الناهية عن طعن أمير المؤمنين معاوية

عبد العزيز الملتاني

فصل في نبذ من فضائل الصحابة رضي الله عنهم

- بسم الله الرحمن الرحيم - نحمد الله على حسن الاعتقاد وحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وحب العترة والصحابة بالاقتصاد. صلى الله على سيدهم وعليهم، وبلغ منا السلام إليه وإليهم. وبعد، فيا صاح، خذ الناهية عن طعن معاوية، واتبع الجماعة الناجية الراضية العالية، واهجر الفرقة الغالية الطاغية العافية، واترك الخطابيات الواهية الخالية الخاوية. وادع بالفلاح لعبد العزيز بن أحمد بن حامد بارك الله تعالى في مصنفاته وحفظها عن كل حاسد. والله سبحانه هو الناصر وهو الأول والآخر. والكتاب مرتب على فصول. فصل في نبذ من فضائل الصحابة رضي الله عنهم حسبك من القرآن قوله سبحانه: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} وفيه بشارة لأجمعهم بالجنة كما قال ابن حزم.

وعن عمران بن حصين رضي الله عنه مرفوعا: «خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» الحديث رواه البخاري والترمذي والحاكم. وعن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا: «خير الناس قرني» الحديث رواه الشيخان وأحمد والترمذي. وعن جابر رضي الله عنه مرفوعا: "لا تمس النار مسلما رآني أو رأى من رآني" رواه الترمذي والضياء المقدسي.

وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه مرفوعا: «طوبى لمن رآني ولمن رأى من رآني» رواه عبد بن حميد وابن عساكر. وعن عبد الله بن يسير مرفوعا: "طوبى لمن رآني وآمن بي طوبى لمن رأى من رآني وآمن بي طوبى لهم وحسن مآب" رواه الطبراني والحاكم. وعن أنس رضي الله عنه مرفوعا: "مثل أصحابي في أمتي كالملح في الطعام لا يصلح إلا بالملح" رواه البغوي في شرح السنة وأبو يعلى في سننه. وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه مرفوعا: "ما من أصحابي يموت بأرض إلا بعث قائدا ونورا لهم يوم القيامة" رواه الترمذي وقال غريب، والضياء المقدسي.

وعنه مرفوعا: «النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أنا أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون» رواه مسلم وأحمد في مسنده. وما توعد السماء الانشقاقَ والصحابة التشاجرَ والمحن والأمة المصائبَ وظلم الولاة.

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعا: «أكرموا أصحابي فإنهم خياركم» الحديث رواه النسائي بإسناد صحيح أو حسن. وعنه مرفوعا: "سألت ربي عن اختلاف أصحابي من بعدي فأوحى إلي يا محمد إن أصحابك عندي بمترلة النجوم في السماء بعضها أقوى من بعض ولكل نور فمن أخذ بشيء مما هم عليه من اختلافهم فهو عندي على هدى" قال عمر: وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

فصل في النهي عن مطاعنهم

"أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" رواه زيد عن أبي سعيد الخدري وفي اللفظ الأخير كلام. قال العسقلاني: ضعيف واه. وعن ابن حزم إنه موضوع باطل. وقال ابن الربيع: رواه ابن ماجة؛ ولم يوجد في سننه. فصل في النهي عن مطاعنهم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا: «لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي، ورواه مسلم وابن ماجة عن أبي هريرة، ورواه أبو بكر البرقاني على شرط الشيخين.

وعن عبد الله بن مغفل مرفوعا: "الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه" رواه الترمذي وقال غريب.

وعن عائشة رضي الله عنها مرفوعا: "إن شرار أمتي أجرؤهم على أصحابي" رواه ابن عدي. وعن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا: "إذا رأيتم الذين يسبون أصحابي فقولوا لعنة الله على شركم" رواه الترمذي والخطيب. وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا: «من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين». وعن الحسن رضي الله عنه مرفوعا: "من خرج من الدنيا شاتما لأحد من أصحابي سلط الله عليه دابة تقرض لحمه يجد ألمه إلى يوم

فصل في النهي عن ذكر المسلم إلا بخير

القيامة" رواه ابن أبي الدنيا في القبور. وعنه مرفوعا: "إن الله اختارني واختار لي أصحابا فجعل لي منهم وزراء وأنصارا وأصهارا، فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا" رواه الطبراني والحاكم. فصل في النهي عن ذكر المسلم إلا بخير وعن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا: «سباب المسلم فسوق» رواه البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة. ورواه ابن ماجة عن أبي هريرة وسعد. والطبراني عن عبد الله بن مغفل. والدارقطني عن جابر. وعن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا: «أيما رجل قال لأخيه كافر فقد باء بها أحدهما» رواه البخاري ومسلم وأحمد. وعن أبي ذر رضي الله عنه مرفوعا: «لا يرمي رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك» رواه

البخاري. وعن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا: «ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا الفاحش ولا البذيء» رواه الترمذي والبيهقي وأحمد والبخاري في التاريخ والحاكم في مستدركه وابن حبان في صحيحه. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعا: «إن العبد إذا لعن شيئا صعدت إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها فيمنعان دونها فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لُعن فإن كان لذلك أهلا وإلا رجعت إلى قائلها» رواه أبو داود.

فصل في النهي عن سب الأموات

فصل في النهي عن سب الأموات عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا: «لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا» أخرجه البخاري. فصل في النهي عن ذكر التشاجر ذكر كثير من المحققين أن ذكره حرام مخافة أن يؤدي إلى سوء الظن ببعض الصحابة. ويعضده الحديث المرفوع: "لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئا فإني أحب أن أخرج اليكم وأنا سليم الصدر" رواه أبو داود من حديث ابن مسعود. وقال أبو الليث: سئل إبراهيم النخعي رضي الله عنه عن حروب الصحابة فقال: تلك دماء طهر الله أيدينا منها أفنلطخ ألسنتنا. انتهى. وإنما اضطر أهل السنة إلى ذكر تلك القصص لأن المبتدعة

اخترعوا فيها مفتريات وأكاذيب حتى ذهب بعض المتكلمين إلى أن روايات التشاجر كلها كذب. ونعم القول هو؛ إلا أن بعضها ثابت بالتواتر. وأجمع أهل السنة والجماعة على تأويل ما ثبت منها تخليصا للعامة عن الوساوس والهواجس. وأما ما لم يقبل التأويل فهو مردود. فإن فضل الصحابة وحسن سيرتهم واتباعهم الحق ثابت بالنصوص القاطعة وإجماع أهل الحق فكيف يعارضه رواية الآحاد، سيما من الروافض المتعصبة الكذابين.

فصل في قصة التشاجر مختصرا

فصل في قصة التشاجر مختصرا ثبت بالأسانيد أن أهل مصر قدموا المدينة فسألوا عثمان رضي الله عنه أن يعزل عبد الله بن أبي سرح عن مصر وأن يوّلي عليهم محمد بن أبي بكر رضي الله عنه ففعل. فكتب وزيره مروان بن الحكم إلى عبد الله أن يقتلهم إذا بلغوه فالتقى حامل الكتاب والمصريون في السبيل فأخذوه منه فإذا هو من أمير المؤمنين وبخاتمه؛ والحامل عبده على ناقته. فرجعوا إلى المدينة وحاصروا داره. فمنع عثمان رضي الله عنه الصحابة عن قتالهم حقنا لدماء المسلمين وحرصا على الشهادة التي بلغته على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقتلوه ثم بايعوا عليا كرم الله وجهه. فطلبه عائشة وزبير وطلحة ومعاوية رضي الله

عنهم أن يقتلهم قصاصا فاستمهلهم حتى يستوي أمره ولا يثور الفتنة. فطال الكلام ووقع التشاجر وكل ما قدر الله سبحانه فهو كائن لا محالة. فحارب طلحة وزبير وعائشة رضي الله عنهم بقرب البصرة فقتل

فصل في أن المجتهد لا يؤخذ بالخطإ

الأولان وعقر جمل عائشة رضي الله عنها ولذا يسمى حرب الجمل. فأرسلها إلى المدينة بعزة وكرامة. ثم حارب معاوية رضي الله عنه بالصفين على ساحل الفرات فاستمر الحرب إلى أن وقع اختلاط يشبه الصلح. والله سبحانه أعلم. فصل في أن المجتهد لا يؤخذ بالخطإ الأصل فيه الحديث المرفوع الصحيح: «إذا حكم الحاكم فاجتهد فاصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فاخطأ فله أجر واحد» رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والنسائي والترمذي عن أبي هريرة، والبخاري وأحمد والنسائي وأبو داود وابن ماجة عن عبد الله بن عمرو بن العاص، والبخاري عن أبي سلمة. فالأجران للاجتهاد والإصابة والأجر الواحد للاجتهاد وحده. والصحابة الأربعة مجتهدون في الحرب مخطئون فيه وعلي رضي الله عنه مجتهد مصيب. وقد تقرر في الأصول أنه يجب على المجتهد أن يعمل بما ادى إليه اجتهاده ولا لوم عليه ولا على مقلده. فالقاتل والمقتول من الفريقين في الجنة. والحمد لله رب العالمين.

