: 3- 233: 2، 5، 13، 15- 234: 14، 20- 235: 1، 6، 10، 13، 18- 237: 9- 238: 1، 21- 239: 2، 5- 240: 10، 12، 16، 18- 241: 2، 6، 13، 14- 242: 19- 243: 1، 5، 6، 8، 13- 20- 244: 1، 2، 7، 10، 11، 11- 245: 7، 9، 21- 246: 8، 9، 11، 19، 20- 247: 3، 7، 12، 22- 248: 14، 15، 20- 249: 4، 18، 20- 250: 5، 16، 17- 251: 5، 8، 10، 11، 20، 21- 252: 4، 8، 15، 19- 253: 12، 14، 17، 18- 255: 1، 7، 8- 256: 2، 5- 257: 3- 259: 17- 310: 6، 8- 317: 14- 336: 7- 348: 7- 351: 14- 352: 13- 376: 1 الملك المؤيد إسماعيل- صاحب حماة:- 17: 13 الملك المؤيد شيخ المحمودى:- 19: 13- 31: 18- 36: 11- 51: 16، 18- 165: 12، 13- 167: 8- 168: 4- 169: 7، 8- 171: 7، 8- 174: 15- 176: 9، 19- 179: 17- 182: 1، 8- 183: 7، 15- 186: 17- 188: 7، 15- 189: 7- 195: 1- 200: 10- 201: 18، 19- 205: 17- 207: 9- 209: 14- 211: 10- 216: 7- 255: 7- 313: 11- 316: 1، 17- 319: 21- 330: 15- 332: 10- 343: 16- 348: 7- 351: 7- 357: 18 الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون:- 302: 20 الملك الناصر فرج بن برقوق:- 13: 19- 14: 1- 51: 17- 54: 18- 58: 14- 74: 18- 75: 1، 12- 163: 16- 174: 6- 176: 7- 182: 1- 183: 14- 186: 16- 188: 21- 192: 2- 206: 15- 213: 16- 217: 11- 261: 22- 316: 15- 339: 10- 343: 6، 17- 346: 11 الملك الناصر محمد بن الأشرف قايتباى:- 396: 12، 16 الملك الناصر محمد بن قلاوون:- 195: 22- 328: 23- 357: 23 ممجق اليشبكى الخاصكى:- 50: 12 منصور بن الصفى- شمس الدين:- 118: 1- 135: 11، 17- 136: 3- 137: 11، 19- 146: 21- 151: 19، 20- 152: 8- 225: 13، 15، 22- 275: 13- 276: 8- 288: 9- 291: 19- 292: 1- 294: 1- 349: 6 منطاش (تمربغا بن عبد الله الأفضلى) :- 183: 13 موسى بن كاتب غريب- شرف الدين:- 299: 3 موسى بن محمد بن موسى (الأمير صاحب حلى ابن يعقوب ببلاد اليمن:- 338: 10، 19

موسى بن يوسف بن الصفى الكركى:- 193: 6 موسى الأنصارى- شرف الدين:- 129: 15، 21- 132: 19- 201: 8- 213: 4- 215: 12- 227: 13- 274: 11- 353: 18 موسى (جد موسى بن محمد) وهو موسى السهمى:- 338: 12، 19 ن ناصر الدين بن أبى الفرج:- 99: 12- 156: 7 نخشباى:- 334: 1، 2 نانق المحمدى الظاهرى:- 131: 19- 278: 8- 284: 8، 10، 23- 295: 15، 19- 296: 4، 15- 299: 5- 301: 4 نصر الله بن النجار- شمس الدين:- 85: 10 نور الدين بن الإنبابى:- 271: 12- 272: 4 نور الدين الطنبذى:- 76: 3 نوروز الإسحاقى:- 261: 14 نوروز الأعمش الأشرفى:- 109: 9 نوروز الحافظى:- 21: 11- 75: 1- 167: 7- 192: 11- 199: 6- 312: 20 نوكار بن عبد الله الناصرى- سيف الدين:- 42: 6، 12- 44: 20- 45: 4- 65: 12، 14- 74: 11- 186: 14 نوكار الزردكاش:- 88: 9- 100: 5- 106: 7، 16 هـ الهجين- بردبك المحمدى الظاهرى. هلال بن عبد الله الرومى الطواشى الظاهرى الزمام- الأمير زين الدين:- 214: 20 هلمان بن وبير بن نخبار (السيد الشريف أمير ألينبع) :- 5: 14، 17 والولوى السنباطى المالكى:- 73: 19 ولى الدين الأسيوطى (القاضى) :- 297: 18 ى) يار على بن نصر الله العجمى الخراسانى الطويل 9: 12- 30: 3- 112: 15، 22- 194: 18، 23- 195: 2 ياقوت (الحموى- صاحب المعجم) :- 12: 18- 97: 22- 172: 23- 266: 22- 286: 23- 340: 22 ياقوت الأرغون شاوى- الافتخارى:- 21: 1 يحيى بن أحمد بن عمر بن يوسف بن عبد الله بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن أبى بكر الشرف التنوخى الحموى الظاهرى الشافعى:- 16: 5، 19 يحيى بن جانم:- 118: 21- 228: 20- 229: 3، 9،

15، 16، 19، 20، 21- 230: 2، 5، 9، 13- 236: 18- 237: 10- 257: 2 يحيى بن حجى- نجم الدين:- 261: 3- 265: 13 يحيى بن صالح بن على بن محمد بن عقيل العجيسى المغربى- شرف الدين:- 14، 6، 20- 193: 9 يحيى بن صنيعة- شرف الدين:- 267: 11- 274: 12 يحيى بن محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن مخلوف ابن عبد السلام- أبو زكريا- المناوى- قاضى القضاة- شرف الدين:- 35: 18، 25- 286: 11- 292: 13- 353: 18 يحيى بن يشبك الفقيه الشرفى الدوادار:- 288: 5- 296: 7 يحيى زين الدين الأستادار:- 27: 9، 14، 16- 28: 2، 11- 29: 1، 10- 29: 20، 22- 30: 1، 7- 32: 18- 33: 5- 65: 10- 66: 3- 70: 7، 9، 11- 71: 16- 72: 4، 6، 7- 78: 11- 83: 6، 8، 11، 12، 14- 95: 19- 97: 6- 112: 2- 130: 2- 138: 5- 139: 1- 140: 15- 151: 18، 20- 152: 1، 7- 274: 18- 276: 7- 283: 8- 288: 10- 291: 20- 293: 14- 295: 11- 299: 4- 341: 4 يرشباى بن عبد الله الإينالى المؤيدى- الأمير سيف الدين:- 31: 1، 3، 15، 22- 32: 2- 66: 5- 68: 4- 71: 11، 14- 82: 14- 111: 12- 129: 9- 149: 1- 216: 5، 12، 13 يرشباى الأمير آخور الثانى:- 358: 10 يشبك آس قلق المؤيدى (أوش قلق) :- 275: 5، 6، 7- 285: 9، 11، 21- 291: 7، 8 يشبك بن أزدمر:- 382: 12 يشبك بن عبد الله الأشرفى الأشقر- السيفى:- 64: 6- 74: 13- 146: 15- 111: 20- 184: 19- 215: 17- 276: 2- 303: 23 يشبك بن عبد الله الساقى:- 31: 16- 65: 21- 112: 5- 140: 21- 213: 8 يشبك بن عبد الله الساقى الظاهرى:- 216: 1- 289: 3 يشبك بن عبد الله السيفى سودون الحمزاوى- الأمير سيف الدين:- 7: 1، 2- 8: 1- 60: 5- 168: 14 168: 14- 184: 8 يشبك بن عبد الله من جانبك المؤيدى الصوفى- الأمير سيف الدين:- 127: 18- 199: 10- 200: 8- 201: 1، 11- 211: 15- 217: 3، 4- 223: 1 يشبك بن عبد الله الناصرى- الأمير:- 25: 12، 14- 63: 3- 74: 22- 75: 10- 176: 6، 14- 177: 2 يشبك بن عبد الله النوروزى الأمير:- 26: 20- 91: 19- 92: 1- 199: 4 يشبك الإسحاقى:- 303: 23 يشبك البجاسى الأشرفى إينال:- 78: 3، 4- 200: 6، 14- 222: 16، 18- 223: 1- 258: 9- 269: 17- 270: 2- 275: 16- 289: 1- 296:

8- 361: 20- 384: 19- 385: 1 يشبك الجكمى:- 163: 3- 336: 19 يشبك الدوادار:- 280: 19- 284: 5- 368: 1، 12- 369: 4، 6، 10، 12، 15، 16- 370: 2 يشبك دوادار قانى باى البهلوان:- 92: 13 يشبك الساقى الأعرج:- 183: 21- 184: 6 يشبك السيفى قانى باى:- 19: 18، 22 يشبك الشعبانى الأتابكى:- 20: 14- 54: 18- 315: 18 يشبك طاز- يشبك بن عبد الله المؤيدى. يشبك قرا:- 60: 11 يشبك القرمى الظاهرى- السيفى:- 36: 1- 41: 17، 18، 20- 163: 10- 276: 3 يشبك من سلمان شاه الفقيه المؤيدى:- 92: 2- 109: 7- 113: 5- 116: 21- 151: 7- 270: 7- 278: 2، 4، 5- 303: 21- 304: 14- 367: 9، 14، 18، 20، 21- 368: 16، 21، 22- 375: 16، 19- 379: 11 يشبك من مهدى الظاهرى الكاشف:- 252: 11- 303: 14، 15، 16- 359: 22- 391: 11، 14، 15، 18- 392: 12، 16 يشبك المؤيدى الحاجب الثانى:- 84: 13 يعقوب الفرنجى قاصد جاكم:- 286: 5، 9 يلباى الاينالى المؤيدى:- 31: 2، 4- 32: 13- 66: 6- 68: 4- 89: 4- 131: 8: 154: 8، 10- 155: 1- 206: 1- 216: 11، 13- 260: 1- 263: 2، 3- 265: 3- 270: 16- 293: 9- 295: 12، 14، 17- 305: 12- 306: 1، 5، 7، 13، 19- 307: 10- 321: 18- 357: 2- 358: 6، 9، 15، 17- 359: 3، 7، 11، 16- 368: 23- 372: 1- 377: 16 يلباى تلى- يلباى الاينالى المؤيدى. يلباى طاز المجنون الظاهرى:- 262: 22 يلبغا بن عبد الله الجاركسى:- 68: 7- 170: 4، 10 يوسف بن الباعونى- القاضى جمال الدين:- 148: 13، 23- 346: 4 يوسف بن موسى الملطى الحنفى- جمال الدين:- 9: 2 يوسف بن تغرى بردى:- 19: 14 يوسف بن الصفى الكركى المالكى القبطى- القاضى جمال الدين:- 21: 12 يوسف بن عبد الكريم بن بركة- المعروف بابن كاتب جكم- الصاحب جمال الدين أبو المحاسن:- 77- 3- 94: 4- 95: 9- 118: 18- 119: 16- 126: 16، 18- 163: 4- 197: 7- 210: 17 يوسف بن فطيس:- 305: 16

يوسف بن يغمور- جمال الدين:- 19: 12 يوسف البيرى- جمال الدين:- 197: 19، 21 يوسف المقر الجمالى:- 45: 15- 48: 8، 20 يونس بن عبد الله العلائى الناصرى- الأمير سيف الدين: 39: 13- 60: 10، 11- 62: 18- 64: 7، 9- 71: 2- 84: 16- 85: 4، 6- 87: 12، 15، 16، 19- 88: 5، 8، 9، 10، 17- 89: 2- 105: 10- 111: 8- 114: 3- 138: 9، 10، 11، 12، 15، 12، 15، 16، 17، 18، 19، 20، 21- 141: 2، 4- 182: 3- 213: 13- 214: 10، 15، 17- 251: 14- 256: 17 352: 11 يونس بن عمر بن جربغا العمرى:- 281: 1- 282: 19- 341: 14 يونس بن عمر الهوارى:- 303: 15، 17 يونس الأقبائى- الأمير شرف الدين:- 4: 9- 25: 8، 10- 26: 2- 61: 4- 67: 12- 73: 11- 150: 17- 176: 12- 313: 4 يونس الركنى الأرغونى الأعور:- 59: 17 يونس المؤيدى الدوادار الكبير- صهر السلطان الأشرف إينال:- 100: 12- 18- 101: 1- 111: 18- 153: 3- 154: 1، 6- 218: 16- 221: 18- 222: 17- 250: 18- 252: 1

الأعلام التي ترجم لها المؤلف في الوفيات

الأعلام التي ترجم لها المؤلف في الوفيات صفحة سطر اآقبردى بن عبد الله الساقى الظاهرى- الأمير سيف الدين: 180: 11 ابراهيم بن أحمد بن ناصر بن خليفة بن فرج بن عبد الله بن عبد الرحمن الباعوثى الشيخ الإمام الخطيب برهان الدين: 345: 14 ابراهيم بن حسن بن عجلان الحسنى- السيد الشريف: 8: 5 ابراهيم بن عبد الغنى بن شاكر بن رشيد الدمياطى- المعروف بابن الجيعان- القاضى سعد الدين: 211: 20 ابراهيم بن عبد الغنى بن الهيصم- الصاحب آمين الدين: 175: 21 إبراهيم بن الغنام- الشيخ المعتقد: 344: 14 إبراهيم الزيات- الشيخ المعتقد المجذوب: 195: 13 أحمد بن إسماعيل بن ابراهيم بن موسى بن سعيد بن على المنوفى المعروف بابن أبى السعود- أبو العباس الشاعر: 348: 10 أحمد بن أمير على بن إينال اليوسفى- الأمير شهاب الدين: 7: 6 أحمد بن تقي الدين بن محمد بن عمر البلقينى- قاضى القضاة ولى الدين: 313: 21 أحمد بن على القتائى الأنصارى- الشيخ بهاء الدين: 201: 6 أحمد بن محمد المعروف بابن قليب الأمير شهاب الدين: 354: 13 أحمد بن محمد بن وفاء الشاذلى- الشيخ الإمام الواعظ شهاب الدين: 164: 6 أحمد ابن الملك الأشرف برسباى الدقماقى- المقام الشهابى: 329: 4 أحمد بن يوسف الشيرجى- القاضى شهاب الدين: 190: 4 أحمد الإخميمى- الإمام شهاب الدين: 206: 5 أحمد الترابى المصرى- الشيخ المعتقد: 11: 6: أحمد الدماصى (أحمد بن على بن محمد بن مكى بن محمد بن عبيد بن عبد الرحيم الأنصارى الدماصى) القاضى شهاب الدين: 192: 7 أحمد الطوخى- الشيخ المعتقد المجذوب- المعروف بالشيخ خروف: 314: 9

أحمد المحلى (أحمد بن محمد بن على بن هارون بن على) القاضى شهاب الدين: 181: 4 أرنبغا اليونسى الناصرى- الأمير سيف الدين: 163: 13 أزبك بن عبد الله الأشرفى- الأمير سيف الدين: 190: 8 أزبك بن عبد الله الششمانى المؤيدى- الأمير سيف الدين: 189: 5 إسحاق بن إبراهيم بن قرمان الأمير ملك الروم: 343: 11 أسنباى بن عبد الله الجمالى الظاهرى- الأمير: 181: 11 أسنبغا بن عبد الله الناصرى الطيارى- الأمير: 162: 11 أسندمر بن عبد الله الجقمقى- الأمير: 212: 16 ألطنبغا بن عبد الله الظاهرى المعلم اللفاف- الأمير سيف الدين: 18: 15 أميان بن مانع الحسينى المدنى- الشريف أمير المدينة النبوية (أميان بن مانع بن على بن عطية بن منصور ابن جحاز بن شيحة) : 5: 19 أميرزة بن أحمد بن قرايوسف: 354: 15 إينال بن عبد الله الأشرفى الطويل- الأمير سيف الدين: 186: 12 ب بايزيد بن عبد الله التمربغاوى- الأمير سيف الدين: 207: 12 بدير بن شكر- الشهاب وزير الشريف محمد بن بركات صاحب مكة: 338: 15 بردبك بن عبد الله الأشرفى- الأمير سيف الدين: 335: 20 برسباى بن عبد الله البجاسى- الأمير سيف الدين: 352: 1 برسباى بن عبد الله الساقى المؤيدى- الأمير سيف الدين: 19: 8 بركات بن حسن بن عجلان- السيد الشريف أبو زهير: 178: 20 بيبرس بن أحمد بن بقر- الأمير سيف الدين: 315: 5 بير بضع بن جهان شاه بن قرايوسف بن قرا محمد التركمانى صاحب بغداد والعراق: 350: 4 بيغوت بن عبد الله من صفر خجا المؤيدى الأعرج- الأمير سيف الدين: 168: 2 ت تاج الدين بن عبد الوهاب بن نصر الله بن توما القبطى- الوزير. الشهير بالشيخ الخطير: 313: 17 تغرى برمش السيفى قراخجا الحسنى- الأمير سيف الدين: 349: 19 تغرى بردى القلاوى الظاهرى- الأمير سيف الدين: 164: 18 تمراز بن عبد الله الإينالى الأشرفى- الأمير سيف الدين: 353: 8

تمراز بن عبد الله من بكتمر المؤيدى- الأمير سيف الدين: 8: 9 تمرباى بن عبد الله بن حمزة الناصرى المعروف بتمرباى ططر- الأمير سيف الدين: 316: 13 تنبك بن عبد الله الأشرفى المعروف بالصغير- الأمير سيف الدين: 317: 9 تنبك بن عبد الله البرديكى الظاهرى- الأمير سيف الدين: 195: 17 تنم بن عبد الله من عبد الرزاق المؤيدى- نائب الشام- الأمير سيف الدين: 330: 12 تنم رصاص من تخشايش الظاهرى- الأمير سيف الدين: 324: 14 ج جانبك بن عبد الله الأبلق- الأمير سيف الدين: 333: 1 جانبك بن عبد الله التاجى المؤيدى- الأمير سيف الدين: 332: 7 جانبك بن عبد الله الجكمى- الأمير سيف الدين: 316: 18 جانبك بن عبد الله الزينى عبد الباسط- الأمير: 172: 9 جانبك بن عبد الله الشمس المؤيدى- الأمير سيف الدين: 179: 16 جانبك بن عبد الله الظاهرى المعروف بنائب جده- الأمير سيف الدين: 320: 3 جانبك بن عبد الله القرمانى الظاهرى- الأمير سيف الدين: 188: 3 جانبك بن عبد الله القوامى المؤيدى- الأمير سيف الدين: 319: 18 جانبك بن عبد الله المحمودى المؤيدى- الأمير سيف الدين: 182: 6 جانبك بن عبد الله من أمير الأشرفى المعروف بالظريف- الأمير سيف الدين: 344: 19 جانبك بن عبد الله الناصرى المعروف بالمرتد- الأمير سيف الدين: 355: 1 جانبك بن عبد الله الناصرى- الأمير سيف الدين: 339: 8 جانبك بن عبد الله النوروزى- الأمير سيف الدين: 310: 17 جانبك بن عبد الله اليشبكى- الأمير: 163: 1 جانم بن عبد الله الأشرفى البهلوان- الأمير: 191: 17 جانم بن عبد الله الأشرقى- نائب الشام- الأمير سيف الدين: 318: 9 جانم بن عبد الله المؤيدى- الأمير سيف الدين: 183: 3 جانم بن عبد الله المؤيدى المعروف بحرامى شكل- الأمير سيف الدين: 343: 14 جرباش بن عبد الله الكريمى الظاهرى- الأمير سيف الدين: 183: 9 جكم بن عبد الله النورى المؤيدى- الأمير سيف الدين: 188: 13 جلبان بن عبد الله الأمير آخور نائب الشام- الأمير سيف الدين: 174: 10 جميل بن أحمد بن عميرة بن يوسف المعروف بابن يوسف- جمال الدين: 311: 17

جوهر بن عبد الله الأرغون شاوى الرئيس صفى الدين: 347: 18 ح حاج إينال اليشبكى- الأمير سيف الدين: 317: 3 حسن بن محمد بن أحمد بن الصواف الحموى قاضى القضاة بدر الدين: 326: 5 حسن الرهونى المالكى- القاضى بدر الدين: 344: 3 حسن الطاهر اليمنى- الخواجا التاجر: 353: 14 حطط بن عبد الله الناصرى- الأمير سيف الدين: 169: 3 خ خالد بن أيوب بن خالد- الشيخ زين الدين: 349: 3 خشقدم بن عبد الله الأرنبغاوى- سيف الدين: 213: 3 خشقدم الرومى اليشبكى الأمير الطواشى زين الدين: 20: 10 خشكلدى بن عبد الله الكوجكى- الأمير سيف الدين: 313: 14 خشكلدى الزينى عبد الرحمن بن الكويز: 189: 10 الخليفة أمير المؤمنين القائم بأمر الله أبو البقاء حمزة ابن المتوكل على الله أبى عبد الله محمد العباسى المصرى: 193: 14 الخليفة أمير المؤمنين المستكفى بالله أبو الربيع سليمان ابن المتوكل على الله أبى عبد الله محمد: 1: 7 خليل بن فرج بن برقوق- المقام الغرسى: 171: 3 خليل- المدعو قانى باى اليوسفى- المهمندار: 194: 10 خوند آسية بنت الملك الناصر فرج بن برقوق: 217: 11 خوند زينب بنت الأمير جرباش الكريمى- المعروف بقاشق: 215: 9 خوندشاه زاده بنت الأمير أرخن بك بن محمد بك كرشجى بن عثمان- زوجة الظاهر جقمق: 178: 17 خوند شكر باى الناصرية الأحمدية- زوج السلطان الملك الظاهر خشقدم: 346: 6 خيربك بن عبد الله المؤيدى الأجرود- الأمير سيف الدين: 176: 16 خيربك بن عبد الله المؤيدى الأشقر- الأمير سيف الدين: 205: 16 خيربك بن عبد الله النوروزى- الأمير سيف الدين: 314: 6

د درويش الرومى- الشيخ المعتقد: 168: 18 دولات باى المحمودى المؤيدى- الأمير سيف الدين: 165: 9 س سالم بن سلامة الحنبلى- قاضى القضاة: 172: 13 سعد بن محمد بن عبد الله بن سعد بن أبى بكر بن سعد القيسى الدميرى- قاضى القضاة شيخ الإسلام سعد الدين: 318: 15 السلطان خليل بن إبراهيم- صاحب مملكة شماخى: 339: 18 السلطان خوندكار مرادبك ابن السلطان محمد بك كرشجى بن أبى يزيد بن عثمان: 2: 10 السلطان صارم الدين ابراهيم بن محمد بن على بن قرمان- صاحب بلاد الروم: 334: 18 السلطان الملك العزيز أبو المحاسن جمال الدين يوسف ابن السلطان الملك الأشرف أبى النصر برسباى الدقماقى الظاهرى: 326: 16 سليمان بن ناصر الدين بك ابن دلغادر- الأمير: 172: 16 سمام الحسنى الظاهرى- الأمير سيف الدين: 164: 2 سودون بن عبد الله الأبوبكرى المؤيدى- الأمير سيف الدين: 313: 9 سودون بن عبد الله الإينالى المؤيدى المعروف بقراقاش- الأمير سيف الدين: 310: 11 سودون بن عبد الله الجكمى- الأمير: 172: 18 سودون بن عبد الله من سيدى بك الناصرى القرمانى- الأمير سيف الدين: 206: 14 سودون بن عبد الله المؤيدى الفقيه الأشقر- الأمير سيف الدين: 348: 5 سودون بن عبد الله النوروزى- الأمير سيف الدين:: 192: 9 سودون بن عبد الله اليشبكى التركمانى المعروف بسودون قندوره- الأمير سيف الدين: 336: 16 سوينجبغا اليونسى الناصرى- الأمير: 165: 2 ش شادبك بن عبد الله الصارمى- الأمير سيف الدين: 319: 8 ص صالح بن عمر بن رسلان بن نصير البلقينى- شيخ الإسلام قاضى القضاة علم الدين: 333: 3

ط طاهر بن محمد بن على النويرى- الشيخ الإمام زين الدين: 18: 3 طوخ بن عبد الله الجكمى- الأمير سيف الدين: 335: 13 طوخ بن عبد الله من تمراز الناصرى- الأمير سيف الدين: 191: 21 طوغان السيفى آقبردى المنقار- الأمير سيف الدين: 21: 8 طوغان من سقلسيز التركمانى- الأمير سيف الدين: 211: 18 ع عبد الرحمن بن أحمد القلقشندى- الحافظ تقي الدين أبو الفضل: 354: 8 عبد الرحمن بن الجيعان- الرئيس مجد الدين (عبد الرحمن بن عبد الغنى بن شاكر ابن ماجد بن عبد الوهاب بن يعقوب بن الجيعان) : 2: 4 عبد الرحمن بن على بن عمر بن الملقن- القاضى جلال الدين: 348: 17 عبد الرحمن بن عنبر الأبوتيجى- الشيخ الإمام زين الدين: 217: 6 عبد الرحيم بن محمود بن أحمد العينى- القاضى زين الدين: 215: 6 عبد الغفار بن مخلوف السمديسى- القاضى زين الدين: 354: 3 عبد الكريم- شيخ مقام الشيخ أحمد البدوى: 191: 7 عبد اللطيف بن أبى بكر بن سليمان سبط ابن العجمى- القاضى معين الدين: 206: 9 عبد اللطيف المنجكى العثمانى- الأمير الطواشى الرومى زين الدين: 185: 3 عبد الله بن أبى الحسن على بن أيوب- الشيخ جمال الدين: 330: 4 عبد الله بن هشام الحنبلى- جمال الدين (عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يوسف ابن عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن هشام) : 2: 1 عبد الله التركمانى البهسنى: 212: 5 عجل بن نعير- أمير آل فضل: 239: 16 علان بن عبد الله المؤيدى المعروف بعلان جلق- الأمير سيف الدين: 169: 6 على بن أحمد القلقشندى- علاء الدين: 12: 5 على بن محمد بن آقبرس- القاضى علاء الدين: 190: 15 على بن محمد الأهناسى- الوزير علاء الدين: 334: 13 على السويفى (على بن أحمد بن على) - الإمام نور الدين: 354: 5 على الشيشينى الحنبلى- القاضى نور الدين: 344: 6 على المغربى- الإمام علاء الدين: 319: 22

عمر البيانى الكردى- الشيخ الصالح المعتقد المجذوب: 328: 9 عمر بن قديد القلمطاوى- الإمام العلامة زين الدين: 20: 4 عمر بن موسى الحمصى الشافعى- الأمير الطواشى زين الدين: 185: 11 عمر اليمنى (عمر بن أبى بكر بن أحمد العدنى) - الشيخ الزاهد العابد: 311: 3 عنبر الطنبذى الحبشى- الأمير الطواشى: 318: 5 عيسى بن عمر الهوارى- الأمير شرف الدين: 203: 14 غ غيث بن ندى بن نصير الدين: 316: 21 ف فرج بن ماجد بن النحال القبطى- الصاحب سعد الدين: 312: 9 فيروز بن عبد الله الرومى النوروزى- الطواشى زين الدين: 312: 18 ق قاسم بن جمعه القساسى الحلبى- الأمير زين الدين: 206: 7 قاسم بن عبد الرحمن بن عمر البلقينى- القاضى زين الدين أبو العدل: 188: 18 قانصوه بن عبد الله النوروزى- الأمير سيف الدين: 167: 5 قائم بن عبد الله الأشرفى المعروف بقانم بقجة- الأمير سيف الدين: 353: 3 قانم من صفر خجا المؤيدى المعروف بالتاجر- أتابك العساكر بالديار المصرية: 351: 5 قانى باى بن عبد الله الجاركسى- الأمير سيف الدين: 315: 13 قانى باى بن عبد الله الحمزاوى- الأمير سيف الدين: 201: 14 قانى باى بن عبد الله الناصرى الأعمش- الأمير: 181: 18 قانى باى طاز بن عبد الله البكتمرى- الأمير سيف الدين: 338: 5 قانى باى المؤيدى المعروف بقراسقل- الأمير سيف الدين: 217: 7 قراجا بن عبد الله العمرى الناصرى- الأمير زين الدين: 343: 5 قرم خجا بن عبد الله الظاهرى- الأمير: 215: 14 قشتم بن عبد الله المحمودى الناصرى- الأمير سيف الدين: 167: 16 قيز طوغان العلائى الأستادار- الأمير سيف الدين: 209: 11

ك كسباى بن عبد الله الششمانى الناصرى المؤيدى- الأمير سيف الدين: 346: 15 كمشبغا بن عبد الله السيفى نخشباى- الأمير سيف الدين: 334: 1 م ملك أصلان بن سليمان بن ناصر الدين بك ابن دلغادر- الأمير سيف الدين: 345: 9 مدين الصوفى- الشيخ العارف بالله: 191: 13 مرجان بن عبد الله الحصنى الحبشى الطواشى- زين الدين: 312: 1 معز بن حجار بن وبير- الشريف أمير الينبع: 172: 7 مغلباى بن عبد الله الشهابى- الأمير سيف الدين: 174: 4 الملك الكامل خليل ابن الملك الأشرف أحمد ابن الملك العادل سليمان صاحب حصن كيفا: 18: 6 منصور بن الصفى- الأمير الوزير شمس الدين: 349: 6 موسى بن محمد بن موسى- الأمير صاحب بلاد حلى بن يعقوب من بلاد اليمن: 338: 10 موسى بن يوسف الصفى الكركى- الشرفى: 193: 6 محمد بن أبى البركات محمد بن أبى السعود محمد بن الحسين بن على بن أبى أحمد ابن عطية بن ظهيرة- القاضى جلال الدين أبو السعادات: 186: 1 محمد بن أبى بكر القمنى- القاضى محب الدين: 178: 15 محمد بن أبى القاسم المشدالى البجائى- الشيخ الإمام أبو الفضل: 311: 7 محمد بن أحمد بن عبد الله- القاضى ناصر الدين الشهير بابن المخلطة: 170: 15 محمد بن أحمد بن على بن حجر العسقلانى القاضى بدر الدين ابن شيخ الإسلام ابن حجر: 339: 4 محمد بن أحمد الفطويسى الإسكندرى- الشيخ الفقيه المقرى تاج الدين: 336: 12 محمد بن أحمد القرافى- القاضى شمس الدين: 325: 1 محمد بن أحمد المحلى- الشيخ العلامة جمال الدين: 209: 4 محمد بن الأشرف إينال العلائى- المقام الناصرى: 317: 12 محمد بن حسان- شمس الدين (محمد بن محمد بن على بن حسان الموصلى المقدسى ثم القاهرى) : 3: 10 محمد بن حسن بن على بن عثمان الشافعى النواجى- شاعر العصر شمس الدين: 177: 3 محمد بن زاده أحمد بن أبى يزيد محمد السيرامى- الشيخ الإمام محب الدين: 179: 20 محمد بن زبالة الشافعى- شمس الدين (محمد ابن أحمد بن محمد) : 2: 7

