النجاة النجاة يا عباد الله

أبو بكر الجزائري

مقدمة

النجاة النجاة يا عباد الله المقدمة الحمد لله المحيي المميت, المجزي عباده بالنعيم المقيم, أو بالعذاب الأليم, والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين وعلى آله وصحابته أجمعين. وبعد فالنجاة النجاة يا عباد الله فإن ساعة النزول في القبر قريبة, وساعة الوقوف بين يدي سبحانه وتعالى ليست بعيدة والسعادة كالشقاء لكل منها أسباب وأعمال فأسباب السعادة

وأعمالها الإيمان وصالح الأعمال وأعمال الشقاوة وأسبابها الشرك بالله وسيئ الأعمال. وفي هذه الرسالة القصيرة بيان ذلك وتفصيله. فليقرأها طالب النجاة أو تقرأ عليه, وليعمل بما فيها فإنه ينجوا إن شاء الله ويسعد. والرسالة مشتملة على بابين في الباب الأول فصلان, وفي الباب الثاني فصلان أيضا, والله المستعان وعليه التكلان.

الباب الأول في الإيمان

الباب الأول في الإيمان الفصل الأول في تعريف الإيمان ... الباب الأول في الإيمان وفيه فصلان. الفصل الأول: في تعريف الإيمان. إن الإيمان التصديق بالله تعالى وبكل ما أخبر به سبحانه وتعالى أو أخبر يه رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأركانه التي يقوم عليها ولا يصح بدونها أو بدون ركن منها هي الإيمان بالله تعالى ربا لا رب غيره, وإنها لا إله سواه, وملائكته, وبكتبه وبرسله, وباليوم الآخر, وبالقدر خيره وشره. فهذا الإيمان الصحيح الموافق لما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هو بمثابة الروح للإنسان, فذو الإيمان الصحيح يعتبر حيا كامل الحياة يسمع ويبصر وينطق ويذهب ويجيء ويعطي ويمنع, وفاقده ميت لا يسمع ولا يبصر ولا ينطق ولا يذهب ولا يجيء ولا يعطي ولا يمنع لكمال موته لذا الكافر لا يسمع كلام الله, ولا يبصر آياته في الكون كله, ولا ينطق بكلمة لا إله إلا

الله محمد رسول الله, ولا يعطي زكاة, ولا يذهب إلى صلاة ولا إلى جهاد, ولا يجيء إلى دعوة خير وصلاح أبدا, وذلك لموته والعياذ بالله تعالى من الكفر والكافرين.

الفصل الثاني في بيان المؤمن الصادق من المؤمن الكاذب

الفصل الثاني: في بيان المؤمن الصادق من المؤمن الكاذب. إن المؤمن الصادق في إيمانه هو الذي يحب الله ورسوله, ويحب كل ما يحب الله ورسوله من الاعتقادات والأقوال والأفعال والصفات والذوات. وآية ذلك وعلامته هي أنه يفعل المحبوب لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولا يتركه وهو قادر عليه بحال من الأحوال ويتجنب المكروه لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولا يأتيه ولا يفعله بحال من الأحوال, إلا في حال الإكراه, فإن المكروه لا يعاتب ولا يعاقب بما أكره على قوله أو فعله لقول الله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً} 1

_ 1 سورة النحل الآية 106.

الباب الثاني وفيه فصلان

الباب الثاني وفيه فصلان. الفصل الأول: في بيان محاب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. إن محاب الله تعالى ومحاب رسوله صلى الله عليه وسلم هي ما ذكرها الله تعالى في كتابه وذكرها رسوله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه وتقريراته الصحيحة وهذه جملة منها تحت الأرقام الآتية: 1- الصبر وهو حبس النفس على فعل محاب الله تعالى ومحاب رسوله صلى الله عليه وسلم حتى لا يترك منها محبوبا, وحبسها عن ترك مكاره الله ومكاره رسوله صلى الله عليه وسلم حتى لا يفعل مكروها منها أبدا وحبس النفس على ما قضاه الله وقدره لعبده من خير أو شر فلا جزع ولا سخط, وآية حب الله تعالى للخير وأهله هو قوله تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} 1

_ 1 سورة آل عمران الآية 146.

2- الإحسان وهو أداء العبادات على الوجه الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أداءها بلا زيادة ولا نقصان, ولا تقديم ولا تأخير ويعين على هذا مراقبة العبد لله تعالى فيؤدي العبادة وكأنه ينظر إلى الله, أو أن الله ينظر إليه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" 1 كما أن الإحسان هو الإحسان إلى الوالدين لقول الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} 2

_ 1 الحديث رواه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي. 2 سورة النساء الآية 36.

3- التقوى وهو الخوف من الله عز وجل الحامل للعبد على فعل ما أمر الله بفعله وترك ما أمر الله بتركه فالمتقي عبد مطيع لله ورسوله بفعل المحاب لله ولرسوله, وترك مكاره الله ورسوله والحامل له على ذلك الإيمان وتقوى الله عز وجل وآية حب الله تعالى قوله عز وجل {فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} 1 4- التوكل على الله تعالى وهو أن يقوم العبد بما أمر الله بالقيام به, أو أذن له فيه مفوضا أمر نجاحه أو خيبته إلى الله ربه سبحانه وتعالى. هذا هو التوكل وأهله يحبهم الله تعالى, لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} 2

_ 1 سورة آل عمران الآية 76. 2 سورة آل عمران الآية 159.

