المولد النبوي هل نحتفل

شحاتة صقر

مقدمة

مقدمة إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} (آل عمران:102). {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} (النساء:1). {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)}. (الأحزاب:70). أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم -، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِى النَّارِ.

اعلم أخي المسلم أنه لم تأت بدعة محدثة من البدع إلا وهُجِرَتْ أو أمِيتَتْ سُنَّةٌ من السُنن، وقد قال التابعي الجليل حسان بن عطية المحاربي - رحمه الله -: «ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سُنَّتهم مثلها، ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة» (رواه الدرامي، وقال الألباني: إسناده صحيح). وقد استفاض العلم بأنه لا يجوز إحداث عيد يحتفل به المسلمون غير عيدي الأضحى والفطر، لأن الأعياد من جملة الشرع والمنهاج والمناسك، قال تعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67)} (الحج:67). قال الشيخ ابن باز - رحمه الله -: «لا يجوز الاحتفال بمولد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا غيره؛ لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يفعله, ولا خلفاؤه الراشدون, ولا غيرهم من الصحابة ـ رضوان الله على الجميع ـ ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة, وهم أعلم الناس بالسنة, وأكمل حُبًّا لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ومتابعةً لشرعه ممن بعدهم، وقد قال - سبحانه وتعالى - في كتابه المبين: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}

(الحشر:7) وقال تعالى: قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة:3). وإحداث مثل هذه الموالد يُفهَم منه أن الله ـ سبحانه ـ لم يُكْمِل الدين لهذه الأمة , وأن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به , حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به , زاعمين أن ذلك مما يقربهم إلى الله , وهذا بلا شك فيه خطر عظيم, واعتراض على الله ـ سبحانه ـ وعلى رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - , والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين, وأتم عليهم النعمة. والرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - قد بلغ البلاغ المبين, ولم يترك طريقًا يوصل إلى الجنة, ويباعد من النار إلا بَيَّنَهُ للأمة , كما ثبت في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِىٌّ قَبْلِى إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ» (رواه مسلم في صحيحه). ومعلوم أن نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - هو أفضل الأنبياء وخاتمهم , وأكملهم بلاغًا ونُصحًا , فلو كان الاحتفال بالموالد من الدين

الذي يرضاه الله سبحانه لَبَيَّنَهُ الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - للأمة , أو فَعَله في حياته , أو فعله أصحابه - رضي الله عنهم - , فلما لم يقع شيء من ذلك عُلِمَ أنه ليس من الإسلام في شيء , بل هو من المحدثات التي حذر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - منها أمته. ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بكثرة من يفعله من الناس في سائر الأقطار , فإن الحق لا يعرف بكثرة الفاعلين , وإنما يعرف بالأدلة الشرعية. ثم إن غالب هذه الاحتفالات بالموالد ـ مع كونها بدعة ـ لا تخلو من اشتمالها على منكرات أخرى كاختلاط النساء بالرجال , واستعمال الأغاني والمعازف , وشرب المسكرات والمخدرات , وغير ذلك من الشرور , وقد يقع فيها ما هو أعظم من ذلك , وهو الشرك الأكبر , وذلك بالغلو في رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أو غيره من الأولياء ودعائه والاستغاثة به , وطلبه المدد , واعتقاد أنه يعلم الغيب , ونحو ذلك من الأمور الكفرية التي يتعاطاها الكثير من الناس, حين احتفالهم بمولد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وغيره ممن يسمونهم بالأولياء.

ومن العجائب والغرائب أن الكثير من الناس ينشط ويجتهد في حضور هذه الاحتفالات المبتدعة , ويدافع عنها , ويتخلف عما أوجب الله عليه من حضور الجُمَع والجماعات , ولا يرفع بذلك رأسًا , ولا يرى أنه أتى منكرًا عظيمًا , ولا شك أن ذلك من ضعف الإيمان وقلة البصيرة , وكثرة ما ران على القلوب من صنوف الذنوب والمعاصي , نسأل الله العافية لنا ولسائر المسلمين. ومن ذلك: أن بعضهم يظن أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يحضر المولد, ولهذا يقومون له محيّين ومرحبين , وهذا من أعظم الباطل , وأقبح الجهل , فإن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يخرج من قبره، قبل يوم القيامة , ولا يتصل بأحد من الناس , ولا يحضر اجتماعهم , بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة , وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة، كما قال الله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)} (المؤمنون: 15 - 16).وقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ

عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ» (¬1). عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام, فهذه الآية الكريمة , والحديث الشريف , وما جاء في معناهما من الآيات والأحاديث , كلها تدل على أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وغيره من الأموات , إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة , وهذا أمر مُجْمَعٌ عليه بين علماء المسلمين ليس فيه نزاع بينهم , فينبغي لكل مسلم التنبه لهذه الأمور, والحذر مما أحدثه الجهال وأشباههم من البدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان» (¬2). وأسأل الله - عز وجل - أن ينفعني والمسلمين بهذه الورقات وأن يرزقنا الإخلاص في السر والعلن، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه ـ سيدنا محمد ـ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. شحاتة محمد صقر [email protected] ¬

_ (¬1) رواه مسلم. (¬2) باختصار من مجموع فتاوى ابن باز (1/ 178 - 182).

كل بدعة ضلالة

كل بدعة ضلالة * قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} (النساء: 59). * وقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: « ... إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِى فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ» (¬1). «وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ»: كناية عن شدة التمسك بها، و «النواجذ»: الأضراس. الأصل في العبادات المنع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: «الأصل الذي بنى الإمام أحمد وغيره من الأئمة عليه مذاهبهم أن أعمال الخلق تنقسم إلى ¬

_ (¬1) رواه أبو داود، وصححه الألباني، وروى مسلم لفظة: «وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ».

عبادات يتخذونها دينًا ينتفعون بها في الآخرة أو في الدنيا والآخرة، وإلى عادات ينتفعون بها في معايشهم. فالأصل في العبادات أن لا يشرع منها إلا ما شرعه الله. والأصل في العادات أن لا يحظر منها إلا ما حظره الله» (¬1). وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} (الأحقاف: 11)، قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: «أي قالوا عن المؤمنين بالقرآن لو كان القرآن خيرًا ما سبقنا هؤلاء إليه، يعنون بلالًا وعمارًا وصهيبًا وخبابًا - رضي الله عنهم - وأشباهم من المستضعفين والعبيد والإماء ... وأما أهل السنة والجماعة فيقولون في كل فِعْلٍ وقوْل لم يثبت عن الصحابة - رضي الله عنهم - هو بدعة، لأنه لو كان خيرًا لسبقونا إليه؛ لأنهم لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها» (¬2). وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: «اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفِيتُم» (¬3). ¬

_ (¬1) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (2582) (¬2) تفسير القرآن العظيم (عند تفسير الآية 11 من سورة الأحقاف). (¬3) رواه الإمام الدارمي (175).

يستدل كثير من الناس بالنصوص العامة لتسويغ بدعهم

وقال حذيفة - رضي الله عنه -: «كل عبادة لم يتعبد بها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فلا تتعبدوا بها؛ فإن الأول لم يدع للآخر مقالًا» (¬1). يستدل كثير من الناس بالنصوص العامة لتسويغ بدعهم، والتدليل على واقعهم! وهذا خطأ كبير. ومن الأمثلة على ذلك: ما رواه نَافِعٌ أَنَّ رَجُلًا عطَسَ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلهِ وَالسَّلاَمُ عَلَى رَسُولِ اللهِ». قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «وَأَنَا أَقُولُ الْحَمْدُ لِلهِ وَالسَّلاَمُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -، عَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ» (¬2). فقد أنكر ابن عمر - رضي الله عنهما - على هذا الرجل مع أن عموم قولِ الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} (الأحزاب: 56) تدخل فيه تلك الصلاة، ولكن ما هكذا فهمها الصحابة فمَن بعدهم وما هكذا طبقها السلف الصالح - رضي الله عنهم -، وفهمُهم أوْلى، ¬

_ (¬1) الأمر بالاتباع للسيوطي (ص62). (¬2) رواه الإمام الترمذي (2894)، وحسنه الشيخ الألباني.

هل في الدين بدعة حسنة؟

ومرتبتهم أعلى. هل في الدين بدعة حسنة؟ من قسم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة فهو مخطىء ومخالف لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «كُلّ بِدْعَةٍ ضَلَالَة» (¬1)؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حكم على البدع كلها بأنها ضلالة، وهذا يقول ليس كل بدعة ضلالة، بل هناك بدعة حسنة (¬2). وقال الإمام مالك - رحمه الله -: «من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - خان الرسالة؛ لأن الله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (المائدة:3)، فما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا» (¬3). يلزم من القول بالبدع الحسنة لوازم سيئة جدًا: أحدها: أن تكون هذه البدع المستحبة ـ حسب زعمهم ـ من الدين الذي أكمله الله لعباده ورضيه لهم. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود، وصححه الألباني. (¬2) محاضرات في العقيدة والدعوة للشيخ الفوزان (1/ 102). (¬3) الاعتصام للإمام الشاطبي (1/ 54).

قواعد عامة لمعرفة البدعة:

وهذا معلوم البطلان بالضرورة؛ لأن الله تعالى لم يأمر عباده بتلك البدع، ولم يأمر بها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولم يفعلها ولا فعلها أحد من الخلفاء الراشدين ولا غيرهم من الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين وتابعيهم بإحسان، وعلى هذا فمن زعم أنه توجد بدع حسنة في الدين فقد قال على الله - عز وجل - وعلى كتابه وعلى رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - بغير علم. الثاني: أن يكون النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - قد تركوا العمل بسنن حسنة مباركة محمودة، وهذا مما يُنَزَّه عنه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأصحابه - رضي الله عنهم -. الثالث: أن يكون القائمون بالبدع الحسنة المزعومة قد حصل لهم العمل بسنة حسنة مباركة محمودة لم تحصل للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا لأصحابه - رضي الله عنهم -. قواعد عامة لمعرفة البدعة: 1 - كل عبادة ليس لها مستندٌ إلاَّ حديث مكذوب على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فهي بدعة مثل صلاة الرغائب. 2 - إذا ترك الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - فعل عبادة من العبادات مع كون موجبها وسببها المقتضي لها قائمًا ثابتًا، والمانع منتفيًا؛ فإنّ فِعْلَها

الاتباع لا يتحقق إلا إذا كان العمل موافقا للشرع في ستة أمور

بدعة، مثل التلفظ بالنية عند الدخول في الصلاة، والأذان لغير الصلوات الخمس، والصلاة عقب السعي بين الصفا والمروة. 3 - كل تقرب إلى الله بفعل شيء من العادات أو المعاملات من وجه لم يعتبره الشارع فهو بدعة، مثل اتخاذ لبس الصوف عبادة وطريقة إلى الله، والتقرب إلى الله بالصمت الدائم، أو بالامتناع عن الخبز واللحم وشرب الماء البارد، أو بالقيام في الشمس وترك الاستظلال. 4 - كل تقرب إلى الله بفعل ما نَهى عنه ـ سبحانه ـ فهو بدعة، مثل التقرب إلى الله تعالى بالغناء. 5 - قال الشيخ ابن عثيمين: الاتباع لا يتحقق إلا إذا كان العمل موافقًا للشرع في ستة أمور، هي: 1 - السبب: فإذا تعبد الإنسان لله ـ تعالى ـ بعبادة مقرونة بسبب ليس شرعيًا فهي بدعة مردودة على صاحبها، مثل إحياء ليلة السابع والعشرين من رجب بالتهجد يدّعون أنها ليلة الإسراء والمعراج، فالتهجد في أصله عبادة، لكن لما قرن بهذا السبب كان بدعة، لكونه بُنِيَ على سبب لم يثبت شرعًا. 2 - الجنس: فإذا تعبد الإنسان لله ـ تعالى ـ بعبادة لم يُشرع

جنسها فهي غير مقبولة، كالتضحية بفرس، لأن الأضاحي لا تكون إلا من جنس بهيمة الأنعام وهي الإبل ـ البقر ـ الغنم. 3 - القَدْر: فلو أراد إنسان أن يزيد صلاة على أنها فريضة أو ركعة في فريضة، فعمله ذلك بدعة مردودة، لأنها مخالفة للشرع في المقدار أو العدد. 4 - الكيفية: فلو نكس إنسان الصلاة لما صحت صلاته؛ لأن عمله مخالف للشرع في الكيفية. 5 - الزمان: فلو ضحى إنسان في رجب، أو صام رمضان في شوال، أو وقف بعرفات في التاسع من ذي القعدة لما صح ذلك منه، لمخالفته للشرع في الزمان. 6 - المكان: فلو اعتكف إنسان في منزله لا في المسجد أو وقف يوم التاسع من ذي الحجة بمزدلفة لما صح ذلك منه لمخالفته للشرع في المكان (¬1). ¬

_ (¬1) انظر الإبداع في بيان كمال الشرع وخطر الابتداع للشيخ ابن عثيمين (ص21 - 22).

متى ولد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟

متى وُلِدَ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ يقام الاحتفال بالمولد النبوي في الثاني عشر من ربيع الثاني باعتبار أنه يوم ولادة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ونحن إذا ما بحثنا عن حقيقة هذا التاريخ نجد أنه لا يوجد نَصٌّ نبوي يدل على هذا التاريخ، فلم يتكلم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - البتة عن تاريخ ميلاده بل الذي ورد أنه ولد في يوم اثنين، أما ما وراء ذلك من التحديدات فلا تصح. ثم إذا ما فتشنا كتب السيرة النبوية محاولين معرفة تاريخ مولده سنجد أن أهل التاريخ والسِّيَر يختلفون حوله إلى أقول: أولًا: اختلفوا في سنة ولادته - صلى الله عليه وآله وسلم -: الأكثرون على أن ولادته - صلى الله عليه وآله وسلم - كانت في عام الفيل، قيل بعد حادثة الفيل بخمسين يومًا، وقيل بخمس وخمسين يومًا، وقيل بشهر، وقيل بأربعين يومًا، وقيل بعد الفيل بعشر سنين، وقيل: قبل الفيل بخمس عشرة سنة، وقيل: غيره. ثانيًا: اختلفوا في الشهر الذي ولد فيه - صلى الله عليه وآله وسلم -: فقيل: في شهر صفر، وقيل: في ربيع الآخر، وقيل: في رجب، وقيل: في رمضان.

ثالثًا: اختلفوا في يوم ولادته - صلى الله عليه وآله وسلم -: فقيل: غير معين، وقيل: في ربيع الأول، من غير تعيين اليوم، وقيل: لِلَيْلتين مضتا من ربيع الأول، وقيل: لثماني ليال مضَيْنَ منه، وقيل لتسع خلَوْن منه، وقيل: لعشر مضين منه، وقيل لاثنتي عشرة مضت منه، وقيل: لسبع عشرة مضت منه، وقيل: لثماني عشرة مضين منه، وقيل: لثمان بقين منه. يظهر لنا مما سبق: 1 - أن هذا الخلاف بين علماء السيرة يدل على عدم وجود دليل صحيح صريح في هذه المسألة بحيث يتفقون على يوم محدد. 2 - لم يثبت نص في تحديد تاريخ مولده - صلى الله عليه وآله وسلم -. 3 - أن الصحابة - رضي الله عنهم - لم يسألوا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مما يدل أن معرفة تاريخ مولده - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يكن يعني لهم شيئًا كبيرًا. 4 - أن الاحتفال ليس من الشرع إذ لو كان كذلك لَذُكِر التاريخ فما مِن أمر فيه خير إلا ودلنا عليه.

علام يدل ذلك؟ إنه يدل على أنَّ المسلم ليس مطلوبًا منه الاهتمام بتاريخ المولد، ولا العناية بضبطه، إنَّما الواجب عليه أن ينظر كيف هو في حبه لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ومتابعته في شريعته، واقتدائه بسنته واهتدائه بهديه، وحرصه على التخلق بِخُلُقِهِ. فأين نحن مما فرض الله علينا تجاه نبينا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ هذا هو الذي ينبغي على كل مسلم أن ينظر كيف هو فيه مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. إن ليلة المولد لم يكن السلف الصالح ـ وهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - والتابعون لهم بإحسان ـ يجتمعون فيها للعبادة ولا يفعلون فيها زيادة على سائر ليالي السنة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يُعَظَّم إلا بالوجه الذي شرع به تعظيمه، وتعظيمه من أعظم القرب إلى الله لكن يتقرب إلى الله - عز وجل - بما شرع. وإن يوم الجمعة خير يوم طلعت عليه الشمس، وأفضل ما يُفعل في اليوم الفاضل صومه، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن إفراد يوم الجمعة بالصيام مع عظيم فضله، فدل هذا على أنه لا تحدث عبادة في زمان ولا في مكان إلا إن شرعت، وما لم يشرع لا يفعل، إذ لا

يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما أتى به أولها، ولو فتح هذا الباب لجاء قوم فقالوا: يوم هجرته إلى المدينة يوم أعز الله فيه الإسلام فيجتمع فيه ويتعبد، ويقول آخرون: الليلة التي أسري به فيها حصل له فيها من الشرف ما لا يقدر قدره فتحدث فيها عبادة فلا يقف ذلك عند حد. والخير كله في اتباع السلف الصالح الذين اختارهم الله له فما فعلوا فعلناه وما تركوا تركناه (¬1). اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) ¬

_ (¬1) المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى علماء أفريقية والأندلس والمغرب للعلامة أحمد بن يحيى الونشريسي (7/ 99 - 101).

حكم الاحتفال بالمولد النبوي

حكم الاحتفال بالمولد النبوي لا يجوز الاحتفال بمولد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين كما جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (¬1)، ويرجع ذلك ـ كما يقول الشيخ رشيد رضا ـ إلى ذلك الاجتماع المخصوص بتلك الهيئة المخصوصة في الوقت المخصوص وإلى اعتبار ذلك العمل من شعائر الإسلام التي لا تثبت إلا بنص شرعي بحيث يظن العوام والجاهلون بالسنة أن عمل المولد من أعمال القرب المطلوبة شرعًا، وعمل المولد بهذه القيود بدعة سيئة وجناية على دين الله تعالى وزيادة فيه تُعَد مِن شرْع ما لم يأذن به الله ومن الافتراء على الله والقول في دينه بغير علم (¬2). وبدعة المولد النبوي إنما حدثت بعد القرون الثلاثة المفضلة كما قال الحافظ ابن حجر، والحافظ السخاوي وغيرهما. ¬

_ (¬1) فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية (3/ 18). (¬2) القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل للشيخ إسماعيل الأنصاري (ص113) وعزاه لفتاوى رشيد رضا الجزء الخامس.

وأول من احتفل بالموالد هم بنو عبيد القداح المتسمون بالفاطميين، ومعلوم ما يُكِنّه العبيديون لأهل الإسلام من كراهية وحقد، وما يبطنونه من عقائد فاسدة يسترونها بإظهار محبة آل البيت والولاء لهم (¬1). والاحتفال بالمولد مخالف لأمر الله - سبحانه وتعالى - بطاعة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ومخالف لأمر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بالتمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده، وفيه وقوع في المحدثات التي حذر منها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وبيّنَ أنها طريق إلى النار. والاحتفال بالمولد فيه مشابهة للنصارى في احتفالهم بميلاد المسيح - عليه السلام -. ¬

_ (¬1) هم ملاحدة في الباطن، أخذوا من مذاهب الفلاسفة والمجوس ما خلطوا به أقوال الرافضة، فصار خيار ما يظهرونه من الإسلام دين الرافضة، وأما في الباطن فملاحدة شر من اليهود والنصارى، ولذا قال فيهم العلماء: «ظاهر مذهبهم الرفض، وباطنه الكفر المحض، وهم من أشد الناس تعظيمًا للمشاهد ودعوة الكواكب ونحو ذلك من دين المشركين، وأبعد الناس عن تعظيم المساجد التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وهم من أبرأ الناس من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - دينًا ونسبًا، وقد صنف العلماء فيهم وفي أصولهم كتبًا نظرية وخبرية (انظر تلخيص كتاب الاستغاثة المعروف بالرد على البكري لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص:307).