فصل في نبذ من فضائل عائشة رضي الله عنها

وأخرج ابن سعد عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال: رأيت كأني أدخلت الجنة فإذا قباب مضروبة قلت: لمن هذه؟ قالوا: لذي الكلاع وحوشب -وكانا ممن قتل مع معاوية- قلت: فأين عمار وأصحابه؟ قالوا: أمامك، قلت: وقد قتل بعضهم بعضا؟ قيل: إنهم لقوا الله فوجدوه واسع المغفرة، قلت: فما فعل أهل النهر؟ يعني الخوارج، قال: لقوا برحا، أي شدة. فصل في نبذ من فضائل عائشة رضي الله عنها عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه مرفوعا: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام» رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن أبي شيبة وابن ماجة وابن جرير. وعن أبي موسى قال: ما أشكل علينا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

حديث قط فسألنا عائشة رضي الله عنها إلا وجدنا عندها علما. رواه الترمذي وقال حسن صحيح غريب. وعن أم هانئ أخت علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعا: "يا عائشة سيكون سوارك العلم والقرآن" رواه إمامنا الأعظم في مسنده. وعنها مرفوعا أنه "ليهون على الموت أني رأيتك زوجتي في الجنة" وفي رواية: "هون على الموت لأني رأيت عائشة رضي الله عنها في الجنة" رواه الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه في مسنده. وعنها مرفوعا: «يا عائشة هذا جبريل يقرئك السلام» قلت: وعليك السلام ورحمة الله. رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي. وعنها قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أريتكِ في المنام مرتين أرى أنك في سرقة من حرير ويقول هذه امرأتك فأكشف فإذا هي أنتِ فأقول إن يك هذا من عند الله يمضه» رواه البخاري ومسلم. وعنها قالت: إن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة رضي الله عنها يبتغون بذلك مرضاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقالت إن نساء رسول الله -

فصل في مناقب طلحة رضي الله عنه

صلى الله عليه وسلم - كن حزبين فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة والحزب الآخر أم سلمة وسائر نساء النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكلم حزب أم سلمة .. فقلن لها: كلمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكلم الناس فيقول: من أراد أن يهدي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فليهده إليه حيث كان. فقال لها: «لا تؤذيني في عائشة فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة» قالت: أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله. ثم إنهن دعون فاطمة رضي الله عنها فأرسلن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «يا بنية ألا تحبين ما أحب؟» قالت: بلى، قال: «فأحبي هذه». رواه البخاري ومسلم والنسائي. تنبيه: لعل ظانا يظن أن رواية مناقبها عنها مما لا يجدي نفعا وهو ظن فاسد، فإن الحديث الأول من أعظم المناقب ويحصل به توثيقها وصلاحها وصدقها في كل ما روته. فصل في مناقب طلحة رضي الله عنه قال مؤلف المشكاة: هو طلحة بن عبيد الله، يكنى أبا محمد القرشي، قديم الإسلام شهد المشاهد كلها غير بدر لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه مع

سعيد بن زيد يتعرفان خبر عير قريش، وجرح يوم أحد أربعة وعشرين جراحة وقيل كانت فيه خمس وسبعون جراحة وقيل كانت فيه خمس وسبعون بين طعنة وضربة ومرمية. وروى الترمذي بضع وثمانون. قتل يوم الخميس لعشرين من جمادى الآخر سنة ست وثلاثين ودفن بالبصرة وله أربع وستون سنة. وذكر النووي أنه اعتزل الناس تاركا للقتال فأصابه سهم فقتله، ويقال رماه مروان بن الحكم. وأخرج البخاري عن عمر رضي الله عنه قال: توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو راض عن طلحة وزبير. وأخرج مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وطلحة وزبير فتحركت الصخرة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد». وأخرج الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف وابن ماجة وأحمد والضياء المقدسي والدارقطني عن سعيد بن زيد قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة وزبير في الجنة وعبد الرحمن في الجنة وسعد بن أبي وقاص في الجنة وسعيد بن زيد في الجنة وابن الجراح في

الجنة». وأخرج أحمد والترمذي وقال حسن صحيح عن زبير قال: كان على النبي - صلى الله عليه وسلم - درعان يوم أحد فنهض إلى الصخرة فلم يستطع فقعد طلحة تحته حتى استوى على الصخرة فسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «أوجب طلحة». وأخرج الترمذي عن جابر قال نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى طلحة بن عبيد الله فقال: «من أحب أن ينظر إلى رجل يمشي على وجه الأرض وقد قضى نحبه فلينظر إلى هذا». وأخرج الترمذي والحاكم عن جابر: «من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله». وأخرج ابن ماجة عن جابر وابن عساكر عن أبي هريرة وأبي سعيد:

«طلحة شهيد يمشي على وجه الأرض». وأخرج الترمذي وابن ماجة عن معاوية وابن عساكر عن عائشة: «طلحة ممن قضى نحبه» وأخرج الترمذي وقال حسن غريب عن طلحة أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا لأعرابي جاهل: سله عمن قضى نحبه من هو، وكانوا لا يتجرؤن على مسألة يوقرونه ويهابونه فسأله الاعرابي فأعرض عنه ثم سأله فأعرض عنه ثم سأله فأعرض عنه، ثم إني اطلعت من باب المسجد وعلي ثياب خضر فلما رآني النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أين السائل عمن قضى نحبه» قال الأعرابي أنا يا رسول الله قال: «هذا ممن قضى نحبه». وأخرج الترمذي والحاكم عن علي كرم الله وجهه قال: سمعت أذني من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "طلحة والزبير جاراي في الجنة". وأخرج البخاري عن قيس بن حازم قال: رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد.

وأخرج البيهقي عن جابر: انهزم الناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد وبقي معه أحد عشر رجلا من الأنصار وطلحة بن عبيد الله وهو يصعد في الجبل فلحقهم المشركون فقال: ألا أحد لهؤلاء، فقال طلحة: أنا يا رسول الله فقال: كما أنت يا طلحة فقال رجل من الأنصار فأنا يا رسول الله فقاتل عنه فصعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن بقي معه ثم قتل الأنصاري فلحقوه فقال: ألا رجل لهؤلاء، فقال طلحة مثل قوله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل قوله فقال رجل من الأنصار: فأنا يا رسول الله، فأصحابه يصعدون ثم قتل فلحقوه فلم يزل يقول مثل القول الأول فيقول طلحة: أنا يا رسول الله فيجيبه فيستأذنه رجل من الأنصار للقتال فيأذن له فيقاتل مثل من كان قبله حتى لم يبق معه إلا طلحة فغشوهما فقال رسول الله صّلى الله تعالى عليه وسّلم من لهؤلاء فقال طلحة أنا يا رسول الله فقاتل مثل قتال جميع من كان قبله وأصيبت أنامله فقال: حس، قال: لو قلت بسم الله أو ذكرت اسم الله لرفعتك ملائكته والناس ينظرون إليك في جو السماء ثم صعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أصحابه وهم مجتمعون. وذكر الشيخ نور الحق في ترجمة صحيح البخاري أن عليا رأى طلحة قتيلا يوم الجمل فبكى حتى ابتلت لحيته فقال: أرجو أنا وأنت ممن قال الله تعالى فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}

فصل في مناقب محمد بن طلحة رضي الله عنه

فصل في مناقب محمد بن طلحة رضي الله عنه يلقب بالسجاد لكثرة سجوده، ولد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فسماه محمدا وكناه بأبي سليمان. وفي الاستيعاب أنه قتل يوم الجمل، وكان طلحة أمره أن يتقدم للقتال فشل درعه بين رجليه وقام عليها وكلما حمل عليه رجل قال: نشدتك بحم حتى شد عليه العنسي فقتله وأنشأ يقول: شعر وأشعث قوام بآيات ربه ... قليل الأذى فيما يرى العين مسلم خرقت له بالرمح جيب قميصه ... فخر صريعا لليدين وللفم على غير شيء أنه ليس تابعا ... عليا ومن لم يتبع الحق يندم يذكرني حم والرمح شاجر ... فهلا تلا حم قبل التقدم فلما رآه علي كرم الله وجهه بين القتلى استرجع وقال: إن كان شابا مليحا، ثم قعد كئيبا. وروى الدارقطني أنه مر به قتيلا فقال: هذا السجاد، قتله بره بابيه.

فصل في مناقب الزبير رضي الله عنه

فصل في مناقب الزبير رضي الله عنه مر كثير منها في مناقب طلحة رضي الله عنه. قال مؤلف المشكاة: هو زبير بن العوام أبو عبد الله القرشي، وأمه صفية رضي الله عنها عمة النبي - صلى الله عليه وسلم -. أسلم قديما وهو ابن ستة عشر سنة، فعذب بالدخان ليرجع فلم يرجع، فشهد المشاهد كلها وهو أول من سل السيف في سبيل الله وثبت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد. قتله عمرو بن جرموز بسَفوان من أرض البصرة وله أربع وستون سنة ودفن بوادي السباع ثم حوّل إلى البصرة، وقبره مشهور بها. وروي أنه قتل منصرفا عن القتال مصليا، وقال علي رضي الله عنه لما رأى سيفه: هذا سيف ذب كثيرا عن وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بشر قاتل ابن صفية بالنار» فقال ابن جرموز: إن قاتلناكم فنحن في النار وإن قاتلنا لكم فنحن في النار، فقتل نفسه غيظا.

