الموسوعة في صحيح السيرة النبوية - العهد المكي

محمد إلياس الفالوذة

مقدمة الموسوعة في صحيح السيرة النبوية

مقدمة الموسوعة في صحيح السيرة النبوية إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} [آل عمران: 102] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} [الأحزاب: 70، 71]. أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدى هدى محمَّد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. إن لكل مؤرخ منهج يسير عليه لكتابة السيرة النبوية، ومنهجي هو ترتيب أحداث السيرة النبوية حسب التسلسل الزمني مع التركيز على ذكر المكان والزمان باليوم والشهر والعام إن أمكن.

وهو منهج قديم سار عليه مؤرخو السيرة قديمًا إلا أنني في دراستي هذه ركزت على تطابق الأعوام الهجرية مع الميلادية تطابقًا فصليًا مبينًا فيه شهور الشتاء والربيع والصيف والخريف. حيث أنني وجدت اختلافا كبيرًا بين أحداث السيرة النبوية بالأشهر الميلادية مما جعلني أقوم بدراستها دراسة شاملة استغرقت سنين، حتى عرفت سبب الخلاف ونشرت ذلك في مقالات عديدة في جريدة المدينة المنورة. وخير مثال على ذلك هو غزوة تبوك فإنها كانت في حر شديد نص على ذلك القرآن الكريم بينما هي في كتاب التوفيقات الإلهامية في مقارنة التواريخ الهجرية بالسنين الإفرنكية والقبطية تأليف اللواء محمَّد مختار باشا تقع في شهر نوفمبر وهو شهر خريفي بارد. من أجل ذلك قمت بدراسة السيرة النبوية من كتب المسانيد والجوامع والصحاح والسنن والأجزاء والفوائد المطبوعة منها. واستخرجت الأحاديث المتعلقة بالسيرة النبوية وكثير منها فات على المؤرخين والإخباريين تقييدها فقيدت ذلك في الموسوعة ثم قارنتها مع بعضها لإظهار الحديث التام المعنى الذي ينص على الحدث التاريخي إن أمكن وإلا كتبت الأحاديث كلها التي تدور حول الحدث التاريخي وذلك لإعطاء القارئ صورة متكاملة عن الحدث وخير مثال على ذلك أحاديث الإسراء والمعراج. ثم درست الروايات التاريخية في مصادرها الأولى حتى القرن الخامس الهجري ووثقتها بالأحاديث النبوية. وكذلك قمت بمقارنة الروايات التاريخية المتعددة مع بعضها لإظهار الرواية التامة المعنى والصحيحة المعنى القائمة على المنهج العلمي في النقد والتحقيق للحديث التاريخي وإن لم أجد ذكرت الروايات كلها التي تدور حوله إن كان في ذكرها علم وفائدة. ذكرت بعض الأحاديث النبوية الضعيفة السند والصحيحة المعنى التي تتمم الحدث ولا تخل بالعقيدة والشرع وثوابت الدين كعادات العرب وتقاليدهم وحضارتهم في الجاهلية.

أما عن تصحيح الأحاديث النبوية وبيان درجتها فإني اعتمدت على تصحيح العلماء الحفّاظ في القديم. أما في العصر الحديث اعتمدت على تصحيح الشيخ محمَّد ناصر الدين الألباني رحمه الله والشيخ شعيب الأرناؤوط والشيخ حسين سليم أسد وغيرهم. كما أنني اعتمدت على كتاب [عظيم قدره - صلى الله عليه وسلم - ورفعة مكانته عند ربه -عَزَّ وجَلَّ-]. وكتاب [محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وطاعته بين الإنسان والجماد] للدكتور خليل إبراهيم ملا خاطر [والخصائص النبوية الكبرى للسيوطي] تهذيب وتخريج وتعليق الشيخ عبد الله التليدي حفظه الله وذلك في كتابة فضائل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وفضائل أمته رحمهم الله تعالى. واعتمدت كذلك على كتاب [سير أعلام النبلاء للذهبي] في تراجم الصحابة المولودين في زمن النبوة رضوان الله تعالى عليهم. وفي الختام أقدم جزيل شكري وامتناني لكل من ساعدني في دراسة السيرة النبوية جزاهم الله عني خير الجزاء وأثابهم بمنه وكرمه إنه جواد كريم. كتبه أبو إبراهيم محمَّد بن إلياس الفالوذه

فضائل رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) وفضائل أمته رحمهم الله

فضائل رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) وفضائل أمته رحمهم الله

فضل الله عليه وعلى أمته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

فضل الله عليه وعلى أمته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال تعالى منوها بفضله على رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} (¬1). وقال تعالى منوها بفضله على أمة محمَّد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} (¬2). فضائل أسمائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن جبير بن مطعم -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "لي خمسة أسماء: أنا محمَّد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب [والعاقب: الذي ليس بعده نبي] وقد سماه الله رؤوفا رحيما" (¬3). وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: "أن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين" (¬4). وقال - صلى الله عليه وسلم -: "أنا محمَّد وأحمدُ والمقفى والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة ونبي الملحمة" (¬5). ¬

_ (¬1) سورة النساء (173). (¬2) سورة النساء (175). (¬3) أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ 6/ 404 ومسلمٌ 2354. (¬4) رواه البخاري ومسلمٌ 6/ 408 في الأنبياء ومسلمٌ في الفضائل. (¬5) أخرجه مسلمٌ في الفضائل 2355.

كنيته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

كنيته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نجمع بين اسمه وكنيته. وقال: أنا أبو القاسم. والله يعطي وأنا أقسم" (¬1). اسمه ونسبه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ذكر البخاري رحمة الله عليه في مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "هو محمَّد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان" (¬2). وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم من بني هاشم من قريش من كنانة من مضر من العرب من ولد إسماعيل ابن إبراهيم خليل الله. عن واثلة بن الأسقع -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم" (¬3). عن كليب بن وائل -رضي الله عنه- قال: قلت لزينب بنت أبى سلمة (هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مضر؟ قالت: ممّن كان، إلا من مضر؟ من بني النضر بن كنانة" (¬4). ¬

_ (¬1) الترمذيُّ 41 كتاب الأدب. (¬2) أخرجه البخاريُّ 7/ 125، 124 باب مبعث النبي. (¬3) أخرجه مسلمٌ رقم 2276 باب فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم. (¬4) أخرجه البخاريُّ 6/ 383، 384 في الأنبياء باب المناقب.

فضل قبيلته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على سائر القبائل

فضل قبيلته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على سائر القبائل عن المطلب بن أبي وداعة -رضي الله عنه-، قال: "جاء العباس -رضي الله عنه- إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكأنه سمع شيئًا، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر، فقال: من أنا؟ قالوا: أنت رسول الله، عليك السلام، قال: أنا محمَّد بن عبد الله بن عبد المطلب، إن الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم، ثم جعلهم فرقتين فجعلني في خيرهم، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا وخيرهم نفسا" (¬1). فضل قريش وذكر اسمها في القرآن دون غيرها من القبائل قال تعالى: {لإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)} (¬2). عن الزبير بن العوام قال: (فضل الله قريشًا بسبع خصال، فضلهم بأنهم عبدوا الله عشر سنين، لا يعبد الله إلا قريش، وفضلهم بأنهم نصرهم يوم الفيل، وهم مشركون، وفضلهم بأنه نزلت فيهم سورة من القرآن لم يدخل فيها أحد من العالمين وهي {لإِيلَافِ قُرَيْشٍ} وفضلهم بأن فيهم النبوة، والخلافة، والحجابة، والسقاية" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 210 والترمذيُّ في المناقب رقم 3375. (¬2) سورة قريش. (¬3) الصحيحة 1944 البيهقي، ابن عساكر.

كتبه الله في النبيين منذ خلق آدم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

كتبه الله في النبيين منذ خلق آدم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن الربيع عن جابر عن الشعبي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قيل يا رسول الله متى كتبت نبيا؟ قال: "وآدم بين الروح والجسد" (¬1). أخرج بن سعد عن قتادة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كنت أول الناس (¬2) في الخلق وأخرهم في البعث" (¬3). طيب مخرج أجداده وجداته آلائي ولدنه من لدن آدم حتى مولده (صلى الله عليه وسلم) عن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خرجت من نكاح، ولم أخرج من سفاح، من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي، لم يصبني من سفاح الجاهلية شيء" (¬4). فضل يوم مولده صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن أبي قتادة -رضي الله عنه- أنه - صلى الله عليه وسلم - سئل عن صوم يوم الاثنين فقال: "فيه ولدت وفيه أنزل علي" (¬5). وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم" (¬6). ¬

_ (¬1) أخرجه البزار 1/ 217. (¬2) أول الناس: يعني أول الأنبياء. (¬3) ابن سعد ج1 ص 149. (¬4) الإرواء 1914. (¬5) رواه مسلم ص 820 ح 198 ج 2. (¬6) رواه النسائي.

فضل بلده وبلد هجرته ومسجده (صلى الله عليه وسلم)

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر فيها لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا إلا رجلًا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال انظروا هذين حتى يصطلحا" (1). وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خلق الله التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين" (¬2). فضل بلده وبلد هجرته ومسجده (صلى الله عليه وسلم) عن ابن الزبير -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة بمسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من الساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة" (¬3). وعن عبد الله بن عدي -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لمكة: "والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت" (¬4). وعن أنس -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة" (¬5). وعن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنها طيبة تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة" (¬6). ¬

_ (1) رواه مسلم ص 1987 ح36 كتاب البر والصلة. (¬2) رواه مسلم وصححه الألباني. (¬3) رواه أحمد 4/ 5 بإسناد صحيح. (¬4) رواه أحمد 4/ 305، والترمذيُّ رقم 3681، وابن حبان رضي 1025، وابن ماجه رقم 3108 وحسنه الترمذيُّ وصححه. (¬5) رواه البخاري في الحج باب حرمة المدينة، ومسلمٌ في الفتن 18/ 85 من شرح النووي مطولا. (¬6) متفق عليه [رواه البخاري ومسلم].

صفة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وجمال خلقته

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، فإني آخر الأنبياء، وإن مسجدي آخر المساجد" (¬1). صفة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وجمال خلقته سألت خالي هند بن أبي هالة، وكان وصافا، عن حلية النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئًا، فقال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخمًا مفخمًا. يتلأللأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشذب (¬2). عظم الهامة (¬3). رجل الشعر (¬4). إن انفرقت عقيقته (¬5) فرق، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره، أزهر اللون. واسع الجبين. أزج الحواجب. سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب. أقني العرنين، له نور يعلوه، يحسبه من لم يتأمله أشم، كث (¬6) اللحية، سهل الخدين، ضليع (¬7) الفم مفلج (¬8) الأسنان دقيق المسربة (¬9) كأن عنقه جيد (¬10) دمية، في صفاء الفضة. معتدل الخلق بادن (¬11) متماسك. سواء البطن والصدر عريض الصدر. بعيد ما بين المنكبين. ضخم الكراديس (¬12). أنور المتجرد. موصل ما بين ¬

_ (¬1) رواه مسلم والنسائيُّ. (¬2) أقصر من المشذب: هو الطويل البائن الطول مع نقص في لحمه. (¬3) الهامة: هي الرأس. (¬4) رجل الشعر ليس بالجعد ولا بالسبط. (¬5) العقيقة أي الشعر وسمي عقيقة تشبها بشعر المولود (النهاية)، والوفرة: ما جاوز شحم الأذنين. أزج الحواجب: مقوسها، مع طول. من غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب هذا العرق يمتلئ عند الغضب، العرنين: أعلى الأنف، أشم: مرتفع الأنف. (¬6) كثير شعرها. (¬7) قوي الفم. (¬8) مفرق الأسنان: أى متباعدة عن بعضها قليلًا. (¬9) شعر ما بين صدره إلى سرته. (¬10) الجيد: هو العنق، والدمية: اللعبة ويريد الحسناء، لونه في صفاء الفضة. (¬11) بادن: أي بدين ليس بالهزيل. متماسك قوي معتدل الجسم. سواء البطن والصدر أي صدره بارزًا على بطنه: لا بطنه بارز على صدره بل هما سواء. (¬12) الكراديس: رؤوس الأعضاء كالكتف والركبة والمرفق.

طيب رائحة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

اللبة (¬1) والسرة. بشعر يجرى كالخط، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر (¬2) الذراعين والمنكبين، وأعالي الصدر. طويل الزندين. رحب الراحة (¬3) شثن الكفين. سائل الأطراف. أو قال شامل الأطراف. خمصان الأخمصين (¬4). مسيح (¬5) القدمين، ينبو عنهما الماء، إذا زال زال تقلعا، يخطو تكفئا (¬6)، ويمشى هونا، ذريع المشية، إذا مشى كأنما ينحط من صبب (¬7)، فإذا التفت التفت جميعًا (¬8). خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة (¬9)، يسوق أصحابه (¬10)، يبدر من لقي بالسلام (¬11)) (¬12). طيب رائحة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن أنسى -رضي الله عنه- قال: (دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: عندنا، فعرق وجاءت أمي بقارورة، فجعلت تسلت العرق، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أم سليم، ما هذا الذي تصنعين؟ قالت: عرقك نجعله لطيبنا، وهو أطيب الطيب) (¬13). ¬

_ (¬1) اللبة: هي من الصدر موضع الطوق. (¬2) كثير شعر الذراعين والمنكبين. (¬3) الراحة: الكف واسع الكف ضخم الكفين أهـ. (¬4) الأخمص: من القدم الموضع الذي لا يلصق بالأرض منها عند الوطء والخمصان المبالغ منه (النهاية) أي أن ذلك الموضع من أسفل قدميه شديد التجافي عن الأرض. (¬5) أي ملساوان لينتان ليس فيهما تكسر ولا شقاق (النهاية) والشقاق تشقق الجلد وهو من الأدواء كالسعال والزكام (نهاية). (¬6) كيمشي تقلعا يخطو تكفئا: مائلًا قليلا إلى الأمام. (¬7) من صبب: من مكان عال: أي سريع المشي. (¬8) التفت جميعًا: بكل جسده. (¬9) أكثر نظره الملاحظة أي يلحظ بعينه لحظًا، وهذا من حسن الأدب يجلب الهيبة والوقار. (¬10) يمشون أمامه ويمشي خلفهم. (¬11) يسبق بالسلام من لقيه. (¬12) أخرجه الترمذيُّ في الشمائل برقم (7) إلى قوله: (يبدر من لقيه بالسلام)، وبرقم (225)، وأبو نعيم في الدلائل مطولًا (227) وابن سعد في الطبقات (1/ 422) وزاد السيوطي في الجامع الصغير (الطبراني في المعجم الكبير والبيهقيُّ في شعب الإيمان) والبغويُّ في شرح السُّنَّة (3705) ودلائل النبوة للبيهقي ص 286/ 1. (¬13) رواه مسلم بطريقين في الفضائل ص 1815.

كرم أخلاقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

وفي رواية من وجه أخر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأتي أم سليم، فيقيل عندها، فتبسط له نطعا، فيقيل عليه (¬1)، وكان كثير العرق، فكانت تجمع عرقه فتجعله في الطيب والقوارير، فقال: يا أم سليم، ما هذا؟ قالت: عرقك أدوف* به طيبي). وعن أنس -رضي الله عنه- أيضًا قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أزهر اللون، كأن عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكافأ، ولا مسست ديباجه ولا حريرة ألين من كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا شممت مسكة ولا عنبرًا أطيب من رائحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). كرم أخلاقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال الله تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (¬3). وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كان خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن ثم، قالت: أتقرؤون سورة [المؤمنون]؟ قال: قلنا: نعم، قالت: اقرأ قال: فقرأت: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} (¬4) فقالت: هكذا كان خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (¬5). ¬

_ (¬1) فيقيل: أي ينام عندها في وقت القيلولة وهو وسط النهار. * أي أخلطه بطيبي. (¬2) رواه مسلم في الفضائل 15/ 85, 86 والترمذيُّ والدارميُّ رقم (62). (¬3) سورة القلم (1 - 4). (¬4) سورة المؤمنون (1 - 5). (¬5) أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 392 وصححه ووافقه الذهبي.

تواضعه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

تواضعه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله) (¬1). وعن عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنه- قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الذكر ويقل اللغو ويطيل الصلاة ويقصر الخطبة ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضى له الحاجة) (¬2). وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا قط بيده ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله -عَزَّ وَجَلَّ-) (¬3). تواضعه في بيته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن عائشة -رضي الله عنها- أنها سئلت هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعمل في بيته فقالت: (نعم كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخصف نعله ويخيط ثوبه ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته) (¬4). فضل جوده وشجاعته وحياءه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس وكان أجود الناس وكان أشجع الناس) (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاريُّ في الأنبياء. (¬2) أخرجه النسائي في الجمعة. (¬3) أخرجه مسلم في الفضائل برقم 2328. (¬4) أخرجه الإمام أحمد في المسند 6/ 121. (¬5) أخرجه البخاري في الجهاد.

بعثه الله ليتمم مكارم الأخلاق صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما قال: (ما رأيت أحدًا أجود ولا أنجد ولا أشجع ولا أرضى من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (¬1). عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- يقول: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد حياءً من العذراء في خدرها) (¬2). بعثه الله ليتمم مكارم الأخلاق صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" (¬3). أخذ له الميثاق قبل أن يخلقه في الدنيا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال -عَزَّ وجَلَّ-: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو الشيخ برقم 88. (¬2) مسلم حديث 2320. (¬3) رواه أحمد في 2/ 381. (¬4) سورة آل عمران (81).

فضله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وفضل أمته قبل أن يخلقهم

فضله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وفضل أمته قبل أن يخلقهم قال جَلَّ ثناؤه: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ...} (¬1). بشرت به الأنبياء قبل أن يبعث صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن العرباض بن سارية -رضي الله عنه-، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني عند الله خاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأخبركم عن ذلك، دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى، ورؤيا أمي التي رأت وكذلك أمهات النبيين يرين وإن أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأت حين وضعته نورًا أضاءت له قصورا الشام" (¬2). قوله: (لمنجدل: أي مطروح على وجه الأرض. صورة من طين، لم يجر فيه الروح بعد). ودعوة إبراهيم -عليه السلام-: هي قوله تعالى: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (¬3). ¬

_ (¬1) سورة الفتح (29). (¬2) رواه أحمد وابن حبان والحاكم وغيرهم وسنده صحيح عند أحمد في طريق له، وله شواهد عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وسيأتي، وعن أبي أمامه رواه الطيالسي رقم 2315 وأحمدُ والطبراني. (¬3) سورة البقرة (129).

هو صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم رحمة للعالمين وهدية الله إلى خلقه

وبشارة عيسى -عليه السلام-: هي قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} (¬1). هو صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم رحمة للعالمين وهدية الله إلى خلقه قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (¬2). وقال - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة" (¬3). رفع ذكره في الدنيا والآخرة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} (¬4). ¬

_ (¬1) سورة الصف (6). (¬2) سورة الأنبياء (107). (¬3) رواه الحاكم وصححه على شرطهما واللفظ له، والطبرانيُّ والبزار برجال الصحيح. (¬4) سورة الشرح (1 - 4).

فضل محبة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأن الإيمان بالله مرتبطا بمحبته - صلى الله عليه وسلم - فكلما ازداد الإنسان محبة له ازداد إيمانا بالله والعكس صحيح

فضل محبة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأن الإيمان بالله مرتبطًا بمحبته - صلى الله عليه وسلم - فكلما ازداد الإنسان محبة له ازداد إيمانًا بالله والعكس صحيح عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" (¬1). وعن عبد الله بن هشام -رضي الله عنه- قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك" فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الآن يا عمر" (¬2). وعن عبد المطلب بن ربيعه -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ورسوله" (¬3). وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، متى الساعة؟ قال: "وما أعددت للساعة؟ " قال: حب الله ورسوله، قال: "فإنك مع من أحببت". قال أنس: فما فرحنا بعد الإِسلام فرحًا أشد من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فإنك مع من أحببت". قال أنس: فأنا أحب الله ورسوله، وأبا بكر وعمر، فأرجو أن أكون معهم، وإن لم أعمل بأعمالهم (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري في الإيمان 1/ 65 من فتح الباري، ومسلمٌ 2/ 15 من شرح النووي، كذا النسائي 8/ 100 في الإيمان ونحوه أبي هريرة رواه البخاري في الإيمان 1/ 64. (¬2) رواه البخاري في باب كيف كانت يمين النبي -عليه السلام- من الأيمان والنذر 14/ 329, 330 من فتح الباري، وانظر المناقب 8/ 54. (¬3) رواه الترمذيُّ في المناقب رقم 3524 وحسنه وصححه ورواه أيضا أحمد والطيالسي والحاكم 3/ 333 وسنده حسن. (¬4) متفق عليه -البخاري ومسلمٌ- واللفظ لمسلم.

فضل حياته ومماته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

فضل حياته ومماته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كما في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حياتي خير لكم، تحدثون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم، تعرض عليَّ أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله عليه، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم" (¬1). وعن أوس بن أوس الثقفي -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، ففيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليَّ"، قالوا يا رسول الله: وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ -يعني بليت- فقال: "إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء" (¬2). وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن لله ملائكة في الأرض سياحين يبلغوني من أمتي السلام" (¬3). هو صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أمنة لأمته من العذاب قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}. نزلت عندما قال أبو جهل: [اللَّهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم] (¬4) ¬

_ (¬1) رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. (¬2) رواه أحمد 4/ 8 وأبو داود، رقم 1047، والنسائيُّ 3/ 75 وابن ماجه رقم 1085، وابن حبان رقم 550 كلهم في الجمعة وكذا رواه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي ص11 وسنده عندهم صحيح، ورواه أيضا الحاكم وصححه على شرطهما ووافقه الذهبي. (¬3) رواه أحمد 1/ 387. (¬4) سورة الأنفال، كما في حديث أنس المتفق عليه عند الشيخين.

أسري به صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى المسجد الأقصى وعرج به إلى السماء وهو يقظان بجسده وروحه

وقال - صلى الله عليه وسلم -كما في حديث أبي موسى -رضي الله عنه-: " ... النجوم أمنة السماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما ما يوعدون" (¬1). أسري به صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى المسجد الأقصى وعرج به إلى السماء وهو يقظان بجسده وروحه قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (¬2). المتبع لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يكون محبوبًا لله سبحانه وتعالى قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬3). وقد أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف تكون محبة الله لعبده فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله إذا أحب عبدًا دعا جبريل فقال: (إني أحب فلانا فأحبه)، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: ¬

_ (¬1) رواه مسلم كتاب فضائل الصحابة. (¬2) سورة الإسراء (1). (¬3) سورة آل عمران (31).

يكون المطيع لله ولرسوله (صلى الله عليه وسلم) معه في الجنة

(إن الله يحب فلانا فأحبوه)، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض ... " (¬1). يكون المطيع لله ولرسوله (صلى الله عليه وسلم) معه في الجنة قال الله -عَزَّ وجَلَّ-: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا} (¬2). عن جابر -رضي الله عنه- قال: جاءت ملائكة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -وهو نائم- فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة، والقلب يقظان، فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلا، قال: فاضربوا له مثلًا فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة، والقلب يقظان، فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارا، وجعل فيها مأدبة، وبعث داعيا، فمن أجاب الداعي دخل الدار، وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار، ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أولوها له يفقهها، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: فالدار الجنة، والداعي محمَّد -صلى الله عليه وسلم -، فمن أطاع محمدًا - صلى الله عليه وسلم - فقد أطاع الله، ومن عصى محمدًا - صلى الله عليه وسلم - فقد عصى الله، ومحمَّد - صلى الله عليه وسلم -[فَرَّق] وفي رواية [فرْقٌ] بين الناس (¬3). وفي رواية الحاكم والترمذيُّ: (فالله هو الملك، والدار الإِسلام، والبيت الجنة، وأنت يا محمَّد رسول، من أجابك دخل الإِسلام، ومن دخل الإِسلام دخل الجنة، ومن دخل الجنة أكل منها) (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري ومسلمٌ (كتاب بدء الخلق) ومسلمٌ (كتاب البر والصلة). (¬2) سورة النساء (69 - 70). (¬3) صحيح البخاري: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة: باب الاقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (¬4) سنن الترمذيّ: كتاب الأمثال: باب ما جاء في مثل الله لعباده رقم 2860.

هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

وعن عائشة قالت: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقال: يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي وإنك لأحب إلي من ولدي وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وإني إذا دخلت خشيت أن لا أراك فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم شيئًا حتى نزل جبريل -عليه السلام- بهذه الآية: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} (¬2)} (¬3). هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ...} (¬4). وقال - صلى الله عليه وسلم -: كما في حديث أبى هريرة -رضي الله عنه-: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم" (¬5). وفي رواية لهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أيضًا -واللفظ للبخاري- قال - صلى الله عليه وسلم-: "ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة، واقرؤوا إن شئتم {النَّبِيُّ أَوْلَى (¬6) بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}. ¬

_ (¬2) سورة النساء (69 - 70). (¬3) أخرجه الضياء المقدس في المختارة وحسنه. (¬4) سورة الأحزاب (6). (¬5) رواه البخاري ومسلمٌ. (¬6) أولى: بمعنى أحق.

هو صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأمته أولى الناس بالأنبياء من أممهم

فأيما مؤمن ترك مالًا فليرثه عصبته من كانوا وإن ترك دينا أو ضياعًا فليأتني فأنا مولاه" (¬1) ولمسلم -من حديث جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه" (¬2). هو صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأمته أولى الناس بالأنبياء من أممهم قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} (¬3). وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة ... " (¬4). وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسئلوا عن ذلك، فقالوا: هذا اليوم أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون، فنحن نصومه تعظيمًا له، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نحن أولى بموسى منكم". وفي لفظ: "نحن أحق وأولى بموسى منكم" وفي لفظ: "أنا أولى بموسى منهم" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري ومسلمٌ واللفظ للبخاري. (¬2) رواه مسلم. (¬3) سورة آل عمران (68). (¬4) اللفظ للبخاري صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء: باب {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا} وصحيح مسلم: كتاب الفضائل: باب فضائل عيسى ابن مريم -عليه السلام- رقم 143. (¬5) صحيح البخاري: كتاب مناقب الأنصار: باب إيتان اليهود النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قدم المدينة، وصحيح مسلم: كتاب الصيام: باب صوم يوم عاشوراء رقم 127، 128.

هو صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أول المسلمين

هو صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أول المسلمين قال تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} (¬1). هو صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم نبي الإِسلام قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (¬2). قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (¬3). وحيث أنه أول المسلمين فهو نبي للإسلام والمسلمين وأمته - صلى الله عليه وسلم - أمة الإِسلام: قال تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} (¬4). ¬

_ (¬1) سورة الزمر (11 - 12). (¬2) سورة آل عمران (19). (¬3) سورة آل عمران (85). (¬4) سورة الحج (78).

كونه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم منة يمتن به الله على عباده

كونه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم منة يمتن به الله على عباده قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (¬1). عن معاوية -رضي الله عنه- قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على حلقة من أصحابه فقال: "ما أجلسكم؟ " قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ (¬2) به علينا قال: "آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ " قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك قال: "أما أني لم أستحلفكم تهمة لكم ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله -عَزَّ وجَلَّ- يباهي (¬3) بكم الملائكة" (¬4). أقسم الله بحياته لفضله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال تعالى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} (¬5). أقسم الله ببلده ما دام هو فيه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} (¬6) ¬

_ (¬1) سورة آل عمران (164). (¬2) المنة: هي صنائع المعروف. (¬3) المباهاة: هي إظهار المحاسن والمعنى يظهر فضلكم للملائكة ويريهم حسن عملكم. (¬4) رواه مسلم برقم 2701 ص 2075. (¬5) سورة الحجر (72). (¬6) سورة البلد (1 - 2).

أقسم الله له صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

أقسم الله له صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال تعالى: {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} (¬1). أرسله الله للناس كافة عربًا وعجمًا وللأسود والأبيض منهم قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (¬2). وقال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم -كما في حديث جابر -رضي الله عنه-: "أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد" -زاد البخاري في روايته (من الأنبياء) - قبلي: "كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كل أبيض وأسود -عند البخاري: وبعثت إلى الناس عامة- وأحلت ليَّ الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض طيبة طهورًا ومسجدًا، فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان، ونصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر، وأعطيت الشفاعة" (¬3). لم يناده باسمه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إجلالًا له فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} (¬4). وقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ} (¬5) ¬

_ (¬1) سورة الضحى (1 - 5). (¬2) سورة سبأ (38). (¬3) روه البخاري ومسلمٌ واللفظ لمسلم. (¬4) سورة الماندة (67). (¬5) سورة الأنفال (64).

فضل الكتاب الذي أنزل عليه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وإعجازه

وقال جلّ شأنه: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} (¬1). وفي آيات كثيرات، بينما قال تعالى لأنبيائه: {يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا} (¬2) وقال لآدم -عليه السلام-: {يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} (¬3). فضْلُ الكتاب الذي أنزل عليه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وإعجازه قال الله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (¬4). وقال الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ} (¬5). وقال الله تعالى: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} (¬6). وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من الأنبياء من نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تبعًا" (¬7). ¬

_ (¬1) سورة المائدة (41). (¬2) سورة هود (48). (¬3) سورة البقرة (35). (¬4) سورة الإسراء (88). (¬5) سورة البقرة (23). (¬6) سورة البقرة (34). (¬7) رواه البخاري ومسلمٌ.

حفظه من التبديل والتحريف

حفظه من التبديل والتحريف قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (¬1). فضل تلاوته وتدبره عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول: {آلم} حرف ولكن ألف حرف ولام حرف، وميم حرف" (¬2). قدم ذكره على الأنبياء عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} (¬3). وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} (¬4). وكل هؤلاء قبله -عليه السلام-، وهو خاتم رسله، ولكن فضل الله يؤتيه من يشاء. ¬

_ (¬1) سورة الحجر (9). (¬2):رواه الترمذيُّ وقال الألباني حديث صحيح. (¬3) سورة الأحزاب (7). (¬4) سورة النساء (163).

جعله الله نورا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

جعله الله نورًا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال الله -عَزَّ وجَلَّ-: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (¬1). وقال جَلَّ شأنه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} (¬2). وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، أضاء من المدينة كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أظلم من المدينة كل شيء، وما فرغنا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا" (¬3). تولى الإجابة عنه ردًا على المشركين ودفاعًا عنه (صلى الله عليه وسلم) بينما الأنبياء والرسل كانوا هم الذين يدافعون عن أنفسهم عليهم أفضل الصلاة والتسليم. قال الله تعالى عن نوح -عليه السلام-: {قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (¬4). وقال الله تعالى عن هود -عليه السلام-: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (¬5). ¬

_ (¬1) سورة المائدة (15 - 16). (¬2) سورة الأحزاب (45 - 47). (¬3) رواه أحمد الترمذيُّ وابن حبان والحاكم وصححه ابن ماجه. (¬4) سورة الأعراف (60 - 61). (¬5) سورة الأعراف (66 - 67).

فضل الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

بينما قال مدافعًا عن نبيه محمَّد - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} (¬1). فضل الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (¬2). وعن أبي طلحة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أتاني جبريل فقال: يا محمَّد أما يرضيك أن ربك -عَزَّ وَجَلَّ- يقول: إنه لا يصلي عليك من أمتك أحد إلا صليت عليه بها عشرًا، ولا يسلم عليك أحد من أمتك تسليمة إلا سلمت عليه عشرًا، فقلت: بلى أي رب" (¬3). غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال الله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} (¬4). ¬

_ (¬1) سورة التكوير (22 - 27). (¬2) سورة الأحزاب (56). (¬3) رواه أحمد 4/ 30 والنسائيُّ. (¬4) سورة الفتح (1 - 3).

فضل رؤيته في المنام وأنها حق صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

فضل رؤيته في المنام وأنَّها حق صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي" (¬1). فُضِّل على الأنبياء بست صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت ليَّ الأرض طهورًا ومسجدًا، وأرسلت إلى الخلق كافة (¬2) وختم بي النبيون" (¬3). ختمه الله بخاتم النبوة بين كتفيه صلى الله عليه وعلى آله وصحبة وسلم سمعت أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص -رضي الله عنها- تقول: لما قدم أبي من أرض الحبشة رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورأيت خاتم النبوة بين كتفيه فجعلت أنظر إليه وهو يقول إيها كأنه يقول كيسة (¬4). صفة هذا الخاتم الرباني عن أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: كان خاتم النبوة في ظهره بضعة ناشزة (¬5). وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه-: كان خاتمة غدة حمراء، مثل بيضة الحمامة (¬6). ¬

_ (¬1) رواه البخاري في كتاب التعبير. (¬2) وأرسلت إلى الخلق كافة: أي جميع خلق الله من الملائكة والإنس والجن والحيوان والشجر والحجر والمدر. (¬3) رواه مسلم في كتاب المساجد. (¬4) رواه الطبراني في الكبير 25/ 95 رقم 245. (¬5) رواه الترمذي في الشمائل، الصحيحة 2092: حم. (¬6) رواه الترمذيُّ، الصحيحة 2093: م، ابن سعد.

فضل زمنه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على سائر الأزمان

فضل زمنه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على سائر الأزمان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتى كنت من القرن الذي كنت منه" (¬1). من فضل الله على أمته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أنَّها لا تعذب بعذاب الأمم السابقة ويبلغ ملكها مشارق الأرض ومغربها. عن ثوبان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوى لي منها وأعطيت الكنزين، الأحمر والأبيض، وأني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة ولا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم فأعطاني" (¬2). وعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقبل ذات يوم من العالية إلينا فقال - صلى الله عليه وسلم -: "سألت ربي ثلاثًا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة. سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها" (¬3). عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "مثل أمتي مثل المطر، لا يدري أوله خيرٌ أم آخره" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري. (¬2) رواه مسلم. (¬3) رواه مسلم. (¬4) رواه الطبراني وصححه الألباني في الجامع الصغير.

إسلام قرينه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فلا يأمره إلا بخير

عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "إن الله استقبل بي الشام، وولى ظهري اليمن، وقال لي: يا محمد إني جعلت لك ما تجاهك غنيمة ورزقا، وما خلف ظهرك مددا, ولا يزال الإِسلام يزيد وينقص الشرك وأهله، حتى تسير المرأتان لا تخشيان إلا جورا، والذي نفسي بيده لا تذهب الأيام والليالي حتى يبلغ هذا الدين مبلغ هذا النجم" (¬1). إسلام قرينه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فلا يأمره إلا بخير عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن، قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي، إلا أن الله أعانني عليه، فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير" (¬2). وفي حديث عائشة -رضي الله عنها- عندما غارت من خروجه - صلى الله عليه وسلم - من عندها ليلًا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أقد جاءك شيطانك؟ قالت: يا رسول الله! أو معي شيطان؟ قال: نعم، قلت: ومع كل إنسان؟ قال: نعم، قلت: ومعك يا رسول الله؟ قال: نعم، ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم". (¬3) شهادة الله وملائكته له صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال الله تعالى: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الطبراني وصححه الألباني في الجامع الصغير. (¬2) رواه مسلم. (¬3) رواه مسلم. (¬4) سورة النساء (166).

أعطاه علم الأولين والآخرين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

قال سبحانه تعالى: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} (¬1). قال جَلَّ شأنه: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} (¬2). أعطاه علم الأولين والآخرين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال الله تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} (¬3). عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: (قام فينا النبي - صلى الله عليه وسلم - مقاما فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم، وأهل النار منازلهم، وحفظ ذلك من حفظه، ونسيه من نسيه" (¬4). عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "لا تسألوني عن شيء إلى يوم القيامة إلا حدثتكم" (¬5) ¬

_ (¬1) سورة النساء (79). (¬2) سورة الفتح (28). (¬3) سورة النساء (113). (¬4) رواه البخاري في كتاب بدء. (¬5) متفق عليه.

رأى ربه في المنام في أحسن صورة وتجلى له كل شيء صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

رأى ربه في المنام في أحسن صورة وتجلى له كل شيء صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: (احتبس علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات غداة عن صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى قرن الشمس فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سريعا فثوب بالصلاة وصلى وتجوز في صلاته فلما سلم قال: كما أنتم على مصافكم ثم أقبل إلينا فقال: إني سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة إني قمت من الليل فصليت ما قدر لي فنعست في صلاتي حتى استيقظت فإذا أنا بربي -عَزَّ وَجَلَّ- في أحسن صورة فقال: يا محمَّد أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى قلت: لا أدري يا رب، قال: يا محمَّد فيم يختصم الملأ الأعلى قلت: لا أدري يا رب فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين صدري فتجلى لي كل شيء وعرفت، فقال: يا محمَّد فيم يختصم الملأ الأعلى قلت: في الكفارات، قال: وما الكفارات؟ قلت: نقل الأقدام إلى الجمعات وجلوس في المساجد بعد الصلاة وإسباغ الوضوء عند الكريهات، قال: وما الدرجات؟ قلت: إطعام الطعام ولين الكلام والصلاة والناس نيام، قال: سل، قلت: اللَّهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون وأسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنها حق فادر سوها وتعلموها" (¬1). أتاه الله مفاتيح كل شيء إلا الخمس صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال الله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} (¬2). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 243 (¬2) سورة الجن (27).

إخباره صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة

وعن ابن عمر -رضي الله عنه-، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أوتيت مفاتيح كل شيء إلا الخمس" (¬1). قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (¬2). إخباره صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة عن حذيفة -رضي الله عنه- قال: (لقد حدثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما يكون حتى تقوم الساعة) (¬3). عن حذيفة -رضي الله عنه- قال: (قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقامًا ما ترك فيه شيئًا إلى قيام الساعة إلا ذكره، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه، وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته فأراه كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه" (¬4). عن أبي ذر قال: (لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما) (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 85. (¬2) سورة لقمان (34). (¬3) رواه مسلم في الفتن 16/ 16 من شرح النووي. (¬4) رواه البخاري ومسلمٌ 16/ 15 شرح النووي في الفتن. (¬5) رواه أحمد 5/ 162،153.

طاعة الجمادات له صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

عن عمرو بن أخطب -رضي الله عنه- قال: (صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفجر، وصعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى حضر العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان، وبما هو كائن، فأعلمنا أحفظنا). (¬1) وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: (أخبرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، فما منه شيء إلا قد سألته، إلا أني لم أسأله: ما يخرج أهل المدينة من المدينة؟). (¬2) وعن عمر -رضي الله عنه-: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إن الله -عَزَّ وَجَلَّ- قد رفع لي الدنيا، فأنا أنظر إليها وإلى ما هو كائن فيها إلى يوم القيامة كأنما انظر إلى كفي هذه). (¬3) طاعة الجمادات له صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن سهل بن سعد -رضي الله عنهما- قال: (ارتج أحد وعليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر وعثمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أثبت أحد، ما عليك إلا النبي وصديق وشهيدان). (¬4) وعن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- قال: (إني لشاهد عند النبي - صلى الله عليه وسلم - في حلقة، وفي يده حصيات، فسبحن في يده -وفينا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي يسمع تسبيحهن من في الحلقة، ثم دفعهن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بكر، فسبحن مع أبي بكر، يسمع تسبيحهن من في الحلقة، ثم دفعهن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عمر-، فسبحن في يده، يسمع تسبيحهن من في الحلقة، ثم دفعهن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عثمان، فسبحن في يده، ثم دفعهن إلينا، فلم يسبحن مع أحد منا). (¬5) ¬

_ (¬1) رواه مسلم. (¬2) رواه مسلم. (¬3) رواه الطبراني. (¬4) رواه أحمد وأبو يعلى وابن حبان برجال الصحيح، مسند أحمد (5: 331) وصححه الحافظ في الفتح (7: 38). (¬5) رواه أبو نعيم في دلائل النبوة (2: 555، 556)، ورواه البزار، ورواه ابن عاصم، ورواه البيهقي (6: 64 - 65) والطبرانيُّ في الأوسط، ورواه التيمي (47، 215).

معرفة الحيوانات بأنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

معرفة الحيوانات بأنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن أبي سعيد قال: بينما راع يراعي بالحرة إذ عرض ذئب لشاة من شياهه فحال الراعي بين الذئب وبين الشاة فأقعى الذئب، ثم قال: ألا تتقى الله تعالى تحول بيني وبين رزق ساقه الله إلي، فقال الراعي: العجب من الذئب يتكلم بكلام الإنس، فقال الذئب: ألا أحدثك بأعجب من ذلك، رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الحرتين يحدث الناس بأنباء ما قد سبق، فساق الراعي غنمه حتى قدم المدينة فدخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدث بحديث الذئب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (صدق، ألا إنه من أشراط الساعة كلام السباع الإنس، والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس، ويكلم الرجل شراك نعله وعذبة سوطه ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده). (¬1) طاعة الحيوان له صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان أهل بيت من الأنصار لهم جمل يسنون عليه، وأنه استصعب عليهم، فمنعهم ظهره، وأن الأنصار جاؤوا إلى رسول الله صلى عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقالوا: يا رسول الله: إنه كان لنا جمل نسني عليه، وأنه استصعب علينا ومنعنا ظهره، وقد عطش الزرع والنخل، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأصحابه: (قوموا)، فقاموا فدخل الحائط، والجمل في ناحيته، فمشى النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه، فقالت الأنصار: يا رسول الله قد صار مثل الكلْب الكلِب، نخاف عليك صولته، قال: (ليس علي منه بأس) فلما نظر الجمل إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أقبل نحوه، حتى خرّ ساجدًا بين يديه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بناصيته أذل ما كانت قط، حتى أدخله في العمل. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 83، 84، 88، 89 والبزار والحاكم 4/ 467 من طرق بعضها صحيحة، وصححه الحاكم، وقال الهيثمي 8/ 291 ورجال إسنادي أحمد رجال صحيح أهـ، وروى آخره الترمذيُّ رقم 2009 في الفتن وحسنه وصححه.

ليس من شيء في الأرض ولا في السماء إلا ويعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

فقال له أصحابه: يا رسول الله، هذا بهمية لا يعقل يسجد لك، ونحن نعقل فنحن أحق أن نسجد لك. قال - صلى الله عليه وسلم -: (لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها, لعظم حقه عليها ...) (¬1) الحديث ليس من شيء في الأرض ولا في السماء إلا ويعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من سفر، حتى إذا دفعنا إلى حائط من حيطان بن النجار، إذا فيه جمل لا يدخل الحائط أحد إلا شد عليه، قال: فذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فجاء حتى أتى الحائط، فدعا البعير، فجاء واضعًا مشفره إلى الأرض، حتى برك بين يديه، قال: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (هاتوا خطامًا) فخطمه، فدفعه إلى صاحبه، قال: ثم التفت إلى الناس فقال: (إنه ليس شيء بين السماء والأرض إلا يعلم أني رسول الله، إلا عاصي الجن والإنس" (¬2). ¬

_ (¬1) مسند أحمد (3: 158) وكشف الستار (3: 151 - 152) وعشرة النساء (225) ودلائل النبوة لأبي نعيم (2: 491 - 492) ومجمع الزوائد (9: 4) والترغيب والترهيب (4: 123) والشمائل لابن كثير (262 - 263) والنظم المتناثر (138)، رواه أحمد والبزار برجال الصحيح غير حفص بن أخي أنس وهو ثقة، وروى البزار نحوه، ورورى النسائي آخره، وقال المنذري: إسناده جيد، رواته ثقات مشهورون أهـ. وقال ابن كثير: إسناد جيد, وصححه السيوطي في تخريج أحاديث الشفا والله أعلم. (¬2) رواه أحمد والدارميُّ وابن أبي شيبة والطبرانيُّ وعبد بن حميد والبزار، وأبو نعيم والبيهقيُّ والتيمي. -ثلاثتهم في، دلائل النبوة، والضياء المقدسي، من طرق عن الأجلح عن ذبال بن حرملة عن جابر -رضي الله عنه-. ورواه أحمد والطبرانيُّ والبيهقيُّ وصححه -بلفظه- من حديث يعلي بن مرة -رضي الله عنه- ورجال أحمد رجال صحيح. ورواه الطبراني برجال ثقات -وفي بعضهم ضعف- وأبو نعيم والبيهقيُّ والتيمي كلهم في الدلائل من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - بنحوه. وقال البيهقي رحمه الله تعالى: هذه طرق جيدة متعددة تفيد غلبة الظن أو القطع ... أهـ. والله تعالى أعلم، مسند أحمد (3: 310).

معرفة الشجر بأنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

معرفة الشجر بأنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم 1 - عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: (جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو خارج من مكة قد خضبه (¬1) أهل مكة بالدماء قال: ما لك؟ قال: خضبني هؤلاء بالدماء فعلوا وفعلوا، قال: تريد أن أريك آية؟ قال: نعم، قال: أدع تلك الشجرة، فدعاها فجاءت تخط الأرض (¬2) حتى قامت بين يديه، قال: مرها فلترجع، قال ارجعي إلى مكانك فرجعت إلى مكانها، قال: حسبي (¬3)) (¬4). وعن عمر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان بالحجون (¬5) فرد عليه المشركون، فقال: (اللَّهم أرني آية لا أبالي (¬6) من كذبني بعدها من قومي). (¬7) وعد الله له بالنصر والعز والتمكين في الأرض عن عياض بن حمار المجاشعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: ألا أحدثكم بما حدثني الله به في الكتاب إن الله خلق آدم وبنيه حنفاء مسلمين وأعطاهم المال حلالًا لا حرام فيه من شاء اقتنى ومن شاء احترث فجعلوا مما أعطاهم الله حراما وحلالا وعبدوا الطواغيت فأمرني الله أن أتيهم فأبين لهم الذي جبلهم عليه، فقلت لربي أخاطبه إن آتيهم به تثلغ قريش رأسي كما تثلغ الخبزة، فقال: أمضه أمضه، وأنفق ¬

_ (¬1) خضبوه: أي ضربوه حتى أدموه. (¬2) أي تعلم عليها بمشيها وأثر جذورها. (¬3) حسبي: أي كافيني, ومعناه ظهور هذه الآية كفاية لي. (¬4) رواه الدارمي رقم 23، وابن ماجه في الفتن رقم 4028، وغيرهما من طرق الأعمش عن أبي سفيان عنه، وسنده صحيح مع اختلاف في اتصاله وانقطاعه، وله شاهد عن جابر رواه أحمد وغيره ويؤيده الحديث التالي. (¬5) بفتح الحاء جبل بأعلى مكة عند مقبرة المعلاة. (¬6) لا أبالي: أي أكترث وأعبأ. قلت لا زال مسجد الشجرة بالحجون بمكة شرفها الله تعالى. (¬7) رواه البزار وأبو يعلى, قال الهيثمي في المجمع 9/ 10: وإسناد أبي يعلى حسن.

صفة أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

أنفق عليك، وقاتل بمن أطاعك من عصاك، وإن شاء جعل مع كل جيش بعثته عشرة أمثالهم من الملائكة، ونافخ في صدر عدوك الرعب، ومعطيك كتابي لا يمحوه الماء أُذكِّركَهُ نائمًا ويقظانا فأبصروني وقريشًا هذه، فإنهم قد دموا وجهي وسلبوني أهلي وأنا مناديهم، فإن أغلبهم باتوا ما دعوتهم إليه طائعين أو كارهين وإن يغلبوني، فاعلموا أني لست على شيء ولا أدعوكم إلى شيء). (طب) وابن عساكر عن عياض ابن حمار المجاشعي رضي الله عنه). صفة أمة محمَّد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وروى البيهقي عن عثمان بن الحكم بن رافع بن سنان (¬1) حدثني بعض عمومتي وآبائي أنهم كانت عندهم ورقة يتوارثونها في الجاهلية حتى جاء الله بالإِسلام وبقيت عندهم، فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ذكروها له وأتوه بها مكتوب فيها: بسم الله وقوله الحق وقول الظالمين في تباب. هذا الذكر لأمة تأتي في آخر الزمان يغسلون (¬2) أطرافهم ويأتزرون (¬3) على أوساطهم، ويخوضون البحور إلى أعدائهم فيهم صلاة لو كانت في قوم نوح ما أهلكوا بالطوفان، وفي عاد ما أهلكوا بالريح، وفي ثمود ما أهلكوا بالصيحة. بسم الله وقوله الحق وقول الظالمين في تباب. ثم ذكر قصة أخرى. قال: فعجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قرأت عليه فيها. أكمل الله لها الدين وأتم عليها النعمة {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}. (¬4) ¬

_ (¬1) رواه ابن الجوزي في الوفا: عن عمر بن حفص وكان من خيار الناس. قال: كان عند أبي أو جدي ورقة يتوارثوها قبل الإِسلام بزمان. (¬2) الأصل: ليبلون، ما أثبه عن الوفا لابن الجوزي. (¬3) المطبوعة: ويوترون، وهو تحريف. السيرة لابن كثير مصطفى عبد الواحد [1/ 331]. (¬4) سورة المائدة (3).

رفع عنها الإصر والأغلال التي كانت على من سبقهم

رفع عنها الإصر والأغلال التي كانت على من سبقهم قال تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ}. (¬1) وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}. (¬2) تؤمن بجميع الأنبياء عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}. (¬3) وقال سبحانه وتعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}. (¬4) ¬

_ (¬1) سورة المائدة (6). (¬2) سورة البقرة (185). (¬3) سورة البقرة (285). (¬4) سورة البقرة (136).

فضل صحابته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على من بعدهم من الناس

فضل صحابته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على من بعدهم من الناس عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (يأتي على الناس زمان يغزوا فئام من الناس فيقال: فيكم من صاحب الرسول؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم ثم يأتي على الناس زمان فيغزوا فئام من الناس فيقال لهم: هل فيكم من صاحب أصحاب الرسول؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزوا فئام من الناس، فيقال لهم: هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب الرسول؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم). (¬1) فضل القرن الذي هو فيه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على غيره من القرون وعن عائشة -رضي الله عنها قالت: سأل رجل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي الناس خير؟ قال: (القرن الذي أنا فيه، ثم الثاني، ثم الثالث). (¬2) خصهم الله بليلة القدر قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)}. (¬3) ¬

_ (¬1) رواه أحمد والبخاريُّ ومسلمٌ. (¬2) رواه مسلم. (¬3) سورة القدر (1 - 5).

فضل شهادتهم عند الله (عز وجل)

فضل شهادتهم عند الله (عَزَّ وَجَلَّ) فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: مروا بجنازة، فأثنوا عليها خيرًا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وجبت) ثم مروا بأخرى، فأثنوا عليها شرًا، فقال: (وجبت) فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: ما وجبت؟ قال: (هذا أثنيتم عليه خيرا، فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا، فوجبت له النار. أنتم شهداء الله في الأرض). (¬1) وفي لفظ للبخاري (¬2) (المؤمنون شهداء الله في الأرض). وعند مسلم: (من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء في الأرض، أنتم شهداء في الأرض). فضلوا برحمة الله وبركاته وسلام منه يوم يلقونه (عَزَّ وَجَلَّ) قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}. (¬3) وقال -عَزَّ وجَلَّ-: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا}. (¬4) وقال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا}. (¬5) ¬

_ (¬1) صحيح البخاري: كتاب الجنائز: باب ثناء الناس على الميت، وصحيح مسلم: كتاب الجنائز: باب فيمن يثنى عليه خير أو شر من الموتى. (¬2) صحيح البخاري: كتاب الشهادات: باب تعديل كم يجوز. (¬3) سورة الأحزاب (43). (¬4) سورة الأحزاب (44). (¬5) سورة الأحزاب (47).

كون أمته أمة جاهلية لا حلم لها ولا علم يعطيهم الله من حلمه وعلمه

كون أمته أمة جاهلية لا حلم لها ولا علم يعطيهم الله من حلمه وعلمه قال تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}. (¬1) عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال سمعت أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن الله -عَزَّ وجَلَّ- يقول: "يا عيسى! إني باعث من بعدك أمة، إن أصابهم ما يحبون حمدوا وشكروا، وإن أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا, ولا حلم ولا علم. قال: يا رب! كيف هذا لهم ولا حلم ولا علم. قال: أعطيهم من حلمي وعلمي). (¬2) فضائل أمة محمَّد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على الأمم السابقة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به). (¬3) وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله -عَزَّ وجَلَّ- وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه). (¬4) وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الطاعون، فأخبرني أنه عذاب يبعثه الله على من يشاء، وأن الله جعله رحمة للمؤمنين ليس ¬

_ (¬1) سورة البقرة (151). (¬2) رواه أحمد في مسنده [6: 45] وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح. (¬3) رواه البخاري ومسلمٌ في كتاب الإيمان. (¬4) رواه ابن ماجه في الطلاق.

أحد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرًا محتسبًا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتبه الله له كان له مثل أجر شهيد). (¬1) وعن معاوية بن حيدة أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: في قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}: (أنكم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله تعالى). (¬2) وعن معاذ بن جبل قال: (رقبنا النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة العتمة فأخر حتى ظن الظان أنه ليس بخارج والقائل منا يقول: صلى، فإنا لكذلك حتى خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا له كما قالوا، فقال لهم: (اعتموا بهذه الصلاة فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم ولم تصلها أمة قبلكم). (¬3) عن حذيفة وأبي هريرة -رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق). (¬4) وعن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين). (¬5) وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدًا، وجعلت تربتها لنا طهورا، إذا لم نجد الماء) وذكر خصلة أخرى. (¬6) ¬

_ (¬1) رواه البخاري في الطب. (¬2) رواه أحمد 5/ 3 - 5 والترمذيُّ. (¬3) رواه أبو داود في الصلاة. (¬4) رواه مسلم 6/ 144 شرح النووي. (¬5) رواه أحمد 6/ 135 وابن ماجه. (¬6) رواه مسلم.

أحلت لها الغنائم

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يجمع الله أمتي على ضلالة أبدا ويد الله على الجماعة). (¬1) أحلت لها الغنائم قال تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا}. (¬2) وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لم تحل الغنائم لأحد سود الرؤوس من قبلكم، كانت تنزل نار من السماء فتأكلها ...). (¬3) وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن الشيخين، واللفظ لمسلم -قال - صلى الله عليه وسلم -: (... فلم تحل الغنائم لأحد من قبلنا ذلك بأن الله تبارك وتعالى رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا) - وعند البخاري: فأحلها لنا. جعلت أفضل الأمم قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}. (¬4) وقال -عَزَّ وجَلَّ- أيضًا: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}. (¬5) ¬

_ (¬1) رواه الترمذيُّ في الفتن رقم (1995). (¬2) سورة الأنفال (69). (¬3) رواه الترمذيُّ وصححه، وأحمدُ. (¬4) سورة آل عمران (110). (¬5) سورة البقرة (143).

خصهم بساعة الإجابة يوم الجمعة

خصهم بساعة الإجابة يوم الجمعة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: (فيه ساعة لا يوفقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئًا إلا أعطاه إياه وأشار بيده يقللها). (¬1) فضائل أمة محمَّد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى آخر الزمن فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم). وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر جهادًا بين يدي الدجال فقالوا: أي المال خير يومئذ؟ قال: (غلام شديد يسقي أهله الماء، أما الطعام فليس) قالوا: فما طعام المؤمنين يومئذ، قال: (التسبيح والتكبير والتهليل) قالت عائشة: فأين العرب يومئذ؟ قال: (العرب يومئذ قليل). وعن جابر -رضي الله عنه- قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى ابن مريم - صلى الله عليه وسلم - فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة). (¬2) الله يبعث لها في كل مائة سنة من يجدد لها الدين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (إن الله يبعث أو يقيض لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها (¬3)). (¬4) ¬

_ (¬1) متفق عليه واللفظ للبخاري "كتاب الجمعة". (¬2) رواه مسلم. (¬3) يجدد لها دينها: أي يظهر لها ما أميت من السنن. والتجديد هو: تلميع الشيء وإظهار محاسنه بعد أن علاه الصدأ والغبار. (¬4) أخرجه أبو داود (4291).

من فضل الله على أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أنهم لا يجتمعون على ضلاله وظاهرين على الحق وقائمين بأمر الله منصورين مستقيمين إلى أن تقوم الساعة

من فضل الله على أمة محمَّد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أنهم لا يجتمعون على ضلاله وظاهرين على الحق وقائمين بأمر الله منصورين مستقيمين إلى أن تقوم الساعة روى البخاري في صحيحه عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون. (¬1) وروى عن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- قال: سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول: ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيمًا حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله. (¬2) وروى مسلم في صحيحه عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول: لا يزال الدين قائمًا حتى تقوم الساعة. (¬3) وروى أحمد في مسنده عن معاوية بن قرة -رضي الله عنه- قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ولن تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة. (¬4) وروى الحاكم في المستدرك عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول: لا يجمع الله أمتي أو قال هذه الأمة على الضلالة أبدًا ويد الله على الجماعة. (¬5) ¬

_ (¬1) فتح الباري ج 13/ 293. (¬2) فتح الباري ج 13/ 293. (¬3) صحيح مسلم تخريج محمَّد فؤاد عبد الباقي ج 3/ 1453. (¬4) مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 3/ 436، (¬5) المستدرك للحاكم ج 1/ 116.

زيادة ثوابهم مع قلة أعمالهم

زيادة ثوابهم مع قلة أعمالهم فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنما أجلكم -في أجل من خلا من الأمم- ما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس. وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالًا فقال: من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط؟ فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط. ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط؟ فعمل النصارى من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط. ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين. ألا فأنتم الذين يعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين. ألا لكم الأجر مرتين. فغضبت اليهود والنصارى، فقالوا: نحن أكثر عملًا وأقل عطاء! قال الله: هل ظلمتم من حقكم شيئًا؟ قالوا: لا، قال: فإنه فضلي أعطه من شئت). (¬1) وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قومًا يعملون له عملًا: يوما إلى الليل على أجر معلوم، فعملوا له نصف النهار، فقالوا: لا حاجة لنا إلى أجرك الذي شرطت لنا، وما عملنا باطل، فقال لهم: لا تفعلوا، أكملوا بقية عملكم، وخذوا أجركم كاملًا، فأبوا وتركوا. واستأجر آخرين بعدهم، فقال: أكملوا بقية يومكم هذا ولكم الذي شرطت لهم من الأجر، فعملوا حتى إذا كان حين صلاة العصر قالوا: لك ما عملنا باطل، ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه، فقال لهم: أكملوا بقية عملكم، فإن ما بقي من النهار شيء يسير، فأبوا، فاستأجر قوما أن يعملوا بقية يومهم، فعملوا بقية يومهم، حتى إذا غابت الشمس، واستكملوا أجر الفريقين كليهما، فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النور. (¬2) ¬

_ (¬1) رواه البخاري. (¬2) رواه البخاري.

فضائل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

وفي رواية الإسماعيلي: (فذلك مثل المسلمين الذين قبلوا هدى الله وما جاء به رسوله ومثل اليهود والنصارى، تركوا ما أمرهم الله). فالطائفة الأولى: هم اليهود، والثانية: هم النصارى، والثالثة التي لها الأجر مرتين: هم المسلمون. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. فضائل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن رفاعة الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (والذي نفس محمدٍ بيده، ما من عبد يؤمن ثم يسدد إلا سلك به في الجنة، وأرجو أن لا يدخلها أحد حتى تبوءوا أنتم ومن صلح من ذرياتكم مساكن في الجنة ولقد وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفًا بغير حساب). (¬1) عن أبي بكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (أعطيت سبعين ألفًا من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب، وجوههم كالقمر ليلة البدر، قلوبهم على قلب رجل واحد، فاستزدت ربي -عَزَّ وجَلَّ-, فزادني مع كل واحد سبعين ألفا). (¬2) عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدًا، وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء وأعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطها نبي قبلي). (¬3) ¬

_ (¬1) (صحيح) عن رفاعة الجهني (حم). (¬2) (صحيح) عن أبي بكر (حم). (¬3) (صحيح) , (حم، م, ن) عن حذيفة، الإرواء 285: السراج، هق.

وصفه الله بالشهادة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فهو شهيدا على الأنبياء السابقين وعلى أممهم وعلى أمته

وصفه الله بالشهادة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فهو شهيدًا على الأنبياء السابقين وعلى أممهم وعلى أمته قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا}. (¬1) وقال جل شأنه أيضا: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا}. (¬2) وعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه-: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج يومًا، فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر، فقال: (إني فرط لكم، وأنا شهيد عليكم وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض). (¬3) أخر دعوته المستجابة من أجل شفاعته لأمته يوم القيامة فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة). (¬4) وعن أنس -رضي الله عنه-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لكل نبي دعوة دعاها لأمته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة). (¬5) وعن جابر -رضي الله عنه-، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لكل نبي دعوة لقد دعا بها في أمته، وخبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة). (¬6) ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب آية (45). (¬2) سورة النساء آية (41). (¬3) الحديث متفق عليه واللفظ لمسلم. (¬4) متفق عليه واللفظ لمسلم. (¬5) متفق عليه واللفظ لمسلم. (¬6) رواه مسلم.

شفاعته للناس في المحشر يوم القيامة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

شفاعته للناس في المحشر يوم القيامة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون مم ذلك، يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنوا (¬1) الشمس فيبلغ الناس من الهم والكرب ما لا يطيقونه ولا يحتملون فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون إلى ما أنتم فيه، ألا ترون إلى ما قد بلغكم، ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟. فيقول الناس بعضهم لبعض: أبوكم آدم. فيأتون آدم فيقولون، يا آدم أنت أبو البشر (¬2)، خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك فاشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إن ربى قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله ولن يغضب بعده مثله، وأنه نهاني عن الشجرة فعصيت، نفسي، نفسي اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحًا فيقولون: يا نوح أنت أول الرسل (¬3) إلى أهل الأرض، وسمّاك الله عبدًا شكورًا، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول نوح: إن ربى قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعد مثله، وإنه كانت لي دعوة دعوتها على قومي، نفسي، نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم. فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول إن الله قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله فذكر كذباته (¬4)، نفسي، نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى. ¬

_ (¬1) تدنوا: أي تقترب. (¬2) أبو البشر: فيه رد على فكرة داروين الملعون القائل بأن الإنسان أصله قرد وليس بابن لآدم -عليه السلام-. (¬3) أول الرسل: معناه أولهم بعد عبادة الأصنام، وإلا فقد سبقه آدم وإدريس. (¬4) كذباته: هي كذبات حسب للظاهر أما في الواقع فليست كذلك وهي قوله في سارة: أختي، وقوله: (إني سقيم) وقوله: (بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم).

فيأتون موسى فيقولون: يا موسى أنت رسول الله اصطفاك (¬1) الله برسالته وبتكليمه على الناس اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإني قتلت (¬2) نفسًا لم أؤمر بقتلها، نفسي، نفسي، اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى. فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى، أنت رسول الله وكلمته (¬3) ألقاها إلى مريم وروح منه، وكلمت الناس في المهد (¬4)، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا، فيقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر ذنبا، اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد. فيأتون فيقولون: يا محمد أنت رسول الله وخاتم النبيين، غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما قد بلغنا، ألا ترى ما نحن فيه فأقوم فآتي تحت العرش، فأقع ساجدًا لربي يفتح الله تعالى عليّ ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه ما لم يفتحه على أحد قبلي، فيقال: يا محمد ارفع رأسك سل تعط اشفع تشفع فيقول: يا رب أمتي أمتي، يا رب أمتي أمتي، يا رب أمتي أمتي، فيقال: يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليه (¬5) من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سواه من الأبواب، ثم قال: والذي نفس محمد بيده لما بين مصراعين من (¬6) مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى). ¬

_ (¬1) اصطفاك: أي اختارك. (¬2) قتلت: قال تعالى: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ}. ولم يكن قتله عن عمد، ثم أن القتيل كان محاربًا قبطيًا فهو مهدر الدم، ولكن مقام النبوة يقتضي هذا وأكثر، فهم أشد الناس خوفًا من الله -عَزَّ وجَلَّ-. (¬3) كلمته: أي قوله: (كن فيكون). (¬4) في المهد: أي في الفراش. (¬5) من لا حساب عليه: هذا يقتضي أنه هناك من الأمة من لا يحاسبه الله. (¬6) جمع مصراع بكسر الميم هي دفة الباب وغلقته.

فضل بالمقام المحمود صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

فُضِّل بالمقام المحمود صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن كعب بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (يحشر الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تل فيكسوني ربي حلة خضراء، ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول فذلك المقام المحمود). (¬1) فُضِّل بالوسيلة والفضيلة دون الخلق أجمعين عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سمعتم المؤذن، فقولوا مثل ما يقول. ثم صلوا عليّ، فإنه من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا. ثم سلوا الله ليَّ الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة، لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله. وأرجوا أن أكون أنا هو، فمن سأل ليَّ الوسيلة حلت له شفاعتي). (¬2) جعل ما بين بيته ومنبره روضة من رياض الجنة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حدثنا زهير بن حرب ومحمَّد بن المثنى، قالا حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله، وحدثنا ابن نمير. حدثنا أبى. حدثنا عبيد الله عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة. ومنبري على حوضي). (¬3) فعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (منبري على ترعة من ترع الجنة). (¬4) ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 456. (¬2) رواه مسلم. (¬3) رواه البخاري. (¬4) رواه أحمد والطبرانيُّ في الكبير والبيهقيُّ، ورجاله رجال الصحيح.

أكرم الخلق على الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يوضع له كرسي على يمين العرش

وروى أحمد والنسائيُّ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- هذا الحديث مع تعيين المنبر فقال: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (منبري هذا على ترعة من ترع الجنة). (¬1) عن أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن قوائم منبري هذا رواتب في الجنة) (¬2). أكرم الخلق على الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يوضع له كرسي على يمين العرش عن عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- قال: (... إن أكرم خليقة الله على الله أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: فإذا كان يوم القيامة بعث الله الخليقة أمة أمة، ونبيًا نبيًا، حتى يكون أحمد أمته آخر الأمم مركزًا، قال: فيقوم، فيتبعه أمته برّها وفاجرها، ثم يوضع جسر جهنم، فيأخذون الجسر، فيطمس الله أبصار أعدائه، من شمال ويمين، وينجو النبي - صلي الله عليه وسلم - والصالحون معه، فتلقاهم الملائكة، فتريهم منازلهم من الجنة: على يمينك، على يسارك، حتى ينتهي إلى ربه -عَزَّ وجَلَّ-، فيلقى له كرسي عن يمين الله -عَزَّ وجَلَّ-، ثم ينادي مناد: أين عيسى وأمته ...) (¬3). عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (إن المقسطين عند الله يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمان وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولُّوا). (¬4) عن عبد الله بن الحارث، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: رسول الله - صلى عليه وسلم-: (فأكسى حله من حلل الجنة، ثم أقوم عن يمين العرش ليس أحد من الخلاتق يقوم ذلك المقام غيري). (¬5) ¬

_ (¬1) رواه الطبراني بسند حسن عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-. (¬2) أخرجه النسائي -واللفظ له- وأحمدُ. (¬3) رواه الحاكم وصححه وأقره الذهبي. (¬4) رواه مسلم (1827). (¬5) أخرجه الترمذيُّ (3611).

أعطاه الله الكوثر في المحشر

عن أبي وائل، عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (قيل له: ما المقام المحمود؟ قال: ذاك يوم ينزل الله تعالى على كرسي، يئط كما يئط الرحل الجديد من تضايقه به وهو كسعة ما بين السماء والأرض ويجاء بكم حفاة عراة غرلا، فيكون أول من يكسى إبراهيم، يقول الله تعالى: اكسوا خليلي، فيؤتى بريطتين بيضاوين من رياط الجنة، ثم أكسى على أثره، ثم أقوم عن يمين الله مقامًا يغبطني الأولون والآخرون) (¬1). أعطاه الله الكوثر في المحشر (أنزلت علي آنفا سورة "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} " أتدرون ما الكوثر؟ فإنه نهر وعدنيه ربي، عليه خير كثير هو حوضي، ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته كعدد النجوم فيختلج العبد منهم، فأقول: رب إنه من أمتي فيقول: ما تدري ما أحدث بعدك). (¬2) مقدار سعة حوضه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وفي رواية لمسلم عنه -رضي الله عنه-، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن حوضي أبعد من أيلة (¬3) من عدن، لهو أشد بياضًا من الثلج، وأحلى من العسل باللبن، ولآنيته أكثر من عدد النجوم وإني لأصد الناس عنه، كما يصد الرجل إبل الناس عن حوضه، قالوا: يا رسول الله! أتعرفنا يومئذ؟ قال: نعم، لكم سيما ليس لأحد من الأمم، تردون علي غرًا محجلين من أثر الوضوء). ¬

_ (¬1) أخرجه الدارمي (3803). (¬2) صحيح أبي داود (753). (¬3) عدن في جنوب الجزيرة العربية، وإيلة هي خليج العقبة في الأردن على البحر الأحمر في شمائل الجزيرة والمسافة قرابة (2100) كيلو متر، وحوضه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مربع طوله كعرضه.

الأوائل التي فضل بها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على الخلق

الأوائل التي فُضِّل بها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على الخلق عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع وأول مشفع). (¬1) وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق). (¬2) وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أنا أول من تنشق عنه الأرض فأكسى الحلة من حلل الجنة، ثم أقوم عن يمين العرش ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيري). (¬3) فعن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (نحن آخر الأمم وأول من يحاسب يقال: أين الأمة الأمية ونبيها؟ فنحن الآخرون الأولون). (¬4) عن أبي الدرداء وأبي ذر قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أنا أول من يؤذن له بالسجود يوم القيامة، وأول من يؤذن له أن يرفع رأسه فأرفع رأسي فأنظر بين يدي فأعرف أمتي من بين الأمم) فقال رجل: يا رسول الله! فكيف تعرف أمتك من بين الأمم ما بين نوحا إلى أمتك؟ قال: (غر محجلون من أثر الوضوء ولا يكون لأحد من الأمم غيرهم، وأعرفهم أنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم، وأعرفهم بسيماهم في وجوههم من أثر السجود، وأعرفهم بنورهم الذي بين أيديهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم). (¬5) عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أنا أكثر الأنبياء تبعًا يوم القيامة وأنا أول من يقرع باب الجنة). (¬6) ¬

_ (¬1) رواه مسلم. (¬2) رواه البخاري. (¬3) رواه الترمذيُّ. (¬4) رواه ابن ماجه. (¬5) رواه أحمد 5/ 195. (¬6) رواه مسلم.

شفاعته لأمته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يوم القيامة

فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أنا أول الناس خروجًا إذا بعثوا، وأنا خطيبهم إذا وفدوا، وأنا مبشرهم إذا أيّسوا، لواء الحمد يومئذ بيدى، وأنا أكرم ولد آدم على ربي ولا فخر). (¬1) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يضرب جسر جهنم فأكون أول من يجيز). (¬2) شفاعته لأمته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يوم القيامة عن أنس نحوه وفيه: (فيأتون فأقوم فأمشي بين سماطين من المؤمنين حتى أستأذن على ربي فإذا رأيت ربي وقعت له ساجدًا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقال: ارفع رأسك، قل تسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه، فأرفع رأسي فأحمده بتحميد يعلمنيه، ثم اشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة. ثم أعود إليه الثانية: فإذا رأيت ربي وقعت له ساجدًا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول: ارفع محمد قل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأحمده بتحميد يعلمنيه، ثم أشفع فيحد لي حدا فادخلهم الجنة. ثم أعود إليه الثالثة: فإذا رأيت ربي وقعت له ساجدًا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقال: إرفع محمد قل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأحمده بتحميد يعلمنيه، ثم أشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة، فأعود الرابعة فأقول: يا رب ما بقي إلا من حبسه القرآن. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: فخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن بره، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة). (¬3) ¬

_ (¬1) رواه الترمذيُّ وحسنة. (¬2) رواه البخاري. (¬3) رواه البخاري ومسلمٌ في الإيمان 3/ 23، 64 من شرح النووي. سماطين: بكسر السين، تثنيه سماط وهو الصف.، حبسه: أي من وجب عليه الخلود.

شفاعته لأهل الكبائر من أمته صلى الله عليه وعلى آله وصحبة وسلم

وعنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إني لقائم أنتظر متى يعبر الصراط إذ جاءني عيسى، فقال: هذه الأنبياء يا محمد، وقد جاءتك يا محمد يسألونك ويدعون الله أن يفرق بين جميع الأمم إلى حيث يشاء الله لغم ما هم فيه، فالخلق ملجمون بالعرق، فأما المؤمن فهو عليه كالزكمة، وأما الكافر فيغشاه الموت فقال: انتظر حتى أرجع إليك فذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقام تحت العرش فلقي ما لم يلق ملك مصطفى ولا نبي مرسل، فأوحى الله إلى جبريل أن اذهب إلى محمد وقل له: ارفع رأسك، سل تعطه واشفع تشفع، فشفعت في أمتي أن أخرج من كل تسعة وتسعين إنسانًا واحدًا فما زلت أتردد إلى ربي فلا أقوم منه مقامًا إلا شفعت حتى أعطاني الله من ذلك أن قال يا محمَّد: أدخل من أمتك من خلق الله تعالى من شهد أن لا إله إلا الله يومًا واحدًا مخلصًا ومات على ذلك. (¬1) شفاعته لأهل الكبائر من أمته صلى الله عليه وعلى آله وصحبة وسلم عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن شفاعتي يوم القيامة لأهل الكبائر من أمتي). (¬2) شفاعته لأمته (صلى الله عليه وسلم) يوم القيامة حدثنا عبد الله حدثني أبى ثنا يونس ثنا ليث عن يزيد يعني ابن الهاد عن عمرو بن أنس قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إني لأول الناس تنشق الأرض عن جمجمتي يوم القيامة ولا فخر، وأعطى لواء الحمد ولا فخر، وأنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من يدخل الجنة يوم القيامة ولا فخر، وآتي باب الجنة فآخذ بحلقتها، فيقولون: من هذا؟ فأقول أنا محمد، فيفتحون لي فأدخل فأجد الجبار مستقبلي، ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 178 بسند صحيح على شرط مسلم. (¬2) رواه ابن ماجه برقم (4310).

فأسجد له، فيقول: ارفع رأسك يا محمد، وتكلم يسمع منك، وقيل يقبل منك، واشفع تشفع، فأرفع رأسي، فأقول: أمتي أمتي يا رب. فيقول اذهب إلى أمتك، فمن وجدت في قلبه .. مثقال حبة من شعير من الإيمان فأدخله الجنة، فأذهب، فمن وجدت في قلبه ذلك أدخلتهم الجنة، فأجد الجبار مستقبلي، فأسجد له، فيقول: ارفع رأسك يا محمد، وتكلم يسمع منك، وقيل يقبل منك، واشفع تشفع، فأرفع رأسي، فأقول: أمتي أمتي يا رب. فيقول اذهب إلى أمتك، فمن وجدت في قلبه .. مثقال حبة من خردل من الإيمان فأدخله الجنة. فأذهب، فمن وجدت في قلبه مثقال ذلك أدخلتهم الجنة. وفرغ من حساب الناس، وأدخل من بقي من أمتي في النار مع أهل النار، فيقول أهل النار: ما أغنى عنكم أنكم كنتم تعبدون الله ولا تشركون به شيئًا. فيقول الجبار: فبعزتي، لأعتقنهم من النار، فيرسل إليهم، فيخرجون من النار وقد امتحشوا، فيدخلون في نهر الحياة، فينبتون فيه كما تنبت الحبة في غثاء السيل، ويكتب بين أعينهم: هؤلاء عتقاء الله، فيذهب بهم فيدخلون الجنة، فيقول لهم أهل الجنة: هؤلاء الجهنميون. فيقول الجبار: بل هؤلاء عتقاء الجبار -عَزَّ وجَلَّ- (¬1) عند ذلك يتمنى الكفار لو كانوا مسلمين: قال تعالى: {الر* تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ * رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} (¬2) وعن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يوضع للأنبياء منابر من نور يجلسون عليها، ويبقى منبري لا أجلس عليه، أو لا أقعد عليه، قائم بين يدي ربي مخافة أن يبعث بي إلى الجنة وتبقى أمتي بعدي، فأقول: يا رب أمتي، أمتي فيقول الله -عَزَّ وجَلَّ-: يا محمد، ما تريد أن أصنع بأمتك؟ قال: يا رب تعجل حسابهم فيدعى بهم فيحاسبون، فمنهم من يدخل الجنة برحمته، ومنهم من يدخل الجنة بشفاعتي، فما أزال ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 144. (¬2) سورة الحجر (1 - 2).

أشفع حتى أعطى صكاكًا برجال بعث بهم إلى النار حتى أن مالكًا خازن النار ليقول يا محمد ما تركت لغضب ربك في أمتك من نقمه. (¬1) عن أبي مالك، يعني الأشعري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (والذي نفسي بيده ليبعثن الله منكم يوم القيامة إلى الجنة مثل الليل الأسود، زمرةً جميعًا تخبطون الأرض، فتقول الملائكة: لما جاء مع محمد أكثر مما جاء مع الأنبياء). (¬2) ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في الكبير والأوسط. (¬2) رواه الطبراني.

أمة محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسد ما بين الأفق يوم القيامة

أمة محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسد ما بين الأفق يوم القيامة عن أبي أمامة -رضي الله عنه-: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا كان يوم القيامة قامت ثلة من الناس يسدون الأفق، نورهم كالشمس، فيقال: النبي الأمي، فيتحشحش لها كل نبي، فيقال: محمد وأمته. ثم تقوم ثلة أخرى تسد ما بين الأفق، نورهم مثل كل كوكب في السماء، فيقال: النبي الأمي، فيتحشحش لها كل نبي، ثم يحثي حثيتين، فيقال: هذا لك يا محمد، وهذا مني لك يا محمد، ثم يوضع الميزان، ويؤخذ في الحساب) (¬1) وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (عرضت علىَّ الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي ليس معه أحد، إذ رفع لي سواد عظيم، فطننت أنهم أمتي فقيل لي: هذا موسى - صلى الله عليه وسلم - وقومه، ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر، فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ....) (¬2) أمته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أول من يحاسب من الأمم عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال في حديث الشفاعة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (ونحن الآخرون الأولون فنحن آخر الأمم وأول من يحاسب فتفرج لنا الأمم عن طريقنا فنمضي غرا محجلين من أثر الطهور) (¬3) ¬

_ (¬1) رواه الطبراني. (¬2) الحديث متفق عيه واللفظ لمسلم. (¬3) أخرجه أحمد 1/ 296.

يفديها ربها من عذاب الجحيم باليهود والنصارى فله الحمد في الأولى وفي الآخرة

يفديها ربها من عذاب الجحيم باليهود والنصارى فله الحمد في الأولى وفي الآخرة عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (تحشر هذه الأمة على ثلاثة أصناف: صنف يدخلون الجنة بغير حساب وصنف يحاسبون حسابا يسيرا ثم يدخلون الجنة، وصنف يجيئون على ظهورهم أمثال الجبال الراسيات ذنوبا، فيسأل الله عنهم -وهو أعلم بهم- فيقول: ما هؤلاء؟ فيقولون هؤلاء عبيد من عبادك، فيقول: حطوها عنهم، واجعلوها على اليهود والنصارى، وأدخلوهم برحمتي الجنة) (¬1) وفي رواية لمسلم عن أبي موسى -رضي الله عنه-، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال، فيغفرها الله لهم، ويضعها على اليهود والنصارى ...) وفي رواية له عنه قال - صلى الله عليه وسلم -: (لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه النار يهوديًا أو نصرانيا). وفي رواية له عنه أيضًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا كان يوم القيامة دفع الله -عَزَّ وجَلَّ- إلى كل مسلم يهوديًا أو نصرانيًا فيقول: هذا فكاكك من النار) فضّلهم ربهم بأن جعلهم أكثر أهل الجنة عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فأسند ظهره على قبة أدم فقال: (ألا لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة. اللَّهم هل بلغت؟ اللَّهم اشهد. أتحبون أنكم ربع أهل الجنة؟) قالوا: نعم يا رسول الله، ¬

_ (¬1) رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين، وأقره الذهبي.

أوائل أمته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يوم القيامة

قال: (أتحبون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟) قالوا: نعم يا رسول الله، قال: (إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة، ما أنتم في سواكم من الأمم إلا كالشعرة السوداء في الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود). (¬1) وفي حديث أبي سعيد -رضي الله عنه-، عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة) قال: فحمدنا الله وكبرنا، ثم قال: (والذي نفسي بيده إني لأطمع في أن تكونوا شطر أهل الجنة ...) ثم ساق بنحوه. (¬2) وعن جابر -رضي الله عنه-، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إني لأرجو أن يكون من تبعني من أمتي ربع أهل الجنة) قال: فكبرنا، ثم قال: (أرجو أن يكونوا ثلث أهل الجنة) قال: فكبرنا ثم قال: (أرجو أن يكونوا الشطر) (¬3) بل في حديث بريدة ما هو أكثر من النصف: إنما هو الثلثان، ويكون الثلث الباقي من سائر الأمم. فعن بريدة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أهل الجنة عشرون ومائة صف: ثمانون منها من هذه الأمة، وأربعون من سائر الأمم) (¬4) أوائل أمته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يوم القيامة عن ثوبان رضي الله تعالى عنه قال: كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاء حبر من اليهود، فقال: أين الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض؟ فقال رسول الله صلى الله ¬

_ (¬1) صحيح البخاري: كتاب الرقاق: باب الحشر. وصحيح مسلم: كتاب الإيمان: باب كون هذه الأمة نصف أهل الجنة رقم: (378). (¬2) صحيح البخاري: كتاب الرقاق: باب قوله تعالى {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}. وصحيح مسلم كتاب الإيمان: باب كون هذه الأمة نصف أهل الجنة رقم (379). (¬3) رواه أحمد والبراز والطبرانيُّ في الأوسط برجال الصحيح. مجمع الزوائد (10: 402 - 403) وقال: ورجال البزار رجال الصحيح، وكذلك أحد إسنادي أحمد. (¬4) أخرجه الترمذيُّ وحسنه.

من فضائل أمة محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن الله يقبل شفاعة بعضهم لبعض

عليه وسلم: (في الظلمة دون الجسر)، قال: فمن أول الناس إجازة؟ قال: (فقراء المهاجرين)، قال: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: (زيادة كبد نون)، قال: فما غذاؤهم على أثره؟ قال: (ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها)، قال: فما شرابهم عليه؟ قال: (من عين فيها تسمى سلسبيلا)، قال: قال: صدقت، قال: وجئت أسأل عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان، جئت أسأل عن الولد؟ قال: (ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة من الرجل أنثا بإذن الله) قال اليهودي: صدقت، وإنك لنبي، ثم انصرف فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنه سألني هذه الذي سألني عنه وما أعلم شيئًا منه حتى أتاني الله به) (¬1). من فضائل أمة محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن الله يقبل شفاعة بعضهم لبعض فعن عبد الله بن شقيق قال: كنت مع رهط بإيلياء (¬2) فقال رجل منهم: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم) قيل: يا رسول الله سواك؟ قال: (سواي) فلما قام قلت: من هذا؟ قالوا: هذا ابن أبي الجدعاء. (¬3) وعن الحارث بن أقيش -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الرجل من أمتي من يدخل الجنة بشفاعته. أكثر من مضر) (¬4). وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ¬

_ (¬1) رواه مسلم. (¬2) أي بيت المقدس. (¬3) رواه الترمذيُّ وصححه، واللفظة له -وابن ماجه والدرامي وابن حبان والحاكم وصححاه، سنن الترمذيُّ: كتاب صفة القيامة رقم (2438) وسنن ابن ماجة: كتاب الزهد: باب ذكر الشفاعة رقم (4316) والدرامي رقم (2811) والمستدرك: 1: 70، 71) وموارد الظمآن رقم (2598). (¬4) رواه الحاكم وصححه على شرط مسلم، المستدرك: (1: 71).

حثيات رب العزة والجلال لأمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

(إن الرجل من أمتي ليشفع للفئام (¬1) من الناس، فيدخلون الجنة بشفاعته، وإن الرجل ليشفع للقبيلة من الناس فيدخلون الجنة بشفاعته، وإن الرجل ليشفع للرجل وأهل بيته فيدخلون الجنة بشفاعته). (¬2) وفي رواية الترمذيّ زيادة: (ومنهم من يشفع للعصبة، ومنهم من يشفع للرجل حتى يدخلوا الجنة). حثيات رب العزة والجلال لأمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا لا حساب عليهم ولا عذاب، مع كل ألف سبعون ألفا وثلاث حثيات من حثياته). (¬3) سيرضيه ربه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في أمته وأطفال البشر بأن لا يعذبهم قال تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}. (¬4) وعن ابن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلا قول إبراهيم: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وقول عيسى {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فرفع يديه وقال: (أمتي أمتي)، ثم بكى فقال الله تعالى: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له (إننا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك) (¬5). ¬

_ (¬1) قول (الفئام) أي الجماعة الكثيرة (النهاية 3: 406) (¬2) رواه أحمد -واللفظة له- والترمذيُّ وحسنه، مسند أحمد: (3: 63) وسنن الترمذيّ: كتاب صفة القيامة رقم (2440) (¬3) رواه الترمذيُّ وحسنه -واللفظة له- وابن ماجه وأحمدُ والطبرانيُّ وابن حيان. (¬4) سورة الضحى. (¬5) رواه مسلم.

فضل أهل بيته في الدنيا والآخرة

وعن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (سألت ربي اللاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم فأعطانيهم) (¬1). فضل أهل بيته في الدنيا والآخرة وعنها رضي الله تعالى عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة). (¬2) وعن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما مات إبراهيم قال: (إن له مرضعًا في الجنة). (¬3) وعن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فصليت معه المغرب، فقام يصلي حتى صلى العشاء، ثم خرج فاتبعته فقال: (عرض لي ملك استأذن ربه أن يسلم علي وبشرني في أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وفاطمة سيدة أهل الجنة). (¬4) وعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة). (¬5) وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أفضل نساء أحل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون). (¬6) ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة وأبو يعلى. (¬2) رواه البخاري في علامات النبوة، ومسلمٌ في الفضائل فضل فاطمة 16/ 5، 6، 7 من شرح النووي. (¬3) رواه البخاري في الجنائز وفي بدء الخلق 7/ 136 من فتح الباري، وفي الأدب، وكذا مسلم وأهل السنن. (¬4) رواه أحمد 5/ 391، والترمذيُّ في المناقب وسنده صحيح. (¬5) رواه أحمد 3/ 3، 62، 64، 80، 82، والترمذيُّ في المناقب، والحاكم 3/ 166، 167، وغيرهم وحسنه الترمذيُّ وصححه، وزاد أحمد: (وفاطمة سيدة نسائهم إلا ما كان لمريم بنت عمران). وللحديث طرق كثيرة بل هو متواتر. (¬6) رواه أحمد 1/ 293 وسنده صحيح.

فضل وأمته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بالشهادة على الأنبياء وأممهم

فُضِّل وأمته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بالشهادة على الأنبياء وأممهم عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان وأكثر من ذلك فيدعى قومه فيقال له: هل بلّغكم هذا؟ فيقولون: لا، فيقال له: هل بلّغت قومك؟ فيقول: نعم، فيقال له: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيقال لهم: هل بلغ هذا قومه؟ فيقولون: نعم، فيقال: وما علمكم؟ فيقولون: جاءنا نبينا فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا فذلك قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}. (¬1) فُضِّل باستشارة ربه له صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن حذيفة -رضي الله عنه- قال: غاب عنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا، فلم يخرج حتى ظننا أنه لن يخرج، فلما خرج سجد سجدة فطننا أن نفسه قد قبضت منها، فلما رفع رأسه قال: (إن ربي تبارك وتعالى استشارني في أمتي ماذا أفعل بهم، فقلت: ما شئت أي رب، هم خلقك وعبادك، فاستشارني الثانية، فقلت له كذلك. فقال: لا أحزنك -وفي مجمع الزوائد: لا نخزيك- في أمتك يا محمد، وبشرني أن أول من يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا. مع كل ألف سبعون ألفا ليس عليهم حساب، ثم أرسل إلي فقال: ادع تجب وسل تعط، فقلت لرسوله: أومعطي ربي سؤلي؟ فقال: وما أرسلني إليك إلا ليعطيك، ولقد أعطاني ربي -عَزَّ وجَلَّ- ولا فخر، وغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر وأنا أمشي حيًا صحيحًا، وأعطاني أن لا تجوع أمتي، ولا تغلب، وأعطاني الكوثر وهو نهر من الجنة يسيل في حوضي، وأعطاني العز والنصر، والرعب يسعى بين يدي أمتي شهرا، وأعطاني أني أول الأنبياء أدخل الجنة، وطيب لي ولأمتي ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 58 بسند صحيح.

فضل صحابته في الجنة رضوان الله عليهم

الغنيمة، وأحل لنا كثيًرا مما شدد على من قبلنا، ولم يجعل علينا من حرج) (¬1) قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}. وقال تعالى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ}. عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسن فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله ثم قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (¬2). قال الله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}. عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لم تضلوا بعدي أبدا، أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل البيت لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما). (¬3) فضل صحابته في الجنة رضوان الله عليهم عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لأبي بكر وعمر: (هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين) (¬4) ¬

_ (¬1) رواه أحمد (5: 393) ومجمع الزوائد (10: 68 - 69). (¬2) رواه مسلم في فضائل الحسن والحسين 15/ 194، 195 من شرح النووى والحاكم 3/ 147 وصححه على شرطهما، ورواه الترمذيُّ في المناقب رقم 3631 عن أم سلمة، وفيه: (فقالت: وأنا معهم يا رسول الله، قال: إنك على خير) وحسنه وصححه، وله طرق عند أحمد، وانظر 4/ 107 منه. الرجس: أي الذنب والإثم المدنس لعرضكن. ومن يقنت: أي يطع وللقنوت معان أخرى. غداة: أي صباحا. مرط: بكسر الميم هو كساء من صوف أو شعر. مرحل: كمفضل. أي عليه صور الرحال وهي تكون للإبل، وفي هذا الحديث نص على أن أهل البيت هم هؤلاء الأربع وهذا لا شك فيه ولكن لا يتنافى أن يكون نساؤه أيضا من أهل البيت المعنيين في الآية فإن سياقها جاء فيهن. (¬3) رواه الترمذيُّ بسند صحيح. (¬4) رواه الترمذيُّ وحسنه.

لها علامة تعرف بها ربها (عز وجل) يوم القيامة

لها علامة تعرف بها ربها (عَزَّ وجَلَّ) يوم القيامة قال الله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ}. عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: (قلنا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ...) الحديث، وفيه (ثم قال: ينادي مناد: ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون، أصحاب الصليب مع صليبهم، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كل ألهة مع آلهتهم ... حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر، فيقال لهم: ما يحبسكم وقد ذهب الناس؟ فيقولون: فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم، وإنا سمعنا مناديًا ينادي: ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، وإنما ننتظر ربنا ... فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: الساق، فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن، ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة ...) (¬1) وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن ناسًا قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟ ...) الحديث، وفيه: (فإنكم ترونه كذلك، يجمع الله الناس يوم القيامة، فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله تبارك وتعالى، في صورة غير صورته التي يعرفون، فيقول أنا ربكم، فيقولون، نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا. فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله تعالى في صورته التي يعرفون، فيقول أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا فيتبعونه) متفق عليه. وحدثنا محمد بن النضر الأزدي وعبد الله بن أحمد بن حنبل والحضرمي قالوا ثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة الحراني ثنا محمد بن سلمة الحراني عن أبي عبد الرحيم عن ¬

_ (¬1) صحيح البخاري: كتاب التوحيد: باب قول الله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}، صحيح مسلم: كتاب الإيمان: باب معرفة طيق الرؤية رقم 302.

زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة بن عبد الله عن مسروق بن الأجدع ثنا عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قيامًا أربعين سنة شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون فصل القضاء، قال وينزل الله -عَزَّ وجَلَّ- في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي ثم ينادى مناد أيها الناس ألم ترضوا من ربكم الذي خلقكم ورزقكم وأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا أن يولي كل ناس منكم ما كانوا يتولون ويعبدون في الدنيا أليس ذلك عدلًا من ربكم؟ قالوا: بلى، قال فلينطلق كل قوم إلى ما كانوا يعبدون في الدنيا، قال فينطلقون ويمثل لهم أشياء ما كانوا يعبدون، فمنهم من ينطق إلى الشمس ومنهم من ينطلق إلى القمر وإلى الأوثان من الحجارة وأشباه ما كانوا يعبدون، قال ويمثل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى ويمثل لمن كان يعبد عزيرًا شيطان عزير ويبقى محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته، قال فيتمثل الرب -عَزَّ وجَلَّ- فيأتيهم فيقول ما لكم لا تنطلقون كما انطلق الناس، قال فيقولون إن لنا لإلهًا ما رأيناه بعد، فيقول هل تعرفونه إن رأيتموه؟ فيقولون أن بيننا وبينه علامة إذا رأيناها عرفناها، قال فيقول ما هي؟ فيقولون يكشف عن ساقه، قال فعند ذلك يكشف عن ساق فيخر كل من كان بظهره طبق ساجدًا ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر يريدون السجود فلا يستطيعون وقد كان يدعون إلى السجود وهم سالمون، ثم يقول ارفعوا رؤوسكم فيرفعون رؤوسهم فيعطيهم نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل العظيم يسعى بين يديه، ومنهم من يعطى نوره أصغر من ذلك ومنهم من يعطى نوره مثل النخلة بيمينه، ومنهم من يعطى نورًا أصغر من ذلك حتى يكون آخرهم رجلًا يعطى نوره على إبهام قدمه يضيء مرة ويطفى مرة، فإذا أضاء قدم قدمه فمشى وإذا طفيء قام، قال فيمرون على الصراط، والصراط كحد السيف دحض مزلة فيقال لهم مروا فيمرون على قدر نورهم، منهم من يمر كطرف العين، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالسحاب، ومنهم من يمر كانقضاض الكوكب، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كشد الفرس، ومنهم من يمر كشد الرجل حتى يمر الذي أعطي نوره على إبهام قدميه يحبو على وجهه ويديه ورجليه تخر يد وتعلق يد وتخر رجل وتعلق رجل ويصيب جوانبه النار، فلا يزال كذلك حتى يخلص فإذا خلص وقف

عليها، ثم قال الحمد لله لقد أعطاني الله ما لم يعط أحدًا أن نجاني منها بعد إذ رأيتها، قال فينطق به إلى غدير عند باب الجنة فيغتسل فيعود إليه ريح أهل الجنة وألوانهم فيرى ما في الجنة من خلال الباب فيقول رب أدخلني الجنة فيقول الله له أتسأل الجنة وقد نجيتك من النار فيقول رب اجعل بيني وبينها حجابًا لا أسمع حسيسها، قال فيدخل الجنة قال فيرى أو يرفع له منزلًا أمام ذلك كأنما هو فيه إليه حلم فيقول رب أعطني ذلك المنزل فيقول له فلعلك أن أعطيتكه تسأل غيره، فيقول لا وعزتك لا أسألك غيره وأي منزل يكون أحسن منه فيعطيه فينزله ويرى أمام ذلك منزلًا كأنما هو فيه إليه حلم قال رب أعطني ذلك المنزل فيقول الله -عَزَّ وجَلَّ- له فلعلك أن أعطيتكه تسأل غيره فيقول لا وعزتك لا أسألك غيره وأي منزل يكون أحسن منه قال فيعطى منزله قال ويرى أو يرفع له أمام ذلك منزل آخر كأنما هو إليه حلم فيقول أعطني ذلك المنزل فيقول الله جل جلاله فلعلك إن أعطيتكه تسأل غيره، قال لا وعزتك لا أسأل غيره وأي منزل يكون أحسن منه، قال فيعطاه فينزله ثم يسكت، فيقول الله -عَزَّ وجَلَّ- مالك لا تسأل، فيقول رب لقد سألتك حتى استحييتك وأقسمت لك حتى استحييتك، فيقول الله تعالى ألم ترض أن أعطيك مثل الدنيا منذ خلقتها إلى يوم أفنيتها وعشرة أضعافها، فيقول أتستهزيء بي وأنت رب العزة فيضحك الرب -عَزَّ وجَلَّ- من قوله، قال فرأيت عبد الله بن مسعود إذا بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن قد سمعتك تحدث هذا الحديث مرارًا كلما بلغت هذا المكان ضحكت فقال أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث هذا الحديث مرارًا كلما بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك حتى تبدوا أضراسه، قال فيقول الرب -عَزَّ وجَلَّ- لا ولكني على ذلك قادر سل، فيقول ألحقني بالناس فيقول ألحق الناس قال فينطلق يرمل في الجنة حتى إذا دنا من الناس رفع له قصر من درة فيخر ساجدًا فيقال له ارفع رأسك ما لك؟ فيقول رأيت ربي أو تراءى لي ربي فيقال له إنما هو منزل من منازلك، قال ثم يلقى رجلًا فيتهيأ للسجود له فيقال له مه ما لك؟ فيقول رأيت أنك ملك من الملائكة فيقول إنما أنا خازن من خزانك عبد من عبيدك تحت يدي ألف قهرمان على مثل ما أنا عليه، قال فينطلق أمامه حتى يفتح له القصر قال وهو في درة مجوفة سقائفها وأبوابها وأغلاقها ومفاتيحها منها تستقبله جوهرة خضراء مبطنة

بحمراء كل جوهرة (تفضي إلى جوهرة على) غير لون الأخرى في كل جوهرة سرر وأزواج ووصائف أدناهن حوراء عيناء عليها سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء حللها خدها مرآته وخده مرآتها إذا أعرض عنها إعراضة ازدادت في عينه سبعين ضعفا عما كانت قبل ذلك وإذا أعرضت عنه إعراضة ازداد في عينها سبعين ضعفا عما كان قبل ذلك. فيقول لها والله لقد ازددت في عيني سبعين ضعفا وتقول له وأنت والله لقد ازددت في عيني سبعين ضعفا، فيقال له أشرف قال فيشرف فيقال له ملكك مسيرة مائة عام ينفذه بصره، قال فقال عمر ألا تسمع ما يحدثنا أم عبد يا كعب عن أدنى أهل الجنة منزلا فكيف أعلاهم؟ فقال كعب يا أمير المؤمنين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، إن الله -عَزَّ وجَلَّ- جعل دارًا فجعل فيها ما شاء من الأزواج والثمرات والأشربة ثم أطبقها ثم لم يرها أحد من خلقه لا جبريل ولا غيره من الملائكة ثم قرأ كعب {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} قال وخلق دون ذلك جنتين وزينهما بما شاء وأراهما من شاء من خلقه ثم قال فمن كان كتابه في عليين نزل تلك الدار التي لم يرها أحد حتى أن الرجل من أهل عليين ليخرج فيسير في ملكه، فما تبقى خيمة من خيم الجنة إلا دخلها من ضوء وجهه فيستبشرون بريحه فيقولون واها لهذا الريح هذا رجل من أهل عليين قد خرج يسير في ملكه، فقال ويحك يا كعب أن هذه القلوب قد استرسلت فاقبضها، فقال كعب والذي نفسي بيده إن لجهنم يوم القيامة لزفرة ما من ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا يخر لركبتيه حتى إن إبراهيم خليل الله ليقول رب نفسي نفسي حتى لو كان لك عمل سبعين نبيًا إلى عملك لظننت أنك لا تنجو منها. (¬1) وتصديقًا لهذا الحديث ما جاء في سورة الأنبياء من آية (97 - 103) قال تعالى: {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَاوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97) إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في الكبير ج 9 ص417 ح 9763 قال الألباني حديث صحيح

لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}. وكذلك قوله تعالى في سورة القلم {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ}

معرفة أهل الكتاب به صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

معرفة أهل الكتاب به صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال الله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}. وقال الله -عَزَّ وجَلَّ-: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}. (¬1) خبر اليهودي التاجر بمكة عن مولد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أخبرنا علي بن محمد عن أبي عبيدة بن عبد الله بن أبي عبيدة بن محمد بن عمار ابن ياسر وغيره عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: سكن يهودي بمكة يبيع بها تجارات، فلما كان ليلة ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال في مجلس من مجالس قريش: هل كان فيكم من مولود هذه الليلة؟ قالوا: لا نعلمه، قال: أخطأت والله حيث كنت أكره، انظروا يا معشر قريش وأحصوا ما أقول لكم: ولد الليلة نبي من هذه ¬

_ (¬1) سورة الأعراف [156 - 158]

حديث وهب بن منبه

الأمة أحمد الآخر. فإن أخطأكم فبفلسطين، به شامة ببن كتفيه سوداء صفراء فيها شعرات متواترات، فتصدع القوم من مجالسهم وهم يعجبون من حديثه، فلما صاروا في منازلهم ذكروا لأهاليهم، فقيل لبعضهم: ولد لعبد الله بن عبد المطلب الليلة غلام فسماه محمدًا، فالتقوا بعد من يومهم فأتوا اليهودي في منزله فقالوا: أعلمت أنه ولد فينا مولود؟ قال: أبعد خبري أم قبله؟ قالوا: قبله واسمه أحمد، قال فاذهبوا بنا إليه، فخرجوا معه حتى دخلوا على أمه، فأخرجته إليهم، فرأى الشامة في ظهره، فغشي على اليهودي ثم أفاق، فقالوا: ويلك! مالك؟ قال: ذهبت النبوة من بني إسرائيل وخرج الكتاب من أيديهم، وهذا مكتوب يقتلهم ويبز أخبارهم، فازت العرب بالنبوة، أفرحتم يا معشر قريش؟ أما والله ليسطون بكم سطوة يخرج نبؤها من المشرق إلى المغرب. (¬1) حديث وهب بن منبه وروي أيضا عن وهب بن منبه رحمه الله تعالى قال: أوحى الله إلى إشعيا: إني باعث نبيًا أميًا أفتح به آذانًا صما وقلوبًا غلفا وأعينًا عميا، مولده بمكة، ومهاجره بطيبة، وملكه بالشام، عبدي المتوكل المصطفى المرفوع، الحبيب المنتخب المختار، لا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ويغفر، رحيمًا بالمؤمنين، يبكي للبهيمة المثقلة، ويبكي لليتيم في حجر الأرملة، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا متزين بالفحش ولا قوال بالخنا لو يمر إلى جنب السراج لم يطفئه من سكينته، ولو يمشي على القصب الرعراع، يعني اليابس، لم يسمع من تحت قدمه، أبعثه مبشرًا ونذيرًا، أسدده لكل جميل وأهب له كل خلق كريم، أجعل السكينة لباسه والبر شعاره، والتقوى ضميره والحكمة معقوله، والصدق والوفاء طبيعته، والعفو والمغفرة والمعروف خلقه، والعدل سيرته والحق شريعته، والهدى إمامه، والإسلام ملته وأحمد اسمه، أهدي به بعد الضلالة وأعلم به بعد الجهالة، وأرفع به بعد الخمالة، وأسمي به بعد النكرة، وأكثر به بعد القلة، وأغني به بعد العيلة وأجمع به بعد الفرقة، وأؤلف به بين القلوب وأهواء مشتتة وأمم مختلفة، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، أمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر، ¬

_ (¬1) ابن سعد ج1 ص 162

وتوحيدًا لي وإيمانًا بي وإخلاصًا لي، وتصديقًا بما جاءت به رسلي، وهم رعاة الشمس، طوبى لتلك القلوب والوجوه والأرواح التي أخلصت لي، ألهمهم التسبيح والتكبير والتحميد والتوحيد في مساجدهم ومجالسهم ومضاجعهم ومنقلبهم ومثواهم، يصفون في مساجدهم كما تصف الملائكة حول عرشي، هم أوليائي وأنصاري، أنتقم بهم من أعدائي عبدة الأوثان، يُصلّون لي قياما وقعودا وسجودا، ويخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء مرضاتي ألوفا فيقاتلون في سبيلي صفوفا وزحوفا، أختم بكتابهم الكتب وبشريعتهم الشرائع وبدينهم الأديان، فمن أدركهم فلم يؤمن بكتابهم ويدخل في دينهم وشريعتهم فليس مني وهو مني برئ، وأجعلهم أفضل الأمم وأجعلهم أمة وسطا شهداء على الناس، إذا غضبوا هللوني، وإذا قبضوا كبروني، وإذا تنازعوا سبحوني، يطهرون الوجوه والأطراف ويشدون الثياب إلى الأنصاف، ويهللون على التلال والأشراف، قربانهم دماؤهم، وأناجيلهم صدورهم، رهبان بالليل ليوثا بالنهار، ويناديهم مناديهم في جو السماء لهم دوي كدوي النحل. طوبى لمن كان معهم وعلى دينهم ومناهجهم وشريعتهم، ذلك فضلي أوتيه من أشاء وأنا ذو الفضل العظيم. "القصب" بالقاف والصاد معروف. الرعراع: الطويل. قال ابن قتيبة: إذا طال القصب فهبت عليه أدنى ريح، أو مر ألطف شخص: تحرك وصوت، فأراد -عَزَّ وجَلَّ- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقور ساكن الطائر. "الخنا": بفتح المعجمة والقصر: الفحش. وأعلم بهمزة مضمومة ولام مشددة مكسورة. وروى البيهقي عن وهب بن منبه رحمه الله تعالى قال: أوحى الله في الزبور إلى دواد: إنه سيأتي من بعدك نبي اسمه أحمد ومحمَّد، صادقًا لا أغضب عليه أبدًا ولا يعصيني أبدًا، وقد غفرت له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. الحديث. الأحاديث والآثار في ذلك كثيرة، أفرها بالتنصيف خلائق. (¬1) ¬

_ (¬1) سبل الهدى والرشاد [1/ 101]

حديث كعب الأحبار

حديث كعب الأحبار وروى أبو نعيم عن كعب -رحمه الله- قال: كان أبي من أعلم الناس بما أنزل الله على موسى، وكان لم يدخر عني شيئا مما كان يعلم، فلما حضره الموت دعاني فقال لي: يا بني إنك قد علمت أني لم أدخر عنك شيئا أعلمه إلا أني قد حبست عنك ورقتين فيهما نبي يبعث قد أطل زمانه، فكرهت أن أخبرك بذلك، فلا آمن عليك أن يخرج بعض هؤلاء الكذابين فتطيعه، وقد جعلتهما في هذه الكوة التي ترى وطينت عليهما فلا تتعرض لهما ولا تنظر فيهما حينك هذا، فإن الله إن يرد بك خيرا ويخرج ذلك النبي تبعته. ثم إنه مات فدفناه، فلم يكن شيء أحب إلي من أن أنظر في الورقتين، ففتحت الكوة ثم استخرجت الورقتين فإذا فيهما: محمد رسول الله خاتم الأنبياء، لا نبي بعده، مولده بمكة ومهاجره بطيبة، لا فظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، ويجزئ بالسيئة الحسنة، ويعفو ويصفح أمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل حال، تذلل ألسنتهم بالتكبير، وينصر نبيهم على كل من ناوأه، يغسلون فروجهم ويأتزرون على أوساطهم، أناجيلهم في صدورهم، وتراحمهم بينهم كتراحم بني الأم، وهم أول من يدخل الجنة يوم القيامة من الأمم. فمكثت ما شاء الله ثم بلغني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد خرج بمكة، فأخذت أستثبت ثم بلغني أنه توفي وأن خليفته قد قام مقامه، وجاءتنا جنوده، فقلت: لا أدخل في هذا الدين حتى أنظر سيرتهم وأعمالهم، فلم أزل أدافع ذلك وأؤخره لأستثبت حتى قدم علينا عمال عمر بن الخطاب، فلما رأيتهم رأيت وفاءهم بالعهد وما صنع الله لهم على الأعداء، فعلمت أنهم هم الذين كنت أنتظر. فوالله إني ذات ليلة فوق سطحي فإذا رجل من المسلمين يتلو قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا} الآية. فلما سمعت هذه الآية خشيت أن لا أصبح حتى يحول وجهي في قفاى، فما كان شيء أحب إلي من الصباح، فغدوت في المسلمين. (¬1) ¬

_ (¬1) سبل الهدى والرشاد [1/ 100].