يمكن أن نقسم الموالد إلى قسمين:

يمكن أن نقسم الموالد إلى قسمين: 1 - مولد صاحبته الخرافات والمخالفات كالاختلاط بين الرجال والنساء وسماع الموسيقى، والغلو في النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. 2 - مولد يكون مقتصرًا على سماع درس أو محاضرة مثلا. فالنوع الأول لا شك في تحريمه لما يصاحبه من الضلالات والمخالفات. وأما النوع الثاني فإذا جعلناه من باب العبادات فهو بلا شك لا يجوز لأن إحداث عمل تعبدي زائد لا يجوز. وإذا جعلناه من باب العادات والتي نجد فيه فرصة لتعليم سيرة النبي ونحوها فلا يمكن أن يقال بالجواز للأسباب التالية: 1 - أن تاريخ مولده - صلى الله عليه وآله وسلم - ليس متفقا عليه. 2 - أنه قد يفتح بابًا لما لا يجوز شرعًا كأن تدخله بعض البدع. 3 - قد يعتقد الناس مندوبيته واستحبابه الشرعي في حين أن الأمر ليس كذلك. 4 - سيفتح هذا بابًا لأن يقال إن هناك أيامًا مهمة في حياة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كالبعثة والتي فيها بُشِّرَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالنبوة وأُمِرَ

بالإنذار فهي كذلك تستحق الاحتفال، والهجرة والانتصارات في حياته وأيام نجاته من المؤامرات وغيرها مما لن ينتهي. 5 - أن فيه مشابهة للنصارى، وقد علم من نصوص الشرع طلب مخالفتهم، إلا ما نَصّ الشارع على مشروعيته فنحن نتبع الشرع سواء وافق النصارى أو غيرهم أم لا، أما ما لم يرد به الشرع وفيه المشابهة فالمطلوب فيه المخالفة. وبناء على ما سبق فيحرم الاحتفال سواء كان بدون مخالفات أو معها، وكلما زادت البدع كلما قوي التحريم. وبناء عليه يحرم: 1 - إقامة المولد والتعاون على ذلك. 2 - الإنفاق عليه وفيه، لأنه ليس من أوجه البر التي يؤجر عليها المسلم. 3 - كل ما من شأنه إحياؤه واستمراره ودوامه كالوقف عليه وغيره.

الاحتفال بالمولد النبوي من البدع التي لم يفعلها السلف الصالح:

الاحتفال بالمولد النبوي من البدع التي لم يفعلها السلف الصالح: اتفق أهل العلم من لا يرى منهم عمل المولد ومن يراه على أن الاحتفال بالمولد النبوي لم يفعله السلف الصالح (¬1)، فلم يحتفلوا بمولد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، بل تركوه، وما تركوه لا يمكن أن يكون ترْكُهُم إياه إلا لكَوْنه لا خير فيه؛ فإن ما حدث بعد السلف - رضي الله عنهم - لا يخلو: - إما أن يكونوا عَلِمُوه وعَلِمُوا أنه موافق للشريعة ولم يعملوا به، ومعاذ الله أن يكون ذلك؛ إذ أنه يلزم منه تنقيصهم وتفضيل من بعدهم عليهم، ومعلوم أنهم ¬

_ (¬1) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص:295)، الفتاوى المصرية له أيضًا (1/ 312). رسالة (المورد في الكلام على عمل المولد) للعلامة الإمام الشيخ تاج الدين عمر بن علي اللخمي السكندري المشهور بالفاكهاني، وقد ساقها السيوطي في الحاوي للفتاوي (1/ 190 - 192)، حاشية الشيخ العدوي المالكي على مختصر الشيخ خليل المالكي (8/ 168)، مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، للشيخ عبد الرحمن بن حسن (4/ 440)، السنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات للشيخ محمد عبد السلام خضر الشقيري (ص:138، 139).

من أكمل الناس في كل شيء وأشدهم اتباعًا. - وإما أن يكونوا عَلِمُوه وتركوا العمل به، ولم يتركوه إلا لموجب أوجب تركه فكيف يمكن فعله؟! - وإما أن يكونوا لم يعْلَموه فيكون من ادعى علمه بعدهم أعلم منهم وأفضل وأعرف بوجوه البر وأحرص عليها ولو كان ذلك خيرًا لعلموه ولظهر لهم، ومعلوم أنهم أعقل الناس وأعلمهم (¬1). فما تركه السلف الصالح لا بد أن يكون النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد ترَكَه، وتَرْكُه سُنّة، كما أن فِعْلَه سنة، فمن استحب فعل ما تركه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان كمن استحب ترك ما فعله ولا فرق (¬2). ومما يدل على أن السلف الصالح لم يحتفلوا بيوم المولد النبوي اختلافهم في تحديد اليوم الذي ولد فيه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما سبق بيانه. ¬

_ (¬1) انظر: المدخل لابن الحاج (4/ 278). (¬2) انظر: إعلام الموقعين للإمام شمس الدين ابن القيم (2/ 390، 391).

يظهر فساد القول بجوازه ومشرعية من خلال الأوجه التالية

يظهر فساد القول بجوازه ومشرعية من خلال الأوجه التالية (¬1): الوجه الأول: أن هذا الفعل لم يفعله النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا أمَر به ولا فعله صحابته - رضي الله عنهم - ولا أحد من التابعين ولا تابعيهم، ولا فَعَله أحد من أهل الإسلام خلال القرون المفضلة الأولى، وإنما ظهر ـ كما تقدم ـ على ايدي أناس هم أقرب إلى الكفر منهم إلى الإيمان وهم الباطنيون. إذا تقرر هذا فالذي يفعل هذا الأمر داخل ضمن الوعيد الذي توعد الله - عز وجل - صاحبه وفاعله بقوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} (النساء: 115)، والذي يفعل ما يسمى بالمولد لا شك أنه مُتَّبِعٌ لغير سبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين وتابعيهم - رضي الله عنهم -. الوجه الثاني: أن الذي يمارس هذا الفعل واقع فيما حذر منه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ¬

_ (¬1) باختصار وتصرف من رسالة المولد النبوي لناصر بن يحيى الحنيني.

من إحداث البدع. الوجه الثالث: أن فاعل هذه البدعة غير مأجور على فعله بل مردود على صاحبه لقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ» وفي رواية «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (رواه البخاري ومسلم). «فَهُوَ رَدٌّ» أي: مردود على صاحبه. ولا يكفي حسن النية بل لابد من متابعة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. الوجه الرابع: قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة:3). والذي يقول إن المولد عبادة نتعبد لله تعالى بها ما موقفه من هذه الآية؟ إن قال إنه مصدق بها لزمه: - إما أن يقول إن المولد ليس بعبادة ويكون أقرب إلى العبث واللعب منه إلى ما يقرب الى الله - عز وجل -. - أو أنه مستدرك على الله - عز وجل - وعلى رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - بأنهم لم يدُلّونا على هذه العبادة التي تقرب إلى الله.

فإن قال: أنا لا أقول أنها عبادة ولا أستدرك على الله - عز وجل - ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - ومؤمن بهذه الآية لزمه الرجوع إلى القول الحق وأنها بدعة محدثة. الوجه الخامس: أن الممارس لهذا الأمر ـ أي بدعة المولد ـ كأنه يتهم للرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بالخيانة وعدم الأمانة ـ والعياذ بالله ـ؛ لأنه كتم على الأمة ولم يدلها على هذه العبادة العظيمة التي تقربها إلى الله. وقد قال الإمام مالك - رحمه الله -: «من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - خان الرسالة؛ لأن الله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (المائدة:3)، فما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا» (¬1). الوجه السادس: أن فاعل المولد معاند للشرع ومشاق له لأن الشارع قد عين لمطالب العبد طرقًا خاصة على وجوه وكيفيات خاصة وقصر الخلق عليها بالأوامر والنواهي وأخبر أن الخير فيها والشر في ¬

_ (¬1) الاعتصام للإمام الشاطبي (1/ 54).

مجاوزتها وتركها؛ لأن الله أعلم بما يصلح عباده وما أرسل الرسل ولا أنزل الكتب إلا ليعبدوه وفق ما يريد سبحانه. والذي يبتدع هذه البدعة رادٌّ لهذا كلِّه زاعمٌ أن هناك طرقًا أخرى للعبادة وأن ما حصره الشارع أو قصره على أمور معينة ليس بلازم له، فكأنه يقول بلسان حاله إن الشارع يعلم وهو أيضًا يعلم، بل ربما يفهم أن يعلم أمرًا لم يعلمه الشارع، سبحانك هذا بهتان عظيم وجرم خطير وإثم مبين وضلال كبير. الوجه السابع: أن في إقامة هذه البدعة تحريف لأصل من أصول الشريعة وهي محبة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - واتباعه ظاهرًا وباطنًا واختزالها في هذا المفهوم البِدْعِيّ الضيق الذي لايتفق مع مقاصد الشرع المطهر إلى دروشة ورقص وطرب وهَزّ للرؤوس؛ لأن الذين يمارسون هذه البدعة يقولون إن هذا من الدلائل الظاهرة على محبته ومن لم يفعلها فهو مبغض للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهذا لاشك تحريف لمعنى محبة الله - عز وجل - ومحبة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ لأن محبة الله والرسول تكون باتباع سنته ظاهرًا وباطنًا كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ

وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)} (آل عمران:31). الوجه الثامن: أن هذا المولد فيه مشابهة واضحة لدين النصارى الذين يحتفلون بعيد ميلاد المسيح وقد نهينا عن التشبه بهم كما قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَنْ َتَشَّبَه بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ». (رواه الإمام أحمد وغيره، وصححه الألباني). الوجه التاسع: أن فيه قدحا في من سبقنا من الصحابة ومن أتى بعدهم بأننا أكثر محبة للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - منهم، وأنهم لم يوفوه حقه من المحبة والاحترام لأن فاعلي المولد يقولون عن الذين لا يشاركونهم إنهم لا يحبون النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهذه التهمة منصرفة إلى أصحابه الأطهار الذين فدَوْه بأرواحهم وبآبآءهم وأمهاتهم - رضي الله عنهم -. الوجه العاشر: أن فاعل هذا المولد واقع فيما نهى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أمته صراحة فقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ». (رواه البخاري). فقد نهى عن تجاوز الحد في إطرائه ومدحه وذكر أن هذا مما

وقع فيه النصارى وكان سبب انحرافهم. وما يفعل الآن من الموالد من أبرز مظاهر الإطراء وإذا لم يكن في الموالد ـ التي تنفق فيها الأموال الطائلة وتنشد فيها المدائح النبوية التي تشتمل على أعظم أنواع الغلو فيه - صلى الله عليه وآله وسلم - من إعطائه خصائص الربوبية ـ إطراء ففي ماذا يكون الإطراء؟ الوجه الحادي عشر: بدعة المولد النبوي مجاوزة في الحد المشروع في ما أمِرْنَا به مِن محبة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ومجاوزة للحد المشروع في إقامة الأعياد ففي شرع المسلمين عيدان فقط، ومن أتى بثالث فهو متجاوز للحد المشروع، بل إنهم قد فضلوا الاحتفال المبتدع على عيدَي الفطر والأضحى كما نسمع طوال شهر ربيع الأول في إذاعة القرآن الكريم المصرية من تواشيح طه الفشني التي يقول فيها: ميلاد طه أكرم الأعياد ... وبشير كل الخير والإسعاد ومن ذلك تواشيح النقشبندي التي يقول فيها: وأتى ربيع فمرحبًا بهلاله ... قد أقبل الإسعاد في إقباله شهر به سَعِدَ الزمانُ فحقُّه ... أنْ يزدهي شرفًا على أقرانِه ما ازدانَت الأعيادُ إلا أنها ... جمعتْ لزينتِها بديعَ جمالِه

الوجه الثاني عشر: أن فعل المولد غلُوٌّ مذموم في شخص النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ومن أعظم الذرائع المؤدية للشرك الأكبر وهو الكفر المخرج من الملة لأن الغلو في الصالحين كان سبب وقوع الأمم السابقة في الشرك وعبادة غير الله - عز وجل -. وقد جاءت الشريعة بسد الذرائع الموصلة للشرك. وقد حذر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أمته من ذلك فقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِى الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِى الدِّينِ». (رواه ابن ماجه، ن وصححه الألباني)، وهذا عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال. ومعلوم أن سبب الشرك الذي وقع في بني آدم هو مجاوزة الحد والغلو في تعظيم الصالحين؛ فقد قال ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} (نوح: 23): «صَارَتِ الأَوْثَانُ الَّتِى كَانَتْ فِى قَوْمِ نُوحٍ فِى الْعَرَبِ بَعْدُ، أَمَّا وُدٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ، وَأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ، وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ ثُمَّ لِبَنِى غُطَيْفٍ بِالْجُرُفِ عِنْدَ سَبَا، وَأَمَّا

يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ، وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ، لآلِ ذِى الْكَلاَعِ. أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِى كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا، وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ». (رواه البخاري). وقارن بما حصل عند قوم نوح مع أنهم لم يصرفوا شيئًا من العبادة في أول الأمر حتى وقعوا في الشرك والسبب هذه التماثيل وهي مظهر من مظاهر الغلو وانظر ما حصل ويحصل في الموالد فهو ليس من ذرائع الشرك فحسب؛ بل يحصل الشرك بعينه من دعاءٍ لغير الله - عز وجل - وإعطائه - صلى الله عليه وآله وسلم - بعض خصائص الرب - سبحانه وتعالى - كالتصرف في الكون وعلم الغيب ففي هذه الموالد يترنمون بالمدائح النبوية وعلى رأسها بردة البوصيري الذي يقول: يا أكرمَ الخلقِ مَا لي مَن ألوذُ بِه سواكَ عندَ حُلولِ الحادثِ العممِ فإنّ مِن جودِكَ الدُنيا وضُرتُها ومِن علومِك عِلْمُ اللوحِ والقلمِ فماذا بقي لرب العباد - سبحانه وتعالى -؛ إن هذا ليس شركًا في

الألوهية بل هو شرك في الربوبية وهو أعظم من شرك كفار قريش ـ والعياذ بالله ـ؛ لأن كفار قريش كانوا يعتقدون أن المتصرف في الكون هو الله - عز وجل - لا أصنامُهم، وهؤلاء يزعمون أن المتصرف في الكون الذي بيده الدنيا والآخرة هو النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. وانظر إلى قوله: «يا أكرمَ الخلقِ مَا لي مَن ألوذُ بِه» فهو يعتبر رسول الله هو الملاذ وهو الذي يستغاث به ويدعوه عند الملمات، وهذا هو عين شرك كفار قريش الذين كانوا يعبدون الأوثان بل هم أحسن حالا منه فهم عند الشدائد يخلصون الدعاء والعبادة والبوصيري عند الشدائد والملمات يدعو غير الله. والموالد لا يمكن أن تقوم بغير أبيات البردة فهي الشعيرة والركيزة الأساسية في هذه الموالد البدعية، ولو لم يكن فيها إلا هذه المفسدة لكفى بها مبررًا لتحريمها والتحذير منها. وإن زعم شخص أنه سوف يخليه مما تقدم قلنا له المولد بحد ذاته هو مظهر من مظاهر الغلو المذموم فضلًا عما يحتويه من طوام عظيمة وبدعة في الدين محدثة لم يشرعها ولم يأذن بها الله. الوجه الثالث عشر: أن الفرح بهذا اليوم والنفقه فيه وإظهار الفرح والسرور فيه

قَدْحٌ في محبة العبد لنبيه الكريم - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ إذ هذا اليوم ـ بالإجماع ـ هو اليوم الذي توفي فيه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فكيف يفرح فيه؟ وأما يوم مولده فمختلف فيه، فكيف تكون عبادة عظيمة تقرب إلى الله واليوم الذي يحتفل فيه غير مجزوم به. وقد قال ابن الحاج في كلامه على عمل المولد: «العجب العجيب كيف يعملون المولد بالمغاني والفرح والسرور لأجل مولده - صلى الله عليه وآله وسلم -، في هذا الشهر الكريم وهو - صلى الله عليه وآله وسلم - فيه انتقل إلى كرامة ربه ـ عز وجل ـ وفجعت الأمة وأصيبت بمصاب عظيم لا يعدل ذلك غيرها من المصائب أبدًا، فعلى هذا كان يتعين البكاء والحزن الكثير وانفراد كل إنسان بنفسه لِمَا أصِيبَ به، لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لِيُعَزِّ الْمُسْلِمِينَ فِى مَصَائِبِهِمُ الْمُصِيبَةُ بِى» (¬1)، فلما ذكر - صلى الله عليه وآله وسلم - المصيبة به ذهبت كل المصائب التي تصيب المرء في جميع أحواله وبقيت لا خطر لها. ¬

_ (¬1) رواه الإمام مالك في الموطأ، وصححه الألباني، وقي رواية: «إِذَا أُصِيبَ أَحَدُكُمْ بِمُصِيبَةٍ، فَلْيَذْكُرْ مُصِيبَتَهُ بِي، فَإِنَّهَا أَعْظَمُ الْمَصَائِبِ عِنْدَهُ». (رواه الدارمي، وعبد الرزاق في المصنف، والطبراني في المعجم الكبير، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3/ 97) برقم 1106).

فانظر في هذا الشهر الكريم ـ والحالة هذه ـ كيف يلعبون فيه ويرقصون ولا يبكون ولا يحزنون، ولو فعلوا ذلك لكان أقرب إلى الحال، مع أنهم لو فعلوا ذلك والتزموه لكان أيضًا بدعة، وإن كان الحزن عليه - صلى الله عليه وآله وسلم - واجبًا على كل مسلم دائمًا لكن لا يكون على سبيل الاجتماع لذلك والتباكي وإظهار التحزن بل ذلك ـ أعني: الحزن ـ في القلوب، فإن دمعت العين فيا حبذا وإلا فلا حرج إذا كان القلب عامرًا بالحزن والتأسف، إذ هو المقصود بذلك كله، وإنما وقع الذكر لهذا الفصل؛ لكونهم فعلوا الطرب الذي للنفوس فيه راحة وهو اللعب والرقص والدف والشبابة وغير ذلك مما تقدم بخلاف البكاء والحزن إذ أنه ليس للنفس فيه راحة، بل الكمد وحبس النفوس عن شهواتها وملاذها. ولو قال قائل: أنا أعمل المولد للفرح والسرور لولادته - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم أعمل يومًا آخر للمآتم والحزن والبكاء عليه. فالجواب: أنه قد تقدم أن من عمل طعامًا بنية المولد ليس إلا، وجمع له الإخوان، فإن ذلك بدعة، هذا وهو فعل واحد ظاهره البر والتقرب ليس إلا، فكيف بهذا الذي جمع بدعًا جملة في

مرة واحدة، فكيف إذا كرر ذلك مرتين مرة للفرح ومرة للحزن، فتزيد به البدع ويكثر اللوم عليه من جهة الشرع؟!» (¬1). الوجه الرابع عشر: اشتمال هذه الموالد على كثير من كبائر وعظائم الأمور والتي يرتع فيها أصحاب الشهوات ويجدون فيها بغيتهم مثل: الطرب والغناء واختلاط الرجال بالنساء، ويصل الأمر في بعض البلدان التي يكثر فيها الجهل أن يشرب فيها الخمر، وكذلك إظهار ألوان من الشعوذة والسحر، ومن يحضر هذه الأماكن بغير نية القربة فهو آثم مأزور غير مأجور، فكيف إذا انضم إليه فعل هذه المنكرات على أنها قربة إلى الله - عز وجل -، فأي تحريف لشعائر الدين أعظم من هذا التحريف. الوجه الخامس عشر: اشتماله على أنواع عظيمة من البذخ والتبذير وإضاعة الأموال وإنفاقها على غير اهلها. الوجه السادس عشر: أن في هذه الموالد استنفاد الطاقات والجهود والأموال ¬

_ (¬1) المدخل لابن الحاج (2/ 16 - 17) باختصار.