5- الصوم وهو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع طلبا لرضى الله تعالى ورغبة فيما عنده من النعيم والمقيم. مع مافي الصوم من فوائد صحية بدنية وكونه من محاب الله تعالى قول الرسول صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به" وقوله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك" 1 6- التوبة وهي الإقلاع عن الذنب والعزم على عدم العودة إليه مع الاستغفار الدائم أي كلما ذكر الذنب استغفر الله, وآية كون التوبة من محاب الله تعالى قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} 2 أي من الذنوب وهم الذين يعملون من الصالحات ما تطهر به نفوسهم وتزكو أرواحهم فيحبه الله تعالى لذلك.

_ 1 الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. 2 سورة البقرة الآية 222.

7- الدعاء وهو سؤال الله تعالى الحاجات الدنيوية والأخروية, والدعاء عبادة لذا أمر الله تعالى به عباده وواعدهم بالاستجابة إذ قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} 1 وقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يحب الملحين في الدعاء" 2 8- الذكر هو ذكر الله تعالى بأسمائه الحسنى, ويكون بالقلب واللسان أمر الله تعالى به في قوله: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} 3 وأثنى على أهله في قوله: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ} 4 وللذكر أنواع جاءت بها السنة وبينتها منها قول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر ومنها سبحان الله وبحمده سبحان الله

_ 1 سورة غافر الآية 60 2 أخرجه الطبراني والبيهقي في شعب الإيمان. 3 سورة البقرة الآية 152. 4 سورة الأحزاب الآية 35.

العظيم, ومنها لا إله إلا الله وحده لاشريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, ومنها لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ومنها سبحان الله وبحمده, ومنها لا إله إلا الله والله أكبر. 9- الاستعاذة وهي قول العبد المؤمن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, وقوله أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم, ولولا أنها من غير محاب تعالى لما أمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} 1 10- عمل الصالحات وهو سائر العبادات القولية والقلبية والفعلية؛ إذ قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} 2

_ 1 سورة فصلت الآية 36. 2 سورة الأنبياء الآية 94.

فلولا أنه لا يحبها لم يرغب فيها ويواعد بالجزاء الكامل عليها وكيف لا يحبها وقد أمر بها في كتابه في غير موضع منه ومن ذلك قوله عز وجل: {وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} 1 11- العدل وهو إعطاء كل ذي حق حقه بلا جور ولا حيف, ويكون في الحكم والقول لقوله تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} 2 والإقساط هو العدل وأخبر تعالى أنه يحب المقسطين. 12- الوفاء بالعهود وهو عدم نقض العهد, ولا نقصه ولا تحريفه إذ قال تعالى في ثنائه على الصالحين من عباده: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} 3 وقال: {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} 4 اللهم

_ 1 سورة سبأ الآية 11 2 سورة الأنعام الآية 152. 3 سورة البقرة الآية 177. 4 سورة التوبة 111.

لا أحد, ففي هذين الخبرين الإلهيين دلالة واضحة على أن الله تعالى يحب الوفاء, وما أحبه الله وجب حبه على كل مؤمن ومؤمنة في هذه الحياة الدنيا. 13- الصدق وهو خلاف الكذب, والصادق خلاف الكاذب, والصدق يكون في القول والعمل, وهو قطعا من محاب الله تعالى التي يجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يحبها وقد أثنى تعالى على أهل الصدق بقوله: {وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ} 1 وقال تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} 2 وأثنى على أنبيائه ورسله بقوله: {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} 3

_ 1 سورة الأحزاب الآية 35. 2 سورة النساء الآية 87. 3 سورة مريم الآية 54.

14- وهو إنفاق المال على الفقراء والمحتاجين وحيث يحب الله إنفاقه فيه كالوالدين والرباط والجهاد وما إلى ذلك, ومما يدل على حب الله تعالى قوله في ثنائه على عباده المؤمنين, والمتصدقين والمتصدقات وما أثنى تعالى على أهل التصدق إلا لأنه يحبه من عباده ويحبه لهم لتزكو نفوسهم وتطيب وتطهر فتصبح محبوبة لله عز وجل. 15- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من محاب الله تعالى فعلى المؤمن أن يحب ما أحب الله ويكره ما يكرهه, وبذلك يتم إيمانه. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما أمر الله تعالى به, إذ قال: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} 1 وقال في كتابه ما قاله لقمان الحكيم لابنه وهو: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} 2

_ 1 سورة آل عمران الآية 104. 2 سورة لقمان الآية 17.

والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا ثم تدعونه فلا يستجيب لكم" 1 ويقول: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه, وذلك أضعف الإيمان" 2 16- العفة وهي اسم مصدر عف يعف إذا كف عمالا يحل له كالزنا والربا والسرقة والغش والخداع والكذب والظلم والفحش وسؤال الناس أموالهم, والدليل على أن العفة من محاب الله تعالى التي يجب أن تحب بحبه تعالى, ثناؤه تعالى على أهل العفة وقوله: {وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ} 3 وفي الحديث الصحيح, "ومن يستعفف يعفه الله" 4 وهذا دليل أن العفة من محاب الله تعالى.