صفته (صلى الله عليه وسلم) في صحف إبراهيم (عليه السلام)

صفته (صلى الله عليه وسلم) في صحف إبراهيم (عليه السلام) روى ابن سعد بسنده عن الشعبي قال: في مجلة إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -: إنه كائن من ولدك شعوب وشعوب حتى يأتي النبي الأمي الذي يكون خاتم الأنبياء. (¬1) وروى بسنده عن ابن عباس قال: لما أمر إبراهيم بإخراج هاجر حمل على البراق، فكان لا يمر بأرض عذبه سهلة إلا قال: أنزل ها هنا يا جبريل. فيقول: لا، حتى أتى مكة فقال جبريل: انزل يا إبراهيم، قال حيث لا ضرع ولا زرع؟ قال: نعم ها هنا يخرج النبي الذي من ذرية ابنك الذي تتم به الكلمة العليا. وروى بسنده عن محمد بن كعب القرظي قال: لما خرجت هاجر بابنها إسماعيل تلقاها متلق فقال: يا هاجر إن ابنك أبو شعوب كثيرة، ومن شعبه النبي الأمي ساكن الحرم. (¬2) ذكر وهب بن منبه في قصة داود النبي - صلى الله عليه وسلم - وما أوحي إليه في الزبور: يا داود، إنه سيأتي من بعدك نبي يسمى: أحمد ومحمدًا، صادقًا سيدًا، لا أغضب عليه أبدًا، ولا يغضبني أبدًا، وقد غفرت له قبل أن يعصيني ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأمته مرحومة، أعطيتهم من النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء، وافترضت عليهم الفرائض التي افترضت على الأنبياء والرسل، حتى يأتوني يوم القيامة نورهم مثل نور الأنبياء، وذلك أني افترضت عليهم أن يتطهروا لي لكل صلاة، كما افترضت على الأنبياء قبلهم، وأمرتهم بالغسل من الجنابة كما أمرت الأنبياء قبلهم. وأمرتهم بالحج كما أمرت الأنبياء قبلهم، وأمرتهم بالجهاد كما أمرت الرسل قبلهم. يا داود، فإني فضلت محمدًا وأمته على الأمم كلها: أعطيتهم ست خصال لم أعطها غيرهم من الأمم: لا أؤاخذهم بالخطأ والنسيان، وكل ذنب ركبوه على غير عمد إذا استغفروني منه غفرته لهم، وما قدموا لآخرتهم من شيء طيبة به أنفسهم عجلته لهم أضعافًا مضاعفة، ولهم في المدخور عندي أضعافًا مضاعفةً وأفضل من ذلك، وأعطيتهم على المصائب في البلايا إذا صبروا وقالوا: ¬

_ (¬1) ابن سعد: ج 1/ 163 (¬2) ابن سعد: ج 1/ 164

حديث أبي سعيد مالك بن سنان الخدري

-إنا لله وإنا إليه راجعون- الصلاة والرحمة والهدى إلى جنات النعيم. فإن دعوني استجبت لهم، فإما أن يروه عاجلا، وما أن أصرف عنهم سوءًا، وإما أن أدخره لهم في الآخرة. يا داود، من لقيني من أمة محمد يشهد أن لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي صادقًا بها فهو معي في جنتي وكرامتي. ومن لقيني وقد كذّب محمدًا، وكذّب بما جاء به، واستهزأ بكتابي صببت عليه في قبره العذاب صبًا، وضربت الملائكة وجهه ودبره عند منشره من قبره، ثم أدخله في الدرك الأسفل من النار. (¬1) عن وهب قال: قرأت في زبور داود، -عليه السلام-، ذكر نبينا - صلى الله عليه وسلم - أنه يجوز من البحر إلى البحر، من لدن الأنهار إلى منقطع الأرض، وأنه غير أهل الجزائر بين يديه على ركبهم، ويلحس أعداؤه التراب من تحت قدميه، وتدين له الأمم بالطاعة والانقياد؛ لأنه يُخلّص المضطهد ممّن هو أقوى منه ويرأف بالضعفاء والمساكين، ويصلى عليه في كل وقت ويبارك عليه في كل يوم، ويدوم ذكره مع ذكر الله -عَزَّ وجَلَّ- إلى الأبد. (¬2) روى ابن سعد بسنده عن محمد بن كعب القرظي قال: أوحى الله إلى يعقوب أني أبعث من ذريتك ملوكًا وأنبياء، حتى أبعث النبي الحرمي الذي تبني أمته هيكل بيت المقدس وهو خاتم الأنبياء، واسمه أحمد. (¬3) حديث أبي سعيد مالك بن سنان الخدري وروى أبو نعيم عن أبي سعيد مالك بن سنان الخدري بالخاء المعجمة والدال المهملة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت أبي يقول: جئت بني عبد الأشهل يومًا لأتحدث فيهم، فسمعت يوشع اليهودي يقول: أظل خروج نبي يقال له أحمد يخرج من الحرم. فقيل له: ما صفته؟ قال: رجل ليس بالقصير ولا بالطويل، في عينيه حمره يلبس الشملة ويركب الحمار، سيفه على عاتقه، وهذه البلد مهاجره. فرجعت إلى قومي بني خدرة وأنا ¬

_ (¬1) دلائل البيهقي: ج 1/ 380 (¬2) مختصر تاريخ دمشق: ج 2/ 137 (¬3) ابن سعد: ج 1/ 163

سبب إسلام أبي بكر الصديق

أتعجب مما قال، فأسمع رجلا منا يقول: ويوشع يقول هذا وحده؟ كل يهود يثرب تقول هذا فخرجت حتى جئت بني قريظة فأجد جمعا فتذاكروا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال الزبير بن باطا: قد طلع الكوكب الأحمر الذي لم يطلع إلا لخروج نبي وظهوره، ولم يبق من الأنبياء أحد إلا أحمد وهذه مهاجرة. (أظل: قرب). (¬1) سبب إسلام أبي بكر الصديق وروى ابن عساكر عن أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- قال: كنت جالسا بفناء الكعبة وزيد بن عمرو بن نفيل قاعد، فمر به أمية بن أبي الصلت فقال: أما إن هذا النبي الذي ينتظر منا أو منكم أو من أهل فلسطين. قال: ولم أكن سمعت قبل ذلك بنبي ينتظر فلا يبعث. فخرجت أريد ورقة بن نوفل فقصصت عليه الحديث فقال: نعم يا بن أخي، أخبرنا أهل الكتاب والعلماء، أن هذا النبي الذي ينتظر من أوسط العرب نسبًا، ولي علم بالنسب فقومك أوسط العرب نسبا. قال: يا عم وما يقول النبي؟ قال ما قيل له، إلا أنه لا يظلم ولا يظالم. قال: فلما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آمنت وصدقت. (فلسطين بكسر الفاء وفتح اللام: ناحية من الشام). (¬2) حدث ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن شيخ من بني قريظة قال: كان يهود بني قريظة قد قدم عليهم رجل من يهود أهل الشام يقال له ابن الهيبان، وذلك قبيل الإسلام بسنين. فحل بين أظهرهم، فما رأوا رجلا قط لا يصلي الخمس أفضل منه. فأقام عندهم، فكانوا إذا قحط عنهم المطر، قالوا له: اخرج يا ابن الهيبان فاستسق لنا. فيقول: لا والله، حتى تقدموا بين يدي مخرجكم صدقة. فيقولون له: كم؟ فيقول: صاعًا من تمر أو مدين من شعير. فيخرجونها، ثم يخرج بهم إلى ظاهر حرتهم، فيستسقي الله لهم، فما يبرح مجلسه حتى يمر السحاب ويسقون. قد فعل ذلك غيره مرة ¬

_ (¬1) سبل الهدى والرشاد [1/ 124] (¬2) سبل الهدى والرشاد [1/ 115]

تحير أهل الكتاب مع معرفتهم به

ولا مرتين ولا ثلاث. ثم حضرته الوفاة عندهم، فلما عرف أنه ميت، قال: يا معشر يهود، ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس والجوع؟ قالوا: إنك أعلم. قال: فإني إنما قدمت هذه البلدة، أتوكف خروج نبي قد أظلكم زمانه، فلا تسبقن إليه يا معشر يهود، فإنه يبعث بسفك الدماء، وسبي الذراري والنساء ممّن خالفه، فلا يمنعكم ذلك منه. (¬1) عن عطاء بن بسار -رضي الله عنه- قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص، فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التوراة، فقال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} (¬2) وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح به أعينًا عميا، وآذانًا صما، وقلوبًا غلفا. (¬3) وعن كعب الأحبار رحمه الله تعالى قال: (نجده مكتوبا محمَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا فظ ولا غليظ ولا صخاب بالأسواق، ولا يجزئ بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، وأمته الحمادون ويكبرون الله -عَزَّ وجَلَّ- على كل نجد، ويحمدونه في كل منزلة، ويأتزرون على أنصافهم، ويتوضئون على أطرافهم، مناديهم ينادي في جو السماء صفهم في القتال وصفهم في الصلاة سواء لهم دوى كدوي النحل، ومولده بمكة ومهاجره بطيبة وملكه بالشام. (¬4) تحير أهل الكتاب مع معرفتهم به عن الفلتان بن عاصم قال: كنا قعودا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فشخص بصره ¬

_ (¬1) أخرجه ابن إسحاق [1/ 213] (¬2) سورة الأحزاب، آية 45. (¬3) أخرجه البخاريُّ (¬4) رواه الدرامي في سنته رقم 5 بسنده صحيح. ورواه من طريقين آخرين رقم 7 و 8 بنحوه والثاني منهما سنده حسن.

خطبة اليهودي في بني عبد الأشهل قبل بعثه بيسير

إلى رجل في المسجد فقال: (يا فلان) فقال: لبيك يا رسول الله قال: ولا ينازعه الكلام إلا قال: يا رسول الله فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أتشهد أني رسول الله؟) قال: لا، قال (أتقرأ التوراة؟) قال: نعم والإنجيل، قال: (والقرآن) قال: والذي نفسي بيده لو أشاء لقرأته، قال: ثم ناشده: (هل تجدني في التوراة والإنجيل؟) قال: أجد مثلك ومثل هيأتك ومثل مخرجك، وكنا نرجوا أن يكون منا فلما خرجت تحيرنا أن يكون أنت هو، فنظرنا فإذا ليس أنت هو، قال: (ولم ذاك؟) قال: إن معه من أمته سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، ومعك نفر يسير، قال: (فوالذي نفسي بيده لأنا هو وإنهم لأمتي، وإنهم لأكثر من سبعين ألفا وسبعين ألفا). (¬1) وعن عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه، قالوا: إن مما دعانا إلى الإِسلام مع رحمة الله تعالى وهداه، لما كنا نسمع من رجال اليهود، كنا أهل شرك أصحاب أوثان، وكانوا أهل كتاب، عندهم علم ليس لنا، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور، فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهرن، قالوا لنا: إنه تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وإرم، فكنا كثيرًا ما نسمع ذلك منهم فلما بعث الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - أجبناه حين دعانا إلى الله تعالى وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به فبادرناهم إليه فآمنا به وكفررا به ففينا وفيهم نزل هؤلاء الآيات من سورة البقرة {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ}. (¬2) خطبة اليهودي في بني عبد الأشهل قبل بعثه بيسير حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يعقوب قال حدثني أبي عن ابن إسحق قال حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن محمود بن لبيد أخي بني عبد الأشهل عن سلمة بن سلامة بن وقش وكان من أصحاب بدر قال: كان لنا جار من يهود في بني ¬

_ (¬1) رواه الطبراني ورجاله ثقات من أحد الطريقين. (¬2) رواه ابن إسحاق باختصار ابن هشام مع الروض الأنف1/ 141، ومن طريقه البيهقي وغيره، وسنده حسن ورجال قوم عاصم لا تضر جهالتهم عند أهل الحديث لأنهم صحابة.

معرفة أهل الكتاب به

عبد الأشهل قال فخرج علينا يوما من بيته قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بيسير فوقف على مجلس عبد الأشهل قال سلمة وأنا يومئذ أحدث من فيه سنا علي بردة مضطجعا فيها بفناء أهلي فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة والنار فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت فقالوا له: ويحك يا فلان، ترى هذا كائن أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم، قال: نعم، والذي يحلف به لود أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدنيا يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطبق به عليه وإن ينجوا من تلك النار غدا، قالوا له: ويحك، وما آية ذلك، قال: نبي يبعث من نحو هذه البلاد وأشار بيده نحو مكة واليمن، قالوا: ومتى تراه قال: فنظر إلي وأنا أحدثهم سنا فقال: أن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه، قال سلمة: فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهو حي بين أظهرنا فآمن به وكفر به بغيًا وحسدا فقلنا: ويلك يا فلان ألست بالذي قلت لنا فيه ما قلت، قال: بلى وليس به) (¬1) معرفة أهل الكتاب به وروى الترمذيُّ في الشمائل عن كعب رحمه الله تعالى قال: نجد نعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التوراة: محمد بن عبد الله يولد بمكة ويهاجر إلى طابة، ويكون ملكه بالشام، وليس بفحاش ولا سخاب في الأسواق ولا يكافئ بالسيئة، ولكن يعفو ويغفر، أمته الحمادون يحمدون الله في كل أمر ويكبرون الله على كل نجد ويوضئون أطرافهم ويأتزرون في أوساطهم، يصفون في صلاتهم كما يصفون في قتالهم، دويهم في مساجدهم كدوي النحل يسمع مناديهم في جو السماء. (¬2) وروى أبو نعيم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن موسى لما نزلت عليه التوراة وقرأها فوجد فيها ذكر هذه الأمة فقال يا رب ¬

_ (¬1) رواه ابن إسحاق: 1/ 141 بتهذيب ابن هشام مع الروض، ومن طريقه أحمد 3/ 467، والحاكم 3/ 417، 418 وصححه على شرط مسلم ووفقه الذهبي وهو كما قال، ورواه أيضًا البخاري في التاريخ 4/ 68، 69 من طريق ابن إسحاق أيضًا. (¬2) النجد: ما ارتفع من الأرض.

صفة رسول الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في الإنجيل

إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون السابقون فاجعلها أمتي، قال تلك أمة أحمد، قال يا رب إني أجد في الألواح أمة هم السابقون المشفوع لهم فاجعلها أمتي، قال تلك أمة أحمد، قال يا رب إني أجد في الألواح أمة هم المستجيبون المستجاب لهم فاجعلها أمتي، قال تلك أمة أحمد، قال يا رب إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرأونها ظاهرًا فاجعلها أمتي، قال تلك أمة أحمد. قال يا رب إني أجد في الألواح أمة يجعلون الصدقة في بطونهم يؤجرون عليها فاجعلها أمتي قال تلك أمة أحمد، قال يا رب إني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بحسنة فلم يعملها كتب له حسنة واحدة، فإن عملها كتب له عشر حسنات فاجعلها أمتي قال، تلك أمة أحمد، قال يا رب إني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بسيئة ولم يعملها لم تكتب، وإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة، فاجعلها أمتي قال تلك أمة أحمد، قال يا رب إني أجد في الألواح أمة يؤتون العلم الأول والعلم الآخر فيقتلون قرون الضلالة المسيح الدجال فاجعلها أمتي قال تلك أمة أحمد. قال يا رب فاجعلني من أمة أحمد، فأعطي عند ذلك خصلتين، فقال: {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (¬1) قال: قد رضيت يا رب). وروى أيضًا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: أوحى الله تعالى إلى بعض أنبياء بني إسرائيل: اشتد غضبي عليكم من أجل ما ضيعتم من أمري، فإني حلفت لا يأتيكم روح القدس حتى أبعث النبي الأمي من أرض العرب الذي يأتيه روح القدس. (¬2) صفة رسول الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في الإنجيل وقال يعقوب ابن سفيان: حدثنا فيض البجلي، حدثنا سلام بن مسكين، عن مقاتل بن حيان قال: أوحى الله -عَزَّ وجَلَّ- إلى عيسى بن مريم: جد في أمري واسمع وأطع يا ابن ¬

_ (¬1) سورة الأعراف، آية 144 (¬2) سبل الهدى والرشاد [1/ 99]

بشارة الإنجيل به صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

الطاهرة البكر البتول، أنا خلقتك من غير فحل فجعلتك آية للعالمين، فإياى فاعبد. فبين لأهل سوران بالسريانية، بلغ من بين يديك أني أنا الحق القائم الذي لا أزول، صدقوا بالنبي الأمي العربي صاحب الجمل والمدرعة والعمامة، وهي التاج، والنعلين، والهراوة وهي القضيب، الجعد الرأس، الصلت الجبين، المقرون الحاجبين، الأنجل العينين الأقنى الأنف، الواضح الخدين، الكث اللحية، عرقه في وجهه كاللؤلؤ، ريح المسك ينضح منه، كأن عنقه إبريق فضة، وكأن الذهب يجرى في تراقيه، له شعرات من لبته إلى سرته تجرى كالقضيب، ليس في بطنه شعر غيره، شثن الكف والقدم، إذا جاء مع الناس غمرهم، وإذا مشى كأنما يتقلع من الصخر ويتحدر من صبب، ذو النسل القليل وكأنه أراد الذكور من صلبه. هكذا رواه البيهقي في دلائل النبوة من طريق يعقوب بن سفيان. (¬1) بشارة الإنجيل به صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك المدني عن موسى بن يعقوب الزمعي عن سهل مولى عتيبة أنه كان نصرانيًا من أهل مريس، وأنه كان يتيما في حجر أمه وعمه، وأنه كان يقرأ الإنجيل، قال: فأخذت مصحفًا لعمي فقرأته حتى مرت بي ورقة، فأنكرت كتابتها حين مرت بي ومسستها بيدي، قال: فنظرت فإذا فصول الورقة ملصق بغراء، قال: ففتقتها فوجدت فيها نعت محمد، - صلى الله عليه وسلم -، أنه لا قصير ولا طويل، أبيض، ذو ضفيرين، بين كتفيه خاتم، يكثر الاحتباء، ولا يقبل الصدقة، ويركب الحمار والبعير، ويحتلب الشاه، ويلبس قميصًا مرقوعا، ومن فعل ذلك برئ من الكبر، وهو يفعل ذلك، وهو من ذرية إسماعيل اسمه أحمد، قال سهل: فلما انتهيت إلى هذا من ذكر محمَّد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، جاء عمي، فلما رأى الورقة ضربني وقال: مالك وفتح هذه الورقة وقراءتها؟ فقلت: فيها نعت النبي، صلى الله عليه وسلم، أحمد، فقال: إنه لم يأت بعد. (¬2) ¬

_ (¬1) السير لابن كثير مصطفى عبد الواحد [1/ 331] (¬2) طبقات ابن سعد [1/ 363]

ما سمع من الكهان والأصوات بظهور النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عند بعثته

ما سمع من الكهان والأصوات بظهور النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عند بعثته عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه مر به رجل فسأله قال: (كنت كاهنهم في الجاهلية. قال: فما أعجب ما جاءتك به جنيتك، قال: بينما أنا يومًا في سوق جاءتني أعرف فيها الفزع، قالت: ألم تر الجن وإبلاسها ويأسها من بعد إنكاسها ولحوقها بالقلاص وأحلاسها. قال عمر: صدق، بينما أنا نائم عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل فذبحه فصرخ منه صارخ لم أسمع صارخًا قط أشد صوتا منه، يقول: يا جليح أمر نجيح رجل فصيح، يقول: لا إله إلا الله، فوثب القوم، قلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى كذلك الثانية والثالثة فما قمت فما نشبنا أن قيل هذا نبي). (¬1) حراسة السماء من استراق السمع بالمبعث الشريف قال الله تعالى فيما أخبر عن الجن: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} (¬2) روى أبو نعيم بسنده عن أبي هريرة قال: قال خريم بن فاتك لعمر بن الخطاب ألا أخبرك ببدء إسلامي؟ بينا أنا في طلب نَعم لي إذ جن الليل بأبرق العزاف فناديت بأعلى صوتي: أعوذ بعزيز هذا الوادي من سفهائه، وإذا هاتف يهتف بي فقال: عذ يا فتى بالله ذي الجلال ... والمجد والنعماء والأفضال واقرأ بآيات من الأنفال ... ووحِّد الله ولا تبال ¬

_ (¬1) رواه البخاري في إسلام عمر من مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - 8/ 178، 180 مطولًا. * وإبلاسها: الإبلاس هو اليأس. وإنكاسها: أي انقلابها. بالقلاص: بكسر القاف جمع قلص بضم القاف واللام جمع قلوص، وهي الفتية من الإبل. والاحلاس. جمع حلس بكسر الحاء وسكون اللام، ما يوضع على ظهر الإبل تحت الرحل فصرخ: أي صوت. فوثب القوم: أي نهضوا مسرعين لا أبرح: أي لا أزال ها هنا جالسًا حتى أتحقق مما سيكون بعد هذا الصوت. نشبنا: أي لبشا. (¬2) قوله تعالى (إنا لمسنا): أي قربنا منها وأردنا استراق السمع من الملائكة.

قال: فارتعت من ذلك روعا شديدا فلما رجعت إلى نفسي قلت: يا أيها الهاتف ما تقول ... أرشد عندك أم تضليل بين لنا هديت ما العويل فقال: هذا رسول الله ذو الخيرات ... يدعو إلى الخيرات والنجاة يأمر بالصوم وبالصلاة ... ويزع الناس عن الهنات قال: فاتبعني راحلتي وقلت: أرشدني رشدا بها هديتا ... لا جعت يا هذا ولا عريتا ولا صحبت صاحبا مقيتا ... لا يثوين الخير إن ثويتا قال: فاتبعني وهو يقول: صاحبك الله وسلم نفسكا ... وبلغ الأهل وسلم رحلكا آمن به أفلح ربي حقكا ... وانصر نبيًا عز ربي نصركا قال: فدخلت المدينة فطلعت في المسجد، فخرج إلي أبو بكر فقال: ادخل رحمك الله فقد بلغنا إسلامك، فقلت: لا أحسن الطهور، فعُلِّمت، ودخلت المسجد، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر كأنه البدر وهو يقول: "ما من مسلم توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى صلاة يعقلها ويحفظها إلا دخل الجنة". فقال عمر: لتأتيني على هذا بينة أو لأنكلن بك، قال: فشهد له شيوخ قريش عثمان بن عفان، فأجاز شهادته. (¬1) قال ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم أن امرأة من بني سهم، يقال لها الغيطلة كانت كاهنة في الجاهلية، فلما جاءها صاحبها في ليلة من الليالي فأنقض تحتها ثم قال: أدر ما أدر، يوم عقر ونحر، قالت قريش -حين بلغها ذلك-: ما يريد؟ ثم جاءها ليلة أخرى، فأنقض تحتها، ثم قال: شعوب ما شعوب، تصرع فيه كعب لجنوب، فلما بلغ ذلك قريشا قالوا: ماذا يريد؟ إن هذا لأمر هو كائن، فانظروا ما هو؟ فما عرفوه حتى كانت وقعة بدر وأحد بالشعب؛ فعرفوا أنه الذي كان جاء به إلى صاحبته. ¬

_ (¬1) دلائل أبي نعيم: ج 1/ 135

قال ابن إسحاق: وحدثني علي بن نافع الجرشي، أن جنبًا، بطنا من اليمن، كان لهم كاهن في الجاهلية، فلما ذكر أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانتشر في العرب قالت له جنب: انظر لنا في أمر هذا الرجل، واجتمعوا له في أسفل جبله، فنزل عليهم -حين طلعت الشمس- فوقف لهم قائمًا متكئًا على قوس له، فرفع رأسه إلى السماء طويلًا ثم جعل ينزو، ثم قال: أيها الناس، إن الله أكرم محمدًا واصطفاه، وطهر قلبه وحشاه، ومكثه فيكم أيها الناس قليل، ثم اشتد في جبله راجعًا من حيث جاء. (¬1) روى ابن سعد بسنده عن جبير بن مطعم قال: كنا جلوسا عند صنم ببوانة قبل أن ببعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشهر، فنحرنا جزورًا، فإذا صائح يصيح من جوف واحده: اسمعوا إلى العجب، ذهب استراق الوحي ونرمى بالشهب، لنبي بمكة اسمه أحمد، مهاجرة إلى يثرب. قال: فأمسكنا وعجبنا، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (¬2) وروى ابن سعد بسنده عن جابر أو غيره قال: إن أول خبر جاء إلى المدينة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن امرأة من أهل المدينة كان لها تابع فجاء في صورة طائر حتى وقع على حائط دارهم، فقالت المرأة: انزل حدثنا ونحدثك وتخبرنا وتخبرك، قال: إنه قد بعث بمكة نبي حرم علينا الزنا ومنع منا القرار. (¬3) وروى بسنده عن عمرو الهذلي قال: حضرت مع رجال من قومي صنمنا سواع وقد سقنا إليه الذبائح، فكنت أول من قرب إليه بقرة سمينة فذبحتها على الصنم، فسمعنا صوتا من جوفها: العجب العجب كل العجب، خروج نبي بين الأخاشب يحرم الزنا، ويحرم الذبح للأصنام، وحرست السماء، ورمينا بالشهب فتفرقنا، وقدمنا مكة فسألنا فلم نجد أحدًا يخبرنا بخروج محمد - صلى الله عليه وسلم - حتى لقينا أبا بكر الصديق فقلنا: يا أبا بكر، خرج أحد بمكة يدعوا إلى الله يقال له أحمد؟ قال: وما ذاك؟ قال: فأخبرته الخبر، فقال: نعم هذا رسول الله، ثم دعانا إلى الإِسلام، فقلنا: حتى ننظر ما يصنع قومنا، ويا ليت أنا أسلمنا يومئذ، فأسلمنا بعده. ¬

_ (¬1) ابن هشام: ج 1/ 225 (¬2) ابن سعد: ج 1/ 161 (¬3) ج 1/ 190

الكتابة على حجارة الكعبة

وروى بسنده عن الزهري قال: كان الوحي يستمع، وكان لامرأة من بني أسد تابع فأتاها يوما وهو يصيح: جاء أمر لا يطاق، أحمد حرم الزنا، فلما جاء الله بالإِسلام منعوا الاستماع. (¬1) روى أبو نعيم بسنده عن عثمان بن عفان قال: خرجنا في عير إلى الشام قبل أن يبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما كنا بأفواه الشام وبها كاهنة فتعرضنا لها، فقال: أتاني صاحبي فوقف على بابي فقلت: ألا تدخل؟ فقال: لا سبيل إلى ذلك، خرج أحمد، وجاء أمر لا يطاق. ثم انصرفت فرجعت إلى مكة فوجدت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قد خرج بمكة يدعو إلى الله -عَزَّ وجَلَّ-. (¬2) الكتابة على حجارة الكعبة وروى أبو نعيم عن طلحة رضي الله تعالى عنه قال: وجد في البيت حجر منقور في الهدمة الأولى، فدعي رجل فقرأه فإذا فيه: عبدي المنتخب المتوكل المنيب المختار، مولده بمكة ومهاجره طيبة، لا يذهب حتى يقيم السنة العوجاء ويشهد أن لا إله إلا الله، أمته الحمادون يحمدون الله بكل أكمة يأتزرون على أوساطهم ويطهرون أطرافهم. الرؤى التي رؤيت في المنام قبل مبعثه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (رؤيا عبد المطلب بن هاشم) قال أبو نعيم: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، حدثنا محمد بن أحمد بن أبي يحيى، حدثنا سعيد بن عثمان، حدثنا قتيبة الخراساني، حدثنا خالد بن إلياس، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي الجهم، عن أبيه عن جده. قال سمعت أبا طالب يحدث عن عبد المطلب قال: بينا أنا نائم في الحجر إذ رأيت رؤيا هالتني، ففزعت منها فزعًا شديدًا، فأتيت كاهنة قريش وعلى مطرف خز وُجمَّتي تضرب منكبي، فلما نظرت إليَّ عرفت في وجهي ¬

_ (¬1) ج 1/ 167 (¬2) دلائل أبي نعيم: ج 1/ 132

(رؤيا خالد بن سعيد بن العاص)

التغير، وأنا يومئذ سيد قومي فقالت: ما بال سيدنا قد أتانا متغير اللون؟ هل رابه من حدثان الدهر شيء؟ فقلت لها: بلى! وكان لا يكلمها أحد من الناس حتى يقبِّل يدها اليمنى، ثم يضع يده على أم رأسها ثم يذكر حاجته، ولم أفعل لأني [كنت] كبير قومي. فجلست فقلت: إني رأيت الليلة وأنا نائم في الحجر كأن شجرة نبتت قد نال رأسها السماء وضربت بأغصانها المشرق والمغرب، وما رأيت نورًا أزهر منها أعظم من نور الشمس سبعين ضعفًا، ورأيت العرب والعجم ساجدين لها وهي تزداد كلَّ ساعة عظمًا ونورًا وارتفاعًا، ساعة تخفي وساعة تزهر، ورأيت رهطًا من قريش قد تعلقوا بأغصانها، ورأيت قوما من قريش يريدون قطعها، فإذا دنوا منها أخرَّهم شاب لم أر قط أحسن منه وجهًا ولا أطيب منه ريحًا، فيكسر أظهرهم ويقلع أعينهم. فرفعت يدي لأتناول منها نصيبًا، فمنعني الشاب، فقلت: لمن النصيب؟ فقال: النصيب لهؤلاء الذين تعلقوا بها وسبقوك إليها. فانتبهت مذعورا فزعا. فرأيت وجه الكاهنة قد تغير، ثم قالت: لئن صدقت رؤياك ليخرجن من صلبك رجل يملك المشرق والمغرب ويدين له الناس. ثم قال -يعني عبد المطلب- لأبي طالب لعلك تكون هذا المولود. قال: فكان أبو طالب يحدث بهذا الحديث بعد ما ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعد ما بعث. ثم قال كانت الشجرة والله أعلم أبا القاسم الأمين، فيقال لأبي طالب: ألا تؤمن؟ فيقول: السبة والعار! (¬1) (رؤيا خالد بن سعيد بن العاص) أخبرنا علي بن محمد عن سعيد بن خالد وغيره عن صالح بن كيسان أن خالد بن سعيد قال: (رأيت في المنام قبل مبعث النبي، - صلى الله عليه وسلم -، ظلمة غشيت مكة حتى ما أرى جبلا ولا سهلا، ثم رأيت نورًا يخرج من زمزم مثل ضوء المصباح كلما ارتفع عظم وسطع حتى ارتفع فأضاء لي أول ما أضاء البيت، ثم عظم الضوء حتى ما بقي من سهل ولا جبل إلا وأنا أراه، ثم سطع في السماء، ثم انحدر حتى أضاء لي نخل ¬

_ (¬1) السيرة لأبن كثير تحقيق مصطفى عبد الواحد [1/ 309]

في ذكر منام رآه عمرو بن مرة يدل على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)

يثرب فيها البسر وسمعت قائلا يقول في الضوء: سبحانه سبحانه تمت الكلمة وهلك ابن مارد بهضبة الحصى بين أذرح والأكمة، سعدت هذه الأمة، جاء نبي الأميين، وبلغ الكتاب أجله، كذبته هذه القرية (¬1)، تعذب مرتين، تتوب في الثالثة، ثلاث بقيت، ثنتان بالمشرق وواحدة بالمغرب (¬2) فقصها خالد ابن سعيد على أخيه عمرو بن سعيد فقال: لقد رأيت عجبا وإني لأرى هذا أمرًا يكون في بني عبد المطلب إذ رأيت النور خرج من زمزم. (¬3) في ذكر منام رآه عمرو بن مرة يدل على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن عمرو بن مرة الجهني: أنه كان يحدث قال: خرجت حاجًا في جماعة من قومي في الجاهلية، فرأيت في المنام وأنا بمكة نورًا ساطعًا خرج من الكعبة حتى أضاء لي من الكعبة إلى جبل يثرب وأشعر جهينة، فسمعت صوتًا في النور وهو يقول: انقشعت الظلماء وسطع الضياء، وبعث خاتم الأنبياء، ثم أضاء إضاءة أخرى حتى نظرت إلى قصور الحيرة وأبيض المدائن، فسمعت صوتا في النور وهو يقول: ظهر الإسلام، وكسرت الأصنام، ووصلت الأرحام، فانتبهت فزعا، فقلت لقومي: والله ليحدثن في هذا الحي من قريش حدث وأخبرتهم بما رأيت، فلما انتهينا إلى بلادنا جاءنا الخبر أن رجلا يقال له: أحمد قد بعث. فخرجت حتى أتيته، فأخبرته بما رأيت فقال لي: "يا عمرو بن مرة، أنا النبي المرسل إلى العباد كافة، أدعوهم إلى الإِسلام وآمرهم بحقن الدماء وصلة الأرحام وعبادة الله، ورفض الأصنام، وحج البيت، وصيام شهر رمضان شهرا من اثني عشر شهرا، فمن أجاب دخل الجنة ومن عصى فله النار، فآمن بالله يا عمرو بن مرة يؤمنك الله من هول جهنم، فقلت: يا رسول الله، آمنت بكل ما جئت به من حلال وحرام، وان أرغم ذلك كثيرا من الأقوام. ¬

_ (¬1) القرية: مكة. (¬2) ثنتان بالمشرق: هما الدجال ويأجوج ومأجوج. وواحدة بالمغرب: طلوع الشمس من مغربها. (¬3) طبقات ابن سند ص 166 ج 1

ثم أنشدته أبياتا قلتها حين سمعت به، وكان لنا صنم وكان أبي سادنا له فقمت إليه فكسرته ثم لحقت بالنبي - صلى الله عليه وسلم -: شهدت بأن الله حق وأنني ... لآلهة الأحجار أول تارك وشمرت عن ساقي الإزار مهاجرا ... أجوب إليك الدعث بعد الدكادك لأصحب خير الناس نفسًا ووالدا ... رسول مليك الناس فوق الحبائك فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: مرحبا بك يا عمرو بن مرة، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي ابعث بي إلى قومي لعل الله -عَزَّ وجَلَّ- يمن عليهم بي كما منَّ بك عليّ فبعثني إليهم وقال: عليك بالرفق والقول السديد، ولا تك فظا ولا متكبرًا ولا حسودا، فأتيت قومي، فقلت: يا بني رفاعة، بل يا معشر جهينة إني رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليكم، أدعوكم إلى الجنة وأحذركم النار وآمركم بحقن الدماء، وصلة الأرحام وعبادة الله ورفض الأصنام، وحج البيت، وصيام شهر رمضان شهر من اثني عشر شهرا، فمن أجاب فله الجنة ومن عصى فله النار. يا معشر جهينة إن الله وله الحمد جعلكم خيار من أنتم منه، وبغض إليكم في الجاهلية ما حبب إلى غيركم من العرب، كانوا يجمعون بين الأختين، ويخلف الرجل على امرأة أبيه، والغزاة في الشهر الحرام، فأجيبوا هذا النبي المرسل من بني لؤي بن غالب، تنالوا شرف الدنيا وكرامة الآخرة وسارعوا في ذلك تكن لكم فضيلة عند الله -عَزَّ وجَلَّ-، فأجابوا إلا رجلًا منهم، فقام فقال: يا عمرو بن مرة أمر الله عيشك! أتأمرنا أن نرفض ألهتنا ونفرق جماعتنا ونخالف دين آبائنا إلى ما يدعو إليه هذا القرشي من أهل تهامة؟! لا حبًا ولا كرامة. ثم أنشأ الخبيث يقول: هذا ابن مرة أتى بمقالة ... ليست مقالة من يريد صلاحا إني لأحسب قوله وفعاله ... يوما، وإن طال الزمان رياحا أنسفه الأشياخ فيمن قد مضى ... من رام ذاك فلا أصاب فلاحا فقال عمرو بن مرة: الكاذب بيني وبينك أمر الله عيشه وأبكم لسانه وأكمه أسنانه فقال عمرو: فوالله ما مات حتى سقط فوه، فكان لا يجد طعم الطعام، وعمى وخرس.

فخرج عمرو بن مرة ومن أسلم من قومه معه حتى أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فرحب بهم وحياهم وكتب لهم كتابًا هذه نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب أمان من الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب صادق وحق ناطق، مع عمرو بن مرة الجهني: أجهينة بن زيد، إن لكم بطون الأرض وظهورها، وتلاع الأودية وسهولها، ترعون نباته وتشربون صافيه، على أن تقروا بالخمس وتصلوا صلاة الخمس، وفي التبعة والصريمة شاتان إذا اجتمعا وإن افترقا فشاة شاة، ليس على أهل الميرة صدقة، والله يشهد على ما ببننا ومن حضر من المسلمين. فذلك حين يقول عمرو بن مرة: ألم تر أن الله أظهر دينه ... وبين برهان القرآن لعامر كتاب من الرحمن نور لجمعنا ... وأخلافنا في كل باد وحاضر إلى خير من يمشي على الأرض ... كلها وأفضلها عند اعتكار الضرائر أطعنا رسول الله لما تقطعت ... بطون الأعادي بالظبا والخواصر فنحن قبيل قد بنى المجد حولنا ... إذا اجتلبت في الحرب هام الأكابر بنو الحرب نقريها بأيد طويلة ... وبيض تلألأ في أكف المغاور ترى حوله الأنصار يحمون سربه ... بسمر العوالي والصفاح البواتر إذا الحرب دارت عند كل عظيمة ... ودارت رحاها بالليوث الهواصر تبلج منه اللون وازداد وجهه ... كمثل ضياء البدر بين الهواصر (¬1) ¬

_ (¬1) أخرجه ابن كثير في البداية والنهاية 2/ 319، 320، 351، 353. وأورده في الخصائص الكبرى 67. وفي الجامع الكبير 2/ 582.

مولد رسول الله الرحمة المهداة صلى الله عليه وعلى آله وسلم

مولد رسول الله الرحمة المهداة صلى الله عليه وعلى آله وسلم

زواج عبد الله بن عبد المطلب من آمنة بنت وهب أم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)

زواج عبد الله بن عبد المطلب من آمنة بنت وهب أم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: حدّثنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي قال: حدّثني عبد الله بن جعفر الزهريّ عن عمّته أم بكر بنت المِسْوَر بن مَخْرَمَة عن أبِيها قال: وحدّثني عمر بن محمد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب عن يحيى بن شبل عن أبي جعفر محمد بن عليّ بن الحسين قالا: كانت آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب في حجر عمها وُهيب بن عبد مناف بن زهرة، فمشى إليه عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصيّ بابنه عبد الله بن عبد المطّلب أبي رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، فخطب عليه آمنة بنت وهب فزوجها عبد الله بن عبد المطّلب، وخطب إليه عبد المطّلب بن هاشم في مجلسه ذلك ابنته هالة بنت وُهيب على نفسه فزوّجه إياها، فكان تَزَوُّجُ عبد المطّلب بن هاشم وتزوّج عبد الله بن عبد المطّلب في مجلس واحد، فولدت هالة بنت وهيب لعبد المطّلب حمزة بن عبد المطّلب، فكان حمزة عم رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، في النّسب وأخاه من الرضاعة. (¬1) حمل آمنة برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي قال: حدّثني عليّ بن يزيد بن عبد الله بن وهب بن زَمْعَة عن أبيه عن عمته قالت: كنّا نسمع أن رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، لما حملت به آمنة بنت وهب كانت تقول: ما شعرتُ أني حملت به، ولا وجدت له ثقلةً كما تجد النساء، إلا أني قد أنكرت رفع حيضي وربما كانت ترفعني وتعود، وأتاني آتٍ وأنا بين النائم واليقظان فقال: هل شعرت أنك حملت؟ فكأني أقول ما أدري؛ فقال: إنك قد حملتِ بسيّد هذه الأمّة ونبيّها، وذلك يوم الاثنين، قالت: فكان ذلك مّما يَقّن عندي الحملَ، ثمّ أمهلني حتى إذا دنا ولادتي أتاني ذلك الآتي فقال: قولي أعيذه بالواحد الصّمَد من شر كل حاسد، قالت: فكنتُ أقول ذلك، فذكرت ذلك لنسائي، فقُلْن لي: تعلّقي حديدا في عضُدَيْكِ وفي عنقكِ، قالت: ففعلت، قالت: فلم يكن تُرِك عليّ إلَّا أيّامًا فأجده قد قُطع، فكنت لا أتعلّقه. ¬

_ (¬1) ابن سعد ج 1/ 94

مسمى اليوم والشهر الذي ولد فيه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

قال: وأخبرنا محمد بن عمر بن واقد قال: حدثني محمَّد بن عبد الله عن الزهري قال: قالت آمنة لقد علقت به فما وجدت له مشقة حتى وضعته. (¬1) مسمى اليوم والشهر الذي ولد فيه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن أبي جعفر محمد بن علي قال ولد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يوم الاثنين لعشر ليال خلون من شهر ربيع الأول. (¬2) العام الذي ولد فيه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ولد يوم الاثنين العاشر من شهر ربيع الأول عام 53 قبل الهجرة الموافق للثاني والعشرين من شهر ديسمبر عام 581 ميلادية بعد هلاك أصحاب الفيل بسبعة عشر عاما. البلد الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن أبي العالية الرياحي، قال: خطبنا أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "مولدي مكة ومهاجري المدينة". (¬3) سمته أمه أحمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال محمد بن عمر بن واقد الأسلمي قال حدثني قيس مولى عبد الواحد عن سالم عن أبي جعفر محمد بن علي قال أمرت آمنه وهي حامل برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن تسميه أحمد. (¬4) ¬

_ (¬1) ابن سعد ج 1/ 98. (¬2) ابن سعد 1/ 100 (¬3) جامع المسانيد ج1 ص1032 (¬4) ابن سعد 1/ 104 - سنده حسن.

آمنه تبشر جده بمولده

آمنه تبشر جده بمولده قال: أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي قال: حدّثني عليّ بن يزيد بن عبد الله بن وهب بن زَمْعة عن أبيه عن عمّته قالت: ولما ولدت آمنة بنت وهب رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، أرسلت إلى عبد المطلب، فجاءه البشير وهو جالِسٌ في الحِجْر معه ولده ورجال من قومه، فأخبره أن آمنة وَلَدَت غلامًا، فسرّ ذلك عبد المطّلب وقام هو ومن كان معه فدخل عليها، فأخبرته بكل ما رأت وما قيل لها وما أُمِرَت به، قال: فأخذه عبد المطّلب فأدخله الكعبة وقام عندها يدعو الله ويشكر ما أعطاه. (¬1) إعلام جدّه بولادته وما فعله به قال ابن إسحاق: فلما وضعته أمه - صلى الله عليه وسلم - أرسلت إلى جدّه عبد المطلب: أنه قد وُلد لك غلام، فأتِه فانظرْ إليه، فأتاه فنظر إليه، وحدّثته بما رأت حين حملت به، وما قيل لها فيه وما أُمِرَتْ به أن تسمّيه. فيزعمون أنّ عبد المطّلب أخذه، فدخل به الكعبة، فقام يدعو الله ويشكر له ما أعطاه ثم خرج به إلى أمّه فدفعه إليها، والتمس لرسول الله- صلى الله عليه وسلم - الرُّضَعاء. (¬2) أول امرأة أرضعته هي جارية عمه أبي لهب ثويبة الحبشية عن أم حبيبة أنها قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: انكح أختي عَزّة. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أتُحِبِّينَ ذلك؟ " قالت: نعم. يا رسول الله! فلست لك بُمخْليَة. وأحق من شركني في خير أختي. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَإِنَّ ذَلِكَ لا يَحِلُّ لي" قالت: فإِنا نتحدث أنك تريد أن تنكح دُرة بنتَ أبي سلمة. ¬

_ (¬1) طبقات ابن سعد ج1 ص 103. (¬2) هذا الخبر وإن رواه الواقدي فهو لم ينفرد به فقد رواه ابن إسحاق في سيرته من ج1 ص184.

تسمية إخوانه من الرضاعة

فقال: "بِنْتَ أمِّ سَلَمَةَ؟ " قالت: نعم. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَإِنَّهَا لَوْ لمْ تَكُنْ رَبيبَتي في حَجْري ما حَلَّتْ لي إنها لابْنَةُ أخي من الرِّضَاعَةِ. أرْضَعَتْني وأباها ثُوَيْبَة فلا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ أخَوَاتِكُنَّ ولا بَنَاتِكُن". (¬1) تسمية إخوانه من الرضاعة قال: أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي قال: حدّثني موسى ابن شيبة عن عُمَيرة بنت عُبيد الله بن كعب بن مالك عن بَرّة بنت أبي تَجْرَاة قالت: أول من أرضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثُوَيبة بلبن ابن لها، يقال له مسْرُوح، أيّامًا قبل أن تقدم حليمة، وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطّلب، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومى. (¬2) قال: وأخبرنا محمد بن عمر عن معمر عن الزهري عن عُبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن ابن عبّاس قال: كانت ثُويبة مولاة أبي لهب قد أرضعت رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، أيّامًا قبل أن تقدم حليمة، وأرضعت أبا سلمة بن عبد الأسد معه، فكان أخاه من الرضاعة. قال: أخبرنا محمد بن عمر عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير أن ثُويبة كان أبو لهب أعتقها فأرضعت رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، فلمّا مات أبو لهب رآه بعض أهله في النوم بشَرّ حِيبَة، فقال: ماذا لقيتَ؟ قال أبو لهب: لم نذق بعدكم رخاء، غير أنى سُقيتُ في هذه بعتاقتي ثُويبة وأشار إلى النّقَيرة التي بين الإبهام والتي تليها من الأصابع. (¬3) ¬

_ (¬1) (صحيح) - صحيح أبي داود 1795: ق. (¬2) طبقات بن سعد ج1 ص 108 (¬3) رواه البخاري ومسلمٌ في كتاب النكاح باب وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم، مسلم كتاب الرضاع رقم 17 (باب تحريم الربيبة حديث 16 صفحة (1073)

حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأخوه من الرضاعة

حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأخوه من الرضاعة قال: أخبرنا خالد بن خِداش، أخبرنا عبد الله بن وَهْب المصري عن مَخْرمَة بن بُكير عن أبيه قال: سمعت عبد الله بن مسلم يقول: سمعت محمَّد بن مسلم، يعني أخاه الزهري، يقول: سمعتُ حُميد بن عبد الرحمن بن عوف يقول: سمعتُ أمّ سلمة زوج النبيّ، صلى الله عليه وسلّم، قالت: قيل له: أين أنت يا رسول الله من ابنة حمزة؟ أو قيل له: ألا تخطب ابنة حمزة؟ قال: إنّ حَمْزَةَ أخي مِنَ الرّضَاعَةِ. قال: أخبرنا عفّان بن مسلم، أخبرنا همّام بن يحيَى، أخبرنا قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عبّاس أنّ رسول الله، صلى الله عليه وسلّم، أريد على ابنة حمزة فقال: إنهَا ابْنَةُ أخي مِنَ الرّضَاعَةِ وَأنّهَا لا تَحِلّ لِي وإنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب. (¬1) ¬

_ (¬1) طبقات بن سعد ج1 ص 109، 110.

حديث حليمة السعدية

حديث حليمة السعدية (حديث حليمة عما رأته من الخير بعد تسلمها له - صلى الله عليه وسلم -): قال ابن إسحاق: وحدثني جَهْم بن أبي جَهْم مولى الحارث بن حاطب الجُمحيّ، عن عبد الله بن جَعْفر بن أبي طالب. أو عمَّن حدّثه عنه قال: كانت حليمة بنت أبى ذُؤَيب السّعْدية. أمْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي أرضعته، تحدّث: أنها خرجتْ من بَلَدها مع زوجها، وابن لها صغير (¬1) تُرضعه في نِسْوة من بني سَعد بن بَكْر، تلتمس الرضعاء، قالت: وذلك في سنة شَهْباء، لم تُبْق لنا شيئا. قالت: فخرجت على أتان لي قَمراء (¬2)، معنا شارف (¬3) لنا، والله ما تَبِضّ (¬4) بقطرة، وما ننام ليلَنا أجمعَ من صبيِّنا الذي معنا، من بكائه من الجوع، ما في ثديىّ ما يُغْنيه، وما في شارفنا ما يغديه -قال ابن هشام: ويقال: يغذيه (¬5) - ولكنَّا كنّا نرجو الغيثَ والفرج فخرجت على أتاني تلك فلقد أدَمْتُ (¬6) بالرَّكب حتى شق ذلك عليهم ضعفا وعجَفا (¬7)، حتى قَدِمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منَّا امرأة إلا وقد عُرض عليها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فتأباه، إذا قيل لها إنه يَتيم، وذلك أنا إنما كنّا نَرْجو المعروفَ من أبى الصبيّ، فكنَّا نقول، يتيم! وما عسى أن تَصْنع أمُّه وجدُّه! فكنا نكرهه لذلك، فما بقيت امرأة قدمتْ معي إلا أخذتْ رضيعا غيري، فلمَّا أجْمعنا الانطلاق قلت لصاحبي: والله إني لأكره أن أرجعَ من بين صَواحبي رقم آخذْ رضيعا، والله لأذهبنّ إلى ذلك اليَتيم فلآخذنه؛ ¬

_ (¬1) يقال: إن اسمه عبد الله بن الحارث. (راجع شرح المواهب والمعارف والطبقات). (¬2) القمرة (بالضم): لون إلى الخضرة، أو بياض فيه كدرة. يقال: حمار أقمر، وأتان قمراء. (¬3) الشارف: الناقة المسنة. (¬4) ما تبض: ما ترشح بشيء. (¬5) وما ذكره ابن هشام أتم في المعنى من الاقتصار على ذكر الغداء دون العشاء. ويروى: "ما يعذبه" أي ما يقنعه حتى يرفع رأسه وينقطع عن الرضاع. (¬6) كذا في 1 - ولقد شرحها أبو ذر فقال: فلقد أدمت بالركب، أي أطالت عليهم المسافة لتمهلهم عليها، مأخوذ من الشيء الدائم. وفي سائر الأصول: "أذمت" أذمت الركاب: أعيت وتخلفت عن جماعة الإبل، ولم تلحق بها. يريد أنها تأخرت بالركب، أي تأخر الركب بسببها. (¬7) العجف: الهزال.

حديث الملكين اللذين شقا بطنه (صلى الله عليه وسلم)

قال: لا عليك أن تَفْعلي، عسى الله أن يجعلَ لنا فيه بركة. قالت: فذهبتُ إليه فأخذته، وما حَمَلني على أخْذه إلا أنى لم أجد غيره. قالت: فلما أخذتُه، رجعت به إلى رَحْلي، فلما وضعته في حِجْري أقبل عليه ثَدياي بما شاء من لبن، فشرب حتى روى، وشرب معه أخوه حتى روى، ثم ناما، وما كنَّا ننام معه قبلَ ذلك، وقام زوجي إلى شارفنا تلك، فإذا إنها لحافل، فحَلب منها ما شَرب، وشربتُ معه حتى انتهينا رِيًّا وشِبعَا فبتنا بخير ليلة. قالت: يقول صاحبي حين أصبحنا: تعلمي والله يا حليمة، لقد أخذت نَسمة مباركة؛ قالت: فقلت: والله إني لأرجو ذلك. قالت: ثم خرجنا وركبت (أنا) أتاني، وحملتُه عليها معي، فوالله لقطعتْ بالرَّكب ما يقدر عليها شيءٌ من حُمُرهم، حتى إن صَواحبي ليقلن لي: يا ابنة أبى ذُؤَيب، ويحك أربعي (¬1) علينا، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها؟ فأقول لهن: بلى والله إنها لهي هي؛ فقلت: والله إن لها لشأنا. قالت: ثم قدمنا منازلَنا من بلاد بني سَعد وما أعلم أرضًا من أرض الله أجدَب منها، فكانت غَنمى تروح عليّ حين قَدِمنا به معنا شِباعا لُبَّنا، فنحلُب ونشرب، وما يحلُب إنسان قَطْرة لبن، ولا يجدها في ضَرع، حتى كان الحاضرون من قَوْمنا يقولون لرُعيانهم: ويلكم اسْرحوا حيث يسرح راعى بنت أبى ذُؤَيب، فتروح أغنامهم جياعًا ما تَبِض بقطرة لبن، وتروح غنمي شِباعا لُبَّنا. فلم نزل نتعرّف من الله الزيادةَ والخير حتى مضت سنتاه (¬2) وفصلتُه، وكان يشِبّ شبابا لا يشبُّه الغِلمان، فلم يبلغ سنتَيه حتى كان غلاما جَفْرًا (¬3) قالت: فقَدمْنا به على أُمِّه ونحن أحرصُ شيءٍ على مُكثه فينا، لما كنَّا نرى من بَركته. فكلَّمنا أمَّه وقلت لها: لو تركتِ بُنَيّ عندي حتى يغلُظَ فإني أخشى عليه وَبَأ (¬4) مكة، قالت: فلم نزل بها حتى ردّته معنا. حديث الملكين اللذين شقا بطنه (صلى الله عليه وسلم): قالت: فرجعنا به، فوالله إنه بعد مَقْدمنا (به) بأشهر مع أخيه لفي بَهْم (¬5) لنا ¬

_ (¬1) أربعي: أقيمي وانتظري. يقال: ربع فلان على فلان إذا أقام عليه وانتظره. ومنه قول الشاعر: عودي علينا وأربعي يا فاطما (¬2) في الطبري:"سنتان". (¬3) الجفر: الغليظ الشديد. (¬4) الوبأ: يهمز ويقصر (والوباء) بالمد: الطاعون. (¬5) البهم: الصفار من الغنم، واحدتها: بهمة.

رجوع حليمة به (صلى الله عليه وسلم) إلى أمه

خلف بيوتنا، إذ أتانا أخووه يَشْتدّ (¬1)، فقال لي ولأبيه: ذاك أخي القرشيّ قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض، فأضجعاه، فشقَّا بطنَه، فهما يَسوطانه (¬2) قالت: فخرجت أنا وأبوه نحوه، فوجدنا قائما مُنتَقَعا (¬3) وجهُه. قالت فالتزمته والتزمه أبوه، فقلنا له: ما لك يا بُنيّ؛ قال: جاءني رجلان عليهما ثياب بيض، فأضجعانى وشقا بطني، فالتمسا (فيه) شيئًا لا أدري ما هو. قالت: فرجعنا (به) (¬4) إلى خبائنا. رجوع حليمة به (صلى الله عليه وسلم) إلى أمه: قالت: وقال لي أبوه يا حليمة، لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أُصيب فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به، قالت: فاحتملناه، فقَدِمْنا به على أمه فقالت: ما أقدمك به يا ظئر (¬5) وقد كنت حريصةً عليه، وعلى مُكثه عندك؟ قالت: فقلت: قد بلغ الله بابنى وقضيتُ الذي عليّ، وتخوّفت الأحداث عليه، فأدّيته إليك كما تحبين؛ قالت ما هذا شأنك، فاصدُقينى خَبرك. قال: فلم تدعْنى حتى أخبرتُها. قالت: أفتخوّفت عليه الشيطان؟ قالت: قلت نعم؛ قالت: كلا، والله ما للشيطان عليه من سبيل، وإن لبنَيَّ لشأنا، أفلا أخبُركِ خبره، قالت: (قلت) 2 بلى؛ قالت: رأيت حين حملتُ به، أنه خرج مني نورٌ أضاء (¬6) لي قُصورَ بُصْرَى (¬7) من أرض الشام، ثم حملتُ به، فوالله ما رأيت من حَمْل قطُّ كان أخفّ (عليّ) 2 ولا أيسرَ منه، ووقع حين ولدته وإنه لواضعٌ يديه بالأرض، رافعٌ رأسَه إلى السماء، دعيه عنك وانطلقى راشدةً. (¬8) قال الحافظ الذهبي في تاريخ الإِسلام هذا حديث جيد الإسناد. ¬

_ (¬1) اشتد في عدوه: أسرع. (¬2) يقال: سطت اللبن أو الدم أو غيرهما أسوطه: إذا ضربت بعضه ببعض. واسم العود الذي يضرب به: السوط. (¬3) منتقعا وجهه: أي متغيرا، يقال انتقع وجهه وامتقع (بالبناء للمجهول): إذا تغير. (¬4) زيادة عن أوالطبري. (¬5) الظئر (بالكسر): العاطفة على ولد غيرها المرضعة له، في الناس وغيرهم فهو أعم من المرضعة لأنه يطلق على الذكر والأنثى. (¬6) كذا في أوالطبري. وفي سائر الأصول: "أضاء لي به قصور ... الخ". (¬7) بصرى (بالضم والقصر): من أعمال دمشق بالشام، وهي قصبة كورة حوران، مشهورة عند العرب قديما وحديثا، ولهم فيها أشعار كثيرة. (راجع معجم البلدان). (¬8) سيرة ابن إسحاق تحقيق الإبيارى ج/1 ص 162 - 165

جبريل (عليه السلام) يشق صدره ويستخرج منه علقتين سوداوين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

جبريل (عليه السلام) يشق صدره ويستخرج منه علقتين سوداوين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن عتبة بن عبد: أنه حدثهم أن رجلًا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: كيف كان أول شأنك يا رسول الله فقال: "كانت حاضنتي من بنى سعد بن بكر، فانطلقت أنا وابن لها في بهم لنا, ولم نأخذ معنا زادًا فقلت: يا أخي اذهب فأتنا بزاد من عند أمنا، فانطلق أخي ومكثت عند البهم، فأقبل طائران أبيضان كأنهما نسران، فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ قال: نعم، فأقبلا يبتدراني فأخذاني فبطحاني إلى القفا فشقا بطني، ثم استخرجا قلبي فشقاه فأخرجا منه علقتين سوداوين، فقال أحدهما لصاحبه: ائتني بماء ثلج، فغسلا به جوفي، ثم قال: ائتني بماء برد فغسلا به قلبي، ثم قال: ائتني بالسكينة، فذارها في قلبي، ثم قال أحدهما لصاحبه: خطه فخاطه (¬1) وختم عليه بخاتم النبوة" وفي رواية "وأختم عليه بخاتم النبوة -قال أحدهما لصاحبه- اجعله في كفة واجعل ألفا من أمته في كفة فإذا أنا أنظر إلى الألف فوقي أشفق أن يخر علي بعضهم، فقال لو أن أمته وزنت به لمال بهم، فانطلقا وتركاني قد فرقت فرقا شديدا، ثم انطلقت إلى أمي فأخبرتها بالذي لقيت، فأشفقت علي أن يكون ألبس بى، فقالت: أعيذك بالله، فرحلت بعيرًا لها -فجعلتني- أو فحملتني- على الرحل وركبت خلفي حتى بلغنا إلى أمي فقالت: أديت أمانتي وذمتي، فحدثتها بالذي لقيت فلم يرعها ذلك، قالت: إني رأيت خرج مني نور أضاءت له قصور الشام" (¬2) ¬

_ (¬1) خطه: أي خيط مكان الشق وجاء في الحديث حصه فحصه وليس له معنى (¬2) رواه أحمد 4/ 184

الرسول يسأل عن نفسه وإجابته (صلى الله عليه وسلم)

حدثنا شعيبان بن فروخ. حدثنا حماد بن سلمة. حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان. فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب. فاستخرج منه علقة. فقال هذا حظ الشيطان منك. ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه (¬1) ثم أعاده في مكانه. وجاء الغلمان يسعون إلى أمه (يعني ظئره (¬2)) فقالوا: إن محمدا قد قتل. فاستقبلوه وهو منتقع اللون (¬3). قال أنس وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط (¬4) في صدره (¬5). الرسول يُسأل عن نفسه وإجابته (صلى الله عليه وسلم) قال ابن إسحاق: وحدثني ثور بن يزيد عن بعض أهل العلم، ولا أحسبه إلَّا عن خالد ابن معدان الكلاعي: أنّ نفرًا من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قالوا له: يا رسول الله. أخبرنا عن نفسك؟ قال: "نعم، أنا دعوة أبي إبراهيم، وبُشرى أخي عيسى، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام، واسترضعت في بني سعد بن بكر. فبينا أنا مع أخٍ لي خلف بيوتنا نرعى بَهْمًا لنا: إذا أتاني رجلان عليهما ثياب بيض بطسْت من ذهبٍ مملوءةٍ ثلجًا. ثم أخذاني فشقا بطني، واستخرجا قلبي فشقّاه فاستخرجا منه عَلَقةً سوداء فطرحاها. ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه، ثم قال أحدهما لصاحبه: زنه بعشرة من أمته، فوزنني بهم فوزنتهم، ثم قال: زنه بمائة من أمته. فوزنني بهم فوزنتهم، ثم قال: زنه بألفٍ من أمّته، فوزنني بهم فوزنتهم. فقال: دعه عنك، فوالله لو وزنته بأمّته لوزنها". (¬6) ¬

_ (¬1) (ثم لأمة) على وزن ضربه. ومعناه جمعه وضم بعضه إلى بعض. (¬2) (ظئرة) هي المرضعة. ويقال أيضًا لزوج المرضعة: ظئر. (¬3) (منتقع اللون) أي متغير اللون: قال أهل اللغة: امتقع لونه فهو ممتقع. وانتقع فهو منتقع. وابتقع فهو مبتقع فيه ثلاث لغات والقاف مفتوحة فيهن. ومعناه: تغير من حزن أو فزع. (¬4) (المخيط) هي الإبرة. (¬5) رواه مسلم في الإسراء 2/ 216/ 217 (¬6) قال الحافظ بن كثير في السيرة تحقيق مصطفى عبد الواحد وهذا إسناد جيد قوى ج1 ص229

ذكر وفاة آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

ذكر وفاة آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: أخبرنا محمَّد بن عمر بن واقد الأسلمي، أخبرنا محمَّد بن عبد الله عن الزهري قال: وحدثنا محمَّد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة قال: وحدثنا عبد الرحمن بن عبد العزيز عن عبد الله بن أبي بكر بن محمَّد ابن عمرو بن حزم قال: وحدثنا هاشم بن عاصم الأسلمي عن أبيه عن ابن عباس، دخل حديث بعضهم في حديث بعض، قالوا: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مع أمه أمنة بنت وهب، فلما بلغ ست سنين خرجت به إلى أخواله بني عدي بن النجار بالمدينة تزورهم به، ومعه أم أيمن تحضنه وهم على بعيرين، فنزلت به في دار النابغة، فأقامت به عندهم شهرًا، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر أمورًا كانت في مقامه ذلك، لما نظر إلى أطم بني عدي بن النجار عرفه وقال: كنت ألاعب أنيسة جارية من الأنصار على هذا الأطم وكنت مع غلمان من أخوالي نطير طائرًا كان يقع عليه، ونظر إلى الدار فقال: ها هنا نزلت بي أمي وفي هذه الدار قبر أبي عبد الله ابن عبد المطلب وأحسنت العوم في بئر بني عدي بن النجار، وكان قوم من اليهود يختلفون ينظرون إليه فقالت أم أيمن فسمعت أحدهم يقول: هو نبي هذه الأمة وهذه دار هجرته، فوعيت ذلك كله من كلامه، ثم رجعت به أمه إلى مكة، فلما كانوا بالأبواء توفيت آمنة بنت وهب، فقبرها هناك، فرجعت به أم أيمن على البعيرين الذين قدموا عليهما مكة، وكانت تحضنه مع أمه ثم بعد أن ماتت (¬1). أم أيمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال ابن شهاب: وكان من شأن أم أيمن، أم أسامه بن زيد: أنها كانت وصيفه لعبد الله بن عبد المطلب. وكانت من الحبشة. فلما ولدت آمنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ¬

_ (¬1) طبقات ابن سعد ج1 ص 116 الأبواء على خط القوافل القديم بين مكة والمدينة يبعد عن مكة قرابة 240 ك. م أو خمسة مراحل.

وفاة أم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بالأبواء

بعدما توفي أبوه، فكانت أم أيمن تحضنه، حتى كبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فأعتقها. ثم أنكحها زيد بن حارثة. ثم توفيت بعد ما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخمسة أشهر. (¬1) وفاة أم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بالأبواء حدثنا صدقة بن سابق قال، قرأت على محمَّد بن إسحاق , حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم: أن أمه - صلى الله عليه وسلم - توفيت وهو ابن ست سنين بالأبواء بين مكة والمدينة، كانت قدمت به المدينة على أخواله بني عدي بن النجار تزيره إياهم، فماتت وهي راجعة إلى مكة. (¬2) كفالة جده له وصفة عبد المطلب ومنزلته من قومه ونجابته (صلى الله عليه وسلم) في صغره وظل النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاة أمه في كفالة جده. وكان عبد المطلب أطول الناس قامة، وأحسن الناس وجهًا، ما رآه قط شيء إلا أحبه، وكان له مفرش في الحجر، لا يجلس عليه غيره. ولا يجلس معه عليه أحد وكان الندى من قريش، حرب بن أمية فمن دونه، يجلسون حوله دون المفرش فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو غلام يدرج ليجلس على المفرش، فجذبوه، فبكى، فقال عبد المطلب، وذلك بعد ما حجب ¬

_ (¬1) صحيح مسلم تخريج فؤاد عبد الباقي ج3 ص 1392 أم أيمن أكبر سنًا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبع سنين. ولدت عام 575 م وكان عمرها وهي تحضنه ثلاثة عشرة عامًا. (¬2) سيرة ابن إسحاق للتدمري ج1 ص193 كان ذلك عام 588م ثمانية وأربعين قبل الهجرة.

بصره، ما لابني يبكي، قالوا له: إنه أراد أن يجلس على المفرش فمنعوه، فقال عبد المطلب: دعوا ابني، فإنه يحس بشرف، أرجو أن يبلغ من الشرف ما لم يبلغ عربي قط (¬1) وكان عبد المطلب خيرًا مع قومه، وكان يطعمهم الكبد والسنام (¬2) عن يزيد بن عياض، عن الزهري وحفص بن عمر، عن هشام بن الكلبي، عن أبيه، أن عبد المطلب كان إذا أتي بالطعام، أجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جانبه، وربما أقعده على فخذه، فيؤثره بأطيب طعامه. وكان رقيقًا عليه بآدابه. فربما أُتي بالطعام وليس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاضرًا فلا يمس شيئًا منه حتى يُؤتى به. وكان يفرش له في ظل الكعبة، ويجلس بنوه حول فراشه إلى خروجه، فإذا خرج، قاموا على رأسه مع عبيده، إجلالًا له وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتي وهو غلام جفر، فيجلس على الفراش فيأخذه أعمامه ليؤخروه، فيقول عبد المطلب: مهلًا، دعوا ابني ما تريدون منه. ثم يقول: دعوه فإن له شأنًا؛ أما ترونه؟ ويقبل رأسه وفمه ويمسح ظهره، ويسر بكلامه وما يري منه (¬3) قال محمَّد بن عمر بن واقد الأسلمي كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يكون مع أمه آمنه بنت وهب فلما توفيت قبضه إليه جده عبد المطلب وضمه ورق عليه رقة لم يرقها على ولده، وكان يقربه منه ويدنيه، ويدخل عليه إذا خلا وإذا نام، وكان يجلس على فراشه فيقول عبد المطلب: إذا رأى ذلك دعوا ابني إنه يؤنس مُلكًا. وقال قوم من بني مدلج لعبد المطلب: احتفظ به فإنا لم نر قدمًا أشبه بالقدم التي في المقام منه، فقال عبد المطلب لأبي طالب: اسمع ما يقول هؤلاء، فكان أبو طالب يحتفظ به، وقال عبد المطلب لأم أيمن، وكانت تحضن رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -: يا بركة لا ¬

_ (¬1) الأزرقي بسند حسن عن ابن عباس (1/ 314/ 315) (¬2) أخرجه أحمد 4/ 444 (¬3) البلاذري ص 81، ابن إسحاق للتدمري ص 194 ج 1

اعتماد جده عليه في حوائجه لبركته ونجاح فعاله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

تغفلي عن ابني فإني وجدته مع غلمان قريبًا من السدرة (¬1)، وإن أهل الكتاب يزعمون أن ابني هذا نبي هذه الأمة، وكان عبد المطلب لا يأكل طعامًا إلا قال: عليَّ بابني، فيؤتى به إليه، فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، وحياطته. قال: ومات عبد المطلب فدفن بالحجون، وهو يومئذ ابن اثنتين وثمانين سنة، ويقال ابن مائة وعشر سنين، وسئل رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -: أتذكر موت عبد المطلب؟ قال: نعم أنا يومئذٍ ابن ثماني سنين؛ قالت أم أيمن: رأيت رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، يومئذٍ يبكي خلف سرير عبد المطلب (¬2). اعتماد جده عليه في حوائجه لبركته ونجاح فعاله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن العباس ابن عبد الرحمن -هو الهاشمي- عن كندير ابن سعيد، عن أبيه، قال: حججت في الجاهلية فرأيت رجلًا يطوف بالبيت وهو يرتجز ويقول: رب رد إلي راكبي محمدًا ... يا رب رده واصطنع عندي يدًا قال: قلت: من هذا؟ قالوا: هذا عبد المطلب بن هاشم بعث بابن له في طلب إبل له ولم يبعثه في حاجة قط إلا نجح فيها، وقد أبطأ عليه. قال: فلم يلبث حتى جاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، والإبل فاعتنقه عبد المطلب، وقال: يا بني، لقد جزعت عليك جزعًا لم أجزعه على شيء قط، والله لا بعثتك في حاجة أبدا، ولا تفارقني بعد هذا أبدا. حدثنا خارجة، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن معاوية بن حيده، قال: خرج حيده بن معاوية في الجاهلية معتمرًا، فإذا بشيخٍ عليه ممصرتان، وهو يطوف بالبيت وهو يقول: ¬

_ (¬1) قال الفاكهي (تحقيق عبد المك بن دهيش سدره خالد بن عبد الله بن أسيد هي صدر وادي مكة ومن شقها واد يقال له الأفيعية ويسكب فيه أيضًا شعب علي بمني وشعب عمارة (4/ 170) أخبار مكة للفاكهي قال عبد الملك بن دهيش سدره خالد أسفلها يسمى اليوم بـ (العدل) وأعلاها المنطقة الموازية لحي الغسالة. (¬2) ابن سعد 1/ 118

كفالة عمه أبي طالب بن عبد المطلب

رب رد إلي راكبي محمدًا ... رده عليَّ واصطنع عندي يدًا قلت: من هذا؟ قالوا: سيد قريش وابن سيدها، هذا عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. قلت: فما محمَّد هذا منه؟ قالوا هذا ابن ابن له، وهو أحب الناس إليه، وله إبل كثيرة، فإذا ضل منها بعث فيها بنيه يطلبونها وإذا أعيى بنوه بعث ابن ابنه، وقد بعثه في ضالة أعيى عنها بنوه، وقد احتبس عنه. فوالله ما برحت البلد حتى جاء محمد وجاء الإبل (¬1). كفالة عمه أبي طالب بن عبد المطلب قالوا: فلما توفي عبد المطلب ضم أبو طالب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وهو ابن ثمان سنين، وكان يكون معه، وكان أبو طالب لا مال له، وكان له قَطيعَة من إبل تكون بعرنه يبدو إليها فيكون ينشأ فيها، ويؤتى بلبنها إذا كان حاضرًا بمكة، وكان أبو طالب قد رق عليه وأحبه، وكان إذا أكل عيال أبي طالب جميعًا أو فرادي لم يَشْبَعوا، وإذا أكل معهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شبعوا، وكان إذا أراد أن يُعشِّهم أو يُغديِهم فيقول: كما أنتم حتى يحضر ابني فيأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيأكل معهم فكانوا يفضلون من طعامهم وإن كان لبنًا شرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولهم، ثم يتناول العيال القعب فيشربون منه فيروون عن آخرهم من القعب الواحد وإن كان أحدهم ليشرب قعبا، وحده، فيقول أبو طالب: إنك لمبارك، وكان الصبيان يصبحون شعثا رمصا، ويصبح رسول - صلى الله عليه وسلم - دهينا كحيلا (¬2). قال ابن إسحاق وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد عبد المطلب مع عمه أبي طالب، وكان عبد المطلب -فيما يزعمون- يوصي به عمه أبا طالب، وذلك لأن ¬

_ (¬1) دلائل النبوة للبيهقي ج2 ص 20/ 21 (¬2) دلائل النبوة لأبي نعيم (1/ 209) وابن سعد ج1ص 168.

قصة بحيرى

عبد الله أبا رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وأبا طالب أخوان لأب وأم. أمهما: فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم (¬1). قال ابن هشام: عائذ بن عمران بن مخزوم. قال ابن إسحاق: وكان أبو طالب هو الذي يلي أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد جده فكان إليه ومعه. اللهيي العائف: قال ابن إسحاق: وحدثني يحيي بن عباد بن عبد الله بن الزبير، أن أباه حدثه: أن رجلًا من لهب-قال ابن هاشم: ولهب: من أزدشنوءة (¬2) - كان عائفًا، فكان إذا قدم مكة أتاه رجال قريش بغلمانهم ينظر إليهم، ويعتاف لهم (¬3) فيهم قال: فآتي به أبو طالب، وهو غلام مع من يأتيه فنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم شغله عنه شيء، فلما فرغ قال: الغلام. عليّ به، فلما رأى أبو طالب حرصه عليه غيبه عنه، فجعل يقول ويلكم ردوا عليّ الغلام الذي رأيت أنفًا فوالله ليكونن له شأن. قال: فانطلق أبو طالب (¬4) قصة بحيرى محمَّد (صلى الله عليه وسلم) يخرج مع عمه إلى الشام: قال ابن إسحاق ثم أن أبا طالب خرج في ركب تاجرًا إلى الشام فلما تهيأ للرحيل، وأجمع المسير صب (¬5) به رسول الله ¬

_ (¬1) كانت كفالة عمه منذ عام 591 م في التاسعة من عمره. (¬2) وقال غيره: وهو لهب بن أحصن بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد. وهي القبيلة التي تعرف بالعيافة والزجر (الروض 1/ 204). (¬3) يعتاف لهم: هو يفتعل من العيف: يقال عفت الطير. واعتفتها عيفة واعتيافًا: وعفت الطعام أعافه عيفًا. وعافت الطير الماء عيافًا (الروض 1/ 205). (¬4) ابن إسحاق ج 1/ 204 قصة بحيرى والرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عمره اثنى عشر عاما في عام 594م. (¬5) الصبابة: رقة الشوق، يقال صببت -بكسر الباء - أصب، ويذكر عن بعض السلف أنه قرأ أصب إليهن وأكن من الجاهلين وفي غير رواية أبي بحر: ضبث به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي: لزمه قال الشاعر: كأن فؤادي في يد ضبثت به ... محاذرة أن يقضب الحبل قاضبه (الروضة (1/ 260))

بحيرى يحتفي بتجار قريش

- صلى الله عليه وسلم - فيما يزعمون فرق له، وقال: والله لأخرجن به معي، ولا يفارقني ولا أفارقه أبدًا، أو كما قال فخرج به معه. بحيرى يحتفي بتجار قريش فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام وبها راهب يقال له: بحيرى (¬1) في صومعة له , وكان إليه علم أهل النصرانية، ولم يزل في تلك الصومعة منذ قط راهب، إليه يصير علمهم عن كتاب فيها فيما يزعمون يتوارثونه كابرا عن كابر فلما نزلوا ذلك العام ببحيرى، وكانوا كثيرا ما يمرون به قبل ذلك، فلا يكلمهم، ولا يعرض لهم، حتى كان ذلك العام فلما نزلوا به قريبا من صومعته صنع لهم طعاما كثيرا وذلك -فيما يزعمون عن شيء رآه وهو في صومعته، يزعمون أنه رأي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في صومعته في الركب حين أقبلوا، وغمامة تظله من بين القوم قال: ثم أقبلوا فنزلوا في ظل شجرة قريبا منه فنظر إلى الغمامة حين أظلت الشجرة، وتهصرت أغصان الشجرة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى استظل تحتها، فلما رأى ذلك بحيرى نزل من صومعته، وقد أمر بذلك الطعام فصنع، ثم أرسل إليهم، فقال: إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش، فأنا أحب أن تحضروا كلكم، صغيركم وكبيركم، وعبدكم وحركم، فقال له رجل منهم: والله يا بحيرى إن لك لشأنا اليوم! ما كنت تصنع هذا بنا، وقد كنا نمر بك كثيرًا، فما شأنك اليوم؟ قال له بحير: صدقت، قد كان ما تقول، ولكنكم ضيف، وقد أحببت أن أكرمكم، وأصنع لكم طعامًا، فتأكلوا منه كلكم، فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بين القوم، لحداثة سنه، في رحال القوم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرى في القوم لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده، فقال: يا معشر قريش لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي، قالوا له يا بحيرى، ما تخلف عنك أحد ينبغي له أن يأتيك إلا غلام، وهو أحدث القوم سنا فتخلف في رحالهم، فقال لا تفعلوا، ادعوه، فليحضر هذا الطعام معكم قال: فقال رجل من قريش مع القوم: ¬

_ (¬1) كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ ذاك ابن تسع سنين فيما ذكر بعض من ألف في السير، وقال الطبري: ابن ثنتي عشرة سنة. (الروض 1/ 206)،ابن إسحاق تحقيق التدمري بصرى جنوب شرقي دمشق يبعد عنها 124 كم وهي قصية كورة حوران.

بحيرى يتثبت من محمد (صلى الله عليه وسلم)

واللات والعزى، إن كان للؤم بنا أن يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن طعام من بيننا، ثم قام إليه فاحتضنه، وأجلسه مع القوم. بحيرى يتثبت من محمَّد (صلى الله عليه وسلم) فلما رآه بحيرى جعل يلحظه لحظًا شديدا، وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده من صفته حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا، قام إليه بحيرى فقال: يا غلام أسألك بحق اللات والعزي إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه وإنما قال له بحيرى ذلك, لأنه سمع قومه يحلفون بهما فزعموا إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تسألني باللات والعزى شيئا فوالله ما أبغضت شيئًا قط بغضهما، فقال له بحيرى فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه، فقال له سلني عما بدا لك فجعل يسأله عن أشياء من حاله: من نومه وهيئته وأموره، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته، ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده (¬1). قال ابن هشام: وكان مثل أثر المحجم. بحيرى يوصي أبا طالب بمحمد (صلى الله عليه وسلم) قال ابن إسحاق: فلما فرغ، أقبل على عمه أبو طالب، فقال له: ما هذا الغلام منك؟ قال: ابني. قال له بحيرى: ما هو بابنك، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا، قال: فإنه ابن أخي، قال فما فعل أبوه؟ قال: مات وأمه حبلى به، قال: صدقت، فارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه يهود، فوالله لئن رأوه، وعرفوا منه ما عرفت ليبتغنه شرا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم، فأسرع به إلى بلاده. ¬

_ (¬1) رواه ابن عساكر بسنده إلى أحمد بن عبد الجبار العطاردي, عن يونس بن بكير الشيباني، ابن إسحاق (1/ 206) تحقيق التدمري.

بعض من أهل الكتاب يريدون بمحمد (صلى الله عليه وسلم) الشر

بعض من أهل الكتاب يريدون بمحمد (صلى الله عليه وسلم) الشر فخرج به عمه أبو طالب سريعًا حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام، فزعموا فيما روى الناس: أن زريرًا وتمامًا ودريسًا -وهم نفر من أهل الكتاب- قد كانوا رأوا من رسول الله- صلى الله عليه وسلم - مثل ما رآه بحيرى في ذلك السفر الذي كان فيه مع عمه أبي طالب، فأرادوه، فردهم عنه بحيرى، وذكرهم الله وما يجدون في الكتاب من ذكره وصفته، وأنهم إن أجمعوا لما أرادوا به لم يخلصوا إليه، ولم يزل بهم. حتى عرفوا ما قال لهم، وصدقوه بما قال، فتركوه وانصرفوا عنه (¬1). محمَّد (صلى الله عليه وسلم) يشب على مكارم الأخلاق فشب رسول الله - صلي اله عليه وسلم - والله تعالي يكلؤه ويحفظه ويحوطه من أقذار الجاهلية، لما يريد به من كرامته ورسالته، حتى بلغ أن كان رجلاً أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقًا، وأكرمهم حسبًا، وأحسنهم جوارًا، وأعظمهم حلمًا، وأصدقهم حديثًا، وأعظمهم أمانة وأبعدهم من الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال تنزهًا وتكرمًا حتى ما أسمه في قومه إلا الأمين لما جمع الله فيه من الأمور الصالحة. ¬

_ (¬1) ابن إسحاق (1/ 207) تحقيق التدمري

خروج النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى الشام بصحبة عمه أبي طالب ومقابلته للراهب بحيرى

خروج النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى الشام بصحبة عمه أبي طالب ومقابلته للراهب بحيرى عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عن أبيه أنه حدَّثَه قال: "خرجنا إلى الشام في أشياخ من قريش، وكان معي محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، فأشرفنا على راهب في الطريق فنزلنا وحللنا رواحلنا فخرج إلينا الراهب -وكان قبل ذلك لا يخرج إلينا- فجعل يتخلَّلُنَا حتى جاء فأخذ بيد محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، وقال: هذا سيِّد العالمين، قال: فقال له أشياخٌ من قريش: وما علمك بما تقول؟ قال: أجد صِفَتَه ونَعْته في الكتاب المنزَل، وإنكم حين أشرفتم لم يبق شجرٌ ولا حجرٌ إلا خر له ساجدا ولا تسجد الجمادات إلا لنبي، وأعرفه بخاتم النبوة، أسفل من غُضروف كتفه مثل التفاحة، ثم رجع فصنع طعامًا فأتانا به وكان محمد في رعْيَةِ الإبل، فجاء وعليه غَمَامةُ تظلُّه، فلما دنا وجد القوم قد سبقوه إلى شجرة، فجلس في الشمس فمال فَيءُ الشجرة عليه، وأضحوا هم في الشمس، فبينا هو قائم عليهم يناشدهم الله أن لا يذهبوا به إلى الروم ويقول: إن رأوه عَرَفُوهُ بالصِّفَة، وآذوْه، فبينا هو يناشدهم الله في ذلك التفت، فإذا تسعةٌ من الروم مقبلين نحو ديره، فاستقبلهم، وقال: ما جاء بكم؟ قالوا: بلغنا عن أحبارنا أن نبيًّا من العرب خارج نحو بلادنا في هذا الشهر، فلم يبق طريق إلا بُعث إليه بأُناس، وبعثنا إلى طريقك هذا، قال: فهل خلفكم أحد خير منكم؟ قالوا: إنما اخترنا لطريقك هذه خيرة، قال لهم: أرأيتم أمرًا أراد الله تبارك وتعالي أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس أن يرده؟ قالوا: لا، قال: فبايعوا هذا النبي فإنه حق، فبايعوه وأقاموا مع الراهب، ثم رجع إلينا، فقال: أنشدكم أيكم وليّه؟ قالوا: هذا -يعنوني- فما زال يناشدني حتى رددته مع رجال، فكان فيهم بلال، وزوده الراهب كعكًا وزيتًا". (¬1) ¬

_ (¬1) جامع الأصول من حديث الرسول حديث رقم 8836، رواية رزين عن على عن أبيه أفضل من رواية الترمذيُّ عن موسى الأشعري قلت كان هذا الحدث في شهر محرم من العام الثاني والأربعين قبل الهجرة العام الثاني عشر لمولده صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

الكاهنة

الكاهنة وقيل بعثته - صلى الله عليه وسلم - بعشرين سنة، أو قريبا من عشرين سنة، أتت قريش كاهنة، فقالوا لها: أخبرينا بأقربنا شبها بصاحب هذا المقام. (¬1) فقالت: إن أنتم جررتم كساء على هذه السهلة ثم مشيتم عليها أنبأتكم. فجروا، ثم مشي الناس عليها، فأبصرت أثر محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: هذا أقربكم شبها به. (¬2) ذكر حضور رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حِلْف الفضول قال: أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي، أخبرنا الضحّاك بن عثمان. عن عبد الله بن عروة بن الزبير عن أبيه قال: سمعتُ حكيم بن حزام يقول: كان حلف الفضول مُنْصَرَفَ قريش من الفجار، ورسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، يومئذ ابن عشرين سنة. قال: قال محمَّد بن عمر: وأخبرني غير الضحاك قال: كان الفجار في شوّال وهذا الحلف في ذي القعدة وكان أشرف حِلف كان قطّ، وأول من دعا إليه الزبير بن عبد المطلب، فاجتمعت بنو هاشم وزهرة وتيم في دار عبد الله بن جُدعان، فصنع لهم طعامًا فتعاقدوا وتعاهدوا بالله قائلين: لنكونن مع المظلوم حتى يُؤدى إليه حقه ما بَلّ بحر صوفه، وفي التآسي في المعاش، فسمّث قريش ذلك الحلف حلف الفضول. قال: وأخبرنا محمَّد بن عمر قال: فحدثني محمَّد بن عبد الله عن الزهري عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن عبد الرحمن بن أزهر عن جُبير بن مُطعم قال: قال رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -: مَا أُحِب أنّ لي بحِلفٍ حَضَرْتُهُ بدَارِ ابن جُدْعَانَ حُمْرَ النّعَم وأنّي أغْدِرُ به، هاشِمٌ وزُهْرَةُ وَتَيْمٌ تَحَالَفُوا أن يكونوا مع المَظْلُومِ مَا بَلّ بحْرٌ صُوفَةً ولَوْ دُعيتُ به لأجَبتُ وهو حِلْفُ الفُضُولِ. قال محمَّد بن عمر: ولا نعلم أحدًا سبق بني هاشم بهذا الحلف. ¬

_ (¬1) صاحب المقام هو سيدنا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يشبهه. (¬2) أخرجه أحمد [1/ 332]

سبب حلف الفضول

سبب حلف الفضول وكان أول من تكلم به ودعا إليه الزبير بن عبد المطلب عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وكان سببه أن رجلًا من زبيد قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاصي بن وائل السّهمي وكان ذا قَدْر وشرف بمكة فحبَس عنه حقه فاستعدى عليه الزبيديُّ الأحلاف عبد الدار ومخزومًا وجمحًا وسَهْمًا فأبوا أن يعينوا الزبيدي على العاصي بن وائل وزبَروه ونَهروه فلما رأى الزبيدي الشَّر رقى على أبي قُبَيْس عند طلوع الشمسي وقريش في أنديتهم حول الكعبة فقال بأعلى صوته: يَا آَلَ فِهْرٍ لِمَظْلُومٍ بِضَاعَتَه ... بِبَطْنِ مَكْةَ نَائِي الدَّارِ وَالنَّفَرِ ومُحْرمٍ أشْعَثَ لَمْ يَقْضِ عُمْرتَهُ ... يَا لَلرِّجَالِ وَبينَ الحِجْرِ وَالْحَجَرِ إِنَّ الحَرَامَ لِمَنْ تَمَّتْ مَكَارِمُهُ ... وَلا حَرَامَ لِثَوْبِ الفَاجِرِ الغُدَرِ (¬1) فقام في ذلك الزبير بن عبد المطلب وقال ألهذا مَتْرك؟ فاجتمعت هاشم وزُهْرة وتَيم في دار عبد الله ابن جُدْعان فصنع لهم طعامًا فحالفوا في القعدة في شهر حرام قيامًا فتعاقدوا وتعاهدوا ليكونن يدًا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدى إليه حقه ما بَلَّ بَحْر صوفة وما رَسَا حِرَاء وثَبِير مكانهما، وعلي التآسي في المعاش. فسمَّت قريش ذلك الحلف حلف الفُضول وقالوا: لقد دخل هؤلاءِ في فُضولٍ من الأمر. ثم مشوا إلى العاصي بن وائِل. فانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها إليه. حلف الفضول (المطيبين) وشهوده (صلى الله عليه وسلم) له تحالفت بعض بطون قريش على نصرة المظلوم، حتى يأخذ حقه أو يموتوا دونه، وأن ترد الفضول على أهلها، وممن دخل فيه بنو عبد شمس بن عبد مناف، وبنو نوفل بن عبد مناف، ثم خرجوا منه. ¬

_ (¬1) سبل الهدى والرشاد ج2 ص154

رعى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الغنم لأهله ولأهل مكة إلى أن بعث

وكان ذلك الحلف في دار عبد الله بن جدعان، وكان يسمي حلف المطيبين، (وهم هاشم وأمية وزهرة ومخزوم)، وقد شهده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عمومته، (ولم يشهد غيره)، فكان يقول: شهدت مع عمومتي حلف المطيبين، فما أحب أن أنكثه وأن لي حمر النعم. وكان يقول: لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا، لو دعيت به في الإِسلام لأجبت، تحالفوا أن ترد الفضول على أهلها، وألا يعز ظالم مظلوما. (¬1) رعى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الغنم لأهله ولأهل مكة إلى أن بُعث عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "لقد رأيتنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بَمرِّ الظَّهْران نَجْني الكَباثَ، وهو ممر الأراك، ويقول: عليكم بالأسود منه، فإنه أطيَبُ، فقلت: أكنت ترعى الغنم؟ قال: وهل من نبيٍّ إلا ورعاها؟ " (¬2) قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أحْسِنُوا إلى المَاعِزِ وامسَحُوا عنها الرَّغَامَ فإنَّها مِن دوابِّ الجَنَّةِ، ما من نبيٍّ إلَّا قد رعى، قالُوا: وأنت؟ قال: وأنا قد رَعَيْتُ الغَنَمَ) (¬3) عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما بعث الله نبيًّا إلا رعى الغنم فقال أصحابه وأنت؟ فقال: (نعم كنت أرعى على قراريط لأهل مكة) (¬4) عن أبي سعيد الخدري قال: افتخر أهل الإبل والغنم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الفَخْرُ والخُيَلاءُ في أهل الإبل، والسَّكِيْنَةُ والوقارُ في أهل الغنم). ¬

_ (¬1) كان عمره عشرين عامًا، عندما شهد قُس بن ساعده وهو يخطب في عكاظ، وكذلك شهوده لحرب الفجار مع أعمامه. أخرجه أحمد بسند صحيح 1/ 190 والحميدي بسند صحيح انظر (سيرة ابن كثير 1/ 258) (¬2) أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ 9/ 498 ومسلمٌ 2050 (¬3) (البزار والخطيب) (¬4) البخاري 4/ 363

في سفره (صلى الله عليه وسلم) مرة ثانية إلى الشام

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (بُعِثَ مُوسى - صلى الله عليه وسلم - وهو يرعى غنمًا على أهلِهِ، وبُعِثْتُ أنا وأنا أرعى غنما لأهلي بِجِيَادٍ). (¬1) عن أبي إسحاق، عن عبدة بن حزن النصري قال: (تفاخَر عِند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحاب الإبل وأصحاب الغنم، فقال أصحاب الإبل: وما أنتم يا رُعاة الشَّاءِ، هل تُحِبُّون شيئًا أو تصِيدُونَهُ؟ ما هيَ إلا شُوَيْهَاتٌ، أحَدُكُمْ يَرْعَاهَا ثُمَّ يَرْفَعُهَا، حتى أصْمَتُوهُمْ، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: بُعِثَ داوُدُ وَهُوَ رَاعِي غَنَمٍ، وبُعِثَ مُوسى وَهُوَ رَاعِي غَنَمٍ، وبُعِثْتُ أَنَا وَأَرْعى غَنَمَ أَهْلي بأجيادَ، فَغَلَبَهُمْ أصْحَابُ الغَنَمِ). عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (مَا بَعَثَ الله نَبيًا إلَّا رَاعيَ غَنَمٍ) قال له أصحابه: وأنت يا رسول الله! قال: (وَأَنَا). (¬2) في سفره (صلى الله عليه وسلم) مرة ثانية إلى الشام وروي ابن سعد وابن السَّكن وأبو نُعَيم عن نفيسة بنت مُنْيَة قالت: لما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسًا وعشرين سنة وليس له. بمكة اسم إلا الأمين لما تكامل فيه من خصال الخير، قال له أبو طالب: يا ابن أخي أنا رجل لا مال لي وقد اشتد الزمان علينا وألحَّتْ علينا سنُون مُنْكرة وليست لنا مادة ولا تجارة، وهذه عيرُ قومك قد حضر خروجها إلى الشام وخديجة بنت خويلد تبعث رجالًا من قومك في عيراتها فيتْجرون لها في مالها ويصيبون منافع، فلو جئتها وعرضتَ نفسك عليها لأسرعتْ إليك وفضَّلتك على غيرك، لِمَا يبلغها عنك من طهارتك وإن كنت أكره أن تأتي الشامَ، وأخاف عليك من يهود، ولكن لا نجد من ذلك بُدَّا. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد 3/ 96، 42 (¬2) انظر صحيح ابن ماجه للألباني ج 2149

وكانت خديجة امرأة تاجرة ذات شرف ومال كثير وتجارة تبعث بها إلى الشام فيكون عيرها كعامة عير قريش، وكانت تستأجر الرجال وتدفع إِليهم الأموال مضارِبةً، وكانت قريش قومًا تجارًا ومن لم يكن تاجرًا من قريش فليس عندهم بشيء فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فلعلها ترسل إليّ في ذلك. فقال أبو طالب: إني أخاف أن تولِّي غيرك فتطلب أمرًا مُدْبرًا. فافنزقا. وبلغ خديجة ما كان من محاورة عمه له وقبْل ذلك ما كان من صدق حديثه وعِظَم أمانته وكرم أخلاقه؛ فقالت: ما علمتُ أنه يريد هذا. ثم أرسلت إليه فقالت: إِنه دعاني إلى البعث إليك ما بلغني من صِدق حديثك وعِظَم أمانتك وكرم أخلاقك، وأنا أعطيك ضِعف ما أعطي رجلًا من قومك. ففعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ثم لقي عمه أبا طالب فذكر له ذلك فقال: إن هذا لَرزقْ ساقه الله إليك. فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع غلامها مَيْسرة، وقالت خديجة لميسرة: لا تَعْص له أَمرًا ولا تخالف له رأيًا. فخرج هو وميسرة وعليه غَمامة تظله وجعل عمومته يُوصون به أهل العِير. فخرج حتى قدم الشام فنزلا في سوق بُصْرَي في ظل شجرة قريبًا من صومعة راهب يقال له نَسطورا. فاطَّلع الراهب إلى ميسرة -وكان يعرفه- فقال: يا ميسرة من هذا الذي نزل تحت هذه الشجرة؟ فقال ميسرة: رجل من قريش. فقال الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قطّ إلا نبي، أفي عينيه حُمْرة؟ قال ميسرة: نعم لا تفارقه. فقال الراهب: هو هو وهو آخر الأنبياء، ويا ليت أني أدركه حيث يُؤْمر بالخروج. (¬1) ¬

_ (¬1) هذه الرواية وإن كان مدارها على الواقدي إلا أن رواية ابن إسحاق تسندها وهي رواية تاريخية تبين حال قريش في تجارتها إلى الشام وليست تشريعية، طبقات ابن سعد [1/ 129] سبل الهدي والرشاد [2/ 158].

خروجه (صلى الله عليه وسلم) إلى التجارة بمال خديجة

خروجه (صلى الله عليه وسلم) إلى التجارة بمال خديجة قال ابن إسحاق: وكانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة، ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم إيّاه، بشيء تجعله لهم، وكانت قريش قومًا تجارًا، فلما بلغها عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ما بلغها: من صدق حديثه، وعظيم أمانته، وكرم أخلاقه، بعثت إليه، فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجرًا، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجّار، مع غلام لها يقال له: ميسرة، فقبله رسول الله- صلى الله عليه وسلم - منها، وخرج في مالها ذلك، وخرج معه غلامها ميسرة، حتى قدم الشام. حديثه (صلى الله وسلم) مع الراهب: فنزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في ظل شجرة قريبًا من صومعة راهب من الرهبان. فاطلع الراهب إلى ميسرة، فقال له: من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة؟ قال له ميسرة: هذا رجل من قريش من أهل الحرم، فقال له الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلَّا نبي. ثم باع رسول الله- صلى الله عليه وسلم - سلعته التي خرج بها، واشترى ما أراد أن يشتري، ثم أقبل قافلًا إلى مكة، ومع مَيْسَرة، فكان ميْسرة -فيما يزعمون- إذا كانت الهاجرة، واشتدّ الحَرّ، يرى مَلَكَين يُظِلّانه من الشمس- وهو يسير على بعيره فلما قدم مكة على خديجة بمالها، باعت ما جاء به، فأضعف أو قريبًا. وحدّثها ميسرة عن قول الراهب، وعما كان يرى من إظلال الملكين إياه. (¬1) خروجه إلى سوقِ حُباشةَ قال حكيم ابن حزام وقد رأيت رسول الله صلي عليه وآله وصحبه وسلم يحضرها واشتريت منها بزًا من بز تهامة. (¬2) وكان ممّن تاجر لهم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم خديجة بنت خويلد [استأجرته سفرتين إلى جرش كل سفرة بقلوص [وكانت امرأة ذات مال] (¬3) ¬

_ (¬1) ابن إسحاق للترمذي [1/ 213] (¬2) قال البكري حُباشه على وزن فُعالة سوق للعرب معروفة بناحية مكة وهي أكبر أسواق تهامة كانت تقوم ثمانية أيام في السنة وهي من صدر قنونا أرضها لبارق. معجم ما استعجم للبكري ج1ص418. قال عاتق بن غيث البلادي في كتاب بين مكة واليمن ص 350 عن سوق حباشه أنّه يقع في وادي قنونا في المعقص. (¬3) أخرجه الحاكم 3/ 182

شريك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في التجارة قبل الإسلام

شريك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في التجارة قبل الإِسلام عن مجاهد عن السائب بن أبي السائب أنه كان يشارك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل الإِسلام في التجارة فلما كان يوم الفتح جاءه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - مرحبا بأخي وشريكي كان لا يداري ولا يماري يا سائب قد كنت تعمل أعمالًا في الجاهلية لا تقبل منك وهي اليوم تقبل منك وكان ذا سلف وصلة. وروي بسنده عن السائب قال: أتيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فجعلوا يُثنون عليَّ، ويذكرونني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا أعلمكم به"، قلت: صدقت بأبي أنت وأمي، كنت شريكي فنعم الشريك كنت لا تُداري ولا تماري. (¬1) ¬

_ (¬1) رواه أحمد ج3/ 425 من الجائز أن العبارة ترددت بين السائب ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

هدم الكعبة

هدم الكعبة عن مسافع ابن عبد الله بن شيبة بن عثمان العبدري أبو سليمان الحجبي أنه قال وجدوا حجرًا حين نقضوا البيت فيه ثلاثة صفوح فيها كتاب من كتب الأول فدعي لها رجل فقرأها فإذا في صفح منها أنا الله ذو بكة صغتها يوم صغت الشمس والقمر حففتها بسبعة أملاك وباركت لأهلها في اللحم والماء وفي الصفح الآخر أنا الله ذو بكة خلقت الرحم واشتققت لها من أسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته. وفي الصفح الثالث أنا الله ذو بكة خلقت الخير والشر فطوبى لمن كان الخير على يديه وويل لمن كان الشر على يديه (¬1) ذكر حضور رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هدم قريش الكعبة وبناءها قال: أخبرنا محمَّد بن عمر بن واقد الأسلمي، أخبرنا عبد الله بن يزيد الهذلي عن سعيد بن عمرو الهذلي عن أبيه وعبد الله بن يزيد الهذلي عن أبي غطفان عن ابن عباس قال: وحدّثني محمَّد بن عبد الله عن الزهري عن محمَّد بن جبير بن مطعم، دخل حديث بعضهم في حديث بعض، قالوا: كانت الخُرْف مظللة على مكّة، وكان السيل يدخل من أعلاها حتى يدخل البيت فانصدع فخافوا أن ينهدم، وسُرق منه حِلْية وغزال من ذهب كان عليه درّ وجوهر، وكان موضوعًا بالأرض، فأقبلت سفينة في البحر فيها روم، ورأسهم باقوم، وكان بانيًا، فجنحتها الرّيح إلى الشعيبة، وكانت مرفأ السفن قبل جُدّة، فتحطمت السفينة، فخرج الوليد بن المغيرة في نفر من قريش إلى السفينة فابتاعوا خشبها وكلموا الرومي باقوم فقدم معهم، وقالوا: لو بنينا بيت ربنا، فأمروا بالحجارة تجمع وتنقي (¬2) الضواحي منها، فبينا رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، ينقل معهم، وهو يومئذ ابن خمس وثلاثين سنة (¬3)، وكانوا يضعون أزرهم على عواتقهم، ويحملون الحجارة ¬

_ (¬1) انظر كتاب الشريعة للأجري ج 2 ص 944 دراسة وتحقيق الدكتور عبد الله الدميجي. (¬2) (من) الضواحي منها أي من مكة. (¬3) الأصح خمس وعشرين سنه.

ففعل ذلك رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، فلُبط به ونودي: عورتك، فكان ذلك أول ما نودي، فقال له أبو طالب: يا ابن أخي اجعل إزارك على رأسك، فقال: ما أصابني ما (¬1) أصابني إلا في تعري؛ فما رؤيت لرسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، عورة بعد ذلك، فلما أجمعوا على هدمها قال بعضهم: لا تُدخلوا في بنائها من كسبكم إلَّا طيبا، لم تقطعوا فيه رحما، ولم تظلموا فيه أحدًا، فبدأ الوليد بن المغيرة بهدمها، وأخذ المعول ثمّ قام عليها يطرح الحجارة وهو يقول: اللَّهم لم ترع إنما نريد الخير، فهدم وهدمت معه قريش، ثم أخذوا في بنائها، وميزوا البيت، وأقرعوا عليه، فوقع لعبد مناف وزهرة ما بين الركن الأسود إلى ركن الحِجْر وجه البيت، ووقع لبني أسد بن عبد العزى وبني عبد الدار ابن قصي ما بين ركن الحِجْر إلى ركن الحِجْر الآخر، ووقع لتيم ومخزوم ما بين ركن الحِجْر إلى الركن اليماني، ووقع لسهم وجمَحَ وعديّ وعامر بن لؤيّ ما بين الركن اليماني إلى الركن الأسود، فبنوا، فلما انتهوا إلى حيث يوضع الركن من البيت قالت كل قبيلة نحن أحق بوضعه واختلفوا حتى خافوا القتال، ثم جعلوا بينهم أول من يدخل من باب بني شيبة فيكون هو الذي يضعه وقالوا: رضينا وسلمنا فكان رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، أول من دخل من باب بني شيبة فلما رأوه قالوا: هذا الأمين قد رضينا بما قضى بيننا، ثم أخبروه الخبر، فوضع رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، رداءه وبسطه في الأرض، ثم وضع الركن فيه، ثُم قال: ليأت من كل رُبع من أرباع قريش رجل، فكان في ربع بني عبد مناف عتبة بن ربيعة، وكان في الربع الثاني أبو زمعة، وكان في الربع الثالث أبو حذيفة بن المغيرة، وكان في الربع الرابع قيس بن عدي، ثم قال رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -: ليأخذ كل رجل منكم بزاوية من زوايا الثوب ثم ارفعوه جميعًا، فرفعوه، ثم وضعه رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، بيده في موضعه ذلك، فذهب رجل من أهل نجد ليناول النبي، - صلى الله عليه وسلم -، حجرًا يشد به الرّكن، فقال العباس بن عبد المطلب: لا، ونحاه، وناول العباس رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، حجرًا فشدّ به الركن، فغضب النجدي حيث نحي, فقال النبي، - صلى الله عليه وسلم -: إنه ليس يبني معنا في البيت إلا منا، قال: فقال النجدي: يا عجبًا لقوم أهل شرف وعقول وسنٌ وأموال عمدوا إلى أصغرهم سِنًّا، وأقلهم مالًا، فرأسوه عليهم في مكرمتهم وحوزهم كأنهم خدم ¬

_ (¬1) (الذي) وفي الحديث ما أصابني ما أصابني ليس له معنى.

بناء الكعبة برواية الأزرقي

له، أما والله ليَفوتنّهم سبقًا وليقسمن بينهم حظوظا وجدودًا! ويقال إنه إبليس، فقال أبو طالب: إن لنا أوله وآخره ... في الحكم والعدل الذي لا ننكره وقد جهدنا جهده لنعمره ... وقد عمرنا خيره وأكثره فإن يكن حقا ففينا أوفره ثم بنوا حتى انتهوا إلى موضع الخشب، فكان خمسة عشر جائزًا سقفوا البيت عليه، وبنوه على ستة أعمدة، وأخرجوا الحجر من البيت. قال: أخبرنا محمَّد بن عمر، أخبرنا ابن جريج عن الوليد بن عطاء عن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن قومك استقصروا من بنيان الكعبة ولولا حداثة عهدهم بالشرك أعدت فيه ما تركوا منه فإن بدا لقومك من بعدي أن يبنوه فهلمي أريك ما تركوا منه، فأراها قريبا من سبع أذرع في الحجر قالت: وقال رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، في حديثه: ولجعلت لها بابين موضوعين في الأرض شرقيا وغربيًا. أتدرين لم كان قومك رفعوا بابها؟ فقلت له: لا أدري، قال: تعززًا ألا يدخلها إلا من أرادوا، وكان الرجل إذا كرهوا أن يدخل يدعونه حتى إذا كاد أن يدخل دفعوه حتى يسقط. قال: أخبرنا محمَّد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن يزيد الهُذلي عن سعيد بن عمرو عن أبيه قال: رأيت قريشًا يفتحون البيت في الجاهلية يوم الاثنين ويوم الخميس، فكان حجابه يجلسون على بابه، فيرقي الرجل فإذا كانوا لا يريدون دخوله دفع فطرح، فربما عطب، وكانوا لا يدخلون الكعبة بحذاء يعظمون ذلك، يضعون نعالهم تحت الدرج. بناء الكعبة برواية الأزرقي حدثني جدي قال: حدثنا مسلم ابن خالد الزنجي عن ابن أبي نجيح عن أبيه قال: جلس رجال من قريش في المسجد الحرام فيهم حويطب بن عبد العزى ومخرمة بن نوفل فتذاكروا بنيان قريش الكعبة وما هاجهم على ذلك وذكروا كيف كان بناؤها قبل ذلك قالوا: كانت الكعبة مبنية برضم يابس ليس بمدر وكان بابها بالأرض ولم يكن لها سقف وإنما تدلى الكسوة على الجدر من خارج وتربط من أعلا الجدر من بطنها وكان في بطن الكعبة عن يمين من دخلها جب يكون فيه ما يهدى إلى الكعبة من مال وحلية كهيئة الخزانة

وكان يكون على ذلك الجب حية تحرسه بعثها الله منذ زمن جرهم وذلك إنّه عدا على ذلك الجب قوم من جرهم فسرقوا مالها وحليتها مرة بعد مرة فبعث الله تلك الحية فحرست الكعبة وما فيها خمسمائة سنة فلم تزل كذلك حتى بنت قريش الكعبة وكان قرنا الكبش الذي ذبحه إبراهيم خليل الرحمن معلقين في بطنها بالجدر تلقا من دخلها، يخلقان ويطيبان إذا طيب البيت فكان فيها معاليق من حلية كانت تهدى إلى الكعبة فكانت على ذلك من أمرها ثم أن امرأة ذهبت تجمر الكعبة فطارت من مجمرتها شرارة فأحرقت كسوتها وكانت الكسوة عليها ركامًا بعضها فوق بعض فلما احترقت الكعبة توهنت جدرانها من كل جانب وتصدعت وكانت الخرف الأربعة عليهم مظللة والسيول متواترة، ولمكة سيول عوارم فجاء سيل عظيم على تلك الحال فدخل الكعبة وصدع جدرانها وأخافهم ففزعت من ذلك قريش فزعًا شديدًا وهابوا هدمها وخشوا أن مسوها أن ينزل عليهم العذاب قال: فبينا هم على ذلك يتناظرون ويتشاورون إذ أقبلت سفينة للروم حتى إذا كانت بالشعبية وهي يومئذ ساحل مكة قبل جدة انكسرت فسمعت بها قريش فركبوا إليها فاشتروا خشبها وأذنوا لأهلها أن يدخلوا مكة فيبيعون ما معهم من متاعهم على أن لا يعشروهم، قال: وكانوا يعشرون من دخلها من تجار الروم كما كانت الروم تعشر من دخل منهم بلادها، فكان في السفينة رومي نجار بناء يسمى باقوم فلما قدموا بالخشب مكة قالوا: لو بنينا بيت ربنا فأجمعوا لذلك وتعاونوا عليه وترافدوا في النفقة وربعوا قبائل قريش أرباعًا ثم اقترعوا عند هبل في بطن الكعبة على جوانبها فطار قدح بن عبد مناف وبني زهرة على الوجه الذي فيه الباب وهو الشرقي وقدح بن عبد الدار وبني أسد بن عبد العزى وبني عدي بن كعب على الشق الذي يلي الحجر وهو الشق الشامي وطار قدح بني سهم وبني جمح وبني عامر بن لؤي على ظهر الكعبة وهو الشق الغربي وطار قدح بني تيم وبني مخزوم وقبائل من قريش ضموا معهم على الشق اليماني الذي يلي الصفا وأجياد، فنقلوا الحجارة ورسول الله يومئذ غلام لم ينزل عليه الوحي ينقل معهم الحجارة على رقبته فبينا هو ينقلها إذ انكشفت نمرة كانت عليه فنودي يا محمَّد عورتك وذلك أول ما نودي والله أعلم فما رؤيت لرسول الله صلي الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عورة بعد ذلك ولبج برسول الله من الفزع حين نودي، فأخذه العباس بن عبد المطلب فضمه إليه وقال: لو جعلت بعض نمرتك على عاتقك تقيك الحجارة، قال: ما أصابني هذا إلا من التعري، فشد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله

وصحبه وسلم إزاره وجعل ينقل معهم وكانوا ينقلون بأنفسهم تبررا وتبركًا بالكعبة. فلما اجتمع لهم ما يريدون من الحجارة والخشب وما يحتاجون إليه عدوا على هدمها فخرجت الحية التي كانت في بطنها تحرسها سوداء الظهر، بيضاء البطن، رأسها مثل رأس الجدي، تمنعهم كلما أرادوا هدمها، فلما رأوا ذلك اعتزلوا عند مقام إبراهيم وهو يومئذ بمكانه الذي هو فيه اليوم فقال لهم الوليد بن المغيرة: يا قوم ألستم تريدون بهدمها الإصلاح؟ قالوا: بلي قال: فإن الله لا يهلك المصلحين ولكن لا تدخلوا في عمارة بيت ربكم إلا من طيب أموالكم ولا تدخلوا فيه مالًا من ربا , ولا مالًا من ميسر، ولا مهر بغي، وجنبوه الخبيث من أموالكم فإن الله لا يقبل إلا طيبًا ففعلوا ثم وقفوا عند المقام فقاموا يدعون ربهم ويقولون: اللَّهم إن كان لك في هدمها رضًا فأتمه واشغل عنا هذا الثعبان فأقبل طائر من جو السماء كهيئة العقاب ظهره أسود، وبطنه أبيض، ورجلاه صفراوان والحية على جدر البيت فاغرة فاها فأخذ برأسها ثم طار بها حتى أدخلها أجياد الصغير فقالت قريش: انا لنرجوا أن يكون الله سبحانه وتعالي قد رضي عملكم وقبل نفقتكم فاهدموه، فهابت قريش هدمه وقالوا: من يبدأ فيهدمه؟ فقال الوليد بن المغيرة: أنا أبدؤكم في هدمه، أنا شيخ كبير فإن أصابني أمر كان قد دنا أجلي وإن كان غير ذلك لم يرزأني فعلا البيت وفي يده عتلة يهدم بها فتزعزع من تحت رجله حجر فقال: اللَّهم لم ترع؟ إنما أردنا الإصلاح وجعل يهدمه حجرًا حجرًا بالعتلة فهدم يومه ذلك فقالت قريش: إنا نخاف أن ينزل به العذاب إذا أمسى. فلما أمسى، لم تر بأسًا فأصبح الوليد بن المغيرة غاديًا على عمله فهدمت قريش معه حتى بلغوا الأساس الأول الذي رفع عليه إبراهيم وإسماعيل القواعد من البيت فأبصروا حجارة كأنها الإبل الخلف لا يطيق الحجر منها ثلاثون رجلًا، يحرك الحجر منها فترتج جوانبها، قد تشبك بعضها ببعض فأدخل الوليد بن المغيرة عتلته بين الحجرين فانفلقت منه فلقة عظيمة فأخذها أبو وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم فنزت من يده حتى عادت في مكانها وطارت من تحتها برقة كادت أن تخطف أبصارهم ورجفت مكة بأسرها فلما رأوا ذلك امسكوا عن أن ينظروا ما تحت ذلك فلما جمعوا ما اخرجوا من النفقة قلت النفقة عن أن تبلغ لهم عمارة البيت كله فتشاوروا في ذلك فأجمع رأيهم على أن يقصروا عن القواعد ويحجروا ما يقدرون عليه من بناء البيت ويتركوا بقيته في الحِجْر عليه جدار مدار يطوف الناس من ورائه ففعلوا ذلك وبنوا في بطن الكعبة أساسًا يبنون عليه من

شق الحجر وتركوا من ورائه من فناء البيت في الحجر ستة أذرع وشبرًا فبنوا على ذلك فلما وضعوا أيديهم في بنائها قالوا: ارفعوا بابها من الأرض واكبسوها حتى لا تدخلها السيول ولا ترقا إلا بسلم ولا يدخلها إلا من أردتم إن كرهتم أحدًا دفعتموه، ففعلوا ذلك وبنوها بساف من حجارة، وساق من خشب بين الحجارة حتى انتهوا إلى موضع الركن فاختلفوا في وضعه وكثر الكلام فيه وتنافسوا في ذلك فقالت بنو عبد مناف وزهرة: هو في الشق الذي وقع لنا وقالت تيم ومخزوم: هو في الشق الذي وقع لنا وقالت سائر القبائل: لم يكن الركن مما أسهمنا عليه فقال أبو أمية بن المغيرة: يا قوم إنما أردنا البر، ولم نرد الشر فلا تحاسدوا , ولا تنافسوا فإنكم إذا اختلفتم تشتت أموركم، وطمع فيكم غيركم ولكن حكموا بينكم أول من يطلع عليكم من هذا الفج، قالوا: رضينا وسلمنا، فطلع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقالوا: هذا الأمين قد رضينا به، فحكموه، فبسط رداءه ثم وضع فيه الركن فدعا من كل ربع رجلًا فأخذوا بأطراف الثوب فكان من بني عبد مناف عتبة بن ربيعة وكان في الربع الثاني أبو زمعة بن الأسود، وكان أسن القوم وفي الربع الثالث العاصي بن وائل، وفي الربع الرابع أبو حذيفة بن المغيرة فرفع القوم الركن وقام النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على الجدر ثم وضعه بيده فذهب رجل من أهل نجد ليناول النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حجرًا ليشد به الركن فقال العباس بن عبد المطلب: لا. وناول العباس النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حجرًا فشد به الركن فغضب النجدي حيث نحي فقال النجدي: واعجباه لقوم أهل شرف وعقول وسن وأموال عمدوا إلى أصغرهم سنًا، وأقلهم مالًا فرأسوه عليهم في مكرمتهم وحوزهم كأنهم خدم له أما والله ليفوتنهم سبقًا وليقسمن عليهم حظوظًا وجدودًا ويقال: إنّه إبليس فبنوا حتى رفعوا أربعة أذرع وشبرًا ثم كبسوها ووضعوا بابها مرتفعًا على هذا الذرع ورفعوها بمدماك خشب ومدماك حجارة حتى بلغوا السقف. فقال لهم باقوم الرومي: أتحبون أن تجعلوا سقفها مكبسا أو مسطحًا؟ فقالوا: بل ابن بيت ربنا مسطحا. قال: فبنوه مسطحا وجعلوا فيه ست دعايم في صفين في كل صف ثلاث دعايم من الشق الشامي الذي يلي الحجر إلى الشق اليماني وجعلوا ارتفاعها من خارجها من الأرض إلى أعلاها ثمانية عشر ذراعا وكانت قبل ذلك تسعة أذرع فزادت قريش في ارتفاعها في السماء تسعة أذرع أخر وبنوها من أعلاها إلى أسفلها بمدماك من حجارة ومدماك من خشب وكان الخشب

بناء الكعبة

خمسة عشر مدماكًا والحجارة ستة عشر مدماكًا وجعلوا ميزابها يسكب في الحِجْر وجعلوا درجة من خشب في بطنها في الركن الشامي يصعد منها إلى ظهرها، وزوقوا سقفها وجدرانها من بطنها ودعائمها، وجعلوا في دعائمها صور الأنبياء، وصور الشجر، وصور الملائكة، فكان فيها صورة إبراهيم خليل الرحمن شيخ يستقسم بالأزلام، (وصورة إسماعيل وفي يده الأزلام) وصورة عيسي ابن مريم وأمه (وكان تمثال مريم مزوقا في حِجْرها عيسي ابنها قاعدا مزوقا، في العمود الأوسط من اللاتي تلين الباب) وصورة الملائكة عليهم السلام أجمعين، (وكان فيها حمامة من عيدان)، وجعلوا لها باب واحد فكان يغلق ويفتح وكانوا قد أخرجوا ما كان في البيت من حلية ومال، (وقرني الكبش) وجعلوه عند أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي، وأخرجوا هبل وكان على الجب الذي فيه نصبه عمرو بن لحي هنالك، ونصب عند المقام حتى فرغوا من بناء البيت فردوا ذلك المال في الجب، وعلقوا فيه الحلية (وقرني الكبش) وردوا الجب في مكانه فيما يلي الشق الشامي، ونصبوا هبل على الجب كما كان قبل ذلك، وجعلوا له سلما يصعد عليه إلى بطنها، وكسوها حين فرغوا من بنائها حبرات يمانية). (ولم يكن حول البيت حائط) (وكان حوله ثلاثماثة وستون صنما) (¬1) بناء الكعبة عن ابن خثيم عن أبي الطفيل قال قلت له يا خال: حدثني عن شأن الكعبة قبل أن تبنيها قريش قال: كانت برضم يابس ليس بمدر تنزوه العناق وتوضع الكسوة على الجدار ثم تدلى ثم إن سفينة لروم أقبلت حتى إذا كانت بالشعيبة انكسرت فسمعت بها قريش فركبوا إليها وأخذوا خشبها ورومي يقال له باقوم نجار بانٍ فلما قدموا مكة قالوا لو بنينا بيت ربنا -عَزَّ وَجَلَّ- واجتمعوا لذلك ونقلوا الحجارة من أجياد الضواحي فبينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ينقل إذ انكشفت نمرته فنودي يا محمَّد عورتك فذلك أول ما نودي والله أعلم فما رؤيت له عورة بعد. (¬2) ¬

_ (¬1) تاريخ مكة للأزرقي [1/ 159] (¬2) البيهقي [1/ 326]

بناء قريش للكعبة

بناء قريش للكعبة حدثني أبي ثنا عبد الصمد ثنا ثابت يعني أبا زيد ثنا هلال يعني ابن خباب عن مجاهد عن مولاه أنه حدثه أنه كان فيمن يبني الكعبة في الجاهلية قال وليّ حجر أنا نحته بيدي أعبده من دون الله تبارك وتعالي فأجيء باللبن الخاثر الذي أنفسه على نفسي فأصبه عليه فيجئ الكلب فيلحسه ثم يشغر فيبول فبنينا حتى بلغنا موضع الحجر وما يرى الحجر أحد فإذا هو وسط حجارتنا مثل رأس الرجل يكاد يتراءى منه وجه الرجل فقال بطن من قريش نحن نضعه وقال آخرون نحن نضعه فقالوا اجعلوا بينكم حكمًا قالوا أول رجل يطلع من الفج فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا أتاكم الأمين فقالوا له فوضعه في ثوب ثم دعا بطونهم فأخذوا بنواحيه معه فوضعه هو - صلى الله عليه وسلم -. (¬1) الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ينقل الحجارة عن عمرو بن دينار -رحمه الله- قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: "لما بنيت الكعبة ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والعباس ينقلان الحجارة، فقال العباس للنبي - صلي الله عليه وسلم -: اجعل إزارك على رقبتك يقيك الحجارة، وفعل ذلك قبل أن يبعث فخر إلى الأرض، فطمحت عيناه في السماء، فقال: إزاري، إزاري، فشده عليه" وفي رواية "فسقط مغشيًا عليه، فما رؤي بعد عريانًا" (¬2) الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يضع الحجر الأسود قال الزهري: لما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحلم أجمرت امرأة الكعبة، فطارت شرارة من مجمرتها في ثياب الكعبة فأحرقت فهدموها حتى إذا بنوها، فبلغوا موضع الركن اختصمت قريش في الركن أي القبائل تضعه؟ ¬

_ (¬1) رواه أحمد [3/ 425] بسند صحيح. (¬2) أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ.