نابليون بونابرت يحيي المولد ويدعمه:

وإشغال الأوقات وصرف للناس عن ما يُكادُ لهم من قِبَلِ أعدائهم فتصبح كل أيامهم رقص وطرب وموالد، فمتى يتفرغون لتعلم دينهم ومعرفة ما يخطط لهم من قبل أعدائهم. ولهذا لما جاء المستعمرون للبلاد الإسلامية حاولوا القضاء على كل معالم الإسلام وصرف الناس عن دينهم ومحاولة إشاعة الرذيلة بينهم، وما كان من تصرفات المسلمين فيه مصلحة لهم وفَتٌّ في عضد المسلمين وإضعاف لشأنهم فإنهم باركوه وشجعوه مثل الملاهي والمحرمات ونحوها، ومن ذلك البدع المحدثة التي تصرف الناس عن معالم الإسلام الحقيقية مثل بدعة المولد وغيرها من الموالد. نابليون بونابرت يُحْيِي المولد ويدعمه: ذكر المؤرخ المصري الجبرتي أن المستعمرين الفرنسيين عندما احتلوا مصر بقيادة نابليون بونابرت انكمش الصوفية وأصحاب الموالد فقام نابليون وأمرهم بإحيائها ودعمها، فقد ذكر الجبرتي أن نابليون أمر الشيخ البكري بإقامة الاحتفال بالمولد وأعطاه ثلاثمائة ريال فرنسي، وأمره بتعليق الزينات، بل وحضر الحفل

الأمريكيون يحتفلون بالموالد:

بنفسه من أوله إلى آخره (¬1). ما هدفهم من تأييد ودعم مثل هذه البدع وهذه الموالد؟ يقول المؤرخ الجبرتي المعاصر لهم: «ورخص الفرنساوية ذلك للناس لِمَا رأوا فيه من الخروج عن الشرائع واجتماع النساء واتباع الشهوات والتلاهي وفعل المحرمات» (¬2). ويعلق عبد الرحمن الرافعي قائلًا: «فنابليون قد استعمل سياسة الحفلات ليجذب إليه قلوب المصريين من جهة، وليعلن عن نفسه في العالم الإسلامي بأنه صديق الإسلام والمسلمين» (¬3). الأمريكيون يحتفلون بالموالد: حضر توماس رايلي السفير الأمريكي في المغرب يوم 14 أبريل 2006 عيد المولد النبوي الشريف الذي أحيته الطريقة القادرية. وشارك السفير الأمريكي في مصر فرانسيس ريتشارد دوني ¬

_ (¬1) انظر كتابيه عجائب الآثار (2/ 201، 249) ومظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس (ص47). (¬2) تاريخ عجائب الآثار (2/ 306). (¬3) تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم لعبد الرحمن الرافعي (ص 258 - 261).

من المفاسد المترتبة على الاحتفال بالمولد:

أهالي مدينة طنطا احتفالاتهم بمولد السيد البدوي، اتباعًا لعادة استَنَّها منذ وصوله إلي مصر، بل إنه حرص علي لقاء شيخ مشايخ الطرق الصوفية الشيخ حسن الشناوي في أحد سرادقات الطرق الصوفية، قبل أن يذهب برفقة محافظ الغربية مترجِّلًا وسط الجموع، إلي سرادق مشيخة عموم السادة الجازولية الحسينية، حيث حضر إحدي حلقات الذكر ليشارك الحضور أذكارهم علي نغمات الدف ومع التهليل وهو جالس علي الأرض. ولاحظ المراقبون إصرار السفير علي حضور معظم احتفالات المولد (¬1). من المفاسد المترتبة على الاحتفال بالمولد: القيام عند ذكر ولادته - صلى الله عليه وآله وسلم - وخروجه إلى الدنيا: حيث حثت القصص التي تقرأ بمناسبة الاحتفال باليوم الذي يقال: بأنه يوافق يوم المولد النبوي على القيام عند ذكر ولادة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وخروجه إلى الدنيا. وقد ذكر المؤيدون للاحتفال بالمولد في توجيه ذلك القيام ثلاثة أشياء: ¬

_ (¬1) توظيف أتباع ابن عربي في الحرب علي أتباع بن لادن، بقلم: منتصر حمادة، مجلة الراصد، العدد 62.

أحدها: أنه للترحيب بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي يعتقد أولئك القائمون أنه يحضر بجسده الشريف مجلس الاحتفال بذلك اليوم الذي يقال: بأنه يوافق يوم المولد النبوي، وقد يوضع له البخور والطيب في ذلك المجلس على أساس أنه يتطيب ويتبخر، كما يوضع له الماء على أساس أنه يشرب منه. الثاني: أن القيام الذي يقع عند ذكر وضعه - صلى الله عليه وآله وسلم - وخروجه إلى الدنيا كان لحضور روح النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في تلك اللحظة. الثالث: أن ذلك القيام لتشخيص ذات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. ومن الواضح أن تعظيم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما يكون بما شرع تعظيمه به وهذا القيام غير مشروع. ودعوى حضور النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الاحتفال بالمولد بجسده الشريف أساسها دعوى خاطئة لجماعة من المتصوفة زعموا فيها جواز رؤية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقظةً، واستنكرها المحققون من أهل العلم منهم القاضي أبو بكر بن العربي والقرطبي شارح صحيح مسلم والحافظ العسقلاني في فتح الباري وشيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية والحافظ الذهبي والحافظ الإمام عماد الدين بن كثير والحافظ السخاوي والسيد رشيد رضا.

والخلاصة: أن دعوى حضور النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الاحتفال باليوم الذي يقال: إنه يوافق يوم المولد النبوي بجسده غير صحيحة وأنها تستلزم خروج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من قبره ومشيه في الأسواق ومخاطبته للناس ومخاطبتهم له وخلو قبره عن جسده الشريف بحيث يزار مجرد القبر ويسلم على غائب، وأن يراه رائيان في آن واحد في مكانين مختلفين، وأن يكون ذلك الرائي صحابيًا وأن يجب العمل بما سمعه منه ذلك المدعي لرؤيته، وأن يحظى المدعي لرؤيته - صلى الله عليه وآله وسلم - في اليقظة بما لم تحظ به ابنته فاطمة التي اشتد حزنها عليه حتى ماتت كمدًا بعده بستة أشهر على الصحيح، ولم تنقل عنها دعوى رؤيته، كما لم يحظ به غيرها من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وكل ذلك جهالات يدرك فسادها بأوائل العقول. اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد)

أحاديث لا تصح مذكورة في كتب المولد النبوي

أحاديث لا تصح مذكورة في كتب المولد النبويّ قال أحد دعاة الصوفية ـ عبد الله بن محمد بن الصديق الغماري (¬1) المتوفَّى سنة 1413هـ، والذي يصفه الصوفية بمحدث الديار المغربية والبلاد الأفريقيّة ـ في رسالته المسمّاة (مرشد الحائر لبيان وضع حديث جابر): «ما يوجد في كتب المولد النبويّ من أحاديث لا خطام لها ولا زمام هي من الغلو الذي نهى الله ورسوله عنه، فتحرم قراءة تلك الكتب. والنبيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «من حدّث عني بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين» (رواه مسلم) يُرَى بضم الياء: معناه يُظَنّ. وفضل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ثابت في القرآن الكريم، والأحاديث الصحيحة، وهو في غِنًى عما يقال فيه من الكذب والغلو، وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا ¬

_ (¬1) في كتبه كثير من الضلال، وإنما نقلتُ كلامه حجةً على أتباعه الصوفية.

عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ». (رواه البخاري) اهـ كلامه. ومن هذه الأحاديث التي لا تصح: 1 - ما جاء عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال: قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أخبرني عن أول شيء خلقه الله تعالى قبل الأشياء، قال: يا جابر، إن الله تعالى قد خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره، فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله تعالى ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم، ولا جنة ولا نار، ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر، ولا جني ولا إنسي، فلما أراد الله أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء: فخلق من الأول القلم، ومن الثاني اللوح، ومن الثالث العرش، ثم قسم الرابع أربعة أجزاء: فخلق من الجزء الأول حملة العرش، ومن الثاني الكرسي، ومن الثالث باقي الملائكة، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء فخلق من الأول السموات، ومن الثاني الأرضين، ومن الثالث الجنة والنار. ثم قسم الرابع أربعة أجزاء: فخلق من الأول نور أبصار المؤمنين، ومن الثاني نور قلوبهم وهي المعرفة بالله، ومن الثالث نور أنسهم وهو: التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله».

قال الغماري: «الحديث منكر موضوع لا أصل له في شىء من كتب السُّنّة». 2 - قال الغماري: ومثله في النكارة ما رُوي عن علي بن الحسين، عن أبيه - رضي الله عنهما -، عن جدّه أن النبيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «كنت نورًا بين يدي ربي قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام». 3 - قال الغماري: ومن الكذب السخيف ما يقال إن إحدى أمهات المؤمنين أرادت أن تلف إزارًا على جسد النبيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فسقط الإزار أي لأنه نور، وهذا لا أصل له. وقد كان النبيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - يستعمل الإزار ولم يسقط عنه. وكونه - صلى الله عليه وآله وسلم - نورًا أمر معنوي، مثل تسمية القرآن نورًا ونحو ذلك، لأنه نوَّر العقول والقلوب. 4 - قال الغماري: «ومن الكذب المكشوف قولهم: «لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك». 5 - قال الغماري: «وكذلك ما روي عن علي - رضي الله عنه -، عن النبيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: هبط عليّ جبريل فقال: إن الله يقرؤك السلام ويقول: «إني حرمْتُ النار على صلب أنزلك، وبطن حملك، وحجر كَفَلَك» وهو حديث موضوع.

6 - قال الغماري: وروي في بعض كتب المولد النبوي عن أبي هريرة قال: سأل النبيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - جبريل - عليه السلام - فقال: يا جبريل كم عمّرتَ من السنين؟ فقال: يا رسول الله، لست أعلم غير أن في الحجاب الرابع نجمًا يطلع في كل سبعين ألف سنة مرة، رأيتُه اثنتين وسبعين ألف مرة، فقال النبيّ: وعزة ربي أنا ذلك الكوكب».وهذا كذب قبيح، قبّح الله من وضعه وافتراه. 7 - قال الغماري: وذكر بعض غلاة المتصوّفة أن جبريل - عليه السلام - كان يتلقّى الوحي من وراء حجاب وكُشف له الحجاب مرة فوجد النبيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - يوحِي إليه، فقال جبريل: «منك وإليك». قال الغماري: «لعن الله من افترى هذا الهراء المخالف للقرآن فإن الله تعالى يقول لنبيّه: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} (الشورى:52). 8 - ما رُوِيَ أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «كُنْت أَوَّلَ النَّبِيِّينَ فِي الْخَلْقِ وَآخِرَهُمْ فِي الْبَعْثِ». 9 - حديث: «لما أراد الله أن يخلق محمدًا أمر جبريل أن يأتيه بالطينة التي هي قلب الأرض وبهاؤها ونورها فهبط جبريل في ملائكة الفردوس وملائكة الرقيع الأعلى، فقبض قبضة رسول

الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من موضع قبره الشريف وهي بيضاء منيرة فعجنت بماء التسنيم في معين أنهار الجنة حتى صارت كالدرة البيضاء، لها شعاع عظيم ثم طافت بها الملائكة حول العرش والكرسي وفي السموات والأرض والجبال والبحار فعرفت الملائكة وجميع الخلق سيدنا محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - وفضله قبل أن تعرف آدم». 10 - حديث: «كنت نورًا بين يدي الله عز وجل قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق آدم جعل ذلك النور في صلبه فلم يزل ينقله من صلب إلى صلب حتى استقر في صلب عبد المطلب». 11 - حديث: «كنت نورًا بين يدي الله عزوجل قبل أن يخلق آدم بألفي عام، يسبح الله ذلك النور وتسبح الملائكة بتسبيحه، فلما خلق الله آدم أودع ذلك النور في طينته، فأهبطني الله عز وجل إلى الأرض في ظهر آدم وجعلني في السفينة في صلب نوح، وجعلني في صلب الخليل إبراهيم حين قذف به في النار، ولم يزل الله عز وجل ينقلني من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الزكية الفاخرة حتى أخرجني الله من بين أبوي وهما لم يلتقيا على سفاح قط».

12 - حديث أن آدم عليه السلام لما رام القرب من حواء طلبت المهر منه، فقال: يا رب، وماذا أعطيها؟ قال: يا آدم، صل على حبيبي محمد عشرين مرة ففعل. 13 - ما رُوِيَ عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: «كان زمن السجود لآدم يوم الجمعة من وقت الزوال إلى العصر ثم خلق الله تعالى له حواء زوجته من ضلع من أضلاعه اليسرى وهو نائم، وسميت حواء، لأنها خلقت من حي، فلما استيقظ ورآها سكن إليها ومد يده لها، فقالت الملائكة: مه يا آدم! قال: ولم وقد خلقها لي؟! فقال: حتى تؤدي مهرها، قال: وما مهرها؟ قالوا: تصلي على محمد ثلاث مرات. 14 - حديث: «لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب، أسألك بحق محمد إلا غفرت لي، فقال الله تعالى: يا آدم وكيف عرفت محمدًا ولم أخلقه؟ قال: يا رب؛ لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت فيَّ من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال الله تعالى: صدقت يا آدم؛ لأنه لأحب الخلق إلي، وإذ سألتني بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك».

15 - ما رُوِيَ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: «أوحى الله إلى عيسى ـ عليه السلام ـ: يا عيسى، آمِنْ بمحمد وأْمُرْ مَن أدركه مِن أمتك أن يؤمنوا به، فلولا محمد ما خلقت آدم ولولا محمد ما خلقت الجنة والنار، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه: لا إله إلا الله محمد رسول الله فسكن». 16 - حديث «أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار، وما افترق الناس فرقتين إلا جعلني الله في خيرها، فأخرجت من بين أبوين فلم يصبني شيء من عهر الجاهلية، وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبي وأمي، فأنا خيركم نَفْسًا وخيركم أبًا». 17 - حديث: «أنا ابن الذبيحين». يعني بهما: جده إسماعيل - عليه السلام - وأباه عبد الله. 18 - حديث وَضَعَتْ الحوامل الذكور في السنة التي ولد فيها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كرامة له». 19 - حديث: أن كل دابة لقريش نطقت ليلة الحمل

بمحمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وقالت: حُمِلَ برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وتباشرت وحوش المشارق والمغارب ودوابها البحرية»، وفي بعض ألفاظه ما ينص على أن آسية ومريم ونساء من الحور العين حضرن ولادة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. 20 - حديث: «من كرامتي على ربي أني ولدت مختونًا، ولم ير أحد سوأتي». 21 - حديث أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولد مختونًا مسرورًا -أي: مقطوع السرة- ففرح به جده، وقال: ليكونن لابني هذا شأن». 22 - حديث مناغاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - القمر في المهد. رُوِيَ عن العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - أنه قال: قلت: {يا رسول الله، دعاني إلى الدخول في دينك أمارة لنبوتك، رأيتك في المهد تناغي القمر وتشير إليه بأصبعك، فحيث أشرت إليه مال، قال: إني كنت أحدثه ويحدثني، ويلهيني عن البكاء، وأسمع وجبته حين يسجد تحت العرش». 23 - ما رُوِيَ عن بريدة - رضي الله عنه - قال: «رأت آمنة وهي حامل برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقيل لها: إنك حبلى بخير البرية وسيد العالمين فإذا ولدتيه فسميه أحمد أو محمدًا، وعلقي عليه هذه، فانتبهت

وعند رأسها صحيفة من ذهب مكتوب عليها: أعيذه بالواحد من شر كل حاسد وكل خَلْق رائد من قائم وقاعد عن السبيل حائد على الفساد جاهد من نافث أو عاقد وكل خلق مارد يأخذ بالمراصد في طرق الموارد أنهاهم عنه بالله الأعلى، وأحوطه منهم باليد العليا، والكنف الذي لا يرى، يد الله فوق أيديهم، وحجاب الله دون عاديهم، لا يطردونه ولا يضرونه في مقعد ولا منام، ولا سير ولا مقام، أول الليل وآخر الأيام». 24 - ما رُوِيَ عن سلمان - رضي الله عنه - قال: «هبط جبريل على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: إن ربك يقول: إن كنتُ اتخذت إبراهيم خليلًا فقد اتخذتك حبيبًا، وما خلقت خلقًا أكرم علي منك، ولقد خلقت الدنيا وأهلها لأعرفهم كرامتك ومنزلتك عندي، ولولاك ما خلقت الدنيا». 25 - ما رُوِيَ في خبر وفاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: أن جبريل عليه السلام قال له: «يا رسول الله، هذا آخر موطئي من الأرض كنت حاجتي من الدنيا». اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد)

كشف شبهات من قال بمشروعية الاحتفال بالمولد النبوي

كشف شبهات من قال بمشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشبهة الأولى: قال بعض العلماء أن الاحتفال بالمولد بدعة حسنة، وجرى به العمل في كل البلاد. الجواب: 1 - من المعلوم أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قضى وقرر بأن كل بدعة ضلالة، ولم يرِدْ نَصّ من كتاب أو سنة يمكن أن يُستَنَد إليه في تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة. 2 - المبتدع يتخذ من زلات العلماء حجة لبدعته على الشرع، قال الإمام الشاطبي - رحمه الله -: « ... الإنسان لا ينبغي له أن يعتمد على عمل أحد البتة، حتى يتثبت ويسأل عن حكمه؛ إذ لعل المعتمَد على عمله يعمل على خلاف السُنّة، ولذلك قيل: لا تنظر إلى عمل العالم، ولكن سَلْه يصْدُقْك، وقالوا: ضعف الروية أن

يكون رأي فلانًا يعمل فيعمل مثله، ولعله فعله ساهيًا» (¬1). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: « ... عادة بعض البلاد أو أكثرها، وقول كثير من العلماء، أو العبّاد، أو أكثرهم، ونحو ذلك ليس مما يصلح أن يكون معارضًا لكلام الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى يعارض به» (¬2). 3 - قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كلامه على المواسم المبتدعة من موالد وغيرها: «إذا فعلها قوم ذوو فضل فقد تركها قوم في زمان هؤلاء معتقدين لكراهتها، وأنكرها قوم كذلك، وهؤلاء التاركون والمنكرون إن لم يكونوا أفضل ممن فعلوها فليسوا دونهم في الفضل، ولو فرضوا دونهم في الفضل، فتكون حينئذٍ قد تنازع فيها أولو الأمر، فترد إذن إلى الله والرسول. وكتاب الله وسنة رسوله مع من كرهها لا مع من رخَّصَ فيها، ثم عامة المتقدمين الذين هم أفضل من المتأخرين مع هؤلاء التاركين المنكرين» (¬3). ¬

_ (¬1) الاعتصام (2/ 508). (¬2) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (ص245). (¬3) اقتضاء الصراط المستقيم (ص291).