_ 1 أخرجه الترمذي وقال حديث حسن. 2 أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه. 3 سورة الأحزاب الآية 35. 4 الحديث أخرجه البخاري ومسلم والدارمي وأحمد أيضا.

17- الحب وهو حب كل ما يحب الله, لأن العبد الصالح يحب ما يحب سيده والله تعالى يحب عباده المؤمنين الصالحين ويحب ما يحببهم إلى الله تعالى من الاعتقادات والأقوال والأعمال والصفات والذوات, وقد بين تعالى محابه في كتابه وعلى لسان رسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما فلنطلبها ونحبها ليحينا الله ربنا عز وجل. 18- الإخلاص الذي هو إخلاص العبادة لله تعالى بحيث لا يشاركه فيها أحد من خلقه كائنا من كان ملكا مقربا أو نبيا مرسلا أو عبدا صالحا, وسواء كانت العبادة عقيدة أو قولا أو عملا. وآية حب الله تعالى للإخلاص أمره عباده به إذ قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} 1 والدين هو ما تعبد الله تعالى به عباده المؤمنين من الاعتقادات والأقوال والأعمال والصفات.

_ 1 سورة البينة الآية 5.

19- القنوت وهو طاعة الله تعالى ودعاؤه, والقيام في الصلاة مع الإمساك عن الكلام, والتواضع لله عز وجل, وآية حب الله تعالى للقنوت ثناؤه على أهله من المؤمنين والمؤمنات أن قال عز وجل: {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} 1 ثناءه على عباده المؤمنين الصالحين. اللهم اجعلنا منهم واحشرنا في زمرتهم وارض عنا كما رضيت عنهم اللهم آمين. 20 - الخشوع وهو التذلل لله تعالى والخضوع له عز وجل ومن مظاهر الخشوع في الصلاة وهو السكون وعدم الحركة بما هو خارج عن الصلاة, وأهل الخشوع ممن أثنى الله تعالى عليهم بقوله في عرض صفات أوليائه وصالحي عباده إذ قال تعالى: {وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ} 2 الآية من سورة الأحزاب, وهذه آية

_ 1 سورة الأحزاب الآية 35. 2 سورة الأحزاب الآية 35.

محبته للخشوع, وما دام الله تعالى يحب الخشوع فهو يحب أهله وهم الخاشعون اللهم اجعلنا منهم. العفو والصفح وهما من محاب الله تعالى, والعفو عدم المآخذة ممن استوجبها, والصفح كذلك والله تعالى عفو كريم يحب العفو كما ورد في الحديث الصحيح1 وقال تعالى في كتابه العزيز القرآن الكريم مخبرا عن نفسه: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} 2 فتولى تعالى أجر من عفا وأصلح من عباده وهذا دليل أن العفو من محاب الله تعالى والصفح كذلك. 22 - حسن الخلق, والخلق هيئة راسخة في النفس تصدر عنها الأقوال والأفعال الإرادية الاختيارية من حسنة وسيئة فإن ربيت هذه الهيئة الإرادية الاختيارية من حسنة وسيئة فإن ربيت هذه الهيئة الإرادية على حب الخير وإيثار الفضيلة على الرذيلة, وحب الحسن الجميل من القول والفعل على حب القبيح والسيئ من الأقوال والأفعال كان الخلق حسنا, وصار صاحبه

_ 1 أخرجه الترمذي والطبراني وأبو يعلى. 2 سورة الشورى الآية 40.

يحب الله تعالى, والله يحبه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "البر حسن" 1 الخلق, وسئل عن أكثر ما يدخل الجنة فقال: "تقوى الله وحسن الخلق" وقال: "إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا" 2 ولولا أن الله يحب الإنفاق في سبيله ما أمر به عباده بقوله: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} 3 ولا واعد المنفق بالاتفاق عليه إذ قال في حديث قدسي:

_ 1 الحديث رواه مسلم, الترمذي وأحمد وابن ماجه وإسناده حسن وصححه ابن حبان, والترمذي وإسناده حسن. 2 أخرجه الترمذي وأحمد وابن حبان. 3 سورة البقرة الآية 195.

"أنفق أنفق عليك" 1 كما أثنى على المنفقين في كتابه العزيز إذ قال في بيان صفات أهل طاعته ومرضاته: {وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} 2 لذا وجب على المؤمن أن يحب ما أحبه ربه تعالى من الإنفاق في سبيل الله, وبذلك يصبح من محابه تعالى ومن أحبه الله أسعده وما أشقاه, وأعزه وما أذله. 24- العلم وهو معرفة الله تعالى ومعرفة محابه وكيف تؤدي ومكارهه وكيف يبتعد عنها وكيف تجتنب, وكون الله تعالى يحب العلم الشرعي وهو أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بطلبه والزيادة منه في قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} 3 وثناؤه على أهل العلم في

_ 1 أخرجه البخاري ومسلم. 2 سورة آل عمران الآية 17. 3 سورة طه الآية 114.