قالوا: تعالوا نحكم أول من يطلع علينا، فطلع عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو غلام عليه وشاح نمرة، فحكموه، فأمر بالركن فوضع في ثوب ثم أخذ سيد كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم ارتقى هو فرفعوا إليه الركن فكان هو يضعه. (¬1) أخبرنا عبد الرزاق ابن معمر، عن ابن خثيم، عن أبي الطفيل قال: كانت الكعبة مبنية بالرضم ليس فيها مدر وكانت قدر ما يقتحمها العناق وكانت غير مسقفة، إنما كان يوضع ثيابًا عليها يسدل سدلًا، وكان الركن موضوعًا على سورها باديا، وكانت ذات ركنين كهيئة الحلقة مربعة من جانب، ومدورة من جانب فأقبلت سفينة من الروم حتى إذا كانوا قريبًا من جدة انكسرت فخرجت قريش ليأخذوا الخشب، وكانت السفينة تريد الحبشة فوجدوا فيها رجلا روميا فأخذوا الخشب فأعطاهم إياها وكان تاجرًا فأقبلوا بالخشب وبالرجل الرومي الذي كان في السفينة فقالوا: نبني بهذا الخشب بيت ربنا، فلما أرادوا هدمه فإذا هم بحية على سور البيت مثل قطعة الجائز بيضاء البطن، سوداء الظهر، فجعلت كلما دنا أحد منهم إلى البيت ليهدمه أو يأخذ من حجارته فتحت فاها وسعت نحوه، فخرجت قريش حتى أتوا المقام فعجوا إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- فقالوا: ربنا لن نرع إنما أردنا تشريف بيتك وتزيينه، فإن كان ذلك وإلا فما بدا لك فأفعل فسمعوا وجيبًا (¬2) في السماء فإذا هم بطائر أعظم من النسر أسود الظهر أبيض البطن والرجلين فغرز بمخالبه في قفا الحية فانطلق بها يجرها ساقط ذنبها حتى انطلق بها نحو أجياد، فهدمتها قريش وجعلوا يبنونها بحجارة الوادي، وكانت قريش تحملها على رقابها فرفعوه في السماء عشرين ذراعًا، وكان النبي- صلى الله عليه وسلم - بينما هو يحمل حجارة إذ سقط الحجر وضاقت النمرة عليه، فذهب يضعها فبدا عورته من صغر النمرة فنودي يا محمَّد خمر عورتك، وكان بين بنيانها وبين ما أنزل عليه الذكر خمس عشر سنة، فلما قدم جيش الحصين بن نمير كان تحريقها في زمن ابن الزبير قال ابن الزبير: أخبرتني عائشة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: لولا حداثة عهد قومك بالكفر لهدمتها فإنهم تركوا منها سبعة أذرع في الحجر قصرت بهم النفقة والخشب. ¬

_ (¬1) رواه البيهقي وهو حسن لغيره. (¬2) في الأصل جوابا.

بناء الكعبة

بناء الكعبة قال موسي بن عقبة: وإنما حمل قريشا على بنيانها أن السيل كان يأتي من فوقها، من فوق الردم الذي صنعوه فأضَرَّ به، فخافوا أن يدخلها الماء، وكان رجل يقال له: مليح سرق طيب الكعبة، فأرادوا أن يشدُّوا بنيانها، وأن يرفعوا بابها حتى لا يدخلها إلا من شاءُوا، فأعدُّوا لذلك نفقة وعمالًا، ثم عمدوا إليها؛ ليهدموها على شفق وحذر أن يمنعهم الله الذي أرادوا، فكان أول رجل طلعها وهدم منها شيئًا: الوليد بن المغيرة، فلما رأوا الذي فعل الوليد تتابعوا فوضعوها، فأعجبهم ذلك. فلما أرادوا أن يأخذوا في بنيانها أحضروا عُمالهم فلم يقدر رجل منهم أن يمضي أمامه موضع قدمه. وزعموا أنهم رأوا حية قد أحاطت بالبيت، رأسها عند ذنبها، فأشفقوا منها شفقة شديدة، وخشوا أن يكونوا قد وقعوا مما عملوا في هلكة. وكانت الكعبة حرزهم، ومنعتهم من الناس، وشرفا لهم؛ فأشار عليهم -زعموا- المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بالذي ذكر في هذا الكتاب، فلما فعلوا ذلك ذهبت الحية في السماء وتغيبت منهم، أن ذلك من الله -عَزَّ وَجَلَّ-. ويقول بعض الناس: خطفها طائر فألقاها نحو جياد. فلما سقط في أيديهم، والتبس عليهم أمرهم -قام المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم فقال: هل لكم في أمر تبتغون به مرضاة رب هذا البيت؟ فإذا اجتهدتم رأيكم وجهدتم جهدكم- نظرتم فإن خلى الله [-عَزَّ وجَلَّ-] بينكم وبين بنيانها، فذلك الذي أردتم، وإن حال بينكم وبينه كان ذلك وقد اجتهدتم [ثم] قالوا: أشر علينا. قال: إنكم قد جمعتم لنفقة هذا البيت ما قد علمتم، وإنكم قد أخذتم في هدمه، وبنيانه، على تحاسد منكم، وإني أرى أن تقسموا أربعة أرباع على منازلكم في الآل والأرحام، ثم تقسموا البيت على أربعة أقسام، ولا تجعلوا أحد جوانب البيت كاملًا، لكل ربعٍ، ولكن اقسموه نصفين أيضًا فإن كل جانب من جوانب البيت، فإذا فعلتم ذلك فليعين كل ربع منكم نصيبه، ولا تجعلن في نفقة البيت شيئًا أصبتموه غصبًا، ولا قطعتم فيه رحمًا، ولا انتهكتم فيه ذمة بينكم وبين أحد من الناس، فإذا فعلتم ذلك فاقترعوا بفناء البيت، ولا تنازعوا ولا تنافسوا، وليُصيِّر كل ربع منكم موضع سهمه، ثم انطقوا بعمالكم، فلعلكم إذا فعلتم ذلك أن تخلصوا إليها. فلما سمعوا قول المغيرة رضوا به، وانتهوا إليه، وفعلوا الذي أمرهم به.

حديث بنيان الكعبة وحكم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بين قريش في وضع الحجر

فيزعم علماء أوَّليَّةِ قريش: أن باب الكعبة إلى الحجر الأسود بالنصف من جانبها الذي يلي اليمن -صار في سهم بني عبد مناف. فلما انتهى البنيان إلى موضع الحجر الأسود تنافسوا في رفعه، وتحاسدوا عليه، فحكموا فيه أول رجل يطلع عليهم. فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -فيما بلغنا- ذلك الرجل، فأعانوه على رفعه على إصلاح منهم وجماعة. فيزعمون أن رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، وضعه وسط ثوب، ثم قال لهم: خذوا بزواياه وجوانبه كلها، وكان رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، هو الذي يرفع الحجر، فوضعه بيده موضعه، وذلك قبل مبعثه بخمس عشر سنة. قال وزعم عبد الله بن عباس: أن أولية قريش [كانوا يحدثون أن رجالا من قريش] لما اجتمعوا لينزعوا الحجارة، وانتهوا إلى تأسيس إبراهيم وإسماعيل [عليهما السلام] عمد رجل منهم إلى حجرٍ من الأساس الأول، فرفعه وهو لا يدري أنه من الأساس الأول، فأبصر القوم برقة تحت الحجر كادت تلتمع بصر الرجل، ونزل الحجر من يده فوقع في موضعه، وفزع الرجل والبُنَاةُ، فلما ستر عنهم الحجر ما تحته عادوا إلى بنيانهم، وقالوا: لا تحركوا هذا الحجر ولا شيئًا بحذائه. فلما انتهوا إلى أُسِّ البيت الأول وجدوا في حجر منها -فلا أدري لعله ذكر أنه في أسفل المقام- كتابا لم يدروا ما هو حتى جاءهم حَبْرٌ من يهود اليمن فنظر إلى الكتاب فحدثهم. أنه قد قرأه، فاستحلفوه: لتحدثنا بما فيه، ولتصدقنا عنه فأخبرهم أن فيه: أنا الله ذو بكة، حرمتها يوم خلقت السموات والأرض والشمس والقمر ويوم وضعت هذين الجبلين، وحففتهما بسبعة أملاك حنفاء. (¬1) حديث بنيان الكعبة وحكم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بين قريش في وضع الحجر سبب هذا البنيان: قال ابن إسحاق: فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسًا وثلاثين سنة اجتمعت قريش لبنيان الكعبة وكانوا يهمون بذلك، ليسقفوها ويهابون هدمها وإنما كانت رضما فوق القامة فأرادوا رفعها وتسقيفها، وذلك أن نفرا سرقوا كنزًا للكعبة، وإنما كان يكون في بئر في جوف الكعبة، وكان الذي وجد عنده الكنز دويكًا مولى لبني مليح بن عمرو من خزاعة. قال ابن هشام: فقطعت قريش يده. وتزعم قريش أن الذين ¬

_ (¬1) دلائل النبوة للبيهقي (2/ 58).

أبو وهب -خال أبي رسول الله- وما حدث له عند بناء الكعبة

سرقوه وضعوه عند دويك، وكان البحر قد رمى بسفينة إلى جدة لرجل من تجار الروم فتحطمت فأخذوا خشبها فأعدوه لتسقيفها، وكان بمكة رجل قبطي نجارًا فتهيأ لهم في أنفسهم بعض ما يصلحها، وكانت حية تخرج من بئر الكعبة التي كان يطرح فيها ما يهدى لها كل يوم، فتتشرق على جدار الكعبة، وكانت مما يهابون، وذلك أنه كان لا يدنو منها أحد إلا احزألت وكشت وفتحت فاها، وكانوا يهابونها، فبينا هي ذات يوم تتشرق على جدار الكعبة، كما كانت تصنع؛ بعث الله إليها طائرًا فاختطفها، فذهب بها، فقالت قريش: إنا لنرجوا أن يكون الله قد رضي ما أردنا، عندنا عامل رفيق، وعندنا خشب، وقد كفانا الله الحية. أبو وهب -خال أبي رسول الله- وما حدث له عند بناء الكعبة فلما أجمعوا أمرهم في هدمها وبنائها، قام أبو وهب بن عمرو بن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم. قال ابن هشام: عائذ بن عمران بن مخزوم. فتناول من الكعبة حجرًا، فوثب من يده، حتى رجع إلى موضعه. فقال: يا معشر قريش، لا تدخلوا في بنائها من كسبكم إلا طيبًا، لا يدخل فيها مهر بغي، ولا بيع ربا ولا مظلمة أحد من الناس. والناس ينحلون هذا الكلام الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. قال ابن إسحاق: وقد حدثني عبد الله بن أبي نجيح المكي أنه حدث عن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمر بن هصيص بن كعب بن لؤي. أنه رأي ابنا لجعدة بن هبيرة بن أبي وهب بن عمر ويطوف بالبيت، فسأل عنه، فقيل: هذا ابن لجعدة بن هبيرة، فقال عبد الله بن صفوان عند ذلك: جد هذا، يعني: أبا وهب الذي أخذ حجرًا من الكعبة حين أجمعت قريش لهدمها، فوثب من يده، حتى رجع إلى موضعه فقال عند ذلك: يا معشر قريش: لا تدخلوا في بنائها من كسبكم إلا طيبا. لا تدخلوا فيها مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا مظلمة أحد من الناس.

الكتابة التي وجدت مكتوبة في جوانب مقام إبراهيم (عليه الصلاة والسلام)

شعر في أبي وهب: قال ابن إسحاق: وأبو وهب: خال أبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان شريفا, وله يقول شاعر من العرب: ولو بأبي وهب أنخت مطيتي ... غدت من نداه رحلها غير خائب بأبيض من فرعي لُؤَيّ بن غالب ... إذا حُصّلت أنسابها في الذوائب أبيُّ لأخذِ الضَّيْم يرتاح للندي ... توسَّط جَدّاه فُروعَ الأطايب عظيم رماد القدر يملا جفانه ... من الخُبز يَعْلوهنّ مثل السبائب الكتابة التي وجدت مكتوبة في جوانب مقام إبراهيم (عليه الصلاة والسلام) قال ابن إسحاق: وحدثت أن قريشًا وجدوا في الركن كتابًا بالسريانية فلم يعرفوا ما هو، حتى قرأه لهم رجل من يهود، فإذا هو أنا الله ذو بكَّة، خلقتها يوم خلقت السماوات والأرض، وصورت الشمس والقمر، وحففتها بسبعة أملاك حنفاء لا تزول حتى يزول أخشباها -قال ابن هشام. يعني جبلاها- مبارك لأهلها في الماء واللبن. قال ابن إسحاق: وحُدثت أنهم وجدوا في المقام كتابا فيه: مكة [بيت] الله الحرام، يأتيها رزقها من ثلاثة سبل، لا يُحلُّها أول من أهلها. قال: وزعم ليث بن أبي سُليم أنهم وجدوا [حجرًا] في الكعبة قبل مبعث النبي - صلي الله عليه وسلم - بأربعين سنة، إن كان ما ذكر حقًا، مكتوبًا فيه: من يزرع خيرًا يحصد غبطة، ومن يزرع شرًا يحصد ندامة، تعملون السيئات وتجزون الحسنات؟! أجل كما [لا] يجتنى من الشوك العنب. وقال سعيد بن يحيي الأموي: حدثنا المعتمر بن سليمان الرقي، عن عبد الله بن بشر الزهري -يرفع الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "وجد في المقام ثلاثة أصفح في الصفح الأول: إني أنا الله ذو بَكة، صنعتها يوم صنعت الشمس والقمر، وحففتها بسبعة أملاك حُنَفاء، وباركت لأهلها في اللحم واللبن. (¬1) ¬

_ (¬1) رواه ابن إسحاق في السيرة تحقيق التدمري ج1 ص 220

عصمة الله له من دنس الجاهلية صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

عصمة الله له من دنس الجاهلية صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم روي الحاكم بسنده عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم -يقول: "ما هممت بما كان أهل الجاهلية يهمّون به إلَّا مرّتين من الدهر، كلاهما يعصمني الله تعالي منهما، قلت ليلة لفتىً كان معي من قريش، في أعلي مكة في أغنام لأهلها ترعى، أبصر لي غنمي حتى أسمر هذه الليلة. بمكة كما تسمُرُ الفتيان، قال: نعم، فخرجت فلمّا جئت أدني دارٍ من مكة سمعت غُنا وصوت دفوف وزمر، فقلت: ما هذا؟ قالوا فلانٌ تزوّج فلانةً لرجلٍ من قريش تزّوج امرأةً، فلهوت بذلك الغنا والصوت حتى غلبتني عيني فنمت فما أيقظني إلا مسُّ الشمس، فرجعت فسمعت مثل ذلك، فقيل لي مثل ما قيل لي، فلهوت بما سمعت وغلبتني عيني فما أيقظني إلا مسُّ الشمس، ثم رجعت إلى صاحبي، فقال: ما فعلت؟ فقلت: ما فعلت شيئًا. قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "فوالله ما هممت بعدها أبدًا بسوءٍ مما يعمل أهل الجاهلية حتى أكرمني الله تعالي بنبوته" (¬1). ¬

_ (¬1) المستدرك ج 4/ 245.

زواجه من خديجة (رضي الله عنها)

زواجه من خديجة (رضي الله عنها) قال ابن شهاب الزهري: فلمّا استوى وبلغ أشدَّه، وليس له كثير مال، استأجرته خديجة ابنة خُويلد، إلى سوق حُباشَة -وهو سوق بتهامة- واستأجرت معه رجلًا آخر من قريش، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وهو يحدث عنها: ما رأيت من صاحبة أجير خيرًا من خديجة، ما كنا نرجع أنا وصاحبي إلَّا وجدنا عندها تحفة طعام تخبئه لنا، فقال: فلما رجعنا من سوق حُباشَة -قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: قلت لصاحبي: انطلق بنا نتحدث عند خديجة، قال: فجئناها، فبينا نحن عندها، إذ دخل علينا مستنشئة من مولدات قريش -والمستنشئة: الكاهنة التي تستنشيء الرجل- قالت: أمحمد هذا، والذي يُحلف به إن جاء لخاطبًا، فقلت كلَّا، فلما خرجنا أنا وصاحبي، قال: أمِنْ خطبة خديجة تستحي، فوالله ما من قرشية إلَّا تراك لها كفوًا، قال: فرجعت إليها مرة أخرى، فدخلت علينا تلك المستنشئة، فقالت: أمحمد هذا؟ والذي يُحلف به إن جاء لخاطبًا، قال: قلت على حياء: أجل، قال: فأرسلت خديجة وراء أختها، فانطلقت إلى أبيها خويلد بن أسد -وهو ثمل من الشراب- فقالت: هذا ابن أخيك محمَّد بن عبد الله يخطب خديجة، وقد رضيت خديجة، فدعاه، فسأله عن ذلك، فخطب إليه، فأنكحه، قال: فخَلَّقته خديجة، وحَلَّت عليه حلة، فدخل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بها، فلما أصبح، صحا الشيخ من سكره، فقال: ما هذا الخلوق، وما هذه الحُلَّة؟ قالت أخت خديجة: هذه حلَّة كساكها ابن أخيك محمد بن عبد الله أنكحته خديجة، وقد بنى بها، فأنكر الشيخ، ثم سلَّم إلى أن صار ذلك واستحيي، وطفقت رُجاز من رُجَّاز قريش تقول: لا تزهدي خديجُ في محمَّد ... جلد يضيء كضياء الفرقد (¬1) وروي الطبراني عن أبي خالد الوالي، عن جابر بن سمرة -أو رجل من الصحابة- قال: (كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يرعي غنمًا، فاستعلى الغنم، ¬

_ (¬1) المغازي النبوية لابن شهاب الزهري ص 43.

فكان في الإبل هو وشريك له، فاكتريا أخت خديجة، فلمّا قضوا السفر بقي لهم عليها شيء فجعل شريكه يأتيهم فيتقاضاهم، ويقول لمحمد: انطلق، فيقول: اذهب أنت، فإني أستحي، فقالت مرّة -وأتاهم-: فأين محمَّد لا يجيء معك؟ قال: قلت له، فزعم أنه يستحي، فقالت: ما رأيت رجلًا أشد حياءً ولا أعف ولا ولا! فوقع في نفس أختها خديجة، فبعثت إليه، فقالت: اِئْتِ أبي فاخطبني إليه، فقال: أبوك رجل كثير المال، وهو لا يفعل، قالت: انطلق فالقه فكلّمه، ثم أنا أكفيك، وأْتِهِ عند سكره، ففعل فأتاه فزوّجه، فلما أصبح جلس في المجلس، فقيل له: قد أحسنت زوّجت محمدًا، قال: أوَفعلت؟ قالوا: نعم، فقام فدخل عليها، فقال: إن الناس يقولون: إني قد زوّجت محمدًا وما فعلت، قالت: بلى، فلا تُسفِّهنِّ رأيك، فإن محمدًا كذا، فلم تزل به حتى رضي، ثم بعثت إلى محمَّد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بأوقيَّتين من فضة أو ذهب وقالت: اشتر حُلّة واهدها لي، وكبشًا وكذا وكذا، ففعل). (طب) (¬1). ¬

_ (¬1) وهو حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قال الحافظ ابن حجر ورجالها رجال الصحيح سوى شيخيها وأبي خالد الوالبي، قلت الشيخان وأبي خالد الولبي ثقات، جامع الأحاديث للإمام السيوطي ص4 ج6، قلت كان زواجه منها صلى الله وعلى آله وصحبه وسلم في شهر ربيع الأول وعمره خمس وعشرون سنة قبل الهجرة بتسع وعشرين سنة.

أولاد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من السيدة خديجة (رضي الله عنها)

أولاد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من السيدة خديجة (رضي الله عنها) ت ... اسم المولود ... عمر النبي عند ولادته ... عمر خديجة عند الولادة ... عام المولد ... عمره عند البعثة ... عمره عند وفاته ... سنة الوفاة ... البيان 1 - زينب ... عام 26 من مولده ... عام 41 من مولدها ... عام 28 ق هـ عام 607م ... 17 عامًا ... 36 عامًا ... 8هـ 641م ... تزوجها أبو العاص بن الربيع قبل الإسلام وولدت له أمامة تزوجها علي بن أبي طالب. 2 - القاسم ... عام 29 من مولده ... عام 44 من مولدها ... عام 25 ق هـ عام 609م - ... سنتان ... - ... مات رضي الله عنه طفلًا وبه يكنى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. 3 - رقية ... عام 32 من مولده ... عام 47 من مولدها ... عام 22 ق هـ عام 612م ... 11 عامًا ... 25 عامًا ... 3هـ 635م ... تزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه في الإسلام وولدت له عمرو بن عثمان. 4 - أم كلثوم ... عام 35 من مولده ... عام 50 من مولدها ... عام 19 ق هـ عام 615م ... 8 أعوام ... 29 عامًا ... 9هـ 64م ... تزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه في الإسلام في العام الثالث للهجرة. 5 - فاطمة ... عام 38 من مولده ... عام 53 من مولدها ... عام 16 ق هـ عام 618م ... 5 أعوام ... 27 عامًا ... 11هـ 643م ... تزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الإسلام وأنجبت له الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم. 6 - عبد الله وهو الطيب والطاهر ... عام 41 من مولده ... عام 56 من مولدها ... عام 13 ق هـ عام 621م ... - ... - ... - ... ولد وقد تنبأ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ومات رضي الله عنه طفلًا.

أحداث في سيرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)

أحداث في سيرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) * لما بلغ عامين من عمره جاءت به حليمة السعدية بعد فطامه إلى أمه تزيره إياها. * لما بلغ عمره أربعة أعوام جاءت به حليمة السعدية إلى أمه للمرة الثانية وترجتها بأن تعود به خوفًا عليه من وباء مكة شرفها الله. * لما بلغ خمسة أعوام من عمره وهو عند حليمة السعدية في بني سعد نزل جبريل عليه السلام وشق صدره فأرجعته حليمة إلى أمه خوفًا عليه. * لما بلغ ستة أعوام توفيت أمه آمنه بالأبواء بعد أن زارت أخوال جده عبد المطلب بني النجار في المدينة. * لما بلغ ثمانية أعوام توفي جده عبد المطلب وكفله عمه أبو طالب. * لما بلغ اثني عشر عامًا ذهب مع عمه أبي طالب إلى الشام في عير قريش. * لما بلغ العشرين عامًا شهد مع أعمامه حلف المطيبين. * لما دخل في الخامسة والعشرين من عمره شارك في بناء الكعبة ووضع الحجر الأسود بيده الشريفة في مكانه. * ثم تاجر بمال خديجة -رضي الله عنها- بالشام وسوق حباشة بتهامة وسوق جُرش بخميس مشيط. * لما بلغ خمسًا وعشرين عامًا تزوج بخديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-.

في العام الثاني لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام الثاني لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد الطيب المطيب عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة العنسي المكي

مولد الطيب المطيب عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة العنسي المكي مولى بني مخزوم وأحد السبعة السابقين إلى الإِسلام ومن البدريين الأعيان أمه سمية بنت خياط مولاة بني مخزوم ثاني امرأة أسلمت بعد خديجة وأول شهيدة في الإِسلام ويروى عن عمار قال: كنت تربا لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. (¬1) وعن عاصم عن زر عن عبد الله قال: أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله صلي الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد. (¬2) وعن علي -رضي الله عنه- قال: استأذن عمار على النبي فقال من هذا قال عمار قال (مرحبًا بالطيب المطيب). (¬3) قال عمرو بن شرحبيل قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (عمار ملئ إيمانًا إلى مشاشه). (¬4) وعن حذيفة مرفوعًا قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر واهتدوا بهدي عمار وتمسكوا بعهد ابن أم عبد). (¬5) قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (من يعاد عمارًا يعاده الله ومن يبغض عمارًا يبغضه الله). (¬6) وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول (عمار ما عرض عليه أمران إلا اختار الأرشد منهما). (¬7) ولد -رضي الله عنه- عام 52 قبل الهجرة الموافق لعام 583 م. قتل -رضي الله عنه- في معركة صفين في شهر ربيع الأول سنة 37 للهجرة. ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم 3/ 385 (¬2) صححه الحاكم وأقره الذهبي. (¬3) أخرجه الحاكم 3/ 388 (¬4) أخرجه الحاكم 3/ 392 (¬5) أخرجه الحاكم 3/ 75 (¬6) أخرجه الحاكم 3/ 389 (¬7) أخرجه الحاكم 3/ 388 المرجع نقل عن سير أعلام النبلاء باختصار ج1 ص 406 در السحابة في فضائل الصحابة 33 ص 359

في العام الثالث لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام الثالث لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد الصديق الخليفة الأول للمسلمين أبو بكر عتيق بن عثمان التيمي (رضي الله عنه)

مولد الصديق الخليفة الأول للمسلمين أبو بكر عتيق بن عثمان التيمي (رضي الله عنه) أول من أسلم من الرجال غير متعتع وثاني اثنين إذ هما في الغار ورفيقه في الهجرة إلى المدينة بذل ماله ونفسه لإظهار دين الله والذب عن حرماته أقام الإِسلام وحارب المرتدين حتى دخلوا في دين الله مقهورين ذليلين. جمع القرآن الكريم بعد أن كان مفرقًا في الصحائف واللخائف والرقاع وصدور الرجال وهو أول المبشرين بالجنة تفتح له أبواب الجنان كلها يدخل من أيها شاء. قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبا بكر ولو كنت متخذًا خليلًا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإِسلام ومودته لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبا بكر). (¬1) وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (ما لأحد عندنا يد إلَّا وقد كافأناه ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يدًا يكافيه الله بها يوم القيامة وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر وما عرضت الإِسلام على أحد إلا كانت له كبوه إلا أبا بكر فإنه لم يتلعثم). (¬2) قال حسان بن ثابت (رضي الله عنه). إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة ... فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا خير البرية أتقاها وأعدلها ... بعد النبي وأوفاها بما حملا والثاني التالي المحمود مشهده ... وأول الناس حقًا صدق الرسلا والثاني اثنين في الغار المنيف وقد ... طاف العدو به أذ صعَّد الجبلا وكان حب رسول الله قد علموا ... خير البرية لم يعدل به رجلا عاش حميدا لأمر الله متبعا ... بهدي صاحبه الماضي وما انتقلا ولد عام 51 قبل الهجرة الموافق 585 م. توفي -رضي الله عنه- سنة 13 هجرية 646 م. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاريُّ 7/ 10 (¬2) أخرجه الترمذيُّ10/ 146 المرجع در السحابة في مناقب القرابة والصحابة محمد بن علي الشوكاني.

في العام الرابع لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام الرابع لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد أول من ظاهر من زوجته في الإسلام أوس بن الصامت بن قيس الخزرجي الأنصاري

مولد أول من ظاهر من زوجته في الإِسلام أوس بن الصامت بن قيس الخزرجي الأنصاري شهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمَّد بن أبي عبيدة ثنا أبي عن الأعمش عن تميم بن سلمة عن عروة بن الزبير قال: قالت عائشة: تبارك الذي وسع سمعه كل شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى عليَّ بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وهي تقول: يا رسول الله أكل شبابي. ونثرت له بطني حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي ظاهر مني، اللَّهم إني أشكو إليك، فما برحت حتى نزل جبريل بهؤلاء الآيات: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَي اللَّهِ} (¬1) روي الإمام أحمد عن خولة بنت ثعلبة، قالت: فيَّ والله وفي أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة قالت: كنت عنده، وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه، قالت: فدخل عليّ يوما فراجعته بشيء فغضب، فقال: أنت عليّ كظهر أمي؛ قالت: ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة، ثم دخل عليّ، فإذا هو يريدني عن نفسي، قالت: قلت: كلا والذي نفس خويلة بيده لا تخلص إليَّ وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه، قالت: فواثبني فامتنعت بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف، فألقيته عني، قالت: ثم خرجت إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثيابًا، ثم خرجت حتى جئت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلست بين يديه، فذكرت له ما لقيت منه وجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه، قالت: فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يا خويلة ابن عمك شيخ كبير فاتقي الله فيه"، قالت: فوالله ما برحت، حتى نزل في قرآن، فتغشى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان يتغشاه، ثم سري عنه فقال لي: "يا خويلة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك قرآنًا"، ثم قرأ على {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2063) وصححه الألباني.

قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَي اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} إلى قوله تعالي {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} قالت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مريه فليعتق رقبه"،قالت، فقلت: يا رسول الله ما عنده ما يعتق، قال: "فليصم شهرين متتابعين"، قالت، فقلت: والله إنه لشيخ كبير ما به من صيام، قال: "فليطعم ستين مسكينا وسقا من تمر"، قالت، فقلت: والله يا رسول الله ما ذاك عنده، قالت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فإنا سنعينه بفرق من تمر" قالت، فقلت: يا رسول الله وأنا سأعينه بفرق آخر، قال: "قد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدقي به عنه ثم استوصي بابن عمك خيرًا". قالت: ففعلت. هذا هو الصحيح في سبب نزول هذه السورة؛ قال ابن عباس: أول من ظاهر من امرأته (أوس ابن الصامت) أخو عبادة بن الصامت وامرأته (خولة بنت ثعلبة بن مالك) فلما ظاهر منها خشيت أن يكون ذلك طلاقًا، فأتت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن أوسًا ظاهر مني، وإنا إن افترقنا هلكنا، وقد نثرت بطني منه وقدمت صحبته، وهي تشكو ذلك وتبكي، ولم يكن جاء في ذلك شيء، فأنزل الله تعالي {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَي اللَّهِ} إلى قوله تعالي {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} فدعاه رسول الله فقال: "أتقدر على رقبة تعتقها"؟ قال: لا والله يا رسول الله ما أقدر عليها، قال: فجمع له رسول الله صلى الله عليه وعلي آله وصحبه وسلم حتى أعتق عتقه، ثم راجع أهله. (¬1) ولد -رضي الله عنه- عام 50 ق. هـ الموافق لعام 585 م توفي بالرملة في فلسطين عام 34 هـ. (¬2) ¬

_ (¬1) رواه الأمام أحمد في مسنده. [61/ 410] وحسن سنده ابن كثير في تفسيره. (¬2) قاله بن حبان في كتابه مشاهير علماء الأمصار وابن الأثير في أسد الغابة ج1 صـ172.

في العام الخامس لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام الخامس لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد شهيد الطاعون شرحبيل بن حسنة (رضي الله عنه)

مولد شهيد الطاعون شرحبيل بن حسنة (رضي الله عنه) وهي أمه واسم أبيه عبد الله بن المطاع بن عبد الله بن الغطريف من بني الغوث بن مر أخي تميم بن مر. قال أبو عمر كان شرحبيل من مهاجرة الحبشة ومن المائة الأوائل في الإِسلام سيره أبو بكر وعمر على جيش إلى الشام ولم يزل واليا على بعض نواحي الشام لعمر بن الخطاب إلى أن هلك في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة وله سبع وستون سنة طعن هو وأبو عبيدة عامر بن الجراح في يوم واحد. خطب عمرو بن العاص الناس فقال إن هذا الطاعون رجس فتفرقوا عنه في هذه الشعاب وفي هذه الأودية فبلغ شرحبيل بن حسنة ذلك فغضب فجاءه وهو يجر ثوبه معلقا نعله بيده فقال صحبت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم "وعمرًا أضل من جمل أهله ولكنه رحمة ربكم ودعوة نبيكم ووفاة الصالحين قبلكم". ومن حديثه عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم "قال أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قام في الركعتين من الصلاة فلم يقعد حتى فرغ من صلاته فسجد سجدتين ثم سلم". (¬1) ولد -رضي الله عنه- عام 49 قبل الهجرة الموافق 586 م. وتوفي شهيدًا في عمواس سنة 18 هـ الموافق 651 م. ¬

_ (¬1) رواه أبو نعيم في معرفة الصحابة ج 3 ص 1467 المعنى أنه لم يجلس للتشهد الأول فسجد سجدتي السهو. المرجع أسد الغابة ج 2 ص 512. المرجع المستدرك ص 276 ج 3.

في العام السادس لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام السادس لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد سابق الحبشة إلى الإسلام بلال بن رباح الحبشي

مولد سابق الحبشة إلى الإِسلام بلال بن رباح الحبشي مولى أبي بكر الصديق ومؤذن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وخازنه على بيت ماله وأحد السبعة الأوائل في الإِسلام، عذبوا في الإِسلام أشد العذاب وشهد بدرًا وشهد له النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على التعيين بالجنة. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (لبلال عند صلاة الصبح حدثني بأرجى عمل عملته في الإِسلام فأني قد سمعت الليلة خشفة نعليك بين يدي في الجنة قال ما عملت عملًا أرجى من أني لم أتطهر طهورًا تامًا في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت لربي ما كتب لي أن أصلي). (¬1) عن قيس قال اشترى أبو بكر بلالًا وهو مدفون في الحجارة بخمس أواق ذهبًا فقالوا لو أبيت إلا وقية لبعناكه قال لو أبيتم إلا مئة أوقية لأخذته. (¬2) عن عبد الله قال دخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على بلال وعنده صبر تمر فقال ما هذا يا بلال قال يا رسول الله لك ولضيفانك قال أما تخشى أن يكون له بخار في النار. أنفق بلال ولا تخشى من ذي العرش إقلالا. (¬3) ولد -رضي الله عنه- عام 48 قبل الهجرة الموافق لعام 587 م. توفي -رضي الله عنه- عام 21 للهجرة الموافق لعام 654 م. ¬

_ (¬1) متفق عليه. (¬2) رواه أبو نعيم في الحلية (1/ 150) وقال الذهبي إسناد قوي. (¬3) رواه أبو داود وإسناده جيد. قلت الوقية 119 جرامًا في ذلك العهد ووزن خمس أواق 595 جرامًا وفي وقتنا هذا قرابة ثلاثون ألف ريال سعودي بسعر الجرام خمسين ريال. المرجع باختصار عن سير أعلام النبلاء ج1 ص347.

في العام السابع لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام السابع لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد الوحيد الذي ذكر اسمه في القرآن من صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

مولد الوحيد الذي ذكر اسمه في القرآن من صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم هو أبو أسامه زيد بن حارثه الكلبي الأمير النبوي والشهيد في سبيل الله سيد الموالي واسبق الناس إلى الإِسلام وحبيب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تربى في بيت النبوة فخرج طاهرًا مطهرًا زكي الروح والبدن. حدث موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه قال ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد ابن محمَّد فنزلت {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ}. (¬1) قال إسماعيل بن أبي خالد عن أبي عمرو الشيباني قال أخبرني جبلة بن حارثه قال قدمت على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقلت يا رسول الله ابعث معي أخي زيدًا قال "هو ذا فإن انطلق لم أمنعه" فقال زيد لا والله لا أختار عليك أحدًا أبدا قال فرأيت رأي أخي أفضل من رأي. (¬2) حدث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال فرض عمر لأسامة بن زيد أكثر مما فرض لي فكلمته في ذلك فقال إنه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم منك وإن أباه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من أبيك. (¬3) ولد -رضي الله عنه- عام 47 قبل الهجرة الموافق 588 م قتل شهيدًا في مؤته عام 8 هجريه الموافق 641 م عاش 55 عامًا. ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب آية 5. (¬2) أخرجه الحاكم 3/ 214 وصححه ووافقه الذهبي. (¬3) ذكره الحافظ في الإصابة 4/ 50 وقال صحيح. المرجع باخصار عن سير أعلام النبلاء ج 1/ 220

في العام الثامن لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام الثامن لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد سيد المسلمين الذي صلى خلفه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

مولد سيد المسلمين الذي صلى خلفه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عبد الرحمن بن عوف الزهري أحد العشرة المبشرين بالجنة وأحد الستة أهل الشورى وأحد السابقين البدريين ومن العشرة الأوائل الذين بادروا إلى الإِسلام. روى أحمد بن حنبل قال المغيرة بن شعبه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم "توضأ ومسح على خفيه وعمامته وأنه صلى خلف عبد الرحمن بن عرف وأنا معه ركعة من الصبح وقضينا الركعة التي سبقتنا". (¬1) وكان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم "دعوا لي أصحابي أو أصيحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل جبل أحد ذهبا لم يدرك مد أحدهم ولا نصيفه". (¬2) حدث إبراهيم بن عبد الرحمن قال غشي على عبد الرحمن بن عوف في وجعه حتى ظنوا أنه قد فاضت نفسه حتى قاموا من عنده وجللوه فأفاق يكبر فكبر أهل البيت ثم قال غشي علي آنفا قالوا نعم قال صدقتم انطلق بي في غشيتي رجلان أحد فيهما شدة وفظاظة فقالا انطلق نحاكمك إلى العزيز الأمين فانطقا بي حتى لقيا رجلا فقال أين تذهبان بهذا قالا نحاكمه إلى العزيز الأمين فقال ارجعا فإنه من الذين كتب الله لهم السعادة والمغفرة وهم في بطون أمهاتهم وأنه سيمتع به بنوه إلى ما شاء الله فعاش بعد ذلك شهرًا. (¬3) ولد -رضي الله عنه- عام 46 قبل الهجرة الموافق 589 م. توفي -رضي الله عنه- عام 29 للهجرة الموافق 662 م. عاش 75 عاما. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم 81. (¬2) أخرجه مسلم 2540. (¬3) أخرجه الحاكم 3/ 307 وقال البوصيري إسناده صحيح. المرجع باختصار عن سير أعلام النبلاء ج 1/ 68.

في العام التاسع لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام التاسع لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد من شهد له الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بالإيمان

مولد من شهد له الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بالإيمان أبو عبد الله عمرو بن العاص السهمي داهية قريش ورجل العالم ومن يضرب به المثل في الفطنة والدهاء والحزم فاتح مصر وباني الفسطاط. روى محمَّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "أبنا العاص مؤمنان عمرو وهشام" (¬1) حدث أحمد بن حنبل عن عقبة بن عامر الجهني قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول "أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص". (¬2) حدث أحمد عن عمرو بن العاص قال "كان فزع بالمدينة فأتيت سالمًا مولى أبي حذيفة وهو محتب بحمائل سيفه فأخذت سيفًا فأحتبيت بحمائله فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم "أيها الناس ألا كان مفزعكم إلى الله ورسوله ألا فعلتم كما فعل هذان المؤمنان". (¬3) وحدث أحمد بن حنبل حدثنا أبو نوفل قال "جزع عمرو بن العاص عند الموت جزعًا شديدا فقال ابنه عبد الله ما هذا الجزع وقد كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يدنيك ويستعملك قال أي بني قد كان ذلك وسأخبرك إي والله ما أدري أكان ذلك حبًا أم تألفًا ولكن اشهد على رجلين أنه فارق الدنيا وهو يحبهما ابن سمية وابن أم عبد فلما جد به وضع يده موضع الأغلال من ذقنه وقال اللَّهم أمرتنا فتركنا ونهيتنا فركبنا ولا يسعنا إلا مغفرتك فكانت تلك هجيراه حتى مات". (¬4) ولد -رضي الله عنه- عام 45 قبل الهجرة الموافق لعام 590 م. توفي -رضي الله عنه- بمصر عام 43 للهجرة الموافق لعام 675 م. عاش 88 عامًا. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد 2/ 304. (¬2) مسند أحمد 4/ 155. (¬3) مسند أحمد 4/ 203. (¬4) مسند أحمد 4/ 199. المرجع باختصار عن سير أعلام النبلاء 3/ 54.

في العام العاشر لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام العاشر لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد من صوته في الجيش خير من فئة

مولد من صوته في الجيش خير من فئة أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري من بني النجار أخوال عبد المطب جد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أحد النقباء الإثنى عشر ليلة العقبة ومن أعيان أهل بدر. قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (صوت أبي طلحة في الجيش خير من فئة). (¬1) قال أنس بن مالك كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالًا من نخل فقال يا رسول الله إن أحب أموالي بيرحا وإنها صدقة لله أرجوا برها وذخرها فضعها يا رسول الله حيث أراك الله فقال (بخ ذلك مال رابح وإنى أرى أن تجعلها في الأقربين). (¬2) عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال خطب أبو طلحة أم سليم فقالت أما إني فيك لراغبه وما مثلك يرد ولكنك كافر فإن تسلم فذلك مهري لا اسألك غيره فأسلم وتزوجها قال ثابت فما سمعنا بمهر كان قط أكرم من مهر أم سليم. (¬3) عن أنس أن أبا طلحة قرأ سورة (براءة) فأتى على هذه الآية {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} (فقال): ألا أرى ربي (يستنفرني) شابا وشيخا (جهزوني) فقال له بنوه: قد غزوت مع رسول الله حتى قبض، وغزوت مع أبي بكر حتى مات، وغزوت مع عمر، فنحن نغزو عنك فقال: جهزوني. فركب البحر، فمات فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد سبعة أيام فلم يتغير. (¬4) ولد -رضي الله عنه- عام 44 قبل الهجرة الموافق 591 م. توفي -رضي الله عنه- عام 34 للهجرة الموافق 667 م. عاش 77 عامًا. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد 3/ 203. (¬2) أخرجه البخاري 3/ 257. (¬3) أخرجه عبد الرزاق 10417. (¬4) أخرجه أبو يعلى. المرجع باختصار عن سير أعلام النبلاء 2/ 27.

في العام الحادي عشر لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام الحادي عشر لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد ابن عم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

مولد ابن عم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أبو يزيد عقيل بن أبى طالب الهاشمي القرشي -رضي الله عنه- وهو الأخ الأكبر لعلي بن أبي طالب كان أسن منه بعشرين سنه وأسن من أخيه جعفر الطيار بعشر سنين، هاجر إلى المدينة في مدة الهدنة وشهد غزوة مؤته مع أخيه جعفر بن أبى طالب وعُمِّر بعد وفاة أخيه الإمام علي وقد وفد على معاوية وكان بسامًا مزاحًا سريع البديهة حاضر الجواب علامة بالنسب وأيام العرب شهد بدرًا مع قومه مكرها فأسر يومئذ وكان لا مال له ففداه عمه العباس -رضي الله عنهما- وأطعمه النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بخيبر كل عام مئة وأربعين وسقًا، كان نسابة يقص في مسجد المدينة وحوله مستمعون جالسون على بساط يحكي لهم عن أيام العرب ومثالب قريش وكان أحد ثلاثة علماء كلفهم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بإعداد سجل بأنساب العرب ومات مكفوف البصر. روى البخاري في التاريخ الصغير بسند صحيح أنه مات في أول خلافة يزيد قبل الحرة. (¬1) روى الإمام أحمد عن عبد الله بن محمَّد بن عقيل بن أبى طالب قال تزوج عقيل بن أبي طالب فخرج علينا فقلنا بالرفاء والبنين فقال مه لا تقولوا ذلك فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قد نهانا عن ذلك وقال قولوا بارك الله لك وبارك عليك وبارك لك فيها. (¬2) ولد -رضي الله عنه- سنة 43 قبل الهجرة الموافق 592 م. توفي -رضي الله عنه- سنة 61 للهجرة الموافق لعام 693 م. عاش قرابة 104 أعوام. ¬

_ (¬1) قال الحافظ ابن حجر في الإصابة. قلت الحرة عام 63 هـ. (¬2) صححه الألباني في كتاب الزفاف ص 176. المرجع عن سير أعلام النبلاء ج 3/ 99.

في العام الثاني عشر لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام الثاني عشر لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد من فقئت عينه في سبيل الله قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر الظفري الأوسي الأنصاري

مولد من فقئت عينه في سبيل الله قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر الظفري الأوسي الأنصاري شهد العقبة الآخرة مع قومه الأنصار رضوان الله عليهم وشهد بدرًا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان من نجباء الصحابة وهو أخو أبي سعيد الخدري لأمه. روى البيهقي عن عبد الرحمن بن الغسيل: حدثنا عاصم بن عمر بن قتادة، [عن أبيه]، عن جده: أنه أصيبت عينُه يوم بدرٍ، فسالت حدقتُه على وجنته؛ فأراد القوم أن يقطعوها، فقالوا: نأتي نبي الله نستشيره. فجاء، فأخبره الخبر. فأدناه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه، فرفع حدقته حتى وضعها موضعها، ثم غمزها براحته وقال: "اللَّهم اكسُهُ جمالا" فمات، وما يدري من لقيه أي عينيه أصيبت. (¬1) روى الإمام أحمد بسنده عن محمَّد بن إبراهيم عن قتادة قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: يا قتادة لا تسبن قريشا فلعلك أن ترى منهم رجالًا تزدري عملك مع أعمالهم وفعلك مع فعالهم وتغبطهم إذا رأيتهم. لولا أن تطغى قريش لأخبرتهم بالذي لهم عند الله -عَزَّ وجَلَّ-. (¬2) ولد -رضي الله عنه- عام 42 ق. هـ الموافق لعام 593 م. توفي بالمدينة عام 23 هـ ونزل عمر بن الخطاب يومئذ في قبره. ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة. (¬2) أخرجه أحمد حديث رقم 27699 طبعه بيت الأفكار الدولية.

في العام الثالث عشر لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام الثالث عشر لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد سابع سبعة في الإسلام عتبة بن غزوان المازني (رضي الله عنه)

مولد سابع سبعة في الإِسلام عتبة بن غزوان المازني (رضي الله عنه) هاجر إلى أرض الحبشة ثم عاد إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وهو بمكة فأقام معه حتى هاجر إلى المدينة مع المقداد وكان من السباقين دائمًا. خرجا مع الكفار يتصلان إلى المدينة ضمن سرية من الكفار عليها عكرمة بن أبي جهل فلقيتهم سرية من المسلمين عليها عبيدة بن الحارث فالتحق المقداد وعتبة بالمسلمين ثم شهد بدرًا وسائر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. روى مسلم في صحيحه قال خطبنا عتبة بن غزوان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن الدنيا قد أذنت بصرم وولت حذاء ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابها صاحبها وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها فانتقلوا بخير ما بحضرتكم فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفة جهنم فيهوي فيها سبعين عامًا لا يدرك لها قعرًا ووالله لتملأن. أفعجبتم ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة وليأتين عليها يوم وهو كظيظ من الزحام ولقد رأيتني سابع سبعه مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك فاتزرت بنصفها واتزر سعد بنصفها فما أصبح اليوم منا أحد إلا أصبح أمير على مصر من الأمصار وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيمًا وعند الله صغيرًا وإنها لم تكن نبوة قط إلا تناسخت حتى يكون عاقبتها ملكا فستخبرون وتجربون الأمراء بعدنا. ولد -رضي الله عنه- عام 41 قبل الهجرة الموافق 594 م. توفي -رضي الله عنه- 17 للهجرة الموافق 649 م. عاش 57 عام. ¬

_ صحيح مسلم ص 2278 تحقيق محمَّد فؤاد عبد الباقي.

في العام الرابع عشر لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام الرابع عشر لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد عز الإسلام الخليفة الثاني عمر بن الخطاب العدوي القرشي (رضي الله عنه)

مولد عز الإِسلام الخليفة الثاني عمر بن الخطاب العدوي القرشي (رضي الله عنه) أشد الناس عداوة لكفار قريش وأرحم الناس لفقراء المسلمين قال ابن مسعود كان إسلام عمر فتحًا وكانت هجرته نصرًا وكانت إمارته رحمة ولقد رأيتنا وما نستطع أن نصلي في البيت حتى أسلم عمر فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا. عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (يقول بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص فمنها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك وعرض علي عمر وعليه قميص اجتره قالوا فما أولته يا رسول الله قال الدين). (¬1) عن الزهري قال أخبرني حمزة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال (بينا أنا نائم شربت اللبن حتى أنظر الري يخرج من ظفري أو في أظفاري ثم ناولت عمر قالوا فما أولته يا رسول الله قال العلم). (¬2) عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال (إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه). (¬3) عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال اللَّهم اعز الإِسلام بأحب هذين الرجلين إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب (قال وكان أحبهما إليه عمر). (¬4) حدثا محمَّد ابن جعفر حدثنا شعبه عن قيس ابن مسلم عن طارق ابن شهاب قال: قال عبد الله ابن مسعود: (إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر ابن الخطاب). (¬5) ¬

_ (¬1) فتح الباري 7/ 51. (¬2) فتح الباري 7/ 46. (¬3) الترمذيُّ 3682". (¬4) الترمذيُّ 3681. (¬5) أخرجه الإمام أحمد. المرجع در السحابة في مناقب القرابة والصحابة محمَّد ابن علي الشوكاني.

ولد -رضي الله عنه- عام 40 الهجرة الموافق 595 م. قتل شهيدًا -رضي الله عنه- عام 23 هجرية الموافق 656 م. عالق 63 عامًا.

في العام الخامس عشر لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام الخامس عشر لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد أمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح (رضي الله عن

مولد أمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح (رضي الله عنه) أحد السابقين الأولين إلى الإِسلام وحبيب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بعد أبي بكر وعمر -رضي الله عنهم-. عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال إن لكل أُمة أمينًا وإن أميننا أيتها الأُمة أبو عبيدة بن الجراح. (¬1) قال عنه أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- يوم سقيفه بني ساعدة رضيت لكم أحد هذين الرجلين عمر وأبا عبيده. عن عبد الله سألت عائشة أي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان أحب إليه قالت أبو بكر ثم عمر ثم أبو عبيدة بن الجراح. (¬2) عن عياض بن غطيف قال دخلنا على أبي عبيدة بن الجراح نعوده من شكوى أصابه وامرأته نحيفة قاعدة عند رأسه قلت كيف بات أبو عبيدة قالت والله لقد بات بأجر فقال أبو عبيده ما بت بأجر وكان مقبلًا بوجهه على الحائط فأقبل على القوم بوجهه فقال ألا تسألوني عما قلت قالوا ما أعجبنا ما قلت فنسألك عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول (من انفق نفقة فاضلة في سبيل الله فبسبعمائة ومن أنفق على نفسه وأهله أو عاد مريضًا أو ماز اذى فالحسنة بعشر أمثالها والصوم جنة ما لم تجرحها ومن ابتلاه الله ببلاء في جسده فهو له حطه. ولد -رضي الله عنه- عام 39 قبل الهجرة الموافق لعام 596 م. مات بالطاعون شهيدًا -رضي الله عنه- عام 18 هجرية الموافق 651 م. عاش 58 عامًا. ¬

_ (¬1) البخاري (3744). (¬2) الترمذيُّ (3657). المرجع الفتح للرباني ج 19 ص 197.

في العام السادس عشر لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام السادس عشر لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد نقيب الأنصار القائم بالحق عبادة بن الصامت (رضي الله عنه)

مولد نقيب الأنصار القائم بالحق عبادة بن الصامت (رضي الله عنه) الإمام القدوة أحد النقباء ليلة العقبة ومن أعيان البدريين سكن بيت المقدس قال محمَّد بن كعب القرظي جمع القرآن من الأنصار معاذ وعبادة وأُبي بن كعب وأبو أيوب وأبو الدرداء. حدث ابن أُبي أُويس عن الوليد بن محمَّد بن عبادة بن الصامت عن ابن عمه عبادة بن الوليد قال كان عبادة بن الصامت مع معاوية فأذن يومًا فقام خطيب يمدح معاوية ويثني عليه فقام عبادة بتراب في يده فحشاه في فم الخطيب فغضب معاوية فقال له عبادة إنك لم. تكن معنا حيث بايعنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا ومكسلنا وأثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله وأن نقوم بالحق حيث كنا لا نخاف في الله لومة لائم وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إذا رأيتم المداحين فاحشوا في أفواههم التراب. (¬1) عن أبي إدريس الخولاني أن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- وكان شهد بدرًا وهو أحد النقباء ليلة العقبة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئًا ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك. ولد -رضي الله عنه- عام 38 قبل الهجرة الموافق 597 م. توفي -رضي الله عنه- عام 34 هجرية الموافق لعام 667 م. عاش 72 عامًا. ¬

_ (¬1) البخاري 13/ 167 الفتح. المرجع انظر الفتح 1/ 60 - 65.

في العام السابع عشر لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام السابع عشر لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد أحد الأربعة الذين يحبهم الله وأمر رسوله بحبهم المقداد بن عمرو الكندي

مولد أحد الأربعة الذين يحبهم الله وأمر رسوله بحبهم المقداد بن عمرو الكندي صاحب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أحد السبعة السباقين إلى الإِسلام والفارس يوم بدرٍ شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. قال عنه صلوات ربي عليه وسلامه إن الله -عَزَّ وَجَلَّ- أمرني بحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم قيل يا رسول الله سمهم لنا فقال (علي منهم يقول ذلك ثلاثًا وأبو ذرٍ والمقداد وسلمان). (¬1) حدثنا ابن المبارك عن صفوان بن عمرو حدثنا عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال جلسنا إلى المقداد يومًا فمر به رجل فقال طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم والله لوددنا أنا رأينا ما رأيت فاستمعت فجعلت أعجب ما قال إلا خيرًا ثم أقبل عليه فقال ما يحمل أحدكم علي أن يتمنى محضرًا غيبه الله عنه لا يدري لو شهده كيف كان يكون فيه والله لقد حضر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أقوام كبهم الله علي مناخرهم في جهنم لم يجيبوه ولم يصدقوه أولا تحمدون الله لا تعرفون إلا ربكم مصدقين بما جاء به نبيكم وقد كفيتم البلاء بغيركم والله لقد بعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على أشد حال بعث عليه نبي في فتره وجاهلية ما يرون دينا أفضل من عبادة الأوثان فجاء بفرقان حتى أن الرجل ليرى والده أو ولده أو أخاه كافرًا وقد فتح الله قفل قلبه للإيمان ليعلم أنه قد هلك من دخل النار فلا تقر عينه وهو يعلم أن حميمه في النار وأنها للتي قال الله تعالى {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ}. (¬2) ولد -رضي الله عنه- عام 37 قبل الهجرة الموافق 598 م. ¬

_ (¬1) قاله الترمذيُّ حديثٌ حسنٌ وأقره الحافظ بن حجر في الإصابة. (¬2) الفرقان 74. المرجع أبو نعيم في الحلية 1/ 175.

توفي -رضي الله عنه- عام 33 هجريه 666 م. عاش 70 عامًا.

في العام الثامن عشر لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام الثامن عشر لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد من عذب بالنار من أجل إسلامه خباب بن الأرت التميمي (رضي الله عنه)

مولد من عذب بالنار من أجل إسلامه خباب بن الأرت التميمي (رضي الله عنه) أحد السابقين الأولين إلى الإِسلام كان سدس الإِسلام شهد بدرًا وأحد والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. قال الشعبي أنّ خبابًا صبر ولم يعط الكفار ما سألوا فجعلوا يلزقون ظهره بالرضف حتى ذهب لحم متنه سأل عمر بن الخطاب خبابًا -رضي الله عنهما- عما لقي من المشركين فقال يا أمير المؤمنين انظر إلى ظهري فنظر فقال ما رأيت كاليوم ظهر رجل قال خباب لقد أوقدت نار وسحبت عليها فما أطفأها إلا ودك ظهري. حدث مسروق عن خباب قال كنت قينًا بمكة فعملت للعاص بن وائل سيفًا فجئت أتقاضاه فقال لا أعطيك حتى تكفر بمحمدٍ فقلت لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حتى تموت وتبعث فقال إذا بعثت كان لي مال فسوف أقضيك فقلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فأنزلت آية {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا}. (¬1) سورة مريم. ولد -رضي الله عنه- عام 36 قبل الهجرة الموافق 599 م. توفي -رضي الله عنه- عام 37 هجريه الموافق 669 م. عاش 73 عامًا. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري 8/ 429.، مسلم 2795.

في العام التاسع عشر لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام التاسع عشر لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد أحد الذين يغضب الله لغضبهم صهيب بن سنان النمري (رضي الله عنه)

مولد أحد الذين يغضب الله لغضبهم صهيب بن سنان النمري (رضي الله عنه) عن عائذ بن عمرو أن سلمان وصهيبًا وبلالًا كانوا قعودًا فمر بهم أبو سفيان فقالوا ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها بعد فقال أبو بكر أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدها قال فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقال (يا أبا بكر لعلك أغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك فرجع إليهم) فقال أي إخواننا لعلكم غضبتم قالوا لا يا أبا بكر يغفر الله لك. (¬1) عن صهيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له وإن أصابته ضرا صبر فكان خيرًا له. (¬2) عن صهيب الرومي -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال (إذا دخل أهل الجنة الجنة قال يقول الله تبارك وتعالى تريدون شيئًا أزيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجينا من النار قال فيكشف الحجاب فما اعطو شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم -عَزَّ وَجَلَّ-. ولد -رضي الله عنه- عام 35 قبل الهجرة الموافق 600 م. توفي -رضي الله عنه- عام 38 هجرية الموافق 670 م. عاش 73 عامًا. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلمٌ. (¬2) أخرجه مسلمٌ ج 4 ص 2295 المرجع محمَّد فؤاد عبد الباقي ج 1 ص 163 ج 297.

في العام العشرين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام العشرين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد ذي النورين الرجل الذي تستحي منه الملائكة عثمان بن عفان (رضي الله عنه)

مولد ذي النورين الرجل الذي تستحي منه الملائكة عثمان بن عفان (رضي الله عنه) أمير المؤمنين وختن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم علي ابنتيه رقية وأم كلثوم. عن عائشة بنت الصديق -رضي الله عنهما- قالت كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مضطجعًا في بيتي كاشفًا فخذيه أو ساقيه فأستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فتحدث ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وسوى ثيابه فدخل فتحدث فلما خرج قالت عائشة دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك فقال ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة. (¬1) عن بشير الأسلمي قال لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومه وكان يبيع منها القربة بمد فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (بعينها بعين في الجنة) فقال يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي غيرها ولا أستطيع ذلك فبلغ ذلك عثمان -رضي الله عنه- فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم ثم أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقال يا رسول الله أتجعل لي مثل الذي جعلته له عينًا في الجنة إن اشتريتها قال نعم قال قد اشتريتها وجعلتها للمسلمين. (¬2) ولد -رضي الله عنه- عام 34 قبل الهجرة الموافق 601 م. قتل شهيدًا -رضي الله عنه- عام 35 هجريه الموافق 667 م. عاش 69 عامًا. ¬

_ (¬1) رواه مسلم 2401. (¬2) رواه الطبراني في الكبير 2/ 28. هذا الحديث ضعيف إلا أن شراء سيدنا عثمان لبئر رومه صحيحًا ليس فيه اختلاف.

في العام الواحد والعشرين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام الواحد والعشرين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد ذي الجناحين وشبيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه)

مولد ذي الجناحين وشبيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه) وابن عمه السيد الشهيد الكبير الشأن علم المجاهدين أبو عبد الله جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- هاجر الهجرتين وتغرب في الحبشة قرابة أربعة عشر عامًا وقدم عام خيبر فسر النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لقدومه. عن أسامه بن زيد عنه قال اجتمع جعفر وعلي وزيد بن حارثه فقال جعفر أنا أحبكم إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وقال علي أنا أحبكم إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وقال زيد أنا أحبكم إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقالوا انطلقوا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حتى نسأله فقال أسامه بن زيد فجاؤوا يستأذنونه فقال اخرج فانظر من هؤلاء فقلت هذا جعفر وعلي وزيد ما أقول أبي قال ائذن لهم ودخلوا فقالوا من أحب إليك قال فاطمة قالوا نسألك عن الرجال قال أما أنت يا جعفر فأشبه خلقك خلقي وأشبه خلقي خلقك وأنت مني وشجرتي وأما أنت يا علي فختني وأبو ولدي وأنا منك وأنت مني وأما أنت يا زيد فمولاي ومني وإلي وأحب القوم إلي. (¬1) عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم رأيت جعفر بن أبي طالب ملكًا في الجنة مضرجة قوادمه بالدماء يطير في الجنة. (¬2) ولد -رضي الله عنه- عام 33 قبل الهجرة الموافق 602 م. توفي -رضي الله عنه- عام 8 هجريه الموافق لعام 641 م. عاش 41 عامًا. ¬

_ (¬1) أخرجه ابن سعد والإمام أحمد 5/ 204. (¬2) رواه الحاكم 3/ 209 وصحح وقاله الحافظ إسناده جيد.

في العام الثاني والعشرين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام الثاني والعشرين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد الذي لا تضره الفتنة محمد بن مسلمة الأوسي الأنصاري

مولد الذي لا تضره الفتنة محمَّد بن مسلمة الأوسي الأنصاري أحد الذين تسموا بمحمد تيمنا برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، شهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلا غزوة قرقرة الكدر فإنه استخلفه على المدينة. عن حذيفة بن اليمان قال ما من أحد إلا وأنا أخاف عليه الفتنة إلا ما كان من محمَّد بن مسلمة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله صحبه وسلم يقول لا تضره الفتنة. عن ابن أبي زائدة سهل بن أبي حثمة قال رأيت محمَّد بن مسلمة يطارد امرأة من الأنصار يريد أن ينظر إليها قال ابن أبي زائدة يطارد بثينة ابنه الضحاك أخت أبي جبيرة بن الضحاك وهي على أجار لهم فقلت أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وتفعل هذا قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول (إذا ألقى الله -عَزَّ وَجَلَّ- في قلب امرئ خطبه امرأة فلا بأس أن ينظر إليها). (¬1) حدث ابن مبارك قال أتى عمر بن الخطاب مشربة بني حارثه فوجد محمَّد بن مسلمة فقال يا محمَّد كيف تراني قال أراك كما أحب وكما يحب من يحب لك الخير قويًا على جمع المال عفيفًا عنه عدلًا في قسمه ولو ملت عدلناك كما يعدل السهم في الثقاف قال الحمد لله الذي جعلني في قوم إذا ملت عدلوني. ولد -رضي الله عنه- عام 32 قبل الهجرة الموافق 603 م. توفي -رضي الله عنه- عام 46 هجرية الموافق لعام 678 م. عاش77 عامًا. ¬

_ (¬1) قال الألباني صحيح أخرجه أحمد ج 4 ص 255. المرجع باختصار عن سير أعلام النبلاء ج 2 ص 369.

في العام الثالث والعشرين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام الثالث والعشرين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد من ساقيه في الميزان أثقل من جبل أحد عبد الله بن مسعود الهذلي

مولد من ساقيه في الميزان أثقل من جبل أحد عبد الله بن مسعود الهذلي الإمام الحبر عبد الله بن مسعود الهذلي فقيه الأمة أبو عبد الرحمن المكي المهاجري البدري حليف بني زهره كان من السابقين الأولين ومن النجباء العالمين هاجر الهجرتين فضائله ومناقبه غزيرة روى علمًا كثيرًا. عن ابن مسعود أنه كان يجتني سواكًا من الأراك وكان دقيق الساقين فجعلت الريح تكفؤه فضحك القوم منه فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مما تضحكون قالوا يا نبي الله من دقة ساقيه فقال والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد (¬1) عن أبي وائل قال كنت مع حذيفة فجاء ابن مسعود فقال أن أشبه الناس هديا ودلا وقضاء وخطبة برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع لا أدري ما يصنع في أهله لعبد الله بن مسعود ولقد علم المجتهدون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن عبد الله من أقربهم عند الله وسيلة يوم القيامة. (¬2) ولد -رضي الله عنه- عام 31 قبل الهجرة الموافق 604 م. وتوفي -رضي الله عنه- عام 32 هجريه الموافق لعام 664 م. عاش 63 عامًا. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد 1/ 420. (¬2) أخرجه البخاريُّ. المرجع باختصار في إعلام النبلاء ج1 ص461.

في العام الرابع والعشرين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام الرابع والعشرين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد من كانت داره مقرا لنشر الإسلام الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي (رضي الله عنه)

مولد من كانت داره مقرًا لنشر الإِسلام الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي (رضي الله عنه) عتت قريش وتجبرت على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأذاقت أصحابه رضوان الله عليهم أشد العذاب وخاصة عندما توفيا عم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أبو طالب وزوجه خديجة -رضي الله عنها- فبقى وحيدًا لا سند له من أهل بيته فذهب إلى الطائف لعله يجد النصرة عند ثقيف ولكن ثقيف أبت الإِسلام مناصرة لقريش، فرجع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى مكة ودخلها بجوار من المطعم بن عدي. وفي دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي أحد السابقين إلى الإِسلام وأحد المهاجرين الأولين ممّن شهد بدرًا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. انطلقت الدعوة بتغير نهجها الأول وذلك عندما قام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بنشر الإسلام سرًا بين الوافدين العرب للحج أو العمرة أو للتجارة في المواسم. وفي هذه الدار أسلم عمر بن الخطاب وحمزة عم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ومنها خرجوا يعلنون الإسلام ويصلون في المسجد الحرام علانيةً بعد أن اكتملوا أربعين رجلًا، فبهتت قريشًا لما رأت عمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب وأذعنت للواقع وهي مقهورة. قال عثمان بن الأرقم بن أبي الأرقم توفي أبي الأرقم سنه ثلاث وخمسين وهو ابن ثلاث وثمانين سنة وأوصى أن يصلي عليه سعد بن أبي وقاص ودفن بالبقيع. ولد -رضي الله عنه- عام 30 قبل الهجرة الموافق 605 م. توفي -رضي الله عنه- عام 53 هجرية الموافق 685 م. عاش 83 عامًا.

في العام الخامس والعشرين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام الخامس والعشرين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

زواجه من سيدة نساء العالمين

زواجه من سيدة نساء العالمين أم القاسم خديجة ابنة خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشية الأسدية أم أولاد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأول من آمن به وصدقه قبل كل أحد وثبتت جأشه. عن عائشة -رضي الله عنها- قالت ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ما غرت على خديجة وما رأيتها قط ولكن كان يكثر ذكرها وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء يبعثها في صدائق خديجة وربما قلت له كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة فيقول إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد قالت وتزوجني بعدها بثلاث سنوات. قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمَّد ومريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون. وعن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لقد فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين. (¬1) ومن حديث أبي هريرة قال أتى جبريل النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتت ومعها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب. (¬2) ولدت -رضي الله عنها- عام 70 قبل الهجر 566 م. وتوفيت -رضي الله عنها- عام 5 قبل الهجرة 629 م. عاشت 65 عامًا. ¬

_ (¬1) أخرجه الطبرانيُّ في الكبير. (¬2) أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ. المرجع باختصار عن سير إعلام النبلاء ج2 ص 109.

في العام السادس والعشرين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام السادس والعشرين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد حواري رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وابن عمته الزبير بن العوام (رضي الله عنه)

مولد حواري رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وابن عمته الزبير بن العوام (رضي الله عنه) أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الستة أهل الشورى وأول من سل سيفه في سبيل الله أبو عبد الله -رضي الله عنه-. أسلم وهو حدث له ست عشرة سنة. أخرج الإمام أحمد بن حنبل عن عبد الرحمن بن مهدي قال عبد الله بن الزبير لأبيه مالك لأتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كما يحدث فلان وفلان قال ما فارقته منذ أسلمت ولكن سمعت منه كلمة سمعته يقول (من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار). (¬1) وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الزبير ابن عمتي وحواري من أمتي. (¬2) وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان على حراء فتحرك فقال اسكن حراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد وكان عليه أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير. (¬3) وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (أن قاتل الزبير في النار). ولد -رضي الله عنه- 28 قبل الهجرة الموافق 607 م. قتل شهيدًا في رجب -رضي الله عنه- عام 36 هجرية الموافق 668 م. عاش 63 عامًا. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد 1/ 167 بسند صحيح. (¬2) أخرجه أحمد 3/ 314 إسنادُهُ صحيحٌ. (¬3) أخرجه مسلمٌ (2417). المرجع باختصار عن مسلم سير أعلام النبلاء ج1 ص41.

في العام السابع والعشرين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام السابع والعشرين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد الشهيد الذي قضى نحبه طلحة بن عبيد الله التيمي (رضي الله عنه)

مولد الشهيد الذي قضى نحبه طلحة بن عبيد الله التيمي (رضي الله عنه) أحد العشرة المبشرين بالجنة وأحد أصحاب الشورى وأحد الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وهو عنهم راضي. وعن موسى وعيسى ابني طلحة عن أبيهما أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قالوا لأعرابي جاء يسأله عمن قضى نحبه من هو فكانوا لا يجترئون على مسألته يوقرونه ويهابونه قال فسأله الأعرابي عنه ثم سأله فأعرض عنه ثم أني اطلعت من باب المسجد وعلى ثياب خضر فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال أين السائل عمن قضى نحبه قال الأعرابي أنا يا رسول الله قال هذا ممّن قضى نحبه. (¬1) وعن أحمد في مسنده عن يحيي بن طلحه عن أبيه قال رأى عمر بن الخطاب طلحة بن عبيد الله ثقيلًا فقال ما لك يا أبا فلان لعلك ساءتك إمرة ابن عمك يا أبا فلان قال لا إلا إني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم حديثًا ما منعني أن أسأله إلا القدرة عليه حتى مات سمعته يقول إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد عند موته إلا أشرق لها لونه ونفس الله عنه كربته قال فقال عمر -رضي الله عنه- إني لا أعلم ما هي قال وما هي قال تعلم كلمة أعظم من كلمة أمر بها عمه عند الموت لا إله إلا الله قال طلحة هي والله هي. (¬2) ولد -رضي الله عنه- عام 27 قبل الهجرة الموافق 608 م. قتل شهيد -رحمه الله- عام 36 هجرية الموافق 668 م. عاش 63 عامًا. ¬

_ (¬1) أبو يعلى (3/ 26 - 27). (¬2) أحمد 1/ 161 إسناده صحيح.

في العام الثامن والعشرين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام الثامن والعشرين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد خال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه)

مولد خال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) الأمير أبو إسحاق الزهري القرشي المكي أحد العشرة وأحد السابقين الأولين وأحد الستة أهل الشورى. عن جابر قال كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فأقبل سعد بن أبي وقاص فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم هذا خالي فليرني أمرؤ خاله. وعن أبي عثمان أن سعدًا قال: نزلت هذه الآية {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} (¬1) قال: كنت برًا بأمي، فلما أسلمت، قالت: يا سعد! ما هذا الدين الذي قد أحدثت؟ لتدعن دينك هذا، أو لا آكل، ولا أشرب، حتى أموت، فتعير بي: فيقال: يا قاتل أمه، قلت: لا تفعلي يا أمه، إني لا أدع ديني هذا لشيء، فمكثت يومًا لا تأكل ولا تشرب وليلة، وأصبحت وقد جهدت، فلما رأيت ذلك، قلت: يا أمه! تعلمين والله لو كان لك مئة نافس، فخرجت نفسًا نفسا، ما تركت ديني. إن شئت فكلي أو لا تأكلي. فلما رأت ذلك أكلت. (¬2) عن سعد بن أبي وقاص قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ستة نفر فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا قال كنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}. (¬3) ولد -رضي الله عنه- عام 26 قبل الهجرة الموافق 608 م. توفي -رضي الله عنه- 55 هجرية الموافق لعام 687 م، عاش 82 عامًا. ¬

_ (¬1) سورة العنكبوت آية رقم 8. (¬2) أخرجه مسلمٌ (1748). (¬3) سورة الأنعام وحديث أخرجه مسلمٌ 2413.

في العام التاسع والعشرين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام التاسع والعشرين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد الذي كان أبوه في الجاهلية من أهل الجنة سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي (رضي الله عنه)

مولد الذي كان أبوه في الجاهلية من أهل الجنة سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي (رضي الله عنه) أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ومن السابقين الأولين البدريين ومن الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه. عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم دخلت الجنة فرأيت لزيد بن عمرو بن نفيل دوحتين. (¬1) عن ابن عمر أن زيد بن نفيل كان يعيب على قريش ويقول الشاة خلقها الله وأنزل لها من السماء وأنبت لها من الأرض ثم تذبحونها على غير اسم الله. (¬2) عن زيد بن حارثة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال في زيد (يأتي أمة وحده). (¬3) عن سعيد بن زيد -رضي الله عنه- قال أنا أشهد على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بما سمعت أذناي ووعاه قلبي من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فأني لم أكن أروي عنه كذبًا يسألني عنه إذا لقيته أنه قال أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعد بن مالك في الجنة وتاسع المؤمنين في الجنة لو شئت أن أسميه لسميته فضج أهل المسجد يناشدونه يا صاحت رسول الله من التاسع قال ناشدتموني بالله والله العظيم أنا تاسع المؤمنين ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم العاشر ثم أتبع ذلك يمينًا قال والله لمشهد شهده رجل يغبر فيه وجهه مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أفضل من عمل أحدكم ولو عمر عمر نوح عليه السلام. ولد -رضي الله عنه- عام 25 قبل الهجرة الموافق 609 م. وتوفي -رضي الله عنه- عام 52 هجرية الموافق لعام 683 م. عاش 77 عامًا. ¬

_ (¬1) رواه الباغذري وقال ابن كثير إسناده جيد. (¬2) أخرجه البخاريُّ (3826). (¬3) إسناده حسن

في العام الثلاثين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام الثلاثين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد من نزلت فيه آية الفدية في غزوة الحديبية كعب بن عجرة الأنصاري

مولد من نزلت فيه آية الفدية في غزوة الحديبية كعب بن عجرة الأنصاري من أهل بيعة الرضوان الذي قال الله فيهم: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}. (¬1) وفيه نزلت آية الفدية قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}. (¬2) عن كعب بن عجرة -رضي الله عنه- قال بينما أنا جالس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مسندي ظهورنا إلى قبلة مسجد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم سبعة رهط أربعة موالينا وثلاثة من عربنا إذ خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لصلاة الظهر حتى انتهى إلينا فقال ما يجلسكم ها هنا قلنا يا رسول الله ننتظر الصلاة قال فأرم قليلًا ثم رفع رأسه فقال أتدرون ما يقول ربكم -عَزَّ وَجَلَّ- يقول من صلى الصلاة لوقتها وحافظ عليها ولم يضيعها استخفافًا بحقها فله عليَّ عهد أن أدخله الجنة ومن لم يصلها ولم يحافظ عليها وضيعها استخفافًا بحقها فلا عهد له إن شئت عذبته وإن شئت غفرت له. (¬3) عن كعب بن عجرة -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدًا إلى الصلاة فلا يشبك بين يديه فإنه في الصلاة. (¬4) ولد -رضي الله عنه- عام 24 قبل الهجرة الموافق 610 م. توفي -رضي الله عنه- عام 51 هجرية الموافق لعام 683 م. عاش 75 عامًا. ¬

_ (¬1) سورة الفتح آية 18. (¬2) سورة البقرة آية 196. (¬3) أحمد بن حنبل ج2 ص 338 (قال صاحب الفتح حسن) (¬4) أحمد بن حنبل ج 4 ص 241 (قال الألباني في صحيح الجامع الصغير حديث 442 ج1 ص139).

في العام الواحد والثلاثين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام الواحد والثلاثين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد من منزلته عند الله كمنزلة هارون من موسى الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)

مولد من منزلته عند الله كمنزلة هارون من موسى الإِمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) أبو الحسن والحسين وزوج سيدة نساء العالمين فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أول من أسلم من الغلمان وابن عم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. عن سهل بن سعد قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بيت فاطمة فلم يجد عليًا في البيت فقال (أين ابن عمك؟) فقالت: كان بيني وبينه شيء. فغاضبني فخرج فلم يقل عندي. فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لإنسان (انظر أين هو؟) فجاء فقال: يا رسول الله هو في المسجد راقد. فجاءه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وهو مضطجع. قد سقط رداؤه عن شقه. فأصابه تراب. فجعل رسول الله يمسحه عنه ويقول (قم أبا التراب! قم أبا التراب!). (¬1) عن علي بن أبي طالب قال والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى (أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق). (¬2) عن ابن أبي ليلى قال حدثنا علي أن فاطمة -عليها السلام- شكت ما تلقى من أثر الرحا فأتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بسبي فانطلقت فلم تجده فوجدت عائشة فأخبرتها فلما جاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أخبرته عائشة بمجيء فاطمة فجاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلينا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبت لأقوم فقال علي مكانكما فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري وقال ألا أعلمكما خيرًا مما سألتماني إذا أخذتما مضاجعكما تكبران أربعًا وثلاثين وتسبحان ثلاثًا وثلاثين وتحمدان ثلاثًا وثلاثين فهو خير لكما من خادم. (¬3) ¬

_ (¬1) رواه البخاري ومسلم (3703) ومسلمٌ (2409). (¬2) حديث 78. (¬3) رواه البخاري (3705): مسلم (2727).

ولد -رضي الله عنه- عام 23 قبل الهجرة الموافق لعام 611 م. توفي ليلة نزول القرآن 24/ 9/40 هـ الموافق لعام 672 م. عاش 63 عامًا.

في العام الثاني والثلاثين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام الثاني والثلاثين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد أحد أصحاب الصفة المعمرين من فقراء المهاجرين أول الناس ورودا على الحوض يوم القيامة

مولد أحد أصحاب الصفة المعمرين من فقراء المهاجرين أول الناس ورودًا على الحوض يوم القيامة أبو قرفاصه واثلة بن الأسقع الليثي أسلم سنة تسع للهجرة وكان من فقراء المهاجرين شهد غزوة تبوك. والصفة هي البناء المسقف في مؤخرة المسجد النبوي من جهة الشمال مصلى للمسلمين عندما كانت القبلة إلى بيت المقدس فلما حولت إلى الكعبة الشريفة في شهر رجب من السنة الثانية للهجرة بقي مكان الصفة خاليًا فأتخذه فقراء المهاجرين من نزاع القبائل العربية مأوى لهم قال أبو هريرة -رضي الله عنه- وأهل الصفة أضياف الإِسلام لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد. عن واثلة بن الأسقع قال: (كنت من أهل الصفة فدعا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يومًا بقرص فكسره في القصعة وصنع فيها ماء سخنًا ثم صنع فيها ودكًا ثم سغسغها ثم لبقها ثم صعنبها ثم قال فأتني بعشرة أنت عاشرهم فجئت بهم فقال كلوا وكلوا من أسفلها ولا تأكنوا من أعلاها فإن البركة تنزل من أعلاها فأكلوا منها حتى شبعوا. (¬1) عن واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم جاءهم في صفة المهاجرين فسأله إنسان أي آية في القرآن أعظم قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ}. قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (أول الناس ورودًا عليه فقراء المهاجرين الشعث رؤوسا الدنس ثيابًا الذين لا ينكحون المنعمات ولا تفتح لهم السدد الذين يعطون الحق الذي عليهم ولا يعطون الذي لهم. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد 3/ 490. (¬2) انظر صحيح الجامع الصغير حديث 2060.

ولد -رضي الله عنه- عام 22 قبل الهجرة الموافق لعام 612 م. توفي -رضي الله عنه- عام 83 هجريًا الموافق لعام 713 م. عاش 105 عامًا.

في العام الثالث والثلاثين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام الثالث والثلاثين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد حافظ الإسلام الإمام الفقيه المجتهد أبو هريرة الدوسي سيد الحفاظ الأثبات (رضي الله عنه)

مولد حافظ الإِسلام الإِمام الفقيه المجتهد أبو هريرة الدوسي سيد الحفاظ الأثبات (رضي الله عنه) حمل عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم علمًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه. عن أبي سلمة أن أبا هريرة قال أنكم تقولون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وتقولون ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثله وأن إخواني المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق وكان إخواني من الأنصار يشغلهم عمل أموالهم وكنت امرأ مسكينا من مساكين الصفة الزم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على ملء بطني فأحضر حين يغيبون وأعي حين ينسون وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في حديث يحدثه يومًا (إنّه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضى جميع مقالتي ثم يجمع إليه ثوبه إلا وعى ما أقول. فبسطت نمرة عليّ حتى إذا قضى مقالته جمعتها إلى صدري فما نسيت من مقالة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تلك من شيء. (¬1) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قلت يا رسول الله من أسعد الناس بشافاعتك قال لقد ظننت يا أبا هريرة لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث: إن أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله مخلصًا من نفسه. (¬2) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وعائين فأما أحدهما فبثثته في الناس وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم. (¬3) ولد -رضي الله عنه- عام 21 قبل الهجرة الموافق 613 م. توفي -رضي الله عنه- عام 57 هجريه الموافق 688 م. عاش 78 عامًا. ¬

_ (¬1) رواه البخاري 4/ 347. (¬2) رواه البخاري 1/ 173. (¬3) رواه البخاري 1/ 192.

في العام الرابع والثلاثين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام الرابع والثلاثين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد من أتاه الله مزمارا من مزامير آل داود أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه)

مولد من أتاه الله مزمارًا من مزامير آل داود أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) عبد الله بن قيس بن سليم الإمام الكبير صاحب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الفقيه المقري. أخرج الحاكم عن عياض الأشعري قال لما نزلت آية: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}. (¬1) قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (هم قومك يا أبا موسى وأومأ إليه). أخرج الإِمام مسلم عن بريدة قال خرجت ليلة من المسجد فإذا النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عند باب المسجد قائم وإذا رجل يصلي فقال لي يا بريدة أتراه يرائي قلت الله ورسوله أعلم قال بل هو مؤمن منيب لقد أعطي مزمارًا من مزامير آل داود فأتيته فإذا هو أبو موسى فأخبرته. (¬2) عن أبي موسى الأشعري قال كنا مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في سفر وكان القوم يصعدون ثنية أو عقبة فإذا صعد الرجل قال لا إله إلا الله والله أكبر أحسب قال بأعلى صوته ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على بغلته يعترضها في الجبل. فقال أيها الناس إنكم لا تنادون أصم ولا غائبًا ثم قال (يا عبد الله بن قيس أو يا أبا موسى ألا أدلك على كلمة من كنوز الجنة قلت بلى يا رسول الله قال قل لا حول ولا قوة إلا بالله. (¬3) ولد -رضي الله عنه- عام 20 قبل الهجرة الموافق 614 م. توفي -رضي الله عنه- 44 هجريه الموفق 676 م. عاش 64 عاما. ¬

_ (¬1) سورة المائدة آية رقم54. (¬2) أخرج مسلم (793). (¬3) البخاري 7/ 363 ومسلمٌ (2704).

في العام الخامس والثلاثين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام الخامس والثلاثين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

وفاة الذي يبعث أمة وحده زيد بن عمرو بن نفيل

وفاة الذي يبعث أمة وحده زيد بن عمرو بن نفيل قال ابن إسحاق وأما زيد بن عمرو بن نفيل فوقف فلم يدخل في يهودية ولا نصرانيه وفارق دين قومه فاعتزل الأوثان والميتة والدم والذبائح التي تذبح على الأوثان ونهى عن قتل الموؤده وقال أعبد رب إبراهيم وبادي قومه بعيب ما هم عليه. حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن أمه أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل شيخًا كبيرًا مسندًا ظهره إلى الكعبة وهو يقول يا معشر قريش والذي نفس زيد بن عمرو بيده ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري ثم يقول اللَّهم لو أني أعلم أي الوجوه أحب إليك عبدتك به ولكني لا أعلمه ثم يسجد على راحته. وقال زيد بن عمرو بن نفيل في فراق دين قومه، وما كان لقي منهم في ذلك: أربًا واحدًا أم ألف رب ... أدين إذا تقسمت الأمور عزلت اللات والعزى جميعًا ... كذلك يفعل الجلد الصبور فلا العزى أدين ولا ابنتيها ... ولا صنمي بني عمرو أزور ولا هبلا أدين وكان ربا ... لنا في الدهر إذ حلمي يسير عجبت وفي الليالي معجبات ... وفي الأيام يعرفها البصير بأن الله قد أفنى رجالًا ... كثيرًا كان شأنهم الفجور وأبقى آخرين ببر قوم ... فيربل منهم الطفل الصغير وبينا المرء يفتر ثاب يوما ... كما يتروح الغصن المطير ولكن أعبد الرحمن ربي ... ليغفر ذنبي الرب الغفور فتقوى الله ربكم أحفظها ... متى ما تحفظوها لا تبوروا ترى الأبرار دارهم جنان ... وللكفار حامية سعير وخزي في الحياة وإن يموتوا ... يلاقوا ما تضيق به الصدور قلت توفي زيد بن عمرو بن نفيل قبل المبعث بخمس سنين أي في عام 19 قبل الهجرة الموافق 615 م. ¬

_ المرجع سيرة ابن هشام ص223 ج1 - 2.

في العام السادس والثلاثين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام السادس والثلاثين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد حبيب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم معاذ بن جبل الخزرجي الأنصاري (رضي الله عنه)

مولد حبيب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم معاذ بن جبل الخزرجي الأنصاري (رضي الله عنه) أحد من حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب في عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم خذوا القرآن من أربعة من ابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة. أخرج أحمد في مسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدها في دين الله عمر وأصدقها حياء عثمان وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ وأفرضهم زيد ولكل أمه أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة. (¬1) عن معاذ بن جبل قال لقيني النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقال يا معاذ إني لأحبك في الله قلت وأنا والله يا رسول الله أحبك في الله قال أفلا أعلمك كلمات تقولهن دبر كل صلاة رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. روى موسى بن علي بن رباح عن أبيه قال خطب عمر الناس بالجابية من أراد الفقه فليأت معاذ بن جبل. (¬2) وعن أبي سلمة الخولاني قال دخلت مسجد حمص فإذا فيه نحو من ثلاثين كهلًا من الصحابة فإذا فيهم شاب أكحل العينين براق الثنايا ساكت فإذا امترى القوم أقبلوا عليه فسألوه فقلت من هذا قيل معاذ بن جبل فوقعت محبته في قلبي. (¬3) ولد -رضي الله عنه- عام 18 قبل الهجرة الموافق 616 م. مات بالطاعون -رضي الله عنه- 18 هجرية الموافق 651م. عاش 36 عامًا. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد 3/ 184. (¬2) أخرجه الحاكم ووافقه الذهبي 3/ 371. (¬3) أخرجه الحاكم 3/ 269.

في العام السابع والثلاثين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام السابع والثلاثين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد أول ملوك الإسلام معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنه)

مولد أول ملوك الإِسلام معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنه) كاتب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأمير المؤمنين أبو عبد الرحمن القرشي الأموي المكي. أخرج أحمد في مسنده أن معاوية أخذ الإداوة وتبع بها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فرفع رأسه إليه وقال يا معاوية إن وليت أمرًا فاتق الله واعدل فما زلت أظن أني مبتلى بعمل لقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حتى ابتليت. (¬1) عن أبي الدرداء قال ما رأيت أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من أميركم هذا يعني معاوية. أخرج أحمد في مسنده عن عبد الرحمن بن أبي عميرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول لمعاوية اللَّهم اجعله هاديًا مهديا واهد به. (¬2) وحدث الصحابي عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال لمعاوية (اللَّهم علمهُ الكتاب والحساب وقه العذاب). (¬3) عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية بن أبي سفيان عام حج وهو على المنبر وهو يقول وتناول قصة من شعر كانت بيد حرسي أين علماؤكم. سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم (¬4). ولد -رضي الله عنه- عام 17 قبل الهجرة الموافق 617 م. توفي -رضي الله عنه- عام 60 هجرية الموافق 691 م. عاش 77 عامًا. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد 4/ 101. (¬2) أخرجه أحمد 4/ 216. (¬3) رواه أحمد 4/ 127. (¬4) أخرجه أحمد 4/ 95.

في العام الثامن والثلاثين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام الثامن والثلاثين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد من استغفر له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم خمس وعشرين مرة جابر بن عبد الله الخزرجي الأنصاري (رضي الله عنه)

مولد من استغفر له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم خمس وعشرين مرة جابر بن عبد الله الخزرجي الأنصاري (رضي الله عنه) الإمام الكبير المجتهد الحافظ المفتي أبو عبد الله الأنصاري الخزرجي من أهل بيعة الرضوان وكان آخر من شهد ليلة العقبة الثالثة موتًا. عن جابر بن عبد الله قال سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول (إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فإذا أدخل المؤمن قبره وتولى عنه أصحابه جاء ملك شديد الانتهار فيقول له ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول المؤمن أقول: إنه رسول الله وعبده فيقول له الملك انظر إلى مقعدك الذي كان في النار قد أنجاك الله منه وأبدلك بمقعدك الذي ترى من النار مقعدك الذي ترى من الجنة فيراهما كلاهما فيقول المؤمن دعوني أبشر أهلي فيقال له أسكن وأما المنافق فيقعد إذا تولى عنه أهله فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول لا أدري أقول ما يقول الناس فيقال له لا دريت هذا مقعدك الذي كان لك من الجنة قد أبدلت مكانه مقعدك من النار. قال جابر فسمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول يبعث كل عبد في القبر على ما مات. المؤمن على إيمانه والمنافق على نفاقه. (¬1) ولد -رضي الله عنه- عام 16 قبل الهجرة الموافق 618 م. توفي -رضي الله عنه- عام 78 هجرية الموافق 708 م. عاش 94 عامًا. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد 3/ 346

في العام التاسع والثلاثين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام التاسع والثلاثين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد من كان منزلته الفردوس الأعلى حارثة بن سراقه بن الحارث النجاري الخزرجي الأنصاري

مولد من كان منزلته الفردوس الأعلى حارثة بن سراقه بن الحارث النجاري الخزرجي الأنصاري شهد بدر مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأمه الرُبيّع بنت النضر عمه أنس بن مالك قتله حِبان بن العَرِقه ببدر شهيدًا رماه بسهم وهو يشرب من الحوض فأصاب حنجرته فقتله وكان خرج نظارًا (¬1) وهو غلام ولم يعقب (¬2). حدثني عبد الله بن محمَّد حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا أبو إسحاق عن حميد قال سمعت أنساً -رضي الله عنه- يقول: "أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام، فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقالت: يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع فقال: ويحك -أوهبلت- أوجنة واحدة هي؟ إنها جنان كثيرة وإنه في جنة الفردوس". (¬3) عن عبادة بن الصامت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين الأرض والسماء والفردوس أعلاها درجة ومنها تفجر أنهار الجنة الأربعة ومن فوقها يكون العرش فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس. (¬4) وهي التي أكرمها الله سبحانه وتعالى بعدم القصاص منها روى الإمام البخاري عن أنس بن مالك يحدث عن عمه أنس بن النضر قال: "إن أخته -وهي تسمى الرُبيّع- كسرت ثنية (¬5) امرأة فأمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بالقصاص فقال أنس: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها فرضوا بالأرش (¬6) وتركوا ¬

_ (¬1) نظارًا: هم الذين يشاهدون القتال على مرتفع من الأرض ولا يشاركون الناس. (¬2) يعقب: أي لم يكن له نسل. (¬3) رواه البخاري [3982]. (¬4) رواه الترمذيُّ 2530 وصححه الألباني. (¬5) الثنية: إحدى أربع أسنان في وسط مقدم الفم. (¬6) الأرش: تعويض عن الجرح والكسر نقودًا.

القصاص فقال: رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره. (¬7) ولد -رضي الله عنه- عام 15 ق. هـ الموافق لعام 619. قتل ببدر شهيدًا عام 2 هـ. ¬

_ (¬7) رواه البخاري [2805].

في العام الأربعين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام الأربعين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

وفاة الذي له جنتين في الآخرة ورقة بن نوفل الأسدي

وفاة الذي له جنتين في الآخرة ورقة بن نوفل الأسدي قال ابن إسحاق واجتمعت قريش يومًا في عيد لهم عند صنم من أصنامهم كانوا يعظمونه وينحرون له ويعكفون عنده ويديرون به وكان ذلك عيدًا لهم في كل سنة يومًا فخلص منهم أربعة نفر نجيا ثم قال بعضهم لبعض تصادقوا وليكتم بعضكم على بعض قالوا أجل وهم: ورقة بن نوفل بن أسد وعبيد الله بن جحش بن رئاب وعثمان بن الحويرث بن أسد وزيد بن عمرو بن نفيل فقال بعضهم لبعض تعلموا والله ما قومكم على شيء لقد أخطئوا دين أبيهم إبراهيم ما حجر نطيف به لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع يا قوم التمسوا لأنفسكم دينًا فإنكم والله ما أنتم على شيء فتفرقرا في البلدان يلتمسون الحنيفية دين إبراهيم. فأما ورقة بن نوفل فاستحكم في النصرانية وأتبع الكتب من أهلها حتى علم علمًا من أهل الكتاب. عن عائشة -رضي الله عنها- أن خديجة -رضي الله عنها- سألت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن ورقة بن نوفل فقال رأيته في المنام فرأيت عليه ثياب بياض فأحسبه لو كان من أهل النار لم يكن عليه ثياب بياض. (¬1) عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم سئل عن ورقة بن نوفل فقال أبصرته في بطنان الجنة عليه سندس. (¬2) روى البزار عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة كان بين أخي ورقة وبين رجل كلام فوقع الرجل في ورقة ليغضبه فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أشعرت إني رأيت لورقة جنة أو جنتين ونهى عن سبه. (¬3) قلت توفي ورقة بن نوفل في فترة الوحي أي في عام 14 قبل الهجرة الموافق 620 م. ¬

_ (¬1) مسند أحمد 6/ 65 قال ابن كثير وهذا إسناده حسن. (¬2) مسند أبي يعلى 2/ 299. (¬3) كشف الأستار 3/ 281 قال ابن كثير وهذا إسناده جيد.

في العام الواحد والأربعين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

في العام الواحد والأربعين لمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان

مولد أول من كتب الأحاديث النبوية بيده في صحيفته الصادقة

مولد أول من كتب الأحاديث النبوية بيده في صحيفته الصادقة عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي الإمام الحبر العابد صاحب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وابن صاحبه هاجر مع أبيه في شهر صفر من العام الثامن للهجرة. عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده قال قلت يا رسول الله أكتب ما أسمع منك قال نعم قلت في الرضى والغضب قال نعم فإني لا أقول إلا حقًا. (¬1) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أكثر حديثا مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب. عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بيتي هذا فقال يا عبد الله ألم أخبر أنك تكلفت قيام الليل وصيام النهار قلت إني لا أفعل فقال إن من حسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام فالحسنه بعشر أمثالها فكأنك قد صمت الدهر كله قلت يا رسول الله إني أجد قوة وإني أحب أن تزيدني فقال فخمسة أيام قلت إني أجد قوة قال سبعة أيام فجعل يستزيده ويزيده حتى بلغ النصف وأن يصوم نصف الدهر (جاء في رواية أخرى صم يومًا وأفطر يومًا صوم أخي داود -عليه السلام-). إن لأهلك عليك حقًا وإن لعبدك عليك حقًا وإن لضيفك عليك حقًا فكان بعدما كبر وأسن يقول ألا كنت قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أحب إليّ من أهلي ومالي. (¬2) ولد عام 13 قبل الهجرة الموافق 621 م. توفي -رضي الله عنه- 65 هجرية الموافق 696 م. عاش 78 عامًا. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد 2/ 207، 215. (¬2) أخرجه أحمد 2/ 200 بإسناد حسن. المرجع سير أعلام النبلاء ج3 ص75.

نزول القرآن الكريم على رسول رب العالمين محمد (صلى الله عليه وسلم)

نزول القرآن الكريم على رسول رب العالمين محمَّد (صلى الله عليه وسلم)

مقدمات النبوة ونزول الوحي

مقدمات النبوة ونزول الوحي تسليم الحجر والشجر على النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الملك بن عبيد الله بن أبي سفيان بن العلاء بن جارية الثقفي، وكان واعية، عن بعض أهل العلم، أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم -حين أراده الله بكرامته، وابتدأه بالنبوة- كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى تحسر عنه البيوت، ويفضي إلى شعاب، مكة وبطون أوديتها، فلا يمر رسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليكم يا رسول الله، قال: فيلتفت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حوله وعن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى إلَّا الشجر والحجارة، فمكث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كذلك يرى ويسمع ما شاء الله أن يمكث، ثم جاءه جبريل بما جاءه من كرامة الله وهو بحراء في شهر رمضان (¬1). روى مسلم بسنده عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "إني لأعرف حجرًا بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن" (¬2). روى أحمد بسنده عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: إن بمكة لحجرًا كان يسلم عليّ ليالي بعثت، إني لأعرفه إذا مررت به" (¬3). روى الترمذيُّ بسنده عن علي بن أبي طالب قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بمكة، فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله جبلٌ ولا شَجرٌ إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله (¬4). ¬

_ (¬1) رواه ابن هشام ج 1/ 252. (¬2) رواه مسلم ج 4/ 1782. (¬3) رواه أحمد ج5/ 105. (¬4) رواه الترمذيُّ ج5/ 593.

أخبرنا محمَّد بن عمر قال: حدثني إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: فبينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، على ذلك وهو بأجياد إذ رأى ملكًا واضعًا إحدى رجليه على الأخرى في أفق السماء يصيح: يا محمَّد، أنا جبريل، يا محمَّد، أنا جبريل، فذُعر رسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من ذلك وجعل يراه كلمّا رفع رأسه إلى السماء، فرجع سريعًا إلى خديجة فأخبرها خبره وقال: يا خديجة والله ما أبغضت بغض هذه الأصنام شيئًا قط ولا الكهان وإني لأخشى أن أكون كاهنًا، قالت: كلا يا ابن عم لا تقل ذلك، فإن الله لا يفعل ذلك بك أبدًا، إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتؤدي الأمانة، وإن خلقك لكريم، ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل، وهي أول مرة أتته، فأخبرته ما أخبرها به الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فقال: ورقة: والله إن ابن عمك لصادق، وإن هذا لبدء نبوة، وإنه ليأتيه الناموس الأكبر، فمريه أن لا يجعل في نفسه إلَّا خيرًا. أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن عروة أن رسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: يا خديجة إني أرى ضوءًا وأسمع صوتًا، لقد خشيت أن أكون كاهنًا، فقالت: إن الله لا يفعل بك ذلك يا ابن عبد الله، إنك تصدق الحديث وتؤدي الأمانة وتصل الرحم. أخبرنا يحيى بن عباد وعفان بن مسلم قالا: أخبرنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا عمار بن أبي عمار، قال يحيى بن عباد، قال حماد بن سلمة: أحسبه عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: يا خديجة إني أسمع صوتًا وأرى ضوءًا وإني أخشى أن يكون فيّ جنن، فقالت: لم يكن الله ليفعل بك ذلك يا ابن عبد الله، ثم أتت ورقة بن نوفل فذكرت له ذلك، فقال: إن يك فهذا ناموس مثل ناموس موسى، فإن يبعث وأنا حيّ فسأعزّوه وأنصره وأومن به (¬1). ¬

_ (¬1) طبقات ابن سعد [1/ 194/195].

مثال على رؤى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الصادقة في منامه

مثال على رؤى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الصادقة في منامه حدثنا حسن بن موسى حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أتاه فيما يرى النائم ملكان، فقعد أحدهما عند رجليه، والآخر عند رأسه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: اضرب مثل هذا ومثل أمتِه، فقال: إن مثله ومثل أمته كمثل قوم سفر انتهوا إلى رأس مفازة، فلم يكن معهم من الزاد ما يقطعون به المفازة ولا ما يرجعون به، فبينما هم كذلك إذ أتاهم رجل في حلة حبرة، فقال: أرأيتم إن وردت بكم رياضًا معشبةً وحياضًا رواءً، أتتبعوني؟ فقالوا: نعم، قال فانطلق بهم فأوردهم رياضًا معشبةً وحياضًا رواءً، فأكلوا وشربوا وسمنوا، فقال لهم: ألم ألقكم على تلك الحال فجعلتم لي إن وردت بكم رياضًا معشبةً وحياضًا رواءً أن تتبعوني؟ فقالوا: بلى، قال: فإن بين أيديكم رياضًا أعشب من هذه وحياضًا هي أروى من هذه، فاتبعوني، قال: فقالت طائفة: صدق والله لنتبعنَّه، وقالت طائفة: قد رضينا بهذا نقيم عليه (¬1). أخبرنا الحجاج بن محمَّد الأعور عن ليث بن سعد عن خالد بن زيد عن سعيد بن أبي هلال عن جابر بن عبد الله قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فقال: رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي يقول أحدهما لصاحبه اضرب له مثلًا، فقال: اسمع سمعت أذُنُكَ -وَاعقِلْ عَقَلَ قلبُك، إنَّما مَثلُك ومثل أمّتك مثل ملك اتخذ دارًا ثم بنى فيها بيتًا ثم جعل فيها مائدة ثم بعث رسولًا يدعو الناس إلى طعامه فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من تركه، فالله هو الملك والدار هي الإِسلام والبيت الجنة، وأنت يا محمَّد الرسول من أجابك يا محمَّد دخل الإِسلام ومن دخل الإِسلام دخل الجنة ومن دخل الجنة أكل ما فيها. ¬

_ (¬1) إسنادُهُ صحيحٌ. وهو في مجمع الزوائد 8: 260 وقال: "رواه أحمد والطبرانيُّ والبزار، وإسناده حسن".

جاءه جبريل (عليه السلام) بنمط من ديباج وهو نائم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

جاءه جبريل (عليه السلام) بنمط من ديباج وهو نائم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال عبيد بن عمير: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يجاور في حراء، في كل سنة شهرًا يتحنث، وكان ذلك مما تحنث به قريش في الجاهلية -والتحنث: التبرر- فكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يجاور ذلك الشهر من كل سنة، يطعم من جاءه من المساكين، فإذا قضى جواره من شهره ذلك كان أول ما يبدأ به إذا انصرف من جواره الكعبة قبل أن يدخل بيته، فيطوف بها سبعًا أو ما شاء الله من ذلك، ثم يرجع إلى بيته. حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله به فيه ما أراد من كرامته من السنة التي بعثه فيها، وذلك الشهر (رمضان) خرج إلى حراء كما كان يخرج لجواره ومعه أهله، حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته، ورحم العباد به جاءه جبريل بأمر الله تعالى. قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: فجاءني وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب فقال: اقرأ. قلت: ما أقرأ؟. فغتني حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني فقال: اقرأ. قلت: ما أقرأ؟. فغتني حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني فقال: اقرأ. قلت: ما أقرأ؟. فغتني حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني فقال: اقرأ. قلت: ماذا أقرأ؟ ما أقول ذلك إلا افتداءً منه أن يعود لي بمثل ما صنع بي.

قال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}. فقرأتها. ثم انتهى وانصرف عني، وهببت من نومي، فكأنما كتب في قلبي كتابًا فخرجت حتى إذا كنت في وسطٍ من الجبل سمعت صوتًا من السماء يقول: يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل. فرفعت رأسي إلى السماء، فأنظر فإذا جبريل في صورة صاف قدميه في أفق السماء يقول: يا محمَّد أنت رسول الله وأنا جبريل. فوقعت أنظر إليه فما أتقدم وما أتأخر، وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء فما أنظر في ناحية منها إلا رأيته ذلك. فما زلت واقفًا ما أتقدم أمامي وما أرجع ورائي حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي، فبلغوا مكة ورجعوا إليها وأنا واقف في مكاني ذلك، ثم انصرف عني، وانصرفت راجعًا إلى أهلي حتى أتيت خديجة فجلست إلى فخذها مضيفًا إليها، فقالت: يا أبا القاسم أين كنت؟ فوالله لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا مكة ورجعوا إليّ. ثم حدثتها بالذي رأيت فقالت: أبشر يا ابن العم واثبت فوالذي نفس خديجة بيده إنّي لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة. ثم قامت فجمعت عليها ثيابها، ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل، فأخبرته بما أخبرها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقال ورقة بن نوفل: قدوس .. قدوس، والذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتني يا خديجة. لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة وقولي له فليثبت. فرجعت خديجة إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فأخبرته بقول ورقة. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم جوراه، وانصرف صنع كما يصنع، بدأ بالكعبة فطاف بها، فلقيه ورقة بن نوفل وهو يطوف بالكعبة فقال:

يا ابن أخي أخبرني بما رأيت وسمعت. فأخبره فقال له ورقة: والذي نفسي بيده، إنك لنبي هذه الأمة، ولقد جاءك الناموس الذي جاء موسى ولتكذَّبَنَّه، ولتؤذينَّه، ولتخرجنَّه، ولتقاتلنَّه، ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصرًا يعلمه. ثم أدنى رأسه منه فقبل يافوخه ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى منزله (¬1). ¬

_ (¬1) إسنادُهُ صحيحٌ، رواه إسحاق (سيرة ابن كثير-1/ 402).

نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من الوحي: الرؤيا الصالحة في النوم، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيحنث فيه، وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق -وفي رواية: حتى فجأه الحق- وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: اقرأ، قال: قلت ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني، حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني الثانية، حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني الثالثة، حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}. فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد، فقال: زملوني، زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة -وأخبرها الخبر- لقد خشيت على نفسي، فقالت له خديجة: كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نواب الحق، فانطلقت به خديجة، حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن قصي -وهو ابن عم خديجة، أخي أبيها- وكان امرءًا تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيًا إذ يخرجك قومك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

بدء الوحي

أوَمخرجي هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك حيًا أنصرك نصرًا مؤزرًا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي" (¬1). بدء الوحي وقال موسى بن عقبة عن الزهريّ عن سعيد بن المسيب قال: "وكان فيما بلغنا: أول ما رأى أن الله -عَزَّ وَجَلَّ- أراه رؤيا في المنام، فشق ذلك عليه فذكرها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لامرأته خديجة بنت خويلد بن أسد، فعصمها الله من التكذيب وشرح صدرها بالتصديق، فقالت: أبشر، فإن الله -عَزَّ وَجَلَّ- لن يصنع بك إلا خيرًا، ثم أنه خرج من عندها، ثم رجع إليها، فأخبرها أنه رأى بطنه شُقّ، ثم طهر، وغسل ثم أعيد كما كان. قالت: هذا والله خير فأبشر، ثم استعلن له جبريل -عليه السلام- وهو بأعلى مكة، فأجلسه على مجلس كريم معجب، كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول: أجلسني على بساط كهيئة الدُرنوك فيه الياقوت واللؤلؤ، فبشرّه برسالة الله -عَزَّ وَجَلَّ- حتى اطمأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فقال له جبريل -عليه السلام-: اقرأ. فقال: كيف اقرأ، قال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1 - 5]. " ... قال، فقبل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم رسالة ربه -عَزَّ وجَلَّ-، واتبع الذي جاءه به جبريل -عليه السلام- من عند الله -عَزَّ وَجَلَّ-، فلما قبل الذي جاءه من عند الله تعالى وانصرف منقلبًا إلى بيته جعل لا يمر على شجرة، ولا حجر، إلا سلم عليه. فرجع مسرورًا إلى أهله موقنًا [أنه] قد رأى أمرًا عظيمًا، فلما دخل على خديجة قال: أرأيتك الذي كنت أخبرتك أني رأيته في المنام، فإنه جبريل -عليه السلام- استعلن لي، أرسله إليّ ربّي، فأخبرها بالذي جاءه من الله -عَزَّ وجَلَّ- وما يسمع منه، فقالت: أبشر ¬

_ (¬1) رواه البخاري ومسلمٌ.