محمد بن السابق الحموى- القاضى الرئيس صلاح الدين: 178: 10 محمد بن سليمان بن داود الجزولى- الشيخ الإمام أبو عبد الله: 203: 18 محمد بن ظهيرة المخزومى- القاضى كمال الدين أبو الفضل: 216: 19 محمد بن عامر- القاضى شمس الدين: 172: 4 محمد بن عبد الرحمن بن رسلان بن عمر البلقينى- القاضى تاج الدين: 6: 9 محمد بن عبد الرحيم الهيثمى- القاضى محب الدين أبو البركات: 204: 4 محمد بن عبد الله بن خليل البلاطنسى- الشيخ الإمام الصوفى شمس الدين أبو عبد الله: 199: 17 محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد بن مسعود الحنفى السيرامى- شيخ الإسلام كمال الدين: 187: 7 محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن أبى بكر الطرابلسى- القاضى ظهير الدين: 181: 7 محمد بن عثمان بن سليمان بن رسول بن يوسف بن خليل بن نوح الكرادى- القاضى محب الدين: 204: 13 محمد بن على بن محمد المعروف بابن الفألائى- الشيخ شمس الدين: 349: 11 محمد بن كزل بغا الحنفى- الإمام المقرئ ناصر الدين: 12: 11 محمد بن محمد- المالكى السكندرى- القاضى بدر الدين- المعروف والده بابن المخلطة: 344: 8 محمد بن محمد بن أحمد المعروف بالنحاس- زين الدين أبو الخير: 210: 3 محمد بن محمد بن حسن بن الشيخ الحنفى- الشيخ أبو الفضل: 334: 7 محمد بن محمد بن السحماوى- القاضى شمس الدين: 335: 7 محمد بن محمد بن عبد السلام- الشيخ الإمام عز الدين: 311: 12 محمد بن محمد بن عبد المنعم البغدادى الحنبلى- قاضى القضاة بدر الدين: 164: 10 محمد بن محمد الفاقوسى- القاضى محب الدين: 205: 13 محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن فهد الهاشمى- شيخ مكة تقي الدين أبو الفضل: 352: 19 محمد بن محمد بن محمد بن عثمان بن عثمان بن محمد بن عبد الرحيم بن هبة الله البارزى الحموى- كمال الدين أبو المعالى: 13: 3 محمد بن النبراوى- القاضى ناصر الدين: 204: 10 محمد الأسيوطى- القاضى فخر الدين: 347: 5 محمد البباوى- الوزير شمس الدين: 340: 7 محمد الحلبى المعروف بابن التغا- الأمير ناصر الدين: 6: 3 محمد الحلبى المعروف بالحجازى شمس الدين (محمد بن محمد بن اسماعيل بن يوسف ابن عثمان بن عماد الحلبى) : 3: 13 محمد الحموى- الشيخ الصوفى شمس الدين: 207: 3

محمد الحنفى الرومى- شمس الدين المعروف بالكاتب: 4: 1 محمد الدمشقى- قاضى القضاة: 173: 4 محمد السفارى- الشيخ المعتقد: 5: 5 محمد السنباطى (محمد بن محمد بن عبد اللطيف بن اسحاق بن احمد بن ابراهيم) - قاضى القضاة ولى الدين: 187: 3 محمد الفوى- (محمد بن أحمد بن أبى بكر الفوى) - الشيخ الربانى الصوفى أبو عبد الله: 315: 8 محمد الصغير القازانى- المعلم ناصر الدين: 173: 8 محمد الكاتب- الشيخ أبو الفتح: 212: 13 محمد الكنبى الشيخ عز الدين- المعروف- بالعز التكرورى: 165: 6 محمد- الأستاذ المادح المغنى ناصر الدين: 192: 16 محمد المغربى- الشيخ المعتقد المجذوب: 177: 19 محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن يوسف بن محمود العينتابى- بدر الدين أبو محمد العينى: 8: 14 محمود بن عمر القرمى- القاضى أفضل الدين: 314: 13 ن نوكار بن عبد الله الناصرى- الأمير سيف الدين: 186: 14 هـ هلال بن عبد الله الرومى الظاهرى- الأمير الطواشى زين الدين: 314: 20 هلمان بن وبير بن نخبار- السيد الشريف أمير الينبع: 5: 14 ى يارعلى بن نصر الله العجمى الخراسانى الطويل: 194: 18 يحيى بن صالح بن على بن محمد بن عقيل العجيسى المغربى- شرف الدين: 193: 9 يحيى بن محمد بن محمد المناوى- قاضى القضاة شرف الدين: 353: 18 يرشباى بن عبد الله الإينالى المؤيدى- الأمير سيف الدين: 216: 5 يشبك بن عبد الله- الأمير سيف الدين: 184: 19 يشبك بن عبد الله الأشرفى الأشقر- السيفى: 215: 17

يشبك بن عبد الله الساقى الظاهرى- الأمير سيف الدين: 216: 1 يشبك بن عبد الله السيفى سودون الحمزاوى- الأمير سيف الدين: 7: 1 يشبك بن عبد الله الظاهرى- الأمير سيف الدين: 213: 7 يشبك بن عبد الله من جانبك المؤيدى الصوفى- الأمير سيف الدين: 200: 8 يشبك بن عبد الله المؤيدى المعروف بيشبك طاز- الأمير سيف الدين: 217: 3 يشبك بن عبد الله الناصرى- الأمير: 176: 6 يشبك بن عبد الله النوروزى- الأمير: 199: 4 يلبغا بن عبد الله الجاركسى- الأمير سيف الدين: 170: 4 يوسف بن الصفى الكركى المالكى القبطى- القاضى جمال الدين: 21: 12 يوسف بن عبد الكريم بن بركة المعروف بابن كاتب جكم- الصاحب جمال الدين أبو المحاسن: 197: 7 يوسف بن يغمور- الأمير جمال الدين: 19: 12 يونس بن عبد الله العلائى الناصرى- الأمير سيف الدين: 213: 13 يونس الأقبانى- الأمير شرف الدين: 313: 4

فهرس الأمم والقبائل والبطون والعشائر والأرهاط والطوائف والجماعات

فهرس الأمم والقبائل والبطون والعشائر والأرهاط والطوائف والجماعات اآل عثمان:- 2: 28 أبزة:- 385: 16- 387: 17 الأتابكة (جمع أتابك) :- 221: 7 الأتراك:- 23: 5- 55: 7- 230: 20 الأجلاب:- 90: 8- 91: 5- 100: 12، 20- 102: 11- 124: 7- 125: 23- 139: 6- 143: 2، 3، 7- 146: 6- 231: 15، 18، 20، 21- 232: 11- 236: 13- 241: 10- 242: 2، 9- 243: 14- 246: 21- 249: 7- 258: 19- 288: 3- 289: 3- 290: 14، 17- 291: 1 - 296: 14- 318: 13- 356: 19- 359: 11- 361: 13- 364: 12، 13- 366: 2- 367: 7، 20- 368: 2، 4، 5، 10، 22- 369: 1، 8- 370: 15- 383: 13- 385: 16- 387: 5، 21 388: 3، 11، 14، 21- 389: 12، 17- 390: 4، 21. أرنؤط:- 376: 19، 22 الأروام:- 82: 16- 253: 5، 7- 373: 5، 6 أشراف مكة:- 179: 3، 15 الأشرفية:- 89: 11- 228: 14- 235: 6، 8- 237: 2، 5، 7، 12، 21- 239: 1، 6، 9- 240: 23- 243: 2- 261: 10 - 262: 1، 12، 13- 284: 15- 303: 23- 376: 21 الأشرفية- إينال:- 604: 5- 67: 21 الأشرفية- برسباى:- 31: 8- 35: 5- 36: 3، 5، 6، 9- 37: 2- 106: 20- 147: 23- 229: 18- 234: 3، 6، 11، 16- 276: 1- 383: 21 الأشرفية الصغار:- 264: 17- 304: 1، 2- 305: 1، 2- 366: 3- 367: 16- 368: 17- 369: 11- 383: 13- 389: 4 الأشرفية- الكبار:- 262: 12- 264: 17- 304: 1- 305، 1، 2- 366: 3- 367: 6، 14، 15- 368: 17- 369: 10- 383: 12- 389: 3 الأطباء (جمع طبيب) :- 274: 4 الأعراب 301: 9

الأعيان:- 33: 11- 40: 12- 41: 16- 72: 18- 82: 12- 90: 11- 94: 14- 97: 4- 102: 18- 107: 3- 120: 11- 121: 17- 123: 14- 142: 19- 146: 19- 155: 10- 156: 15- 219: 7، 8، 11- 233: 12- 234: 5- 237: 3- 253: 15- 281: 6، 12- 304: 22- 341: 19- 374: 7 أعيان الأمراء:- 24: 8- 32: 8- 39: 8- 40: 6- 49: 5- 56: 1- 64: 10- 72: 13- 158: 9- 238: 4- 243: 17، 19- 250: 1- 320: 12- 335: 11- 337: 2- 338: 11- 356: 12- 388: 13 أعيان أهل الماغوصة:- 285: 16 أعيان التجار:- 290: 15 أعيان الخاصكية:- 242: 7- 358: 1- 367: 15، 16 أعيان- الخجداشية:- 237: 3 أعيان دمشق:- 230: 14 أعيان الدولة:- 23: 7، 12- 57: 12- 71: 8- 72: 8- 104: 10- 110: 2- 111: 7- 124: 4- 150: 9- 173: 2- 197: 16- 246: 18- 277: 13. أعيان الطواشية:- 215: 1 أعيان الظاهرية:- 243: 1 أعيان الظاهرية الجقمقية:- 257: 6 أعيان العسكر:- 242: 17 أعيان الفرنج القبارسة:- 147: 8، 9 أعيان الفقهاء:- 325: 2- 349: 18 أعيان فقهاء المالكية:- 170: 16 أعيان ماشرى الدولة:- 110: 12- 136: 11 أعيان مكة:- 17: 18، 20 أعيان المماليك:- 242: 13 أعيان المماليك الأشرفية:- 38: 7 أعيان المماليك الظاهرية:- 229: 10، 11 أعيان موقعى الدست:- 205: 13- 335: 8 أعيان المملكة:- 27: 15- 280: 13 أعيان الوظائف المعدود أصحابها من ذوى الرياسات:- 77: 14 أقباط مصر:- 281: 18

الأكراد:- 204: 23- 273: 7- 286: 18- 328: 12- 329: 3 الألبان:- 376: 22 الأمراء:- 219: 7- 220: 4- 221: 3- 223: 3- 240: 17- 254: 1، 3، 17- 259: 19- 267: 4- 278: 17- 283: 15- 287: 17- 273: 20- 379: 4- 390: 6، 8- 391: 1، 4- 392: 16، 20- 393: 1- 394: 12. أمراء الأتراك:- 92: 22 الأمراء الأجلاب:- 381: 17- 382: 11 الأمراء الأشرفية:- 261: 21- 264: 7، 8 أمراء الألوف:- 18: 16- 33: 16- 34، 21- 49: 8- 60: 2- 87: 5- 88: 13- 105: 9 110: 12- 128: 20- 134: 6- 141: 6- 151: 5- 196، 13- 197: 1، 200: 10- 222: 10- 223: 4- 228: 16- 259: 7- 261: 10، 11، 12، 262: 19- 268: 15- 270: 6- 276: 15- 277: 13- 282: 5- 285: 10، 287: 5- 293، 9- 304: 22- 305: 13- 306: 3- 307، 4- 343: 8، 362: 8، 9- 363: 1- 367: 4- 378: 12 أمراء الخمسات:- 28: 14- 186: 12- 189: 5. الأمراء السيفية:- 367: 16- أمراء الطبلخانات:- 31- 1، 2، 10، 14، 17- 40: 9- 70: 3- 71: 3- 72: 3- 74: 7، 75: 5- 78: 19- 82: 15- 87: 6- 89: 4، 5- 193: 12، 99: 4، 105: 11، 20، 109: 8- 111: 10، 116: 21- 126: 12- 128: 8- 129: 10- 131: 9- 151: 6- 170: 4- 176: 6- 179: 19، 189: 10- 200: 12- 216: 6 - 222: 12- 261: 13- 268: 15، 270: 8، 17- 276: 6- 277: 18- 284: 12- 290: 5- 293: 11، 294: 8- 307: 5- 310: 17- 321: 2- 324: 15- 335- 14، 346: 16- 347: 1- 351: 12- 362- 10- 367: 12 أمراء الظاهر برقوق (الأمراء الظاهرية برقوق) :- 74: 5 أمراء الظاهر جقمق (الأمراء الظاهرية جقمق) :- 49: 2- 53: 19- 54: 2- 279: 6، 9، 10 أمراء العرب:- 110: 9 أمراء العشرات:- 19: 15- 25: 19- 26- 3- 28: 26- 32: 13- 34: 1، 22- 39: 14- 40: 10- 42، 6- 44- 1- 60: 12- 63، 10- 69: 2، 10، 75: 17- 81:

5- 87: 6- 106: 12- 109: 8- 111: 2- 117: 1، 21: 128: 14، 16، 19، 129: 8، 133: 16- 136: 5، 8- 146: 15- 151: 9، 16- 155: 10- 164: 3، 172: 18- 174: 4- 183: 4- 186: 14- 188: 13- 190: 8- 191: 16، 10: 12- 207: 7- 212: 16- 213: 8، 19- 215: 15- 222: 13- 223: 8، 10، 240: 3، 7- 261: 13- 268: 11- 270: 9- 279: 23، 7- 282: 20، 288: 3- 290: 6- 293: 11- 295: 18- 301: 7- 303: 22- 307: 6، 312: 12- 317: 10- 319: 18- 33: 1- 343: 15- 348: 6- 249: 19، 353: 4- 362: 10- 367: 12، 14- 379: 3، 17- 382: 13، 15، 17، 383: 4. الأمراء المصريون:- 207: 8 الأمراء المؤيدية:- 383: 9 أهل دمشق:- 230: 16 أهل الذمة:- 4: 12- 281: 8، 11، 12، 18 أهل شرينه:- 224: 4، 6، 13 أهل القاهرة:- 34: 1، 24 أهل قبرس:- 133: 1- 143: 15 أهل قسطنطينية:- 71: 3 أهل الماغوصة:- 224: 13- 333: 3 أهل مصر:- 322: 22 أهل مكة:- 117: 13، 18- 204: 2 الأوربيون:- 376: 22 أولاد عثمان جق:- 2: 25. أولاد الناس:- 82: 18- 142: 20- 147: 24- 362: 21- 380: 6، 10- 382: 6 ب البرامكة:- 17: 19. بنو إسرائيل:- 311: 6 بنو أيوب:- 374: 11 بنو حناء:- 85: 17 بنو قرمان:- 335: 4، 5 بنو كنانة:- 266: 21 ت الترك:- 57: 9- 253: 4- 327: 4- 335: 6- 370: 9

التركمان:- 97: 24- 103: 23- 172: 23- 204: 23- 211: 18، 19- 268: 22 تركمان ابن قرمان:- 124: 9 ج الجراكسة:- 23: 5- 57: 10- 218: 4- 250: 8- 253: 5، 6، 7، 8- 327: 5- 356: 5- 385: 17- 387: 16- 394: 5 الجلبان:- 291: 12- 363: 10 الجمدارية (جمع جمدار) :- 40: 3 ح الحلبيون:- 317: 8 ر الروم:- 334: 20- 243: 11، 13- 373: 5 س السقاة:- 258: 3- 274: 4- 388: 6 سلاطين أولاد الملوك:- 235: 16 السوقة:- 290: 15 السيفية:- 38: 8- 40: 5- 147: 23- 234: 4- 242: 18- 243: 2- 276: 4- 364: 18- 368: 18- 383: 13 ص صوفية الأعاجم:- 332: 24 ط الطباخون:- 327: 15 الطواشية:- 362: 21 ظ الظاهرية:- 19: 20- 90: 9، 10- 91: 7- 171: 14 229: 5، 18، 19- 235: 1، 2، 8، 10- 237: 3، 7، 9- 239، 5، 6، 9- 242: 14، 16، 18، 262: 5- 277: 20، 279: 19- 280: 3، 4- 368: 12- 369: 1- 377: 23 الظاهرية جقمق- الظاهرية الجقمقية:- 32: 6- 234: 4- 276: 4 الظاهرية جقمق الكبار:- 364: 16 الظاهرية الصغار الأجلاب:- 367: 7- 383: 13 الظاهرية الكبار:- 306: 5، 7- 367: 7، 19- 368: 11 369: 8، 17- 383: 12 117: 18 ع العجم:- 117: 4- 194: 21 العرب:- 200: 17- 286: 15- 311: 18

العربان:- 21: 9- 107: 1- 167: 17- 317: 10- 335: 21 عربان الوجه القبلى:- 24: 21 عرب بنى عقبة:- 301: 9 عرب الطاعة:- 272: 8 عرب لبيد:- 226: 11- 272: 5، 9 عرب هوارة:- 203: 14 العساكر:- 106: 10- 107: 9، 11- 108: 8- 250: 15- 254: 1، 4- 270: 12- 373: 15- 390: 17 عساكر الأتابكية:- 241: 11 العساكر السلطانية:- 119: 6 العساكر الشامية:- 103: 22 العساكر المجردة:- 111: 3 ف الفرنج:- 2: 14- 70: 24- 133: 11- 143: 16- 144: 6- 147: 18- 148: 5- 150: 22، 23- 224: 4، 5، 10، 13- 285: 14- 286: 3- 333: 2، 4. الفقراء:- 229: 22 الفقراء أتباع الشيخ حيدر 332: 22 فقراء العجم:- 117: 14- 194: 21 الفقهاء:- 17: 3- 308: 1 فقهاء الحنابلة:- 344: 7 فقهاء الحنفية:- 314: 16 فقهاء الشافعية:- 12: 6 فقهاء المالكية:- 18: 4- 172: 5 فلاحو الشرقية:- 212: 10 ق القبط:- 99: 8 القرمانية- بنو قرمان:- 123: 3- 125: 10، 11 قطاع الطريق:- 113: 8- 160: 4- 303- 10 القراء: جمع قارىء:- 103: 14 قراء الأجواق:- 211: 6 القصاد- جمع قاصد 33: 10- 119: 3، 12، 23- 147: 9- 305: 9

قصاد الفرنج:- 144: 6 القضاة- جمع قاض:- 48: 8- 102: 18 القلعيون- المماليك الجنود الذين بالقلعة:- 43: 11- 368: 15- 369: 3، 4، 7، 10، 11، 15 ك كبار أمراء الظاهرية:- 368- 12 الكتابية:- 224: 1، 18 الكتبة:- 281: 7- 313: 19 م المالكية:- 341: 17 مباشرو الدولة:- 26: 6- 27: 8- 77: 1- 112: 9- 159: 19- 360: 3 مباشرو الدولة والقضاة:- 48: 21 المباشرون:- 72: 12- 83: 19- 101: 7، 12- 132: 11- 236: 17- 281: 18 المجاورون:- 106: 12- 129: 10 المحابيس:- 376: 13 المعاملون:- 340: 16، 20 المعلمون:- 340: 24 المقدمون:- 40: 6- 11: 8- 284: 8- 296: 5- 302: 12- 382: 2 مقدمو الألوف:- 7: 7- 38: 18- 39: 11- 83: 14، 15- 74: 5- 89: 3- 98: 15- 105: 19- 112: 6- 114: 3- 163: 13- 165: 10- 176: 16- 196: 16- 207: 12- 222: 11، 16- 233: 6- 234: 9- 237: 3- 240: 2- 258: 6، 9- 270: 15- 279: 2- 284: 8- 290: 13- 316: 14- 323: 7- 336: 17- 352: 18- 365: 19- 367: 11- 382: 3- 386: 14، 19 مقدمو الألوف بالديار المصرية:- 19: 3- 319: 13- 355: 2 ملوك الأقطار:- 158: 3- 322: 21 ملوك الترك:- 57: 9- 218: 3- 253: 7- 327: 4- 356: 4- 370: 9- 373: 4- 394: 4- 396: 17 ملوك الجراكسة:- 57: 10- 255: 13- 256: 8 ملوك الروم:- 343: 3، 11 ملوك الفرنج:- 143: 14

ملوك مصر:- 374: 8- 375: 11 ملوك الهند:- 323: 2 ملوك اليمن:- 112: 15، 16- 323: 1 المماليك:- 27: 12- 36: 17- 38: 11، 13- 39: 3، 6، 13، 15- 41: 1، 3، 19- 45: 22- 46: 13- 47: 8- 48: 2- 96: 19- 97: 16- 100: 4- 101: 5، 8، 20- 102: 2، 11- 103: 5- 104: 21- 105: 1، 6، 7- 114: 9- 124 125: 12- 120: 12- 138: 12- 144: 12- 135: 2- 159: 12- 162: 18- 163: 3، 16- 164: 1- 167: 6- 168: 4- 169: 7- 170: 6- 176: 7، 19- 179: 17- 189: 11- 207: 14- 223: 2- 231: 15، 16، 19، 22- 232: 1، 3، 11- 234: 3- 236: 12- 240: 16، 18- 241: 6، 20- 242: 2، 6، 12، 19- 243: 6- 244: 9- 15- 246: 21- 258: 19- 259: 1، 3، 7، 18، 19، 20- 265: 15- 266: 18- 268: 8- 270: 22- 272: 7- 279: 18- 280: 7- 282: 13- 289: 3- 301: 8- 302: 6- 304: 5- 310: 19- 312: 15- 315: 18- 316: 3، 15، 17، 19- 317: 5- 318: 10- 327: 14، 20- 332: 10- 335: 16- 338: 7، 12- 346: 16- 353: 5- 356: 16- 357: 24- 360: 5- 367: 15- 372: 2- 390: 1 المماليك الأجلاب:- 84: 22- 87: 3، 13، 16، 18- 88: 2- 89: 1، 6، 12- 94: 12، 15، 17- 95: 8- 96: 11، 15- 98: 2- 199: 15- 100: 1- 101: 3- 112: 8- 114: 7، 8، 13- 117: 17- 118: 17- 123: 11- 125: 3، 10، 11- 130: 1، 3، 5، 14- 131: 18- 132: 5، 10- 133: 5- 136: 17- 137: 1، 2، 5، 6، 12، 14، 16- 144: 9- 145: 7- 147: 4، 18- 148: 4- 151: 20- 152- 158: 13- 159: 8، 15- 160: 17، 18- 225: 4، 6- 231: 15، 16، 18، 21- 232: 2، 11- 240: 13- 276: 18- 277: 18- 278: 18- 279: 12- 290: 14، 17- 297: 15- 308: 16- 320: 4، 10، 14- 321: 14- 321: 14- 324: 15- 356: 18- 365: 21 مماليك أردبغا:- 263: 4 المماليك الأشرفية:- 81: 7- 84: 1- 229: 10 المماليك الأشرفية إينال:- 79: 4- 261: 16- 376: 14- 383: 23

مماليك الأشرف برسباى:- 89: 11- 190: 9- 191: 18- 327: 8- 345: 2- 383: 21 المماليك الأمراء:- 34: 18- 130: 12- 144: 12- 153: 4 مماليك أبيك:- 231: 22 مماليك جقمق الأرغون:- 231: 22 المماليك الجلبان:- 84: 1، 6- 123: 6- 291: 12 مماليك الخواص:- 377: 4 مماليك زين الدين:- 96: 3 المماليك السلطانية:- 21: 1- 26: 7، 12- 27: 8- 28: 3، 18- 29: 17- 31: 23- 33: 1- 37: 21- 41: 17- 43: 9، 20- 49: 22- 58: 14- 61: 1، 21، 22، 23- 64: 8، 14- 96: 6- 76: 2- 86: 14- 91: 3- 94: 2- 102: 10- 104: 18- 106: 4، 12- 109: 3، 5- 111: 6- 117: 12- 137: 12- 139: 2- 144: 13- 147: 5، 6- 148: 16- 150: 3، 5، 7- 151: 13- 152: 5- 153: 3- 200: 13- 210: 11- 213: 16- 216: 15- 221: 21- 223: 19- 224: 1، 4- 225: 18، 20- 231: 14، 15، 20- 255: 8- 257: 14- 258: 22- 259: 3- 264: 7- 268: 14- 270: 3- 276: 5- 280: 14- 284: 16- 286: 104- 270: 3- 276: 5- 280: 14- 284: 16- 286: 5، 15- 290: 6- 297: 2- 301: 8- 304: 1، 15- 312: 1- 315: 20- 318: 20- 327: 6- 340: 15- 352: 6- 357: 19- 359: 14- 362: 11، 19- 380: 3، 4، 7- 382: 5- 383: 2 مماليك سودون الحمزاوى الظاهرى الدوادار:- 201: 16 المماليك السيفية:- 7: 22- 90: 8 مماليك الظاهر برقوق:- 18: 17- 183: 12- 196: 2- 213: 15- 215: 15 مماليك الظاهر خشقدم:- 383: 24 المماليك الظاهرية:- 79: 4- 81: 7- 89: 13- 91: 12، 14- 194: 4- 229: 10، 17، 18- 232: 6- 233: 14- 251: 7- 260: 10- 262: 21 المماليك الظاهرية الجقمقية:- 52: 7- 65: 18- 78: 2- 79: 4- 87: 2: 89: 8- 180: 13- 213: 10- 381: 8- 383: 22 مماليك قانى باى البهلوان:- 184: 20 المماليك القرانيص:- 88: 3 مماليك قرايوسف بن قرا محمد:- 194: 11، 13

المماليك المعينة:- 231: 19 المماليك المؤيدية:- 19: 21- 183: 6- 188: 15- 189: 7- 205: 17- 207: 9- 211: 10، 216: 7- 343: 16 مماليك الناصر فرج بن برقوق:- 81: 19- 186: 16- 192: 2- 206: 15- 339: 10- 343: 6 مماليك نوروز الحافظى:- 192: 11 المناسر (قطاع الطريق) :- 136: 21- 137: 3- 160: 4 المؤيدية (أتباع الملك المؤيد شيخ المحمودى) :- 31: 8- 35: 3، 4- 51: 6- 40: 5- 147: 23- 234: 3 ن الناصرية:- 261: 17 الناصرية فرج بن برقوق:- 40: 5- 147: 22- 234: 3- 242: 18 النجاب:- 109: 10- 110: 4- 290: 3 النصارى:- 281: 21 النقباء (جمع نقيب) :- 114: 10 النواب:- 80: 1، 19- 109: 1- 110: 22- 129: 3- 361: 1 نواب الحكم الحنفية:- 314: 14 نواب الحكم الشافعية:- 204: 2، 10- 212: 14- 311: 13 نواب الحكم المالكية:- 324: 1- 344: 3 هـ هجانة السلطان:- 110: 8 والوزراء:- 313: 20 ى اليهود:- 282: 1

فهرس البلاد والأماكن والأنهار والجبال وغير ذلك

فهرس البلاد والأماكن والأنهار والجبال وغير ذلك اآردا (نهر) :- 2: 27 آسيا:- 24: 24 آقصراى:- 168: 20، 21 آمد:- 59: 1، 3- 108: 15- 114: 23- 286: 22 أبراج قلعة باف:- 224: 11 أبلستين:- 172: 16، 17، 23- 200: 7- 292: 4- 293: 8- 294: 5- 345: 10 أدرنا بولى:- 2: 11، 27 إدكو:- 181: 5 أذنة:- 97: 14 أراضى البعل:- 328: 24 أران:- 340: 21 أرزنجان:- 114: 15، 20 أرزنكان- أرزنجان أرزن الروم 114: 21 أرض عجيسة:- 14: 22 أرمناك:- 97: 19 إستنبول (إسطنبول) :- 70: 18- 71: 2، 3، 13- 154: 20- 347: 23 الإسطبل السلطانى:- 31: 3- 43: 3- 51: 4، 6، 15، 16- 52: 10، 12، 17- 53: 12، 14- 55: 1، 15- 57: 12، 15- 90: 13- 101: 22- 241: 7، 8، 13، 14- 247: 19- 280: 14- 296: 19، 22- 297: 5، 8- 305: 23- 357: 23- 368: 20- 369: 14- 373: 10- 384: 6- 385: 8- 389: 2، 11- 391: 1، 2- 394: 6، 7 الإسكندرية:- 7: 15- 19: 3- 21: 3- 23: 22- 25: 3- 27: 6- 31: 5، 6- 32: 4، 13- 36: 7- 53: 13- 55: 20- 56: 3، 4، 6- 60: 11- 61: 13- 62: 19- 63: 7، 17- 65: 1، 3، 5، 8- 69: 2، 4- 72: 2- 84: 17- 90: 20- 21- 126: 6- 150: 2- 153: 8- 158: 11- 165: 12- 166: 20- 171: 7، 9، 10، 12، 17، 21- 172: 6- 181: 4- 182: 3- 184: 10- 185: 22- 193: 15- 194: 8- 196: 20- 200: 20، 21- 214: 6- 216: 12- 228: 4- 229: 2- 239: 14، 15- 248: 9،

13، 20- 250: 1، 3، 7- 251: 6، 11، 17، 21- 252: 5، 8، 9، 20- 253: 16- 254: 20- 255: 2- 259: 15- 262: 18- 278: 1- 279: 1- 280: 2، 22- 282: 4، 11- 316: 10- 317: 13- 320: 18- 326: 18- 328: 4، 6- 329: 12، 13- 330: 18- 331: 2- 344: 12- 352: 7- 358: 11- 360: 9- 362: 5- 371: 13، 14، 15، 16- 376: 2، 5، 10- 378: 4، 6- 379: 18، 21- 382: 20 أسوان:- 120: 18 الأشرفية (مدرسة وجامع الأشرف برسباى) :- 228: 14 أصفون الجبل:- 352: 21، 24 الأطباق (بقلعة الجبل) :- 83: 2- 91: 8- 94: 17- 112: 8- 242: 10- 297: 16- 368: 4، 6- 387: 21- 395: 9 الأعمال الإطفيحية:- 21: 23 الأعمال الشرقية (محافظة الشرقية) :- 63: 22 الأفقسية:- 147: 12- 286: 1، 19 الأقطار الحجازية:- 141: 7- 376: 12 إقليم البحيرة:- 228: 7 إقليم البهنسا:- 74: 19 إقليم الشرقية:- 138: 1 إقليم الغربية:- 138: 1- 311: 11 إقليم مصر:- 316: 21 أكرة:- 113: 1، 18 ألبيرة:- 211: 12- 282: 7، 9- 288: 12- 291: 10- 334: 1، 5- 338: 5، 8 إمارة قرمان:- 97: 19 ألينبع:- 2: 14- 5: 14، 17- 172: 7 الإيوان (بقلعة الجبل) :- 94: 9، 10 ب باب الأبواب:- 340: 21 باب البحر:- 171: 13، 21 باب الجامع الناصرى (بقلعة الجبل) :- 101: 13 باب الحريم السلطانى:- 100: 9- 101: 11، 19، 21- 301 18- 302: 2- 357: 1، 2 باب الحوش:- 219: 11