وأخرج البخاري والترمذي عن جابر والحاكم عن علي قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن لكل نبي حواري وإن حواريي الزبير». وأخرج الشيخان عن جابر قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من يأتيني بخبر القوم» يوم الأحزاب، قال الزبير: أنا، فقال .. الحديث. وأخرج الحاكم: ندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[الناس] يوم الخندق فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير فقال .. الحديث. وأخرج الشيخان والترمذي عن الزبير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من يأتي بني قريظة فيأتيني بخبرهم» فانطلقت فلما رجعت جمع لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبويه فقال: «فداك أبي وأمي». وأخرج البخاري عن عروة أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا للزبير يوم اليرموك: ألا تشد فنشد معك؟ فحمل عليهم فضربوه ضربتين على عاتقه بينهما ضربة ضربها يوم بدر، فكنت أدخل أصابعي في تلك الضربات. فائدة: قال نور الحق في ترجمة صحيح البخاري: يرموك موضع

فصل في فضائل معاوية رضي الله عنه

بالشام التقى به الروم والمسلمون في خلافة عمر رضي الله عنه فقتل من المسلمين أربعة آلاف ومن الروم مائة ألف وخمسة آلاف وأسر منهم أربعون ألفا. فصل في فضائل معاوية رضي الله عنه اعلم أن صحابته الكرام مائة ألف وأربعة عشر ألفا كالأنبياء، ومن ورد فيه أحاديث الفضائل أشخاص معدودة، وكفى بالصحبة فضلا للباقي، لترتب الفضائل العظيمة عليها مما نطق به الكتاب والسنة. فإن فقدت أحاديث الفضائل لبعضهم أو قلّت فلا إحجاف به. ولنذكر من فضائل معاوية رضي الله عنه ما يزيده شرفا ومكانة في قلوب المسلمين. فإحداها قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب" رواه الإمام أحمد في مسنده عن عرباض بن سارية. هو كتاب عظيم الاعتماد. قال الحافظ الثقة جلال الدين السيوطي رحمه الله: كلما في مسند أحمد مقبول وضعيفه قريب من الحسن. قال: وقال الإمام أحمد: ما اختلف المسلمون فيه فارجعوا إلى المسند فإن وجدتموه

فحسن وإلا فليس بحجة. واطلق بعضهم الصحة على كل ما فيه. وأخطأ ابن الجوزي في نسبة بعض أحاديث الوضع إليه كما هو عادته من التعصب والإفراط. وقال شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني: ليس فيه موضوع وهو أحصى من السنن الأربعة. والثانية عن عبد الرحمن بن أبي عميرة الصحابي المدني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاوية: "اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به الناس" رواه الترمذي وحسنه. وكتابه جليل القدر حتى قال شيخ الإسلام الهروي هو عندي أنفع من الصحيحين لما فيه من ذكر المذاهب ووجوه الاستدلال دونهما،

وأطلق الحاكم والخطيب الصحة على جميع ما فيه. وقال الترمذي: عرضت هذا الكتاب على علماء الحجاز والعراق وخراسان ومن كان في بيته فكأنما في بيته نبي يتكلم. والثالثة عن ابن أبي مليكة قال: قيل لابن عباس رضي الله عنهما: هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة؟ قال: أصاب إنه فقيه. رواه البخاري. قال الشراح: أي مجتهد. وفي رواية أخرى للبخاري عن ابن أبي مليكة قال: أوتر معاوية رضي الله عنه بعد العشاء بركعة وعنده مولى لابن عباس رضي الله عنهما فأتى ابن عباس رضي الله عنهما قال: دعه فإنه صحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. انتهى. وكان ابن عباس رضي الله عنهما من فضلاء الصحابة ويلقب البحر لسعة علمه وحبر الأمة وترجمان القرآن. وقد دعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعلم والحكمة والتأويل فاستجيب، وكان من خواص أصحاب

علي كرم الله وجهه وشديد الإنكار على أعدائه، وأرسله علي رضي الله عنه ليحاج الحرورية فحاجهم حتى لم يبق لهم حجة. فإذا شهد مثله لمعاوية بأنه مجتهد وكف مولاه عن الإنكار مستدلا بأنه من الصحابة، قال شيخ الإسلام ابن حجر: هذا شهادة من حبر الأمة بفضله. والرابعة أنه كاتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وذكر الإمام مفتي الحرمين أحمد بن عبد الله بن محمد الطبري في خلاصة السير أن كتابه - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة عشر، الخلفاء الأربعة وعامر بن فهيرة وعبد الله بن أرقم وأبي بن كعب وثابت بن قيس بن شماس وخالد بن سعيد بن العاص وحنظلة بن الربيع الأسلمي وزيد بن ثابت ومعاوية بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة، وكان معاوية وزيد ألزمهم لذلك وأخصهم به. انتهى. وما قيل إن كتابه الوحي غير ثابت فمردود بقول الإمام

أحمد بن محمد القسطلاني في شرح صحيح البخاري ولفظه: ومعاوية بن أبي سفيان صخر ولد حرب كاتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والخامسة ما ذكره علي الهروي في شرح المشكاة أن الإمام عبد الله بن المبارك سئل أن عمر بن عبد العزيز أفضل أم معاوية فقال: غبار دخل في أنف فرس معاوية حين غزا في ركاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفضل من كذا من عمر بن عبد العزيز. فتأمل في هذه المنقبة وإنما يظهر عليك فضيلة هذه الكلمة إذا عرفت فضائل عبد الله بن المبارك وعمر بن عبد العزيز وهي لا تحصى، ومحل بسطها كتب تواريخ المحدثين، وعمر يسمى إمام الهدى وخامس الخلفاء الراشدين. والمحدثون والفقهاء يحتجون بقوله ويعظمونه جدا وكان الخضر عليه السلام يزوره وهو أول من أمر بجمع الحديث فإذا كان معاوية رضي الله عنه أفضل منه فما ظنك به. والسادسة أن البخاري ومسلما يرويان عنه الحديث مع شرطهما أن لا يرويان إلا عن ثقة ضابط صدوق.

والسابعة ثناء الصحابة وأهل الحديث عليه، مع أنهم اعرف الناس بفضائل علي رضي الله عنه وأعلمهم بحكايات التشاجر وأصدقهم لهجة. وقال الإمام القسطلاني في شرح البخاري: معاوية ذو المناقب الجمة. وفي شرح مسلم: هو من عدول الفضلاء والصحابة الخيار، قال الإمام اليافعي كان حليما كريما سائسا عاقلا كامل السؤدد ذا دهاء ورأي كأنما خلق للملك. ويكتب المحدثون بعد اسمه رضي الله عنه كسائر الصحابة بلا فرق. ومر قول ابن عباس برواية البخاري. وذكر في النهاية الجزرية عن ابن عمر قال: ما رأيت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسودد من معاوية رضي الله عنه، قيل: ولا عمر؟ قال: كان عمر خيرا منه كان هو أسودد من عمر. قيل: أراد أسخى وأعطى للمال وقيل هو أحكم منه.

وذكر القاضي عياض أن رجلا قال للمعافي بن عمر إن عمر بن عبد العزيز أفضل من معاوية، فغضب وقال: لا يقاس أحد بأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، معاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وحي الله عز وجل. والثامنة كثرة رواية الحديث. وذكر الإمام الذهبي أنه روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن أبي بكر وعمر وأخته أم حبيبة وغيرهم؛ وروى عنه أبو ذر مع تقدمه وابن عباس وأبو سعيد وجرير وجماعة من الصحابة وجبير وأبو ادريس الخولاني وسعيد بن المسيب وخالد بن معدان وأبو صالح السمان وسعيد وهمام بن منبه وخلق كثير. انتهى. (¬1) وروى البخاري عنه في صحيحه ثمانية أحاديث. ولنذكر ههنا شيئا من الأحاديث التي رواها فإنها توجب شرفا وتغرس حبا له في قلوب العلماء: وأخرج أحمد وأبو داود والحاكم عن معاوية مرفوعا: «إن أهل ¬

(¬1) سير النبلاء

الكتاب تفرقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة، ويخرج من أمتي قوم تتجارى بهم تلك الاهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه فلا يبقى منهم عرق ولا مفصل إلا دخله». وأخرج البيهقي وأبو داود عن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنك إن اتبعت العورات أفسدتهم». وأخرج أحمد والنسائي والحاكم عن معاوية رضي الله عنه مرفوعا: «كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركا أو من يقتل مؤمنا عمدا». وأخرج أبو يعلى والطبراني عن معاوية رضي الله عنه مرفوعا:

«ستكون أئمة من بعدي يقولون فلا يرد عليهم قولهم يتقاحمون في النار كما تقاحم القردة». وأخرج الترمذي عن معاوية رضي الله عنه مرفوعا: «من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد في الرابعة فاقتلوه». وأخرج أبو داود عن معاوية رضي الله عنه مرفوعا: «إذا شربوا الخمر فاجلدوهم ثم إن شربوا فاجلدوهم ثم إن شربوا فاجلدوهم ثم إن شربوا فاقتلوهم» والأمر بالقتل تهديد أو منسوخ. وأخرج أبو داود والنسائي عن أبي هريرة وابن عمر نحو حديث معاوية. وأخرج البخاري عن أبي إمامة بن سهل قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان وهو جالس على المنبر أذن المؤذن فقال: الله أكبر الله اكبر قال معاوية رضي الله عنه: «الله أكبر الله أكبر» فقال: أشهد أن لا اله إلا الله، فقال معاوية: «وأنا»، قال: أشهد أن محمدا رسول الله، فقال

معاوية: «وأنا»، فلما انقضى التأذين قال: يا أيها الناس إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على هذا المجلس حين أذن المؤذن يقول ما سمعتم مني من مقالتي. وأخرج أحمد عن علقمة بن أبي وقاص قال: إني لعند معاوية رضي الله عنه إذ أذن المؤذن فقال معاوية كما قال مؤذنه حتى إذا قال: حي على الصلاة قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله»، فلما قال: حي على الفلاح، قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم»، وقال بعد ذلك ما قال المؤذن، ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك. وأخرج البخاري ومسلم ومالك في الموطأ وأبو داود والترمذي والنسائي عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية عام حج على المنبر وتناول قصة من شعر وكانت في يد حرسي فقال: يا أهل المدينة أين علماؤكم سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن مثل هذه يقول: «إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذوها». وأخرج الشيخان والنسائي عن سعيد بن المسيب قال: قدم

معاوية المدينة فخطبنا وأخرج كبة من شعر فقال: ما كنت أرى أن أحدا يفعله إلا اليهود، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلغه فسماه «الزور». وأخرج النسائي عن سعيد المقبري قال: رأيت معاوية رضي الله عنه على المنبر وفي يده كبة من كبب النساء من شعر فقال: ما بال المسلمات يضعن مثل هذا، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «أيما امرأة زادت في رأسها شعرا ليس منه فإنه زور تزيد فيه». وأخرج الطبراني عنه مرفوعا: «ان الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه». وأخرج أبو داود عن معاوية رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الغلوطات. وأخرج أبو داود أن معاوية رضي الله عنه توضأ للناس كما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ فلما بلغ رأسه غرف غرفة من ماء فتلقاها بشماله حتى وضعها على وسط رأسه حتى قطر الماء أو كاد يقطر ثم مسح من

مقدمه إلى مؤخره إلى مقدمه. وأخرج أبو داود عن معاوية رضي الله عنه مرفوعا: «لا تبادروني بركوع ولا سجود إني مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت إني قد بدنت». وأخرج أبو نعيم عن معاوية مرفوعا أن رجلا كان يعمل السيآت وقتل سبعة وتسعين نفسا كلها يقتل ظلما بغير حق فخرج فأتى ديرانيا فقال يا راهب إن رجلا قتل سبعة وتسعين نفسا كلها يقتل ظلما بغير حق فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله ثم أتى آخر فقال له مثل ما قال لصاحبه فقال: ليست له التوبة، فقتله أيضا، ثم أتى راهبا آخر فقال له مثل ما قال لصاحبه فقال له ليست لك توبة، فقتله أيضا فأتى راهبا آخر فقال له: إن الآخر لم يدع من الشر شيئا إلا عمله قد قتل مائة نفس كلها يقتل ظلما بغير حق فهل له من توبة؟ قال له: والله لئن قلت لك إن الله لا يتوب على من تاب إليه لقد كذبت، ههنا دير فيه قوم متعبدون فأته فاعبد الله معهم، فخرج تائبا حتى إذا كان ببعض الطريق بعث الله إليه ملكا قبض نفسه فحضرته ملائكة العذاب وملائكة الرحمة فاختصموا فيه فبعث إليهم ملكا فقال لهم إلى أي القريتين كان أقرب فهو منهما فقاسوا ما بينهما فوجدوه أقرب إلى قرية التوابين بقيس أنملة فغفر

له. وقال الشيخ الأكبر في الفتوحات المكية روينا من طريق أبي داود عن عبد الله بن علاء عن مغيرة بن قرة قال: قام معاوية في الناس يوما في المسجد على باب حرض فقال: يا أيها الناس إنا قد رأينا الهلال يوم كذا وكذا وأنا متقدم بالصوم فمن أحب أن يفعل فليفعل، فمال إليه مالك بن هبيرة فقال: يا معاوية أشيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم شيء من رأيك؟ فقال: سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «صوموا الشهر وسرره». وأخرج البخاري عن حميد بن عبد الرحمن: سمعت معاوية خطيبا يقول: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وإنما أنا قاسم والله يعطي ولن تزال هذه الأمة قائمة لا يضرهم من خالفهم حتى

يأتي أمر الله» وأخرج مسلم عنه: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنما أنا خازن فمن أعطيته عن طيب نفس فيبارك له فيه ومن أعطيته عن مسألة وشره كان كالذي يأكل ولا يشبع» وأخرج مسلم عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تلحفوا في المسألة فوالله لا يسألني أحد منكم فيخرج له مسألته في شيء وأنا له كاره فيهما فيبارك له في ما أعطيته» وأخرج أبو داود والنسائي عن معاوية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «نهى عن ركوب النمور وعن لبس الذهب إلا مقطعا»؛ وفي رواية لهما عنه مرفوعا: "لا تركبوا الخز ولا النمور" وأخرج النسائي أن معاوية قال وعنده جمع من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أتعلمون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «نهى عن لبس الذهب إلا مقطعا»؟ قالوا: اللهم نعم. وأخرج أبو داود عن معاوية قال: يا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - هل تعلمون

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كذا وعن «ركوب جلود النمار»؟ قالوا: نعم، قال: فتعلمون أنه نهى أن يقرن بين الحج والعمرة؟ قالوا: أما هذه فلا، قال: أما إنها معهن ولكنكم نسيتم. وأخرج مسلم عن طلحة بن يحيى عن عمه قال: كنت عند معاوية بن أبي سفيان فجاءه المؤذن يدعوه إلى الصلاة فقال معاوية: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «المؤذنون أطول الناس اعناقا يوم القيامة» وأخرج مسلم عن أبي سعيد قال: خرج معاوية على حلقة في المسجد فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله، قال: آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟ قالوا: والله ما أجلسنا غيره، قال: إني لم أستحلفكم تهمة لكم وما كان أحد بمترلتي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقل عنه حديثا مني، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على حلقة من أصحابه فقال: «ما أجلسكم ههنا» قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا، قال: «آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟» قال: «أما أني لم أستحلفكم تهمة لكم ولكني أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة». وقال المحدث القاضي عياض في الشفاء: يروى

أن معاوية كان يكتب بين يديه - صلى الله عليه وسلم - فقال له: "ألق الدواة وحرف القلم وأقم الباء وفرق السين ولا تعور الميم وحسن الله ومد الرحمن وجود الرحيم" التاسعة: كان حريصا على اتباع السنة. روى البغوي في شرح السنة عن أبي مجلز أن معاوية خرج وعبد الله بن عامر وعبد الله بن الزبير جالسان فقام ابن عامر وقعد ابن الزبير فقال معاوية: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من سره أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار» وأخرج هذا الحديث عنه الترمذي وأبو داود وأحمد. وأخرج أبو داود والترمذي عن عمرو بن مرة أنه قال لمعاوية رضي الله عنه: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من ولاه الله شيئا من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره» فجعل معاوية رجلا على حوائج الناس. وأخرج البخاري عن ورّاد كاتب المغيرة بن شعبة أن معاوية رضي الله عنه كتب إلى المغيرة: اكتب إلي بحديث سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكتب إليه المغيرة: إني سمعته يقول عند الفراغ من الصلاة: «لا اله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير» ثلاث مرات، قال: «وكان ينهى عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ومنع

وهات وعقوق الأمهات ووأد البنات». وأخرج الترمذي أن معاوية كتب إلى عائشة رضي الله عنها أن اكتبي إلي كتابا توصيني به ولا تكثري فكتبت: سلام عليك أما بعد فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من التمس رضى الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس ومن التمس رضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس» والسلام. وأخرج الترمذي وأبو داود عن سليم بن عامر قال: كان بين معاوية رضي الله عنه وبين الروم عهد وكان يسير نحو بلادهم حتى إذا انقضى العهد أغار عليهم فجاء رجل على فرس أو برذون وهو يقول: الله أكبر الله أكبر وفاء لا غدر، فنظروا فإذا هو عمرو بن عبسة، فسأله معاوية عن ذلك فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عهده ولا يشدنه حتى يمضي أمره أو ينبذ إليهم على سواء» قال: فرجع معاوية بالناس. ومن شدة حبه النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ذكره القاضي عياض في الشفاء أن عابس بن ربيعة لما دخل على معاوية من باب الدار قام من سريره وتلقاه