فوالله لا يفعل الله بك إلا خيرا، فاقبل الذي جاءك من الله -عَزَّ وجَلَّ- فإنه حق، وأبشر فإنك رسول الله حقًا، ثم انطلقت مكانها حتى أتت غلامًا لعتبة بن ربيعة بن عبد شمس نصرانيًا من أهل نينوى يقال عداس، فقالت له: يا عداس أذكرك بالله إلا ما أخبرتني هل عندك علم من جبريل؟ فقال عداس: قدوس .. قدوس، ما شأن جبريل يذكر بهذه الأرض التي أهلها أهل الأوثان. فقالت: أخبرني بعلمك فيه. قال فإنه أمين الله بينه وبين النبيين، وهو صاحب موسى، وعيسى عليهما السلام. فرجعت خديجة من عنده فجاءت ورقة بن نوفل. فلما وصفت خديجة لورقة حين جاءته شأن محمَّد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وذكرت له جبريل -عليه السلام-، وما جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من عند الله -عَزَّ وجَلَّ-، فقال لها ورقة: يا بنية أخي، ما أدري لعل صاحبك النبي الذي ينتظر أهل الكتاب الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل، وأقسم بالله لئن كان إياه ثم أظهر دعواه وأنا حي لأبلين الله في طاعة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وحسن مؤزراته الصبر والنصر فمات ورقة (¬1). ¬

_ (¬1) دلائل النبوة للبيهقي ج 2/ 142.

نزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

نزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [سورة البقرة آية (185)]. قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} [سورة القدر]. عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "أنزلت صحف إبراهيم أوّل ليلة من شهر رمضان، وأنزلت التوراة لستٍّ مضت من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان" (¬1). عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "أعطيت السبع الطوال مكان التوراة، وأعطيت المئين مكان الإنجيل، وأعطيت المثاني مكان الزبور وفضلت بالمفصل" (¬2). ¬

_ (¬1) الصحيحة 1575: حم، ابن عساكر. (¬2) رواه أحمد 4 ص 107.

قرن بنبوته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إسرافيل ثلاث سنين وهي مدة فترة الوحي

قرن بنبوته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إسرافيل ثلاث سنين وهي مدة فترة الوحي قال الشعبي: إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم نزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة. فقرن بنبوته إسرافيل فكان يعلمه الكلمة والشيء، ولم ينزل القرآن، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل، فنزل القرآن على لسانة عشرين سنة، عشرًا بمكة وعشرًا بالمدينة، فمات وهو ابن ثلاث وستين سنة (¬1). ¬

_ (¬1) [سنده مرسل, رواه أحمد (سيرة ابن كثير) (1/ 388)]. * كانت فترة الوحي: من بعد نزول جبريل -عليه السلام- بسورة إقراء يوم الاثنين 24/ 9/ 15ق. هـ حتى نزول سورة المدثر سنتان ونصف تقريبًا وإذا ضممنا فترة الرؤيا الصادقة وهي ستة أشهر تمت بذلك ثلاث سنوات وهي المدة التي قرن بها إسرافيل.

فترة الوحي

فترة الوحي روى بسنده عن عائشة، -رضي الله عنها-، أنها قالت بعد أن ذكرت قصة بدء الوحي: وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه، تبدى له جبريل فقال: يا محمَّد إنك رسول الله حقا، فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه، فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك. (¬1) أول ما نزل على النبي (صلى الله عليه وسلم) من القرآن بعد فترة الوحي روى بسنده عن يحيى قال: سألت أبا سلمة أي القرآن أنزل أول؟ فقال يا أيها المدثر، فقلت: أنبئت أنه اقرأ باسم ربك الذي خلق، فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد الله أي القرآن أنزل أول؟ فقال: يا أيُّها المُدَّثِرُ، فقلت: أنْبِئتُ أنّه اقرأ باسمِ ربِّكَ، فقال: لا أخبرك إلا بما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "جاورت في حراء فلما قضيت جواري هبطت فاستبطنت الوادي فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض، فأتيت خديجة فقلت دثروني وصبوا علي ماءً باردًا، وأنزل علي: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}. (¬2) روى بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال وهو يُحدِّثُ عن فترة الوحي: فقال في حديثه: "بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتًا من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسيٍّ بين السماء والأرض فرُعِبْتُ منه فرجعتُ فقلت: زمِّلوني فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ} إلى قوله: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} فحميَ الوحي وتتابع" (¬3) ¬

_ (¬1) البخاري: ج 9/ 38 كتاب باب أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصالحة. (¬2) البخاري: ج6/ 201 كتاب التفسير سورة المدثر. (¬3) البخاري: ج 1/ 4 باب كيف كان بدء الوحي إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

تحقق خديجة (رضي الله عنها) من الوحي

تحقق خديجة (رضي الله عنها) من الوحي قال ابن إسحاق: وحدثني إسماعيل بن أبي حكيم مولى آل الزبير أنه حدث عن خديجة -رضي الله عنها-، أنها قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي ابن عم، أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟ قال: "نعم". قالت: فإذا جاءك فأخبرني به، فجاءه جبريل، -عليه السلام-، كما كان يصنع، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخديجة: "يا خديجة، هذا جبريل قد جاءني". قالت: قم يا ابن عمِّ فاجلس على فخذي اليسرى، قال: فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس عليها، قالت: هل تراه؟ قال: "نعم"، قالت: فتحول فاجلس على فخذي اليمنى، قالت: فتحول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس على فخذها اليمنى، فقالت: هل تراه؟ قال: "نعم" قالت: فتحول فاجلس في حجري، قالت: فتحول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس في حجرها، قالت: هل تراه؟ قال: "نعم". قال: فتحسرت وألقت خمارها ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس في حجرها، ثم قالت له: هل تراه؟ قال: "لا" قالت: يا ابن عم أثبت وأبشر، فوالله إنه لملك، وما هذا بشيطان. قال ابن إسحاق: وقد حدثت عبد الله بن حسن هذا الحديث فقال: قد سمعت أمي فاطمة بنت حسين تحدث هذا الحديث عن خديجة، إلا أني سمعتها تقول: أدخلت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينها وبين درعها، فذهب عند ذلك جبريل، فقالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن هذا لملك وما هو بشيطان. (¬1) روى بسنده عن عائشة، -رضي الله عنها-، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان جالسًا مع خديجة يومًا من الأيام، إذ رأى شخصًا بين السماء والأرض لا يزول، فقالت خديجة: ادن مني، فدنا منها، فقالت له: أتراه؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نعم"، قالت خديجة: أدخل رأسك تحت درعي، ففعل ذلك، فقالت خديجة له: أتراه؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا، قد أعرض عني"، قالت خديجة: أبشر فإنه ملك كريم، لو كان شيطانًا ما استحيا. (¬2) ¬

_ (¬1) ابن هشام: ج 1/ 257. (¬2) دلائل أبي نعيم: ج 1/ 283.

خيره الله سبحانه وتعالى بين أن يكون ملكا نبيا أو عبدا نبيا فأختار العبودية صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

خيره الله سبحانه وتعالى بين أن يكون ملكًا نبيًا أو عبدًا نبيًا فأختار العبودية صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا عائشة لو شئت، لسارت معي جبال الذهب، جاءني ملك إن حجزته لتساوي الكعبة، فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام، ويقول: إن شئت نبيًا عبدًا، وإن شئت نبيًا ملكًا، فنظرت إلى جبريل -عليه السلام- فأشار إلي أن ضع نفسك، فقلت: نبيًا عبدًا، قالت: فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك لا يأكل متكئًا، يقول: "آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد". (¬1) جبريل (عليه السلام) يعلم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الوضوء والصلاة (أتاه جبريل -عليه السلام- في أول ما أوحي إليه، فعلمه الوضوء والصلاة، فلما فرغ من الوضوء أخذ غرفة من ماء فنضح بها فرجه). (¬2) عن أسامة بن زيد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن جبريل -عليه السلام- لما نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلمه الوضوء، فلما فرغ من وضوئه أخذ حفنة من ماء فرش بها نحو الفرج، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرش بعد وُضوئه. (¬3) فرض الصلاة عن مقاتل بن سليمان قال: فرض الله في أول الإِسلام الصلاة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي. ثم فرض الخمس ليلة المعراج. (¬4) ¬

_ (¬1) صححه الألباني في الصحيحة برقم 1002. (¬2) أخرجه ابن ماجه (1/ 172 - 173) والدارقطنيُّ (ص 41) والحاكم (3/ 217) والبيهقيُّ (1/ 161) وأحمدُ (4/ 161). (¬3) رواه أحمد (4/ 161). (¬4) عيون الأثر (ج1/ 91).

قال البيهقي: ذكر ابن لهيعة بسنده عن عروة بن الزبير قصة بدء الوحي وزاد فيها: ففتح جبريل، -عليه السلام-، عينًا من ماء فوضأ -ومحمَّد - صلى الله عليه وسلم - ينظر إليه- وجهه ويديه إلى المرفقين ومسح رأسه ورجليه إلى الكعبين، ثم نضح فرجه، وسجد سجدتين مواجهة البيت ففعل محمَّد كما رأى جبريل يفعل. (¬1) وروى بسنده عن محمَّد بن إسحاق قال: ... ثم إن جبريل، -عليه السلام-، أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين افترضت عليه الصلاة، فهمز له بعقبه في ناحية الوادي فانفجرت له عين من ماء مزن فتوضأ جبريل ومحمَّد، عليهما السلام، ثم صليا ركعتين وسجدا أربع سجدات. ثم رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أقرَّ الله عينه وطابت نفسه وجاءه ما يحب من الله فأخذ بيد خديجة حتى أتى بها العين فتوضأ كما توضأ جبريل ثم ركع ركعتين وأربع سجدات هو وخديجة ثم كان هو وخديجة يصليان سرًا. (¬2) جبريل يعلم الرسول - صلى الله عليه وسلم - الوضوء والصلاة: قال ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم: أن الصلاة حين افترضت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أتاه جبريل وهو بأعلى مكة، فهمز له بعقبه في ناحية الوادي، فانفجرت منه عين، فتوضأ جبريل -عليه السلام-، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم - ينظر إليه، ليريه كيف الطهور للصلاة، ثم توضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما رأى جبريل توضأ، ثم قام به جبريل فصلى به، وصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصلاته، ثم انصرف جبريل -عليه السلام-. الرسول - صلى الله عليه وسلم - يعلم خديجة الوضوء والصلاة: فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خديجة، فتوضأ لها ليريها كيف الطهور للصلاة، كما أراه جبريل، فتوضأت كما توضأ لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم صلى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما صلى به جبريل فصلت بصلاته. (¬3) ¬

_ (¬1) دلائل البيهقي (ج 2/ 145) (¬2) دلائل البيهقي (ج 2/ 160) (¬3) سيرة ابن إسحاق تحقيق التدمري (1/ 278).

دعوة النبي (صلى الله عليه وسلم) قومه إلى الإسلام سرا

دعوة النبي (صلى الله عليه وسلم) قومه إلى الإِسلام سرًا قال ابن إسحاق: فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر ما أنعم الله به عليه وعلى العباد من النبوة سرًا إلى من يطمئن إليه من أهله. (¬1) قال ابن إسحاق: وكان بين ما أخفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره، واستتر به إلى أن أمره الله تعالى بإظهار دينه ثلاث سنين، فيما بلغني، من مبعثه. (¬2) روى ابن سعد بأسانيده قالوا: أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة ثلاث سنين في أول نبوته مستخفيًا، ثم أعلن في الرابعة. (¬3) روى ابن سعد بسنده عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال: أُمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصدع بما جاء من عند الله، وأن ينادي الناس بأمره وأن يدعوهم إلى الله، فكان يدعو من أول ما نزلت عليه النبوة ثلاث سنين مستخفيًا إلى أن أمر بظهور الدعاء. (¬4) المسلمون الأوائل إسلام خديجة (رضي الله عنها) وبعض فضائلها: قال ابن إسحاق: ثم تَتَامَّ الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مؤمن بالله مصدِّقٌ. بما جاءه منه، قد قبله بقوة، وتحمل منه ما حمَّله، على رضا العباد وسخطهم، والنبوة أثقال ومؤنة لا يحملها, ولا يستطيع بها إلا أهل القوة والعزم من الرسل بعون الله تعالى وتوفيقه، لما يلقون من الناس، وما يُرَدُّ عليهم مما جاؤوا به عن الله سبحانه وتعالى. قال: فمضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أمر الله، على ما يلقى من قومه من الخلاف والأذى وآمنت به خديجة بنت خويلد، وصدقت بما جاءه من الله، ¬

_ (¬1) ابن هشام: ج 1/ 262. (¬2) ج 1/ 274. (¬3) ابن سعد: ج 1/ 216. (¬4) ج 1/ 199 ابن سعد.

ووازرته على أمره، وكانت أول من آمن بالله وبرسوله، وصدق بما جاء منه، فخفف الله بذلك عن نبيه - صلى الله عليه وسلم -؛ لا يسمع شيئًا مما يكرهه من ردٍّ عليه وتكذيبٍ له فيحزنه ذلك إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها: تُثبِّتُه، وتخفِّفُ عليه، وتصدقه، وتهوِّن عليه أمر الناس، رحمها الله تعالى. (¬1) روى بسنده عن ابن شهاب قال: كانت خديجة، رضي الله تعالى عنها، أول من أمن بالله، وصدَّق رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، قبل أن تُفْرضَ الصلاة. وروى بسنده عن ربيعة السعدي قال: أتيت حذيفة بن اليمان، وهو في مسجد رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فسمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: يقول: "خديجة بنت خويلد سابقة نساء العالمين إلى الإيمان بالله ومحمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم". وروى بسنده عن الزهريّ قال: كانت خديجة أول من آمن برسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، من النساء. (¬2) عن قتادة بن دعامة قال: فذكر الحديث عن خديجة -رضي الله عنها- وفيه قال: وهي أول من آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من النساء والرجال. (¬3) قال: قال محمَّد بن عمر: وأصحابنا مجمعون أن أول أهل القبلة الذي استجاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خديجة بنت خويلد. ثم اختلف عندنا في ثلاثة نفر أيهم أسلم أولًا في أبي بكر وعليٍّ وزيدِ بن حارثة. (¬4) روى ابن سعد بسنده بن الزُّهريِّ قال: مكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخديجة يصليان سِرًا ما شاء الله. (¬5) ¬

_ (¬1) ابن هشام: ج 1/ 259. (¬2) المستدرك: ج 3/ 184. (¬3) مجمع الزوائد: ج 9/ 220. (¬4) ابن سعد: ج 3/ 21. (¬5) ج 8/ 17.

أول الناس إسلاما عندما نزلت سورة المدثر

أول الناس إسلامًا عندما نزلت سورة المدثر إسماعيل بن إياس بن عفيف الكندي، عن أنس، عن جده، قال: كنت امرءًا تاجرًا، فقدمت الحج فأتيت العباس بن عبد المطلب لأبتاع منه بعض التجارة، وكان امرءًا تاجرًا فوالله إني لعنده بمنى، إذ خرج رجل من خباءٍ قريب منه، فنظر إلى الشمس فلما رآها مالت -يعني قام يصلى- قال؛ وخرجت امرأة من ذلك الخباء الذي خرج منه الرجل، فقامت خلفه تصلي، ثم خرج غلام حين راهق الحلم من ذلك الخباء، فقام معه يصلي، قال: فقلت للعباس: ما هذا يا عباس؟ قال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، ابن أخي، قال: فقلت: من هذه المرأة؟ قال: هذه امرأته خديجة بنت خويلد، قال: قلت: من هذا الفتى؟. قال: هذا علي بن أبي طالب، ابن عمه قال: فقلت: فما هذا الذي يصنع؟ قال: يصلي، وهو يزعم أنه نبي ولم يتبعه على أمره إلا امرأته وابن عمه هذا الفتى وهو يزعم أنه ستفتح عليه كنوز كسرى وقيصر، قال: فكان عفيف، وهو ابن عم الأشعث بن قيس يقول- وأسلم بعد ذلك فحسُن إسلامه: لو كان الله رزقني الإِسلام يومئذ فأكون ثالثًا مع علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-. ¬

_ كان هذا في العام الثالث لبعثة الرسول في شهر ربيع الآخر [زمن حج الجاهلية] 10 ق. هـ. كان عمر سيدنا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- حين ذاك أربعة عشر عامًا.

أول من أسلم آل بيت الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

أول من أسلم آل بيت الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم 1 - زوجته السيدة خديجة -رضي الله عنها-. 2 - بناته الأربع رضوان الله عليهم زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة. 3 - حاضنته أم أيمن الحبشية -رضي الله عنها-. 4 - زوجها زيد بن حارثة -رضي الله عنه-. 5 - ربيبه وابن عمه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-. 6 - ربيبه في حجره ابن خديجة هند بن أبي هالة. أول الناس إسلامًا برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم روى أحمد بسنده عن محمَّد بن كعب: أن أول من أسلم من هذه الأمة برسول الله خديجة وأول رجلين أسلما أبو بكر الصديق وعلي وأن أبا بكر أول من أظهر إسلامه. روى عبد الرزاق بسنده عن ابن عباس أن عليًا أول من أسلم، قال معمر: فسألت الزهري، فقال: ما علمنا أحدًا أسلم قبل زيد بن حارثة. (¬1) روى أحمد بسنده عن عبد الله قال: كان أول من أظهر إسلامه سبعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد فأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه. (¬2) ¬

_ (¬1) مصنف عبد الرزاق 5/ 325. (¬2) رواه أحمد (20/ 214) الفتح الرباني.

نشأة علي بن أبي طالب في كنف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

نشأة علي بن أبي طالب في كنف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم سبب هذه النشأة: قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد بن جبر بن أبي الحجاج قال: كان من نعمة الله على عليّ بن أبي طالب، ومما صنع الله له، وأراده به من الخير، أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثير؛ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - للعباس عمه، وكان من أيسر بني هاشم: "يا عباس: إن أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة، فانطلق بنا إليه، فلنخفف عنه من عياله: آخذ من بنيه رجلًا، وتأخذ أنت رجلًا، فنكفهما عنه؛ فقال العباس: نعم. فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا له: إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى يتكشف عن الناس ما هم فيه؛ فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عُقَيلًا فاصنعا ما شئتما- قال ابن هشام: ويقال: عقيلًا وطالبا. فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليًّا، فضمّه إليه، وأخذ العباس جعفرًا فضمه إليه، فلم يزل عليّ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بعثه الله تبارك وتعالى نبيًا، فأتبعه عليّ -رضي الله عنه-، وآمن به وصدقه؛ ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه. (¬1) إسلام على بن أبي طالب (رضي الله عنه) حديث بريدة، قال: أوحى الله تعالى إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين، وصلى عليٌّ يوم الثلاثاء. قلت: صحيح. (¬2) ¬

_ (¬1) سيرة ابن إسحاق للتدمري ج 1 ص 281. (¬2) أخرجه الحكم في المستدرك وأقره الذهبي. * قلت أسلم سيدنا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وعمره إحدى عشر سنة يوم الثلاثاء في شهر ربيع الأول.

أول صلاة صلاها علي بن أبي طالب عند إسلامه مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم العصر

أول صلاة صلاها علي بن أبي طالب عند إسلامه مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم العصر حدثنا إبراهيم بن سعيد (الجوهري، حدثنا الحسين) بن محمَّد، ثنا سليمان بن قرم عن أبي الجحَّاف، عن أبي عبد الرحيم الزَّمِنِ عن زَاذَانَ، عن عليٍّ قال: "كانت أول صلاة ركعنا فيها العصر، فقلت يا رسول الله ما هذا؟ فقال: بهذا أمرتُ". (¬1) إسلام الصديق (رضي الله عنه) عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: خرج أبو بكر الصديق يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان له صديقًا في الجاهلية، فلقيه، فقال: يا أبا القاسم، فقدت من مجالس قومك، واتهموك بالعيب لآبائها وأمهاتها. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أدعوك إلى الله جَلَّ وعَزَّ. فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كلامه أسلم أبو بكر. فانطلق عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما بين الأخشبين أحد أكثر سرورًا منه بإسلام أبي بكر. ومضى أبو بكر وراح لعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، فأسلموا. ثم جاء الغد عثمان بن مظعون، وأبو عبيدة بن الجراح، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو سلمة بن عبد الأسد، والأرقم بن أبي الأرقم، فأسلموا. [رضي الله عنهم] ". قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر: صدق وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي، فهل أنتم تاركو لي صاحبي) (¬2) قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما كلمت في الإِسلام أحدًا إلا أبى عليَّ وراجعني الكلام إلا ابن أبي قحافة فإني لم أكلمه في شيءٍ إلا قبله وسارع إليه). (أبو نعيم عن ابن عباس -رضي الله عنه-). ¬

_ (¬1) مجمع 1/ 293 رواه البزار والطبرانيُّ في الأسط. (¬2) رواه البخاري.

إسلام أمهات كبار الصحابة

إسلام أمهات كبار الصحابة عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: (أسلمت أم أبي بكر وأم عثمان، وأم طلحة، وأم الزبير، وأم عبد الرحمن بن عوف، وأم عمار بن ياسر -رضي الله عنهن). الخالدون الذين أسلموا على يد أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) محبة قريش لأبي بكر -رضي الله عنه-. قال ابن إسحاق: وكان أبو بكر رجلًا مألفًا لقومه محببًا سهلًا وكان أنسب قريش لقريش وأعلم قريش بها وبما كان فيها من خير وشر وكان رجلًا تاجرًا ذا خلق ومعروف وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر لعلمه وتجارته وحسن مجالسته فجعل يدعو إلى الله وإلى الإِسلام من وثق به من قومه ممّن يغشاه ويجلس إليه. فأسلم بدعائه: 1 - عثمان بن عفان -رضي الله عنه-. 2 - الزبير بن العوام -رضي الله عنه-. 3 - عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه-. 4 - سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-. 5 - طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه-. فجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حين استجابوا له فأسلموا وصلوا وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول فيما بلغني ما دعوت أحدًا إلى الإِسلام إلا كانت عنده كبوة ونظر وتردد إلا ما كان من أبي بكر بن أبي قحافة ما عكم عنه حين ذكرته له وما تردد فيه. (¬1) ¬

_ (¬1) سيرة ابن إسحاق ت التدمري [1/ 285].

ثم أسلم:- 1 - أبو عبيدة عامر بن الجراح. 2 - أبو سلمة بن عبد الأسد. 3 - الأرقم بن أبي الأرقم. 4 - عثمان بن مظعون. 5 - قدامة بن مظعون. 6 - عبد الله بن مظعون. 7 - عبيدة بن الحارث بن المطلب. 8 - سعيد بن زيد بن نفيل وزوجته. 9 - فاطمة بنت الخطاب. 10 - أسماء بنت أبي بكر الصديق. 11 - خباب بن الأرت. 12 - عمير بن أبي وقاص. 13 - مسعود بن القاري. 14 - سليط بن عمرو بن عبد شمس. 15 - حاطب بن عمرو بن عبد شمس. 16 - عياش بن أبي ربيعة وزوجته. 17 - أسماء بنت سلامة بن مخربه. 18 - خنيس بن حذافة بن عدي. 19 - عامر بن ربيعة العنزي. 20 - عبد الله بن جحش. 21 - أبو أحمد بن جحش. 22 - جعفر بن أبي طالب وزوجته. 23 - أسماء بنت عميس.

24 - حاطب بن الحارث وزوجته. 25 - فاطمة بنت المجلل. 26 - حطاب بن الحارث وزوجته. 27 - فكهيه بنت يسار. 28 - معمر بن الحارث بن حبيب. 29 - السائب بن عثمان بن مظعون. 30 - المطلب بن أزهر بن عبد عوف وزوجته. 31 - رملة بنت أبى عوف بن صبيره. 32 - نعيم بن عبد الله بن أسيد (النحام). 33 - عامر بن فهيرة. 34 - خالد بن سعيد بن العاص وزوجته. 35 - أمينه بنت خلف بن أسعد. 36 - أبو حذيفة بن عتبه بن ربيعه. 37 - واقد بن عبد الله بن عبد مناف النميمي. 38 - خالد بن البكير بن عبد ياليل. 39 - عامر بن البكير بن عبد ياليل. 40 - عاقل بن البكير بن عبد ياليل. 41 - إياس بن البكير بن عبد ياليل. 42 - عمار بن ياسر. 43 - سمية بنت خباط والدة عمار. 44 - المقداد بن عمرو الكندي. 45 - صهيب بن سنان. 46 - بلال بن رباح. 47 - أم عبيس.

فضائل عثمان بن عفان (رضي الله عنه)

فضائل عثمان بن عفان (رضي الله عنه) عن عثمان -رضي الله عنه- قال: (لقد اختبأت عند الله عشرًا: إني لرابع الإِسلام، وقد زوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنته، ثم ابنته، وقد بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي هذه اليمنى فما مسست بها ذكري، ولا تغنيتُ ولا تمنيت ولا شربت خمرًا في جاهلية ولا إسلامٍ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من يشتري هذه الربعة ويزيدها في المسجد وله بيت في الجنة! فاشتريتها وزدتها في المسجد) (¬1). (¬2) عن عبيد الله بن عدي بن الخيار أن عثمان -رضي الله عنه- قال: (إن الله بعث محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالحق، فكنت ممّن استجاب لله ولرسوله وآمنت بما بعث به، وهاجرت الهجرتين جميعًا ونلت صهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فوالله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله، وصليت القبلتين كلتيهما وتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عني راض). (¬3) روى بسنده عن يزيد بن رومان قال خرج عثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله على أثر الزبير بن العرام فدخلا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعرض عليهما الإسلام، وقرأ عليهما القرآن وأنبأهما بحقوق الإسلام ووعدهما الكرامة من الله، فآمنا وصدقا، فقال عثمان: يا رسول الله قدمت حديثًا من الشام فلما كنا بين معان والزرقاء فنحن كالنيام إذا منادٍ ينادينا أيها النيام هبوا فإن أحمد قد خرج بمكة، فقدمنا فسمعنا بك وكان إسلام عثمان قديمًا قبل دخول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم. (¬4) ¬

_ (¬1) حسن- الإرواء 1594. (¬2) (ش وابن [أبي] عاصم في السنة). (¬3) (حم, خ وأبو نعيم في المعرفة). (¬4) ابن سعد ج 3/ 55.

إسلام طلحة (رضي الله عنه)

إسلام طلحة (رضي الله عنه) روى بسنده عن طلحة بن عبد الله قال: حضرت سوق بصرى، فإذا راهب في صومعته، يقول: سلوا أهل هذا المرسم أمنهم أحد من أهل الحرم، قال طلحة: قلت: نعم، أنا. فقال: هل ظهر أحمد بعد؟ قال: قلت: ومن أحمد؟ قال: ابن عبد الله بن عبد المطب، هذا شهره الذي يخرج فيه وهو آخر الأنبياء، مخرجه من الحرم، ومهاجره إلى نخل وحرةٍ وسباخٍ، فإياك أن تسبق إليه. قال طلحة: فوقع في قلبي ما قال، فخرجت سريعًا حتى قدمت مكة فقلت: هل كان من حدث؟ قالوا: نعم، محمد بن عبد الله الأمين تنبأ، وقد تبعه ابن أبي قحافة، قال: فخرجت حتى دخلت على أبي بكر، فقلت: أتَبِعْتَ هذا الرجل؟ قال: نعم، فانطلق إليه، فادخل عليه فاتبعه، فإنه يدعو إلى الحق، فأخبره طلحة بما قال الراهب فخرج أبو بكر بطلحة، فدخل به على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فأسلم طلحة، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم, بما قال الراهب، فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. (¬1) إسلام الزبير بن العوام (رضي الله عنه) حدثنا يعقوب بن حميد عن محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: هاجر الزبير بن العوام -رضي الله عنه- إلى أرض الحبشة ثم هاجر إلى المدينة. حدثنا ابن أبي شيبة عن أبو أسامة عن هشام بن عروة قال: أسلم الزبير -رضي الله عنه- وهو ابن ست عشرة سنة ولم يتخلف عن غزوة غزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقتل وهو ابن بضع وستين. (¬2) حدثنا يعقوب بن الدورقي عن معمر بن سليمان عن أبيه عن حصين عن عمرو بن جاوان ¬

_ (¬1) المستدرك: ج 3/ 369. (¬2) رواه الطبراني في الكبير 1/ 83 رقم 244. 48 - الزنيره 49 - النهدية وأختها 50 - جارية بني المؤمل

إسلام عتبة بن غزوان (رضي الله عنه)

قال: سمعت الأحنف بن قيس يقول: الزبير -رضي الله عنه- حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل بسفوان قتله بن جرموز واستعان عليه بفضالة بن حابس ونفيع. (¬1) إسلام عتبة بن غزوان (رضي الله عنه) روى الحاكم بسنده عن خالد بن عمير العدوي قال خطبنا عتبة بن غزوان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن الدنيا آذنت بصرم وولت حذاء وإنما بقي منها صبابة كصبابة الإناء يصطبها صاحبها وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها فانتقلوا منها بخير ما يحضركم فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفير جهنم فيهوى بها سبعين عاما وما يدرك لها قعرا فوالله لتملأنه أفعجبتم وقد ذكر لنا أن مصراعين من مصاريع الجنة بينهما أربعون سنة وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام ولقد رأيتني وأني لسابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا وإني التقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن أبي وقاص فارس الإسلام فاتزرت بنصفها واتزر سعد بنصفها وما أصبح منا اليوم أحد حي إلا أصبح أمير مصر من الأمصار وإنني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيمًا وعند الله صغيرًا أو أنها لم تكن نبوة قط إلا تناقصت حتى يكون عاقبتها ملكا وستجربون أو ستبلون الأمراء بعدي* صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه* (¬2) إسلام سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) عن سعد -رضي الله عنه- قال: (رأيت في المنام قبل أن أسلم بثلاث كأني في ظلمة لا أبصر شيئًا، إذ أضاء لي قمرٌ فاتبعته، فكأني أنظر إلى من سبقني إلى ذلك القمر، فأنظر إلى زيد بن حارثة، وإلى علي بن أبي طالب، وإلى أبي بكر -رضي الله عنهم-، وكأني ¬

_ (¬1) رواه أبو نعيم في المعرفة 1/ 350 رقم 422 من طريق المصنف، وأخرجه ابن عساكر في تاريخه 6/ق 2 ص 195، وانظر قصة قتله في طبقات ابن سعد 3/ 111 وتاريخ الفسوي 3/ 311. (¬2) رواه مسلم (2967).

إسلام خالد بن سعيد بن العاص (رضي الله عنه)

أسألهم: متى انتهيتم إلى ها هنا؟ قالوا: الساعة، وبلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى الإسلام مستخفيًا، فلقيته في شعب أجياد وقد صلى العصر، فقلت: إلى ما تدعو؟ قال: تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمدًا رسول الله، فما تقدمني أحدٌ إلا هم). حدثني إسحاق أخبرنا أبو أسامة حدثنا هاشم قال سمعت سعيد بن المسيب قال سمعت أبا إسحاق سعد بن أبي وقاص يقول "ما أسلم أحد إلا في اليوم الذي أسلمت فيه، ولقد مكثت سبعة أيام وإيى لثلث الإسلام". (¬1) إسلام خالد بن سعيد بن العاص (رضي الله عنه) عن موسى بن عقبة قال: (سمعت أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص - رضي الله عنه - تقول: لما كان قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم -، بينا خالد بن سعيد - رضي الله عنه - ذات ليلة نائم، قال: رأيت كأنه ملأ مكة ظلمةٌ، حتى لا يبصر امرؤٌ كفه، فبينا هو كذلك إذ خرج نور علا في السماء، فأضاء في البيت، ثم أضاء مكة كلها, ثم إلى نجد، ثم إلى يثرب فأضاءها، حتى أني لأنظر إلى البسر في النخل، قال: فاستيقظت، فقصصتها على أخي عمرو بن سعيد، وكان جزل الرأي، فقال: يا أخي! إن هذا الأمر يكون في بني عبد المطب، ألا ترى أنه خرج من حفيرة أبيهم؟ قال خالد: فإنه لما هداني الله به إلى الإسلام، قالت أم خالد: فأول من أسلم أبي، وذلك أنه ذكر رؤياه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا خالد! أنا والله ذلك النور، وأنا رسول الله، فقص عليه ما بعثه الله به، فأسلم خالد، وأسلم عمرٌو بعده. (¬2) أخبرنا عليّ بن محمد عن سعيد بن خالد وغيره عن صالح بن كيسان أن خالد بن سعيد قال: رأيت في المنام قبل مبعث النبي، - صلى الله عليه وسلم -، ظلمة غشيت مكة حتى ما أرى جبلًا ولا سهلا. ثم رأيت نورًا يخرج من زمزم مثل ضوء المصباح كلما ارتفع ¬

_ (¬1) رواه البخاري. (¬2) الدارقطني في الأفراد وابن عساكر في تاريخ دمشق.

عظم وسطع حتى ارتفع فأضاء لي أول ما أضاء البيت، ثم عظم الضوء حتى ما بقي من سهل ولا جبل إلا وأنا أراه، ثم سطع في السماء، ثم انحدر حتى أضاء لي نخل يثرب فيها البسر، وسمعت قائلا يقول في الضوء: سبحانه سبحانه تمت الكلمة وهلك ابن مارد بهضبة الحصى بين أذْرُحَ والأكمة، سعدت هذه الأمة، جاء نبي الأميين، وبلغ الكتاب أجله، كذبته هذه القرية، تعذب مرتين، تتوب في الثالثة، ثلاث بقيت، ثنتان بالمشرق وواحدة بالمغرب (¬1)، فقصها خالد بن سعيد على أخيه عمرو بن سعيد، فقال: لقد رأيت عجبًا وإني لأرى هذا أمرًا يكون في بني عبد المطلب إذ رأيت النور خرج من زمزم. (¬2) روى الحاكم بسنده عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان قال كان إسلام خالد قديمًا وكان أول أخوته أسلم قبل وكان بدؤ إسلامه أنه رأى في النوم أنه وقف به على شفير النار كأن أباه يدفعه منها ويرى أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم آخذ بحقويه لا يقع ففزع من نومه فقال أحلف بالله أن هذه لرؤيا حق فلقي أبا بكر ابن أبي قحافة فذكر ذلك له فقال أبو بكر أريد بك خيرًا هذا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فاتبعه فإنك ستتبعه وتدخل معه في الإسلام والإسلام يحجزك أن تدخل فيها وأبوك واقع فيها فلقي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وهو بأجياد فقال يا محمد إلى ما تدعو فقال أدعو إلى الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله وتخلع ما كنت عليه من عبادة حجر لا يضر ولا ينفع "ولا يدرى من عبده ممّن لم يعبده قال: خالد فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) فعلم أبوه بإسلامه وأرسل في طلبه من بقي من ولده ممّن لم يسلم ورافعًا مولاه فوجدوه فأتوا به أباه أبا أحيحة فأنبه وبكته وضربه بصريمة في يده حتى كسرها على رأسه ثم قال اتبعت محمدًا وأنت ترى خلاف قومه وما جاء به من عيب آلهتهم وعيبه من مضى من آبائهم فقال خالد قد صدق والله واتبعته فغضب أبوه ¬

_ (¬1) ثنتان بالمشرق خروج الدجال ويأجوج ومأجوج وواحدة بالمغرب طلوع الشمس من مغربها. (¬2) ابن سعد ج 1/ 166.

أول من أسلم من الضعفاء الأرقاء رضوان الله عليهم

أبو أحيحة ونال منه وشتمه ثم قال اذهب يا لكع حيث شئت والله لأمنعنك القوت فقال خالد إن منعتني فإن الله -عَزَّ وجَلَّ- يرزقنى ما أعيش به فأخرجه وقال لبنيه لا يكلمه أحد منكم إلا صنعت به ما صنعت به فانصرف خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فكان يكرمه ويكون معه. (¬1) أول من أسلم من الضعفاء الأرقاء رضوان الله عليهم عن بيان عن وبرة عن همام بن الحارث قال: قال عمار بن ياسر: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر. (¬2) قال الحافظ في الفتح (7: 24) الأعبد: هم. 1 - بلال بن رباح. 2 - زيد بن حارثة. 3 - عامر بن فهيرة . 4 - أبو فكيهه. 5 - شقران أو عمار بن ياسر. أما المرأتان فخديجة وأم أيمن أو سمية. وأخرج ابن أبي شيبة عن هشام بن عروة عن أبيه قال: أعتق أبو بكر ممّن كان يعذب سبعة: 1 - عامر بن فهيرة. 2 - بلال بن رباح. 3 - زنيرة. 4 - أم عبيس. 5 - النهدية وأختها. 6 - جارية بني عمرو بن المؤمل (¬3) وبإسناده عن عروة: أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- أعتق ممّن كان يعذب في الله (سبعة فذكرهم وذكر منهم الزنيرة قال فذهب بصرها- وكانت ممّن يعذب في الله). ¬

_ (¬1) مستدرك الحاكم ص 248 ج 3. (¬2) رواه البخاري 7: 18. (¬3) المصنف (12/ 10).

ذكر شيء من أخبار أمية بن أبي الصلت الثقفي، كان من شعراء الجاهلية وقد أدرك زمن الإسلام

ذكر شيء من أخبار أمية بن أبي الصلت الثقفي، كان من شعراء الجاهلية وقد أدرك زمن الإسلام قال الحافظ ابن عساكر: هو أمية بن أبي الصلت، عبد الله بن أبي ربيعة بن عوف ابن عقدة بن عزة بن عوف بن ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن، أبو عثمان، ويقال أبو الحكم الثقفي. شاعر جاهلي قدم دمشق قبل الإسلام، وقيل إنه كان مستقيماً، وإنه كان في أول أمره على الإيمان، ثم زاغ عنه، وإنه هو الذي أراده الله تعالى بقوله: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ}. (¬1) قال الزبير بن بكار: فولدت رقية بنت عبد شمس بن عبد مناف أمية الشاعر، ابن أبي الصلت، واسم أبى الصلت ربيعة بن وهب بن علاج بن أبي سلمة بن ثقيف. وقال غيره: كان أبوه من الشعراء المشهورين بالطائف، وكان أمية أشعرهم. وقال عبد الرزاق: قال الثوري: أخبرني حبيب بن أبي ثابت أن عبد الله بن عمرو قال في قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} هو أمية بن أبي الصلت. (¬2) وكذا رواه أبو بكر بن مردَوَيه، عن أبي بكر الشافعي، عن معاذ بن المثنى، عن مسدد، عن أبي عوانة عن عبد الملك بن عمير، عن نافع بن عاصم بن مسعود قال: أني لفي حلقة فيها عبد الله بن عمرو فقرأ رجل من القوم الآية التي في الأعراف {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} فقال: هل تدرون من هو؟ فقال بعضهم: هو صيفي بن الراهب ¬

_ (¬1) الذي في ابن عساكر, وقيل إنه كان نبيًا. (¬2) سيرة ابن كثير ج 1 ص 122.

وقال آخر: بل هو بلعم رجل من بني إسرائيل. فقال: لا قال فمن؟ قال هو أمية بن أبي الصلت. وهكذا قال أبو صالح والكلبي وحكاه قتادة عن بعضهم. وقال الطبراني: حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا عبد الله بن شبيب الربعي، حدثنا محمد بن مسلمة بن هشام المخزومى، حدثنا إسماعيل ابن الطريح بن إسماعيل الثقفي، حدثني أبى، عن أبيه، عن مروان بن الحكم، عن معاوية بن أبي سفيان، عن أبيه، قال: خرجت أنا وأمية بن أبي الصلت الثقفي تجارًا إلى الشام، فكلما نزلنا منزلًا أخذ أمية سفرًا له يقرؤه علينا، فكنا كذلك حتى نزلنا قرية من قرى النصارى فجاءوه وأكرموه وأهدوا له وذهب معهم إلى بيوتهم. ثم رجع في وسط النهار فطرح ثوبيه وأخذ ثوبين له أسودين فلبسهما، وقال لي: هل لك يا أبا سفيان في عالم من علماء النصارى إليه يتناهى علم الكتاب تسأله؟ قلت: لا إرب لي فيه، والله لئن حدثني بما أحب لا أثق به، ولئن حدثني بما أكره لأجدن منه. قال: فذهب وخالفه شيخ من النصارى فدخل عليَّ، فقال: ما يمنعك أن تذهب إلى هذا الشيخ؟ قلت: لست على دينه. قال: وإن، فإنك تسمع منه عجبًا وتراه. ثم قال لي: أثقفى أنت؟ قلت: لا ولكن قرشي. قال: فما يمنعك من الشيخ، فوالله إنه ليحبكم ويوصي بكم. قال فخرج من عندنا، ومكث أمية عندهم حتى جاءنا بعد هدأة من الليل، فطرح ثوبيه ثم انجدل على فراشه، فوالله ما نام ولا قام. حتى أصبح كئيبًا حزينا ساقطًا غبوقه على صبوحه، ما يكلمنا ولا نكلمه. ثم قال: ألا ترحل؟ قلت: وهل بك من رحيل؟ قال نعم. فرحلنا فسرنا بذلك ليلتين، ثم قال في الليلة الثالثة: ألا تحدث يا أبا سفيان؟ قلت وهل بك من حديث؟ والله ما رأيت مثل الذي رجعت به من عند صاحبك. قال: أما إن ذلك لشيء لست فيه، إنما ذلك لشيء وجلت منه من منقلبي. قلت وهل لك من منقلب؟ قال: إي والله، لأموتن ثم لأحيين. قال: قلت: هل أنت قابل أماني؟ (1) قال: على ماذا؟ قلت على أنك لا تبعث ولا تحاسب.

قال: فضحك ثم قال: بلى والله يا أبا سفيان، لنبعثن ثم لنحاسبن وليدخلن فريق الجنة وفريق النار. قلت: ففي أيهما أنت أخبرك صاحبك؟ قال لا علم لصاحبي بذلك، لا في ولا في نفسه. قال: فكنا في ذلك ليلتين، يعجب مني وأضحك منه، حتى قدمنا غوطة دمشق، فبعنا متاعنا وأقمنا بها شهرين. فارتحلنا حتى نزلنا قريةً من قرى النصارى، فلما رأوه جاءوه وأهدوا له وذهب معهم إلى بيعتهم، فما جاء إلا بعد منتصف النهار، فلبس ثوبيه وذهب إليهم، حتى جاء بعد هدأة من الليل، فطرح ثوبيه ورمى بنفسه على فراشه، فوالله ما نام ولا قام. وأصبح حزينا كئيبا لا يكلمنا ولا نكلمه، ثم قال: ألا ترحل؟ قلت: بلى إن شئت. فرحلنا كذلك من بثه وحزنه ليالي، ثم قال لي: يا أبا سفيان، هل لك في المسير لنتقدم أصحابنا؟ قلت: هل لك فيه؟ قال نعم. فسرنا حتى برزنا من أصحابنا ساعة، ثم قال: هيا صخر. فقلت. ما تشاء؟ قال حدثني عن عتبة بن ربيعة، أيجتنب المظالم والمحارم؟ قلت: إي والله. قال: ويصل الرحم ويأمر بصلتها؟ قلت: إي والله. قال: وكريم الطرفين وسط في العشيرة؟ قلت: نعم. قال: فهل تعلم قرشيًا أشرف منه؟ قلت: لا والله، لا أعلم. قال: أمحوج هو؟ قلت: لا بل هو ذو مال كثير. قال: وكم أتى عليه من السن؟

فقلت: قد زاد على المائة. قال: فالشرف والسن والمال أزرين به. قلت: ولم ذاك يزرى به، لا والله بل يزيده خيرًا. قال: هو ذاك، هل لك في المبيت؟ قلت: لي فيه. قال فاضطجعنا حتى مر الثقل. قال: فسرنا حتى نزلنا في المنزل وبتنا به ثم ارتحلنا منه. فلما كان الليل قال لي: يا أبا سفيان. قلت: ما تشاء؟ قال هل لك في مثل البارحة. قلت: هل لك فيه؟ قال: نعم. فسرنا على ناقتين بختيتين، حتى إذا برزنا قال: هيا صخر، هيه عن عتبة بن ربيعة. قال قلت: هِيهًا فيه. قال: أيجتنب المحارم والمظالم ويصل الرحم ويأمر بصلتها؟ قلت: إي والله إنه ليفعل. قال وذو مال؟ قلت: وذو مال. قال: أتعلم قرشيًا أسود منه؟ قلت: لا والله ما أعلم. قال: كم أتى له من السن؟ قلت قد زاد على المائة. قال: فإن السن والشرف والمال أزرين به. قلت: كلا والله ما أزرى به ذلك، وأنت قائل شيئًا فقله. قال: لا، تذكر حديثي يأتي منه ما هو آتٍ. ثم قال: فإن الذي رأيت أصابني أنى جئت هذا العالم فسألته عن أشياء، ثم قلت أخبرني عن هذا النبي الذي ينتظر. قال: هو رجل من العرب. قلت: قد علمت أنه من العرب، فمن أي العرب هو؟ قال: من أهل بيتٍ تحُجُّه العرب. قلت: وفينا بيت تحجه العرب. قال: هو من إخوانكم من قريش. فأصابني والله شيء ما أصابني مثله قط، وخرج من

يدي فوز الدنيا والآخرة، وكنت أرجو أن أكون إياه. قلت: فإذ كان ما كان فصفه لي. قال: رجل شاب حين دخل في الكهولة، بَدْ أمره (أنه) يجتنب المظالم والمحارم، ويصل الرحم ويأمر بصلتها، وهو محوج كريم الطرفين متوسط في العشيرة، أكثر جنده من الملائكة. قلت: وما آية ذلك؟ قال: قد رجفت الشام منذ هلك عيسى بن مريم -عليه السلام- ثمانين رجفة، كلها فيها مصيبة، وبقيت رجفة عامة فيها مصائب. قال أبو سفيان: فقلت هذا والله الباطل، لئن بعث الله رسولًا لا يأخذه إلا مسنًا شريفًا. قال أمية: والذي حلفت به إن هذا لهكذا يا أبا سفيان، يقول إن قول النصراني حق. هل لك في المبيت؟ قلت: نعم لي فيه. قال فبتنا حتى جاءنا الثقل، ثم خرجنا حتى إذا كان بيننا وبين مكة مرحلتان (أو) ليلتان أدركنا راكب من خلفنا، فسألناه فإذا هو يقول أصابت أهل الشام بعدكم رجفة دمرت أهلها وأصابتهم فيها مصائب عظيمة. قال أبو سفيان: فأقبل على أمية فقال: كيف ترى قول النصراني يا أبا سفيان؟ قلت أرى وأظن والله أن ما حدثك به صاحبك حق. قال أبو سفيان: فقدمنا مكة، فقضيت ما كان معي، ثم انطلقت حتى جئت اليمن تاجرًا فكنت بها خمسة أشهر، ثم قدمت مكة. فبينا أنا في منزلي جاءني الناس يسلمون علي ويسألون عن بضائعهم، حتى جاءني محمد بن عبد الله وهند عندي تلاعب صبيانها، فسلم علىَّ ورحب بي، وسألني عن سفري ومقامي ولم يسألني عن بضاعته، ثم قام. فقلت لهند: والله إن هذا ليعجبني، ما من أحد من قريش له معي بضاعة إلا وقد سألني عنها، وما سألني هذا عن بضاعته. فقالت لي هند: أوما علمت شأنه. فقلت وأنا فزع: ما شأنه؟

قالت يزعم أنه رسول الله. فوقذتني، وتذكرت قول النصراني، فرجفت حتى قالت لي هند: ما لك؟ فانتبهت فقلت: إن هذا لهو الباطل، لهو أعقل من أن يقول هذا. قالت: بلى والله إنه ليقول ذلك ويدعو إليه، وإن له لصحابة على دينه. قلت: هذا هو الباطل. قال: وخرجت، فبينا أنا أطوف بالبيت إذ بي قد لقيته، فقلت له: إن بضاعتك قد بلغت كذا وكذا وكان فيها خير، فأرسل من يأخذها ولست آخذ منك فيها ما آخذ من قومي. فأبى عليَّ وقال: إذن لا آخذها. قلت: فأرسل فخذها وأنا آخذ منك مثل ما آخذ من قومي. فأرسل إلى بضاعته فأخذها وأخذت منه ما كنت آخذ من غيره. قال أبو سفيان: فلم أنشب أن خرجت إلى اليمن. ثم قدمت الطائف فنزلت على أمية بن أبي الصلت، فقال لي: يا أبا سفيان. (قلت): ما تشاء (قال): هل تذكر قول النصراني؟ فقلت أذكره وقد كان. فقال: ومن؟ (¬1) قلت: محمد بن عبد الله. قال: ابن عبد المطلب؟ قلت: ابن عبد المطلب. ثم قصصت عليه خبر هند. قال: فالله يعلم. وأخذ يتصبب عرقًا. ثم قال: والله يا أبا سفيان لعله، إن صفته لهي، ولئن ظهر وأنا حي لأطلبن من الله -عَزَّ وجَلَّ- في نصره عذرا. قال: ومضيت إلى اليمن فلم أنشب أن جاءني هنالك استهلاله، وأقبلت حتى نزلت على أمية بن أبي الصلت بالطائف فقلت: يا أبا عثمان قد كان من أمر الرجل ما قد بلغك وسمعته. ¬

_ (¬1) قلت في الكلام تقديم وتأخير فأبو سفيان عندما نزل مكة قادمًا من الشام قصت عليه زوجه هند بنت عتبة ما كان من أمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بالدعوة إلى الإِسلام سرًا، فخرج أبو سفيان إلى اليمن ومر بالطائف فأخبر أمية بن أبي الصلت بحديث هند ثم مضى إلى اليمن وفي اليمن جاءه كتاب من ولده حنظله بأن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قام بالأبطح يعلن الإِسلام فلما رجع من اليمن عرج على الطائف ونزل على أمية بن أبي الصلت فأخبره بكتاب حنظله.

فقال: قد كان لعمري. قلت: فأين أنت منه يا أبا عثمان؟ فقال: والله ما كنت لأومن برسول من غير ثقيف أبدا! قال أبو سفيان: وأقبلت إلى مكة، فوالله ما أنا ببعيد حتى جئت مكة فوجدت أصحابه يضربون ويحقرون. قال أبو سفيان: فجعلت أقول: فأين جنده من الملائكة؟ فدخلني ما يدخل الناس من النفاسة. وقد رواه الحافظ البيهقي في كتاب (الدلائل) من حديث إسماعيل بن طريح به، ولكن سياق الطبراني الذي أوردناه أتم وأطول. والله أعلم. وقال الطبراني: حدثنا بكر بن أحمد بن نفيل، حدثنا عبد الله بن شبيب، حدثنا يعقوب بن محمد الزهري، حدثنا مجاشع بن عمرو الأسدي، حدثنا ليث بن سعد، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن، عن عروة بن الزبير، عن معاوية بن أبي سفيان، عن أبي سفيان بن حرب، أن أمية بن أبي الصلت كان بغزة أو بإيلياء، فلما قفلنا قال لي أمية: يا أبا سفيان هل لك أن تتقدم على الرفقة فنتحدث؟ قلت: نعم. قال: ففعلنا. فقال لي: يا أبا سفيان إيه عن عتبة بن ربيعة؟ قلت: كريم الطرفين. [قال]: ويجتنب المحارم والمظالم؟ قلت: نعم. قال: وشريف مسن؟ قلت: وشريف مسن. قال: الشرف والسن أزريابه. فقلت له: كذبت، ما ازداد سنًا إلا ازداد شرفا. قال: يا أبا سفيان إنها كلمة ما سمعت أحدًا يقولها لي منذ تبصرت، فلا تعجل علىَّ حتى أخبرك. قال قلت: هات. قال: إني كنت أجد في كتبي نبيًا يبعث من حرتنا هذه، فكنت أظن بل كنت لا أشك أني أنا هو، فلما دارست أهل العلم إذا هو من بني عبد مناف، فنظرت في بني عبد مناف

فلم أجد أحدًا يصلح لهذا الأمر غير عتبة بن ربيعة، فلما أخبرتني بسنِّه عرفت أنه ليس به، حين جاوز الأربعين ولم يوح إليه. قال أبو سفيان: فضرب الدهر ضربه، فأوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وخرجت في ركبٍ من قريش أريد اليمن في تجارة، فمررت بأمية فقلت له كالمستهزئ به: يا أمية قد خرج النبي الذي كنت تنعته. قال: أما إنه حق فاتبعه. قلت: ما يمنعك من اتباعه؟ قال: ما يمنعني إلا الاستحياء من نساء ثقيف، إني كنت أحدثهن أني هو، ثم يرينني تابعًا لغلام من بني عبد مناف!! ثم قال أمية: كأني بك يا أبا سفيان قد خالفته ثم قد رُبِطْت كما يُرْبطَ الجَدْيُ حتى يؤتى بك إليه فيحكم فيك بما يريد.

خبر العباس وأبو سفيان

خبر العباس وأبو سفيان وقال أبو نعيم: حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا محمد بن زكريا الغلابي، حدثنا العباس بن بكار الضبي، حدثنا أبو بكر الهذلي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال العباس: خرجت في تجارة إلى اليمن في ركب - منهم أبو سفيان بن حرب، فقدمت اليمن فكنت أصنع يومًا طعامًا وأنصرف بأبي سفيان وبالنفر، ويصنع أبو سفيان يومًا، ويفعل مثل ذلك، فقال لي في يومي الذي كنت أصنع فيه: هل لك يا أبا الفضل أن تنصرف إلى بيتي وترسل إلى غداءك؟ فقلت: نعم. فانصرفت أنا والنفر إلى بيته وأرسلت إلى الغداء، فلما تغدي القوم قاموا واحتبسني. فقال: هل علمت يا أبا الفضل أن ابن أخيك يزعم أنه رسول الله؟ فقلت: أي بني أخي؟ فقال أبو سفيان: إياي تكتم؟! وأي بني أخيك ينبغي أن يقول هذا إلا رجل واحد! قلت وأيهم على ذلك؟ قال: هو محمد بن عبد الله. فقلت: قد فعل؟ قال: بلى قد فعل. وأخرج كتابًا باسمه من ابنه حنظلة بن أبي سفيان فيه: أخبرك أن محمدًا قام بالأبطح فقال: (أنا رسول أدعوكم إلى الله -عَزَّ وجَلَّ-) فقال العباس: قلت أجده يا أبا حنظلة صادقًا. فقال: مهلًا يا أبا الفضل، فوالله ما أحب أن يقول مثل هذا، إني لا أخشى أن يكون على ضير من هذا الحديث يا بني عبد المطلب، إنه والله ما برحت قريش تزعم أن لكم هِنَة وهِنَة، كل واحدة منهما غاية! لنشدتك يا أبا الفضل هل سمعت ذلك؟ قلت: نعم قد سمعت. قال فهذه والله شؤمتكم. قلت: فلعلها يُمنْتُنا. قال: فما كان بعد ذلك إلا ليال حتى قدم عبد الله بن حذافة بالخبر وهو مؤمن، ففشا ذلك في مجالس اليمن، وكان أبو سفيان يجلس مجلسًا باليمن يتحدث فيه حَبْرُ من أحبار اليهود، فقال له اليهودي: ما هذا الخبر؟ بلغني أن فيكم عمَّ هذا الرجل الذي قال ما قال؟ قال أبو سفيان: صدقوا، وأنا عمه، فقال اليهودي: أخو أبيه؟ قال: نعم. قال: فحدثني عنه.

قال: لا تسألني! ما أحب أن يدعى هذا الأمر أبدا، وما أحب أن أعيبه وغيرُه خير منه. فرأى اليهودي أنه لا يغمس عليه ولا يحب أن يعيبه. فقال اليهودي: ليس به بأس على اليهود، وتوراة موسى. قال العباس: فناداني الحَبْر، فجئت فخرجت حتى جلست ذلك المجلس من الغد، وفيه أبو سفيان بن حرب والحبر، فقلت للحبر: بلغني أنك سألتَ ابن عمى عن رجل منا زعم أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأخبرك أنه عمه، وليس بعمِّه، ولكن ابن عمه، وأنا عمه وأخو أبيه. قال أخو أبيه؟ قلت: أخو أبيه. فأقبل على أبي سفيان فقال: صدق؟ قال: نعم صدق. فقلت: سَلْني فإن كذبتُ فليردْ عليَّ. فأقبل عليَّ فقال: نَشَدْتُك هل كان لابن أخيك صَبْوة أو سَفْهة. قلت: لا وإله عبد المطلب، ولا كذب ولا خان، وإنه كان اسمه عند قريش الأمين. قال: فهل كتب بيده؟ قال العباس: فظننت أنه خيرُ له أن يكتب بيده، فأردت أن أقولها، ثم ذكرت مكان أبى سفيان يكذِّبني ويردُّ عليّ فقلت: لا يكتب. فوثب الحبر ونزل رداؤه وقال: ذُبِحت يهود، وقتلت يهود! قال العباس: فلما رجعنا إلى منزلنا، قال أبو سفيان: يا أبا الفضل، إن اليهود تفزع من ابن أخيك. قلت: قد رأيت، فهل لك يا أبا سفيان أن تؤمن به، فإن كان حقًا كنت قد سبقت، وإن كان باطلًا فمعك غيرك من أكفائك. قال: لا أومن به حتى أرى الخيل في كداء. قلت: ما تقول؟ قال: كلمة جاءت على فمي، إلا أني أعلم أن الله لا يترك خيلا تطلع من كداء. قال العباس: فلما استفتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة ونظرنا إلى الخيل وقد طلعت من كداء، قلت: يا أبا سفيان تذكر الكلمة؟!

قال: إي والله إني لذاكرها! فالحمد لله الذي هداني للإسلام. وهذا سياق حسن عليه البهاء والنور وضياء الصدق، وإن كان في رجاله من هو متكلَّم فيه. والله أعلم. (¬1) ¬

_ (¬1) سيرة ابن كثير ص 311

الأمر بإظهار الإسلام

الأمر بإظهار الإسلام بدأ بقوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ* الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [سورة الشعراء: 214 - 220] ذكر بعضهم: أنه لما نزل عليه - صلى الله عليه وسلم - قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} اشتد ذلك على النبي - صلى الله عليه وسلم - وضاق به ذرعًا، فمكث شهراً أو نحوه جالسًا في بيته حتى ظن عماته أنه شاكٍ، فدخلن عليه عائدات فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ما اشتكيت شيئًا، لكن الله أمرني بقوله: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} فأريد أن أجمع بني عبد المطب لأدعوهم إلى الله تعالى"، قلن: فادعهم ولا تجعل عبد العزى فيهم -يعنين عمه أبا لهب- فإنه غير مجيبك إلى ما تدعو إليه، وخرجن من عنده - صلى الله عليه وسلم -. قال: فلما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى بني عبد المطب فحضروا وكان فيهم أبو لهب، فلما أخبرهم. بما أنزل الله عليه أسمعه ما يكره؛ قال: تبًّا لك ألهذا جمعتنا؟ وأخذ حجرًا ليرميه به وقال له: ما رأيت أحدًا قط جاء بني أبيه وقومه بأشر ما جئتهم به. فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يتكلم في ذلك المجلس. ثم مكث - صلى الله عليه وسلم - أيامًا ونزل عليه جبريل وأمره بإمضاء أمر الله تعالى، فجمعهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثانيًا وخطبهم ثم قال لهم: "إن الرائد لا يكذب أهله، والله لو كذبت الناس جميعًا ما كذبتكم، ولو غررت الناس جميعًا ما غررتكم، والله الذي لا إله إلا هو إني لرسول الله إليكم خاصةً وإلى الناس كافة، والله لتموتنَّ كما تنامون، ولتبعثنَّ كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، ولتجزون

رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ينذر بني عبد المطلب خاصة

بالإحسان إحسانا وبالسوء سوءا، وإنها لجنةٌ أبدا أو لنارٌ أبدا، والله يا بني عبد المطب ما أعلم شابًا جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إني قد جئتكم بأمر الدنيا والآخرة". فتكلم القوم كلامًا لينًا غير أبي لهب، فإنه قال: يا بني عبد المطب، هذه والله السَّوْأَةُ خذوا على يديه قبل أن يأخذ على يديه غيركم، فإن أسلمتموه حينئذ ذللتم، وإن منعتموه قتلتم. فقالت له أخته صفية عمَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رضي الله تعالى عنها: أي أخي أيحسن بك خذلان ابن أخيك؟ فوالله ما زال العلماء يخبرون أنه يخرج من ضِئْضِئ عبد المطلب نبي؛ فهو هو. قال: هذا والله الباطل والأماني وكلام النساء في الحجال، إذا قامت بطون قريش وقامت معها العرب فما قوتنا بهم؟ فوالله ما نحن عندهم إلا أكَلَةُ رأسٍ، فقال أبو طالب: والله لنمنعه ما بقينا. ثم دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - جميع قريش وهو قائم على الصفا. (¬1) رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ينذر بني عبد المطلب خاصة عن علي -رضي الله عنه- قال: جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني عبد المطب، فيهم رهط كلهم يأكل الجذعة، ويشرب الفرق، فصنع لهم مدًا من طعام فأكلوا حتى شبعوا، وبقي الطعام كما هو كأنه لم يمس، ثم دعا بغمر فشربوا حتى رووا، وبقي الشراب كأنه لم يمس أو لم يشرب، فقال - صلى الله عليه وسلم -: يا بني عبد المطب إني بعثت لكم خاصة وإلى الناس بعامة، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم، فأيكم يبايعني على أن يكون (أخي وصاحبي). فلم يقم إليه أحد. فقمت إليه وكنت أصغر القوم. فقال: اجلس- ثلاث مرات. كل ذلك أقوم إليه فيقول لي: اجلس. حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي. (¬2) ¬

_ (¬1) الكامل لابن الأثير ج2 ص40. (¬2) رواه: الإمام أحمد في مسنده (الفتح الرباني للبنا-20/ 223) وسنده صحيح.

نادى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قريشا وأخبرهم بأن يشتروا أنفسهم وأنه لا يغني عنهم من الله شيئا

نادى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قريشًا وأخبرهم بأن يشتروا أنفسهم وأنه لا يغني عنهم من الله شيئًا قال أبو هريرة: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أنزل الله -عَزَّ وجَلَّ- {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} قال: يا معشر -أو كلمة نحوها- اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئًا، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئًا، ويا فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وسلم) سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئًا. (¬1) طريقة نداء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قريشًا عن قسامة بن زهير قال: حدثني الأشعري قال: لما نزل: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} وضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إصبعيه في أذنيه فرفع صوته فقال: "يا بني عبد مناف يا صباحاه" (¬2) هتف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بقريش وأخبرهم بأنه لا يملك لهم من الله ضرًا ولا نفعًا عن أبي هريرة قال: لما نزلت {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} جمع رسول الله صلى ¬

_ (¬1) رواه البخاري (الوصايا- 11). (¬2) رواه البخاري 4801.

أذى أم جميل امرأة أبي لهب

الله عليه وسلم قريشًا، فخص، وعم، فقال: "يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم من الله ضرًا ولا نفعا. يا معشر بني عبد مناف انقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم من الله ضرًا ولا نفعا. يا معشر بني عبد قصي انقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضرًا ولا نفعا، يا معشر بني عبد المطب انقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضرًا ولا نفعا، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لك ضرًا ولا نفعا إن لك رحمًا وسأبُلّها ببلالها". (¬1) قال ابن عباس: لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} ورهطك منهم المخلصين. خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى صعد الصفا فهتف: يا صباحاه. قالوا: من هذا الذي يهتف؟ قالوا: محمد. فاجتمعوا إليه. قال: أريتم لو أخبرتكم أن خيلًا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذبًا. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. قال أبو لهب: تبًا لك أما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام. فنزلت هذه السورة: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} (¬2) أذى أم جميل امرأة أبي لهب روى أبو يعلى بسنده عن أسماء بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنها- قالت: لما نزلت تبت يدا أبي لهب وتب جاءت أم جميل بنت أمية امرأة أبي لهب ولها ولولة وفي يدها فهر فدخلت المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس في الحجر ومعه أبو بكر -رضي الله عنه- فأقبلت وهي تلملم الفهر في يدها وتقول: مذممًا أبينا، ودينه قلينا، وأمره عصينا، قالت: فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: يا رسول الله هذه أم جميل وأنا أخشى عليك منها ¬

_ (¬1) (صحيح: م 1/ 133. خ 4771 مختصرًا). (¬2) متفق عليه واللفظ لمسلم. كتاب الإيمان. وانظر البخاري. تفسير سورة تبت.

سعي قريش في تطليق بنات الرسول من أزواجهن

وهي امرأة فلو قمت، فقال: إنها لن تراني وقرأ قرآنًا اعتصم به، ثم قرأ {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} [سورة الإسراء آية 45] قلت: فجاءت حتى وقفت على أبي بكر -رضي الله عنه- وهو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم تره فقالت: يا أبا بكر فأين صاحبك؟ قال: الساعة كان ها هنا قالت: إنه ذكر لي أنه هجاني وأيم الله إني لشاعرة وأن زوجي لشاعر ولقد علمت قريش أني بنت سيدها، قال سفيان قال الوليد في حديثه فدخلت الطواف فعثرت في مرطها فقالت: تعس مذمم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ألا ترى يا أبا بكر ما يدفع الله تعالى به عني من شتم قريش يسموني مذممًا وأنا محمد فقالت لها أم حكيم ابنة عبد المطب مهلًا يا أم جميل إني لحصان فما أكلم وثقاف فما أعلم وكلتانا من بني العم ثم قريش بعد أعلم. (¬1) سعي قريش في تطليق بنات الرسول من أزواجهن وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد زوج عتبة بن أبي لهب رقية له أو أمَّ كلثوم. فلما بادى قريشًا بأمر الله تعالى وبالعداوة، قالوا: إنكم قد فرَّغتم محمدًا من همه، فردُّوا عليه بناته، فاشغلوه بهن. فمشوا إلى أبي العاص فقالوا له: فارق صاحبتك ونحن نزوجك أيّ امرأة من قريش شئت؛ قال لا والله، إني لا أفارق صاحبتي، وما أحب أن لي بامرأتي امرأة من قريش وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يثني عليه في صهره خيرًا، فيما بلغني. ثم مشوا إلى عتبة بن أبي لهب، فقالوا له: طلق بنت محمد ونحن ننكحك أيّ امرأة من قريش شئت؛ فقال: إن زوّجتموني بنت أبان بن سعيد بن العاص، أو بنت سعيد بن العاص فارقتها. فزوجوه بنت سعيد بن العاص وفارقها، ولم يكن دخل بها؛ فأخرجها الله من يده كرامةً لها، وهوانًا له، وخلف عليها عثمان بن عفّان بعده. (¬2) ¬

_ (¬1) [تاريخ مكة للأزرقي]. قال الحافظ بن حجر في الفتح رواه أبو يعلي بإسناد حسن، الفتح (7/ 117). (¬2) سيرة ابن هشام ج 1 - 2 ص 652.

طلاق ابنتي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم رقية وأم كلثوم من عتبة وعتيبة ابني أبي لهب

طلاق ابنتي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم رقية وأم كلثوم من عتبة وعتيبة ابني أبي لهب (¬1) عن قتادة -رضي الله عنه- قال: (تزوج أم كلثوم ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عتيبة بن عبد العزى ابن أبي لهب، فلم يبن بها حتى بعث النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانت رقية ابنة النبي - صلى الله عليه وسلم - تحت عتبة أخي عتيبة، فلما أنزل الله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} قال أبو لهب لابنيه عتيبة وعتبة: رأسي من رأسكما حرام إن لم تطلقا ابنتي محمد! وسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عتبة طلاق رقية، وسألته رقية ذلك، فقالت له أمه -وهي حمالة الحطب-: طلقها يا بني! فإنها قد صبأت، فطلقها، وطلق عتيبة أم كلثوم، وجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث فارق أم كلثوم، وقال: كفرت بدينك، وفارقت ابنتك، لا تحبني ولا أحبك، ثم سطا عليه، فشق قميص النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو خارج نحو الشام تاجرًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما إني أسأل الله تعالى أن يسلط عليك كلبا! فخرج في نفر من قريش حتى نزلوا بمكان من الشام يقال له الزرقاء ليلًا، فأطاف بهم الأسد تلك الليلة، فجعل عتيبة يقول: يا ويل أمي! هو والله آكلي كما دعا محمد علي، ألا! قاتلي ابن أبي كبشة وهو بمكة وأنا بالشام، فعدا عليه الأسد من بين القوم، فأخذ برأسه فضغمه ضغمة فمزعه، فتزوج عثمان بن عفان رقية -رضي الله عنها- فتوفيت عنده، ولم تلد له). ¬

_ (¬1) قلت كان هذا الحدث في العام الرابع لبعث الرسول والعام التاسع قبل الهجرة في بداية الدعوة إلى الإِسلام جهرا.

الجهر بالإسلام

الجهر بالإسلام مبادأة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قومه، وما كان منهم أمر الله له - صلى الله عليه وسلم - بمبادأة قومه: قال ابن إسحاق: ثم دخل الناس في الإسلام أرسالًا من الرجال والنساء، حتى فشا ذكر الإسلام بمكة، وتحدث به. ثم إن الله -عَزَّ وجَلَّ- أمر رسوله- صلى الله عليه وسلم - أن يصدع بما جاءه منه، وأن يباديء الناس بأمره، وأن يدعو إليه، وكان بين ما أخفى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أمره واستتر به إلى أن أمره الله تعالى بإظهار دينه ثلاث سنين -فيما بلغني- من مبعثه؛ ثم قال الله تعالى له: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}. وقال تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216)}. [الشعراء: 214 - 216] {وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89)} [الحجر: 89]. معنى "اصدع بما تؤمر" قال ابن هشام: اصدع: افرق بين الحق والباطل. عداوة قومه ومساندة أبي طالب له قال ابن إسحاق: فلما بادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قومه بالإسلام وصدع به

الرسول (صلى الله عليه وسلم) يستمر في دعوته

كما أمره الله، لم يبعد منه قومه، ولم يردوا عليه -فيما بلغني- حتى ذكر آلهتهم وعابها؛ فلما فعل ذلك أعظموه وناكروه، وأجمعوا خلافه وعداوته، إلا من عصم الله تعالى منهم بالإسلام، وهم قليل مستخفون وحدب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمه أبو طالب، ومنعه وقام دونه، ومضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أمر الله، مظهرًا لأمره، لا يرده عنه شيء. فلما رأت قريش، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يعتبهم من شيء أنكروه عليه، من فراقهم وعيب آلهتهم، ورأوا أن عمه أبا طالب قد حدب عليه، وقام دونه فلم يسلمه لهم، مشى رجال من أشراف قريش إلى أبي طالب، عتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس. وأبو سفيان بن حرب. قال ابن إسحاق وأبو البختري، واسمه العاص بن هشام بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي. قال ابن إسحاق: والأسود بن المطلب بن أسد. وأبو جهل -واسمه عمرو، وكان يكنى أبا الحكم- بن هشام بن المغيرة. والوليد بن المغيرة. ونبيه ومنبه ابنا الحجاج بن عامر والعاص بن وائل. فقالوا: يا أبا طالب، إن ابن أخيك قد سب آلهتنا، وعاب ديننا، وسفه أحلامنا، وضلل آباءنا؛ فإما أن تكفه عنا، وإما أن تخلي بيننا وبينه، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه، فنكفيكه، فقال لهم أبو طالب قولًا رفيقًا، وردهم ردًا جميلًا، فانصرفوا عنه. الرسول (صلى الله عليه وسلم) يستمر في دعوته ومضى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - على ما هو عليه يظهر دين الله، ويدعو إليه، ثم شرى الأمر بينه وبينهم حتى تباعد الرجال وتضاغنوا، وأكثرت قريش ذكر رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بينها، فتذامروا فيه، وحضّ بعضهم بعضًا عليه. رجوع الوفد إلى أبي طالب مرة ثانية ثم إنهم مشوا إلى أبي طالب مرة أخرى، فقالوا له: يا أبا طالب، إن لك سنًا وشرفًا ومنزلةً فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا

ما دار بين رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأبي طالب

من شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تكفه عنا، أو ننازله وإياك في ذلك، حتى يهلك أحد الفريقين -أو كما قالوا له- ثم انصرفرا عنه، فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم، ولم يطب نفسًا بإسلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم ولا خذلانه. ما دار بين رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأبي طالب قال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حدث: أن قريشًا حين قالوا لأبي طالب هذه المقالة، بعث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له: يا ابن أخي، إن قومك قد جاءوني، فقالوا لي كذا وكذا، للذي كانوا قالوا له فابق علي وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق؛ فظن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قد بدا لعمه فيه بداء أنه خاذله ومسلمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه. قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه ما تركته". قال: ثم استعبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبكى ثم قام؛ فلما ولى ناداه أبو طالب فقال: أقبل يا بن أخي؛ قال: فأقبل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: اذهب يا بن أخي، فقل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيءٍ أبدا. قريش تعرض عمارة بن الوليد على أبي طالب قال ابن إسحاق: ثم إن قريشًا حين عرفوا أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإسلامه، وإجماعه لفراقهم في ذلك وعداوتهم، مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة، فقالوا له -فيما بلغني- يا أبا طالب، هذا عمارة بن الوليد، أنهد فتىً في قريش وأجمله، فخذه فلك عقله ونصره، واتخذه ولداً فهو لك، وأسلم إلينا ابن أخيك هذا، الذي قد خالف دينك ودين آبائك وفرق جماعة قومك، وسفه أحلامهم، فنقتله، فإنما هو رجل برجل؛ فقال: والله لبئس ما تسومونني، أتعطونني ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابني تقتلونه؟! هذا والله ما لا يكون أبدًا. قال: فقال المطعم بن عدي بن نوفل

بن عبد مناف بن قصي: والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك، وجهدوا على التخلص مما تكرهه، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئًا؛ فقال أبو طالب للمطعم: والله ما أنصفوني، ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم عليّ، فاصنع ما بدا لك، أو كما قال. فحقب الأمر، وحميت الحرب، وتنابذ القوم، وبادى بعضهم بعضا. شعر أبي طالب في المطعم ومن خذله: فقال أبو طالب عند ذلك، يعرض بالمطعم بن عديّ، ويعم من خذله من بني عبد مناف، ومن عاداه من قبائل قريش، ويذكر ما سألوه, وما تباعد من أمرهم: ألا قل لعمرو والوليد ومطعم ... ألا ليت حظي من حياطتكم بكر من الخور حبحاب كثير رغاؤه ... يرش على الساقين من بوله قطر تخلف خلف الورد ليس بلاحق ... إذا ما علا الفيفاء قيل له وبر أرى أخوينا من أبينا وأمنا ... إذا سئلا قالا إلى غيرنا الأمر بلى لهما أمر ولكن تجرجما ... كما جرجمت من رأس ذى علق صخر أخص خصوصا عبد شمس ونوفل ... هما نبذانا مثل ما ينبذ الجمر هما أغمزا للقوم في أخويهما ... فقد أصبحا منهم أكفُّهما صفر هما أشركا في المجد من لا أبا له ... من الناس إلا أن يرس له ذكر وتيم ومخزوم وزهرة منهم ... وكانوا لنا مولى إذا بغي النصر فوالله لا تنفك منا عداوة ... ولا منهم ما كان من نسلنا شفر فقد سفهت أحلامهم وعقولهم ... وكانوا كجفر بئس ما صنعت جفر قال ابن هشام: تركنا منها بيتين أقذع فيهما. قريش تظهر عداوتها للمسلمين: قال ابن إسحاق: ثم إن قريشًا تذامروا بينهم على من في القبائل منهم من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - الذين أسلموا معه، فوثبت كل قبيلة على من فيهم من المسلمين يعذبونهم، ويفتنونهم عن دينهم، ومنع الله رسوله- صلى الله عليه وسلم - منهم بعمه أبي طالب، وقد قام أبو طالب، حين رأى قريشًا يصنعون ما يصنعون في بني هاشم وبني المطلب، فدعاهم إلى ما هو عليه، من منع

رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، والقيام دونه؛ فاجتمعوا إليه، وقاموا معه وأجابوا إلى ما دعوهم إليه، إلا ما كان من أبي لهب، عدو الله الملعون. شعر أبي طالب في مدح قومه لنصرته: فلما رأى أبو طالب من قومه ما سره في جهدهم معه، وحدبهم عليه، جعل يمدحهم ويذكر قديمهم، ويذكر فضل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم، ومكانه منهم، ليشد لهم رأيهم، وليحدبوا معه على أمره, فقال: إذا اجتمعت يوما قريش لمفخر ... فعبد مناف سرها وصميمها وإن حصلت أشراف عبد منافها ... ففي هاشم أشرافها وقديمها وإن فخرت يومًا فإن محمدًا ... هو المصطفى من سرها وكريمها تداعت قريش غثُّها وسمينها ... علينا فلم تظفر وطاشت حلومها وكنا قديمًا لا نقرُّ ظلامة ... إذا ما ثنوا صعر الخدود نقيمها ونحمي حماها كل يوم كريهة ... ونضرب عن أحجارها من يرومها بنا انتعش العود الذواء وإنما ... بأكنافنا تندى وتنمى أرومها شعر أبي طالب في معاداة خصومه فلما خشي أبو طالب دهماء العرب أن يركبوه مع قومه، قال قصيدته التي تعوذ فيها بحرم مكة منها، وتودد فيها أشراف قومه، وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في ذلك من شعره أنه غير مسلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا تاركه لشيء أبدًا حتى يهلك دونه، فقال: ولما رأيت القوم لا ود فيهم ... وقد قطعوا كل العرى والوسائل وقد صارحونا بالعداوة والأذى ... وقد طاوعوا أمر العدو المزايل وقد حالفوا قومًا علينا أظنة ... يعضون غيظًا خلفنا بالأنامل صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة ... وأبيض عضب من تراث المقاول وأحضرت عند البيت رهطي وإخوتي ... وأمسكت من أثوابه بالوصائل قيامًا معنا مستقبلين رتاجه ... لدى حيث يقضي حلفه كل نافل وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم ... بمفضي السيول من إساف ونائل

موسمة الأعضاد أو قصراتها ... مخيَّسة بين السديس وبازل ترى الودع فيها والرخام وزينة ... بأعنافها معقودة كالعثاكل (¬1) أعوذ برب الناس من كل طاعن ... علينا بسوء أو ملح بباطل ومن كاشح يسعى لنا بمعيبة ... ومن ملحق في الدّين ما لم نحاول وثور ومن أرسى ثبيرًا مكانه ... وراق ليرقى في حراء ونازل (¬2) وبالبيت، حق البيت، من بطن مكة ... وبالله إن الله ليس بغافل وبالحجر المسودّ إذ يمسحونه ... إذا اكتنفوه (¬3) بالضحى والأصائل وموطيء إبراهيم في الصخر رطبة ... على قدميه حافيًا غير ناعل وأشواط بين المروتين إلى الصفا ... وما فيهما من صورة وتماثل (¬4) ومن حج بيت الله من كل راكب ... ومن كل ذي نذر ومن كل راجل وبالمشعر الأقصى إذا عمدوا له ... إلالٌ إلى مفضى الشراج القوابل (¬5) وتوقافهم فوق الجبال عشية ... يقيمون بالأيدي صدور الرواحل وليلة جمعٍ (¬6) والمنازل من منى ... وهل فوقها من حرمة ومنازل وجمع إذا ما المقربات أجزنه ... سراعا كما يخرجن من وقع وابل (¬7) وبالجمرة الكبرى إذا صمدوا لها ... يؤمُّون قذفًا رأسها بالجنادل وكندة إذ هم بالحصاب (¬8) عشية ... تجيز بهم حجاج بكر بن وائل حليفان شدا عقد ما احتلفا له ... وردا عليه عاطفات الوسائل ¬

_ (¬1) الودع: خرزات يتحلى بها الصبيان. والعثاكل: الأغصان. (¬2) ثور وثبير وحراء: جبال بمكة. (¬3) اكتنفوه: أحاطوا به. (¬4) الأشواط: جمع شوط، الجري من البداية إلى الغاية مرة واحدة، والمروتين: الصفا والمروة، فهو من باب التغليب كالأبوين. والتماثل أسقط ياءها ضرورة. (¬5) المشعر: عرفة. الإل: جبل بعرفات. والشراج: جمع شرج وهر مسيل الماء. والقوابل: المقابلة. (¬6) جمع: المزدلفة. (¬7) المقربات: الخيل الكريمة التى تقرب مرابطها من البيوت. الوابل: المطر الشديد. (¬8) الحصاب: مكان رمي الجمار.

وحطمهم سمر الرماح وسرحه ... وشبرقه وخد النعام الجوافل (¬1) فهل بعد هذا من معاذ لعائذ ... وهل من معيذ يتقي الله عاذل يطاع بنا أمر العدى وُدّ أننا ... تسد بنا أبواب ترك وكابل (¬2) كذبتم وبيت الله نترك مكة ... ونطعن إلا أمركم في بلابل (¬3) كذبتم وبيت الله نبزى محمدًا ... ولما نطاعن دونه ونناضل (¬4) ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل وينهض قوم في الحديد إليكم ... نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل (¬5) وحتى ترى ذا الضغن يركب ردعه ... من الطعن فعل الأنكب المتحامل (¬6) وإنا -لعمر الله- إن جد ما أرى ... لتلتبسن أسيافنا بالأماثل بكفي فتى مثل الشهاب سميدع (¬7) ... كأخي ثقة حامي الحقيقة باسل شهورًا وأيامًا وحولًا مُجرمًا (¬8) ... علينا وتأتي حجةٌ بعد قابل وما ترك قوم، لا أبالك، سيدًا ... يحوط الذِّمار غير ذرب مواكل (¬9) وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى (¬10) عصمة للأرامل يلوذ به الهلاف (¬11) من آل هاشم ... فهم عنده في رحمةٍ وفواضل ¬

_ (¬1) الحطم: الكسر. والسمر: من شجر الطلح. والسرح: الشجر العظام، والشبرق: نبات. والوخد: السريع. والجوافل: المسرعة. وفي رواية "سمر الصفاح". (¬2) ترك وكابل: جيلان من الناس. (¬3) البلابل: وساوس الهموم. (¬4) نبزى: نسلب ونغلب. (¬5) الروايا: الإبل تحمل الماء. والصلاصل: المزادات يسمع لها صلصلة. (¬6) الضغن: العداوة. ويركب ردعه: يخر على وجهه صريعا, والأنكب: المائل. (¬7) السميدع: السيد من الرجال. (¬8) المجرم: الكامل. (¬9) الذمار: الحمى. والذرب: الفاحش المنطق. المواكل: من يكل أمره إلى غيره. (¬10) ثمال اليتامى: من يتولى أمرهم ويقوم بهم. (¬11) وفي رواية "الهلاك".

لعمرى لقد أجرى أسيد وبكره ... إلى بغضنا وجزآنا لآكل وعثمان لم يربع (¬1) علينا وقنفذ ... ولكن أطاعا أمر تلك القبائل أطاعا أبيا وابن عبد يغوثهم ... ولم يرقبا فينا مقالة قائل كما قد لقينا من سبيع ونوفل ... وكل تولى معرضًا لم يجامل فإن يلقيا أو يمكن الله منهما ... نكل لهما صاعًا بصاع المكايل وذاك أبو عمرو أبى غير بغضنا ... ليظعنا في أهل شاء وجامل (¬2) يناجي بنا في كل ممسى ومصبح ... فناج أبا عمروٍ بنا ثم خاتل ويؤلي (¬3) لنا بالله ما إن يغشنا ... بلى قد نراه جهرة غير حائل أضاق عليه بغضنا كل تلعة ... من الأرض بين أخشب فمجادل (¬4) وسائل أبا الوليد ماذا حبوتنا ... بسعيك فينا معرضًا كالمخاتل وكنت أمرءًا ممّن يعاش برأيه ... ورحمته فينا ولست بجاهل فعتبة لا تسمع بنا قول كاشح ... حسودٍ كذوبٍ مبغض ذى دغاول (¬5) ومرّ أبو سفيان عني معرضًا ... كما مرّ قيل من عظام المقاول يفرُّ إلى نجدٍ وبرد مياهه ... ويزعم أني لست عنكم بغافل ويخبرنا فعل المناصح أنه ... شفيق ويخفي عارمات الدواخل (¬6) أمطعم لم أخذلك في يوم نجدة ... ولا معظم عند الأمور الجلائل ولا يوم خصم إذا أتوك ألدة ... أولي جدل من الخصرم المساجل (¬7) ¬

_ (¬1) لم يربع: لم يقم. (¬2) الجامل: جماعة الجمال. (¬3) يؤلي: يقسم. (¬4) التلعة: ما شرف من الأرض. والأخشب: أراد الأخاشب وهي جمال مكة، وجاء به على أخشب لأنه في معني أجبل، مع أن الإسم قد يجمع على حذف الزوائد ويصغر كذلك، والمجادل: القصور والحصون في رؤوس الجبال. كأنه يريد ما بين جبال مكة فقصور الشام والعراق، والفاء في مجادل تعطي الاتصال بخلاف الواو كقوله "بين الدخول فحومل". (¬5) الدغاول: الغوائل. (¬6) العارمات: الشديدات. والدواخل: التمائم. (¬7) المساجل: من يعارض في الخصومة.

أمطعم إن القوم ساموك خطة ... وإني متى أوكل فلست بوائل (¬1) جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا ... عقوبة شر عاجلًا غير آجل بميزان قسط لا يخسّ (¬2) شعيرة ... له شاهد من نفسه غير عائل (¬3) لقد سفهت أحلام قوم تبدلوا ... بني خلف قيضًا بنا والغياطل (¬4) ونحن الصميم من ذؤابة هاشم ... وآل قصيّ في الخطوب الأوائل وسهم ومخزوم تمالوا وألبوا ... علينا العدا من كل طمل (¬5) وخامل فعبد مناف أنتم خير قومكم ... فلا تشركوا في أمركم كل واغل (¬6) لعمري لقد وهنتم وعجزتم ... وجئتم بأمر مخطيء للمفاصل (¬7) وكنتم حديثا حطب قدر ... وأنتم الآن حطاب أقدر ومراجل ليهنيء بني عبد مناف عقوقنا ... وخذلاننا وتركنا في المعاقل فإن نك قومًا نتَّئر ما صنعتم ... وتحتلبوها لقحة غير باهل (¬8) وسائط كانت في لؤيّ بن غالب ... نفاهم إلينا كل صقر حلاحل (¬9) ورهط نفيل شر من وطيء الحصى ... وألأم حاف من معدّ وناعل فأبلغ قصيًا أن سينشر أمرنا ... وبشر قصيا بعدنا بالتخاذل ولو طرقت ليلًا قصيا عظيمة ... إذا ما لجأنا دونهم في المداخل ¬

_ (¬1) سامه خطة: كلفه بها. والوائل: الناجي. (¬2) يخس: ينقض ويفسد العهد. (¬3) للعائل: الحائر. (¬4) القيض: العوض. والغياطل: بنو سهم, لأن أمهم الغيطلة، وقيل: إن بني سهم سموا بالغياطيل, لأن رجلًا منهم قتل جانا، طاف بالبيت سبعًا، ثم خرج من المسجد فقتله، فأظلمت مكة، حتى فزعوا من شدة الظلمة الشديدة، والغيطلة أيضًا: الشجر الملتف، والغيطلة: اختلاط الأصوات، والغيطلة: البقرة الوحشية، والغيطلة غلبة النعاس. (¬5) الطمل: الفاحش. (¬6) الواغل: الهاجم على القوم في شرابهم ولم يدع. (¬7) مخطيء للمفاصل: بعيد عن الصواب. (¬8) نتئر: نأخذ بثأرنا. واللقحة: الناقة ذات اللب. والباهل: الناقة المباحة للحلب. (¬9) الحلاحل: السيد الشجاع.

ولو صدقوا ضربًا خلال بيوتهم ... لكنا أسى عند النساء المطافل (¬1) فكل صديق وابن أخت نعدُّه ... لعمري وجدنا غبَّه غير طائل سوى أن رهطا من كلاب بن مرة ... براء إلينا من معقّة خاذل (¬2) وهنَّا لهم حتى تبدد جمعهم ... ويحسر عنا كل باغ وجاهل وكان لنا حوض السقاية فيهم ... ونحن الكدى من غالب والكواهل (¬3) شباب من المطيبين وهاشم ... كبيض السيوف بين أيدي الصياقل فما أدركوا ذحلا ولا سفكوا دمًا ... ولا حالفوا إلا شرار القبائل بضرب ترى الفتيان فيه كأنهم ... ضواري أسود فوق لحم خرادل (¬4) بني أمة محبوبة هندكية (¬5) ... بني جمح عبيد قيس بن عاقل ولكننا نسل كرام لسادة ... بهم نعي الأقوام عند البواطل ونعم ابن أخت القوم غير مكذب ... زهير حسامًا مفردًا من حمائل أشم من الشم البهاليل ينتمي ... إلى حسب في حومة المجد فاضل لعمري لقد كلفت وجدًا بأحمد ... وإخوته دأب المُحبِّ المواصل فلا زال في الدنيا جمالًا لأهلها ... وزينا لمن والاه رب المشاكل فمن مثله في الناس أي مؤمل ... إذا قاسه الحكام عند التفاضل حليم رشيد عادل غير طائش ... يوالي إلهًا ليس عنه بغافل فوالله لولا أن أجيء بسبة (¬6) ... تجرُّ على أشياخنا في المحافل لكنا اتبعناه على كل حالة ... من الدهر جدًّا غير قول التهازل لقد علموا أن ابننا لا مكذب ... لدينا ولا يعنى بقول الأباطل ¬

_ (¬1) الأسى: جمع أسوة، والمطافل: ذوات الأطفال. (¬2) يقال قوم براء بالفتح: وبراء بالكسر، فأما براء بالكسر فجمع بريء، مثل كريم وكرام. (¬3) الكدى: سمع كدية، وهي الصخرة العظيمة. والكواهل: جميع كاهل، وهو سند القوم. (¬4) الخرادل: القطع العظيمة. (¬5) الهندكي: منسوب إلى الهند. (¬6) وفي رواية (بسنة).

فأصبح فينا أحمد في أرومة ... تقصر عنه سورة المتطاول (¬1) حدبت بنفسي دونه وحميته ... ودافعت عنه بالذرا والكلاكل (¬2) فأيده رب العباد بنصره ... وأظهر دينا حقُّه غير باطل رجال كرام غير ميل (¬3) نماهم ... إلى الخير آباء كرام المحاصل فإن تك كعب من لؤي صقيبة (¬4) ... فلا بد يومًا مرة من تزايل قال ابن هشام: هذا ما صح لي من هذه القصيدة، وبعض أهل العلم بالشعر ينكر أكثرها. ¬

_ (¬1) السورة: الشدة والبطش. (¬2) حدبت: عطفت. والذرا: جمع ذروة أعلى ظهر البعير، والكلاكل: عظام الصدور. (¬3) الميل: جمع أميل وهو الذي لا يحسن الركوب. (¬4) صقيبة: تريبة.

إسلام عثمان بن مظعون (رضي الله عنه)

إسلام عثمان بن مظعون (رضي الله عنه) عن عبد الله بن عباس قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفناء بيته بمكة جالس، إذا مر به عثمان بن مظعون، فكشر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا تجلس؟. قال: بلى، قال: فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستقبله، فبينما هو يحدثه إذ شخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببصره إلى السماء، فنظر ساعةً إلى السماء، فأخذ يضع بصره حتى وضعه على يمينه في الأرض، فتحرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن جليسه عثمان إلى حيث وضع بصره، وأخذ ينفض رأسه كأنه يستفقه ما يقال له، وابن مظعون ينظر، فلما قضى حاجته واستفقه ما يقال له، شخص بصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السماء كما شخص أول مرة، فأتبعه بصره حتى توارى في السماء فأقبل إلى عثمان بجلسته الأولى، قال: يا محمد فيم كنت أجالسك وآتيك؟ ما رأيتك تفعل كفعلك الغداة! قال: وما رأيتني فعلت؟ قال: رأيتك تشخص ببصرك إلى السماء ثم وضعته حيث وضعته على يمينك فتحرفت إليه وتركتني فأخذت تنفض رأسك كأنك تستفقه شيئًا يقال لك، قال وفطنت لذاك؟ قال عثمان: نعم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أتاني رسول الله آنفًا وأنت جالس، قال: رسول الله؟ قال: نعم، قال: فما قال لك؟ قال: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} قال عثمان: فذلك حين استقر الإيمان في قلبي وأحببت محمدًا. (¬1) إسلام عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) ¬

_ * قال ابن كثير إسناده جيد متصل حسن. (¬1) رواه أحمد وإسناده حسن والبخاريُّ في الأدب المفرد والآية في سورة النحل رقم 90. * قلت كان هذا الحدث في السنة التاسعة قبل الهجرة عام الجهر بالإِسلام الرابع لبعثة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

ظهور النجم ذي الذنب عام الجهر بالإسلام على سماء الطائف

قال عبد الله بن مسعود: كنت غلامًا يافعًا أرعى غنمًا لعقبه بن أبي معيط بمكة، فأتى عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر، وقد فرا من المشركين فقالا: يا غلام. عندك لبن تسقينا؟ قلت: إني مؤتمن، ولست بساقيكما، فقالا: هل عندك من جذعة لم ينز عليها الفحل بعد؟ قلت: نعم، فأتيتهما بها، فاعتقلها أبو بكر، وأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الضرع فدعا، فحفل الضرع، وأتاه أبو بكر بصخرة منقعرة، فحلب فيها ثم شرب هو وأبو بكر، ثم سقياني، ثم قال للضرع: اقلص، فقلص، فلما كان بعد أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: علمني من هذا القول الطيب- يعني القرآن. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنك غلام معلم، فأخذت من فيه سبعين سورة ما ينازعني فيها أحد. (¬1) ظهور النجم ذي الذنب عام الجهر بالإِسلام على سماء الطائف قال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب ابن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حدث أن أول العرب فزع للرمي بالنجوم -حين رمي بها- هذا الحي من ثقيف، وأنهم جاءوا إلى رجل منهم يقال له: عمرو بن أمية أحد بني علاج. قال: وكان أدهى العرب وأنكرها رأيًا- فقالوا له، يا عمرو: ألم تر ما حدث في السماء من القذف بهذه النجوم. قال: بلى فانظروا، فإن كانت معالم النجوم التي يهتدي بها في البر والبحر، وتعرف بها الأنواء من الصيف والشتاء لما يصلح الناس في معايشهم، هي التي يرمى بها، فهو والله طي الدنيا، وهلاك هذا الخلق الذي فيها، وإن كانت نجومًا غيرها، وهي ثابتة على حالها، فهذا لأمر أراد الله به هذا الخلق، فما هو؟ (¬2) ¬

_ * قلت كان هذا الحادث في العام الرابع للبعثه والتاسع قبل الهجرة. (¬1) رواه البيهقي (2/ 171) وأبو داود الطيالسي (سيرة ابن كثير-1/ 444) وسنده حسن. * قلت هذا هو مذنب هالي والله أعلم وكان هذا في العام التاسع قبل الهجرة الرابع للبعثة النبوية. (¬2) سيرة ابن إسحاق ج1 ص 233 تعليق عمر عبد السلام تدمري.

رؤساء قريش يأمرون أتبعاهم بالكفر بعد أن أسلموا

قال الشعبي: كانت النجوم لا يرمى بها حتى بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسيبوا أنعامهم، وأعتقوا رقيقهم. فقال عبد ياليل: أنظروا فإن كانت النجوم التي نعرف فهو عند فناء الناس، وإن كانت لا تعرف فهو لأمر قد حدث، فنظروا فإذا هي لا تعرف. قال: فأمسكوا، فلم يلبثوا إلا يسرًا حتى جاءهم خروج النبي صلى الله عليه وسلم. (¬1) رؤساء قريش يأمرون أتبعاهم بالكفر بعد أن أسلموا عن مخرمة بن نوفل قال: لما أظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإِسلام أسلم أهل مكة كلهم، وذلك قبل أن تفرض الصلاة حتى إن كان ليقرأ السجدة فيسجدون ما يستطيع بعضهم أن يسجد من الزحام حتى قدم رؤساء قريش: الوليد بن المغيرة، وأبو جهل بن هشام، وغيرهما، وكانوا بالطائف في أرضهم فقالوا: تدعون دين أبائكم؟! فكفروا. (¬2) تعذيب المسلمين رضوان الله عليهم قال سعيد بن جبير: قلت لعبد الله بن عباس: أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العذاب ما يعذرون به في ترك دينهم؟ قال: نعم والله. إن كان ليضربون أحدهم ويجيعونه، ويعطشونه حتى ما يقدر أن يستوي جالسًا من شدة الضر الذي به، حتى يعطيهم ما سألوه من الفتنة، حتى يقولوا له: اللات والعزى إلهان من دون الله؟ فيقول: نعم. افتداءً منهم بما يبلغون من جهدهم. (¬3) وثوب كل قبيلة على مسلميها بالأذى قال ابن إسحاق: ثم إن قريشًا تذامروا بينهم على من في القبائل منهم من أصحاب ¬

_ (¬1) قلت مراسيل الشعبي صحيحه رواه سعيد بن منصور انظر سيرة بن كثير (1/ 418). (¬2) المستدرك ج/ 3 ص 490. (¬3) رواه ابن إسحاق (سيرة ابن كثير-1/ 495).

صور من تعذيب المسلمين وإيذائهم

رسول - صلى الله عليه وسلم - الذين أسلموا معه، فوثبت كل قبيلة على من فيهم من المسلمين، يعذبونهم، ويفتنونهم عن دينهم، ومنع الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - منهم بعمه أبى طالب. (¬1) وقال: إنهم عدوا على من أسلم واتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أصحابه، فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين، فجعلوا يحبسونهم، ويعذبونهم بالضرب والجوع والعطش وبرمضاء مكة إذا اشتد الحر، من استضعفوا منهم يفتنونهم عن دينهم، فمنهم عن يفتتن من شدة البلاء الذي يصيبه، ومنهم من يصلب لهم ويعصمه الله منهم. (¬2) روى ابن سعد بسنده عن الزهري قال: لما كثر المسلمون وظهر الإيمان، وتحدث به، ثار ناس كثير من المشركين من كفار قريش، على من آمن من قبائلهم، فعذبوهم وسجنوهم وأرادوا فتنتهم عن دينهم. (¬3) صور من تعذيب المسلمين وإيذائهم قال ابن إسحاق: وكان أبو جهل الفاسق الذي يغري بهم في رجال من قريش، إذا سمع بالرجل قد أسلم له شرف ومنعة أنبه وخزاه، وقال: تركت دين أبيك وهو خير منك لنسفهن حلمك، ولنفيلن رأيك، ولنضعن شرفك، وإن كان تاجرًا قال: والله لنكسدن تجارتك، ولنهلكن مالك، وإن كان ضعيفًا ضربه وأغرى به. (¬4) تعذيب عثمان بن عفان (رضي الله عنه) روى ابن سعد بسنده عن محمد بن إبراهيم بن حارث التيمي قال: لما أسلم عثمان بن عفان أخذه عمه الحكم بن أبي العاص بن أمية فأوثقه رباطًا وقال: أترغب عن ملة آبائك إلى دين محدث؟ والله لا أحلك أبدًا حتى تدع ما أنت عليه من هذا الدين، فقال ¬

_ (¬1) ابن هشام ج1/ 281. (¬2) ابن هشام ج 1/ 339. (¬3) ابن سعد ج 1/ 203. (¬4) ابن هشام ج 1/ 342.

تعذيب الزبير (رضي الله عنه)

عثمان: والله لا أدعه أبدًا ولا أفارقه، فلما رأى الحكم صلابته في دينه تركه. (¬1) تعذيب الزبير (رضي الله عنه) روى الحاكم بسنده عن عروة بن الزبير فذكر الحديث وفيه قال: وكان عم الزبير يعلق الزبير في حصير ويدخن عليه بالنار ويقول: ارجع إلى الكفر، فيقول الزبير: لا أكفر أبدًا. (¬2) تعذيب مصعب بن عمير (رضي الله عنه) روى ابن سعد بسنده عن محمد العبدري فذكر الحديث عن إسلام مصعب وفيه قال: فكان يختلف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرًا فبصر به عثمان بن طلحة يصلي فأخر أمه وقومه فأخذوه فحبسوه فلم يزل محبوسًا حتى خرج إلى أرض الحبشة في الهجرة الأولى ثم رجع مع المسلمين حين رجعوا، فرجع متغير الحال قد حرج، يعني غلظ، فكفت أمه عنه من العذل. (¬3) تعذيب أبي فكيهة (رضي الله عنه) ترجم لأبي فكيهة فقال: فأسلم بمكة، فكان يعذب ليرجع عن دينه فيأبى، وكان قوم من بني عبد الدار يخرجونه نصف النهار في حر شديد في قيد من حديد، ويلبس ثيابًا ويبطح في الرمضاء، ثم يؤتى بالصخرة فتوضع على ظهره حتى لا يعقل، فلم يزل كذلك حتى هاجر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أرض الحبشة فخرج معهم في الهجرة الثانية. (¬4) تعذيب خالد بن سعيد (رضي الله عنه) ¬

_ (¬1) ابن سعد ج 3/ 55. (¬2) الحاكم ج 3/ 360. (¬3) بن سعد ج 3/ 116. (¬4) ابن سعد ج 4/ 123.

ما لقيه سعد (رضي الله عنه) من أمه

روى ابن سعد بسنده عن عمرو بن شعيب قال: كان إسلام خالد بن سعيد بن العاص ثالثًا أو رابعًا، وكان ذلك ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو سرًا، وكان يلزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويصلي في نواحي مكة خاليًا، فبلغ ذلك أبا أحيحة فدعاه فكلمه أن يدع ما هو عليه، فقال خالد: لا أدع دين محمد حتى أموت عليه. فضربه أبو أحيحة بقراعة في يده حتى كسرها على رأسه، ثم أمر به إلى الحبس، وضيق عليه وأجاعه وأعطشه, حتى لقد مكث في حر مكة ثلاثًا ما يذوق ماءً، فرأى خالد فرجةً فخرج فتغيب عن أبيه في نواحي مكة حتى حضر خروج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة في الهجرة الثانية، فلهو أول من خرج إليها. (¬1) ما لقيه سعد (رضي الله عنه) من أمه روى مسلم بسنده عن سعد أنه نزلت فيه آيات من القرآن قال: حلفت أم سعد أن لا تكلمه أبدًا حتى يكفر بدينه، ولا تأكل ولا تشرب، قالت: زعمت أن الله وصاك بوالديك، وأنا أمك، وأنا آمرك بهذا. قال: مكثت ثلاثًا حتى غشي عليها من الجهد، فقام ابن لها يقال له عمارة فسقاها، فجعلت تدعو على سعد، فأنزل الله -عَزَّ وجَلَّ- في القرآن هذه الآية: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} (¬2) ما لقيه طلحة بن عبيد الله (رضي الله عنه) من أمه عن مسعود بن حراش قال: بينا أنا أطوف بين الصفا والمروة إذا أناس كثير يتبعون إنسانا فتى شابًا موثقًا يده إلى عنقه قلت ما شأنه؟ قالوا هذا طلحة بن عبيد الله صبأ، وامرأة وراءه تذمه وتسبه قالوا هذه أمه الصعبة بنت الحضرمي. قال طلحة وأخبرني عيسى ¬

_ (¬1) ابن سعد ج 4/ 123. (¬2) مسلم ج 4/ 1877.

تعذيب سعيد بن زيد (رضي الله عنه)

بن طلحة وغيره أن عثمان بن عبيد الله أخا طلحة بن عبيد الله قرن طلحة مع أبي بكر ليحبسه عن الصلاة ويرده عن دينه وحرز يده مع يد أبى بكر فلم يرعهم إلا وهو يصلى مع أبى بكر. (¬1) تعذيب سعيد بن زيد (رضي الله عنه) قال سعيد بن زيد: لقد رأيتني وإن عمر لموثقي على الإسلام. وأخته. (¬2) تعذيب آل ياسر (رضوان الله عليهم) قال ابن إسحاق، قال فحدثني رجال من آل عمار بن ياسر أن سمية أم عمار عذبها هذا الحي من بني المغيرة على الإسلام وهي تأبى حتى قتلوها وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمر بعمار وأمه وأبيه وهم يعذبون بالأبطح في رمضاء مكة فيقول: (صبرًا يا آل ياسر فإن موعدكم الجنة). (¬3) روى البيهقي بسنده عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وذكر آلهتهم بخير ثم تركوه فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: ما وراءك. قال شر يا رسول الله ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير قال: كيف تجد قلبك قال: مطمئن بالإيمان قال: إن عادوا فعد. (¬4) روي بسنده عن مجاهد قال: أول شهيد استشهد في الإسلام سمية أم عمار أتاها أبو جهل فطعنها بحربة في قبلها. (¬5) ترجم لسمية بنت خياط فذكر الخبر السابق وزاد: وكانت عجوزا كبيرة ضعيفة، ¬

_ (¬1) البيهقي ج 2/ 167. (¬2) رواه البخاري. مناقب الأنصار. ودرجته حديث صحيح. (¬3) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (1/ 319 - 320). (¬4) سنن البيهقي ج 8/ 208. (¬5) ابن سعد ج 8/ 265.

أذى قريش [للعبيد]

فلما قتل أبو جهل يوم بدر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمار بن ياسر: (قد قتل الله قاتل أمك). (¬1) روى البيهقي بسنده عن عباس في قوله: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} قال: أخبر الله سبحانه أنه من كفر بعد إيمانه، فعليه غضب من الله وله عذاب عظيم، فأما من أكره فتكلم بلسانه، وخالفه قلبه بالإيمان لينجو بذلك من عدوه، فلا حرج عليه، إن الله سبحانه إنما يأخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم. (¬2) روى ابن ماجه بسنده عن هانئ بن هانئ قال: دخل عمار على عليٍّ، فقال: مرحبًا بالطيب المطيب، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (ملئ عمار إيمانًا إلى مشاشه). (¬3) روى ابن سعد بسنده عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر في قوله: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}، قال: ذلك عمار بن ياسر. (¬4) روى ابن سعد بسنده عن محمد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقي عمارًا وهو يبكي، فجعل يمسح عن عينيه وهو يقول: (أخذك الكفار فغطوك في الماء فقلت كذا وكذا، فإن عادوا فقل ذاك لهم). روى ابن سعد بسنده عن عبد الله بن عبيد الله بن عمير قال: نزل في عمار بن ياسر إذ كان يعذب في الله قوله: {وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}. [العنكبوت آية 2]. روى ابن سعد بسنده عن عروة بن الزبير قال: كان عمار بن ياسر من المستضعفين الذين يعذبون بمكة ليرجع عن دينه. أذى قريش [للعبيد] ¬

_ (¬1) ابن سعد ج 8/ 264. (¬2) سنن البيهقي 860/ 209. (¬3) ابن ماجه ج 1/ 52. (¬4) ابن سعد ج 3/ 249، 250، 248.

تعذيب بلال بن رباح في بطن مكة

حدثنا سفيان بن عيينة عن إسماعيل عن قيس قال: اشترى أبو بكر -يعني بلالا- بخمسة أواقي وهو مدفون بالحجارة، قالوا: لو أبيت إلا أوقية لبعنا له، فقال: لو أبيتم إلا مائة أوقية لأخذته. (¬1) تعذيب بلال بن رباح في بطن مكة روى الإمام أحمد بسنده عن عبد الله قال: أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد. فأما رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذتهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد، وصهروهم في الشمس، فما منهم إنسان إلا وقد واتاهم على ما أرادوا، إلا بلال، فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه فأعطوه الولدان، وأخذوا يطوفون به شعاب مكة وهو يقول: أحد أحد. (¬2) عتقاء أبي بكر (رضي الله عنه) قال ابن إسحاق بعد أن ذكر تعذيب بلال وإعتاق أبي بكر، -رضي الله عنه-، له: ثم أعتق معه على الإسلام قبل أن يهاجر إلى المدينة ست رقاب، بلال سابعهم: عامر بن فهيرة، شهد بدرًا وأحدًا وقتل يوم بئر معونة شهيدا، وأم عبيس وزنيرة، أصيب بصرها حين أعتقها، فقالت قريش: ما أذهب بصرها إلا اللات والعزى، فقالت: كذبوا وبيت الله، ما تضر اللات والعزى، وما تنفعان، فرد الله بصرها. وأعتق النهدية وبنتها، وكانتا لامرأة من بني عبد الدار، فمر بهما وقد بعثتهما سيدتهما بطحين لها وهي تقول: والله لا أعتقكما أبدا، فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: حل يا أم فلان، فقالت: حل أنت أفسدتهما فأعتقهما، قال: فبكم هما؟ قالت: بكذا وكذا، قال: قد أخذتهما وهما حرتان، أرجعا إليها طحينها، قالتا: أو نفرغ منه يا أبا بكر ثم نرده إليها؟ قال: ذلك إن شئتما. (¬3) ¬

_ (¬1) رواه ابن عبد البر في الاستيعاب وسنده قوي. (¬2) مسند أحمد ج 1/ 404. (¬3) ابن هشام: ج 1/ 340.

تعذيب خباب بن الأرت (رضي الله عنه)

ومر بجارية بني مؤمل -حي من بني عدي بن كعب- وكانت مسلمة، وكان عمر بن الخطاب يعذبها لتترك الإسلام، وهو يومئذ مشرك، وهو يضربها حتى إذا كل قال: إني أعتذر إليك، إني لم أتركك إلا كلالة, فتقول: كذلك فعل الله بك، فابتاعها أبو بكر فأعتقها. (¬1) روى ابن إسحاق بسنده عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن بعض أهله قال: قال أبو قحافة لأبي بكر: يا بني، إني أراك تعتق رقابًا ضعافًا، فلو أنك إذ فعلت ما فعلت أعتقت رجالًا جلدًا، يمنعونك ويقومون دونك، قال: فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: يا أبت، إني إنما أريد ما أريد لله، قال: فيتحدث أنه ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيه، وفيما قال له أبوه: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} إلى قوله تعالى: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى}. روي بسنده عن جابر بن عبد الله، -رضي الله عنهما-، قال: كان عمر يقول: أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا، يعني بلالًا. (¬2) تعذيب خباب بن الأرت (رضي الله عنه) قال خباب: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو متوسد بردة في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة شديدة فقلت: يا رسول الله ألا تدعو الله لنا. فقعد وهو محمر وجهه فقال: (إن من كان قبلكم ليمشط أحدهم بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه، فيشق باثنين، ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله -عَزَّ وجَلَّ-، والذئب على غنمه. (¬3) عن خباب بن الأرت -رضي الله عنه- قال: كنت قينًا في الجاهلية، وكان لي على ¬

_ (¬1) ج 1/ 341. (¬2) رواه البخاري: ج 5/ 33 كتاب المناقب - باب مناقب بلال بن رباح مولى أبي بكر -رضي الله عنهما-. (¬3) رواه البخاري. كتاب مناقب الأنصار. والبيهقيُّ (2/ 283) ودرجته حديث صحيح.