قوله: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} 1 أي يرفعهم درجات فوق درجات غيرهم من غير أهل العلم. فلولا حب الله تعالى للعلم لما أحب أهله من عباده فلذا كان طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" 2 والمسلمة قطعا تابعة له, والمراد من العلم الواجب هو العلم الذي يعرف العبد به ربه حتى يحبه ويخشاه, ويعرف به محابها حتى يفعلها ويعرف به مكارهه حتى يتجنبها ويبتعد عنها فتزكوا نفسه وتطيب ويصبح بذلك أهلا لولاية الله تعال حقق اللهم لنا ذلك آمين. 24- بر الوالدين وهو طاعتهما في المعروف, والإحسان إليهما وحرمة أذيتهما هذا البر هو من محاب الله تعالى, وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن أحب الأعمال إلى الله تعالى فيقول: "الصلاة على وقتها

_ 1 سورة المجادلة الآية 11. 2 الحديث رواه ابن ماجه وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

وبر الوالدين والجهاد في سبيل الله" 1 ومن أدلة حب الله تعالى لبر الوالدين قوله في كتابه العزيز: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} 2 إذ ربط شكره تعالى بشكر الوالدين فدل هذا على حب الله تعالى لبر الوالدين فعلى كل مؤمن ومؤمنة أن يبر بوالديه, ويحب ما أحبه الله تعالى له وهو بر الوالدين. 25- الحج والاعتمار بعد الصلاة, إذ فرض الله تعالى الصلاة وهي أول العبادات فقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} 3 وقال وفرض الحج في قوله عز وجل: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} 4 والرسول الكريم يقول: "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" 5 ويقول: "العمرة

_ 1 أخرجه البخاري ومسلم. 2 سورة لقمان الآية 14. 3 سورة النور الآية 56. 4 سورة آل عمران الآية 97. 5 أخرجه الطبراني وأحمد.

إلى العمرة كفارة لما بينهما" 1 وسئل عن أفضل الأعمال فذكر منها "وحج مبرور" 2 ويكفي في بيان حب الله تعالى لأقام الصلاة وأداء الحج والعمرة قوله في كتابه وأقيموا الصلاة, ويقول: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} 3 والعمرة تابعة للحج إلا أنها دونه في الفرضية ويكفي في بيان فضل الحج أن الله تعالى يباهي بالحجاج الملائكة في عرفة وأن الحاج يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. وأخيرا هذه بعض محاب الله تعالى والله تعالى أسأل أن يحبها كل مؤمن ويعمل بها ليسعد ويكمل. اللهم آمين.

_ 1 رواه البخاري ومسلم ومالك والترمذي. 2 أخرجه البخاري والنسائي. 3 سورة آل عمران الآية 97.

قائمة المحاب: هذه قائمة المحاب فلتحفظ: 1- الصبر. ... 14- التصدق. 2- الإحسان. ... 15- الأمر بالمعروف. 3- التقوى. ... 16- العفة. 4- التوكل على الله. ... 17- الحب. 5- الصوم. ... 18- الإخلاص. 6- التوبة. ... 19- القنوت. 7- الدعاء. ... 20- الخشوع. 8- الذكر. ... 21- العفو. 9- الاستعاذة. ... 22- حسن الخلق. 10- عمل الصالحات. ... 23- الإنفاق في سبيل الله. 11- العدل. ... 24- العلم الشرعي. 12- الوفاء. ... 25- بر الوالدين. 13- الصدق. ... 26- الحج والعمرة والصلاة.

الفصل الثاني في بيان مكاره الله تعالى

الفصل الثاني: في بيان مكاره الله تعالى. إن مكاره الله تعالى هي ما يبغضه من قول أو عمل وحرمه على عباده المؤمنين حفاظا على زكاة نفوسهم التي بها حب الله تعالى لهم. ومن مكروهات الله تعالى ما يلي: 1- الشرك, لأن الله تعالى يكره الشرك به في عباداته وربوبيته وأسمائه وصفاته, لذا توعد المشرك بحرمانه من الجنة وبخلوده في النار إذ قال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} وسمى الشرك ظلما إذ قال: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} 1 ومن الشرك دعاء غير الله والاستغاثة والاستعاذة به, والذبح والنذر له, والحلف به, وغير هذا من أنواع الشرك والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "من حلف بغير الله فقد أشرك" وسئل صلى الله عليه وسلم عن أكبر الكبائر فقال: "الشرك بالله" 2

_ 1 سورة لقمان الآية 13. 2 الحديث أخرجه الترمذي وأبو داود وابن حبان والحاكم والبيهقي وأحمد منطرق عن سعد بن عبيدة.