باب الخرجة:- 388: 2 باب الدهيشة:- 219: 10 باب الدور السلطانية:- 219: 12 باب زويلة:- 79: 1- 118: 8- 384: 13 باب الستارة:- 94: 10- 101: 13، 18- 346: 7- 356: 21 باب سر القصر:- 373: 19- 394: 11 باب السلسلة:- 41: 4، 19- 43: 4- 51: 1، 8، 12، 14، 15، 20، 21- 52: 6، 12، 13، 21، 22- 53: 14، 18- 57: 5، 13، 19- 66: 10- 89: 7- 90: 13- 101: 22- 147: 24- 240: 23- 241: 7، 8، 10، 12، 14- 242: 1- 247: 15، 19- 253: 16- 261: 21- 262: 8- 279: 22- 280: 14- 389: 12- 390: 21 باب الفتوح:- 328: 20- 333: 13 باب القرافة:- 55: 22- 322: 4 باب القصر السلطانى:- 219: 17 باب القلعة:- 132: 10- 137: 15- 246: 9 باب القلة (بقلعة الجبل) :- 101: 7، 9- 157: 6- 222: 2- 277: 16- 306: 18- 307: 1- 320: 4، 8، 9- 321: 1- 322: 2- 356: 10 باب اللوق:- 195: 230 باب المدرج:- 156: 10- 246: 6- 307: 2- 327: 15، 23 باب الملك الأفضل:- 384: 12 باب النصر:- 11: 8- 79: 1- 94: 21- 178: 1- 261: 21- 333: 13 باب الوزير:- 107: 1- 354: 16 الباسطية (مدرسة عبد الباسط بن خليل) :- 346: 3 باعون: 345: 23 باقوس:- 224: 23 ببا الكبرى- بالوجه القبلى:- 340: 11 البحر المالح (البحر الأبيض أو بحر الروم) :- 150: 4- 152: 20- 207-: 8- 224: 7 البحر (نهر النيل) :- 251: 4، 10- 392: 22 البحرة (رقاعة وقبة بقلعة الجبل) :- 24: 18- 26: 5- 27- 7- 55: 17، 18- 67: 1- 90: 18- 151: 19- 152: 2- 194: 7- 247: 23- 248:

1، 2، 18، 20- 371: 1، 3، 12- 391: 15، 17، 18، 19، 21- 392: 3، 5 البحيرة (محافظة البحيرة) :- 29: 9- 39: 15- 87: 4- 167: 16- 226: 11، 12- 228: 7- 231: 13، 14، 19- 232: 23- 236: 19- 270: 6- 272: 5- 276: 15- 284: 11- 286: 14، 16- 290: 6- 317: 10- 354: 18 بر التركية:- 109: 6- 113: 5- 134: 12 البرج (بقلعة الجبل) :- 8: 6- 65: 11، 18- 91: 13- 99: 10- 278: 19 البرج (بمنطقة الطينة) :- 156: 8 برمنبابة:- 91: 1، 3 برصا:- 2: 11، 25 بركة الحاج:- 98: 14، 15، 17، 22، 24- 111: 14، 19- 271: 5، 6- 277: 7- 297: 21- 301: 3 بركة الحاجب:- 244: 21 بركة الفيل:- 38: 14- 88: 21 البركة الناصرية:- 80: 6- 153: 17 البساط:- 12: 18، 19 بساط الروض- البساط. بسوط- البساط. بطحاء مكة:- 266: 22 بعلبك:- 31: 12- 32: 14- 72: 2- 153: 8- 311: 1 بغداد:- 114: 23- 169: 11- 194: 12- 350: 5- 354: 25 بلاد ابن قرمان:- 109: 1، 3، 13، 14- 111: 3- 186: 15- 188: 10، 21- 256: 2- 335: 1 بلاد أرمينية:- 114: 20 بلاد الچركس:- 126: 21- 250: 7- 357: 17 بلاد الجون:- 134: 12 بلاد الحصن:- 117: 14 البلاد الحلبية:- 103: 21- 200: 7، 8، 9- 293: 7- 303: 8- 361: 19 بلاد الروم:- 2: 25- 70: 17، 23- 95: 12- 97: 14، 19- 168: 21- 334: 19- 340: 5- 351: 11 البلاد الشامية:- 21: 15- 26: 16- 69: 3- 73: 3- 81: 17- 91: 15- 104: 19- 106: 6- 109: 1، 3- 131: 1- 132: 1- 135: 18- 140: 1- 162: 21- 174:

16، 18- 185: 17- 192: 20- 219: 17- 223: 7، 17- 228: 8- 239: 12- 259: 2- 264: 4- 274: 2- 283: 1- 303: 8- 317: 6- 336: 22- 339: 16- 361: 8- 376: 12- 377: 1- 383: 3- 385: 13 بلاد شروان:- 340: 21 بلاد الصعيد:- 165: 2- 203: 14- 303: 20- 358: 14- 360: 2 بلاد العجم:- 195: 2 البلاد المصرية:- 239: 12 بلاد المغرب:- 23: 25- 203: 20 بلاد النوبة:- 120: 17 بلاد اليمن:- 8: 10 بلاطنس:- 199: 20 بلبيس:- 136: 13- 212: 10 بولاق:- 68: 22- 80: 6- 87: 10- 109: 7 - 120: 1، 2، 19- 122: 1، 5- 123: 6- 137: 23- 139: 12- 141: 12- 144: 18- 145: 2- 171: 20- 192: 7- 251: 4- 287: 14- 314: 11- 322: 23- 328: 22، 25- 357: 24 بيت الأمير بردبك الأشرفى:- 234: 1- 284: 17 بيت الأمير تنبك الأشرفى:- 267: 9 بيت الأمير تنم:- 267: 4 بيت الأمير خشقدم:- 89: 7- 90: 16- 233: 17، 19- 234: 2، 4، 6- 237: 1- 240: 17 بيت الأمير قوصون:- 41: 4، 6- 46: 3- 47: 4، 6- 48: 16- 53: 15، 17- 57: 17- 162: 12- 261: 20، 23- 262: 3، 22- 389: 4 بيت الأمير الكبير إينال:- 40: 6 بيت الخليفة القائم بأمر الله حمزة:- 89: 14 بيت زين الدين الأستادار:- 96: 4، 5 بيت الشيخ سيف الدين الحنفى:- 375: 14 بيت الصاحب جمال الدين يوسف:- 97: 6 بيت المقام الشهابى أحمد بن السلطان:- 155: 18 بيت المقدس:- 9: 3، 4- 319: 2 بيت الوزير فرج بن النحال:- 94: 18- 95: 1- 96: 9 بيت يشبك الدوادار:- 280: 19 بيروت:- 332: 11 البيمارستان المنصورى:- 137: 23- 139: 11- 170: 21- 359: 17- 381: 1

بين القصرين:- 215: 21- 281: 10 ت تتا:- 201: 9، 13 تربة الأمير قانى باى الچاركسى:- 348: 2 تربة الشيخ جوشن:- 11: 7 التربة الصوفية:- 164: 13 تربة كسباى- خارج القاهرة:- 346: 16 تربة كوكاى:- 94: 22 تربة الملك الأشرف إينال:- 7: 8- 152: 12- تربة الملك الأشرف برسباى:- 329: 6 تربة الملك الظاهر برقوق:- 25: 4- 261: 18 تربة الملك الظاهر خشقدم:- 319: 1 تعز:- 338: 22 التكرور- بلاد التكرور:- 165: 22 تل باشر:- 270: 12- 271: 1 ج الجامع الأخضر:- 314: 11 الجامع الأزهر:- 8: 17- 13: 17- 144: 15، 16- 146: 2، 18- 217: 9 الجامع الأموى:- 16: 5 جامع الحاكم:- 178: 2- 333: 11 جامع عمرو بن العاص:- 5: 5- 132: 6 جامع القلعة الناصرى:- 23: 19- 67: 13- 69: 14- 94: 7- 222: 5- 259: 10- 272: 15- 302: 16- 320: 14 جامع قيدان:- 328: 9، 11، 16 جامع ملكتمر الشيخونى:- 314: 10 جامعة القاهرة:- 18: 22 الجاولية (المدرسة الجاولية) :- 155: 20 جب عميرة:- 98: 23 جبل أرجاست:- 109: 19 جدة:- 8: 10، 11، 12- 26: 15- 27: 17- 30: 12- 35: 20- 61: 8- 66: 4- 70: 2، 4- 93: 1، 2- 108: 12، 13- 112: 1- 131: 2- 141: 6، 7- 149: 6، 7- 152: 12- 216: 21- 234: 9، 16- 237: 3، 11، 16، 19-

239: 8- 242: 14- 244: 9- 245: 10- 256: 17- 320: 4- 322: 16، 17- 353: 15 جزولة:- 203: 20 جزيرة ابن عمر:- 18: 20 جزيرة أروى (المعروفة بالوسطى) :- 118: 6، 10- 150: 9- 334: 9 جزيرة الروضة:- 277: 12 جزيرة قبرس:- 132: 17- 143: 14- 147: 12- 152: 19- 153: 3- 224: 23- 275: 20- 333: 2، 7 الجزيرة الوسطى:- 118: 10 الجملون العتيق:- 333: 12 جنوة:- 134: 25 الجورن:- 109: 6 جولان:- 345: 24 الجون:- 109: 23- 113: 5- 207: 8، 21 الجيزة (محافظة الجيزة) :- 43: 6- 220: 8- 269: 1- 340: 9- 357: 22 ح حارة بهاء الدين:- 333: 11 حبس الرحبة:- 155: 14- 210: 10 الحبشة:- 33: 10 الحجاز:- 2: 4- 94: 1- 112: 2- 113: 15، 16- 131: 2- 193: 2- 322: 18- 323: 1 حدرة البقر:- 42: 15، 23 الحديدة:- 8: 10 حديقة مسجد السلطان حسن:- 42: 23 الحراقة (قاعة من قاعات القلعة) :- 51: 6- 53: 18- 54: 1- 57: 5، 13، 15- 253: 16، 20- 370: 3- 373: 10، 13، 14- 391: 3- 394: 7، 8 الحرم النبوى الشريف:- 179: 3- 201: 7 الحسينية:- 141: 13- 144: 18- 145: 5- 328: 24- 344: 14 حصن الأكراد:- 326: 21 حصن زياد:- 286: 22 حصن كيفا:- 18: 7، 20- 273: 4، 5، 10 حكر جوهر النوبى:- 96: 22

حلب:- 6: 3، 5، 6- 7: 3- 9: 1- 20: 25- 26: 18- 35: 8، 9- 77: 18، 19- 78: 1، 7، 21- 85: 1- 92: 9، 10- 95: 22- 102: 15- 107: 9، 16- 108: 8، 9- 109: 13- 115: 2، 3، 4، 5- 118: 22- 128: 6، 9- 129: 19- 130: 18- 133: 3- 167: 10- 169: 7، 11، 12- 172: 13، 14- 175: 1، 6، 8، 16، 17- 178: 11- 179: 19- 180: 12، 14، 15- 182: 11، 12- 183: 23- 184: 13- 185: 15- 200: 6، 9، 14، 15، 16، 18- 202: 6، 8، 9، 10، 13، 15، 16، 18، 21- 203: 1، 9، 11، 12- 206: 8، 11، 15، 17، 18- 209: 12- 211: 10- 214: 8، 9- 222: 16، 18- 223:- 5، 11- 228: 17- 258: 10- 269: 8، 10، 15، 17، 22- 270: 1، 4، 13، 14، 23- 274: 2- 275: 1، 16- 282: 8، 9- 283: 17- 284: 3، 18، 21- 285: 2- 288: 12، 13- 289: 1- 291: 9، 10- 296: 4، 6، 17- 302: 9- 311: 8- 313: 9، 11، 12، 13- 316: 20- 317: 3، 4، 5، 7- 330: 19- 332: 8، 13، 14- 335: 16- 339: 17- 361: 7، 20- 384: 18، 21- 385: 1- 395: 14 حلى ابن يعقوب (باليمن) :- 338: 10، 11، 21 حماة:- 13: 11، 13- 17: 13- 27: 1- 92: 2، 3- 128: 12، 15- 168: 8، 9- 169: 13- 175: 1، 3- 178: 12- 200: 8، 17- 202: 4، 12- 203: 8- 223: 14- 269: 9، 12- 285: 7، 9- 288: 21- 289: 1- 294: 11- 296: 6، 8- 313: 11- 317: 7- 326: 6، 7، 9- 330: 19- 332: 12- 361: 6- 362: 12، 13- 364: 3، 5، 6 حمص:- 168: 6- 185: 12- 313: 15 الحوش السلطانى:- 24: 6، 12- 26: 5- 33: 9، 11- 38: 11- 55: 17- 71: 8- 84: 20- 94: 7، 11- 100: 10- 102: 18- 103: 13- 104: 20- 116: 10- 133: 9- 136: 10- 144: 5- 147: 8، 16- 148: 16- 151: 19- 155: 7- 210: 15- 221: 21- 233: 7- 247: 23- 249: 18- 272: 16- 279: 5، 7، 16، 22- 280: 2، 7- 282: 16- 291: 15- 296: 20، 22- 297: 2، 3- 301: 13- 320: 18- 321: 19، 20- 360: 6- 392: 4 حى المنشية:- 171: 22 خ خانقاة سرياقوس:- 81: 2- 136: 13- 139: 13- 140: 8- 168: 19- 195: 3- 226: 17: 19- 258: 13- 259: 9- 385: 4

خانقاه سعيد السعداء:- 3: 10، 12، 20- 328: 15- 330: 6 الخرجة (خرجة القصر المطلة على الرميلة) :- 80: 1، 2، 19- 386: 21- 387: 4، 9، 12- 388: 9- 390: 20- 391: 13- 392: 5 الخزانة التيمورية:- 224: 19 خزانة الخرجة:- 390: 20- 391: 13 الخزانة الشريفة:- 97: 7 خط البوصة:- 120: 2 خط بولاق:- 124: 8 خط بين القصرين:- 114: 5 خط التبانة:- 329: 5 خط الحريريين:- 12: 24 خط الخراطين:- 12: 24- 13: 8، 17، 19 خط الصليبة:- 118: 4 خط العنبريين:- 12: 15، 24- 190: 17 خط قناطر السباع:- 323: 13، 23 خط المسجد المعلق:- 334: 22 خط المقس:- 191: 12 خليج الزعفران:- 110: 14 خليج السد:- 200: 4- 287: 4 خليج القسطنطينية:- 109: 23 الخليج الكبير:- 96: 20- 295: 3- 328: 23- 334: 22 الخليج الناصرى:- 195: 21- 328: 10، 20 خليص:- 335: 21 الحيف:- 230: 4 د دار الجاولى:- 178: 2 دار الضرب:- 13: 18- 115: 20 دار الضيافة:- 315: 17 دار قوصون- بيت الأمير قوصون. دار الكتب:- 3: 21- 18: 21- 20: 23- 23: 20- 28: 20- 42: 20- 96: 24- 160: 23- 273: 10- 275: 22- 285: 24- 323: 21، 24- 334: 23- 335: 23- 347: 23- 364: 23، 24

دار منجك:- 260: 7 الدرب الشامى:- 303: 11 درب شمس الدولة:- 29: 22 دماص:- 192: 21 دمشق:- 12: 13- 13: 2- 15: 10، 11، 12، 15، 16- 15، 20- 16: 3، 4، 5، 17- 21: 13- 27: 3- 59: 20- 68: 10، 15، 16- 78: 4، 18- 79: 18- 85: 3- 103: 1- 107: 10، 16- 108: 5- 119: 10، 18- 127: 2، 8، 18، 19- 128: 2، 6، 20، 21- 129: 4- 135: 15- 148: 10، 13- 167: 5، 10- 168: 6، 12- 173: 4، 5- 174: 19- 175: 11، 12، 13، 18- 176: 22- 178: 11- 179: 16، 19- 189: 10، 12، 14- 196: 13- 199: 8، 10، 18- 200: 2، 3، 9، 22- 201: 1، 2، 14، 20، 21- 202: 1، 3، 8، 17، 18- 203: 7، 21- 209: 12، 19- 211: 8، 9، 11، 14، 15- 214: 10- 217: 3- 227: 3، 11، 18- 228: 17- 230: 6، 10، 11، 14، 16- 255: 16، 20- 258: 6، 7- 263: 4- 264: 20- 265: 21- 266: 1، 6، 14، 18، 19، 20- 267: 22- 271: 16- 275: 5، 7، 9- 282: 12، 21- 284: 2، 3، 21- 285: 3، 10، 12- 288: 3، 8- 290: 7، 8، 9، 10- 291: 9- 302: 8، 9- 305: 16- 310: 19- 313: 12، 22- 314: 7- 330: 13- 331: 5- 332: 16- 336: 17- 339: 11، 14- 343: 6، 9- 345: 18- 346: 3- 352: 3، 16- 360: 12، 13- 361: 7- 378: 7- 384: 21- 385: 1، 4 دمنهور:- 354: 19 دمياط:- 8: 7- 21: 4- 25: 2، 5- 66: 6- 151: 2- 170: 12- 171: 4، 17، 19، 20- 184: 7- 196: 12، 13- 200: 20، 21- 216: 13- 254: 22- 255: 15- 264: 3، 15- 266: 4- 275: 19- 289: 6، 20- 315: 14، 15- 316: 11- 331: 4- 351: 19- 358: 12- 371: 6، 15- 375: 22- 376: 11- 378: 17- 379: 18، 20- 383: 14- 384: 15- 392: 2- 393: 2، 5 الدهيشة (قاعة من قاعات قلعة الجبل) :- 23: 7، 10، 18- 25: 1- 31: 3- 100: 11- 101: 10، 19- 156: 15- 218: 9، 17- 219: 2، 10- 221: 20- 242: 1- 245: 5- 272: 16- 297: 3- 313: 2- 320: 18 الدور السلطانية:- 219: 12- 247: 22، 23- 327: 1- 328: 4- 392: 6 الدولة المصرية:- 199: 14 دياربكر:- 18: 7- 168: 11- 268: 6- 273: 9- 318: 11- 384: 12

الديار المصرية:- 7: 4، 7- 8: 16- 12: 4، 12- 13: 4، 7، 13- 14: 1- 15: 3، 20- 17: 1- 18: 16- 19: 3- 31: 11- 52: 3- 57: 4، 10- 58: 20- 59: 10، 19- 60: 4- 63: 2، 5، 8- 67: 15- 68: 11- 70: 3، 16- 74: 5- 85: 13- 86: 20- 93: 4- 97: 15- 105: 12- 107: 14- 108: 1- 110: 4- 112: 7- 113: 10- 114: 6- 115: 11- 124: 15- 126: 9- 129: 13- 130: 4- 132: 16- 133: 12- 134: 7- 139: 16- 141: 6، 18- 147: 3- 150: 18- 152: 12- 154: 17- 155: 19- 158: 14- 160: 6- 164: 11- 171: 9- 174: 16- 175: 16- 176: 1، 17- 179: 11، 22- 183: 16- 184: 5، 9- 185: 15- 186: 9- 187: 3- 190: 5- 195: 1- 196: 1، 6، 8، 10، 14، 16- 197: 15- 200: 22- 201: 20- 202: 1، 10، 11، 14- 204: 5، 8، 16- 205: 11، 14- 206: 10- 207: 8، 12- 209: 8- 210: 11، 14، 17- 211: 15- 212: 7- 214: 8- 218: 3- 222: 17- 224: 16- 226: 14- 227: 6- 229: 8، 10، 16، 17- 230: 18- 245: 14- 253: 4- 255: 5، 18- 256: 8- 258: 16- 259: 1- 263: 1- 267: 12- 271: 9- 276: 13- 278: 13- 280: 14، 17، 18- 281: 5- 282: 20- 283: 10- 284: 20- 290: 9، 1، 13- 292: 12، 15، 18- 293: 3- 294: 10- 295: 7، 13- 297: 19- 298: 19- 303: 18- 311: 16- 314: 14- 318: 17- 319: 13- 322: 14- 323: 7- 325: 2- 326: 6- 327: 4- 332: 14، 17- 333: 8- 335: 8- 341: 6، 7، 9، 12- 345: 12- 350: 5- 353: 19- 354: 4، 24، 25- 355: 2- 357: 17- 358: 18، 19- 359: 7- 361: 10، 17- 362: 15- 365: 12- 368: 18- 373: 5- 381: 3، 7- 385: 4- 394: 4- 395: 7، 15 ر رأس الجب:- 98: 23 رأس سويقة منعم:- 244: 9- 245: 9 رأس القاع الصغير:- 113: 18 رأس وادى عنتر:- 113: 20 ربع الحاج عبيد البرددار:- 120: 7 ربع الدوادار الثانى بردبك:- 120: 20، 23 ربع الصاحب جمال الدين يوسف ناظر الجيش والخاص:- 120: 13 ربع القاضى زين الدين أبى بكر بن مزهر:- 120: 9 رحبة باب طبقة المقدم:- 101: 8 رشيد:- 181: 5- 251: 10

ركبخاناه الإسطبل السلطانى:- 53: 12- 54: 2 الرملة (بفلسطين) :- 110: 20 الرملة (الرميلة) :- 389: 7، 13، 18، 22- 390: 6 الرميلة:- 38: 8، 12، 19- 41: 19- 43: 4، 5- 47: 7- 51: 14- 54: 13- 79: 16- 87: 13- 88: 1- 110: 8، 16- 241: 7، 13، 22- 259: 17- 261: 20- 368: 21- 389: 22 الرها:- 59: 3، 4، 6- 275: 1، 21- 318: 10 رودس:- 224: 9 الروضة (جزيرة الروضة) :- 323: 13، 14 الربدانية:- 98: 16- 105: 17- 106: 5- 111: 15- 271: 5 ز زاوية الخدام 141: 12 زاوية قانى باى الجاركسى:- 50: 8 س ساحل البحر:- 120: 7- 121: 13- 338: 21 ساحل بولاق:- 109: 26- 118: 5، 6، 10، 23- 119: 20- 123: 21- 153: 16- 340: 7 ساحل الطينة:- 152: 21 ساحل النيل:- 120: 2- 225: 10- 251: 4- 304: 15- 306: 3- 392: 19 سبيل المؤمنى:- 50: 6، 15، 17 سجن الرحبة:- 4: 9 سجن المرقب:- 92: 21 سجن المعونة:- 12: 25 السخاوة (بالغربية) :- 224: 14، 25- 311: 18 السد:- 289: 22 السرمين:- 338: 21 سرياقوس:- 204: 15- 205: 1- 328: 2- 358: 7- 384: 8: 7، 13 سمديسة (من قرى البحيرة) :- 354: 18 سميساط:- 286: 22 السواحل الإسلامية:- 152: 20 سواحل البلاد الشامية:- 282: 23

سوق الخيل:- 31: 4- 79: 3- 87: 11- 88: 4، 11- 89: 1 سوق العنبريين:- 12: 24 سوق الغنم:- 318: 7 سوق القشاشين:- 13: 18 سوق المهاميز:- 13: 17 سويقة الصاحب:- 154: 22- 183: 10 سيواس:- 114: 21 السيوفية:- 42: 23 ش شارع الأزهر:- 96: 24 الشارع الأعظم (شارع القاهرة الأعظم- شارع المعز لدين الله الفاطمى) :- 41: 6- 118: 7 شارع بورسعيد:- 96: 23 شارع التحرير:- 195: 23 شارع الصنادقية:- 13: 21 شارع القلعة (محمد على سابقا) :- 96: 23 شارع المظفر:- 42: 23 الشام:- 9: 20- 26: 17- 68: 14- 73: 11- 79: 14- 84: 12، 15- 107: 10- 123: 10- 129: 3- 132: 14- 135: 14- 167: 7- 168: 6- 173: 1- 174: 10- 175: 2- 176: 21- 192: 11- 194: 21- 201: 23- 203: 9- 213: 1- 223: 2، 9- 226: 9- 227: 16- 228: 21- 229: 6- 230: 17- 234: 13- 236: 18- 237: 6- 239: 19- 240: 3- 256: 23- 257: 12- 258: 5، 13- 265: 15، 19، 21- 266: 2، 4، 7، 12، 18- 267: 4- 268: 2، 4، 5- 270: 11- 275: 1، 8، 21- 280: 18- 284: 1- 285: 2، 5- 289: 4- 296: 1، 4- 302: 8- 312: 15، 20- 313: 8- 330: 12- 332: 8، 15- 336: 18- 338: 7- 339: 12- 352: 1، 16- 361: 1، 19- 362: 2- 363: 16- 364: 20- 365: 4، 10- 395: 16 الشرق (بلاد العراق وبلاد العجم) :- 114: 16- 340: 2- 351: 11- 384: 1، 11 الشرقية (محافظة الشرقية) :- 30: 5- 39: 15- 53: 2- 107: 1- 192: 21- 212: 5، 8، 10- 228: 6- 315: 5- 316: 23 شرينة:- 224: 4، 5، 6، 8، 9، 13 شماخى:- 339: 18 الشيخونية (خانقاه الأمير شيخون العمرى) :- 4: 12، 13، 20 ص الصالحية- منزلة الصالحية:- 256: 23- 266: 1 الصالحية- مدرسة بشارع بين القصرين:-

281: 9- 349: 7 الصبيبة:- 119: 17- 378: 5، 6 الصعيد:- 269: 1- 303: 12، 14- 304: 2، 18- 305: 9، 16- 352: 21- 359: 14- 360: 8 الصف:- 21: 21 صفد:- 7: 2، 3، 5- 19: 12- 20: 1- 27: 2- 59: 17، 18، 19- 66: 13- 69: 8، 9- 92: 3، 5، 7- 128: 15، 18- 141: 24- 165: 17- 168: 4، 15- 223: 4، 15- 258: 6، 15- 265: 16، 18- 266: 15- 269: 11، 13- 275: 3، 11- 285: 8، 10- 291: 7، 17- 303: 9- 314: 7- 332: 12 الصليبة- صليبة احمد بن طولون:- 46: 4- 110: 8- 145: 6- 250: 17- 368: 21، 369: 5، 9 ط الطابقة (بقلعة الجبل) :- 388: 11 الطبقة (بقلعة الجبل) :- 139: 7 طبقة الخازندار فيروز:- 30: 1 طبقة الرفرف:- 357: 19، 21 طبقة الزمام:- 58: 13- 346: 7 طبقة الطازية:- 395: 9 الطبلخانات السلطانية:- 105: 11- 109: 8 طحورية:- 358: 2 طرابلس:- 13: 25- 21: 13- 26: 20- 66: 1- 69: 9، 11، 12، 13- 91: 19، 20- 92: 1، 11، 12، 13، 15، 20- 99: 18، 23- 128: 9، 12- 132: 14- 141: 15- 167: 9- 169: 3- 175: 4، 8- 179: 18- 182: 7، 12- 183: 17، 23- 184: 2، 19- 185: 1، 15- 196: 6- 199: 4، 9، 10، 11، 20، 21- 200: 1، 2، 8، 17، 18- 202: 4، 5- 203: 9- 206: 18- 207: 8- 210: 16- 211: 13- 213: 3، 5- 223: 1، 13- 226: 14- 228: 9- 264: 3- 265: 2- 285: 3، 7- 288: 19، 21- 294: 8، 9، 10، 11- 313: 15- 317: 7- 339: 8- 352: 15، 16- 354: 14- 359: 4- 361: 6- 364: 4- 377: 2 طرسرس:- 95: 5، 6- 97: 14، 23- 210: 13 طريق الحاج:- 113: 18، 20- 206: 15 طناش:- 340: 9 طنتدا:- 269: 4، 19 طنطا:- 275: 24

الطور:- 97: 10 طونجة (نهر) :- 2: 27 الطينة:- 156: 7 ظ الظاهرية (مدرسة وجامع الظاهر بيبرس) :- 228: 14- 336: 13- 368: 22 ع العارض:- 228: 2 عجلون:- 345: 24 العراق:- 114: 24- 195: 1- 350: 5- 354: 24 العراقان:- 108: 16- 384: 1، 11 عراق العجم:- 108: 16 عراق العرب:- 108: 16 العقبة:- 303: 9- 360: 15- 362: 17 عقبة أيلة:- 301: 11 عقبة الصيادين:- 13: 18 عينتاب:- 8: 18، 19. غ غانة:- 165: 22 الغربية (محافظة الغربية) :- 12: 18- 84: 5- 147: 20- 177: 5- 181: 20- 224: 15، 25- 228: 7 غزة:- 7: 3- 27: 4- 58: 19- 59: 1، 11- 69: 11- 84: 12- 92: 5، 6- 106: 16- 109: 10- 128: 18- 129: 1- 135: 3- 169: 4- 186: 15- 188: 14- 223: 16- 259: 12- 269: 13، 15،- 275: 7، 8، 9، 12- 276: 11- 284: 3- 291: 8، 9، 18- 303: 9- 319: 8، 10- 332: 12- 362: 12، 17- 365: 2 ف فاماجوستا:- 285: 24 الفرات:- 114: 20- 270: 11 فم الخور:- 340: 8 ق القاع الكبير:- 314: 14 قاع النيل:- 231: 8 قاعة البحيرة:- 392: 3 قاعة البغاددة:- 178: 1 قاعة البيسرية:- 272: 19- 302: 3، 11، 13، 20- 306: 16 قاعة الدهيشة:- 100: 3- 116: 17- 218: 9، 14، 17- 241: 6- 279: 23- 280: 2، 8- 282: 5- 302: 12- 321: 12-