أول سيف سل في الإسلام

العاص بن وائل السهمي دين، فأتيته أتقاضاه- وفي رواية قال: فعملت للعاص بن وائل سيفًا، فجئته أتقاضاه فقال: لا أعطيك، حتى تكفر بمحمد، فقلت: والله لا أكفر حتى يميتك الله ثم تبعث، قال: وإني لميت ثم مبعوث؟ قلت: بلى، قال: دعني حتى أموت وأبعث، فسأوتى مالًا وولدًا فأقضيك. فنزلت: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا} (¬1) قال خباب بن الأرت: لم يكن أحد إلا أعطى ما سألوا، قوم عذبهم المشركون إلا خبابًا، كانوا يضجعونه على الرضف فلم يستعتبوا منه شيئا (¬2) عن أبي ليلى الكندي قال: جاء خباب بن الأرت إلى عمر، فقال: أدنه فما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا عمار بن ياسر. فجعل خباب يريه آثارًا في ظهره مما عذبه المشركون. (¬3) قال طارق بن شهاب: كان خباب بن الأرت من المهاجرين الأولين، وكان ممّن يعذب في الله. (¬4) أول سيف سل في الإسلام روى البيهقي بسنده عروة عن أبيه قال: (أول من سل سيفه في الله الزبير نفخة نفخها الشيطان: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بأعلى مكة فسل الزبير سيفه ثم خرج يشق الناس حتى أتى النبي وهو بأعلى مكة قال ما لك يا زبير؟! قال: أخبرت أنك أخذت قال فصلى عليه ودعا له ولسيفه). (¬5) حدثا يعقوب بن حميد، والزبير بن أبي بكر، قالا: ثنا سليمان ابن حرب، عن حماد ¬

_ (¬1) أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ. (¬2) رواه أبو نعيم في الحلية (1/ 144) وسنده صحيح. (¬3) رواه ابن سعد (3/ 165) وحسن. (¬4) رواه أبو نعيم في الحلية (1/ 143) وسنده صحيح. (¬5) سنن البيهقي ج 6/ 367.

دفع الله الأذى عن جماعة من المسلمين

بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد ابن المسيب قال: أول من سل سيفًا في الله -عَزَّ وجَلَّ- الزبير بن العوام -رضي الله عنه-، كان قائلا بشعب المطابخ إذ سمع نغمة: قتل محمد، فخرج متجردًا سيفه صلتا، فلقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ما لك يا زبير؟) قال -رضي الله عنه-: لا، إلا أني سمعت نغمة أنك قتلت. قال - صلى الله عليه وسلم -: (فماذا كنت صانعًا؟) قال: استعرض أهل مكة، فدعى له النبي - صلى الله عليه وسلم - بخير. قال سعيد: فأرجو أن لا يضيع الله -تعالى- دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - للزبير -رضي الله عنه-. (¬1) عن سعيد بن المسيب قال: (إن أول من سل سيفًا في الله الزبير بن العوام، بينا هو ذات يوم قائل إذ سمع نغمةً: قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فخرج متجردًا بالسيف صلتًا، فلقيه النبي - صلى الله عليه وسلم - كنه كنه، فقال: ما لك يا زبير؟ قال: سمعت أنك قتلت، قال: فما أردت أن تصنع؟ قال: أردت والله أستعرض أهل مكة! فدعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - بخير، وفي ذلك يقول الأسدي: هذاك أول سيف سل في غضب ... لله سيف الزبير المنتضى أنفا حمية سبقت من فضل نجدته ... قد يحبس النجدات المحبس الأزفا دفع الله الأذى عن جماعة من المسلمين قال ابن إسحاق: وحدثني الزبير بن عكاشة بن عبد الله بن أبي أحمد، أنه حدث، أن رجالًا من بني مخزوم مشوا إلى هشام بن الوليد -حين أسلم أخوه الوليد بن الوليد بن المغيرة- وكانوا قد أجمعوا على أن يأخذوا فتيةً منهم كانوا قد أسلموا؛ منهم سلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، قال: فقالوا له وخشوا شره: إنا قد أردنا أن نعاتب هؤلاء الفتية على هذا الدين الذي أحدثوا، فإنا نأمن بذلك في غيرهم، قال: هذا فعليكم به فعاتبوه، وإياكم ونفسه، ثم قال: ألا لا يقتلن أخي عييش ... فيبقي بيننا أبدًا تلاحي ¬

_ (¬1) كان هذا الحدث في العام التاسع قبل الهجرة الرابع للبعثة النبوية شعب المطابخ هو شعب ابن عامر.

أذى قريش لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وتعنتهم له

احذروا على نفسه، فأقسم بالله لئن قتلتموه لأقتلن أشرفكم رجلًا، قال: فقالوا: اللَّهم العنه، من يغرر بهذا الخبيث، فوالله لو أصيب في أيدينا لقتل أشرفنا رجلًا، فتركوه ونزعوا عنه، قال: وكان ذلك مما دفع الله به عنهم. (¬1) أذى قريش لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وتعنتهم له حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن عمران السلمي عن ابن عباس قال قالت قريش للنبي - صلى الله عليه وسلم - ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبًا، فإن أصبح لنا ذهبًا اتبعناك فدعا ربه -عَزَّ وجَلَّ-، فأتاه جبريل -عليه السلام-، فقال: إن ربك يقرئك السلام ويقول لك إن شئت أصبح لهم الصفا ذهبًا، فمن كفر منهم عذبته عذابًا لم أعذبه أحد من العالمين، وإن شئت فتحت لهم باب التوبة والرحمة قال: (بل باب التوبة والرحمة). (¬2) قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ} سورة الإسراء: 59 روى الإمام أحمد بسنده عن ابن عباس، قال: سأل أهل مكة رسول الله -صلي عليه وسلم - أن يجعل لهم الصفا ذهبًا وأن ينحي عنهم الجبال فيزدرعوا، قال الله -عَزَّ وجَلَّ-: (إن شئت آتيناهم ما سألوا فإن كفروا أهلكوا كما أهلك من قبلهم، وأن شئت نستأني بهم لعلنا ننتج منهم) فقال: ([لا] بل أستأني بهم) (¬3) فأنزل الله هذه الآية: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} أذى قريش [يسبون القرآن] ¬

_ (¬1) ابن هشام ج 1/ 342. (¬2) قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح. (¬3) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (1/ 258).

أذى قريش [قولهم إنما يعلمه عبد ابن الحضرمي]

روى البخاري بسنده عن ابن عباس، في قوله -عَزَّ وجَلَّ-: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} الإسراء الآية 110. قال: نزلت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوار بمكة. فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن. فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن، ومن أنزله، ومن جاء به. فقال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: ولا تجهر بصلاتك فيسمع المشركون قراءتك. ولا تخافت بها عن أصحابك. أسمعهم القرآن. ولا تجهر ذلك الجهر. وابتغ بين ذلك سبيلًا. يقول بين الجهر والمخافتة. (¬1) أذى قريش [قولهم إنما يعلمه عبد ابن الحضرمي] روى الحاكم بسنده عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله -عَزَّ وجَلَّ-: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} سورة النحل: 103 قالوا إنما يعلم محمدا عبد ابن الحضرمي وهو صاحب الكتب فقال لسان الذين يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربى مبين إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله.* هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه* (¬2) مفاوضات قريش لأبي طالب وتعاهدها على قتل النبي (صلى الله عليه وسلم) تهديد قريش لأبي طالب: قال ابن إسحاق: ثم إنهم مشوا إلى أبي طالب مرةً أخرى، فقالوا له: يا أبا طالب؛ إن لك سنًا وشرفًا ومنزلةً فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا حتى نكفه عنا أو ننازله. وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين، أو كما قالوا له، ثم انصرفوا عنه، فعظم على ¬

_ (¬1) رواه البخاري حديث 446. (¬2) قال معد الكتاب للشاملة: هذه الحاشية سقطت من المطبوع، والحديث عند الحاكم في المستدرك (2/ 357) (ح 3421).

أبي طالب فراق قومه وعداوتهم، ولم يطب نفسًا بإسلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا خذلانه. (¬1) قال ابن إسحاق وحدَّثني يعقوبُ بنُ عُتْبةً بن المُغيرةِ بن الأخنسِ أنه حدث أن قريشًا حين قالوا لأبي طالب هذه المقالة بعث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له: يا ابن أخي، إن قومك قد جاؤوني فقالوا لي كذا وكذا، للذي كانوا قالوا له، فأبق عليَّ وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق، قال: فظن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قد بدا لعمه فيه بداءً، وأنه خاذله ومسلمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته)، قال: ثم استعبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبكى، ثم قام، فلما ولى ناداه أبو طالب فقال: أقبل يا ابن أخي، قال: فأقبل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء أبدًا. (¬2) روي الحاكم بسنده عن عقيل بن أبي طالب قال: جاءت قريش إلى أبي طالب، فقالوا: إن ابن أخيك يؤذينا في نادينا وفي مجلسنا، فانهه عن أذانا، فقال لي: يا عقيل ائت محمدًا، قال: فانطلقت إليه فأخرجته من كبس، قال طلحة بيت صغير، فجاء في الظهر في شدة الحر، فجعل يطلب الفيء يمشي فيه من شدة حر الرمضاء، فأتيناهم، فقال أبو طالب: إن بني عمك زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم وفي مجلسهم فانته عن ذلك, فحلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببصره إلى السماء، فقال: (ما ترون هذه الشمس) قالوا: نعم، قال: (ما أنا بأقدر على أن أدع ذلك منكم على أن تشعلوا منها شعلة، فقال أبو طالب: ما كذبنا ابن أخي قط فارجعوا. (¬3) روى ابن سعد بأسانيده المتعددة قالوا: لما رأت قريش ظهور الإسلام وجلوس المسلمين حول الكعبة، سقط في أيديهم، فمشوا إلى أبي طالب حتى دخلوا عليه ¬

_ (¬1) ابن هشام ج 1/ 277. (¬2) ابن هشام ج 1/ 277. (¬3) المستدرك ج 3/ 577.

فقالوا: أنت سيدنا وأفضلنا في أنفسنا، وقد رأيت هذا الذي فعل هؤلاء السفهاء مع ابن أخيك من تركهم آلهتنا وطعنهم علينا وتسفيههم أحلامنا، وجاؤوا بعمارة بن الوليد بن المغيرة فقالوا: قد جئناك بفتى قريش جمالًا ونسبًا ونهادةً وشعرًا ندفعه إليك فيكون لك نصره وميراثه وتدفع إلينا ابن أخيك فنقتله، فإن ذلك أجمع للعشيرة وأفضل في عواقب الأمور مغبةً، قال أبو طالب: والله ما أنصفتموني تعطونني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابن أخي تقتلونه؟ ما هذا بالنصف، تسومونني سوم العرير الذليل. وروى بأسانيده المتعددة دخل حديث بعضهم في حديث بعض قالوا: فذكر الحديث وفيه: عرض قريش عمارة على أبي طالب ومفاوضتهم له إلى أن قال: وقالوا: لا نعود إليه أبدًا وما خير من أن يغتال محمد، فلما كان مساء تلك الليلة فقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاء أبو طالب وعمومته إلى منزله فلم يجدوه، فجمع فتيانًا من بني هاشم وبني المطلب ثم قال: ليأخذ كل واحدٍ منكم حديدة صارمةً ثم ليتبعني إذا دخلت المسجد، فلينظر كل فتى منكم فليجلس إلى عظيم من عظمائهم فيهم ابن الحنظلية يعني أبا جهل، فإنه لم يغب عن شر إن كان محمد قد قتل، فقال الفتيان: نفعل. فجاء زيد بن حارثة فوجد أبا طالب على تلك الحال، فقال: يا زيد أحسست ابن أخي؟ قال: نعم كنت معه آنفًا، فقال أبو طالب، لا أدخل بيتي أبدًا حتى أراه، فخرج زيد سريعًا حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيت عند الصفا ومعه أصحابه يتحدثون، فأخبره الخبر، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي طالب، فقال: يا ابن أخي أين كنت؟ أكنت في خير؟ قال: (نعم)، قال: ادخل بيتك، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما أصبح أبو طالب غدا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذ بيده فوقف به على أندية قريش، ومعه الفتيان الهاشميون والمطلبيون، فقال: يا معشر قريش هل تدرون ما هممت به؟ قالوا: لا، فأخبرهم الخبر، وقال للفتيان: اكشفوا عما في أيديكم، فكشفوا، فإذا كل رجل منهم معه حديدة صارمة، فقال: والله لو قتلتموه ما بقيت منكم أحدًا حتى نتفانى نحن وأنتم، فانكسر القوم وكان أشدهم انكسارًا أبو جهل. (¬1) ¬

_ (¬1) ابن سعد ج 1/ 202.

نصرة أبو طالب لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

نصرة أبو طالب لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم روى الحاكم بسنده عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قول الله -عَزَّ وجَلَّ-: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} قال نزلت في أبى طالب كان ينهى المشركين أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ويتباعد عما جاء به. (¬1) ¬

_ (¬1) المستدرك وافقه الذهبي.

[أنسب لنا ربك]

[أنسب لنا ربك] حدثنا أحمد بن منيع. أخبرنا أبو سعد هو الصنعاني عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أُبي بن كعب أن المشركين قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنسب لنا ربك. (2) فأنزل الله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ} [القدر] عن أبي هريرة. قال: جاء مشركوا قريش يخاصمون رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في القدر. (3) فنزلت: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}. [سبب نزول والضحى] عن جندب بن سفيان البجلي -رضي الله عنه-. قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. فلم يقم ليلة أو ليلتين، وفي رواية: ليلتين أو ثلاثًا فجاءته إمراة، فقالت: يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لم أره قربك منذ ليلتين، أو ثلاث. (1) قال: فأنزل الله -عَزَّ وجَلَّ-: {وَالضُّحَى, وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى, مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} وفي رواية قال: أبطأ جبريل على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فقال المشركون قد ودع محمد، (2) فأنزل الله -عَزَّ وجَلَّ-: {وَالضُّحَى, وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى, مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}.

[التكذيب]

[التكذيب] حدثنا أبو كريب حدثنا معاوية بن هشام عن سفيان عن أبي إسحق عن ناجية بن كعب عن علي أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (إنا لا نكذبك ولكن نكذب بما جئت به فأنزل الله {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} (¬1). سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: الصحيح عن أبي إسحق عن ناجية عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مرسل. [دعاء الشجرة] عن أنس قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يومًا وهو جالس حزين وقد ضربه بعض أهل مكة فقال: ما لك؟ قال: (فعل بي هؤلاء وفعلوا). قال: تحب أن أُريك آيةً قال: (نعم). قال: فنظر إلى شجرة من وراء الوادي فقال: ادع تلك الشجرة. قال: فدعاها، فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه، فقال لها: (ارجعي). قال: فرجعت إلى مكانها. (¬2) عن عمر -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان بالحجون وهو كئيب حزين لما آذاه المشركون، فقال: اللَّهم أرني اليوم آيةً فلا أُبالي من كذبني بعدها من قومي، فقيل ناد، فنادى شجرة من قبل عقبة أهل المدينة، فجاءت تشق الأرض حتى انتهت إليه فسلمت عليه، ثم أمرها فرجعت إلى موضعها فقال: ما أبالي من كذبني بعدها من قومي. (¬3) [الصفا والمروة] قال الطبراني: حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، حدثنا الحسن بن قزعة، حدثنا مسلمة، عن علقمة، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن قيس بن جبير، قال: قالت ¬

_ (¬1) إسنادُهُ صحيحٌ وسيأتي بمعناه 3485 وهو في مجمع الزوائد 8/ 228 وقال: (رواه أحمد بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح). (¬2) أخرجه أحمد 3/ 113 إسنادُهُ صحيحٌ على شرط مسلم. (¬3) البزار، ع، ق، في الدلائل وسنده حسن.

المستهزئون برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

بنت الحكيم: قلت لجدي: (ما رأيت قومًا كانوا أعجز رأيًا في أمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم منكم يا بني أمية. فقال: لا تلومينا يا بنية، فإني لا أحدثك إلا ما رأيت بعيني هاتين. قلنا: والله ما نزال نسمع صوت هذا الصابئ يعلو في مسجدنا، فتواعدنا له حتى نأخذه، فتواعدنا إليه، فلما رأيناه سمعنا صوتًا ظننا أنه ما بقي بتهامة جبل إلا تفتت علينا، فأعقلنا حتى قضى صلاته، ورجع إلى أهله، فتواعدنا ليلة أخرى، فلما جاء نهضنا إليه، فرأيت الصفا والمروة التقيا إحداهما بالأخرى، فحالتا بيننا وبينه، فوالله ما نفعنا ذلك. (¬1) المستهزئون برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال ابن إسحاق: فحدثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير، أو غيره من العلماء أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وهم يطوفون بالبيت، فقام وقام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى جنبه، فمر به الأسود بن المطلب، فرمى في وجهه بورقة خضراء، فعمي. ومر به الأسود بن عبد يغوث، فأشار إلى بطنه، فاستسقى بطنه، فمات منه حبنا. ومر به الوليد بن المغيرة، فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعب رجله، كان أصابه قبل ذلك بسنين، وهو يجر سبله، وذلك أنه مر برجل من خزاعة وهو يريش نبلًا له، فتعلق سهم من نبله بإزاره، فخدش في رجله ذلك الخدش، وليس بشيء فانتقض به فقتله. ومر به العاص بن وائل، فأشار إلى أخمص رجله، وخرج على حمار له يريد الطائف، فربض به على شبارقة، فدخلت في أخمص رجله شوكة فقتلته. ومر به الحارث بن الطلاطلة، فأشار إلى رأسه فامتخض قيحًا، فقتله. ¬

_ (¬1) قال الحافظ ابن كثير في جامع المسانيد حديثٌ حسنٌ.

أمر ركانه المطلبي ومصارعته للنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

أمر ركانه المطلبي ومصارعته للنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال ابن إسحاق وحدثني أبي إسحاق بن يسار قال: كان ركانه بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف أشد قريش، فخلا يوما رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في بعض شعاب مكة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: يا ركانه، ألا تتقى الله وتقبل ما أدعوك إليه؟ قال: إني لو أعلم أن الذي تقول حق لاتبعتك، فقال (له) رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: أفرأيت إن صرعتك، أتعلم أن ما أقول حق؟ قال: نعم، قال: فقم حتى أصارعك. قال: فقام إليه ركانه يصارعه، فلما بطش به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أضجعه، وهو لا يملك من نفسه شيئاً، ثم قال: عُدْ يا محمد، فعاد فصرعه، فقال: يا محمد، والله إن هذا للعجب، أتصرعني! فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: وأعجب من ذلك إن شئت أن أريكه، إن اتقيت الله واتبعت أمري، قال: ما هو؟ قال: ألا دعوا لك هذه الشجرة التي ترى فتأتيني، قال: ادعها، فدعاها، فأقبلت حتى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. قال: فقال لها: ارجعي إلى مكانك. قال: فرجعت إلى مكانها. قال: فذهب ركانه إلى قومه فقال: يا بني عبد مناف، ساحروا بصاحبكم أهل الأرض، فوالله ما رأيت أسحر منه قط، ثم أخبرهم بالذي رأى والذي صنع. (¬1) روى أبو داود والترمذيُّ عن أبي جعفر بن محمد بن ركانه عن أبيه: أن ركانه صارع النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فصرعه النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. وقال الترمذيُّ: (غريب). قلت: وقد روى أبو بكر الشافعي بإسناد جيد عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن يزيد بن ركانه صارع النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ¬

_ (¬1) كان ذلك قبل الهجرة بأربع سنين.

وسلم، فصرعه النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ثلاث مرات، كل مرة على مائة من الغنم، فلما كان في الثالثة قال: يا محمد! ما وضع ظهري إلى الأرض أحد قبلك, وما كان أحد أبغض إلي منك، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. فقام عنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ورد عليه غنمه. (¬1) ¬

_ (¬1) أبو داود (4077)، والترمذيُّ (1844) , وكذا الحاكم (3/ 452) , وسكت عنه هو والذهبي، وإنما استغربه الترمذيُّ, لأن فيه ثلاثة مجهولين على التسلسل، لكن يشهد له ما بعده.

نزول سورة {والنجم إذا هوى} غيرت موقف المشركين من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من السلم إلى العداوة

نزول سورة {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} غيرت موقف المشركين من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من السِّلم إلى العداوة روى البخاري بسنده عن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد عن عبد الله رضي الله عنه قال: "أول سورة أنزلت فيها سجدة والنجم، قال فسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسجد من خلفه، إلا رجلا رأيته أخذ كفا من تراب فسجد عليه، فرأيته بعد ذلك قتل كافرًا، وهو أمية بن خلف". (¬1) قال ابن إسحاق: فلما بادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قومه بالإسلام، وصدع به كما أمره الله؛ لم يبعد منه قومه، ولم يردوا عليه -فيما بلغني- حتى ذكر آلهتهم وعابها، فلما فعل ذلك أعظموه وناكروه، وأجمعوا خلافه وعداوته، إلا من عصم الله تعالى منهم بالإسلام، وهم قليل مستخفون. (¬2) روى بسنده عن الزهري قال: دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الإسلام سرًا وجهرًا، فاستجاب لله من شاء من أحداث الرجال، وضعفاء الناس حتى كثر من آمن به، وكفار قريش غير منكرين لما يقول، فكان إذا مر عليهم في مجالسهم يشيرون إليه أن غلام بني عبد المطب، ليكلم من السماء، فكان ذلك حتى عاب آلهتهم التي يعبدونها دونه، وذكر هلاك آبائهم الذين ماتوا على الكفر، فشنفوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك وعادوه. (¬3) روى بسنده عن عروة، أنه كتب إلى عبد الملك بن مروان: أما بعد، فإنه -يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما دعا قومه لما بعثه الله من الهدى والنور الذي أنزل عليه، لم يبعدوا منه أول ما دعاهم، وكادوا يسمعون له؛ حتى ذكر طواغيتهم، وقدم ناس من الطائف من قريش لهم أموال، أنكروا ذلك عليه، واشتدُّوا عليه، وكرهوا ما ¬

_ (¬1) رواه البخاري الفتح 4863. (¬2) ابن سعد: ج 1/ 199. (¬3) الطبري: ج 2/ 328.

قال لهم، وأغروا به من أطاعهم فانصفق عنه عامة الناس، فتركوه إلا من حفظه الله منهم؛ وهم قليل؛ فمكث بذلك ما قدَّر الله أن يمكث. (¬1) روى أحمد بسنده عن المطلب بن أبي وداعة قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجد في النجم، وسجد الناس معه، قال المطلب: ولم أسجد معهم وهو يومئذ مشركٌ قال المطلب: فلا أدع السُّجود فيها أبدًا. (¬2) ¬

_ (¬1) ابن هشام: ج 1/ 275. (¬2) أخرجه النسائي وصححه الحافظ في الإصابة. * قلت نزلت [سورة النجم] في السنة الخامسة للبعثة عام الدعوة للإسلام جهرًا وهي التي عابت طواغيتهم وآلهتهم التي يعبدونها من دون الله عندئذ قام المشركون بتعذيب المسلمين فهاجروا إلى الحبشة فرارًا بدينهم من الفتنة.

الأسد يفضخ رأس عتيبة بن أبي لهب

الأسد يفضخ رأس عتيبة بن أبي لهب روى بسنده عن هبَّار بن الأسود قال: كان أبو لهب وابنه عتيبة قد تجهَّزا إلى الشام وتجهزتُ معهما فقال ابنه عتيبة: والله لأنطلقنَّ إليه فلأُوذِيَنَّهُ في ربه، فانطلق حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد هو يكفر بالذي دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهم ابعث عليه كلبًا من كلابك" ثم انصرف عنه فرجع إليه فقال: أي بني ما قلت له؟ قال: كفرت بإلاهه الذي يعبد، قال: فماذا قال لك؟ قال: قال: "اللهمَّ ابعث عليه كلبًا من كلابك"، فقال: أي بني، واللهِ ما آمَنُ عليك دعوة محمد، قال: فسرنا حتى نزلنا الشَّراة وهي مَأسدةُ، فنزلنا إلى صومعة راهب، فقال: يا معشر العرب ما أنزلكم هذه البلاد وإنها مسرح الضَّيْغَمِ؟ فقال لنا أبو لهب: إنكم قد عرفتم حقي، قلنا: أجل يا أبا لهب، فقال: إن محمدًا قد دعا على ابني دعوةً، والله ما آمنها عليه، فاجمعوا متاعكم إلى هذه الصومعة، ثم افرشوا لابني عتيبة، ثم افرشوا حوله، قال: ففعلنا، جمعنا المتاع حتى ارتفع، ثم فرشنا له عليه، وفرشنا حوله، فبينا نحن حوله وأبو لهب معنا أسفل، وبات هو فوق المتاع، فجاء الأسد فشم وجوهنا، فلما لم يجد ما يريد تقبض ثم وثب، فهذا هو فوق المتاع، فجاء الأسد فشم وجهه، ثم هزمه هزمةً ففضخ رأسه، فقال: رأسي يا كلب، لم يقدر على غير ذلك، ووثبنا، فانطق الأسد وقد فضخ رأسه فقال له أبو لهب: قد عرفت والله ما كان لينفلت من دعوة محمدٍ. (¬1) وروى بسنده عن ابن طاوس عن أبيه قال: لما تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} قال عتيبة بن أبي لهب: كفرت برب النجم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سلط الله عليك كلبًا من كلابه". قال: فحدثني موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه: قال: خرج عتيبة مع أصحابه في عير إلى الشام حتى إذا كانوا بالشام فزأر الأسد، فجعلت فرائصه تُرعَدُ، فقيل له: من أي شيء ترعد؟ فوالله ما نحن ¬

_ (¬1) دلائل أبي نعيم ج 2/ 585.

وأنت إلا سواءٌ، فقال: إن محمدًا دعا عليَّ، لا والله ما أظلت السماء على ذي لهجة أصدق من محمدٍ، ثم وضعوا العشاء، فلم يدخل يده فيه، ثم جاء النوم فحاطوه بمتاعهم ووسطوه بينهم وناموا، فجاءهم الأسد يهمس يستنشق رؤوسهم رجلًا رجلًا، حتى انتهى إليه فضغَمَهُ ضَغْمَةً كانت إياها ففزع، وهو بآخر رمق وهو يقول: ألم أقل لكم إن محمدًا أصدق الناس؟ ومات. (¬1) ¬

_ (¬1) دلائل أبي نعيم ج 2/ 588.

قريش تستنكف مجالسة الضعفاء

قريش تستنكف مجالسة الضعفاء قال ابن إسحاق: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس في المسجد، فجلس إليه المستضعفون من أصحابه: خباب، وعمار، وأبو فكيهة يسار مولى صفوان بن أمية، وصهيب، وأشباههم من المسلمين؛ هزئت بهم قريش، وقال بعضهم لبعض: هؤلاء أصحابه كما ترون! أهؤلاء مَنَّ الله عليهم من بيننا بالهدى ودين الحق؟! لو كان ما جاء به محمد خيرًا ما سبقنا هؤلاء إليه، وما خصهم الله به دوننا! فأنزل الله -عَزَّ وجَلَّ- فيهم: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53) وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. (¬1) روى بسنده عن سعد قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ستة نفر، فقال المشركون للنبي - صلى الله عليه وسلم - اطرد هؤلاء لا يجنزؤون علينا، قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال، ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شاء الله أن يقع، فحدث نفسه فأنزل الله -عَزَّ وجَلَّ-: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}. (¬2) ¬

_ (¬1) سورة الأنعام من آية (52 - 54). (¬2) مسلم: ج 4/ 1878كتاب فضائل الصحابة باب في فضل سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- ح 46.

روى بسنده عن ابن مسعود قال: مر الملأ من قريش على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده خباب وصهيب وبلال وعمار، فقالوا: يا محمد أرضيت بهؤلاء؟ فنزل فيهم القرآن: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ} إلى قوله: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ}. (¬1) روى بسنده عن سعد بن أبي وقاص في هذه الآية: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} قال: نزلت في خمس من قريش أنا وابن مسعود فيهم، فقالت قريش للنبي - صلى الله عليه وسلم -: لو طردت هؤلاء عنك جالسناك، تدني هؤلاء دوننا، فنزلت: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} إلى قوله: {بِالشَّاكِرِينَ}. (¬2) روى بسنده عن سعد قال: نزلت هذه الآية فينا: ستة فيَّ وفي ابن مسعود وصهيب وعمار والمقداد وبلال. قال: قالت قريش لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنا لا نرضى أن نكون أتباعًا لهم فاطردهم عنك. قال: فدخل قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك ما شاء الله أن يدخل فأنزل الله -عَزَّ وجَلَّ-: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ...} الآية. (¬3) ¬

_ (¬1) مسند الإمام أحمد: ج 1/ 420. (¬2) المستدرك: ج 3/ 319. (¬3) ابن ماجة: 2/ 1383 كتاب الزهد باب مجالسة الفقراء ح 4128.

استهزاؤهم عند سماعهم القرآن

استهزاؤهم عند سماعهم القرآن قال ابن إسحاق: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا تلا عليهم القرآن، ودعاهم إلى الله؛ قالوا يهزؤون به: قلوبنا في أكنةٍ مما تدعونا إليه لا نفقه ما تقول، وفي آذاننا وقر لا نسمع ما تقول، ومن بيننا وبينك حجاب قد حال بيننا وبينك، فاعمل بما أنت عليه إننا عاملون بما نحن عليه، إنا لا نفقه عنك شيئًا، فأنزل الله تعالى عليه في ذلك من قولهم: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} إلى قومه: {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا} أي: كيف فهموا توحيدك ربك إن كنت جعلت على قلوبهم أكنة وفي آذانهم وقرًا وبينك وبينهم حجابًا بزعمهم، أي: إنى لم أفعل ذلك {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} أي: ذلك ما تواصوا به من ترك ما بعثك به إليهم {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} أي أخطئوا المثل الذي ضربوا لك فلا يصيبون به هدى، ولا يعتدل لهم فيه قول {وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} أي: قد جئت تخبرنا أنا سنبعث بعد موتنا إذا كنا عظامًا ورفاتًا، وذلك ما لا يكون {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} أي: الذي خلقكم مما تعرفون فليس خلقكم من تراب بأعز من ذلك عليه. روى ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس، -رضي الله عنهما-، قال: سألته عن قول الله تعالى: {أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} ما الذي أراد الله به؟ فقال: الموت. (¬1) ¬

_ (¬1) ج 1/ 339.

سبب نزول: {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ...}

سبب نزول: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ ...} روى بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: إني لمستتر بأستار الكعبة إذ جاء ثلاثة نفر: ثقفي وختناه قرشيان، كثير شحم بطونهم، قليل فقه قلوبهم، فتحدثوا بينهم بحديث، قال: فقال أحدهم: ترى أن الله، -عَزَّ وجَلَّ-، يسمع ما قلنا، قال الآخر: أراه يسمع إذا رفعنا ولا يسمع إذا خفضنا، قال الآخر: إن كان يسمع شيئًا منه إنه ليسمعه كله، قال: فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فأنزل الله -عَزَّ وجَلَّ-: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ} ... إلى قوله تعالى: {الْخَاسِرِينَ}. (¬1) ¬

_ (¬1) مسند الإمام أحمد: ج 1/ 408.

امتناعهم من الإيمان حسدا، وسبب نزول: {ولا تجهر بصلاتك ...}

امتناعهم من الإيمان حسدًا، وسبب نزول: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ ...} قال ابن إسحاق: فلما جاءهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما عرفوا من الحق، وعرفوا صدقه فيما حدث، وموقع نبوته فيما جاءهم به من علم الغيوب -حين سألوه عما سألوه عنه- حال الحسد منهم له بينهم وبين اتباعه وتصديقه، فعتوا على الله، وتركوا أمره عيانًا، ولجوا فيما هم عليه من الكفر، فقال قائلهم: {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} أي: اجعلوه لغوًا وباطلا، واتخذوه هزوًا لعلكم تغلبونه بذلك, فإنكم إن ناظرتموه أو خاصمتموه يومًا غلبكم ... فلما قال ذلك بعضهم لبعض جعلوا إذا جهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن وهو يصلي يتفرقون عنه، ويأبون أن يستمعوا له، وكان الرجل منهم إذا أراد أن يستمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعض ما يتلو من القرآن وهو يصلي استرق السمع دونهم فرقًا منهم؛ فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع منه ذهب خشية أذاهم، فلم يستمع، وإن خفض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صوته فظن الذي يستمع أنهم لا يستمعون شيئًا من قراءته وسمع هو شيئًا دونهم أصاخ له يستمع منه. (¬1) قال ابن إسحاق بسنده عن عبد الله بن عباس، -رضي الله عنهما-، قال: إنما أنزلت هذه الآية: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} من أجل أولئك النفر؛ يقول: لا تجهر بصلاتك فيتفرقوا عنك، ولا تخافت بها فلا يسمعها من يحب أن يسمعها ممّن يسترق ذلك دونهم لعله يرعوي إلى بعض ما يسمع فينتفع به. (¬2) ¬

_ (¬1) ابن هشام: ج 1/ 335. (¬2) ج 1/ 336.

قريش تهم باغتيال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)

قريش تهم باغتيال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) روى بسنده عن موسى بن عقبة في كتاب المغازي قال: ثم إن قريشًا ائتمرت رويتهم واشتد مكرهم، وهموا بقتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو إخراجه حين رأوا أصحابه يزدادون ويكثرون، فعرضوا على قومه أن يعطوه ديته ويقتلوه، فأبى ذلك قومه ومنع الله -عَزَّ وجَلَّ-، رسوله بحمية رهطه. (¬1) روى بسنده عن ابن عباس في قوله -عَزَّ وجَلَّ-: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا}، قال: كفار قريش، سدًا غطاء، {فَأَغْشَيْنَاهُمْ} يقول: ألبسنا أبصارهم وغشيناهم فهم لا يبصرون النبي - صلى الله عليه وسلم - فيؤذونه. وذلك أن أناسًا من بني مخزوم تواصوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ليقتلوه؛ منهم: أبو جهل، والوليد ابن المغيرة، ونفر من بني مخزوم, فبينا النبي - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي، فلما سمعوا قراءته أرسلوا الوليد ليقتله، فانطلق حتى انتهى إلى المكان الذي كان يصلي النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه، فجعل يسمع قراءته ولا يراه، فانصرف إليهم فأعلمهم ذلك، فأتاه من بعده أبو جهل، والوليد، ونفر منهم، فلما انتهوا إلى المكان الذي هو فيه يصلي سمعوا قراءته فيذهبون إلى الصوت؛ فإذا الصوت من خلفهم، فينتهون إليه فيسمعونه أيضًا من خلفهم، فانصرفوا ولم يجدوا إليه سبيلا، فذلك قوله: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} إلى آخر الآية. (¬2) النضر بن الحارث يحاول اغتيال النبي (صلى الله عليه وسلم) روى بسنده عن عروة بن الزبير قال: كان النضر بن الحارث ممّن يوذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويتعرض له، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا يريد حاجته نصف النهار، في حر شديد، فبلغ أسفل من ثنية الحجون، وكان يبعد إذا ذهب ¬

_ (¬1) دلائل البيهقي: ج 2/ 285. (¬2) دلائل البيهقي: ج 2/ 196.

لحاجته، فرآه النضر بن الحارث فقال: لا أجده أبدًا أخلى منه الساعة فأغتاله، قال: فدنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم انصرف راجعًا مرعوبًا إلى منزله فلقيه أبو جهل فقال: من أين الآن؟ فقال النضر: اتبعت محمدًا رجاء أن أغتاله، وهو وحده ليس معه أحد، فإذا أساود تضرب بأنيابها على رأسه فاتحة أفواهها، فهالتني فذعرت منها ووليت راجعًا، فقال أبو جهل: هذا بعض سحره. (¬1) ¬

_ (¬1) دلائل أبي نعيم: ج 1/ 263.

ذكر الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة

ذكر الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة قال ابن إسحاق: فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ما يصيب أصحابه من البلاء، وما هو فيه من العافية, بمكانه من الله ومن عمّه أبي طالب، وأنه لا يقدر أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء، قال لهم: لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإنّ بها ملكًا لا يُظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجًا مما أنتم فيه؛ فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى أرض الحبشة، مخافة الفتنة، وفرارًا إلى الله بدينهم، فكانت أول هجرة في الإسلام (¬1). أصحاب الهجرة الأولى إلى الحبشة 1 - عثمان بن عفان ومعه زوجه رقية بنت رسول الله. 2 - أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ومعه زوجه سهلة بنت سهيل. 3 - الزبير بن العوام بن خويلد. 4 - عبد الرحمن بن عوف. 5 - أبو سلمة بن عبد الأسد ومعه زوجه أم سلمة بنت أمية. 6 - عبد الله بن مسعود. 7 - عامر بن ربيعة حليف آل الخطاب ومعه زوجه ليلى بنت أبي حثمة. 8 - أبو سبرة بن أبي رهم ومعه زوجه أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو. 9 - سهيل بن بيضاء. 10 - عثمان بن مظعون. 11 - مصعب بن عمير (¬2). ¬

_ (¬1) السيرة لابن إسحاق, تحقيق التدمري ج1 ص 349. (¬2) قلت كانت الهجرة الأولى للحبشة في شهر رجب عام خمس للبعثة الثامن قبل الهجرة من عام 627 م.

الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يشير على أصحابه بالخروج إلى أرض الحبشة

الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يشير على أصحابه بالخروج إلى أرض الحبشة روى الطبري بسنده عن أم سلمة قالت: لما ضاقت علينا مكة، وأُذوي [أصحاب] النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ورأوا ما يصيبهم من الأذى، والفتنة في دينهم، وأنَّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في مَنَعَةٍ من قومه وعمه أبي طالب، لا يصل إليه شيء يكرهه، مما يصل إلى أصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإنّ بها ملكًا، لا يُنال عنده أحد بظُلم، فالحقوا ببلاده، حتى يجعل الله لكم فرجًا أو مخرجًا، مما أنتم فيه، فخرجنا إليها أَرسالًا فاجتمعنا بها، فنزلنا في خير دارٍ وأَمَنَةٍ (¬1). روى ابن سعد بسنده عن محمد الظفري عن رجل من قومه وعن الحارث بن الفضيل قالا: فخرجوا متسللين سيرًا، وكانوا أحد عشر رجلًا وأربع نسوة، حتى انتهوا إلى الشعيبة منهم الراكب والماشي. ووفق الله تعالى للمسلمين ساعة جاؤوا سفينتين للتجار حملوهم فيهما إلى أرض الحبشة بنصف دينار، وكان مخرجهم في رجب من السنة الخامسة من حين نبِّئ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وخرجت قريش في آثارهم حتى جاؤوا البحر حيث ركبوا فلم يدركوا منهم أحدًا، قالوا: وقدمنا أرض الحبشة فجاورنا بها خير جارٍ أمنَّا على ديننا وعبدنا الله لا نؤذى ولا نسمع شيئًا نكرهه (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه الطبري في "تاريخه": (2/ 331). (¬2) ابن سعد ج 1/ 204.

هجرة عثمان بن عفان وزوجه رقيه بنت رسول الله (رضي الله عنهما) إلى الحبشة

روى الطبري بسنده عن عروة قال: فذكر الحديث وفيه اشتداد الأذى على المسلمين ثم قال: فلما فعل ذلك بالمسلمين، أمرهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن يخرجوا إلى أرض الحبشة- وكان بالحبشة ملك صالح يقال له النجاشي، لا يظلم أحد بأرضه، وكان يثنى عليه من ذلك صلاح وكانت أرض الحبشة متجرًا لقريش يتجرون فيها، يجدون فيها رفاغًا من الرزق، وأمنًا ومتجرًا حسنًا- فأمرهم بها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فذهب إليها عامَّتهم لما قهروا بمكة، وخاف عليهم الفتن، ومكث هو فلم يبرح، فمكث بذلك سنواتٍ، يشتدُّون على من أسلم منهم. ثم إنه فشا الإسلام فيها، ودخل فيه رجالٌ من أشرافهم (¬1). هجرة عثمان بن عفان وزوجه رقيه بنت رسول الله (رضي الله عنهما) إلى الحبشة روى البخاري بسنده عن عروة بن الزبير فذكر الحديث وفيه قال عبيد الله بن الخيار لعثمان -رضي الله عنه-: وكنت ممّن استجاب لله ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وآمنت به، وهاجرت الهجرتين الأوليين (¬2). روى الحاكم بسنده عن سعد قال: لمَّا أراد عثمان بن عفان، -رضي الله عنه-، الخروج إلى أرض الحبشة قال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "اخرج برقيَّة معك" قال: "إخال واحد منكما يصبر على صاحبه"، ثم أرسل النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أسماء بنت أبي بكر، -رضي الله عنهما-، فقال: "ائتيني بخبرها" فرجعت أسماء إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وعنده أبو بكر، -رضي الله عنه-، فقالت: يا رسول الله أخرج حمارًا موكفًا فحملها عليه، وأخذ بها نحو البحر، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "يا أبا بكر إنهما لأول من هاجر بعد لوط وإبراهيم عليهما السلام" (¬3). ¬

_ (¬1) الطبري ج 2/ 328. (¬2) البخاري ج 5/ 63. (¬3) المستدرك ج 4/ 46.

أول من هاجر بظعينته إلى الحبشة أبو سلمة بن عبد الأسد وزوجه أم سلمة

عن أنس قال: خرج عثمان مهاجرًا إلى أرض الحبشة، ومعه رُقيَّة بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم واحتبس على النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم خبرهم، فكان يخرج يتوكَّف عنهم الخبر فجاءته امرأة فأخبرته، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "إن عثمان لأول من هاجر إلى الله بأهله بعد لوط" (¬1). أول من هاجر بظعينته إلى الحبشة أبو سلمة بن عبد الأسد وزوجه أم سلمة حدثنا جعفر بن عون عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع قال: حدثني الزهري عن قبيصة بن ذؤيب أن أبا سلمة كان ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وكان أول من هاجر بظعينته إلى أرض الحبشة ثم إلى المدينة (¬2). هجرة عامر بن ربيعة العنزي وزوجه ليلى بنت أبي حثمة إلى الحبشة (رضي الله عنهما) روى الحاكم عن عبد العزيز بن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه عن أمه أم عبد الله بنت أبى حثمة قالت: والله إنا لنترحل إلى أرض الحبشة فقد ذهب عامر في بعض حاجتنا إذ أقبل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حتى وقف علي وهو على شركه وكنا نلقى منه البلاء والشدة علينا، فقال: إنه الانطلاق يا أم عبد الله، فقلت: نعم، والله لنخرجن في أرض الله آذيتمونا وقهرتمونا حتى يجعل الله لنا مخرجًا، فقال: صحبكم الله ورأيت له رقة لم أكن أراها ثم انصرف وقد أحزنه فيما أرى خروجنا، قال: فجاء عامر بن ربيعة من ¬

_ (¬1) مجمع الزوائد ج 9/ 80. (¬2) رواه ابن أبي شيبة ج 17733.

خروج الصحابة رضوان الله عليهم إلى الحبشة

حاجته تلك، فقلت: يا أبا عبد الله لو رأيت عمر آنفًا ورقته وحزنه علينا، قال: أفتطمعي في إسلامه، قلت: نعم، قال: فلا يسلم الذي رأيت حتى يسلم جمل الخطاب (¬1). خروج الصحابة رضوان الله عليهم إلى الحبشة حدثنا محمد بن يحيى الباهلي حدثنا يعقوب بن محمد ثنا عمرو بن سليمان بن أبي حثمة عن أبيه عن الشفاء بن عبد الله عن ليلى بنت أبي حثمة قالت: لما اجتمعوا على الخروج جاءنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقال: "إن مصعب بن عمير قد حبسته أمه وهو يريد الخروج الليلة إذا رقدوا" قال عامر بن ربيعة فنحن ننتظره ولا نغلق بابًا دونه فلما هدأت الرجل جاءنا مصعب بن عمير فبات عندنا وظلّ يومه حتى إذا كان الليل خرج متسللًا ووعدناه فلحقناه وأدركناه فاصطحبناه قال وهم يمشون على أقدامهم وأنا على بعير لنا وكان مصعب بن عمير رقيق البشر ليس بصاحب رجله ولقد رأيت رجليه يقطران دمًا من الرقة فرأيت عامر خلع حذاءه فأعطاه حتى انتهينا إلى السفينة فنجد سفينة قد حملت ذرة وفرغت ما فيها جاءت من مور فتكارينا إلى مور ثم تكارينا من مور إلى الحبشة. ولقد كنت أرى عامر بن ربيعة يرق على مصعب بن عمير رقة ما يرقها على ولده وما معه دينار ولا درهم وكان معنا خمسة عشر دينارًا (¬2). عودة مهاجري الحبشة قال ابن إسحاق: وبلغ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الذين خرجوا إلى أرض الحبشة إسلام أهل مكة، فأقبلوا لما بلغهم من ذلك؛ حتى إذا دنوا ¬

_ (¬1) ابن هشام ج 1/ 343. (¬2) رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني 6/ 237 ج 3469. قلت مور ميناء يمني يقع في نهاية مصب وادي مور على البحر الأحمر بجوار اللحية المرجع البلدان اليمانية عند ياقوت الحموي ص 257.

موقف المشركين من جوار أبي طالب لابن أخته (1)

موقف المشركين من جوار أبي طالب لابن أخته (1) قال ابن إسحاق: وأما أبو سلمة بن عبد الأسد، فحدثني أبي إسحاق بن يسار، عن سلمة ابن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة، أنّه حدّثه، أنّ أبا سلمة لمّا استجار بأبي طالب مشى إليه رجالُ بني مخزوم، فقالوا: يا أبا طالب، [ما] هذا؟ منعت منَّا ابن أخيك محمدًا، فما لك ولصاحبنا تمنعه منَّا؟ قال: إنه استجار بي، وهو ابن أختي، وإن أنا لم أمنع ابن أختي لم أمنع ابن أخي، فقام أبو لهب فقال: يا معشر قريش، والله لقد أكثرتم على هذا الشيخ، ما تزالون تتواثبون عليه في جواره من بين قومه، والله لتنتهنَّ عنه أو لنقومنَّ معه في كل ما قام فيه، حتى يبلغ ما أراد، قال: فقالوا: بل ننصرف عمَّا تكره يا أبا عتبة، وكان لهم وليًّا وناصرًا على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فأبقوا على ذلك، فطمع فيه أبو طالب حين سمعه يقول ما يقول، ورجا أن يقوم معه في شأن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقال أبو طالب يحرِّضُ أبا لهب على نصرته ونصرة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (2). وإنّ امْرءًا أبو عتيبة عمُّه ... لفي روضة ما إنْ يُسامُ المظالما أقول له، وأين منه نصيحتي ... أبا مُعْتب ثبِّت سوادَك قائما ولا تقبلنّ الدَّهر ما عشتَ خُطَّةً ... تُسبّ بها إمّا هبطت المواسما وولّ سبيل العجز غيرك منهم ... فإنّك لم تخلق على العجز لازما وحاربْ فإنّ الحرب نصفٌ وما ترى ... أخا الحرب يعطي الخسف حتى يسالما وكيف لم يجنوا عليك عظيمة ... ولم يخذلوك غانمًا أو مغارما جزى الله عنّا عبدِ شمسٍ ونوفلا ... وتيما ومخزومًا عقوقًا ومأثما

_ (1) ابن هشام ج 1/ 388. (2) ابن هشام 1/ 371.

عثمان بن مظعون يرد جوار الوليد

بنفْريقهم من بعد وُدٍّ وألفةٍ ... جماعتنا كيما ينالوا المحارما كذبتم وبيت الله نُبزى محمدًا ... ولما تَرَوا يومًا لدى الشِّعب قائما وروى بسنده عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال: دخلوا مكة ولم يدخل أحدٌ منهم إلَّا بجوارٍ إلَّا ابن مسعود فإنّه مكث يسيرًا ثم رجع إلى أرض الحبشة (¬1). عثمان بن مظعون يرد جوار الوليد قال ابن إسحاق: فأما عثمان بن مظعون، فإن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف حدثني، عمن حدثه، عن عثمان، قال: لما رأى عثمان بن مظعون ما فيه أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - من البلاء، وهو يغدو ويروح في أمان من الوليد بن المغيرة, قال: والله إن غدوي ورواحي آمنا بجوار رجل من أهل الشرك، وأصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى في الله ما لا يصيبني، لنقص كبير في نفسي، فمشى إلى الوليد بن المغيرة، فقال له: يا أبا عبد شمس، وفت ذمتك، قد رددت إليك جوارك؛ فقال له: يا ابن أخي لعله آذاك أحد من قومي؟ قال: لا, ولكني أرضى بجوار الله، ولا أريد أن أستجير بغيره؟ قال: فانطلق إلى المسجد، فاردد علي جواري علانية كما أجرتك علانية. قال: فانطلقا فخرجا حتى أتيا المسجد، فقال الوليد: هذا عثمان قد جاء يرد علي جواري، قال: صدق، قد وجدته وفيًا كريم الجوار، ولكني قد أحببت أن لا أستجير بغير الله، فقد رددت عليه جواره, ثم انصرف عثمان، ولبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب في مجلس من قريش ينشدهم، فجلس معهم عثمان، فقال لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل قاله عثمان: صدقت. قال لبيد: وكل نعيم لا محالة زائل ¬

_ (¬1) عيون الأثر 6ج 1/ 120 قلت خرج مع جعفر بن أبي طالب للمرة الثانية.

أصحاب الهجرة الثانية إلى الحبشة

قال عثمان: كذبت، نعيم الجنة لا يزول. قال لبيد بن ربيعة: يا معشر قريش، والله ما كان يؤذى جليسكم، فمتى حدث هذا فيكم؟ فقال رجل من القوم: إن هذا سفيه في سفهاء معه، قد فارقوا ديننا، فلا تجدن في نفسك من قوله؛ فرد عليه عثمان حتى شرى أمرهما، فقام إليه ذلك الرجل فلطم عينه فخضرها والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ من عثمان، فقال: أما والله يا ابن أخي كانت عينك عما أصابها لغنية، لقد كانت في ذمة منيعة. قال: يقول عثمان: بل والله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله، وإني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس؛ فقال له الوليد: هلم يا بن أخي، إن شئت فعد إلى جوارك؛ فقالا: لا. روى محمد بن عمر بأسانيده المتعددة قالوا: لمّا قدم أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مكة من الهجرة الأولى اشتد عليهم قومهم وسطت بهم عشائرهم ولقوا منهم أذىً شديدًا، فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في الخروج إلى أرض الحبشة مرة ثانية، فكانت خرجتُهم الآخرة أعظمهما مشقة ولقوا من قريش تعنيفًا شديدًا ونالوهم بالأذى، واشتد عليهم ما بلغهم عن النجاشي من حسن جواره لهم، فقال عثمان بن عفان: يا رسول الله فهجرتنا الأولى وهذه الآخرة إلى النجاشي ولست معنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.: "أنتم مهاجرون إلى الله وإليّ، لكم هاتان الهجرتان جميعًا"، قال عثمان فحسبنا يا رسول الله؛ وكان عدّة من خرج في هذه الهجرة من الرجال ثلاثة وثمانين رجلًا، ومن النساء إحدى عشرة امرأة قرشية وسبع غرائب، فأقام المهاجرون بأرض الحبشة عند النجاشي بأحسن جوار (¬1). أصحاب الهجرة الثانية إلى الحبشة (¬2) من بني هاشم بن عبد مناف: 1 - جعفر بن أبي طالب: ومعه زوجه أسماء بنت عميس بقي في الحبشة حتى انتقل إلى المدينة سنة سبع. ¬

_ (¬1) ابن سعد ج 1/ 207. (¬2) قلت كانت الهجرة الثانية إلى الحبشة في شهر ذي القعدة من العام الخامس للبعثة الموافق للعام الثامن قبل الهجرة من عام627 م.

من بني أمية بن عبد شمس

من بني أمية بن عبد شمس: 2 - عثمان بن عفان: ومعه زوجه رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا. 3 - عمرو بن سعيد بن العاص: ومعه زوجه فاطمة بنت صفوان بقي في الحبشة حتى رجع مع جعفر. 4 - خالد بن سعيد بن العاص: ومعه زوجه أمينة بنت خلف بقي في الحبشة حتى رجع مع جعفر. من حلفائهم: 5 - عبد الله بن جحش: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا. 6 - عبيد الله بن جحش: ومعه زوجه أم حبيبة بنت سفيان، تنصر في الحبشة -قبحه الله-. 7 - قيس بن عبد الله الأسدي: ومعه زوجه بركة بنت يسار بقي في الحبشة مسلمًا. 8 - معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي. من بني عبد شمس: 9 - أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة: ومعه زوجه سهلة بنت سهيل، رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا. من حلفائهم: 10 - أبو موسى الأشعري: رجع مع جعفر. من بني نوفل بن عبد مناف: من حلفائهم: 11 - عتبة بن غزوان: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا. من بني أسد بن عبد العزى: 12 - الزبير بن العوام: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا. 13 - الأسود بن نوفل: بقي في الحبشة حتى رجع مع جعفر. 14 - يزيد بن زمعة: بقي في الحبشة وانتقل منها فيما بعد واستشهد يوم الطائف. 15 - عمرو بن أمية بن الحارث: مات في الحبشة.

من بني عبد بن قصي

من بني عبد بن قصي: 16 - طليب بن عمرو بن وهب: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا. من بني عبد الدار بن قصي: 17 - مصعب بن عمير: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا. 18 - سويبط بن سعد بن حرملة: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا. 19 - جهم بن قيس: ومعه زوجه أم حرملة بنت عبد الأسود الخزاعي بقي في الحبشة حتى رجع مع جعفر. 20 - أبو الروم بن عمير: انتقل إلى المدينة بعد بدر وشهد أحدًا. 21 - فراس بن النضر بن الحارث: انتقل إلى المدينة فيما بعد. من بني زهرة بن كلاب: 22 - عبد الرحمن بن عوف: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا. 23 - عامر بن أبي وقاص: انتقل إلى المدينة بعد بدر وشهد أحدًا. 24 - المطلب بن أزهر: ومعه زوجه رملة بنت أبي عوف مات بالحبشة. من حلفائهم: 25 - عبد الله بن مسعود الهذلي: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا. 26 - عتبة بن مسعود الهذلي: انتقل إلى المدينة بعد بدر وشهد أحدًا. 27 - المقداد بن عمرو: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا. من بني تيم بن مرة: 28 - الحارث بن خالد: ومعه زوجه ريطة بنت الحارث بقي في الحبشة حتى رجع مع جعفر. 29 - عمرو بن عثمان بن عمرو: بقي في الحبشة، وهاجر إلى المدينة، واستشهد في القادسية. من بني مخزوم بن يقظة: 30 - أبو سلمة بن عبد الأسد: ومعه زوجه أم سلمة بنت أمية، رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا. 31 - شمّاس بن عثمان: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا.

من حلفائهم

32 - هبّار بن سفيان: بقي في الحبشة، ثم انتقل منها، واستشهد يوم أجنادين. 33 - عبد الله بن سفيان: بقي في الحبشة، ثم انتقل منها، واستشهد يوم اليرموك. 34 - هشام بن أبي حذيفة بن المغيرة: بقي في الحبشة، ثم انتقل منها فيما بعد. 35 - سلمة بن هشام بن المغيرة: رجع إلى مكة، وحُبس فيها حتى غزوة خيبر، فهاجر في السنة السابعة إلى المدينة. 36 - عيّاش بن أبي ربيعة: ومعه زوجه أسماء بنت سلامة التميمية رجع إلى مكة، وحُبس فيها حتى غزوة خيبر، فهاجر إلى المدينة في السنة السابعة. من حلفائهم: 37 - معتب بن عوف الخزاعي: رجع إلى مكة، وهاجر إلي المدينة، وشهد بدرًا. من بني جمح بن عمرو: 38 - عثمان بن مظعون: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا. 39 - السائب بن عثمان: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا. 40 - قدامة بن مظعون: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا. 41 - عبد الله بن مظعون: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا. 42 - حاطب بن الحارث: ومعه زوجه فاطمة بنت المجلل، مات في الحبشة. 43 - حطاب بن الحارث: ومعه زوجه فكيهة بنت يسار، مات في الحبشة. 44 - سفيان بن معمر: ومعه زوجه حسنة، مات في الحبشة. 45 - عثمان بن ربيعة: بقي في الحبشة حتى رجع مع جعفر. 46 - الحارث بن حاطب: بقي في الحبشة. من حلفائهم: 47 - شرحبيل بن حسنة: بقي في الحبشة، ثم رجع، ومات بطاعون عمواس. من بني سهم بن عمرو: 48 - خنيس بن حذاقة: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا. 49 - عبد الله بن الحارث: مات في الحبشة (على إحدى الروايات)، وفي رواية أنه استشهد باليمامة.

من حلفائهم

50 - هشام بن العاص بن وائل: رجع إلى مكة، وحُبس فيها إلى ما بعد غزوة الخندق، وهاجر بعدئذ. 51 - قيس بن حذافة: بقي في الحبشة، وانتقل منها فيما بعد. 52 - أبو قيس بن الحارث: انتقل إلى المدينة بعد بدرٍ، وشهد أُحدًا. 53 - عبد الله بن حذافة السهمي: بقي في الحبشة، وانتقل منها. 54 - الحارث بن الحارث بن قيس: بقي في الحبشة، وانتقل منها فيما بعد. 55 - معمر بن الحارث بن قيس: بقي في الحبشة، وانتقل منها فيما بعد. 56 - بشر بن الحارث قيس: بقي في الحبشة، وانتقل منها فيما بعد. 57 - سعيد بن عمرو التميمي: بقي في الحبشة، وانتقل منها فيما بعد. 58 - سعيد بن الحارث بن قيس: بقي في الحبشة، وانتقل منها فيما بعد، واستشهد في اليرموك. 59 - السائب بن الحارث بن قيس: بقي في الحبشة، وانتقل منها فيما بعد، وحضر الطائف. 60 - عمير بن رئاب بن حذيفة: بقي في الحبشة، وانتقل منها فيما بعد، استشهد في عين التمر. من حلفائهم: 61 - محمية بن جزء الزبيدي: بقي في الحبشة ثم رجع وشهد المريسيع. من بني عدي بن كعب: 62 - معمر بن عبد الله بن نضلة: بقي في الحبشة حتى رجع مع جعفر. 63 - عروة بن عبد العزى: مات في الحبشة. 64 - عدي بن نضلة بن عبد العزى: مات في الحبشة. 65 - النعمان بن عدي: بقي في الحبشة حتى رجع مع جعفر. من حلفائهم: 66 - عامر بن ربيعة ومعه زوجه ليلى بنت أبي حثمة، رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا.

من بني عامر بن لؤي

من بني عامر بن لؤي: 67 - أبو سبرة بن أبي رهم: ومعه زوجه أم كلثوم بنت سهيل، رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا. 68 - عبد الله بن مخرمة: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا. 69 - عبد الله بن سهيل بن عمرو: رجع إلى مكة، وحبس، وخرج إلى بدر مع قريش، وانحاز إلى المسلمين. 70 - سليط بن عمرو: انتقل بعد بدر، وشهد أُحدًا، واستشهد يوم اليمامة. 71 - السكران بن عمرو: ومعه زوجه سودة بنت زمعة، رجع إلى مكة، ومات فيها قبل الهجرة إلى المدينة. 72 - مالك بن زمعة: ومعه زوجه عمرة بنت السعدي، بقي في الحبشة حتى رجع مع جعفر. 73 - حاطب بن عمرو: بقي في الحبشة حتى رجع مع جعفر. من حلفائهم: 74 - سعد بن خولة: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا. 75 - أبو عبيدة بن الجراح: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا. 76 - سهيل بن بيضاء: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا. 77 - عمرو بن أبي سرح: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا. 78 - عياض بن زهير: بقي في الحبشة، انتقل منها فيما بعد. 79 - عمرو بن الحارث بن زهير: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا. 80 - عثمان بن عبد غنم: بقي في الحبشة، انتقل منها فيما بعد. 81 - سعد بن عبد قيس: بقي في الحبشة، انتقل منها فيما بعد. 82 - الحارث بن عبد قيس: بقي في الحبشة، انتقل منها فيما بعد. 83 - عبد الله بن عرفطة.

ما قيل من الشعر في هجرة الحبشة

ما قيل من الشعر في هجرة الحبشة شعر عبد الله بن الحارث في هجرة الحبشة: وكان مما قيل من الشعر في الحبشة أنّ عبد الله بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم، حين أمنوا بأرض الحبشة، وحمدوا جوار النجاشي، وعبدوا الله لا يخافون على ذلك أحدًا، وقد أحسن النجاشي جوارهم حين نزلوا به، قال: يا راكبًا بلّغنْ عنّي مغلغلةً (¬1) ... من كان يرجو بلاغ الله والدّين كلّ امرئٍ من عباد الله مضطّهدٍ ... ببطن مكة مقهورٍ ومفتون أنّا وجدنا بلاد الله واسعة ... تُنجي من الذُّلّ والمخزاة والهُون فلا تقيموا على ذُل الحياة وخزْ ... يٍ في الممات وعيبٍ غير مأمون إنّا تبعنا رسول (¬2) الله واطرحوا ... قول النبي وعالوا (¬3) في الموازين فاجعل عذابك في القوم الذين بغوا ... وعائذ (¬4) بك أن يغلوا (¬5) فيطغوني (¬6) وقال عبد الله بن الحارث أيضًا يذكر نفي قريش إياهم من بلادهم، ويعاتب بعض قومه في ذلك: أبت كبدي, لا أكذبنك، قتالهم ... على وتأباه عليّ أناملي وكيف قتالي معشرًا أدّبوكم (¬7) ... على الحق أن لا تأشبوه (¬8) بباطل نفتهم عباد الجن (¬9) من حر أرضهم ... فأضحوا على أمرٍ شديد (¬10) البلابل (¬11) ¬

_ (¬1) المغلغلة: الرسالة، السيرة لابن إسحاق تحقيق التدمري ج 1/ 357. (¬2) وفي رواية "نبي". (¬3) عالوا: خانوا. (¬4) وفي رواية "وعائذًا". (¬5) وفي رواية "يعلوا" بالمهملة. (¬6) الأبيات في تاريخ الإسلام (السيرة) 185، والسيرة والمغازي 221. (¬7) في السير والمغازي "معشر يأدبونهم". (¬8) تأشبوه.: تخلطوه. وفي السير "يأشبوه". (¬9) في السير: "نفيتم عباد الله". (¬10) في السير "كثير". (¬11) البلابل: وساوس الأحزان.

فإن تك كانت في عدي أمانة ... عدي بن سعد عن تقي أو تواصل (¬1) فقد كنت أرجو (¬2) أنّ ذلك فيكم ... بحمد الذي لا يطبّي (¬3) بالجعائل وبدّلت شبلًا شبل كلّ خبيثة (¬4) ... بذي فجر (¬5) مأوى الضّعاف الأرامل (¬6) وقال عبد الله بن الحارث أيضًا: وتلك قريشٌ تجحدُ الله حقّه ... كما جحدت عادٌ ومدين والحجرُ فإن أنا لم أبرق فلا يسعنني ... من الأرض برٌّ ذو فضاء ولا بحر بأرض بها عبد الإلهَ محمدُ ... أبيّن ما في النفس إذا بلغ النَّقر فسمّي عبد الله بن الحارث -يرحمه الله- لبيته الذي قال "المبرق". وقال عثمان بن مظعون يعاتب أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح، وهو ابن عمّه وكان يؤذيه في إسلامه، وكان أُمية شريفًا في قومه في زمانه ذلك: أتيم بن عمرو للذي جاء بغضه ... ومن دونه الشرمان والبرك أكتع أأخرجتني من بطن مكة آمنا ... وأسكنتني في صرح بيضاء تقذع تريش نبالًا لا يُواتيك ريشُها ... وتبرى نبالًا ريشها لك أجمع وحاربت أقوامًا كرامًا أعزةً ... وأهلكت أقوامًا بهم كنت تفزع ستعلم إنْ نابتْك ملمَّة ... وأسلمك الأوباش ما كنت تصنع وتيم بن عمرو، الذي يدعو عثمان، جُمحُ، كان اسمه تَيْمًا. ¬

_ (¬1) في السير "من يفي ويواصل". (¬2) في السير "أحسب". (¬3) لا يطبّي بالجعائل: لا يستمال بالرشوة. (¬4) في السير والمغازي "كتيبة". (¬5) الفجر: الغطاء، وفي السير "فخرها". (¬6) الأبيات في السير والمغازي 221.

هجرة عمرو بن سعيد بن العاص وزوجه فاطمة بنت صفوان بن أمية (رضي الله عنهما)

هجرة عمرو بن سعيد بن العاص وزوجه فاطمة بنت صفوان بن أمية (رضي الله عنهما) روى الحاكم بسنده عن عبد الله بن عمرو بن سعيد بن العاص قال لما أسلم خالد بن سعيد وصنع به أبوه أبو أحيحة ما صنع فلم يرجع عن دينه ولزم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وكان ابنه عمرو بن سعيد على دينه فلما أسلم عمرو ولحق بأخيه خالد بأرض الحبشة ومعه امرأته فاطمة بنت صفوان بن أمية [قال] محمد بن عمرو [حدثني] جعفر بن محمد بن خالد عن إبراهيم بن عقبة عن أم خالد بنت خالد بن سعيد قالت: قدم علينا عمرو بن سعيد أرض الحبشة بعد مقدم أبي فلم يزل هنالك حتى حمل في السفينتين مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقدموا على النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وهو بخيبر سنة سبع من الهجرة (¬1). هجرة خالد بن سعيد بن العاص إلى الحبشة (رضي الله عنه) روى الحاكم بسنده عن خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد، سمعت أبى يذكر عن عمه خالد بن سعيد الأكبر، أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حين قدم من أرض الحبشة، ومعه ابنته أم خالد، فجاء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وعليها قميص أصفر وقد أعجب الجارية قميصها، وقد كانت فهمت بعض كلام الحبشة، فراطنها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بكلام الحبشة: "سَنَهْ سَنَهْ"، وهي بالحبشية: حسن حسن، ثم قال لها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "أبلي وأخلقي، أبلي وأخلقي"، قال: فأبلت والله، ثم أخلقت، ثم مالت إلى ظهر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فوضعت ¬

_ (¬1) المستدرك للحاكم.

يدها على موضع خاتم النبوة، فأخذها أبوها فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "دعها" (1). قال الشافعي في كتاب حرملة: أخبرنا سفيان، حدثنا إسحاق بن سعيد السعيدي، عن أبيه، عم أم خالد بنت خالد، قالت: قدمتُ من أرض الحبشة وأنا جُويرية، فكساني النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم خميصة لها أعلام، فكان يمسح الأعلام بيده ويقول: "سناه سناه" بالحبشية: يعني حسن (2).

احتمال عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) للأذى في غربته

احتمال عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) للأذى في غربته روى بسنده عن القاسم قال: خرج عبد الله بن مسعود في رهط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى أرض الحبشة في البحر، وكان بها سوق يبيعون ويشترون، فانطلق عبد الله وحده وأخذ ما معه فقال له صاحب منزله: إني أراك تنطق وحدك، وإني أحذّرك رجلًا بلغ في شره لا يلقى غريبًا إلا ضربه أو قتله وأخذ ما معه. قال: ثم وصف لي صفة الرجل، فلما جئت السوق عرفته بالصفة، فجعلت أستخفي منه بالناس لا يأخذ طريقًا إلا أخذت غيره حتى بعت ما معي بدينارين، ثم إني غفلت غفلة فلم أشعر إلَّا وهو قائم على رأسي قد أخذ بيدي فجعل يسألني ما معك؟ قال: قلت له: أتجعل لي إنْ يخلّي سبيلي أعطك مع معي، قال: وكم معك؟ قلت: ديناران، قال: زدني، قلت: ما بعت إلا بهما، قال: زدني، قال: فبينما هو إذْ بصر به رجلان وهما على تلّ فانحطّا نحوه، فلما رآهما خلّى سبيلي وهرب، فجعلت أناديه هاك الدينارين، فقال: لا حاجة لي فيهما واتبعاه، ورجعت إلى أصحابي (¬1). أبو موسى الأشعري (رضي الله عنه) ينطلق مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض الحبشة أخبرنا عبيد الله بن موسى أنا إسرائيل عن إسحاق عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن ننطلق مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض النجاشي فبلغ ذلك قريشًا فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد وجمعوا للنجاشي هدية قال فقدمنا على النجاشي فأتوه بهديته فقبلها وسجدوا له ثم قال له عمرو بن العاص إن قومًا منا رغبوا عن ديننا وهم في أرضك. فقال لهم النجاشي: في أرضي؟ قالوا: نعم، قال: فبعث إلينا فقال: لنا جعفر لا يتكلمن منكم أحد فأنا ¬

_ (¬1) دلائل النبوة للبيهقي ج 1/ 298.

ذكر الهجرة الثانية للحبشة في شهر ذي القعدة

خطيبكم اليوم، قال: فانتهينا إلى النجاشي وهو جالس في مجلسه وعمرو بن العاص عن يمينه وعمارة بن الوليد عن يساره والقسيسون والرهبان جلوس سماطين، وقد قال له: عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد إنهم لا يسجدون لك، قال: فلما انتهينا إليه دنونا، قال: من عنده من القسيسين والرهبان اسجدوا للملك، فقال جعفر: لا نسجد إلا لله -عَزَّ وجَلَّ-، قال له النجاشي: وما ذاك، قال: إن الله -عَزَّ وجَلَّ- بعث فينا رسولًا وهو الذي بشر به عيسى بن مريم -عليه السلام- برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئًا ونقيم الصلاة ونؤتي الزكاة وأمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر، قال: فأعجب النجاشي قوله فلما رأى ذلك عمرو بن العاص، قال: أصلح الله الملك إنهم يخالفونك في ابن مريم، قال النجاشي: ما يقول صاحبك في ابن مريم، قال يقول فيه قول الله -عَزَّ وجَلَّ- هو روح الله وكلمته وأخرجه من العذراء البتول التي لم يقربها بشر، قال: فتناول النجاشي عودًا من الأرض، فقال: يا معشر القسيسين والرهبان ما يزيد هؤلاء على ما نقول في ابن مريم ما يزن هذا مرحبًا بكم وبمن جئتم من عنده فأنا أشهد أنه رسول الله وإنه الذي بشر به عيسى بن مريم ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أحمل نعليه امكثوا في أرضي ما شئتم وأمر لنا بطعام وكسوة وقال: ردوا على هذين هديتهم (¬1). ذكر الهجرة الثانية للحبشة في شهر ذي القعدة حدثنا حسن بن موسى قال سمعت حديجًا أخًا زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن عبد الله بن عتبة عن ابن مسعود قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى النجاشي، ونحن نحو من ثمانين رجلًا، فيهم عبد الله بن مسعود، وجعفر، وعبد الله بن عرفطة، وعثمان بن مظعون، وأبو موسى، فأتوا النجاشي، وبعثت قريش عمرو بن العاص، وعمارة بن الوليد، بهدية، فلما دخلا على النجاشي، سجدا له، ثم ابتدراه عن يمينه وعن شماله، ثم قالا له: إن نفرًا من بني عمّنا نزلوا أرضك، ورغبوا عنَّا وعن ملتنا، قال: فأين هم؟ قال: هم في أرضك فابعث إليهم، فبعث إليهم، فقال جعفر: أنا خطيبكم اليوم، فاتبعوه، فسلم فلم يسجد، فقالوا له: مالك لا تسجد للملك؟ ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقيُّ في دلائل النبوة ج 2 ص 299.

حديث جعفر بن أبي طالب في الهجرة إلى الحبشة

قال: إنا لا نسجد إلا لله -عَزَّ وجَلَّ-، قال: وما ذاك، قال: إن الله -عَزَّ وجَلَّ- بعث إلينا رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأمرنا أن لا نسجد لأحد إلا لله -عَزَّ وجَلَّ-، وأمرنا بالصلاة والزكاة، قال عمرو بن العاص: فإنهم يخالفونك في عيسى ابن مريم، قال: ما تقولون في عيسى ابن مريم وأمه؟ قالوا نقول كما قال الله -عَزَّ وجَلَّ-: هو كلمة الله وروحه ألقاها إلى العذراء البتول التي لم يمسها بشر ولم يفتضها أحد, قال: فرفع عودًا من الأرض، ثم قال: يا معشر الحبشة والقسيسين والرهبان، والله ما يزيدون على الذي نقول فيه ما يسوى هذا، مرحبًا بكم وبمن جئتم من عنده، أشهد أنه رسول الله، فإنه الذي نجد في الإنجيل، وإنه الرسول الذي بشر به عيسى بن مريم، انزلوا حيث شئتم، والله لولا ما أنا فيه من الملك لآتيته حتى أكون أنا أحمل نعليه وأوضئه، وأمر بهدية الآخرين فردت إليهما، ثم تعجل عبد الله بن مسعود حتى أدرك بدرًا، وزعم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم استغفر له حين بلغه موته (¬1). حديث جعفر بن أبي طالب في الهجرة إلى الحبشة عن جعفر بن أبي طالب قال: بعثت قريش عمرو بن العاص وعُمارة بن الوليد بهدية من أبي سفيان إلى النجاشي، فقالوا له ونحن عنده: قد بعثوا إليك أُناسًا من سفلتنا وسفهائهم، فادفعهم إلينا، قال: لا حتى أسمع كلامهم، فبعث إلينا، وقال: ما تقولون؟ فقلنا: إن قومنا يعبدون الأوثان، والله -عَزَّ وجَلَّ- بعث إلينا رسولًا فآمنا به وصدقناه، فقال لهم النجاشي: عبيدٌ هم لكم؟ قالوا: لا،- قال: فلكم عليهم دين؟ قالوا: لا، قال: فخلوا سبيلهم، فخرجنا من عنده، فقال: عمرو بن العاص: إن هؤلاء يقولون في عيسى غير ما تقولون، قال: إن لم يقولوا في عيسى مثل ما نقول لا أدعهم في أرضى ساعةً من نهار، قال: [فأرسل إلينا]، فكانت الدعوة الثانية أشد علينا من الأولى، فقال: ما يقول صاحبكم في عيسى ابن مريم؟ فقلنا: يقول: "هو روح الله وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول" قال: فأرسل فقال: ادعوا فلانًا القسيس وفلانًا الراهب، فأتاه ناس منهم، ¬

_ (¬1) مسند الإمام أحمد 3/ 69, قال ابن كثير: إسناده جيد قوي وسياق حسن. قلت كانت الهجرة الثانية للحبشة في شهر ذي القعدة عام خمس للبعثة الثامن قبل الهجرة من عام 627م.

حديث أم سلمة في الهجرة إلى الحبشة

فقال: ما تقولون في عيسى ابن مريم؟ قالوا: فأنت أعلمنا، فما تقول؟ قال: فأخذ النجاشي شيئًا من الأرض، ثم قال: هكذا عيسى ابن مريم، ما زاد على ما قال هؤلاء مثل هذا، ثم قال لهم: أيؤذيكم أحدٌ؟ قالوا: نعم، فأمر مناديًا فنادى: من آذى أحدًا من هؤلاء فأغرموه أربعة دراهم [ثم] قال: يكفيكم؟ فقلنا: لا، فأضعفها، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى المدينة، وظهر بها، قلنا له: إن صاحبنا قد خرج إلى المدينة وظهر بها، وهاجر قبل الذين كنا حدثناك عنهم، وقد أردنا الرحيل إليه فزوّدنا، قال: نعم، فحملنا وزودنا وأعطانا، ثم قال: أخبر صاحبك ما صنعت إليكم، وهذا رسولي معك وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنه رسول الله، فقل له يستغفر لي، قال جعفر: فخرجنا حتى أتينا المدينة، فتلقانا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم واعتنقني، فقال: "ما أدري أنا بفتح خيبر أفرح أم بقدوم جعفر؟ ". ثم جلس، فقال رسول النجاشي فقال: هو ذا جعفر، فسله ما صنع به صاحبنا؟ فقلت: نعم، قد فعل بنا، قد فعل كذا وكذا، وحملنا وزودنا ونصرنا، وشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وقال: قل له: يستغفر لي، فقام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فتوضأ، ثم دعا ثلاث مرات: "اللَّهم اغفر للنجاشي" فقال المسلمون: آمين، فقال: فقلت للرسول: انطلق، فأخبر صاحبك ما رأيت من النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (¬1). حديث أم سلمة في الهجرة إلى الحبشة وعن أم سلمة ابنة أبي أمية بن المغيرة زوج النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قالت: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جارٍ، النجاشي أمنَّا على ديننا، وعبدنا الله وحده لا نؤذى ولا نسمع شيئًا نكرهه، فلما بلغ ذلك قريشًا ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين جلدين وأن يهدوا للنجاشي هدايا، مما يستطرف من متاع مكة، ¬

_ (¬1) جامع الأصول في حديث الرسول لابن الأثير حديث رقم 9845.

وكان أعجب ما يأتيه منها الأدم، فجمعوا له أدمًا كثيرًا، لم يتركوا من بطارقته بطريقًا إلا أهدوا له هديةً، وبعثوا بذلك مع عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، وعمرو بن العاص بن وائل السهمي، وأمروهما أمرهم، وقالوا لهما: ادفعوا إلى كل بطريق هديته، قبل أن تكلِّموا النجاشي فيهم، ثم قدَّموا للنجاشي هداياه، ثم اسألوه أن يسلِّمهم إليكم قبل أن يكلمهم، قالت: فخرجا، فقدما على النجاشي، [ونحن عنده بخير دارٍ، وعند خير جارٍ، فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي] ثم قالا لكل بطريق منهم: إنه قد ضوى إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينكم، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم، ليردهم إليهم، فإذا كلمنا الملك فيهم، فأشيروا عليه أن يسلمهم إلينا، ولا يكلمهم، فإنّ قومهم أعلى بهم عينًا، وأعلم بما عابوا عليهم، فقالوا لهما: نعم، ثم قربوا هداياهم إلى النجاشي فقبلها منهم، ثم كلماه، فقالا له: أيها الملك إنه قد صبا إلى بلدك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأبنائهم وعشائرهم، لنردهم إليهم، فلهم أعلى بهم عينًا، وأعلم بما عابوا عليهم، وعاتبوهم فيه، ولم يكن [شيء] أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع النجاشي كلامهم، فقالت بطارقته حوله: صدقوا أيها الملك، قومهم أعلى بهم عينًا، وأعلم بما عابوا عليهم، فأسلمهم إليهما، فليرداهم إلى بلادهم وقومهم، فغضب النجاشي وقال: لا ها الله، أيْمُ الله، إذا لا أسلمهم إليهما ولا أُكاد، قومًا جاوروني ونزلوا بلادي، واختاروني على من سواي حتى أدعوهم، فأسألهم عما يقول هذان في أمرهم، فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما، ورددتهم إلى قومهم، وإن كانوا على غير ذلك، منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني. قالت: ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فدعاهم، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا، فقال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله ما علمنا، وما أمرنا به نبينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، كائن في ذلك ما هو كائن، فلما جاؤوه، وقد دعا النجاشي أساقفته، فنشروا مصاحفهم حوله، سألهم فقال: ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم، ولم

تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم؟ قالت: وكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب -عليه السلام- فقال: أيها الملك، كنا قومًا أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منا، نعرف نسبه وصِدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله -عَزَّ وجَلَّ- لنوحِّده ونعبده، ونخلع ما كنَّا نعبد نحن وآباؤنا من دون الله من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرَّحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وشهادة الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئًا، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة -قالت: فعدّد عليه أمور الإسلام- فصدقناه وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئًا، وحرّمنا ما حرّم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فَعَدَا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله -عَزَّ وجَلَّ-، وأن نستحلّ ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا، حالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك، قالت: فقال النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قالت: فقال له جعفر: نعم، قالت: فقال له النجاشي: فاقرأه، فقرأ عليه صدرًا من {كهيعص} قالت: فبكى [والله] النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشي: إن هذا [والله] والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فوالله لا أُسلمهم إليكم أبدًا ولا أُكاد. قالت أم سلمة: فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص: والله لآتينه غدًا أعيبهم عنده بما استأصل به خضراءهم، فقال له عبد الله بن أبي ربيعة وكان أتقى الرجلين فينا: لا تفعل، فإن لهم أرحامًا، وإن كانوا خالفونا، قال: والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم -عليه السلام- عبدٌ، قالت: ثم غدا عليه [الغد] فقال: أيها الملك إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولًا عظيمًا، فأرسل إليهم، فسلهم عما يقولون فيه؟! قالت: فأرسل إليهم يسألهم عنه، قالت: ولم ينزل بنا مثلها، واجتمع القوم، فقال بعضهم لبعض: ما تقولون في عيسى إذا سألكم عنه قالوا: نقول والله ما قال الله -عَزَّ وجَلَّ-

وما جاء به نبينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كائن في ذلك ما هو كائن، فلما دخلوا عليه قال [لهم]: ما تقول في عيسى ابن مريم؟ فقال له جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاء به نبينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول" قال: فضرب النجاشي يده إلى الأرض، فأخذ منها عودًا، ثم قال: ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود، فتناخرت بطارقة حوله حين قال ما قال، [فقال]: وإن نخرتم والله، اذهبوا، فأنتم سُيُوم بأرضي -السُيُوم: الآمنون- من سبَّكم غُرِّم، ثم من سبَّكم غُرِّم، ثم من سبَّكم غُرِّم، ما أحب أن لي دبرًا ذهبًا، وأني آذيت رجلًا منكم. -الدبر بلسان الحبشة: الجبل- ردوا عليهما هداياهما، فلا حاجة لي فيهما، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين ردّ علي ملكي، فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه، فخرجا من عنده مقبوحين مردودًا عليهما ما جاءوا به وأقمنا عنده، في خير دارٍ مع خير جارٍ، فوالله إنا لعلى ذلك، إذا نزل به -يعني: من ينازعه في ملكه- قالت: والله ما علمنا حزنًا قطُّ كان أشد من حزن حزناه عند ذلك، تخوفًا أن يظهر ذلك على النجاشي، فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف [منه]. قالت: وسار النجاشي وبينهما عُرضُ النيل، قالت: فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: من رجل يخرج حتى يحضر وقيعة القوم ثم يأتينا؟ قالت: فقال الزبير بن العوام: أنا، قالت: وكان من أحدث القوم سنًا. قالت: فنفخوا له قربةً فجعلوها في صدره، فسبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم، ثم انطلق حتى حضرهم، قالت: ودعونا الله -عَزَّ وجَلَّ- للنجاشي بالظهور على عدوه، والتمكين له في بلاده، واستوثق عليه أمر الحبشة، فكنا عنده في خير منزلٍ حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وهو بمكة. روى أحمد ورجاله رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع (¬1). ¬

_ (¬1) سيرة ابن إسحاق التدمري ج1 ص (360).

روى أبو نعيم بسنده عن عروة بن الزبير في خروج جعفر بن أبي طالب وأصحابه إلى الحبشة قال: فبعثت قريش في آثارهم عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي وعمرو بن العاص السهمي وأمروهما أن يسرعا السير حتى يسبقاهم إلى النجاشي، ففعلا، فقدما على النجاشي فدخلا عليه: فقالا له: إن هذا الرجل الذي بين أظهرنا، وأفسدنا فينا، تناولك ليفسد عليك دينك، وملكك وأهل سلطانك، ونحن لك ناصحون، وأنت لنا عيبة صدقٍ، تأتي إلى عشيرتنا بالمعروف ويأمن تاجرنا عندك، فبعثنا قومنا إليك لننذرك فساد ملكك، وهؤلاء نفرٌ من أصحاب الرجل الذي خرج فينا، ونخبرك بما نعرف من خلافهم الحق، أنهم لا يشهدون أن عيسى بن مريم، أحسبه قال (إلهًا) ولا يسجدون لك إذا دخلوا عليك، فادفعهم إلينا فلنكفيكهم فلما قدم جعفر وأصحابه وهم على ذلك من الحديث وعمرو وعمارة عند النجاشي، وجعفر وأصحابه على ذلك الحال، قال: فلما رأوا أن الرجلين قد سبقا ودخلا، صاح جعفر على الباب: يستأذن حزب الله، فسمعها النجاشي، فأذن لهم، فدخلوا وعمرو وعمارة عند النجاشي، قال: أيُّكم صاح عند الباب؟ فقال جعفر: أنا هو، فأمره فعاد لها، فلما دخلوا وسلموا تسليم أهل الإيمان، ولم يسجدوا له، فقال عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد ألم نبين لك خبر القوم؟ فلما سمع النجاشي ذلك أقبل عليهم، فقال: أخبروني أيها الرهط ما جاء بكم؟ وما شأنكم؟ ولِمَ أتيتموني ولستم بتجار، ولا سؤال؟ وما نبيكم هذا الذي خرج؟ وأخبروني مالكم، لِمَ لا تحيّوني كما يحييني من أتاني من أهل بلدكم؟ وأخبروني ما تقولون في عيسى بن مريم؟. فقام جعفر بن أبي طالب، وكان خطيب القوم فقال: إنما كلامي ثلاث كلمات، وإن صدقت فصدقني وإن كذبت فكذبني، فأمرْ أحدًا من هذين الرجلين فليتكلَّمْ ولينصت الآخر، قال: عمرو: أنا أتكلم، قال النجاشي: أنت يا جعفر فتكلم قبله. فقال جعفر: إنما كلامي ثلاث كلمات، سلْ هذا الرجل أعبيدٌ نحن أبقْنا من أربابنا؟ فارددنا إلى أربابنا. فقال النجاشي: أعبيدٌ هم يا عمرو قال عمرو: بل أحرارٌ كرامٌ، قال جعفر: سلْ هذا الرجل هل أهرقْنا دمًا بغير حقه؟ فادفعنا إلى أهل الدم. فقال: هل أهرقوا دمًا بغير حقه؟ فقال: ولا قطرة واحدة من دمٍ، ثم قال جعفر: سلْ هذا الرجل أخذنا أموال الناس بالباطل؟ فعندنا قضاءٌ. فقال النجاشي: يا عمرو أنْ كان على هؤلاء قنطار من ذهب فهو عليّ. فقال عمرو: ولا قيراطٌ. فقال النجاشي: ما تطالبونهم به؟ قال عمرو:

فكنا نحن وهم على دينٍ واحدٍ وأمرٍ واحدٍ فتركوه، ولزمناه. فقال النجاشي: ما هذا الذي كنتم عليه فتركتموه وتبعتم غيره؟ فقال جعفر: أمّا الذي كنَّا عليه فدين الشيطان وأمر الشيطان، نكفر بالله ونعبد الحجارة، وأمَّا الذي نحن عليه فدين الله -عَزَّ وجَلَّ-، نخبرك: إن الله بعث إلينا رسولًا كما بعث إلى الذين من قبلنا فأتانا بالصدق والبر، ونهانا عن عبادة الأوثان فصدقناه وآمنا به، واتبعناه، فلما فعلنا ذلك عادانا قومنا، وأرادوا قتل النبي الصادق، وردّنا في عبادة الأوثان، ففررنا إليك بديننا ودمائنا, ولو أقّرنا قومنا لاستقررنا، فذلك خبرنا. وأمَّا شأن التحية: فقد حيَّيناك بتحية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم والذي يحيِّي به بعضنا بعضًا؛ أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن تحية أهل الجنة السلام فحيَّيناك بالسلام، وأمَّا السجود، فمعاذ الله أن نسجد إلا لله وأن نعدلك بالله. وأمَّا في شأن عيسى بن مريم: فإن الله -عَزَّ وجَلَّ- أنزل في كتابه على نبينا أنَّه رسول قد خلت من قبله الرسل، ولدته الصديقة العذراء البتول الحصان وهو روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم، وهذا شأن عيسى بن مريم. فلما سمع النجاشي قول جعفر أخذ بيده عودًا ثم قال لمن حوله: صدق هؤلاء النفر، وصدق نبيُّهم، والله ما يزيد عيسى بن مريم على ما يقول هذا الرجل ولا وزن هذا العود، فقال لهم النجاشي: امكثوا فإنَّكم سيومٌ -والسيوم آمنون- قد منعكم الله، وأمر لهم بما يصلحهم، فقال النجاشي: أيُّكم أدرس للكتاب الذي أنزل على نبيكم؟ قالوا: جعفرٌ، فقرأ عليهم جعفر سورة مريم، فلما سمعها عرف أنَّه الحق، وقال النجاشي: زدنا من الكلام الطيَّب، ثمّ قرأ عليه سورة أخرى، فلما سمعها عرف الحق، وقال: صدقتم وصدق نبيكم - صلى الله عليه وسلم - أنتم والله صديقون، امكثوا على اسم الله وبركته آمنين ممنوعين، وألقى عليهم المحبة من النجاشي (¬1). ¬

_ (¬1) دلائل أبي نعيم ج/1 ص 317.

روى بسنده عن عمرو قال: لما قدم عمرو بن العاص من أرض الحبشة جلس في بيته فلم يخرج إليهم، فقالوا: ما شأنه؟ ما له لا يخرج؟ فقال عمرو: إن أصْحمة يزعم أن صاحبكم نبي (¬1). وروى بسنده عن ابن شهاب قال: بلغني أن مخرج عمرو بن العاص. وابن أبي ربيعة إلى أرض الحبشة فيمن كان بأرضهم من المسلمين كان بعد وقعة بدر. فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مخرجهما بعث عمرو بن أمية الضمري من المدينة. إلى النجاشي بكتاب (¬2). وروى بسنده عن عروة بن الزبير فذكر هجرة المسلمين إلى أرض الحبشة ثم قال: فلما كانت وقعة بدر، وقتل الله فيها صناديد الكفار، قال كفار قريش: إنّ ثأركم بأرض الحبشة، فأهدوا إلى النجاشي وابعثوا إليه رجلين من ذوي رأيكم، لعله يعطيكم من عنده من قريش، فتقتلونهم بمن قتل ببدر، فبعث كفار قريش عمرو بن العاص وعبد الله بن أبى ربيعة، وأهدوا للنجاشي ولعظماء الحبشة هدايا. فلما قدما على النجاشي قبل هداياهم، وأجلس معه عمرو بن العاص على سريره. فقال لهم النجاشي: ما دينكم؟ أنَصَارى أنتم؟ قالوا: لا. قال: فما دينكم؟ ديننا الإسلام، قال: وما الإسلام؟ قالوا: نعبد الله ولا نشرك به شيئًا، قال: ومن جاءكم بهذا؟ قالوا: جاءنا به رجل من أنفسنا قد عرفنا وجهه ونسبه، أنزل الله عليه كتابه، فعرفنا كلام الله وقد صدقناه. قال لهم النجاشي: فبم يأمركم؟ قالوا: يأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئًا، ويأمرنا أن نترك ما كان يعبد آباؤنا، ويأمرنا بالصلاة وبالوفاء وبأداء الأمانة وبالعفاف. قال النجاشي: فوالله إن خرج هذا إلَّا من المشكاة التي خرج منها أمر موسى عليه السلام، فقال عمرو بن العاص حين سمع ذلك من النجاشي: إنّ هؤلاء يزعمون أن ابن مريم إلهك الذي تعبد عبدٌ: فقال النجاشي لجعفر ومن معه من المهاجرين:. ماذا تقولون في عيسى بن مريم؟ قالوا: نقول هو عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، ¬

_ (¬1) دلائل النبوة للبيهقي ج 2/ 307. (¬2) الدرر لابن عبد البر. ص 134.

وابن العذراء البتول. فخفض النجاشي يده إلى الأرض، فأخذ عودًا وقال: والله ما زاد على ذلك قدر هذا العود. فقال عظماء الحبشة: والله لئن سمعت الحبشة بهذا لتخلعنَّك. فقال النجاشي: والله لا أقول في ابن مريم غير هذا القول أبدًا، وإن الله لم يطع في الناس حين ردّ إلي ملكي، فأنا أطيع الناس في الله؟ معاذ الله من ذلك، ارجعوا إلى هذا هديته، فوالله لو رشوني دبرًا من ذهبٍ ما قبلته. والدبر: الجبل، قال الهروي: لا أدرى عربيٌّ أم لا. ثم قال: من نظر إلى هؤلاء الرهط نظرة يؤذيهم بها فقد غرم. ومعنى غرم هلك، وفي قوله تعالى: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا}. فخرج عمرو بن العاص وابن أبي ربيعة. وسمع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ببعث قريش عمرو بن العاص إلى النجاشي، فبعث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عمرو بن أمية الضَّمري وكتب معه إلى النجاشي، فقدم على النجاشي، فقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ثم دعا جعفر بن أبي طالب والمهاجرين، وأرسل إلى الرهبان والقسيسين فجمعهم ثم أمر جعفر يقرأ عليهم القرآن فقرأ سورة مريم (كهيعص)، وقاموا تفيض أعينهم من الدمع، فهم الذين أنزل الله فيهم: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} وقرأ عليهم إلى: {الشَّاهِدِينَ} (¬1). قال ابن إسحاق: قال الزهري: فحدثت عروة بن الزبير حديث أبي بكر بن عبد الرحمن عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقال: هل تدرى ما قوله: ما أخذ الله مني الرشوة حين ردّ عليَّ ملكي فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس في فأطيع الناس فيه؟ قال: قلت: لا، قال: فإنّ عائشة أم المؤمنين حدَّثتني أنَّ أباه كان ملك قومه، ولم يكن له ولدٌ إلَّا النجاشي، وكان للنجاشي عمَّ له من صلبه اثنا عشر رجلًا، وكانوا أهل بيت مملكة الحبشة، فقالت الحبشة بينها: لو أنَّا قتلنا أبا النجاشي وملّكنا أخاه، فإنه لا ولد له غير هذا الغلام، وإن لأخيه من صلبه اثنتي عشر رجلًا فتوارثوا ملكه من بعده؛ بقيت الحبشة بعده دهرًا، فعدوا على أبي النجاشي فقتلوه، وملكوا أخاه؛ ¬

_ (¬1) الدرر لابن عبد البر 135.

فمكثوا على ذلك حينًا، ونشأ النجاشي مع عمه، وكان لبيبًا حازمًا من الرجال، فغلب على أمر عمه، ونزل منه بكلّ منزلةٍ؛ فلما رأت الحبشة مكانه منه قالتْ بينها: والله لقد غلب هذا الفتى على أمر عمِّه، وإنَّا لنتخوَّفُ أن يملكه علينا، وإن ملكه علينا ليقتُلنَّنا أجمعين، لقد عرف أنَّا نحن قتلنا أباه، فمشوا إلى عمِّه، فقالوا: إما أن تقتل هذا الفتى، وإما أن تخرجه من بين أظهرنا، فإنَّا قد خفناه على أنفسنا، قال: ويلكم!! قتلت أباه بالأمس وأقتله اليوم؟ بل أخرجه من بلادكم، قالت: فخرجوا به إلى السوق، فباعوه من رجل من التُجَّار بستَّمائة درهم، فقذفه في سفينة، فانطلق به حتى إذا كان العشي من ذلك اليوم هاجت سحابة من سحائب الخريف، فخرج عمُّه يستمطر تحتها، فأصابته صاعقة فقتلته، قالت: ففزعت الحبشة إلى ولده، فإذا هو محمقٌ ليس في ولده خيرٌ، فمرج على الحبشة أمرهم فلما ضاق عليهم ما هم فيه من ذلك قال بعضهم لبعض: تعلموا والله إن ملككم الذي لا يقيم أمركم غيره للذي بعتم غُدوةً، فإن كان لكم بأمر الحبشة حاجة فأدركوه، قالت: فخرجوا في طلبه وطلب الرجل الذي باعوه منه، حتى أدركوه فأخذوه منه، ثم جاؤوا به فعقدوا عليه التاج، وأقعدوه على سرير الملك فملكوه، فجاءهم التاجر الذي كانوا باعوه منه، فقال: إمّا أن تعطوني مالي، وإمَّا أنْ أكلِّمه في ذلك، قالوا: لا نعطيك شيئًا، قال: إذًا والله أكلّمه، قالوا: فدونك وإياه، قالت: فجاءه، فجلس بين يديه، فقال: أيها الملك، ابتعت غلامًا من قومٍ بالسوق بستِّمائة درهم، فأسلموا إليّ غلامي وأخذوا دراهمي، حتى إذا سرْتُ بغلامي أدركوني فأخذوا غلامي ومنعوني دراهمي، قالت: فقال لهم النجاشي: لتعطُنَّه دراهمه أو ليضعنَّ غلامه يده في يده فليذهبنَّ به حيث شاء، قالوا: بل نعطيه دراهمه، قالت: فلذلك يقول: ما أخذ الله مني رشوة حين ردّ عليَّ مُلكي فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس في فأطيع الناس فيه. قالت: وكان ذلك أولَ ما خبر من صلابته في دينه وعدله في حكمه (¬1). ¬

_ (¬1) دلائل النبوة لأبي نعيم ج 1/ 328، دلائل النبوة للبيهقي ج 2/ 295، 304.

أهل الحبشة يحاولون خلع النجاشي

أهل الحبشة يحاولون خلع النجاشي قال ابن إسحاق: وحدثني جعفر بن محمد عن أبيه قال: اجتمعت الحبشة فقالوا للنجاشي: إنك قد فارقت ديننا، وخرجوا عليه، قال فأرسل إلى جعفر وأصحابه، فهيأ لهم سفُنًا وقال: اركبوا فيها، وكونوا كما أنتم، فإن هزمت فامضوا حتى تلحقوا بحيث شئتم، وإن ظفرت فاثبتوا، ثم عمد إلى كتاب فكتب فيه هو يشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمدًا عبده ورسوله، ويشهد أنّ عيسى بن مريم عبده ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم، ثم جعله في قبائه عند المنكب الأيمن، وخرج إلى الحبشة، وصفوا له، فقال: يا معشر الحبشة: ألست أحقَّ الناس بكم؟ قالوا: بلى، وقال: فكيف رأيتم سيرتي فيكم؟ قالوا: خير سيرة، قال: فما لكم؟ قالوا: فارقت ديننا، وزعمت أنّ عيسى عبدُ، قال: فما تقولون أنتم في عيسى؟ قالوا: نقول: هو ابن الله، فقال النجاشي -ووضع يده على صدره على قبائه-: هو يشهد أنّ عيسى بن مريم لم يزد على هذا شيئًا، وإنما يعني ما كتب، فرضوا، وانصرفوا، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فلما مات النجاشي صلى عليه واستغفر له (¬1). روى بسنده عن الزبير قال: نزل بالنجاشي عدوٌّ من أرضهم، فجاءه المهاجرون فقالوا: إنَّا نحب أن نخرج إليهم حتى نقاتل معك، وترى جرأتنا، ونجزيك بما صنعت معنا فقال: لا، دواءٌ بنصرة الله، خيرٌ من دواء بنصرة الناس. قال: وفيه نزلت: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ} (¬2). قال ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم: أنّ فتيةً من الحبشة رأوا رُقيَّة بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وهي هناك مع عثمان، وكانت من أحسن البشر، وكانوا يختلفون إليها فيتحيرون عجبًا من حسنها، إلى أن قتلهم الله في المعركة، لما سار النجاشي إلى عدوّه (¬3). ¬

_ (¬1) ابن هشام 160/ 363. (¬2) المستدرك ج 2/ 300. (¬3) المستدرك ج 4/ 47.

قدوم عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) من الحبشة

قدوم عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) من الحبشة عن ابن مسعود قال: كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فيرد علينا السلام، حتى قدمنا عن أرض الحبشة، فسلمت عليه فلم يرد عليّ، فأخذني ما قرب وما بعد فجلست، حتى إذا قضى الصلاة قال: "إنّ الله -عَزَّ وجَلَّ- يحدث من أمره ما يشاء، وإنه قد أحدث من أمره، أن لا يتكلم في الصلاة" (¬1). ¬

_ (¬1) رواه البخاري ج 1163 قدم عبد الله بن مسعود من الحبشة بعد خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - من الشعب العام الثامن للهجرة.

دخول بني هاشم وبني المطلب في شعب أبي طالب

دخول بني هاشم وبني المطلب في شعب أبي طالب حدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا محمَّد بن عمرو بن خالد الحراني، قال: حدثنا أبي، حدثنا ابن لهيعة، عن أبى الأسود، عن عروة بن الزبير قال: لما أقبل عمرو بن العاص من الحبشة من عند النجاشي إلى مكة قد أهلك الله صاحبه، ومنعه حاجته، اشتد المشركون على المسلمين كأشد ما كانوا حتى بلغ المسلمين الجهد، واشتد عليهم البلاء، وعمد المشركون من قريش فأجمعوا مكرهم وأمرهم على أن يقتلوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علانية. فلما رأى ذلك أبو طالب، جمع بني عبد المطب، فأجمع لهم أمرهم على أن يدخلوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شِعبَهم ويمنعوه ممّن أراد فاجتمعوا على ذلك كافرهم ومسلمهم منهم من فعله حمية ومنهم من فعله إيمانًا ويقينًا فلما عرفت قريش أن القوم قد اجتمعوا ومنعوا الرسول، واجتمعوا على ذلك كافرهم ومسلمهم، اجتمع المشركون من قريش، فأجمعوا أمرهم على أن لا يجالسوهم، ولا يخالطوهم ولا يبايعوهم، ولا يدخلوا في بيوتهم، حتى يسلموا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للقتل، وكتبوا بمكرهم صحيفة وعهودًا ومواثيق أن لا يقبلوا من بني هاشم أبدًا صلحًا، ولا تأخذهم بهم رأفة ولا رحمة ولا هوادة حتى يسلموا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للقتل، فلبث بنو هاشم في شعبهم ثلاث سنين، واشتد عليهم فيهن البلاء والجهد، وقطعوا عليهم الأسواق فلا يتركون طعامًا يدنو من مكة، ولا بيعًا إلا بادروا إليه ليقتلهم الجوع يريدون أن يتناولوا بذلك سفك دم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وكان أبو طالب إذا أخذ الناس مضاجعهم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتى فراشه حتى يراه من أراد به مكرًا أو غائلة، فإذا نوّم الناس أخذ أحد بنيه أو أخواته أو بني عمه فاضطجع على فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأتي بعض فرشهم فيرقد عليها. (¬1) روى البخاري بسنده عن أبى هريرة -رضي الله عنه- قال: "قال النبي - صلى الله عليه وسلم - من الغد يوم النحر -وهو بمنى- نحن نازلون غدًا بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على ¬

_ (¬1) مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعروة بن الزبير جمع. د. محمَّد مصطفى الأعظمي ص 78.

مدة الحصار وشدته

الكفر، يعني بذلك المحصب، وذلك أن قريشًا وكنانة تحالفت على بني هاشم وبني عبد المطلب -أو بني المطلب- أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم -" (¬1) مدة الحصار وشدته قال ابن إسحاق: فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثًا، حتى جهدو، لا يصل إليهم شيء إلا سرًا، مستخفيًا به من أراد صلتهم من قريش، وقد كان أبو جهل بن هشام -فيما يذكرون- لقي حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد معه غلام يحمل قمحًا يريد به عمته خديجة بنت خويلد، وهي عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه في الشعب، فتعلق به، وقال: أتذهب بالطعام إلى بني هاشم؟ والله لا تبرح أنت وطعامك حتى أفضحك بمكة، فجاءه أبو البختري بن هشام فقال: مالك وله؟ فقال: يحمل الطعام إلى بني هاشم، فقال أبو البختري: طعام كان لعمته عنده بعثت إليه، أفتمنعه أن يأتيها بطعامها؟ خل سبيل الرجل، قال: فأبى أبو جهل، حتى نال أحدهما من صاحبه، فأخذ أبو البختري لحي بعير فضربه به فشجه، ووطئه وطئًا شديدًا، وحمزة بن عبد المطلب قريب يرى ذلك، وهم يكرهون أن يبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فيشمتوا بهم، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك يدعو قومه ليلًا ونهارًا، وسرًا وجهارًا، مباديًا بأمر الله، لا يتقي فيه أحدًا من الناس. (¬2) نقل ابن سيد الناس عن أبي عبد الله محمَّد بن سعد قوله: هشام بن عمرو العامري؛ كان أوصل قريش لبني هاشم حين حصروا في الشعب أدخل عليهم في ليلة ثلاثة أحمال طعامًا، فعلمت بذلك قريش، فمشوا إليه حين أصبح فكلموه في ذلك، فقال: إني غير عائد لشيء خالفكم، فانصرفوا عنه، ثم عاد الثانية فأدخل عليهم ليلًا حملًا أو حملين فغالظته قريش وهمت به، فقال أبو سفيان بن حرب: دعوه، رجل وصل أهل رحمه، أما إني أحلف بالله لو فعلنا مثل ما فعل كان أحسن بنا. (¬3) ¬

_ (¬1) فتح الباري: ج 1590. (¬2) ابن هشام: ج 1/ 375. (¬3) عيون الأثر: ج 1/ 128.

ولادة ابن عباس (رضي الله عنهما) في زمن المقاطعة

قال السهيلي: روي عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: لقد جعت، حتى أني وطئت ذات ليلة على شيءٍ رطب، فوضعته في فمي وبلعته، وما أدري ما هو إلى الآن. وفي رواية يونس: أن سعدًا قال: خرجت ذات ليلة لأبول، فسمعت قعقعة تحت البول، فإذا قطعة من جلد بعير يابسة، فأخذتُها وغسلتها، ثم أحرقتها ثم رضضتها وسففتها بالماء، فقويت بها ثلاثًا، وكانوا إذا قدمت العير مكة يأتي أحدهم السوق ليشتري شيئًا من الطعام لعياله، فيقوم أبو لهب عدوُّ الله، فيقول: يا معشر التجار: غالوا على أصحاب محمَّد، حتى لا يدركوا معكم شيئًا، فقد علمتم مالي ووفاء ذمتي، فأنا ضامن أن لا خسار عليكم، فيزيدون عليهم في السلعة، قيمتها أضعافًا حتى يرجع إلى أطفاله، وهم يتضاغون من الجوع، وليس في يديه شيء يطعمهم به، ويغدو التجار على أبي لهب، فيربحهم فيما اشتروا من الطعام واللباس، حتى جهد المؤمنون، ومن معهم جوعًا وعريًا. (¬1) ولادة ابن عباس (رضي الله عنهما) في زمن المقاطعة عن ابن عباس قال: حدثتني أم الفضل بنت الحارث قالت: بينا أنا مارة والنبي - صلى الله عليه وسلم - في الحجر فقال: يا أم الفضل، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: "إنك حامل بغلام"، قلت: كيف وقد تحالفت قريش لا يولدون النساء، قال: "هو ما أقول لك؛ فإذا وضعته فائتيني به". فلما وضعته أتيت به النبي - صلى الله عليه وسلم - فسماه عبد الله وألبأه بريقه، قال: "اذهبي فلتجدنه كيسًا"، قال: فأتيت العباس فأخبرته فتبسم، ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان رجلًا جميلًا مديد القامة فلما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - قام إليه فقبل ما بين عينيه وأقعده عن يمينه ثم قال: "هذا عمي فمن شاء فليباه بعمه"، فقال: العباس: بعض القول يا رسول الله، قال: "ولم لا أقول وأنت عمي وبقية آبائي؟ والعم والد". وعن ابن عباس قال: لما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - بالشعب أتى أبي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمَّد ما أرى أم الفضل إلا قد اشتملت على حمل، قال: ¬

_ (¬1) الروض الأنف: ج 2/ 127.

حديث نقض الصحيفة برواية أبي نعيم

"لعل الله أن يقرَّ أعيننا بغلام"، فأتي بي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا في خرقي فحنكني. قال مجاهد: لا نعلم أحدًا حُنِّكَ بريق النبوة غيره. حديث نقض الصحيفة برواية أبي نعيم فلما كان رأس ثلاث سنين تلاوم رجال من بني عبد مناف ورجال من بني قصي ورجال ممّن سواهم، وذكروا الذي وقعوا فيه من القطيعة فأجمعوا أمرهم في ليلتهم على نقض ما تعاقدوا عليه، والبراءة منه، فبعث الله -عَزَّ وجَلَّ- على صحيفتهم التي فيها المكر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأرضة فلحست كل شيء كان فيها، وكانت معلقة في سقف الكعبة، وكان فيها عهد الله وميثاقه، فلم تترك فيها شيئًا إلا لحسته، وبقي فيها ما كان من شرك أو ظلم أو بغي، فأطلع الله تعالى رسوله على الذي صنع بالصحيفة. فقال أبو طالب: لا والثواقب (¬1) ما كذبني، فانطلق يمشي بعصابة من بني عبد المطلب، حتى أتى المسجد، وهو حافل من قريش فلما رأوهم أتوا بجماعة أنكروا ذلك، فظنوا أنهم خرجوا من شدة البلاء، وأتوهم ليعطوهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتكلم أبو طالب، فقال: قد حدثت أمور بينكم لم نذكرها لكم، فأتوا بصحيفتكم التي فيها مواثيقكم، فلعله أن يكون بيننا وبينكم صلح، وإنما قال ذلك خشية أن ينظروا في الصحيفة قبل أن يأتوا بها. فأتوا بصحيفتهم معجبين بها، لا يشكون أن الرسول مدفوع إليهم، فوضعوها بينهم وقالوا: قد دنا لكم أن تقبلوا أو ترجعوا إلى أمر يجمع عامتكم ويجمع قومكم، ولا يقطع بيننا وبينكم إلا رجل واحد جعلتموه خطرًا لعشيرتكم وفسادكم. قال أبو طالب: إنما أتيتكم لأعطيكم أمرًا فيه نصف بيني وبينكم، هذه الصحيفة التي في أيديكم، إن ابن أخي قد أخبرني، ولم يكذبني، أن الله -عَزَّ وَجَلَّ- بعث عليها دابة، فلم تترك فيها اسمًا لله إلا لحسته، وترك فيها غدركم وتظاهركم علينا بالظلم، فإن كان الحديث كما يقول فأفيفوا، فوالله لا نسلمه حتى نموت عن آخرنا، وإن كان الذي يقول باطلًا دفعنا إليكم صاحبنا، فقتلتم، أو استحييتم، قالوا: لقد رضينا بالذي تقول، ¬

_ (¬1) الثواقب: النجوم.