2- الزنا وهو وطء امرأة لا تحل بغير عقد شرعي وهو من كبائر الذنوب وحرمه الله تعالى ونهى عنه بقوله: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} 1 وحكم بإعدام الزاني المحصن, وجلد البكر مائة جلدة والتغريب عاما كاملا وأوجب تعالى غض البصر كما أوجب الاستئذان عند دخول البيوت, كل ذلك لعظم فاحشة الزنا ولما يترتب عليهما من الشر والفساد إلا فلنكره ما يكره الله لأننا أولياؤه وعبيده. 3- الربا وهو أن يقرض المرء أخاه قرضا ماليا فإذا تأخر السداد المبين له الوقت زاده قسطا مقابل التاخير, هكذا كان الربا في صدر الإسلام, والآن عممه اليهود ونشروه في العالم وهو عندهم أن يفرض المرء أخاه قرضا ويضيف إليه مبلغا مناسبا ولو سدده في أقرب وقت والعياذ بالله تعالى ولهذا نهانا تعالى عن أكله بقوله: {لا تَأْكُلُوا الرِّبا} 2

_ 1 سورة الإسراء الآية 32. 2 سورة آل عمران الآية 130.

وحرمه بقوله {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} 1 وتوعد آكله بالنار في قوله: {وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} 2 4- الظلم وهو وضع الشيء في غير موضعه, ومنه عبادة غير الله تعالى التي هي الشرك وهذا لقمان الحكيم قال لولده وهو يعظه: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} وحرمه الله تعالى الظلم بكل أنواعه وفي حديث مسلم يقول: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا" 3 أي لا يظلم بعضكم بعضا, وعليه فلا يحل لمؤمن أن يظلم مؤمنا لا يأخذ ماله ولا انتهاك عرضه ولا سبه أو شتمه وضربه بأي ضرب كان خفيفا أو

_ 1 سورة البقرة الآية 275. 2 سورة البقرة الآية 275. 3 الحديث أخرجه مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه.

شديدا. ولا يظلم العبد نفسه بترك واجب ولا يفعل محرم, والله تعالى يقول: {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} 1 5- السرقة وهي أخذ مال العبد بغير حق ولا علم وقل المال أو كثر, إذ حرم الله تعالى السرقة وأمر بقطع يد السارق في قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} 2 والرسول الكريم يقول: "لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده" 3 لذا فحرمة السرقة ثابتة بالكتاب والسنة فلا يحل لمؤمن أن يسرق مال مسلم أو كافر أبدا. 6- الغش وهو عدم النصح وإظهار خلاف الباطن وفاعله يقال له الغاش وإذا كثر منه غشاش, وحرم الله تعالى الغش لأنه من الظلم والغدر والخداع وهذه حرمها الله تعالى الغش لأنه من الظلم والغدر والخداع وهذه حرمها الله تعالى في كتابه

_ 1 سورة التوبة الآية 36. 2 سورة المائدة الآية 38. 3 الحديث متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فقد قال صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا" 1 إنه قد مر ببائع طعام فأدخل يده فيه فوجده بللا فقال: "ما هذا يا صاحب الطعام؟ " فقال: أصابته السماء يا رسول الله فقال له: "أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس من غشنا فليس منا" وأي حرمة أعظم ينفصل بها صاحبها عن الإسلام والمسلمين؟؟ 7- الكذب وهو الإخبار بخلاف الواقع وهو ضد الصدق ومحرم بالكتاب والسنة فالله تعالى قال: {لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} 2 ومن لعنه الله كيف يسعد, وأقبح الكذب ما كان على الله أو على رسوله صلى الله عليه وسلم إذ قال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً} 3 وقال رسوله صلى الله عليه وسلم: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" 4

_ 1 الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه والطحاوي في مشكل الآثار وابن الجارود وكذا الحاكم والبيهقي وأحمد وأبو يعلى في مسنده. 2 سورة آل عمران الآية 61. 3 سورة الأعراف 37 ويونس 17. 4 الحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

والكذاب يحرم هداية الله تعالى إذ قال عز جل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} 1 والكذاب كثير الكذب, والكفار هو الذي يكفر نعم الله عليه ولا يشكر الله تعالى عليها, فهذا يحرم الهداية لغوايته وكذبه وكفره بنعم الله عز وجل. 8- الرياء وهي إراءة العمل على خلاف ما هو عليه كمن يحسن صلاته ليحمده عليها بغيره أو يتصدق بصدقة علنا يريد أن يراه غيره ليحمده عليها أو يخرج للجهاد ليراه غيره فيه وهو لا يريده والرياء محرمة إذ هي من الشرك الأصغر وذم الله تعالى أهلها في قوله: {يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} 2 وفي الحديث: "من يرائي يرائي الله به, ومن يسمع يسمع الله به" 3 وفي الحديث أيضا قول الرسول الكريم صلى الله علين وسلم: "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر" قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: "الرياء" 4

_ 1 سورة الزمر الآية 3. 2 سورة النساء الآية 142. 3 متفق عليه. 4 رواه ابن ماجه والترمذي وأحمد بن حنبل.

9- الخداع وهو الختل وإرادة المكروه من حيث لا يعلم المخدوع والخديعة كالخداع, والمخادعة إظهار غير ما في النفس. والخداع محرم فلا يحل لمؤمن أن يخدع أخاه المؤمن بأن يريد به مكروها ويظهر له غيره وفي الحديث الصحيح: "الحرب خدعة" لأنها المكر بالعدو حتى يهلك, وفي القرآن في المنافقين: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} 1 إذ المنافقون يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر والعياذ بالله تعالى لذا عرفوا بالمنافقين لعنهم الله وأخزاهم. 10- الغيبة وهي ذكر المرء الغائب بعيب من العيوب هو برئمنه وإنما أراد المغتاب أذية من اغتابه وحرم الله تعالى الغيبة بقوله: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً} 2

_ 1 سورة النساء الآية 142. 2 سورة الحجرات الآية 12.