وقبل بين عينيه وأقطعه المرغاب لشبهه صورة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. العاشرة: كان يأمر الناس باتباع الحديث وينهاهم عن مخالفته. قال الإمام ابن حجر العسقلاني: كان إذا أتى المدينة وأُسمع من فقهائها شيئا يخالف السنة قال لأهل المدينة: أين علماؤكم، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول كذا، ورأيته يفعل كذا. وأخرج البخاري عنه قال: إنكم لتصلون صلاة لقد صحبنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فما رأيناه يصليها ولقد نهى عنها. يعني الركعتين بعد العصر. وأخرج مسلم عن عمرو بن عطاء قال: إن نافع بن جبير أرسله إلى السائب يسأله عن شيء رآه من معاوية في الصلاة فقال: نعم صليت معه الجمعة في المقصورة فلما سلم قمت في مقامي فصليت فلما دخل أرسل إلي فقال: لا تعد لما فعلت، إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج. وأخرج مسلم عن معاوية رضي الله عنه: إياكم والأحاديث إلا حديثا كان في عهد عمر، فإن عمر كان يخيف الناس في الله عز وجل. قال الشارح: النهي عن الإكثار من الأحاديث بغير تثبت لما شاع في زمنه من التحدث عن أهل الكتاب وما وجد في كتبهم حين فتحت بلدانهم

وأمرهم بالرجوع في الأحاديث إلى ما كان في زمن عمر وضبطه الأمر وشدته فيه وخوف الناس سطوته ومنعه الناس من مسارعتهم إلى الأحاديث وطلبه الشهادة على ذلك حتى استقرت الأحاديث واشتهرت السنن. اهـ. وأخرج البخاري عن محمد بن جبير بن مطعم يحدث أنه بلغ معاوية وهو عنده في وفد من قريش أن عبد الله بن عمرو يحدث أنه سيكون ملك من قحطان فغضب فقام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإنه بلغني أن رجالا منكم يحدثون بأحاديث ليست في كتاب الله ولا تؤثر عن رسول الله وأولئك جهالكم فاياكم والأماني التي تضل أهلها فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين» الحادية عشرة: تبعه كثير من الصحابة الكرام كعمرو بن العاص وابنه عبد الله الزاهد ومعاوية بن خديج وغيرهم رضي الله عنهم. الثانية عشرة: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استخلفه على الشام مع أنه كان شديد التحري في صلاح الأمراء وفسادهم واقره عثمان فلم يترله.

الثالثة عشرة: أن الفقهاء يعتمدون على اجتهاده ويذكرون مذهبه كسائر الصحابة، كقولهم: ذهب معاذ بن جبل ومعاوية وسعيد بن المسيب إلى أن المسلم يرث الكافر، وقولهم عن معاوية رضي الله عنه كان المعراج رؤيا صالحة كما روي عن عائشة رضي الله عنها، وقولهم روي استلام الركنين اليمانيين عن الحسن والحسين رضي الله عنهما وصح عن معاوية. الرابعة عشرة: تسليم الحسن بن علي الخلافة إليه مع أن معه أكثر من أربعين ألفا بايعوه على الموت. فلو لم يكن أهلا لها لما سلمها السبط الطيب إليه ولحاربه كما حاربه أبوه، رضي الله عنهم وعن أولادهم وسيأتي تفصيله. الخامسة عشرة: أنه كان يتأدب إلى الحسن ويخدمه ويروي فضائل أهل البيت. فهذا يدل على إيثاره الحق مع المنازعة والمخاصمة التي سبقت بقدر الحق سبحانه. وأخرج أحمد عن معاوية قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمص لسان الحسن وشفتيه، وإنه لن يعذب الله لسانا أو شفة مصها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وذكر القاري الهروي في شرح المشكاة عن عبد الله بن بريدة أن الحسن رضي الله عنه دخل على معاوية فقال: لأجيزنك بجائزة لم أجز بها أحدا قبلك ولا أجيز بها أحدا بعدك، فأجازه بأربع مائة ألف فقبلها. وأخرج أحمد أن رجلا سأل معاوية عن مسألة فقال: اسأل عنها عليا فهو أعلم، فقال: يا أمير المؤمنين جوابك فيها أحب إلي من جواب علي، قال: بئسما قلت، لقد كرهت رجلا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعزه بالعلم عزا، ولقد قال له: «أنت مني بمترلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي»، وكان عمر رضي الله عنه إذا أشكل عليه شيء أخذ منه. وأخرجه آخرون بنحوه وزاد بعضهم: قم لا أقام الله رجليك، ومحا اسمه من الديوان، ولقد كان عمر يسأله ويأخذ عنه ولقد شهدته إذا اشكل عليه قال: ههنا علي رضي الله عنه؟ روى الإمام المستغفري بإسناده إلى عقبة بن عامر قال: كنت أمشي مع معاوية فقال: والله ما على الأرض رجل أحب إلي من علي بن أبي طالب قبل الذي كان بيني وبينه وإني لأعلم أنه يملك من ولده من هو خير أهل الأرض في زمانه وإن له اسما في السماء يعرفه به أهل السماء وإن له علامة يكون في زمانه الخصب ويميت الباطل ويحيي

الحق وهو زمان الصالحين يرفعون رؤسهم وينظرونه. وأخرج الحاكم وابن البخاري عن هشام بن محمد عن أبيه قال: كان عطاء الحسن بن علي من معاوية مائة ألف في كل سنة فحبسها عنه في أحد السنين فاضاق إضاقة شديدة قال فدعوت بدواة لأكتب إلى معاوية رضي الله عنه لاذكره نفسي ثم أمسكت فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام فقال لي: كيف أنت يا حسن؟ قلت: بخير يا أبت، وشكوت إليه تأخر المال عني، قال: أدعوت بدواة لتكتب إلى مخلوق مثلك لتذكره ذلك؟ قلت: نعم يا رسول الله فكيف أصنع؟ قال: قل اللهم اقذف في قلبي رجاءك واقطع رجائي عمن سواك حتى لا أرجو أحدا غيرك، اللهم وما ضعفت عنه قوتي وقصر عنه عملي ولم تنته إليه رغبتي ولم تبلغه مسألتي ولم يجر على لساني مما أعطيت أحدا من الأولين والآخرين من اليقين فخصني به يا رب العالمين، قال فوالله ما ألححت به أسبوعا حتى أتى معاوية بألف ألف وخمسمائة ألف فقلت الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره ولا يخيب من دعاه، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام فقال: يا حسن كيف أنت؟ قلت: بخير يا رسول الله، وحدثته بحديثي فقال: يا بني هكذا من رجاء الخالق ولم يرج المخلوقين. وذكر محمد بن محمود الآملي في نفائس الفنون أنه ذكر علي رضي الله عنه عند معاوية فقال: كان علي والله كالليث إذا دعا وكالبدر إذا بدا وكالمطر إذا ندا فقال له بعض من حضر: أنت أفضل أم

علي؟ فقال: خطوط من علي خير من آل أبي سفيان، فقيل: لم حاربته؟ قال: الملك عقيم، ثم قال: من أنشأ شعرا في مدح علي كما يليق به أعطيته بكل بيت ألف دينار، فأنشأ من حضر ومعاوية يقول: علي أفضل منه، فأنشأ عمرو بن العاص أبياتا حتى بلغ قوله: بيت هو النبأ العظيم وفلك نوح ... وباب الله وانقطع الخطاب فاستحسنه معاوية واعطاه سبعة آلاف دينار. انتهى. وفي الصواعق قال معاوية لضرار بن حمزة: صف لي عليا، فقال: اعفني، فقال: أقسمت عليك، فقال: كان علي والله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا ويحكم عدلا ينفجر العلم من جوانبه وينطق الحكمة على لسانه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل ووحشته وكان غزير الدمعة طويل الفكرة يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما خشن وكان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه ويأتينا إذا دعوناه ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له يعظم أهل الدين ويقرب المساكين لا يطمع القوى في باطله ولا ييئس الضعيف من عدله واشتهر لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ويقول: يا دنيا غري غيري إلى التشوق

هيهات هيهات وقد باينتك ثلاثا لا رجعت فيها فعمرك قصير وخطرك كثير آه آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق. فبكى معاوية وقال: رحم الله أبا حسن كان والله كذلك. السادسة عشرة: أن رجلا جاء عند الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز فقال: أمير المؤمنين يزيد، فضربه بالسوط ووقع آخر في معاوية رضي الله عنه فضربه بالسوط. السابعة عشرة: أن ابن عساكر روى بسند ضعيف عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وعنده أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية إذا أقبل علي فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاوية: أتحب عليا؟ قال: نعم، قال: إنها ستكون بينكم هنيهة، قال معاوية فما بعد ذلك يا رسول الله قال عفو الله ورضوانه، قال: رضينا بقضاء الله فعند ذلك نزلت: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} الثامنة عشرة: قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحسن بن علي: «لعلّ الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» رواه البخاري وسيأتي تفصيله. التاسعة عشرة: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية يقال له يزيد" رواه الروياني في مسنده من حديث أبي الدرداء. أخرج أبو علي بسند ضعيف عن أبي عبيدة مرفوعا: "لا يزال أمر