القاهرة:- 2: 2، 16- 6: 4، 18- 8: 6- 9: 4- 12: 7- 13: 18- 15: 11- 18: 4- 19: 13- 20: 12، 18- 21: 5- 25: 4- 29: 16، 23- 30: 3، 4- 32: 4- 35: 7- 36: 1- 38: 19- 41: 17- 52: 4- 54: 10، 14، 19- 55: 23- 58: 10- 59: 14- 60: 1- 61: 21، 23- 71: 2، 6- 76: 6- 78: 6، 12- 79: 1، 14- 82: 11، 14- 93: 2- 97: 1، 17- 98: 1، 5، 23، 24- 99: 9، 10، 11- 100: 7- 102: 21- 103: 20- 104: 3- 105: 15، 17- 110: 3، 14، 15، 17- 111: 9، 14، 15- 112: 15- 115: 7- 118: 7، 17، 20- 119: 1، 3- 121: 4- 123: 5، 11- 124: 8، 12، 16- 125: 9- 126: 3- 127: 13- 130: 10- 132: 1- 136: 14، 16، 21- 137: 20- 138: 1- 139: 14، 17، 18، 19- 140: 14، 16- 142: 3- 143: 13، 17، 20- 145: 5، 6، 13، 17- 146: 23- 152: 18- 153: 9، 10، 11، 23- 154: 23- 155: 15، 17- 156: 2- 157: 8- 160: 3- 163: 1، 5، 7، 10- 165: 10- 166: 21- 168: 12- 169: 11- 172: 1، 5، 9، 18- 174: 5- 176: 23- 177: 5، 6- 179: 13- 180: 2، 4- 183: 10، 18- 184: 3، 6- 185: 13- 187: 12- 188: 5- 189: 13- 190: 10، 16، 19- 191: 7، 13- 192: 22- 193: 10، 12، 18- 195: 7، 8، 22- 200: 15، 16، 19- 201: 9- 202: 3- 203: 4، 5- 204: 10، 16، 17، 19- 206: 23- 209: 5- 210: 16- 211: 24- 212: 6، 7- 214: 7- 216: 13- 220: 5- 222: 3- 224: 3- 226: 8، 17، 18، 19- 227: 4- 228: 7، 10، 18، 20- 236: 19- 240: 10- 251: 17، 18، 22- 252: 20- 254: 5- 260: 5- 261: 21- 265: 4- 266: 6، 16- 267: 9، 19- 268: 7- 273: 1- 275: 24- 276: 21، 24- 277: 18- 278: 7- 281: 6- 282: 11- 283: 17- 286: 6- 288: 6- 291: 6- 293: 15- 296: 9، 11- 297: 11- 298: 3- 301- 12- 302: 4- 304: 5- 312: 10- 314: 1- 315: 6، 7، 9، 15- 316: 22- 319: 19- 324: 18- 326: 10، 11- 327: 13، 15- 328: 10، 14، 24- 329: 5، 16، 19- 330: 5- 332: 14- 336: 22- 340: 12- 343: 8- 344: 4، 11، 12، 14- 346، 17- 347: 9- 354: 7، 16- 358: 13- 359: 20- 362: 11- 364: 9- 365: 13، 14- 374: 4- 378: 11- 380: 17- 381: 6، 18- 383: 4، 16- 386: 12- 394: 13 قبر الإمام الشافعى:- 322: 23 قبرس:- 125: 19- 133: 1، 12، 18- 134: 4- 136: 11- 143: 16- 147: 9- 148: 7، 17، 18- 153: 4- 154: 9،

18- 224: 3، 9، 23- 261: 5- 264: 3، 16، 17- 269: 6- 282: 23- 285: 13، 15- 286: 2، 8، 9، 20- 310: 12- 336: 2 قبة الصالح:- 384: 9 قبة النصر:- 79: 1- 267: 7- 271: 22- 307: 7- 356: 11 القدس:- 27: 5- 65: 20- 66: 8، 11- 67: 22- 70: 5- 78: 11- 81: 2، 13، 18- 83: 1- 115: 13- 127: 15- 128: 3- 130: 20- 181: 12، 16- 191: 4، 5- 199: 3، 4- 200: 22- 213: 21- 230: 7- 365: 3، 11، 15- 379: 12- 380: 18- 384: 18- 385: 1 القرافة الصغرى:- 188: 6- 228: 22- 347: 10- 353: 20 قرافة مصر القديمة:- 56: 2 قرية منبابة:- 220: 7 قسطنطينية:- 71: 3- 95: 14- 109: 24 القصر الأبلق- القصر السلطانى- القصر الكبير السلطانى بالقلعة:- 23: 12- 24: 6- 35: 12- 43: 3- 48: 5- 51: 4- 52: 10- 58: 3، 4، 7- 67: 7- 79: 15- 80: 2، 19- 131: 13- 219: 17- 221: 20- 226: 3- 241: 6- 245: 11- 246: 12- 254: 1، 16- 261: 9- 262: 7- 278: 18- 301: 14، 15- 320: 10- 357: 2، 4، 5- 359: 13- 366: 2- 370: 4، 23- 375: 8- 387: 4، 5، 8- 388: 1- 389: 19- 391: 8، 9- 392: 5- 394: 12- 395: 19 قطيا:- 162: 6- 226: 14- 285: 5- 365: 12 قلا:- 164: 22 قلعة باف:- 224: 11، 23 القلعة- قلعة الجبل:- 4: 13، 22- 8: 6- 17: 2- 23: 8- 24: 7، 15- 27: 7- 29: 3، 4، 5- 30: 15- 34: 11- 35: 12- 38: 9، 12، 19- 39: 10، 14- 40: 4- 41: 18- 42: 1، 2، 3، 7، 11، 17- 43: 5، 6- 44: 2، 5- 45: 4، 5، 13- 49: 5، 6، 15- 50: 5، 13، 20- 51: 4، 9، 12، 16، 18، 20، 21- 52: 2- 54: 3، 17- 55: 17- 21- 57: 17 - 60: 10- 61: 12- 62: 18- 65: 9، 11، 19- 67: 1، 8- 71: 5- 72: 5- 78: 12، 16- 79: 2، 15- 80: 16- 82: 21- 83: 6، 14، 15- 86: 17- 87: 11- 88: 1، 19، 20- 89: 5، 21- 90: 13، 18- 91: 1، 7، 13- 94: 7- 99: 1، 4- 101: 23- 103: 13- 104: 9- 111: 6- 115: 8، 13- 116: 10، 18، 20- 117: 3- 118: 3، 8- 122: 1- 125: 2- 131: 17- 133: 9-

137: 13، 14- 138: 16- 145: 6- 147: 25- 150: 9- 152: 13- 153: 7، 9، 17- 155: 17- 156: 11، 15- 157: 6- 171: 5، 6، 9- 181: 18- 182: 3، 4، 11- 192: 10، 13، 14- 194: 7- 196: 5، 9- 213: 20- 214: 5- 218: 7، 8، 9- 219: 17- 222: 2، 5- 225: 22- 227: 1- 228: 2- 233: 7، 8، 9- 234: 5- 240: 12، 15- 244: 4- 246: 6، 8، 12، 21- 247: 5، 11، 13، 19- 249: 18- 250: 3، 6- 253: 14- 254: 16- 255: 2، 22- 259: 10، 12- 260: 6- 261: 9- 262: 6، 8، 10، 21- 267: 3، 5، 9- 271: 22- 274: 15- 276: 19، 20- 278: 19- 280: 14، 20، 25- 287: 4- 290: 16، 18- 291: 19- 296: 21- 297: 15- 306: 17، 18- 313: 2- 320: 5- 321: 11، 12، 20- 326: 19- 327: 2، 13، 17- 331: 2- 346: 9- 356: 9، 15- 357: 19، 21- 358: 6- 363: 17- 364: 2- 367: 5، 7- 368: 6، 9، 19- 369: 1، 8، 22- 377: 22- 378: 2- 381: 15- 382: 21- 383: 5- 385: 15، 19، 20- 386: 1، 13، 19، 20- 387: 21- 388: 16، 20- 389: 5، 17، 18- 390: 5- 392: 19 قلعة حلب:- 169: 4- 172: 13- 206: 7- 270: 1، 3- 334: 4 قلعة دمشق:- 106: 9- 267: 21- 298: 2- 384، 19 قلعة دوالى:- 109: 1، 19 قلعة الرها:- 168: 11 قلعة الشام:- 137: 1 قلعة صفد:- 66: 13- 213: 4- 337: 1- 338 8- 345: 1 قلعة كركر:- 286: 17، 22 قلعة المرقب:- 199: 12- 353: 9 الفليوبية:- 386: 11 قناطر الأوز:- 328: 10، 20، 23 قناطر السباع:- 145: 6- 150: 12 قنطرة أمير حسين:- 96: 5، 20، 24 قنطرة باب الخرق:- 96: 22 قنطرة طقز دمر:- 20: 11، 23- 334: 11، 22 قنطرة عز الدين موسك:- 96: 22 قنطرة قديدار:- 195: 13، 21 قونية:-

109: 16- 119: 4- 334: 20 قيسارية:- 334: 20 قيسارية العصفر:- 12: 24 قيصرية:- 109: 16 ك كاليفورنيا:- 1: 19- 3: 17- 6: 20، 21- 7: 24- 8: 20- 10: 21- 14: 24- 16: 18- 17: 21- 19: 16، 18، 20- 19: 17- 20: 24- 21: 20- 23: 21- 24: 17، 18، 20- 25: 18، 19- 26: 22- 27: 18- 28: 25- 29: 24- 30: 20- 32: 21، 22- 35: 19- 38: 17، 18- 39: 18، 21- 40: 22- 41: 23- 42: 19، 22- 44: 21، 24- 45: 21- 46: 21- 48: 22- 50: 21، 22- 53: 24- 54: 25- 56: 8- 57: 21- 58: 21- 62: 20- 63: 18، 20، 21، 23- 64: 20، 21- 66: 19، 23- 67: 20- 68: 20، 23- 69: 19، 21، 22، 23- 70: 23، 24- 71: 21- 73: 18- 75: 23- 81: 25- 83: 19، 21- 85: 24- 93: 14- 111: 22- 124: 21- 130: 22- 131: 23- 132: 22، 25- 140: 22، 23- 141: 23- 142: 22- 145: 22- 146: 22- 153: 22- 155: 20- 156: 22- 157: 24- 159: 22- 160: 21- 163: 22- 172: 20- 187: 22- 207: 22- 208: 7- 217: 15، 16- 219: 25- 225: 23- 227: 22- 229: 22، 23- 230: 23- 232: 22، 24- 234: 23- 235: 23- 236: 22- 239: 23- 240: 21- 241: 21- 243: 22، 23- 244: 25- 250: 24- 253: 21- 254: 23، 24- 257: 20- 260: 22- 267: 23- 269: 20، 21- 271: 20، 21- 273: 21- 274: 20، 22- 278: 20، 24- 284: 19، 26- 286: 20- 289: 22، 23- 293: 23- 296: 23- 297: 23- 298: 22، 23- 302: 24- 306: 23- 308: 23- 310: 20 - 322: 24- 323: 25- 329: 22- 331: 23- 334: 21- 336: 23- 338: 19- 340: 24- 343: 21- 345: 22- 346: 24- 349: 22- 357: 20- 358: 23- 360: 22- 361: 22- 363: 23- 364: 22- 365: 23- 366: 7- 368: 24- 375: 23- 378: 23، 24- 380: 21- 381: 20، 23- 382: 23- 383: 26، 27- 384: 22- 390: 23- 392: 23- 395: 20- 396: 8 الكبش:- 38: 15- 88: 1، 21- 104: 10- 110: 7- 154: 6- 250: 19 الكرك:- 21: 8- 27: 5- 75: 12- 127: 5- 136: 5- 301: 10 كولاك:- 97: 23

كولك:- 97: 15، 23 كوم أشفين:- 116: 20، 23 ل لارندة:- 97: 13، 19- 334: 20 اللوق:- 195: 21 م الماغوصة:- 224: 13- 285: 13، 14، 15، 16، 19- 286: 7، 8- 333: 2، 3 محافظة القليوبية:- 358: 21 المحلة الكبرى:- 139: 13، 14- 140: 9- 181: 20 المخاطب:- 113: 18، 20 المخبأة- بخرجة قلعة الجبل:- 388: 9، 10، 17 المدرج- بقلعة الجبل:- 154: 21 مدرسة الأشرف إينال:- 97: 3 المدرسة الأشرفية برسباى:- 12: 15، 22- 187: 14 مدرسة السعدى إبراهيم بن الجيعان:- 118: 5 مدرسة السلطان حسن- المدرسة الحسينية:- 42: 3، 14، 20- 234: 1 المدرسة الظاهرية- مدرسة الظاهر برقوق:- 9: 4، 5- 215: 21 المدينة النبوية الشريفة:- 3: 23- 5: 19- 6: 2- 21: 4- 207: 4، 5- 209: 18- 216: 21- 274: 8- 336: 18- 348: 12 مرعش:- 364: 21 المرعش (هى الماغوصة بقبرس) :- 285: 23 المرقب:- 92: 1، 14 مركز إسنا:- 352: 24 مركز قليوب:- 116: 23 مريج (نهر) :- 2: 27 مريس:- 120: 17 المزاحمتين:- 181: 5 مصر:- 1: 2- 4: 3- 8: 21- 9: 20- 10: 25- 12: 2- 13: 20- 21: 14، 16- 23: 2، 5- 46: 13- 54: 16- 55: 7- 56: 3- 57: 2- 59: 16- 71: 20- 73: 20- 124: 12- 126: 21- 129: 11- 131: 15- 137: 23-- 139: 12- 141: 12- 147: 13- 162: 2- 167: 21- 170: 2- 174: 2- 176: 2- 181: 2، 8- 183: 2- 184: 1- 187: 17- 190: 2- 192:

20- 199: 2- 202: 16، 20، 22- 203: 11- 205: 2- 206: 11- 209: 2- 218: 2- 223: 5- 229: 15، 19، 20، 21- 230: 7- 235: 19، 20- 249: 6- 252: 4- 253: 2- 257: 2، 3- 258: 10- 259: 2- 266: 2- 270: 1- 279: 7- 281: 9، 18- 292: 21- 293: 1- 303: 11، 12- 309: 6- 310: 3- 315: 3- 317: 3، 7- 326: 3- 330: 20- 338: 3- 343: 3- 351: 3، 12- 352: 21- 356: 3- 367: 3- 373: 3- 374: 4، 8، 9- 375: 12- 377: 18- 380: 13- 383: 9- 386: 11- 389: 11- 394: 3- 396: 7، 12 مصر القديمة:- 132: 6- 144: 19- 318: 18 مصلاة باب النصر:- 140: 13- 144: 1، 2، 8، 14- 145: 15- 146: 2، 11، 17- 164: 12- 197: 12- 330: 7 مصلاة البياطرة:- 144: 15- 145: 17- 146: 2، 12، 17 مصلاة المؤمنى:- 1: 11، 22- 7: 8- 13: 9- 144: 3- 145: 19- 146: 3، 12، 18- 176: 18- 315: 15- 319: 1، 13، 20- 329: 6- 348: 2- 350: 2- 353: 21 المصيصة:- 97: 21 المطاعنة:- 352: 24 مطعم الطير:- 267: 8 المعلاة:- 201: 8- 203: 20- 204: 6- 338: 18 مقابر باب شبيكة:- 311: 4 مقابر الصوفية:- 330: 7 مقام إبراهيم- عليه السلام:- 82: 10- 93: 8 مقام الإمام الشافعى:- 185: 16 مقام الشيخ أحمد البدوى:- 191: 7، 10 مقعد الإسطبل السلطانى:- 262: 7- 369: 14- 373: 10- 391: 1، 8 مقعد الحراقة:- 391: 3 المقياس:- 289: 21- 295: 3 مكة المكرمة:- 8: 6- 11: 3، 4- 20: 5- 31: 12- 92: 17، 18- 93: 1، 7، 9، 15، 19- 94: 2- 106: 12- 112: 2، 17- 117: 13، 18- 119: 18- 129: 10، 11- 149: 1- 152: 12- 163: 19- 179: 2، 3، 5، 6، 7، 8، 10، 11، 13، 15- 180: 1، 9- 186: 1، 3، 4، 5، 6- 187: 17- 200: 14، 15- 201: 6- 203: 19، 20- 204: 2، 6، 9- 212: 17- 216: 6، 15، 16، 23- 260: 5-

262: 20- 311: 3، 4، 5- 314: 14 323: 8- 334: 13- 338: 12، 15، 16، 17، 21، 23- 352، 19، 20- 353: 15، 16- 378: 8، 9، 10 ملطية:- 95: 4، 5- 115: 3- 180: 11، 12، 16- 209: 11- 267: 19- 286: 22- 316: 18 ممالك الروم:- 2: 11 ممالك العجم:- 114: 17 مملكة أولاد عثمان جق:- 2: 25 مملكة الروم:- 2: 12 منبابة:- 68: 21- 87: 10- 220: 7- منزلة بدر:- 314: 15 منزلة الصالحية:- 110: 18- 188: 4 منزلة قارا:- 364: 21 المنشية:- 38: 19 منف:- 140: 9 المنوفية:- 201: 9- 228: 7 منى:- 11: 3 منية عباد:- 147: 20 الموصل:- 275: 21 ميافارقين:- 18: 20 ميدان التحرير:- 195: 23 ميدان صلاح الدين الأيوبى:- 38: 20 الميدان الكبير:- 80: 5- 153: 17 الميدان الناصرى:- 382: 20 الميناء الشرقى:- 171: 21 ن النيل:- 11: 11- 22: 4- 31: 5- 56: 2، 3 - 61: 12- 118: 6- 150: 16- 169: 16- 173: 12- 177: 5- 180: 18- 182: 20- 189: 16- 198: 3- 200: 3، 4- 208: 5- 217: 13- 231: 8- 275: 19- 286: 19- 287: 3- 295: 3- 305: 17- 314: 18- 317: 15- 325: 6- 337: 3- 340: 7- 342: 3، 4- 350: 8- 355: 4- 379: 21 نيويورك:- 8: 23 هـ الهند:- 323: 1، 2

ووادى الآبار:- 338: 16 الوجه:- 113: 1، 20 الوجه البحرى:- 30: 5- 67: 17- 138: 1- 139: 11- 155: 9- 177: 6- 201: 9- 212: 5- 311: 18- 315: 6- 334: 9 الوجه القبلى:- 24: 21- 33: 23- 67: 17- 68: 22- 149: 9- 152: 4- 268: 13- 340- 11- 359: 22- 391: 12 الوسطانية (جزيرة أروى) :- 334: 9 الوكالة الأميرية:- 13: 18 ى اليمن:- 179: 9- 182: 16، 18- 323: 1- 338: 11، 21 ينبع- ألينبع.

فهرس الألفاظ الاصطلاحية وأسماء الوظائف والرتب والألقاب التي كانت مستعملة في عصر المؤلف

فهرس الألفاظ الاصطلاحية وأسماء الوظائف والرتب والألقاب التي كانت مستعملة في عصر المؤلف الف الأتابك:- 21: 2- 35: 14- 38: 1، 4- 40: 18- 45: 2، 9، 12، 17، 18- 46: 20- 48: 2، 10- 51: 8- 60: 5، 6- 61: 18- 62: 4- 77: 9- 162: 13، 14- 169: 3- 174: 17- 175: 9- 176: 22- 181: 15- 182: 21- 183: 22- 184: 6- 185: 6- 194: 1- 200: 10، 12- 201: 20- 202: 8- 206: 17- 221: 14- 222: 14- 226: 15- 228: 17- 241: 17- 242: 17- 243: 4، 7- 244: 4، 8، 18- 245: 11، 22- 246: 4- 247: 21- 269: 17- 274: 5- 289: 10، 12- 291: 9- 293: 9- 294: 12- 295: 3، 13، 17- 306: 1، 5، 13، 19- 307: 10- 313: 9- 315: 18- 316: 9- 327: 5، 8، 9- 331: 1، 2- 351: 19- 356: 8، 15- 357: 2، 359: 8، 16، 19- 361: 7- 369: 21، 23- 377: 19- 378: 3، 17- 379: 15- 380: 19- 385: 15، 18- 386: 3، 10، 11- 389، 2، 3، 4، 390: 8، 14، 21- 391: 3، 11، 16- 392: 11- 394: 7. أتابك حلب:- 77: 18- 169: 6- 206: 14- 209: 12- 269: 15: 15- 275: 16. أتابك دمشق:- 59: 20- 68: 10- 127: 18- 135: 15 200: 9- 202: 1، 3- 211: 8- 217: 3- 265: 21- 361: 7 أتابك- طرابلس:- 69: 9، 11- 92: 11، 12 أتابك العساكر:- 60: 16- 62: 2- 126: 9- 155: 19- 196: 1، 21- 197: 1، 11- 221: 3، 9- 245: 14- 256: 3- 289: 8، 15، 16- 295: 13- 350: 5- 359: 7، 11- 374: 1- 394: 15 أتابك عساكر دمشق:- 148: 10 الأتابكية:- 7: 16- 55: 12- 63: 9- 75: 2- 197: 2، 3، 4- 235: 14- 242: 23- 294: 13- 351: 17، 19، 21- 357: 13- 359: 1، 7- 378: 17- 395: 18. أتابكية حلب:- 92: 9، 10- 180: 15- 206: 18- 291: 10- 313: 11، 12 أتابكية دمشق:- 127: 18- 201: 1- 211: 5

أتابكية صفد:- 20: 1 أتابكية طرابلس:- 206: 18 أتابكية العساكر:- 60، 4، 16- 62: 2- 155: 19- 183: 21- 184: 5، 9- 196: 1، 21- 197: 1، 11- 200: 22- 221: 3، 9- 245: 14- 256: 3- 289: 8، 15، 16- 295: 13- 350: 5- 359: 7، 11- 374: 1- 394: 15 أثواب بعلبكى:- 118: 18 أثواب مخمل:- 80: 12 الأجلاب:- 90: 8- 91: 5- 100: 12، 20- 102: 11- 124: 7- 125: 23- 139: 6- 143: 2، 3، 7- 146: 6- 231: 15، 18، 20، 21- 232: 11، 236: 13- 241: 10- 242: 2، 9- 342: 14- 246: 21- 249: 7- 258: 19- 288: 3- 289: 3- 290: 14، 17- 291: 1- 296: 14- 308: 13- 356: 19- 359: 11- 361: 13- 364: 12، 13- 366: 2- 367: 7، 20- 368: 2، 4، 5، 10، 22- 369: 1، 8- 370: 15- 383: 13- 385: 16- 387: 5، 21- 388: 3، 11، 14، 21- 389: 12، 17- 390: 4، 21 الأجلاب الأعيان:- 88: 14 الأجناد:- 72: 19- 242: 7- 287: 2- 383: 10 الأجناد الأعيان:- 158: 7 الأجناد القرانيص:- 142: 20 الأخصاص (جمع خص) :- 118: 11، 13 أرباب التقويم (المشتغلون بالفلك) :- 298: 8- 331: 9 أرباب الحوائج:- 377: 10 أرباب الدولة:- 79: 14- 80: 5- 93: 4- 104: 6- 118: 4- 276: 18- 373: 12- 375: 15 أرباب السياسة:- 114: 7 أرباب الشرع الشريف:- 114: 6 أرباب الصنائع:- 150: 14- 276: 6 أرباب الكمالات:- 173: 11 أرباب المملكة:- 273: 3 أرباب الوظائف:- 69: 24- 72: 18، 19، 21- 73: 6، 14- 74: 7- 103: 16- 222: 11- 246: 19 الأرباع (جمع ربع) :- 22: 12

الأرزاق:- 67: 21- 287: 14 أركان الدولة:- 226: 4 الأستادار:- 6: 5- 27: 9، 10، 15- 28: 17- 29: 1، 2، 10، 22- 30: 1، 7، 12- 32: 19- 33: 5- 39: 10- 70: 7، 10- 77: 6- 83: 6، 11- 84: 2، 3- 96: 3- 97: 6- 112: 2- 130: 2- 138: 6- 152: 2- 174: 6، 20- 197: 20- 245: 13- 274: 17، 18- 276: 7- 283: 8- 291: 19- 293: 13، 14- 294: 1- 295: 11- 299: 4، 307: 5- 341: 4- 354: 14 أستادار السلطان:- 141: 15- 305: 16 أستادار الصحبة:- 40: 1- 64: 6- 65: 20- 74: 13- 215: 17- 284: 14- 292: 16- 303: 23- 364: 10 أستادار الصحبة السلطانية:- 146: 15 أستادار العالية:- 43: 21 الأستادارية:- 27: 13، 17- 28: 1، 2- 29: 2- 70: 2- 76: 4- 77: 20- 78: 13- 83: 7- 84: 5- 96: 1- 135: 16- 141: 16- 152: 8- 172: 10، 11- 209: 16- 225: 13، 14، 15- 291: 20- 312: 11- 334: 15- 341: 4 الاستادارية الكبرى:- 61: 9 الأستاذ:- 89: 9، 10- 90: 9- 91: 8- 92: 21، 25، 164: 22- 170: 6، 9- 172: 11، 21- 176: 8- 183: 6- 185: 1- 190: 10- 192: 19- 199: 7- 200: 11- 216: 4- 223: 5- 231: 4، 5- 240: 20- 242: 16- 259: 18- 260: 9- 261: 22- 279: 16- 284: 24- 293: 1- 310: 19- 312: 20- 315: 17- 321: 14، 15، 322: 18- 324: 7، 8- 326: 20- 336: 7، 20- 338: 7- 339: 10- 346: 12- 352: 5- 359: 12- 363: 10- 364: 15- 374: 19- 376: 7- 381: 18- 395: 10. الإسرائيليات:- 243: 10 أشراف مكة:- 179: 3، 15 الأشرفية:- 89: 11- 228: 14- 235: 6، 8- 237: 2، 5، 7، 12، 21- 239: 1، 6، 9- 240: 23- 243: 2- 261: 10- 262: 1، 12، 13- 284: 15- 303: 23- 376: 21 الأشرفية (دنانير ذهب) :- 100: 13- 323: 10 الأشرفية إينال:- 64: 5- 67: 21

الأشرفية برسباى:- 31: 8- 35: 5- 36: 3، 5، 6، 9- 37: 2- 40: 5- 106: 20- 147: 23- 229: 18- 234: 3، 6، 11، 16- 276: 1- 383: 21 الأشرفية الصغار:- 264: 17- 304: 1، 2- 305: 1، 2- 366: 3- 367: 16- 368: 17- 369: 11- 383: 13- 389: 4 الأشرفية الكبار:- 262: 12- 264: 17- 304: 1- 305: 1، 2- 366: 3- 367: 6، 14، 15- 368: 17- 369: 10- 383: 12- 389: 3 الأطباء (جمع طبيب) :- 274: 4 الأطبار:- 5: 7 الأطراف:- 341: 8 أطلس متمر:- 23: 15- 59: 8- 115: 9- 154: 1- 220: 9- 254: 8 الأعسال:- 375: 17 أعلام أحمدية (نسبة إلى اتباع سيدى أحمد البدوى) :- 346: 10، 23 أعمال حلب:- 270: 13 281: 9 الأعوام (يريد العوام جمع عامى) :- 341: 8 الأعيان:- 33: 11- 40: 12- 41: 16- 72: 18 82: 12- 90: 11- 94: 14- 97: 4- 102: 18- 107: 3- 120: 11- 121: 17- 123: 14- 142: 19- 146: 19- 155: 10- 156: 15- 219: 7، 8، 11- 233: 12- 234: 5- 237: 3- 253: 15- 281: 6، 12- 304: 22- 341: 19- 374: 7 أعيان أرباب الوظائف:- 72: 13 أعيان الأمراء:- 24: 8- 32: 8- 39: 8- 40: 6- 49: 5- 56: 1- 64: 10- 72: 13- 158: 9- 238: 4- 243: 17، 19- 250: 1- 320: 12- 335: 11- 337: 2- 338: 11- 356: 12- 388: 13- أعيان- الخاصكية:- 242: 7- 358: 1- 367: 15، 16 أعيان الخجداشية:- 237: 3 أعيان دمشق:- 230: 14 أعيان الدولة:- 23: 7، 12- 57: 12- 71: 8- 72: 8- 104: 10- 110: 2- 111: 7- 124: 4- 150: 9- 173: 2- 197: 16- 246: 18- 277: 13- أعيان الطواشية:- 215: 1 أعيان الظاهرية:- 243: 1 أعيان الظاهرية الجقمقية:- 257: 6

أعيان العسكر: 242: 17 أعيان الفرنج القبارسة:- 147: 8، 9 أعيان الفقهاء:- 325: 2- 349: 18 أعيان فقهاء المالكية:- 170: 16 أعيان مباشرى الدولة:- 110: 12- 136: 11 أعيان مكة:- 17: 18، 20 أعيان المماليك:- 242: 13 أعيان المماليك الأشرفية:- 38: 7 أعيان المماليك الظاهرية:- 229: 10، 11 أعيان موقعى الدست:- 205: 13- 335: 8 أعيان المملكة:- 27: 15- 280: 13 أعيان الوظائف المعدود أصحابها من ذوى الرياسات:- 77: 14 أغا:- 47: 3- 260: 9 الأقاطيع- الإقطاءات:- 67: 21 إقامة الحج (أمتعة الحاج) :- 300: 16، 20 الإقطاع:- 7: 15- 19: 1، 19- 23: 16- 25: 6 8، 10، 12، 14- 28: 14- 31: 15، 16- 32: 1، 13، 14- 33: 15، 17- 34: 1- 39: 11- 59: 15: 63: 8- 65: 8- 67: 2، 3- 68: 3، 5، 7، 10 11، 12- 69: 12- 70: 3، 6- 71: 17، 21- 85: 4، 6، 7- 87: 1- 88: 15- 1 99: 5، 6- 106: 16- 112: 3- 113: 11، 13، 14، 16- 116: 20، 21- 117: 2- 126: 10، 11- 128: 3- 131: 3، 5- 134: 7، 8- 136: 5- 141: 4، 5، 8- 142: 17، 18، 19، 20، 21- 143: 1، 3، 4- 149: 2- 154: 11، 12- 164: 22- 166: 21- 170: 13- 184: 14- 190: 12، 13- 192: 4- 196: 12، 15، 16- 202: 16- 221: 6، 14، 15، 16، 17، 19- 255: 17- 263: 2، 3- 265: 4، 5، 6- 267: 15، 16- 280: 21- 283: 17- 284: 4، 5، 6، 7، 21- 285: 11- 288: 3- 289: 12- 295: 14، 15- 343: 17- 358: 15- 359: 19- 363: 15، 16، 17- 383: 1، 4، 8- 395: 17 إقطاع الأتابكية:- 221: 6 الإقطاعات (جمع إقطاع) :- 28: 3- 36: 18- 48: 11- 72: 19- 89: 19- 113: 25- 235: 4- 242: 13- 258: 18- 19- 264: 12- 381: 4 إقطاعات الأجناد:- 142: 17