وإذا كان لا يحب أن يأكل لحم أخيه ميتا فكيف يأكله حيا؟ إذ المغتاب كأكل لحم من اغتابه والعياذ بالله. إنه لا يحل لمؤمن أن يغتاب مؤمنا إذ الغيبة محرمة وهي من الكبائر وسئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الغيبة فقال: "ذكرك أخاك بما يكره" , فقال السائل وإن كان فيه ما يكره فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "فإن كان فيه ما يكره فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما يكره فقد بهته" 1 والبهتان أسوأ من الغيبة والعياذ بالله تعالى من الغيبة وأهلها. 11 - النميمة وهي نقل الكلام من إنسان إلى آخر للإنسان بينهما والسعي في ذلك ويكفي في بيان حرمة النميمة قول الله تعالى في ذم كافر فاجر {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ، مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} 2 وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة نمام" 3 وفسرها

_ 1 رواه مسلم وأبو داود والترمذي. 2 سورة القلم الآية 11. 3 الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي.

رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "ألا أنبئكم- بالعضه هي النميمة القالة بين الناس" 1 فقوله صلى الله عليه وسلم: "القالة بين الناس" تفسير للنميمة إذ هي نقل الحديث على طريقة الإفساد بين الناس. 12- الكبر كالتكبر وهو العظمة والتجبر كالكبرياء غذ يقال تكبر واستكبر والكبر خلق ذميم يحمل صاحبه على إهانة الضعفاء واحتقارهم كما يحمل على ترك الفضائل؟ لذا هو محرم فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يتصف بهذا الخلق الذميم ويكفي في الدلالة على حرمته وكره الله تعالى له قوله عز وجل في حديث قدسي رواه أبو داود وهو: "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار" 2 وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" 3 والعجب كالكبر

_ 1 الحديث رواه مسلم. 2 الحديث رواه مسلم وأخرجه أبو داود والترمذي. 3 الحديث رواه مسلم.

فلا يحل لمؤمن أن يعجب بنفسه أو ماله أو علمه أو سلطانه فيتكبر والعياذ بالله تعالى وفسر النبي صلى الله عليه وسلم الكبر بأنه: "بطر الحق وغمط الناس" 1 13- الحسد وهو تمني زوال النعمة من رزقه الله تعالى إياها من عباده المؤمنين وسواء تمنى زوالها لتحصل له, أو لم تحصل له وذا شر نوعي الحسد وأول حسد كان في الأرض هو حسد ابني آدم أخاه أي حسد قابيل هابيل وقتله والعياذ بالله تعالى من القتل وأهله. وحرم الله تعالى الحسد على عباده المؤمنين إذ علم رسوله أمته أن يتعوذوا من الحسد إذ قال تعالى في سورة الفلق: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} 2 وحرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله لأمته: "لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد

_ 1 أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي. 2 سورة الفلق الآية 5.

الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث" متفق عليه1 14- الخيانة وتكون في الأمانة والعهد, يقال خان أمانته وخان عهده وهي محرمة لما فيها من أذية المسلمين, وكيف لا وهي خون مال المسلم أو عهده الذي يعتمد عليه أو عرضه, أو ما وضعه تحت حمايته ليحفظه له. فكيف يجوز إذا خيانته وحرم الله تعالى الخيانة في كل شيء حتى خائنة الأعين إذ قال تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ} 2 وهي النظرة بعد الأولى إلى من لا تحل له, والرسول صلى الله عليه وسلم يعلن عن حرمة الخيانة فيقول: "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا, ومن كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا أؤتمن خان وغذا حدث كذب وإذا عاهد غدر, وإذا خاصم فجر" 3

_ 1 رواه البخاري ومسلم. 2 سورة غافر, الآية 19. 3 الحديث رواه البخاري 1/84 ومسلم 58.

15- التجسس وهو تتبع عورات المسلمين وإظهارها لما في ذلك من أذى عظيم للمسلمين لا يحل لمؤمن أن يفعله بحال من الأحوال وكيف لا وقد حرمه الله تعالى في قوله: {وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} 1 وحرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا" 2 واقبح التجسس وأشده حرمة ما كان سببا في ضرب المسلمين لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله" 3 16- البغض وهو ضد الحب محرم فلا يحل لمؤمن أن يبغض مؤمنا بمعنى يكرهه ولا يحبه, فالله تعالى يكره بغض عبده المؤمن لذا كان بغض المؤمن من مكاره الله تعالى التي يجب على المؤمن

_ 1 سورة الحجرات, الآية 12. 2 الحديث رواه البخاري ومسلم. 3 الحديث رواه مسلم.