أمتي قائما بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية يقال له يزيد" فيدل على أن معاوية رضي الله عنه لم يخالف السنة. وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: "تعوذوا بالله من رأس السبعين وإمارة الصبيان" رواه أحمد. أراد تأريخ الهجرة أو الوفاة وإمارة يزيد وأولاد الحكم الأموي. واشتهر في العامة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى يزيد يحمله معاوية فقال: أهل الجنة يحمل أهل النار. وليس بصحيح فإن يزيد ولد في خلافة عثمان رضي الله عنه كما ذكره ابن الاثير في الجامع. المكملة العشرون: قصة موته: قال مؤلف المشكاة: مات في رجب بدمشق وله ثمان وسبعون سنة وكان اصابه لقوة في آخر عمره وكان يقول في آخر عمره: يا ليتني كنت رجلا من قريش بذي طوى ولم أر من هذا الأمر شيئا وكان عنده إزار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورداءه وقميصه وشيء من شعره وأظفاره فقال: كفنوني في قميصه وأدرجوني في ردائه وازروني بإزاره واحشوا منخري ومواضع السجود مني وشدقي بشعره

فصل في ذكر الصلح وهو أحد المعجزات

وظفره وخلوا بيني وبين أرحم الراحمين. الحادية والعشرون: قول إمام الأئمة مالك: من شتم أحدا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو عمرو بن العاص فإن قال كانوا على ضلال أو كفر قتل، وإن شتمهم بغير هذا من مشاتمة الناس نُكل نكالا. كذا من الصواعق. فصل في ذكر الصلح وهو أحد المعجزات عن أبي بكرة الثقفي قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول: «إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» وعنه كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بنا وكان الحسن يجيء وهو صغير فكان كلما سجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثب على رقبته وظهره فيرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - رأسه رقيقا حتى يضعه فقالوا: يا رسول الله رأيناك تصنع بهذا الغلام شيئا ما رأيناك تصنعه بأحد قال: «إنه ريحانتي من الدنيا إن ابني هذا سيد

وعسى الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين» أخرجه ابن أبي حاتم، وأخرج أحمد قريبا منه. وفي جامع الأصول عن الحسن البصري قال: استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب مثل الجبال فقال عمرو بن العاص لمعاوية: إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها فقال له معاوية وكان والله خير الرجلين أي عمرو أرأيت إن قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور المسلمين من لي بنسائهم من لي بضيعتهم؟ فبعث رجلين من قريش عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر فأتيا الحسن فدخلا عليه طلبا إليه الصلح فقال لهما الحسن بن علي: إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها، فصالح. ونقل القاري الهروي في شرح المشكاة عن الذخائر: قال أبو عمرو: ولما قتل علي رضي الله عنه بايع الحسن أكثر من أربعين ألفا كلهم بايع أباه قبله على الموت وكانوا أطوع للحسن وهم أرغب فيه منهم في أبيه فبقي سبعة اشهر خليفة بالعراق وما وراء النهر من خراسان ثم سار إلى معاوية وسار معاوية إليه فلما تراء الجمعان بموضع من أرض السواد علم أن لا يغلب أحد الفئتين حتى تذهب أكثر

الأخرى فكتب إلى معاوية رضي الله عنه أن يسلم الأمر إليه على أن لا يطلب أحدا من أهل المدينة والحجاز والعراق بشيء مما كان في أيام أبيه فأجابه إلا أنه قال [عشرة أنفس فلا أؤمنهم] (¬1) فراجعه الحسن فيهم فكتب إني قد آليت أني متى ظفرت بقيس بن سعد أن اقطع لسانه ويده فراجعه الحسن إني لا أبايعك فبعث إليه معاوية ورقا أبيض وقال: اكتب ما شئت فأنا التزمت، فاصطلحا واشترط الحسن أن يكون الأمر له من بعده فالتزم كله معاوية رضي الله عنه. وفي فصل الخطاب للعارف المحقق محمد بن محمد الحافظي البخاري المعروف بخواجه محمد بارسا، هو من أشد الناس حبا لأهل البيت: قال إبراهيم النخعي: لما سلم الحسن رضي الله عنه الأمر إلى معاوية سميت سنة الجماعة، وقال للحسن رضي الله عنه رجل من أهل الشيعة: يا مذل المؤمنين، فقال: بل أنا معز المؤمنين، سمعت أبي عليا كرم الله وجهه يقول: لا تكرهوا إمارة معاوية فإنه سيلي هذا الأمر بعدي وإن فقدتموه رأيتم الرؤس تندر عن حواصلها كأنها الحنظل. انتهى. وعن معاوية مرفوعا: «يا معاوية إن وليت أمرا فاتق الله واعدل» قال: فما زلت أظن أني مبتلى بعمل لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى ابتليت. رواه أحمد والبيهقي. ¬

(¬1) في المطبوع: "قال غير القياس" والتصحيح من شرح المشكاة.

فصل في الاجوبة عن مطاعنه

نكتة: إذا نظرت في قوله - صلى الله عليه وسلم - فئتين عظيمتين من المسلمين، وجدت أن كلا من الفئتين معظمة مكرمة ويدل عليه فصل في الاجوبة عن مطاعنه اعلم أنا لا ندعي العصمة فيه ولا في غيره من الصحابة الكرام رضي الله عنهم بل هي من خواص الملائكة والأنبياء كما حقق في علم الكلام، ومع هذا فكثير ما صدر عن الأنبياء بالسهو أو بالطبيعة البشرية يسمى زلة وتسميته بترك الأفضل أفضل. وإن صدر عن أحد من الصحابة ما لا يليق فلا يبعد عن الإمكان، ولما تشاجر وأوقع بينهم التساب والتحارب وأمور يتوحش للتأمل فيها. إلا أن مذهبنا أهل السنة والجماعة هو بذل الجهد في تأويلها وإذا لم يمكن التأويل

وجب رد الرواية ووجب السكوت وترك الطعن، للقطع بأن الحق سبحانه وعدهم المغفرة والحسنى. وفي الحديث: "إن النار لا تمسهم" وقد عظم الوعيد على من وقع فيهم. فحُسن الظن والتأدب لجميعهم واجب على كل مسلم. فهذا مذهب السلف الصالح وأهل الحديث والأصول. ونسأل الله الثبات عليه. وقد وقع أكثر الناس في مطاعن معاوية رضي الله عنه ولعل الحكمة فيه أنه صدر عنه شيء فأراد الله سبحانه أن يجلب له الاعمال الصالحة ما دامت الدنيا {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} فأحد المطاعن فيه هو أن بعض المحدثين ومنهم المجد الشيرازي في سفر السعادة قالوا: لم يصح في فضائله حديث. وكذا عنوان البخاري حديث ابن أبي مليكة بقوله: "ذكر معاوية" لا بالمناقب والفضل كما فعل في غيره. والجواب أنه مر حديثان أحدهما من مسند أحمد والآخر من سنن الترمذي. فإن أريد بعدم الصحة عدم الثبوت فهو مردود لما مر بين المحدثين، فلا ضير فإن فسحتها ضيقة، وعامة الأحكام والفضائل إنما تثبت بالأحاديث الحسان لعزة الصحاح. ولا ينحط ما في المسند والسنن عن درجة الحسن. وقد تقرر في فن الحديث جواز العمل بالحديث

الضعيف في الفضائل، فضلا عن الحسن. وقد رأيت في بعض الكتب المعتبرة من كلام الإمام مجد الدين بن الاثير صاحب ميزان الجامع: حديث مسند أحمد في فضيلة معاوية صحيح، إلا أني لا أستحضر الكتاب في الوقت. ولم ينصف الشيخ عبد الحق الدهلوي في شرح سفر السعادة فإنه أقر كلام المصنف ولم يتعقبه كتعقبه على سائر تعصباته. وأما الجواب عما فعله البخاري فإنه تفنن في الكلام فإنه فعل كذا في أسامة بن زيد وعبد الله بن سلام وجبير بن مطعم بن عبد الله، فذكر لهم فضائل جليلة معنونة بالذكر. الثاني: أخرج مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتواريت خلف باب فخطاني خطوة وقال: «اذهب ادع لي معاوية» قال: فجئت وقلت هو يأكل، ثم

قال لي: «اذهب» فجئت فقلت هو يأكل، فقال: «لا أشبع الله بطنه». والجواب أنها كلمة جرت على عادة العرب، نحو قاتله الله ما أكرمه ويل أمه وأبيه ما أجودهما، لا يراد معناه. ولو سلم فيجعلها الله له سبحانه رحمة وقربة كما صح في الحديث. وقد أورد مسلم في كتابه الصحيح بابا فقال: باب من لعنه النبي - صلى الله عليه وسلم - أو سبه أو دعا عليه وليس هو أهل ذلك كان له زكاة وأجرا ورحمة، وأورد فيه الحديث المذكور. وأخرج فيه عن عائشة مرفوعا: «أوَما علمت ما شارطت عليه ربي قلتُ اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعل له زكاة ورحمة» وأخرج أيضا عن أبي هريرة مرفوعا: «اللهم إني أتخذ عندك عهدا لن تخلفنيه فإنما أنا بشر فاي المسلمين آذيته شتمته لعنته أو جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها اليك يوم القيامة» وفي رواية بزيادة: «اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر» وأخرج أيضا عن أنس مرفوعا: «اني اشترطت على ربي فقلت