الأكابر:- 241: 9- 339: 1- 343: 18 أكابر الأمراء:- 48: 5- 124: 18- 272: 17- 373: 98، 15- 378: 1 أكابر أمراء الظاهرية:- 278: 18 أكابر الدولة:- 135: 10- 233: 17 أكابر ملوك الترك:- 370: 9 إكديش:- 232: 8 الأكوار الذهب:- 110: 9 إمام السلطان:- 180: 1، 7- 354: 5- 336: 13 إمام المدرسة الأشرفية:- 12: 15 إمام مقام إبراهيم:- 93: 8 الأمان:- 52: 3، 19- 156: 12- 304: 8 الأمراء:- 219: 7- 220: 4- 221: 3- 223: 3- 240: 17: 254: 1، 3، 17- 259: 19- 267: 4- 278: 17- 283: 15- 287: 17- 373: 20- 379: 4- 390: 6، 8- 391: 1، 4- 392: 16، 20- 393: 1- 394: 12 أمراء آخورية السلطان:- 200: 18 أمراء الأتراك:- 92: 22 الأمراء الأجلاب:- 381: 17- 382: 11 الأمراء الأشراف:- 21: 3- 165: 19- 264: 7 الأمراء الأكابر:- 305: 22 أمراء الألوف:- 18: 16- 33: 16- 34: 21- 49: 8- 60: 2- 87: 5- 88: 13- 105: 9- 110: 12- 128: 20- 134: 6- 141: 6- 151: 5- 196: 13- 197: 1- 200: 10- 222: 10- 223: 4- 228: 16- 259: 7- 261: 10، 11، 12- 262: 19- 268: 15- 270: 6- 276: 15- 277: 13- 282: 5- 285: 10- 287: 5- 293: 9- 304: 22- 305: 13- 306: 3- 307- 4- 343: 8- 362- 8، 9- 363: 1- 367: 4- 378: 12 أمراء البلاد الشامية:- 361: 8 أمراء الحج:- 110: 7 أمراء الخمسات:- 28: 14- 186: 12- 189: 5 أمراء دمشق:- 68: 15- 167: 5- 179: 16- 271: 17- 385: 3

أمراء الدولة:- 57: 13 الأمراء السيفية:- 367: 16 أمراء صفد:- 92: 7 أمراء الطبلخانات:- 31: 1، 2، 10، 14، 17- 40: 9- 70: 3- 71: 3- 72: 3- 74: 7- 75: 5- 78: 19- 82: 15- 87: 6- 89: 4، 5- 93: 12- 99: 4- 105: 11، 20- 109: 8- 111: 10- 116: 21- 126: 12- 128: 8- 129: 10- 131: 9- 151: 6- 170: 4- 176: 6- 179: 19- 189: 10- 200: 12- 216: 6- 222: 12- 261: 13- 268: 15- 270: 8، 17- 276: 6- 277: 18- 284: 12: 290: 5- 293: 11- 294: 8- 307: 5- 310: 17- 321: 2- 324: 15- 335: 14- 346: 16- 347: 1- 351: 12- 362: 10- 367: 12 أمراء طرابلس:- 92: 12- 99: 23- 179: 18- 182: 6- 313: 14 أمراء الظاهر برقوق- الأمراء الظاهرية برقوق:- 74: 5 أمراء الظاهر جقمق- الأمراء الظاهرية جقمق:- 49: 2- 53: 19- 54: 2- 279: 6، 9، 10 أمراء العرب:- 110: 9 أمراء العشرات:- 19: 15- 25: 19- 26: 3- 28: 26- 32: 13- 34: 1، 22- 39: 14- 40: 10- 42: 6- 44: 1- 60: 12- 63: 10- 69: 2، 10- 75: 17- 81: 5- 87: 6- 105: 22- 106: 12- 109: 8- 111: 2- 117: 1، 21- 128: 14، 16، 19- 129: 8- 133: 16- 136: 5، 8- 146: 15- 151: 9، 16- 155: 10- 164: 3- 172: 18- 174: 4- 183: 4- 186: 14- 188: 13- 190: 8- 191: 16- 200: 12- 207: 7- 212: 16- 213: 8، 19- 215: 15- 222: 13- 223: 8، 10- 240: 3، 7- 261: 13- 268: 11- 270: 9- 279: 3، 7- 282: 20- 288: 3- 290: 6- 293: 11- 295: 18- 301: 7- 303: 22- 307: 6- 312: 12- 317: 10- 319: 18- 333: 1- 343: 5، 15- 348: 6- 349: 19- 353: 4- 362: 0 367: 12، 14- 379: 3، 17- 382: 13 15، 17- 383: 4 أمراء مائة:- 73: 6 الأمراء المجردون:- 105: 7 أمراء مصر:- 73: 20 الأمراء مقدمو الألوف:- 49: 6 الأمراء المؤيدية:- 30: 14- 365: 22- 383: 3

إمرة:- 19: 9- 64: 7- 70: 5- 76: 3- 94: 3- 131: 7- 168: 5- 179: 15- 214: 7- 322: 15، 17- 336: 2- 343: 18، 19- 358: 4- 364: 16- 377: 5- 378: 13- 382: 12- 395: 12 إمرة أربعين:- 25: 11، 13- 31: 15 إمرة ألينبع:- 5: 17 إمرة التركمان:- 211: 19 إمرة الحاج الأول:- 117: 12 إمرة خمسة:- 192: 2 إمرة دمشق:- 189: 13- 275: 7 إمرة الركب الأول:- 117: 17- 382: 3 إمرة سلاح:- 34: 11- 60: 17- 62: 1- 183: 9، 21- 184: 9، 12، 15- 196: 17- 221 : 8- 255: 21- 256: 1- 259: 23- 351: 16- 359: 1- 363: 13 إمرة صفد:- 223: 4 إمرة طبلخاناه:- 58: 17- 61: 5- 62: 17: 63: 10- 111: 12- 126: 11- 128: 21- 134: 9- 154: 10- 162-: 22- 163: 20- 168: 6 176: 11، 21- 182: 12- 188: 8- 196: 6- 207: 18- 216: 9، 14- 222: 19- 282: 21- 324: 19- 339: 14- 379: 19- 395: 13 إمرة عشرة:- 19: 2، 21- 25: 14- 28: 14، 15، 16- 29: 12- 32: 1- 58: 16- 64: 1- 68: 8: 70: 6- 99: 6: 106: 17- 112: 5- 114: 1- 116: 13- 117: 4- 140: 1، 20- 149: 4- 154: 13- 165: 17- 169: 9- 170: 10- 186: 19: 190: 13- 201: 18- 205: 19 - 207: 17- 216: 14- 225: 11- 257: 17- 258: 11، 21- 263: 6- 284: 21- 316: 3- 343: 20- 345: 4- 358: 4- 364: 12- 377: 6- 382: 14، 18، 395: 12 إمرة عشرين:- 29: 12- 62: 12، 17- 75: 18 إمرة مائة:- 85: 5- 86: 20 إمرة مائة وتقدمه ألف:- 7: 15- 31: 10- 59: 9، 14، 19- 62: 2- 63: 1، 5، 7- 67: 3- 68: 11- 111: 11- 134: 20- 154: 9- 166: 3، 6- 168: 13- 169: 12- 174: 15- 188: 9- 196: 6، 8- 200: 16- 202: 11- 211: 13- 222: 16- 226: 3- 227: 3- 262: 20- 267: 14- 275: 5- 282: 12- 288: 3- 395: 15- 291: 8- 316: 6، 16- 358: 18- 378: 13

إمرة مجلس:- 34: 11- 60: 19- 183: 19- 184: 5، 11، 13- 192: 5- 214: 13- 289: 16- 351: 15، 16- 359: 1، 18- 378: 18، 19 أمره المدينة:- 6: 1 إمرة مكة:- 93: 1- 179: 6، 7، 10، 11 أمره عشرة (جعله أمير عشرة) :- 181: 13- 322: 16 إمريات:- 264: 12- 383: 12 الأمير آخور:- 26: 20- 27: 1- 50: 1- 51: 17- 66: 12- 67: 4- 79: 14- 96: 15- 163: 3- 174: 10، 12- 192: 6- 229: 2- 241-: 12- 244: 4- 317: 5- 336: 19- 364: 17، 18- 377: 6 الأمير آخور الثالث:- 32: 2، 3- 39: 2- 54: 5- 131: 4- 154: 18- 155: 2- 174: 15- 209: 15- 216: 9- 296: 16 الأمير آخور الثانى:- 31: 1- 32: 2- 39: 17- 56: 5- 61: 15- 62: 15- 66: 5- 71: 11- 74: 22- 75: 19- 105: 20- 129: 9- 131: 3، 9- 154: 9- 155: 1- 205: 16- 216: 5- 266: 13- 267: 14- 277: 21- 278: 8- 284: 10- 305: 23- 358: 10، 16- 377: 17- 381: 6: 174: 12 الأمير آخور الكبير:- 26: 6- 34: 12، 13- 39: 9- 61: 1، 14- 73: 10- 93: 13- 114: 1- 141: 2- 213: 13- 316: 7- 240: 14- 241: 9- 243: 18- 254: 21- 265: 1- 270: 16- 293: 9- 294: 11- 265: 12، 16- 305: 23- 306: 8- 315: 13- 321: 18- 377: 3- 378: 1- 379: 9- 389: 1 الأمير آخورية (وظيفة) :- 114: 2، 12- 211: 10 الأمير آخورية الأجناد:- 211: 10 الأمير آخورية الثانية:- 205: 20- 206: 1- 216: 9- 358: 17 الأمير آخورية الكبرى:- 166: 10- 183: 17- 265: 3- 352: 10- 359: 3- 381: 8 أمير الينبع:- 172: 7 أمير التركمان:- 172: 23- 211: 18 أمير جاندار:- 75: 3- 287: 1- 293: 10- 295: 15- 362: 9 أمير الحاج:- 301: 4- 382: 3 أمير حاج الركب الأول:- 117: 12- 292: 16- 301: 2

أمير حاج المحمل:- 24: 12- 93: 11- 98: 14- 104: 8- 111: 14- 115: 6- 117: 8- 129: 7- 133: 14- 136: 8- 151: 15- 152: 16- 155: 4- 166: 15- 196: 10، 11- 235: 14: 265: 10- 271: 4- 274: 6- 277: 6- 283: 6- 288: 6- 290: 12- 291: 3- 293: 21- 296: 16- 299: 5- 365: 19- 382: 2 أمير حاج المحمل الشامى:- 209: 17- 336: 17 أمير الركب الأول:- 93: 12- 111: 20- 126: 3، 4- 129: 8- 133: 15- 151: 16- 152: 15- 155: 4- 185: 8- 205: 20- 265: 11- 296: 16- 299: 6- 271: 6- 274: 5- 277: 7- 288: 6- 290: 11- 291: 4- 351: 10- 365: 20- 382: 4. أمير سلاح:- 33: 14- 34: 3- 38: 25- 39: 3، 8- 48: 5- 50: 1- 52: 15- 53: 16- 61: 13- 62: 7- 69: 4- 73: 8، 16- 74: 1- 87: 5- 89: 7- 90: 16- 105: 8، 16- 108: 20- 109: 12- 111: 5- 149: 9- 152: 4- 196: 19- 219: 13- 220: 9- 221: 3- 222: 10- 229: 1- 243: 18- 254: 3، 12، 21- 266: 4، 11، 270: 7- 287: 7- 303: 21- 306: 2- 329: 5- 330: 21- 359: 13- 360: 8- 362: 4- 367: 10- 375: 13- 376: 9- 378: 1- 379: 5- 382: 19، 21- 384: 15- 386: 15- 390: 9 أمير شكار:- 267: 8 أمير طبلخاناه:- 63: 16- 201: 18- 183: 15- 258: 1- 261: 15- 358: 8، 16 أمير عربان الوجه القبلى:- 24: 21 أمير عرب هوارة:- 203: 14 أمير عشرة:- 31: 23- 64: 2- 74: 10، 11، 12- 76: 2- 105: 11- 111: 21- 117: 3- 162: 20- 183: 14- 196: 4- 264: 5- 324: 18- 328: 2: 330: 17- 352: 6- 364: 10 أمير عشرين:- 75: 19 الأمير الكبير:- 4: 20- 38: 14- 40: 6، 7، 11، 13- 41: 2، 3، 6، 9، 15، 16- 42: 5، 9، 10، 14، 17، 18- 43: 9، 11، 13، 19- 44: 1، 4، 6، 11، 15، 19، 22- 45: 1، 4، 14، 16، 19- 46: 2، 3، 4، 17، 18- 47: 3، 13، 18، 20- 48: 7، 9، 21- 49: 1، 4، 8، 10، 12- 50: 6، 9، 10، 11، 15، 16، 19- 52: 5، 10، 12، 14، 20- 53: 7، 8، 9، 14- 54: 7- 73: 7- 126:

9- 195: 17- 222: 8- 239: 1، 7- 240: 19، 23- 241: 9- 244: 10- 245: 21- 246: 7- 246: 8، 16، 18- 247: 2، 4، 18، 20- 261: 17- 289: 5- 305: 12- 394: 16 أمير مائة:- 126: 11، 13- 184: 1 أمير مائة ومقدم ألف:- 35: 1- 163: 20- 174: 19- 176: 21- 177: 1- 183: 15، 18- 184: 1- 196: 9- 201: 19- 202: 2- 214: 7- 264: 20- 293: 18- 330: 20- 332: 14- 351: 13- 352: 7 أمير مجلس:- 25: 7- 34: 3، 10، 13- 40: 7- 60: 17- 73: 9- 113: 12- 114: 2- 184: 1- 196: 16- 184: 3، 8- 91: 20- 200: 11- 221: 8، 10- 234: 7- 254: 12- 259: 22- 287: 7- 289: 8، 9- 293: 9- 294: 11- 306: 2، 5، 10- 330: 21- 357: 13- 362: 4- 363: 13- 367: 6- 368: 13- 370: 1- 378: 18- 379: 5، 7- 384: 9- 386: 15- 396: 1 أمير المدينة الشريفة:- 5: 19 أمير مكة:- 92: 18- 179: 2 أمير منزل:- 75: 6 أمير المؤمنين:- 1: 7، 14 أهل الذمة:- 4: 12- 281: 8، 11، 12، 18 الإنى (جمعها إنبات) :- 117: 17، 25- 196: 3- 267: 9- 321: 4، 8 الأوباش:- 92: 14- 213: 6- 236: 8- 341: 8، 12- 363: 16- 388: 14 أوباش الأشرفية:- 90: 8 الأوباش الأطراف:- 364: 11 أوباش العسكر:- 109: 16 أوباش المماليك الظاهرية:- 232: 6 أوجاقى:- 250: 4، 10- 392: 20- 55: 21- 249: 21، 23 أوحاش الظلمة:- 212: 12 أوخاش بنى آدم:- 227: 1، 20 أولاد الناس (الأجناد والأمراء الذين من غير المماليك 82: 18 ب باش- باشا (الرئيس) :- 94: 1- 154: 19 الباشات (جمع باش بمعنى الرئيس) :- 154: 5، 19- 268: 11

البجمدار:- 28: 13، 15، 22- 32: 3- 39: 11 البجمقدارية (جمع بجمقدار) :- 65: 17 البذل (الرشوة) :- 6: 6- 76: 6- 92: 14- 99: 20- 128: 2- 129: 3- 153: 12- 169: 4- 173: 6- 185: 1- 199: 10- 200: 17- 206: 8- 255: 19- 275: 4- 314: 7- 319: 10- 326: 9- 332: 18- 334: 4- 339: 15- البرجاس:- 345: 7- 347: 3- 374: 17 برج الحمل:- 140: 11- برج الحوت:- 24: 3- 137: 22 برج السنبلة:- 24: 4 برج العقرب:- 24: 5 برج القوس:- 24: 4 البردوار:- 70: 9- 120: 7 البرددارية:- 136: 2- 287: 12 البرك (المتاع) :- 197: 6- 323: 11، 20 بساط:- 107: 15 البشارة:- 71: 10 البشائر:- 71: 4 البشت:- 157: 11، 22، 23 البشخاناه:- 346: 9، 20 البشمقدار- البجمقدار. البطال (المحال إلى المعاش) :- 18: 16- 20: 21- 21: 5، 12- 25: 15- 34: 2- 66: 11- 67: 6، 22- 68: 16- 69: 13- 70: 5- 78: 11- 81: 2- 119: 18- 128: 3- 168: 12- 170: 5، 13- 172: 18- 174: 5، 8- 175: 21- 181: 11- 183: 10- 184: 7- 185: 4، 10- 190: 16- 191: 20- 199: 4، 13- 200: 20- 205: 4- 209: 12، 19- 211: 13- 212: 6- 214: 20- 215: 14- 230: 7- 255: 15- 275: 8- 289: 6- 312: 10- 315: 14- 316: 11- 318: 6- 334: 14- 335: 14- 339: 16- 351: 19- 355: 2- 358: 12، 13- 365: 3، 16- 371: 15- 375: 22- 378: 17- 379: 12، 19، 20- 380: 18- 383: 4- 384: 15- 385:- البطالون (جمع بطال) :- 254: 22- 376: 13 البطة (وعاء) :- 142: 8

البعلبكى (قماش القطن الأبيض المنسوب لبعلبك) :- 119: 21- 307: 15- بلاليق (جمع بليق) :- 160: 22- البليق (الأغنية الشعبية) :- 160: 17، 18، 22 البهار:- 260: 16 البواب:- 61: 16- 297: 13- 360: 7- 364: 9، 13، 14، 15- 383: 6 البوابون (جمع بواب) :- 35: 3- 65: 17 بياض الناس (الأثرياء والوجهاء والأعيان) :- 3: 15- 123: 16- 165: 7 ت تأمر (صار أميرا) :- 40: 1- 61: 17- 65: 21- 131: 11- 162: 19- 174: 7- 190: 10- 191: 18- 192: 2- 348: 7- 353: 5- تأمر خمسة (صار أمير خمسة) :- 189: 7- تأمر عشرة (صار أمير عشرة) :- 91: 14- 163: 6، 18- 167: 8- 176: 9- 182: 1، 9- 183: 7- 188: 7، 15- 192: 12- 200: 13- 206: 17- 207: 10- 209: 15- 213: 10، 11، 17- 216: 8- 345: 3- 351: 8- التترى الأبيض:- 219: 8 تتريات صوف:- 291: 13، 21 التجاريد (جمع تجريدة) :- 262: 16 تجر: (خرج مخفا على فرس) :- 188: 10 التجريدة (الفرقة من الفرسان لا تحمل أثقالا) :- 75: 12- 87: 4- 97: 15- 102: 16- 104: 19- 110: 18- 123: 3- 148: 7- 188: 4- 200: 9، 10- 226: 12- 231: 13، 14- 232: 23- 236: 19- 261: 5- 264: 6- 268: 13- 270 270: 6، 14، 19، 21- 276: 15- 284: 11- 286: 14- 293: 7، 8، 12- 303: 19، 20- 360: 1، 2، 15- 362: 7، 14، 17 التحليف:- 219: 7 تحويل السنة الخراجية:- 290: 21 تخت الملك:- 23: 14- 58: 5- 220: 4- 254: 3، 14، 15،- 357- 10- 372: 4- 373: 20- 380: 13- 394: 12 التخفية (العمامة) :- 52: 23 تداريس (وظائف التدريس) :- 12: 12 الترس:- 101: 15 الترسيم (المراقبة والحوطة) :- 39: 8، 20- 44: 6- 55: 19- 276: 8

تسلطن (صار سلطانا) :- 19: 1- 22: 2- 24: 7- 27: 10- 46: 10- 55: 1، 4، 6- 57: 6- 60: 7- 79: 2- 89: 18- 90: 2- 107: 14- 157: 2، 8- 165: 14- 166: 1- 170: 10- 171: 16- 174: 15- 190: 18- 195: 4- 201: 18- 202: 22- 207: 16- 212: 8- 214: 5- 223- 4- 224: 17- 225: 4، 11- 228: 3- 235: 1، 10، 14- 236: 2، 18- 239: 20- 240: 3- 241: 1- 242: 24: 244: 14- 248: 12، 13، 15، 17- 249: 1- 255: 7، 10- 253: 5، 10، 12- 255: 21- 256: 2، 7، 14- 260: 21- 267: 5- 296: 20- 307: 9- 316: 4، 9- 322: 16- 327: 3- 331: 2، 14- 335: 11- 343: 18- 356: 5- 358: 8- 359: 12- 361: 11- 375: 4- 377: 4، 13، 16، 20- 378: 3، 10، 21- 395: 18- التسمير (صلب المعاقب بواسطة المسامير على جدار أو خشب) 360: 18 التشريف:- 69: 9- 84: 16- 92: 2، 4- 115: 2، 3- 128: 7- 266: 15 تقادم ألوف:- 257: 14- 381: 3 التقاليد (جمع تقليد) :- 26: 22- 223: 6 التقدمة:- 78: 1، 26- 80: 7- 81: 16- 117: 16- 128: 1- 129: 4- 134: 7- 166: 8- 222: 18- 223: 1- 255: 19- 258: 10- 265: 15- 312: 5 تقدمة ألف:- 25: 8- 58: 18- 85: 5- 86: 20- 113: 15- 141: 8- 176: 12- 206: 17- 207: 19- 216: 15- 256: 19- 263: 7- 265: 6- 267: 22- 284: 6- 313: 12- 363: 17، 18- 377: 8- 381: 10- 382: 16 تقدمة المماليك السلطانية:- 79: 7- 185: 7- 225: 18 التقليد:- 31: 7- 35: 11، 14- 40: 19- 67: 7، 10- 69: 9- 84: 16- 92: 2، 4، 6- 128: 7- 147: 10- 165: 17- 226: 2، 15- 269: 9، 13- 285: 5- 365: 7- 384: 13- 395: 14 تلاميذ:- 374: 19 التنجيم بالرمل:- 349: 15 التوقيع السلطانى:- 206: 24- 335: 10 ث ثانى حاجب:- 42: 7 ثانى رأس نوبة:- 25: 10- 58: 19- 59: 13- 110: 11- 128: 10، 14، 17، 19- 237: 5- 264: 19- 270: 8- 296: 8

ثوب بعلبكي رفيع:- 5: 1 ج الجامكية:- 100: 14، 16- 102: 9- 139: 2- 376: 14 الجاووش:- 219: 20، 23 الجاويشية:- 219: 12، 20 الجدى: (برج الجدى) :- 220: 16، 17- 374: 5 الجراريف:- 63: 22 الجريدة (فرقة من الفرسان) :- 290: 19 الجلبان:- 124: 4- 363: 10- 388: 8 الجمدارية:- 185: 6 الجندارية:- 287: 13 الجندية: 18: 17- 343: 7 الجزير:- 95: 19- 210: 13 الجوالى:- 4: 17، 22 الجوامك 28: 18- 100: 13، 15- 139: 4- 297: 16 ح الحاجب:- 20: 14- 34: 23- 92: 20- 115: 3- 263: 3 الحاجب الثالث:- 75: 16 الحاجب الثانى:- 6: 3، 6- 34: 21، 23- 65: 12، 13 74: 12- 84: 74: 12- 84: 13- 164: 3- 284: 2- 382: 11 حاجب الحجاب:- 34: 18- 40: 8- 45: 17- 60: 21- 62: 7، 9- 67: 1، 5- 73: 13- 75: 15- 92: 12، 20- 105: 10- 110: 18- 112: 7- 113: 13- 117: 8- 126: 4- 140: 10- 141: 1- 148: 10- 150: 20- 153: 1- 154: 17- 183: 16، 24- 188: 3- 192: 5- 200: 6- 221: 15- 255: 14- 260: 1- 265: 3- 276: 1- 284: 12- 379: 9- 283: 18- 289: 10، 11- 310: 12- 352: 9، 10- 360: 13، 18- 362: 9- 363: 14- 381: 7- 386: 16- 388: 19- 390: 12- 392: 12 حاجب حجاب حلب:- 269: 17 حاجب حجاب دمشق:- 288: 8- 339: 11 حاجب حجاب طرابلس:- 99: 18- 184: 19- 199: 9- 354: 14

حاجب ميسرة:- 75: 15 الحاج الرجبى (عمرة رجب) :- 298: 3 الحاصل (مكان التخزين) :- 17: 11- 29: 20 الحافظ:- 354: 8 الحجاب (جمع حاجب) :- 75: 15، 16 الحجوبية:- 32: 5- 141: 16- 196: 12- 255: 21، 22- 359: 3 حجوبية ثانية:- 162: 22 حجوبية الحجاب:- 34: 10- 99: 19- 141: 3- 188: 9- 196: 10- 211: 14- 255: 17- 265: 3- 358: 19 حجوبية حجاب حلب:- 179: 19- 282: 7 حجوبية حجاب طرابلس:- 141: 15- 213: 3، 5 حجوبية حلب:- 115: 4- 167: 10- 206: 8- 258: 10- 270: 1 حجوبية حلب الكبرى:- 211: 12 حجوبية دمشق:- 199: 9- 266: 14 حجوبية طرابلس:- 92: 13- 132: 14- 185: 1 الحرافيش:- 75: 17- 90: 8 الحراقة (سفينة) :- 55: 20- 56: 2 الحرامية:- 136: 21- 137: 7 حرير بوجهين أبيض وأخضر بطرز زركش:- 220: 6 الحريم السلطانى:- 301: 21- 302: 11- 371: 1- 388: 2- 391: 18- 392: 4 الحساب (علم الحساب) :- 217: 8 الحساب (جمع حاسب) :- 143: 21 الحسبة:- 15: 17- 153: 12- 195: 9 حسبة القاهرة:- 98: 9، 11- 112: 15- 119: 1- 153: 11، 23- 163: 7، 8- 190: 19- 195: 7، 8- 278: 7- 296: 11- 324: 18- 330: 17- 354: 7 الحشم:- 266: 19 حشيشة الفقراء:- 332: 22 حصان بوز:- 262: 23 الحكماء (جمع حكيم بمعنى طبيب) :- 117: 9 الحمايات:- 160: 5، 6- 225: 9، 10

الحواصل (جمع حاصل وهو مكان التخزين) :- 120: 13، 24- 248: 15، 19 الحوانيت:- 250: 16 الحوت (برج الحوت) :- 220: 19 الحياصة:- 35: 2 خ الخادم:- 292: 6- 330: 6 الخازندار:- 26: 7- 29: 8- 30: 1- 33: 16- 38: 16- 61: 15- 66: 18- 74: 9- 76: 1- 96: 1- 115: 13- 128: 8- 129: 16- 163: 16- 221: 16- 222: 18- 256: 20- 261: 7- 267: 16- 288: 20- 293: 20- 312: 19- 321: 21- 330: 15- 336: 3- 364، 18، 19- 377: 5- 381: 5- 382: 15- 388: 19 الخازندار الصغير:- 345: 3 الخازندار الكبير:- 39: 17- 74: 20- 261: 13- 264: 11- 345: 3 الخاصكى:- 19- 21- 58: 15- 64: 2- 91: 20- 101: 14، 15- 113: 7- 119: 12- 134: 3- 143: 14- 153: 2، 5- 155: 4- 156: 1- 163: 4- 165: 14، 15- 167: 7- 168: 5- 169: 8- 170: 7- 174: 6- 176: 9، 19- 181: 13- 182: 1، 8- 186: 18- 194: 15- 200: 11، 13- 205: 18- 206: 16- 207: 10، 16- 216: 8- 255: 9، 10- 282: 13- 316: 1، 18- 322: 16، 332: 11- 334: 3- 345: 2- 351: 7- 357: 19- 377: 5- 390: 18- 395: 10 الخاصكية (جمع خاصكى) :- 24: 8- 26: 15- 35: 3- 40: 2، 3، 11- 44: 21- 45: 23- 48: 1- 51: 5- 53: 5- 55: 23- 72: 19- 109: 9- 117: 10- 150: 9- 153: 19- 191: 18- 215: 16، 17، 223: 6، 17، 18- 257: 17- 266: 7- 279: 13- 307: 3- 321: 12- 324: 17- 330: 15- 332: 17 الخاصكية الأجلاب:- 131: 13- 139: 2 الخانقاه:- 3: 10، 20- 94: 22- 257: 12 الختمة الشريفة:- 97: 4 الخجداش:- 34: 14- 36: 21- 43: 21- 52: 21- 60: 10- 234: 13، 15- 262: 13- 363: 3- 266: 17- 277: 17- 279: 15، 22- 280: 1، 16- 285: 11- 305: 13- 336: 22- 351: 15- 357: 2- 359: 12، 18- 365: 14، 22- 385: 16- 386: 7

الخجداشية الخجداشين:- 36: 4، 21- 51: 6- 53: 1- 81: 20- 88: 23- 170: 8- 188: 17- 201: 17- 213: 19- 214، 5، 15- 216: 10، 12- 227: 6- 228: 11، 12، 114- 229: 5، 7- 234: 9- 236: 14- 237: 2- 241: 20، 22- 242: 6- 244: 9- 257: 5، 10- 261: 16- 262: 6- 264: 21- 321: 2- 322: 7، 10- 323: 5، 7، 18- 324: 10- 339: 10- 345: 5- 356: 20- 358: 9، 12- 366: 2- 367: 9، 11، 15- 368: 5، 13- 369: 1، 12، 13- 370: 1- 377: 23- 385: 17- 387: 20- 388: 5، 18- 389: 3، 12- 390: 1- 392: 9، 13، 22 الخدام (جمع خادم) :- 101: 7- 215: 1- 292: 7- 327: 16- 392: 3 الخدام الطواشية:- 382: 7 الخدم (جمع خدمة) :- 6: 5- 151: 14- 162: 20- 276: 6- 341: 17- 352: 5 الخدمة:- 33: 9، 10- 38: 9، 10- 71: 8- 87: 23- 100: 3، 11، 102: 17- 125: 4، 8- 138: 6، 16- 220: 11- 272: 17، 19- 302: 3، 11 الخدمة السلطانية:- 54: 5- 115: 15- 130: 15- 148: 6- 184: 22- 196: 14، 15- 221: 2- 276: 19- 302: 13 خدمة القصر:- 25: 16- 117: 22 الخراج:- 63: 9- 113: 15 الخزانة السلطانية الشريفة:- 26: 10- 64: 12- 86: 3- 259: 4 الخشداش- الخجداش. الخشداشية- الخجداشية. خطابة دمشق:- 346: 3 الخط المنسوب:- 201: 10- 211: 5- 212: 13 الخف:- 278: 12- 340: 19 الخلافة:- 1: 10، 13، 15- 85: 20- 89: 16، 17- 90: 19- 193: 15، 17، 18- 194: 7 خلع (خلع عليه أى أنعم عليه) :- 81: 14- 135: 4- 147: 9- 221: 2، 8- 222: 6، 14، 15- 223: 6، 17- 225: 3- 226: 7- 227: 2، 10- 229: 17- 230: 12- 231: 6- 249: 1، 4- 254: 5، 7، 18- 255: 21- 256: 3، 16، 18- 260: 6، 14، 15- 263: 1- 266: 11، 12، 13- 267: 7- 269: 1- 274: 4- 280: 19- 283: 5، 13، 15، 16- 357: 13- 359: 18، 20- 360: 3، 17-