حديث نقض الصحيفة برواية ابن إسحاق

وفتحت الصحيفة، فوجدوا الصادق المصدوق قد أخبر خبرها قبل أن تفتح، فلما رأتها قريش كالذي قال أبو طالب، قالوا: والله ما كان هنا إلا سحرًا من صاحبكم، فارتكسوا وعادوا لشر ما كانوا عليه من كفرهم والشدة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ورهطه، والقيام على ما تعاقدوا عليه، فقال أولئك النفر من بني عبد المطلب: إن الأولى بالكذب والسحر غيرنا، فكيف ترون، فإنا نعلم أن الذي أجمعتم عليه من قطيعتنا أقرب للخبث والسحر، ولولا الذي أجمعتم فيها من السحر لم تفسد الصحيفة، وهي في أيديكم فما كان لله -عَزَّ وجَلَّ- من اسم هو فيها طمسه، وما كان من بغي تركه في صحيفتكم. أفنحن السحرة أم أنتم؟ فندم المشركون من قريش عند ذلك. وقال رجال: منهم أبو البختري وهو العاص بن هشام بن الحارث بن عبد العزى بن قصي ومنهم المطعم بن عدي، وهشام بن عمرو أخو بني عامر بن لؤي، وكانت الصحيفة عنده، وزهير ابن أمية، وزمعة بن الأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي في رجال من قريش ولدتهم نساء من بني هاشم كانوا قد ندموا على الذي صنعوا فقالوا: نحن براء من هذه الصحيفة، قال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل" (¬1) حديث نقض الصحيفة (¬2) برواية ابن إسحاق قال ابن إسحاق: وبنو هاشم وبنو المطلب في منزلهم الذي تعاقدت فيه قريش عليهم في الصحيفة التي كتبوها، ثم إنه قام في نقض تلك الصحيفة التي تكاتبت فيها قريش على بني هاشم وبني المطلب نفر من قريش، ولم يبل فيها أحدٌ أحسن من بلاء هشام بن عمرو بن ربيعة، وذلك أنه كان ابن أخي نضلة بن هاشم بن عبد مناف لأمه فكان هشام لبني هاشم واصلًا، وكان ذا شرف في قومه، فكان -فيما بلغني- يأخذ بالبعير، وبنو هاشم وبنو المطلب في الشعب ليلًا، قد أوقره طعامًا حتى أقبل به فم الشعب خلع خطامه من رأسه، ثم ضرب على جنبه، فيدخل الشعب عليهم ثم يأتي به قد أوقره بِزًّا أو بُرًّا، فيفعل به مثل ذلك. ¬

_ (¬1) أبو نعيم دلائل النبوة 1 - 357. (¬2) بن هشام ج 1/ 397.

قال ابن إسحاق: ثم إنه مشى إلى زهير بن أبي أمية بن المغيرة عبد الله بن عمر بن مخزوم، وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب، فقال: زهير، أقد رضيت أن تأكل الطعام وتلبس الثياب، وتنكح النساء، وأخوالك حيث قد علمت، لا يباعون ولا يبتاع منهم، ولا ينكحون ولا ينكح إليهم؟ أما إني أحلف بالله أن لو كانوا أخوال أبي الحكم بن هشام، ثم دعوته إلى مثل ما دعاك إليه منهم، ما أجابك إليه أبدًا، قال: ويحك يا هشام! فماذا أصنع؟ إنما أنا رجل واحد، والله لو كان معي رجل أخر لقمت في نقضها حتى أنقضها، قال: قد وجدت رجلًا قال: فمن هو؟ قال: أنا، قال له زهير: أبغنا رجلًا ثالثًا. فذهب إلى المطعم بن عدي، فقال له: يا مطعم أقد رضيت أن يهلك بطنان من بني عبد مناف وأنت شاهد على ذلك موافق لقريش فيه! أما والله لئن أمكنتموهم من هذه لتجدنهم إليها منكم سراعًا، قال ويحك فماذا أصنع؟ إنما أنا رجل واحد، قال: قد وجدت ثانيًا، قال: من هو؟ قال: أنا قال: أبغنا ثالثًا، قال: قد فعلت، قال: من هو؟ قال: زهير بن أبي أمية، قال: أبغنا رابعًا. فذهب إلى البختري بن هشام، فقال له نحوًا مما قال للمطعم بن عدي، فقال: وهل من أحد يعين على هذا؟ قال: نعم، قال: من هو؟ قال: زهر بن أبي أمية، والمطعم بن عدي، وأنا معك، قال أبغنا خامسًا. فذهب إلى زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد فكلمه، وذكر له قرابتهم وحقهم، فقال له: وهل على هذا الأمر الذي تدعوني إليه من أحد؟ قال: نعم؛ ثم سمى له القوم. فاتعدوا خطم الحجون (¬1) ليلًا بأعلى مكة، فاجتمعوا هنالك. فأجمعوا أمرهم وتعاقدوا على القيام في الصحيفة حتى ينقضوها، وقال زهير: أنا أبدؤكم، فأكون أول من يتكلم. فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم، وغدا زهير ابن أميه عليه حلة فطاف بالبيت سبعًا، ثم أقبل على الناس فقال: يا أهل مكة، إنا أنأكل الطعام ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكى لا يباع ولا يبتاع منهم، والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة. ¬

_ (¬1) الخطم: المقدمة. والحجون: موضع بأعلى مكة.

قال أبو جهل: وكان في ناحية المسجد: كذبت والله لا تشق، قال زمعة ابن الأسود أنت والله أكذب، ما رضينا كتابها حيث كتبت. قال أبو البختري: صدق زمعة، لا نرضى ما كتب فيها، ولا نقر به، قال المطعم بن عدي: صدقتما وكذب من قال غير ذلك، نبرأ إلى الله منها، ومما كتب فيها، وقال هشام بن عمرو نحوًا من ذلك. فقال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل، تشوور فيه بغير هذا المكان. وأبو طالب جالس في ناحية المسجد، فقام المطعم إلى الصحيفة ليشقها، فوجد الأرضة قد أكلتها، إلا "باسمك اللَّهم". وكان كاتب الصحيفة منصور بن عكرمة فشلت يده فيما يزعمون. قال ابن هشام: وذكر بعض أهل العلم: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي طالب: "يا عم، إن ربي الله قد سلط الأرضة على صحيفة قريش، فلم تدع فيها اسمًا هو لله إلا أثبتته فيها، ونفت منه الظلم والقطيعة والبهتان"، فقال: أربك أخبرك بهذا؟ قال: "نعم"، قال: فوالله ما يدخل عليك أحد، ثم خرج إلى قريش فقال: يا معشر قريش، إن ابن أخي أخبرني بكذا وكذا، فهلم صحيفتكم، فإن كان كما قال ابن أخي فانتهوا عن قطيعتنا، وانزلوا عما فيها، وإن يكن كاذبًا دفعت إليكم ابن أخي. فقال القوم: رضينا. فتعاقدوا على ذلك. ثم نظروا. فإذا هي كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فزادهم ذلك شرًا. فعند ذلك صنع الرهط من قريش في نقض الصحيفة ما صنعوا. قال ابن إسحاق: فلما مزقت الصحيفة وبطل ما فيها. قال أبو طالب، فيما كان من أمر أولئك النفر الذين قاموا في نقضها يمدحهم: ألا هل أتى بحرينا (¬1) صنع ربنا ... على نأيهم والله بالناس أرود (¬2) فيخبرهم أن الصحيفة مزقت ... وأن كل ما لم يرضه الله مفسد تراوحها إفك وسحر مجمع ... ولم يلف سحر آخر الدهر يصعد ¬

_ (¬1) يعني بالبحري الذين كانوا بأرض الحبشة وركبوا البحر إليها. (¬2) الأرود: الأرفق.

تداعى لها من ليس فيها بقرقر (¬1) ... فطائرها في رأسها يتردد وكان كفاء رقعة بأثيمة ... ليقطع منها ساعد ومقلد (¬2) ويظعن أهل المكتين فيهربوا ... فرائصهم من خشية الشر ترعد ويترك حراث (¬3) يقلب أمره ... أيتهم فيهم عند ذاك وينجد (¬4) وتصعد بين الأخشبين كتيبة ... لها حدج سهم وقوس ومرهد (¬5) فمن ينش من حضار مكة عزة ... فعزتنا في بطن مكة أتلد نشأنا بها والناس فيها قلائل ... فلم ننفك نزداد خيرًا ونحمد ونطعم حتى يترك الناس فضلهم ... إذا جعلت أيدي المفيضين (¬6) ترعد جزى الله رهطًا بالحجون تتابعوا ... على ملأ يهدي لحزم ويرشد قعودًا لدى خطم الحجون كأنهم ... مقاولة (¬7) بل هم أعز وأمجد أعان عليها كل صقر كأنه ... إذا ما مشى في رفرف الدرع أحرد (¬8) جرى على جلى (¬9) الخطوب كأنه ... شهاب بكفي قابس يتوقد من الأكرمين من لؤي بن غالب ... إذا سِيم خسفًا وجهه يتربد طويل النجاد خارج نصف ساقه ... على وجهه يسقى الغمام ويسعد عظيم الرماد سيد وابن سيد ... يحض على مقرى الضيوف ويحشد ويبني لأبناء العشيرة صالحًا ... إذا نحن طفنا في البلاد ويمهد أَلَظَّ (¬10) بهذا الصلح كل مبرَّأ ... عظيم اللواء أمره ثم يحمد ¬

_ (¬1) القرقر: الذليل، السهل اللين. (¬2) المقلد: العنق. (¬3) الحراث: المكتسب. (¬4) أيتهم: بمعنى أتهم، أي أتى تهامة، وهي ما انخفض عن أرض الحجاز إلى البحر، وأنجد: أتى نجدًا، وهي ما ارتفع عن أرض الحجاز إلى الشرق. (¬5) المرهد: الناعم، أي السيف الناعم بارتوائه من الدماء. (¬6) المفيضون: الضاربون بقداح الميسر. (¬7) المقاولة: الملوك. (¬8) رفرف الدرع: ما فضل منه. والأحرد: بطيء المشي لثقل ما عليه من لباس الحرب. (¬9) الجُلّى: الأمر العظيم. (¬10) ألظ: ألحَّ.

قضوا ما قضوا في ليلهم ثم أصبحوا ... على مهل وسائر الناس رُقَّد هم رجعوا سهل بن بيضاء راضيا ... وسُرَّ أبو بكرٍ بها ومحمَّد متى شرك الأقوام في جلِّ أمرنا ... وكنا قديمًا قبلها نتودد وكنا قديمًا لا نقرّ ظلامةً ... وندرك ما شئنا ولا نتشدد فيا لقصيَّ هل لكم في نفوسكم ... وهل لكم فيما يجيء به غد فإني وإيّاكم كما قال قائل ... لديك البيان لو تكلمت أسود (¬1) وقال حسَّان بن ثابت يبكي المطعم بن عدي حين مات، ويذكر قيامه في نقض الصحيفة: أيا عين فابكي سيد القوم واسفحى ... بدمع وإن أنزفته (¬2) فاسكبي الدما وبكي عظيم المعشرين كليهما ... على الناس معروفًا له ما تكلما فلو كان مجد يخلد الدهر واحدًا ... من الناس، أبقى مجده اليوم مطعما (¬3) أجرت رسول الله منهم فأصبحوا ... عبيدك ما لبى مهل وأحرما فلو سئلت عنه معد بأسرها ... وقحطان أو باقي بقية جرهما لقالوا هو الموفي بخفرة (¬4) جاره ... وذمته يومًا إذا ما تذمَّما (¬5) فما تطلع الشمس المنيرة فوقهم ... على مثله فيهم أعز وأعظما وآبي إذا يأبى وألين شيمة ... وأنوم عن جار إذا الليل أظلما قال ابن هشام: قوله "كليهما" عن غير ابن إسحاق: قال ابن هشام: وأما قوله: "أجرت رسول الله منهم"،فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما انصرف عن أهل الطائف، ولم يجيبوه إلى ما دعاهم إليه، من تصديقه ونصرته، صار إلى حراء، ثم بعث إلى الأخنس بن شريق ليجيره، فقال: أنا حليف، والحليف لا يجير. فبعث إلى سهيل بن عمرو، فقال: إن بني عامر لا تجير على ¬

_ (¬1) أسود: اسم جبل كان قد قُتل فيه قتيل، فلم يعرف قاتله، فقال أولياء المقتول هذه المقالة. (¬2) أنزفته: أنفدته. (¬3) ضمير المفعول، فصار في الضرورة مثل قوله: جزى ربه عني عدي بن حاتم. (¬4) الخفرة: العهد. (¬5) تذمم: طلب الذمة، وهي العهد.

بني كعب. فبعث إلى المطعم بن عدي فأجابه إلى ذلك، ثم تسلح المطعم وأهل بيته، وخرجوا حتى أتوا المسجد، ثم بعث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ادخل، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فطاف بالبيت وصلى عنده، ثم انصرف إلى منزله. فذلك الذي يعني حسان بن ثابت. قال ابن إسحاق: وقال حسان بن ثابت أيضًا: يمدح هشام بن عمرو لقيامه في الصحيفة: هل يوفين بنو أمية ذمة ... عقدًا كما أوفى جوار هشام من معشر لا يغدرون بجارهم ... للحارث بن حبيب بن سخام وإذا بنو حسل أجاروا ذمة ... أوفوا وأدوا جارهم بسلام وكان هشام أحد سحام. قال ابن هشام: ويقال: سخام.

خروج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من الشعب

خروج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من الشعب الوليد بن المغيرة: كيده للرسول وموقفه من القرآن ثم إن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش، وكان ذا سن فيهم، وقد حضر الموسم فقال لهم: يا معشر قريش، إنه قد حضر هذا الموسم، وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فأجمعوا فيه رأيًا واحدًا، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضًا، ويرد قولكم بعضه بعضًا، قالوا: فأنت يا أبا عبد شمس، فقل وأقِم لنا رأيًا نقول به، قال: بل أنتم فقولوا أسمع، قالوا: نقول كاهن، قال: لا والله ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة (¬1) الكاهن ولا سجعه، قالوا: فنقول: مجنون، قال: ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون وعرفناه، فما هو بخنقه، ولا تخالجه، ولا وسوسته، قالوا: فنقول: شاعر، قال ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشعر، قالوا: فنقول: ساحر، قال ما هو بساحر، لقد رأينا السُّحَّار وسحرهم، فما هو بنفثهم ولا عقدهم (¬2)، قالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس؟ قال: والله إنّ لقوله لحلاوة، وإن أصله لعذق، وإن فرعه لجناة -قال ابن هشام: ويقال لغدق- وما أنتم بقائلين من هذا شيئًا إلا عُرف أنه باطل، وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا ساحر، جاء بقول هو سحر يفرّق به بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته وبين المرء وعشيرته. فتفرقوا عنه بذلك، فجعلوا يجلسون بسُبل الناس حين قدموا الموسم، لا يمرّ بهم أحد إلا حذروه إيّاه، وذكروا لهم أمره. فأنزل الله تعالى في الوليد بن المغيرة وفي ذلك من قوله: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا ¬

_ (¬1) زمزمة الكاهن: كلامه الخفي. الموسم الذي حضر العام الثامن للبعثة. (¬2) العقد والنفث: هو أن يعقد الساحر خيطًا: وينفث فيه بفمه.

وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا}: أي خصيمًا. قال ابن هشام: عنيد: معاند مخالف. قال رؤبة بن العجاج: ونحن ضرابون رأس العند وهذا البيت في أرجوزة له. {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ}. قال ابن هشام: بسر: كره وجهه. قال العجاج: مضبر اللحيين بسرًا منهسًا (¬1) يصف كراهية وجهه. وهذا البيت في أرجوزة له. {ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} (¬2) رد القرآن على صحب الوليد: قال ابن إسحاق: أنزل الله تعالى في رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفيما جاء به من الله تعالى وفي النفر الذين كانوا معه يصنفون القول في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفيما جاء به من الله تعالى: {كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91) فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬3) قال ابن هشام: واحدة العضين: عضة، يقول: عضوه: فرقوه. قال رؤبة بن العجاج: وليس دين الله بالمعضي وهذا البيت في أرجوزة له. ¬

_ (¬1) المضبر: الشديد. واللحيان: عظمان في الوجه. والنهس: أخذ اللحم بمقدم الأسنان. (¬2) سورة المدثر، الآيات: 23 - 25. (¬3) سورة الحجر، الآيات: 91 - 93.

قال ابن إسحاق: فجعل أولئك النفر يقولون ذلك في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن لقوا من الناس، وصدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فانتشر ذكره في بلاد العرب كلها (1) روى البيهقي بسنده عن ابن عباس، -رضي الله عنهما-، أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي، - صلى الله عليه وسلم -، فقرأ عليه القرآن، فكأنه رقَّ لهُ، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال: يا عمّ، إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالًا، قال: لم؟ قال: ليعطوكه، فإنك أتيت محمدًا لتعرض لما قبله. قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالًا، قال: فقل فيه قولًا يبلغ قومك أنك منكر له، أو أنك كاره له، قال: وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار منِّي، ولا أعلم برجزه، ولا بقصيده منّي، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئًا من هذا، ووالله إن لقوله الذي يقول، حلاوًة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته، قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه، قال: فدعني حتى أفكر، فلما فكر، قال: هذا سحر يُؤْثَرُ يأثُرُهُ عن غيره. (2) فنزلت: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا}.

قدوم سويد بن صامت للحج

قدوم سويد بن صامت للحج قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري، ثم الظفري عن أشياخ من قومه، قالوا: قدم سويد بن صامت، أخو بني عمرو بن عوف، مكة حاجًا أو معتمرًا، وكان سويد إنَّما يسمّيه قومه فيهم: الكامل، لجلده وشعره وشرفه ونسبه، وهو الذي يقول: ألا رُبَّ من تدعو صديقًا ولو ترى ... مقالته بالغيب ساءك ما يفري (¬1) مقالته كالشهد ما كان شاهدًا ... وبالغيب مأثور (¬2) على ثغرة النحر يسرُّك باديه وتحت أديمه ... نميمة غش تبترى عقب الظهر (¬3) تُبين لك العينان ما هو كاتم ... من الغلّ والبغضاء بالنّظر الشزر فرشنى بخير طالما قد بريتني ... وخير الموالي من يريش ولا يبرى (¬4) وهو الذي يقول: ونافر رجلًا من بني سليم، ثم أحد بني زعْب بن مالك مئة ناقة، إلى كاهنة من كهّان العرب، فقضت له. فانصرف عنها هو والسلمي، ليس معهما غيرها، فلما فرّقت بينهما الطريق، قال: ما لي يا أخا بني سليم قال: أبعث إليك به؛ قال: فمن لي بذلك إذا فتني به؟ قال: كلَّا، والذي نفس سويد بيده، لا تفارقني حتى أوتى بمالي، فاتَّخذا فضرب به الأرض، ثم أوثقه رباطًا، ثم انطلق به إلي دار بني عمرو بن عوف، فلم يزل عنده حتى بعثت إليه سليم بالذي له، فقال لي ذلك: لا تحسبني يابن زُعب بن مالك ... كمن كنت تردي بالغيوب وتختل تحولت قرنًا إذ صرعت بعزة ... كذلك إنّ الحازم المتحول ضربت به إبط الشمال فلم يزل ... على كل حال خدُّه هو أسفل في أشعار كثيرة كان يقولها. فتصدى له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين سمع به، فدعاه إلى الله وإلى الإِسلام، فقال له سويد: فلعل الذي معك مثل الذي معي: فقال له رسول الله - صلى الله ¬

_ (¬1) يفري: يختلق. (¬2) المأثور: السيف المرشى. (¬3) تبترى عقبه؛ تقطع ظهره. (¬4) يريش: يقوي؛ ويبري: يضعف.

نزول العذاب على قريش

عليه وسلم -: "وما الذي معك"؟ قال: مجلّة لقمان -يعنى حكمة لقمان- فقال له - صلى الله عليه وسلم -: "أعرضها عليّ"، فعرضها عليه؛ فقال له: "إنّ هذا لكلام حسن، والذي معي أفضل من هذا، قرآن أنزله الله تعالى عليّ، هو هدىً ونور". فتلا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن، ودعاه إلى الإِسلام، فلم يبعد منه، وقال: إن هذا لقول حسن. ثم انصرف عنه، فقدم المدينة على قومه، فلم يلبث أن قتلته الخزرج، فإن كان رجال من قومه ليقولون: إنَّا لنراه قد قتل وهو مسلم. وكان قتله قبل يوم بعاث (¬1). نزول العذاب على قريش روى البخاري بسنده عن مسروق قال: "دخلت على عبد الله فقال: إنَّ من العلم أن تقول لما لا تعلم: الله أعلم. إن الله قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}. إنَّ قريشًا لما غلبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - واستعصوا عليه قال: اللَّهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف فأخذتهم سنة أكلوا فيها العظام والميتة من الجهد، حتى جعل أحدهم يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجوع قالوا: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} فقيل له: إن كشفنا عنهم عادوا، فدعا ربه، فكشف عنهم فعادوا، فانتقم الله منهم يوم بدر، فذلك قوله تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} إلى قوله جل ذكره: {إِنَّا مُنْتَقِمُونَ}. روى البخاري بسنده عن مسروق قال: "قال عبد الله: إن الله بعث محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وقال: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رأى قريشًا استعصوا عليه فقال: اللَّهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف، فأخذتهم السنة حتى حصَّت كل شيء حتى أكلوا العظام والجلود، وقال أحدهم: حتى ¬

_ (¬1) بعاث: يوم من أيام العرب كان بين الأوس والخزرج. والخبر في تاريخ الطبري 2/ 351، 352، وأنساب الأشراف 1/ 238 رقم 563.

أكلوا الجلود والميتة، وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدخان، فأتاه أبو سفيان فقال: أي محمَّد، إنَّ قومك قد هلكوا، فادع الله أن يكشف عنهم. فدعا، ثم قال: تعودوا بعد هذا. في حديث منصور: ثم قرأ {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} إلى {عَائِدُونَ} أيُكشف عنهم عذاب الآخرة؟ فقد مضى الدخان والبطشة واللزام- وقال أحدهم القمر وقال الآخر الروم. روى البخاري بسنده عن مسروق قال: "قال عبد الله: إنما كان هذا لأنّ قريشًا لما استعصوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم قحطٌ وجهدٌ حتى أكلوا العظام، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد. فأنزل الله -عَزَّ وجَلَّ- {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} قال فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل له: يا رسول الله استسق الله لمضر فإنها قد هلكت. قال لمضر؟ إنك لجريء، فاستسقى، فسقوا، فنزلت {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم حين أصابتهم الرفاهية، فأنزل الله -عَزَّ وجَلَّ- {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} قال: يعني يوم بدر" (¬1). روى البخاري بسنده عن مسروق قال: "دخلت على عبد الله، ثم قال: إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما دعا قريشًا كذّبوه واستعصوا عليه، فقال: اللَّهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف. فأصابتهم سنة حصّت كل شيء، حتى كانوا يأكلون الميتة، وكان يقوم أحدهم فكان يرى بينه وبين السماء مثل الدخان من الجهد والجوع. ثم قرأ {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} حتى بلغ {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}، قال عبد الله أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة؟ والبطشة الكبرى يوم بدر". ¬

_ (¬1) فتح الباري ج 8/ 4822/4824/ 4821 كان هذا الحدث في العام الخامس قبل الهجرة.

سورة الدخان

سورة الدخان بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16) وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18)} وفاة أبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم المشركون يطلبون عهدًا بينهم وبين الوصول قبل موت أبي طالب: قال ابن إسحاق (¬1): ولما اشتكى أبو طالب، وبلغ قريشًا ثقله، قالت قريش بعضها لبعض: إن حمزة وعمر قد أسلما، وقد فشا أمر محمَّد في قبائل قريش كلها، فانطلقوا بنا إلى أبي طالب، فيأخذ لنا على ابن أخيه، وليعطه منا، والله ما نأمن أن يبتزونا (¬2) أمرنا. ¬

_ (¬1) ابن هشام ج 1/ 283. (¬2) ابتزه أمره: غلبه عليه.

رجاء الرسول إسلام أبى طالب

قال ابن إسحاق: فحدثني العباس بن عبد الله بن معبد بن عباس عن بعض أهله، عن ابن عباس، قال: مشوا إلى أبى طالب فكلموه، وهم أشراف قومه: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، وأبو سفيان بن حرب، في رجالٍ من أشرافهم فقالوا: يا أبا طالب، إنك منا حيث قد علمت، وقد حضرك ما ترى وتخوفنا عليك، وقد علمت الذي بيننا وبين ابن أخيك، فادعه، فخذ له منا، وخذ لنا منه، ليكف عنا، ونكف عنه، وليدعنا وديننا، وندعه ودينه، فبعث إليه أبو طالب، فجاءه، فقال: يا ابن أخي: هؤلاء أشراف قومك، قد اجتمعوا لك، ليعطوك، وليأخذوا منك. قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (نعم، كلمة واحدة تعطونيها تملكون بها العرب، وتدين لكم بها العجم). قال فقال أبو جهل: نعم وأبيك، وعشر كلمات، قال: تقولون: لا إله إلا الله، وتخلعون ما تعبدون من دونه. قال: فصفقوا بأيديهم، ثم قالوا: أتريد يا محمَّد أن تجعل الآلهة إلهًا واحدًا، إن أمرك لعجب! قال بعضهم لبعض: إنه والله ما هذا الرجل بمعطيكم شيئًا مما تريدون، فانطلقوا وامضوا على دين آبائكم، حتى يحكم الله بينكم وبينه. قال: ثم تفرقوا. رجاء الرسول إسلام أبى طالب: فقال أبو طالب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: والله يا ابن أخي، ما رأيتك سألتهم شططًا: قال: فلما قالها أبو طالب طمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إسلامه، فجعل يقول له: (أي عم، فأنت فقلها أستحل لك بها الشفاعة يوم القيامة) قال: فلما رأى حرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه، قال يا ابن أخي، والله لولا مخافة السبة عليك وعلى بني أبيك من بعدي، وأن تظن قريش أني إنما قلتها جزعًا من الموت لقلتها، لا أقولها إلا لأسرك بها. قال: فلما تقارب من أبى طالب الموت قال: نظر العباس إليه يحرك شفتيه، قال: فأصغى إليه بأذنه، قال: فقال يا ابن أخي، والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لم أسمع). ما نزل فيمن طلبوا العهد على الرسول عند أبى طالب: قال: وأنزل الله تعالى في الرهط الذين كانوا اجتمعوا إليه، وقال لهم ما قال، وردوا عليه ما ردوا: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي

أهون الناس عذابا في النار

الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} إلى قوله تعالى: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ}. يعنون النصارى، لقولهم: {إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ}. {إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} ثم هلك أبو طالب. (¬1) روى البيهقي بسنده علي قال لما توفي أبو طالب أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت يا رسول الله إن عمك الضال قد هلك قال فانطلق فواره فقلت ما أنا بمواريه قال فمن يواريه انطلق فواره ولا تحدثن شيئًا حتى تأتيني فانطلقت فواريته فأمرني أن اغتسل ثم دعا لي بدعوات ولا يسرني بها ما على الأرض من شيء. (¬2) أهون الناس عذابًا في النار روى البخاري بسنده عن ابن عباس، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال (أهون أهل النار عذابًا أبو طالب. وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه). روى البخاري بسنده عن النعمان بن بشير يخطب وهو يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن أهون أهل النار عذابًا يوم القيامة، لرجل توضع في أخمص قدميه جمرتان، يغلي منهما دماغه). روى البخاري بسنده عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن أهون أهل النار عذابًا من له نعلان وشراكان من نار. يغلي منهما دماغه. كما يغل المرجل ما يرى أن أحدًا أشد منه عذابًا. وإنه لأهونهم عذابًا). (¬3) مرض أبي طالب ونزول سورة ص والقرآن ذي الذكر ¬

_ (¬1) ابن هشام ج 1/ 417. (¬2) السنن الكبرى للبيهقي ج1 ص 304. (¬3) اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ج رقم 362/ 363/ 364.

روى الحاكم بسنده عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال مرض أبو طالب فجاءت قريش فجاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وعند رأس أبي طالب مجلس رجل فقام أبو جهل كي يمنعه ذاك وشكوه إلى أبي طالب فقال: يا ابن أخي ما تريد من قومك قال: يا عم إنما أريد منهم كلمة تذل لهم بها العرب وتؤدى إليهم بها جزية العجم قال: كلمة واحدة. قال كلمة واحدة. قال ما هي قال لا إله إلا الله قال: فقالوا أجعل الآلهة إلهًا واحدًا إن هذا لشيء عجاب قال ونزل فيهم ص والقرآن ذي الذكر حتى بلغ إن هذا إلا اختلاق. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. روى الحاكم بسنده عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: نزل ص والقرآن ذي الذكر فيهم وفي مجلسهم ذلك يعني مجلس أبي طالب وأبى جهل واجتماع قريش إليهم حين نازعوا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. (¬1) روى البخاري بسنده عن العباس بن عبد المطب -رضي الله عنه- قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ما أغنيت عن عمك، فإنه كان يحوطك ويغضب لك، قال: هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار. روى البخاري بسنده ابن المسيب عن أبيه (أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وعنده أبو جهل فقال: أي عم، قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله. فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، ترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شي كلمهم به: على ملة عبد المطلب. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لأستغفرنّ لك، ما لم أنه عنه، فنزلت {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}، ونزلت {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} (¬2). ¬

_ (¬1) المستدرك ج2 ص 432. (¬2) سورة التوبة آية رقم 113 وسورة القصص آية 56.

الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يطلب من عمه أبي طالب الإقرار بشهادة التوحيد

روى البخاري بسنده عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- (أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر عمه فقال: لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه) (¬1). الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يطلب من عمه أبي طالب الإقرار بشهادة التوحيد روى البخاري بسنده عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمه (قُل: لاَ إلهَ إلَّا اللهُ، أشهَدُ لَكَ بها يَوْم القِيَامَةِ) قال: لولا أن تعيرني قريش. يقولون: إنما حمله، على ذلك، الجزع. لأقررت بها عينك (¬2). فأنزل الله: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}. وفاة أبي طالب روى البيهقي بسنده عن أبي اليمان الهوزني، قال لما توفي أبو طالب عم النبي - صلى الله عليه وسلم -، خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فعارض جنازته، قال ابن عوف: فجعل يمشي مجانبًا لها، ويقول: (برتك رحم، وجزيت خيرًا) ولم يقم على قبره (¬3). روى بسنده عن أبي هريرة، -رضي الله عنه-، قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة أتاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وعنده عبد الله بن أبي أمية، أبو جهل بن هشام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (أي عم، إنك أعظمهم علي حقًا، وأحسنهم عندي يدًا، ولأنت أعظم حقًا علي من والدي، فقل كلمة تجب لك علي بها الشفاعة يوم القيامة، قل لا إله إلا الله)، فقالا له: أترغب عن ملة عبد ¬

_ (¬1) فتح الباري ج رقم. 3883/ 3884/3885. (¬2) مسلم ج 1/ 55. (¬3) رواه البيهقي في سننه 3/ 398.

المطلب؟ فسكت، فأعادها عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فقال: أنا على ملة عبد المطلب فمات، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (لأستغفِرَنّ لكَ ما لم أُنْهَ عنك)، فأنزل الله -عَزَّ وجَلَّ-: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} الآية {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ} إلى آخر الآية (¬1). وروى بسنده عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، أن أبا طالب مرض، فثقل فعاده النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فقال: يا ابن أخي، ادع ربك الذي بعثك أن يعافيني، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (اللَّهم اشف عمّى) فقام كأنه نشط من عقال، فقال أبو طالب: إن ربك بعثك ليطيعك، قال: (وأنت يا عمّ إن أطعت الله ليطيعنك). (¬2) وروى بسنده عن جابر -رضي الله عنه-، قال: لما مات أبو طالب قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (رحمك الله وغفر لك يا عمّ، ولا أزال أستغفر لك حتى ينهانني الله -عَزَّ وَجَلَّ-)، فأخذ المسلمون يستغفرون لموتاهم الذين ماتوا وهم مشركون، فاْنزل الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}. (¬3) عن عثمان يعني ابن عفان -رضي الله عنه-، قال: تمنيت أن أكون سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماذا ينجينا مما يلقي الشيطان في أنفسنا، فقال أبو بكر: قد سألته عن ذلك فقال: (ينجيكم من ذلك أن تقولوا ما أمرت به عمّي أن يقوله فلم يقله). (¬4) روى بسنده عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري قال: قال أبو طالب: يا ابن أخي والله لولا رهبة أن تقول قريش دهرني الجزع فيكون سبة عليك وعلى بني أبيك لفعلت الذي ¬

_ (¬1) المستدرك للحاكم ج 2/ 335 والآية في سورة التوبة 113 - 114. (¬2) المستدرك للحاكم ج 1/ 542. (¬3) المستدرك للحاكم ج 2/ 335. (¬4) مجمع الأوان ج 1/ 32.

وفاة خديجة (رضي الله عنها)

تقول، وأقررت عينك بها، لما أرى من شكرك ووجدك بي ونصيحتك لي. ثم إن أبا طالب دعا بني عبد المطلب فقال: لن تزالوا في ما سمعتم من محمَّد وما اتبعتم أمره، فاتبعوه وأعينوه ترشدوا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أتأمرهم بها وتدعها لنفسك؟!) فقال أبو طالب: أما لو أنك سألتني الكلمة وأنا صحيح لتابعتك على الذي تقول، ولكني أكره أن أجزع عند الموت فترى قريش أني أخذتها جزعًا، ورددتها في صحتي. (¬1) وفاة خديجة (رضي الله عنها) قال ابن إسحاق: ثم إن خديجة بنت خويلد وأبا طالب هلكا في عام واحد، فتتابعت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المصائب بهلك خديجة -وكانت له وزير صدق على الإِسلام يشكو إليها- وبهلك عمّه أبى طالب، وكان له عضدًا وحرزًا في أمره ومنعة وناصرًا على قومه، وذلك قبل مهاجره إلى المدينة بثلاث سنين. (¬2) روى بسنده عن هشام عن أبيه قال: توفيت خديجة قبل مخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة بثلاث سنين. (¬3) روى بسنده عن هشام بن عروة قال: توفيت. خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-، وهي ابنة خمس وستين سنة. (¬4) عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن خديجة أنها ماتت قبل أن تنزل الفرائض والأحكام، قال: (أبصرتها على نهر من أنهار الجنة، في بيت من قصب لا لغو فيه ولا نصب). (¬5) قال: أخبرنا محمَّد بن عمر الأسلمي قال: توفي أبو طالب للنصف من شو في السنة ¬

_ (¬1) ابن سعد ج 1/ 122. (¬2) ابن هشام ج 2/ 25. (¬3) البخاري ج 5/ 71 كتاب المناقب باب تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة. (¬4) المستدرك ج 3/ 182. (¬5) مجمع الزوائد ج 9/ 223.

العاشرة من حين نبىء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يومئذ ابن بضع وثمانين سنة، وتوفيت خديجة بعده بشهر وخمسة أيام، وهي يومئذ بنت خمس وستين سنة، فاجتمعت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصيبتان: موت خديجة بنت خويلد، وموت أبي طالب عمّه. (¬1) وروى بسنده عن حكيم بن حزام قال: توفيت خديجة بنت خويلد في شهر رمضان سنة عشر من النبوة، وهي يومئذ بنت خمس وستين سنة، فخرجنا بها من منزلها حتى دفناها بالحجون، ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حفرتها، ولم تكن يومئذ سنة الجنازة الصلاة عليها. قيل: ومتى ذلك يا أبا خالد؟ قال: قبل الهجرة بسنوات ثلاث أو نحوها وبعد خروج بني هاشم من الشعب بيسر. (¬2) روى بسنده عن عروة بن الزبير قال: وقد كانت خديجة توفيت قبل أن تفرض الصلاة. (¬3) قال البيهقي: بلغني أن موت خديجة كان بعد موت أبى طالب. بثلاثة أيام. وقال: زعم الواقدي أنهم خرجوا من الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين، وفي هذه السنة توفيت خديجة وأبو طالب بينهما خمس وثلاثون ليلة، المتقدمة خديجة. (¬4) ¬

_ (¬1) ابن سعد ج 1/ 125. (¬2) ابن سعد ج 8/ 18. (¬3) دلائل البيهقي ج 2/ 352. (¬4) دلائل البيهقي ج 2/ 353. قلت كان وفاة السيدة خديجة -رضي الله عنها- وأبو طالب قبل الهجرة بخمس سنوات أي في العام الثامن للبعثة سنة 630 م.

دخول أبي بكر (رضي الله عنه) في جوار ابن الدغنة بعد عزمه على الهجرة

دخول أبي بكر (رضي الله عنه) في جوار ابن الدغنة بعد عزمه على الهجرة قال ابن إسحاق: وقد كان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-، كما حدثني محمَّد بن مسلم الزهري، عن عروة، عن عائشة -رضي الله عنها-، حين ضاقت عليه مكة، وأصابه فيها الأذى، ورأى من تظاهر قريش على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأصحابه ما رأى، استأذن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في الهجرة، فأذن له، فخرج أبو بكر مهاجرًا، حتى إذا سار من مكة يومًا أو يومين لقيه ابن الدغنة أخو بني الحارث بن بكر، وهو يومئذ سيد الأحابيش، قالت: فقال ابن الدغنة: أين يا أبا بكر؟ قال: أخرجني قومي، وأذوني وضيقوا علي، قال: ولم؟ فوالله إنك لتزين العشيرة، وتعين على النوائب، وتفعل المعروف، وتكسب المعدوم، ارجع وأنت في جواري، فرجع معه، حتى إذا دخل مكة قام ابن الدُّغُنَّةِ فقال: يا معشر قريش، إني قد أجرت ابن أبي قحافة، فلا يعرضن له أحد إلا بخير، قالت: فكفوا عنه، قالت: وكان لأبي بكر مسجد عند باب داره في بني جمح، فكان يصلى فيه، وكان رجلًا رقيقًا إذا قرأ القرآن استبكى، قالت: فيقف عليه الصبيان والعبيد والنساء يعجبون لما يرون من هيئته، قالت: فمشى رجال من قريش إلى ابن الدُّغُنَّة فقالوا: يا ابن الدُّغُنَّةِ، إنك لم تجر هذا ليؤذينا، إنه رجل إذا صلى وقرأ ما جاء به محمَّد يَرقُّ ويبكي، وكانت له هيئة ونحو، فنحن نتخوف على صبياننا ونسائنا وضعفتنا أن يفتنهم، فأته فمره أن يدخل بيته فليصنع فيه ما شاء، قالت: فمشى ابن الدُّغُنَّة إليه، فقال له: يا أبا بكر، إني لم أجرك لتؤذي قومك، إنهم قد كرهوا مكانك الذي أنت به وتأذوا بذلك منك، فادخل بيتك فاصنع فيه ما أحببت، قال: أو أرد عليك جوارك وأرضى بجوار الله، قال: فاردد عليَّ جواري، قال: قد رددته عليك، قال: فقام ابن الدُّغُنَّةِ فقال: يا معشر قريش، إن ابن أبي قحافة قد رد عليَّ جواري،

فشأنكم بصاحبكم. (¬1) وروى ابن إسحاق بسنده عن القاسم بن محمَّد قال: لقيه سفيه من سفهاء قريش، وهو عامد إلى الكعبة، فحثا على رأسه ترابًا، قال: فمر بأبي بكر الوليد بن المغيرة، أو العاص بن وائل، قال: فقال أبو بكر: ألا ترى إلى ما يصنع هذا السفيه؟ قال: أنت فعلت ذلك بنفسك، قال: وهو يقول: أي رب ما أحلمك، أي رب ما أحلمك، أي رب ما أحلمك. روى البخاري بسنده عن عائشة -رضي الله عنها-، زوج النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قالت: لم أعقل أبوي قط، إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية فلما ابتلي المسلمون، خرج أبو بكر مهاجرًا نحو أرض الحبشة حتى بلغ برك الغماد لقيه ابن الدُّغُنَّةِ وهو سيد القارة، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأريد أن أسيح في الأرض، وأعبد ربي، قال ابن الدُّغُنَّةِ: فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يُخرج، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق، فأنا لك جار، ارجع واعبد ربك ببلدك، فرجع وارتحل معه ابن الدُّغُنَّةِ، فطاف ابن الدُّغُنَّةِ عشية في أشراف قريش، فقال لهم: إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يُخرج، أتخرجون رجل يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق، فلم تكذب قريش بجوار ابن الدُّغُنَّةِ، وقالوا لابن الدُّغُنَّةِ: مر أبا بكر فليعبد ربه في داره، فليصل فيها وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فقال ذلك ابن الدُّغُنَّةِ لأبي بكر فلبث أبو بكر بذلكَ يعبد ربه في داره ولا يستعلن بصلاته، ولا يقرأ في غير داره، ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدًا بفناء داره، وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فينقذف عليه نساء المشركين وأبناؤهم، وهم يعجبون منه، وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلًا بكاء، لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، ¬

_ (¬1) ذكر ابن هشام هذه الحادثة بعد حصر قريش بني هاشم في الشعب وقبل خروجهم منه، وتابعه على ذلك ابن حجر انظر (فتح الباري: ج 7/ 232). وصرح بعضهم أنها كانت بعد وفاة أبي طالب انظر (الرحيق المختوم: 133).

وأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدُّغُنَّةِ فقدم عليهم، فقالوا: إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره، فقد جاوز ذلك فابتنى مسجدًا بفناء داره، فأعلن بالصلاة والقراءة فيه، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فانهه، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل وإن أبى إلا أن يعلن بذلك، فسله أن يرد إليك ذمتك فإنا قد كرهنا أن نخفرك، ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان، قالت عائشة: فأتي ابن الدغنة إلى أبى بكر فقال: قد علمت الذي عاقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك، وإما أن ترجع إلي ذمتي، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له، فقال أبو بكر: فإني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله -عَزَّ وَجَلَّ-. (¬1) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاريُّ في صحيحه ج 1/ 128).

أبو لهب يناصر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

أبو لهب يناصر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حدثنا محمَّد بن عبد الله عن أبيه عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير قالوا: لما توفي أبو طالب وخديجة بنت خويلد، وكان بينهما شهر وخمسة أيام، اجتمعت على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، مصيبتان فلزم بيته وأقل الخروج ونالت منه قريش ما لم تكن تنال ولا تطمع به، فبلغ ذلك أبا لهب فجاءه فقال: يا محمَّد امض لما أردت وما كنت صانعًا إذ كان أبو طالب حيًّا فاصنعه، لا واللات لا يوصل إليك حتى أموت! وسبّ ابن الغيطلة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأقبل عليه أبو لهب فنال منه، فولّى وهو يصيح: يا معشر قريش صبأ أبو عتبة! فأقبلت قريش حتى وقفوا على أبى لهب، فقال: ما فارقت دين عبد المطلب ولكني أمنع ابن أخي أن يضام حتى يمضي لما يريد، قالوا: قد أحسنت وأجملت ووصلت الرحم؛ فمكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كذلك أيّامًا يذهب ويأتي لا يعترض له أحد من قريش، وهابوا أبا لهب، إلى أن جاء عقبة بن أبي معيط وأبو جهل بن هشام إلى أبى لهب فقالا له: أخبرك ابن أخيك أين مدخل أبيك؟ فقال له أبو لهب: يا محمَّد أين مدخل عبد المطلب؟ قال: مع قومه، فخرج أبو لهب إليهما فقال: قد سألته فقال مع قومه، فقالا: يزعم أنه في النار، فقال: يا محمَّد أيدخل عبد المطب النار؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نعم، ومن مات على مثل ما مات عليه عبد المطلب دخل النار، فقال أبو لهب: والله لا برحت لك عدوًّا أبدًا، وأنت تزعم أن عبد المطلب في النار! فاشتد عليه هو وسائر قريش (¬1). أبو سفيان ابن حرب يستنجدُ برسول الله (صلى الله عليه وسلم) لكشف العذاب عن قريش ¬

_ (¬1) كان هذا في العام الخامس قبل الهجرة.

خروج الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى الطائف

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: جاء أبو سفيان بن حرب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمَّد نشدتك بالله قد أكلنا العلهز -يعني: الوبر والدم- فأنزل الله جل ذكره: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} (¬1). روى البخاري بسنده عن عبد الله فقال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رأى من الناس إدبارًا قال: اللَّهم سبع كسبع يوسف. فأخذتهم سنة حصَّت كل شيء حتى أكلوا الجلود والميتة والجيف، وينظر أحدهم إلى السماء فيرى الدخان من الجوع. فأتاه أبو سفيان فقال: يا محمَّد، إنك تأمر بطاعة الله وبصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا، فادع الله لهم. قال الله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} إلى قوله {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} فالبطشة يوم بدر، وقد مضت الدخان والبطشة واللزام وآية الروم" (¬2). خروج الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى الطائف " ومات أبو طالب وازداد من البلاء على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شدة، فعمد إلى ثقيف يرجو أن يؤووه وينصروه، فوجد ثلاثة نفر منهم سادة ثقيف وهم أخوةٌ عبد ياليل بن عمرو وحبيب بن عمرو، ومسعود بن عمرو، فعرض عليهم نفسه، وشكا إليهم البلاء وما انتهك قومه منه فقال أحدهم: أنا أسرق ثياب الكعبة إن كان الله بعثك بشيء قط، وقال الآخر: والله لا أكلمك بعد مجلسك هذا كلمة واحدة أبدًا، لئن كنت رسولًا لأنت أعظم شرفًا وحقًا من أن أكلمك. وقال الآخر: أعجز الله أن يرسل غيرك!! وأفشوا ذلك في ثقيف -الذي قال لهم- واجتمعوا يستهزئون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقعدوا له صفين على طريقه، فأخذوا بأيديهم الحجارة فجعل لا يرفع رجله ولا يضعها إلا رضخوها بالحجارة، وهم في ذلك يستهزئون ويسخرون، فلما خلص من صفيهم وقدماه تسيلان الدماء، عمد إلى حائط كرومهم فأتى ظل حبلة من الكرم فجلس ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في الكبير برقم [12038] وابن حبان في صحيحه 967. (¬2) كان هذا الحدث في السنة الخامسة قبل الهجرة.

سعي الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى الطائف وموقف ثقيف منه

في أصلها مكروبًا موجعًا، تسيل قدماه الدماء، وإذا في الكرم عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، فلما أبصرهما كره أن يأتيهما، لما يعلم من عداوتهما لله ولرسوله، وبه الذي به، فأرسلا إليه غلامهما "عداسًا" بعنب، وهو نصراني من أهل نينوى، فلما أتاه وضع العنب بين يديه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بسم الله، فعجب عداس، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أي أرض أنت يا عداس؟ قال أنا من أهل نينوى، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - من أهل مدينة الرجل الصالح يونس بن متى. فقال له عداس: وما يدريك من يونس بن متى؟ فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شأن يونس ما عرف، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يحقر أحدًا يبلغه رسالات الله تعالى، قال: يا رسول الله أخبرني خبر يونس بن متى، فلما أخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شأن يونس بن متى ما أوحى إليه من شأنه، خرَّ ساجدًا للرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم جعل يقبل قدميه وهما تسيلان الدماء، فلما أبصر عتبة وأخوه شيبة ما فعل غلامهما سكتا، فلما أتاهما قالا له: ما شأنك؟ سجدت لمحمد، وقبلت قدميه، ولم نرك فعلت هذا بأحد منا، قال: هذا رجل صالح حدثني عن أشياء عرفتها من شأن رسول بعثه الله تعالى إلينا يدعى يونس بن متى، فأخبرني أنه رسول الله فضحكا، وقالا: لا يفتنك عن نصرانيتك إنه رجل يخدع. ثم رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة". سعي الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى الطائف وموقف ثقيف منه قال ابن إسحاق: ولما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأذى ما لم تكن تنال منه في حياة عمه أبي طالب، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف، يلتمس النصرة من ثقيف، والمنعة بهم من قومه، ورجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله -عَزَّ وجَلَّ-، فخرج إليهم وحده. قال ابن إسحاق: فحدثني يزيد بن زياد، عن محمَّد بن كعب القرظي، قال: لما انتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف، عمد إلى نفر من ثقيف، هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم وهم أخوة ثلاثة: عبد ياليل بن عمرو بن عمير، ومسعود بن عمرو بن

عمير، وحبيب بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف، وعند أحدهم امرأة من قريش من بني جمح، فجلس إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدعاهم إلى الله، وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإِسلام، والقيام معه على من خالفه من قومه؛ فقال له أحدهم: هو يمرط (¬1) ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك؛ وقال الآخر: أما وجد الله أحدًا يرسله غيرك! وقال الثالث: والله لا أكلمك أبدًا. لئن كنت رسولًا من الله كما تقول؛ لأنت أعظم خطرًا من أن أردّ عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله، ما ينبغي في أن أكلمك. فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عندهم وقد يئس من خير ثقيف، وقد قال لهم -فيما ذكر لي-: إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني، وكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبلغ قومه عنه، فيذئرهم (¬2) ذلك عليه. قال ابن هشام: قال عبيد بن الأبرص: ولقد أتاني عن تميم أنهم ... ذئروا لقتلى عامر وتعصبوا فلم يفعلوا، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم، يسبونه ويصيحون به، حتى اجتمع عليه الناس، وألجئوه إلى حائط (¬3) لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، وهما فيه، ورجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه، فعمد إلى ظلّ حبلة (¬4) من عنب، فجلس فيه. وابنا ربيعة ينظران إليه، ويريان ما لقي من سفهاء أهل الطائف، وقد لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما ذكر لي- المرأة التي من بني جمح، فقال لها: "ماذا لقينا من أحمائك؟ ". فلما اطمأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال- فيما ذكر لي-: "اللَّهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربى، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني (¬5)؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك". ¬

_ (¬1) يمرطه: ينزعه ويرمي به. (¬2) يذئرهم: يثيرهم. (¬3) الحائط: الحديقة. (¬4) حبلة: شجرة العنب. (¬5) تجهّم فلانًا: استقبله بوجه كريه.

خروجه إلى الطائف

قال: فلما رآه ابنا ربيعة، عتبة وشيبة، وما لقي، تحركت له رحمهما، فدعوا غلامًا لهما نصرانيًا، يقال له عداس، فقالا له: خذ قطفًا من هذا العنب، فضعه في هذا الطبق، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل، فقل له يأكل منه. ففعل عدّاس، ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال له: كل، فلما وضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه يده، قال: باسم الله، ثم أكل، فنظر عدّاس في وجهه، ثم قال: والله إنّ هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ومن أهل أي البلاد أنت يا عدّاس، وما دينك؟ " قال: نصراني، وأنا رجل من أهل نينوى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قرية الرجل الصالح يونس بن متى"؛ فقال له عدّاس: وما يدريك ما يونس بن متى؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ذاك أخي، كان نبيًا وأنا نبي"، فأكب عدّاس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل رأسه ويديه وقدميه. قال: يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه: أما غلامك فقد أفسده عليك. فلما جاءهما عدّاس قالا له: ويلك يا عدّاس! ما لك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟ قال: يا سيدي، ما في الأرض شيء خير من هذا، لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلَّا نبي، قالا له: ويحك يا عدّاس، لا يصرفنّك عن دينك، فإن دينك خير من دينه. خروجه إلى الطائف روى البخاري بسنده عن عائشة -رضي الله عنها-: قالت: قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردّوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمر بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلم عليّ، ثم قال يا محمَّد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، قد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت، إن شئت أطبقت

عليهم الأخشبين، قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا). (¬1) حدثنا عمرو بن علي أبو عاصم حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلي بن كعب الطائفي حدثني عبد ربه بن الحكم حدثتني بنت رقيقة عن أمها رقيقة قالت: لما جاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يبتغي النصر بالطائف فدخل عليها فأخرجت له شرابًا من سويق فقال: (يا رقيقة لا تعبدي طاغيتهم ولا تصلين لها) قالت: إذًا يقتلوني قال: (فإذا قالوا لك فقولي ربى رب هذه الطاغية، فإذا رأيتيها فولها ظهرك) ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من عندها قالت بنت رقيقة فأخبرني أخواي سفيان ووهب أبناء قيس بن أبان قال لما أسلمت ثقيف خرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقال: ما فعلت أمكما قلنا هلكت على الحال التي تركتها قال: (لقد أسلمت أمكما إذًا). (¬2) أخبرنا أوس بن أبي أوس الثقفي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أتى كظامة قوم بالطائف، فتوضأ ومسح على رجليه. قال هشيم: كان هذا في مبدأ الإِسلام. (¬3) روى بسنده عن خالد العدواني أنه أبصر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في مشرق ثقيف وهو قائم على قوس -أو عصا- حين أتاهم يبتغي عندهم النصر قال: فسمعته يقرأ: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} حتى ختمها، قال: فوعيها في الجاهلية وأنا مشرك، ثم قرأتها في الإِسلام، قال: فدعتني ثقيف فقالوا: ماذا سمعت من هذا الرجل؟ فقرأتها عليهم، فقال من معهم من قريش: نحن أعلم بصاحبنا، لو كنا نعلم ما يقول حقًا لتبعناه. ¬

_ (¬1) رواه البخاري 6/ 224 ومسلمٌ برقم 1795. (¬2) المعجم الكبير 24/ 261، أُسد الغابة 7/ 111، الإصابة 8/ 647. (¬3) رواه الحازمي في الاعتبار.

دخول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مكة في جوار المطعم بن عدي

دخول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مكة في جوار المطعم بن عدي ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مكة مرجعه من الطائف في جوار المطعم بن عدي، وازداد قومه عليه حنقًا وغيظًا وتكذيبًا وعنادًا، والله المستعان وعليه التكلان. وقد ذكر الأموي في مغازيه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بعث أريقط إلى الأخنس بن شريق، فطلب منه أن يجيره بمكة، فقال: إن حليف قريش لا يجير على صميمها. ثم بعثه إلى سهيل بن عمرو ليجيره فقال: إن بني عامر بن لؤي لا تجير على بني كعب بن لؤي. فبعثه إلى المطعم بن عدي ليجيره فقال: نعم، قل له فليأت. فذهب إليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فبات عنده تلك الليلة، فلما أصبح خرج معه هو وبنوه ستة أو سبعة، متقلدي السيوف جميعًا، فدخلوا المسجد وقال لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: طف. واحتبوا بحمائل سيوفهم في المطاف. فأقبل أبو سفيان إلى مطعم فقال: أمجير أو تابع؟ قال: لا بل مجير. قال: إذا لا تخفر. فجلس معه حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم طوافه، فلما انصرف انصرفوا معه. وذهب أبو سفيان إلى مجلسه. دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي روى الحاكم بسنده عن عثمان بن عبد الله الأرقم عن جده الأرقم وكان بدريًا وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم آوى في داره عند الصفا حتى تكاملوا أربعين رجلًا مسلمين وكان آخرهم إسلامًا عمر بن الخطاب -رضي الله عنهم- فلما كانوا أربعين خرجوا إلى المشركين (¬1). ¬

_ (¬1) المستدرك للحاكم 3/ 504 وافقه الذهبي.

أذى قريش للرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

أذى قريش للرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن ثابت، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لقد أوذيت في الله -تبارك وتعالى- وما يؤذى أحد، وأخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت علي ثلاثة من بين يوم وليلة وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا ما يواري إبط بلال (¬1) [الخصام] حدثنا أحمد بن سليمان الصفار قال: حدثنا زيد بن المبارك قال: حدثنا ابن ثور، عن ابن جريج قال: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المسجد فطاف سبعًا، وقريش جلوس بين باب بني مخزوم وباب بني جمح، فقال: - صلى الله عليه وسلم - بيده وأشار إليهم وإلى أوثانهم {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} ثم خرج - صلى الله عليه وسلم - فجاء ابن الزبعري، وإذا قريش تسبه، فقال: ما لكم؟ فقالوا: إن ابن أبي كبشة سبنا، وسب أوثاننا، فلما أن كان من العشي لقي ابن الزبعري، فقال: يا محمَّد أهي لنا ولآلهتنا خاصة دون الأمم أو هي لجميع الأمم؟ قال: بل هي لكم ولجميع الأمم، قال ابن الزبعري: خصمتك ورب الكعبة، فإنك تثني على عيسى وأمه خيرًا، وقد عبد فنزلت {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} ابن الزبعري السهمي، قال ابن جريج في حديثه هذا، وقال: مجاهد {أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} عيسى وعزير والملائكة. (¬2) [منى] عن الحارث بن الحارث الغامدي -رضي الله عنه- قال: (قلت لأبي ونحن بمنى: ما هذه الجماعة؟ قال: هؤلاء قوم اجتمعوا على صابئ لهم، فتشرفنا فإذا رسول الله - صلى الله عليه ¬

_ (¬1) رواه الإمام أحمد أيضًا عن عبد الصمد المسند 3/ 120. (¬2) شيخ المصنف لم أقف عليه، وبقية رجاله موثقون. وابن ثور، هو محمد بن ثور الصنعاني. وانظر سيرة ابن هشام 1/ 358، وتفسير الطبري 17/ 96 - 97 وسبل الهدى والرشاد 2/ 612.

[عمه يرميه بالحجارة]

وسلم - يدعو الناس إلى توحيد الله تعالى والإيمان به، وهم يردون عليه قوله ويؤذونه، حتى ارتفع النهار، وانصدع عنه الناس، وأقبلت امرأة قد بدا نحرها تبكي تحمل قدحًا فيه ماء ومنديلًا، فتناوله منها فشرب وتوضأ، ثم رفع رأسه إليها فقال: يا بنية! خمري عليك نحرك ولا تخافي على أبيك غلبة ولا ذلا، فقلنا: من هذه؟ قالوا: هذه زينب ابنته). (خ في تاريخه، طب، وأبو نعيم، كر، وقال أبو زرعه الدمشقي: هذا حديث صحيح). (¬1) [عمه يرميه بالحجارة] عن طارق المحاربي -رضي الله عنه- رأيت رسول الله مر في سوق ذي المجاز، وعليه حلة حمراءُ، وهو يقول: (يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله، تفلحوا) ورجل يتبعه يرميه بالحجارة، قد أدمى كعبيه وعرقوبيه، وهو يقول: يا أيها الناس لا تطعوه فإنه كذاب. فقلت: من هذا؟ قالوا: غلام بني عبد المطلب. فقلت: من هذا الذي يتبعه يرميه بالحجارة؟ قالوا: هذا عبد العزى أبو لهب. (¬2) [سلا الجذور] عن عبد الله بن مسعود قال: (بينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في المسجد وأبو جهل بن هشام، وشيبة وعتبة ابنا ربيعة، وعقبة بن أبي معيط، وأمية بن خلف. فقال أبو جهل: أيكم يأتي جزور بني فلان، فيأتينا بفرثها، فيلقيه على محمَّد؟ فانطلق أشقاهم، وأسفههم عقبة بن أبي معيط، فأتى به، فألقاه على كتفيه، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ساجد لم يهتم، قال ابن مسعود: وأنا قائم لا أستطيع أن أتكلم بشيء، ليس عندي عشيرة تمنعني. إذ سمعت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بذلك فأقبلت حتى ألقت ذلك عن أبيها، ثم استقبلت قريشًا تسبهم، فلم يرجعوا إليها شيئًا، ورفع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ¬

_ (¬1) رواه أبو نعيم في معرفة الصحابة 2/ 208 قال للبيهقي رجاله ثقات 6/ 21. (¬2) أخرجه النسائي بسند صحيح 5/ 61 و 8/ 55.

[سلا الجزور]

وسلم رأسه كما كان يرفعه عند تمام سجوده، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم صلاته قال: اللَّهم عليك بقريش، اللَّهم عليك بقريش، اللَّهم عليك بعقبة، وعتبة، وأمية بن خلف، وأبى جهل بن هشام، وشيبة، وخرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من المسجد، فلقيه أبو البختري، ومع أبي البختري سوط يتخصر به، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أنكر وجهه، فأخذه، فقال: تعال، ما لك؟ فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: خل عني. فقال: علم الله، لا أخلي عنك أو تخبرني ما شأنك، ولقد أصابك سوء. فلما علم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أنه غير مخل عنه أخبره، فقال: إن أبا جهل أمر فطرح عليَّ فرث. فقال أبو البختري: هلم إلى المسجد، فأبى النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فأخذه أبو البختري فأدخله المسجد، ثم أقبل إلى أبى جهل، فقال: يا أبا الحكم، أنت الذي أمرت بمحمد فطرح عليه الفرث قال: نعم. قال: فرفع السوط فضرب به رأسه قال: فثار الرجال بعضها إلى بعض قال وصاح أبو جهل ويحكم هي له إنما أراد محمَّد أن يلقي بيننا العداوة وينجو هو وأصحابه. (¬1) [سلا الجزور] عن أحمد بن إسحاق السرماري قال حدثنا عبيد الله بن موسى قال حدثنا إسرائيل عن أبى إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قائم يصلي عند الكعبة وجمع قريش في مجالسهم، إذ قال قائل منهم ألا تنظرون إلى هذا المرائي؟ أيكم يقوم إلى جزور آل فلان فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها فيجيء به، ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه؟ فانبعث أشقاهم، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وضعه بين كتفيه، وثبت النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ساجدًا. فضحكوا حتى مال بعضهم إلى بعض من الضحك. فانطلق منطلق إلي فاطمة -عليها السلام-وهي جويرية- فأقبلت تسعى، وثبت النبي صلى ¬

_ (¬1) رواه البخاري ومسلمٌ بدون زيادة الأجلع انظر الفتح كتاب الصلاة ح 520 ص 594 باب رقم 109.

[أبو جهل يتوعد]

الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ساجدًا حتى ألقته عنه، وأقبلت عليهم تسبهم. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الصلاة قال: اللَّهم عليك بقريش، اللَّهم عليك بقريش. ثم سمى: اللَّهم عليك بعمرو بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وعمارة بن الوليد قال عبد الله: فوالله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: وأتبع أصحاب القليب لعنه). (¬1) [أبو جهل يتوعد] عن أبي هريرة قال قال أبو جهل: هل يعفر محمَّد وجهه بين أظهركم قال فقيل نعم فقال: واللات والعزى يمينًا يحلف بها لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته أو لأعفرن وجهه في التراب قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وهو يصلي زعم ليطأ على رقبته قال فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه قال قالوا له ما لك قال إن بيني وبينه لخندقًا من نار وهولًا وأجنحة قال فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لو دنا مني لخطفته الملائكة عضوًا عضوا قال فأنزل لا أدري في حديث أبي هريرة أو شيء بلغه {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} (يعني أبا جهل). {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} (قال يدعو قومه). {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} (قال يعني الملائكة). {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ}. (¬2) [أبو جهل يهدد] ¬

_ (¬1) في هذا الحديث بين ابن مسعود -رضي الله عنه- السبعة الذين لعنوا وسحبوا إلى قليب بدر. (¬2) إسنادُهُ صحيحٌ. رواه مسلم رقم 2797 في صفات المنافقين.

[أبو جهل يؤذي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في ذي المجاز]

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: مر أبو جهل على النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وهو يصلي، فقال: ألم أنهك يا محمد؟ لتنتهين أو لأفعلن بك. قال: فانتهره النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأغلظ له، قال: بم تهددني يا محمَّد؟ فما في هذا الوادي -يعني وادي مكة- أكثر ناديًا مني. قال: فأنزل الله -عَزَّ وجَلَّ-: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: لو نادى لأخذته ملائكة العذاب مكانه. (¬1) [أبو جهل يؤذي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في ذي المجاز] وقال مسدد: ثنا أبو الأحوص حدثنا أشعث بن سليم بن أسود المحاربي. سمعت شيخًا من كنانة يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في سوق ذي المجاز وهو يقول: (أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا). قال: وأبو جهل يمشي في أثره يسفي عليه التراب، وهو يقول: يا أيها الناس لا يغرنكم هذا عن دينكم إنما يريد أن تَدَعوا اللات والعزى. ووصف لنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقال: رأيت عليه بردين أحمرين أبيض شديد سواد الرأس واللحية، مربوع، كأحسن الرجال وجهًا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. (¬2) [يشتمون مذممًا] حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: ألا تعجبون! كيف يصرف عني شتم قريش! كيف يلعنون مذممًا، ويشتمون مذممًا، وأنا محمَّد. (¬3) ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 248، 368،والبخاريُّ 8/ 724 كلاهما من طريق: الجزري عن عكرمة، به. وذكره السيوطي في الدر المنثور 6/ 369 وزاد نسبتنه لعبد الرزاق في التفسير، وعبد ابن حميد، وابن مردويه، وابن المنذر، كلهم عن ابن عباس بنحوه. (¬2) رواه أحمد بن حنبل 5/ 376. (¬3) رواه البخاري 6/ 407 إسنادُهُ صحيحٌ.

[الموسم]

[الموسم] قال ربيعة الديلي: إني لمع أبي رجل شاب أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يتبع القبائل، ووراءه رجل أحول وضيء ذو جمة. يقف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على القبيلة ويقول: يا بني فلان: إني رسول الله إليكم آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وأن تصدقوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به، فإذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من مقالته، قال الآخر من خلفه يا بني فلان: إن هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من الجن بني مالك بن أقيش إلى ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تسمعوا له ولا تتبعوه، فقلت لأبي: من هذا؟ قال: عمه أبو لهب. (¬1) [عكاظ] قال ربيعة: رأيت أبا لهب بعكاظ وهو يتبع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وهو يقول: يا أيها الناس إن هذا قد غوى فلا يغوينكم عن آلهة أبائكم، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يفر منه، وهو على إثره، ونحن نتبعه ونحن غلمان كأني أنظر إليه أحول ذا غديرتين، أبيض الناس وأجملهم. (¬2) [المؤامرة على قتله] عن ابن عباس قال: إن الملأ من قريش اجتمعوا في الحجر، فتعاقدوا باللات والعزى ومنات الثالثة الأخرى ونائلة وإساف: لو قد رأينا محمدًا لقد قمنا إليه قيام رجل واحد فلم نفارقه حتى نقتله، فأقبلت ابنته فاطمة تبكي، حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فقالت: هؤلاء الملأ من قريش قد تعاقدوا عليك، لو قد رأوك لقد قاموا إليك فقتلوك، فليس منهم رجل إلا قد عرف نصيبه من دمك، فقال: يا بنية، ¬

_ (¬1) رواه أحمد (الفتح الرباني -20/ 217) ودرجته سنده قوى. (¬2) رواه الإمام أحمد (الفتح الرباني-20/ 217) ودرجته حديثٌ حسنٌ.

أريني وضوءًا، فتوضأ، ثم دخل عليهم المسجد، فلما رأوه قالوا: ها هو ذا، وخفضوا أبصارهم، وسقطت أذقانهم في صدورهم، وعقروا في مجالسهم، فلم يرفعوا إليه بصرًا، ولم يقم إليه منهم رجل، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حتى قام على رؤوسهم، فأخذ قبضًة من التراب، فقال: شاهت الوجوه، ثم حصبهم بها، فما أصاب رجلًا منهم من ذلك الحصى حصاة إلا قتل يوم بدر كافرًا. (1)

ذكر بعض أذى المشركين لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عند دعوته إياهم إلى الإسلام

ذكر بعض أذى المشركين لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عند دعوته إياهم إلى الإِسلام رواية ابن إسحاق: عن عبد الله بن عمرو قال: قلت: (¬1) ما أكثر ما رأيت قريشًا أصابت من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فيما كانت تظهر من عداوته؟ قال: قد حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم في الحجر فذكروا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط سفه أحلامنا وشتم آباءنا وعاب ديننا وفرق جماعتنا وسب آلهتنا لقد صبرنا منه أمر عظيم أو كما قالوا فبينا هم في ذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فأقبل يمشي حتى استلم الركن فمر بهم طائفًا بالبيت فلما مر بهم غمزوه ببعض القول قال: وعرفت ذلك في وجهه ثم مضى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها فعرفت ذلك في وجهه ثم مضى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فمر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها ثم قال: أتسمعون يا معشر قريش أما والذي نفس محمَّد بيده لقد جئتكم بالذبح قال: فأخذت كلمته حتى ما منهم رجل إلا لكأنما على رأسه طائر واقع حتى إن أشدهم فيه وطأة قبل ذلك ليرفوه بأحسن ما يجد من (القول) حتى إنه ليقول: انصرف يا أبا القاسم انصرف راشدًا فوالله ما كنت جهولًا فانصرف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحجر، وأنا معهم، فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم، وما بلغكم عنه، حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه، فبينما هم في ذلك إذ طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد، فأطافوا به يقولون: أنت الذي تقول كذا وكذا؟ لما كان يبلغهم من عيب آلهتهم ودينهم، قال: فيقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (نعم أنا الذي أقول ذلك) قال: فلقد رأيت رجلًا (¬2) منهم أخذ بمجمع ردائه فقام إليه عقبة ابن أبي معيط فجعل رداءه في عنقه ثم جذبه حتى وجب لركبته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ¬

_ (¬1) قاله لأبيه عمرو بن العاص. (¬2) والرجل المبهم هو عقبة ابن معيط عليه لعنه الله كما في رواية أبي يعلى.

وسلم وتصايح الناس فظنوا أنه مقتول فأتى الصريخ إلى أبي بكر، فقيل: أدرك صاحبك: فخرج من عندنا وإن له لغدائر أربعًا، وهو يقول: ويلكم. أتقتلون رجلًا أن يقول ربى الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟ (¬1) فلهوا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأقبلوا على أبى بكر. قالت: فرجع إلينا أبو بكر، فجعل لا يمس شيئًا من غدائره إلا جاء معه، وهو يقول: تباركت يا ذا الجلال والإكرام. (¬2) وعن عثمان بن عفان قال: أكثر ما نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أني رأيته يومًا وذرفت عيناه حين ذكر ذلك، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يطوف بالبيت، ويده في يد أبى بكر -رضي الله عنه-، وفي الحجر ثلاثة نفر جلوس: عقبة بن أبي معيط، وأبو جهل بن هشام، وأميه ابن خلف، فمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فلما حاذى بهم أسمعوه بعض ما يكره، فعرف ذلك في وجه النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فدنوت منه حتى وسطته، فكان بيني وبين أبي بكر، وأدخل أصابعه في أصابعي حتى طفنا جميعًا، فلما حاذاهم قال أبو جهل: والله لا نصالحك ما بل بحر صوفه وأنت تنهانا أن نعبد ما كان عبد آباؤنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (أنا ذلك)، ثم مضى عنهم، فصنعوا به في الشوط الثالث مثل ذلك، حتى إذا كان الشوط الرابع ناهضوه ووثب أبو جهل يريد أن يأخذ بمجمع ثوبه، فدفعت في صدره، فوقع على أسته، ودفع أبو بكر أمية بن خلف، ودفع النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عقبة بن أبي معيط، ثم انفرجوا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وهو واقف، ثم قال لهم: (أما والله لا تنتهون حتى يحل الله عقابه عاجلًا)، قال عثمان: فوالله ما منهم رجل إلا وقد أخذه أفكل وهو يرتعد، فجعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول: (بئس ¬

_ (¬1) سورة غافر آية رقم 28. (¬2) رواه أبو يعلى رقم (52) وحسنه ابن حجر في فتح الباري ص 7/ 169. كان هذا الأذى في قريش بعد وفاة عمه أبو طالب وبعد ما نزلت سورة الرحمن آخذًا من قول أبي بكر تباركت يا ذا الجلال والإكرام. سورة الرحمن نزلت وقد قرئت على الجن.

أذى قريش لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بعد وفاة عمه

القوم أنتم لنبيكم). ثم انصرف إلى بيته، وتبعناه خلفه، حتى إذا انتهى إلى باب بيته وقف على السدة، ثم أقبل علينا بوجهه، وقال: (أبشروا، فإن الله مظهر دينه، ومتم كلمته، وناصر نبيه، إن هؤلاء الذين ترون ممّن يذبح الله بأيديكم عاجلًا). ثم انصرفنا إلى بيوتنا، فوالله لقد رأيتهم قد ذبحهم الله بأيدينا. (1) أذى قريش لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بعد وفاة عمه قال ابن إسحاق: فحدثني هشام بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير، قال: لما نثر ذلك السفيه على رأس رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ذلك التراب، دخل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه إحدى بناته، فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكي، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول لها: لا تبكي يا بنية، فإن الله مانع أباك. قال: ويقول بين ذلك: (ما نالت من قريش شيئًا أكرهه، حتى مات أبو طالب).

استهزاء المشركون بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم والسخرية منه

استهزاء المشركون بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم والسخرية منه استهزاء أمية بن خلف: قال ابن إسحاق: وأمية بن خلف كان إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم همزه ولمزه (¬1) فأنزل الله تعالى فيه: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)}. (¬2) استهزاء أبو جهل: قال ابن إسحاق: فقال أبو جهل يومًا وهو يهزأ برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وما جاء به من الحق: يا معشر قريش، يزعم محمَّد أن جنود الله الذين يعذبونكم في النار ويحبسونكم فيها تسعة عشر، وأنتم أكثر الناس عددًا وكثرة، فيعجز كل مائة رجل منكم عن رجل منهم (¬3) فأنزل الله تعالى عليه في ذلك من قوله: {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ ¬

_ (¬1) ابن هشام ج 1/ 379. (¬2) سورة الهمزة. (¬3) ابن هشام ج 1/ 336.

أبو جهل يغضب لسب الأصنام

إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} (¬1) أبو جهل يغضب لسب الأصنام قال ابن إسحاق: ولقي أبو جهل بن هشام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فيما بلغني، فقال له: والله يا محمَّد لتتركن سب آلهتنا أو لنسبن إلهك الذي تعبد، فأنزل الله تعالى عليه فيه: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كف عن سب ألهتهم، وجعل يدعوهم إلى الله. (¬2) استهزاء الحكم بن أبي العاص روى بسنده عن هند بن خديجة زوج النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: مر النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بالحكم فجعل يغمز بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فالتفت النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فرآه فقال: (اللَّهم اجعل به وزعًا) فرجف مكانه. (¬3) هم وآلهتهم في سواء الجحيم قال ابن إسحاق: وجلس الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فيما بلغنا يومًا مع الوليد بن المغيرة في المسجد، فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم، وفى المجلس غير واحد من رجال قريش. فتكلم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فعرض له النضر، فكلمه ¬

_ (¬1) سورة المدثر آية رقم 31. (¬2) ابن هشام 1/ 380. (¬3) دلائل البيهقي ج 6/ 240.

رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حتى أفحمه، ثم تلا عليه وعليهم: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ}. (¬1) ثم قام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وأقبل عبد الله بن الزَّبَعرَي السهمي حتى جلس. فقال الوليد بن المغيرة له: والله، ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب آنفًا وما قعد، وقد زعم محمَّد أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم! فقال عبد الله بن الزبعري: أما والله لو وجدته لخصمته، فسلوا محمدًا: أكل من يعبد من دون الله حصب جهنم مع من عبده؟ فنحن نعبد الملائكة، واليهود تعبد عزيرًا، والنصارى تعبد عيسى. فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس من قول ابن الزبعري، ورأوا أنه قد احتج وخاصم. فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ}. (¬2) أي عيسى ابن مريم، وعزيرًا، ومن عبد من الأحبار والرهبان الذين مضوا على طاعة الله تعالى. فاتخذهم من يعبدهم من أهل الضلالة أربابًا من دون الله. ونزل فيما يذكرون أنهم يعبدون الملائكة، وأنها بنات الله: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} إلى قوله: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ ¬

_ (¬1) سورة الأنبياء آية رقم 98 - 100. (¬2) سورة الأنبياء آية رقم 101 أو 102.

أبو جهل ينفث حسده لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)

إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}. ونزل فيما ذكر من أمر عيسى بن مريم أنه يعبد من دون الله وعجب الوليد ومن حضره من حجته وخصومته: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} أي: يصدون عن أمرك بذلك من قولهم، ثم ذكر عيسى بن مريم فقال: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا} أي: ما وضعت على يديه من الآيات من إحياء الموتى وإبراء الأسقام، فكفى به دليلًا على علم الساعة، يقول: فلا تمترن بها {وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}. أبو جهل ينفث حسده لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) روى البيهقي بسنده عن المغيرة بن شعبة قال: إن أول يوم عرفت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أني أمشي أنا وأبو جهل بن هشام في بعض أزقة مكة، إذ لقينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لأبي جهل: (يا أبا الحكم! هلم إلى الله وإلى رسوله، أدعوك إلى الله). فقال أبو جهل: يا محمَّد! هل أنت منته عن سب آلهتنا؟ هل تريد إلا أن نشهد أنك قد بلغت؟ فنحن نشهد أن قد بلغت، فوالله، لو أن أعلم أن ما تقول حق لاتبعتك. فانصرف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وأقبل علي فقال: والله، إني لأعلم أن ما يقول حق، ولكن يمنعني شيء، إن بني قصي قالوا: فينا الحجابة. فقلنا: نعم. ثم قالوا: فينا السقابة. فقلنا: نعم. ثم قالوا: فينا الندوة. فقلنا: نعم. ثم قالوا: فينا اللواء. فقلنا: نعم. ثم أطعموا وأطعمنا، حتى إذا تحاكت الركب قالوا: منا نبي! والله لا أفعل.

استهزاء الوليد بن المغيرة

وهذا القول منه -لعنه الله- كما قال تعالى مخبرًا عنه وعن أضرابه: {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41) إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا}. (¬1) استهزاء الوليد بن المغيرة وذكر ابن إسحاق الوليد بن المغيرة حيث قال: أينزل على محمَّد وأترك وأنا كبير قريش وسيدها؟! ويترك أبو مسعود عمرو بن عمير الثقفي سيد ثقيف؟! فنحن عظيما القريتين. ونزل قوله فيه: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}. (¬2) قال: ومشى أبي بن خلف بعظم بالٍ قد أرم، فقال: يا محمَّد! أنت تزعم أن الله يبعث هذا بعد ما أرم؟ ثم فته بيده، ثم نفخه في الريح نحو رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فقال: (نعم، أنا أقول ذلك، يبعثه الله وإياك بعد ما تكونان هكذا، ثم يدخلك النار). وأنزل الله تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى ¬

_ (¬1) سورة الفرقان آية رقم 41 و 42. (¬2) سورة الزخرف آية رقم 31 و 32.

قريش تلعب بدينها وتسفه عقولها

أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)}. (¬1) قريش تلعب بدينها وتسفه عقولها قال ابن إسحاق واعترض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فيما بلغني وهو يطوف عند باب الكعبة الأسود بن المطلب، والوليد بن المغيرة، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل، فقالوا يا محمَّد هلم فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد فنشترك نحن وأنت في الأمر فإن كان الذي تعبد خيرًا مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه وإن كان ما نعبد خيرًا مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه. فأنزل الله فيهم: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}. (¬2) وعن ابن عباس أيضًا: إن قريشًا وعدوا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن يعطوه مالًا، فيكون أغنى رجل بمكة، ويزوجوه ما أراد من النساء، ويطؤوا عقبه، فقالوا له: هذا لك عندنا يا محمَّد! وكف عن شتم آلهتنا، فلا تذكرها بسوء. فإن لم تفعل، فإنا نعرض عليك خصلة واحدة، فهي لك ولنا فيها صلاح. قال: (ما هي؟). قالوا: تعبد آلهتنا سنة: اللات والعزى، ونعبد إلهك سنة. قال: (حتى أنظر ما يأتي من عند ربى). (¬3) ¬

_ (¬1) سورة يس. (¬2) سورة الكافرون. (¬3) أخرجه ابن جرير (30/ 331)، وابن أبي حاتم، والطبرانيُّ، كما في (الدر) (6/ 404)، وإسناده حسن. [انتهى المستدرك].

استهزاء العاص ابن أبي وائل السهمي

فجاء الوحي من اللوح المحفوظ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} السورة، وأنزل الله: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}. (¬1) استهزاء العاص ابن أبي وائل السهمي قال ابن إسحاق: وكان العاص بن وائل السهمي، فيما بلغني، إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: دعوه، فإنما هو رجل أبتر لا عقب له، لو قد مات لقد انقطع ذكره واسترحتم منه، فأنزل الله في ذلك من قوله: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} ما هو خير لك من الدنيا وما فيها، والكوثر: العظيم. (¬2) عتاب الله لرسوله (صلى الله عليه وسلم) قال: ووقف الوليد بن المغيرة فكلم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ورسول الله يكلمه، وقد طمع في إسلامه. فمر به ابن أم مكتوم: فكلم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وجعل يستقرئه القرآن، فشق ذلك عليه حتى أضجره، وذلك أنه شغله عما كان فيه من أمر الوليد وما طمع فيه من إسلامه، فلما أكثر عليه انصرف عنه عابسا وتركه. فأنزل الله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) ¬

_ (¬1) سورة الزمر آية رقم 64 و 65 و 66. (¬2) وصله ابن جرير (30/ 329).

عقبة بن أبي معيط يبزق على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لعنه الله

أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ}. (¬1) وقد قيل: إن الذي كان يحدث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حين جاءه ابن أم مكتوم: أمية بن خلف. فالله أعلم. عقبة بن أبي معيط يبزق على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لعنه الله وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن أبا معيط كان يجلس مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بمكة لا يؤذيه، وكان رجلا حليما، وكان بقية قريش إذا جلسوا معه آذوه، وكان لأبي معيط خليل غائب عنه بالشام، فقالت قريش: صبأ أبو معيط. وقدم خليله من الشام ليلًا، فقال لامرأته: ما فعل محمد مما كان عليه؟ فقالت: أشد مما كان أمرا. فقال: ما فعل خليلي أبو معيط؟ فقالت: صبا. فبات بليلة سوء، فلما أصبح أتاه أبو معيط فحياه، فلم يرد عليه التحية. فقال: ما لك لا ترد عليَّ تحيتي؟ فقال: كيف أرد عليك تحيتك وقد صبوت؟! قال: أوقد فعلتها قريش؟! قال: نعم. قال: فما يبرئ صدورهم إن أنا فعلت؟ قال: تأتيه في مجلسه، وتبزق في وجهه، وتشتمه بأخبث ما تعلمه من الشتم! ففعل، فلم يزد النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن مسح وجهه من البزاق ثم التفت إليه فقال: (إن وجدتك خارجًا من جبال (مكة) أضرب عنقك صبرا). فلما كان يوم بدر وخرج أصحابه أبى أن يخرج، فقال له أصحابه: اخرج معنا. ¬

_ (¬1) سورة عبس.

قريش تشتكي أمرها إلى أبي النبي (صلى الله عليه وسلم) من الرضاعة الحارث بن عبد العزى

قال: قد وعدني هذا الرجل إن وجدني خارجًا من جبال (مكة) أن يضرب عنقي صبرًا. فقالوا: لك جمل أحمر لا يدرك، فلو كانت الهزيمة طرت عليه. فخرج معهم، فلما هزم الله المشركين، وحل به جمله في جدد من الأرض، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أسيرًا في سبعين من قريش، وقدم إليه أبو معيط، فقال: تقتلني من بين هؤلاء؟ قال: (نعم , بما بزقت في وجهي). (¬1) فأنزل الله في أبي معيط: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا}. (¬2) قريش تشتكي أمرها إلى أبي النبي (صلى الله عليه وسلم) من الرضاعة الحارث بن عبد العزى ذكر يونس بن بكير بسنده عن رجال من بني سعد بن بكر قال: قدم الحارث بن عبد العزى، أبو رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من الرضاعة على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بمكة حين أنزل عليه القرآن، فقالت له قريش: ألا تسمع يا حار ما يقول ابنك هذا؟ فقال: وما يقول؟ قالوا: يزعم أن الله يبعث بعد الموت، وأن لله دارين يعذب فيهما من عصاه، ويكرم فيهما من أطاعه، فقد شتت أمرنا، وفرق جماعتنا. فأتاه، فقال: أي بني ما لك ولقومك يشكونك، ويزعمون أنك تقول: إن الناس يبعثون بعد الموت، ثم يصيرون إلى جنة ونار؟! فقال رسول الله صلى الله عليه ¬

_ (¬1) أخرجه ابن مردويه، وأبو نعيم في (الدلائل) بسند صحيح من طريق سعيد ابن جبير عن ابن عباس، كما في (الدر المنثور) (5/ 68). (¬2) سورة الفرقان آية رقم 27 و 28 و 29.

قريش تطلب نزول ملك من السماء

وعلى آله وصحبه وسلم: (نعم أنا أزعم ذلك، ولو قد كان ذلك اليوم يا أبت، لقد أخذت بيدك، حتى أعرفك حديثك اليوم)، فأسلم الحارث بعد ذلك، وحسن إسلامه، وكان يقول حين أسلم: لو قد أخذ ابني بيدي، فعرفني ما قال: لم يرسلني إن شاء الله حتى يدخلني الجنة. (¬1) قريش تطلب نزول ملك من السماء قال ابن إسحاق ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قومه إلى الإسلام وكلمهم فأبلغ إليهم فقال زمعة بن الأسود والنضر بن الحارث والأسود بن عبد يغوث وأبي بن خلف والعاص بن وائل: لو جُعل معك يا محمد ملك يحدث عنك الناس ويرى معك! فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ}. (¬2) الله سبحان وتعالى يُسرِّى عن رسوله ما يلاقيه من غيظ قريش قال ابن إسحاق ومر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فيما بلغني بالوليد بن المغيرة وأميه بن خلف وبأبي جهل بن هشام فهمزوه واستهزؤا به فغاظه ذلك فأنزل الله تعالى عليه في ذلك من أمرهم قوله تعالى {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}. (¬3) ¬

_ (¬1) الروض الأنف ج 1/ 185. (¬2) سورة الأنعام آية رقم 8 و 9. (¬3) سورة الأنعام آية رقم 10.

النبي (صلى الله عليه وسلم) يعرض نفسه على قبائل العرب

النبي (صلى الله عليه وسلم) يعرض نفسه على قبائل العرب روى أحمد بسنده عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرض نفسه على الناس بالموقف يقول: ألا رجل يعرضني على قومه، فإن قريشًا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي، قال: فأتاه رجل من همدان، فقال: وممن أنت؟ قال: من همدان، قال: وعند قومك منعة؟ قال: نعم، قال: فذهب الرجل ثم إنه خشي أن يخفره قومه، فرجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: اذهب فأعرض على قومي ثم آتيك من قابل، ثم ذهب وجاءت وفود الأنصار في رجب (¬1). تبنِّي النبي (صلى الله عليه وسلم) زيد بن حارثة (رضي الله عنه) قال ابن إسحاق: ... وكان حكيم بن حزام بن خويلد قدم من الشام برقيق فيهم زيد بن حارثة وصيف، فدخلت عليه عمته خديجة بنت خويلد، وهي يومئذ عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لها: اختاري يا عمة أيّ هؤلاء الغلمان شئت فهو لك، فاختارت زيدًا، فأخذته، فرآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندها، فاستوهبه منها، فوهبته له، فأعتقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتبناه، وذلك قبل أن يوحى إليه، وكان أبوه حارثة قد جزع عليه جزعًا شديدًا، وبكى عليه حين فقده (¬2) ... ثم قدم عليه وهو عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن شئت فأقم عندي وإن شئت فانطلق مع أبيك" فقال: بل أقيم عندك؛ فلم يزل عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بعثه الله فصدقه وأسلم وصلى معه، فلما أنزل الله -عَزَّ وجَلَّ-: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} (¬3) قال: أنا زيد بن حارثة. ¬

_ (¬1) انظر أحمد ج 3 ص 390. كان هذا في موسم الحج في شهر رجب عام 4 ق. هـ. (¬2) روى بعضه الحاكم في المستدرك (ج 4/ 63). (¬3) سورة الأحزاب: 5.

روى البخاري بسنده عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، أن زيد بن حارثة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كنا ندعوه إلَّا زيد بن محمد حتى نزل القرآن: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ} (¬1). روى الحاكم بسنده عن أسامة بن زيد قال: كان حارثة بن شراحيل تزوج امرأة في طيء من نبهان فأولدها جبلة وأسماء وزيدًا، فتوفيت وأخلفت أولادها في حجر جدهم لأبيهم، وأراد حارثة حملهم، فأتى جدهم فقال: ما عندنا فهو خير لهم، فتراضوا إلى أن حمل جبلة وأسماء، وخلف زيدًا، وجاءت خيل من تهامة من بني فزارة فأغارت على طيء فسبت زيدًا، فصيروه إلى سوق عكاظ، فرآه النبي - صلى الله عليه وسلم -، من قبل أن يبعث، فقال لخديجة -رضي الله عنها-: "يا خديجة رأيت في السوق غلامًا من صفته كيت وكيت يصف عقلًا وأدبًا وجمالًا، لو أنّ لي مالًا لاشتريته"، فأمرت ورقة بن نوفل، فاشتراه من مالها، فقال: "يا خديجة هبي لي هذا الغلام بطيب من نفسك" فقالت: يا محمد أرى غلامًا وضيئًا وأخاف أن تبيعه أو تهبه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا موفقة ما أردت إلا لأتبناه"، فقالت: نعم يا محمد، فربَّاه وتبنَّاه، فكان يقال له: زيد بن محمد، فجاء رجل من الحي فنظر إلى زيد فعرفه أنت زيد بن حارثة، من صفة أبيك وعمومتك وأخوالك كيت وكيت قد اتعبوا الأبدان وأنفقوا الأموال في سبيلك ... فقدم حارثة بن شراحيل إلى مكة في إخوته وأهل بيته، فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في فناء الكعبة في نفر من أصحابه فيهم زيد بن حارثة، فلما نظروا إلى زيد عرفوه وعرفهم، ولم يقم إليهم إجلالًا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا له: يا زيد، فلم يجبهم، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من هؤلاء يا زيد؟ ". قال: يا رسول الله هذا أبي، وهذا عمي، وهذا أخي وهؤلاء عشيرتي، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "قم فسلم عليهم يا زيد" فقام فسلم عليهم، وسلَّموا عليه ثم قالوا له: امضِ معنا يا زيد، فقال: ما أريد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدلًا، ولا غيره أحدًا. فقالوا: يا محمد، إنا معطوك بهذا الغلام ديات فسمِّ ما شئت، فإنَّا حاملوه إليك، فقال: "أسألكم أن تشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني خاتم أنبيائه ورسله وأرسله ¬

_ (¬1) البخاري ج 6/ 145.

قدوم أبو الحيسر أنس بن رافع الأشهلي

معكم" فثابوا وتلكَّؤوا وتلجلجوا (¬1) فقالوا تقبل منا ما عرضنا عليك من الدنانير، فقال لهم: "ها هنا خصلة غير هذه، قد جعلت الأمر إليه، فإن شاء فليقم، وإن شاء فليدخل"، قالوا: ما بقي شيء، قالوا: يا زيد قد أذن لك الآن محمد، فانطلق معنا، قال: هيهات هيهات، ما أريد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بدلًا ولأوثر عليه والدًا ولا ولدًا، فأداروه وألاصوه (¬2)، واستعطفوه، وأخبروه من ورائه من وجدهم، فأبى وحلف أن لا يلحقهم. قال حارثة: أمَّا أنا فأواسيك بنفسي، أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وأبى الباقون. وروى الحاكم بسنده عن جبلة بن حارثة أخي زيد بن حارثة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: يا رسول الله ابعث معي أخي زيدًا، فقال: "هو ذا، هو إن أراد لم أمنعه". فقال زيد: لا والله لا أختار عليك أحدًا. قال جبلة: إن رأي أخي أفضل من رأيي (¬3). قدوم أبو الحيسر أنس بن رافع الأشهلي عن محمود بن لبيد -أخي بني عبد الأشهل- قال: (لما قدم أبو الحيسر أنس بن رافع مكة ومعه فتية من بني عبد الأشهل فيهم إياس بن معاذ -رضي الله عنه- يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج، سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهم فأتاهم فجلس إليهم، فقال لهم: هل لكم إلى خير مما جئتم له؟ فقالوا: وما ذاك؟ قال: أنا رسول الله بعثني الله إلى العباد أدعوهم إلى الله أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئًا، ونزل عليَّ الكتاب! ثم ذكر الإسلام وتلا عليهم القرآن، فقال إياس ابن معاذ -وكان غلامًا حديثًا -: أي قوم! هذا والله خير مما جئتم له! فأخذ أبو الحيسر أنس بن رافع حفنة من البطحاء وضرب بها وجه إياس بن معاذ وقال: دعنا منك فلعمري لقد جئنا لغير هذا! فصمت إياس وقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وانصرفوا إلى المدينة، فكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج، ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك؛ قال محمود بن لبيد: فأخبرني من حضره من ¬

_ (¬1) تلجلجوا: تلجلج: تردد في كلامه ولم يبن (الوسيط: ج 2/ 822). (¬2) ألاصوه: يقال ألصته على الشيء: أي راودته عليه وداورته (النهاية: ج 4/ 276). (¬3) قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وهو شاهد للحديث الماضي، وأقره الذهبي.

قصة استماع قريش إلى قراءة النبي (صلى الله عليه وسلم)

قومي عند موته أنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل الله تعالى ويكبره ويسبحه حتى مات، فما يشكون أن قد مات مسلمًا لقد كان استشعر الإسلام في ذلك المجلس حين سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما سمع). (أبو نعيم) (¬1). قصة استماع قريش إلى قراءة النبي (صلى الله عليه وسلم) قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري أنه حدث: أن أبا سفيان بن حرب، وأبا جهل بن هشام، والأخنس بن شريق عمرو بن وهب الثقفي، حليف بني زهرة خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو يصلي من الليل في بيته، فأخذ كل رجل منهم مجلسًا يستمع فيه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق، فتلاوموا، وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئًا، ثم انصرفوا. حتى إذا كانت الليلة الثانية، عاد كل رجل منهم إلى مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة، ثم انصرفوا. حتى إذا كانت الليلة الثالثة، أخذ كل رجل منهم مجلسه، فباتوا يستمعون له , حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض: لا نبرح حتى نتعاهد ألا نعود على ذلك ثم تفرقوا. الأخنس يستفهم عما سمعه: فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه، ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته، فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: يا أبا ثعلبة والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها، وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها. قال الأخنس: وأنا والذي حلفت به. ¬

_ (¬1) قال الحافظ في الفتح هذا الحديث من صحيح ابن إسحاق. قلت كان هذا الحديث في شهر جمادى الثاني من السنة الرابعة قبل الهجرة التاسعة للبعثة النبوية.

أول من جهر بالقرآن

قال: ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل، فدخل عليه بيته، فقال: يا أبا الحكم، ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: ماذا سمعت تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف, أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تحاذينا على الركب، وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء؛ فمتى ندرك مثل هذه، والله لا نؤمن به أبدًا ولا نصدقه، قال: فقام عنه الأخنس وتركه (¬1). أول من جهر بالقرآن قال ابن إسحاق: وحدثني يحي بن عروة بن الزبير، عن أبيه، قال: كان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: اجتمع يومًا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط، فمن رجل يسمعهموه؟ فقال عبد الله بن مسعود: أنا، قالوا: إنَّا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلًا له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه؛ قال: دعوني فإنَّ الله سيمنعني. قال: فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى، وقريش في أنديتها، حتى قام عند المقام ثم قرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} رافعًا بها صوته {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ}. قال: ثم استقبلهم يقرؤها. قال: فتأمَّلوه فجعلوا يقولون: ماذا قال ابن أم عبد؟ قال: ثم قالوا: إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد، فقاموا إليه، فجعلوا يضربون في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ. ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثاروا في وجهه، فقالوا له: هذا الذي خشينا عليك؛ فقال: ما كان أعداء الله أهون عليّ منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينّهم بمثلها غدًا، قالوا لا، حسبك، قد أسمعتهم ما يكرهون (¬2). أذى قريش للنبي (صلى الله عليه وسلم) وما لقي منهم حدثنا علي بن مسهر عن الأجلح عن الذيال بن حرملة عن جابر ابن عبد الله قال: اجتمعت قريش يومًا، فقالوا انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر، فليأت هذا الرجل ¬

_ (¬1) كان هذا الحدث في العام الرابع قبل الهجرة. (¬2) كان هذا الحدث في العام الرابع قبل الهجرة.

عتبة بن ربيعة يفاوض الرسول (صلى الله عليه وسلم)

الذي فرق جماعتنا، وشتت أمرنا، وعاب ديننا، فليكلمه ولينظر ماذا يرد عليه، فقالوا: ما نعلم أحدًا غير عتبة بن ربيعة، فقالوا: أنت يا أبا الوليد، فأتاه عتبة، فقال: يا محمد أنت خير ... أم عبد الله؟ فسكت - صلى الله عليه وسلم -، "ثم قال: أنت خير أم عبد المطلب؟ " فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك، فقد عبدوا الألهة التي عبتها، وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك، إنا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومه منك، فرقت جماعتنا، وشتت أمرنا، وعبت ديننا، وفضحتنا في العرب حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحرًا، [وأن في قريش كاهنًا، والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى أن يقوم بعضنا لبعض بالسيوف حتى نتفانى أيها الرجل]، إن كان أنما بك الباءة، فاختر أي نساء قريش ولنزوجك عشرًا، وإن كان أنما بك الحاجة، جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلًا واحدا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أفرغت؟ قال: نعم، فقرأ رسول - صلى الله عليه وسلم -: {حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} حتى بلغ {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} فقال عتبة: حسبك حسبك ما عندك غير هذا؟ قال: لا، فرجع إلى قريش فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما تركت شيئًا أرى أنكم تكلمونه به إلا وقد كلمته به، فقالوا: فهل أجابك؟ قال: نعم، قال: لا والذي نصبها بنية [ما فهمت شيئًا مما قال، غير أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود، قالوا: ويلك يكلمك رجل بالعربية لا تدري ما قال؟ قال: لا والله] ما فهمت شيئًا مما قال غير ذكر الصاعقة. عتبة بن ربيعة يفاوض الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي، قال: حدثت أن عتبة بن ربيعة، وكان سيدًا، قال يومًا وهو جالس في نادى قريش، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس في المسجد وحده: يا معشر قريش، ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورًا لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء، ويكف عنا؟ وذلك حين أسلم حمزة، ورأوا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيدون ويكثرون؛ فقالوا: بلى يا أبا

رأي عتبة

الوليد، قم إليه فكلمه؛ فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا بن أخي، إنك منا حيث قد علمت من السِّطة (¬1) في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أمورًا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها. قال: فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قل يا أبا الوليد، أسمع"، قال: يا بن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالًا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت تريد به شرفًا سوَّدناك علينا، حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا؛ وإن كان هذا الذي يأتيك رئيًا (¬2) تراه لا تستطيع ردّه عن نفسك، طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه أو كما قال له. حتى إذا فرغ عتبة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستمع منه، قال: "أقد فرغت يا أبا الوليد؟ " قال: نعم؛ قال: "فاسمع منّي"؛ قال: أفعل؛ فقال: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} (¬3)، ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها يقرؤها عليه. فلما سمعها منه عتبة أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمدًا عليهما يسمع منه؛ ثم انتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السجدة منها، فسجد ثم قال: "قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك". رأي عتبة: فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني قد سمعت قولًا والله ما سمعت مثله قطّ، والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش، أطعيوني واجعلوها بي، وخلّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد ¬

_ (¬1) السطة: الشرف. (¬2) الرئي: ما يظهر للناس من الجن. (¬3) سورة فصلت، الآيات: 1 - 5.

قريش تفتن المسلمين

كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به؛ قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه؛ قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم (¬1). قريش تفتن المسلمين: قال ابن إسحاق: ثم إنّ الإسلام جعل يفشو بمكة في قبائل قريش في الرجال والنساء، وقريش تحبس من قدرت على حبسه، وتفتن من استطاعت فتنته من المسلمين. ثم إنّ أشراف قريش من كل قبيلة، كما حدثني بعض أهل العلم عن سعيد بن جبير، وعن عكرمة مولى ابن عباس، عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: زعماء قريش تفاوض الرسول (صلى الله عليه وسلم): اجتمع عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو سفيان بن حرب، والنضر بن الحارث، أخو بني عبد الدار، وأبو البختري بن هشام، والأسود بن المطلب بن أسد، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبو جهل بن هشام، وعبد الله بن أبي أمية، والعاص بن وائل، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج السهميان، وأمية بن خلف، أو من اجتمع منهم. قال: اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، ثم قال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه، فبعثوا إليه: إنّ أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك، فأتهم؛ فجاءهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سريعًا، وهو يظن أن قد بدا لهم فيما كلمهم فيه بداء، وكان عليهم حريصًا يحب رشدهم، ويعز عليه عنتهم، حتى جلس إليهم؛ فقالوا له: يا محمد، إنّا قد بعثنا إليك لنكلمك، وإنّا والله ما نعلم رجلًا من العرب أدخل على قومه مثل ما أدخلت على قومك، لقد شتمت الآباء، وعبت الدين، وشتمت الآلهة، وسفهت الأحلام، وفرقت الجماعة، فما بقي أمر قبيح إلَّا قد جئته فيما بيننا وبينك -أو كما قالوا له- فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالًا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت أنما تطلب به الشرف فينا، فنحن نسوِّدك علينا، وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيًا تراه قد غلب عليك- وكانوا يسمون التابع من الجن رئيًا فربما كان ذلك، بذلنا لك أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه، أو نعذر فيك؛ فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما بي ما تقولون، ما جئت بما ¬

_ (¬1) عيون الأثر 1/ 105، نهاية الأرب 16/ 209 - 211، شرح المواهب 1/ 258, سبل الهدى 2/ 447 - 450، الوفا في أخبار المصطفى لابن الجوزي 1/ 201، السير لابن كثير 1/ 501.

جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولًا، وأنزل عليّ كتابًا، وأمرني أن أكون لكم بشيرًا ونذيرًا، فبلغتكم رسالات ربي، ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به، فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم" أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -. قالوا: يا محمد، فإن كنت غير قابل منا شيئًا مما عرضناه عليك فإنك قد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلدًا، ولا أقلّ ماء، ولا أشد عيشًا منا، فسل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به، فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا, وليبسط لنا بلادنا, وليفجر لنا فيها أنهارًا كأنهار الشام والعراق، وليبعث لنا من مضى من أبائنا, وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب، فإنه كان شيخ صدق، فنسألهم عما تقول: أحق هو أم باطل، فإن صدقوك وصنعت ما سألناك صدقناك، وعرفنا به منزلتك من الله، وأنه بعثك رسولًا كما تقول. فقال لهم صلوات الله وسلامه عليه: "ما بهذا بعثت به إليكم من الله، إنما جئتكم من الله بما بعثني به، وقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم، فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله تعالى، حتى يحكم الله بيني وبينكم"، قالوا: فإذ لم تفعل هذا لنا، فخذ لنفسك، سل ربك بأن يبعث معك ملكًا يصدقك بما تقول، ويراجعنا عنك، وسله فليجعل لك جنانًا وقصورًا وكنوزًا من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك تبتغي، فإنك تقوم بالأسواق كما نقوم، وتلتمس المعاش كما نلتمسه، حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولًا كما تزعم؛ فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أنا بفاعل، وما أنا بالذى يسأل ربه هذا، وما بعثت إليكم بهذا, ولكن الله بعثني بشيرًا ونذيرًا -أو كما قال- فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم" قالوا: فأسقط السماء علينا كسفًا كما زعمت أنّ ربك إن شاء فعل، فإنّا لا نؤمن لك إلَّا أن تفعل، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ذلك إلى الله، إن شاء أن يفعله بكم فعل"؛ قالوا: يا محمد، أفما علم ربك أنّا سنجلس معك ونسألك عما سألناك عنه، ونطلب منك ما نطلب، فيتقدم فيعلمك ما تراجعنا به، ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا، إذ لم نقبل منك ما جئتنا به! إنه قد بلغنا أنك إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له: الرحمن، وإنا والله لا نؤمن بالرحمن أبدًا، فقد أعذرنا إليك يا محمد، وإنا والله لا نتركك وما بلغت منا حتى

أبو جهل يتوعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)

نهلك، أو تهلكنا. وقال قائلهم: نحن نعبد الملائكة، وهي بنات الله. وقال قائلهم: لن نؤمن لك حتى تأتينا بالله والملائكة قبيلًا. فلما قالوا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قام عنهم، وقام معه عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم -وهو ابن عمته، فهو لعاتكة بنت عبد المطلب- فقال له: يا محمد. عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم، ثم سألوك لأنفسهم أمورًا ليعرفوا بها منزلتك من الله كما تقول، ويصدقوك ويتبعوك فلم تفعل، ثم سألوك أن تأخذ لنفسك ما يعرفون به فضلك عليهم، ومنزلتك من الله، فلم تفعل، ثم سألوك أن تعجل لهم بعض ما تخوفهم به من العذاب، فلم تفعل -أو كما قال له- فوالله لا أؤمن بك أبدًا حتى تتخذ إلى السماء سلمًا، ثم ترقى فيه وأنا أنظر إليك حتى تأتيها، ثم تأتي معك أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول، وأيم الله، لو فعلت ذلك ما ظننت أني أصدقك، ثم انصرف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أهله حزينًا آسفًا لما فاته مما كان يطمع به من قومه حين دعوه، ولما رأى من مباعدتهم إياه (¬1). أبو جهل يتوعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم): فلما قام عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال أبو جهل: يا معشر قريش، إن محمدًا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا وشتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وشتم آلهتنا، وإني أعاهد الله لأجلسن له غدًا بحجر ما أطيق حمله -أو كما قال- فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه، فأسلموني عند ذلك أو امنعوني، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم. قالوا: والله لا نسلمك لشيء أبدًا، فامض لما تريد. فلما أصبح أبو جهل، أخذ حجرًا كما وصف، ثم جلس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينتظره، وغدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما كان يغدو. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة وقبلته إلى الشام؛ فكان إذا صلّى صلّى بين الركن اليماني والحجر الأسود، وجعل الكعبة بينه وبين الشام، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلى وقد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم ينتظرون ما أبو جهل فاعل، فلما سجد رسول الله - صلى ¬

_ (¬1) الخبر في نهاية الأرب 16/ 213 - 216، سبل الهدى 2/ 452 - 454 عيون الأثر 1/ 107، 108.

النضر بن الحارث ينصح قريشا

الله عليه وسلم - احتمل أبو جهل الحجر، ثم أقبل نحوه، حتى إذا دنا منه رجع منهزمًا منتقعًا لونه مرعوبًا قد يبست يداه على حجره، حتى قذف الحجر من يده، وقامت إليه رجال قريش، فقالوا له: مالك يا أبا الحكم؟ قال: قمت إليه لأفعل به ما قلت لكم البارحة، فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل، لا والله ما رأيت مثل هامته، ولا مثل قصرته (¬1) ولا أنيابه لفحل قط، فهم بي أن يأكلني. قال ابن إسحاق: فذكر لي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: ذلك جبريل -عليه السلام-، لو دنا لأخذه (¬2). النضر بن الحارث ينصح قريشًا: فلما قال لهم ذلك أبو جهل، قام النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي. قال ابن هشام: ويقال النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف. قال ابن إسحاق: فقال: يا معشر قريش، إنه والله قد أنزل بكم أمر ما أتيتم له بحلية بعد، قد كان محمد فيكم غلامًا حدثًا أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثًا، وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب، وجاءكم بما جاءكم به، قلتم ساحر، لا والله ما هو بساحر، لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم، وقلتم كاهن، لا والله ما هو بكاهن، قد رأينا الكهنة وتخالجهم وسمعنا سجعهم، وقلتم شاعر، لا والله ما هو بشاعر، قد رأينا الشعر، وسمعنا أصنافه كلها: هزجه ورجزه, وقلتم مجنون، لا والله ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه، ولا وسوسته، ولا تخليطه، يا معشر قريش، فانظروا في شأنكم، فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم (¬3). أذى النضر للرسول (صلى الله عليه وسلم): وكان النضر بن الحارث من شياطين قريش، وممن كان يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وينصب له العدواة، وكان قد قدم الحيرة، وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس، وأحاديث رستم واسفنديار، فكان إذا جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجلسًا فذكر فيه بالله، وحذر قومه ما أصاب من قبلهم من ¬

_ (¬1) قصرته: أصل عنقه. (¬2) السير والمغازي: 199، 200، نهاية الأرب 16/ 218، 217، تاريخ الإسلام (السيرة) 153، 154، عيون الأثر 1/ 108, عيون التواريخ 1/ 61, سبل الهدي 2/ 454. (¬3) نهاية الأرب 16/ 220, 219, تاريخ الإسلام 157, ودلائل النبوة 1/ 449.

قريش تسأل أحبار اليهود في شأنه عليه الصلاة والسلام

الأمم من نقمة الله، خلفه في مجلسه إذا قام، ثم قال: أنا والله يا معشر قريش، أحسن حديثًا منه، فهلم إليَّ فأنا أحدثكم أحسن من حديثه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس، ورستم واسفنديار، ثم يقول: بماذا محمد أحسن حديثًا مني؟. قال ابن هشام: وهو الذي قال فيما بلغني؛ سأنزل مثل ما أنزل الله. قال ابن إسحاق: وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: فيما بلغني: نزل فيه ثمان آيات من القرآن: قول الله -عَزَّ وجَلَّ-: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} (¬1). وكل ما ذكر فيه من الأساطير من القرآن. قريش تسأل أحبار اليهود في شأنه عليه الصلاة والسلام: فلما قال لهم ذلك النضر بن الحارث بعثوه، وبعثوا معه عقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة، وقالوا لهما: اسألاهم عن محمد، وصفا لهم صفته، وأخبراهم بقوله، فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم علم ليس عندنا من علم الأنبياء، فخرجا حتى قدما المدينة، فسألا أحبار يهود عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ووصفا لهم أمره، وأخبروهم ببعض قوله، وقالا لهم: إنكم أهل التوراة، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا؛ فقالت لهما أحبار اليهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن فهو نبيّ مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقول، فروا فيه رأيكم. سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان أمرهم؛ فإنه قد كان لهم حديث عجب، وسلوه عن رجل طوّاف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه، وسلوه عن الروح ما هي؟ فإذا أخبركم بذلك فاتبعوه، فإنه نبيّ، وإن لم يفعل، فهو رجل متقول، فاصنعوا في أمره ما بدا لكم. فأقبل النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن مناف بن قصيّ حتى قدما مكة على قريش، فقالا: يا معشر قريش، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أخبرنا أحبار يهود أن نسأله عن أشياء أمرونا بها، فإن أخبركم عنها فهو نبيّ، وإن لم يفعل فالرجل متقول، فروا فيه رأيكم. قريش تسأل والرسول يجيب: فجاءوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: يا محمد، أخبرنا عن فتية ذهبوا في الدهر الأول قد كانت لهم قصَّة عجب، وعن رجل طوّافًا ¬

_ (¬1) سورة القلم، الآية: 15.

الرد على قريش فيما سألوه

قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وأخبرنا عن الروح ما هي؟ قال: فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أخبركم بما سألتم عنه غدًا" (¬1)، ولم يستثن، فانصرفوا عنه. فمكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -فيما يذكرون- خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحيًا، ولا يأتيه جبريل، حتى أوجف أهل مكة، وقالوا: وعدنا محمد غدًا، واليوم خمس عشرة ليلة، قد أصبحنا منها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه، وحتى أحزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكث الوحي عنه، وشقّ عليه ما يتكلم به أهل مكة: ثم جاءه جبريل من الله -عَزَّ وجَلَّ- بسورة أصحاب الكهف، فيها معاتبته إيّاه على حزنه عليهم، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية، والرجل الطوّاف والروح. الرد على قريش فيما سألوه: قال ابن إسحاق: فذكر لي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لجبريل حين جاءه: "لقد احتبست عني يا جبريل حتى سؤت ظنًا" فقال له جبريل: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (¬2) فافتتح السورة تبارك وتعالى بحمده وذكر نبوّة رسوله، لما أنكروه عليه من ذلك، فقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} (¬3) يعني محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، إنك رسول مني: أي تحقيق لما سألوه عنه من نبوَّتك. {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا}: أي معتدلًا، لا اختلاف فيه. {لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ}: أي عاجل عقوبته في الدنيا. وعذابًا أليمًا في الآخرة: أي من عند ربك الذي بعث رسولًا. {وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا} أي دار الخلد. لا يموتون فيها الذين صدقوك بما جئت به مما كذبك به غيرهم: وعملوا بما أمرتهم به من الأعمال. {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} يعني قريشًا في قولهم: إنا نعبد الملائكة: وهي بنات الله. {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ} ¬

_ (¬1) لم يقل إن شاء الله. (¬2) سورة مريم، الآية: 64. (¬3) سورة الكهف، الآية: 1.