إنما أنا بشر ارضى كما يرضى البشر واغضب كما يغضب البشر فأي أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهورا وزكاة وقربة تقربه بها منك إلى يوم القيامة» انتهى. وقد فعل الله سبحانه بمعاوية هكذا فجعل يملك الأرض وهذا غاية الشبع. الثالث: أخرج الترمذي عن يوسف بن سعيد قال: قام رجل إلى الحسن بن علي بعد ما بايع معاوية وقال: سودت وجوه المؤمنين، أو يا مسود وجوه المؤمنين، قال: لا تؤنبني رحمك الله فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أري بني أمية على منبره فساءه ذلك فترلت: إنا أعطيناك الكوثر يا محمد يعني نهرا في الجنة ونزلت: إنا أنزلناه في ليلة القدر

إلى قوله خير من ألف شهر يملكها بعدك بنو أمية يا محمد، قال القاسم بن الفضل: فعددنا فإذا هي ألف شهر لا تزيد ولا تنقص. انتهى. قال الإمام ابن الأثير في الجامع: هي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر، وبيعة الحسن لمعاوية رضي الله عنهما على رأس ثلاثين سنة من وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وانقضاء دولتهم على يد أبي مسلم الخراساني، فذلك اثنان وتسعون سنة يسقط منها خلافة ابن الزبير ثمان سنين وثمانية أشهر فبقي ألف شهر. وعن عمران بن حصين قال: مات النبي - صلى الله عليه وسلم - ويكره ثلاثة أحياء ثقيفا وبني حنيفة وبني أمية. أخرجه الترمذي. والجواب ليس المقصود ذم بني أمية مطلقا فإن منهم عثمان بن عفان والخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز وكلاهما إمام الهدى بإجماع أهل السنة، وإنما ساءه ما صدر عن يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد وبني مروان بن الحكم من مخالفة السنة وإيذاء الصحابة والعترة المطهرة. ومقصود الحسن رضي الله عنه أن هذا الأمر صائر إلى بني

أمية وإن ما عند الله خير لأهل بيت النبوة. الرابع: أخرج مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال: جاء معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب؟ قال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلن اسبه، فذكر قوله: «أنت مني بمترلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» وقوله يوم خيبر: «لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله» وإنه لما نزلت آية المباهلة دعا عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: «اللهم هؤلاء أهلي» انتهى ملخصا. ولا شك أن الأمر بسب علي خطيئة فاحشة. والجواب: ذكر في شرح صحيح مسلم يجب تأويله إما بأن المراد بالسب إظهار خطأ اجتهاده وصواب اجتهادنا، وإما بأنه سمع قوما يسبونه فأراد كفهم عن سبه بإظهار فضله على لسان سعد، وإما بأنه ليس فيه الأمر بل سؤال من السبب المانع عنه وتكنيه رضي الله عنه بأبي تراب ليس طعنا فإنه كان يجب أن يكنى به. الخامس: ظهور البدع في عهده وعنه. ففي شرح الوقاية رد

اليمين على المدعي بدعة وأول من قضى به معاوية رضي الله عنه. وقال السيوطي إنه أول من اتخذ الخصيان خدما وأول من استخلف ابنه. والجواب أنه مجتهد بشهادة ابن عباس رضي الله عنه. والله سبحانه أعلم بالصواب والخطأ. وأوصى لابنه إحسانا بأهل البيت فلم يوف؛ ولو كان الحسن بن علي حيا سلم الأمر إليه كما كان معهودا. السادس أنه أمر بسم الحسن بن علي رضي الله عنهما. والجواب أنه بهتان عظيم وخرافات المؤرخين مما لا يعتمد عليها. السابع فذكره التفتازاني في شرح التلخيص أن معاوية رضي الله عنه كان مريضا فدخل عليه الحسن بن علي يعوده فجلس فأنشد الحسن رضي الله عنه: بيت وتجلدي للشأمتين أُريهم ... إني لريب الدهر لا أتضعضع وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع والجواب أن الرواية غير صحيحة. ولو سلمت فليس فيها تصريح بإرادته الحسن. الثامن أنه استبشر لوفاة الحسن. وذكر ابن خلكان في تاريخه أن ابن عباس رضي الله عنه دخل عليه يومئذ فقال: حدث في أهل

بيتك أمر عظيم، قال: لا أدري إلا أني أراك مستبشرا. الجواب أن المؤرخين حطبة الليل. ولو سلم فلعل استبشاره لأمر آخر. التاسع قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمار: «تقتلك الفئة الباغية» رواه مسلم. والجواب أن أهل السنة أجمعوا على أن من خرج على علي كرم الله وجهه خارج على الإمام الحق، إلا أن هذا البغي الاجتهادي معفو عنه. وذكر القاري في شرح المشكاة أنه روى أن معاوية كان يؤول الحديث نحن الفئة الطالبة لدم عثمان رضي الله عنه. العاشر قول علي رضي الله عنه في الصفين ما رضى أحد أخير أن تعدلوا وصية وإلا .. واللعين وإلا .. زعم القاضي الميبذي

في شرح ديوانه أن الأبتر معاوية وأيده بالحديث المذكور في سبب نزول سورة الكوثر وإلا .. والجواب أن نسبة الديوان إليه تعتضد بإسناد الشيعة مشهورة بالوضع والتحريف ولو سلم ولا نسلم أنه أراد ما ذكره الشارح فلا حجة فيه على جواز سبهما لغيره. ومثل القاضي الشارح بأنه يجوز للخليفة أن يشتم للتعزير من لا يجوز شتمه لغيره. وبالجملة إذا وقع بينهم الطعن بالسنان فالطعن باللسان أسهل منه إلا أنه لا يجوز لغيرهم، والاخوان يتسابون ولا يجوز للاجنبي سب بعضهم. وظهر به جواب كثير من المطاعن منها قول الزمخشري عفا الله عنه في الكشاف وإن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت قال: بيت ألا بلغ معاوية بن حرب ... أمير الظالمين بنا كلامي على أنه ممن لا يعرف الثابت من الموضوع، وأورد من الحديث في تفسيره ما لا شك في بطلانه؛ والاعتزال والرفض من واد واحد. ومنها ما أخرج مسلم في صحيحه عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة وهو كلام طويل وملخصه أنه سمع عبد الله بن عمرو بن

العاص يحدث في ظل الكعبة مرفوعا .. (¬1) فقال له: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا، فسكت ساعة ثم قال: أطعه في طاعة الله واعصه في معصيته. ومقصود السائل تخطئته في اجتهاده في حرب علي كرم الله وجهه وإنفاق الاموال عليه. الحادي عشر: ذكره غير واحد من أن أهل الشام سألوا المحدث الجليل أبا عبد الرحمن أحمد النسائي أن يحدثهم حديثا في فضل معاوية فقال: لا أعلم إلا «لا أشبع الله بطنه». وفي رواية: أما يرضى معاوية بأن يكون رأسا برأس ويطلب الفضل، فضربوه حتى اعتل ومات. والجواب أنهم سألوه أن يفضلوه على علي كرم الله وجهه ¬

(¬1) في المطبوع هنا: "من حمله أن يضرب الحار على الأنام" وليس في الصحيح.

فغضب من سوء أدبهم وقد أحسن إلا أنه جاوز الحد فتكلم بما يوهم طعنا على الصحابي، والبشر قد يخطئ. ويمكن أن يقال إنه أراد مدحه لما مر من أن مثل هذه الكلمة زكاة وأجر ورحمة إلا أنهم لم يفهموا، أو أنكروا عدم تفضيل معاوية على علي رضي الله عنهما فضربوه جهلا منهم. الثاني عشر أنه كثر في الأحاديث الصحيحة والحسان الوعيد الشديد على من أبغض عليا رضي الله عنه أو حاربه. والجواب أنه حاربه من هو مقطوع بالجنة كعائشة وطلحة والزبير رضوان الله عليهم أجمعين، فوجب حمل أحاديث الوعيد على غير الصحابة كالحرورية أو تخصيصها بمن هو متعصب غير مجتهد. الثالث عشر: حديث ثلاثين سنة، فعن سفينة مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - مرفوعا: "الخلافة ثلاثون سنة ثم تكون ملكا" ثم يقول سفينة: أمسك، خلافة أبي بكر سنتين وخلافة عمر عشرة وعثمان اثنتي عشرة وعلي ستة. أخرجه أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي. وفي رواية لأحمد والترمذي وأبي يعلى وابن حبان: «الخلافة بعدي في أمتي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك».