الشبهة الثانية: قالوا: إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يلاحظ ارتباط الزمان بالحوادث الدينية العظمى التي مضت وانقضت فإذا جاء الزمان الذي وقعت فيه كان فرصة لتذكرها وتعظيم يومها لاجلها ولأنه ظرف لها، واستدلوا بتخريج الحافظ ابن حجر العسقلانى الاحتفال بالمولد على صيام الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يوم عاشوراء حيث إن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ «مَا هَذَا؟». قَالُوا: «هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللهُ بَنِى إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى. قَالَ: «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ». فَصَامَهُ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. (رواه البخاري ومسلم). فقال الحافظ ابن حجر: «أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة، وإلا فلا، وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت، وهو ... » وذكر حديث صيام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يوم عاشوراء ... ثم قال: «فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما منَّ به في يوم

معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة. والشكر لله يحصل بأنواع العبادة، كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأيُّ نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم، وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينة حتى يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء، ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر، بل توسع قوم فنقلوه إلى يوم من السنة وفيه ما فيه، فهذا ما يتعلق بأصل عمله. وأما ما يعمل فيه فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير وعمل الآخرة، وأما ما يتبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي أن يقال: ما كان من ذلك مباحًا بحيث يقتضي السرور بذلك اليوم لا بأس بإلحاقه به، وما كان حرامًا أو مكروهًا فيمنع، وكذا ما كان خلاف الأولى» (¬1). الجواب: 1 - تخريج الحافظ ابن حجر عمل المولد على صيام عاشوراء لا يمكن الجمع بينه وبين جزمه بأن ذلك بدعة لم تُنقل عن أحد من السلف من القرون الثلاثة؛ فإن عدم عمل السلف الصالح بالنص على الوجه الذي يفهمه مَنْ بعدهم، يمنع اعتبار ذلك الفهم صحيحًا، إذ لو كان صحيحًا لم يعزب عن فهم السلف الصالح ويفهمه من بعدهم، كما يمنع اعتبار ذلك النص دليلًا عليه إذ لو كان دليلًا لعمل به السلف الصالح. فاستنباط الحافظ ابن حجر الاحتفال بالمولد النبوي ـ ما دام الأمر كذلك ـ من حديث صوم يوم عاشوراء أو من أي نص آخر، مخالف لما أجمع عليه السلف الصالح من ناحية فهمه ومن ناحية العمل به، وما خالف إجماعهم فهو خطأ، لأنهم لا يجتمعون إلا على هدى. وقد بسط الإمام الشاطبي الكلام على تقرير هذه القاعدة في كتابه (الموافقات) وأتى في كلامه بما لا شك في أن الحافظ ابن حجر العسقلانى لو تنبه له لما خرّج عمل المولد على حديث صوم ¬

_ (¬1) جواب الحافظ ابن حجر العسقلاني عن سؤال وجه إليه عن عمل المولد ذكره السيوطي في أحسن المقصد في عمل المولد، وهو من محتويات الحاوي للفتاوي (1/ 196)، وذكرها الزرقاني في شرحه للمواهب اللدنية (1/ 140).

يوم عاشوراء ما دام السلف لم يفهموا تخريجه عليه منه ولم يعملوا به على ذلك الوجه الذي فهمه منه (¬1). 2 - حديث صوم يوم عاشوراء لنجاة موسى - عليه السلام - فيه وإغراق فرعون فيه ليس فيه سوى أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - صامه وأمر بصيامه (¬2). 3 - الشرط الذي شرطه الحافظ ابن حجر للاحتفال بالمولد النبوى ـ وهو تحري ذلك اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى - عليه السلام - ـ لا سبيل إليه (¬3)، حيث إن يوم عاشوراء يوم محدد معروف أما يوم ميلاد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - فغير محدد حيث اختلف العلماء في تعيينه على أقوال كثيرة. 4 - من أجاز الاحتفال بالمولد النبوي يقرّ أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يزِدْ فيه على غيره من الشهور شيئًا من العبادات، فهل نحن أعلم وأحرص على الدين من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه؟ وخير الهدي ¬

_ (¬1) القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل للعلامة إسماعيل الأنصاري (ص78 - 79). (¬2) القول الفصل (ص80). (¬3) نفس المصدر والصفحة.

هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -. والرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - قد صام يوم عاشوراء وحث على صيامه فكان صيامه سنة، وسكت عن يوم ولادته الذي هو الثاني عشر من ربيع الأول كما يقول به أكثر المحتفلين، فلم يشرع فيه شيئًا فوجب أن نسكت كذلك، ولا نحاول أن نشرع فيه صيامًا ولا قيامًا ولا احتفالًا. 5 - أما بالنسبة لقولهم إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يلاحظ ارتباط الزمان بالحوادث الدينية العظمى التي مضت وانقضت فإذا جاء الزمان الذي وقعت فيه كان فرصة لتذكرها وتعظيم يومها لاجلها ولأنه ظرف لها. فالجواب: إن من أعظم الأمور التي وقعت في زمن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، مجيء الملك إليه بالنبوة وهو في غار حراء وتعليمه أول سورة العلق، ومن أعظم الأمور أيضًا الإسراء به - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى بيت المقدس والعروج به إلى السموات السبع وما فوقها وتكليم الرب - سبحانه وتعالى - له وفرْضه الصلوات الخمس، ومن أعظم الأمور أيضًا هجرته - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى المدينة، ومن أعظم الأمور أيضًا وقعة بدر

وفتح مكة، ولم يرد عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه كان يعمل الاجتماع لتذكر شيء من هذه الأمور العظيمة وتعظيم أيامها. ولو كانت قاعدتهم التي توهموها وابتكروها صحيحة لكان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يهتم بأوقات هذه الأمور العظيمة ويعقد الاجتماعات لتذكرها وتعظيم أيامها. وفي تركه - صلى الله عليه وآله وسلم - ذلك أبلغ رد على مزاعمهم وتقوُّلهم على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. الشبهة الثالثة: قول السيوطى إن الاحتفال بالمولد من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدْر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف. الجواب: 1 - ما الدليل على أن الاحتفال بالمولد من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها؟ وما هو مقدار هذا الثواب؟ وهل نحن أحرص من الصحابة والتابعين على هذا الثواب؟ وهل نحن أكثر تعظيمًا لقدر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - منهم؟ فهم لم يحتفلوا، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه. 2 - تعظيم قدْر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يكون باتباع هديه وليس

باختراع عبادات لم يشرعها فإن ذلك فيه اتهام له بأنه قصَّر في تبليغ الرسالة أو أن الرسالة لم تكتمل، وإذا كان الصحابة لم يفعلوا المولد فهل معنى ذلك أنهم كانوا لا يعظمون قدر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ 3 - الشهر الذي يحتفلون فيه بمولد نبينا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - هو بعينه الشهر الذي توفي فيه، فليس الفرح فيه بأولى من الحزن فيه، نبَّهَ على ذلك غير واحد من أهل العلم، منهم ابن الحاج والفاكهاني. الشبهة الرابعة: عندما سُئل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن صوم يوم الاثنين قال: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ» (رواه مسلم)، فتشريف هذا اليوم متضمن تشريف هذا الشهر الذي ولد فيه، ألا ترى أن صوم هذا اليوم فيه فضل عظيم؛ لأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - ولد فيه؟ وإقامة المولد شكر لله تعالى على نعمة ولادة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -. وصيام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بمعنى الاحتفال به، إلا أن الصورة مختلفة، ولكن المعنى موجود. الجواب: 1 - صوم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يوم الاثنين ليس دليلًا على بدعة الاحتفال بالمولد فقد سُئِل عن صوم يوم الاثنين؟ فقال: «ذَاكَ

يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، ويوم بُعِثْتُ، أو أُنزِلَ عليَّ فيه» (رواه مسلم)، فالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يصم يوم ولادته وهو اليوم الثاني عشر من ربيع الأول إن صح أنه ذلك، فقد كان - صلى الله عليه وآله وسلم - يصوم ذلك اليوم (يوم الاثنين) من كل أسبوع وعلى طول الشهر، وعلى مدى العام كله، ولم يكن ذلك مرة واحدة في العام، فأين هذا مما يفعله المسلمون اليوم؟ ولو كان احتفالًا كما يزعم الزاعمون لاختلفت الكيفية، كأن يجتمع الصحابة مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ويتسابقون في إلقاء الخطب والأناشيد كما هو حال الكثير من المسلمين اليوم، لكن شيئًا من ذلك لم يحدث. 2 - هل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما صام يوم الاثنين شكرًا على نعمة الإيجاد والإمداد ـ وهو تكريمه ببعثته إلى الناس كافة بشيرًا ونذيرًا ـ أضاف إلى الصيام احتفالًا كاحتفال أرباب الموالد من تجمعات ومدائح؟ والجواب: لا، وإنما اكتفى بالصيام فقط، إذًا ألا يكفي الأمة ما كفى نبيها، ويسعها ما وسعه؟ وهل يقدر عاقل أن يقول: لا؟

وإذًا فلم الافتيات على الشارع والتقدم بالزيادة عليه، والله تعالى يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر:7)، ويقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)} (الحجرات:1)، وحال من قال بجواز إقامة المولد زيادة على صيام يوم الاثنين الثابت في السنة يشبه حال من صلى سنة المغرب مثلًا ثلاث أو أربع ركعات بحجة أنه أتى بالركعتين التي ثبتت بالسنة ثم أضاف إليها ركعتين زيادة في الخير!!. 3 - من أراد اتباع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فلْيَصُم يوم الاثنين كما صامه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فإذا كان المراد من إقامة المولد هو شكر الله تعالى على نعمة ولادة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - فيه فإن المعقول والمنقول يحتم أن يكون الشكر من نوع ما شكر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ربه وهو الصوم؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يختار إلا ما هو أفضل، وعليه فلنصم كما صام. 4 - النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يكن يخص اليوم الثاني عشر من ربيع الأول ـ إن صح أن ذلك هو يوم مولده - صلى الله عليه وآله وسلم - ـ بالصيام ولا بشيء من الأعمال دون سائر الأيام، ولو كان يعظم يوم مولده، كما يزعمون لكان يتخذ ذلك اليوم عيدًا في كل سنة، أو كان يخصه

بالصيام أو بشيء من الأعمال دون سائر الأيام. وفي عدم تخصيصه بشيء من الأعمال دون سائر الأيام دليل على أنه لم يكن يفضله على غيره وقد قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} ... (الأحزاب:21). 5 - أما قولهم عن صيام الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يوم الاثنين إن هذا في معنى الاحتفال به، إلا أن الصورة مختلفة، ولكن المعنى موجود، فالجواب عنه يفهم من الجواب عن السؤال التالي: هل يجوز لنا أن نقول: أن مشروعية الصلاة في الأوقات الخمسة تعني مشروعية الصلاة في الجملة، وأنه يجوز لنا أن نحدث وقتا أو وقتين زيادة على الصلوات الخمس المكتوبة؟ وأنه يجوز لنا أن نقول: أن مشروعية صيام رمضان، تعني مشروعية الصيام في الجملة! وأنه يجوز لنا أن نحدث صيام شهر آخر غير رمضان على سبيل الوجوب؟ هل يجوز لنا أن نقول: إن مشروعية الحج في زمان مخصوص، تعني مشروعيته في الجملة، وأنه يجوز لنا أن نقول: بتوسعة وقت الحج طوال العام كالعمرة تخفيفا على الأمة وتوسعة عليها؟

إننا حينما نقول بذلك لا نقول بأن الصورة مختلفة، بل الصلاة هي الصلاة، والصوم هو الصوم، والحج هو الحج، إلا أن الجديد في ذلك الزيادة على المشروع فقط. يلزم المجوزون للاحتفال بالمولد أن يقول: بجواز ذلك كما قالوا: بأن صيام رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يوم مولده، يدل على جواز إقامة الاحتفال بذكرى المولد. 6 - النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - علل صيامه يوم الاثنين بسببين: أ- أنه ولد يوم الاثنين. ب- يوم الاثنين بعث فيه إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. فلماذا يحتفلون بواحدة ويتركون الأخرى؟ الشبهة الخامسة: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عقّ عن نفسه بعد النبوة، مع أنه ورد أن جده عبد المطلب عقّ عنه في سابع ولادته، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية، فيحمل ذلك على أن هذا فعله - صلى الله عليه وآله وسلم - إظهارًا للشكر على إيجاد الله تعالى إياه رحمة للعالمين، فيستحب لنا أيضًا إظهار الشكر بمولده - صلى الله عليه وآله وسلم - بالاجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات. الجواب: 1 - ما رُوى أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عق عن نفسه غير صحيح ولم

يثبت، فقد ضعفه الأئمة مالك، وأحمد بن حنبل، والبزار، والبيهقي، والنووي، والحافظ المزي والحافظ الذهبي، والحافظ ابن حجر (¬1). 2 - لو ثبت هذا عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما كان هذا الحكم يخصه بل لاستُحِبَّ لكل مسلم أن يعق عن نفسه شكرًا لله على نعمة الخلق والإيجاد، حتى ولو لم يكن المخلوق نبيًا. 3 - على فرض صحة الحديث ـ رغم وضوح ضعفه ـ فإنه لا يزيد أن يكون مثل حديث صيام يوم الاثنين وقد سبق الرد عليه. 4 - هل ثبت أن العقيقة كانت مشروعة لأهل الجاهلية وهم يعملون بها حتى نقول إن عبد المطلب قد عق عن ابن ولده؟ وهل أعمال أهل الجاهلية يعتد بها في الإسلام؟ حتى نقول إذا عق النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن نفسه شكرًا لا قيامًا بسنة العقيقة، إذا قد عق عنه؟ سبحان الله ما أعجب هذا الاستدلال وما أغربه، وهل إذا ثبت أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ذبح شاة شكرًا لله تعالى على نعمة إيجاده وإمداده يلزم من ذلك اتخاذ يوم ولادته - صلى الله عليه وآله وسلم - عيدًا للناس؟ ¬

_ (¬1) راجع نص كلامهم في القول الفصل (ص80 - 84).

ولما لم يدعُ إلى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ويبين للناس ماذا يجب عليهم فيه من أقوال وأعمال كما بين ذلك في عيدي الفطر والأضحى؟ أنسي ذلك أم كتمه، وهو المأمور بالبلاغ؟ سبحانك اللهم إن رسولك - صلى الله عليه وآله وسلم - ما نسي ولا كتم ولكن الإنسان كان أكثر شيء جدلًا. الشبهة السادسة: وجود الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - سبب النجاة لمن اتبعه، وتقليل حظ جهنم لمن أُعدّ لها، لفرحه بولادته - صلى الله عليه وآله وسلم -، فمن المناسب إظهار السرور. قَالَ عُرْوَةُ بن الزبير: «وَثُوَيْبَةُ مَوْلاَةٌ لأَبِى لَهَبٍ كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا فَأَرْضَعَتِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ (¬1)، قَالَ لَهُ: «مَاذَا لَقِيتَ؟»، قَالَ أَبُو لَهَبٍ: «لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ غَيْرَ أَنِّى سُقِيتُ فِى هَذِهِ بِعَتَاقَتِى ثُوَيْبَةَ» (رواه البخاري). الجواب: 1 - اتباع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سبب النجاة وليس ابتداع أعياد ما أنزل الله بها من سلطان. ¬

_ (¬1) قال الحافظ ابن حجر: «بِشَرِّ حِيبَةٍ::أَيْ سوء حَال» (فتح الباري (9/ 145).

2 - هذا الخبر لا يصح؛ لأنه مرسل، رواه البخاري، قال الحافظ ابن حجر: «الْخَبَرَ مُرْسَلٌ أَرْسَلَهُ عُرْوَةُ وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ حَدَّثَهُ بِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا فَالَّذِي فِي الْخَبَرِ رُؤْيَا مَنَامٍ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَلَعَلَّ الَّذِي رَآهَا لَمْ يَكُنْ إِذْ ذَاكَ أَسْلَمَ بَعْدُ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ» (¬1). (والمقصود الجزء الذي ذكرناه، أما المنسوب إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - والذي لم نذكره فلا). 3 - ذلك الخبر لا حجة فيه لو كان موصولًا لأنه رؤيا منام وقد يكون من رآها من الكفار، قال الحافظ ابن حجر: «الَّذِي فِي الْخَبَرِ رُؤْيَا مَنَامٍ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَلَعَلَّ الَّذِي رَآهَا لَمْ يَكُنْ إِذْ ذَاكَ أَسْلَمَ بَعْدُ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ» (¬2). 4 - ما في مرسل عروة هذا من أن إعتاق أبي لهب ثويبة كان قبل إرضاعها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يخالف ما عند أهل السير من أن إعتاق أبى لهب إياها كان بعد ذلك الإرضاع بدهر طويل، ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) (¬3). ¬

_ (¬1) فتح الباري (9/ 145). (¬2) نفس المصدر (9/ 146). (¬3) نفس المصدر (9/ 148).

5 - الفرح الذي فرحه أبو لهب ـ إن صح ـ فإنما هو فرح طبيعي لا تعبدي بمولود لأخيه؛ إذ كل إنسان يفرح بالمولود يولد له، أو لأحد إخوانه أو أقاربه، والفرح إن لم يكن لله لا يثاب عليه فاعله، وهذا يضعف استدلالهم بالرواية إن صحت. 6 - لم يجيء في هذه الرواية مع ضعفها أنه يخفف عن أبي لهب العذاب كل إثنين ولا أن أبا لهب أعتق ثويبة من أجل بشارتها إياه بولادة المصطفى - صلى الله عليه وآله وسلم -، فكل هذا لا يصح. 7 - لم يثبت من طريق صحيح أن أبا لهب فرح بولادة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولا أن ثويبة بشرته بولادته، فكل هذا لم يثبت، ومن ادعى ثبوت شيء من ذلك فعليه إقامة الدليل على ما ادعاه، ولن يجد إلى الدليل الصحيح سبيلًا. الشبهة السابعة: قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)} (يونس 58). فالله - سبحانه وتعالى - طلب منا أن نفرح بالرحمة، والنبيُّّ - صلى الله عليه وآله وسلم - رحمة، وقد قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} (الأنبياء 107).

الجواب: 1 - إن المقصود بالفضل والرحمة المفروح بهما ما عنته الآية السابقة لهذه الآية، وهو قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (يونس:57). وقد قال ابن القيم - رحمه الله - في تفسير قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)} (يونس 58): «وقد دارت أقوال السلف على أن فضل الله ورحمته ـ أي في هذه الآية ـ الإسلام والسنة» (¬1). وكتب التفسير المشهورة كتفسير ابن جرير ومختصره لابن كثير وتفاسير القرطبي والبغوي والبيضاوي والنسفي وابن الجوزي ليس فيها أي إشارة إلى العلاقة بين معنى هذه الآية والاحتفال بمولد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ويكفي في توضيح معنى الآية ذِكْرُ كلام الإمام الطبري شيخ المفسرين إذ لو نُقِل كلام الجميع لطال المقام. ¬

_ (¬1) اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية (ص38).

قال ابن جرير: «يقول تعالى ذكره لنبيه محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -: قل يا محمد لهؤلاء المكذبين بك، وبما أنزل إليك من عند ربك: بفضل الله أيها الناس الذي تفضل به عليكم وهو الإسلام، فبيَّنَه لكم ودعاكم إليه، وبرحمته التي رحمكم بها فأنزلها إليكم، فعلَّمكم ما لم تكونوا تعلمون من كتابه، فبصَّركم بها معالم دينكم؛ وذلك القرآن. {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} يقول: فإن الإسلام الذي دعاهم إليه والقرآن الذي أنزله عليهم، خير مما يجمعون من حطام الدنيا وأموالها وكنوزها، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل». اهـ. يظهر من هذا أن الآية تتحدث عن شيء آخر ولا يدخل فيها نصًّا أو دلالة ما ذكروه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هو المراد بالرحمة هنا، كما أن في هذا إغفال تام لسياق الآية. 2 - إن الرحمة للناس لم تكن بولادة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وإنما كانت ببعثه وإرساله إليهم، وعلى هذا تدل النصوص من الكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء 107).فنص على أن الرحمة للعالمين إنما كانت

في إرساله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولم يتعرض لذكر ولادته. وأما السنة ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً». 3 - إن الاستدلال بالآية على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي من قبيل حمل كلام الله - سبحانه وتعالى - على ما لم يحمله عليه السلف الصالح والدعاء إلى العمل به على غير الوجه الذي مضوا عليه في العمل به، وهو أمر لا يليق؛ لأن الوجه الذي لم يثبت عن السلف الصالح العمل بالنص عليه لا يُقبَل ممن بعدهم دعوى دلالة النص الشرعي عليه، إذ لو كان دليلًا عليه لم يعزب عن فهم الصحابة والتابعين، ثم يفهمه من بعدهم. فعمل الأولين كيف كان مصادم لمقتضى هذا المفهوم ومعارض له، ولو كان ترك العمل، قال: فما عمل به المتأخرون من هذا القسم مخالف لإجماع الأولين، وكل من خالف الإجماع فهو مخطىء، وأمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - لا تجتمع على ضلالة. فما كانوا عليه من فعل أو ترك فهو السنة والأمر المعتبر وهو الهدى، وليس ثم إلا صواب أو خطأ فكل من خالف السلف

الأولين فهو على خطأ وهذا كاف (¬1). 4 - إن سلَّمْنا بأن المراد بالرحمة هو النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فما دخل المولد بالفرح به، إن المولد يعني الاحتفال في يوم معين من السنة أو بصورة مستمرة بأسلوب مخصوص، والآية تأمر بالفرحة دون توقيت، كما أنها فرحة كذلك بما أنزل على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من تشريع والذي هو كذلك رحمة للناس ولا علاقة للمولد بهذا كله. 5 - هل الصحابة - رضي الله عنهم - احتفلوا بمولد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ بالطبع لا. هل الصحابة - رضي الله عنهم - فرحوا برحمة الله، أي بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على قول المجوّزين للاحتفال؟ لو طبقنا كلامهم فسنقول: بالطبع الصحابة - رضي الله عنهم - لم يفرحوا بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. هذا هو لازم كلامهم، وحاشا الصحابة - رضي الله عنهم - من أن يكونوا كذلك، فإنهم بذلوا أموالهم وأنفسهم حبًّا لله ولرسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -. ¬

_ (¬1) الموافقات في أصول الشريعة للشاطبي (3/ 71).