معرفتها حتى لا يحب مكروها لله عز وجل فيكون من الضالين الهالكين, والرسول صلى الله عليه وسلم حرم البغض للمؤمن بقوله, ولا تباغضوا أي لا يبغض بعضكم بعضا كما في الحديث الصحيح وعلة البغض هي أن المبغض لا يحب لمن أبغضه الخير أبد ولا يرضى له به أيضا وهذه آثام عظام لا يرضى بها مؤمن صادق الإيمان. 17- السب وهو الشتم والعار, وتسابا إذا تقاطعا والسبة العار وهو حرام فلا يحل لمؤمن أن يسب مؤمنا بأي وتسابا إذا تقاطعا والسبة لعار وهو حرام فلا يحل لمؤمن أن يسب مؤمنا بأي نوع من أنواع السب والشتم لأنه داخل تحت الأذى, وأذية المسلم حرام وفي الحديث الصحيح: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" 1 إلا فلنبتعد عن هذا المكروه, ولا نكن من أهله لأن أذية المؤمن يقول فيها الرب تبارك وتعالى: في حديث قدسي صحيح: "من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب" 2 ومن أعلن الله تعالى الحرب عليه فكيف ينجو ويسعد؟

_ 1 الحديث رواه البخاري ومسلم. وأخرجه الترمذي والنسائي. 2 أخرجه البخاري.

18- القتل وهو من أعظم مكاره الله تعالى وهو قتل المسلم, والمسلم عبد الله يعبده ليل نهار بذكره وبسائر أنواع العبادة, فمن قتله منع الله تعالى من تلك العبادة والذكر والشكر, ولهذا قال تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} 1 وقال سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} 2 والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" 3 ويكفي في الدلالة على كراهية الله لقتل المؤمن توعده القاتل بجهنم وحكمه عليه بالإعدام. 19- سوء الخلق وهو ضد حسن الخلق, والله تعالى يحب حسن الخلق لذا هو سبحانه وتعالى يكره سوء الخلق, وسوء

_ 1 سورة النساء الآية 29. 2 سورة النساء, الآية 93. 3 تقدم تخريجه.

الخلق هو الغضب والسب والشتم, وإنكار المعروف وأذية المؤمنين والمؤمنات بأي نوع من الأذى إذ كل أذى ناتج في الغالب على سوء الخلق والرسول صلى الله عليه وسلم يكرهه لأنه يبعد صاحبه عن جواره صلى الله عليه وسلم في لجنة إذ قال صلى الله عليه وسلم: "إن من أحبكم إلى وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا" 1 وقال لما سئل عن أكثر ما يدخل الجنة فقال: "تقوى الله وحسن الخلق" 2 لذا كان سوء الخلق يبعد عن دخول الجنة لما يحمل صاحبه من سوء الأفعال وأقبحها حتى تخبث نفسه ويحرم دخول الجنة والعياذ بالله تعالى من سوء الخلق ودخول النار. 20- الرشوة وهي الجعل مقابل الحكم بغير حق وهي محرمة ومكروهة من مكاره الله تعالى وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لعن الله الراشي والمرتشي" 3 أي معطي الرشوة وآخذها, والرائش

_ 1 الحديث: رواه الترمذي وإسناده حسن وأحمد وصححه ابن حبان. 2 رواه الترمذي وأحمد وابن ماجه وإسناده حسن وصححه ابن حبان. 3 أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه.

وهو الذي يمشي بينهما وقال صلى الله عليه وسلم: "لعن الله المرتشي في الحكم" وما لعن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف لا يكون مكروها لله عز وجل ومحرما ولذا فلا شك في أن الرشوة من مكاره الله تعالى ومحرماته, أعاذنا الله تعالى منها وأعاذ كل مؤمن ومؤمنة. 21- مفارقة الجماعة وهو الخروج عما عليه جماعة المسلمين الذين يعيشون على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من عقيدة وعبادة وحكم وأدب وخلق, إذ سئل صلى الله عليه وسلم عن الفرقة الناجية فقال: " هم الذين يكونون على ما أنا عليه وأصحابي" 1 وحرم الله تعالى الفرقة بين المسلمين كما حرم الاختلاف إذ قال عز وجل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً} 2- وهو دينه- ولا تفرقوا, فلذا كانت الفرقة بين المسلمين محرمة بالكتاب والسنة وما حدث من فرقة كان بمكر أعداء الإسلام فلذا يجب أن يراجع المسلمين أمر دينهم ويوحدوا أمتهم لينجوا ويسعدوا.

_ 1 أخرجه الترمذي. 2 سورة آل عمران الآية 103.

الحكم بغير ما أنزل الله عز وجل في كتابه وفيما بينه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ودليل الحرمة والكراهة لله تعالى في الحكم بغير ما أنزل قوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} 1وقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} 2 وما أنزله الله هو ما حواه القرآن الكريم والسنة النبوية من أحكام في كل شؤون الحياة من الأكل والشرب إلى غسل الميت والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين والحكم بغير ما أنزل الله إن كان بعدم الإيمان به وكرهه فهو الكفر والعياذ بالله. 23- تكذيب الله والرسول صلى الله عليه وسلم وهو مكروه لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وهو من أفضح المحرمات وأقبح المكروهات فكل من كذب الله تعالى فيما أخبر به أو في ما أمر به, أو نهى عنه فهو كافر,

_ 1 سورة المائدة الآية 49. 2 سورة المائدة, الآية 45.