فصل في ذكر عمرو بن العاص رضي الله عنه

وأخرج البخاري في التاريخ والحاكم عن أبي هريرة: الخلافة بالمدينة والملك بالشام. والجواب: ليس المراد نفي الخلافة بعد ثلاثين مطلقا لصحة حديث اثني عشر خليفة بل الخلافة الكاملة بلا شائبة مخالفة السنة المستمرة بلا تخلل انقطاع. ونحن نعترف بأن معاوية رضي الله عنه وإن كان عالما ورعا عدلا دون الخلفاء الأربعة في العلم والورع والعدل كما ترى من التفاوت بين الأولياء بل الملائكة والأنبياء فامارته وإن كانت صحيحة بإجماع الصحابة وتسليم الحسن رضي الله عنه إلا أنها ليست على منهاج خلافة من قبله فإنه توسع في المباحات وتحرز عنها الخلفاء الأربعة وحسنات الأبرار سيئات المقربين. ولعل توسعه فيها لقصور همم سائر أبناء الزمان، وإن لم يوجد فيه ذلك كما علمت. وأما رجحان الخلفاء الأربعة في العبادات والمعاملات فظاهر مما لا سترة فيه فصل في ذكر عمرو بن العاص رضي الله عنه يكنى أبا عبد الله وابا محمد وكان وزيرا لمعاوية رضي الله

عنه. أخرج الترمذي وقال غريب ليس إسناده بالقوى عن عتبة بن عمرو بن العاص مرفوعا: «أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص». أي أسلم قريش يوم الفتح هيبة وآمن عمرو رغبة قبل الفتح بسنة أو سنتين. قال ابن الملك: وقع الإسلام في قلبه في الحبشة حين اعترف النجاشي بنبوته فاقبل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مؤمنا من غير أن يدعوه أحد إليه فجاء المدينة فآمن. وقال الذهبي: قدم مهاجرا هو وخالد وعثمان بن طلحة في صفر سنة ثمان، روى عنه ابنه عبد الله ومولاه أبو قيس وقيس بن أبي حازم وأبو عثمان النهدي وقبيصة بن ذويب وأبو مرة مولى عقيل وعبد الرحمن بن شماسة وعروة بن الزبير وآخرون، وأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذات السلاسل. وعن إبراهيم النخعي قال: عقد النبي - صلى الله عليه وسلم - لواء لعمرو وعلي وأبي بكر وعمر رضي الله عنهم وغيرهم. وهذا إزالة لوحشته وإيناس له لأنه كان شديد العداوة للمسلمين. وفي تاريخ الذهبي: قال حماد بن سلمة بإسناده: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ابنا العاص مؤمنان عمرو وهشام» وروى عبد الجبار بن الورد عن ابن أبي مليكة عن طلحة قال: سمعت رسول

الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "نعم أهل البيت أبو عبد الله وأم عبد الله" وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي شماسة المهري قال: حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياق الموت فبكى طويلا وحول وجهه إلى الجدار فجعل ابنه يقول: يا أبتاه أما بشرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا فقال: إن أفضل ما نعد شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إني كنت على أطباق ثلاث، لقد رأيتني وما أحد أشد بغضا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مني ولا أحب إلي من أن اكون قد استمكنت منه فقتلته، فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار، فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: ابسط يمينك فأبايعك فبسط يمينه فقبضت يدي فقال: «ما لك يا عمرو» قلت: أردت أن أشترط، قال: «تشترط ماذا؟» قلت: أن يغفر لي، قال: «أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله»، وما كان أحد أحب إلي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أجل في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه، ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة، ثم وليت أشياء ما أدري ما حالي فيها، فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار فإذا دفنتموني فسنوا علي التراب سنا ثم أقيموا حول قبري قدر ما ينحر الجزور ويقسم لحمه حتى أستأنس بكم

وأنظر ماذا أراجع رسل ربي. وأخرج ابن عساكر من طريق ابن وهب عن حرملة بن عمران عن سالم عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم العن أبا سفيان اللهم العن الحارث بن هشام اللهم العن صفوان بن أمية» فترلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ} فتاب عليهم فأسلموا فحسن إسلامهم. رواه الترمذي وحسنه. وفي جامع الأصول: فقئت عين أبي سفيان يوم الطائف فلم يزل أعور إلى يوم اليرموك، فأصاب عينه الأخرى فعميت، ومات سنة أربع وثلاثين وقيل ست وقيل إحدى وثلاثين بالمدينة وصلى عليه عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه ودفن بالبقيع. وذكر الزمخشري في تفسير قوله تعالى: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً} أنه لما تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أم حبيبة بنت أبي سفيان لانت عريكته واسترخت شكيمته.

فصل في نبذ من ذكر امرأة أبي سفيان أم معاوية

وأخرج مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه فقال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ثلاث أعطنيهن، قال: «نعم» قال: عندي أحسن العرب واجمله أم حبيبة أزوجكها قال: «نعم» قال: معاوية تجعله كاتبا بين يديك، قال: «نعم» قال: وتأمرني أن أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، قال: «نعم» وفي شرح مسلم أنه مشكل فإن أبا سفيان أسلم سنة ثمان وتزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - قبله سنة ست عند الجمهور، فقيل الحديث وهم من بعض الرواة ويقال موضوع؛ وهو مردود لأن رواته ثقات. وزعم ابن زميل لولا أنه طلب ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أعطاه ذلك لأنه لم يكن يسأل شيئا إلا قال نعم. فصل في نبذ من ذكر امرأة أبي سفيان أم معاوية قال مؤلف المشكاة: أسلمت يوم الفتح بعد إسلام زوجها

فأقرهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على نكاحهما وكان لها فصاحة وعقل، فلما بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - النساء قال لهن: "لا تشركن بالله شيئا" قالت: ما رضيت بالشرك في الجاهلية فكيف في الإسلام، فقال: "ولا تسرقن" فقالت: إن أبا سفيان رجل شحيح، قال: "خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف" فقال: "ولا تزنين" قالت: أوَتزني الحرة، فقال: "ولا تقتلن أولادكن" قالت: فهل تركت لنا ولدا إلا قتلته يوم بدر ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ماتت في خلافة عمر رضي الله عنه يوم مات أبو قحافة رضي الله عنه روت عنها عائشة رضي الله عنها. أخرج البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت هند بنت عتبة فقالت: يا رسول الله ما كان على ظهر الأرض من أهل خبأ أحب إلي أن يذلوا من أهل خبائك ثم ما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خبأ أحب إلي أن يعزوا من أهل خبائك، قال: «وأيضا والذي نفسي بيده»، قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل مسيك فهل علي حرج أن أطعم من الذي له عياله؟ قال: «بالمعروف» وللحديث

فصل في ذكر مروان بن الحكم الأموي

طرق كثيرة، وفي قوله: «وأيضا والذي نفسي بيده»، تصديق لها وإخبار بزيادة حبها بعد ذلك. ومن فهم العكس فقد وهم. فصل في ذكر مروان بن الحكم الأموي أسلم أبوه يوم الفتح وكان يفشي سر النبي - صلى الله عليه وسلم - فنفاه إلى الطائف ومروان معه. وقال القسطلاني في شرح البخاري: مروان ولد في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لم يسمع منه وإنه خرج طفلا مع أبيه الحكم إلى الطائف وكان معه حتى استخلف عثمان فرده إلى المدينة. انتهى ملخصا. وأقول أمره مختلط عندي ومطاعنه في التواريخ أكثر من محاسنه، والعلم عند الله. فمن مطاعنه الفتنة التي بدت على ذي النورين رضي الله عنه ومنعه أن يدفن الحسن بن علي مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أتى به للتحنيك: "هو الوزغ بن الوزغ

الملعون بن الملعون" رواه الحاكم في صحيحه. (¬1) ويروى أنه قاتل طلحة يوم الجمل. ومن محاسنه رواية الحديث. قال صاحب المشكاة: روى عن نفر من الصحابة، منهم عثمان وعلي، وروى عنه عروة بن الزبير وعلي بن الحسين. قال العسقلاني في مقدمة فتح الباري: يقال له رؤية، وإن ثبتت فلا يعرج على من تكلم فيه لأجل الولاية، (¬2) فقد قال عروة بن الزبير: كان لا يتهم في الحديث. وقد روى عنه سهل بن سعد الساعدي الصحابي اعتمادا على صدقه، وإنما نقموا أنه قتل طلحة ثم شهر السيف في طلب الخلافة حتى جرى ما جرى، فأما قتل طلحة فكان بالتأويل. انتهى. وأخرج البخاري عن محمد بن بشار عن شعبة عن الحكم عن علي بن الحسين عن مروان قال: شهدت عثمان وعليا وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما، فلما رأى علي أهل بهما لبيك بعمرة وحجة، قال: ما كنت لأدع سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - لقول أحد. ¬

(¬1) الضعيفة 348 (¬2) في المطبوع: "لأجل الرواية"

وبالجملة فالسكوت عن مطاعنه أولى. وقال بعض شراح البخاري: حديث الحاكم قربة له وزكاة ورحمة. والله أعلم. وقال ابن القيم رحمه الله: أحاديث ذم مروان موضوعة. (¬1) قال المؤلف: ما قد ذكرنا فيه كفاية لأهل الإنصاف وإلى الله المشتكى أن يتمرد المبتدع من الاعتساف. وهذا وقت صلاة الجمعة الثالث من شهر الصيام، سنة اثنين وثلاثين ومائتين وألف من هجرة خير الأنام، عليه وعلى آله وصحبه أفضل التحية والسلام. وأسأل الله سبحانه خاتمة الخير وهو ولي الجود والإنعام. ¬

(¬1) المنار المنيف في الصحيح والضعيف

§1/1