362: 1- 367: 2- 370: 9، 12- 373: 20- 378: 14- 380: 8، 19- 381: 1- 382: 8، 22- 384: 17، 20- 387: 2- 394: 6، 14- 395: 10 الخلع (جمع خلعة) :- 115: 10- 117: 5- 147: 17- 148: 1- 287: 5- 287: 8- 370: 5 الخلعة:- 23: 11- 46: 20- 79: 18- 82: 16- 85: 12- 104: 9- 115: 9- 127: 3- 135: 8- 147: 10- 157: 15- 165: 17- 219: 10- 252: 8- 254: 9- 281: 2- 303: 18- 359: 17- 365: 8- 366: 1- 376: 5- 394: 16، 17 خلعة الأتابكية:- 154: 2- 221: 4- 222: 6- 254: 9، 18- 394: 17 خلعة الأستادارية:- 28: 1- 152: 2 خلعة الاستمرار:- 61: 8- 79: 18- 130: 24- 359: 20 خلعة الإنظار:- 34: 5- 64: 17- 222: 15- 260: 2- 381: 2، 21، 2- خلعة السفر:- 118: 22- 227: 11- 362: 18- 365: 5 خلعة السلطنة الخليفتية السوداء:- 57: 14، 19- 58: 1- 60: 9- 157: 13- 219: 8- 220: 1، 2، 13- 253: 20- 357: 9- 394: 8- 395: 19 خلعة الوزر:- 281: 1- 283: 10 الخلفاء (جمع خليفة) :- 276: 21 خلق المقياس (عطره بالخلوق) :- 200: 4- 287: 4- 289: 21- 295: 3 الخليفة:- 1: 7- 73: 1- 89: 13، 14، 18- 90: 7، 17، 18- 91: 12- 126: 6- 156: 14- 158: 10- 218: 9- 219: 22- 220: 6- 226: 5- 246: 18- 254: 2- 259: 10- 341: 9- 357: 6، 7، 13- 365: 8- 373: 5- 388: 1- 394: 7، 14 خمسين النصارى:- 145: 13، 23 الخواجا:- 353: 14 الخوارج:- 96: 8- 117: 18، 133: 21 الخوانق:- 107: 4، الخوذة:- 53: 21 خوند:- 17: 16- 47: 2- 292: 9 الخوندات:- 346: 9 خوند الكبرى:- 111: 15- 292: 9

الخيم (جمع خيمة) :- 208: 3- 323: 11 د الدبابيس:- 41: 19- 53: 3- 79: 4- 88: 2، 12 الدبوس:- 79: 20 الدرقة:- 388: 12، 15- 389: 10- 390: 4- 391: 16 درهم نقرة:- 99: 14- 104: 4- 115: 17، 20 الدست:- 83: 24 دقت البشائر:- 110: 3- 113: 9- 116: 17- 125: 2- 254: 4- 274: 3- 304: 9- 357: 13- 374: 4- 394: 14 دقت الكئوسات:- 220: 4- 262: 8 الدهليز:- 53: 17 الدوادار:- 32: 17- 45: 5، 11- 61: 14- 64: 1، 3، 19- 68: 10، 12- 78: 19- 85: 6- 87: 13- 88: 10، 17- 101: 16- 114: 10- 115: 1- 130: 18 132: 14- 141: 17- 153: 3- 163 15- 166: 18- 201: 16- 213: 1، 5- 222: 17، 19- 223: 3- 226: 13، 15- 230: 5- 233: 8- 242: 8- 260: 2، 19- 268: 20- 275: 3- 277: 12- 279: 14- 280: 19- 281: 1- 282: 14، 21- 284: 5- 285: 12- 288: 5، 11- 304: 14- 324: 15، 22- 336: 3- 341: 15- 370: 1- 372: 7- 375: 16، 19- 386: 7- 387: 6، 14- 390: 18- 396: 1 الدوادار الثالث:- 64: 1، 2- 336: 134 الدوادار الثانى:- 31: 17- 39: 16- 42: 9- 54: 3- 62: 11- 66: 9- 75: 18- 81: 2، 8- 82: 9- 111: 18- 119: 9- 123: 9- 136: 5- 156: 6- 181: 11، 14- 231: 1- 232: 7- 252: 2- 255: 19- 256: 18- 256: 18- 261: 11- 263: 5- 284: 13- 293: 8، 20- 322: 1- 335: 20- 366: 4- 345: 4- 353: 8- 356: 17- 361: 14- 366: 1- 379: 11، 13- 381: 2- 385: 17 الدوادار الصغير:- 345: 3- 346: 19- 395: 10، 11 الدوادار الكبير:- 24: 12- 31: 1، 14- 34: 5- 39: 5، 9- 42: 8- 61: 3- 67: 12- 73: 11- 111: 18- 150: 17- 195: 2- 221: 18- 250: 18، 19- 252: 1، 12- 256: 17- 260: 4، 270: 16- 278: 5- 281: 10- 296: 7- 296: 7- 303: 22- 313: 4- 316: 6- 320: 4- 358: 10- 367: 9- 377:

11، 17- 379: 11- 381: 1- 389: 10- 396: 14 الدوادارية (جماعة، ووظيفة) :- 7: 3- 32: 15- 34: 6- 61: 4- 65: 16- 78: 4- 81: 10- 82: 4- 128: 2- 138: 13- 148: 5- 166: 5، 13- 189: 12- 242: 7- 258: 3- 288: 13- 336: 7 الدوادارية الثانية:- 64: 3، 4- 79: 10- 162: 22- 166: 2- 230: 7- 256: 19- 377: 7، 9 الدوادارية الخاصكية:- 129: 2 129: 82 الدوادارية الصغار (جماعة) :- 205: 18- 291: 17- 298: 1- 377: 12 الدوادارية الكبرى:- 32: 7- 60: 2، 4- 166: 9، 12- 322: 19 دوران المحمل:- 123: 11- 268: 7، 9 الدولة الأشرفية إينال:- 163: 11- 194: 16- 196: 8- 206: 11- 324: 8 الدولة الأشرفية برسباى:- 19: 21- 35: 1- 162: 19- 163: 4- 174: 7- 191: 18- 192: 2، 11 الدولة التركية:- 46: 13- 64: 10- 197: 17- 278: 13- 374: 8 دولة الجراكسة:- 253: 6 الدولة الظاهرية:- 81: 5- 132: 18- 163: 6، 19- 316: 7 الدولة العزيزية:- 10: 5- 17: 1 الدولة الفاطمية:- 12: 25 الدولة المظفرية:- 58: 16 الدولة المنصورية عثمان:- 40: 1- 61: 17- 64: 11- 65: 21- 163: 9- 181: 14 الدولة المؤيدية:- 9: 14- 15: 2- 160: 7- 167: 7 الدولة الناصرية فرج:- 19: 26- 58: 15- 188: 6- 197: 19- الديوان:- 137: 20- 139: 10- 244: 23 ديوان الإنشاء:- 206: 12 الديوان السلطانى:- 28: 14- 70: 8- 258: 18 الديوان المفرد:- 28: 4- 30: 21- 70: 12- 146: 20- 258: 21 ديوان المواريث:- 140: 17 ذ الذخيرة:- 28: 6- 29: 8، 13- 210: 19- 381: 4

الذمى:- 281: 7 ر راتب اللحم:- 144: 10 رأسا في لعب الرمح (كان الأمير سيف الدين ألطنبغا ابن عبد الله الظاهرى المعلم اللفاف رأسا في لعب الرمح معلما فيه) :- 19: 6 رأس المجاورين:- 111: 20 رأس المماليك المجاورين:- 149: 2 رأس الميسرة:- 62: 3- 73: 16 رأس نوبة:- 25: 20- 26: 3- 31: 2- 32: 13- 34: 1- 42: 6- 44: 1- 60: 12- 69: 2- 89: 4، 5- 93: 12- 105: 21- 106: 1، 2، 12- 109: 2، 8- 111: 2- 114: 9- 117: 21- 146: 15- 151: 7، 8، 10، 11، 17- 170: 10- 183: 5، 14- 188: 14- 190: 9- 191: 16- 212: 16- 223: 9، 10- 260: 1- 265: 14- 279: 3، 4- 317: 10- 343: 15- 350: 1- 353: 4- 360: 8- 379: 17- رأس النوب:- 75: 10 رأس نوبة الأمراء:- 74: 1 رأس نوبة ثان:- 63: 1، 3- 74: 22- 75: 10- 89: 3- 134: 8- 176: 6- 188: 8- 257: 15- 264: 22- 296: 10- 304: 11- 335: 13- 381: 10- 382: 14 رأس نوبة الجمدارية:- 26: 18- 50: 10- 66: 1- 92: 15- 131: 10، 12- 209: 14- 330: 16- 348: 1- رأس نوبة السقاة:- 183: 6 رأس نوبة النوب:- 32: 7، 8- 40- 48: 16- 49: 14، 22- 61: 6- 73: 12- 75: 4- 87: 6- 91: 2- 105: 10- 162: 11- 176: 13- 221: 10، 12- 222: 15- 224: 22- 261: 10- 263: 1- 279: 2- 287: 7- 289: 9، 10- 294: 12- 301: 5- 351: 14- 358: 20- 360: 15- 362: 2- 363: 16- 365: 19- 369: 23- 374: 1- 378: 15- 379: 15- 386: 17- 387: 10- 395: 16- 396: 2 الربع:- 114: 4- 120: 7، 8، 9، 13- 122: 13 الربيع- مكان الرعى:- 43: 5، 7، 10- 61: 23 الرجبية:- 108: 13 الرسلية:- 82: 15- 136: 2- 143: 14- 169: 10- 351: 10

رسم:- 16: 10- 25: 1- 28: 11- 33: 11- 41: 8- 45: 19- 67: 17- 69: 8- 70: 3- 72: 7- 77: 18- 78: 11- 82: 18- 83: 14- 83: 14- 84: 14- 92: 9- 93: 9- 95: 5- 99: 18- 101: 10- 102: 8- 106: 8- 110: 4- 115: 19- 116: 5- 118: 14- 124: 4- 128: 3، 5، 9، 12، 15، 18- 129: 10- 131: 1، 16- 132: 12- 148: 6، 9- 155: 13- 171: 11، 17، 18- 194: 9- 196: 14- 199: 12- 200: 7- 226: 16- 227: 3- 228: 8، 11- 233: 5- 6، 9- 249: 19- 251: 12- 252: 8- 254: 20- 255: 15- 259: 8، 13، 15، 16- 266: 1، 2، 3- 275: 8، 15- 279: 5- 280: 20- 282: 10- 284: 2- 285: 3، 6- 289: 5- 294: 6- 296: 3- 303: 19- 327: 12- 332: 13- 360: 18- 364: 3- 365: 14- 375: 22- 376: 1، 2، 4، 5، 9، 14- 392: 1- 393: 2- 396: 2 الرشوة:- 93: 6 الركابية:- 287: 12 الركب الأول:- 17: 17- 98: 17 الركبخاناه:- 396: 1 ركوب الأمراء:- 383: 16 الرماحة: (فرقة المماليك التي تلعب بالرماح أمام المحمل) 68: 18- 286. 13- 298: 7 الرماة:- 106: 8 رماية البركة (الصيد في البركة) :- 297: 9 الرمح:- 307: 21- 345: 7- 347: 3- 374: 17 رمل (جفف التوقيع بالرمل) :- 49: 10، 13 الرمى بالنشاب:- 213: 1 الرنك (الشعار) :- 323: 23 رؤساء الديار المصرية:- 197: 15- 205: 11 رءوس النوب:- 28: 26- 65: 16- 75: 11، 13- 86: 17- 117: 5- 163: 6، 18- 169: 9- 176: 10- 182: 2، 10- 183: 7- 188: 16- 192: 3، 13- 196: 4- 200: 14- 205: 20- 255: 11- 277: 22- 343: 20- 358: 5- 374: 16

ريح مريسى:- 120: 5، 17- 121: 4، 6 ز زاير جاه:- 331: 10، 21 زحل:- 220: 16- 374: 5 الزردخاناه السلطانية: (والجمع زردخانات) :- 100: 6- 280: 13- 367: 13- 373: 17، 18- 394: 10 الزردكاش:- 26: 1، 4- 31: 6- 32: 4- 50: 17- 65: 8، 13، 20- 74: 11- 88: 9- 159: 13- 163: 1، 10- 186: 15- 219: 12- 264: 9- 382: 17 الزردكاشية:- 36: 2- 106: 17- 163: 8- 186: 20 الزعر:- 54: 14، 19، 24 الزمام:- 26: 7- 29: 7- 58: 13- 176: 1- 129: 16- 214: 20- 261: 7- 312: 18 الزمامية:- 215: 2 الزهرة:- 220: 17، 20 زى الجند:- 6: 5- 137: 9 زى الجندية:- 281: 3 زى الزفورية السوقة:- 278: 11 زى خلعة الوزارة:- 85: 12 زى المباشرين الكتاب:- 278: 11 س ساعة رمل:- 120: 8- 306: 15 الساقى:- 19: 21- 32: 16- 34: 1- 163: 5- 165: 14- 180: 14- 181: 13- 207: 10- 255: 10- 358: 3 السراق:- 137: 2 سرج ذهب:- 23: 15- 58: 7- 133: 11- 154: 2- 219: 10- 220: 7، 10- 226: 6- 254: 7- 259: 8 السرحة:- 155: 8، 16- 319: 15 السرطان (برج السرطان) :- 220: 13، 15 سرير الملك:- 220: 1، 13 السقاة:- 258: 3- 274: 4- 388: 6 السقاية:- 165: 14- 358: 4

السلاح:- 250: 15 السلاح دار:- 99: 4- 181: 13- 183: 14- 192: 12- 269: 14 سلارى بفرو سنجاب (نوع من الملابس) :- 115: 14- 167: 14 السلاطين:- 235: 16- 243: 4، 5- 248: 10- 395: 5 السلحداربة:- 258: 4 السلطان:- 90: 13، 17، 18- 91: 3، 12، 16، 18- 92: 9، 15، 18- 93: 5، 7- 94: 3، 6، 9، 11- 95: 3، 4، 13، 14، 18- 97: 4، 5، 8، 13- 98: 1- 99: 1، 5، 9، 17- 100: 2، 3، 4، 8، 10، 18، 19، 21- 101: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 8، 9، 11، 13- 23- 102: 4، 6، 16، 17- 103: 2، 4، 8، 10، 13- 104: 3، 5، 8، 12، 20- 105: 4، 7، 14- 106: 16- 107: 5، 8، 15- 108: 1، 4، 10، 14، 18- 111: 10- 112: 17- 113: 2- 115: 1- 116: 5- 117: 7- 119: 5- 123: 11- 126- 10- 153: 3- 154: 1- 155: 6- 156: 4- 163: 4- 166: 6- 176: 8- 219: 14، 16، 22- 221: 2، 5، 6، 24، 17، 20- 222: 7، 9، 14، 15- 223: 6، 19- 224: 12- 225: 1، 6، 10، 17، 20- 226: 1، 2، 5، 12، 14، 16، 18- 227: 2، 6، 10، 8، 11- 228: 1، 8، 11، 13، 11، 18- 229: 1، 2، 3، 17- 230: 17- 231: 6- 232: 4، 7- 240: 9- 250: 4- 254: 10، 11، 16، 17، 20- 255: 15- 256: 16، 23- 267: 3، 5، 7، 13- 269: 1- 274: 2- 278: 17- 279: 4- 280: 1- 282: 3- 283: 1- 284: 1- 285: 3- 286: 7- 287: 4- 9: 28: 2، 3- 296: 3- 297: 3- 304- 2- 311: 16- 313: 1- 322: 1- 327: 4- 328: 3- 350: 1- 352- 11- 356: 4- 360: 1- 362: 7- 363: 1- 364: 3- 5 36: 2- 366: 3- 369: 369: 2- 371: 3- 373: 4- 374: 11- 375: 15، 21- 376: 1- 380: 19- 381: 3- 382: 8- 383: 3- 384: 6- 385: 4، 7- 386: 3- 87: 2- 390: 3- 391- 9- 392- 1- 393: 3- 394: 4 السلطانية:- 50- 18- 51- 1- 52: 6- 90: 14- 16 السلطنة:- 12: 22- 23: 8، 9- 24: 1، 3- 35: 9، 11- 36: 14- 44: 12- 45: 8، 22- 46: 7، 10، 17، 20- 47: 1- 48: 10- 49: 1، 2- 55: 12- 57: 14، 19- 58: 2- 64: 15- 91: 6- 119: 6- 123: 1- 124: 18، 12- 156 16، 18- 20- 157: 3، 13- 158:

21- 159: 10- 162: 1- 170: 1، 9- 174: 1- 176: 9- 179: 18- 181: 1- 183: 13- 190: 1- 196: 19- 199: 1- 202: 18- 207: 15- 209: 1- 212: 8- 213: 10- 214: 6- 215: 11- 216: 8- 218: 1، 2- 11، 12، 13- 220: 12- 221: 1- 222: 8، 9- 223: 1- 224: 19- 226: 9- 227: 16- 229: 11، 19، 20- 230: 1- 231: 4، 5، 17- 235: 4، 18، 19- 236: 6، 20- 237: 5- 237: 10، 12، 14، 19، 22- 238: 4- 239: 11، 20- 240: 3، 6، 9- 242: 8، 11- 244: 12- 249: 1، 4، 5، 8، 10، 12- 252: 3، 4- 253: 16- 254: 5، 14، 15- 255: 4، 7- 256: 7، 9، 11- 257: 2- 260: 14- 262: 6- 268: 22، 23- 298: 9- 306: 4، 7، 19- 307: 10- 308: 6، 13- 309: 6، 7- 310: 2- 315: 2- 316: 316: 11- 318: 2، 11- 322: 8- 326: 2، 17، 19- 327: 2، 9- 328: 5- 331: 10- 336: 8- 338: 2- 343: 2- 346: 13- 351: 2- 356: 2، 13، 15، 18، 21- 357: 3، 9، 10، 11، 14، 15- 365: 8- 366: 5- 367: 3- 368: 11- 369: 21- 370: 5، 6، 9، 12- 371: 7، 12- 373: 2، 8، 10، 13، 19- 374: 4، 7، 8- 376: 16- 380: 12- 388: 14، 15- 391: 4، 11، 12، 20- 392: 9- 394: 2، 4، 8، 13، 18- 395: 1، 19- 396- 12، 17- السماط:- 100: 20- 101: 1- 372: 2 السمور:- 307: 16 السنبلة:- 220: 14 السنة الخراجية:- 290: 2 السنجق:- 394: 10- 373: 15: 18 السهام:- 43: 17- 90: 14 السواد الأعظم:- 375: 16 السواد الخليفتى:- 394: 8 السوقة:- 341: 8 سوق المحمل:- 307: 22- 374: 17 السياسة:- 158: 8 السيف:- 374: 19 سيف الشرع:- 294: 1 السيفى:- 7: 1، 17، 20، 22- 36: 1- 82: 13 السيفية:- 38: 8- 40: 5- 147: 23- 234: 4- 242: 18- 243: 2- 276: 4- 364: 18- 368: 18- 383: 13

ش شاد:- 212: 7 شاد الأغنام:- 8: 2 شاد بندر جدة:- 8: 9- 353: 15 شاد الحوش السلطانى:- 215: 2 شاد الدواوين:- 75: 6 شاد الشراب خاناه:- 25: 8- 26: 2- 32: 5- 39: 16- 42: 8- 59: 5- 61: 15- 62: 13- 74: 8- 163: 9- 258: 1- 269: 8- 279: 21- 284: 7- 295: 15، 18- 316: 5- 364: 8- 381: 11، 14- 390: 13- 395: 13- شاد العمائر:- 75: 7 شاد القصر السلطانى:- 75: 6 الشاش (نسيج رقيق) :- 5: 2 الشاويشية:- 219: 20، 21 الشطار (العيارون وسيئو الخلق) :- شعار الملك:- 47: 1- 57: 19- 58: 2- 254: 1- شقة (مستطيل من الحرير الملون) :- 103: 14، 15 شقق حرير ملون:- 80: 12- 103: 14 شيخ الإسلام:- 6: 9- 12: 8- 187: 7- 271: 9- 318: 15- 333: 8 شيخ خانقاه سعيد السعداء:- 3: 10- 349: 3- 354: 9 شيخ شيوخ سرياقوس:- 204: 15 شيخ العرب:- 311: 18 شيخ العربان:- 315: 5- 316: 21 شيخ عربان السخاوة:- 224: 14 شيخ المدرسة الأيتمشية:- 180: 1 شيخ المدرسة الظاهرية:- 9: 3 شيخ المقام:- 191: 11 الشيوخ:- 339: 1 ص الصاحب:- 33: 7- 69: 6- 72: 5- 77: 3- 81: 14- 82: 6- 83: 13- 85: 16- 86: 8- 95: 9- 97: 6- 98: 19- 101: 21- 103: 5- 104: 6- 118: 18- 119: 16- 126: 15، 18- 135: 11- 146: 21- 151: 19- 155: 12- 163: 4- 175: 21- 176: 2- 197: 7- 210: 17- 225: 13- 312: 9- 336: 21-

صاحب آمد:- 268: 3 صاحب بغداد والعراق:- 350: 5 صاحب الروم:- 340: 5 صاحب الشرطة:- 224: 6 صاحب عقد المملكة:- 377: 14 صاحب مكة:- 338: 12، 15 الصرر:- 86: 15 الصرف (وظيفة الصيارف) :- 281: 16 صغار امراء دمشق:- 199: 8 الصغار الخشقدمية:- 306: 6 صغار الكتبة:- 341: 12 صغار مماليك الأشرف برسباى:- 345: 2 صغار مماليك الملك المؤيد شيخ:- 200: 10 صغار مماليك الملك الناصر فرج:- 339: 9 الصوفى:- 328: 14 الصوفية:- 9: 5 صيد الكراكى:- 297: 9 صينى:- 248: 20 ض ضرب السلطان الكرة:- 88: 19 ط طاسة الخضة:- 167: 24 طاسة الطربة:- 167: 1، 2، 19، 24 الطاعون:- 139: 9، 17، 19- 141: 2، 20- 143: 20- 144: 20- 145: 5، 7، 13، 17، 21- 146: 5، 22- 147: 4، 5- 171: 10- 184: 21- 209: 12- 213: 9، 14- 214: 21- 215: 8، 10، 18- 216: 1 الطاقية:- 53: 21- 137: 6 الطالع:- 220: 13، 14- 254: 15- 374: 5- 395: 2 الطب:- 281: 17 طباخ:- 327: 18

الطباخون:- 327: 15 طبقات المجتمع المملوكى:- 340: 25 طبل باز حربى:- 262: 23 الطبلخانات:- 41: 13- 75: 10- 87: 6- 276: 17 طبلخاناه:- 39: 11- 76: 1- 81: 8- 85: 7- 87: 1- 134: 20- 167: 8- 170: 12- 176: 11- 223: 1 طرابلس:- 226: 14 طرحة زركش:- 143: 8 طرخان:- 128: 4 طرز زركش:- 226: 6- 254: 6، 8 ططريات:- 291: 21 الطواشى:- 26: 6- 76: 1، 2- 95: 20- 117: 11 126: 4- 129: 16- 185: 3- 214: 20- 225: 18- 318: 5- 327: 18 الطواشية:- 362: 21 - 221: 5- 222: 9- 254: 2، 9، 10- 373: 17، 18- 394: 10، 16 ظ الظاهرية:- 19: 20- 90: 9، 10- 91: 7- 171: 14- 229: 5- 235: 1، 2، 8، 10- 239: 5، 6، 9- 262: 5- 277: 20- 369: 1 الظاهرية برقوق:- 45: 4- 147: 22 الظاهرية جقمق- الظاهرية الجقمقية. الظاهرية الجقمقية:- 36: 6- 39: 1، 10- 40: 4، 14- 61: 17- 67: 21- 147: 23- 234: 4، 7، 8، 10، 16 الظاهرية الخشقدمية:- 306: 3 الظاهرية الكبار:- 306: 5- 356: 19- 369: 8، 17 عتقاء الأمير تنبك البحاسى:- 352: 3 عتقاء الملك المؤيد شيخ:- 348: 7- 351: 7 عتقاء الملك الناصر فرج:- 339: 10 العجم:- 117: 14 العربان:- 21: 9- 107: 1- 167: 17 عربان الوجه القبلى:- 24: 21

عرض البريد:- 287: 13 العزل:- 236: 1 العساكر:- 106: 10- 107: 9، 11- 108: 8- 250: 15- 254: 1، 4- 270: 12- 373: 15- 390: 17 عساكر الأتابك خشقدم:- 241: 11- العساكر السلطانية:- 119: 6- العساكر الشامية والحلبية:- 103: 22 العساكر المجردة:- 111: 3 عساكر المسلمين:- 264: 16 العسكر:- 107: 11- 109: 17- 110: 4، 19- 272: 5، 6- 394: 11 العسكر السلطانى:- 110: 1 العسكر المصرى:- 123: 3 العشرات:- 75: 5، 11- 87: 6- 275: 17- 284: 13 عصر سلاطين المماليك:- 153: 23- العصر المملوكى:- 34: 22- 36: 22- 75: 21- 219: 22- عطارد:- 220: 8 عظيم الدولة:- 45: 15- 72: 5- 77: 3- 103: 5- 197: 7- 277: 11- 320: 3 عظيم المماليك الظاهرية:- 260: 10 عفاريت المحمل (المضحكون في احتفالات المحمل) :- 123: 12، 22- 124: 4 عقد مجلس:- 281: 10 العلامة (التوقيع) :- 158: 19- 302: 14- 304: 14- 20- 305: 18- 363: 9 علم العلامة (وقع على الأوراق) :- 49: 13 علم الفرائض:- 190: 6 العمامة:- 219: 10- 340: 19- عمامة سوداء حرير:- 219: 9 عمل مكة:- 338: 16 عمل المواعيد:- 347: 12 العنبر:- 190: 17

العوام:- 137: 7- 210: 11 عوام دمشق:- 230: 10- العيارون:- 54: 24 عيد شبرا:- 281: 21 غ غارة:- 87: 19- 88: 9 الغوغاء:- 375: 16 ف الفالج:- 192: 18 فداوى:- 292: 4- 345: 10، 11 الفرائض:- 217: 8 الفرجية:- 340: 19 فرس بسرج ذهب:- 220: 7، 10- 226: 6- 283: 14- 385: 5 فرس بقماش ذهب:- 376: 3، 4 فرس بوز:- 55: 21 فرس البوبة:- 58: 1- 219: 10- 253: 20 الفرنج:- 2: 14- 70: 24- 333: 11- 143: 16- 144:- 6- 147: 18- 148: 5- 150: 22، 23- 224: 4 فروسمور:- 24: 16، 23- 65: 23، 24- 80: 21 فروع المذهب:- 374: 21 فروقاقم:- 80: 22 فسقية (عين للدفن) :- 329: 7 الفضة الأشرفية:- 104: 22 الفضة الظاهرية:- 104: 23 الفضة المؤيدية:- 104: 22 الفقراء:- 229: 22 فقراء العجم:- 117: 14- 194: 21 فقهاء:- 17: 3- 308: 1 فقهاء الحنابلة:- 344: 7 فقهاء الشافعية:- 12: 6 فقهاء المالكية:- 18: 4- 172: 5 الفقه:- 374: 20

الفقيه:- 291: 6- 296: 7- 375: 16، 19- 381: 6، 16- 383: 5 فن الدبوس:- 374: 19 فن الضرب:- 374: 18 فن اللجام:- 374: 18 فنون الفروسية:- 374: 2 الفوطة:- 388: 12 فوقانى بطرز زركش:- 35: 21- 154: 1- 220: 9 فوقانى حرير بوجهين أبيض وأخضر:- 254: 6 فوقانى حرير بوجهين أبيض وأخضر بطرز زركش:- 220: 6- 226: 5 فوقانى حرير بوجهين بطرز زركش:- 115: 9 فوقانى بوجهين:- 254: 8 ق القاصد (الرسول) :- 70: 16- 71: 2، 6، 8، 10، 12، 13- 95: 11- 97: 12- 268: 3- 285: 13، 20- 286: 1، 5 القاضى:- 107: 6- 325: 1- 354: 3- 385: 7، 9، 10، 11 قاضى الإسكندرية:- 181: 4 قاضى جدة:- 216: 21 قاضى الحنابلة:- 127: 8- 373: 12 القاضى الحنفى:- 373: 12 قاضى الديار المصرية:- 164: 11 القاضى الشافعى:- 301: 21- 373: 11 قاضى عينتاب:- 8: 19 قاضى القضاة:- 2: 8- 6: 9- 10: 14- 12: 9، 11- 14: 2، 4- 35: 17، 18- 46: 6، 6، 15، 17- 47: 18- 164: 10- 271: 11- 286: 11، 12- 295: 4، 5- 313: 21- 318: 15- 326: 5، 11- 333: 8، 17، 19- 353: 18 قاضى قضاة حماة:- 326: 6 قاضى قضاة الحنابلة:- 67: 15- 172: 13 قاضى قضاة الحنفية:- 173: 4- 271: 8 قاضى قضاة دمشق:- 148: 13- 313: 22 قاضى قضاة الديار المصرية:- 8: 16- 318: 17- 333: 9- 353: 19 قاضى قضاة الشافعية:- 297: 19 قاضى قضاة المالكية:- 107: 6- 172: 4

القاضى المالكى:- 373: 12 قاضى مكة:- 93: 7 القباء:- 65: 22 القيع:- 4: 18- 53: 7، 21، 22 القبة والطير (المظلة) :- 23: 13- 58: 2- 394: 10، 16 القراء (جمع قارئ) :- 103: 14 قراء الأجواق:- 211: 6 القرط (البرسيم القرط) :- 43: 6 القرقل:- 54: 8، 22 القرقلات (جمع قرقل) :- 100: 5 القصاد (جمع قاصد) :- 33: 10- 119: 3، 12، 23- 147: 9- 305: 9 قصاد الفرنج:- 144: 6 القضاء:- 15: 17- 297: 19- 318: 17- 326: 14 قضاء الإسكندرية:- 172: 6 قضاء حماة:- 326: 9 قضاء الحنفية:- 10: 5- 295: 4 قضاء دمشق:- 12: 12- 15: 13، 16- 16: 3، 4، 17 قضاء الديار المصرية:- 12: 12- 209: 8 قضاء الشافعية:- 286: 12 القضاة (جمع قاض) :- 48: 8- 102: 18 القضاة الأربعة:- 23: 7- 33: 4- 35: 14، 16- 45: 20- 67: 8، 9- 73: 2- 156: 14 قضاة السوء:- 164: 14 قطاع الطريق:- 113: 8- 160: 4- 303: 10 القلعيون (نسبة إلى قلعة الجبل) :- 43: 11- 368: 15- 369: 3، 4، 7، 10، 11، 15 قلم الديونة:- 136: 1 القماش:- 375: 17 القماش الأبيض البعلبكى:- 119: 14- 146: 10- 227: 8- 268: 18 قماش الخدمة:- 78: 16، 23- 87: 13- 137: 13 قماش ذهب:- 394: 8