انشقاق القمر

الذين أعظموا فراقهم وعيب دينهم. {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ}: أي لقولهم: إن الملائكة بنات الله {إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5) فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} يا محمد {عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}: أي لحزنه عليهم حين فاته ما كان يرجو منهم، أي لا تفعل. انشقاق القمر قال: حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عن عبد الله قال: انشق القمر ونحن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنى، حتى ذهبت فرقة منه خلف الجبل، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اشهدوا (¬1). عن جبير بن مطعم، قال: انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى صار فرقتين، على هذا الجبل، وعلى هذا الجبل فقالوا: سحرنا محمد. فقال بعضهم: لئن كان سحرنا، فما يستطيع أن يسحر الناس كلهم. [صحيح الإسناد]. عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه -رضي الله عنه-، قال: انشق القمر ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة حتى رأيت حراء بين شقّتيه (¬2). عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- مثل حديث قبله قال: "انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلقتين، فستر الجبل فلقة، وكانت فلقة فوق الجبل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اللَّهم اشهد" (¬3). روى أبو داود الطيالسي بسنده عن عبد الله بن مسعود، قال: "انشق القمر بمكة" فقالت قريش: هذا سحر سحركموه ابن أبي كبشة، فقال بعضهم: انظروا إلى ¬

_ (¬1) قلت يفهم من كلام ابن مسعود -رضي الله عنه- أن انشقاق القمر وقع في موسم الحج فكانت فلقة منه فوق جبل ثبير وفلقة منه خلف جبل السويداء وأبو قبيس وبهذا يرون حراء بين الفلقتين. (¬2) كان ذلك في شهر جمادى الثانية من العام الرابع قبل الهجرة. (¬3) رواه مسلم 2801 والترمذي برقم 3284، رواية عبد الله بن عمر بن الخطاب لحادثة إشقاق القمر يدل على حضوره وكان ذلك في العام التاسع للبعثة في ليلة 15/ 6/ 4 ق. هـ، فستر الجبل فلقة أي جبل السويداء وأبو قبيس وكانت فلقة فوق الجبل أي جبل ثبير وبذلك يرون حراء بين الفلقتين كما في رواية أنس بن مالك.

انشقاق القمر لسؤال أهل مكة

السفار يقدمون عليكم، فإن محمدًا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم، فإن رأوا مثل الذي رأيتم فهو حق، فقدموا، فسألوهم، فقالوا قد رأينا قد انشق (¬1). انشقاق القمر لسؤال أهل مكة روى الإمام البغوي بسنده عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن يريهم آية، فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما". إسلام حمزة وعمر في السنة التاسعة من البعثة ولما اجتمع أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وكانوا ثمانية وثلاثين رجلا، ألح أبو بكر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الظهور، فقال: "يا أبا بكر، إنا قليل"، فلم يزل أبو بكر يلح حتى ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتفرق المسلمون في نواحي المسجد كل رجل في عشيرته، وقام أبو بكر في الناس خطيبًا (¬2) ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس، فكان أول خطيب دعا إلى الله وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين؛ فضربوا في نواحي المسجد ضربًا شديد، ووطئ أبو بكر وضرب ضربًا شديدًا، ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة، فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين ويحرفهما لوجهه، ونزا على بطن أبي بكر، حتى ما يعرف وجهه من أنفه، وجاء بنو تيم يتعادون، فأجلت المشركين عن أبي بكر، وحملت بنو تيم أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه منزله ولا يشكون في موته ثم رجعت بنو تيم، فدخلوا المسجد، وقالوا: والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة بن ربيعة، فرجعوا إلى أبي بكر، فجعل أبو قحافة وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجاب، فتكلم أخر النهار، فقال: ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فمسوا منه بألسنتهم وعذلوه، ثم قاموا، وقالوا لأمه أم الخير: انظري أن تطعميه شيئًا، أو تسقيه إياه، فلما دخلت به ألحت عليه؟ وجعل يقول: ما فعل رسول ¬

_ (¬1) رواه أبو داود الطيالسي في مسنده ج 2/ 123. (¬2) نزل أبو بكر المسجد يوم الاثنين 1/ 6/ 4 ق. هـ.

الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالت: والله ما لي علم بصاحبك. فقال: اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه، فخرجت حتى جاءت أم جميل، فقالت: إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله؟ فقالت: ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله، وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك، قالت: نعم. فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعًا دنفًا. فدنت أم جميل وأعلنت بالصياح وقالت: والله إن قوما نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر، وإني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم. قال: فما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: هذه أمك تسمع، قال: فلا شيء عليك منها، قالت: سالم صالح. قال: أين هو؟ قالت: في دار الأرقم، قال: فإن لله علي ألا أذوق طعامًا، ولا أشرب شرابًا، أو آتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فأمهلتا، حتى إذا هدأت الرجل، وسكن الناس، خرجتا به يتكئ عليهما، حتى أدخلتاه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فأكب عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبله، وأكب عليه المسلمون، ورق له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رقة شديدة. فقال أبو بكر: بأبي وأمي يا رسول الله، ليس بي بأس إلا ما نال الفاسق من وجهي، وهذه أمي برة بولدها، وأنت مبارك فادعها إلى الله، وادع الله لها، عسى الله أن يستنقذها بك من النار، قال: فدعا لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ودعاها إلى الله؛ فأسلمت، وأقاموا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الدار شهرًا، وهم تسعة وثلاثون رجلًا، وقد كان حمزة ابن عبد المطب أسلم يوم ضرب أبو بكر (وكان إسلام حمزة -رضي الله عنه- حمية، وكان يخرج فيصطاد فإذا رجع مر بمجلس قريش، فأقبل من رميه ذات يوم، فلقيته امرأة، فقالت: يا أبا عمارة ماذا لقي ابن أخيك من أبى جهل بن هشام؟ شتمه وتناوله وفعل وفعل، فأقبل حتى انتهى إلى ذلك المجلس، فإذا هم جلوس وأبو جهل فيهم، فاتكأ على قوسه ثم جمع يديه بالقوس فضرب بها رأس أبي جهل، ثم قال: أشهد أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنه جاء بالحق من عند الله). وكان من أمر عمر بن الخطاب: أنه خرج ذات ليلة إلى الكعبة، فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم يصلي، فسمع شيئًا لم يسمع بمثله، وجعل يعجب من تأليف القرآن فوقع الإسلام في قلبه. ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر بن الخطاب - أو لأبي جهل بن هشام -[فقال: "اللَّهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك: بعمر بن الخطاب، أو بعمرو

بن هشام" فكان أحبهما إليه عمر]، [وقال: "اللَّهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب خاصة"]. فأصبح عمر وكانت الدعوة يوم الأربعاء، فأسلم عمر يوم الخميس (وذلك أنه ولج على أخته وزوجها ومعهما خباب بن الأرت)، وهم يقرءون القرآن، فلما دخل عليهم خافوه، فقال: ما كان معكم؟ قالوا: ما كان معنا من شيء وكابروه جهدهم، ثم لم يدعهم حتى أخرجوه فقرءوه عليه، فاستقام كما هو حتى قام إلى باب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). [فقرع الباب، وكان هو وأصحابه مختفين (في دار الأرقم ابن أبي الأرقم)، فقالوا: من ذا؟ قال: عمر بن الخطاب على الباب، فأفزعهم ذلك، ثم أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا له: عمر على الباب، فقال: "ائذنوا له" فدخل] [وضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدره بيده ثلاث مرات، وهو يقول: "اللَّهم أخرج ما في صدر عمر من غل وأبدله إيمانًا" يقول ذلك ثلاث مرات]. (وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد عبده ورسوله)؛ فكبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأهل البيت تكبيرة سمعت بأعلى مكة، وخرج أبو الأرقم -وهو أعمى كافر- وهو يقول: اللَّهم اغفر لبني غير الأرقم؛ فإنه كفر! فقام عمر فقال: يا رسول الله علام نخفي ديننا ونحن على الحق، ويظهر دينهم وهم على الباطل؟ قال: "يا عمر إنا قليل قد رأيت ما لقينا" فقال عمر: فوالذي بعثك بالحق لا يبقى مجلس جلست فيه بالكفر، إلا أظهرت فيه الإيمان, ثم خرج (وقال: أيُّ قريش أنقل للحديث؟ فقيل له: جميل بن معمر الجمحي، فغدا عليه، قال عبد الله بن عمر: فغدوت أتبع أثره وأنظر ما يفعل، وأنا غلام أعقل كل ما رأيت حتى جاءه، فقال له: أعلمت يا جميل أني قد أسلمت ودخلت في دين محمد، قال: فوالله ما راجعه حتى قام يجر رداءه وأتبعه عمر، واتبعت أبي، حتى إذا قام على باب المسجد؛ صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش -وهم في أنديتهم حول الكعبة- ألا إن عمر بن الخطاب قد صبأ، ويقول عمر من خلفه: كذب ولكني قد أسلمت، وشهدت أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله) فطاف بالبيت، ثم مر بقريش وهي تنتظره، فقال أبو جهل بن هشام: يزعم فلان أنك صبوت؟ فقال عمر: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمد عبده ورسوله (فثاروا إليه)،

فوثب المشركون إليه، ووثب على عتبة، فبرك عليه وجعل يضربه، وأدخل أصبعه في عينيه؛ فجعل عتبة يصيح، فتنحى الناس، فقام عمر، فجعل لا يدنو منه أحد إلا أخذ بشريف ممّن دنا منه، حتى أعجز الناس (فما برح يقاتلهم ويقاتلونه، حتى قامت الشمس على رءوسهم قال: وطلح، فقعد وقاموا على رأسه، وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله أن لو قد كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم، أو تركتموها لنا، قال: فبينما هم على ذلك، إذ أقبل شيخ من قريش، عليه حلة حبرة، وقميص موشى، حتى وقف عليهم، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: صبأ عمر، فقال: فمه، رجل اختار لنفسه أمرًا، فماذا تريدون؟! أترون بني عدي بن كعب يسلمون لكم صاحبهم هكذا، خلوا عن الرجل. قال: فوالله لكأنما كانوا ثوبًا كشط عنه. وكان هذا الرجل العاص بن وائل السهمي). (قال: فبينما هو في الدار خائفًا (على نفسه) إذ جاءه العاص بن وائل السهمي -أبو عمرو- عليه حلته الحبرة وقميصه المكفوف بالحرير -وهو من بني سهم حلفاء بني عدي في الجاهلية- فقال: ما بالك (يا بن الخطاب؟) قال: زعم قومك أنهم سيقتلونني إن أسلمت، قال (العاص): لا سبيل إليك (فما عدا) بعد أن قالها أمنت (عليه)، قال عبد الله بن عمر: واجتمع الناس عند داره، وقالوا: صبأ عمر (وأنا غلام فوق ظهر بيتي، (وكان ابن خمس سنين) فخرج (عمر) (و) العاص، فلقي الناس قد سال بهم الوادي، فقال: أين تريدون؟ فقالوا: نريد هذا ابن الخطاب الذي صبأ. قال: قد صبأ عمر فما ذاك؟ فأنا له جار لا سبيل إليه (فارجعوا) فكر الناس، قال ابن عمر: فرأيت الناس تصدعوا عنه فعجبت من عزه). واتبع المجالس التي كان يجالس فيها فيظهر الإيمان, ثم انصرف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو ظاهر عليهم. قال: ما عليك بأبي وأمي والله ما بقي مجلس كنت أجلس فيه بالكفر إلا أظهرت فيه الإيمان, غير هائب ولا خائف، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرج عمر أمامه وحمزة بن عبد المطب، حتى طاف بالبيت وصلى الظهر مؤمنًا، ثم انصرف إلى دار الأرقم ومعه وحده، ثم انصرف النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وكان ابن مسعود يقول: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر، (وكان يقول: لقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي بالبيت حتى أسلم عمر، فلما أسلم عمر؛ قاتلهم حتى تركونا نصلي). وأسلم ابن عمر وأمه. وآخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين زيد بن حارثة وحمزة، وعن سعيد بن زيد قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بحراء، فتحرك فقال: "اسكن حراء فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد" وكان معهما أبو بكر، وعمر وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف. حدثنا عبد الله بن إدريس عن حصين عن هلال بن يساف قال: أسلم عمر بن الخطاب بعد أربعين رجلًا وإحدى عشرة امرأة. حدثنا أحمد بن يحي بن خالد بن حيان الرقي حدثنا يحي بن بكير حدثنا ابن لهيعة عن خالد بن يزيد عن عمرو بن دينار عن طاوس ومجاهد عن ابن عباس قال: أول من جهر بالإسلام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-. عن ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللَّهم أعزَّ الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك، بأبي جهل، أو بعمر بن الخطاب" قال: وكان أحبهما إليه عمر (¬1). عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر" (¬2). عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: بينما هو: يعني -أباه عمر- في الدار خائفًا، إذا جاءه العاص بن وائل السهمي أبو عمرو وعليه حلة حبرة، وقميص مكفوف بحرير، وهو من بني سهم، وهم حلفاؤنا في الجاهلية، فقال له: ما بالك؟ قال: زعم قومك أنهم سيقتلونني إن أسلمت، قال: لا سبيل إليك -[بعد أن قالها] أمنت- فخرج العاص، فلقي الناس قد سال بهم الوادي، فقال: أين تريدون؟ قالوا: نريد هذا ابن الخطاب الذي صبأ؛ قال: لا سبيل إليه، فكَّر الناس. ¬

_ (¬1) صحيح المشكاة 6036/ التحقيق الثاني وأخرجه الترمذيُّ. (¬2) أخرجه البخاريُّ.

إسلام حمزة بن عبد المطلب (رضي الله عنه)

إسلام حمزة بن عبد المطلب (رضي الله عنه) روى بسنده عن ابن إسحاق قال: فحدثني رجل من أسلم، وكان واعية، فذكر الخير السابق وزاد: ثم رجع حمزة إلى بيته فأتاه الشيطان، فقال: أنت سيد قريش اتبعت هذا الصابئ وتركت دين آبائك، للموت خير لك مما صنعت، فأقبل على حمزة شبه فقال: ما صنعت؟ اللَّهم إن كان رشدًا، فاجعل تصديقه في قلبي، وإلا فاجعل لي مما وقعت فيه مخرجًا، فبات بليلةٍ لم يبت بمثلها من وسوسة الشيطان حتى أصبح فغدا على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فقال: ابن أخي، إني وقعت في أمر لا أعرف المخرج منه، وإقامة مثلي على ما لا أدري ما هو، أرشد هو أم غي، شديد، فحدثني حديثًا، فقد استشهيت يا ابن أخي أن تحدثي، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فذكره ووعظه، وخوفه وبشره، فألقى الله في نفسه الإيمان كما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فقال: أشهد أنك لصادق شهادة المصدق والعارف، فأظهر يا ابن أخي دينك، فوالله ما أحب أن لي ما ألمعت الشمس وأني على ديني الأول. قال: فكان حمزة ممّن أعز الله به الدين. (¬1) عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس بن شريق حليف بني زهرة أن أبا جهل. اعترض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بالصفا فآذاه، وكان حمزة رضي الله عنه، صاحب قنصٍ وصيدٍ، وكان يومئذ في قنصه فلما رجع قالت له امرأته، وكانت قد رأت ما صنع أبو جهل برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: يا أبا عُمارة, لو رأيت ما صنع تعني أبا جهل بابن أخيك، فغضب حمزة ومضى كما هو قبل أن يدخل بيته، وهو معلق قوسه في عنقه، حتى دخل المسجد فوجد أبا جهل في مجلس من مجالس قريش، فلم يكلمه حتى علا رأسه بقوسه فشجه، فقام رجال من قريش إلى حمزة يمسكونه عنه، فقال حمزة: ديني دين محمد أشهد أنه رسول الله فوالله لا أنثني عن ذلك فامنعوني من ذلك إن كنتم صادقين. فلما أسلم حمزة عز به رسول الله صلى الله عليه وعلى ¬

_ (¬1) المستدرك ج 3/ 193.

آله وصحبه وسلم، والمسلمون، وثبت لهم بعض أمرهم، وهابت قريش، وعلموا أن حمزة -رضي الله عنه-، سيمنعه. (¬1) قال ابن إسحاق: حدثني رجل من أسلم، كان واعية، أن أبا جهلٍ مر برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فآذاه وشتمه، ونال منه بعض ما يكره من العيب لدينه، والتضعيف لأمره، فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ومولاة لعبد الله بن جدعان في مسكن لها تسمع ذلك، ثم انصرف عنه، فعمد إلى ناد من قريش عند الكعبة، فجلس معهم، فلم يلبث حمزة بن عبد المطب -رضي الله عنه-، أن أقبل متوشحًا قوسه، راجعا من قنص له، وكان صاحب قنص يرميه ويخرج له، وكان إذا رجع من قنصه لم يصل إلى أهله حتى يطوف بالكعبة، وكان إذا فعل ذلك لم يمر على ناد من قريش إلا وقف وسلم وتحدث معهم، وكان أعز فتى في قريش، وأشد شكيمة، فلما مر بالمولاة وقد رجع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى بيته، قالت له: يا أبا عُمارة، لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفًا من أبى الحكم بن هشام!! وجده ها هنا جالسًا، فآذاه وسبه، وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه، ولم يقف على أحد، معدًا لأبي جهل -إذا لقيه- أن يوقع به، فلما دخل المسجد نظر إليه جالسا في القوم، فأقبل نحوه، حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجه شجة منكرة، ثم قال: أتشتمه؟ فأنا على دينه أقول ما يقول، فرد ذلك علي إن استطعت، فقامت رجال من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل، فقال أبو جهل: دعوا أبا عُمارة، فإني والله قد سببت ابن أخيه سبًا قبيحًا، وتم حمزة -رضي الله عنه-، على إسلامه، وعلى ما تابع عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من قوله. (¬2) فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قد عز وامتنع، وأن حمزة سيمنعه، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه. ¬

_ (¬1) مجموع الزوائد ج 9/ 267. (¬2) ابن هشام ج 1/ 312.

قصة إسلام عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)

قصة إسلام عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) روى بسنده عن عمر بن الخطاب، -رضي الله عنه-، قال: خرجت أتعرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن أسلم، فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أعجب من تأليف القرآن، قال: فقلت: هذا والله شاعر كما قالت قريش، قال: فقرأ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ}، قال: قلت: كاهن، قال: {وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} إلى أخر السورة. قال: فوقع الإسلام في قلبي كل موقع. (¬1) قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الرحمن بن الحارث، عن بعض آل عمر، أو بعض أهله، قال: قال عمر: لما أسلمت تلك الليلة، تذكرت أي أهل مكة أشد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عداوة حتى آتيه فأخبره أني قد أسلمت، قال: قلت: أبو جهل، وكان عمر لحنتمة بنت هشام ابن المغيرة، قال: فأقبلت حين أصبحت، حتى ضربت عليه بابه، قال: فخرج إلي أبو جهل، فقال: مرحبًا وأهلًا بابن أختي، ما جاء بك؟ قال: قلت: جئت لأخبرك أني قد آمنت بالله وبرسوله محمد، وصدقت بما جاء به، قال: فضرب الباب في وجهي، وقال: قبحك الله وقبح ما جئت به. (¬2) روى بسنده عن صهيب بن سنان قال: لما أسلم عمر ظهر الإسلام، ودعي إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقًا، وطفنا بالبيت، وانتصفنا ممّن غلظ علينا، ورددنا عليه بعض ما يأتي به. (¬3) ¬

_ (¬1) مسند الإمام أحمد: ج 1/ 17. (¬2) ج 1/ 371. (¬3) ابن سعد: ج 3/ 269.

روى بسنده عن أيوب بن موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، وهو الفاروق فرق الله به بين الحق والباطل". (¬1) وروى بسنده عن أبي عمرو ذكوان قال: قلت لعائشة: من سمى عمر الفاروق؟ قالت: النبي -عليه السلام-. (¬2) قال البكائي بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: إن إسلام عمر كان فتحًا، وإن هجرته كانت نصرًا، وإن إمارته كانت رحمة، ولقد كنا ما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر، فلما أسلم قاتل قريشًا حتى صلى عند الكعبة، وصلينا معه. روى بسنده عن أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده قال: قال لنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: أتحبون أن أعلمكم كيف كان إسلامي؟ قال: قلنا: نعم. قال: كنت من أشد الناس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبينا أنا في يوم حار شديد الحر بالهاجرة في بعض طريق مكة إذ لقيني رجل من قريش، فقال: أين تريد يا ابن الخطاب؟ فقلت: أريد التي والتي والتي! قال: عجبًا لك يا ابن الخطاب عمن تزعم أنك كذلك، وقد دخل عليك الأمر في بيتك. قال: قلت وما ذاك؟ قال: أختك قد أسلمت، قال: فرجعت مغضبًا حتى قرعت الباب، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أسلم الرجل والرجلان ممّن لا شيء له ضمهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الرجل الذي في يده السعة فينالاه من فضل طعامه وقد كان ضم إلى زوج أختي رجلين، فلما قرعت الباب قيل: من هذا؟ قلت: عمر بن الخطاب فتبادروا فاختفوا مني، وقد كانوا يقرؤون صحيفة بين أيديهم تركوها أو نسوها. فقامت أختي تفتح الباب، فقلت: يا عدوة نفسها أصبوت؟ وضربتها بشيء في يدي على رأسها، فسال الدم، فلما رأت الدم بكت، فقالت: يا ابن الخطاب! ما كنت فاعلا فافعل، فقد صبوت. قال: ودخلت حتى جلست على السرير فنظرت إلى الصحيفة وسط البيت فقلت: ما هذا؟ ناولنيها، فقالت: لست من أهلها أنت لا تطهر من الجنابة وهذا كتاب لا يمسه إلا المطهرون، فما ¬

_ (¬1) ابن سعد: ج 3/ 270. (¬2) ج 3/ 271.

زلت بها حتى ناولتنيها، ففتحتها فإذا فيها: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، فلما مررت باسم من أسماء الله -عَزَّ وجَلَّ- ذعرت منه فألقيت الصحيفة، ثم رجعت إلى نفسي فتناولتها فإذا فيها {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، فلما مررت باسم من أسماء الله ذعرت، ثم رجعت إلى نفسي، فقرأتها حتى بلغت: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} إلى آخر الآية، فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فخرجوا إلي متبادرين وكبروا وقالوا: أبشر يا ابن الخطاب فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا يوم الاثنين فقال: "اللَّهم أعز دينك بأحب الرجلين إليك: إما أبو جهل بن هشام، وإما عمر بن الخطاب" وإنا نرجو أن تكون دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لك فأبشر. قال: قلت: فأخبروني أين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فلما عرفوا الصدق مني قالوا: في بيت بأسفل الصفا، فخرجت، حتى قرعت الباب عليهم، فقالوا: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب، قال: وقد علموا من شدتي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يعلمون بإسلامي، فما اجترأ أحد بفتح الباب حتى قال: افتحوا له، إن يرد الله به خيرًا يهده، ففتحوا لي الباب فأخذ رجلان بعضدي، حتى أتيا بي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "خلوا عنه"، ثم أخذ بمجامع قميصي، ثم جذبني إليه، ثم قال: "أسلم يا ابن الخطاب، اللَّهم اهده"، فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله. فكبر المسلمون تكبيرة سمعت بفجاج مكة. (¬1) روى ابن سيد الناس من طريق ابن عائذ بسنده عن أبي محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر فذكر القصة وفيها: فأتيته بصحيفة فيها {طه} فقرأ فيها ما شاء الله، قال عمر: فلما بلغ {فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله. وفيها: قالوا: يا رسول الله، هذا عمر بن الخطاب يستفتح، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ائذنوا له، فإن يرد الله به خيرًا يهده وإلا كفيتموه بإذن الله". (¬2) ¬

_ (¬1) دلائل البيهقي: ج 2/ 216. (¬2) عيون الأثر: ج 1/ 124.

روى بسنده عن ابن عباس قال: سألت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لأي شيء سميت الفاروق فذكر قصة إسلامه بنحو ما سبق وفيها قراءته لسورة طه إلى أن قال: فتعظمت في صدري وقلت: من هذا أفرت قريش، ثم شرح الله صدري للإسلام فقلت: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}. قال: فما في الأرض نسمة أحب إليَّ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: أين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: عليك عهد الله وميثاقه أن لا تجبهه بشيء يكرهه، قلت: نعم، قالت: فإنه في دار أرقم بن أبي أرقم في دار عند الصفا، فأتيت الدار وحمزة في أصحابه جلوس في الدار، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في البيت، فضربت الباب، فاستجمع القوم فقال لهم حمزة ما لكم؟ قالوا: عمر بن الخطاب، قال: افتحوا له الباب فإن قبل قبلنا منه، وإن أدبر قتلناه، فسمع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ما لكم؟ " فقالوا: عمر بن الخطاب، قال: فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذه بمجامع ثيابه، ثم نتره نتره فما تمالك أن وقع على ركبته على الأرض، قال: "ما أنت بمنته يا عمر"، قال: قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، قال: فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد، قلت: يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟ قال: "بلى، والذي نفسي بيده، إنكم لعلى الحق إن متم وإن حييتم"، قال: فقلت: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن، فأخرجناه في صفين، حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد ككديد الطحين، حتى دخلنا المسجد، قال: فنظرت إليَّ قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبة لم يصيبهم مثلها، فسمَّاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفاروق، وفرق بين الحق والباطل. (¬1) قال ابن إسحاق: وكان إسلام عمر -فيما بلغني- أن أخته فاطمة بنت الخطاب وكانت عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وكانت قد أسلمت، وأسلم بعلها سعيد بن زيد وهما مستخفيان بإسلامهما من عمر، وكان نعيم بن عبد الله النحام -رجل من قومه من بني عدي بن كعب - قد أسلم وكان أيضًا يستخفي بإسلامه فرقًا من قومه، ¬

_ (¬1) دلائل أبي نعيم: ج 1/ 316.

وكان خباب بن الأرت يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب يقرئها القرآن، فخرج عمر يومًا متوشحًا بسيفه يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورهطا من أصحابه قد ذكروا له أنهم قد اجتمعوا في بيت عند الصفا، وهم قريب من أربعين من بين رجال ونساء، ومع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمه حمزة بن عبد المطب، وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق، وعلي بن أبي طالب في رجال من المسلمين -رضي الله عنهم-، ممّن كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة، ولم يخرج فيمن خرج إلى أرض الحبشة، فلقيه نعيم ابن عبد الله، فقال له: أين تريد يا عمر؟ فقال: أريد محمدًا هذا الصابئ، الذي فرق أمر قريش وسفه أحلامها، وعاب دينها، وسب آلهتها فأقتله، فقال له نعيم: والله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدًا, أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم!!! قال: وأي أهل بيتي؟ قال: ختنك وابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو، وأختك فاطمة بنت الخطاب، فقد والله أسلما وتابعا محمدًا على دينه، فعليك بهما، قال: فرجع عمر عامدًا إلى أخته وختنه، وعندهما خباب بن الأرت معه صحيفة فيها طه يقرئهما إياها، فلما سمعوا حس عمر تغيب خباب في مخدع لهم، أو في بعض البيت، وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة فجعلتها تحت فخذها، وقد سمع عمر حين دنا إلى البيت قراءة خباب عليهما، فلما دخل قال: ما هذه الهينمة التي سمعت؟ قالا له: ما سمعت شيئًا، قال: بلى والله لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدًا على دينه، وبطش بختنه سعيد ابن زيد، فقامت إليه أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفه عن زوجها، فضربها فشجها، فلما فعل ذلك، قالت له أخته وختنه: نعم قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله، فاصنع ما بدا لك، فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع، فارعوى، وقال لأخته: أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرؤون آنفًا أنظر ما هذا الذي جاء به محمد، وكان عمر كاتبًا، فلما قال ذلك طمعت في إسلامه، فقالت له: يا أخي إنك نجس على شركك، وإنه لا يمسها إلا الطاهر، فقام عمر فاغتسل، فأعطته الصحيفة وفيها طه فقرأها، فلما قرأ منها صدرًا قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه!! فلما سمع ذلك خباب خرج إليه؛ فقال له: يا عمر والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه، فإني سمعته أمس وهو يقول: "اللَّهم أيد الإسلام بأبي

الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب". فالله الله يا عمر، فقال له عند ذلك عمر: فدلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم، فقال له خباب: هو في بيت عند الصفا معه فيه نفر من أصحابه، فأخذ عمر سيفه فتوشحه، ثم عمد إلى رسول الله صلى - صلى الله عليه وسلم -، فضرب عليهم الباب، فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنظر من خلل الباب فرآه متوشحًا السيف، فرجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو فزع، فقال: يا رسول الله، هذا عمر بن الخطاب متوشحًا السيف، فقال حمزة بن عبد المطب: فأذن له، فإن كان جاء يريد خيرًا بذلناه له، وإن كان يريد شرًا قتلناه بسيفه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ائذن له" فأذن له الرجل، ونهض إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى لقيه بالحجرة، فأخذ بحجزته، أو بمجمع ردائه، ثم جبذه جبذه شديدة، وقال: "ما جاء بك يا ابن الخطاب، فوالله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة" فقال عمر: يا رسول الله جئتك لأومن بالله وبرسوله، وبما جاء من عند الله، قال: فكبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن عمر قد أسلم، فتفرق أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكانهم، وقد عزوا في أنفسهم حين أسلم عمر مع إسلام حمزة، وعرفرا أنهما سيمنعان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وينتصفون بهما من عدوهم، فهذا حديث الرواة من أهل المدينة عن إسلام عمر بن الخطاب حين أسلم. (¬1) ¬

_ (¬1) ابن هشام: ج 1/ 365.

سبب إسلام عمر بن الخطاب

وفي رواية قال: "لما أسلم عمر اجتمع الناس عند داره، فقالوا: صبأ عمر -وأنا غلام فوق ظهر بيتي- فجاء رجل عليه قباء من ديباج، فقال: صبأ عمر، فما ذاك؟ فأنا له جار، فرأيت الناس تصدَّعوا عنه، فقلت: من هذا؟ قالوا: العاص بن وائل" (¬1). سبب إسلام عمر بن الخطاب عن أنس بن مالك، أن رجلًا من بني زهرة لقي عمر قبل أن يسلم، قال: وهو متقلد السيف، فقال: أين تعتمد يا عمر؟ فقال أريد أن أقتل محمدًا!! قال: فكيف تأمن في بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمدًا؟ قال: ما أراك إلا قد صبوت وتركت دينك الذي هو أنت عليه؟ قال: أفلا أدلك على العجب يا عمر؟ إن خَتَنك وأُختك قد صبوا وتركا دينهما الذي هما عليه. قال: فمشى إليهما ذامرًا -قال إسحاق: يعني متغضِّبًا- حتى دنا من الباب، قال: وعندهما رجل يقال له: خباب يقريهما سورة (طه) (¬2). قال: فلما سمع خباب حس عمر دخل تحت سرير لهما. فقال: ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم؟ قالا: ما عدا حديثًا تحدثنا بيننا، فقال: لعلكما قد صبوتما وتركتما دينكما الذي أنتم عليه؟ فقال ختنه: يا عمر أرأيت إن كان الحق في غير دينك؟ قال: فأقبل على ختنه فوطئه وطئًا شديدًا، قال: فدفعته أخته عن زوجها، فضرب وجهها، فدمي وجهها، قال: فقالت له: أرأيت إن كان الحق في غير دينك؟ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، قال: فقال عمر: أروني هذا الكتاب الذي كنتم تقرءون، قال: وكان عمر يقرأ الكتب، قال: فقالت أخته: لا، أنت رجس، أعطنا موثقًا من الله لتردنه علينا، وقم فاغتسل وتوضأ، قال: ففعل، قال: فقرأ عمر {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ...} إلى قوله: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ ¬

_ (¬1) قصة سبب إسلام عمر بن الخطاب التي في سيرة ابن إسحاق ص 343 وضربه لأخته حسنه جدًا. (¬2) أخرج الحديث الضياء في المختارة، وأخرجه البيهقيُّ في دلائل النبوة 2/ 219، وأخرجه سنن النبي وأيامه لابن سعد 2/ 484 وهي رواية متماسكة، وأخرجه ابن إسحاق ببعض ألفاظه 1/ 342، وأخرجه الطبرانيُّ في الأوسط 2/ 512 برقم 1881 وأخرجه الهيثمي في المجمع 9/ 62.

إسلام حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأخوه من الرضاعة.

أُخْفِيهَا} قال عمر: دلوني على محمد، قال: فلما سمع خباب قول عمر: دلوني على محمد - صلى الله عليه وسلم - خرج إليه فقال: أبشر يا عمر، فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشيّة الخميس .. "اللَّهم أعزَّ الدين بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام". قال: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الدار التي في أصل الصفا يوحى إليه، قال: فانطق عمر، وعلى الباب حمزة بن عبد المطلب وأناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رأى حمزة وجل القوم من عمر، قال: نعم فهذا عمر فإن يرد الله به خيرًا يسلم ويتبع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإن يكن غير ذلك يكن قتله علينا هينًا، قال: فخرج إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف، فقال: "ما أنت بمنتهي يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة، اللَّهم اهدِ عمر بن الخطاب، اللَّهم أعزَّ الدين بعمر" فقال عمر: أشهد أنَّ لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله وأسلم وقال أخرج يا رسول الله. إسلام حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأخوه من الرضاعة. عن محمد بن كعب القرظي قال: كان إسلام حمزة -رضي الله عنه- حمِيَّةَ [وكان رجلًا راميًا]، وكان يخرج من الحرم فيصطاد، فإذا رجع مرَّ. بمجلس قريش، وكانوا يجلسون عند الصفا والمروة، فيمر بهم فيقول: رميت كذا وكذا، وضعت كذا وكذا، ثم ينطلق إلى منزله. فأقبل من رميه ذات يوم، فلقيته امرأة فقالت: يا أبا عمارة، ماذا لقي ابن أخيك من أبي جهل بن هشام، شتمه وتناوله، وفعل [به] وفعل، فقال: هل رآه أحد؟ قالت: إي والله، لقد رآه أناس، فأقبل حتى انتهى إلى ذلك المجلس عند الصفا والمروة، فإذا هم جلوس وأبو جهل فيهم، فاتكأ على قوسه وقال: رميت كذا وكذا، وفعلت كذا وكذا،

غلبت الروم

ثم جمع يديه بالقوس فضرب بها بين أذني أبي جهل فدقَّ سيتها، ثم قال: خذها بالقوس وأخرى بالسيف، أشهد أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنه جاء بالحق من عند الله. قالوا: يا أبا عمارة، إنه سب آلهتنا, ولو كنت أنت وأنت أفضل منه ما أقررناك وذاك، وما كنت يا أبا عمارة فاحشًا (¬1). غلبت الروم وقال عكرمة لقي المشركون أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وقالوا: إنكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب ونحن أميون وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم فأنزل الله تعالى {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ..} إلى قوله: {يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ} فخرج أبو بكر الصديق إلى الكفار فقال أفرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا فلا تفرحوا ولا يقرن الله أعينكم فوالله ليظهرن الله الروم على فارس أخبرنا بذلك نبينا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقام إليه أبي بن خلف الجمحي فقال كذبت يا أبا فصيل فقال له: أبو بكر أنت أكذب يا عدو الله فقال أناحبك عشر قلائص مني وعشر قلائص منك فإن ظهرت الروم على فارس غرمت وإن ظهرت فارس غرمت إلى ثلاث سنين ثم جاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فأخبره فقال: ما هكذا ذكرت إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع فزايده في الخطر ومادَّه في الأجل فخرج أبو بكر فلقي أبيًا فقال: لعلك ندمت فقال: لا تعالى أزايدك في الخطر وأمادك في الأجل فأجعلها مائة قلوص إلى تسع سنين قال قد فعلت فظهرت الروم على فارس قبل ذلك فغلبهم المسلمون (¬2). ¬

_ (¬1) رواه الطبراني مرسلًا ورجاله رجال الصحيح. أسلم حمزة بن عبد المطلب في السنة الرابعة قبل الهجرة العام التاسع للبعثة المحمدية قبل إسلام عمر بن الخطاب بثلاث أيام، أسلم حمزة يوم الاثنين 1/ 6/ 4 ق. هـ يوم ضرب أبو بكر، وأسلم عمر يوم الخميس 4/ 6/4 ق. هـ. (¬2) انظر تفسير ابن كثير ص 46/ ج 3، قلت كان انهزام الروم في شهر رمضان من العام الرابع قبل الهجرة.

خروج الرسول (صلى الله عليه وسلم) بأصحابه للصلاة في الشعب

خروج الرسول (صلى الله عليه وسلم) بأصحابه للصلاة في الشعب قال ابن إسحاق: وكان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلّوا، ذهبوا في الشِّعاب، فاستخفوا بصلاتهم من قومهم، فبينا سعد بن أبي وقاص في نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شعب من شعاب مكة، إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون، فناكروهم، وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم، فضرب سعد بن أبي وقاص يومئذ رجلًا من المشركين بلحي بعير، فكان أول دم هريق في الإسلام. روى الحاكم بسنده عن برة بنت أبي تجرأة قالت: كانت قريش لا تنكرُ صلاة الضحى إنما تنكرُ الوقت، وكان رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، إذا جاء وقت العصر تفرقوا إلى الشعاب فصلُّوا فرادى ومثنى، فمشى طليب بن عمير وحاطب بن عبد شمس يصلون بشعب أجياد، بعضهم ينظر إلى البعض، إذ هجم عليهم ابن الأصيدي وابن القبطية، وكانا فاحشين، فرموهم بالحجارة ساعةً، حتى خرجا وانصرفا وهما يشتدان وأتيا أبا جهل وأبا لهب وعقبة بن أبي معيط: فذكروا لهم الخبر فانطلقوا لهم في الصبح، وكانوا يخرجون في غلس الصبح فيتوضَّئون ويصلُّون، فبينما هم في شعبٍ إذ هجم عليهم أبو جهل وعقبة وأبو لهب وعدةٌ من سفهائهم فبطشوا بهم فنالوا منهم، وأظهر أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، الإسلام وتكلموا به ونادوهم وذبوا عن أنفسهم، وتعمد طليب بن عمير إلى أبي جهل فضربه شجةً فأخذوه وأوثقوه، فقام دونه أبو لهب حتى حله وكان ابن أخته. فقيل لأروى بنت عبد المطب ألا ترين إلى ابنك طليب قد اتَّبع محمدًا وصار عرضًا له، وكانت أروى قد أسلمت، فقالت: خير أيام طليب يوم يذبُّ عن ابن خاله، وقد جاء بالحق من عند الله تعالى، فقالوا: وقد اتَّبعتِ محمدًا؟ قالت: نعم، فخرج بعضهم إلى أبي لهب فأخبره فأقبل حتى دخل عليها فقال: عجبًا لكِ ولاتَّباعكِ محمدًا، أوتركت دين عبد المطلب؟ قالت: قد كان ذلك، فقم

هجرة طليب بن عمير إلى الحبشة (رضي الله عنه)

دون ابن أخيك فأعضده وامنعه فإن ظهر أمره فأنت بالخيار، إن شئت أن تدخل معه أو تكون على دينك، وإن لم تكن؛ كنت قد أعذرت ابن أخيك، قال: ولنا طاقةٌ بالعرب قاطبةً؟ ثم يقولون إنه جاء بدين محدثٍ. قال: ثم انصرف أبو لهب. (¬1) هجرة طليب بن عمير إلى الحبشة (رضي الله عنه) روى الحاكم بسنده عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال أسلم طليب بن عمير في دار الأرقم ثم دخل فخرج على أمه وهي أروى بنت عبد المطلب، فقال: تبعت محمد وأسلمت لله رب العالمين جل ذكره، فقالت: أمه إن أحق من وازرت ومن عاضدت ابن خالك والله لو كنا نقدر على ما يقدر عليه الرجال لتبعناه ولذببنا عنه قال: فقلت: يا أماه وما يمنعك أن تسلمي وتتبعيه فقد أسلم أخوك حمزة، فقالت: انظر ما يصنع أخواتي ثم أكون إحداهن قال: قلت: أسألك بالله إلا أتيته فسلمت عليه وصدقته وشهدت أن لا إله إلا الله، قالت: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله وكانت بعد تعضد النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بلسانها وتحض ابنها على نصرته وبالقيام بأمره (¬2). ¬

_ (¬1) المستدرك 3/ 250 - 251. (¬2) أخرجه الحاكم ج 3/ 239، قلت: طليب بن عمير أسلم في السنة التاسعة للبعثة وعمره تسعة عشر عامًا ولا يمنع أن يكون من مهاجرة الحبشة المتأخرين على اعتبار أن بعض المهاجرين مكثوا في الحبشة إلى السنة السابعة للهجرة.

ابتداء أمر الأنصار رضوان الله تعالى عليهم

ابتداء أمر الأنصار رضوان الله تعالى عليهم روى البيهقي بسنده عن عروه بن الزبير قال: لما أفسد الله، -عَزَّ وجَلَّ-، صحيفة مكرهم خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فعاشوا وخالطوا الناس، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك السنين يعرض نفسه على قبائل العرب في كل موسم، ويكلم كل شريف، لا يسألهم مع ذلك إلا أن يؤووه ويمنعوه، ويقول: "لا أكره منكم أحدا على شيء، من رضي الذي أدعوه إليه قبله، ومن كرهه لم أكرهه، إنما أريد أن تحوزوني مما يراد بي من القتل، فتحوزوني حتى أبلغ رسالات ربي، ويقضي الله لي ولمن صحبني بما شاء"، فلم يقبله أحد منهم، ولا أتى على أحد من القبائل إلا قالوا: قوم الرجل أعلم به، أفترى رجلا يصلحنا وقد أفسد قومه، وذلك لما ادخر الله، -عَزَّ وجَلَّ-، للأنصار من البركة. (¬1) روى ابن سعد بأسانيده المتعددة قالوا: أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة ما أقام يدعو القبائل إلى الله فذكر الحديث وفيه: حتى أراد الله إظهار دينه ونصر نبيه وإنجاز ما وعده، فساقه إلى هذا الحي من الأنصار لما أراد الله به من الكرامة، فانتهى إلى نفر منهم وهم يحلقون رؤوسهم، فجلس إليهم فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن، فاستجابوا لله ولرسوله فأسرعوا وآمنوا وصدقوا وآووا ونصروا وواسوا، وكانوا والله أطول الناس ألسنة وأحدهم سيوفا ويقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج من مكة فمر على نفر من أهل يثرب نزول بمنى ثمانية نفر، منهم: من بني النجار معاذ ابن عفراء، وأسعد بن زرارة، فعرض عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإسلام فأسلموا وقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تمنعون لي ظهري حتى أبلغ رسالة ربي؟ " فقالوا: يا رسول الله نحن مجتهدون لله ولرسوله، نحن، فاعلم، أعداء متباغضون، وإنما كانت وقعة بعاث، عام الأول، يوم من أيامنا اقتتلنا فيه، فإن تقدم ونحن كذا لا يكون لنا عليك اجتماع فدعنا حتى نرجع إلى عشائرنا لعل الله يصلح ذات بيننا، وموعدك الموسم العام المقبل. (¬2) عن عمر بن الخطاب قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرض نفسه على قبائل العرب قبيلة قبيلة في الموسم، ما يجد أحدا يجيبه، حتى جاء الله بهذا الحي من الأنصار ¬

_ (¬1) رواه البيهقي في دلائل ج 2/ 414. (¬2) ابن سعد ج 1/ 217.

لما أسعدهم الله وساق لهم من الكرامة، فآووا ونصروا فجزاهم الله عن نبيهم خيرًا، والله ما وفينا لهم كما عاهدناهم عليه إنا كنا قلنا لهم نحن الأمراء وأنتم الوزراء، ولئن بقيت إلى رأس الحول لا يبقى لي غلام إلا أنصاري. (¬1) روى أبو نعيم بسنده عن علي بن أبي طالب قال: قال يومًا وهو يذكر الأنصار، وفضلهم وسابقتهم، ثم قال: إنه ليس بمؤمن من لم يحب الأنصار ويعرف لهم حقوقهم، هم والله ربوا الإسلام، كما يربى الفلو في فنائهم، بأسيافهم وطول ألسنتهم وسخاء أنفسهم، لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج في المواسم فيدعو القبائل حتى أراد الله -عَزَّ وجَلَّ-، ما أراد بهذا الحي من الأنصار، فعرض عليهم الإسلام، فاستجابوا وأسرعوا وآووا ونصروا وواسوا، فجزاهم الله خيرا، قدمنا عليهم، فنزلنا معهم منازلهم، ولقد تشاحوا فينا، حتى أن كانوا ليقترعون علينا، ثم كنا في أموالهم أحق بها منهم، طيبة بذلك أنفسهم، ثم بذلوا مهج أنفسهم دون نبيهم - صلى الله عليه وسلم - وعليهم أجمعين. (¬2) عن عروة بن الزبير -رضي الله عنه- قال: لما حضر الموسم حج نفر من الأنصار: من بني مازن بن النجار: معاذ بن عفراء، وأسعد بن زرارة. ومن بني زريق: رافع بن مالك، وذكوان بن عبد القيس. ومن بني عبد الأشهل: أبو الهيثم بن التيهان. ومن بني عمر بن عوف: عويم بن ساعدة. وأتاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبرهم خبره الذي اصطفاه الله به من نبوته وكرامته، وقرأ عليهم القرآن، فلما سمعوا قوله أنصتوا، واطمأنت أنفسهم إلى دعوته، وعرفوا ما كانوا يسمعون من أهل الكتاب من ذكرهم إياه بصفته، وما يدعوهم إليه، فصدقوه وآمنوا به، وكانوا من أسباب الخير، ثم قالوا له: قد علمت الذي بين الأوس والخزرج من الدماء، ونحن نحب ما أرشدك الله به أمرك، ونحن لله ولك مجتهدون، وإنا نشير عيك بما ترى، فامكث على اسم الله حتى نرجع إلى قومنا، فنخبرهم بشأنك، وندعوهم إلى الله ورسوله، فلعل الله يصلح بيننا، ويجمع أمرنا، فإنا اليوم متباعدون متباغضون، فإن تقدم علينا اليوم ولم نصطلح، لم يكن لنا جماعة عليك، ونحن نواعدك الموسم من العام القابل، فرضي رسول الله - صلى الله ¬

_ (¬1) مجمع الزوائد ج 6/ 42. (¬2) دلائل أبي نعيم ج 1/ 396.

عليه وسلم الذي قالوا، فرجعوا إلى قومهم, يدعوهم سرًا، وأخبروهم برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والذي بعثه الله به ودعا عليه بالقرآن، حتى قل دار من دور الأنصار إلا أسلم فيها ناس لا محالة. (¬1) قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن أشياخ من قومه قالوا: لما لقيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: من أنتم؟ قالوا: نفر من الخزرج، قال أمن موالي يهود؟ قالوا: نعم، قال: أفلا تجلسون أكلمكم؟ قالوا: بلى، فجسوا معه، فدعاهم إلى الله -عَزَّ وجَلَّ-، وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن. قال: وكان مما صنع الله لهم به في الإسلام، أن يهود كانوا معهم في بلادهم، وكانوا أهل كتاب وعلم، وكانوا هم أهل شرك وأصحاب أوثان، وكانوا قد عزوهم ببلادهم، فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا لهم: إن نبيًا مبعوث الآن، قد أظل زمانه، نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم. فلما كلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولئك النفر، ودعاهم إلى الله، قال بعضهم لبعض: يا قوم، تعلموا والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود، فلا تسبقنكم إليه. فأجابوه فيما دعاهم إليه، بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام، وقالوا: إنا قد تركنا قومنا, ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم، فعسى أن يجمعهم الله بك فسنقدم عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليه فلا رجل أعز منك ثم انصرفوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راجعين إلى بلادهم، وقد آمنوا وصدقوا. قال ابن إسحاق "حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ من قومه قال لما رآهم النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من أنتم؟ قالوا من الخزرج. قال: أفلا تجلسون أكلمكم؟ قالوا: نعم فدعاهم إلي الله، وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن وكان مما صنع الله لهم أن اليهود كانوا معهم في بلادهم، وكانوا أهل كتاب، وكان الأوس والخزرج أكثر منهم، فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا: إن نبيا سيبعث الآن قد أظل زمانه نتبعه، فنقتلكم معه، فلما كلمهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عرفوا النعت، فقال بعضهم لبعض: لا تسبقنا إليه يهود فآمنوا وصدقوا، وانصرفوا إلى بلادهم ليدعوا قومهم، فلما أخبروهم لم يبق دور من قومهم إلا وفيها ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى إذا كان الموسم وافاه منهم اثنا عشر رجلا. ¬

_ (¬1) مغازي عروة بن الزبير ص 121.

قدوم الطفيل بن عمرو الدوسي على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بمكة شرفها الله

قدوم الطفيل بن عمرو الدوسي على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بمكة شرفها الله قال ابن إسحاق وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على ما يرى من قومه يبذل لهم النصيحة، ويدعوهم إلى النجاة مما هم فيه، وجعلت قريش، حين منعه الله منهم، يحذرونه الناس ومن قدم عليهم من العرب. وكان الطفيل بن عمرو الدوسي يحدث: أنه قدم مكة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بها، فمشى إليه رجال من قريش، وكان الطفيل رجلًا شريفا شاعرًا لبيبًا، فقالوا له: يا طفيل إنك قدمت بلادنا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا (¬1)، وقد فرق جماعتنا، وشتت أمرنا، وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وبين زوجته، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمنه ولا تسمعن منه شيئا. قال: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئًا ولا أكلمه، حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا (¬2) فرقا من أن يبلغني شيء من قوله، وأنا لا أريد أن أسمعه. قال: فغدوت إلى المسجد، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلى عند الكعبة. قال: فقمت منه قريبا، فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله. قال: فسمعت كلامًا حسنًا. قال فقلت في نفسي: واثكل أمي، والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول! فإن كان الذي يأتي به حسنًا قبلته، وإن كان قبيحًا تركته. قال: فمكثت حتى انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بيته فاتبعته، حتى إذا دخل بيته دخلت عليه، فقلت: يا محمد، إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا، للذي قالوا، فوالله ما برحوا يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعني قولك، فسمعته قولا حسنا، فاعرض علي أمرك. قال: فعرض علي رسول الله صلى الله عليه ¬

_ (¬1) أعضل: أشتد أمره. (¬2) الكرسف: القطن.

إسلام والد الطفيل وزوجه

وسلم الإسلام، وتلا علي القرآن فلا والله سمعت قولا قط أحسن منه، ولا أمرًا أعدل منه. قال: فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وقلت: يا نبي الله، إني امرؤ مطاع في قومي وأنا راجع إليهم، وداعيهم إلى الإسلام، فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عونًا عليهم فيما أدعوهم إليه فقال: "اللَّهم اجعل له آية". قال: فخرجت إلى قومي، حتى إذا كنت بثنية (¬1) تطلعني على الحاضر (¬2) وقع نور بين عيني مثل المصباح، فقلت: اللَّهم في غير وجهي. إني أخشى إن يظنوا أنها مثلة وقعت في وجهي لفراقي دينهم. قال: فتحول فوقع في رأس سوطي. قال: فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق، وأنا أهبط إليهم من الثنية، قال: حتى جئتهم فأصبحت فيهم. إسلام والد الطفيل وزوجه: قال: فلما نزلت أتاني أبي، وكان شيخًا كبيرًا، قال: فقلت: إليك عني يا أبت، فلست منك ولست مني، قال: ولم يا بني؟ قال: قلت: أسلمت واتبعت دين محمد - صلى الله عليه وسلم -، قال: أي بني، فديني دينك، قال: فقلت: فاذهب فاغتسل وطهر ثيابك، ثم تعال حتى أعلمك ما علمت. قال: فذهب فاغتسل، وطهر ثيابه. قال: ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم. قال: ثم أتتني صاحبتي، فقلت إليك عني، فلست منك ولست مني، قالت: لم؟ بأبي أنت وأمي، قال: قلت: قد فرق بيني وبينك الإسلام، وتابعت دين محمد - صلى الله عليه وسلم -، قالت: فديني دينك، قال: قلت: فاذهبي إلى حنا ذي الشرى -قال ابن هشام: ويقال: حمى ذي الشرى- فتطهري منه. قال: وكان ذو الشرى صنما لدوس، وكان الحمى حمى حموه له، وبه وشل (¬3) من ماء يهبط من جبل. قال: فقالت: بأبي أنت وأمي، أتخشى على الصبية من ذي الشرى شيئًا، قال: قلت: لا، أنا ضامن لذلك، فذهبت فاغتسلت، ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام، فأسلمت. ثم دعوت دوسا إلى الإسلام، فأبطئوا علي، ثم جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة فقلت له: يا نبي الله، إنه قد غلبني على دوس الزنا، فادع الله عليهم، فقال: "اللَّهم اهد ¬

_ (¬1) الثنية: ما انفرج بين الجبلين. (¬2) الحاضر: القبيلة النازلة على الماء. (¬3) الوشل: الماء القليل.

دوسا، ارجع إلى قومك فادعهم وارفق بهم". قال: فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الإسلام حتى هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، ومضى بدر وأحد والخندق، ثم قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمن أسلم معي من قومي، ورسول الله بخيبر، حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس، ثم لحقنا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر، فأسهم لنا مع المسلمين. روى مسلم بسنده عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "يا رسول الله، هل لك في حصن حصين ومنعة؟ قال: حصن كان لدوس في الجاهلية، فأبى ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - للذي ذخر الله للأنصار، فلما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلي المدينة، هاجر إليه الطفيل بن عمرو، وهاجر معه رجل من قومه، فاجتووا المدينة، فمرض فجزع جزعًا شديدًا، فأخذ مشاقص، فقطع بها براجمه، فشخبت يداه حتى مات، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه في هيئة حسنة، ورآه مغطيا يديه، فقال له: ما صنع بك ربك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه، فقال: مالي أراك مغطيًا يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت، فقصها الطفيل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهم وليديه فاغفر". (¬1) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلمٌ.

إسلام عمرو بن عبسة السلمي (رضي الله عنه)

إسلام عمرو بن عبسة السلمي (رضي الله عنه) عن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- قال: قال عمرو بن عبسة السلمي: كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة، وأنهم ليسوا على شيء، وهم يعبدون الأوثان، فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارًا، فقعدت على راحلتي، فقدمت عليه، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستخفيا، جراء عليه قومه، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة، فقلت له: ما أنت؟ فقال: أنا نبي، فقلت: وما نبي؟ قال: أرسلني الله، فقلت: فبأي شيء (أرسلك)؟ قال: (أرسلني) بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله ولا يشرك به شيء، قلت له: فمن معك على هذا؟ قال: حر وعبد، قال: ومعه يومئذ ممّن آمن به: أبو بكر وبلال، قلت: إني متبعك، قال: إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا، ألا ترى حالي وحال الناس؟ ولكن ارجع إلى أهلك، فإذا سمعت بي قد ظهرت فائتني، قال: فذهبت إلى أهلي، وقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، وكنت في أهلي، فجعلت أتخبر الأخبار، وأسأل الناس حين قدم المدينة، حتى قدم علي نفر من أهل يثرب (من أهل المدينة) فقلت: ما فعل هذا الرجل الذي قدم المدينة؟ فقالوا: الناس إليه سراع، وقد أراد قومه قتله، فلم يستطيعوا ذلك، فقدمت المدينة، فدخلت عليه، فقلت: يا رسول الله، أتعرفني؟ قال: نعم، أنت الذي لقيتني بمكة؟ (قال: فقلت: بلى) فقلت: يا رسول الله، أخبرني عما علمك الله وأجهله، أخبرني عن الصلاة؟ قال: صل صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس، حتى ترتفع، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار، ثم صل، فإن الصلاة مشهودة محضورة، حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة، فإن حينئذ تسجر جهنم، فإذا فاء الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة، حتى تصلي العصر، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار، قال: ثم صل ما بدا لك، فقلت: يا نبي الله فالوضوء حدثني عنه، قال: ما منكم من رجل يقرب وضوءه فيمضمض ويستنشق ويستنثر إلا خرت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه مع الماء، ثم إذا غسل وجهه، كما أمره الله تعالى، إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، أو مع آخر قطرة من الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره ومن أذنيه مع الماء، ثم يغسل قدميه إلى

الكعبين إلا خرت خطايا رجليه مع أنامل رجليه مع الماء، فإن هو قام فصلى، فحمد الله وأثنى عليه، ومجده بالذي هو له أهل، وفرغ قلبه لله في صلاته، إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه. فحدث عمرو بن عبسة بهذا الحديث أبا أمامة صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له أبو أمامة: يا عمرو، انظر ما تقول؟ (في مقام واحد يعطى هذا الرجل؟) فقال (عمرو: يا أبا أمامة)، لقد كبرت سني، ورق عظمي، واقترب أجلي، وما بي حاجة أن أكذب على الله، و (لا) على رسوله، ولو لم أسمعه منه إلا مرتين أو ثلاثا- حتى عد سبعًا ما حدثت به أبدا, ولكني سمعته منه أكثر من ذلك. (¬1) وروى ابن سعد بسنده عن أبي أمامة الباهلي يحدث عن حديث عمرو ابن عبسة السلمي قال: "رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية، ورأيت أنها آلهة باطلة، يعبدون الحجارة والحجارة لا تضر ولا تنفع قال: فلقيت رجلًا من أهل الكتاب، فسألته عن أفضل الدين؟ فقال: يخرج رجل من مكة، ويرغب عن آلهة قومه، ويدعو إلى غيرها، وهو يأتي بأفضل الدين فإذا سمعت به فاتبعه، فلم تكن لي همة إلا مكة، آتيها أسأل: هل حدث بها أمر؟ فيقولون: لا، وأنصرف إلى أهلي وأهلي من الطريق غير بعيد فأعترض الركبان خارجين من مكة، فأسألهم: هل حدث فيها خبر أو أمر؟ فيقولون: لا، فإني لقاعد على الطريق، وإذا مر بي راكب فقلت: من أين جئت؟ قال: من مكة، قلت: هل حدث فيها خبر؟ قال: نعم، رجل رغب عن آلهة قومه، ودعا إلى غيرها، قلت: صاحبي الذي أريد، فشددت راحلتي، فجئت منزلي الذي كنت أنزل فيه، فسألت عنه؟ فوجدته مستخفيا شأنه، ووجدت قريشا عليه جراء، فتلطفت له حتى دخلت عليه، فسلمت عليه، ثم قلت له: ما أنت؟ قال: نبي، قلت: بماذا أرسلك؟ قال: أن تصل الأرحام، وتحقن الدماء، وتؤمن السبل، وتكسر الأوثان، وتعبد الله وحده ولا تشرك به شيئا، قال: قلت: نعم ما أرسلك به، أشهدك أني قد آمنت بك وصدقت، فأمكث معك؟ أوما ترى؟ قال: قد ترى كراهية الناس لما جئت به، فامكث في أهلك فإذا سمعت بي قد خرجت مخرجا فاتبعني. (¬2) حدثنا محمد بن مصفى نا الوليد بن مسلم نا عبد الله بن العلاء حدثني أبو سلام الحبشي أنه سمع عمرو بن عبسة -رضي الله عنه- يقول: ألقي في روعي أن عبادة الأوثان باطل قال: فسمعني ¬

_ (¬1) أخرجه مسلمٌ ج 1/ 569. (¬2) أخرجه ابن سعد 4/ 217.

رجل وأنا أتكلم بذاك فقال: يا عمرو بمكة رجل يقول: كما تقول قال: فأقبلت إلى مكة أسأل عنه فأخبرت أنه مختفي لا يقدر عليه إلا بالليل يطوف بالبيت، فقمت بين الكعبة وأستارها فما علمت إلا بصوته يهلل الله تبارك وتعالى فخرجت إليه فقلت: ما أنت؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: وبما أرسلك ربك؟ قال: "أن يعبد الله تعالى ولا يشرك به شيئًا وتحقن الدماء وتوصل الأرحام" قلت: ومن معك على هذا؟ قال: "حر وعبد" فقلت: أبسط يدك أبايعك، فبسط يده فبايعته على الإسلام، فلقد رأيتني ربع الإسلام. وعن عمرو بن عبسة قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله من تبعك على هذا الأمر؟ قال: "حر وعبد" قلت: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: "طيب الكلام، وإطعام الطعام"، قلت: يا رسول الله فما الإيمان؟ قال: "الصبر والسماحة"، قلت: فأي الإسلام أفضل؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده" قلت: فأي الإيمان أفضل؟ قال: "خلق حسن"، قلت: أي الصلاة أفضل؟ قال "طول القنوت" قلت: فأي الهجرة أفضل؟ قال: "أن تهجر السوء" قلت: فأي الجهاد أفضل؟ قال: "من عقر جواده، وأهريق دمه". (¬1) حدثنا يحيى بن نصر الخولاني، ثنا عبد الله بن وهب، أخبرني معاوية بن صالح، ثني أبو يحيى وضمرة بن حبيب وأبو طلحة، عن أبي أمامة الباهلي قال: حدثني عمرو بن عبسة قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل فتح مكة فقال لي: إن أقرب ما يكون الرب من العبد جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممّن يذكر الله في تلك الساعة فافعل. روى أحمد بسنده عن عمرو بن عبسة قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله من أسلم؟ يعني معك، فقال: "حر وعبد" يعني أبا بكر وبلالا، فقلت: يا رسول الله علمني مما تعلم وأجهل، هل من الساعات ساعة أفضل من الأخرى؟ قال: "جوف الليل الآخر أفضل، فإنها مشهودة متقبلة حتى تصلي الفجر، ثم أنهه حتى تطلع الشمس ما دامت كالحجفة حتى تنتشر, فإنها تطلع بين قرني شيطان ويسجد لها الكفار، ثم تصلي فإنها مشهودة متقبلة حتى يستوي العمود على ظله، ثم أنهه فإنها ساعة تسجر فيها الجحيم، فإذا ¬

_ (¬1) رواه أحمد في المسند ج 4/ 385.

زالت فصل فإنها مشهودة متقبلة حتى تصلي العصر، ثم أنهه حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان ويسجد لها الكفار" وكان عمرو بن عبسة يقول: أنا ربع الإسلام. (¬1) روى أحمد بسنده عن عمرو بن عبسة قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بعكاظ فقلت: من تبعك على هذا الأمر؟ فقال "حر وعبد" ومعه أبو بكر وبلال، رضي الله تعالى عنهما، فقال لي: "ارجع حتى يمكن الله، -عَزَّ وجَلَّ-، لرسوله" فأتيته بعد فقلت: يا رسول الله جعلني الله فداءك، شيئًا تعلمه وأجهله، لا يضرك وينفعني الله، -عَزَّ وجَلَّ- به، هل من ساعة أفضل من ساعة؟ وهل من ساعة يتقى فيها؟ فقال: "لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك، إن الله، -عَزَّ وجَلَّ-، يتدلى في جوف الليل فيغفر إلا ما كان من الشرك والبغي، فالصلاة مشهودة محضورة فصل حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت فاقصر عن الصلاة فإنها تطلع بين قرني شيطان وهي صلاة الكفار حتى ترتفع، فإذا استقلت الشمس فصل فإن الصلاة محضورة مشهودة حتى يعتدل النهار، فإذا اعتدل النهار فاقصر عن الصلاة فإنها ساعة تسجر فيها جهنم حتى يفيء الفيء، فإذا فاء الفيء فصل فإن الصلاة محضورة مشهودة حتى تدلي الشمس للغروب، فإذا تدلت فاقصر عن الصلاة حتى تغيب الشمس فإنها تغيب على قرني شيطان، وهي صلاة الكفار". (¬2) وروى ابن سعد بسنده عن عمرو بن عبسة قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو نازل بعكاظ، قال قلت: يا رسول الله من معك في هذا الأمر؟ قال: "معي رجلان أبو بكر وبلال" قال: فأسلمت عند ذلك قال: فلقد رأيتني ربع الإسلام قال: فقلت: يا رسول الله أمكث معك أم ألحق بقومي؟ قال: "الحق بقومك" قال: "فيوشك الله تعالى أن يفي بمن ترى ويحيى الإسلام" قال: ثم أتيته قبل فتح مكة فسلمت عليه، قال وقلت: يا رسول الله أنا عمرو بن عبسة السلمي أحب أن أسألك عما تعلم وأجهل وينفعني ولا يضرك. (¬3) ¬

_ (¬1) مسند أحمد ج 4/ 111. (¬2) مسند الإمام أحمد ج 4/ 385. (¬3) ابن سعد 1/ 403.

قدوم ضماد بن ثعلبه الأزدي على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وهو بمكة شرفها الله

قدوم ضماد بن ثعلبه الأزدي على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وهو بمكة شرفها الله (عن عبد الله بن العباس -رضي الله عنهما-)، أن ضمادًا قدم مكة، وكان من أزد شنوءة، وكان يرقي من هذه الريح، فسمع سفهاء مكة يقولون: إن محمدًا مجنون، فقال: لو أني أتيت هذا الرجل، لعل الله يشفيه على يدي، فلقيه، فقال: يا محمد، إني أرقي من هذه الريح، وإن الله يشفي على يدي من شاء, فهل لك؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد، قال ضماد: فقلت له: أعد علي كلماتك هؤلاء، فأعادهن عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات، فقال: لقد سمعت قول الكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، وقد بلغن قاموس البحر، هات يدك أبايعك على الإسلام، فبايعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وعلى قومك، قال: وعلى قومي , فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية بعد مقدمه المدينة، فمروا على قومه، فقال صاحب السرية للجيش، هل أصبتم من هؤلاء شيئا؟ فقال رجل من القوم: أصبت منهم مطهرة وفي نسخة: أداوة: فقال: ردوها، فإن هؤلاء قوم ضماد. (¬1) روى أبو نعيم بسنده عن عبد الرحمن العدوي قال: قال ضماد: قدمت مكة معتمرًا، فجلست مجلسا فيه أبو جهل، وعتبة بن ربيعة، وأمية بن خلف، فقال أبو جهل: هذا الرجل الذي فرق جماعتنا، وسفه أحلامنا، وأضل من مات منا، وعاب آلهتنا، فقال أمية: الرجل مجنون غير شك، قال ضماد: فوقعت في نفسي كلمته، وقلت: إني رجل أعالج من الريح، فقمت من ذلك المجلس، وأطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم أصادفه ذلك اليوم، حتى كان الغد، فجئته فوجدته جالسًا خلف المقام يصلي، فجلست حتى فرغ، ثم جلست إليه ¬

_ (¬1) رواه مسلم في صحيحه. (قاموس) قاموس البحر: معظمه ووسطه. (سرية) السرية: طائفة من الجيش ينفذون في طلب العدو، ليلًا. (مطهرة) المطهرة: والإداوة: السطحية.

فقلت: يا ابن عبد المطلب، فأقبل علي، فقال: "ما تشاء؟ " فقلت: إني أعالج من الريح، فإن أحببت عالجتك، ولا تكبرن ما بك، فقد عالجت من كان به أشد مما بك فبرئ، وسمعت قومك يذكرون فيك خصالًا سيئة من تسفيه أحلامهم، وتفريق جماعتهم، وتضليل من مات منهم, وعيب آلهتهم، فقلت: ما فعل هذا إلا رجل به جنة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الحمد لله أحمده وأستعينه، وأومن به، وأتوكل عليه، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله)، قال ضماد: فسمعت كلامًا لم أسمع كلامًا قط أحسن منه، فاستعدته الكلام، فأعاد علي، فقلت: إلام تدعو؟ قال: (إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له، وتخلع الأوثان من رقبتك، وتشهد أني رسول الله)، فقلت: فماذا، لي إن فعلت؟ قال: (لك الجنة) قلت: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأخلع الأوثان من رقبتي، وأبرأ منها، وأشهد أنك عبد الله ورسوله، فأقمت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى علمت سورا كثيرة من القرآن , ثم رجعت إلى قومي، قال عبد الله بن عبد الرحمن العدوي: فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب في سرية وأصابوا عشرين بعيرا. بموضع، واستاقوها، وبلغ علي بن أبي طالب أنهم قوم ضماد، فقال: ردوها إليهم فردت (1). ¬

_ (1) دلائل أبي نعيم: ج1/ 306.

زواجه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من سودة بنت زمعة

زواجه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من سودة بنت زمعة حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن بشر قال حدثنا محمد بن عمرو قال ثنا أبو سلمة ويحيى قالا لما هلكت خديجة جاءت خوله بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون قالت: يا رسول الله، ألا تزوج، قال: من؟ قالت: إن شئت بكرًا وإن شئت ثيبًا، قال: فمن البكر؟ قالت: ابنة أحب خلق الله -عَزَّ وَجَلَّ- إليك، عائشة بنت أبى بكر، قال: ومن الثيب؟ قالت: سودة ابنة زمعة قد آمنت بك واتبعتك على ما تقول، قال: فاذهبي فاذكريهما علي، فدخلت بيت أبي بكر، فقالت: يا أم رومان، ماذا أدخل الله -عَزَّ وَجَلَّ- عليكم من الخير والبركة؟ قالت: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخطب عليه عائشة، قالت: انتظري أبا بكر حتى يأتي، فجاء أبو بكر فقالت: يا أبا بكر ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة؟ قال: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخطب عليه عائشة، قال: وهل تصلح له، إنما هي ابنة أخيه، فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت له ذلك، قال: ارجعي إليه فقولي له أنا أخوك وأنت أخي في الإسلام وابنتك تصلح لي، فرجعت فذكرت ذلك له، قال: انتظري وخرج، قالت أم رومان: إن مطعم بن عدي قد كان ذكرها على ابنه، فوالله ما وعد وعدًا قط فأخلفه لأبي بكر، فدخل أبو بكر على مطعم بن عدي وعنده امرأته أم الفتى، فقالت: يا ابن أبي قحافة لعلك مصب صاحبنا مدخله في دينك الذي أنت عليه ان تزوج إليك، قال أبو بكر للمطعم بن عدي: أقول هذه تقول، قال: إنها تقول ذلك، فخرج من عنده وقد أذهب الله -عَزَّ وَجَلَّ- ما كان في نفسه من عدته التي وعده، فرجع فقال لخولة: ادعي لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدعته فزوجها إياه وعائشة يومئذ بنت ست سنين ثم خرجت، فدخلت على سودة بنت زمعة، فقالت: ماذا أدخل الله -عَزَّ وَجَلَّ- عليك من الخير والبركة؟ قالت: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخطبك عليه، قالت: وددت ادخلي إلى أبي فاذكري ذاك له، وكان شيخًا كبيرًا قد أدركه السن قد تخلف عن الحج، فدخلت عليه فحييته بتحية الجاهلية فقال: من هذه؟ فقالت: خوله بنت حكيم، قال: فما شأنك؟ قالت: أرسلني محمد بن عبد الله

أخطب عليه سودة، قال: كفء كريم، ماذا تقول صاحبتك؟ قالت: تحب ذاك، قال: ادعها لي، فدعيتها، قال: أي بنيه إن هذه تزعم أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب قد أرسل يخطبك، وهو كفء كريم، أتحبين أن أزوجك به؟ قالت: نعم، قال: ادعيه لي، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليه فزوجها إياه، فجاءها أخوها عبد بن زمعة من الحج فجعل يحثي في رأسه التراب، فقال بعد أن أسلم: لعمرك إني لسفيه يوم أحثي في رأسي التراب أن تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سودة بنت زمعة، قالت عائشة: فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحرث بن الخزرج في السنح، قالت: فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل بيتنا واجتمع إليه رجال من الأنصار ونساء فجاءتني أمي وإني لفي أرجوحة بين عذقين ترجح بي، فأنزلتني من الأرجوحة ولي جميمة ففرقتها ومسحت وجهي بشيء من ماء، ثم أقبلت تقودني حتى وقفت بي عند الباب وإني لأنهج حتى سكن من نفسي ثم دخلت بي فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس على سرير في بيتنا وعنده رجال ونساء من الأنصار فأجلستني في حجره، ثم قالت: هؤلاء أهلك فبارك الله لك فيهم وبارك لهم فيك فوثب الرجال والنساء فخرجوا وبنى بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتنا ما نحرت علي جزور ولا ذبحت علي شاة حتى أرسل إلينا سعد بن عبادة بجفنة كان يرسل بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دار إلى نسائه وأنا يومئذ بنت تسع سنين. (¬1) عن ابن عباس -رضي الله عنه-، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب امرأة من قومه يقال لها: سودة -وكانت مصبية (كان) لها خمسة صبية أو ستة من بعل مات- فقال (لها) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما يمنعك مني؟ " قالت: والله يا رسول الله ما يمنعني منك أن لا تكون أحب البرية إلي، ولكن أكرمك أن يضغوا هؤلاء (الصبية) عند رأسك بكرة وعشية، قال: "فهل منعك من شيء غير ذلك؟ " قالت: لا والله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يرحمك الله إن خير نساء ركبن أعجاز الإبل صالح نساء قريش، أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على بعل بذات يده". (¬2) ¬

_ (¬1) رواه الإمام أحمد في مسنده. (¬2) رواه أحمد وأبو يعلى والطبرانيُّ، وفيه: شهر بن حوشب وهو ثقة وفيه كلام، وبقية رجاله ثقات.

الإسراء والمعراج

الإسراء والمعراج قال الله سبحانه وتعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}. (¬1) عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: فرج عني سقف بيتي، وأنا بمكة، فنزل جبريل، ففرج صدري، ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانًا، فأفرغه في صدري، ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي، فعرج بي إلى السماء، فلما جئت إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء افتح، قال: من هذا؟ قال: هذا جبريل، قال: هل معك أحد؟ قال: نعم، معي محمَّد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فقال: أرسل إليه؟ قال: نعم، فلما فتح، علونا السماء الدنيا إذا رجل قاعد على يمينه أسودة، وعلى يساره أسودة, إذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله، بكى، فقال: مرحبًا بالنبي الصالح، والابن الصالح قلت لجبريل: من هذا؟ قال: هذا آدم وهذه الأسودة عن يمينه وشماله نسم بنيه، فأهل اليمين منهم أهل الجنة، والأسودة التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى حتى عرج بي إلى السماء الثانية، فقال لخازنها: افتح، فقال له خازنها مثل ما قال الأول، قال أنس: فذكر أنه وجد في السماوات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم، ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه ذكر أنه وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السماء السادسة. قال ابن شهاب: فأخبرني ابن حزم (¬2) أن ابن عباس وأبا حبَّة الأنصاري كانا يقولان: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام، قال ابن حزم وأنس بن مالك: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ¬

_ (¬1) سورة الإسراء رقم 1. (¬2) هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم, قال الحافظ: وروايته عن أبي حبة منقطعة لأن أبا حبة استشهد بأحد قبل مولد أبي بكر بدهر.

وسلم: ففرض الله على أمتي خمسين صلاة، قال: فرجعت بذلك حتى مررت على موسى، فقال: ما فرض الله لك على أمتك؟ قلت: فرض خمسين صلاة، قال: فارجع إلى ربك، فإن أمتك لا تطيق، فراجعني، فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى، فقلت: وضع شطرها، فقال: راجع ربك، فإن أمتك لا تطيق، فراجعت، فوضع شطرها، فرجعت إليه، فقال: ارجع إلى ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعته، فقال: هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي، فرجعت إلى موسى، فقال: راجع ربك، فقلت: استحييت من ربي، ثم انطلق بي حتى انتهى بي إلى السدرة المنتهى، وغشيها ألوان لا أدري ما هي، ثم أدخلت الجنة، فإذا فيها حبائل اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك. (¬1) وعن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة أن نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به، قال: بينما أنا في الحطيم وربما قال في الحجر مضطجعا إذ أتاني آتٍ، فقد قال: وسمعته يقول: فشق ما بين هذه إلى هذه، فقلت للجارود -وهو إلى جنبي-: ما يعني به؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته، وسمعته يقول: من قصه إلى شعرته، فاستخرج قلبي، ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا، فغسل قلبي، ثم حُشِيَ، ثم أعيد، ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض، فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة؟ قال أنس: نعم يضع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال جبريل: قيل: ومن معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبًا به فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت، فإذا فيها آدم، فقال: هذا أبوك آدم، فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد السلام، ثم قال: مرحبًا بالابن الصالح، والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمَّد، قيل: ¬

_ (¬1) هنا حدث متفق على صحته، أخرجه مسلمٌ عن حرملة بن يحيى، عن ابن وهب، عن يونس، وقال (فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ يريد: قباب اللؤلؤ) والجنابذ: جمع الجنبذة، وهي القبة، ولم يعرف الخطابي الحبائل والأسودة: جمع سواد وهو شخص الإنسان. البخاري 1/ 392 في الصلاة: باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء، ومسلمٌ (163) في الإيمان: باب الإسراء.

وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبًا به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت إذا يحيى وعيسى، وهما ابنا خالة، قال: هذا يحيى وعيسى، فسلم عليهما، فسلمت، فردا، ثم قالا: مرحبا بالأخ الصالح، والنبي الصالح، ثم صعد بي إلى السماء، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت إذا يوسف، قال: هذا يوسف، فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد، ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح، والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمَّد، قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت، فإذا إدريس، قال: هذا إدريس، فسلم، عليه، فسلمت عليه، فرد، ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: من معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما، خلصت، فإذا هارون قال هذا هارون: فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد، ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح، والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى أتي السماء السادسة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمَّد، قيل: قد أرسل إليه؟ قال: نعم، قال: مرحبا به، فنعم المجيء جاء فلما خلصت فإذا موسى، قال: هذا موسى، فسلم عليه، فسلمت عليه، ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح، والنبي الصالح، فلما تجاوزت، بكى، قيل له: ما يبكيك؛ قال: أبكي لأن غلامًا بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممّن يدخلها من أمتي، ثم صعد بي إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، قيل من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قال: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، فلما خلصت، فإذا إبراهيم، قال: هذا أبوك إبراهيم، فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد السلام ثم قال: مرحبا بالابن الصالح، والنبي الصالح، ثم رفعت إلى سدرة المنتهى، فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، قال: هذا سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار: نهران باطنان، ونهران ظاهران، فقلت: ما هذان يا جبريل؟ قال: أما

الباطنان، فنهران في الجنة وأما الظاهران، فالنيل والفرات، ثم رفع لي بيت المعمور، ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن، وإناء من عسل، فأخذت اللبن، فقال: هي الفطرة أنت عليها وأمتك، ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم، فرجعت، فمررت على موسى، فقال: بم أمرت؟ قال: أمرت بخمسين صلاة كل يوم، قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم وإني والله لقد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك، فسله التخفيف لأمتك، فرجعت، فوضع عني عشرًا، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت، فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت، فأمرت بعشر صلوات كل يوم، فقال مثله، فرجعت، فأمرت بخمس صلوات كل يوم، فرجعت إلى موسى، فقال: بم أمرت؟ قلت أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم، وإني قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك، فسله التخفيف لأمتك قال: سألت ربي حتى استحييت، ولكني أرضى وأسلم، قال: فلما جاوزت نادى مناد: أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي. (¬1) روى مسلم بسنده عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: (أتيت بالبراق -وهو دابة أبيض طويل، فوق الحمار ودون البغل- يضع حافره عند منتهى طرفه قال: فركبته حتى أتيت بيت المقدس، قال: فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء، قال: ثم دخلت المسجد، فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت، فجاءني جبريل بإناء من الخمر وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل: اخترت الفطرة قال: ثم عرج بنا إلى السماء، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد بعث إليه؟ ففتح لنا، فإذا أنا بآدم، فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، ¬

_ (¬1) هذا حدث متفق على صحته أخرجه مسلم والبخاري.

قيل: ومن معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بابني الخالة عيسى بن مريم، ويحيى بن زكريا، فرحبا [بي]، ودعوا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بيوسف إذا هو قد أعطي شطر الحسن، قال: فرحب بي، ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه؟ ففتح لنا، فإذا أنا بإدريس، فرحب بي ودعا لي بخير، قال الله -عَزَّ وجَلَّ-: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا}. (¬1) ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بهارون، فرحب ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء السادسة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بموسى -عليه السلام-، فرحب، ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم -عليه السلام-، مسندًا ظهره إلى البيت المعمور، فإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه، ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى، فإذا أوراقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال، قال: فلما غشيها من أمر الله -عَزَّ وجَلَّ- ما غشي تغيرت، فما أحد من خلق الله تعالى يستطيع أن ينعتها من حسنها، فأوحى [الله] إلى ما أوحى، ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فنزلت إلى موسى، فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة، قال: ارجع إلى ربك، فاسأله التخفيف، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فإني قد بلوت ببني إسرائيل وخبرتهم، قال: فرجعت إلى ربي، فقلت: يا رب، خفف عن أمتي، فحط عني خمسًا، فرجعت إلى موسى، فقلت: حط عني خمسًا، فقال: إن أمتك لا يطيقون ذلك، فارجع إلى ربك، ¬

_ (¬1) سورة مريم آية رقم 57

فاسأله التخفيف، قال: فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى -عليه السلام-، حتى قال: يا محمَّد، إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة، بكل صلاة عشر، فذلك خمسون صلاة، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت عشرًا، ومن هم بسيئة ولم يعملها لم تكتب شيئًا، فإن عملها كتبت سيئة واحدة، قال: فنزلت فانتهيت إلى موسى فأخبرته، فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه). عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: (أتيت بالبراق، فركبت خلف جبريل -عليه السلام-، فسار بنا، إذا ارتفع ارتفعت رجلاه، وإذا هبط ارتفعت يداه. قال: فسار بنا في أرض غمة منتنة، حتى أفضينا إلى أرض فيحاء طيبة، فقلت: يا جبريل! إنا كنا نسير في أرض غمة منتنة، ثم أفضينا إلى أرض فيحاء طيبة؟ قال: تلك أرض النار، وهذه أرض الجنة. قال: فأتيت على رجل قائم يصلي، فقال: من هذا معك يا جبريل؟ قال: هذا أخوك محمَّد. فرحب بي ودعا لي بالبركة، وقال: سل لأمتك اليسر. فقلت: من هذا يا جبريل؟ فقال: هذا أخوك عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام. قال: فسرنا، فسمعت صوتا وتذمرًا، فأتينا على رجل فقال: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أخوك محمَّد. فرحب بي ودعا لي بالبركة، وقال: سل لأمتك اليسر. فقلت: من هذا يا جبريل؟ فقال: هذا أخوك موسى. قلت: على من كان تذمره وصوته؟ قال: على ربه. قلت: على ربه؟! قال: نعم، قد عرف ذلك من حدته. قال: ثم سرنا، فرأينا مصابيح وضوءًا. قال: قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذه شجرة أبيك إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أتدنو منها؟ قلت: نعم. فدنونا، فرحب بي ودعا لي بالبركة.

ثم مضينا حتى أتينا بيت المقدس، فربطت الدابة بالحلقة التي يربط بها الأنبياء، ثم دخلت المسجد، فنشرت لي الأنبياء: من سمى الله -عَزَّ وَجَلَّ- منهم ومن لم يسم، فصليت بهم، إلا هؤلاء النفر الثلاثة: إبراهيم، وموسى، وعيسى عليهم الصلاة والسلام). (¬1) عن عبد الله بن حوالة -رضي الله عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم رأيت ليلة أسري بي عمودًا أبيض كأنه لؤلؤ تحمله الملائكة قلت ما تحملون قالوا نحمل عمود الإِسلام أمرنا أن نضعه بالشام. (¬2) عن الزهري، قال: قال سعيد بن المسيب: إن أبا قتادة بن ربعي أخبره، أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: (قال الله -عَزَّ وجَلَّ-: افترضت على أمتك خمس صلوات، وعهدت عندي عهدًا إنّه من حافظ عليهن لوقتهن أدخلته الجنة، ومن لم يحافظ عليهن، فلا عهد له عندي). (¬3). عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: (ليلة أسري بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم دخل الجنة فسمع في جانبها خشفًا. فقال: يا جبريل من هذا؟ فقال: هذا بلال المؤذن. فأتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الناس فقال: قد أفلح بلال رأيت له كذا وكذا. قال: ولقيه موسى فرحب به فقال: مرحبا بالنبي الأمي قال: وهو رجل آدم طوال سبط شعره مع أذنيه أو فوقهما. فقال: يا جبريل من هذا؟ فقال: هذا موسى -عليه السلام-، ثم مضى، فلقيه رجل فرحب به. فقال: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا عيسى -عليه السلام-، ثم مضى، فلقيه شيخ جليل مهيب، فرحب به وسلم عليه. وكلهم يسلم عليه. فقال: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا أبوك إبراهيم -عليه السلام-. قال: فنظر في النار فإذا قوم يأكلون الجيف. قال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس. قال: ورأى رجلًا أزرق جعدًا شعثًا إذا رأيته قال: من هذا يا جبريل؟ قال: ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم (4/ 606) ورواه البزار، والطبرانيُّ في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. (¬2) أخرجه الربعي في فضائل الشام وقال الألباني إسنادُهُ صحيحٌ. (¬3) حسن - صحيح أبي داود 455، الصحيحة 4033.

هذا عاقر الناقة. قال: فلما أن دخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم المسجد الأقصى قام يصلي، ثم التفت فإذا النبيون أجمعون يصلون معه، فلما انصرف جيء بقدحين أحدهما عن اليمين والآخر عن الشمال في أحدهما لبن وفي الآخر عسل فأخذ اللبن فشربه. فقال الذي معه القدح: أصبت الفطرة. (¬1) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (حين أسري بي لقيت موسى -عليه السلام- فنعته النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- فإذا رجل -حسبته قال- مضطرب. رجل الرأس. كأنه من رجال شنوءة. قال ولقيت عيسى (فنعته النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) فإذا ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس) (يعني حمامًا) قال، ورأيت إبراهيم صلوات الله عليه. وأنا أشبه ولده به. قال، فأتيت بإناءين أحدهما لبن وفي الآخر خمر. فقيل لي: خذ أيهما شئت. فأخذت اللبن فشربته. فقال: هديت الفطرة. أو أصبت الفطرة. أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك. (¬2) عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (لقيت إبراهيم ليلة أسري بي، فقال: يا محمَّد: أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر). (¬3) عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (مررت ليلة أسري بي بالملأ الأعلى، وجبريل كالحلس البالي من خشية الله تعالى). (¬4) ¬

_ (¬1) رواه أحمد في مسنده (1/ 257) وقال الألباني حديث صحيح وقال ابن كثير في تفسير إسناده صحيح ولم يخرجوه. (¬2) أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ. (¬3) حسن التعليق الترغيب 2/ 245 و 256، الكلم الطب 15/ 6، الصحيحة 106. (¬4) الأحاديث الصحيحة 2289، السنة 821.

عن أبي حذيفة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل، يضع حافره عند منتهى طرفه فلم نزايل ظهره أنا وجبريل حتى أتيت بيت المقدس، ففتحت لي أبواب السماء، ورأيت الجنة والنار. (¬1) عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (أتيت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاهم. بمقاريض من نار، كلما قرضت وفت، فقلت يا جبريل من هؤلاء؟ قال: خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون، ويقرؤون كتاب الله ولا يعملون به. (¬2) عن أنس -رضي الله عنه- قال: أتي النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ليلة أسري به بالبراق مسرجًا، ملجمًا فاستصعب عليه، فقال له جبريل: أبمحمد تفعل هذا؟ فما ركبك أحد أكرم على الله منه، قال: فارفض البراق عرقًا. (¬3) لما كانت الليلة التي أسري بي فيها وجدت رائحة طيبة، فقلت: ما هذه الرائحة الطيبة يا جبريل؟ قال: هذه رائحة ماشطة بنت فرعون وأولادها، قلت: ما شأنها؟ قال: بينا هي تمشط بنت فرعون، إذ سقط المشط من يدها، فقالت: بسم الله، قالت بنت فرعون: أبى؟ فقالت: لا, ولكن ربي ورب أبيك؛ الله، قالت: وإن لك ربًا غير أبي؟ قالت: نعم فأعلمته بذلك، فدعا بها فقال: يا فلانه ألك رب غيري؟ قالت: نعم، ربي وربك الله الذي في السماء، فأمر ببقرة من نحاس فأحميت، ثم أخذ أولادها يلقون فيها واحدًا واحدًا، فقالت: إن لي إليك حاجة، قال: وما هي؟ قالت: أحب أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد فتدفنا جميعًا، قال: ذلك لك بما لك علينا من الحق، فلم يزل أولادها يلقون في البقرة حتى انتهى إلى ابن لها رضيع، فكأنها تقاعست من أجله، فقال لها: يا أمه ¬

_ (¬1) حسن (حتم، ع، حب، ك، والضياء) عن حذيفة. الصحيحة 874. (¬2) حسن (هب) عن أنس. الاقتضاء 111. (¬3) أخرجه أحمد 3/ 164 والترمذيُّ (3130). قال الألباني صحيح، الإسناد.

اقتحمي، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، ثم ألقيت مع ولدها، فكان هذا من الأربعة الذين تكلموا وهم صبيان. (¬1) عن محمَّد بن إسحاق، حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ذكر سدرة المنتهى فقال: (يسير في ظل الفنن الراكب مائة سنة) أو قال: (يستظل في ظل الفنن منها مائة راكب) شك يحيى (فيها فراش الذهب كأنما ثمرها القلال). (¬2) عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله: صحبه وسلم: (لما عرج بي ربي -عَزَّ وجَلَّ- مررت بقوم لهم أظفار من نحاس، يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم). (¬3) عن ابن عباس -رضي الله عنه-، أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: (ما مررت ليلة أسري بي بملاء من الملائكة، إلا كلهم يقول لي: عليك، يا محمَّد! بالحجامة). (¬4) عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (ما مررت ليلة أسري بي بملاء، إلا قالوا: يا محمَّد! مر أمتك بالحجامة). (¬5) روى أحمد بسنده عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (رأيت ليلة أسرى بي موسى رجلًا آدم طوالًا جعدًا، كأنه من ¬

_ (¬1) الحديث رواه ابن عباس رواه أحمد والبزار والطبرانيُّ في الكبير والأوسط وأخرجه الحاكم ووافقه الذهبي وصححه أحمد شاكر .. (¬2) هذا حديثٌ حسنٌ، ويونس هو ابن بكير، والحديث أخرجه الترمذي (ج7 ص349) وقال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريب. لكن ليس عند الترمذيُّ تصريح سماع ابن إسحاق. (¬3) صحيح (حم، د) عن أنس الصحيحة 533. (¬4) صحيح - الصحيحة 3263، الشكاة 4544. (¬5) صحيح - الصحيحة، المشكاة أيضًا.

رجال شنوءة، ورأيت عيسى رجلًا مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض، سبط الرأس، ورأيت مالكًا خازن النار والدجال). (¬1) عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: (أتيت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره. (¬2) أخبرنا أبو مصعب، قال: حدثنا مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال: أسري برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فرأى عفريتًا من الجن، يطلبه بشعلة من نار، كلما التفت النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم رآه، فقال جبريل: ألا معلمك كلمات تقولهن، إذا قلتهن طفئت شعلته، وخر لفيه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: بلى قال جبريل: قل: أعوذ بوجه الله الكريم، وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، من شر ما ينزل من السماء وشر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرئ في الأرض وشر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن طوارق الليل، إلا طارق يطرق بخير، يا رحمان. (¬3) روى مسلم بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى، وهي في السماء السادسة، إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض، فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها، فيقبض منها، قال {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} قال: فراش من ذهب، قال: فأعطي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ثلاثًا: أعطي الصلوات الخمس، وأعطى خواتم سورة البقرة، ¬

_ (¬1) (صحيح) (حم , ق) عن ابن عباس. (¬2) أخرجه مسلمٌ والنسائيُّ. (¬3) هذا الحديث مرسل له حكم الرفع وله شواهد كثيرة انظر تخريج الألباني سلسلة الأحاديث الصحيحة المجلد السادس حديث رقم 2738.

رؤية النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم جبريل (عليه السلام) في صورته

وغفر لمن لا يشرك بالله من أمته شيئًا المقحمات. (¬1) لقيت ليلة أسرى بي إبراهيم وموسى وعيسى، فتذاكروا أمر الساعة، فردوا أمرهم إلى إبراهيم، فقال: لا علم لي بها، فردرا الأمر إلى موسى، فقال: لا علم لي بها، فردوا الأمر إلى عيسى، فقال أما وجبتها فلا يعلم بها أحد إلا الله، وفيما عهد إلي ربي: أن الدجال خارج ومعي قضيبان، فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص، فيهلكه الله إذا رآني، حتى إن الحجر والشجر: ليقول يا مسلم إن تحتي كافرًا فتعال فاقتله، فيهلكهم الله ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم، فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} فيطؤون بلادهم، لا يأتون على شيء إلا أهلكوه، ولا يمرون على ماء إلا شربوه ثم يرجع الناس إليَّ، فيشكونهم، فأدعو الله عليهم، فيهلكهم ويميتهم حتى تجوي الأرض من نتن ريحهم، فينزل الله المطر، فيجترف أجسادهم، حتى يقذفهم في البحر, ثم تنسف الجبال، وتمد الأرض مد الأديم، ففيما عهد إلي ربي: أن ذلك إذا كان كذلك فإن الساعة كالحامل المتم، لا يدري أهلها من تفجؤهم بولادتها ليلًا أو نهارًا. (¬2) رؤية النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم جبريل (عليه السلام) في صورته روى بسنده عن عبد الله -رضي الله عنه-: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} قال: رأى رفرفًا أخضر سد أفق السماء. روى أحمد بسنده عن ابن مسعود أنه قال في هذه الآية: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}، قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (رأيت جبريل عند سدرة المنتهى، ¬

_ (¬1) هذا الحديث صحيح. أخرجه مسلمٌ (173) في الإيمان. المقحمات: أراد الذنوب العظام التي تقحم أصحابها في النار, أي: تلقهم فيها، والقحم: الأمور الشاقة، وقوله سبحانه وتعالى: {هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ} [ص: 59] أي: داخل معكم النار. (¬2) (حم, 5، ك- عن ابن مسعود). قال أحمد شاكر إسنادُهُ صحيحٌ.

عليه ستمائة جناح ينثر من ريشه التهاويل والدر والياقوت). (¬1) روح أحمد بسنده عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (رأيت جبريل على السدرة المنتهى، وله ستمائة جناح (قال: سألت عاصمًا عن الأجنحة، فأبى أن يخبرني، قال: فأخبرني بعض أصحابه الجناح ما بين المشرق والمغرب. (¬2) روى أحمد بسنده عن ابن مسعود أنه قال: إن محمدًا لم ير جبريل في صورته إلا مرتين، أما مرة فإنه سأله أن يريه نفسه في صورته، فأراه صورته فسد الأفق، وأما الأخرى فإنه صعد معه حين صعد به، وقوله: {وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}. قال: فلما أحس جبريل ربه عاد في صورته وسجد، فقوله: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}. قال: خلق جبريل عليه السلام. (¬3) روى ابن جرير بسنده عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} قال جبريل في وبر رجليه كالدر مثل القطر على البقل. (¬4) روى أبي نعيم بسنده عن شريح بن عبيد قال: لما صعد النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى السماء فأوحى الله إلى عبده ما أوحى، فخر جبريل ساجدًا حتى قضى الله إلى عبده ما قضى، ثم رفع رأسه فرأيته في خلقته التي خلق عليها منظوم أجنحته بالزبرجد واللؤلؤ والياقوت، فخيل لي أن ما بين عينيه قد سد الأفق، وكنت لا أراه قبل ¬

_ (¬1) ج 1/ 412. (¬2) ج 1/ 407. (¬3) رواه أحمد ج 1/ 407. (¬4) ابن جرير (27/ 51) وصححه الألباني.

هل رأى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ربه ليلة أسرى به

ذلك إلا على صور مختلفة , وأكثر ما كنت أراه على صورة دحية الكلبي, وكنت أحيانًا لا أراه قبل ذلك , إلا كما يرى الرجل صاحبه من وراء الغربال. (¬1) أخبرنا روح ابن عبادة, نا حماد بن سلمة , عن عطاء بن السائب, عن الشعبي , عن مسروق, عن عائشة, عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: (رأيت رأيت جبريل قد هبط فملأ ما بين الخافقين عليه ثياب سندس معلق فيه اللؤلؤ والياقوت). (¬2) عن عبد الرحمن يقول: (أخبرني جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول: ثم فتر عني الوحي, فبينما أنا أمشي سمعت صوتًا من السماء , فرفعت بصري إلى السماء, فإذا الملك جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض). (¬3) هل رأى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ربه ليلة أسرى به حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة, حدثنا وكيع عن يزيد بن إبراهيم, عن قتادة , عن عبد الله بن شقيق, عن أبي ذر, قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم هل رأيت ربك؟ قال: (نور أنى أراه). (¬4) روى البخاري ومسلمٌ بسنديهما عن عبد الله بن شقيق, قال: قلت لأبي ذر: لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لسألته. فقال: عن أي شيء كنت تسأله؟ قال: كنت أسأله هل رأيت ربك؟ قال أبو ذر: قد سألت فقال: (رأيت نورًا). (¬5) ¬

_ (¬1) دلائل أبي نعيم: ج1/ 288. (¬2) الحلة من رفوف هي الثياب السندس وهو الديباج الرقيق الحسن الصنعة مزين بالدر واللؤلؤ والياقوت ولون الثوب أخضر. (¬3) رواه البخاري. كان هذا بجياد في سنوات الفترة. (¬4) أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ. (¬5) أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ.

أعطاه الله الكوثر

حديث عائشة. عن مسروق قال: قلت لعائشة -رضي الله عنها- يا أمتاه هل رأى محمَّد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ربه؛ فقالت لقد قف شعري مما قلت، أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب: من حدثك أن محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}، وما كان لبشرٍ أن يكلمه الله إلا وحيًا أو من وراء حجاب- ومن حدثك أنه يعلم ما في غدٍ فقد كذب، ثم قرأت {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} ومن حدثك أنه كتم فقد كذب، ثم قرأت {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} الآية ولكنه رأى جبريل -عليه السلام- في صورته مرتين. (¬1) حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت من زعم أن محمدًا رأى ربه فقد أعظم، ولكن قد رأى جبريل في صورته، وخلقه ساد ما بين الأفق. (¬2) حدثنا يحيى بن آدم حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله في قوله: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم جبريل في حلة من رفرف، قد ملأ ما بين السماء والأرض. (¬3) قالت: أنا والله أول من سأل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن هذا، قال: (إنما ذلك جبريل، ما رأيته في الصورة التي خلق فيها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطًا من السماء سادًا عظم خلقه ما بين السماء والأرض). (¬4) أعطاه الله الكوثر روى الترمذيُّ بسنده عن أنس -رضي الله عنه- في قوله: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} أن النبي ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في: 65 - كتاب التفسير: 53 - سورة والنجم: 1 - باب حدثنا يحيى حدثنا وكيع. (¬2) أخرجه البخاريُّ في: 59 - كتاب بدء الخلق: 7 - باب إذا قال أحدكم أمين والملائكة في السماء. (¬3) أخرجه الطيالسي 3/ 23 برقم 1975 والترمذيُّ 4/ 190 وقال حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. (¬4) متفق عليه. هذه النزلة الأولى كانت في جياد أولى المبعث.

صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: (هو نهر في الجنة حافتاه قباب عن لؤلؤ، فقلت: يا جبريل، ما هذا؟ قال: هو الكوثر الذي أعطاكه الله (تبارك وتعالى)، (ورفعت لي سدرة (المنتهى)، منتهاها في السماء السابعة). (¬1) روى البخاري بسنده عن أنس -رضي الله عنه-، لما عرج بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى السماء قال: (أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ مجوفًا، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر). (¬2) روى البخاري بسنده عن أبي عبيدة عن عائشة -رضي الله عنها-، قال: سألتها عن قوله تعالى {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}، قالت: نهر أعطيه نبيكم - صلى الله عليه وسلم - شاطئاه عليه در مجوف، آنيته كعدد النجوم. روى البخاري بسنده عن شريك بن عبد الله أنه قال: سمعت ابن مالك يقول: فذكر الحديث وفيه قال: ثم عرج به إلى السماء الدنيا وذكر الحديث إلى أن قال: ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب يده فإذا هو مسك، قال: (ما هذا يا جبريل؟) قال: هذا الكوثر الذي خبأ لك ربُكَ، ثم عرج إلى السماء الثانية. (¬3) روى أبو داود بسنده عن أنس بن مالك قال: لما عرج بنبي الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في الجنة، أو كما قال، عرض له نهر حافتاه الياقوت المجيب، أو قال: المجوف، فضرب الملك الذي معه يده، فاستخرج مسكًا، فقال محمَّد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم للملك الذي معه: (ما هذا؟) قال: هذا الكوثر الذي أعطاك الله -عَزَّ وجَلَّ-. (¬4) روى الترمذيُّ بسنده عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله ¬

_ (¬1) صحيح أخرجه الترمذيُّ في جامعه رقم 3359. (¬2) رواه البخاري ج 6/ 219 كتاب التفسير سورة {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}. (¬3) ج 9/ 183 كتاب التوحيد باب قوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}. (¬4) أبو داود 5/ 111 كتاب السنة باب في الحوض ح 4748.

قريش تسأل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن مسراه

وصحبه وسلم: (الكوثر نهر في الجنة، حافتاه من ذهب، ومجراه على الدر والياقوت، تربته أطيب من المسك، وماؤه أحلى من العسل، وأبيض من الثلج. (¬1) روى أحمد بسنده عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: (بينما أنا أسير في الجنة، وإذا أنا بنهر حافتاه قباب الدر، قال: قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك -عَزَّ وجَلَّ-، قال: فضربت بيدي فإذا طينه مسك أذفر). (¬2) قريش تسأل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن مسراه روى الإمام أحمد بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (لما كان ليلة أسري بي: أصبحت بمكة، فظعت بأمري؛ وعرفت أن الناس مكذبي، فقعدت معتزلًا حزينًا، قال: فمر عدو الله، أبو جهل، فجاء حتى جلس إليه فقال له كالمستهزئ: هل كان من شيء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (نعم) قال: ما هو؟ قال: (إنه أسري بي الليلة) قال: إلى أين؟ قال: (إلى بيت المقدس) قال: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: (نعم) قال: فلم ير أنه يكذبه مخافة أن يجحده الحديث إذا دعا قومه إليه قال: أرأيت إن دعوت قومك تحدثهم ما حدثتني. فقال رسول الله صلى الله عليه: على آله وصحبه وسلم: (نعم) فقال: هيا معشر بني كعب بن لؤي قال: فانتفضت إليه المجالس وجاءوا حتى جلسوا إليهما قال: حدث قومك بما حدثتني فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (إني أسري بي الليلة) قالوا: إلى أين؟ قلت: (إلى بيت المقدس) قالوا: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: (نعم) قال: فمن بين مصفق، ومن بين واضع يده على رأسه متعجبًا للكذب زعم قالوا: وهل ¬

_ (¬1) رواه الترمذيُّ 5/ 450 كتاب تفسير القرآن باب ومن سورة الكوثر ح 3361. (¬2) مسند الإمام أحمد ج 3/ 289.

تستطع أن تنعت لنا المسجد وفي القوم من قد سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (فذهبت أنعت فما زلت أنعت حتى التبس علي بعض النعت، قال فجيء بالمسجد وأنا أنظر حتى وضع دون دار عقال أو عقيل، فنعته وأنا أنظر إليه، قال وكان مع هذا نعت لم أحفظه: فقال القوم: أما النعت فوالله لقد أصاب. (¬1) عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: أسري بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى بيت المقدس ثم جاء من ليلته فحدثهم بمسيره، وبعلامة بيت المقدس، وبعيرهم قال: قال: أناس نحن لا نصدق محمدًا فارتدوا كفارًا، فضرب الله أعناقهم مع أبي جهل، قال: وقال أبو جهل: يخوفنا محمَّد بشجرة الزقوم؟ هاتوا تمرًا وزبدًا تزقموا. قال: ورأي الدجال في صورته رؤيا عين ليس رؤيا منام وعيسى بن مريم وإبراهيم .. قال: فسئل النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن الدجال فقال: (رأيته فيلمانيًا أقمر هجانًا إحدى عينيه قائمة كأنها كوكب دري، كأن شعره أغصان شجرة. ورأيت عيسى شابًا أبيض جعد الرأس، حديد البصر، مبطن الخلق. ورأيت موسى أسحم، آدم، كثير الشعر شديد الخلق. ورأيت إبراهيم فلا انظر إلي إرب من آرابه إلا نظرت إليه كأنه صاحبكم). قال: (وقال لي جبريل: سلم على أبيك، فسلمت عليه). (¬2) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (لقد رأيتني في الحجر. وقريش تسألني عن مسرائي، فسألوني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربًا، ما كربت مثله قط. فرفعه الله لي، أنظر إليه. فما سألوني عن شيء إلا أتيتهم به، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، وإذا موسى -عليه السلام- قائم يصلي، فإذا رجل ضرب، (جعد)، كأنه من رجال شنوءة. وإذا عيسى قائم يصلي، أقرب الناس به شبهًا: عروة بن مسعود الثقفي. وإذا إبراهيم قائم يصلي، أشبه ¬

_ (¬1) هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. (¬2) أخرجه أحمد 1/ 374.

إمامة جبريل (عليه السلام) لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عند فرض الصلوات الخمس

الناس به: صاحبكم يعني نفسه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فحانت الصلاة، وأممتهم. فلما فرغت من الصلاة، قال لي قائل: يا محمَّد: هذا مالك، صاحب النار، فسلم عليه. فالتفت إلي فبدأني بالسلام. (¬1) روى الحاكم بسنده عن عائشة -رضي الله عنها-، قالت: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، إلى المسجد الأقصى أصبح يتحدث الناس بذلك، فارتد ناس ممّن كانوا آمنوا به وصدقوه، وسعوا بذلك إلى أبي بكر -رضي الله عنه-، فقالوا: هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس. قال: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم. قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق، قالوا: أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال: نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحه. فلذلك سمي أبو بكر الصديق. عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: (لما كذبتني قريش قمت في الحجر فجلى الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه). (¬2) عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ}. قال: هي رؤيا عين أريها النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ليلة أسري به إلى بيت المقدس {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ}. قال: هي شجرة الزقوم. إمامة جبريل (عليه السلام) لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عند فرض الصلوات الخمس حدثنا أحمد بن يوسف، قال ثنا عبد الرزاق، قالا ثنا سفيان عن عبد الرحمن بن ¬

_ (¬1) أخرجه مسلمٌ في صحيحه. (¬2) المستدرك ج 3/ 62.

الحارث, قال ثني حكيم بن حكيم، عن نافع بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (أمّني جبريل -عليه السلام- عند البيت، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس فكانت بقدر الشراك، ثم صلى بي العصر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم صلى بي المغرب حين أفطر الصائم، ثم صلى بي العشاء حين غاب الشفق، ثم صلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم، ثم صلى بي الغد الظهر حين كان ظل كل شيء مثله، ثم صلى بي العصر حين كان ظل كل شيء مثليه، ثم صلى بي المغرب حين أفطر الصائم لوقت واحد، ثم صلى بي العشاء إلى ثلث الليل الأول، ثم صلى بي الفجر فأسفر بها، ثم التفت إلي فقال: يا محمد، هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذين الوقتين). (¬1) ¬

_ (¬1) رواهما أيضًا أحمد وأبو داود والترمذيُّ وحسنه، وابن حبان وابن خزيمة وصححاه، والشافعيُّ والحاكم وقال صحيح الإسناد، والبيهقيُّ وعبد الرزاق.

صعود النبي (صلى الله عليه وسلم) في المعراج إلى السماء

صعود النبي (صلى الله عليه وسلم) في المعراج إلى السماء قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم، عن أبي سعيد الخدري، -رضي الله عنه-، أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لما فرغت مما كان في بيت المقدس، أُتِيَ بالمعراج، ولم أر شيئاً قط أحسن منه، وهو الذي يمد إليه ميتكم عينيه إذا حُضِرَ، فأصعدني صاحبي فيه، حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء". أخبرنا محمد بن عمر بأسانيده فذكر الحديث وفيه: أتاه جبريل وميكائيل فقالا: انطلق إلى ما سألت الله، فانطقا به إلى ما بين المقام وزمزم، فأتي بالمعراج فإذا هو أحسن شيء منظرًا، فعرجا به إلى السماوات سماءً سماءً، فلقي فيها الأنبياء. (¬1) روى بسنده عن أبي سعيد الخدري فذكر الحديث وفيه قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ثم دخلت أنا وجبريل -عليه السلام- بيت المقدس فصلى كل واحد منا ركعتين، ثم أتيت بالمعراج الذي تعرج عليه أرواح بني آدم فلم ير الخلائق أحسن من المعراج، ما رأيتم الميت حين يشق بصره طامحًا إلى السماء فإنما يشق بصره طامحًا إلى السماء عجبًا بالمعراج"، قال: "فصعدت أنا وجبريل ... ". (¬2) فائدة عظيمة قال الحافظ ابن كثير: "والحق أنه عليه الصلاة والسلام أسري به يقظة لا منامًا من مكة إلى بيت المقدس راكبًا البراق. فلما انتهى إلى باب المسجد ربط الدابة عند الباب ودخله، فصلى في قبلته، تحية المسجد ركعتين، ثم أتي بالمعراج، وهو كالسلم ذو درجٍ، يرقى فيها، فصعد فيه إلى السماء الدنيا ثم إلى بقية السماوات السبع فتلقاه من كل سماء مقربوها وسلم على الأنبياء الذين في السماوات بحسب منازلهم ودرجاتهم، حتى مر بموسى الكليم في السادسة، وإبراهيم الخليل في السابعة (¬3)، ثم جاوز منزلتيهما, صلى الله عليه وسلم وعليهما وعلى سائر الأنبياء، حتى انتهى إلى مستوى يسمع فيه ¬

_ (¬1) ابن سعد: ج 1/ 213. (¬2) دلائل البيهقي: ج 2/ 391. (¬3) قلت وآدم في السماء الأولى ويحيى وعيسى في الثانية ويوسف في الثالثة وإدريس في الرابعة وهارون في الخامسة.