الشبهة الثامنة: قال تعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} (هود:120)، والمولد النبوي الشريف يشتمل على أنباء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وفي ذكره تثبيت لأفئدة المؤمنين. الجواب: 1 - لا علاقة لهذه الآية بالمولد كما هو ظاهر. 2 - تثبيت الفؤاد إنما يكون بما ثبت في القرآن والسنة وليس بالخزعبلات من القصص التي تهز الإيمان بدلًا من تثبيته. 3 - من المعلوم أن السيرة النبوية وذكر قصص الأنبياء كما هو وارد في القرآن وصحيح السنة مما هو مطلوب طوال العام وبدون طقوس ومظاهر خاصة. الشبهة التاسعة: قوله تعالى حكاية عن عيسى بن مريم سدد خطاكم: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114)} (المائدة 114). وقوله تعالى على لسان سيدنا عيسى - عليه السلام -: {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ

يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)} (مريم:33). قالوا: هذه الآية والتي قبلها وغيرهما من الآيات، حافلة بالإشارات إلى ميلاد المسيح - عليه السلام -، ومدحه ومزاياه التي مَنَّ الله بها عليه، وهي بمجموعها شاهدة وداعية إلى الاحتفال بهذا الحدث العظيم. وما كان ميلاد محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - بأقل شأنًا من ميلاد عيسى - عليه السلام -، بل ميلاد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أعظم منه، لأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أكبر نعمة، فيكون ميلاده أيضًا أكبر وأعظم. الجواب: 1 - إننا أمة الإسلام ليس لنا سوى عيدين لا غير، وما يدعو إليه هؤلاء فيه مشابهة للنصارى ومن المعلوم أن من مقاصد الشرع مخالفتهم في شعائرهم. 2 - الآية الأولى لا تذكر الاحتفال ولا تدل عليه لا دلالة ولا اقتضاءً، وإنما تتحدث عن المائدة التي أنزلها الله من السماء لبني إسرائيل من أتباع عيسى - عليه السلام -. والمائدة هي: الخوان عليه طعام. ومعنى الآية كما جاء في تفسير السعدي: أي: يكون وقت

نزولها عيدًا وموسمًا، يتذكر به هذه الآية العظيمة، فتحفظ ولا تنسى على مرور الأوقات وتكرر السنين، كما جعل الله تعالى أعياد المسلمين ومناسكهم مذكرا لآياته، ومنبها على سنن المرسلين وطرقهم القويمة، وفضله وإحسانه عليهم. 3 - نسأل دعاة الاحتفال عن موعد يوم المائدة في شرع عيسى - عليه السلام -؟ فلن يجيبوا، وإن أجابوا نسألهم: متى احتفل به النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ فلن يجيبوا، وإن أجابوا فسيقولون إنه لم يحتفل. وعندئذٍ نقول لهم: خير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، ونقول لهم: «أأنتم أعلم أم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟». 4 - نطالب المحتفلين بإثبات أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - احتفل بميلاد عيسى - عليه السلام - طبقًا لفهمهم للآية، وأنَّى لهم ذلك؟!! وإن كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يحتفل بميلاد عيسى - عليه السلام - فهل هم أعلم من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بمعنى الآية؟ 5 - الآيات ـ على قولهم ـ حافلة أيضًا بالإشارات إلى موت المسيح - عليه السلام -، {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)} (مريم:33). فهل يستدل بها دعاة الاحتفال على جواز الاحتفال بموت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟

الشبهة العاشرة: قال تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (الفتح:9). الجواب: ليس من توقيره - صلى الله عليه وآله وسلم - أن نبتدع في دينه غير ما شرعه وجاء به، بل التوقير الحق هو اتباع ما أمر به واجتناب ما نهى عنه وقد نهانا عن الابتداع، فوجب اتباعه إيمانًا وتوقيرًا. الشبهة الحادية عشرة: قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} (الأحزاب: 56). قالوا: والاحتفال بالمولد تطبيع النفس على كثرة الصلاة عليه - صلى الله عليه وآله وسلم - رجاء أن ينطبع حبه وحب آله في القلوب. الجواب: يُستحب الإكثار من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في كل وقت لما رواه مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا»، وقد حث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على الإكثار من الصلاة عليه في أوقات معينه كيوم الجمعة وبعد الأذان وعند ذكره - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى غير تلك الأوقات ومع ذلك لم

يأمر أو يحث على الصلاة عليه في ليلة مولده. فيجب أن نعمل بما أمر به رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ونَرُدّ ما لم يأمر به لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ» وفي رواية «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (رواه البخاري ومسلم). «فَهُوَ رَدٌّ» أي: مردود على صاحبه. الشبهة الثانية عشرة: قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)} (آل عمران:164). قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)} (الإسراء: 1). الجواب: الآيتان السابقتان لا تدلان على مشروعية المولد، كما أن المراجع لكتب التفسير يجد لهما سياقات ودلالات أخرى لا تتفق وما أرادوا التدليل عليه، ومن الغريب وضعهم لهاتين الآيتين في

غير موضعهما للتدليل على ما لا تدلا عليه. وتذكرنا هذه الاستدلالات بمناظرة جرت لابن حزم مع بعضهم فاستدل مناظره بآية لا تدل على المراد، فما كان من ابن حزم إلا أن قال: «إذا كان هذا دليلك فدليلي {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (الناس: 1). الشبهة الثالثة عشرة: يقولون إن الله - سبحانه وتعالى - كَرَّم بعض الأماكن المرتبطة بالأنبياء مثل مقام إبراهيم - عليه السلام - حيث قال تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (البقرة:125)، وهذا فيه حَثٌ على الاهتمام بكل ما يتعلق بالأنبياء ومنها الاهتمام بيوم مولد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. الجواب: 1 - العبادات مبناها على التوقيف والإتباع لا على الرأي والابتداع. فما عظمه الله ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - من زمان أو مكان فإنه يستحق التعظيم وما لا فلا. والله تبارك وتعالى قد أمر عباده أن يتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ولم يأمرهم أن يتخذوا يوم مولد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عيدًا ويبتدعوا فيه بدعًا لم يؤمروا بها.

وقد صح عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّهُ طَافَ مَعَ مُعَاوِيَةَ - رضي الله عنه - بِالْبَيْتِ فَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: «لِمَ تَسْتَلِمُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَسْتَلِمُهُمَا». فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: «لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْبَيْتِ مَهْجُورًا». فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: «صَدَقْتَ» (رواه الإمام أحمد، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح). فرجع معاوية - رضي الله عنه - عن رأيه لما استبان له أن رأي ابن عباس موافق لسنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. الشبهة الرابعة عشرة: قول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في فضل يوم الجمعة: «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ» (رواه أبو داود، وصححه الألباني). قالوا: يؤخذ من قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في فضل يوم الجمعة، وعدّ مزاياه: «فِيهِ خُلِقَ آدَمُ» تشريف الزمان الذي ثبت أنه ميلاد لأي نبي كان من الأنبياء - عليهم السلام - فكيف باليوم الذي ولد فيه أفضل

النبيين وأشرف المرسلين - صلى الله عليه وآله وسلم -. الجواب: 1 - جاءت النصوص الشرعية الصريحة الثابتة بفضل يوم الجمعة، واعتباره أحد أعياد المسلمين، واختصاصه بخصائص ليست لغيره، فنحن نقف مع النصوص الشرعية حيث وقفت، ونسير معها حيث اتجهت فالله - سبحانه وتعالى - يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر:7)، ويقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)} (الحجرات:1). ولا نبيح لأنفسنا أن نشرع تفضيل يوم بعينه، لم يرد النص بتفضيله، إذ لو كان خيرًا لشرع لنا تفضيله، كما شرع لنا تفضيل يوم الجمعة، قال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (مريم:64). ولو جاءت نصوص شرعية تنص على فضل يوم ذكرى ميلاد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، لكنا بتوفيق الله وهدايته أسرع الناس إلى اعتبار ذلك والأخذ به، امتثالا لقوله تعالى:: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر:7). 2 - النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يكن يخص يوم الجمعة بشيء من نوافل

الأعمال وقد نهى عن تخصيصه بالصيام وعن تخصيص ليلة الجمعة بالقيام ففي صحيح مسلم» عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «لاَ تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِى وَلاَ تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الأَيَّامِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِى صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ». وإذا كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يخص يوم الجمعة بشيء من نوافل الأعمال من أجل أن آدم - عليه السلام - قد خُلِقَ فيه فأي متعلق لدعاة الاحتفال في ذكر ذلك الاستدلال به على جواز الاحتفال بالمولد. 3 - لماذا نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن صيام يوم الجمعة تطوعًا وحده؟ ولماذا لم يقل إثر إخباره أو فيما بعد: فأقيموا لأبيكم وأبي عيد وجود، أو حلقة ذكر بمناسبة الذكرى نتدارس فيها نعم الله على خلقه، ونذكر فيها العامة، وتكون سنة لمن بعدنا؟ وهل يمكن أن تكون محبة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لأبيه آدم - عليه السلام - قاصرة أو معدومة؟ أم أن هؤلاء يعلمون ما لم يعلمه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. الشبهة الخامسة عشرة: الاستدلال بأن جبريل - عليه السلام - أمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ليلة الإسراء والمعراج أن يصلي ركعتين ببيت لحم مولد عيسى - عليه السلام - ثم قال: «أتدري أين صليتَ؟ صليتَ ببيت لحم حيث ولد عيسى ـ

عليه السلام». الجواب: ورد في قصة الإسراء أن جبريل - عليه السلام - أمر محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - بذلك، لكنه لا يصح فهو منكر كما قال الحافظ ابن كثير في تفسيره لسورة الإسراء والألباني في تعليقه على سنن النسائي. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وقد ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما أتى بيت المقدس ليلة الإسراء صلى فيه ركعتين ولم يُصَلّ بمكان غيره ولا زاره، وحديث المعراج فيه ما هو في الصحيح، وفيه ما هو في السنن أو في المسانيد، وفيه ما هو ضعيف، وفيه ما هو من الموضوعات المختلقات مثل ما يرويه بعضهم فيه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال له جبرائيل: «هذا قبر أبيك إبراهيم انزل فصل فيه، وهذا بيت لحم مولد أخيك عيسى انزل فصل فيه» (¬1). 2 - بيت لحم كنيسة من كنائس النصارى ليس في إتيانها فضيلة عند المسلمين سواء كان مولد عيسى - عليه السلام - أو لم يكن. ¬

_ (¬1) اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 438).

الشبهة السادسة عشرة: أن شعراء الصحابة كانوا يقولون قصائد المدح في الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - مثل كعب بن زهير وحسان بن ثابت؛ فكان يرضى عملهم؛ ويكافئهم على ذلك. الجواب: لم يُذْكَر عن أحد من شعراء الصحابة - رضي الله عنهم - أنه كان يتقرب إلى الله بإنشاد القصائد في ليلة مولده، وإنما كان إنشادهم في الغالب عند وقوع الفتوح والظفر بالأعداء، وعلى هذا فليس إنشاد كعب بن زهير وحسان بن ثابت وغيرهما من شعراء الصحابة - رضي الله عنهم - بين يدي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ما يتعلقون به في تأييد بدعة المولد. الشبهة السابعة عشرة: أن الموالد اجتماع ذكر وصدقة ومدح وتعظيم للجناب النبوي وهذه أمور مطلوبة شرعًا وممدوحة وجاءت الآثار الصحيحة بها وبالحث عليها. الجواب: 1 - الإنكار على إقامة المولد ـ وإن كان يحتوي على بعض الأمور المشروعة ـ يرجع إلى ذلك الاجتماع المخصوص بتلك

الهيئة المخصوصة في الوقت المخصوص، وإلى اعتبار ذلك العمل من شعائر الإسلام التي لا تثبت إلا بنص الشارع بحيث يظن العوام والجاهلون بالسنن أن عمل المولد من أعمال القرب المطلوبة شرعًا. وعمل المولد بهذه القيود بدعة سيئة وجناية على دين الله وزيادة فيه تعد من شرع ما لم يأذن به الله ومن الافتراء على الله والقول في دينه بغير علم. 2 - نفس نية المولد في ذلك العمل بدعة؛ فالأعمال الصالحة لا تقبل إلا بشرطين كما قال أهل العلم: الإخلاص ومتابعة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -. الشبهة الثامنة عشرة: الاحتفال بالمولد النبوي أمر استحسنه العلماء وجرى به العمل في كل صقع فهو مطلوب شرعًا للقاعدة المأخوذة من أثر ابن مسعود - رضي الله عنه -: «ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحًا فهو عند الله قبيح». الجواب: 1 - المقصود بقول ابن مسعود - رضي الله عنه -:الصحابة؛ لأنه قال هذا القول استدلالًا على إجماع الصحابة على اختيار أبى بكر

الصديق - رضي الله عنه - للخلافة كما في رواية الحاكم وغيره. ومن توسع في الاستدلال بهذا الأثر قصد به الإجماع، فقد بوب له جماعةٌ من أهل الحديث في «باب الإجماع»، واستدل به كثير من العلماء على الإجماع. 2 - لم يحتفل الصحابة - رضي الله عنهم - بالمولد النبوي، فهذا الأثر دليل على عدم جواز الاحتفال به؛ لأن الصحابة - رضي الله عنهم - أجمعوا على عدم الاحتفال به، وهذا يدل على أنهم لم يروه حسنًا، بل رأوه سيئًا، وقد قال عبد الله بن مسعود: «ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحًا فهو عند الله قبيح». فهذا يدل على أن الاحتفال بالمولد عند الله قبيح وليس حسنًا، ولو علم الصحابة - رضي الله عنهم - فيه خيرًا لسبقونا إليه. 3 - مَن أول من استحسن المولد من العلماء، هل هم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ قطعًا: لا. هل هم التابعون؟ قطعًا: لا. هل هم تابعو التابعين؟

قطعًا: لا. هل هم قادة الفاطميين والرافضة بمختلف طوائفهم ونحلهم؟ اللهم: نعم. هل هم أهل الطرق الصوفية؟ اللهم: نعم. فهل نقبل أمرًا أتى به الفاطميون وغيرهم، ممن يشهد التاريخ الإسلامي بتدنيسهم محيا الإسلام، ونترك ما عليه أصحاب القرون الثلاثة المفضلة، من صحابة وتابعين وعلماء أجلاء، لهم فضلهم في العلم والتقى، والصلاح والاستقامة وسلامة المعتقد، ودقة النظر وصدق الاتباع والاقتداء بمن أمرنا الله تعالى أن نجعله أسوة لنا وقدوة لمسالكنا وهو رسولنا وحبيبنا ونبينا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -. الشبهة التاسعة عشرة: إذا كان أهل الصليب اتخذوا ليلة مولد نبيهم عيدًا أكبر فأهل الإسلام أولى بالتكريم وأجدر. الجواب: 1 - لا شك أن الاحتفال بالمولد النبوي واتخاذه عيدًا مبني

على التشبه بالنصارى في اتخاذهم مولد المسيح عيدًا. وهذا مصداق ما ثبت عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: «لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ». قُلْنَا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟»، قَالَ: «فَمَنْ؟». (رواه البخاري ومسلم). وإذا عُلم أن عيد المولد مبني على التشبه بالنصارى فليُعلم أيضًا أن التشبه بالنصارى وغيرهم من المشركين حرام شديد التحريم لقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَنْ تَشَبّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني). الشبهة العشرون: قياس الاحتفال بالمولد النبوي على ما يقام للرؤساء من الاحتفالات إحياءً للذكرى. الجواب: 1 - الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان بطريق القياس على الاحتفالات بالرؤساء صار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ملحقًا بغيره وهذا ما لا يرضاه عاقل. 2 - النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد قال الله في حقه: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)} (الشرح:4)، فذِكْرُه - صلى الله عليه وآله وسلم - مرفوع في الأذان والإقامة والخطب

والصلوات وفي التشهد والصلاة عليه وفي قراءة الحديث واتباع ماجاء به، فهو أجَلُّ مِن أن تكون ذكراه سنوية فقط. الشبهة الحادية والعشرون: إن الاحتفال بالمولد إحياء لذكرى المصطفى - صلى الله عليه وآله وسلم - وذلك مشروع عندنا في الإسلام، فأنت ترى أن أكثر أعمال الحج إنما هي إحياء لذكريات مشهودة ومواقف محمودة. الجواب: 1 - ما زعموه من أن الاجتماع في المولد لإحياء ذكرى المصطفى - صلى الله عليه وآله وسلم - أمر مشروع في الإسلام هو من التقوّل على الله وعلى رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ فإن الله تعالى لم يشرع الاجتماع لإحياء ذكرى المصطفى - صلى الله عليه وآله وسلم - لا في يوم المولد ولا في غيره من الأيام، ولم يشرع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لا بقوله ولا بفعله. 2 - إذا كان الأمر كما يزعمون فلماذا لم يفعل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا صحابته الكرام - رضي الله عنهم - شيئًا من ذلك، أم أنهم أوسع منهم علمًا وفهمًا لدين الله - سبحانه وتعالى -. الشبهة الثانية والعشرون: عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِى كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا لَوْ

عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا». قَالَ: «أَىُّ آيَةٍ». قَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}. قَالَ عُمَرُ: «قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِى نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ» (رواه البخاري). الجواب: 1 - في هذا اتباع لليهودي الذي ذكر طبعهم مِن كونهم يحتفلون بالوقائع والحوادث والذي يريد منا المستدلون بهذا الدليل أن نتبعهم فيه. 2 - لم ينتبه هؤلاء المحتفلون إلى أن عمر - رضي الله عنه - رغم معرفته بزمان ومكان نزول الآية لم يكترث لقول اليهودي ولم يدفعه هذا لأن يحتفل بذلك اليوم ولا غيره، فهل نتبع هدي الخلفاء الراشدين أم مقولات اليهود، أم أن اليهودي كان أفقه من عمر وصحابة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -.

الشبهة الثالثة والعشرون: قال الحافظ ابن كثير أن أول من أحدث ذلك من الملوك صاحب إربل، وكان شهمًا شجاعًا عاقلًا عادلًا. الجواب: 1 - لم أجد في (البداية والنهاية) أنه أول من أحدث ذلك، بل ذكر ابن كثير أنه كان يعمل المولد فقال: «أَمَّا صَاحِبُ إِرْبِلَ فَهُوَ: الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ، أَبُو سَعِيدٍ كُوكُبُرِي بْنُ زَيْنِ الدِّينِ عَلِيِّ بْنِ بُكْتِكِينَ أَحَدُ الْأَجْوَادِ وَالسَّادَاتِ الْكُبَرَاءِ وَالْمُلُوكِ الْأَمْجَادِ، لَهُ آثَارٌ حَسَنَةٌ، ... وَكَانَ يَعْمَلُ الْمَوْلِدَ الشَّرِيفَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَيَحْتَفِلُ بِهِ احْتِفَالًا هَائِلًا. وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ شَهْمًا شُجَاعًا بَطَلًا عَاقِلًا عَالِمًا عَادِلًا، رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى» (¬1). 2 - على فرض أنه أول من أحدث ذلك فالبدعة في الدين لا تقبل من أي أحد كان، وعدالته لا توجب عصمته (¬2)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «عادة بعض البلاد أو أكثرها، وقول كثير ¬

_ (¬1) البداية والنهاية (17/ 204 - 205). (¬2) القول الفصل (ص87 - 88) عن رسالة للشيخ محمد بن إبراهيم في حكم الاحتفال بالمولد النبوى (ص77).