قماش الركوب (ثياب الركوب في المواكب) :- 87: 20 القماش الصوف الملون:- 113: 3- 153: 14 قماش الموكب:- 57: 12- 87: 20- 118: 4- 125: 4 233: 7- 267: 5- 297: 3- 320: 7 قماش الموكب الفوقانى:- 301: 18 قنصل جنوه:- 134: 25 القنود (جمع قند للعسل الأسود) :- 375: 17 القوس:- 374: 15 ك كاتب:- 178: 10- 293: 13 كاتب السر:- 35: 16- 45: 19- 67: 10- 77: 2- 110: 12- 130: 15- 218: 12- 219: 2، 5- 226: 3- 258: 12- 271: 20- 272: 3، 4، 11- 301: 2- 304: 4- 315: 8 كاتب السر الشريف:- 13: 6- 129: 13- 186: 9- 271: 10- 298: 4 كاتب المماليك:- 30: 10- 359: 21- 382: 9 كاتب المماليك السلطانية:- 69: 6- 82: 6- 127: 12- 274: 13 الكاشف:- 84: 5- 303: 14 كاشف الشرقية:- 30: 5- 53: 2- 212: 5 كاشف الوجه القبلى:- 359: 22 كاملية (ثوب) :- 24: 20- 65: 22، 24- 133: 10- 276: 7 كاملية بفرو سمور بمقلب سمور:- 365: 5 كاملية بمقلب سمور:- 65: 11- 132: 2- 225: 14- 227: 3- 260: 6- 262: 20- 280: 20- 382: 22- 385: 5 كاملية خضراء بمقلب سمور:- 35: 21 كاملية صوف بنفسجى بمقلب بفرو سمور:- 24: 16 كاملية مخمل أخضر بمقلب سمور:- 66: 13 كان رأسا في إنشاء القصيد على الضروب والحدود (كان الأستاذ المادح المغنى ناصر الدين محمد المازونى المصرى) 193: 1 كبار أمراء الظاهرية:- 368: 12 كبير الأشرفية:- 234: 7 كبير الحرامية:- 137: 10

كبير الظاهرية:- 306: 6 كتاب ديوان المفرد:- 70: 12 كتابة السر:- 14: 12- 15: 1- 17: 3، 5- 204: 17- 205: 2، 7 كتابة السر بالديار المصرية:- 185: 16- 204: 16 كتابة سر حلب:- 206: 11 كتابة سر دمشق:- 15: 10، 11- 127: 9- 360: 12 كتابة سر مصر:- 15: 20- 21: 13، 16- 71: 20 كتابة المماليك:- 83: 10- 312: 11 الكتابية:- 224: 1، 18 كتابية الظاهر جقمق:- 91: 5 الكتبة:- 281: 7- 313: 19 كرسى الملك:- 35: 12 الكرة:- 307: 22 الكسارات:- 327: 20 كشف إقليم البهنسا:- 74: 19 كشف الوجه القبلى:- 33: 23- 63: 13 الكلف:- 70: 8 الكلفتاه- الكلفته:- 54: 5، 21- 87: 13- 219: 8، 18 الكلف السلطانية:- 33: 3- 83: 5- 86: 7- 260: 13 الكلوته:- 54: 21 الكنابيش الزركش المغشاة بالأطلس الأصفر:- 110: 9 الكنبوش:- 23: 24 كنبوش زركش:- 23: 16- 58: 7- 133: 11- 154: 3- 219: 11، 19- 220: 7، 10- 226: 6- 254: 7- 259: 8- 283: 15- 287: 6- 385: 5 كوامل بمقالب سمور:- 226: 7 الكئوسات:- 220: 4 الكيمان:- 56: 1 ل لالاة (المربى) :- 26: 1، 21 لبس السلطان القماش الصوف الملون:- 135: 1 لعبت الرماحة على العادة:- 286: 13

لقيمة الفقراء الخضراء:- 332: 19 م المالكية:- 341: 17 المباشرات:- 341: 17 المباشرة:- 281: 8 مباشرو الدولة:- 26: 6- 27: 8- 48: 1- 77: 1- 112: 9- 159: 19- 360: 3 المباشرون:- 72: 13- 83: 19- 101: 7، 12- 132: 11- 236: 17- 281: 18 متاع:- 248: 20 متحصل الدولة:- 83: 5- 86: 13 المتعممون:- 382: 7 المتمر:- 23: 15، 22 المجاورة:- 180: 9 المجاورون:- 106: 12- 129: 10 المحابيس:- 376: 13 المحتسب:- 48: 23- 101: 6- 194: 8، 16- 244: 22- 266: 17- 321: 2- 324: 14- 364: 8- 387: 13. محتسب القاهرة:- 30: 4- 100: 7- 118: 19- 127: 13- 194: 10- 266: 6- 277: 17- 291: 4- 364: 6 المحفة:- 111: 9- 269: 3 المحمل:- 54: 13- 68: 17- 98: 16- 111: 14- 115: 6- 123: 11، 12، 19- 124: 1، 2، 3، 4، 6- 126: 3- 133: 14- 151: 15- 152: 17- 265: 10- 271: 5- 277: 7- 286: 13- 288: 7- 290: 12- 291: 4- 293: 21- 299: 5- 365: 19- 382: 2 المخيم:- 59: 7- 91: 3 المداح:- 103: 14 المدافع:- 42: 17- 43- 17- 45: 13- 46: 1، 3، 21 مدبر المملكة:- 197: 7- 320: 3- 322: 20- 327: 6- 377: 14 مدرس الحديث بالظاهرية:- 334: 13 مدله مدة هائلة (أقام له مائدة فخمة) :- 80: 6 المدورة:- 369: 21

المدير:- 143: 10 مذهب الحنفية:- 176: 2 مراسيم:- 49: 11- 107: 15- 158: 19- 203: 3- 302: 13- 303: 2- 304: 20- 363: 9- 376: 12 مراكب:- 224: 10- 225: 10 المراكبية:- 151: 14 مرتب اللحم:- 86: 16 المرسوم:- 110: 23- 384: 22 مرقدار:- 340: 12 مرقعة الفقراء:- 307: 1 مركب:- 372: 1 مركب عقيبة:- 340: 9 المريخ:- 24: 4 المسفر (المرافق في السفر) :- 258: 15- 266: 12- 275: 12- 282: 4- 284: 4- 288: 20- 285: 4، 6، 8، 9، 11- 289: 1- 291: 16، 17- 296: 5، 7، 9- 371: 13- 380: 1: 393: 1 مسفر الأمير جانبك الناصرى:- 269: 11 مسفر طومان باى الظاهرى:- 269: 15 مسفر ناتب صفد:- 275: 111 مشايخ العربان:- 24: 21 المشترى:- 220: 15- 374: 5 المشد:- 8: 1- 60: 5- 176: 12- 388: 19 المشدية:- 395: 14 مشيخة الباسطية:- 346: 3 مشيخة خانقاه سرياقوس:- 205: 1 مشيخة خانقاه سعيد السعداء:- 3: 12 مشيخة خانقاه شيخون:- 187: 16 مشيخة المدرسة الأشرفية برسباى:- 187: 13 مشيخة نابلس:- 305: 16

المصادرات:- 64: 15 المصافقة:- 90: 14 المطوعة:- 151: 14- 276: 6 المعاصير: (آلات تعذيب) :- 30: 7 المعاملون:- 340: 16، 20 معاملو اللحم:- 278: 10- 340: 13 معذوق (موكول إليه) :- 377: 18 المعلم:- 19: 7- 49: 20 معلم الرماحة:- 268: 10 معلم رمى النشاب:- 173: 8 معلم السلطان:- 267: 7 معلم المعمارية:- 63: 17 المعلمون:- 340: 24 معلمو الرمح:- 188: 7 المغل (النتائج من المحاصيل) :- 323: 16 المفترجات:- 122: 6 المقارع:- 327: 20 المقام الشهابى:- 219: 9 المقام الناصرى:- 245: 18- 317: 12 المقدم:- 94: 2- 113: 5- 153: 4- مقدم ألف:- 74: 14، 16- 75: 16- 126: 11، 13- 258: 7- 294: 10 مقدم البريدية:- 75: 6 مقدم العساكر:- 105: 8، 16- 109: 7، 11- 111: 4- 150- 17، 21- 256: 1- 268: 14- 362: 6 مقدم المماليك:- 101: 7- 276: 19- 320: 9- 321: 3 مقدم المماليك السلطانية:- 20: 10- 88: 7- 117: 12- 126: 5- 185: 4- 292: 5- 312: 1 مقدم المماليك السلطانية بمكة:- 200: 14 المقدمون:- 40: 6- 111: 8- 284: 8- 296: 5- 302: 12- 382: 2 مقدمو الألوف:- 7: 7- 38: 18- 39: 11- 83: 14، 15- 74: 5- 89: 3- 98: 15- 105: 19- 112

6- 114: 3- 125: 4- 147: 11- 150 18- 152: 11- 154: 4- 163: 13- 165: 10- 176: 16- 196: 16- 207: 12- 222: 11، 16- 233: 6- 234: 9- 237: 3- 240: 2- 258: 6، 9- 270: 15- 279: 2- 284: 8- 290: 13- 316: 14- 323: 7- 336: 17- 356: 18: 365: 19- 367: 11- 382: 3- 386: 14، 19 مقدمو الألوف بالديار المصرية:- 19: 3- 319: 13- 355: 2 المقر الصحابى:- 45: 18 المقعد:- 262: 1 مقعد البيت:- 261: 23 المقولة:- 341: 15 مقولة سودون تركمان:- 338: 9 الملاعيب:- 307: 21، 23- 345: 7- 347: 3 ملطفات:- 91: 20 ملك الأكراد الأيوبية:- 273: 5 ملوك الأقطار:- 158: 3- 322: 21 ملوك الترك:- 57: 9- 218: 3- 253: 7- 327: 4- 356: 4- 370: 9- 373: 4- 394: 4- 396: 17 ملوك الجراكسة:- 57: 10- 255: 13- 256: 8 ملوك الروم:- 343: 3، 11 ملوك الفرنج:- 143: 14 ملوك مصر:- 374: 8- 375: 11 المماليك:- 27: 12- 36: 17- 38: 11، 13- 39: 3، 6، 13، 15- 41: 1، 3، 19- 45: 22- 46: 13- 47: 8- 48: 2- 96: 19- 97: 16- 100: 4- 101: 5، 8، 20- 102: 2، 11- 103: 5- 104: 21- 105: 1، 6، 7- 114: 9- 124: 3- 125: 12- 130: 12- 138: 12- 144: 12- 153: 2- 159: 12- 162: 18- 163: 3، 16- 164: 1- 167: 6- 168: 4- 169: 7- 170: 6- 176: 7، 19- 179: 17- 189: 11- 207: 14- 223: 2- 231: 15، 16، 19، 22- 232: 1، 3، 11- 234: 3- 236: 13- 240: 16، 18- 241: 6، 20- 242: 2، 6، 12- 19- 243: 6- 244: 9، 15- 246: 21- 258: 19- 259: 1، 3، 7، 18، 19، 20- 265: 15- 266: 18- 268: 8- 270: 22- 272: 7- 279: 18- 280: 7- 282: 13- 289: 3- 301: 8- 302: 6-

304: 5- 310: 19- 312: 15- 315: 18- 316: 3، 15، 17، 19- 317: 5- 318: 10- 327: 14، 20- 332: 10- 335: 16- 338: 7، 12- 346: 16- 353: 5- 356: 16- 357: 24- 360: 5- 367: 15- 372: 2- 390: 1 المماليك الأجلاب:- 84: 22- 87: 3، 13، 16، 18- 88: 2- 89: 1، 6، 12- 94: 12، 15، 17- 95: 8- 96: 11، 15- 98: 2- 99: 15- 100: 1- 101: 3- 112: 8: 114: 7، 8، 13- 117: 17- 118: 17- 123: 11- 125: 3، 10، 11- 130: 1، 3، 5، 14- 131: 18- 132: 5، 10- 133: 5- 136: 17- 137: 1، 2، 5، 6، 12، 15، 138: 5، 8- 141: 19، 21- 142: 12، 14، 16- 144: 9- 145: 7- 147: 4، 18- 148: 4- 151: 20- 152: 1- 158: 13- 159: 8، 15- 160: 17، 18- 225: 4، 6- 231: 15، 16، 18، 21- 232: 2، 11- 240: 13- 276: 18- 277: 18- 278: 18- 279: 12- 290: 14، 17- 297: 15- 308: 16- 320: 4، 10، 14- 321: 14- 321: 14- 324: 15- 356: 18- 365: 21 مماليك أردبغا:- 213: 4 مماليك الأشرف برسباى:- 89: 11- 190: 9- 191: 18- 327: 8- 345: 2- 383: 21 المماليك الأشرفية:- 81: 7- 84: 1- 229: 10- المماليك الأشرفية إينال:- 79: 4 المماليك الأمراء:- 34: 18- 130: 12- 144: 12- 153: 4 مماليك أيبك:- 231: 22 مماليك جقمق الأرغون شاوى:- 212: 18 المماليك الجلبان:- 84: 1- 84: 6- 123: 6- 291: 12 المماليك الخواص:- 377: 4 مماليك زين الدين:- 96: 3 المماليك السلطانية:- 21: 1- 26: 7، 12- 27: 8- 28: 3، 18- 29: 17- 31: 23- 33: 1- 37: 21- 41: 17- 43: 9، 20- 49: 22- 58: 14- 61: 1، 21، 22، 23- 64: 8، 14- 69: 6- 76: 2- 86: 14- 91: 3- 94: 2- 102: 10، 11- 104: 18- 106: 4، 12- 109: 3، 5- 111: 6- 117: 12- 131: 6- 137: 12- 139: 2- 144: 13- 147: 5، 6- 148: 16- 150: 3، 5، 7- 151- 13- 152: 5- 153: 3- 200: 13- 210: 11- 213: 16- 216: 15 221: 21- 223: 19- 224: 1، 4- 225: 18، 20- 231: 14، 15، 20-

255: 8- 257: 14- 259: 3- 264: 264: 7- 268: 14- 270: 3- 276: 5- 280: 14- 284: 16- 286: 5، 15- 290: 6- 297: 2- 304: 1، 15- 312: 1- 315: 20- 318: 20- 327: 6- 336: 20: 338: 8- 340: 15- 352: 6- 357: 19- 359: 14- 362: 11، 19- 380: 3، 4، 7- 382: 5- 383: 2 1- مماليك سودون الحمزاوى الظاهرى الدوادار:- 2- 201: 16 المماليك السيفية:- 7: 22- 90: 8 مماليك الظاهر برقوق- المماليك الظاهرية برقوق:- 18: 17- 183: 12- 196: 2- 213: 15- 215: 15 مماليك الظاهر خشقدم:- 383: 24 المماليك الظاهرية:- 79: 4- 81: 7- 89: 13- 91: 12، 14- 194: 4- 229: 10، 17- 18- 232: 6- 233: 14- 251: 7- 260: 10- 262: 21 المماليك الظاهرية الجقمقية:- 52: 7- 65: 18- 78: 2- 79: 4- 87: 2- 89: 8- 180: 13- 213: 10- 381: 8- 383: 22 مماليك قانى باى البهلوان:- 184: 20 المماليك القرانيص:- 88: 3 مماليك قرايوسف بن قرامحمد:- 194: 11، 13 المماليك المعينة:- 231: 19 المماليك المؤيدية- مماليك المؤيد شيخ:- 19: 21- 183: 6- 188: 15- 189: 7- 205: 17- 207: 9- 211: 10- 216: 7- 343: 16 مماليك الناصر فرج بن برقوق:- 181: 19- 186: 16- 192: 2- 206: 15- 339: 10- 343: 6 مماليك نوروز الحافظى:- 192: 11 مملكة أولاد عثمان:- 2: 25 مملكة شماخى:- 339: 18 المملوك:- 91: 14- 114: 8- 145: 8- 149: 10- 150: 2، 6- 200: 13- 224: 1- 231: 1- 240: 13- 250: 10- 258: 22- 268: 13- 282: 3- 284: 16- 293: 19- 296: 11- 362: 11- 381: 12- منابر دياربكر:- 268: 6 منارة من غرد:- 121: 13، 22

المناسر (قطاع الطرق) :- 136: 21- 137: 3- 160: 4 مناشير:- 158: 19، 22- 302: 13- 303: 2- 304: 20- 305: 5- 363: 9 منديل الأمان:- 45: 1- 72: 5 المنصورية- نسبة إلى الملك المنصور عثمان:- 51: 3 المهماز:- 278: 12- 340: 19- 374: 18 المهمندار:- 75: 6- 97: 12- 19: 2- 194: 10، 16، 364: 19- 365: 2- 374: 18 المهمندارية:- 119: 2 المواعيد:- 347: 22، 24 مواكب الجيش:- 34: 20 موسم الحاج الشامى:- 378: 8 الموسيقى:- 193: 4- 209: 23 الموقع:- 46: 6 الموكب:- 33: 11- 34: 6، 12- 59: 7- 67: 11 91: 2- 102: 9- 110: 14- 133: 9- 144: 5- 147: 11- 150: 8، 10- 152: 14- 219: 20- 221: 19- 226: 7- 260: 3- 279: 4- 297: 4- 301: 14، 15- 385: 20، 21- 386: 13- 393: 4 الموكب السلطانى:- 87: 12 موكب السلطنة:- 373: 19 موكب القصر:- 117: 9 موكب الملك:- 219: 14 المولد النبوى:- 283: 3 المؤيدية (أتباع الملك المؤيد شيخ المحمودى) :- 31: 8- 35: 3، 4- 51: 6- 40: 5- 147: 23- 234: 3 الميرة:- 44: 5 المينة:- 332: 19 ن الناصرية- فرج بن برقوق:- 40: 5- 147: 22- 234: 3- 242: 18 الناظر:- 83: 24 ناظر الأحباس:- 147: 1- 215: 7 ناظر الإصطبلات السلطانية:- 231: 7- 265: 8

ناظر البيمارستان المنصورى:- 170: 17 ناظر الجوالى:- 127: 2- 227: 13 ناظر الجيش:- 48: 20- 83: 13- 95: 9- 129: 16، 18- 272: 11 ناظر جيش طرابلس:- 193: 6 ناظر الجيش والخاص:- 77: 3- 94: 4- 101: 21- 118: 18- 119: 16- 120: 13 ناظر الجيوش:- 15: 3- 48: 8- 126: 15- 129: 21- 148: 14- 204: 15- 205: 5- 215: 12 ناظر الخاص:- 45: 15- 48: 8- 83: 13- 126: 18- 127: 2- 130: 23- 134: 19- 163: 5- 197: 8- 260: 13- 336: 21- 388: 20 ناظر خانقاه سرياقوس:- 384: 8 ناظر خانقاه سعيد السعداء:- 384: 8 ناظر الخزانة الشريفة:- 2: 4 ناظر دار الضرب:- 102: 18 ناظر الدولة:- 85: 10، 14- 127: 11- 278: 11- 283: 9 ناظر ديوان الإنشاء الشريف:- 298: 19 ناظر ديوان المفرد:- 118: 2 ناظر الذخيرة:- 132: 8 ناظر قبة الصالح:- 384: 9 ناظر القدس:- 191: 4 ناظر الكسوة:- 82: 12 الناموسية:- 346: 20 نائب أبلستين:- 172: 16- 200: 7- 292: 4- 293: 7- 345: 10 نائب الإسكندرية:- 27: 6- 62: 18- 65: 7- 310: 18- 352: 7 نائب البيرة:- 282: 7- 291: 10- 334: 1- 338: 5 نائب البحيرة:- 39: 15- 167: 16 نائب بعلبك:- 31: 12- 32: 14- 72: 2- 153: 8- 311: 1 نائب بيروت:- 332: 11 نائب جدة:- 18: 12- 27: 14، 17- 61: 8- 66: 4

93: 1- 112: 1- 141: 6- 234: 9، 16- 237: 3، 11، 16، 19- 238: 3- 239: 8- 242: 14- 244: 9- 245: 10- 256: 16- 320: 4 نائب حلب:- 26: 18- 35: 8- 78: 7، 20- 84: 15- 102: 15- 115: 5- 118: 21- 128: 6- 200: 6، 8، 14- 214: 9- 223: 11- 275: 1- 269: 8- 270: 13، 22- 284: 17- 296: 3- 302: 9- 316: 19- 317: 3- 361: 20- 385: 1- 395: 14 نائب حماة:- 27: 1- 92: 2- 128: 12- 200: 8- 223: 14- 269: 9- 285: 7- 296: 6- 361: 6 نائب دمشق:- 13: 2- 15: 12- 201: 14- 352: 3 نائب رأس نوبة الجمدارية:- 131: 10 نائب الشام:- 26: 17- 73: 11- 79: 14- 84: 12- 107: 10- 129: 3- 132: 14- 167: 7- 173: 1- 174: 10- 192: 11- 194: 21- 201: 23- 213: 1- 223: 2، 9- 226: 8- 217: 15- 228: 21- 229: 6- 230: 16- 234: 13- 236: 18- 237: 6- 239: 19- 240: 2- 256: 22- 258: 5، 13- 259: 9- 265: 14، 19، 21- 266: 4، 7، 18- 268: 1، 4، 5- 270: 11- 275: 1- 284: 1- 296: 1- 302: 8- 312: 15، 20- 313: 8- 318: 9- 330: 12- 332: 15- 338: 7- 339: 12- 352: 1- 361: 1، 19- 363: 16- 364: 20- 365: 4، 10- 380: 18 نائب صفد:- 7: 1- 19: 12- 27: 2- 69: 8- 92: 3- 128: 15- 165: 17- 168: 4، 7، 14، 19- 223: 15- 265: 16- 269: 11- 275: 11- 285: 8- 291: 17- 303: 9 نائب طرابلس:- 26: 20- 91: 19- 199: 4- 264: 2، 15- 200: 8- 223: 13- 265: 2- 285: 3- 288: 19- 339: 8- 361: 6- 377: 2 نائب غزة:- 27: 4- 84: 12- 92: 5- 109: 10- 223: 16- 128: 18- 269: 13- 291: 17- 301: 10- 303: 9- 319: 8- 362: 12 نائب الغيبة:- 51: 17 نائب القدس:- 127: 15 نائب القلعة- نائب قلعة الجبل:- 39: 14- 60: 10- 62: 18- 74: 10- 116: 19- 117: 3- 153: 7، 9- 181: 18- 192: 10، 13- 196: 5- 240: 15- 244: 4- 246: 6، 8- 259: 12- 276: 20- 363: 17- 364: 2- 381: 15- 383: 5- 388: 20

نائب قلعة حلب:- 77: 19- 180: 14- 206: 7- 270: 1- 282: 9- 296: 17 نائب قلعة دمشق:- 27: 3- 267: 21 نائب قلعة صفد:- 141: 24 نائب قلعة كركر:- 286: 17 نائب كاتب السر:- 95: 15- 206: 10- 272: 4 نائب الكرك:- 21: 8- 27: 5- 136: 5- 301: 10 نائب مقدم المماليك:- 277: 2- 318: 5- 321: 21 نائب ملطية:- 95: 4- 115: 3- 180: 11- 209: 11- 316: 18 النجاب:- 109: 10- 110: 4- 290: 3 النجب:- 110: 7 النخ:- 151: 1، 21 النشاب:- 46: 21- 167: 13- 286: 1- 347: 3- 374: 15 نشابة للريش:- 232: 8 نظر الأحباس:- 9: 13- 10: 6- 190: 19 نظر الأوقاف:- 190: 19- 265: 9 نظر البيمارستان المنصورى:- 77: 11- 359: 17 نظر بندر جدة:- 35: 20 نظر الجوالى:- 77: 11- 189: 1 نظر الجيش:- 15: 4، 6- 197: 8- 205: 6- 261: 4- 265: 13- 272: 12 نظر جيش دمشق:- 290: 8 نظر جيش طرابلس:- 21: 13 نظر حرم مكة:- 93: 9 نظر الخاص:- 197: 8- 260: 18- 295: 10 نظر الخزانة الشريفة:- 77: 12 نظر خزائن السلاح:- 77: 11 نظر الدولة:- 77: 8- 81: 22- 292: 20- 340: 18- 341: 3 نظر الكسوة:- 77: 11 نظر المفرد (ديوان المفرد) :- 77: 7 النفقة:- 104: 19، 21- 105: 3، 7- 221:

21- 222: 8- 223: 19- 224: 1- 225: 20- 259: 19، 20- 260: 17، 19- 270: 19- 362: 19، 20، 21، 22- 363: 1، 4- 380: 3، 4، 6، 9- 382: 5، 7، 8 النفوط:- 43: 17- 46: 21 نقابة الجيش:- 83: 8- 99: 11 النقباء (جمع نقيب) :- 114: 10 نقيب الجيش:- 27: 14- 30: 76: 4- 81: 1- 83: 7- 156: 7- 143: 8- 233: 5، 8 النمجة:- 338: 12، 15- 389: 10- 390: 4- 391: 16 النواب:- 80: 1، 19- 109: 1- 110: 22- 129: 3 361: 1 نواب البلاد الشامية:- 73: 3- 81: 17- 223: 7- 274: 2- 303: 8 نواب الحكم:- 2: 1- 170: 16: 181: 8- 190: 4، 15- 297: 18- 354: 3 نواب الحكم الحنابلة:- 344: 6 نواب الحكم الحنفية:- 314: 14 نواب الحكم الشافعية:- 204: 5، 10- 212: 14- 311: 13 نواب الحكم المالكية:- 324: 1- 344: 3 النيابة:- 117: 16 نيابة أبلستين:- 294: 5 نيابة الإسكندرية:- 7: 15- 19: 3- 31: 6- 32: 4- 60: 11- 63: 7- 71: 2- 84: 17- 153: 7- 182: 3- 214: 6- 330: 18- 379: 18 نيابة ألبيرة:- 211: 11- 282: 9- 288: 12- 291: 10- 338: 8 نيابة البحيرة:- 29: 9 نيابة بعلبك:- 311: 1 نيابة تقدمة المماليك:- 20: 26 نيابة الحكم بالقاهرة:- 344: 11 نيابة حلب:- 20: 25- 85: 1- 128: 6، 9- 175: 1، 6، 16- 183: 23- 184: 13- 200: 15، 18- 202: 6، 9، 10، 13، 15- 203: 12، 12- 214: 8- 269: 9- 283: 16- 284: 2، 21- 285: 1- 296: 4، 6- 330: 19- 332: 7، 13- 384: 18 نيابة حماة:- 92: 3- 128: 15- 168: 8، 9- 169: 13- 175: 1، 3- 200: 17- 202: 4، 12- 269: 12- 285: 8- 288: 21-

289: 1- 294: 12- 296: 8- 313: 11- 330: 18- 362: 12، 13- 364: 3، 6 نيابة حمص:- 168: 6- 313: 15 نيابة دمشق:- 79: 18- 107: 16- 108: 5- 128: 6 175: 9، 11، 12، 14، 18- 202: 17، 18- 203: 7، 21- 214: 10-- 284: 3، 21- 285: 3- 314: 6- 331: 5 نيابة دمياط:- 170: 12 نيابة الرها:- 59: 4، 6، 12 نيابة السلطنة:- 74: 17 نيابة الشام:- 84: 15- 175: 2- 203: 12- 257: 12- 266: 12- 267: 4- 285: 2، 5 - 296: 4- 332: 8، 15- 352: 16- 362: 2- 395: 16 نيابة صفد:- 7: 5- 59: 17- 69: 9- 92: 4- 128: 18- 168: 7، 14، 16- 258: 6، 15- 266: 15- 269: 13- 275: 3- 285: 10- 291: 7- 332: 12 نيابة طرابلس:- 92: 1- 128: 9، 12- 175: 4- 183: 17، 23- 199: 11- 200: 17، 18- 202: 4، 5- 285: 7- 288: 21- 294: 8، 10، 11- 352: 15، 16- 359: 4- 364: 4 نيابة طرسوس:- 95: 5، 6- 167: 9 نيابة غزة:- 7: 3- 58: 19- 59: 1، 10- 69: 11- 92: 6- 129: 1- 169: 4- 259: 12- 272: 7، 8، 9، 12- 276: 11- 291: 8، 9- 332: 12- 362: 17- 384: 3 نيابة الغيبة:- 201: 19 نيابة قبرس:- 133: 12 نيابة القدس:- 130: 20 نيابة القلعة- نيابة قلعة الجبل:- 65: 9- 99: 4- 182: 2، 4- 192: 14- 196: 9- 213: 20- 314: 5 نيابة قلعة حلب:- 78: 1- 169: 4- 270: 3- 282: 8- 334: 4 نيابة قلعة دمشق:- 298: 2 نيابة قلعة صفد:- 20: 1، 19- 338: 8 نيابة كتابة السر:- 206: 11- 271: 13 نيابة المرقب:- 92: 14 نيابة المقدم:- 20: 16- 292: 6- 312: 5 نيابة ملطية:- 92: 10- 95: 4، 5- 115: 3- 180: 15- 267: 19- 275: 1

هـ هجانة السلطان:- 110: 8 والوالى:- 5: 8- 49: 5- 65: 8- 137: 5، 10 والى القاهرة:- 30: 3- 32: 4- 36: 1- 41: 17- 76: 6- 99: 9- 118: 12- 136: 21- 153: 9، 10- 156: 1- 163: 1، 7- 195: 22- 296: 9- 336: 22- 359: 20- 365: 14 وجوه الدولة:- 28: 1- 80: 16- 115: 8، 18 الوزارة:- 85: 11- 86: 4- 135: 21- 278: 14 الوزر:- 33: 2، 22- 68: 2- 77: 9- 83: 9، 24- 86: 184- 135: 12، 16، 18- 136: 3- 137: 18- 176: 2- 274: 1، 12- 277: 4- 278: 15- 282: 18- 283: 10- 293: 2، 4- 312: 11- 313: 19- 334: 15- 341: 4، 5، 7، 17، 22 الوزراء:- 313: 20 الوزير:- 33: 2، 8- 69: 6- 77: 5- 82: 1- 83: 4، 9- 85: 10- 86: 12- 96: 1، 2- 130: 2- 135: 5، 16- 137: 17- 144: 9- 155: 11- 162: 18- 164: 18- 267: 12- 281: 2- 283: 10- 292: 18- 312: 9- 313: 17- 334: 13- 338: 15- 341: 6 وسط (شقه نصفين من وسطه) :- 327: 20 الوشق:- 80: 11 الوطاق:- 208: 3 الوظائف:- 75: 20- 80: 14- 235: 9- 264: 12- 280: 21- 287: 14- 379: 4 الوظيفة:- 272: 3، 11، 12، 21- 277: 4- 278: 5، 13- 287: 2- 289: 15- 295: 19- 382: 12 وكيل بيت المال:- 85: 12- 132: 9 الولايات:- 77: 15- 158: 21- 175: 16، 19، 20- 236: 1- 343: 8 الولاية:- 32: 5- 163: 8- 294: 9- 303: 18 ولاية حلب:- 202: 20 ولاية دمشق:- 332: 16 ولاية الشرقية:- 63: 22 ولاية القاهرة:- 99: 10، 11- 105: 15- 163: 10 الوليمة:- 277: 12، 14، 15