وكذلك من كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أمر به أو نهى عنه أو أخبر به فهو كذلك كافر إن كان متعمدا تكذيب الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم وكتكذيب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الكذب على الله ورسوله إذ قال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} 1 والرسول صلى الله عليه وسلم قال: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" 2 والعياذ بالله تعالى من الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. 24- إباحة المحرم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من المآكل والمشارب والملابس وغيرها فما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لا تحل إباحته أبدا إلا أن يرخص الله تعالى فيه أو يرخص فيه رسوله كما رخص تعالى في أكل الميتة للمضطر؟ إذ التحريم والتحليل من حق الله الخالق العليم الحكيم, أما غيره فمن أين له أن يحلل أو يحرم وهو مخلوق مربوب لا علم له ولا حكمة عنده وذلك لعجزه

_ 1 سورة الصف الآية 7. 2 الحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

وضعفه, لذا فإنه لا محلل ولا محرم إلا الله, ومن حلل أو حرم فقد نازع الله تعالى في حكمه, والعياذ بالله. 25- شرب الخمر ولعب القمار والسحر ودليل كره الله تعالى لها وتحريمه لها قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 1 وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة" 2 وقوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن خمر وقاطع رحم ومصدق بالسحر" 3 فالميسر في آلاته هو لعب القمار ودل الحديث على حرمة إتيان السحرة وتصديقهم فيما يقولون وهذه كلها مما كره الله وحرم فعلى

_ 1 سورة المائدة الاية 90. 2 الحديث رواه أحمد والبخاري ومسلم في صحيحهما ورواه النسائي وابن ماجه عن ابن عمر. 3 أخرجه أحمد وابن حبان.

المؤمن أن يكره ما كره الله ويمتنع عما حرم الله لينجو ويسعد بإذن الله. 26- الإسراف نهى عنه الرب تبارك وتعالى وحرمه بقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} 1 والسرف ضد القصد والقصد هو الاعتدال وعدم الغلو في الشيء, فمن أكل أو شرب عليه أن يقتصد ولا يسرف, ومن أعطى أو أنفق عليه أن يقتصد ولا يسرف لما يترتب على الإسراف من الضرر والله لا يحب لأوليائه الضرر لذا حرم عليهم الإسراف ونهاهم عنه فاللهم ارزقنا القصد واجعلنا من أهله وأبعدنا عن الإسراف ولا تجعلنا من أهله. اللهم آمين اللهم آمين. وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

_ 1 سورة الأعراف, الآية 31.

قائمة المكاره: هذه قائمة المكاره فلتحفظ: 1- الشرك. ... 14- الخيانة. 2- الزنا. ... 15- التجسس. 3- الربا. ... 16- البغض. 4- الظلم. ... 17- السب. 5- السرقة. ... 18- القتل. 6- الغش. ... 19- سوء الخلق. 7- الكذب. ... 20- الرشوة. 8- الرياء. ... 21- الحكم بغير ما أنزل الله. 9- الخداع. ... 22-إباحة المحرم. 10- الغيبة. ... 23- التكذيب لله ورسوله. 11- النميمة. ... 24- مفارقة الجماعة. 12- الكبر. ... 25- شرب الخمر 13- الحسد. ... 26- الإسراف.

الخاتمة

الخاتمة: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد: إنني كثيرا ما أردد في دروسي الدعوية العلمية أن لله تعالى محاب ومكاره وتقوى الله لا يحصل عليها العبد ولا يظفر بها إلا بفعل محاب الله تعالى وترك مكارهه عز وجل ويسر فعل المحاب هو تزكية النفس وتطهيرها حتى يرضى عنها الله تعالى, ويسر ترك المكاره وهي المحرمات من الاعتقادات والأقوال والأفعال والصفات هو البقاء على طهر الروح وزكاتها ليدوم حب الله لها ورضاه عنها وبذلك تتم سعادتها في الدارين ومن هنا وجب على العبد المؤمن أن يعرف محاب الله تعالى المزكية للنفس, ومكارهه المدسية لها ولكثرة الجهل وقلة العلم بين عوام المسلمين رأيت بفضل الله تعالى جمع

ما أمكنني من محاب الله تعالى وجمع ما أمكنني أيضا من مكارهه وفعلت قد استعنت بالله تعالى وجمعت من المحاب ستة وعشرون محبوبا لله تعالى وجمعت من مكارهه خمسة وعشرين مكروها وقدمتها للمؤمنين والمؤمنات في هذه الرسالة المعنون لها بعنوان: "النجاة النجاة يا عباد الله" وعامة هذا الجمع والبيان هو ما حكم الله تعالى به على عباده من سعادة وشقاء إذ قال وقوله الحق: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} وتزكية النفس تكون بفعل المحاب لله تعالى وتدسيتها تكون بفعل المكاره له عز وجل من الشرك والفسق والظلم والفجور والشر والفساد, والله تعالى أسأل أن ينفع بها كل من يقرأها من عباده المؤمنين أو تقرأ عليها. وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

§1/1