من العلماء أو العباد، أو أكثرهم ونحو ذلك ليس يصلح أن يكون معارضًا لكلام رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى يعارض به» (¬1). وأبو بكر ومَن بعده من الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - لم يحتفلوا وسنتهم أولى بالاتباع من صاحب إربل. 3 - الإمام ابن كثير في كتابه البداية والنهاية، إنما ينقل التاريخ، ولا يعني نقله لحدث تاريخي، أنه يقرّ ما فيه، وأما ثناؤه على صفات الملك الحميدة، فلا يتناقض مع كون المولد بدعة، فالشخص قد يجمع بين الصواب والخطأ، والسنة والبدعة. وهذا الملك (كوكبري) كانت لديه بدع أخرى أيضًا، كما قال ابن كثير أنه كان يَعْمَلُ لِلصُّوفِيَّةِ سَمَاعًا مِنَ الظُّهْرِ إِلَى الْفَجْرِ، وَيَرْقُصُ بِنَفْسِهِ مَعَهُمْ (¬2). 4 - حتى لو فُرِضَ أن الإمام ابن كثير أثنى على الملك الذي احتفل بالمولد، فثناؤه كان على حسن قصد الملك، لا على بدعة المولد. ¬

_ (¬1) اقتضاء الصراط المستقيم (ص245). (¬2) البداية والنهاية (17/ 205).

الشبهة الرابعة والعشرون: الاحتفال بالمولد النبوي تذكير بأهمية صاحب الذكرى الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وأمر الجميع باتباعه، ومن أجل ذلك، ولأن العهد بين زمنهم وزمنه بعيد فإنهم يتخذون من هذا الاحتفال تذكيرًا به وبما جاء به من الحق والخير، الذي سعدت به البشرية حيث أخرجها من ظلمات الشرك والجهل إلى نور التوحيد والعدل، ودفعًا للصبية الصغار وغيرهم من العامة إلى استشعار محبة صاحب هذه الرسالة والالتفاف حول دعوته، ولتذكير الجميع بها على أساس قوله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (الذاريات: 55). الجواب: قال الشيخ عطية سالم في تفسير سورة الإنسان من (تتمة أضواء البيان): «من المسلمين من يقول: نعلم أن المولد ليس سنة نبوية ولا طريقًا سلفيًا ولا عمل القرون المشهود لها بالخير، وإنما نريد مقابلة الفكرة بالفكرة والذكريات بالذكرى، لنجمع شباب المسلمين على سيرة سيد المرسلين. وهنا يمكن أن يقال: إن كان المراد إحياء الذكرى لرسول

الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فإن الله تعالى قد تولى ذلك بأوسع نطاق حيث قرن ذكره - صلى الله عليه وآله وسلم - مع ذكره تعالى في الشهادتين، مع كل أذان على كل منارة من كل مسجد، وفي كل إقامة لأداء صلاة، وفي كل تشهد في فرض أو نفل مما يزيد على الثلاثين مرة جهرًا وسرًا، جهرًا يملأ الأفق، وسرًا يملأ القلب والحس. ثم تأتي الذكرى العملية في كل صغيرة وكبيرة في المأكل باليمين؛ لأنه السُنّة، وفي الملبس في التيامن لأنه السُنّة، وفي المضجع على الشق الأيمن لأنه السُنّة، وفي إفشاء السلام وفي كل حركات العبد وسكناته إذا راعى فيها أنها السُنّة عن النَّبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. وإن كان المراد التعبير عن المحبة، والمحبة هي عنوان الإيمان الحقيقي، كما قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» (¬1) فإن حقيقة المحبة طاعة من تحب، وفعل ما يحبه وترك ما لا يرضاه أو لا يحبه. وإن كان المراد مقابلة فكرة بفكرة. فالواقع أنه لا مناسبة بين السببين ولا موجب للربط بين الجانبين لبعد ما بينهما، كبعد الحق عن الباطل والظلمة عن النور. ¬

_ (¬1) رواه الإمام البخاري.

ومع ذلك، فإن كان ولا بد فلا مُوجِب للتقييد بزمن معين بل العام كله لإقامة الدراسات في السيرة وتعريف المسلمين الناشئة منهم والعوام وغيرهم بما تريده من دراسة للسيرة النبوية». الشبهة الخامسة والعشرون: شيخ الإسلام ابن تيمية استحسن الاحتفال بالمولد النبوي وقال: قد يثاب بعض الناس على فعل المولد. الجواب: 1 - هذا عين الكذب فشيخ الإسلام ابن تيمية ممن ينكر ذلك ويقول إنه بدعة وهذا نَصُّ كلامه - رحمه الله -: «أما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال: إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي شهر رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال: عيد الأبرار ـ فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف الصالح ولم يفعلوها» (¬1). ¬

_ (¬1) الفتاوى الكبرى (4/ 414) ط دار المعرفة، بيروت، تحقيق: الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتي مصر الأسبق.

2 - يتعلق أهل البدع بكلام له - رحمه الله - في اقتضاء الصراط المستقيم، ويبترونه، وهذا نَصّ المقصود منه: «ما يحدثه بعض الناس، إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى - عليه السلام -، وإما محبة للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وتعظيمًا، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد ـ لا على البدع ـ من اتخاذ مولد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عيدًا، مع اختلاف الناس في مولده، فإن هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيرًا، ولو كان هذا خيرًا محضًا، أو راجحًا لكان السلف - رضي الله عنهم - أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وتعظيمًا له منا، وهم على الخير أحرص. وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنته باطنًا وظاهرًا، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، وأكثر هؤلاء الذين تجدهم حُرَّاصًا على أمثال هذه البدع، مع ما لهم من حُسن القصد، والاجتهاد الذي يُرجَى لهم بهما المثوبة، تجدهم فاترين في أمر الرسول، عما أُمروا بالنشاط فيه، وإنما هم بمنزلة من يحلي المصحف ولا يقرأ فيه، أو يقرأ فيه ولا يتبعه، وبمنزلة من

يزخرف المسجد، ولا يصلي فيه، أو يصلي فيه قليلًا، وبمنزلة من يتخذ المسابيح والسجادات المزخرفة، وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي لم تشرع، ويصحبها من الرياء والكبر، والاشتغال عن المشروع ما يفسد حال صاحبها. واعلم أن من الأعمال ما يكون فيه خير، لاشتماله على أنواع من المشروع، وفيه أيضًا شر، من بدعة وغيرها، فيكون ذلك العمل خيرًا بالنسبة إلى ما اشتمل عليه من أنواع المشروع وشرًّا بالنسبة إلى ما اشتمل عليه من الإعراض عن الدين بالكلية كحال المنافقين والفاسقين، وهذا قد ابتلى به أكثر الأمة في الأزمان المتأخرة، فعليك هنا بأدبين: أحدهما: أن يكون حرصك على التمسك بالسنة باطنًا وظاهرًا، في خاصتك وخاصة من يطيعك. وأَعْرِف المعروف وأَنْكِر المنكر. الثاني: أن تدعو الناس إلى السنة بحسب الإمكان فإذا رأيت من يعمل هذا ولا يتركه إلا إلى شر منه، فلا تدعو إلى ترك منكر بفعل ما هو أنكر منه، أو بترك واجب أو مندوب تركه أضر من فعل ذلك المكروه، ولكن إذا كان في البدعة من الخير، فعوِّض

عنه من الخير المشروع بحسب الإمكان، إذ النفوس لا تترك شيئًا إلا بشيء، ولا ينبغي لأحد أن يترك خيرًا إلا إلى مثله أو إلى خير منه ... فتعظيم المولد واتخاذه موسمًا قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعيظمه لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كما قدمته لك أنه يحسُن مِن بعض الناس ما يُستَقْبَح مِن المؤمن المسدد، ولهذا قيل للامام أحمد عن بعض الأمراء إنه أنفق على مصحف ألف دينار ونحو ذلك فقال: «دَعْهُ فهذا أفضل ما أنفق فيه الذهب»، أو كما قال مع أن مذهبه أن زخرفة المصاحف مكروهة. وقد تأول بعض الأصحاب أنه أنفقها في تجديد الورق والخط، وليس مقصود أحمد هذا وإنما قصده أن هذا العمل فيه مصلحة وفيه أيضا مفسدة كره لأجلها، فهؤلاء إن لم يفعلوا هذا وإلا اعتاضوا الفساد الذي لا صلاح فيه، مثل أن ينفقها في كتاب من كتب الفجور ككتب الأسماء أو الأشعار أو حكمة فارس والروم. فتفَطّنْ لحقيقةِ الدين وانْظُرْ ما اشتملتْ عليه الأفعال من المصالح الشرعية والمفاسد بحيث تعرف ما ينبغي من مراتب

المعروف ومراتب المنكر حتى تقدم أهمها عند المزاحمة، فإن هذا حقيقة العمل بما جاءت به الرسل. فإن التمييز بين جنس المعروف وجنس المنكر وجنس الدليل وغير الدليل يتيسر كثيرًا، فأما مراتب المعروف والمنكر ومراتب الدليل بحيث تُقّدَّم عند التزاحم أعْرَفَ المعروفَيْن فتدعو إليه، وتنكر أَنْكَرَ المنكرَيْن، وترجح أقوى الدليلين فإنه هو خاصة العلماء بهذا الدين، فالمراتب ثلاث: أحدها: العمل الصالح المشروع الذي لا كراهة فيه. والثانية: العمل الصالح من بعض وجوهه أو أكثرها إما لحسن القصد أو لاشتماله مع ذلك على أنواع من المشروع. الثالثة: ما ليس فيه صلاح أصلًا إما لكونه تركًا للعمل مطلقًا أو لكونه عملًا فاسدًا محضًا. فأما الأول فهو سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - باطنُها وظاهرُها، قولها وعملها، في الأمور العلمية والعملية مطلقًا، فهذا هو الذي يجب تَعَلّمُه وتعليمه والأمر به وفعله على حسب مقتضى الشريعة من إيجاب واستحباب. والغالب على هذا الضرب (¬1) هو أعمال السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان. وأما المرتبة الثانية فهي كثيرة جدًا في طرق المتأخرين من المنتسبين إلى علم أو عبادة ومن العامة أيضًا، وهؤلاء خيرٌ ممَّنْ لا يعمل عملًا صالحًا مشروعًا ولا غير مشروع، أو من يكون عمله من جنس المحرم كالكفر والكذب والخيانة والجهل ويندرج في هذا أنواع كثيرة. فمن تعبَّدَ ببعض هذه العبادات المشتملة على نوع من الكراهة كالوصال في الصيام وترك جنس الشهوات ونحو ذلك، أو قصد إحياء ليال لا خصوص لها كأول ليلة من رجب ونحو ذلك، قد يكون حاله خيرًا من حال البطال الذي ليس فيه حرصٌ على عبادة الله وطاعته. النوع الثالث: ما هو معظم في الشريعة كيوم عاشوراء ويوم عرفة ويومي العيدين والعشر الأواخر من شهر رمضان والعشر الأول من ذي الحجة وليلة الجمعة ويومها والعشر الأول من المحرم ونحو ذلك من الأوقات الفاضلة. ¬

_ (¬1) الضرب: النوع.

فهذا الضرب قد يحدث فيه ما يعتقد أن له فضيلة وتوابع ذلك ما يصير منكرًا ينهى عنه، مثل ما أحدث بعض أهل الأهواء (¬1) في يوم عاشوراء من التعطش والتحزن والتجمع وغير ذلك من الأمور المحدثة التي لم يشرعها الله ولا رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا أحد من السلف، لا من أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا من غيرهم. لكن لما أكرم الله فيه سبط نبيه (¬2) أحد سيدي شباب أهل الجنة وطائفة من أهل بيته بأيدي الفجرة الذين أهانهم الله، وكانت هذه مصيبة عند المسلمين يجب أن تتلقى به أمثالها من المصائب من الاسترجاع المشروع، فأحدث بعض أهل البدع في مثل هذا اليوم خلاف ما أمر الله به عند المصائب وضمُّوا إلى ذلك مِن الكذب والوقيعة في الصحابة البرآء من فتنة الحسين وغيرها أمورًا أخرى مما يكرهها الله ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -» (¬3). 3 - إن ما قاله دعاة الاحتفال بالمولد سببه سوء فهم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وسيرته فكلامه - رحمه الله - إنما هو في حق من ¬

_ (¬1) يقصد الشيعة. (¬2) أي الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما -. (¬3) اقتضاء الصراط المستقيم ص404 - 405.

فعله جاهلًا كما أشار إلى ذلك الشيخ ابن باز - رحمه الله - (¬1). 4 - أما قول شيخ الإسلام: «وأكثر هؤلاء الذين تجدهم حُرَّاصًا على أمثال هذه البدع، مع ما لهم من حُسن القصد، والاجتهاد الذي يُرجَى لهم بهما المثوبة ... »، فليس فيه إقرار المولد، ومن ينقل عنه من أهل البدع يبتر كلامه ولا ينقل ما قبله ولا ما بعده. فقول شيخ الإسلام ليس فيه إلا الإثابة على حسن القصد، وهي لا تستلزم مشروعية العمل الناشئ عنه؛ ولذلك ذكر شيخ الإسلام أن هذا العمل ـ أي الاحتفال بالمولد ـ يستقبح من المؤمن المسدد، وذكر أن اتخاذ المولد عيدًا لو كان خيرًا محضًا أو راجحًا لكان السلف - رضي الله عنهم - أحق به منا؛ لأنهم أشد محبة وتعظيمًا لرسول الله منا. 5 - شيخ الإسلام صرح في أول تلك العبارة: بأن الداعي للاحتفال بالمولد النبوي قد يكون مضاهاة للنصارى في مولد عيسى - عليه السلام -، أي: فيكون غير مشروع لتلك المضاهاة. وقد يكون الداعي إليه محبة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيثاب المحتفل في ¬

_ (¬1) انظر مجموع فتاوى ابن باز (9/ 211 - 212).

هذه الحالة على محبته للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - التي دعته إلى ذلك الاحتفال، لا على بدعة الاحتفال. 6 - كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ليس فيه إقرارٌ لبدعة المولد، بل كلامه عن فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فإنه فَرَّقَ في تلك العبارة بين مَن يعمل المولد ولا يتركه إلا إلى شر منه، وبين المؤمن المسدّد الذي ليس كذلك، فذكر أن الذي يعمل المولد ولا يتركه إلا إلى شر منه لا يُدعَى إلى تركه؛ لما يترتب على ذلك من ارتكاب ما هو شر منه، وأن المؤمن المسدّد يُسْتَقْبَح منه الاحتفال بالمولد ويجب عليه الحرص على التمسك بالسنة ظاهرًا وباطنًا في خاصته وخاصة من يطيعه. 7 - ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ما في المواسم المبتدعة ـ من موالد وغيرها ـ من مفاسد راجحة على ما فيها من المنفعة، فقال: «منها ـ مع ما تقدم من المفسدة الاعتقادية والحالية ـ أن القلوب تستعذبها وتستغني بها عن كثير من السنن، حتى تجد كثيرًا من العامة يحافظ عليها ما لا يحافظ على التراويح والصلوات الخمس. ومنها: أن الخاصة والعامة تنقص بسببها عنايتهم بالفرائض

والسنن وتفتر رغبتهم فيها، فتجد الرجل يجتهد فيها ويخلص وينيب ويفعل فيها ما لا يفعل في الفرائض والسنن، حتى كأنه يفعل هذه البدعة عبادة، ويفعل الفرائض والسنن عادة ووظيفة، وهذا عكس الدين، فيفوته بذلك ما في الفرائض والسنن من المغفرة والرحمة، والرقة والطهارة والخشوع، وإجابة الدعوة، وحلاوة المناجاة، إلى غير ذلك من الفوائد، وإن لم يفته هذا كله فلا بد أن يفوته كماله. ومنها: ما في ذلك من مصير المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، وما يترتب على ذلك من جهالة أكثر الناس بدين المرسلين، وانتشار زرع الجاهلية. ومنها: مسارقة الطبع إلى الانحلال من ربقة الاتباع وفوات سلوك الصراط المستقيم، وذلك أن النفس فيها نوع من الكبر فتحب أن تخرج من العبودية والاتباع بحسب الإمكان، كما قال أبو عثمان النيسابوري - رحمه الله -: «ما ترك أحد شيئًا من السنة إلا لكبر في نفسه»، ثم هذا مظنة لغيره فينسلخ القلب عن حقيقة الاتباع للرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ويصير فيه من الكبر وضعف الإيمان ما يفسد عليه دينه أو يكاد، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.

ومنها: ما تقدم التنبيه عليه في أعياد أهل الكتاب من المفاسد التي توجد في كلا النوعين المحدثين: النوع الذي فيه مشابهة، والنوع الذي لا مشابهة فيه» (¬1). الشبهة السادسة والعشرون: بالنسبة للمولد النبوي: أنتم تقولون على أنه بدعة، ولكن البدعة تكون بالعبادة، وليست بالعادة وهذه قاعدة شرعية، وأما بالنسبة للذين يرقصون ويحدث عندهم اختلاط أو تبرج وسفور ومهرجانات، هذا حرام بلا شك. ولكن إذا أحضر الشخص حلوى ووزعها على أهله فما المشكلة؟ وأيضًا إذا الشخص أخذ الاحتفال بالمولد النبوي عبادة فهذا لا يجوز، أما من أخذها عادة يعني الواحد تعوَّد على أنه ليلة المولد يوزع حلوى فما المشكلة فيها؟ ثم كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، أي أن البدعة تؤدي إلى النار، فهل الفرح بذكرى مولد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وتمييز هذا اليوم عن غيره بالفرح لا بالعبادة يؤدي إلى جهنم والعياذ بالله!!! وأيضا إذا الشخص أنجبت زوجته يحضر حلوى بمناسبة ¬

_ (¬1) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (ص:291).

الفرح ويطعم الناس فكيف بذكرى ولادة أفضل الخلق سيدهم وسيدنا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -؟! الجواب: 1 - الاحتفال بمولد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ليس مجرد عادة، بل إنه أصبح عبادة عند كثير ممن يفعله، لأن الذين يحتفلون بمولد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقصدون بذلك القربة، وإن الله تعالى لا يُتَقَرَّبُ إليه إلا بما شرع، وإن التعظيم الحقيقي لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما هو في الوقوف عند ما جاء به وعدم الزيادة عليه أو الاستدراك على شريعته. 2 - وبما أنهم يحتفلون بمولد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سنويًا فقد أصبح الاحتفال عندهم عيدًا، لأنه يعود ويتكرر كل عام، والأعياد من شعائر الإسلام وهي شريعة من الشرائع فيجب فيها الاتباع وعدم الابتداع. 3 - اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية وتعظيمه والتوسعة فيه في المأكل والمشرب وإظهار الزينة هو من البدع ومن الإحداث في الدين، وقد نهانا نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الابتداع والإحداث في الدين أشد النهي، وفاعل هذه البدعة غير مأجور على فعله بل مردود على صاحبه لقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا

لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ» وفي رواية «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (رواه البخاري ومسلم). «فَهُوَ رَدٌّ» أي: أي مردود على صاحبه وغير مقبول منه. 4 - الاحتفال بمولد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ليس من شريعة الإسلام ولم يفعله الصحابة، لا من أهل البيت ولا من غيرهم، مع قيام المقتضي وعدم المانع منه، ولو كان ذلك خيرًا لسبقونا إليه فإنهم كانوا على الخير أحرص، وكانوا أشد محبة وتعظيمًا لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. 5 - قد كانت للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أيام متعددة، كيوم بدر والخندق وفتح مكة ويوم حنين ويوم هجرته ويوم دخوله المدينة ونحو ذلك، ثم لم يتخذ صحابة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ـ لا من أهل بيته ولا من غيرهم ـ تلك الأيام أعيادًا، وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون حوادث نبي الله عيسى - عليه السلام - مواسم وأعيادًا (¬1). 6 - الشخص إذا أنجبت زوجته وأحضر حلوى بمناسبة الفرح وأطعم الناس هذه عادة وليست عبادة، أما إذا كررها كل ¬

_ (¬1) بتصرف من فتاوى موقع الشبكة الإسلامية، بإشراف الدكتورعبد الله الفقيه، رقم الفتوى 62785.