فهرس وفاء النيل من سنة 855 - 871 هـ

فهرس وفاء النيل من سنة 855- 871 هـ صفحة سطر وفاء النيل في سنة 855 هـ/ 11/11 وفاء النيل في سنة 856 هـ/ 22/4 وفاء النيل في سنة 857 هـ/ 169/16 وفاء النيل في سنة 858 هـ/ 173/12 وفاء النيل في سنة 859 هـ/ 180/18 وفاء النيل في سنة 860 هـ/ 182/20 وفاء النيل في سنة 861 هـ/ 189/16 وفاء النيل في سنة 862 هـ/ 198/3 وفاء النيل في سنة 863 هـ/ 208/5 وفاء النيل في سنة 864 هـ/ 217/13 وفاء النيل في سنة 865 هـ/ 314/18 وفاء النيل في سنة 866 هـ/ 317/15 وفاء النيل في سنة 867 هـ/ 325/6 وفاء النيل في سنة 868 هـ/ 337/3 وفاء النيل في سنة 869 هـ/ 342/3 وفاء النيل في سنة 870 هـ/ 350/8 وفاء النيل في سنة 871 هـ/ 355/4

فهرس أسماء الكتب الواردة بالمتن والهوامش

فهرس أسماء الكتب الواردة بالمتن والهوامش االفية ابن مالك (لمحمد بن عبد الله) :- 346: 2 بدائع الزهور (لمحمد بن أحمد بن اياس) :- 23: 2 ب بغية الوعاة (للجلال السيوطى) :- 8: 23 بلدان الخلافة الشرقية (للسترنج- ترجمة بشير فرنسيس وكوركيس عواد) :- 97: 19- 109: 20- 114: 21- 168: 22 ت التبر المسبوك (للسخاوى) :- 9: 22 التعبير في فقه الشافعية (لشرف الدين بن هبة الله بن عبد الرحيم بن البارزى) :- 13: 22 التمييز: (لشرف الدين بن هبة الله بن عبد الرحيم بن البارزى) :- 13: 14 التوضيح (لابن هشام) :- 204: 7 ج جامع الشواهد (لمحمد بن على رضا الملقب بالباقر) :- 248: 23- 249: 22- 308: 24 ح حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور- الحوادث (لأبى المحاس يوسف بن تغرى بردى) :- 1: 6، 17- 5: 6- 17: 6- 19: 17، 18، 20، 25- 20: 24- 24: 18، 20، 22- 25: 18، 19- 26: 13، 22- 27: 18- 28: 25- 29: 6، 18- 30: 15، 16، 17، 18، 21- 31: 22، 24- 35: 21- 38: 5، 24- 44: 21- 45: 21- 46: 21- 48: 22- 50: 22- 53: 24- 61: 20- 63: 20، 21- 66: 14، 16، 19، 21- 67: 20- 68: 3، 21- 69: 21، 23- 70: 24- 71: 14، 22- 73: 18- 74: 19، 22- 77: 15- 78: 18، 20- 79: 6، 23، 24- 80: 21- 81: 22- 82: 20- 83: 20، 23- 84: 19- 85: 21- 86: 23، 24- 87: 22، 24- 88: 21، 23- 89: 20، 22- 92: 19، 22، 24- 94: 19- 95: 16- 98: 20- 99: 20- 100: 23- 102: 20، 22- 104: 22- 105: 23- 107: 17- 109: 25- 110: 22- 113: 25- 114: 22- 117: 21- 118: 21، 23- 119: 21، 23- 120: 20، 23- 122: 10، 11، 14- 123: 20- 125: 22- 126: 2- 130: 22- 132: 18، 24- 134: 19، 22، 24- 135: 17- 139: 21- 141: 22- 147: 22- 149: 23- 150: 21، 22- 153: 18، 21- 154: 21- 155: 21- 162: 20- 164: 21- 170: 18- 173: 14، 15- 177: 17- 179: 22- 180: 6- 184: 21- 185: 20، 22، 25- 188: 22- 190: 23- 191: 21- 192: 19- 193: 23- 194: 23- 195: 25- 196: 22- 198: 1، 5- 200: 7، 21، 22- 201: 23- 202: 23- 204: 21- 205: 22- 206: 19، 20، 22- 207: 20، 22، 24- 209: 21، 22- 210: 7، 22- 211: 24- 212: 20، 21، 23- 213: 23- 216: 22- 217: 18- 218: 21- 222: 22- 224: 18- 225: 21- 226: 21، 22- 227: 23- 228: 22-

256: 5- 257: 11- 259: 21- 265: 18- 268: 21- 271: 1، 21- 272: 7، 20- 275: 2- 276: 20- 277: 14- 278: 14، 22- 280: 23- 281: 22- 283: 12- 284: 20، 23- 286: 10- 290: 20- 291: 13- 293: 3- 295: 21- 297: 14، 22- 298: 19- 304: 3- 305: 22- 310: 14- 316: 8- 317: 11، 17- 320: 6- 322: 19- 332: 24- 333: 3- 334: 17- 339: 19- 340: 6- 341: 21- 343: 13- 346: 23- 347: 23، 26- 348: 16- 349: 10- 353: 2، 12- 354: 11، 23- 361: 2- 372: 11- 376: 20، 21- 383: 11، 18، 19، 20، 24، 25- 385: 22 خ الخطط التوفيقية (لعلى مبارك) :- 1: 24- 12: 23- 13: 21- 42: 24- 352- 24 الخطط (المواعظ والاعتبار في الخطط والآثار للمقريزى) :- 12: 26- 13: 20- 23: 23- 42: 21- 96: 22- 98: 22- 105: 22- 287: 14- 302: 22- 322: 23- 328: 22- 328: 25- 334: 22- 357: 24 د دائرة المعارف الإسلامية:- 2: 28- 376: 23 دائرة المعارف (للبستانى) :- 224: 24- 332: 21 دائرة المعارف (لفريد وجدى) :- 285: 24 ذ الذهب المسبوك (للمقريزى) :- 276: 21 الذيل على رفع الاصر (للسخاوى) :- 12: 19- 318: 21- 326: 21 س السلوك في معرفة دول الملوك (للمقريزى) :- 39: 20 سيرة ابن ناهض (لمحمد بن ناهض بن محمد بن حسن. شمس الدين) :- 16: 12 السيف المهند في سيرة الملك المؤيد (للبدر العينى) :- 10: 21- 193: 20 ش شروح سقط الزند:- 266: 21- 283: 23 الشعر الشعبى (للدكتور حسين نصار) :- 160: 23 شفاء القلوب في مناقب بنى ايوب:- 18: 22 ص صبح الأعشى في صناعة الانشا (للقلقشندى) :- 7: 25- 28: 23- 49: 23- 54: 23- 97: 24- 109: 24- 113: 19، 21- 249: 22 ض الضوء اللامع (للسخاوى) :- 2: 16، 18، 20، 22- 3: 19، 24- 4: 19- 5: 20، 23- 6: 18- 8: 22- 9: 21- 12: 16، 20، 21- 13: 16، 27- 14: 17، 22، 26- 15: 23- 16: 21- 18: 18، 19، 24- 19: 15، 24- 20: 18، 19، 20، 22، 26- 21: 19، 20- 30: 19، 24- 31: 18، 20- 33: 18، 20- 34: 15، 17- 35: 24، 26- 39: 24- 78: 17- 93: 16، 20، 22، 24- 95: 23- 106: 21، 22- 107: 21، 23- 112: 21، 23- 122: 21- 125: 21- 126: 22، 24- 127: 21، 23- 141: 23- 147: 20- 148: 22، 24- 164: 23- 165: 22- 170: 20- 172: 19، 22- 177: 21- 178: 24- 181: 21، 22- 185: 24- 186: 21-

187: 19، 23- 188: 23، 24- 190: 21، 22- 191: 22- 192: 21، 23، 24- 193: 24- 195: 20- 199: 22- 201: 22- 203: 23- 204: 20، 22، 24- 206: 20- 211: 22- 212: 19- 217: 16، 17- 227: 25- 234: 21- 252: 21- 278: 21- 311: 20، 22، 24- 313: 23- 314: 21، 22- 315: 21- 318: 19- 325: 8- 328: 19- 230: 23- 333: 23- 334: 24- 335: 22- 338: 20، 23- 339: 18، 21، 22- 344: 19، 21، 23، 24- 345: 21، 23- 347: 19، 21- 348: 20، 22- 349: 20، 21، 23- 352: 23- 353: 22- 354: 18، 20، 22- 379: 23 ط طبقات الشافعية (للسبكى) :- 14: 19 ع العصر المماليكى في مصر والشام (للدكتور محمد سعيد عاشور) :- 346: 21 ف الفيح القسى في الفتح القدسى (لعماد الدين الأصبهانى) :- 219: 21 ق قاموس تركى (لشمس الدين سامى) :- 154: 19 القاموس الجغرافى للبلاد المصرية القديمة (لمحمد رمزى) :- 358: 21 قاموس دوزى:- 23: 25- 79: 21- 160: 22- 167: 19- 346: 22 ك كشف الظنون (لحاجى خليفة) :- 13: 24 ل لسان العرب (لابن منظور) :- 120: 18- 121: 22، 23- 151: 21- 233: 20 م مجلة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية:- 7: 26 مجمع الأمثال (للميدانى) :- 10: 25 محيط المحيط (للبستانى) :- 4: 23- 79: 20- 372: 13 المشترك (لياقوت الحموى) :- 12: 19 معجم البلدان (لياقوت الحموى) :- 97: 22- 172: 24- 266: 22- 286: 23- 340: 22 المعجم الوسيط (للمجمع اللغوى) :- 24: 24- 54: 24- 157: 22- 227: 20- 283: 20 مفرج الكروب في دولة بنى ايوب (لابن واصل- تحقيق الدكتور جمال الشيال) :- 79: 22- 219: 24 الملابس المملوكية (ل. ا. ماير- ترجمة صالح الشيتى) :- 53: 22- 65: 23- 78: 23 المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى (لابى المحاسن يوسف بن تغرى بردى) :- 1: 20- 8: 6، 22- 10: 11- 177: 16- 188: 2- 198: 2- 210: 7- 238: 13- 310: 13- 312: 16- 319: 3 المؤرخون في مصر في القرن الخامس عشر الميلادى (للدكتور محمد مصطفى زيادة) :- 9: 23، 24 مورد اللطافة في ذكر من ولى السلطنة والخلافة (لأبى المحاسن يوسف بن تغرى بردى) :- 193: 16 الموسيقى الكبير (للفارابى) :- 193: 20 ن النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة:- 1: 19، 20- 7: 24 النظم الاقطاعية في الشرق الأوسط في العصر المملوكى (للدكتور ابراهيم على طرخان) :- 290: 22 نظم العقيان في أعيان الأعيان (للجلال السيوطى) :- 8: 22

فهرس الموضوعات

فهرس الموضوعات صفحة السنة الرابعة عشرة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة 856 هـ 1 السنة الخامسة عشرة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة 857 هـ 12 ذكر سلطنة الملك المنصور عثمان ابن السلطان الظاهر جقمق 23 الملك المنصور يبحث مع أمرائه وأعيان دولته ومباشريها موضوع نفقة المماليك 26 لعدم توفر المال في خزائن الدولة محنة الأستادار زين الدين يحيى بسبب النفقة 27 وفاة الملك الظاهر جقمق 29 السلطان يقبض على جماعة من الأمراء المؤيدية ويودعهم سجون الإسكندرية 30 السلطان يجرى تعيينات في مناصب الدولة ويغير أوضاع كبار الأمراء فتنفر منه 31 قلوبهم ويبدءون العمل على إثارة الفتن في الدولة السلطان يستقبل رسل ملك الحبشة 33 قراءة تقليد السلطان بالسلطنة في القصر الكبير بقلعة الجبل 35 المؤيدية تستميل الأشرفية للقيام معهم ضد الملك المنصور، والمنصور وأمراؤه في 36 غفلة لاشتغالهم بالإقطاعات والوظائف ذكر الوقعة التي عزل فيها الملك المنصور- التفاف الأمراء حول الأتابك إينال 38 العلائى- الحرب بين الطائفتين- الخليفة يصرح بعزل الملك المنصور- الملك المنصور يطلب الصلح فلا يجاب إليه- استمرار القتال وخلع الملك المنصور من السلطنة ومبايعة الأتابك إينال بالسلطنة- هزيمة أتباع الملك المنصور وزوال دولته وترحيله إلى الإسكندرية ليسجن بها ... ذكر سلطنة الملك الأشرف إينال العلائى على مصر- ترجمة الملك الأشرف إينال 57

صفحة سفر الأمراء الظاهرية المقبوض عليهم إلى الإسكندرية ليسجنوا بها 61 السلطان ينعم بالوظائف والإقطاعات على كبار رجال الدولة، ويفرج عن كبار 62 الأمراء المسجونين قبل عهده القبض على عدة من المماليك الظاهرية وسجنهم ونفى آخرين 65 قراءة تقليد الملك الأشرف إينال بالسلطنة في القصر الكبير بقلعة الجبل 67 دوران المحمل إيذانا بسفر الحاج 68 رسول السلطان محمد بك بن مرادبك بن عثمان ملك الروم يقدم التهانى للسلطان 70 ويخبره بفتح اسطنبول بعد قتال عظيم ويقدم أسيرين من عظماء أهل قسطنطينية فتدق البشائر وتقام الزينات بالقاهرة- السلطان يوفد رسولا لتهنئة ملك الروم بهذا الفتح. حوادث سنة ثمان وخمسين وثمانمائة 72 أرباب الوظائف وأعيان الدولة من الأمراء في مطلع هذه السنة 73 أعيان مباشرى الدولة من المتعممين 77 قيام فتنة بين المماليك الظاهرية جقمق والأشرفية برسباى 79 نائب الشام الأمير جلبان يقدم إلى القاهرة فيقابل باحتفال كبير من السلطان 79 والأمراء عودة الأمير يرشباى الإينالى رسول السلطان إلى ملك الروم وعليه لبس الأروام وخلعهم 82 تعيين الأمير قانى باى الحمزاوى في نيابة الشام 84 وقعة المماليك الظاهرية جقمق مع الأشرف إينال وهزيمتهم والقبض على بعضهم ونفى البعض الآخر 87 خلع الخليفة القائم بأمر الله حمزة وتولية أخيه يوسف 90

أخبار محمل الحاج في هذه السنة 93 حوادث سنة ستين وثمانمائة 94 المماليك الأجلاب تثير الفتن وتعتدى على الأمراء وتنهب الدور 94 وصول رسول السلطان محمدبك بن مرادبك بن عثمان ملك الروم والبشارة بفتح القسطنطينية 95 المماليك الأجلاب تعود إلى نهب الدور 96 افتتاح مدرسة السلطان الأشرف إينال التي أقامها بالصحراء 97 السلطان يأمر بالمناداة بعدم تعرض الأجلاب للناس والباعة والتجار- الأجلاب لا يستجيبون للنداء 98 خروج محمل الحاج من بركة الحاج مسافرا إلى البلاد الحجازية 98 حوادث سنة إحدى وستين وثمانمائة 99 النداء بتحديد سعر الدينار 99 المماليك الأجلاب يثورون على السلطان بسبب الجوامك والمرتبات ويرجمونه بالحجارة 100 السلطان يبطل التعامل بالفضة المضروبة في دمشق لكثرة الغش فيها، ثم يعود فيصرح بالتعامل بها اتقاء لثورة الأجلاب ومساعدة العوام لهم 102 السلطان يوزع النفقة على الأمراء والمماليك المتوجهين لقتال ابن قرمان- خروج الحملة إلى الريدانية ثم سفرها إلى حلب 104 بعض قطاع الطريق من عربان الشرقية يهاجمون القاهرة وفي عودهم يسلبون الناس ما عليهم من الثياب 106 وصول العساكر المصرية إلى حلب 107 العلاقة بين الأشرف إينال والأمير قانى باى الحمزاوى نائب الشام 107

وقوع الحرب بين حسن الطويل بن على بك بن قرايلك المنتمى لسلطان مصر وبين جهان شاه بن قرايوسف صاحب العراق وانكسار عسكر جهان شاه 108 الحملة المصرية الشامية تصل إلى بلاد ابن قرمان وتستولى على قلعة الرها وأربع قلاع أخرى وتخرب القرى، وتطلب الإذن بالعودة إلى البلاد 108 سفر جماعة من الأمراء للبلاد التركية لجلب الأخشاب بقصد صناعة مراكب الغزو 109 عودة الحملة التي توجهت إلى بلاد ابن قرمان 111 خروج محمل الحاج من القاهرة 111 المماليك الأجلاب يثورون بالأطباق بالقلعة ويمنعون الأمراء والمباشرين من مغادرتها والنزول إلى دورهم 112 عودة الأمراء الذين توجهوا لجلب الخشب من تركيا 113 انحلال أمر حكام الديار المصرية أرباب الشرع الشريف والسياسة بسبب تعاظم شوكة المماليك الأجلاب وتدخلهم في كل الشئون 114 حوادث سنة اثنتين وستين وثمانمائة 114 المناداة بتحديد سعر الذهب والفضة المضروبين وتخفيض قيمتهما- تخفيض سعر الأشياء بقيمة تخفيض قيمة الدنانير والدراهم 115 أخبار موكب الحاج في هذه السنة 117 المناداة بعدم البناء في جزيرة أروى وساحل النيل بسبب ضيق الطرقات 118 رسل إبراهيم بن قرمان تصل القاهرة برسالة منه يعلن فيها طاعته للسلطان ويطلب الرضى عنه- السلطان يجيبه بإيفاد رسل يقررون الصلح معه 119 أخبار الحريق الكبير الذي شب بساحل بولاق والاختلاف حول سببه- المناداة بخروج الأغراب من الديار المصرية 119

وفاة الملك جاك (جوان) صاحب قبرس وتولية ابنته مع وجود أخ لها 125 خروج محمل الحاج من القاهرة 126 حوادث سنة ثلاث وستين وثمانمائة 127 الطاعون ينتشر في حلب 129 المماليك الأجلاب ينهبون النسوة المصليات بجامع عمرو 132 وصول جاكم بن جوان المطالب بولاية قبرس إلى القاهرة- السلطان يستقبله ويوليه نيابة قبرس 132 السلطان يشرع في عمل مراكب برسم غزو قبرس ويرسل رسولا لأهلها برغبته فى تولية جاكم 133 حوادث سنة أربع وستين وثمانمائة 134 السلطان يحتفل بالمولد النبوى في الحوش من القلعة ويدعو جاكم لحضور الاحتفال 136 أهل مصر يتخوفون من مجىء الطاعون مع ما هم فيه من غلو الأسعار وظلم المماليك الأجلاب 136 أخبار الطاعون في القاهرة والأرياف- إحصاء الموتى بمصليات القاهرة 137 أثمان الأشياء في فترة الغلاء 142 السلطان يعقد اجتماعا لأعيان الفرنج القبارسة بالحوش السلطانى يحضره جاكم ويعلن موافقته على تولية أخته ويستقبل قصادها ويخلع عليهم- جاكم يثور وتثور المماليك الأجلاب من أجله- السلطان يتراجع ويخلع على جاكم ويقرر إرسال حملة معه إلى قبرس 147 سفر الحملة المتجهة إلى قبرس، أسماء الأمراء المسافرين ورتبهم 150 حوادث سنة خمس وستين وثمانمائة 152 عودة الجملة بعد أن تركت حامية بقبرس يتقوى بها جاكم 152

ابتداء مرض السلطان الذي مات فيه- السلطان يولى ابنه الشهابى أحمد السلطنة بحضور الخليفة والقضاة والأمراء 156 موت الملك الأشرف إينال العلائى في يوم الخميس خامس عشر جمادى الأولى سنة 865 هـ- صفة إينال وأحواله 157 السنة الأولى من سلطنة الملك الأشرف إينال على مصر وهى سنة 857 هـ 162 السنة الثانية من سلطنة الملك الأشرف إينال على مصر وهى سنة 858 هـ 170 السنة الثالثة من سلطنة الملك الأشرف إينال على مصر وهى سنة 859 هـ 174 السنة الرابعة من سلطنة الملك الأشرف إينال على مصر وهى سنة 860 هـ 181 السنة الخامسة من سلطنة الملك الأشرف إينال على مصر وهى سنة 861 هـ 183 السنة السادسة من سلطنة الملك الأشرف إينال على مصر وهى سنة 862 هـ 190 السنة السابعة من سلطنة الملك الأشرف إينال على مصر وهى سنة 863 هـ 199 السنة الثامنة من سلطنة الملك الأشرف إينال على مصر وهى سنة 864 هـ 209 ذكر سلطنة الملك المؤيد أبى الفتح أحمد بن إينال على مصر وكيفيتها 218 السلطان يخلع بالوظائف على أعيان الدولة وأمرائها 220 أخبار الحملة المصرية التي سافرت إلى قبرس 224 قراءة تقليد الملك المؤيد بالسلطنة في القصر الأبلق بقلعة الجبل 226 الشرفى يحيى بن جانم نائب الشام يحضر إلى القاهرة للتمهيد سرا لسلطنة أبيه 228 اضطراب أمر الملك المؤيد من يوم عين حملة للبحيرة ولم تخرج 231 ذكر نكبة الملك المؤيد أحمد بن إينال وخلعه من السلطنة 233 أسباب الفتنة التي خلع فيها- أحوال المؤيد وأوصافه 235 ترشيح الأمير الكبير خشقدم للسلطنة- القبض على المؤيد أحمد وأخيه محمد وترحيلهما إلى الإسكندرية ليسجنا بها 240

ذكر سلطنة الملك الظاهر خشقدم على مصر وترجمته 253 ما جدده السلطان الظاهر خشقدم من الوظائف 258 تفرقة نفقة السلطنة على الأمراء والمماليك 259 تعيين حملة للسفر إلى قبرس نجدة لمن بها 261 السلطان يقبض على جماعة من الأشرفية- ثورة خچداشيتهم وخروجهم عن الطاعة ثم انهزامهم أمام السلطان والظاهرية 261 حوادث سنة ست وستين وثمانمائة 264 السلطان يشتت الأشرفية فيعين جماعة منهم للسفر إلى الصعيد وجماعة أخرى للسفر إلى قبرس 264 تعيين الأمير تنم من عبد الرزاق نائبا للشام بدلا من جانم- خروج جانم بمماليكه قاصدا إلى جهة حسن بك بن قرايلك صاحب آمد- جانم يستعدى تركمان الطاعة على السلطان 266 السلطان يعين حملة للسفر إلى الوجه القبلى، كما يعين حملة للسفر إلى البحيرة لمحاربة عرب لبيد، ويعين حملة ثالثة للسفر إلى حلب لمحاربة جانم، ثم يبطل سفرها بسبب رجوع جانم عن مهاجمة تل باشر وانصراف أعوانه عنه 268 خروج محمل الحاج من القاهرة 271 استيلاء حسن بك من قرايلك على حصن كيفا وانقطاع ملك الأكراد الأيوبية منه 273 حوادث سنة سبع وستين وثمانمائة 274 قتل جانم نائب الشام بمدينة الرها 275 سفر الغزاة إلى دمياط ومنها إلى قبرس- الأمراء الذين على رأس الحملة 275 تجهيز حملة أخرى للسفر إلى البحيرة 276

المماليك الأجلاب يعودون لإثارة الفتن ويمنعون الأمراء من الطلوع إلى الخدمة بالقلعة 276 قصة جانم الظاهرى الدوادار وتمام سعده- اغتيال جانم بدسيسة من السلطان 277 تعيين أحد الجزارين ناظرا للدولة، ثم وزيرا فيما بعد 278 السلطان يقبض على أكابر الأمراء الظاهرية ويسجنهم بالإسكندرية- اضطراره لمصافاة الظاهرية حينما يعلم بانقلاب مماليكه الأجلاب عليه ويأمر بالإفراج عن المقبوض عليهم 278 المناداة بأن أحدا من الأعيان لا يستخدم ذميا في ديوانه 281 السلطان يولى جانبك التاجى نيابة الشام بعد وفاة الأمير تنم 284 تعيين حملة السفر إلى البحيرة 284 السلطان يولى برسباى البجاسى نيابة الشام بعد وفاة جانبك التاجى 285 وصول الأخبار بانتصار جاكم صاحب قبرس والاستيلاء على الماغوصة وقلعتها من الفرنج وتسليمها لجانبك الأبلق- جانبك الأبلق تسوء سيرته في قبرس مما يؤدى إلى قتله 285 السلطان يحتفل بوفاء النيل فينزل من القلعة ويخلق المقياس ويفتح السد 287 حوادث سنة تسع وستين وثمانمائة 288 السلطان يحتفل بوفاء النيل على صورة ما جرى في العام الماضى 289 حوادث سنة سبعين وثمانمائة 290 المماليك الأجلاب يثورون على السلطان ويفحشون في مخاطبته 291 السلطان يعقد على جاريته سوار باى الچاركسية ويجعلها خوند الكبرى 292 السلطان يعين حملة للسفر إلى حلب مساعدة لشاه بضع بن دلغادر 293

حوادث سنة إحدى وسبعين وثمانمائة 295 الاحتفال بوفاء النيل يرأسه الأمير قانم المؤيدى بإذن السلطان 295 تعيين الأمير بردبك الظاهرى في نيابة الشام بعد وفاة برسباى البجاسى 296 السلطان يجلس للحكم بين الناس بالإسطبل السلطانى في يومى السبت والثلاثاء على خلاف السلاطين قبله 296 المماليك الأجلاب يعودون لإثارة الفتن بالقلعة ويمنعون الناس من الطلوع للخدمة السلطانية 297 خروج محمل الحاج من القاهرة 299 حوادث سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة 300 السلطان يحتفل بوفاء النيل 300 شاه سوار نائب أبلستين يخرج عن طاعة السلطان ويريد مهاجمة البلاد الحلبيه- السلطان يأمر نواب الشام بقتاله، ويعين حملة مصرية للسفر إلى حلب 300 عربان بنى عقبة ينهبون متاع الحجاج في سفر الرجبية- السلطان يعين حملة لقتالهم 300 المرض يتزايد بالسلطان 301 يونس بن عمر الهوارى يخرج عن طاعة السلطان بالصعيد ويكسر عسكر السلطان- السلطان يرسل حملة لقتاله 303 اشتداد المرض على السلطان- إجماع الأمراء على تولية الأمير الكبير يلباى في السلطنة 305 موت السلطان الظاهر خشقدم- رأى المؤلف فيه 306 السنة الأولى من سلطنة الملك الظاهر خشقدم على مصر وهى سنة 865 هـ 310

السنة الثانية من سلطنة الملك الظاهر خشقدم على مصر وهى سنة 866 هـ 315 السنة الثالثة من سلطنة الملك الظاهر خشقدم على مصر وهى سنة 867 هـ 318 ترجمة الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله الظاهرى المعروف بنائب جدة، وكيفية قتله 320 السنة الرابعة من سلطنة الملك الظاهر خشقدم على مصر وهى سنة 868 هـ 326 وفاة الملك العزيز يوسف ابن الملك الأشرف برسباى بثغر الإسكندرية، وترجمته 326 وفاة المقام الشهابى أحمد بن برسباى وترجمته 329 السنة الخامسة من سلطنة الملك الظاهر خشقدم على مصر وهى سنة 869 هـ 338 وفاة الوزير شمس الدين محمد البباوى وترجمته ورأى المؤلف فيه 340 السنة السادسة من سلطنة الملك الظاهر خشقدم على مصر وهى سنة 870 هـ 343 السنة السابعة من سلطنة الملك الظاهر خشقدم على مصر وهى سنة 871 هـ 351 ذكر سلطنة الملك الظاهر أبى النصر يلباى الإينالى المؤيدى على مصر 356 ترجمة الملك الظاهر يلباى 357 الأمير بردبك نائب الشام يعلن العصيان على السلطان، ويقتل الأمراء المجردين 360 لقتال شاه سوار بن دلغادر 360 تعيين الأمير أزبك من ططخ في نيابة الشام 362 تعيين حملة لقتال شاه سوار 362 رأى المؤلف في أيام الظاهر يلباى 363 الأمير بردبك نائب الشام- سابقا- يفارق شاه سوار ويقدم إلى مرعش طائعا للسلطان- السلطان يأمر بأن يذهب به إلى القدس بطالا 364

قراءة تقليد السلطان يلباى بالسلطنة 365 ذكر خلع السلطان الملك الظاهر يلباى من السلطنة 367 ذكر سلطنة الملك الظاهر أبى سعيد تمربغا الظاهرى على مصر 373 رأى المؤلف في الظاهر تمربغا 374 السلطان يأمر بالإفراج عن الملك المؤيد أحمد ابن الأشرف إينال من سجن الإسكندرية على أن يقيم بالإسكندرية، ويرسم للملك المنصور عثمان ابن الملك الظاهر جقمق بأن يركب ويخرج إلى حيث يشاء بمدينة الإسكندرية- السلطان بإطلاق المحابيس في سجون البلاد الشامية والحجازية- عودة الأمراء يرسم البطالين إلى مصر وعودة الجوامك التي قطعت إلى أربابها 376 ترجمة الملك الظاهر تمربغا 376 الولايات والوظائف التي أنعم بها على أرباب الدولة 379 تفريق نفقة السلطنة على الأمراء والمماليك 380 السلطان ينفى بعض الأمراء المؤيدية إلى الشام 383 الأمير خيربك يتآمر على السلطان 385 الوقعة التي خلع فيها السلطان الملك الظاهر أبو سعيد تمربغا من الملك- تولى الأمير قايتباى المحمودى بعده- سفر الظاهر تمربغا إلى دمياط بناء على اختياره 387 ذكر سلطنة الملك الأشرف قايتباى المحمودى 394

§1/1