صريف الأقلام، أي: أقلام القدر بما هو كائن. ورأى سدرة المنتهى وغشيها من أمر الله تعالى عظمة عظيمة من فراش من ذهب وألوان متعددةٍ، وغشيتها الملائكة. ورأى هناك جبريل على صورته وله ستمائة جناح. ورأى رفرفًا أخضر قد سد الأفق. ورأى البيت المعمور، وإبراهيم الخليل باني الكعبة الأرضية مسند ظهره إليه؛ لأن الكعبة السماوية يدخله كل يوم سبعون ألفًا من الملائكة، يتعبدون فيه ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة. ورأى الجنة والنار، وفرض الله عليه هنالك الصلوات خمسين، ثم خففها إلى خمس، رحمة منه ولطفًا بعباده، وفي هذا اعتناء عظيم بشرف الصلاة وعظمتها. ثم هبط إلى بيت المقدس، وهبط معه الأنبياء، فصلى بهم فيه لما حانت الصلاة. ويحتمل أنها الصبح من يومئذ، ومن الناس من يزعم أنه أمهم في السماء، والذي تظاهرت به الروايات أنه ببيت المقدس، ولكن في بعضها أنه كان أول دخوله إليه. والظاهر أنه بعد رجوعه إليه؛ لأنه لما مر بهم في منازلهم جعل يسأل عنهم جبريل واحدًا واحدًا، وهو يخبره بهم، وهذا هو اللائق؛ لأنه كان أولًا مطلوبًا إلى الجناب العلويِّ؛ ليفرض عليه وعلى أمته ما يشاء الله تعالى، ثم لما فرغ من الذي أريد به، اجتمع هو وإخوانه من النبيين، ثم أظهر شرفه وفضله عليهم بتقديمه في الإمامة، وذلك عن إشارة جبريل -عليه السلام- له في ذلك. ثم خرج من بيت المقدس فركب البراق، وعاد إلى مكة بغلس. والله سبحانه وتعالى أعلم. وأما عرض الآنية عليه من اللبن والعسل، أو اللبن والخمر، أو اللبن والماء، أو الجميع؛ فقد ورد أنه في بيت المقدس، وجاء أنه في السماء، ومحتمل أنه ها هنا وها هنا؛ لأنه كالضيافة للقادم، والله أعلم". (¬1) ¬

_ (¬1) تفسير ابن كثير (5/ 39 - 40).

الجن

استراق الجن للسمع قال ابن إسحاق بسنده عن عبد الله بن عباس، عن نفر من الأنصار، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لهم. "ما كنتم تقولون في هذا النجم الذي يرمي به؟ " قالوا: يا نبي الله، كنا نقول حين رأيناها يُرمى بها: مات ملكٌ، مُلِّكَ مَلِكٌ , وُلِد مولودٌ، مات مولودٌ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس ذلك كذلك، ولكن الله، تبارك وتعالى، كان إذا قضى في خلقه أمرًا سمعه حملة العرش، فسبحوا فسبح من تحتهم، فسبح لتسبيحهم من تحت ذلك، فلا يزال التسبيح، يهبط حتى ينتهي إلي السماء الدنيا فيسبحوا، ثم يقول بعضهم لبعض: مم سبَّحتم؟ فيقولون: سبح من فرقنا فسبحنا لتسبيحهم، فيقولون: ألا تسألون من فوقكم مم سبَّحوا، فيقولون مثل ذلك، حتى ينتهوا إلى حملة العرش، فيقال لهم: مم سبَّحتُم؟ فيقولون: قضى الله في خلقه كذا وكذا، للأمر الذي كان، فيهبط به الخبر من سماء إلى سماء، حتى ينتهي إلى السَّماءِ الدنيا، فيتحدثوا به، فتسرقه الشياطين بالسمع على توهم واختلاف، ثم يأتُوا به الكهان من أهل الأرض فيحدثوهم به، فيخطئون ويصيبون، فيتحدث به الكهان فيصيبون بعضًا ويخطئون بعضاً، ثم إن الله -عَزَّ وجَلَّ- حجب الشياطين بهذه النجوم التي يقذفون بها، فانقطعت الكهانة اليوم، فلا كهانةَ". روى البيهقي عن ابن عباس قال: لم تكن سماء الدنيا تحرس في الفترة بين عيسى ومحمَّد - صلى الله عليه وسلم - وكانوا يقعدون منها مقاعد للسمع، فلما بعث الله، -عَزَّ وجَلَّ- محمدًا - صلى الله عليه وسلم - حرست السماء حرسًا شديدًا، ورجمت الشياطين، فأنكروا ذلك، فقالوا: لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض أم أراد ربهم رَشَدًا. فقال إبليس: لقد حدث في الأرض حدث فاجتمعت إليه الجن، فقال: تفرقوا في الأرض فأخبروني ما هذا الخبر الذي حدث في السماء وكان أول بعثٍ بعث ركبٌ في أهل نصيبين وهم أشراف الجن وسادتهم فبعثهم إلى تهامة فاندفعوا حتى بلغوا الوادي، وادي نخلة، فوجدوا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي صلاة الغداة ببطن نخلة فاستمعوا فلما سمعوه يتلو القرآن، قالوا: أنصتوا ولم يكن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - علم أنهم استمعوا إليه وهو يقرأ القرآن

جنود إبليس يبعثون في الأرض

فلما قضي، يقول فلما فرغ من الصلاة، ولُّوا إلى قومهم منذرين يقول: مؤمنين (¬1) روى الترمذيُّ بسنده عن ابن عباس قال: كان الجن يصعدون إلى السماء يسمعون الوحي، فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعًا، فأما الكلمة فتكون حقاً، وأما ما زاد فيكون باطلًا، فلما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منعوا مقاعدهم، فذكروا ذلك لإبليس ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك، فقال لهم إبليس: ما هذا إلا من أمر قد حدث في أرض، فبعث جنوده، فوجدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائمًا يصلي بين جبلين أراه قال: بمكة، فأتوه، فأخبروه، فقال: هذا الذي حدث في الأرض (¬2). جنود إبليس يبعثون في الأرض روى أبي نعيم بسنده عن أبي هريرة لما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصبح كل صنم منكسًا فأتت الشياطين إبليس فقالت له: ما على الأرض من صنم إلا وقد أصبح منكسًا، قال: هذا نبي قد بعث فالتمسوه في قرى الأرياف، فالتمسوه، فقالوا: لم نجده، قال: أنا صاحبه، فخرج يلتمسه فنودي عليك بحبة القلب -يعني مكة- فالتمسه بها فوجده عند قرن الثعالب، فخرج إلى الشياطين فقال: قد وجدته معه جبريل، عليه السلام، فما عندكم؟ قالوا: نزين الشهرات في أعين أصحابه، ونحببها إليهم قال: فلا شيء إذن (¬3). وروى أبي نعيم بسنده عن عبد الله ابن عمرو قال: لما كان اليوم الذي تنبأ فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منعت الشياطين السماء، ورميت بالشهب، فجاؤوا إلى إبليس فذكروا ذلك، فقال أمر قد حدث، هذا نبي قد خرج عليكم بالأرض المقدسة مخرج بني إسرائيل، قال: فذهبوا إلى الشام ثم رجعوا إليه فقالوا: ليس بها أحد، فقال إبليس: أنا صاحبه فخرج في طلبه بمكة، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحراء منحدرًا، معه جبريل، -عليه السلام-، فرجع إلى أصحابه فقال: قد بعث أحمد ومعه جبريل فما عندكم؟ قالوا: الدنيا نحببها إلى الناس، قال: فذلك إذن (¬4). ¬

_ (¬1) دلائل النبوة للبيهقي: ج 2/ 241. (¬2) الترمذيُّ: ج 5/ 427 كتاب تفسير القرآن باب سورة الجن ح3324. (¬3) دلائل أبي نعيم: ج 1/ 294. (¬4) دلائل أبي نعيم: ج 1/ 295.

وروى أبي نعيم بسنده عن أنس بن مالك، -رضي الله عنه-، قال: إن إبليس ما بين قدميه إلى كعبيه مسيرة كذا وكذا، وإن عرشه لعلى البحر، ولو ظهر للناس لعبد، قال: فلما بعث الله -عَزَّ وجَلَّ- محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وهو يجمع بكيده، فانقض عليه جبريل، -عليه السلام-، فدفعه بمنكبه فألقاه بوادي الأردن (¬1). وروى أبي نعيم بسنده عن سفيان الهذلي قال: خرجنا في عير لنا إلى الشام، فلما كنا بين الزرقاء ومعان قد عرسنا من الليل، فإذا بفارس يقول وهو بين السماء والأرض: أيها النيام هبوا، فليس هذا حين رقاد، قد خرج أحمد، وقد طردت الجن كل مطرد، ففزعنا ونحن رفقة حزاوِرَةٌ، كلهم قد سمع بهذا، فرجعنا إلى أهلنا، فإذا هم يذكرون اختلافًا بمكة بين قريش ونبي خرج فيهم من بني عبد المطلب اسمه أحمد (¬2). عن تميم الداري قال: كنت بالشام حين بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرجت إلى بعض حاجتي، فأدركني الليل، فقلت: أنا في جوار عظيم هذا الوادي، فلما أخذت مضجعي إذا مناد ينادي لا أراه: عذ بالله، فإن الجن لا تجير أحدًا على الله تعالى. فقلت: أيم تقول؟ فقال: قد خرج رسول الأميِّين، رسول الله، وصلينا خلفه بالحَجُونِ، وأسلمنا واتبعناه، وذهب كيد الجن، ورميت بالشهب، فانطلق إلى محمد فأسلم (¬3). ¬

_ (¬1) دلائل أبي نعيم: ج 1/ 297. (¬2) دلائل أبي نعيم: ج 1/ 133. (¬3) عيون الأثر: ج 1/ 68.

أول وفود الجن والرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عامدا إلى عكاظ

أول وفود الجن والرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عامدًا إلى عكاظ عن ابن عباس قال: ما قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ على الجن ولا رآهم، انطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، في طائفة من أصحابه، عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب، فقالوا: ما حال بيننا وبين خبر السماء إلا من حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، قال: فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها يبتغون ما هذا الذي حال بينهم وبين خبر السماء، فانصرف أولئك النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بنخلة عامدًا إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء، قال: فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا إنا سمعنا قرأنا عجبا يهدي إلى الرشد فأمنا به ولن نشرك بربنا أحدًا. فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} (¬1) وإنما أوحي إليه قول الجن (¬2). عن ابن عباس قال: قول الجن لقومهم: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} (¬3) قال: لما رأوه يصلي وأصحابه يصلون كصلاته ويسجدون بسجوده قال: تعجبوا من طواعية أصحابه له قالوا لقومهم: لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدًا. ¬

_ (¬1) سورة الجن - آية 1. (¬2) البخاري ج 6/ 199. (¬3) سورة الجن - آية 19.

سورة الجن

سورة الجن {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7) وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9) وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10) وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (12) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15) وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19)}

ليلة الجن واستماعهم للقرآن وإيذان الشجرة لهم

ليلة الجن واستماعهم للقرآن وإيذان الشجرة لهم أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن معن بن عبد الرحمن قال: سمعت أبي قال: سألت مسروقًا، من آذن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجن ليلة استمعوا القرآن، فقال: حدثني أبوك -يعني عبد الله بن مسعود- أنه آذنت بهم شجرة. استماع الجن للقرآن في نخلة حدثنا أبو علي الحافظ أبا عبدان الأهوازي ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو أحمد الزبيري ثنا سفيان عن عاصم عن زر عن عبد الله قال هبطوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة فلما سمعوه قالوا انصتوا قالوا صه وكانوا سبعة أحدهم زوبعة فأنزل الله -عَزَّ وجَلَّ- {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا} الآية إلى ضلال مبين (¬1). {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32)} أخبرني أحمد بن محمد العنبري ثنا عثمان بن سعيد ثنا عبد الله بن صالح ثنا معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير عن أبي ثعلبة الخشني -رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الجن ثلاث أصناف صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء وصنف حيات وكلاب وصنف يحلون ويظعنون (¬2). ¬

_ (¬1) صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (¬2) أخرجه الحاكم في المستدرك ج 2/ 456 وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

ليلة الجن في المرة الأولى

ليلة الجن في المرة الأولى أخرج الإمام مسلم (¬1) في صحيح وأبو عوانة (¬2) الإسفرائيني وأبو داود (¬3) الطيالسي في مسنديهما عن عامر، قال: سألت علقمة: هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الجن. قال، فقال علقمة: أنا سألت ابن مسعود فقلت هل شهد أحد منكم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليله الجن؟ قال: لا ولكنا فقدناه ونحن بمكة ذات ليلة فالتمسناه في الأودية والشعب فقلنا: أستطير أو اغتيل قال: فبتنا بشر ليله بات بها قوم فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء قال. قلنا: يا رسول الله. فقدناك فطلبناك فلم نجدك. فبتنا بشر ليلة بات بها قوم فقال: أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن". قال: فانطلق بنا فأرانا آثار نيرانهم. وسألوه الزاد فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما وكل بعرة علف لدوابكم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم". روى البخاري بسنده عن أبي هريرة -رضي الله عنه- "أنه كان يحمل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إداوة لوضوئه وحاجته. فبينما هو يتبعه بها فقال: من هذا؟ فقال: أنا أبو هريرة. فقال: أبغني أحجارًا استنقض بها, ولا تأتني بعظم ولا بروثة. فأتيته بأحجار أحملها في طرف ثوبي حتى وضعت إلى جنبه ثم انصرفت، حتى إذا فرغ مشيت معه فقلت: ما بال العظم والروثة؟ قال: هما من طعام الجن، وإنه أتاني وفد جن نصيبين -ونعم الجن- فسألوني الزاد، فدعوت الله لهم أن لا يمروا بعظم ولا بروثة إلا وجدوا عليها طعمًا" (¬4) ¬

_ (¬1) صحيح مسلم ج1 ص4332 - كتاب الصلاة حديث رقم 150. (¬2) مسند أبي عوانة ج1 ص 218، 219 باب لا تستنجوا بالعظام ولا البعر. (¬3) مسند الطيالسي ص 27 حديث رقم 281. (¬4) رواه البخاري في الفتح برقم 3860.

ليلة الجن في المرة الثانية

روى الترمذيُّ بسنده عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "لقد قرأتها -يعني سورة الرحمن- على الجن ليلة الجن، فكانوا أحسن مردودًا منكم, كنت كلما أتيت على قوله {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} قالوا: ولا بشيءٍ من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد" (¬1). ليلة الجن في المرة الثانية أخرج الترمذيُّ في جامعه قال: حدثنا محمَّد بن بشار أخبرنا محمَّد بن أبي عدي عن جعفر بن ميمون عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي عثمان عن ابن مسعود قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء ثم انصرف فأخذ بيد عبد الله بن مسعود حتى خرج به إلى بطحاء مكة، فأجلسه ثم خط عليه خطًا، ثم قال: لا تبرحن خطك فإنه سينتهي إليك رجال فلا تكلمهم فإنهم لن يكلموك ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث أراد، فبينا أنا جالس في خطي إذ أتاني رجال كأنهم الزط أشعارهم وأجسامهم لا أرى عروة ولا أرى قشرة وينتهون إليّ ولا يجاوزون الخط، ثم يصدرون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كان في آخر الليل، لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جاءني وأنا جالس فقال: لقد آذاني هؤلاء منذ الليلة، ثم دخل عليّ في خطي فتوسد فخذي ورقد، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رقد نفخ، فبينا أنا قاعد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوسد فخذي إذا أنا برجال عليهم ثياب بيض الله أعلم ما بهم من الجمال، فانتهوا إليّ، فجلس طائفة منهم عند رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطائفة منهم عند رجليه، ثم قالوا بينهم: ما رأينا عبدًا قط أوتي مثل ما أوتي هذا النبي - صلى الله عليه وسلم -، إن عينيه تنامان وقلبه يقظان، اضربوا له مثلًا: مثل سيد بنى قصرًا ثم جعل مائدة فدعا الناس إلى طعامه وشرابه، فمن أجابه أكل من طعامه وشرب من شرابه، ومن لم يجبه عاقبه أو قال: عذبه ثم ارتفعوا واستيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك. فقال: سمعت ما قال هؤلاء، وهل تدري من هم؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: هم الملائكة، فتدري ما المثل الذي ضربوه؟ قلت: ¬

_ (¬1) الصحيحة: 2150 قال الألباني حديثٌ حسنٌ.

الله ورسوله أعلم، قال: المثل الذي ضربوه، الرحمن بنى الجنة ودعا إليها عباده فمن أجابه دخل الجنة ومن لم يجبه عاقبه أو عذبه وقال عقبة: هنا حديثٌ حسنٌ غريب صحيح من هذا الوجه. (¬1) ¬

_ (¬1) انظر تفصيل ذلك في تفسير ابن كثير 4/ 166. قلت هذه المرة الثانية التي تقابل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مع الجن ومعه ابن مسعود. مجيء الجن إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم: كانت البداية: عندما سمعوا القرآن يتلى في صلاة الفجر في نخله وهو عامد إلى سوق عكاظ وذلك في شهر شوال من العام العاشر للبعثة الموافق لعام 3 ق. هـ 630 م/ 631 م/ ذكر ذلك ابن سعد 1/ 212 في الطبقات. أما عن المرة الأولى: عندما قابلوه بجهة حراء ولم يكن معه أحد من الصحابة رضوان الله عليهم وذلك في شهر ربيع الأول من العام الحادي عشر للبعثة الموافق لعام 2 ق. هـ 631 م/ 632 م/ ذكر ذلك الواقدي ونقله السيوطي في الدر المنثور 7/ 453. والمرة الثانية: عندما قابلوه في الحجون وكان معه عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- ويحتمل أن ذلك كان في العام الثاني عشر للبعثة الموافق 1ق. هـ لعام 632 م/ 633 م.

بيعة العقبة الأولى

بيعة العقبة الأولى نص البيعة: قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن أبي حبيب، عن أبي مرثد بن عبد الله اليزني، عن عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي، عن عبادة ابن الصامت، قال: كنت فيمن حضر العقبة الأولى، وكنا اثنى عشر رجلًا، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على بيعة النساء، وذلك قبل أن تفترض الحرب، على أن لا نشرك بالله شيئاً، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا, ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا, ولا نعصيه في معروف. فإن وفيتم فلكم الجنة. وإن غشيتم من ذلك شيئًا فأمركم إلى الله -عَزَّ وجَلَّ- إن شاء عذب وإن شاء غفر. (¬1) قال ابن إسحاق: وذكر ابن شهاب الزهري عن عائذ الله بن عبد الله الخولاني أبي إدريس أن عبادة بن الصامت حدثه أنه قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ليلة العقبة الأولى على أن لا نشرك بالله شيئًا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا, ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا, ولا نعصيه في معروف، فإن وفيتم فلكم الجنة، وإن غشيتم من ذلك فأخذتم بحده في الدنيا، فهو كفارة له، وإن سترتم عليه إلى يوم القيامة فأمركم إلى الله -عَزَّ وجَلَّ- إن شاء عذب وإن شاء غفر. حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا الحكم بن نافع أبو اليمان ثنا إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عثمان بن خيثم حدثني إسماعيل بن عبيد الأنصاري فذكر الحديث (¬2) فقال عبادة (يعني ابن الصامت -رضي الله عنه-) لأبي هريرة يا أبا هريرة إنك لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، إنا بايعناه على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى النفقة في اليسر والعسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى أن نقول في الله ¬

_ (¬1) أخرجه البخاريُّ في مناقب الأنصار (4/ 25) باب وفود الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بمكة وبيعة العقبة. (¬2) رواه الإمام أحمد 5/ 325 وابنه في زوان السنن 5/ 329 صحيح ابن ماجه (866). كان هذا الحدث في السنة الثانية عشر للبعثة في العاشر من رجب.

أسماء الاثنى عشر رجلا الذين أسلموا في العقبة الأولى

تبارك وتعالى ولا نخاف لومة لائم فيه وعلى أن ننصر النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إذا قدم علينا يثرب فنمنعه مما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا ولنا الجنة، فهذه بيعة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم التي بايعنا عليها فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما بايع عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وفى الله تبارك وتعالى بما بايع عليه نبيه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أسماء الاثنى عشر رجلًا الذين أسلموا في العقبة الأولى 1 - أسعد بن زراره. 2 - عوف بن الحارث بن رفاعه. 3 - معاذ بن الحارث بن رفاعه. 4 - رافع بن مالك بن العجلان. 5 - ذكوان بن عبد قيس. 6 - عبادة بن الصامت. 7 - أبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبه البلوي. 8 - العباس بن عبادة بن نضله. 9 - عقبة بن عامر بن نابي. 15 - قطبة بن عامر بن حديده. 11 - أبو الهيثم بن التيهان. 12 - عويم بن ساعده. إسلام سعد بن معاذ وأسيد بن حضير على يد مصعب بن عمير (رضي الله عنهم) قال ابن إسحاق: وحدثني عبيد الله بن المغيرة بن معيقب، وعبد الله بن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو ابن حزم: أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير يريد به دار بني عبد الأشهل

ودار بني ظفر، وكان سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس ابن زيد بن عبد الأشهل ابن خاله أسعد بن زرارة، فدخل به حائطًا من حوائط بني ظفر. (¬1) قال ابن هشام: واسم ظفر: كعب بن الحارث بن الخزرج بن عمرو ابن مالك بن الأوس- قالا: على بئر يقال لها: بئر مرق فجلسا في الحائط، واجتمع إليهما رجال ممّن أسلم وسعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، يومئذ سيدا قومهما من بني عبد الأشهل، وكلاهما مشرك على دين قومه، فلما سمعا به قال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير: لا أبا لك، انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارينا ليسفها ضعفاءنا، فازجرهما وانههما عن أن يأتيا دارينا، فإنه لولا أن أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتك ذلك، هو ابن خالتي، ولا أجد عليه مقدمًا، قال فأخذ أسيد بن حضير حربته ثم أقبل إليهما؛ فلما رآه أسعد بن زرارة، قال لمصعب بن عمير: هذا سيد قومه قد جاءك، فاصدق الله فيه؛ قال مصعب: إن يجلس أكلمه. قال فوقف عليهما متشتمًا، فقال: ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة؛ فقال له مصعب: أوتجلس فتسمع، فإن رضيت أمرًا قبلته، وإن كرهته كف عنك ما تكره؟ قال: أنصفت، ثم ركز حربته وجلس إليهما، فكلمه مصعب بالإِسلام، وقرأ عليه القرآن، فقالا: فيما يذكر عنهما: والله لعرفنا في وجهه الإِسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهله، ثم قال: ما أحسن هذا الكلام وأجمله! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قالا له: تغتسل فتطهر وتطهر ثوبيك، ثم تصلي. فقام فاغتسل وطهر ثوبيه، وتشهد شهادة الحق، ثم قام فركع ركعتين، ثم قال لهما: إن ورائي رجلًا إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه وسأرسله إليكما الآن، سعد بن معاذ، ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم، فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلًا، قال: أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم، فلما وقف على النادي قال له سعد: ما فعلت؟ قال: كلمت ¬

_ (¬1) الخضمات: من الخضم، وهو الأكل بالفم كله. والقضم بأطراف الأسنان. ويقال: هو أكل اليابس، والخضم: أكل الرطب، فكأنه سمع خضمه، وهي الماشية التي تخضم، فكأنه سمي بذاك لخصب كان فيه (الروض الأنف 3/ 196). تاريخ الإِسلام 293.

الرجلين، فوالله ما رأيت بهما بأسًا، وقد نهيتهما، فقالا: نفعل ما أحببت، وقد حدثت أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وذلك أنهم قد عرفوا أنه ابن خالتك، ليخفروك. (¬1) قال: فقام سعد مغضبًا مبادرًا، تخوفًا للذي ذكر له من بني حارثة، فأخذ الحربة من يده، ثم قال: والله ما أراك أغنيت شيئًا، ثم خرج إليهما، فلما رآهما سعد مطمئنين، عرف سعد أن أسيدًا إنما أراد منه أن يسمع منهما، فوقف عليهما متشتمًا، ثم قال لأسعد بن زرارة: يا أبا أمامة، أما والله، لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني، أتغشانا في دارينا بما نكره -وقد قال أسعد بن زرارة لمصعب بن عمير: أي مصعب جاءك والله سيد من وراءه من قومه، إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان- قال: فقال له مصعب: أوتقعد فتسمع، فإن رضيت أمرًا ورغبت فيه قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره؟ قال سعد: أنصفت. ثم ركز الحربة وجلس، فعرض عليه الإِسلام، وقرأ عليه القرآن، قالا: فعرفنا والله في وجهه الإِسلام قبل أن يتكلم، لإشراقه وتسهله، ثم قال لهما: كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين قالا: تغتسل فتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلي ركعتين، قال: فقام فاغتسل وطهر ثوبيه، وتشهد شهادة الحق، ثم ركع ركعتين، ثم أخذ حربته، فأقبل عامدًا إلى نادي قومه ومعه أسيد بن حضير. قال: فلما رأه قومه مقبلًا، قالوا: نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم، فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم قالوا: سيدنا وأفضلنا رأيًا، وأيمننا نقيبة قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم عليّ حرام حتى تؤمنوا بالله وبرسوله. قالا: فوالله ما أمسى دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلمًا ومسلمة، ورجع أسعد ومصعب إلى منزل أسعد بن زرارة، فأقام عنده يدعو الناس إلى الإِسلام، حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون، إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد، وخطمة، ووائل، وواقف، وتلك أوس الله، وهم من الأوس بن حارثة، ¬

_ (¬1) لينقضوا عهدك.

كتاب الأنصار إلى رسول الله طالبين معلما

وذلك أنه كان فيهم أبو قيس بن الأسلت، وهو صيفي، وكان شاعرًا لهم وقائدًا، يستمعون منه ويطيعونه، فوقف بهم عن الإِسلام، فلم يزل على ذلك حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى المدينة، ومضى بدر وأحد والخندق، وقال فيما رأى من الإِسلام، وما اختلف الناس فيه من أمره: أرب الناس أشياء ألمت ... يلف الصعب منها بالذلول أرب الناس أما إذ ضللنا ... فيسرنا لمعروف السبيل فلولا ربنا كنا يهودًا ... وما دين اليهود بذي شكول ولولاربنا كنا نصارى ... مع الرهبان في جبل الجليل ولكنا خلقنا إذ خلقنا ... حنيفًا ديننا عن كل جيل نسوق الهدى ترسف مذعنات ... مكشفه المناكب في الجلول كتاب الأنصار إلى رسول الله طالبين معلمًا لما انصرف أهل العقبة الأولى الإثنا عشر، وفشا الإِسلام في دور الأنصار، أرسلت الأنصار رجلًا إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وكتبت إليه كتابًا: (ابعث إلينا رجلًا يفقهنا في الدين ويقرئنا القرآن). فبعث إليهم رسول الله مصعب بن عمير. فكتب مصعب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يستأذنه أن يجمِّع لهم. بعث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مصعب بن عمير وابن أم مكتوم إلى المدينة يعلمان الأنصار القرآن عن البراء قال: أول من قدم علينا من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم، فجعلا يقرئاننا القرآن، ثم جاء عمار وبلال

وسعد، ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين، ثم جاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون: هذا رسول الله قد جاء، فما جاء حتى قرأت: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} في سور مثلها. (¬1) وفي رواية الطبراني: ثم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: أن ابعث إلينا رجلًا من قبلك يدعو الناس بكتاب الله، فإنه أدنى أن يتبع، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مصعب بن عمير أخا بني عبد الدار، فنزل في بني غنم على أسعد بن زرارة، فجعل يدعو الناس [سرًا]، ويفشو الإِسلام، ويكثر أهله، وهم في ذلك مستخفون بدعائهم، ثم إن أسعد بن زرارة أقبل هو ومصعب بن عمير حتى أتيا بئر مرق (¬2) أو قريبًا منها، فجلسوا هنالك، وبعثوا إلى رهط من أهل الأرض، فأتوهم مستخفين، فبينما مصعب بن عمير يحدثهم، ويقص عليهم القرآن، أخبر بهم سعد بن معاذ، فأتاهم في لأمته، ومعه الرمح، حتى وقف عليه، فقال: علام يأتينا في دورنا بهذا الوحيد الفريد الطريح الغريب يسفه ضعفاءنا بالباطل ويدعوهم [إليه]، لا أراكما بعد هذا بشيء من جوارنا، فرجعوا، ثم إنهم عادوا الثانية ببئر مرق أو قريبًا منها، فأخبر بهم سعد بن معاذ الثانية، فواعدهم بوعيدٍ دون الوعيد الأول، فلما رأى أسعد منه لينًا، قال: يا ابن خالة اسمع من قوله، فإن سمعت منه منكرًا، فاردده يا هذا منه، وإن سمعت خيرًا فأجب الله، فقال: ماذا يقول؟ فقرأ عليهم مصعب بن عمير {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} فقال سعد: وما أسمع إلا ما أعرف، فرجع وقد هداه الله تعالى، ولم يظهر أمر الإِسلام حتى رجع، فرجع إلى قومه، فدعا بني عبد الأشهل إلى الإِسلام، وأظهر إسلامه، وقال: من شك فيه من صغير أو كبير أو ذكر أو أنثى، فليأتنا بأهدى منه، نأخذ به، ¬

_ (¬1) هذا حديث صحيح رواه البخاري 8/ 537. قلت بعثه قبل الهجرة بعامين في شهر رجب بعد العقبة الثانية. (¬2) طرق التصحيح من كتاب المدينة وبين الماضي والحاضر للعياشي.

إقامة أول جمعة في الإسلام

فوالله لقد جاء أمر لتحزن فيه الرقاب، فأسلمت بنو عبد الأشهل عند إسلام سعد ودعائه، إلا من لا يذكر، فكانت أول دور من دور الأنصار أسلمت بأسرها. ثم إن بني النجار أخرجوا مصعب بن عمير واشتدوا على أسعد بن زرارة، فانتقل مصعب بن عمير إلى سعد بن معاذ، فلم يزل يدعو ويهدي [الله] على يديه حتى قل دار من دور الأنصار إلا أسلم فيها ناس لا محالة، وأسلم أشرافهم، وأسلم عمرو بن الجموح وكسرت أصنامهم فكان المسلمون أعز أهلها، وصلح أمرهم، ورجع مصعب بن عمير إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وكان يدعى المقرئ. (¬1) إقامة أول جمعة في الإِسلام أذن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بالجمعة قبل أن يهاجر، ولم يستطع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن يجمع بمكة، ولا يبدي لهم فكتب إلى مصعب بن عمير: (أما بعد: فانظر اليوم الذي تجهر فيه اليهود بالزبور لسبتهم، فاجمعوا نساءكم وأبناءكم. فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة، فتقربوا إلى الله بركعتين). أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري قال: ابعث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مصعب بن عمير بن هاشم إلى أهل المدينة ليقرئهم القرآن، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن يجمع بهم فأذن له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وليس يومئذٍ بأمير، ولكنه انطلق يعلم أهل المدينة، قال معمر: فكان الزهري يقول: حيث ما كان أمير فإنه يعظ أصحابه يوم الجمعة، ويصلي بهم ركعتين. أبو أمامه أسعد بن زراره يصلي أول جمعة في الإِسلام ¬

_ (¬1) رواه الطبراني مرسلًا، وفيه: ابن لهيعة، وفيه ضعف، وهو حسن الحديث، وبقية رجاله ثقات.

وحدثني عبد الملك بن محمَّد، عن زياد بن عبد الله، قال: قال ابن إسحاق: حدثني محمَّد بن أبي أمامة بن [سهل] ابن حنيف، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: كنت مع أبي كعب بن مالك حين ذهب بصره، وكنت إذا خرجت معه إلى الجمعة [فسمع] الأذان صلى [على] أبي أمامة أسعد بن زرارة، قال: فمكث على ذلك حينًا لا يسمع الأذان للجمعة إلا صلى عليه واستغفر له. قال: فقلت في نفسي: إن هذا يعجزني أن لا أسأله؟ ما له إذا سمع الأذان بالجمعة صلى على أبي أمامة أسعد بن زرارة؟ قال: فخرجت به يوم الجمعة كما كنا نخرج، فلما سمع الأذان بالجمعة صلى عليه، واستغفر له. قال: فقلت: يا أبه ما لك إذ سمعت الأذان بالجمعة صليت على أبي أمامة أسعد بن زرارة؟ فقال: أي بني، أول من جمع بنا بالمدينة في هزم من حرة بني بياضة، مكان يقال له: نقيع الخضمات. قال: قلت له: وكم كنتم يومئذ؟ قال: أربعون رجلًا. (¬1) ¬

_ (¬1) رواه ابن هشام في السيرة 2/ 77 والحاكم 3/ 187 عن طريق ابن إسحاق وإسناده حسن. نقيع الخضمات غرب مسجد الجمعة الذي في طريق قباء.

إسلام حواء بنت يزيد (رضي الله عنها)

إسلام حواء بنت يزيد (رضي الله عنها) روى بسنده عن عاصم بن قتادة قال: كانت حواء بنت يزيد بن السكن، عند قيس بن عبيد الخطيب، كذا قال وإنما هو ابن الخطيم بالمدينة، وكانت أمها عقرب بنت معاذ أخت سعد بن معاذ، فأسلمت حواء، فحسن إسلامها، وكان زوجها قيس على كفره، فكان يدخل عليها وهي تصلي، فيؤذيها، وكان لا يخفى على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بمكة أمر يكون بالمدينة إلا بلغه وأخبر به. قال قيس: فقدت مكة في رهط من مشركي قومي حجاجًا، فبينا نحن إذ جاء رجل يسأل عني فدل علي فأتاني فقال: (أنت قيس؟) قلت: نعم، قال: (زوج حواء؟) قلت: نعم، قال: (فمالك تعبث بامرأتك وتؤذيها على دينها؟) فقلت: إني لا أفعل، قال: (فلا تفعل ذلك بها، دعها لي)، قلت: نعم، فدما قدم قيس المدينة ذكر ذلك لامرأته وقال: فشأنك بدينك، فوالله ما رأيته إلا حسن الوجه حسن الهيئة. (¬1) ترحم ابن سعد لحواء فذكر خبر إسلامها إلى أن قال: ووافى قيس بن الخطيم ذا المجاز، سوقًا من أسواق مكة، فأتاه رسول الله فدعاه إلى الإِسلام وحرص عليه، فقال قيس: ما أحسن ما تدعو إليه! وإن الذي تدعو إليه لحسن، ولكن الحرب شغلتني عن هذا الحديث. وجعل رسول الله يلح عليه ويكنيه ويقول: (يا أبا يزيد أدعوك إلى الله). ويرد عليه قيس كلامه الأول، فقال رسول الله: (يا أبا يزيد إن صاحبتك حواء قد بلغني أنك تسيء صحبتها مذ فارقت دينك فاتق الله واحفظني فيها ولا تعرض لها)، قال: نعم وكرامة، أفعل ما أحببت لا أعرض لها إلا بخير وذكر الحديث بمعنى ما تقدم. (¬2) ¬

_ (¬1) دلائل البيهقي: ج 2/ 455. (¬2) ابن سعد: ج 8/ 323.

ذكر العقبة الآخرة وهم السبعون الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

ذكر العقبة الآخرة وهم السبعون الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم روى ابن سعد بأسانيده المتعددة، قالوا: لما حضر الحج مشى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أسلموا بعضهم إلى بعض يتواعدون المسير إلى الحج وموافاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والإِسلام يومئذ فاش بالمدينة، فخرجوا وهم سبعون يزيدون رجلًا أو رجلين في خمر الأوس والخزرج وهم خمسمائة، حتى قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة، فسلموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم وعدهم من وسط أيام التشريق ليلة النفر الأول إذا هدأت الرجل أن يوافوه في الشعب الأيمن إذا انحدروا من منى بأسفل العقبة حيث المسجد اليوم، وأمرهم أن لا ينبهوا نائما ولا ينتظروا غائبا، قال: فخرج القوم بعد هدأة يتسللون الرجل والرجلان وقد سبقهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك الموضع معه العباس بن عبد المطلب ليس معه أحد غيره، فكان أول من طلع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رافع بن مالك الزرقي، ثم توافى السبعون ومعهم امرأتان، قال أسعد بن زرارة: فكان أول من تكلم العباس بن عبد المطلب فقال: يا معشر الخزرج إنكم قد دعوتم محمدًا إلى ما دعوتموه إليه، ومحمَّد من أعز الناس في عشيرته، يمنعه والله منا من كان على قوله، ومن لم يكن منا على قوله يمنعه للحسب والشرف، وقد أبى محمد الناس كلهم غيركم، فإن كنتم أهل قوة وجلد وبصر بالحرب واستقلال بعداوة العرب قاطبة ترميكم عن قوس واحدة، فارتأوا رأيكم وأتمروا بينكم ولا تفترقوا إلا عن ملأٍ منكم واجتماع، فإن أحسن الحديث أصدقه، فقال البراء بن معرور: قد سمعنا ما قلت وإنا والله لو كان في أنفسنا غير ما تنطق به لقلناه، ولكنا نريد الوفاء والصدق وبذل مهج أنفسنا دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: وتلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهم القرآن ثم دعاهم إلى الله ورغبهم في الإِسلام وذكر الذي اجتمعوا له، فأجابه البراء بن معرور بالإيمان والتصديق ثم قال: يا رسول الله بايعنا فنحن أهل الحلقة ورثناها كابرًا عن كابر، ويقال إن أبا الهيثم بن التيهان كان أول من تكلم وأجاب إلى ما دعا إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصدقه، وقالوا: نقبله على مصيبة الأموال وقتل الأشراف، ولغطوا، فقال العباس بن عبد المطب: وهو أخذ بيد رسول الله صلى الله

عليه وسلم: أخفوا حرسكم فإن علينا عيونا، وقدموا ذوي أسنانكم، فيكونون هم الذين يلون كلامنا منكم، فإنا نخاف قومكم عليكم، ثم إذا بايعتم فتفرقوا إلى محالكم، فتكلم البراء ابن معرور فأجاب العباس بن عبد المطلب، ثم قال: ابسط يدك يا رسول الله، فكان أول من ضرب على يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، البراء بن معرور، ويقال أول من ضرب على يده أبو الهيثم بن التيهان، ويقال أسعد بن زرارة، ثم ضرب السبعون كلهم على يده وبايعوه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن موسى أخذ من بني إسرائيل اثني عشر نقيبا فلا يجدن منكم أحد في نفسه أن يؤخذ غيره، فإنما يختار لي جبريل، فلما تخيرهم قال للنقباء: أنتم كفلاء على غيركم ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم وأنا كفيل على قومي، قالوا: نعم، فلما بايع القوم وكملوا صاح الشيطان على العقبة بأبعد صوت سمع: يا أهل الأخاشب، هل لكم في محمَّد والصباة معه قد أجمعوا على حربكم؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: انفضوا إلى رحالكم، فقال العباس بن عبادة بن نضلة: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لئن أحببت لنميلن على أهل منى بأسيافنا، وما أحد عليه سيف تلك الليلة غيره، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنا لم نرمر بذلك فانفضوا إلى رحالكم، فتفرقوا إلى رحالهم، فلما أصبح القوم غدت عليهم جلة قريش وأشرافهم حتى دخلوا شعب الأنصار فقالوا: يا معشر الخزرج، إنه بلغنا أنكم لقيتم صاحبنا البارحة وواعدتموه أن تبايعوه على حربنا, وأيم الله ما حي من العرب أبغض إلينا أن تنشب بيننا وبينه الحرب منكم، قال: فانبعث من كان هناك من الخزرج من المشركين يحلفون لهم بالله ما كان هذا وما علمنا، وجعل ابن أبي يقول: هذا باطل وما كان هذا وما كان قومي ليفتأتوا علي بمثل هذا, ولو كنت بيثرب ما صنع هذا قومي حتى يؤامروني، فلما رجعت قريش من عندهم رحل البراء بن معرور فتقدم إلى بطن يأجج وتلاحق أصحابه من المسلمين، وجعلت قريش تطلبهم في كل وجه ولا تعدوا طرق المدينة، وحزبوا عليهم، فأدركوا سعد بن عبادة، فجعلوا يده إلى عنقه بنسعة وجعلوا يضربونه ويجرون شعره، وكان ذا جمة، حتى أدخلوه مكة، فجاءه مطعم بن عدي والحارث بن أمية بن عبد شمس فخلصاه من بين أيديهم، وأتمرت الأنصار حين فقدوا سعد بن عبادة أن يكروا إليه، فإذا سعد قد طلع عليهم، فرحل القوم جميعا إلى المدينة. (¬1) ¬

_ (¬1) ج 1/ 221.

شروط البيعة في العقبة الأخيرة

شروط البيعة في العقبة الأخيرة قال ابن إسحاق: وكانت بيعة الحرب، حين أذن الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - في القتال شروطًا سوى شرطه عليهم في العقبة الأولى، كانت الأولى على بيعة النساء وذلك أن الله تعالى لم يكن أذن لرسوله - صلى الله عليه وسلم - في الحرب، فلما أذن الله له فيها، وبايعهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العقبه الأخيرة على حرب الأحمر والأسود، أخذ لنفسه واشترط على القوم لربه، وجعل لهم على الوفاء بذلك الجنة. قال ابن إسحاق: فحدثني عبادة بن الوليد بن الصامت، عن أبيه الوليد، عن جده عبادة ابن الصامت، وكان أحد النقباء، قال: بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -بيعة الحرب وكان عبادة من الاثنى عشر الذين بايعوه في العقبة الأولى على بيعة النساء- على السمع والطاعة، في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم. الدعوة إلى الله بين الأنصار وتهيئتهم لملاقاة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن عبد الرحمن بن معبد بن كعب بن مالك حدثني أبي عن كعب قال: لما قدم اثنا عشر رجلا من العقبة وقد أمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يوافوه سبعون رجلا في العام المقبل أقمنا سنة يمشي أحدنا إلى صاحبه بالشسع والرحل والمطعم حتى وافاه سبعون رجلا. حديث أبو مسعود عقبة بن عمرو عن العقبة الآخرة (¬1) حدثنا عبيد بن غنام ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الرحيم بن سليمان عن مجالد عن عامر الشعبي عن عقبة بن عمرو أبي مسعود قال: وعدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أصل العقبة يوم الأضحى، ونحن سبعون رجلًا، قال عقبة: إني لأصغرهم سنا، فأتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أوجزوا في الخطبة فإني أخاف عليكم كفار قريش"، فقلنا ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في الكبير.

بيعة العقبة الآخرة

يا رسول الله، سلنا لربك وسلنا لنفسك وسلنا لأصحابك وأخبرنا ما لنا من الثواب على الله -عَزَّ وجَلَّ- وعليك، فقال: "أما الذي أسأل لربي تؤمنوا به ولا تشركوا به شيئًا، وأما الذي أسأل لنفسي فإني أسألكم أن تطيعوني أهدكم سبيل الرشاد، وأسألكم لي ولأصحابي أن تواسونا في ذات أيديكم، وأن تمنعونا مما منعتم منه أنفسكم، فإذا فعلتم ذلك فلكم على الله الجنة وعلي" قال: فمددنا أيدينا فبايعناه. (¬1) بيعة العقبة الآخرة قال الإمام أحمد، رحمه الله تعالى: ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن ابن خثيم، عن أبي الزبير، عن جابر قال: مكث رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة وفي المواسم بمنى يقول: "من يؤويني من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة". حتى إن الرجل ليرحل من مضر أو اليمن إلى ذي رحمه فيأتيه قومه فيقولون: احذر غلام قريش لا يفتنك ويمشي بين رحالهم يدعوهم إلى الله وهم يشيرون إليه بالأصابع حتى بعثنا الله إليه من يثرب فآويناه وصدقناه فيخرج الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإِسلام ثم ائتمروا جميعا فقلنا: حتى متى نترك رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يطرد في جبال مكة ويخاف، فرحل إليه منا سبعون رجلا، حتى قدموا عليه في الموسم فواعدناه شعب العقبة فاجتمعنا عليه من رجل ورجلين حتى توافينا فقلنا: يا رسول الله نبايعك؟ قال: "تبايعونني على السمع والطاعة في النشاط والكسل والنفقة في العسر واليسر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن تقولوا في الله لا تخافوا في الله لومة لائم وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة" قال: فقمنا إليه فبايعناه وأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو من أصغرهم فقال: رويدًا يا أهل يثرب فإنا لم نضرب أعناق الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم على الله وأما أنتم قوم تخافون من أنفسكم جبينة ¬

_ (¬1) رواه أحمد (4/ 120).

خطيب الأنصار أبو أمامة أسعد بن زرارة (رضي الله عنه) يوم العقبة

فبينوا ذلك فهو عذر لكم عند الله، قالوا: أمط عنا يا أسعد فوالله لا ندع هذه البيعة أبدا ولا نسلبها أبدا، قال: فقمنا إليه فبايعناه فأخذ علينا وشرط يعطينا على ذلك الجنة، رضي الله عنهم أجمعين. (¬1) خطيب الأنصار أبو أمامة أسعد بن زرارة (رضي الله عنه) يوم العقبة حدثنا محمَّد بن منصور الجواز قال: ثنا سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: ذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - وذهب معه بالعباس يوم العقبة فقال العباس: اعلموا (¬2) يا معشر الأنصار وأوجزوا فإن علينا عيونا، قال الشعبي: فخطب أبو أمامة أسعد بن زرارة ما خطب المرد ولا الشيب بمثلها قط، فقال: يا رسول الله اشترط لربك واشترط لنفسك واشترط لأصحابك، فقال: أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأهليكم وأشترط لأصحابي المواساة في ذات أيديكم، قالوا: هذا لك فما لنا؟ قال: الجنة، قال: ابسط يدك. (¬3) حديث العقبة كما رواه كعب بن مالك (رضي الله عنه) حدثنا عبد الملك بن محمَّد، عن زياد بن عبد الله قال: قال ابن إسحاق: فحدثني معبد بن كعب بن مالك أخو بن سلمة، أن (أخاه) عبيد الله بن كعب بن مالك -وكان من أعلم الأنصار- حدثه أن أباه كعب بن مالك، -وكان كعب ممّن شهد العقبة، وبايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فخرجنا في حجاج قومنا من المشركين، وقد فقهنا وصلينا، ومعنا البراء بن معرور -رضي الله عنه- سيدنا وكبيرنا، فلما وجهنا لسفرنا وخرجنا من المدينة، قال البراء بن معرور -رضي الله عنه-: يا هؤلاء إني قد رأيت رأيًا، والله ما أدري أتوافقونني عليه أم لا؟ فقلنا: ما هو؟ قال: تصلون إلى الكعبة! قال: قلنا: ما أمرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم -، نصلي إلا إلى الشام. وما نريد أن نخالفه. قال: إني لمصل إليها. قال: قلنا: لا تفعل. قال: فكنا إذا حضرت الصلاة نصلي إلى الشام ويصلي إلى الكعبة، حتى ¬

_ (¬1) مسند الإمام أحمد: ج 3/ 322. (¬2) تكلموا يا معشر الأنصار. (¬3) هذه رواية الدولابي في الكنى وقد روى ذلك ابن أبي شيبة وابن عساكر.

قدمنا مكة وقد عبنا ما صنع، وأبى إلا الإقامة عليه. قال: فلما قدمنا مكة، قال: يا أخي انطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أسأله عما صنعت في سفري هذا، فإني والله لقد وقع في نفسي منه شيء لما رأيت من خلافكم إياي فيه، فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا لا نعرفه، لم نره قبل ذلك، فلقينا رجلًا من أهل مكة، فسألناه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: هل تعرفونه؟ قال: قلنا: لا. قال: فهل تعرفون العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه-؟ قال: قلنا: نعم -وكنا نعرف العباس، كان لا يزال يقدم علينا تاجرًا- قال: فإذا دخلتما المسجد فهو الرجل الذي جالس مع العباس -رضي الله عنه-، فدخلنا المسجد، فإذا العباس -رضي الله عنه- جالس ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - معه جالس، فسلمنا، ثم جلسنا إليه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للعباس -رضي الله عنه-: هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل؟ قال: نعم، هذا البراء ابن معرور، سيد قومه، وهذا كعب بن مالك، قال: فوالله ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشاعر؟ -يريد كعب بن مالك -رضي الله عنه- قال: نعم، قال: فقال البراء بن معرور -رضي الله عنه-: يا نبي الله إني قد خرجت في سفري هذا، وقد هداني الله -تعالى- إلى الإِسلام، فرأيت ألا (أضع) هذه البنية بظهر، فصليت إليها، وقد خالفني أصحابي في ذلك، حتى وقع في نفسي من ذلك شيء، فماذا ترى يا رسول الله؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: "قد كنت على قبلة لو صبرت عليها". قال: فرجع البراء -رضي الله عنه- إلى قبلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فصلى معنا إلى الشام. وأهله يزعمون أنه صلى إلى الكعبة حتى مات، وليس كذلك كما قالوه، ونحن أعلم به منهم. ثم خرجنا إلى الحج، وواعدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العقبة من أوسط أيام التشريق، فلما فرغنا من الحج، وكانت ليلة التي واعدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العقبة من أوسط أيام التشريق، ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام -أبو جابر- سيد من ساداتنا، وكلنا يكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا، فكلمناه، وقلنا: يا أبا جابر إنك سيد من ساداتنا، وشريف من أشرافنا، وإنا نرغب بك عما أنت عليه أن تكون حطبًا للنار غدا، ثم دعوناه إلى الإِسلام، وأخبرناه بميعادنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العقبة. قال: فأسلم وشهد معنا من رجالنا لميعاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستخفين تسلل القطا، إذ

اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن سبعون رجلًا، منهم امرأتان، نسيبة بنت كعب، أم (عمارة)، إحدى بني مازن بن النجار، وأسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي إحدى بني سلمة، وهي: أم منيع. قال: فاجتمعنا بالشعب، ننتظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى جاءنا ليلتئذ مع عمه العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- وهو يومئذ على دين قومه، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه، فيوثق له، فلما جلسنا كان العباس -رضي الله عنه- أول من تكلم، فقال: يا معشر الخزرج- قال: وكانت العرب يسمون هذا الحي من الأنصار الخزرج أوسها وخزرجها- إن محمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - منا حيث علمتم، وقد منعناه من قومنا، (ممّن) هو على رأينا، وهو في عز من قومه، ومنعة من بلده. قال: قلنا: ما قلت. فتكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعى إلى الله -تعالى- ورغب في الإسلام، ثم قال صلى الله عله وسلم: "أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم". قال: فأخذ البراء بن معرور -رضي الله عنه- بيده، ثم قال: نعم، والذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا يا رسول الله فبايعنا فنحن والله أهل الحروب، وأهل الحلقة، ورثناها كابرًا عن كابر. فاعترض القول والبراء يكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو الهيثم ابن التيهان -حليف بني عبد الأشهل- فقال: يا رسول الله، إن بيننا وبين الناس حبالا، وإنا قاطعوها، فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك، ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ قال: فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: "بل الدم بالدم، والهدم بالهدم، أنا منكم وأنتم مني، دمي مع دمائكم، وهدمي مع هدمكم، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم". وقد قال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أخرجوا إلي اثنى عشر نقيبا يكونون على قومهم". فأخرجوا منهم اثنى عشر رجلا، تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس. (¬1) وحدثني عبد الملك بن محمد، عن زياد بن عبد الله، قال: قال ابن إسحاق: وأما [معبد] بن كعب بن مالك فحدثني عن أخيه -عبد الله بن كعب، عن أبيه كعب بن مالك- رضي الله عنه- أنه كان يقول: أول من ضرب على يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البراء ابن معرور -رضي الله عنه- وتتابع القوم. فلما بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صرخ ¬

_ (¬1) رواه أحمد في المسند: 3/ 460 - 462.

العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري يستوثق لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

الشيطان من رأس العقبة بأبعد صوت سمعه قط: يا أهل الجباجب والجباحب: المنازل- هل لكم في مذمم والصباء، وقد اجتمعوا على حربكم؟ -والمذمم من كلام العرب: المهين الكسير-. قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما يقول عدو الله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا ابن أزيب، تسمع يا عدو الله لأفرغن لك". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ارفضوا إلى رحالكم". قال: فقال له العباس بن عبادة بن نضلة: والذي بعثك بالحق، إن شئت لنميلن على أهل منى غدًا بأسيافنا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لم أؤمر بذلك". قال: فرجعنا إلى مضاجعنا، فنمنا، حتى أصبحنا، فلما أصبحنا غدت علينا جلة من قريش حتى جاؤونا في منازلنا. قال: فقالوا: يا معشر الخزرج، قد بلغنا أنكم جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجوه من بين أظهرنا، وتبايعونه على حربنا، وأنه والله ما من العرب أحد [أبغض] إلينا من أن تشب الحرب بيننا وبينه منكم. قال: فأتبعه هنالك قوم من قومنا يحلفون بالله ما كان من هذا شيء، وما علمناه. وصدقوا، لم يعلموا ما كان منا. وبعضنا ينظر إلى بعض. قال: ثم قام القوم وفيهم الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي وعليه نعلان جديدان، فقلت كلمة كأني أريد أشرك القوم فيما قالوا: يا أبا جابر، أما تستطع وأنت سيد من ساداتنا أن تتخذ نعلًا مثل نعل هذا الفتى من قريش؟ فسمعها الحارث، فخلعها ثم رمى بها إلي. قال: فقلت: والله لا أردها، فأل صالح قال: والله، لئن صدق الفأل لأسلبنه. العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري يستوثق لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري -أخو بني سالم بن عوف-: "يا معشر الخزرج! هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟ " قالوا: "نعم". قال: "إنكم تبايعون على حرب الأحمر والأسود من الناس! فإن كنتم ترون أنكم إذا هلكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتلا، أسلمتموه، فمن الآن. فهو، والله! إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة". قالوا: "فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف. فما لنا يا رسول الله! إن نحن وفينا؟ " قال: "الجنة".

أسماء النقباء الإثنى عشر في بيعة العقبة الآخرة

وفي رواية اليعقوبي: "أن يمنعوه وأهله مما يمنعون منه أنفسهم وأهليهم وأولادهم. وعليهم أن يحاربوا معه الأسود والأحمر، وأن ينصروه على القريب والبعيد. وشرط لهم الوفاء بذلك الجنة". قالوا: "أبسط يدك" فبسط يده، فبايعوه ... (¬1) أسماء النقباء الإثنى عشر في بيعة العقبة الآخرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أخرجوا منكم اثني عشر نقيبا" فأخرجهم, فكان نقيب بني النجار: أسعد بن زرارة. وكان نقيب بني سلمة: البراء بن معرور، وعبد الله بن عمرو بن حرام. وكان نقيب بني ساعدة: سعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو. وكان نقيب بني زريق: رافع بن مالك بن العجلان. وكان نقيب بني الحارث بن الخزرج: عبد الله بن رواحة، وسعد بن الربيع. وكان نقيب بني عوف بن الخزرج: عبادة بن الصامت. وكان نقيب بني عبد الأشهل: أسيد بن حضير، وأبو الهيثم بن التيهان. وكان نقيب بني عمرو بن عوف: سعد بن خيثمة. حديث جابر بن عبد الله عن العقبة الآخرة حدثنا موسى بن هارون بن عبد الله الحمال. حدثنا محمَّد بن عمران بن أبي ليلى، حدثنا معاوية بن عمر الدهني، عن أبيه، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله قال: "حملني خالي جد بن قيس في السبعين راكبًا الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة من قبل الأنصار. فخرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومعه عمه العباس بن عبد المطلب. فقال: يا عم خذ على أخوالك. فقال له السبعون: يا محمَّد سل لربك ولنفسك ما شئت. فقال: أما الذي أسألكم لربي: فتعبدوه ولا تشركوا به شيئا. وأما الذي أسألكم لنفسي، فتمنعوني ما تمنعون منه أنفسكم. قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: "الجنة". ¬

_ (¬1) هذه رواية البلاذري.

أبو الهيثم بن التيهان يستوثق لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

أبو الهيثم بن التيهان يستوثق لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن عروة قال: كان أول من بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو الهيثم بن التيهان، وقال: يا رسول الله، إن بيننا وبين الناس حبالا -والحبال: الحلف والمواثيق- فلعلنا نقطعها ثم ترجع إلى قومك، وقد قطعنا الحبال، وحاربنا الناس؟ فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله، وقال: "الدم الدم، الهدم الهدم". فلما رضي أبو الهيثم بما رجع إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله، أقبل على قومه فقال: يا قوم هذا رسول الله، أشهد أنه لصادق، وأنه اليوم في حرم الله وأمنه، وبين ظهري قومه وعشيرته، فاعلموا أنكم إن تخرجوه رمتكم العرب عن قوس واحدة، فإن كانت طابت أنفسكم بالقتال في سبيل الله، وذهاب الأموال والأولاد، فادعوه إلى أرضكم، فإنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حقا، وإن خفتم خذلانا، فمن الآن فقالوا عند ذلك: قبلنا عن الله وعن رسوله ما أعطانا، وقد أعطيناك من أنفسنا الذي سألتنا يا رسول الله، فخل بيننا يا أبا الهيثم، وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلنبايعه، فقال أبو الهيثم: أنا أول من يبايع ثم تتابعوا كلهم، وصرخ الشيطان من رأس الجبل فقال: يا معشر قريش، هذه الخزرج والأوس تبايع محمدا على قتالكم، ففزعوا عند ذلك وراعهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يرعكم هذا الصوت، فإنه عدو الله إبليس، ليس يسمعه أحد ممّن تخافون" وقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصرخ بالشيطان "يا ابن أزب هذا عملك، فسأفرغ لك". (¬1) عدد أصحاب بيعة العقبة الآخرة حدثنا يعقوب بن حميد بن عبد الله بن موسى بن إبراهيم التيمي عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: خرجنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم عام العقبة أربعون رجلًا وثلاثون غلاما مع الرجل ابنه وكنت رديف أبي. ¬

_ (¬1) رواه الطبراني هكذا مرسلا، وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وفيه ضعف.

تسمية من شهد العقبة من الأنصار

تسمية من شهد العقبة من الأنصار قال ابن إسحاق كانوا ثلاثة وسبعين رجلًا وامرأتين: من بني عبد الأشهل 1 - أبو الهيثم بن التيهان، نقيب، وشهد بدرًا. 2 - أسيد بن الخضير، نقيب. 3 - سلمه بن سلامة بن وقش، شهد بدرًا. من بني حارثة بن الحارث 1 - ظهير بن رافع بن عدي. 2 - أبو بردة بن نيار، شهد بدرًا. 3 - نهير بن الهيثم. من بني عمرو بن عوف 1 - سعد بن خيثمة، نقيب، شهد بدرًا وقتل شهيدًا. 2 - رفاعة بن بن عبد المنذر، نقيب، شهد بدرًا. 3 - عبد الله بن جبير، شهد بدرًا وقتل يوم أحد شهيدًا. 4 - معن بن عدي البلوي، شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. 5 - عويم بن مساعده، شهد بدرًا وأحدًا والخندق. فجميع من شهد العقبة من الأوس أحد عشر رجلًا من بني الخزرج بن حارثة 1 - أبو أيوب الأنصاري خالد بن يزيد، شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. 2 - معاذ بن الحارث بن رفاعة وهو ابن عفراء، شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. 3 - عوف بن الحارث أخوه، شهد بدرًا وقتل شهيدًا. 4 - معوذ بن الحارث أخوه، شهد بدرًا وقتل شهيدًا. 5 - عمارة بن حزم بن زيد، شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

من بني عمرو بن مبذول

6 - أسعد بن زراره، نقيب. من بني عمرو بن مبذول 1 - سهل بن عتيك بن نعمان، شهد بدرًا. من بني عمرو بن مالك 1 - أوس بن ثابت بن المنذر، شهد بدرًا. 2 - أبو طلحه زيد بن سهل، شهد بدرًا. من بني مازن بن النجار 1 - قيس بن أبي صعصعة، شهد بدرًا. 2 - غزية بن عمرو بن عطية بن خنساء قاله بن هشام. فجميع من شهد العقبة من بني النجار أحد عشر رجلًا. من بني الحارث بن الخزرج 1 - سعد بن الربيع، نقيب، شهد بدرًا وقتل يوم أحد شهيدًا. 2 - خارجة بن زيد بن أبي زهير، شهد بدرًا وقتل يوم أحد شهيدًا. 3 - عبد الله بن رواحة، نقيب، شهد المشاهد كلها وقتل يوم مؤتة شهيدًا. 4 - بشير بن سعد بن ثعلبه، شهد بدرًا. 5 - عبد الله بن زيد بن ثعلبه الذي أري النداء للصلاة. 6 - خلاد بن سويد بن ثعلبه، شهد بدرًا وقتل يوم بني قريظة شهيدًا. 7 - عطية بن عمرو وهو أبو مسعود أحدث القوم سنًا. من بني بياضة بن عامر 1 - زياد بن لبيد، شهد بدرًا. 2 - فروة بن عمرو بن وذفه. 3 - خالد بن قيس بن مالك، شهد بدرًا. من بني رزيق 1 - رافع بن مالك بن العجلان، نقيب. 2 - ذكوان بن عبد القيس المهاجري الأنصاري، شهد بدرًا وقتل يوم أحد شهيدًا.

ومن بني سلمة بن سعد

3 - عباد بن قيس بن عامر، شهد بدرًا. 4 - الحارث بن قيس بن خالد، شهد بدرًا. ومن بني سلمة بن سعد 1 - البراء بن معرور، نقيب. 2 - بشر بن البراء بن معرور، شهد المشاهد كلها ومات بخيبر مسمومًا. 3 - سنان بن صيفي بن صخر، شهد بدرًا وقتل يوم الخندق شهيدًا. 4 - والطفيل بن النعمان بن خنساء، شهد بدرًا وقتل يوم الخندق شهيدًا. 5 - معقل بن المنذر بن سرح، شهد بدرًا. 6 - يزيد بن المنذر أخوه، شهد بدرًا. 7 - مسعود بن يزيد بن سبيع. 8 - الضحاك بن حارثة بن زيد، شهد بدرًا. 9 - يزيد بن حرام بن سبيع. 10 - جبار بن صخر بن أميه، شهد بدرًا. 11 - الطفيل بن مالك بن خنساء، شهد بدرًا. من بني سواد بن غنم 1 - كعب بن مالك، شاعر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. من بني غنم بن سواد 1 - سليم بن عمرو بن حديره، شهد بدرًا. 2 - قطبه بن عامر بن حديره، شهد بدرًا. 3 - يزيد بن عامر بن حديره، شهد بدرًا. 4 - أبو اليسر كعب بن عمرو، شهد بدرًا. 5 - صيفى بن سواد بن عباد. من بني نابي بن عمرو 1 - ثعلبة بن غنمه بن عدي، شهد بدرًا وقتل بالخندق شهيدًا. 2 - عمرو بن غنمه بن عدي.

من بني حرام بن كعب

3 - عبس بن عامر بن عدي، شهد بدرًا. 4 - عبد الله بن أنيس القضاعي. 5 - خالد بن عمرو بن عدى. من بني حرام بن كعب 1 - عبد الله بن عمرو بن حرام، نقيب، شهد بدرًا وقتل يوم أحد شهيدًا. 2 - جابر بن عبد الله. 3 - معاذ بن عمرو بن الجموح، شهد بدرًا. 4 - ثابت بن الجذع، شهد بدرًا وقتل بالطائف شهيدًا. 5 - عمير بن الحارث بن ثعلبه، شهد بدرًا. 6 - خديج بن سلامة بن أوس البلوي. 7 - معاذ بن جبل، شهد المشاهد كلها ومات بطاعون عمواس. من بني عوف بن الخزرج وهم القواقل 1 - عبادة بن الصامت، نقيب، شهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. 2 - العباس بن عبادة بن نضله المهاجري الأنصاري قتل يوم أحد شهيدًا. 3 - أبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبه البلوي. 4 - عمرو بن الحارث بن لبدة. من بني سالم بن غنم وهم بنو الحبلى 1 - رفاعة بن عمرو، شهد بدرًا. 2 - عقبة بن وهب بن كلدة المهاجري الأنصاري، شهد بدرًا. من بني ساعده بن كعب 1 - سعد بن عبادة بن دليم، نقيب. 2 - المنذر بن عمرو بن خنيس، نقيب، شهد بدرًا وقتل يوم بئر معونة. من بني مازن بن النجار 1 - نسيبه بنت كعب أم عمارة.

من بني سلمة

من بني سلمة 1 - أم منيع أسماء بنت عمرو بن عدي. قريش تستعلم الخبر من عبد الله بن أبي سلول قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن بكر: أنهم أتوا عبد الله بن أبي سلول، فقالوا له مثل ما قال كعب من القول، فقال لهم: إن هذا الأمر جسيم، ما كان قومي ليتفوتوا علي بمثل هذا، وما علمته كان. قال: فانصرفوا عنه. قريش تأسر سعد بن عبادة: قال: ونفر الناس من منى، فتنطس القوم الخبر فوجدوه قد كان، وخرجوا في طلب القوم، فأدركوا سعد بن عبادة بأذاخر، والمنذر بن عمرو، أخا بني ساعدة بن كعب بن الخزرج، وكلاهما كان نقيبا. فأما المنذر فأعجز القوم، وأما سعد فأخذوه، فربطوا يديه إلي عنقه بنسع رحله، ثم أقبلوا به حتى أدخلوه مكة يضربونه، ويجذبونه بجمته، وكان ذا شعر كثير. خلاص سعد: قال سعد: فوالله إني لفي أيديهم إذ طلع علي نفر من قريش، فيهم رجل وضيء أبيض، شعشاع، حلو من الرجال. (قال ابن هشام: الشعشاع الطويل الحسن. قال رؤبة؛ يمطوه من شعشاع غير، مودن يعني: عنق البعير غير القصير، ويقول: مودن اليد، أي ناقص اليد). قال: فقلت في نفسي: إن يك عند أحد من القوم خير، فعند هذا، قال: فلما دنا مني رفع يده فلكمني لكمة شديدة. قال: فوالله إني لفي أيديهم يسحبونني إذ أوى لي رجل ممّن كان معهم فقال ويحك! أما بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهد؟ قال: قلت: بلى، والله، لقد كنت أجير لجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف تجارة وأمنعهم ممّن أراد ظلمهم ببلادي وللحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، قال: ويحك! فاهتف باسم الرجلين، واذكر ما بينك وبينهما. قال: ففعلت، وخرج ذلك الرجل إليهما، فوجدهما في المسجد عند الكعبة، فقال لهما: إن رجلًا من الخزرج الآن يضرب بالأبطح ويهتف بكما، ويذكر أن بينه وبينكما جوار، قالا: ومن هو؟ قال سعد بن عبادة، قالا: صدق الله، إن كان ليجير لنا تجارتتا، ويمنعهم أن

يظلموا ببلده. قال: فجاءا فخلصا سعدا من أيديهم، فانطلق. وكان الذي لكم سعدًا سهيل بن عمرو، أخو بني عامر بن لؤي. قال ابن هشام: وكان الرجل الذي أوى إليه، أبا البختري بن هشام. قال ابن إسحاق: وكان أول شعر قيل في الهجرة بيتين، قالهما ضرار بن الخطاب ابن مرداس، أخو بني محارب بن فهر. تداركت سعدا عنوة فأخذته ... وكان شفاء لو تداركت منذرا ولو نلته طلت هناك جراحه ... وكان حريًا أن يهان ويهدرا قال ابن هشام: وروى: وكان حقيقيا أن يهان ويهدرا قال ابن إسحاق: فأجابه حسان بن ثابت فيهما فقال: لست إلى سعد ولا المرء منذر .... إذا ما مطايا القوم أصبحن ضمرا فلولا أبو وهب لمرت قصائد ... على شرف البرقاء يهوين حسرا أتفخر بالكتان لما لبسته ... وقد تلبس الأنباط ريطا مقصرا فلا تك كاوسنان يحلم أنه ... بقرية كسرى أو بقرية قيصرا ولا تك كالثكلى وكانت بمعزل ... عن الثكل لو كان الفؤاد تفكرا ولا تك كالشاة التي كان حتفها ... بحفر ذراعيها فلم ترض محفرا ولا تك كالعاوى فأقبل نحره ... ولم يخشه سهما من النبل مضمرا فإنا ومن يهدي القصائد نحونا ... كمستبضع تمرا إلى أهل خيبرا عن أبي إسحق السبيعي، وعن عبد الملك بن عمير عن عبد الله بن عمر عن عقيل بن أبي طالب ومحمَّد بن عبد الله ابن أخي الزهري عن الزهري، أن العباس ابن عبد المطلب وهو يكلم النقباء ويكلمونه. فعرف صوت النبي صلى الله عليه وسلم. فنزل وعقل راحلته ثم قال لهم: يا معشر الأوس والخزرج، هذا ابن أخي، وهو أحب الناس إلي. فإن كنتم صدقتموه وآمنتم به وأردتم إخراجه معكم، فإني أريد أن آخذ عليكم موثقًا تطمئن به نفسي ولا تخذلوه ولا تغروه، فإن جيرانكم اليهود وهم له عدو، ولا آمن مكرهم عليه. فقال أسعد بن زرارة -وشق عليه قول العباس حين اتهم عليه أسعد وأصحابه-: يا رسول الله، ائذن لنا فلنجبه غير مخشنين لصدرك ولا

متعرضين لشيء مما تكره، إلا تصديقًا لإجابتنا إياك وإيمانًا بك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجيبوه غير متهمين. فقال أسعد بن زرارة. وأقبل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إن لكل دعوة سبيلا إن لينًا وإن شدة. وقد دغوتنا اليوم إلي دعوة متهجمة للناس متوعرة عليهم. دعوتنا إلى ترك ديننا واتباعك على دينك، وتلك رتبة صعبة، فأجبناك إلى ذلك. ودعوتنا إلى قطع ما بيننا وبين الناس من الجوار والأرحام القريب والبعيد، وتلك رتبة صعبة، فأجبناك إلى ذلك. ودعوتنا، ونحن جماعة في دار عز ومنعة لا يطمع فينا أحد، أن يرؤس علينا رجل من غيرنا قد أفرده قومه وأسلمه أعمامه، وتلك رتبة صعبة، فأجبناك إلى ذلك. وكلُّ هؤلاء الرتب مكروهة عند الناس، إلا من عزم الله له على رشده، والتمس الخير في عواقبها، وقد أجبناك إلى ذلك بألسنتنا وصدورنا إيمانًا بما جئت به، وتصديقًا بمعرفة ثبتت في قلوبنا. نبايعك على ذلك ونبايع الله ربنا وربك يد الله فوق أيدينا. ودماؤنا دون دمك وأيدينا دون يدك، نمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأبناءنا ونساءنا، فإن نف بذلك فبالله نفي ونحن به أسعد، وإن نغدر فبالله نغدر ونحن به أشقى. هذا الصدق منا يا رسول الله، والله المستعان. ثم أقبل على العباس بن عبد المطلب بوجهه فقال: وأما أنت أيها المعترض لنا بالقول دون النبي صلى الله عليه وسلم، فالله أعلم ما أردت بذلك. ذكرت أنه ابن أخيك وأنه أحب الناس إليك. فنحن قد قطعنا القريب والبعيد وذا الرحم، ونشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرسله من عنده، ليس بكذاب. وأن ما جاء به لا يشبه كلام البشر. وأما ما ذكرت أنك لا تطمئن إلينا في أمره حتى تأخذ مواثيقنا، فهذه خصلة لا نردها على أحد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فخذ ما شئت. ثم التفت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله خذ لنفسك ما شئت. واشترط لربك ما شئت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم، أشترط لربي -عَزَّ وجَلَّ- أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، ولنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأبناءكم ونساءكم. قالوا: فذلك لك يا رسول الله.

من المسلمين إلى الموسم مع حجاج قومهم من أهل الشرك، حتى قدموا مكة، فواعدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العقبة من أوسط أيام التشريق، حين أراد الله بهم ما أراد، من كرامته والنصر لنبيه، وإعزاز الإِسلام وأهله، وإذلال الشرك وأهله. (¬1) روى بسنده عن ابن إسحاق قال: فجميع من شهد العقبة من الأوس والخزرج وأفناء القبائل سبعون رجلًا وامرأتان من بني الخزرج إحداهما أم عمارة وزوجها وابناها، فجميع أصحاب العقبة مع المرأتين خمسة وسبعون نفسا. (¬2) روى بسنده عن عروة بن الزبير فذكر الحديث وفيه قال: ثم حج العام المقبل منهم سبعون رجلا من الأنصار، منهم أربعون رجلًا من ذوي أسنانهم وأشرافهم، وثلاثون شابًا وأصغرهم عقبة بن عمرو، وأبو مسعود، وجابر بن عبد الله. (¬3) روى بسنده عن معاذ بن رفاعة بن رافع، وكان رفاعة من أهل بدر، وكان رافع من أهل العقبة، فكان يقول لابنه: ما يسرني أني شهدت بدرًا بالعقبة. (¬4) وروى بسنده عن كعب بن مالك قال: ولقد شهدت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة حين تواثقنا على الإِسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها. (¬5) وروى بسنده عن جابر بن عبد الله، -رضي الله عنهما-، قال: شهد خالاي العقبة. (¬6) روى بسنده عن عويم بن ساعده قال: لما قدمنا مكة قال لي سعد بن خيثمة ومعن بن عدي وعبد الله بن جبير: يا عويم، انطلق بنا حتى نأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنسلم عليه فإنا لم نره قط وقد آمنا به، فخرجت معهم، فقيل لي: هو في منزل العباس بن عبد المطلب، فرحلنا عليه فسلمنا وقلنا له: متى نلتقي؟ فقال العباس بن عبد المطلب: إن معكم من قومكم من هو مخالف لكم فأخفوا أمركم حتى ينصدع هذا الحاج ونلتقي نحن وأنتم فنوضح لكم الأمر فتدخلون على أمر بيِّن. فوعدهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الليلة التي ¬

_ (¬1) ابن هشام: ج 2/ 47. (¬2) دلائل البيهقي: ج 2/ 455. (¬3) دلائل أبي نعيم: ج 1/ 409. (¬4) البخاري: ج 5/ 103 كتاب المناقب باب شهود الملائكة بدرًا. (¬5) ج 5/ 69 كتاب المناقب باب وفود الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ربيعة العقبة. (¬6) ج 5/ 70.

في صبحها النفر الآخر أن يوافيهم أسفل العقبة حيث المسجد اليوم، وأمرهم أن لا ينبهوا نائما ولا ينتظروا غائبا. (¬1) روى بسنده عن جابر بن عبد الله فذكر الحديث وفيه قال: فقال عمه العباس: يا ابن أخي إني لا أدري ما هؤلاء القوم الذين جاؤوك، إني ذو معرفة بأهل يثرب، فاجتمعنا عنده من رجل ورجلين، فلما نظر العباس -رضي الله عنه- في وجوهنا قال: هؤلاء قوم لا أعرفهم، هؤلاء أحداث. (¬2) روى بسنده عن عامر قال: انطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه العباس عمه إلى السبعين من الأنصار عند العقبة تحت الشجرة، فقال: "ليتكلم متكلمكم، ولا يطيل الخطبة فإن عليكم من المشركين عينا، وإن يعلموا بكم يفضحوكم"، فقال قائلهم، وهو أبو أمامة: سل يا محمَّد لربك ما شئت ثم سل لنفسك ولأصحابك ما شئت، ثم أخبرنا ما لنا من الثواب على الله -عَزَّ وجَلَّ- وعليكم إذا فعلنا ذلك، قال: فقال: "أسألكم لربى، -عَزَّ وجَلَّ-، أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأسألكم لنفسي وأصحابي أن تؤونا وتنصرونا وممنعونا مما منعتم منه أنفسكم"، قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: "لكم الجنة"، قالوا: فلك ذلك. (¬3) روى بسنده عن سفيان بن أبي العوجاء قال: حدثني من حضرهم تلك الليلة، والعباس ابن عبد المطلب آخذ بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: يا معشر الأنصار أخفوا جرسكم فإن علينا عيونا، وقدموا ذوى أسنانكم فيكونون الذين يلون كلامنا منكم فإنا نخاف قومكم عليكم، ثم إذا بايعتم فتفرقوا إلى محالكم واكتموا أمركم فإن طويتم هنا الأمر حتى ينصدع هذا الموسم فأنتم الرجال وأنتم لما بعد اليوم، فقال البراء بن معرور: يا أبا الفضل اسمع منا، فسكت العباس فقال البراء: لك والله عندنا كتمان ما تحب أن نكتم، وإظهار ما تحب أن تظهر، وبذل مهج أنفسنا، ورضا ربنا عنا، إنا أهل حلقة وافرة، وأهل منعة وعز، وقد كنا على ما كنا عليه من عبادة حجر ونحن كذا، فكيف بنا اليوم حين بصرنا الله ما أعمى على غيرنا، وأيدنا بمحمد - صلى الله عليه وسلم -؟ ابسط يدك. (¬4) ¬

_ (¬1) ابن سعد ج 4/ 7. (¬2) مسند الإمام أحمد: ج 3/ 339. (¬3) مسند الإمام أحمد: ج 4/ 119. (¬4) ج 4/ 8.

رجال من الأنصار يشدون العقد للنبي (صلى الله عليه وسلم)

وروى بسنده عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت فذكر الحديث وفيه قال: فقال أسعد بن زرارة: يا رسول الله، اشترط علي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تبايعوني على أن تشهدوا ألا إله إلا الله وأني رسول الله، وتقيموا الصلاة، وتؤتوا الزكاة، والسمع والطاعة، ولا تنازعوا الأمر أهله، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأهليكم" قالوا: نعم، قال قائل من الأنصار: نعم، هذا لك يا رسول الله فما لنا؟ قال: "الجنة والنصر" (¬1) روى بسنده عن عروة عن الزبير فذكر الحديث وفيه قال: ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس بن عبد المطلب، فلما حدثهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذي خصه الله -عَزَّ وجَلَّ- به من النبوة والكرامة، ودعاهم إلى الإِسلام وإلى أن يبايعوه ويمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأموالهم، أجابوا وصدقوا، وقالوا: اشترط لربك ولنفسك ما شئت، قال: "أشترط لربى أن لا تشركوا به شيئًا، وأن تعبدوه، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم"، فلما طابت أنفسهم بذلك الشرط، اشترط له العباس وأخذ عليهم المواثيق لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعظم الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬2) رجال من الأنصار يشدون العقد للنبي (صلى الله عليه وسلم) مقالة أسعد بن زرارة (رضي الله عنه): روى بسنده عن جابر بن عبد الله فذكر الحديث وفيه قال: فأخذ بيده أسعد بن زرارة، وهو أصغر السبعين، فقال: رويدًا يا أهل يثرب، إنا لم نضرب إليه أكباد المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، إن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة، وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم قوم تصبرون على السيوف إذا مستكم وعلى قتل خياركم، وعلى مفارقة العرب كافة، فخذوه وأجركم على الله، -عَزَّ وجَلَّ-، وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه، فهو أعذر عند الله، قالوا: يا أسعد بن زرارة أمط عنا يدك، فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها. (¬3) ¬

_ (¬1) ج 3/ 609. (¬2) دلائل أبي نعيم: ج 1/ 409. (¬3) مسند الإمام أحمد: ج 3/ 340.

مقالة البراء بن معرور (رضي الله عنه)

روى بسنده عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت أن أسعد بن زرارة، -رحمه الله-، أخذ بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني ليلة العقبة، فقال: يا أيها الناس هل تدرون على ما تبايعون محمدا؟ إنكم تبايعونه على أن تحاربوا العرب والعجم والجن والإنس مجلبة. فقالوا: نحن حرب لمن حارب، وسلم لمن سالم. (¬1) مقالة البراء بن معرور (رضي الله عنه): روى بسنده عن ابن عباس، -رضي الله عنهما-، فذكر الحديث وفيه قال: فقام البراء ابن معرور، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: الحمد الله الذي أكرمنا بمحمد، - صلى الله عليه وسلم -، وجاءنا به، وكان أول من أجاب وآخر من دعا، فأجبنا الله، -عَزَّ وجَلَّ-، وسمعنا وأطعنا، يا معشر الأوس والخزرج، قد أكرمكم الله بدينه، فإن أخذتم السمع والطاعة والموازرة بالشكر، فأطيعوا الله ورسوله ثم جلس. (¬2) روى بسنده عن سفيان بن أبي العوجاء فذكر الحديث وفيه قال: فكان أول من ضرب على يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البراء بن معرور، ويقال: أبو الهيثم بن التيهان، ويقال: أسعد بن زرارة. (¬3) وروى بسنده عن سليمان بن سحيم قال: تفاخرت الأوس والخزرج فيمن ضرب على يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة أول الناس فقالوا: لا أحد أعلم به من العباس بن عبد المطلب، فسألوا العباس فقال: ما أحد أعلم بهذا مني، أول من ضرب على يد النبي - صلى الله عليه وسلم - من تلك الليلة أسعد بن زرارة ثم البراء بن معرور ثم أسيد بن الحضير. روى بسنده عن عروة بن الزبير فذكر الحديث وفيه مقالة أبي الهيثم بن التيهان لقومه إلى أن قال: فقال أبو الهيثم: فأنا أول من يبايع، ثم تتابعوا كلهم. (¬4) مبايعة النساء: قال ابن إسحاق: ... وامرأتان منهم، يزعمون أنهما قد بايعتا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصافح النساء، إنما كان يأخذ عليهن، فإذا أقررن قال "اذهبن فقد بايعتكن". (¬5) ¬

_ (¬1) ابن سعد ج 3/ 609. (¬2) المستدرك: ج 3/ 181. (¬3) ج 4/ 8. (¬4) دلائل أبي نعيم: ج 1/ 410. (¬5) ج 2/ 74.

مقالة النبي (صلى الله عليه وسلم) إثر البيعة

روى بسنده عن عبد الله بن عبد الرحمن أبي صعصعة قال: قالت أم عمارة: كانت الرجال تصفق على يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة بيعة العقبة والعباس بن عبد المطلب آخذ بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما بقيت أنا وأم منيع نادى زوجي عرقة بن عمرو: يا رسول الله، هاتان امرأتان حضرتا معنا تبايعانك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد بايعتهما على ما بايعتكم عليه، إني لا أصافح النساء". قالت: فرجعنا إلى رحالنا فلقينا رجلين من قومنا، سليط بن عمرو وأبا داود المازني يريدان أن يحضرا البيعة، فوجدا القوم قد بايعوا، فلما كان بعد بايعا أسعد بن زرارة وكان رأس النقباء في السبعين ليلة العقبة. (¬1) مقالة النبي (صلى الله عليه وسلم) إثر البيعة: روى بسنده عن جابر قال: كان العباس آخذا بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يواثقنا فلما فرغنا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أخذت وأعطيت". (¬2) وروى بسنده عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: هم اثنا عشر نقيبا رأسهم أسعد ابن زرارة. روى بسنده عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: "ابعثوا لي منكم اثني عشر نقيبا كفلاء على قومهم فيما كان منهم ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم، عليه لسلام"، فقال أسعد بن زرارة أحد بني النجار: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وأنت نقيب على قومك"، فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ منهم اثني عشر نقيبا. (¬3) وروى بسنده عن مالك قال: كان أسيد بن حضير أحد النقباء وكانت الأنصار منهم اثنا عشر نقيبا، وكانوا سبعين رجلا. قال مالك: فحدثني شيخ من الأنصار أن جبريل، عليه السلام، كان يشير له إلى من يجعله نقيبا، قال مالك: كنت أعجب كيف جاء من كل قبيلة رجلان، ومن قبيلة رجل، حتى حدثني هذا الشيخ أن جبريل، -عليه السلام-، كان يشير إليهم يوم البيعة، يوم العقبة، قال لي مالك: عدة النقباء اثنا عشر رجلا تسعة من الخزرج، وثلاثة عن الأوس. (¬4) ¬

_ (¬1) ج 8/ 10. (¬2) مسند الإمام أحمد ج 3/ 396. (¬3) دلائل البيهقي: ج2/ 452. (¬4) ج2/ 453.

روى بسنده عن عروة بن الزبير فذكر الحديث وفيه قال: وبلغ قريشا الحديث فأقبلوا حتى إنهم ليتوطؤون على رحل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يبصرونهم، فرجعت قريش، وقال العباس بن عبادة بن نضلة أخو بني سالم: يا رسول الله إن شئت -والذي أكرمك- ملنا على أهل منى بأسيافنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لم أومر بذلك"، وكان هؤلاء النفر اتفقوا على مرضاة الله، وأوفوا بالشرط من أنفسهم بنصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم صدروا رابحين راشدين إلى بلادهم، وجعل الله، -عَزَّ وجَلَّ-، لرسوله - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين ملجأً وأنصارًا ودار هجرة. (¬1) ¬

_ (¬1) دلائل أبي نعيم: ج 1/ 410.

إسلام أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه)

إسلام أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه) عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: (كان لي أخ يقال له أنيس وكان شاعرًا، فسافر هو وشاعر آخر فأتيا مكة، فرجع أنيس فقال: يا أخي! رأيت بمكة رجلا يزعم أنه نبي وأنه على دينك) (¬1) عن أبي ذر قال: "قلت لأخي اكفني حتى أذهب، فأنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: نعم. وكن من أهل مكة على حذر، فإنهم قد أنكروا ما قال وشنفوا له" (¬2) روى البخاري ومسلمٌ عن عبد الله بن الصامت: قال أبو ذر: خرجنا من قومنا غفار، وكانوا يحلون الشهر الحرام قال: فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا، فنزلنا على خال لنا، فأكرمنا خالنا وأحسن إلينا، فحسدنا قومه، فقالوا: إنك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس، فجاء خالنا فنثا علينا الذي قيل له، فقلت: أما ما مضى من معروفك، فقد كدرته، ولا جماع لنا فيما بعد، فقربنا صرمتنا، فاحتملنا عليها، وتغطى خالنا بثوبه، فجعل يبكي، فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة، فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها، فأتيا الكاهن فخير أنيسا، فأتانا أنيس بصرمتنا ومثلها معها، قال: وقد صليت يا ابن أخي قبل أن ألقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثلاث سنين، قلت: لمن؟ قال: لله تعالى، قلت: فأين توجه؟ قال: أتوجه حيث يوجهني ربي أصلي عشاء، حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء، حتى تعلوني الشمس، فقال أنيس: إن لي حاجة بمكة، فاكفني، فانطلق أنيس حتى أتى مكة، فراث علي، ثم جاء، فقلت: ما صنعت؟ قال: لقيت رجلا بمكة على دينك يزعم أن الله أرسله، قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر، وكان أنيس أحد الشعراء، قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة، فما هو بقولهم، ولقد وضعت قولة على أقراء الشعر، فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر، والله إنه لصادق، وإنهم لكاذبون، قال: قلت: فاكفني حتى أذهب فأنظر، قال: فأتيت مكة فتضعفت رجلا منهم (¬3)، فقلت: أين هذا ¬

_ (¬1) روى الحسن بن سفيان وأبو نعيم. (¬2) روى ابن إسحاق الحربي في غريب الحديث. (¬3) أي: نظرت إلى أضعفهم فسألته.

الذي تدعونه الصابئ؟ فأشار إليَّ، فقال: الصابئ؟ فمال عليَّ أهل الوادي بكل مدرة وعظم، حتى خررت مغشيا عليَّ، قال: فارتفعت [حين ارتفعت] كأني نصب أحمر، قال: فأتيت زمزم، فغسلت عني الدماء، وشربت من مائها، ولقد لبثت يا ابن أخي ثلاثين، بين ليلة ويوم، وما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، وما وجدت على كبدي سخفة جوع، قال: فبينما أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان، إذ ضرب على أصمختهم، فما يطوف بالبيت أحد، إلا امرأتان منهم تدعوان إسافًا ونائلة، قال: فأتتا عليَّ في طوافهما، فقلت، أنكحا أحدهما الأخرى، قال: فما تناهتا عن قولهما، قال: فأتتا عليَّ، فقلت: هن مثل الخشبة -غير أني لا أكني- فانطلقتا تولولان، وتقولان: لو كان ها هنا أحد من أنفارنا؟ قال: فاستقبلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وهما هابطان، قال: ما لكما؟ قالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها، قال: ما قال لكما؟ قالتا: إنه قال لنا كلمة تملأ الفم، وجاء رسول الله صلي الله عليه وسلم حتى استلم الحجر، وطاف بالبيت هو وصاحبه، ثم صلى، فلما قضى صلاته، قال أبو ذر: فكنت أول من حياه بتحية الإِسلام، [قال: فقلت: السلام عليك يا رسول الله] فقال: وعليك ورحمة الله، ثم قال: ممّن أنت؟ قلت: من غفار، قال: فأهوى بيده، فوضع أصابعه على جبهته، فقلت في نفسي: كره أن انتميت إلى غفار، فذهبت آخذ بيده، فقدعني صاحبه، وكان أعلم به مني، ثم رفع رأسه، فقال: متى كنت ها هنا؟ قال: [قلت]: كنت ها هنا منذ ثلاثين، بين ليلة ويوم، قال: فمن كان يطعمك؟ قال: قلت: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن، بطني وما أجد على كبدي سخفة جوع، قال: إنها مباركة، إنها طعام طعم، فقال أبو بكر: يا رسول الله، ائذن لي في طعامه الليلة، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وانطلقت معهما، ففتح أبو بكر بابا، فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف، وكان ذلك أول طعام أكلتة بها، ثم غبرت ما غبرت، ثم أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إنه قد وجهت لي أرض ذات نخل. لا أراها إلا يثرب، فهل أنت مبلغ عني قومك، عسى الله أن ينفعهم بك، ويأجرك فيهم؟ فأتيت أنيسًا، فقال: ما صنعت؟ قلت: صنعت أني قد أسلمت وصدقت، قال: ما بي رغبة عن

إذن النبي (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه بالهجرة إلى المدينة

دينك، فإني قد أسلمت وصدقت، فأتينا أمنا، فقالت: ما بي رغبة عن دينكما، فإني قد أسلمت وصدقت، فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفارا، فأسلم نصفهم، وكان يؤمهم أيماء بن رحضة الغفاري، وكان سيدهم، وقال نصفهم: إذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أسلمنا، فقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[المدينة]، فأسلم نصفهم الباقي، وجاءت أسلم، فقالوا: يا رسول الله، إخواننا نسلم على الذي أسلموا عليه، فأسلموا، فقال رسول الله عليه وسلم: غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله" (¬1). إذن النبي (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه بالهجرة إلى المدينة قال ابن إسحاق: فلما أذن الله تعالى له - صلى الله عليه وسلم - في الحرب، وتابعه هذا الحي من الأنصار على الإِسلام والنصرة له ولمن اتبعه، وأوى إليهم من المسلمين؛ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه من المهاجرين من قومه ومن معه بمكة من المسلمين بالخروج إلى المدينة، والهجرة إليها، واللحوق بإخوانهم من الأنصار، وقال: "إن الله، -عَزَّ وجَلَّ-، قد جعل لكم إخوانًا ودارًا تأمنون بها". فخرجوا أرسالًا، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ينتظر أن يأذن له ربه في الخروج من مكة والهجرة إلى المدينة (¬2). روى بسنده عن أبي موسى أراه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلي أرض بها نخل، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب (¬3). وروى بسنده عن عائشة، -رضي الله عنها-، زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: فذكرت الحديث وفيه: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للمسلمين: "إني أريت دار ¬

_ (¬1) رواه البخاري ومسلمٌ. (¬2) ابن هشام: ج 2/ 76. (¬3) البخاري: ج 9/ 52.

هجرتكم ذات نخل بين لابتين"، وهما الحرتان، فهاجر من هاجر قبل المدينة، ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة (¬1). وروى بسنده عن أبي هريرة، -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت بقرية تأكل القرى يقولون يثرب وهي المدينة تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد" (¬2). روى بسنده عن صهيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أريت دار هجرتكم سبخة بين ظهراني حرة، فإما أن تكون هجرًا، أو تكون يثرب" (¬3). روى بسنده عن جرير بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله أوحى إلي: أي هؤلاء الثلاثة نزلت فهي دار هجرتك: المدينة، أو البحرين أو قنسرين" (¬4). ورى بسنديه عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف وعن عائشة قالا: لما صدر السبعون من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طابت نفسه وقد جعل الله له منعه وقومًا أهل حرب وعدة ونجدة، وجعل البلاء يشتد على المسلمين من المشركين لما يعلمون من الخروج، فضيقوا على أصحابه وتعبثوا بهم، ونالوا منهم ما لم يكونوا ينالون من الشتم والأذى، فشكا ذلك أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستأذنوه في الهجرة، فقال: "قد أريت دار هجرتكم، أريت سبخة ذات نخل بين لابتين، وهما الحرتان، ولو كانت السراة أرض نخل وسباخ لقلت هي هي"، ثم مكث أيامًا ثم خرج إلى أصحابه مسرورًا فقال: "قد أخبرت بدار هجرتكم وهي يثرب، فمن أراد الخروج فليخرج إليها"؛ فجعل القوم يتجهزون ويتوافقون ويتواسون ويخرجون ويخفون ذلك (¬5). روى بسنده عن عروة أنه قال لما رجع من أرض الحبشة من رجع ممّن كان هاجر ¬

_ (¬1) البخاري: ج 5/ 75. (¬2) البخاري: ج 3/ 26. (¬3) المستدرك: ج 3/ 400. (¬4) الترمذي: ج 5/ 721 كتاب المناقب باب في فضل المدينة ج 3923. (¬5) ابن سعد: ج 1/ 225.

أول ظعينة قدمت المدينة المنورة

إليها قبل هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، جعل أهل الإِسلام يزدادون ويكثرون، وإنه أسلم من الأنصار بالمدينة ناس كثير، وفشا بالمدينة الإِسلام، فطفق أهل المدينة يأتون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة، فلما رأت ذلك قريش تذامرت على أن يفتنوهم، ويشتدوا عليهم فأخذوهم وحرصوا على أن يفتنوهم، فأصابهم جهد شديد وكانت الفتنة الآخرة، وكانت فتنتين: فتنة أخرجت من خرج منهم إلى أرض الحبشة، حين أمرهم بها، وأذن لهم في الخروج إليها، وفتنة لما رجعوا ورأوا من يأتيهم من أهل المدينة. وذكر الحديث وفيه بيعة العقبة الثانية ثم قال: فاشتدت عليهم قريش عند ذلك، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالخروج إلى المدينة؛ وهي الفتنة الآخرة التي أخرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وخرج، وهي التي أنزل الله -عَزَّ وجَلَّ- فيها: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} (¬1). أول ظعينة قدمت المدينة المنورة حدثنا عبد الله بن شبيب، ثنا ذؤيب بن عمامة السهمي، ثنا عبد العزيز ابن محمَّد، عن ابن أخي الزهري، عن الزهري، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، قال: سمعت أبي يقول "أول ظعينة قدمت المدينة، ليلى بنت أبي حثمة، وهي زوجته" (¬2). أول من هاجر إلى المدينة عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: "أول من قدم علينا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم، فجعلا يقرآننا القرآن، ثم جاء عمار وبلال وسعد، ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قدم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به، حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون: هذا رسول الله قد جاء، فما جاء حتى قرأ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} في سور. (¬3) ¬

_ (¬1) الطبري: ج 2/ 366. (¬2) ابن سعد: ج 8/ 267. (¬3) رواه البخاري.

قصة هجرة أم سلمة (رضي الله عنها)

قصة هجرة أم سلمة (رضي الله عنها) روى ابن إسحاق بسنده (¬1) عن أم سلمه زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: لما أجمع أبو سلمه الخروج إلى المدينة رحل لي بعيره، ثم حملني عليه، وجعل معي ابني سلمة بن أبي سلمه في حجري، ثم خرج بي يقود بي بعيره، فلما رأته رجال بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم قاموا إليه، فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتنا هذه، علام نتركك تسير بها في البلاد؟ قالت: فنزعوا خطام البعير من يده، فأخذوني منه قالت: وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد رهط أبي سلمة قالوا: لا والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا، قالت: فتجاذبوا ابني سلمه بينهم، حتى خلعوا يده وانطلق به بنو عبد الأسد، وحبسني بنو المغيرة عندهم، انطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة، قالت: ففرق بيني وبين زوجي وبين ابني، قالت: فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح (¬2)، فما أزال أبكي حتى أمسي، سنة أو قريبا منها، حتى مر بي رجل من بني عمي أحد بني المغيرة، فرأى ما بي، فرحمني، فقال لبني المغيرة: ألا تحرجون (¬3) من هذه المسكينة؟ فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها، قالت: فقالوا لي: الحقي بزوجك إن شئت، قالت: ورد بنو عبد الأسد إلي عند ذلك ابني، قالت: فارتحلت بعيري، ثم أخذت ابني فوضعته في حجري، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة، قالت: وما معي أحد من خلق الله، قالت: فقلت: أتبلغ (¬4) بمن لقيت حتى أقدم على زوجي، حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة (¬5) بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار، فقال لي: إلي أين يا بنت أبي أمية؟ قالت: فقلت: أريد زوجي بالمدينة، قال: أوما معك أحد؟ قالت: فقلت: لا والله إلا الله وبني هذا، قال: والله ما لك من مترك، فأخذ بخطام البعير، فانطلق معي يهوى بي، فوالله ما صحبت رجلًا من العرب قط أرى أنه ¬

_ (¬1) ابن هشام: ج 2/ 77. (¬2) بالأبطح: الأبطح: المكان المتسع يمر السيل فيترك فيه الرمل والحصى الصغار، ومنه أبطح مكة (الوسيط: ج 1/ 60). (¬3) تحرجون: تحرج فلان إذا فعل فعلًا يتحرج به، من الحرج: الإثم والضيق (لسان العرب: ج 2/ 821). (¬4) أتبلغ: تبلغ بالشيء: اكتفى به (الوسيط: ج 1/ 69). (¬5) ترجم له ابن حجر في الإصابة (ج 2/ 460) فقال: "أسلم في هدنة الحديبية، وهاجر مع خالد بن الوليد، وشهد الفتح مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فأعطاه مفتاح الكعبة". وسيرد ذكره فيما بعد.

هجرة الصحابة رضوان الله عليهم إلى المدينة

كان أكرم منه، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي ثم استأخر عني، حتى إذا نزلت عنه استأخر ببعيري فحط عنه ثم قيده في الشجرة، ثم تنحى إلى الشجرة فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله، ثم استأخر عني فقال: اركبي، فإذا ركبت فاستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه، فقاد بي حتى ينزل بي، فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال: زوجك في هذه القرية، وكان أبو سلمة بها نازلًا، فادخليها على بركة الله، ثم انصرف راجعا إلى مكة قال: فكانت تقول: والله ما أعلم أهل بيت في الإِسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة، وما رأيت صاحبًا قط أكرم من عثمان بن طلحه (¬1). روى بسنده (¬2) عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: إنها لما قدمت المدينة أخبرتهم أنها ابنة أبى أميه بن المغيرة؛ فكذبوها ويقولون: ما أكذب الغرائب حتى أنشأ ناس منهم إلى الحج فقالوا: ما تكتبين إلى أهلك فكتبت معهم فرجعوا إلى المدينة يصدقونها فازدادت عليهم كرامة (¬3). روى بسنده عن أم سلمة قالت: يا رسول الله، لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة (¬4)، فأنزل الله تعالى {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} (¬5). هجرة الصحابة رضوان الله عليهم إلى المدينة قال ابن إسحاق: ثم كان أول من قدمها من المهاجرين بعد أبي سلمة: عامر بن ربيعة، حليف بني عدي بن كعب، معه امرأته ليلى بنت أبى حثمة بن غانم بن عبد الله ¬

_ (¬1) الخير في عيون الأثر (ج 1/ 173). (¬2) مسند الإمام أحمد: ج 6/ 307. (¬3) أخرجه الحاكم في المستدرك (ج4/ 19) والبيهقيُّ في السنن (ج 7/ 301)، وفي الدلائل (ج 3/ 464) وابن سعد في الطبقات (ج 8/ 93). ذكر ابن عبد البر في الدرر: (ص:69): أن أبا سلمة حبست عنه امرأته أم سلمة بمكة نحو سنة. (¬4) الترمذيُّ: ج 5/ 237 كتاب تفسير القرآن باب ومن سورة النساء ح 3023. (¬5) آل عمران:195، والحديث أخرجه الحاكم في المستدرك (ج 2/ 300) وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، وأقره الذهبي.

بن عوف بن عبيد بن على بن كعب. ثم عبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، حليف بني أمية بن عبد شمس احتمل بأهله وبأخيه عبد بن جحش، وهو أبو أحمد -وكان أبو أحمد رجلًا ضرير البصر، وكان يطوف مكة، أعلاها وأسفلها، بغير قائد، وكان شاعرًا، وكانت عنده الفرعة بنت أبي سفيان بن حرب، وكانت أمه أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم- فغلقت دار بني جحش هجرة، فمر بها عتبة بن ربيعه. والعباس بن عبد المطلب، وأبو جهل بن هشام بن المغيرة؛، وهي دار أبان في عثمان اليوم التي بالردم، وهم مصعدون إلى أعلى مكة، فنظر إليها عتبة بن ربيعه تخفق أبوابها يبابا (¬1) ليس فيها ساكن، فلما رآها كذلك تنفس الصعداء، ثم قال: وكل دار، وإن طالت سلامتها ... يومًا ستدركها النكباء والحوب قال ابن هشام: وهنا البيت لأبي داود الإيادي في قصيدة له. والحوب: التوجع. قال ابن إسحاق: ثم قال عتبة بن ربيعة: أصبحت دار بني جحش خلاء من أهلها! فقال أبو جهل: وما تبكي عليه من قل بن قل. قال ابن هشام: القل: الواحد. قال لبيد بن ربيعة: كل بني حرة مصيرهم ... قل وإن أكثرت من العدد قال ابن إسحاق.: ثم قال: هنا عمل ابن أخي هنا، فرق جماعتنا، وشتت أمرنا وقطع بيننا. فكان منزل أبي سلمة بن عبد الأسد، وعامر بن ربيعة، وعبد الله بن جحش، وأخيه أبي أحمد جحش، على مبشر بن عبد المنذر بن زنير بقباء، في بني عمرو بن عوف، ثم قدم المهاجرون أرسالا، وكان بنو غنم بن دودان أهل إسلام، قد أوعبوا إلى المدينة مع رسول لله - صلى الله عليه وسلم - هجرة رجالهم ونسائهم: عبد الله بن جحش، وأخوه أبو أحمد بن جحش، وعكاشة بن محصن، وشجاع، وعقبة، ابنا وهب، وأربد بن حميرة. قال ابن هشام: ويقال ابن حميرة. ¬

_ (¬1) اليباب: القفر.

قال ابن إسحاق: ومنقذ بن نباتة، وسعيد بن رقيش، ومحرز بن نضلة، ويزيد بن رقيش، وقيس بن جابر، وعمرو بن محصن، ومالك بن عمرو، وصفوان بن عمرو، وثقف بن عمرو، وربيعة بن أكثم، والزبير بن عبيد، وتمام بن عبيدة، وسخبرة بن عبيدة ومحمَّد بن عبد الله بن جحش. ومن نسائهم: زينب بنت جحش، وأم حبيب بنت جحش، وحذامة بنت جندل، وأم قيس بنت محصن، وأم حبيب بنت ثمامة، وآمنة بنت رقيش، وسخبرة بنت تميم، وحمنة بنت جحش. وقال أبو أحمد بن جحش بن رئاب، وهو يذكر هجرة بني أسد بن خزيمة من قومه إلى الله تعالى وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وإيعابهم في ذلك حين دعوا إلى الهجرة: ولو حلفت بين الصفا أم أحمد ... ومروتها بالله برت يمينها لنحن الألى كنا بها ثم لم نزل ... بمكة حتى عثا سمينها بها خيمت غنم بن دودان وابتنت ... وما إن غدت غنم وخف قطينها (¬1) إلى الله تغدو بين عن مثنى وواحد ... ودين رسول الله بالحق دينها وقال أبو أحمد بن جحش أيضًا: لما رأتني أم أحمد غاديا ... بذمة من أخشى بغيب وأرهب تقول: فإما كنت لابد فاعلا ... فيمم بنا البلدان ولتنأ يثرب فقلت لها: بل يثرب اليوم وجهنا ... ومنا يشأ الرحمن فالعبد يركب إلى الله وجهي والرسول ومن يقم ... إلى الله يوما وجهه لا يخيب فكم قد تركنا من حميم مناصح ... وناصحة تبكي بدمع وتندب ترى أن وترًا نأينا عن بلادنا ... ونحن نرى أن الرغائب نطلب دعوت بني غنم لحقن دمائهم ... وللحق لما لاح للناس ملحب أجابوا بحمد الله لما دعاهم ... إلى الحق داع والنجاح فأوعبوا وكنا وأصحابا لنا فارقوا الهدى .. أعانوا علينا بالسلاح وأجلبوا ¬

_ (¬1) القطين: القم المقيمون.

نزول المهاجرين العصبة بجانب قباء رضوان الله عليهم

كفوجين: أنا منهما فموفق ... على الحق مهدي، وفوج معذب طغوا وتمنوا كذبة وأزلهم ... عن الحق إبليس فخابوا وخيبوا ورعنا إلى قول النبي محمَّد ... فطاب ولاة الحق منا وطيبوا نمُتّ بأرحام إليهم قريبة ... ولا قرب بالأرحام إذ لا نقرب فأي ابن أخت بعدنا يأمننكم ... وأية صهر بعد صهري ترقب ستعلم يوما أيُّنا إذ تزايلوا ... وزيل أمر الناس للحق أصوب قال ابن هشام: قوله "ولْتَنْأَ يثرب"، وقوله "إذ لا نقرب"، عن غير ابن إسحاق قال ابن هشام يريد بقوله: "إذ"، إذا، كقول الله -عَزَّ وجَلَّ-: {إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ}. قال أبو النجم العجلي: ثم جزاه الله عنا إذا جزى ... جنات عدن في العلالي والعلا نزول المهاجرين العصبة بجانب قباء رضوان الله عليهم حدثنا محمَّد بن عثمان العجلي، قال ثنا ابن نمير، عن عبيد الله، عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: إن المهاجرين حين أقبلوا من مكة إلى المدينة نزلوا العصبة إلى جنب قباء، فأمهم سالم مولى أبي حذيفة لأنه كان أكثرهم قرآنا فيهم أبو سلمة بن عبد الأسد وعمر -رضي الله عنهم-. (¬1) هجرة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) روى ابن إسحاق بسنده عن عمر بن الخطاب قال: اتعدت لما أردنا الهجرة إلى المدينة أنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص بن وائل السهمي التناضب من أضاة بني غفار فوق سرف، وقلنا: أينا لم يصبح عندها فقد حبس فليمض صاحباه، قال: فأصبحت ¬

_ (¬1) رواه البخاري وأبو داود 692، 588.

أنا وعياش بن أبي ربيعة عند التناضب وحبس عنها هشام وفتن فافتتن، فلما قدمنا المدينة نزلنا في بني عمرو بن عوف بقباء، وخرج أبو جهل بن هشام والحارث بن هشام إلى عياش بن أبي ربيعة، وكان ابن عمهما وأخاهما لأمهما، حتى قدما علينا المدينة، ورسول الله صلى الله عله وسلم بمكة، فكلماه، وقالا: إن أمك قد نذرت أن لا يمس رأسها مشط حتى تراك، ولا تستظل من شمس حتى تراك، فرق لها، فقلت له: يا عياش إنّه والله إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم، فوالله لو قد آذى أمك القمل لامتشطت، ولو قد اشتد عليها حر مكة لاستظلت، قال: فقال: أبر قسم أمي، ولي هنالك مال فآخذه، قال فقلت: والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالًا، فلك نصف مالي ولا تذهب معهما، قال: فأبي علي إلا أن يخرج معهما، فلما أبى إلا ذلك قلت: أما إذ قد فعلت ما فعلت فخذ ناقتي هذه فإنها ناقة نجيبة ذلول فالزم ظهرها، فإن رابك من القوم ريب فانج عليها، فخرج عليها معهما. حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال له أبو جهل: والله يا أخي لقد استغلظت بعيرى هذا، أفلا تعقبني على ناقتك هذه؟ قال: بلى، قال: فأناخ وأناخا ليتحول عليها، فلما استووا بالأرض عدوا عليه فأوثقا. وربطاه ثم دخلا به مكة وفتناة فافتتن. (¬1) فكنا نقول: ما الله بقايل ممّن افتتن صرفا ولا عدلا ولا توبة؛ قوم عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم، قال: وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم، فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة أنزل الله تعالى فيهم وفي قولنا وقولهم لأنفسهم: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} قال عمر بن الخطاب: فكتبتها بيدي في صحيفة، وبعثت بها إلى هشام بن العاصي، قال: فقال هشام: فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى أصعد بها فيه وأصوب ولا أفهمها، حتى ¬

_ (¬1) ابن هشام: ج 2/ 84.

قلت: اللَّهم فهمنيها، قال: فألقى الله تعالى في قلبي أنها إنما أنزلت فينا وفيما كنا نقول لأنفسنا ويقال فينا، قال: فرجعت إلى بعيري فجلست عليه فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم. أبو عثمان النهدي -رحمه الله- قال: "سمعت ابن عمر يغضب إذا له: إنّه هاجر قبل أبيه، قال ابن عمر: قدمت أنا وعمر على النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، فوجدناه قائلا، فرجعنا إلى المنزل، فأرسلني عمر، فقال: اذهب فانظر: هل استيقظ؟ فوجدته قد استيقظ، فبايعته، ثم انطلقت إلى عمر، فجئنا نهرول، فبايعه، ثم بايعته" (¬1) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (شرح الغريب) القائل: الذي أقام وقت شدة الحر، إما في مكان أو بيت، لينكسر الحر يخرج أو يسير.

اشتغاله بالتجارة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أيام الموسم قبل هجرته إلى المدينة

اشتغاله بالتجارة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أيام الموسم قبل هجرته إلى المدينة عن سويد بن قيس، قال: جلبت أنا ومخرفة العبدي بزًا من هجر فأتينا به مكة فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يمشي، فساومنا بسراويل: فبعناه، وثم رجل يزن بالأجر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (زن وأرجح). (¬1) عن سويد بن قيس قال: جلبت أنا ومخرفة العبدي بزًا من هجر، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ونحن بمني، ووزان يزن بالأجر، فاشترى منا سراويل، فقال للوزان: (زن وأرجح). (¬2) عن سماك بن حرب. قال: سمعت مالكًا، أبا صفوان بن عميرة، قال: بعت من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم رجل سراويل قبل الهجرة. فوزن لي، فأرجح لي. (¬3) عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (إذا وزنتم فأرجحوا). عن أبي صفوان بن عميرة، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، بمكة قبل أن يهاجر -بهذا الحديث- ولم يذكر يزن بأجر. (¬4) ¬

_ (¬1) صحيح ابن ماجه 2220. (¬2) صحيح ابن ماجه 2220. (¬3) صحيح أحاديث البيوع. (¬4) صحيح ابن ماجه 2221.

أحداث في سيرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)

أحداث في سيرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) * لما دخل في الثامنة والثلاثين من عمره صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حبب إليه الخلاء. * لما دخل في التاسعة والثلاثين من عمره صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم نزل عليه القرآن الكريم ونبئ باقرأ، ثم كانت فترة النبوة ثلاث سنوات. * لما بلغ الثانية والأربعين من عمره صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم نزلت عليه سورة المدثر وأرسل إلى الناس، ثم كانت الدعوة إلى الإسلام في السر مدة ثلاث سنوات. * لما دخل في الخامسة والأربعين من عمره صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم نزلت عليه آية {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} فدعا إلى الإِسلام جهرًا. * لما دخل في السادسة والأربعين من عمره صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة. * لما دخل في السابعة والأربعين من عمره صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حاصرت قريش بني هاشم في الشعب قرابة ثلاث سنوات. * في العام التاسع والأربعين من عمره صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم توفيت زوجته خديجة بنت خويلد أم المؤمنين -رضي الله عنها-.

* في العام الخمسين من عمر - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى الطائف يدعو ثقيف إلى الإِسلام. * في العام الواحد والخمسين من عمره - صلى الله عليه وسلم - أسري به ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى. * في العام الثاني والخمسين من عمره - صلى الله عليه وسلم - كانت العقبة الأولى وإسلام الجن. * في العام الثالث والخمسين من عمره - صلى الله عليه وسلم - كانت العقبة الآخرة وهجرة الصحابة رضوان الله عليهم إلى المدينة.

§1/1