عام في نفس الموعد فقد أدخلها في جملة الأعياد التي لا يجوز إحداث شيء منها إلا بدليل من القرآن أو السنة الصحيحة. أما ذكرى ولادة أفضل الخلق سيدهم وسيدنا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - فيكفينا فيها أن أصحابه - رضي الله عنهم - الذين هم أكثر الناس حبًّا له ومعرفةً لفضله لم يحتفلوا هذا الاحتفال المبتدع. الشبهة السابعة والعشرون: ليلة المولد أعظم من ليلة القدر لأن لولاها ما كانت هناك ليلة قدر. الجواب: هذا القول لا دليل عليه لا من الكتاب ولا من السنة، ولا نعلم أن أحدًا من الأئمة قال به، بل الثابت أن ليلة القدر هي خير ليالي العام لأن العبادة فيها تعدل عبادة ألف شهر، بل أكثر!! ومن ادعى غير ذلك فليأتنا بالدليل (¬1). ¬

_ (¬1) بتصرف من فتاوى موقع الشبكة الإسلامية، بإشراف الدكتورعبد الله الفقيه، رقم الفتوى 62785.

الشبهة الثامنة والعشرون: إذا كان المولد النبوي الشريف بدعة محرّمة كسائر البدع؛ لم سكت عنها العلماء وتركوها حتى ذاعت وشاعت، وأصبحت كجزء من عقائد المسلمين، أليس من الواجب عليهم أن ينكروها قبل استفحال أمرها وتأصلها؟ ولمَ لمْ يفعلوا؟ الجواب: لقد أنكر هذه البدعة العلماء من يوم ظهورها، وكتبوا في ردها الرسائل، ومن قدر له الإطلاع على كتاب المدخل لابن الحاج عرف ذلك وتحققه. ومن بين الردود القيمة رسالة الشيح تاج الدين عمر بن علي اللخمي الإسكندري الفقيه المالكي، صاحب شرح الفاكهاني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، وله رسالة سماها (المورد في الكلام على المولد). ومما قاله في مقدمة هذه الرسالة: «لا أعلم لهذا المولد أصلًا في كتاب ولاسنة، ولم يُنقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها المبطلون، وشهوة نفس اعتنى بها الأكالون» اهـ. ولكن الأمم في عصور انحطاطها تضعف عن الاستجابة

لداعي الخير والإصلاح بقدر قوتها على الاستجابة لداعي الشر والفساد، لأن الجسم المريض يؤثر فيه أدنى أذى يصيبه، والجسم الصحيح لا يؤثر فيه إلا أكبر أذى وأقواه. ومن الأمثلة المحسوسة أن الجدار الصحيح القوي تعجز عن هدمه المعاول والفؤوس، والجدار المتداعي للسقوط يسقط بهبة ريح أو ركلة رجل؛ ولذا فلا يدل بقاء هذه البدعة وتأصلها في المجتمع الإسلامي على عدم إنكار العلماء لها. الشبهة التاسعة والعشرون: لماذا صار الاحتفال بالمولد بدعة؛ لأنه لم يكن على عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، مع أن تنقيط المصحف أيضا لم يكن على عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولم يكن بدعة؟ الجواب: بدعة الاحتفال بالمولد النبوي، محدثة على غير هدي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأما تنقيط المصحف فوسيلة لتعليم القراءة الصحيحة، ولم تُفْعل في زمنه - صلى الله عليه وآله وسلم - لعدم الحاجة إليها، وليس لأنّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد تركها قاصدا ذلك، تعبدا لله تعالى بتركها كما فعل - صلى الله عليه وآله وسلم - في تَرْكِه الاحتفال بيوم مولده. اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد)

الصوم بمناسبة المولد النبوى

الصوم بمناسبة المولد النبوى جاء في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة (1/ 899) للشيخ عبد الرحمن الجزيري ـ عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ـ: «ويكره أيضًا صوم يوم المولد النبوي». وسُئل الشيخ عطية صقر - رحمه الله - هذا السؤال: «ما هو اليوم الذى نصومه بمناسبة المولد النبوى الشريف، وهل إذا صادف يوم جمعة يكون صومه حلالًا؟». فأجاب: «صيام التطوع مندوبُ لا يختص بزمان ولا مكان، ما دام بعيدًا عن الأيام التى يحرُم صيامها، وهى العيدان وأيام التشريق ويوم الشك على اختلاف للعلماء فيه، والتى يكره صيامها كيوم الجمعة وحده، ويوم السبت وحده. وهناك بعض الأيام يستحب الصيام فيها كأيام شهر المحرم، والأشهر الحرم، وعرفة وعاشوراء، وكيوم الاثنين ويوم الخميس من كل أسبوع، والثلاثة البيض من كل شهر وهى

الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وستة من شهر شوال، وكثير من شهر شعبان، كما كان يفعل النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - وليس من هذه الأيام يوم ذكرى مولد النبى - صلى الله عليه وآله وسلم -، والذى اعتاد الناس أن يحتفلوا بها فى اليوم الثانى عشر من شهر ربيع الأول، فلا يندب صومه بهذا العنوان وهذه الصفة، وذلك لأمرين: أولهما: أن هذا اليوم لم يتفق على أنه يوم ميلاده - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقد قيل إنه ولد يوم التاسع من شهر ربيع الأول وقيل غير ذلك. وثانيهما: أن هذا اليوم قد يصادف يومًا يُكْرَه إفراده بالصيام كيوم الجمعة فقد صح فى البخارى ومسلم النهى عنه بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمْعَةِ، إِلّا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ». هذا بخصوص صوم يوم الميلاد النبوى فى كل عام، أما صيام يوم الاثنين من كل أسبوع فكان يحرص عليه النبى - صلى الله عليه وآله وسلم -، لأمرين: أولهما: أنه قال إن الأعمال تعرض على الله فيه وفى يوم الخميس، وهو يحب أن يعرض عمله وهو صائم، كما رواه الترمذى وحسَّنه.

وثانيهما: أنه هو اليوم الذى ولد فيه وبعث فيه كما صح فى رواية مسلم، فكان يصومه أيضًا شكرًا لله على نعمة الولادة والرسالة. فمن أراد أن يشكر الله على نعمة ولادة النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - ورسالته فليشكره بأية طاعة تكون، بصلاة أو صدقة أو صيام ونحوها، وليس لذلك يوم معين فى السنة، وإن كان يوم الاثنين من كل أسبوع أفضل، للاتباع على الأقل، فالخلاصة أن يوم الثانى عشر من شهر ربيع الأول ليس فيه عبادة خاصة بهذه المناسبة، وليس للصوم فيه فضل على الصوم فى أى يوم آخر، والعبادة أساسها الاتباع، وحبُّ الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يكون باتباع ما جاء به كما قال فيما رواه البخارى ومسلم: «مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» (¬1). اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) ¬

_ (¬1) فتاوى الأزهر، نسخة إلكترونية على موقع وزارة الأوقاف المصرية www.islamic-council.com ، تاريخ الفتوى: مايو 1997.

حكم حضور الاحتفالات البدعية للإنكار على أهلها وبيان الحق:

حكم حضور الاحتفالات البدعية للإنكار على أهلها وبيان الحق: سُئِلَتْ اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: هل يجوز حضور الاحتفالات البدعية، كالاحتفال بليلة المولد النبوي، وليلة المعراج، وليلة النصف من شعبان، لمن يعتقد عدم مشروعيتها لبيان الحق في ذلك؟ فأجابت: أولًا: الاحتفال بهذه الليالي لا يجوز، بل هو من البدع المنكرة. ثانيًا: غشيان هذه الاحتفالات وحضورها لإنكارها وبيان الحق فيها، وأنها بدعة لا يجوز فعلها ـ مشروع، ولا سيما في حق مَن يقوى على البيان ويغلب على ظنه سلامته من الفتن، أما حضورها للفرجة والتسلية والاستطلاع فلا يجوز؛ لما فيه من مشاركة أهلها في منكرهم وتكثير سوادهم وترويج بدعتهم (¬1). ¬

_ (¬1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (3/ 37 - 38).

القيام بعملية الختان يوم المولد النبوي:

القيام بعملية الختان يوم المولد النبوي: سُئِلَتْ اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: جرت العادة عند البعض للقيام بعملية الختان يوم المولد النبوي الشريف ويقومون بالذبائح واستدعاء عدة عائلات ويقومون بعد الختان بتقديم النقود إلى الطفل هل هناك طريقة خاصة للاحتفال بعملية الختان؟ فأجابت: أولًا: الختان من سنن الفطرة التي أرشد إليها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. ثانيًا: ليس للختان في الإسلام احتفال، وجعل الختان يوم المولد النبوي مع الاحتفال به ذلك اليوم بدعة محدثة، وقد قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ». (رواه البخاري ومسلم) (¬1). ¬

_ (¬1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (5/ 114).

التوسعة على الأولاد في الطعام والشراب والحلوى في يوم المولد:

التوسعة على الأولاد في الطعام والشراب والحلوى في يوم المولد: سُئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين: «في بعض البلاد يقوم الناس بالاحتفال بالمولد النبوي كاحتفالهم بعيد الفطر أو عيد الأضحى، ويقوم رب البيت بالتوسعة على أولاده في الطعام والشراب والحلوى، وشراء الهدايا، والقيام بالزيارات للأهل فهل هذا من البدع؟ وما واجبنا تجاه هذا الأمر؟». فأجاب: هذا من البدع لا شك، وواجبنا نحو هذا الأمر أن نبين للناس أن هذا بدعة وأن كل بدعة ضلالة، ونقول: أربعوا على أنفسكم ولا تتعبوها بهذا الأمر الذي لا يزيدكم إلا ضلالًا، ثم نقول لهم: إذا كنتم تحبون رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فلا تقدموا بين يديه، ولا تُدْخِلوا في دينه ما ليس منه (¬1). ¬

_ (¬1) لقاءات الباب المفتوح (2/ 299).

حكم شراء وأكل حلوى مولد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -:

حكم شراء وأكل حلوى مولد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: س: ما حكم أكل حلوى مولد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، سواء في يوم المولد أو قبله أو بعده؟ مع العلم ببدعية الاحتفال؟ ج: بناء على أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة محدثة فإن عليك الابتعاد عن المشاركة فيه بأي وجه من الوجوه، ولا تشارك أهله بالجلوس معهم على موائدهم أو أكل الحلويات التي يوزعونها. أمّا الأكل من الحلويات قبل الاحتفالات أو بعدها أو يكون ذلك منفصِلًا عن مظاهر الاحتفال فلا مانع منه؛ لأن أكل الحلويات في حد ذاته ليس حرامًا على وجه العموم. والله أعلم (¬1). س: هل يجوز شراء حلوى المولد للأطفال مع العلم أنني أنكر الاحتفال بهذه المناسبات؟ ج: اشْتَرِها في غير يوم المولد لمخالفة أهل البدع (¬2). س: هل أكل حلوى المولد النبوي حرام، قبل يوم الاحتفال وبعده ونفس اليوم، وما حكم شرائها؟ ¬

_ (¬1) فتاوى الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبدالله الفقيه، رقم الفتوى 31651. (¬2) فتاوى موقع صوت السلف بإشراف الشيخ ياسر برهامي.

ج: أولًا: الاحتفال بالمولد، بدعة، لم ترد عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولا عن أحد من أصحابه أو التابعين أو الأئمة، وإنما أحدثها العبيديون، كما أحدثوا غيرها من البدع والضلالات. ثانيًا: الأصل هو جواز أكلِ وشراء الحلوى الخالية مما يضر، ما لم يكن في ذلك إعانة على منكرٍ، أو ترويج وتشجيع على استمراره وبقائه. والذي يظهر أن شراء حلوى المولد في زمن الاحتفال به، فيه نوع من الإعانة والترويج له، بل فيه نوع من إقامة العيد؛ لأن العيد ما اعتاده الناس، فإذا كان من عادتهم أكل هذا الطعام المعَيَّن، أو كانوا صنعوا ذلك من أجل العيد، على خلاف عادتهم في سائر الأيام، ففي بيعه وشرائه، وأكله أو إهدائه، في ذلك اليوم، نوع من الاحتفال بالعيد، والإقامة له؛ ولهذا ينبغي ترك ذلك في يوم العيد. وقد جاء في (فتاوى اللجنة الدائمة) فيما يتعلق بعيد الحب، وشراء الحلوى الملونة باللون الأحمر، والتي رسم عليها صورة القلب، تعبيرًا عن الاحتفال بهذا العيد المبتدع:

«دلت الأدلة الصريحة من الكتاب والسنة ـ وعلى ذلك أجمع سلف الأمة ـ أن الأعياد في الإسلام اثنان فقط هما: عيد الفطر وعيد الأضحى، وما عداهما من الأعياد سواء كانت متعلقة بشخصٍ أو جماعة أو حَدَثٍ أو أي معنى من المعاني، فهي أعياد مبتدعة لا يجوز لأهل الإسلام فعلها ولا إقرارها ولا إظهار الفرح بها ولا الإعانة عليها بشيء؛ لأن ذلك من تعدي حدود الله؛ ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ... كما يحرم على المسلم الإعانة على هذا العيد أو غيره من الأعياد المحرمة، بأي شيء، من أكلٍ أو شرب أو بيع أو شراء أو صناعة أو هدية أو مراسلة أو إعلان أو غير ذلك، لأن ذلك كله من التعاون على الإثم والعدوان ومعصية الله والرسول والله جل وعلا يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (المائدة: 2)» انتهى. والله أعلم (¬1). ¬

_ (¬1) فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب، بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد، رقم الفتوى 90026.

أكل الطعام الذي يوزع يوم المولد النبوي الشريف:

أكل الطعام الذي يوزع يوم المولد النبوي الشريف: س: هل يجوز أكل الطعام الذي يوزع في مولد النبي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ ج: أولًا: ليس في شريعة الإسلام شيء يسمى بعيد المولد النبوي، ولم يكن الصحابة ولا التابعون ولا الأئمة الأربعة ولا غيرهم يعرفون مثل هذا اليوم في دينهم، وإنما استحدث هذا العيد بعض المبتدعة من جهلة الباطنية، ثم سار الناس على هذه البدعة التي ما زال الأئمة ينكرونها في كل زمان ومكان. ثانيًا: وعليه فإن كل ما يخصُّ الناسُ به ذلك اليوم من أعمال تُعَدّ من الأعمال المحرمة المبتدعة، لأنهم يريدون بها إحياء عيد مبتدع في شريعتنا، بمثل إقامة الاحتفالات، وإطعام الطعام، وغير ذلك. يقول الشيخ الفوزان في (البيان لأخطاء بعض الكتاب، ص 268 - 270): «إن من جملة ما أحدثه الناس من البدع المنكرة الاحتفال بذكرى المولد النبوي في شهر ربيع الأول، وهم في هذا الاحتفال على أنواع:

- فمنهم من يجعله مجرد اجتماع تُقْرَأُ فيه قصة المولد، أو تُقَدَّم فيه خطب وقصائد في هذه المناسبة. - ومنهم من يصنع الطعام والحلوى وغير ذلك، ويقدمه لمن حضر. - ومنهم من يقيمه في المساجد، ومنهم من يقيمه في البيوت. - ومنهم من لا يقتصر على ما ذكر، فيجعل هذا الاجتماع مشتملًا على محرمات ومنكرات من اختلاط الرجال بالنساء والرقص والغناء، أو أعمال شركية كالاستغاثة بالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وندائه والاستنصار به على الأعداء، وغير ذلك. وهو بجميع أنواعه واختلاف أشكاله واختلاف مقاصد فاعليه لا شك ولا ريب أنه بدعة محرمة محدثة بعد القرون المفضلة بأزمان طويلة» اهـ. وأعظم ما يحيى به المبتدعة هذا اليوم هو صنع الطعام بأشكاله وأصنافه، وتوزيعه، ودعوة الناس إليه، فإذا شاركهم المسلم هذا العمل، فأكل طعامهم، وجلس على موائدهم فلا

عقوق الأم وبدعة المولد:

شك أنه بذلك يشارك في إحياء البدعة، ويعاون على إقامتها، والله - سبحانه وتعالى - يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (المائدة: 2) (¬1). عقوق الأم وبدعة المولد: س: في المولد النبوي الذي يبتدعوه في كل سنة، أمي في العام الماضي أرادت أن أذهب وآتي بحلوى المولد لأختي في البيت وأنا في أسرتي الملتزم في الدين، أنا أرفض أن أذهب كما أمَرَتْني، أمي غضبَتْ مني وذهبت بنفسها إلي الأماكن وأتت بحلويات المولد وهذه بدعة كما نعرف، في هذا العام نفس الموضوع يتكرر، فرفضت أن أذهب فقالت أمي: «عصيتَني؛ قلبي غضبان عليك»، ودَعَتْ علَيَّ أن لا أفلح في الدنيا ولا أُرْزَق، وكل هذا لأني أرفض بدعة المولد النبوي، إن أمي لا تكلمني منذ خمسة أيام فما رأي الدين في هذا الأمر؟ ج: إن الله - عز وجل - أمر بطاعة الوالدين فيما يأمران به، ولكنه قَيَّدَ ذلك بما لا يكون فيه معصية لله، فقد صح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه ¬

_ (¬1) باختصار من فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد، رقم الفتوى 89693.

قال: «إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» (¬1). وأنه: «لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِى مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» (¬2). والاحتفال بالمولد بدعة؛ وذلك لأنه لم يثبت عن نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه احتفل بيوم مولده، ولا عن الصحابة - رضي الله عنهم -، ولا عن التابعين. وصنع الطعام وإقامة الولائم في هذه المناسبات البدعية من البدع، واعتزال أهلها عند ذلك والامتناع عن مشاركتهم فيها من الإنكار المطلوب شرعًا. فيكون امتناعك عن إحضار حلويات المولد من هذا القبيل ولا يعد امتناعك عقوقًا لأمك، وعليك أن تنصح أمك برفق وأن تدلها على الخير وأن تكون بارًّا بها متوددًا إليها مُفْهِمًا لها أن عصيانك لها في هذا الأمر إنما هو لمخالفته لأمر الله، فشَكَرَ الله لك حرصك على السنة، والنفور من البدع والمحدثات، ونسأل الله ¬

_ (¬1) رواه البخاري ومسلم. (¬2) رواه الإمام أحمد وصححه الألباني، ورواه مسلم بلفظ: «لاَ طَاعَةَ فِى مَعْصِيَةِ اللهِ».

العمرة في شهر المولد النبوي:

لك الثبات والرشد، والله نسأل أن يشرح صدر أمك للحق وأن يعينك على أمر دينك، والله أعلم (¬1). العمرة في شهر المولد النبوي: س: ما هو حكم عمرة المولد النبوي، وهل صحيح أنه تستحب العمرة في هذا الوقت من السنة، أم أن العمرة في المولد النبوي كالعمرة في أي وقت من السنة. ج: لا مزية للقيام بالعمرة في شهر المولد النبوي الشريف وهو شهر ربيع الأول، ولا يوم مولده من الشهر ـ وهو يوم الثاني عشر على المشهور، وجرى عليه الأكثر ـ لأن إثبات مزية لذلك يحتاج إلى دليل، ولا دليل نعلمه في ذلك. والله أعلم (¬2). حكم تعليق الزينات في الشوارع بمناسبة المولد النبوي: س: ما حكم تعليق الزينة في الشوارع بمناسبة مولد سيدنا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - والأموال التي تنفق من أجلها؟ ¬

_ (¬1) باختصار من فتاوى الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبدالله الفقيه، رقم الفتوى 61911. (¬2) فتاوى الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبدالله الفقيه، رقم الفتوى 73116.

حكم المشاركة في مسابقة بمناسبة المولد النبوي وأخذ الجوائز:

ج: تعليق الأنوار بالشوارع وإظهار الزينة في مناسبة مولده - صلى الله عليه وآله وسلم - من البدع المحدثة (¬1). حكم المشاركة في مسابقة بمناسبة المولد النبوي وأخذ الجوائز: س: في مساجدنا تقام بالمناسبات الدينية شهر رمضان، ذكرى مولد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مسابقات حول هذه المناسبات فتقدم جوائز، فهل يجوز أخذ هذه الجوائز. ج: ما كان من هذه المسابقات في شهر رمضان وانضبط بالضوابط الشرعية اللازمة لجواز المسابقات فلا حرج في المشاركة فيه وأخذ جوائزه، أما ما كان من هذه المسابقات بخصوص المولد النبوي فإن الظاهر أن ذلك داخل في الاحتفال به، والاحتفال بالمولد النبوي غير مشروع، وعليه، فلا يجوز الاشتراك في هذه المسابقات ولا أخذ الجوائز عليها. والله أعلم (¬2). ¬

_ (¬1) فتاوى الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبدالله الفقيه، رقم الفتوى 73522. (¬2) فتاوى الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبدالله الفقيه، رقم الفتوى 73639.

كتاب (مولد العروس) مكذوب على الإمام ابن الجوزي:

كتاب (مولد العروس) مكذوب على الإمام ابن الجوزي: س: أحضر لي أحد طلابي كتابًا صغير الحجم، بعنوان (مولد العروس) للعلاّمة والحبر الفهامة، الإمام ابن الجوزي، هكذا جاء في على غلافه، ويحتوي على نثر وشعر يتعلق بالمولد النبوي، وسألني عن هذا الكتاب؟». ج: إن هذا الكتاب المسمى (مولد العروس) والمنسوب لابن الجوزي مكذوب عليه وفيه كثير من المخالفات الشرعية، ولم تثبت نسبته بطريق صحيح إلى الإمام ابن الجوزي. ولم ينسبه أحد إليه إلا كارل بروكلمان، وفي نسبة هذه المخطوطة لابن الجوزي ـ أي مخطوط مولد العروس ـ نظر، فهو يخلو من الإسناد الذي اعتاد عليه ابن الجوزي في كتبه، كما يخلو من تعليق أو نقد ابن الجوزي لما يَرِدُ فيه من أخبار، وكل ما ورد فيه يتعلق بولادة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأشعار مدحه، مما يدل على أن أحد العوام قد وضعه، ثم إن الذين ترجموا لابن الجوزي، لم يذكروه ضمن كتبه. وورد فيه أيضًا أمور كثيرة مخالفة للعقيدة الإسلامية وللنصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، كما ورد

في (ص15) منه: «وفي الحديث الصحيح أن البيت الذي فيه اسم محمد وأحمد فإن الملائكة تزوره في كل يوم وليلة سبعين مرة»، ومن المعلوم أن هذا الحديث مكذوب على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، بل إن ابن الجوزي نفسه ذكره في كتابه الموضوعات وحكم عليه بالوضع والكذب، (انظر كتب حذر منها العلماء 2/ 303 - 304، وانظر أيضًا نفس المصدر 2/ 388 - 389 (¬1). اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) ¬

_ (¬1) فتاوى يسألونك (3/ 152) للدكتور حسام الدين عفانة، الأستاذ بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة القدس.

موالد الأولياء

موالد الأولياء قد جاء عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، والسلف، النهي عن اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين عيدًا، عموما وخصوصًا. فأما العموم: فقد قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِى عِيدًا، وَصَلُّوا عَلَىَّ؛ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِى حَيْثُ كُنْتُمْ» (رواه أبو داود وصححه الألباني). ووجه الدلالة: أن قبر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أفضل قبر على وجه الأرض، وقد نهى عن اتخاذه عيدًا. فقبر غيره أولى بالنهي كائنًا من كان، ثم إنه قَرَن ذلك بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا»، أي لا تعطلوها عن الصلاة فيها والدعاء والقراءة، فتكون بمنزلة القبور، فأمر بتحري العبادة في البيوت، ونهى عن تحريها عند القبور، عكس ما يفعله المشركون من النصارى ومن تشبه بهم. ثم إنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أعقب النهي عن اتخاذه عيدًا بقوله: «وَصَلُّوا عَلَىَّ؛ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِى حَيْثُ كُنْتُمْ»، يشير بذلك - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قرْبِكم من قبري وبُعْدِكم منه فلا حاجة بكم إلى اتخاذه عيدًا.

والأحاديث عنه بأن صلاتنا وسلامنا تعرض عليه - صلى الله عليه وآله وسلم - كثيرة: منها قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَىَّ إِلاَّ رَدَّ اللهُ عَلَىَّ رُوحِى حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ» - صلى الله عليه وآله وسلم -. (رواه أبو داود وحسنه الألباني). ومنها ما رواه أَوْس بْنُ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَكْثِرُوا عَلَىَّ مِنَ الصَّلاَةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَىَّ». فَقَالُوا: «يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاَتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ؟»، قَالَ: يَقُولُونَ بَلِيتَ. قَالَ: «إِنَّ اللهَ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ». (رواه أبو داود، وصححه الألباني). (أرم أي صار رميمًا، أي عظمًا باليًا). وفي النسائي وغيرِه عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «إِنَّ لِلهِ مَلاَئِكَةً سَيَّاحِينَ فِى الأَرْضِ يُبَلِّغُونِى مِنْ أُمَّتِى السَّلاَمَ» (صححه الألباني). والعيد إذا جُعِلَ اسمًا للمكان فهو المكان الذي يُقْصَدُ الاجتماعُ فيه، وإتيانه مرة بعد مرة للعبادة عنده، أو لغير العبادة، كما أن المسجد الحرام ومنى ومزدلفة وعرفة، جعلها الله عيدًا، مثابة للناس، يجتمعون فيها، وينتابونها، للدعاء والذكر

والنسك. وكان للمشركين أمكنة ينتابونها للاجتماع عندها، فلما جاء الإسلام محى الله ذلك كله. وهذا النوع من الأمكنة يدخل فيه قبور الأنبياء والصالحين والقبور التي يجوز أن تكون قبورًا لهم، بتقدير كونها قبورًا لهم، بل وسائر القبور أيضًا داخلة في هذا. فإن قبر المسلم له من الحرمة ما جاءت به السنة، إذ هو بيت المسلم الميت، فلا يترك عليه شيء من النجاسات بالاتفاق ولا يُوطُأ ولا يُداس، ولا يُتَّكَأ عليه، ولا يجاور بما يؤذي الأموات من الأقوال والأفعال الخبيثة، ويستحب عند إتيانه السلام على صاحبه، والدعاء له، وكلما كان الميت أفضل، كان حقه أوْكَد. وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَقَابِرِ فَكَانَ قَائِلُهُمْ يَقُولُ: «السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا ـ إِنْ شَاءَ اللهُ ـ لَلاَحِقُونَ، أَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ» (رواه مسلم). وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ:

«السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ» (رواه مسلم). وعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رضي الله عنه - قَالَ: «كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ». (رواه أبو داود وصححه الألباني). فهذا ونحوه مما كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يفعله، ويأمر به أمته عند قبور المسلمين، عقب الدفن، وعند زيارتهم، والمرور بهم، إنما هو تحية للميت، كما يُحَيَّى الحيُّ، ودعاء له كما يُدعَى له، إذا صلى عليه قبل الدفن أو بعده، وفي ضمن الدعاء للميت، دعاء الحي لنفسه، ولسائر المسلمين، كما أن الصلاة على الجنازة فيها الدعاء للمصلي، ولسائر المسلمين، وتخصيص الميت بالدعاء له. فهذا كله، وما كان مثله مِن سُنّة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وما كان عليه السابقون الأولون، هو المشروع للمسلمين في ذلك، وهو الذي كانوا يفعلونه عند قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وغيره (¬1). ¬

_ (¬1) انظر اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص 323 - 326).

أسئلة تنتظر الإجابة

أسئلة تنتظر الإجابة * حرم الله - عز وجل - الدعاء لغير الله والنذر لغير الله والذبح لغير الله، وعَدَّ كل هذا من الشرك الذي هو أكبر الكبائر. وفي الموالد يُفعل كل هذا وأكثر، فهل هذا من الإسلام؟!! قال تعالى: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (فاطر:14). * الطواف عبادة جعلها الله - عز وجل - مقتصرة على مكان واحد فقط هو البيت الحرام، ولكن في الموالد هناك من يطوفون حول قبور الأولياء، فهل هذا من الإسلام؟!! * نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن شد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، ولكن في الموالد تُشَدّ الرحال إلى قبور الأولياء، فهل هذا من الإسلام؟!! * أعياد المسلمين هي عيد الفطر وعيد الأضحى كما أخبرنا الصادق المصدوق - صلى الله عليه وآله وسلم - فمن أين أتى أصحاب الموالد بهذه

الأعياد الجديدة؛ ليحتفلوا بكل ما هو حرام ومخالف لشرع الله؟!! * وإذا كان هذا الفعل صحيحًا، فأين مولد سيدنا عمر بن الخطاب وأين مولد عثمان وأين مولد عمر بن عبد العزيز، وأين مولد الإمام البخاري والإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل؟!! * حرم الله - عز وجل - التبرج والعري، وفي الموالد تقام الحفلات الراقصة، وتصعد الراقصات الساقطات على شرفات المسرح ليرى الناس أجسادهن، فهل هذا من الإسلام؟!! * يدَخّن الزوار في الموالد الشيشة والحشيش ويجلسون في الخيام وقت الصلاة يتطوحون ويتمايلون ويرقصون، فهل هذا من الإسلام؟!! * حرم الله - عز وجل - السحر، وفي الموالد تنصب السروك وفيها فقرات السحر، فهل هذا من الإسلام؟!! * حرم الله - عز وجل - القمار، وفي الموالد تُنْصَب موائد القمار، فهل هذا من الإسلام؟!!

احتفال الشخص بعيد ميلاده أو عيد ميلاد أولاده

احتفال الشخص بعيد ميلاده أو عيد ميلاد أولاده جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: «الأصل في العبادات التوقيف، فلا يجوز لأحد أن يتعبد بما لم يشرعه الله، وأعياد الموالد نوع من العبادات المحدثة في دين الله فلا يجوز عملها لأي أحد من الناس مهما كان مقامه أو دوره في الحياة فأكرم الخلق وأفضل الرسل عليهم الصلاة والسلام محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يُحفظ عنه أنه أقام لمولده عيدًا ولا أرشد إليه أمته، وأفضل هذه الأمة بعد نبيها خلفاؤها وأصحابه - رضي الله عنهم - ولم يُحفظ عنهم أنهم أقاموا عيدًا لمولده أو لمولد أحدٍ منهم رضوان الله عليهم، والخير في اتباع هديهم وما استَقَوْه من مدرسة نبيهم - صلى الله عليه وآله وسلم -، يضاف إلى ذلك ما في هذه البدعة من التشبه باليهود والنصارى وغيرهم من الكفرة فيما أحدثوه من الأعياد» (¬1). وقال الشيخ ابن عثيمين عن الاحتفال بعيد الميلاد للأطفال: «كل شيء يتخذ عيدًا يتكرر كل أسبوع، أو كل عام وليس ¬

_ (¬1) فتاوى اللجنة الدائمة (3/ 83 - 84).

مشروعًا، فهو من البدع، والدليل على ذلك أن الشارع جعل للمولود العقيقة، ولم يجعل شيئًا بعد ذلك، واتخاذهم هذه الأعياد تتكرر كل أسبوع أو كل عام معناه أنهم شبهوه بالأعياد الإسلامية، وهذا حرام لا يجوز، وليس في الإسلام شيء من الأعياد إلا الأعياد الشرعية الثلاثة: عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع وهو يوم الجمعة» (¬1). وقال أيضًا: «ليس هذا من باب العادات، لأنه يتكرر، ولهذا لما قدم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - المدينة فوجد للأنصار يومين يلعبون فيهما فقال: «مَا هَذَانِ الْيَوْمَان؟» قَالُوا: «كُنّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ»، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِنّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهِمَا: يَوْمَ الْأضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ» (¬2) مع أن هذا من الأمور العادية عندهم» (¬3). ¬

_ (¬1) لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ، فَلَا تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامِكُمْ، إِلَّا أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ» (رواه الإمام أحمد في المسند، وقال أحمد شاكر: «إسناده صحيح»، وقال شعيب الأرنؤوط: «إسناده حسن». (¬2) رواه أبو داود، وصححه الألباني. (¬3) القول المفيد على كتاب التوحيد (1/ 302 - 303).

حكم عمل السبوع للمولود على عادة الناس:

حكم عمل السبوع للمولود على عادة الناس: س: أريد أن أعرف حكم الاحتفال بما يسمى بالسبوع؟ هل هو حرام أم لا؟ ج: السُّنّة بالنسبة للمولود أن يُعَقّ عنه في يوم سابعه، للغلام شاتان وللجارية شاة، ويسمى ويحلق رأسه، ويتصدق بوزنه فضة. والسبوع بصورته المعروفة عند الناس اليوم يشتمل على كثير من البدع التي يصحبها اعتقادات منحرفة، كرش الملح ودق الهُون لدفع العين، وإيقاد الشموع، ونحو ذلك. قال الشيخ علي محفوظ - رحمه الله - في كتابه (الإبداع في مضار الابتداع): «ومنها ـ أي من البدع ـ ما يُعمَل في اليوم السابع من الولادة وليلته من تزيين نحو الإبريق بأنواع الحلي والرياحين من رشح الملح وإيقاد الشموع والدق بالهون ونحوه من الكلمات المعروفة، ثم تعليق شيء من الحبوب مع الملح على الطفل» انتهى. ومن تلك البدع: هذه الصينية التي يأتون بها، ويجعلون فيها الماء، وفي وسطها شمعة كبيرة تظل مشتعلة طوال ليلة السبوع، وينام المولود بجانب هذه الصينية حتى اليوم الثاني،

ويجعلون بداخلها سبع حبات من الأرز والفول والعدس والحلبة وغيرها تيمنا للمولود ـ بزعمهم ـ بالحياة الرغدة والغنى. وكذلك تلك المبخرة التي يأتون بها، ويجعلون الأم تتخطاها سبع مرات، والأولاد حولها يغنون، والنساء يرشون عليها الحبوب والملح إلى غير ذلك من البدع المنكرة والشركيات. علاوة على الإسراف والتبذير اللذين يصحبان ـ في العادة ـ عمل هذا السبوع. فهذا ونحوه لا يجوز فعله، ولا المعاونة عليه، والواجب الأمر بالمعروف، وهو إقامة السُّنّة، والنهي عن هذا المنكر، فمن نهى عن ذلك وأنكره، ولم يشارك فيه، ولا أعان عليه، فقد برئ منه وسَلِم. أما مجرد توزيع الحلوى والهدايا وحضور الأطفال ونحو ذلك فلا بأس به، ما لم يرتبط باعتقاد فاسد، أو يشتمل على محرم (¬1). ¬

_ (¬1) باختصار من موقع الإسلام سؤال وجواب بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد، رقم الفتوى 131939.

عيد الوفاة ما حكم عمل سنوية للميت؟

عيد الوفاة ما حكم عمل سنوية للميت؟ سئل الشيخ محمد مجاهد مفتي مصر الأسبق عن ما يقوم به أهل الميت من عمل الخميس وذكرى الأربعين والذكرى السنوية، وزيارة القبور فى أول رجب ونصف شعبان والأعياد والمواسم وغير ذلك، وتوزيع المأكولات واستئجار مقرئين على القبور. فأجاب: «إن الناس قد اعتادوا أمورًا كثيرة فى المآتم وغيرها، ولم يعتمدوا فى أكثرها إلا على مجرد الاستحسان الشخصى أو الطائفى، وأخذت هذه العادات تنتقل من جيل إلى جيل حتى عَمَّتْ وصارت تقاليد يأخذها حاضر الناس عن ماضهيم ناظرين إليها إلى أنها سنة الآباء والأجداد ولم يجدوا من ينكر المنكر منها عليهم ولعلها وجدت من يبيحها أو يستحسنها ويقويها، ففعلها واعتادها غير المتفقهين وسايرهم فيها المتفقهون واحتملوا إثمها وإثم من ابتكرها وفعلها إلى يوم الدين. وإن ما يقوم به أهل الميت من خميس صغير وكبير وذكرى الأربعين والذكرى السنوية للمتوفى والخروج للمقابر فى المواسم

والأعياد كل ذلك من البدع المذمومة التى لا أصل لها ولا سند لها فى الشرع الإسلامى لا فى عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا فى عهد الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ ولم يُؤْثَر عن التابعين وهذه أمور مستحدثة منذ عهد قريب وفيها من المضار ما يوجب النهى عنها، من ضياع للأموال فى غير وجهها المشروع وربما كان أهل الميت فى حاجة ماسة إليه، وفيه مع ذلك تجديد للأحزان. لهذا نهيب بالمسلمين أن يقلعوا عن هذه العادات الذميمة التى لا ينال الميت منها رحمة أو مثوبة ولا ينال الحى منها سوى المضرة؛ فليس لذلك أساس فى الدين، {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر: 7) (¬1). ¬

_ (¬1) باختصار من فتاوى الأزهر، نسخة إلكترونية على موقع وزارة الأوقاف المصرية www.islamic-council.com، تاريخ الفتوى: ربيع الأول 1406 هجرية، 2 ديسمبر 1985 م.

المراجع

المراجع - رسالة (المورد في الكلام على عمل المولد) للعلامة الإمام الشيخ تاج الدين عمر بن علي اللخمي السكندري المشهور بالفاكهاني. - إعلام الموقعين عن رب العالمين للإمام ابن القيم. - المدخل لابن الحاج. - الاعتصام للشاطبي. - فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني. - اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية لابن القيم. - الموافقات في أصول الشريعة للشاطبي. - البداية والنهاية للحافظ ابن كثير. - الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية تحقيق: الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتي مصر الأسبق. - اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام ابن تيمية. - المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى علماء أفريقية والأندلس والمغرب للعلامة أحمد بن يحيى الونشريسي. - الإبداع في مضار الابتداع للشيخ علي محفوظ.

- حكم الاحتفال بالمولد والرد على من أجازه للشيخ محمد ابن إبراهيم آل الشيخ. - فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية. - مجموع فتاوى الشيخ ابن باز. - فتاوى الأزهر، نسخة إلكترونية على موقع وزارة الأوقاف المصرية www.islamic-council.com. - القول المفيد على كتاب التوحيد للشيخ محمد بن صالح العثيمين. - الإبداع في بيان كمال الشرع وخطر الابتداع للشيخ ابن عثيمين. - السنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات للشيخ محمد عبد السلام خضر الشقيري. - القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل للشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري. - البيان لأخطاء بعض الكتاب للشيخ صالح الفوزان. - محاضرات في العقيدة والدعوة للشيخ صالح الفوزان. - الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف للشيخ أبو بكر الجزائري. - الرد القوي على الرفاعي والمجهول وابن علوي وبيان أخطائهم في المولد النبوي للشيخ حمود التويجري.

- البدع الحولية، رسالة ماجستير من إعداد عبد الله بن عبد العزيز التويجري. - الرد على من أجاز الاحتفال بالمولد النبوي للشيخ حامد بن عبد الله العلي. - المولد النبوي بين المشروعية والبدعية، لفهد عبد الله. - حقائق حول المولد النبوي لأحمد بن عبد العزيز السليمان. - الرد على شبهات من اجاز الاحتفال بالمولد، جمع أبي معاذ السلفي. - المولد النبوي تاريخه، حكمه، آثاره، أقوال العلماء فيه على اختلاف البلدان والمذاهب، لناصر بن يحيى الحنيني. - فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد. - فتاوى الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبد الله الفقيه. - فتاوى يسألونك للدكتور حسام الدين عفانة، الأستاذ بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة القدس. - كشف البدع والرد على اللمع، حوار هادئ مع الأستاذ محمد حسين، جمع وترتيب شحاتة صقر. - كشف شبهات الصوفية، جمع وترتيب شحاتة صقر.

§1/1